هل يكفر السائق غير المتسبب في القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أتاني شخص يسأل سؤالا ويريد الإجابة على السؤال في أسرع وقت ممكن حيث يقول عنده صديق عمل حادث سيارة مع شخص آخر وكانت نتيجة الحادث بأن توفي سائق السيارة الأخرى وكان معه أشخاص آخرون توفوا معه وهم ثلاثة أشخاص وكان الشخص المتوفى هو الذي تسبب في الحادث فما حكم الإسلام في ذلك من ناحية الكفارة؟ فمنهم من قال لي يستوجب عليك الصيام وفي أحد المذاهب لا أذكره بالضبط يرخص لك في عدم الصيام فما الحكم في ذلك؟ وهل يجوز لي أن آخذ بإحدى المذاهب في التكفير عن الأشخاص الذين أصطدموا بي وتوفوا أم هناك حل آخر؟
أفيدونا بارك الله فيكم بالله عليكم أريد الجواب في أسرع وقت وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان سائق السيارة الأخرى هو المتسبب في الحادث كما ذكرت، ولم يكن في إمكان الشخص الذي هو موضع السؤال تفادي الحادث بأي وسيلة من الوسائل، فإنه لا ضمان عليه فيما حصل، وبالتالي فلا كفارة عليه، وراجع في هذا فتوانا رقم: 26547.
وإذا كان في الإمكان تجنب الحادث من طرف السائق المذكور، ولكنه لم يفعل لعدم انتباهه، فإن هذا القتل يعتبر قتل خطأ، ويلزم فيه أمران:
الأول: هو الدية عن كل مقتول وتحملها عاقلة القاتل، وقد تتوزع بين عائلتي السائقين إذا اشتركا في سبب القتل ويتم توزيعهما حسب حجم المشاركة في الخطأ الذي نجم عنه القتل.
والثاني: كفارة يؤديها السائق وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين عن كل واحد قال في مطالب أولى النهي: وتتعدد الكفارة بتعدد مقتول كتعدد الدية بذلك لقيام كل قتيل بنفسه وعدم تعلقه بغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(15/426)
هل يقطع صيام رمضان التتابع في صوم كفارة القتل الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[أقضي كفارة القتل الخطإ وسيقطع رمضان كفارتي ما حكم صيام يوم الشك ويوم العيد؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 43036، أن صيام يوم العيد لا يجوز وأن الفطر فيه لا يقطع تتابع الصيام الذي يجب تتابعه، وكذلك صيام رمضان لا يقطع التتابع هذا ما ذهب إليه الحنابلة خلافا للجمهور، إلا أن قول الحنابلة في هذه المسألة هو الراجح عندنا كما بينا في الفتوى رقم: 14184. وكذلك الحيض فإنه لا يقطع تتابع الصيام عند عامة الفقهاء لأنه ينافي الصوم ولا تخلو منه ذات الأقراء في الشهر غالبا ولأن التأخير إلى سن اليأس فيه خطر على الصيام. وأما صيام يوم الشك فقد أوضحنا في الفتوى رقم: 43100، أنه غير مشروع في قول أكثر أهل العلم، لكن العلماء نصوا على أن صيامه يجوز لمن كان له عادة صوم، أو كان يسرد الصوم فصامه تطوعا، بل قد نص فقهاء المذهب المالكي على مشروعية صيامه عادة وتطوعا وقضاء وكفارة ولنذر صادق ـ قال في مختصر خليل بن إسحاق المالكي: وصيم عادة وتطوعا وقضاء وكفارة ولنذر صادق لا احتياط. انتهى. أي لا يشرع صومه على أنه قد يكون من رمضان، وقال النووي في المجموع: قال الخطيب: أجمع علماء السلف على أن صوم يوم الشك ليس بواجب إلى أن قال: فكره جمهور العلماء صيامه إلا أن يكون له عادة بصوم فيصومه عن عادته أو كان يسرد الصوم فيأتي ذلك في صيامه فيصومه. انتهى. وعليه فإن من صامه ضمن صيام الكفارة لم ينقطع تتابعه؛ وبناء على قول الحنابلة الذي نختاره هنا فإن السائلة تبني على ما صامته قبل رمضان ثم تكمل الباقي بعد يوم الفطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(15/427)
هل تجب الكفارة على من قتل كافرا خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أني دعست هندوسيا بسيارة ومات وكان في شهر رمضان وسألت الشيخ فقال ما عليك الكفارة التي هي صيام شهرين متتابعين. وعند الشيخ الذي في المحكمة قال عليك كفارة صيام شهرين متتابعين وسألته وقلت هو هندوسي قال الشيخ الكفار كالمسلمين، وأحسست أنه تلعثم وأنا الآن في حيرة هل علي كفارة صيام شهرين متتابعين أم لا؟ وأنا دفعت الدية أتمنى الرد بأسرع ما يمكن والله يعطيكم العافية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه في قتل الخطأ: فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء: 92} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عقل الكافر نصف دية المؤمن أو المسلم. رواه أصحاب السنن.
وعلى هذا، فما دام هذا الهندوسي غير محارب وكان قتله خطأ فإن عليك ديته وهي على عاقلتك، ومقدارها نصف دية المسلم على الراجح من أقوال أهل العلم.
كما أن عليك أن تصوم شهرين متتابعين، كما في الآية الكريمة لعدم وجود الرقبة.
وما دمت دفعت الدية فالباقي عليك هو الصيام ندبا عند المالكية، ووجوبا عند الثلاثة.
قال في تبيين المسالك في مذهب الإمام مالك: وتندب الكفارة لمسلم حر قتل عبدا أو كافرا معصوما خطأ. ثم قال: وقال الثلاثة: تجب في قتل العبد والكافر المعصوم خطأ.
ولعل هذا هو الراجح، لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ {النساء: 92} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(15/428)
القابلة الجاهلة تضمن ما ترتب على خطئها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي تبلغ من العمر خمسة وسبعون سنة تزوجت وهي في الثالثة عشر وهي أمية لا تقرأ أو تكتب أنجبت طفلا في الشهر السابع والتي قامت بمساعدتها (القابلة) وهي امرأة تساعد النساء عند الولادة في ذلك الزمان وتعمل في المستشفى أيضا، قامت هذه المرأة بوضع الطفل في فراش من الصوف وطلبت من والدتي عدم إرضاعه وأخبرتها أنها لم تقطع الحبل السري لدى فسوف يتغذى الطفل عبر هذا الحبل وعاش الطفل لمدة حوالي يوم كامل ثم توفي دون أن ترضعه والدتي. والسؤال هل على والدتي إثم في موت هذا الطفل؟ وإذا كان عليها كفارة من صيام فهل نستطيع نحن أبناؤها أن نصوم عوضا عنها علما بأن والدتي تعاني من مرض ضغط الدم والربو ونقص الكالسيوم وأذا كان هناك أي حل أخر أفيدونا أكرمكم الله و ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... جزاكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت القابلة العاملة في المستشفى عندها من العلم بالطب ما يصل لمستوى تعرف به عدم إمكان قطع الحبل السري بسرعة وأنه يمكن تغذي الولد بواسطة الحبل السري واستغنائه عن الرضاعة وأطاعتها الأم في عدم إرضاع الولد فإنه لا حرج ولا إثم على الأم في ذلك.
وإن كانت القابلة جاهلة بهذه الأمور وكان فعلها سببا في موت الصبي فإن من المعلوم أن من تطبب وهو لا يعلم الطب يضمن ما ترتب على خطئه، لما في الحديث: من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن. رواه أبو داود.
ولا إثم على الأم إذا كانت قلدت القابلة تظنها على علم بما تقوله، وأما إن كانت تعلم جهلها فإنهما يشتركان في الإثم إذا كان ما حصل هو سبب موت الولد، ولا بد من استشارة الأطباء في هذه الأمور، ويمكنكم استشارة قسم الاستشارات بالشبكة لتعلموا رأي الأطباء في الموضوع ورأيهم في إمكان صوم الوالدة، وليعلم أنه إذا كان عليها صوم فإنه لا يجزئ صيامكم عنها ما دامت حية، وأما بعد وفاتها فالراجح أنه يشرع صومكم عنها، وراجع في هذا وللمزيد فيما سبق الفتاوى التالية أرقامها: 18276، 43940، 20771، 50129، 5852، 10717.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(15/429)
أحكام الكفارة في حالة ما إذا اصطدم اثنان فماتا، أو قتل نفسه خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
شقيقي كان في رحلة العمرة، وكان معه في سيارته أبواي وزوجته وبنتان وابن وعمر جميع أولاده أقل من خمس سنوات. فانقلبت السيارة وتوفي في الحادث أبي وأمي وأخي.
والآن لم يكن وقت الحادث إلا زوجته وهي كانت في حالة خوف وفزع ولا نعرف من توفي قبل ومن توفي بعد.
حسب زوجة أخي أنها وجدت الوالدين قد توفيا، ولما وصلت إلى أخي أي زوجها , لأنهما وقعا على أماكن مختلفة بسبب الحادث، وجدته يتنفس بنفسات شديدة. فهل نثق في قول هذه المرأة؟ فهل يرث أخي من مال الوالدين أم لا؟ أم يرث الوالدان من مال أخي أم لا؟
أين تمضي عدة هذه المرأة لأن زوجها توفي في السفر وكان زوجها يعمل في قطر، فهل ترجع إلى قطر وتعتد مع العلم أنه لايوجد لها محرم في قطر؟ ولم يكن له بيت مستقل في الهند لأنه يسافر لقضاء الإجازة فقط ويمكث في بيت الوالدين لمدة وكانت تسكن زوجته مع والديها في هذه الإجازة، فأين تعتد، وله بيت مؤجر.
ومن سيكفل أولاد أخي؟ ومن ينفق عليهم؟ ومن يشرف على الميراث الذي سيحصلون عليه من أبيهم لأنهم صغار جداً. هل جدهم من الأم؟ الأخوال أم الأعمام؟
ومن يملك أثاث البيت الموجود في قطر هل هو من ملك الزوجة، علماً أن الزوجة لم يكن عندها مال ولا عمل، كل ما يوجد هو مما اشتراه أخي.
حسب إفادة الشرطة والناس أنه كان مسرعا فوق اللزوم فهل هذا يعني أنه يدفع من أمواله لمن كان معه في السيارة وأصابته الجروح الشديدة، لأن ابن أختي كان معهم في السيارة وهو في حالة الغيبوبة منذ أسبوع، نرجو له الشفاء وقد انكسرت رجله وأصابته الجروح، هل من الواجب أن يؤخذ من أمواله لعلاج هذا الشخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لوالديك وأخيك الرحمة والمغفرة، ولابن أختك العافية والشفاء.
وأما سؤالك فقد تضمن خمس مسائل:
المسألة الأولى: التوارث بين من ماتوا جميعا في حادث سيارة مع الشك في المتقدم والمتأخر، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة، والراجح من أقوالهم ما ذهب إليه الجمهور، وهو أنه لا يرث أحد منهم من الآخر، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 18381 وأما شهادة زوجة أخيك فلا تكفي بينة على موته بعد والديه، لا سيما وأنها متهمة بالسعي لتوريث زوجها من والديه فيزيد نصيبها من تركته.
المسألة الثانية: المكان الذي تعتد فيه زوجة أخيك: والأصل في المرأة أن تعتد في البيت الذي كانت تسكنه قبل موت زوجها، وعلى هذا، فالأصل أن تعتد في بيتها في قطر، وهذا فيما إذا أمكنها الرجوع وكانت المسافة أقل من مسافة القصر.
وأما إذا كانت على مسافة القصر أو أكثر من بيت زوجها فجمهور الفقهاء على أنه يجوز لها أن تعتد في المكان الذي هي فيه إذا كانت تأمن على نفسها، ويجوز لها الرجوع إلى بيت الزوجية إذا وجد معها محرم، وتراجع الفتوى رقم: 22833.
وإذا قدر حصول ضرر عليها بسكناها ببيت الزوجية جاز لها الانتقال إلى المنزل الذي تأمن فيه على نفسها، وراجع الفتوى رقم: 43485.
المسألة الثالثة: الولاية على هؤلاء الأيتام: فإنها تكون عند فقد الأب وأبيه -وهو الجد- لوصي الأب، فإن لم يوجد فقاض، وهذا مذهب الشافعية، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 28545.
المسألة الرابعة: أثاث البيت، والحكم فيه أنه إذا قامت البينة على أن الزوج هو الذي قام بتأثيثه ولم تشترك فيه الزوجة أو شهد العرف بذلك فالأثاث حق لورثة الزوج، وإذا وقع الخلاف ولم تكن بينة أو عرف فما يصلح للرجال يكون لورثة الزوج مع اليمين، وما يصلح للنساء يكون للزوجة مع اليمين، وراجع الفتوى رقم: 18381.
المسألة الخامسة: الدية في قتل النفس أو فيما دون النفس: فإذا ثبت من جهة الاختصاص أن الحادث قد وقع بتفريط من أخيك فتجب عليه دية والديك وتتحملها عاقلته، وهم أقرباؤه من جهة الأب.
وأما الكفارة فقد نص فقهاء الشافعية على وجوب الكفارة في حالة ما إذا اصطدم اثنان فماتا، ففي "أسنى المطالب": وعلى كلٍ من المصطدمين في تركته كفارتان، إحداهما لقتل نفسه والأخرى لقتل صاحبه لاشتراكهما في إهلاك نفسين. انتهى.
والراحج انه لا كفارة عليه في قتل نفسه، وهو اختيار ابن قدامة، فقد قال في "المغني": والأول أقرب للصواب إن شاء الله، فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة. انتهى.
وعلى هذا، فالواجب في تركة أخيك كفارتان عن قتله لوالديه خطأ، والواجب في تركته أيضا تعويض ابن أختك عما لحقه من ضرر، وفي تفاصيل هذه المسألة: خلاف بين أهل العلم يرجع إليه في كتب الفقه.
وننبه إلى أن مثل هذه المسائل محل للنزاع والخصومات، فالأولى أن تراجع فيها المحاكم الشرعية، لأن حكم القاضي ملزم ورافع للخلاف في القضايا الاجتهادية، فإن لم توجد محكمة شرعية فجماعة المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1425(15/430)
لا يؤاخذ الإنسان بما لم يتسبب فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين
أنا امرأة عمري حوالي 58 سنة ابني متزوج ولديه أربع بنات أكبرهن عمرها 5 سنوات والصغيرة عمرها 9شهور تقريبا زوجة ابني مدرسة تذهب إلى المدرسة وأنا أبقى في رعاية بنات ابني حال غياب أمهم، وفي أحد الأيام بعد أن رجعت أمهم من العمل خرجت كالمعتاد لقضاء بعض الأشياء في فناء المنزل منزل ابني يبعد عن منزلي حوالي 20 مترا دخلت إحدى البنات وعمرها سنتان إلى حجرتي الخاصة وتحت السرير كان هناك دواء أستعمله منذ 15 سنة علاجاً من الروماتزم تناولت الطفلة كمية كبيرة من الحبوب حيث الحبوب كانت من النوع المقبول الطعم وقوية من الناحية العلاجية الطبية، جزاكم الله ما حكم الشرع علي؟ هل يلحقني إثم في ذلك أو صيام، أفيدونا رحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من السؤال أنه ليس عليك شيء فيما يحدث للبنت التي استعملت الدواء من غير قصد منك، والإنسان إنما يؤاخذ بما كسبت يده، أو بما كان قد تسبب فيه.
أما وأنك لم تقدمي الدواء للبنت ولم تشاهديها تتناوله، ولم يكن لك أي سعي ولا كسب فيما فعلته هي، فلا إثم عليك فيما حصل ولا صيام، ومثل حالتك هذه لا يختلف عن حالة من له سكين قد جعلها في متاعه، فاستخرجها شخص وقتل بها نفسه، أو من حفر بئراً للشرب والسقي، فوقع فيها غيره، واتركي التفكير في مثل هذه الأمور، فإنه من الوساوس التي لا يليق بالمسلم أن يسلم لها نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(15/431)
العدد معتبر في الكفارات
[السُّؤَالُ]
ـ[وبعد، فعلي كفارات إجتمعت تكفي لإطعام ألف مسكين في العراق ولي خالتان لهما عيال إحداهن تبكي أنها تقضي صلاة أموات الناس بالأجر بكاء على العمل المنحرف اضطرته لتطعم بناتها يريدان لقيمات يطعمها صغارهما ولست بالغني الذي يطعم بكفاراته عدد ما ينبغي عليه من المساكين ثم أستزيد فأبعث مثلها لخالتي أفأرسل كل مال الكفارات إلى خالتي يطعمان بها عيالهما لسنتين أو ثلاث بدل أن أطعم بالمال مساكين أجانب مرة واحدة ويكون لخالتي وعيالهما منها وجبة وإن رزقت بعد مال مثله فعيالهما صغار والعمر طويل والله أعلم
أفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان عدد المساكين في كفارة اليمين معتبرا أم لا.
والذي عليه الأحناف وهو رواية عن أحمد أن العدد غير معتبر، وبالتالي يمكن إعطاء الكفارة إلى مسكين واحد.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الكفارة لا يصح أن تدفع إلى عدد من المساكين أقل من عشرة في اليمين وستين في كفارة الظهار والصيام.
وراجع في هذا الموضوع فتوانا رقم: 06602.
والذي نراه راجحا في المسألة هو قول الجمهور لأن الشارع نص على العدد فلا بد من اعتباره.
وبناء عليه فإذا كانت الكفارات التي عليك من النوع الذي يكفر بإطعام ستين مسكينا فإن كان لخالتيك من العيال ما يبلغ ستين مسكينا جاز أن تدفع لهما جميع مالزمك من الكفارات، ولكن يحسن أن لا تعطيهما الكفارات دفعة واحدة، خروجا من الخلاف، لأن بعض أهل العلم لا يجيز دفع مدين من كفارتين في يوم واحد.
قال ابن قدامة في المغني:
" ولو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأ في إحدى الروايتين، وهذا مذهب الشافعي. وقال الباجي في المنتقى: " فإن أطعم عشرة مساكين مدا مدا عن كفارة ثم أعاد عليهم عن كفارة أخرى، فقد كره مالك ذلك ... ) .
وأما إن كان عيال الخالتين معا لا يبلغ ستين مسكينا، فإن كان يبلغ عشرة جاز أن تعطيهما جميع كفارات الأيمان بالطريقة السابقة،
وإن لم يكن عيالهما معا يبلغ العشرة فإن لك أن تعطيهما من كل كفارة عدد عيالهما، وتصرف الباقي إلى مساكين آخرين، وتفعل مثل ذلك في الكفارات التي يطلب فيها ستون مسكينا لأن إعطاء مسكيٍن
واحدٍ مرتين من كفارة واحدة لا يصح عند الجمهور، كما تقدم بيانه.
وتفعل مثل ما ذكرنا في كفارة التفريط في قضاء رمضان باعتبار أن السنة الواحدة بمنزلة الكفارة الواحدة، فلا يعطى منها للمسكين الواحد مرتين، وهكذا..
واعلم أن إعطاء الصدقات لذوي الرحم الذين لا تلزم نفقتهم أفضل من إعطائها لمساكين ليسوا ذوي رحم، أخرج الإماام أحمد وأصحاب السنن والدرامي من حديث سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: " الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة ... )
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(15/432)
ضرب ولدا صغيرا حتى توفي ويشك في قدرته على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف حالكم جميعا كيف حالك يا شيخ الفقيه.
عندى صديقي يقول: إنه قد ضرب ولداً صغيراً وقد توفي منذ سنوات، علماً بأن لديه كلية واحدة ولا يعرف، هل يستطيع الصيام أم لا، وهل يجوز له صدقة أم لا، وإن كان يستطيع الصيام فهل يجوز له الصدقة أم الصيام؟ وجزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقتل الأنفس المحرم قتلها ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
- قتل العمد.
- قتل شبه العمد.
- قتل الخطأ.
1/ قتل العمد: وهو أن يتعمد القاتل إزهاق روح المقتول بأن يتخذ لقتله الوسائل القاتلة عادة كالسيف وإطلاق الرصاص أو أن يرض رأسه بين حجرين أو نحو ذلك.
2/ قتل شبه العمد: هو أن يتعمد القاتل الفعل كالضرب مثلاً، ولا تكون نيته القتل.
3/ وقتل الخطأ: هو أن تحصل الإصابة من غير قصد، كأن يقصد القاتل حيواناً فيخطىء في الرمي ويصيب إنساناً فيموت.
وكنا قد بينا أنواع القتل كلها والأحكام المترتبة على كل نوع، فراجع فيها فتوانا رقم: 11470، والفتوى رقم: 47073.
ومن لم يجد رقبة، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يكن يستطيع الصيام فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان عليه أن يطعم ستين مسكيناً أو لا، وراجع فيه الفتوى رقم: 5914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(15/433)
مذاهب العلماء فيما يجب إذا قتل الصبي غيره خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[لما كان عمر أمي 3 سنوات كانت نائمة بجوار أمها أي جدتي وكانت نائمة بينهما خالتي التي كانت تبلغ من العمر أقل من عام ولما نهضت جدتي في الصباح وجدت الرضيعة ميتة وفي أنفها قطرات من الحليب.
فقالت جدتي إن أمي هي التي تدحرجت على خالتي وهن نيام فقتلتها
السؤال: هل يحتمل أن تكون جدتي هي التي غمت خالتي بدليل وجود قطرات الحليب في فم خالتي. وما هو الحكم في هذه الحالة مع العلم بأن جدتي قد توفيت.
إ ن كانت أمي هي التي قتلت خالتي فما هو الحكم في هذه الحالة مع العلم بأن أمي كان عمرها آنذاك 3 سنوات وهي الآن تبلغ من العمر60 سنة.
انتهى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقتل خطأ تلزم فيه الدية والكفارة بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين، قال تعالى: [وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا] إلى قوله: [فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] (النساء: 92) .
والأصل البراءة، فلا يجب شيء من الدية والكفارة بمجرد الشك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 10717.
وبناء عليه، فإن وجدت أدلة على أن موت الرضيعة كان بسبب فعل أي من أمك أو جدتك، فإن الكفارة تكون في مال من تسبب منهما في القتل مع أن إيحاب الكفارة على الصبي مختلف فيه، فجمهور أهل العلم على أنها تجب في ماله خلافا للأحناف، قال ابن قدامة في "المغني": وإذا قتل الصبي والمجنون وجبت الكفارة في أموالهما، وكذلك الكافر، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا كفارة على واحد منهم، لأنها عبادة محضة تجب بالشرع، فلا تجب على الصبي والمجنون والكافر كالصلاة والصيام ... (8/401) .
وقال خليل بن إسحاق المالكي: وعلى القاتل الحر المسلم وإن صبيا أو مجنونا أو شريكا إذا قتل مثله معصوما خطأ عتق رقبة، ولعجزها شهران.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" وهو حنفي: فلا تجب الكفارة على الكافر والمجنون والصبي، لأن الكفار غير مخاطبين بشرائع هي عبادات، والكفارة عبادة، والصبي والمجنون لا يخاطبان بالشرائع أصلا ... (7/252) . والمعول عليه مذهب الجمهور.
وأما الدية فهي على عاقلة من تسبب منهما في القتل.
وإن لم يوجد دليل على أن أياً منهما كانت هي المتسببة في القتل فلا شيء على أي منهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(15/434)
من عجز عن صيام شهرين في كفارة قتل الخطأ هل يطعم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقود سيارتي عائدا من مهمة عمل طويلة وكنت مجهدا وغلبني النعاس ثوان معدودة أفقت بعدها لأجد السيارة قد تحطمت بالكامل ووجد رجل على مسافة بعيدة ولكنه قد فارق الحياة وهناك شك في أن أكون قد صدمته أثناء نومي، ما حكم الدين هنا من فدية أو صيام شهرين متتابعين وهل هنالك كفارة أخرى كإطعام مساكين أو ما شابه.أرجو إفادتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل قد مات بسبب صدمك له، ويعرف هذا بالقرائن والعلامات التي توجد على جثته، فيجب عليك أن تدفع ديته إلى ورثته، وأن تعتق رقبة، فإن عجزت عنها لعدم وجودها أو لعدم امتلاكك لثمنها فعليك أن تصوم شهرين متتابعين، فإن عجزت عن الصيام ففي الانتقال إلى الإطعام خلاف بين أهل العلم، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 23714، ثم راجع أيضاً الفتوى رقم: 2152، والفتوى رقم: 22750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(15/435)
قتل رجلا خطأ ثم توفي ولم يصم الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي توفي من13سنة وكان قد قتل رجلا بحادث سيارة بدون قصد طبعا وتم حبسه في حينها ولا يوجد لذلك الرجل أهل ولم يسأل عنه أحد الآن بعد أن هدانا الله قرأت في القرأن أنه من قتل نفسا بغير عمد فعليه كفارة صيام شهرين متتابعين ولما كان أبي جاهلا في أحكام الدين ولم يصم فهل نصوم عنه أنا وإخوتي وهل يجب أن يكون متتابعا؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من قتل مؤمناً خطأ تلزمه كفارة هي: تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين، وتلزم عاقلته دية، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء:92) ، فما دام أبوك قد قتل رجلاً خطأ وتوفي -رحمه الله- دون أن يكفر عن ذلك، فالواجب أن تعتق رقبة من ماله، فإن لم توجد الرقبة أمكن أن يصوم عنه أحد استحباباً لا وجوباً شهرين متتابعين.
وعليه؛ فالمستحب أن يصوم أحدكم شهرين متتابعين إذا لم يكن يوجد ما يعتق عنه، وأما أن توزعوا الصيام بينكم، فالظاهر أن ذلك ينافي التتابع فلا يصح إذن.
ثم إن الواجب في شأن الدية أن تخرجها عاقلة القاتل، إن كانت له عاقلة، فإن لم تكن له عاقلة أخذت من ماله هو، وراجع في هذا الفتوى رقم: 10132، وهذه الدية تعطى لورثة المقتول إن كان له ورثة، فإن لم يكن له ورثة فبيت المال وارث من لا وارث له، فتصرف إذن في المصالح العامة للمسلمين إذا لم يكن هناك بيت مال قائم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(15/436)
صيام الكفارة للسائق الذي قتل أربعة خطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى جار ومهنته سائق تاكسي وقد عمل حادث سير ومعه ركاب حيث أربعة منهم وافاهم الأجل وعليه أسأل هل عليه كفارة لكل واحد منهم شهران متتابعان علما بأنه صام الآن شهرين متتابعين هل هذه المدة تكفي أرشدونا يرحمكم الله وأجركم على الله/حاجى ليبيا
(سالت هذا السوال وقلتم لى يتعذر لوجود سؤال سابق مشابه نأمل إعطائى رقم الفتوى لو سمحتم وشكرا) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على مثل سؤالك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6821 / 3120 / 7005 / 11035.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(15/437)
العتق عن الغير يصح بأمره
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص عليه كفارةالعتق أو صيام شهرين بسبب أنه صدم طفلة وماتت,,هل يجوز أن تعتق أمه رقبة بدلا عنه,,, علما بأنه صام مرتين ولم يكمل صيامه..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن تهب الأم رقبة لولدها ليعتقها كفارة عن قتل أو غيره، أو تعتقها هي عنه بعد أن تخبره أنها قد وهبتها له ثم يوكلها على تنفيذ العتق نيابة عنه.
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: هي عبادات وقربات لا تصح إلا بالنيات. اهـ.
وقال ابن نجيم: وأما الكفارات فالنية شرط لصحتها عتقا أوصياما أو إطعاما. اهـ.
وقال الشافعي في الأم: ولو أن رجلا كفر عن رجل بغير أمره فأطعم أو أعتق لم يجزه. اهـ.
وقال السرخسي في المبسوط: ولو أعتق رجل عنه بغير أمره لم يجزه عن ظهار، لأن المعتق عن المعتق ونيته من غيره لغو. اهـ.
وفي الحديث المشهور: إنما الأعمال بالنيات. رواه البخاري وغيره، ولمعرفة حكم قطع التتابع في صيام الكفارة راجعي الفتويين رقم: 14184،والفتوى رقم: 39181.
والله أعلم. ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1424(15/438)
صيام كفارة القتل عن الميت وشروط ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي قبل أن تتوفى كان لها ابن نامت عليه وهي ترضعه دون أن تدري فمات الابن.ولم تصم 60 يوما الكفارة
والآن أبناؤها يريدون أن يؤدو عنها الكفارة فهل يجوز وكيف يتعاونون على الصيام فهل يتقاسم أبناؤها المدة ... أرجو الإفادة ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله تعالى لأمكم الرحمة والمغفرة، ثم إن عليكم أن تعلموا أن الصوم عن الميت مسألة خلاف بين أهل العلم، منهم من منعها، ومنهم من أباحها مطلقا، ومنهم من خصها بالنذر دون سائر أنواع الصيام.
لكن الذي رجحه الإمام النووي في المجموع هو جواز الصوم مطلقا، فقال: قلت: الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت، سواء صوم رمضان والنذر وغيره، للأحاديث الصحيحة ولا معارض لها، ويتعين أن يكون هذا مذهب الشافعي، لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" بعد أن ساق الحديث المتفق عليه، وهو: من مات وعليه صيام، صام عنه وليه. فيه دليل على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان.
وعلى هذا، فالأحوط أن تصوموا عن أمكم تلك الكفارة إذا تعذر وجود رقبة، لكن يشترط لجواز ذلك أن يكون الصائم واحدا، لحتمية التتابع.
قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" بعد أن ذكر جواز توزيع الصيام على الورثة في غير صوم الظهار ونحوه: وأما لو كان كفارة الظهار بأن يكون شهرين متتابعين، فلا يمكن أن يقتسمه الورثة لا شتراط التتابع، وعليه، إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب لها واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكينا.اهـ.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1424(15/439)
أحكام الصوم عن الميت في كفارة قتل الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي قبل أن تتوفى كان لها ابن وهي ترضعه فنامت عليه دون أن تدري فمات الإبن. ولم تصم 60 يوماً الكفارة، والآن أبناؤها يريدون أن يؤدوا عنها الكفارة فهل يجوز وكيف يتعاونون على الصيام، فهل يتقاسم أبناؤها المدة ... أرجو الإفادة ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تسببت فيه جدتك من قتل ابنها يعتبر قتلاً خطأ، وقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 10717.
أما بخصوص الصوم عنها فهو محل اختلاف بين أهل العلم، منهم من أباحه مطلقاً، ومنهم من منعه مطلقاً، ومنهم من قصره على صوم النذر.
والذي رجحه الإمام النووي في المجموع هو جواز الصوم مطلقاً، حيث قال: الصواب الجزم بجواز صوم الولي عن الميت، سواء صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواجب، للأحاديث الصحيحة ولا معارض لها.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار بعد ذكره للحديث المتفق عليه وهو: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. فيه دليل على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان. هـ
وعلى هذا؛ فالأحوط أن تصوموا عن جدتكم، لكن يتعين أن يكون الصائم واحداً فقط للزوم التتابع، قال الشيخ ابن عثيمين في زاد المستقنع: أما لو كان في كفارة الظهار بأن يكون شهرين متتابعين فلا يمكن أن يقتسمه الورثة لاشتراط التتابع. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1424(15/440)
صوم رمضان ويوم العيد لا يقطع التتابع في الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي دين في صيام شهرين متتاليين أثناء حادث مرور حيث توفي الشخص عند الاصطدام به.
السؤال المطروح هو أنني قمت بصيام شهر قبل رمضان وشهر رمضان وشهر شوال ولم أفطر سوى يوم العيد. هل إفطاري ليوم العيد أفسد علي صيام الشهرين أم صيامي صحيح. مع العلم أن الحادث كان قبل سنة من بداية صومي.
أفيدوني يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصيامك صحيح والحمد لله، وذلك لأن يوم العيد يحرم صيامه، فلا يقطع التتابع، ومثله في ذلك صوم رمضان، فلا يقطع التتابع هو الآخر، لأنه فرض وقته فهو منحصر به لا يعمر بغيره فكأن التتابع لم ينقطع لعدم وجود زمن صالح لمتابعة الصيام عن الكفارة، وهذا الذي ذكرناه هو مذهب الحنابلة، ومن وافقهم وهو الذي نراه راجحا.
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتاوى التالية: 14184، 24191، 14449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(15/441)
تجب الدية والكفارة إذا تسببت الأم في قتل طفلها
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجت من البيت مع صديقتى لقضاء حاجة تتعلق بها وتركت ابنى فى المنزل لوحده وكان نائماً وعندما عدت إلى المنزل وجدته قد توفي وكانت مدة غيابي حوالى ساعتين ولم أعرف سبب الوفاة فهل يجب علي أن أصوم شهرين متتابعين أم ماذا أفعل وإذا كنت لا أستطيع الصوم لعدم القدرة على صوم شهرين متتابعين فماذا أفعل أرجوا إفادتي، ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت قد تسببت في موت الطفل، وذلك مثلاً بطول غيابك عنه مما أدى إلى موته بالجوع أو العطش أو نحو ذلك، أو بسبب إهمالك حيث تركته في وضع غير مناسب، كمكان خال من التهوية مثلاً، مما أدى إلى اختناقه ومن ثم موته، فإذا كان الأمر كذلك، ففعلك هذا يعد قتلاً خطأ، وبالتالي فعلى عاقلتك الدية، وعليك الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم تجدي فصيام شهرين متتابعين، وعليك أن تتوبي إلى الله من تسببك في إزهاق روح ولدك الذي هو ثمرة فؤادك وفلذة كبدك، أما إذا ثبت أن الطفل قد مات بغير تسبب ولا إهمال منك فلا كفارة عليك، ولا دية على عاقلتك حينئذ، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم:
25760
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(15/442)
من لم يمكنه تفادي الاصطدام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
في أثناء قيادتي للسيارة في الطريق العام فوجئت بسيارة أخرى تقطع الطريق بالعرض ودون أي توقف أو انتباه، وكانت المسافة التي تفصلني عن تلك السيارة حوالي 20 مترا، في حين أن سرعتي كانت 120 كم في الساعة، ونتج عن ذلك اصطدام السيارتين أسفر عن وفاة سائق السيارة الأخرى واثنين من ركابها. فهل تتوجب علي كفارة؟ وما حكم الشرع في هذا؟ علما بأنني حاولت قدر المستطاع تجنب السيارة الأخرى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت، ولم يمكنك تفادي الاصطدام بالانحراف أو تخفيف السرعة فلا شيء عليك. وإن كان قد أمكنك تفادي الاصطدام وفرطت في ذلك لزمتك الدية والكفارة بعدد من قتل في هذا الحادث.
وانظر الفتاوى التالية: 26547، 10132، 7757، 15843.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(15/443)
هل يجوز تأجير وتأخير صوم كفارة شهرين متتابعين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأجير صوم كفارة شهرين متتابعين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الكفارات أنها على التراخي؛ إلا إذا كان سببها محرمًا فتجب حينئذ على الفور. وانظري في الفتوى رقم: 32401.
وعليه، فإذا كانت الكفارة المسؤول عنها عن قتل عمد أو شبهه أو ظهار أو صيام رمضان، فالواجب فيها الفور. وإن كانت عن قتل الخطأ فهي واجبة على التراخي، لكن الأفضل تعجيلها مطلقًا.
وهذا كله إذا كنت تسألين عن جواز تأخير الكفارة، أما إذا كنت تعنين التأجير وليس التأخير، أي أنك تسألين عمَّا إذا كان يجوز لمن لزمته كفارة بصيام شهرين أن يستأجر من يصومها عنه، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن الصيام عبادة بدنية ولا تصح فيه النيابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(15/444)
لا يجزئ الإطعام لمن كان يستطيع الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ شاب قوي عمره ما بين العشرين والثلاثين يتمتع بصحة وعافية تسبب في وفاة هندي مجوسي في حادث مروري، فقررت المحكمة عليه دفع الدية هل عليه كفارة، وهل يصوم أو يطعم ستين مسكيناً مادامت صحته قوية، علما بأنه لا يوجد عتق رقبة؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً
وعلما بأنه قرر إطعام ستين مسكيناً ويتحجج بأنه لا يستطيع الصيام وأنه يصوم رمضان لأنه فرض فكيف له أن يصوم شهرين دون انقطاع هل يجوز له أم ماذا عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 15014 بيان حكم من قتل كافرًا، وفيها أن عليه الكفارة على القول الراجح، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيع أطعم ستين مسكينًا، كما في الفتوى رقم:
2824
ومن كان يستطيع الصيام وأطعم، فلا تجزئ عنه الكفارة، بل عليه أن يكفر بالصيام مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(15/445)
لا يذهب دم هذه المرأة هدرا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعمل طبيبة، وفي أول عام لي في العمل طلبت مني بنت مريضة عندي في القسم أن أوقف لوالدتها المحلول المغذي
-هذه المريضة كانت تعاني من فشل في جميع الأعضاء- (عافاكم الله) ولما فعلت إذا بالمريضه يصعب عليها التنفس وتلحق بربها، ماذا أفعل؟ وقد سألت أستاذتي أأكون السبب؟ أجابت هناك نسبة شبهة تسببي في ذلك ضئيلة؟ وجزاكم الله عني خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تعلمين أنت وبنت هذه المريضة أن إيقاف المحلول المغذي سيهلكها وتمالأتما على إيقافه بقصد موتها، فأنتما آثمتان وتعتبران قتلتما نفساً بغير حق، إلا أن إثمك أعظم لأنك مباشرة للقتل، وهي متسببة بأمرها لك بذلك، ولذا فالواجب عليكما التوبة إلى الله عز وجل وعليك الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين فوراً ولا كفارة عليها، لأن الأمر للمميز بالقتل لا كفارة عليه، كما في نهاية المحتاج وغيره، ولأولياء المقتولة المطالبة بالقصاص منك ولهم العفو إلى الدية.
ولهم العفو إلى غير دية، وتلزمك الكفارة على الفور، فإن اقتص منك ولم تكوني قد صمت ثبتت الكفارة في مالك وسقطت الدية، وإذا طلبوا الدية كانت الكفارة والدية في مالك، وأما إذا كان ما قمتما به تظنان أنه لا يهلك المريضة وإنما فعلتماه بنية الترويح عنها زمناً ما ونحو هذا الظن، فهذا قتل خطأ، تلزمك أنت به الكفارة والدية إن لم يعف أولياء المقتول وتكون على العاقلة وهم العصبة من الرجال سوى الأب وإن علا والابن وإن نزل، يقدم فيها الأقرب فالأقرب فالإخوة قبل الأعمام وهكذا، ودليل استثناء الولد في العاقلة ما رواه أبو داود عن جابر بن عبد الله: أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها. وقيس الوالد على الولد، واستدل بعضهم باستثنائه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وبما رواه البيهقي عن أسامة بن عمير فقال أبوها: إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الدية على العصبة.
فإن لم يدوا فعلى بيت المال -الدولة- فإن لم تَدِ فعليك، ولا يذهب دم هذه المرأة هدراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(15/446)
حكم الإطعام بدلا عن الصيام في كفارة القتل الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي شخصان وأصيب الثالث بحادث صدم بعير وكنت أقود السيارة، هل هناك جهات رسمية أوجمعيات تعمل على إعتاق رقبة؟ وماهي عناوينها؟ وكم مبلغ إعتاق الرقبه الواحدة؟ وهل يكفي أن أطعم مساكين بدل الصيام؟ أرجو الإجابة الشافية مشكورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لم نسمع بجمعيات ولا جهات رسمية تعمل على إعتاق الرقاب، ولا نعرف شيئا عن أثمان هذه الرقاب.
واعلم أنك إذا كنت أخذت بكافة الاحتياطات في سياقة السيارة، وكنت ماهرا في السياقة ولم تخالف قوانين السير، فليس عليك شيء في ما حدث، لا دية ولا كفارة، وأما إذا كان قد حصل منك تفريط في شيء من ذلك، فأنت مسؤول عما حدث، ومنه لزوم كفارتين عن الشخصين المتوفيين، وانظر الفتوى رقم:
3120،.
والكفارة هي صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة، لقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه إلى قوله تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92] فهذا مما لا خلاف فيه، فإن لم تجد الرقبة ولم تكن قادرا على الصيام، فللعلماء في ذلك قولان: قول بأن الصيام يثبت في ذمتك حتى تقدر عليه، وليس عليك شيء آخر بدله، وقول بأنه يجب عليك إطعام ستين مسكينا، وانظر لذلك الفتوى رقم: 2824. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(15/447)
الفرق بين العجز الدائم والمؤقت في كفارة القتل الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
صدم سائق في حادث مرور أربعة أشخاص فماتوا،
1- هل على الصادم بالسيارة الكفارة عن كل شخص أم تكفي كفارة واحدة؟
2- إذا شق عليه الصوم، هل من كفارة غير الصوم؟
3- إذا كان عاجزا عجزا مزمنا ماذا يفعل؟ جزاكم عنا وعن المسلمين كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قتل عدة أنفس خطأ فقد وجبت دياتهم على عاقلته، ووجبت عليه الكفارة عن كل واحدة منهم مهما كثروا، فإن عجز عن الصيام عجزاً مؤقتاً فلا شيء عليه حتى يزول ما به فيستأنف الصيام عند ذلك، أما إذا عجز عجزاً دائماً فإنه ينتقل إلى الإطعام والحالة هذه قياساً على صيام رمضان، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً بأدلته في الفتوى رقم: 5914، والفتوى رقم: 23714 فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(15/448)
يجب عليك إخبار الأم بمكان ولدها
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي أنا صاحب الفتوى رقم 62961 أشكر لك الرد على سؤالي السابق ولكن لي استفسار حتى يكتمل الرد وهو أن الأب هو الوحيد الذى يعرف مكان الولد ولم يخبر أحداً به حتى الأم، فماذا يفعل هل يقول للأم أم لا على مكان ابنها مع العلم بأنه لا يعلم إن كان حياً يرزق أم توفي، وهل على الأب كفارة ما إن كان الطفل قد مات مثلا نتيجة أنه ظل فى مدخل المنزل الذى ترك فيه فترة طويلة دون رعاية؟ أفيدونا أفادكم الله فأنا أتعذب ولا أستطيع أن أسامح نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك إخبار الأم بمكان ولدها، وأما هل تلزمك كفارة ودية أم لا، فإن تبين أن الطفل مات بسبب وضعك له في ذلك المكان فعليك الدية، وهي على العاقلة، والكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم تجدها فصيام شهرين متتابعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(15/449)
لا حرج في دفع الكفارة إلى جمعية تشتري طعاما وتوزعه على المساكين
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد من فضيلتكم التفضل بكم ستكون كفارة إطعام ستين مسكيناً لأني لا أستطيع أن أصوم شهرين متتابعين لأني أفطرت في نهار رمضان؟ وكذلك حسابها بكم ستكون بالدولار لأني في بلد آخر حتى استطيع إخراجها بالكامل؟ وهل يجوز أن أعطيها لجمعية خيرية لأن هذه الجمعية معروفة بأنها تطعم وتكسو المساكين وكذلك تكفل الايتام وغيره، أفتونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب أولاً على من أفطر في نهار رمضان لغير عذر التوبة والاستغفار لإقدامه على انتهاك حرمة رمضان وإفساده لفريضة الصوم التي هي من أوكد الواجبات وأهم العبادات، والتي هي ركن من أركان الإسلام التي عليها يقوم بناؤه.
أما بخصوص سؤالك فإنه يحتاج إلى بيان سبب فطرك في نهار رمضان من غير عذر، لكنا نقول: إن كان فطرك بجماع فالكفارة لازمة إجماعاً، وإن كان بأكل أو شرب أو غيرهما فهو محل خلاف بين أهل العلم والذي عليه جمهورهم أن لا كفارة إلا في الجماع فقط، وانظر الفتوى رقم: 13076.
وبناء على ما تقدم فإن كان فطرك بجماع فعليك الكفارة، وهي على الترتيب عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد من غالب قوت البلد، وقدره بحساب الكيلو 750 جراماً تقريبا، فإن لم يمكن العتق ولم تستطع الصوم لعجز مستمر عنه فانتقل إلى الإطعام، ولا فرق بين أن تطعم أنت المساكين الستين أو تدفع قيمة الإطعام للجمعية المذكورة لتقوم بشراء الطعام وإيصاله للمساكين نيابة عنك، وقيمة الطعام يرجع فيها إلى الجمعية التي تتولى ذلك فتقدر لكل بلد قيمة الطعام فيه، وهذا أمر يختلف باختلاف البلدان كما هو معروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(15/450)
يمكن أداء الدية عن المتوفى
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص دهس شخصا آخر بالسيارة ورفض أهله الدية وبعد مدة طويلة توفي الشخص الأول وفاة طبيعية ولكن أهله لا يعلمون إن كان قد أتم كفارة القتل الخطأ؟ فهل يستطيع أبناؤه عتق رقبة لوالدهم المتوفى قضاء للكفارة. وما السبيل إلى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنعم يستطيع أبناء هذا الرجل المتوفى أن يعتقوا رقبة مؤمن إن وجدوها فإن لم يتمكنوا من عتقها صاموا عنه شهرين متتابعين أو أطعموا عنه ستين مسكيناً، وراجع الفتوى رقم: 5914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1424(15/451)
ما يجب في قتيل حادث السيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء عودتي من المجمعة وبرفقتي بعض العمال انفجر دولاب السيارة الأمامي وانقلبت السيارة مما أدى إلى وفاة أحد العمال وإصابة الآخرين وتم دفع الدية للمتوفى ماذا يتوجب علي عمله والحكم الشرعي بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يخلو هذا الحادث من أن يكون خارجاً عن إراداتك بحيث لم يحصل منك تفريط يؤدي إلى حدوثه فهذا لا يلزمك فيه شيء.
أو أن يكون بتفريط منك، فالدية لازمة وقد دفعتها ويبقى حينئذ عليك عتق رقبة مؤمنة إن وجدت، فإن لم تجد فعليك أن تصوم شهرين متتابعين؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.... [النساء:92] .
وانظر الفتوى رقم:
22750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1423(15/452)
الحكم بلزوم الكفارة والدية حسب التسبب من عدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل لي حادث على الطريق السريع وكان هناك رمال متحركه ولم أستطع السيطرة على السيارة فانقلبت وتوفيت امرأة أرملة كبيرة السن في الحادث ماهي الكفاره....... جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت متسبباً في وقوع الحادث بزيادة سرعة عن الحد المسموح به قانوناً، أو كان بالسيارة خلل تعلم به، أو لم تتفقدها من مدة قريبة، أو كنت غير منتبه لإعياء شديد أو نعاس أو نحو ذلك، فعليك الكفارة وهي: صيام شهرين متتابعين، وعليك التوبة إلى الله، وعلى عاقلتك الدية، وذلك لقول الله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:92] .
وإن كنت غير متسبب في الحادث باتباعك لكل قواعد السلامة، ومنها: كيفية التعامل مع الرمال المتحركة، وحد السرعة فيها، فلا شيء عليك إن شاء الله، ويمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية:
10132 -
3120 -
25390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1423(15/453)
حكم القتل يضاف إلى المباشر دون المتسبب
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ شهر بينما كنت أقود سيارتي فى أحد الطرق المزدوجة السريعة فوجئت بسيارة من الجانب الآخر للطريق فقد سائقها السيطرة عليها ونتيجة للحادث الذي لم يكن لي يد فيه توفي مرافق سائق السيارة الثانية: فهل يتوجب علي شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجب عليك شيء في ما نتج عن هذا الحادث لسببين:
الأول: أن الخطأ لم يحصل منك، وإنما حصل من الطرف الآخر، مع عدم تمكنك من تلافي الحادث، أو تخفيف عواقبه، لوجود عنصر المفاجأة، والقاعدة الفقهية تقول: "ما لا يمكن التحرز عنه فلا ضمان فيه".
الثاني: أنك لست مباشراً للقتل، وإنما أنت متسبب، أما المباشر فهو السائق الآخر، الذي انحرف عن طريقه، والقاعدة الفقهية تقول: "إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر" ذكرها ابن نجيم في الاشباه والنظائر.
وليعلم أن مثل هذا الأمر لا بد من العودة فيه إلى المحاكم الشرعية -إن وجدت- للتحقيق في الأمر بالوجه المطلوب، وسماع حجة كل واحدٍ من الطرفين، وسماع شهادة الشهود -إن وجدوا- وغير ذلك مما يؤدي إلى إصدار حكم عادل بناءً على معطيات الحادث كاملة، وراجع الفتوى رقم:
25760 - والفتوى رقم: 23912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1423(15/454)
ما يلزم القاتل خطأ بعد تنازل أولياء المقتول
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى:
أما بعد السؤال: شخص دهس شخصا آخربحادث سيارة (قضاء وقدر) نتج عنه وفاة المدهوس، وقد بادر السائق وأهله لدفع دية المدهوس لأهله ولكنهم قبلوا بالصلح ورفضوا المال لإيمانهم بالقضاء والقدر والسؤال هو: ما حكم الشرع على السائق والسائق قد توفي بعد عشر سنوات من الحادث دون تنفيذ حكم الشرع فما هو حكم الشرع على أهله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكرت من أن القتل خطأ، وقد تنازل أولياء المقتول عن الديه فإنه لم يبق إلا الكفارة، فإن كان السائق قد أداها قبل موته فإن ذمته قد برئت. وإن لم يكن أداها.. فإن ترك مالاً أخرجت منه، وإلا فيندب لأوليائه قضاؤها عنه، وذلك لما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان عليها دين أكنت قاضيته؟ قال: نعم، قال: فاقضي الله فهو أحق بالقضاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وجمهور أهل العلم على أن ذلك ليس بواجب على الولي إلا أن يكون حقاً في المال ويكون للميت تركة. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الندب والاستحباب. انتهى
والكفارة: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز عن الصيام فقيل: يطعم ستين مسكيناً وقيل: لا يطعم.
ولم يرد في آية كفارة القتل ذكر للإطعام، كما لم يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نعلمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1423(15/455)
حكم من حلف على فعل شيء في وقت معين فلم يفعله فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مؤمن بالله وقد حلفت بالله بأني سوف أزور بيت الله الحرام في أول إجازة أحصل عليها من العمل ولكني لم أفعل ما حلفت عليه لأني عندما خرجت في هذه الإجازة ذهبت لتأدية امتحانات خارج البلد ولم أستطع الذهاب إلى بيت الله الحرام فماذا علي أن أفعل كي أرضي الله ورسوله؟
وجزاكم الله خيراً.
اخوكم في الله: هاني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى السائل كفارة يمين، لأنه حلف على فعل شيء في وقت معين ثم حنث فيه بفوات وقته، وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ... [المائدة:89] .
ولمعرفة أحكام كفارة اليمين بالتفصيل راجع الفتاوى التالية: 21569، 2053، 2022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(15/456)
إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: أختي خرج ولدها وعمره سنتان وهي نائمة وصدمه أخوه من أبيه وتوفي فهل عليها شيء، أفيدوني جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر هنا أن الأم لم تفرط في حفظ ولدها؛ لأنها كانت نائمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه ليس في النوم تفريط. رواه مسلم. وفي رواية لـ أحمد: إنما التفريط في اليقظة. وصححه الأرناؤوط.
وسواء قلنا إن الأم مفرطة أو غير مفرطة فلا دية عليها ولا كفارة؛ لأن قتل الطفل حصل بمباشرة غيرها له، والقاعدة المعروفة عند الفقهاء تقول: إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر. ذكرها صاحب الأشباه والنظائر من الحنفية وغيره.
ولمعرفة أحوال وجوب الكفارة وما يتعلق بها راجع الفتوى رقم:
7757، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
7654 - والفتوى رقم: 11399.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(15/457)
لا يقطع صوم رمضان وفطر يوم العيد التتابع الواجب في الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد معارفي تسبب في وفاة إنسان خطأ (حادث دهس) وهويصوم كفارة لذلك وسيكمل الشهر ويبدأ بصيام الشهر الثاني ولكن الشهر الثاني للكفاره سيكون هو رمضان فماذايفعل هل يصوم رمضان ويعتبره من ضمن الكفاره أم هل يكمل الصيام لشهر آخربعد رمضان أفيدونا يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الشخص أن يصوم رمضان بنية أداء الفرض ولا يجزئه صومه عما تبقى عليه من الكفارة بل عليه أن يتابع صوم ما بقي عليه من الكفارة بعد يوم العيد مباشرة، ولا يقطع صوم رمضان وفطر يوم العيد التتابع الواجب في الكفارة كما هو مبين في الفتوى رقم 14184
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(15/458)
كفارة القتل ووجوب التعجيل بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب بالغ من العمر 25 سنه تقريبا..وفي أحد الأيام وبدون قصد صدمت شابا بالسيارة وتسبب ذلك في وفاة الشاب.. والحمد لله قد تنازل أهله عن القضية.. لكن بودي أن أعرف ما الواجب علي فعله فقد أخبروني أنه يجب علي كفارة وهي صيام شهرين متتاليين.. هل هذا صحيح..؟؟؟
وإن كان صحيح ما الأيام التي من الأفضل أن أصومها؟؟ وشكر لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتلزمك الكفارة المبينة في الفتوى رقم:
17085، والفتوى رقم:
10651، والفتوى رقم:
7005.
وعليك أن تصوم الشهرين في أسرع وقت يتسنى لك فيه الصيام، ولا تنتظر في صيامك شهراً أو أياماً بعينها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1424(15/459)
قول أهل العلم في كفارة من قتل جماعة من الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[سائق حافلة تعرض لحادث مرور وتسبب في مقتل 23 شخصاً، فهل تجب الكفارة عن كل شخص أو تكفي واحدة عن الجميع وإن كانت الكفارة عن كل واحد فهل تستطيع زوجته (السائق) أن تعينه في الصيام؟ وهل تجزى الفدية بدل الصيام؟ وهل الدية على كل واحد؟ جزاكم الله خيراً ...
والسلام ختام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قتل نفسًا محرمة أو تسبب في قتلها خطأً فإنه تجب الدية على عاقلته، وتلزمه هو الكفارة لقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه ... [النساء:92] .
وإن قتل جماعة فكذلك تلزم الديات عاقلته، وتلزمه هو الكفارات، نصَّ على ذلك أهل العلم، وفي كشاف القناع من كتب الحنابلة: وإن قتل جماعة لزمه كفارات. 6/83
والكفارة هي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز عن الصيام فقال أبو حنيفة، ومالك - وهو رواية عن أحمد وقول للشافعي: إنه لا يلزمه شيء ويبقى الصيام في ذمته حتى يقدر عليه.
وفي رواية لأحمد وقول للشافعي: أنه ينتقل إلى الإطعام فيطعم ستين مسكينًا مقابل كل شهري صوم.
هذا.. والكفارة تجب في مال القاتل لا يشاركه فيها أحد، فإن انتقل إلى الصيام، فلا يصلح أن تعينه زوجته فيه ما دام حيًّا؛ لأنه متعلق بذمته لا بذمة غيره، فإذا مات فلا حرج على زوجته أن تصوم عنه.
وراجع الفتوى رقم:
22956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(15/460)
القتل الخطأ وكفارته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
علي كفارة قتل خطأ ولاأستطيع الصيام ولكنني توصلت إلى صديق -على درجة من التقوى-من إحدى الدول وعندما سألته عن الموضوع قال لي بأنه لديه عبد واعتبره معتوقاً لأجل كفارة ذنبك واستحى أن يطلب منى أي مبلغ إلا إنني قلت له سأتدبر الأمر وافترقنا على أن يقوم بزيارة بلده وعمل اللازم إلا أن المدة طالت ولم يعد وسمعت من أحد أقاربه الموجودين في بلدي إنه انتقل إلى دولة أخرى ولم أتمكن من الاتصال به.
أرشدوني أثابكم الله إلى ماينبغي علي فعله لكي أخلص نفسي وألقى ربي على أحسن مايكون اللقاء أياً منا لايدري متى يحين أجله وجزاكم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكفارة القتل الخطأ هي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ومن عجز عن الصيام لم يلزمه شيء آخر عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم 5914
وإن أمكن البحث عن صديقك، ووجدت الرقبة التي تعتقها لزمك العتق، وكذلك إن أمكنك الصوم، فيما بعد، لزمك إن لم تكن قد أعتقت رقبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1423(15/461)
من لزمته كفارة قتل وعجز عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصاب بداء السكر ومرض مزمن في الأذن اليسرى إذا لم أستمر على تناول العلاج بشكل منتظم يسبب لي دوخة شديدة وعدم اتزان ولوعة في الكبد ومنذ سنة تقريبا حصل لي حادث أنا وزوجتي وابن أخي ويبلغ من العمر اثنا عشر عاماً وقد توفاه الله معي وأريد أن أقضي ماعلي من صيام لكنني لا أستطيع والله أعلم بحالتي ولا أستطيع عتق رقبة لعدم مقدرتي المادية0أرجو من الله ثم منكم مساعدتي على حل هذا الموضوع والله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الحادث الذي أصابك بسبب تقصير في الأخذ بأسباب السلامة أو إخلال بقواعد السير فإن عليك الكفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً على قول بعض أهل العلم، فإذا عجزت عن العتق والصيام والإطعام فالله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، ودية القتيل تلزم العاقلة ولا ترث منها إذ لا يرث قاتل.
أما إذا لم تقصر في الأخذ بأسباب الأمان ولم تخالف قواعد المرور فليس عليك كفارة ولا دية ولا إثم......
ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها:
5914
2824
2152
22750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1423(15/462)
حكم من تسبب في وفاة ابنه في حادث سير
[السُّؤَالُ]
ـ[عمي كان مسافراً بالسياره هو وعائلته إلى بلد آخر وفي الطريق حدث حادث لهم وتوفي ابنه هل عليه شيء وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الحادث نتج عن تفريط من الوالد السائق أو تقصير في الأخذ بأسباب السلامة فإنه في هذه الحالة تلزمه دية ابنه، وتتحملها عاقلته، وتوزع على ورثته باستثناء الوالد.
ثم إنه يلزم عمُّ السائل الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:92]
وراجع الفتوى رقم:
2152 والفتوى رقم:
7757.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1423(15/463)
مات جاهلا بحكم كفارة القتل الخطأ ... ما الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قَتَلَ أبي طفلاً بواسطة سيارته وذلك لم يكن عمدا.
وبعد هذه الحادثة بسنوات توفي أبي ولم يفعل أي شيء لا صيام ولا دية لجهله لحكم قتل الخطأ.
فسؤالي:
مالذي أستطيع فعله لتكفير ذنب أبي الصيام أو الصدقة أو.......
أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القتل الخطأ يوجب أمرين:
الأمر الأول: حق مالي وهو الدية، يدفعها عصبة القاتل إلى أهل القتيل إن لم يعفوا.
الأمر الثاني: حق الإسلام وهو الكفارة، وهي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:92] .
وقد أجمع العلماء على أن دية القتل الخطأ على العاقلة -عصبة القاتل، والقاتل فرد من أفرادها- كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني، عملاً بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم الدية على العاقلة، وبفعل عمروعلي رضي الله عنهما.
فعلى هذا يجب على عصبة أبيك دفع الدية لأهل القتيل إلا أن يعفوا.
أما الكفارة: فتجب في مال القاتل لا يشاركه أحد في تحمل شيء منها، فتدفع مما تركه من الميراث، فيطعم ستون مسكيناً من مال تركته، ولا يصام عنه على الراجح، لأن الصوم في هذه الحالة لا يمكن نيابة، وإذا لم يترك مالاً فيندب لأبنائه الإطعام عنه براً به، وعتق الرقبة متعذر في هذا الزمن بسبب إلغاء الرق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1423(15/464)
مات طفلها غرقا في دورة المياه وأمه مشغولة
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد لدي قريبة لها أولاد أحدهم والبالغ من العمر سنة توفي غرقا في حوض دورة المياه بينما كانت الأم تنظف البيت علما بأن الأم أوكلت رعاية الابن إلى جدته هل يترتب على هذا القتل الخطأ أي كفارة في حق الأم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الجدة تامة العقل سليمة الحواس، وحصل منها تقصير في حفظ الصبي، فإنها تلزمها الدية والكفارة، وإن لم يحصل منها تفريط، فلا شيء عليها.
أما إذا كانت غير تامة العقل، أو كانت فاقدة بعض الحواس كالبصر مثلاً، فينظر فإن كان احتمال تعرض الطفل لخطر الموت أو الإصابة عند عدم وجود أمه لجنبه احتمالاً قويّاً، فإن الأم هي المسؤولة وعليها الدية والكفارة، وإن كان احتمالاً ضئيلاً فلا شيء عليها.
وراجع الفتوى رقم:
11399.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(15/465)
كفارة القتل تابعة للضمان
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يقود سيارته على طريق سريع فتندفع طفلة نحو السيارة فتقتل وتبرئ المحكمة ساحة الشاب وتتهم الأم بالإهمال ويحاول الشاب أن يدفع لأسرة الطفلة مالاً على سبيل الدية للقتل الخطأ وأسرة الطفلة رفضت على أساس أن الخطأ ليس خطأ الشاب والسؤال ماذا يجب على الشاب الآن وعمله لا يسمح له بصوم شهرين متتابعين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فإن كانت المحكمة محكمة شرعية وحكمت بتفريط الأم ولم تضمن سائق السيارة، فإنه لا كفارة عليه، فالكفارة تابعة للضمان عند أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(15/466)
ينبني الحكم في لزوم الكفارة من عدمها حسب سبب موت الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعدالتحية والسلام
أنجبت أمي طفلا وفي الصباح وجدته متوفى. قال الدكتور: إن سبب الوفاة الاختناق فهل تصوم شهرين أم لا؟
ولكم منا جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم على هذه المسألة متوقف على معرفة الأسباب والظروف المحيطة بها، فإن غلب على الظن أن الأم نامت عليه أو كانت متسببة في اختناق طفلها ولو بالتفريط فيما يجب عليها من حفظ مثله، فعليها الكفارة لتسببها في قتله، والكفارة عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين.
وإن غلب على الظن عدم مباشرتها ولا تسببها في قتله، فلا شيء عليها، وانظر الجواب رقم: 10717.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(15/467)
غير المتسبب بقتل الخطأ لا كفارة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[في شهر رمضان نهارا أحضرت شيول صغير لتسوية الدفينة التي تسد الرقاب على حسب طلب المقاول وفي نفس هذه اللحظة أحضر المقاول عاملاً (نجاراً) لعمل نجارة الخزان علماً أن الخزان واقع في الحوش بجوار العمارة وخلال عمل الشيول الصغير في تسوية التراب قرب الشيول من الخزان ونبهه السائق من الابتعاد عن الخزان واستمر ثم بعد ذهابه انهار الجدار أي جدار الخزان على العامل الموجود داخل الخزان مما أدى إلى وفاته واحتكمنا إلى المحكمة الشرعية وحكمت بالصلح حيث أدفع أنا ثلاثين ألفاً وسائق الشيول ثلاثين ألفاً ورضي ورثة المتوفى بذلك والسؤال هنا هل علي كفارة القتل الخطأ أم لا؟ ودمتم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت علمت أن جدار الخزان أصبح يشكل خطورة على العامل بعد عمل الشيول حوله ولم تنبهه فإنك مفرط وتلزمك الكفارة، وإن كنت لا تعلم بما حصل نتيجة غيابك عن المكان أو عدم علمك باختلال الجدار فلا كفارة عليك، لأنك غير مباشر للقتل ولا متسبب فيه، لا بتغرير ولا بتفريط ولا غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1423(15/468)
هل من رخصة لكفارة القتل الخطأ لمن قتل أنفسا كثيرة في حادث؟
[السُّؤَالُ]
ـ[1-سؤالي عن كفارة القتل الخطأ لو كان حادث السير نجم عنه وفاة عدد كبير يستحيل الصيام عن كل رقبة لطول المدة التي قد تصل لسنوات
نحن في انتظار الإجابة لأن هذا حاصل فعلا وفقكم الله
وارحمونا بالإجابة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجبات لا تسقط إلا بالعجز عنها، فمن قتل خطأ جماعة كثيرة من الناس لزمته الكفارة عن كل واحد من المتوفين، والكفارة هي عتق رقبة، فمن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين -وهذا ثابت بالنص- فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً عن كل نفس -وهذا بالقياس- وهو أحد قولي الشافعي ورواية عن أحمد.
ثم القاعدة أن الميسور لا يسقط بالمعسور، فإن قدر على الصيام لزمه، فإن عجز عن الصيام لطول مدة الصيام كمن قتل خمسين نفساً في حادث، فيلزمه صيام ما يقرب من تسع سنوات، فإن أخرجنا صيام رمضان من كل سنة وأيام العيد وأيام المرض فقد تصل المدة إلى عشر سنوات أو أكثر، وهو لا يفطر إلا أيام الأعياد، وفي هذا مشقة كبيرة، والمشقة تجلب التيسير.
وعلى هذا، فإن قدر على الصيام عن بعض الأنفس لزمه، ويطعم عن الباقي إن قدر. والله تعالى يقول (فاتقوا الله ما استطعتم) وهذا مراعاة لمن يقول بالإطعام في كفارة القتل عند العجز عن غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1423(15/469)
الفطر أيام العيد هل يقطع تتابع صيام الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: امراة نامت على ولدها في الليل
وهي لاتعلم.فمات الولد (ندعو الله عز وجل أن يخلف لها من حيث لا تحتسب)
فبعد رمضان هذه السنة صامت مباشرة الكفارة
لكن وصل يوم العيد وقد صامت 52 يوما وأفطرت
لأن يوم العيد حرام صيامه
لذا فهل تكمل الصيام أي ثمانية الأيام المتبقية
أم تعيد صيام شهرين متتابعين
افيدونا بارك الله فيكم وجزاكم خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب التتابع في صوم كفارة القتل، لثبوت ذلك بنص القرآن، في قوله تعالى في كفارة القتل (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) . [النساء:92]
واختلف الفقهاء في فطر العيدين وأيام التشريق، هل يقطع ذلك التتابع أم لا؟ فالجمهور على أن الفطر في هذه الأيام يقطع التتابع، وذهب الحنابلة إلى أن صوم الكفارة لا يقطع بذلك مطلقاً، لأن فطر العيدين وأيام التشريق واجب بإيجاب الشرع، أي أن ذلك الزمن منع الشرع من صومه كالليل، وكأيام حيض المرأة.
قال في مطالب أولي النهى (ولا ينقطع تتابع بصوم رمضان، ولا بفطر فيه بسفر ونحوه، أو فطر واجب كفطر يوم عيد وأيام تشريق، بأن يبتدئ مثلاً في ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق، فلا ينقطع التتابع، لأنه زمن نهى الشرع عن صومه في الكفارة كالليل) . انتهى
وعلى ما ذهب إليه الحنابلة -وهو الذي نرى رجحانه- فإن لهذه المرأة المذكورة أن تكمل ما بقي عليها من الصوم بعد انتهاء أيام التشريق مباشرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1422(15/470)
كل مشارك في القتل تلزمه كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-اشترك رجلان فى قتل خطأ اتفق على أن أحدهما مسئول عن ثلاثة أرباع الحادث والآخر مسئول عن الربع وتم تقسيم الدية على هذا الأساس فما هو حكم تقسيم الصوم الكفارة بينهما؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل من أثبت القضاء الشرعي أنه مشارك في قتل يوجب الكفارة أو علم ذلك من نفسه فإنها تلزمه كفارة كاملة. قال ابن قدامة في المغني: (ومن شارك في قتل يوجب الكفارة يلزم كل واحد من شركائه كفارة، هذا قول أكثر أهل العلم منهم: الحسن وعكرمة والنخعي والحارث العكلي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أن على الجميع كفارة واحدة، وهو قول أبي ثور وحكي عن الأوزاعي) انتهى.
والصحيح هو المذهب الأول وبه نفتي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1422(15/471)
الحالات التي يجب فيها صيام الشهرين المتتابعين ... وهل يقطع العذر الشرعي التتابع
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي يجب عليه صيام ستين يوما\" متتابعا\" , واذا وجب على المرأة كيفية صومها ستين يوما\" متتابعا\" مع كونها ستتعرض للدورة الشهرية , أفيدونا باستفاضة عن الأحكام الموجبة لهذه الكفارة وخصوصاً للمرأة وشكرا\"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صيام الشهرين المتتابعين يجب في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: القتل الخطأ، فمن قتل نفساً بغير حق، ولم يجد الرقبة المؤمنة وجب عليه صيام الشهرين لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:92]
الحالة الثانية: الظهار، فمن ظاهر من زوجته ولم يجد أيضاً الرقبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) [المجادلة:3،4]
الحالة الثالثة: الجماع في نهار رمضان؛ فمن جامع أهله في نهار رمضان ولم يستطع العتق، وجب عليه صيام شهرين متتابعين، وكل من وجب عليه صيام الشهرين المتتابعين فلا يقطع صومه إلا بعذر شرعي من: مرض أو جنون أو حيض، فإذا قطعه لغير عذر شرعي وجب عليه استئناف صوم الشهرين من جديد، وإذا قطعه لعذر شرعي وجب عليه التتابع عند زوال العذر، ويبني على ما صامه قبل العذر ويعتد به. وبهذا يتضح أن المرأة إذا لزمها صيام شهرين ثم نزلت بها الدورة بنت على ما قدمته من الصيام قبل الدورة، ثم ننبه إلى أن المرأة بالنسبة للجماع في نهار رمضان الراجح أنها لا كفارة عليها.
وراجع الفتوى رقم:
1113
كما أنها لا ظهار عليها إجماعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1422(15/472)
ما يلزم بالقتل بالخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[1-سائق سيارة صدمت سيارته سيارة أخرى فقتلت سيدة كانت بها فقامت الشركة المؤمنة على سيارة هذا الرجل بدفع تعويض لأهل القتيلة وحكمت المحكمة على السائق بالحبس ستة أشهر فدفع كفالة وسقط الحكم. فهل بقي على هذا السائق شيء يفعله حتى يكفر عن هذا الجرم.
أرجو الإفادة وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى هذا السائق الذي قتل خطأً دية تدفعها عاقلته، وعليه -زيادة على الدية- أن يكفر عن القتل الخطأ بعتق رقبة، فإذا لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، وتحمل الشركة للدية عنه لا يسقط الكفارة، وإنما يسقط الدية فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1422(15/473)
التفريط يوجب الدية والكفارة في هذه الحالة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أختي البالغة من العمر أربع سنوات وذلك في مسبح تابع للمنزل، والدتي لم تكن موجودة ولا والدي في ذلك الوقت، أكبر الموجودين هم أخواتي في الصف الثالث متوسط فقد تسبح الجميع في المسبح وخرجنا جميعا ولم يبق أحد وذهبنا لمشاهدة التلفاز ولم يلاحظ أحد منا ذهاب أختي للمسبح مرة أخرى فهل هذا تفريط يوجب علينا الصيام، وإن كان الصيام واجبا في هذه الحالة فعلى من يجب وهل يجوز تقسيمه بيننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السائل أدرى بالظروف والملابسات المحيطة بالمسألة، والظاهر لنا -والله أعلم- أنه إن كان التفريط والتقصير في رعاية البنت وحفظها هو السبب وراء وفاتها فإنه حينئذ تجب الدية فيه والكفارة، فالدية على العاقلة، والكفارة على من وكل إليه حفظ البنت، فإن كان واحداً فواضح، وإن كانوا أكثر فإن الكفارة لا تتجزأ، بل يجب على كل واحد منهم صيام شهرين متتابعين.
وإن كان الغالب على الظن عدم وجود التفريط - وهو الظاهر من السؤال- فلا شيء عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1422(15/474)
كفارة عتق الرقبة ... حكمها ... وكيفيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى ما ملكت أيمانكم؟ أرجو إيضاح كفارة عتق الرقبة ... وعلى من تكون؟ وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم معنى قوله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) في الجواب رقم: 8720.
وأما الكفارة بالعتق، فتجب وجوب ترتيب في الظهار، وقتل الخطأ اتفاقاً، وفي الصوم على الراجح.
أما كفارة اليمين فهي على التخيير بين الإطعام والعتق، ولا يجزئ الصوم إلا في حال العجز عنهما، ودليل وجوب الترتيب في الظهار قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة: 3-4] .
ودليل وجوبه في قتل الخطأ قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ... إلى قوله تعالى: ... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:92] .
ودليل رجحانه في الصوم ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟. قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً. قال: لا. قال: فبينما نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: أين السائل؟ فقال: أنا، فقال: خذه فتصدق به".
والأكثر من كلام أهل العلم يقتضي أن الرقبة لا تجزئ في كفارة ما إلا إذا تحققت فيها صفات الإسلام والسلامة، قال في المنتقى شرح موطأ مالك: فأما الإٍسلام فإنه لا يجزئ في كفارة إلا رقبة مؤمنة، والدليل على ما نقوله أن هذه رقبة مخرجة على وجه الكفارة، فاعتبر فيها الإيمان ككفارة القتل.
وفي فتح الباري عند قول البخاري في باب قول الله (أو تحرير رقبة) وأي الرقاب أفضل؟ يقول ابن حجر: يشير إلى أن الرقبة في آية كفارة اليمين مطلقة بخلاف كفارة آية القتل، فإنها قيدت بالإيمان، قال ابن بطال حمل الجمهور، ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد، كما حملوا المطلق في قوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) على المقيد في قوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1422(15/475)
نامت بجوار طفلها.. ثم استيقظت فوجدته ميتا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما الحكم الشرعي في المرأة التي نام طفلها الرضيع إلى جانبها وبعد الاستيقاظ من النوم وجدته ميتا ولا تدري كيف مات لكنها تشك أنها سبب الوفاة. أجيبونا جزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل براءة الذمة، ولا يتقرر شيء من كفارة قتل الخطأ بمجرد الشك.
فإن كنت على يقين أنك المتسببة في موت الطفل، أو كان ثَمَّ أمارات دلت على ذلك، كأن وجدته تحتك، أو يدك على وجهه، أو وضعت الغطاء على وجهه، أو نحو ذلك، مما قد يكون سبباً للوفاة، فيكون قتله خطأ، ويلزمك ما يلزم قاتل الخطأ.
قال صاحب بدائع الصنائع: (وأما القتل الذي هو في معنى الخطأ فنوعان:
نوع في معناه من كل وجه، وهو أن يكون على طريق المباشرة.
ونوع هو في معناه من وجه، وهو أن يكون من طريق التسبب.
أما الأول: فنحو النائم ينقلب على إنسان فيقتله، فهذا القتل في معنى القتل الخطأ من كل وجه لوجوده، لا عن قصد، لأنه مات بثقله فتترتب عليه أحكامه، من وجوب الكفارة، والدية، وحرمان الميراث، والوصية) انتهى.
لقوله تعالى: (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) [النساء:92]
والدية مخففة على العاقلة، والعاقلة هم عصبة القاتل، وتسقط الدية بعفو وارثه، لقوله تعالى: (إلا أن يصدقوا)
والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزت عنها وجب عليك صيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) [النساء:92] .
والكفارة لا تسقط عنك ولو -عفا أولياء الدم عن الدية- لأن الكفارة حق الله تعالى فلا تسقط بعفوهم، إلا إن عجزت عن الصيام، ولمزيد من التفصيل في باب الكفارة يراجع الجواب رقم:
5914
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1424(15/476)
ما يلزم في قتل الخطأ عند اصطدام سيارتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هوالحكم الشرعى في شخص اصطدمت سيارته بسيارة أخرى ومات إثر الحادث شخصان من السيارة الأخرى والغلط من الاثنين في التصادم فهل يلزم السائق الدية والكفارة؟ أفيدونى جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيلزم كل واحد من السائقين نصف ما تلف، لأن كل واحد منهما متسبب.
فتلزمهما دية الميتين مناصفة، وهي على عاقلتيهما، كما يلزم كل واحد منهما كفارتان للقتل، والكفارة تحرير رقبة، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين، فيصوم كل واحد من السائقين عن كل قتيل شهرين متتابعين، ولا يلزم أن يواصل الصوم أربعة أشهر، بل له إذا انتهى من صوم كفارة أن يكف عن الصوم فترة حتى يستعيد قوته ونشاطه، ثم يستأنف صوم الكفارة الثانية.
والله وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1422(15/477)
لا بأس بأن يخرج الأبناء كفارة الإجهاض عن والدتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت امرأة مسلمة كانت قد قامت بعملية إجهاض لأنها لا تريد المزيد من الأطفال (غفر الله لها) فهل لها من كفارة يؤديها أولادها من بعدها، علما بأنها كانت تنوي التكفير ولم تعرف الطريقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإجهاض أمر مناف لمقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها النبيلة السامية، كما أنه أيضاً قتل للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وعليه فمن تسببت في إسقاط جنينها بعد نفخ الروح فيه، لا لشيء إلا أنها لا ترغب في المزيد من الأطفال فقد اقترفت ذنباً كبيراً، وارتكبت معصية عظيمة، نرجو الله تعالى أن يتوب علينا وعلى المسلمين.
كما أن عملية الإجهاض هذه يلزم فيها أمران: الأمر الأول: دية الجنين وهي ما يقابل عشر دية أمه، تؤديها هي من مالها لتعمدها الإجهاض، ولا ترث الأم القاتلة من تلك الدية شيئاً إذ لا يرث قاتل.
الأمر الثاني: الكفارة أي كفارة القتل الخطإ وهي: تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وإذا ماتت المرأة التي قامت بعملية الإجهاض قبل القيام بما لزمها من أداء الدية والكفارة فلا بأس أن يخرج عنها ولدها أو أولادها ما يلزامها من دية وكفارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1422(15/478)
قتل غيره في حادث سير دون تفريط منه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالى كنت متجهاً إلى قرية مجاورة وأثناء صعود العقبة تفاجأت بدراجة نارية بأعلى العقبة تمشي عكس السير بنفس طريقي، أنا ذاهب وهو قادم انحرفت عنه جهة اليمين خارج الشارع لكنه اصطدم بالسيارة وتوفي على الفور فقمت بإسعافه بسيارة أحد المارة إلى المستشفى لكنه توفي وقمت بتسليم نفسي إلى الشرطة بنفس الوقت لكن ماذا أفعل أنا الآن أعيش حالة خوف ووسوسة انصحونى ماذا أفعل كي أبريء ذمتي أمام الله عز وجل.
وجازاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من قتل مؤمنا خطأً يرتفع عنه الإثم بأمرين:
أحدهما: أن يدفع ديته، وهي على عاقلته إذا كانت له عاقلة يدفعونها بطريق التعاون، فإن لم تكن له عاقلة فهي عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتؤخذ الدية من الجاني خطأ عند تعذر العاقلة في أصح قولي العلماء.
وهذا ما لم يعف عنه أولياء المقتول، فإن عفوا عنه، سقطت الدية.
الأمر الثاني: الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وأصل ذلك قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:92] .
والقتل الخطأ هو: أن يفعل الإنسان ما يباح له، فيصيب إنساناً معصوم الدم فيقتله، وصرح علماء الأصول والفقه أن حدوث الضرر نتيجة المباشرة يوجب التعويض مطلقاً.
فمن ذلك قولهم مثلاً: "يضمن المباشر وإن لم يكن متعديا"، وقولهم " المباشر ضامن وإن لم يتعمد".
وعليه، فالذي يلزمك هو الدية والكفارة لمباشرتك القتل، وكون القتيل شريكاً لك في سبب قتله لا أثر له في الحكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1422(15/479)
وفاة الجنين نتيجة وقوع أمه لا يترتب عليه شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للتمشية وامرأتي حامل في الشهر السادس إلى منطقه جبلية ونعلم بالخطورة هناك
والذي حصل أن زوجتي وقعت وبعد أسبوع توفي الجنين في جوفها
مع العلم أنه في اعتقادي أنه لا يوجد سبب لوفاته غير ذالك
فما هو تعليقكم على هذا السوال وجزيتم خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر من السؤال أنه لا يلزمك شيء أنت ولا امرأتك، حيث إن الجنين توفي وفاة معتادة، وعلى افتراض أنه قد توفي نتيجة للوقوع المذكور، فإنك لم تتسبب أنت ولا امرأتك في وفاته تسبباً مقصوداً، فلا تلتفت إلى الخواطر أو الوساوس التي قد تعترض لك، أثابك الله فيه ثواب الصابرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1422(15/480)
المتسبب في القتل الخطأ تلزمه الدية والكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت حادث سير وتسببت فى وفاة شخص مسلم وقمت بدفع الدية التي طلبها أهله بعد أن مكثت فى السجن قرابة 67 يوماً.
فهل علي صيام شهرين متتاليين بسبب قتل هذا الشخص عن غير عمد؟
أرجو الرد وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دمت قد تسببت في القتل وحكم عليك بدفع الدية فإن الكفارة تلزمك، وهي عتق رقبة - إن وجدت وقدرت عليها - فإن لم توجد أو عجزت فإن عليك صيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) إلى قوله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) . [النساء: 92] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1422(15/481)
ما يترتب على من قتل شقيقه في حادث سير
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الزملاء كان يقود السيارة وبجواره شقيقه الأصغراعترضتهم سيارة أخرى حاول تفاديها فانقلبت سيارته مما أدى إلي وفاة شقيقه أشار عليه البعض بضرورة صيام شهرين أو إطعام 60 مسكينا هل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالضابط في هذه المسألة: أن من أخذ بأسباب السلامة، وانتفى عنه التفريط فهو غير مؤاخذ، ولا يلزمه كفارة ولا دية عند موت أحد مرافقيه.
وإذا كان هناك تفريط في الأخذ بأسباب السلامة والاحتياط، كمن قاد سيارته مع حاجته للنوم، أو أهمل تفقد إطاراتها، أو أخلَّ بقواعد السير، فتلزمه الكفارة والدية لكونه متسبباً في القتل.
وبناء عليه فنقول: إن من حاول تفادي سيارة أخرى فأدى ذلك إلى انقلاب سيارته ووفاة شقيقه، فإن كان ذلك هو التصرف الصحيح في مثل هذا الموقف فلا شيء عليه. وإن كان قد أخطأ في طريقة تفاديه، أو تسبب ابتداء في حصول هذه المواجهة بين السيارتين، فهو متسبب في القتل ويلزمه الكفارة، وقد سبق بيانها تحت الفتوى رقم: 6821
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(15/482)
تسبب الأم في قتل ولدها يوجب عليها الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم سؤالي هو: كان عند أختي بنت تبلغ من العمرسنة فوضعت أختي الفانوس في النافذة فتسلقت البنت إلى النافذة فأ خذت الفانوس فاحترقت وماتت فهل على أختي شئ وإن كان عليها شيء فأفتو نا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم في هذه المسألة متوقف على معرفة الأسباب والظروف المحيطة بها.
فإن غلب على الظن أن الأم مفرطة في وضع هذا الفانوس في هذا المكان، أو في وضع الطفلة بالقرب منه، فعليها الكفارة لتسببها في القتل. والكفارة عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين.
وإن غلب على الظن بُعْدَها من التفريط، لكون هذا الأمر تحصل معه السلامة غالباً، فلا شيء عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1422(15/483)
الكفارات تحتسب بالشهور القمرية
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي يصوم شهرين متتابعين كفارة القتل الخطأ هل يصوم ستين يوما بالضبط أم شهرين قمريين فقط، مثلا لو بدأ الصيام في 2 شوال فهل ينهيه في 2 ذي الحجة مهما كان عدد أيام الشهر القمري، أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين كفارة عن قتل خطأ أو ظهار، أو نحو ذلك، فاللازم له صيام شهرين قمريين، يبدأ من أول الشهر حتى يتم الشهر الثاني، فلو نقصا، أو نقص أحدهما فليس عليه شيء في ذلك، أما إذا بدأ الصيام من وسط الشهر فعليه إكمال ستين يوماً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1421(15/484)
أقوال العلماء في كفارة قتل الخطأ.
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال عن القتل الخطأ. ما هو الحل إذا ارتكب شخص حادث بالسيارة أدى إلى وفاة طفل وذلك عن طريق الخطأ. وقام السائق بعرض الفدية على أهل الطفل ولكنهم لم يقبلوها. فأنا أعلم أن كفارة القتل الخطأ عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين. أما عن عتق الرقبة فإنه من المتعذر الآن وجود عبيد لتحريرهم وإذا لم يتمكن السائق من الصيام لعدم قدرته الصحية فماذا يفعل؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القتل الخطأ يوجب أمرين: أحدهما: الدية المخففة على العاقلة.
وثانيهما: الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل والكسب، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَل َمُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىأَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: 92] . وبناء على ما تقدم فإذا ثبت أن هذا السائق قد قتل ذلك الطفل خطأً، فالواجب عليه الكفارة، ونظراً لعدم وجود الرقبة، فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين، فإن عجز عن الصوم فقد اختلف في حكمه على قولين:
الأول: مذهب الجمهور وهو أنه لا إطعام عليه، لأن الله جل وعلا لم يذكر في كفارة القتل إلا العتق والصيام، ولو كان ثمة إطعام لذكره.
الثاني: وهو قول عند الشافعية وهو أنه عليه الإطعام قياساً على غيره ككفارة الظهار والصوم، ولعل الصواب في المسألة هو التفصيل بين من عجز عن الصيام عجزاً أبدياً ومن كان عاجزاً عجزاً مؤقتاً، فالعاجز عجزاً أبدياً يطعم، والعاجز عجزاً مؤقتاً ينتظر القدرة على الصيام، ومما يؤيد هذا المنحى أنه جار على القياس على العجز عن صوم رمضان، فمن المعلوم أنه إن كان عاجزاً عجزا مؤقتاً، فالواجب عليه إنما هو القضاء، وإن كان عاجزاً عجزاً أبدياً فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم، وإنما قسنا صوم القتل على صوم رمضان لأن كلاً منهما مستقر في الذمة على وجه الوجوب وجوباً متعيناً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن وجود الرقبة أصبح متعذراً تعذراً شديداً، إن لم يكن مستحيلاً.
والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(15/485)
كفارة القتل الخطأ صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبعد، منذ أربعة شهور تعرضت لحادث مروري نجم عنه وفاة شخصين مسلمين وقد حكم علي بالسجن لمدة ثلاثة شهور كحق عام وقمت بدفع الدية الشرعية إلى أهل الفقداء. وسؤالي هو حول صيام الشهرين المتتاليين كما ورد في القرآن الكريم في سورة النساء الآية رقم 91. هل أستطيع دفع مبلغ مادي مقابل صيام هذين الشهرين، أم لا؟ علما أنني أعاني من مرض القرحة في الإثني عشر. ماحكم الشرع بهذا الموضوع، يرجى إفادتنا ولكم جزيل الشكر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ...
من لزمته كفارة القتل- وهي صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة- فمن عجز عن الصيام لمرض مزمن أو لكبر سن فلأهل العلم فيه قولان الأول أن الصيام يثبت في ذمته ولا يجب عليه شيء آخر لأن الله تعالى لم يذكره ولو وجب لذكره، والثاني: يجب إطعام ستين مسكينا لأنها كفارة فيها عتق وصيام شهرين متتابعين لأنه قد ذكر ذلك في نظيره فيقاس عليه وهو الأولى ثم إن عليك أن تعلم أن اللازم لك هو كفارتان لا كفارة واحدة فعلى القول بوجوب الإطعام عليك فأطعم مائة وعشرين مسكينا. ... والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1424(15/486)
لادية ولاكفارة على من لم يفرط في الأخذ بأسباب السلامة من الحادث
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لي شخص عزيز يعمل سائق سيارة أجرة وشاء القدر وانفجر إطار السيارة ورغم المحاولة للسيطرة على السيارة لكن لم يستطيع مما أدى إلى انقلابها ومات أحد الركاب رغم محاولة إسعافه، وطالب أهل المتوفى بالفدية وتم دفعها. وسؤلي هل يجب على هذا الشخص صيام شهريين متتاليين ليكفر عن ذنبه أو تكفي الفدية؟ أفيدونا افاذكم الله. وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد …
... إذا كان هذا السائق لم يتعد السرعة المعتادة ولم يفرط في الأخذ بأسباب السلامة وفي مقدمة ذلك حالة العجلات والفرامل فإنه لا دية عليه ولا كفارة، أما إذا فرط أو تعدى فإنهما تجبان عليه. ... والدية معروفة، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة (عبد أو أمة) فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، والدليل قوله تعالى: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً* ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا * فإن كان من قومٍ عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة * وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليماً حكيماً * ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خلداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً * وإذا كانت كفارته الصيام فإنه يصوم شهرين قمريين (عربيين) يبدأ من أول الشهر حتى يكمل شهرين، سواء كان الشهران تامين أو ناقصين أو أحدهما تام والآخر ناقص. وإن لم يبدأ من أول أيام الشهر فعليه أن يصوم ستين يوما. والله أعلم. ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1422(15/487)
كفارة من قتل أخاه خطأ صيام شهرين متتابعين
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل لي حادث مروري مع أخي الأكبر قبل عامين، نتج عن هذا الحادث وفاة أخي الأكبر رحمه الله وقد كنت أنا من يقود السيارة, وحصل الحادث نتيجة السرعة الزائدة حيث كانت سرعتي 140 كلم في حين ان السرعة القانونية كانت 120 كلم. وقد أفادني البعض بأن علي صيام شهرين متتابعين، لأن الحادث يعتبر من القتل الخطأ. ولأني لازلت أبحث عن حكم الشرع في هذه المسألة أرجو منكم أن تفيدوني في هذه المسالة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ...
فإذا كان الحادث الذي حصلت بسببه وفاة أخيك قد تقرر لدى أهل الاختصاص أنك كنت أنت المتسبب فيه فعليك أخي الكريم الدية، وتتحملها عاقلتك وتعطى لورثة الميت الذي هو أخوك رحمه الله، ولا شيء لك من الدية، إضافة إلى أنه يلزمك الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين. لقوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قومٍ عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً) [النساء: 92] . والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(15/488)
كفارة القتل على الترتيب
[السُّؤَالُ]
ـ[عند القتل الخطأ أيهما أفضل الصيام أم الإطعام ككفارة؟ ومتى يحب قضاء هذه الكفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: كفارة القتل ليست على التخيير بل هي على الترتيب، والترتيب فيها وارد بين عتق الرقبة وصيام الشهرين، فالواجب على القاتل خطأ أن يعتق رقبة فإن عجز عنها لعدم وجودها، أو عدم وجود ثمنها فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فإن عجز عن الصيام فقيل: يطعم ستين مسكينا وقبل لا يطعم ولم يرد في آية كفارة القتل ذكر للإطعام كما لم يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نعلم. وهذه الكفارة مطلوبة على الفور فلا ينبغي تأخيرها. خشية أن يداهمك الموت وهي في ذمتك. والعلم عند الله.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(15/489)
أركان القسامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أركان القسامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على أحد من أهل العلم نص على أن للقسامة أركانا بهذا اللفظ، وقد سبق أن بينا تعريف القسامة وذكرنا شيئا من أحكامها، فيمكن مراجعة الفتوى رقم: 107689.
وركن الشيء جزؤه وأساسه، ومن خلال تعريف القسامة يتبين أن من أركانها ما يلي:
1- الأيمان التي يحلفها أولياء القتيل.
2- وجود أولياء القتيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(15/490)
القسامة.. تعريفها.. وأحكامها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف القسامة؟ وما هي أحكامها؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
القسامة هي أيمان يحلفها أولياء المقتول، ويستحقون بها في العمد القود أو الدية على خلاف في ذلك، وفي الخطأ يستحقون بها الدية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقسامة في اصطلاح الفقهاء هي الأيمان المكررة في دعوى القتل، يقسم بها أولياء القتيل لإثبات القتل على المتهم، أو يقسم بها المتهم على نفي القتل عن نفسه، وقد عرفها ابن عرفة كما يلي: القسامة حلف خمسين يميناً أو جزئها على إثبات الدم.
وأما عن أحكامها فإنه يثبت بها في قتل العمد القصاص أو الدية على خلاف بين أهل العلم في ذلك، جاء في المغني: الفصل الرابع: أن الأولياء إذا حلفوا استحقوا القود، إذا كانت الدعوى عمداً، إلا أن يمنع منه مانع، روي ذلك عن ابن الزبير وعن عمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر. وعن معاوية وابن عباس والحسن وإسحاق: لا تجب بها إلا الدية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب من الله. ولأن أيمان المدعين إنما هي بغلبة الظن وحكم الظاهر، فلا يجوز إشاطة الدم بها، لقيام الشبهة المتمكنة منها، ولأنها حجة لا يثبت بها النكاح ولا يجب بها القصاص كالشاهد واليمين. وللشافعي قولان كالمذهبين ... وفي قتل الخطأ تثبت بها الدية على عاقلة القاتل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(15/491)
تعريف الصائل وكيفية دفعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو تعريف الصائل؟ وما الفرق بينه وبين الصيال؟ وما هي كيفية دفعه وما يترتب على ذلك من أحكام؟ وما أدلة ذلك من القرآن والسنة والإجماع؟ وما أمثلة ذلك في الوقت الحاضر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
الصيال بكسر الصاد والصائل مادتهما واحدة، والأول مصدر والثاني اسم فاعل. ودفع الصائل بما يندفع مشروع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصِّيال إذا كان بكسر الصاد فإنه مصدر صال، ومعناه الاستطالة والمواثبة والظلم. جاء في مختار الصحاح: صال عليه استطال، وصال عليه وثب، وبابه قال وصولة أيضا، يقال: رب قول أشد من صول, والمصاولة المواثبة، وكذلك الصيال والصيالة ... اهـ
وفي الموسوعة الفقهية: الصيال في اللغة: مصدر صال يصول إذا قدم بجراءة وقوة، وهو الاستطالة والوثوب والاستعلاء على الغير ... وصال عليه أي: سطا عليه ليقهره. والصائل: الظالم، والصئول: الشديد الصول، والصولة: السطوة في الحرب وغيرها، وصؤل البعير: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم. وفي الاصطلاح: الصيال الاستطالة والوثوب على الغير بغير حق. اهـ
وعلى هذا.. فالصائل والصِّيال مادتهما واحدة، والأول اسم فاعل والثاني مصدر.
وأما إذا كنت تقصد الصَّيال بفتح الصاد على وزن المبالغة، فإنا لم نقف عليها في شيء من كتب اللغة.
ودفع الصائل بما يندفع به مشروع ولو بالقتل. فقد روى مسلم وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".
قال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى-: وجاز دفع صائل بعد الإنذار للفاهم وإن عن مال، وقصد قتله إن علم أنه لا يندفع إلا به ...
وأمثلة الصائل كثيرة، منها: قطاع الطريق، واللصوص الذين يتربصون بالناس لأخذ أموالهم أو إلحاق الضرر بهم، ومن يعتدون على الحريم، وغير ذلك من أصحاب الجرائم ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(15/492)
خطوات دفع الصائل
[السُّؤَالُ]
ـ[تشاجرت مع شخص وهو يريد الآن مقاتلتي، مع العلم أنه يقتل بالسلاح، فماذا أفعل؟ هل أقاتله أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك والمسلمين من السوء، ثم اعلم أخي الكريم أنه يشرع للمسلم دفع من يصول على نفسه أو ماله أو عرضه، ويجب أن يكون ذلك بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك، فمن أمكنه الهرب لزمه الهرب، لأن الهرب حينئذ هو الأخف، فإن لم يمكن دفعه إلا بالقتل جاز قتله، ولا إثم على القاتل.
وقد اختلف الفقهاء في حكم دفع الصائل على النفس وما دونها، والراجح أن ذلك يختلف باختلاف نوع الصائل، فإن كان كافراً، وجب الدفاع، لأن الاستسلام للكافر ذل في الدين، وفي حكمه كل مهدورالدم من المسلمين كالزاني المحصن، ومن تحتم قتله في قطع الطريق ونحو ذلك من الجنايات، أما إن كان الصائل مسلماً غير مهدور الدم فلا يجب دفعه في الأظهر، بل يجوز الاستسلام له كما يجوز دفعه، بل قال بعضهم: يسن الاستسلام له، لقوله صلى الله عليه وسلم: كن كابن آدم. يعني هابيل. رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني.
ولأن عثمان رضي الله عنه ترك القتال مع إمكانه ومع علمه بأنهم يريدون نفسه ومنع حراسه من الدفاع عنه، واشتهر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر عليه أحد، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 17038، ورقم: 113964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1430(15/493)
هل الصائل مهدور الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتوى حضراتكم في قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع الأعرابي القاتل (فتوى رقم 115297) . وعلمت أنها لم ترد إلا عند أهل التاريخ ولا يمكن الحكم عليها بالصحة أو الكذب. ولكني صراحة كنت متوقعا من أول ما قرأت القصة بأنها كاذبة، بسبب حكم سيدنا عمرو رضي الله عنه- بقتل الأعرابي، لأنه لم يقتل الرجل الآخر إلا بعدما بغى القتيل على أرض الأعرابي، وبعدما حذره وزجره ولكنه لم ينزجر. ولكن بعد قراءتي لفتواكم بارك الله فيكم، انتابني هذا السؤال:
هل لو دخل رجل بدابته في بيتي أو أرضي أو ممتلكاتي، وزجرته ليخرج فلم ينزجر ولم يخرج، فقاتلته حتى قتلته، هل عندها يقام علي الحد ويؤمر بقتلي؟ وأين ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أرأيت إن عدي على مالي؟ قال: فأنشد بالله قال: فإن أبوا علي، قال: فأنشد بالله قال: فإن أبوا علي، قال: فأنشد بالله قال: فإن أبوا علي قال: فقاتل فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار.
الراوي: أبو هريرة رضي الله عنه، المحدث: الشيخ الألباني عليه رحمة الله، الدرجة: صحيح.
أفتوني بارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على قراءة فتاوانا وإبداء ملاحظاته عليها.
وبغض النظر عن القصة المشار إليها، فإن حكم عمر رضي الله عنه المذكور فيها لا يقتضي أن القصة مكذوبة؛ لأنه موافق للشرع ولا يختلف مع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع ومنها ما أشار إليه السائل.
فعمر حكم بالقصاص على الشاب (الأعرابي) لأنه أقر بقتل الشيخ الذي قتل فحل إبله بسبب أن بعض الإبل تناول من أشجار حديقة الشيخ كما في نص القصة حيث يقول: فأفضت بي بعض طرائقها (الأرض) إلى المسير بين حدائقها، بنياق حبيبات إلي، عزيزات علي، بينهن فحل كريم الأصل، كثير النسل، مليح الشكل، حسن النتاج، يمشي بينهن كأنه ملك عليه تاج. فدنت بعض النوق إلى حديقة قد ظهر من الحائط شجرها، فتناولته بمشفرها، فطردتها من تلك الحديقة. فإذا شيخ قد زمجر، وزفر، وتسور الحائط، وظهر وفي يده اليمنى حجر، يتهادى كالليث إذا خطر، فضرب الفحل بذلك الحجر، فقتله وأصاب مقتله. فلما رأيت الفحل قد سقط لجنبه وانقلب، توقدت في جمرات الغضب، فتناولت ذلك الحجر بعينه، فضربته به، فكان سبب حينه، ولقي سوء منقلبه، والمرء مقتول بما قتل به بعد أن صاح صيحة عظيمة، وصرخ صرخة أليمة، فأسرعت من مكاني فلم يكن بأسرع من هذين الشابين، فأمسكاني وأحضراني كما تراني. فقال عمر: قد اعترفت بما اقترفت، وتعذر الخلاص، ووجب القصاص، ولات حين مناص ...
وعلى ذلك.. فالقتيل لم يبغ على القاتل ولم يدخل أرضه ... وإنما قتله بسبب طرده للإبل عن حديقته وقتل فحلها، ولهذا حكم عمر بقتل القاتل.
وأما من أراد الاعتداء على شخص أو دخول بيته والاستيلاء على ممتلكاته أو الاعتداء على أهله.. فهذا مهدور الدم إن قتل وهو الذي وردت فيه الأحاديث الصحيحة، ومنها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وقد بينا حكم الصائل بالتفصيل وأقوال العلماء في الفتويين: 43310، 36610.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(15/494)
حكم دفع الصائل على النفس أو العرض أو المال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يطلق الشرطي النار في حال تعرض حياته وسلاحه للخطر والضياع.. مع العلم بأن هذا الشرطي على درجة عالية من الإيمان بالله وأنه يخاف أن يقتل فيخلد في النار، ولكن تتعرض حياته للخطر من أناس قد تؤول إلى خطفه أو إطلاق النار عليه، وأيضا ما الحكم حين تتهدد بأنك محاصر وتدعى إلي تسليم سلاحك ومعك ذخيرة لتقاتل.. فهل تقاتل وتطلق النار دفاعا عن روحك وعن سلاحك أم تسلم نفسك فيؤخذ سلاحك ولا تعلم أتعدم أم يطلق سراحك؟ ملاحظة: المكان فلسطين، فأرجو إفادتي بكل مفيد حول هذا الموضوع؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشرع للمسلم دفع من يصول على نفسه أو ماله أو عرضه، ويدفع بالأخف فالأخف، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 112762.
وقد اختلف الفقهاء في حكم دفع الصائل على النفس وما دونها، فذهب الحنفية -وهو الأصح عند المالكية- إلى وجوب دفع الصائل على النفس وما دونها، ولا فرق بين أن يكون الصائل كافراً أو مسلماً، عاقلاً أو مجنوناً، بالغاً أو صغيراً، معصوم الدم أو غير معصوم الدم، آدمياً أو غيره.
واستدل أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فالاستسلام للصائل إلقاء بالنفس للتهلكة، لذا كان الدفاع عنها واجباً، ولقوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل دون دمه فهو شهيد. متفق عليه.. وقوله صلى الله عليه وسلم: من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين -يريد قتله- فقد وجب دمه. رواه أحمد.
ولأنه كما يحرم على المصول عليه قتل نفسه، ويحرم عليه إباحة قتلها ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ذلك، كالمضطر لأكل الميتة ونحوها، وذهب الشافعية إلى أنه إن كان الصائل كافراً، والمصول عليه مسلماً وجب الدفاع سواء كان هذا الكافر معصوم الدم أو غير معصوم إذ غير معصوم الدم لا حرمة له، والمعصوم بطلت حرمته بصياله، ولأن الاستسلام للكافر ذل في الدين وفي حكمه كل مهدور الدم من المسلمين كالزاني المحصن، ومن تحتم قتله في قطع الطريق ونحو ذلك من الجنايات ... أما إن كان الصائل مسلماً غير مهدور الدم فلا يجب دفعه في الأظهر، بل يجوز الاستسلام له كما يجوز دفعه، سواء كان الصائل صبياً أو مجنوناً، وسواء أمكن دفعه بغير قتله أو لم يمكن، بل قال بعضهم: يسن الاستسلام له لقوله صلى الله عليه وسلم: كن كابن آدم. يعني هابيل. رواه أحمد والترمذي.
ولما ورد عن الأحنف بن قيس قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار. قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه. رواه البخاري، ولأن عثمان رضي الله عنه ترك القتال مع إمكانه ومع علمه بأنهم يريدون نفسه ومنع حراسه من الدفاع عنه -وكانوا أربعمائة يوم الدار- وقال: من ألقى سلاحه فهو حر، واشتهر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر عليه أحد. انتهى بتصرف من الموسوعة الفقهية الكويتية، ولعل ما ذهب إليه الشافعية من التفصيل أقرب إلى الصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(15/495)
القتل دفاعا عن النفس أو المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لو هاجمني رجل يريد قتلي، فهل لي الدفاع عن النفس، وماذا لو قتلته وأنا لا أقصد قتله إنما الدفاع عن النفس قدر المستطاع، وماذا لو لم أكن قادراً على أن أحمي نفسي إلا بقتله، وكيف نوفق بين الدفاع عن النفس وحديث كن عبد الله المقتول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في صحيح الإمام مسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو: سمعت النبي صلى يقول: من قتل دون ماله فهو شهيد.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلاً أو كثيراً لعموم الحديث. وهذا قول لجماهير العلماء.. وقال بعض أصحاب مالك لا يجوز قتله إذا طلب شيئاً يسيراً كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير، وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف.
وقال القرطبي في التفسير عند الآية 34 من سورة المائدة: مذهب ابن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان، وبهذا يقول عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما، للأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص وقتاً دون وقت، ولا حالاً دون حال إلا السلطان. فإن جماعة أهل الحديث كالمجتمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أنه لا يحاربه ولا يخرج عليه. انتهى.
أما التوفيق بين حديث كن عبد الله المقتول وبين الدفاع عن النفس، فحديث كن عبد الله المقتول يدل على استحباب الاستسلام إن كان القاتل مسلماً؛ كما قرر ذلك أهل العلم ...
قال العلامة زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: إن قصده مسلم ولو مجنوناً أو مراهقاً أو أمكن دفعه بغير قتله فلا يجب دفعه بل يجوز الاستسلام له بل يستحب كما أفهمه كلام الأصل لخبر أبي داود: كن خير ابني آدم. انتهى.
وأما الأحاديث الأخرى فتدل على جواز الدفع كما قدمنا عن الإمام النووي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(15/496)
حكم قتل الحيوان المتسبب بالأذى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قتل حيواناً (حماراً) , كان يدخل هذا الحيوان بين زرعه وثماره فيأكل منه فيتضرر الزرع وكلما أبعده عن زرعه وثماره إلى مكان بعيد يعود هذا الحيوان مرة أخرى إلى زرعه، فما حكم هذا الرجل القاتل؟ وهل لقتله هذا كفارة؟ وما كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز الاعتداء على الحيوان بأي نوع من الإيذاء، لأن ذلك من الظلم المحرم، إلا إذا ورد نص يبيحه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا. رواه مسلم.
وقال أيضاً: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم. رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وروى البيهقي والدارمي والنسائي والحاكم وصححه وحسنه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقه سأله الله يوم القيامة عنه، قيل: وما حقه؟ قال: يذبحه فيأكله، ولا يقطع رأسه فيرمي به.
راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1777، 16200، 68.
وأما إذا كان يتسبب عن حيوان ما - كالحمار في مسألتك - أذى ولا يستطيع الإنسان دفعه إلا بقتله فيجوز له قتله من باب دفع الصائل، مُشْتَقٌّ مِنْ الصِّيَالِ وَهُوَ الِاسْتِطَالَةُ، ولا كفارة في ذلك في غير الحرم ففي ذلك خلاف وتفصيل.
قال في أسنى المطالب فقه شافعي: (يَجُوزُ) لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ (دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَبَهِيمَةٍ عَنْ كُلِّ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ وَطَرَفٍ) وَمَنْفَعَةٍ (وَبُضْعٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ) مِنْ تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِهَا (وَمَالٍ وَإِنْ قَلَّ) ... فَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ..؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ.اهـ
وراجع الفتوى رقم: 71446.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1429(15/497)
دفع الصائل بين الجواز والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في الدفاع عن موقع عسكري من آخرين يريدون السيطرة عليه، وقمت بإطلاق النار عليهم وإصابتهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى وجه العموم فقد قرر العلماء مشروعية دفع الصائل أي رد المعتدي وفقا لضوابط سبق ذكرها في عدة فتاوى نحيلك منها على الفتوى رقم: 80226، وهذه المشروعية إنما هي فيما إذا كان هنالك وجه حق لرد المعتدي، وأما إن كان ما يراد الدفاع عنه قائما على باطل فلا يشرع دفع الصائل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(15/498)
فرق بين دفع المعتدي وإقامة الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل عليك لص يقصد سرقتك أو يعتدي على محارم بيتك ومع أن اللصوص لم يدعوا أمنا للناس في تلك البلدة والشرطة لا تفعل لهم أي شي وأنتم تفتون بأنه لا يجوز التدخل في هذه الأمور ويجب أن نرجعها إلى السلطات ولكن السلطات هي شريكة في هذه الجرائم ومع أنه يوجد حديث عن الرسول إذا نظر أحد من ثقب في الباب وكان في يد أحدكم مخيط فليغرسه في عينه وهل ندع اللص يقتلنا مع أنه مسلح أم نستطيع قتله وإلى متى يجب الانتظار حتى تتدخل السلطات أو الشرطة وهم شريكون في تلك الجرائم وتأخذ الرشوة منهم وتطلق سراحهم؟ جزاكم الله خيرا أجيبوني على هذا السؤال. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربكم، وأن ييسر أمركم، وأن يرد عنكم كيد الكائدين، وأن يرزقكم الطمأنينة والأمان.
ونرجو أن تهون على نفسك، وأن لا تعجل إلى اتهامنا بما لم نقل، والظاهر أنك تشير بقولك (وأنتم تفتون) بأنه لا يجوز التدخل في هذه الأمور ويجب أن نرجعها إلى السلطات إلى ما ذكرنا ببعض الفتاوى من أن إقامة الحدود يرجع فيه إلى الحاكم، وأنه لا يجوز لعامة أفراد الأمة إقامتها، وراجع على سبيل المثال الفتوى رقم: 29819.
وأما مسألة اللصوص التي ذكرتها بهذا السؤال فهي تدخل فيما يسمى عند الفقهاء بدفع الصائل أي رد المعتدي وقد بينا هذه المسألة بيانا شافيا في بعض فتاوانا، وراجع منها الفتاوى: 17038، 43310، 80226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1428(15/499)
حكم دفع الصائل وقتله
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا نعرف ما يمر به الشارع الفلسطيني من فتن، وكلنا نعرف أن القاتل والمقتول في النار هذا حديث لا خلاف عليه ولكن ماذا لو كان أحد الأشخاص يسير في الشارع وباغته أحدهم بإطلاق النار عليه وكان المعتدى عليه مسلحا فهل يرد أم يستسلم وإن أصابه في مقتل فهل يكون قتلا متعمدا أم دفاعا عن النفس
وشكرا.............]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في صحة الحديث الذي أشرت إليه، وهو في الصحيحين وغيرهما عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عليا، قال: فقال لي: يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قال: فقلت: أو قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال إنه قد أراد قتل صاحبه.
ولكن أهل العلم حملوا هذا الحديث على ما إذا كان القاتل أو المقتول غير متأول. قال النووي: هو محمول على من لا تأويل له ... وقال ابن حجر في الفتح: فالحق أنه محمول على ما إذا كان القتال منهما بغير تأويل سائغ ...
فبان من هذا أن الحديث ليس على عمومه، وعليه، فإذا اعتدى أحد على آخر وباغته بإطلاق النار عليه، فإذا لم يجد وسيلة للنجاة منه إلا بقتله فليس عليه ذنب في أن يقتله. فقد روى مسلم وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وقال الشيخ الدردير ممزوجا بكلام خليل: وجاز دفع صائل على نفس أو مال أو حريم. والمراد بالجواز الإذن فيصدق بالوجوب بعد الإنذار ندبا كما في المحارب للفاهم أي الإنسان العاقل بأن يقول له: ناشدتك الله إلا ما تركتني ونحو ذلك أي إن أمكن كما تقدم في المحارب, فإن لم ينكف أو لم يمكن جاز دفعه بالقتل وغيره. اهـ.
فالقتل هو آخر ما يلجأ إليه لدفع الصائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(15/500)
دفاع المرء عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حرام الدفاع عن نفسي أمام شخص يضربني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدفاع عن النفس مشروع، فيجوز للمسلم أن يدفع عن نفسه أو أهله أو عرضه أو ماله بكل وسيلة ممكنة من أراد الاعتداء عليه بالضرب أو بغيره، ففي صحيح مسلم وغيره أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وعدم الدفاع عن النفس يتنافى مع كرامة المسلم وعزته ... ويترتب عليه إهانته وإذلاله ... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.... الحديث. رواه أحمد والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 36610، والفتوى رقم: 17038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(15/501)
دم الصائل هدر
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية نود أن نشكر العاملين في هذه الشبكة من عمل مفيد ومثمر جهودكم الجبارة على الإجابة على الأسئلة الكثيرة والفتاوى الدينية وتغطية جميع جوانب الحياة، وبارك الله لكم في عملكم وأجرتم عليه.
أود أن أستوضح بعض الأمور الدينية غير واضحة لدي وهي1: في حكم القاتل الشبه عمد ماذا يتوجب، علماً أنه كما تعرفون هناك ناس يذهبون إلى أهل القتيل واحتمال أخذ الدية ولكن ذلك يأخذ وقتا فما العمل، هل يقومون بالكفارة أو الصيام، 2: في القتل كما هو مذكور في الدين الدية ومن ثم الكفارة أو الصيام، إن لم يرضوا بالدية، فما هي الكفارة أي كم تبلغ من المال، وأريد نصيحتكم في هذا الموضوع ماذا نعمل حيث الذين قاموا بالقتل أكثر من شخص وهم أربعة ماذا يتوجب عليهم فعله من التكفير كل واحد عن ذنبه، علماً بأن نية القتل لم تكن موجودة، حيث الشخص الذي قتلوه كان معتديا عليهم ودخل بيتهم ورعب النساء وخطف أخا لهم وأطلق النار على والدهم وسبب لهم في ترك بيوتهم خوفاً منه، ورغم ذلك لاحقهم دون سبب فوقعت المشكلة حيث قاموا بإطلاق النار على رجليه في المنطقة السفلى من رجليه وأخذ إلى المستشفى وحدث عنده نزيف ولم يستطيع الطبيب السيطرة ونقل إلى مشفى آخر وتوفي في غرفة العمليات وذلك بسبب إهمال الطب وقلة إمكانياته، ألجأ وكلي رجاء أن تعلموني بماذا يتوجب عليهم فعله من الناحية الشرعية حتى يغفر لهم الله، والرجاء التوضيح ما واجب كل فرد على حدة، علماً بأنهم أبناء عم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله كل خير ونسأل الله تعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك، ولتعلم أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وبخصوص القتل شبه العمد فإنه يترتب فيه الإثم على الفاعل لأنه قتل نفساً معصومة الدم حرم الله قتلها إلا بالحق، كما يترتب عليه دفع الدية المغلظة إلى أولياء الدم وهي على العاقلة، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الكفارة فيه.
والكفارة -كما جاء في كتاب الله عز وجل- هي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجدها صام شهرين متتابعين مع التوبة إلى الله تعالى، ولا مانع من أداء الكفارة قبل دفع الدية وخاصة إذا كان دفعها يتطلب إجراءات أو وقتاً.. وإذا كان من حصل منهم مجموعة فإن على كل واحد منهم كفارة لأن الكفارة لا تتجزأ، وأما الدية فإن عليهم دية واحدة مغلظة -كما ذكرنا- لأن المقتول واحد، هذا إذا كان القتل شبه عمد أو خطأ.
أما إذا كان الشخص الذي قتلوه لصا دخل بيتهم وأطلق النار وخطف ورَوَّع.. فإن دمه هدر لأنه صائل، ولا ضمان في قتل الصائل على نفس أو طرف أو بضع أو مال. كما يقول أهل العلم، ولما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ... ومن قتل دون أهله فهو شهيد. وللمزيد من الفائدة فنرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11470، 57363، 67830.
هذا وننبه السائل الكريم إلى أننا قد وصلنا سؤال قصته شبيه بقصة هذا السؤال فإن كانت هذه هي نفسها فقد كتبنا فيها فتوى رقم: 71326 نرجو أن تطلع عليها.
ولتعلم أن الأمور التي فيها دعاوى ونزاعات لا يستطيع الحكم عليها حقيقة إلا من علم جوانبها وملابساتها ... ولهذا فإن ما نكتبه من فتاوى على هذا النوع من الأسئلة إنما هو بحسب ألفاظ السؤال الذي يصل إلينا وعبارات السائل، ولذلك فلا يلزم أن تكون هذه الفتاوى قد أصابت حقيقة الأمر الواقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1427(15/502)
من هم البغاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (فإن بغت إحاهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله) فمن هم البغاة؟ وهل يجب قتالهم؟ وما الفرق بين قتالهم وقتال الكفار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل البغي هم: طائفة من المسلمين يخرجون على الإمام، ولهم قوة وشوكة ومنعة، ويخالفون بعض أحكام المسلمين بالتأويل، ويظهرون على بلدة من البلاد. انتهى. من تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.
وأما عن قتالهم ففي الفتاوى الهندية: فإن كان ذلك بظلم السلطان في حقهم فينبغي ألا يظلمهم، وإن كان لا يمنع من الظلم وقاتلت تلك الطائفة السلطان، فلا ينبغي للناس أن يعينوا السطان، وإن لم يكن ذلك لأجل أنه ظلمهم، ولكنهم قالوا: الحق معنا وادّعوا الولاية، فللسطان أن يقاتلهم وللناس أن يعينوه، كذا في السراجية. اهـ.
وقال الخرقي في مختصره: وإذا اتفق المسلمون على إمام، فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه حوربوا ودفعوا بأسهل ما يندفعون به. اهـ
وأما عن الفرق بين قتالهم وقتال الكفار فالفروق كثيرة ومنها: أنه لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا تسبى نساؤهم وذراريهم ولا تغنم أموالهم ولا يقتل أسراهم، ويغسلون ويكفنون ويصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين وغير ذلك.
قال الخرقي في مختصره: وإذا دفعوا لم يتبع مدبرهم ولا يجاز على جريحهم ولم يقتل لهم أسير، ولم يغنم لهم مال ولم تُسب لهم ذرية، ومن قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه.
اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(15/503)
المدافعة عن المال غير واجبة وتركها لما هو أحب إلى الله أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[شقيقي الأكبر ينازعني ملكية نصيبي الشرعي في قطعة أرض فضاء قسمت بعقد قسمة تراضياً وأنكر توقيعه على هذا العقد أمام القضاء ووصل النزاع بيننا لحد الاقتتال وتحرير محاضر في الشرطة فهل أستسلم وأترك حقي يضيع وأنا متفرج؟ أم أدافع عن حقي مهما كلفني؟ وذلك عملاً بحديث الرسول حينما سأله سائل في هذا الشأن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم المحرمات اقتتال المسلم مع أخيه المسلم. قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه.
فإذا كانت نفسك لا تطيب بالتنازل له عن شيء من حقك لرأب العلاقة بينك وبينه، فارفع الأمر إلى القضاء، لينال كل منكما حقه دون مقاتلة أو اعتداء، وإن سلكت سبيل المسامحة وعفوت عن بعض حقك لتصل أخيك وتصلح ما بينك وبينه فهو أفضل.
أما الحديث الذي أشرت وهو قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. رواه مسلم.
فمعناه أن المدافعة عن المال بالأخف فالأخف، جائزة غير واجبة؛ قال الإمام النووي في شرح الحديث: ... فلا تعطه: فمعناه: لا يلزمك أن تعطيه، وليس المراد تحريم الإعطاء.
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ساق الحديث من رواية مسلم وأحمد: فيه من الفقه أن يدفع بالأسهل فالأسهل.
ولمزيد من الفائدة في هذا الصدد راجع الفتوى رقم: 17038.
فإذا كانت المدافعة عن المال جائزة غير واجبة، كان تركها لما هو أحب إلى الله أفضل وأولى، ولا ريب أن صلة الرحم من أعظم ما يحبه الله ويرضاه، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.
وفي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه الرحمن شجنة من الرحمن، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ. فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ولذا فإننا ننصحك بالاجتهاد في إصلاح ما بينك وبين أخيك ولو بالتنازل عن بعض حقك، وسوف يخلف الله عليك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه رواه البخاري.
ونسأل الله أن يصلح ما بينك وبين أخيك وأن يعينكما على طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(15/504)
يختلف حكم دفع الصائل باختلاف نية عدوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو الإجابه على سؤالي هذا وعدم إهماله
هل علي ذنب إذا قتلت شخصاً اعتدى على محارمي أو اقتحم بيتي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعتدي على النفس أو المال أو البضع (العرض) يسميه العلماء صائلاً، ودفع الصائل بما يندفع به مشروع، فقد روى مسلم وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".
ويختلف حكم دفع الصائل باختلاف ما يريد الاعتداء عليه، فإن كان يريد أخذ المال فدفعه جائز لا واجب، والمعتدى عليه مخير بين أن يدفع عن ماله، وبين أن يعطيه المال، وكذا في الدفع عن النفس، وأما في الدفع عن البضع (العرض) فقد قال كثير من العلماء بوجوب الدفع، بل قال النووي -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: (وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف) والذي نعلمه هو أن الخلاف في الدفاع عن العرض -هل هو واجب أو جائز؟ - موجود، وإن كان الراجح هو الوجوب، وهو مذهب الأكثر، قال محمد مولود بن أحمد قال الموريتاني صاحب الكفاف:
وهل دفاع صائل على حرم أو نفس أو مال يجوز أو حتم
الاول للقرافي وابن شاس والثاني للقرطبي وابن الفرس
وفي زمان الفتن القاضي أبو بكر لديه الاصطبار أصوب
ومما ينبغي أن يعلم أن الواجب دفع الصائل بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك حتى نص العلماء -رحمهم الله- على أن من أمكنه الهرب لزمه الهرب، لأن الهرب حينئذ هو الأخف.
فإن لم يمكن دفعه إلا بالقتل جاز قتله، ولا إثم على القاتل، كما مر في الحديث السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(15/505)
ما الفرق بين من يقام عليه الحد ومن لا يقام عليه وكلاهما تائب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين أن يتوب الإنسان ويقام عليه الحد في الدنيا وبين أن يتوب بينه وبين الله ولا يقام عليه الحد.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي كل خير، وقد وردت النصوص بالأمر بالستر على النفس عند الوقوع في الذنب، ومن ذلك ما رود في قصة توبة ماعز رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم عن ابن عمر وأصل قصة ماعز في الصحيحين.
وقد أخذ بعض العلماء من هذا استحباب الستر، وأنه أفضل من الإقرار بالذنب ليقام الحد، وذهب آخرون إلى أن الإقرار أفضل على كل حال، وذهب فريق ثالث إلى أن الستر أفضل في حق غير من اشتهر ذلك عنه.
واختار الحافظ ابن حجر أن من اعترف ليقام عليه الحد مبالغة في طلب التطهير أفضل ممن استتر وتاب بينه وبين ربه.
قال الحافظ في الفتح وهو يشرح قصة ماعز:
ويؤخذ من قضيته أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيرا لك " وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. وقال ابن العربي: هذا كله في غير المجاهر، فأما إذا كان متظاهرا بالفاحشة مجاهرا فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره. وقد استشكل استحباب الستر مع ما وقع من الثناء على ماعز والغامدية، وأجاب شيخنا " في شرح الترمذي " بأن الغامدية كان ظهر بها الحبل مع كونها غير ذات زوج فتعذر الاستتار للاطلاع على ما يشعر بالفاحشة، ومن ثم قيد بعضهم ترجيح الاستتار حيث لا يكون هناك ما يشعر بضده، وإن وجد فالرفع إلى الإمام ليقيم عليه الحد أفضل انتهى. والذي يظهر أن الستر مستحب والرفع لقصد المبالغة في التطهير أحب والعلم عند الله تعالى.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(16/1)
العقوبة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أساليب العقاب في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
العقوبة في الإسلام بالحدود والتعزير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقوبة في الإسلام على نوعين: حدود وتعزير.
فالحدود هي التي حدد الشرع عقوبة صاحبها كالقصاص وجلد الزاني والقاذف وشارب الخمر وقطع يد السارق.
وأما التعزير فيكون باجتهاد الحاكم أو القاضي بحسب ما يراه مناسباً ورادعاً ومصلحاً ... ويكون في المخالفات الشرعية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويكون بالضرب والحبس والتوبيخ ... وما يراه الحاكم كما تقدم.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 34616، والفتوى رقم: 78615.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(16/2)
الفرق بين الحد والتعزير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين عقوبة الحد والتعزير؟ وأيهما أعلى مرتبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفروق بين الحد والتعزير قد ذكرها أهل العلم على النحو التالي، كما ورد في رد المحتار: الفرق بين الحد والتعزير أن الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الإمام, وأن الحد يدرأ بالشبهات والتعزير يجب معها, وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع عليه. والرابع أن الحد يطلق على الذمي والتعزير يسمى عقوبة له لأن التعزير شرع للتطهير. وزاد بعض المتأخرين أن الحد مختص بالإمام والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية, وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير, وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير, وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه وأنه لا يجوز للإمام تركه وأنه قد يسقط بالتقادم بخلاف التعزير. فهي عشرة. اهـ بتصرف يسير.
وأما الفرق بينهما من حيث العقوبة، فالحد يكون بالقتل والصلب وجلد مائة أو ثمانين جلدة وقطع اليد والسجن والنفي ونحو ذلك، بحسب الذنب الذي اقترفه الشخص.
وأما التعزير فليس فيه شيء محدد، وإنما يوكل إلى اجتهاد الإمام فيضرب أو يسجن أو يفعل غير ذلك مما يراه رادعا عن المعصية، ولكن لا ينبغي له الزيادة في الجلد على عشرة أسواط، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يجلد فوق عشر جلدات، إلا في حد من حدود الله. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ للبخاري.
ومن ذلك يتبن لك أن عقوبة الحد أعلى من عقوبة التعزير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(16/3)
يشرع التعزير إذا لم يكن هناك حد مقدر
[السُّؤَالُ]
ـ[لو فرضنا أنه يقام الحكم بشرع الله في جميع البلدان الإسلامية، ماذا يفعل بالنساء اللاتي يرفضن الحجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يعلي كلمته، وأن يقيم الحكم بشريعته في الأرض كلها وليس في البلدان الإسلامية فقط.
وقول السائل (ماذا يفعل بالنساء اللاتي يرفضن الحجاب) فترك واجب من الواجبات وفعل محرم من المحرمات يشرع فيه التعزير إذا لم يكن هناك حد مقدر.
فمن فعل محرماً لا حدّ فيه، كسرقة ما دون النصاب وأكل الربا والغش في الأسواق وشهادة الزور، وتقبيل الأجنبية أو الخلوة بها، وعدم لبس الحجاب الشرعي، وغير ذلك من المحرمات التي ليس فيها حد شرعي، فإنه يشرع في حقه التعزير، وهو عقوبة غير مقدرة شرعاً تجب حقاً لله أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(16/4)
إقامة الحدود والتعزير لا تكون إلا لولي أمر المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأخوة يقومون بعمل لجان شرعية تحكم بين الناس بالأحكام الشرعية وأحيانا يعزرون الناس بالمال وتدفع هذه الأموال لمسجد فهل هذا العمل صحيح؟ وهل التعزير من حق ولي الأمر فقط؟ أم يجوز لأي جماعة مسلمة أن تفعل ذلك؟
أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما إقامة اللجان والجمعيات للإصلاح بين الناس، وبناء المساجد والمشاريع الخيرية، فذلك من البر والخير الذي ينبغي أن يعانوا عليه.
وأما إقامة الحدود والتعزير فلا يكون إلا لولي أمر المسلمين، لأن القول بخلاف ذلك مدعاة للفساد والإفساد، فربما حدث خلاف بين اثنين فقام أحدهما بقتل صاحبه، فإذا حوكم قال: كان المقتول تاركاً للصلاة، أو نحو ذلك.
وانظر الفتوى رقم: 23376، ويستثنى من ذلك ما إذا كانوا بأرض لا إمام فيها للمسلمين، فيكون إلى أعلم الناس إقامة الأحكام الشرعية من حدود وتعازير ونحوهما.
قال الإمام الشربيني رحمه الله: ولو خلا الزمان عن إمام رجع الناس إلى العلماء، فإن كثر علماء الناحية فالمتبع أعلمهم، فإن استووا وتنازعوا أقرع كما قال الإمام. ا. هـ
ولاشك أن هذا مقيد بعدم حصول فتنة، ومفسدة أكبر يغلب على الظن وقوعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(16/5)
هل عقوبة شرب المخدرات تعزير أم حد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كانت عقوبة المخدرات تعزيرية ولم تكن كشرب الخمر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أمرين:
الأول: أن المخدرات لم تكن في العصر النبوي ولا ما بعده من عصور الأئمة المتبَعين، وإنما عرفت في بلاد الإسلام في أواخر القرن السادس الهجري.
الثاني: أن هناك فرقا بين المسكر وبين المرقد والمفتر والمفسد.
قال الحطاب: فائدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد.
فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح.
والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح، كعسل البلادر. والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالسكَران. انتهى.
وقال القرافي في الفروق: المتناول لما يغيب العقل، إما أن يغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس، فإما أن تحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له فهو المسكر، وإما أن لا يحدث معه ذلك فهو المفسد. فالمرقد ما يغيب العقل والحواس. والمفسد: ما يغيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح. انتهى.
وقد اختلف أهل العلم في المخدرات، من أي الأنواع الثلاثة هي، وبالتالي هل يجب فيها حد الخمر؟ أم يجب فيها التعزير؟.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى عن الحشيشة: أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتر. ومن الناس من يقول: إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك، بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر. انتهى.
وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية هو الراجح ـ إن شاء الله.
وقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، بحثا بعنوان: نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات، نشر في مجلة البحوث الإسلامية ومن مسائله: مسألة الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر. ومسألة علاقات المخدرات بالخمر.
ومما جاء فيه: الصلة بين المخدرات وبين الخمر قوية، إذ لا أقل من أنها تحقق قيام الوصف المقتضي للتحريم بها قياسا واضحا جليا، ولهذا حكم ابن تيمية وغيره بأن للحشيش من المخدرات أحكام المسكرات الأساسية المتخذة من عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وهذه الأحكام ثلاثة: التحريم، والنجاسة، والحد على متعاطيها، وذلك، لأنه عندهم مسكر كالخمر، ومن تتمة النظر في هذا أن نضيف أن بعض الفقهاء لم يكتف في بعض هذه المخدرات باعتباره مسكرا، بل سماه خمرا، منهم شيخ الإسلام الفقيه المحقق الإمام أحمد ابن تيمية ـ وكانت فيه غيرة دينية عجيبة وسعة أفق ـ كما سترى في رأيه الفقهي مع أراء الفقهاء من مختلف المذاهب، وكذلك الحافظ الذهبي.
كما جاء في كتاب الزواجر: والفقه الحنبلي هو أقوم ما عرفناه كتابة في هذا الموضوع، وبيان الحكم الشرعي فيه بقوة وخصوبة واستيعاب الأدلة، يتمثل ذلك في كتابة شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان في نقول بعض الشافعية نقل عن الغزالي يفيد وجوب التعزير دون الحد على آكل الحشيشة انتهى.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 17651، 120228.
وبهذا يتبين أن الراجح في عقوبة تعاطي المخدرات أنها كعقوبة شارب الخمر، وإن كان قول الأكثر أنها ليست كالخمر، فلأنها عندهم ليست مسكرة، بل مرقدة أو مفترة أو مفسدة.
وقد سبق لنا بيان الفرق بين الحد والتعزير، في الفتوى رقم: 95693 وبيان هل عقوبة شرب الخمر تعد من باب الحد؟ أم التعزير؟ في الفتوى رقم: 113912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(16/6)
لا يقيم الحدود إلا السلطان أو نائبه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعز اء بعد التحية أرجو الإجابة على أسئلتي للضرورة والأهمية مع خالص شكري وتقديري لجهودكم الكبيرة. ودمتم ذخرا للإسلام والمسلمين.
أرملة بسيطة وضعيفة العقل تسكن مع والدتها وجيرانها من الأقارب، تسور عليها ابن عمها- وهو متزوج- البيت وهي لوحدها وقام باغتصابها عن سابق عمد وإصرار، نكاية في إخوانها الشرفاء لتلويث سمعتهم وهتك عرضهم، وقد اكتشف أحد إخوانها الأمر بعد أن وصلت إليه معلومة حول هذا الموضوع، وقد قام بالتحقيق معها وتبين أنها حامل في الأيام الأولى، وقد تم إسقاط الحمل خوفا من الفضيحة وحصول ما لا يحمد عقباه، وقد أخفى أخوها الأمر عن إخوانه.
والسؤال:
1- ما حكم قتله بطريقة ما لارتكابه هذه الجريمة المركبة وهي الزنا والاغتصاب ودخول البيت من فوق الجدار، وهذا يعني أنه كسر محرم البيت، وفي مجتمعنا لها أهمية كبيرة، وهل يؤثم بقتله إن هو فعل ذلك؟
2- ما حكم قتلها هي إذا ثبت أنها متواطئة معه بطريقة ما وإخفاء الأمر حتى لا تحدث فضيحة تؤثر على جميع أفراد الأسرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لكم الإقدام على قتل هذا الرجل، وذلك لما يلي:
أولا: أن جريمة الزنا لا تثبت أصلا إلا بالإقرار أو شهادة أربعة شهود عدول يرون هذه الجريمة أثناء حدوثها. وهذا لم يتحقق في هذه الجريمة بناء على ما ذكر في السؤال، لأن مجرد إخبار المجني عليها بذلك لا يعتد به في حق الرجل، بل هو مجرد دعوى لا تثبت إلا ببينة.
ثانيا: وإن تحققت البينة أو اعترف هذا الرجل بجريمته فلا يجوز أيضا الإقدام على قتله، لأنه وإن كان مستحقا للقتل لكونه زانيا محصنا إلا أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان، ولا يجوز لآحاد الناس مباشرة تنفيذها، وإلا لعمت الفوضى وساد الشر والفساد بين الناس. وقد بينا هذا مفصلا في الفتوى التالية: 23376 ...
هذا بالإضافة إلى أن قتل هذا الرجل سيجر على القاتل بلاءً كبيرا، لأنه إن كان في بلد تطبق أحكام الشريعة فسوف يقتص منه إن عجز عن الإتيان بالبينة، وإن كان في بلد لا تطبق الشريعة فسوف يكون جزاؤه إما السجن أو الإعدام أو غير ذلك.
وتأسيسا على ذلك فإنه لا يجوز لكم أن تقتلوا هذا الرجل، ولكن إن تيقنت من كونه هو الفاعل فلكم أن ترفعوا أمره إلى السلطات المختصة بما معكم من بينات حتى يلقى جزاءه.
وإذ ثبت عدم جواز قتل الرجل فمن باب أولى لا يجوز قتل المرأة، لأنها إن كانت قد أكرهت على الفاحشة فلا إثم عليها ولا مؤاخذة، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه.
وإن كانت مواطئة له فلا يجوز أيضا قتلها لأن هذا من اختصاص السلطان كما سبق بيانه، مع العلم أنه لا يجوز لكم اتهامها بالمواطأة بمحض الظنون والأوهام، بل ينبغي تصديقها فيما أخبرت به من كون الجريمة وقعت رغما عنها؛ لأن الأصل في المسلم السلامة والنزاهة.
وراجع في حكم الإجهاض الفتوى رقم: 44731.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1430(16/7)
يرجى لمن أقيم عليه الحد حصول المغفرة له
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: رجل قتل طفلا يبلغ من العمر 11 عاماً، وازداد جرماً ونكالاً عندما أتى والد الطفل ليبحث عنه قام بقتل والد الطفل وبأبشع الطرق، هنا ألقت السلطات الأمنية القبض على المجرم ونال جزاءه بعد صدور الحكم عليه من القاضي بالقصاص تعزيراً وتم تنفيذ الحكم فيه.
فضيلة الشيخ: عندما سمعت ذلك الخبر قمت بنقل الخبر كاملا إلى إحدى المنتديات ووضعت العنوان: الله لايرحمه. فهل كلمتي هذه تعتبر محرمه أو لاتجوز؟
قال تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً. الآيه. فأرجو منكم توضيح هذه المسألة. فنحن نثق بكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل المسلم كبيرة من أعظم الكبائر كما تدل لذلك آية النساء، وحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. ولكن إقدامك على نشر الخبر بعد تنفيذ القصاص ما كان ينبغي لك، فالميت قد أفضى إلى ما قدم وقد عوقب بالحد المكفر لذنبه على الراجح ونرجو له حصول الرحمة بسببه، كما في حديث الصحيحين: ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له.
فاشتغل بنشر نصوص الوحي التي تتحدث عن وعيد الله وعقابه لمن عصاه، وتتحدث عن الحض على التوبة والبعد عن إيذاء الناس والاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فنصوص الوحي هي أقوى ما يؤثر على النفوس ويدفعها لعمل الخيرات والبعد عن المنكرات، وقد قال الله تعالى لبينه صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ. {الأنبياء:45} . وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ. {الأنعام:19} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(16/8)
تعطيل الحدود بالكامل أشد
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في الحديث الشريف: إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها.
أيهما أسوأ أن يقوم الحاكم بتطبيق الحدود الشرعية كقطع اليد للسارق، والرجم للزاني المحصن، وغيرهما على الضعفاء ويترك الأقوياء وأصحاب النفوذ، أو يترك تطبيق الحدود جميعها ولا ينفذها سواء على قوي أو ضعيف؟ فهل نفهم من حديث النبي عليه الصلاة والسلام السابق أن تطبيق الحدود الشرعية على أناس دون أناس أشد إثما من ترك تطبيق الحدود بالجملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي كل شر، لكن تعطيلها بالكامل أشد وأعظم، ولا يفهم من الحديث ما ذكرته، فهو إنما تعرض لمن عطل الحدود عن بعض الناس وأعملها في بعض، ولا شك أن تعطليها عن الجميع أشد إثما بالأولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(16/9)
ليس من شروط التوبة إقامة الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن الحدود يقيمها الإمام ولا يقيمها الأفراد، ولكن لو قُدِّر أن أقام مجموعة من الناس الحد على شخص، ولم يقمه الإمام الحاكم، فهل يسقط الحد عنه، وهل من الضرورة أن يكون الإمام هنا هو الحاكم العام، فلو فُرض أن أقام الحد إمامُ جماعة مسلمة كهذه الجماعات الموجودة اليوم، وخاصة تلك التي لا تعترف بشرعية الأنظمة المعاصرة، أو أقامه إمام جماعة مسلمة في بلد كفر، لا يعترف بالشريعة الإسلامية، كحال تلك الجماعات الموجودة في أوروبا وغيرها، فهل يسقط الحد عنه، أم يكتفى فيه فقط بالتوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لآحاد الناس أو أي جماعة من الجماعات إقامة الحدود، وعدم وجود حاكم يحكم بالشريعة لا يسوغ لآحاد الناس أو أي جماعة منهم إقامة الحدود، بل لا يجوز ذلك.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية: ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه، وذلك لمصلحة العباد، وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. والإمام قادر على الإقامة لشوكته، ومنعته، وانقياد الرعية له قهرا وجبرا، كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني عن الإقامة منتفية في حقه، فيقيمها على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين. اهـ.
ومن ابتلي بإتيان موجب حد وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، وينبغي له أن يستر نفسه ولا يطالب بإقامة الحد عليه، كما ينبغي لمن علم بفاحشته أن يستر عليه وينصحه، ويمنعه عن المنكر بالوسيلة المشروعة التي يستطيعها، وعلى هذا دلت النصوص الشرعية، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام بعد رجمه الْأَسْلَمِيِّ فقال: اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيء مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ وَليَتُبْ إلى الله، فَإنَّه مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليهِ كتابَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. رواه مسلم.
وإن صدق العبد في توبته، تاب الله عليه- وإن لم يُقَمْ عليه الحد- كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68-70} .
والتوبة المقبولة شروطها: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما تقدم منه، والعزم على أن لا يعود إليه، وإن تعلق الأمر بحق من حقوق الآدميين: وجب رد الحق إلى صاحبه أو استحلاله منه، وليس من شروطها إقامة الحد، ففي حديث رجم ماعز الذي سبق ذكره: فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيء مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ وَليَتُبْ إلى الله.
ولما جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي قَالَ له: وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِر اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ متفق عليه.
قال النووي في شرح مسلم: وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ، وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
وقد فصلنا الكلام على ما تقدم من موضوعات في الفتاوى رقم: 23376، 17547، 49568، 49683، 54406 فانظرها.
ونسأل الله أن يتوب على عصاة المسلمين وأن يستر عليهم بستره الجميل، وأن يعفو عنا وعنهم يوم الدين؛ إنه جواد كريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1430(16/10)
إقامة الحدود هل هي موكولة لآحاد الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أناس قبائل حياتنا أغلبها حروب، سؤالي إذا قتل شخص من قبيلتي شخصا من قبيلة أخرى فقلنا لهم (ماشي حولنا من القاتل) ، فقالوا لنا يجب عليكم أن تقطعوا أهله منكم جميعا من القبيلة فرفضنا فقالوا سوف نقتل أي شخص من القبيلة ليس بالضروري أن يكون القاتل، فهل يجوز مقاتلتهم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب أن يكون الشرع هو منطلق المسلم في حياته وتعامله مع الناس، فإن هذا هو مقتضى كونه مسلما، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين {الا نعام:162ـ163} .
ولا يجوز أن يكون منطلقه العصبيات القبلية والأعراف الجاهلية، فإن هذه مدعاة للفرقة والشتات، وفيها نشر للشر والفساد، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن العصبية الجاهلية: دعوها فإنها منتنة. متفق عليه. فالذي ننصح به أولا الحرص على نشر العلم وسط هذه القبائل، فإن الجهل هو الذي يدعوها إلى مثل هذه التصرفات المقيتة، وللأهمية راجع الفتويين: 102344، 114434.
وقد سبق أن بينا القتل بأنواعه والواجب في كل نوع، فراجعها بالفتوى رقم: 11470.
وإذا كان القتل المذكور في السؤال يستوجب القصاص فلأهل المقتول أن يطالبوا بالقصاص أو يرتضوا الدية أو يعفوا عن المقتول، هذا مع العلم بأن أمر إقامة الحدود من شأن الحاكم لا عامة الناس وإلا سادت الفوضى كما بينا بالفتوى رقم: 29819
وليس لأهل المقتول الحق في مطالبتكم بمقاطعة أهل القاتل، ولا يجوز لهم أيضا أن يقتلوا أحدا منكم بغير وجه حق، وإن اعتدوا عليكم يشرع في حقكم مدافعتهم، وتكون هذه المدافعة بالأسهل فالأسهل كما هو المشروع في دفع الصائل، وقد بيناه بالفتوى رقم: 112762.
وحتى لا يحدث منهم الاعتداء عليكم ابتداء ننصح بانتداب العقلاء من القبيلتين ليجلسوا من أجل تسوية المشكلة، أو رفع الأمر إلى الجهات المسؤولة حتى توقف كل طرف عند حده، وحتى لا تكون فتنة لا يدرى منتهى عاقبتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(16/11)
الزاني والقاتل والتارك لدينه هل يقتلون كفرا أم حدا
[السُّؤَالُ]
ـ[الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة يقتلون حداً أو كفراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنما يقتل على سبيل الكفر من هؤلاء المرتد فقط، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الجنازة على الغامدية بعد رجمها ودعا لقاتل نفسه بالمغفرة، كما يدل لعدم ارتداد القاتل والزاني عموم قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا {الحجرات:9} ، وعموم قوله: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ {النساء:16} ، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73580، 2386، 48774.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(16/12)
هل يقيم آحاد الناس الحد على من استوجبه
[السُّؤَالُ]
ـ[نسأل الله أن ينفعنا بما هو مفيد، ونشكركم على أدائكم المتميز، سوالى هو هل يجوز قتل المسلم حتى لو وقع عليه الحد أمام الناس والتنكيل به وإطلاق الرصاص بأكثر من 400 طلقة رصاص وسط الشارع حتى تناثرت أشلاؤه؟ وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز قتل المسلم أو غيره بغير حق شرعي، ولا يقيم الحدود إلا السلطان أو نائبه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم محترم دمه وماله وعرضه وكل ما تعلق به، فلا يجوز الاعتداء عليه بحال من الأحوال قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. {النساء93}
وكما لا يجوز قتل المسلم ظلما فكذلك لا يجوز قتل غيره ظلما.
وإذا أصاب المسلم حدا من حدود الله أو استوجب القتل بالقصاص أو غيره فلا يجوز لأحد إقامة الحد عليه أو القصاص منه بأي وسيلة ولو كان من أولياء الدم؛ لما قد يترتب على ذلك من انفلات للأمن وانتشار للفوضى؛ فالحدود لا يقيمها إلا السلطان أو نائبه بعد ثبوتها شرعا والتثبت من أسبابها، وانتفاء موانع إقامتها.
وللمزيد انظر الفتوى: 72397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(16/13)
الإكراه الذي يدرأ به الحد عن المزني بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ (الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها) ، فما معنى أن يغلبها على نفسها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى قول أهل العلم في وصف ما يحصل به الإكراه على الزنا الذي يدرأ به الحد عن المزني بها (أن يغلبها على نفسها) هو أن يفعل بها الفاحشة كرهاً كأن يقيدها مثلاً أو يسيطر عليها لكونه أقوى منها وأقدر فلا تستطيع دفعه ونحو ذلك من الإكراه، وانظر الفتوى رقم: 19424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(16/14)
يريد قتل ابن خالته لكونه دفع أخاه إلى السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في دولة أجنبية عائلتي وعائلة أختي وعائلة خالتي وقد ائتمنت خالتي أمي على ذهبها وأختي كذلك ائتمنت أمي على ذهبها ولكن أخي الصغير (16 سنه) بعد التهديد من ابن خالتي (21 سنه) وبمساعدته قام بسرقة الذهب، والآن أنا أريد معاقبة ابن خالتي ماذا يحق لي شرعا أن أفعل بعد الأخذ بالاحتياط من أن لا أمس أنا أو أخي على يد قانون الدولة التي نعيش بها، فهل يحق لي قتله شرعاً أو ما هو العقاب الشرعي الذي أستطيع تنفيذه تجاهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأعلم أولاً أن قتل النفس عمداً عدواناً من أعظم الذنوب وأشنعها عند الله تعالى، كما جاء في نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقاً -ومعنى معنقاً-: خفيف الظهر سريع السير- صالحاً ما لم يصب دما حراماً فإذا أصاب دما حراماً بلح. اي أعيا وانقطع.
وقتل النفس لا يباح إلا بإحدى ثلاث، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
ثم على تقدير استحقاق المرء للقتل، فإن إقامة الحد عليه ليس من حق أي أحد إلا السلطان أو نائبه كالقاضي، وهذا ما نص عليه أهل العلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام.
فإذا تقرر لديك هذا فاعلم أنك تفكر في أمر خطير جداً، فلا شك في أن السرقة ذنب كبير، ولكنه لا يكفي في ثبوتها أن يدعى بها على شخص، بل إنها لا تثبت إلا بالإقرار بها أو بالبينة العادلة، والذي يقرر ثبوتها أو ينفيه هو القضاء الشرعي، ومن جميع هذا تعلم أنك إنما تستحق أن تشكو ابن خالتك إلى القضاء، وإذا ثبتت عليه السرقة كان من حق من سرقت أغراضه أن يسترجعها منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(16/15)
إقامة الحدود إذا لم يوجد من يحكم بالشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام وخطيب في منطقة وحدث حادث جلل حيث اعترف شاب باغتصابه لفتاة عمرها خمس سنوات وهو الآن رهينة لدى أهلها وهم يريدون قتله دون علم أحد خشية الفضيحة، ما حكم هذا الشاب وإذا كانت الدولة لا تقيم الحكم الشرعي فماذا يعمل أهل الفتاة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ثبت ما ذكرت عن هذا الشاب من اغتصابه هذه الفتاة فلا شك أنه قد أتى فعلا قبيحا ومنكرا عظيما ولكن لا يجوز لأهل هذه الفتاة قتله فإن شأن القتل عظيم وجرمه كبير، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {النساء:93} .
وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
فالواجب تذكير أهل هذه الفتاة بخطورة الإقدام على هذا الأمر، وأنهم إن فعلوا ذلك يكونون قد أتوا منكرا أكبر بكثير من المنكر الذي ارتكبه الشاب.
ثم إنه على فرض أن هذ الشاب قد أتى ما يوجب قتله فإن أهل العلم قد ذكروا أن أمر إقامة الحدود موكول إلى الحاكم لا إلى عامة الناس لئلا ينفرط النظام وتسود الفوضى، وغاية ما يمكن أهل هذه الفتاة فعله هو رفع الأمر إلى الحاكم، وإذا لم يوجد من يحكم بالشرع فلا بأس برفع الأمر إلى المحاكم الوضعية إن كانت تقوم باسترداد الحقوق ودفع الظلم، فقد ذكر أهل العلم أنه إذا لم يوجد العدل أقيم شبه العدل مقامه لئلا تضيع الحقوق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1428(16/16)
الحدود الشرعية صادرة عن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية جزاكم الله عنا كل خير، أخي الكريم أنا صاحب إحدى المنتديات العربية الملتزمه إن شاء الله وقد وضعت في هذا المنتدى فيديو يظهر عملية رجم فتاة حتى الموت في الشارع أمام أنظار الجميع حدثت في العراق عندما تحولت الفتاة من الطائفة اليزيدية وتزوجت بشاب مسلم واعتنقت الإسلام، فقام أحد النصارى بالتساؤل وكتب هذا التعليق، أريد أن اسأل سؤالا وأتمنى أن يرد عليه أي أحد فيكم ... أليس عندكم في دين الإسلام تقومون أيضا بقتل الشخص الذي يغير دينه، لماذا عندكم حرام وعند الغرب حرية شخصية، أخي الكريم أنا بحاجة لإجابة أقوى من إجابتي، إجابة أصحاب علم مثلكم لكي أضع رابط الإجابة منكم إن شاء الله لكل من يدخل ويشاهد هذا الموضوع ... والله من وراء القصد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا الأدلة النقلية والأدلة العقلية على وجوب قتل المرتد فراجعها في الفتوى رقم: 13987.
ومما هو جدير بالتنبيه عليه هنا أن هذه التشريعات من حدود ونحوها صادرة عن الرب العليم الحكيم الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم، فأقواله كلها صدق، وأحكامه كلها عدل، والمسلم قد يدرك الحكمة من وراء هذه التشريعات فيزداد إيماناً مع إيمانه، وقد يجهلها فيرضى ويسلم، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} ، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51} ، والمقصود من هذا أن يتبين المسلم ما يجب أن يكون عليه هو وما ينبغي أن يكون محل اهتمامه قبل أن يهتم بالرد على من يثير الشبهات حول أحكام الإسلام من نصارى أو غيرهم.
ثم إننا ننبه على أمر مهم جداً وهو أن الحدود بجميع أشكالها لا يجوز أن يقيمها إلا السلطان أو نائبه، فلا يجوز لعامة الناس أن يتولوا إقامة شيء منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(16/17)
إقامة الحدود ليست موكولة إلى آحاد الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[شابان متدينان وعلى خلق حدث أن تعرضا لفتنة ما فابتلي الأول بالزنا وعصم الله الثاني, وندم الأول على ذلك كثيراً وبكي واستغفر, وفى إحدى الدروس استمع إلى حديث معناه أن إقامة الحدود يعتبر كفارة للذنوب, وإن لم يقم الحد فالأمر لله إن شاء غفر وإن شاء عذب, فاستقر ذهنه على أنه لا بد أن يقام عليه الحد حتى يتخلص من وزر ذنبه, وهو يعلم أن الحد له 100 جلدة لأنه غير متزوج, وقد اشترى سوطا وطلب من صديقة السابق هذا أن يضربه 100 ضربة حتى يقام عليه الحد, والآن الصديق لا يعرف ما الذى يتوجب عليه هل يفعل أم لا، وأيضا مشكلة هذا الشاب أنه لما وقع فى الذنب ندم وتاب وبكى كثيراً, ولكن للأسف كلما ثارت شهوته اشتهى فعل ذلك, ثم يعود ويندم ويستغفر ويبكي, وهو يخشى أن تغلبه نفسه ثانية خصوصا وأن الأمر ميسر له فعله, ولذلك هو يصر على أن يقام عليه الحد حتى يكون هذا زجراً له، فبماذا تنصحون الاثنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لهذين الشابين على ما أكرمهما الله به من الالتزام، وننصحهما بالبعد عن اتباع خطوات الشيطان وورود موارد الهلاك والتهم، ونفيدهما أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان بعد ثبوت أسبابها أو نائبه، والواجب على من زنى أن يستتر بستر الله ويخلص في توبته وإنابته إلى الله ويعزم عزماً جاداً على الإقلاع عنها، وليكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وعليه أن يحرص على الوسائل المساعدة على البعد عن الفاحشة ومن أهمها الزواج وصوم النفل وملازمة مجالس الخير، والإكثار من الدعاء والذكر وغض البصر والبعد عن مخالطة الأجنبيات ورفقاء السوء، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7320، 29819، 72497، 64904، 64319، 58742، 55774.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(16/18)
لا يجب على الشخص تعريض نفسه لإقامة الحد الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من مصر عمري 17 سنة، كنت ملتزما وتركت الالتزام من سنتين وبدأت أشرب السجائر وتركت الصلاة وعدم الصيام وأتعرف على بنات حكايتي يا إخوة أني زنيت مع بنت عمرها 12 سنة، وأريد أن أتوب ولا أعرف ما العمل، وأنا والله مستعد لأن يقام علي حد الله، لكن بالله أنا أريد أن أتوب من كل حاجة شرب السجائر والزنا وسماع الأغاني والنظر إلى المحرمات والامتناع عن العادة السرية، لكن بالله عليكم أنا أريد إجابة ماذا أفعل فيما فعلت في الزنا، أنا جامعتها من الخلف ولمسته فقط من الإمام؟ برجاء الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تستر نفسك، ولا يلزمك أن تتقدم لمن يقيم الحد، فقد حض الشرع المذنبين على التوبة الصادقة وستر أنفسهم، ففي الحديث: من ابتلى بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الوطأ.
وراجع في الوسائل المساعدة على التوبة من الزنى وغيره من المعاصي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72497، 64904، 55774، 30425، 72509، 56356، 34932، 52421، 69276.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1428(16/19)
ما يفعل مع الأخ مدمن الخمر والمخدرات والتارك للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أطرح عليكم هذه المشكلة وأرجو بيان مدى إمكانية تنفيذ الحلول فيها:
نحن عائلة محافظة ومسلمة، ولكن أحد إخواني وبشكل شاذ عن جميع العائلة يتصرف تصرفات الجاهلية
فهو شارب للخمر ومتعاط للمخدرات وتارك للصلاة حاولنا أن نخضعه للعلاج ولكن وكما تعلمون أن متعاطي المخدرات لا يمكن شفاؤهم بسرعة وأن توبة شارب الخمر صعبة جدا كما الزاني وقاتل النفس والحل الوحيد أمامنا هو الخلاص منه بشكل نهائي وهو إما قتله والانتهاء من شره وفساده بالأرض أو قتله أو قتله، فسؤالي هو هل يجوز قتله بالرغم من أنه أخونا ومسلم بالهوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أخوكم هذا على ما ذكرت من تركه الصلاة وشربه الخمر وتعاطيه المخدرات فهو بذلك قد أتى جملة من المنكرات وكبائر الذنوب، فالواجب نصحه وتذكيره بالله تعالى، ونوصيكم بالصبر عليه ودعوته إلى الخير وعدم اليأس من إصلاحه؛ لأنه إذا استقر الإيمان في قلبه سهل ترك كل منكر بما في ذلك شرب الخمور وتعاطي المخدرات والواقع خير شاهد، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت عن القرآن: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الاسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربو الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.
وأما قتله فلا يجوز لكم الإقدام عليه إذ إن إقامة الحدود على من استحقها من شأن الحاكم المسلم أو نائبه لا إلى أفراد الرعية، كما سبق وبينا بالفتوى رقم: 29819، فالحاكم عليه أن يدعوه للصلاة ويستتيبه فإن تاب وإلا قتله، ولا بأس بهجره إن غلب على الظن أن تتحقق بذلك مصلحة شرعية وتراجع الفتوى رقم: 21837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(16/20)
حد الأمة المتزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[عقاب إتيان الفاحشة للأمة نصف ما على الحرائر. إن كان ذلك صحيحا فكيف تعاقب الأمة المتزوجة والتى تأتي الفاحشة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حد الزاني الحر المحصن هو الرجم حتى الموت وحد الحر غير المحصن مائة جلدة، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، وأما الرقيق فلا يرجم وإنما عليه نصف حد الزاني غير المحصن سواء كان ذكرا أو أنثى، وذلك لقول الله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ {النساء: 25} وبذلك تعلم حد الأمة المتزوجة إذا زنت وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1602، نرجو الاطلاع عليه للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(16/21)
موجبات قتل النفس ومن الذي يتولى إقامة الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمشي مع شخص ثلاث سنوات. أدخلته يوما ما بيتي فجلس على الكمبيوتر واستطاع ان يحصل على البريد الإلكتروني الخاص بأختي. وحادثها أكثر من 6 شهور مدعيا بأنه فتاة. وكان يعلم بأن أختي وجميع أهلي هم من الأتقياء جدا وذلك من خلال العشرة التي كانت بيني وبينه ومن محادثته مع أختي والاستماع إلى آرائها حيث كانت هي تريد أن تدعوها للحجاب ومع ذلك استمر بالحديث معها وحاول أن يتحدث معها عن مواضيع غير أخلاقية حيث قال لها مرة هل تريدين أن تتزوجي عندما تكبرين. وأنا عرفت بأنه يتحدث إليها عندما كان يحادثها ذات مرة فرأيت البريد الإلكتروني الخاص به عن طريق الصدفة.
السؤال هو: هل دم هذا الشخص مباح لي وإذا لم يكن مباحا فما هو حكم الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن قتل النفس لا يباح إلا بإحدى ثلاث، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
ثم على تقدير استحقاق المرء للقتل، فإن إقامة الحد عليه ليس من حق أي أحد إلا السلطان أو نائبه كالقاضي، وهذا ما نص عليه أهل العلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام.
والمراد بالإمام الخليفة العام، فلا تعد إلى التفكير في هذا الموضوع، وإنما عليك أن تنصح أختك بتجنب المحادثة مع هذا الشخص أو غيره من الرجال، وتأمره هو بالابتعاد عن الحديث مع أختك، وبالتوبة مما صدر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1427(16/22)
نصاب القطع في السرقة وقيمته بالريال القطري
[السُّؤَالُ]
ـ[نصاب القطع في السرقة ثلاثة دراهم أو ربع دينار، فكم يعادل ذلك من الريال القطري؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن حساب النصاب الذي يوجب القطع في السرقة بالريال القطري إذا عرفنا وزن الربع دينار الذهبي، والدينار الذهبي يعادل أربعة جرامات وربع (4,25 جم) وربع الدينار يعادل جراما وربع الربع من الجرام، فنصاب القطع إذا يكون ما يعادل ثمن جرام وربع جرام من الذهب، ومعرفة سعر ذلك يرجع فيه أهل الخبرة في ذلك.
ولمعرفة شروط السارق والمسروق راجع الفتوى رقم: 55277، ووزن الدرهم من الفضة 2,975 جراما، فيكون نصاب القطع بالفضة ما ذكر من الجرامات مضروبا في ثلاثة وهو8,925 جراما من الفضة
هذا إذا قلنا إن نصاب القطع المقدر بالفضة هو ثلاثة دراهم، ومما ينبغي أن تعلم أيها الأخ السائل أن الفقهاء قد اختلفوا في تقويم نصاب السرقة عموما وهل يكون بالذهب أو بالفضة، كما اختلفوا في تقدير نصاب الفضة:
فذهب الحنفية إلى تقويم نصاب السرقة بالدراهم، بأن تبلغ قيمة المسروق عشرة دراهم، إن كان المسروق من غير الفضة ولو كان ذهبا، وأن يكون عشرة دراهم وزنا وقيمة إذا كان المسروق من الفضة، وهو أحد الروايات الثلاث عند الحنابلة، لحديث أم أيمن رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقطع يد السارق إلا في حجفة، وقومت يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدينار أو عشرة دراهم. رواه الطبراني في المعجم الكبير.
وذهب المالكية إلى أن المسروق يقوم بالدراهم وبالدنانير، والنصاب ربع دينار شرعي من الذهب، أو ثلاثة دراهم شرعية من الفضة أو ما يساويهما، وهو رواية عن الحنابلة، بمعنى أن كلا من الذهب والفضة أصل بنفسه، وعلى هذه الرواية تقوم غير الأثمان بأدنى الأمرين من ربع دينار أو ثلاثة دراهم.
وذهب الشافعية إلى تقويم نصاب السرقة بالدنانير، بأن يبلغ المسروق قيمة ربع دينار من الذهب، والاعتبار بالذهب المضروب، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا. رواه النسائي وغيره، قال الشيخ الألباني: صحيح، فإن كان المسروق ذهبا وجب عندهم أن يبلغ ربع دينار وزنا وقيمة، وإن كان من غير الذهب وجب أن تبلغ قيمته ربع دينار من الذهب.
وفي رواية للحنابلة أن العروض لا تقوم إلا بالدراهم، ويكون الذهب أصلا بنفسه لا غير.
هذا ويجب التنبه إلى أن إقامة الحد من اختصاص السلطان الشرعي فلا يحق لأفراد الأمة إقامة الحدود ولو كان الشخص الذي سيقام عليه الحد مقرا بما هو سبب لإقامة الحد، فالحذر الحذر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(16/23)
العفو عن السارق هل يسقط القطع عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سرق شخص وانطبقت عليه شروط السرقة فإن حكمه قطع اليد بالإجماع السؤال: هل السرقة مثل القتل حيث يحق لصاحب الحق أن يتنازل عن قطع يد السارق الذي سرقه أو أن التخيير فقط في مسألة القتل؟
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو عن السارق ممكن بل مستحب عند بعض أهل العلم ويسقط عنه القطع إذا كان العفو قبل رفعه لولي الأمر وإلا فلا يسقط عنه القطع ففي تحفة الحبيب على شرح الخطيب وهو شافعي:
يسن لصاحب المال العفو عن السارق قبل رفع الأمر للحاكم وبعده يمتنع عليه وعلى الحاكم. انتهى
وفي دقائق أولي النهي ممزوجاً بمنتهى الإرادات وهو حنبلي:
(وإن ملكه) أي النصاب (سارق ببيع أو هبة أو نحوهما) من أسباب الملك بعد إخراجه من حرزه (لم يسقط القطع) بعد رفعه للحاكم، وليس للمسروق منه العفو عن السارق نصاً لحديث صفوان بن أمية بأنه نام على ردائه في المسجد فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه، فقال صفوان: يا رسول الله لم ارد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل أن تأتيني به. رواه ابن ماجه والجوزجاني. انتهى
وفي الموسوعة الفقهية:
وينطبق نفس الحكم على العفو عن السارق: فإنه يجوز إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم، فإن رفع إليه لا يقبل فيه العفو، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب. وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان لما تصدق بردائه على سارقه: فهلا قبل أن تأتيني به. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(16/24)
هل عقوبات الحدود في التوراة والإنجيل كما في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر في القرآن الكريم لكل إثم أو معصية عقاب مثل السارق تقطع يده، فهل ذكر في الإنجيل والتوراة الحديثان عقوبات مشابهة
شكرا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم –هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم- أن التوارة والإنجيل اللتان نزلتا من عند الله تعالى هما كلام الله تعالى ولا شك ولا ريب في صدقهما، إلا أن اليهود والنصارى حرفوهما وبدلوهما وزادوا فيهما ونقصوا، وجعلوا كل واحدة منهما عدة نسخ يناقض بعضها بعضا ويكذب بعضها بعضا، وبهذا يكون قد اختلط الحق فيهما بالباطل. ويدل على تحريف التوراة والإنجيل أدلة كثيرة منها:
· اختلاف ما فيهما وتناقضه.. ولو كانت كما نزلت من عند الله ما كان فيها شيء من ذلك، لقول الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النساء:82} .
· قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {النساء:46} .
· قوله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] .
· قوله تعالى: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {آل عمران:78} .
· قوله تعالى: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] .
إلى غير ذلك من الآيات التي تبين بوضوح أن الكتابين قد بدلا وحرف ما فيهما. ولك أن تراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 14742.
وعليه، فإنه لا أحد الآن يستطيع الجزم بما إذا كانت وردت نصوص في الكتابين فيها حدود مماثلة للحدود التي وردت في القرآن، إلا أنه قد ثبت وجود آية الرجم في كتبهم. ففي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم.
ومما ينبغي ملاحظته أن القرآن لم يحدد لكل إثم عقابا كما ورد في السؤال، وإنما وردت حدود لبعض المعاصي كالزنا والسرقة والقذف ونحوها.
ثم إنه قد وردت نصوص من السنة تحذر المسلم من مطالعة تلك الكتب، روى أحمد والبيهقي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر أتاه فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. وهو حديث حسن واللفظ للبيهقي.
لذا ننصحك –أخي الكريم- بالابتعاد عما قد يضر بدينك، ويلحق الخلل بعقيدتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(16/25)
تنفيذ الحد ليس موكولا إلى آحاد الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ الجليل أنا شاب ملتزم دينيا وطالب جامعي أبلغ من العمر 19 عاما بصراحة وقعت لي حادثة منذ الصغر وهي أني تعرضت لاغتصاب من قبل سفاح وهو كان صديق والدي الله يرحمه فقد توفي والدي منذ عشر سنوات والحادثه وقعت عندما كان عمري 7 سنوات بصراحة خفت أن أتكلم لأحد عن هذه الحادثة وحصل أنني سافرت مع عائلتي ولكن هذه الحادثة تركت في نفسي أثراً عميقا وبعد أن عدت إلى بلدي نشأت عندي روح الانتقام من هذا الرجل ولكن للأسف لم أكن أعرف عنوانه وكرست كل جهودي لأبحث عنه في غرف الشواذ التي هي غرف الدردشة للشواذ وقد عثرت عليه أخيرا وأنا غير مصدق نفسي والآن أنا أريد الانتقام منه فهل يصح الانتقام ممن اعتدي عليه ويشهد الله أنني شاب متدين ومؤمن وأؤدي فرائضي جميعها ولكن يا شيخنا أنا في نفسي حقد على هذا الرجل لا يوصف والآن هو يتكلم معي على الانترنت ولا يعرف أنني نفسي ابن صديقه الذي اعتدى عليه في يوم من الأيام فماذا أفعل أرشدني شيخنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاللواط محرم بالكتاب والسنة والإجماع، واختلف العلماء في حد اللائط، والصحيح قتله بكل حال، محصناً أو غير محصن، فاعلاً أو مفعولاً به بشرط أن يكون حين ارتكابه لهذه الفاحشة مكلفاً أي بالغاً عاقلاً مختاراً.
ولكن تنفيذ مثل هذا الحد موكول إلى ولي الأمر أو نائبه (الحاكم والقاضي) وليس إلى آحاد الناس، وإلا لعمت الفوضى ولزهقت الأرواح البريئة. قال الإمام النووي: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد. اهـ
فعلى السائل الكريم أن يقلع عن التفكير في الانتقام، وأن ينصح هذا الشخص بالابتعاد عن مثل هذه الفواحش المشينة، فإذا عرف أن النصيحة لا تفيده شيئاً، وأنه يتمادى على ذلك الفعل، فلا بأس بأن يبلغ أمره إلى الجهات التي تمكن أن تصده عن ذلك إن وجدت. ولتعلم أخي الكريم أن الانتقام متعذر في مثل حالتك لأن الفعل الذي فُعل بك لا يجوز أن تفعله بغيرك، وأي انتقام آخر لا يصح إلا من سلطة تتمتع بصلاحية تقويم مثل هذا الاعتداء، بعد أن يثبت بالبينة وإقرار الفاعل.
ولك أن تراجع في موضوع الدردشة في الإنترنت فتوانا رقم: 34328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(16/26)
الاقتصاص لا يجوز إلا بحكم من الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فتاة بعد قصة حب كبيرة لمدة سنة، طلبت أن أكتب لها الشقة باسمها قبل الزواج لضمان حبي لها، كتبتها وأمضيت على قائمة كبيرة وبعد أربعة شهور تغيرت جداً رغم أني أعطيتها حبا كبيرا وكنت أعاملها بما يرضي الله وكنت ألبي كل طلباتها، وجدتها دون أدنى سبب تمتنع عني وتتهرب مني في كل شيء، وترفض حتى مجرد التحدث معي وتتجنبني، حاولت معها كثيراً دون جدوى، كل المؤشرات كانت تؤكد أن هناك شخصا آخر في حياتها بدأت تثير المشاكل حدثت مشادة بيني وبينها، ضربتها عندما تهجمت علي قذفتني بشيء في عيني اليسرى مما أدى لضعف الإبصار بها رحت المستشفى، رجعت لاقيتها غادرت البيت وغيرت كالون الشقة واستولت على كل شيء ورفعت قضية تبديد للعفش رغم أنها استولت على كل شيء وهي تستميت الآن من أجل طلاقها، ما حكم الشرع في أن أصيبها في عينها كما أصابتني وضرتني وآثرت علي، وأنا أعمل مهندساً، وذلك ثمنا لخيانتها وعملاً بالآيه الشريفة \"العين بالعين\" للقصاص منها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم على المرأة الامتناع عن الزوج والهرب منه، والصدود عنه، بغير عذر شرعي، فإن هذا نشوز، وهو محرم، ولا يجوز لها طلب الطلاق بغير عذر، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 1114. وله أن لا يطلقها حتى تفتدي منه برد ما أعطاها من شقة ونحوها.
وأما الاقتصاص منها فلا يجوز إلا بحكم من الحاكم، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 23376. فلك رفع أمرك إلى القاضي ليقتص لك منها، ولك العفو عنها، قال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(16/27)
حكم إقدام الأهل على قتل من استوجب حدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك بعض العادات الموروثة في مجتمعاتنا ومن ضمنها قتل من أقامت علاقة غير شرعية أو لنقل علاقة حب إذا صح التعبير مع شاب أو إذا تيقنوا أو سمعوا بأن إحدى بنات العائلة زنت والعياذ بالله فالشيء الوحيد الذي يبادر إلى الذهن هو قتل تلك البنت للتخلص من العار كما يزعمون قبل أن يلجؤوا إلى الشرع , ثم تقوم أقارب تلك العائلة بقطع علاقاتهم معهم ويتركونهم مع مصيبتهم سواء كانت تلك العائلة نفذت حكم القتل على بنتها أم لم تنفذ , والسؤال هو ما حكم قتل تلك البنت وماذا يقال لأقاربهم الذين تركوهم في تلك المصيبة , أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على العائلة وخصوصا الوالدين ومن يقوم مقامهما تجاه البنت أولا هو حضانتها والسعي في إعفافها وتعليمها وتأديبها وسترها إذا حصل منها خطأ عملا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم 6} قال علي رضي الله عنه في تفسيرها: علموهم وأدبوهم.
وفي الحديث: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته. وفي حديث مسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين.
قال النووي في شرح مسلم عال: قام بالمئونة والتربية.
وفي الحديث: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم. وقد توعد الله من لم يحط رعيته بالنصح وغشهم كما في الحديث: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
ثم إذا فترضنا أنها اتهمت بالزنا وهي عفيفة وجب حد القذف على من اتهمها وأثم إثما كبيرا. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور: 23} وقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ {النور: 4-5}
فإذا ثبت الزنا في حقها فالذي يقيم عليها الحد هو الإمام الأعظم، أما غيره من والد أو أخ أو غيره فلا يجوز له أن يقيم الحد، وتراجع الفتوى رقم: 54406، والفتوى رقم: 29253.
وبهذا يعلم أن الإقدام على قتل من استوجب حدا بسبب الزنا أو غيره بدون تخويل من ولي الأمر العام أمر محرم وعادة جاهلية لا يسوغها ما يسمى بالتخلص من العار ولا غيره، فدماء المسلمين أمرها خطير، ومن نزغه الشيطان وأرغمته نفسه الأمارة بالسوء على ارتكاب مثل هذا العمل فالواجب على من حوله أن ينصحوه بالتوبة بعد أن يبينوا له خطورة ما ارتكب من الإثم، وأن يوجهوه إلى ما فيه صلاحه من الإكثار من الأعمال الصالحة، أما هجره ومقاطعته فلا تفيد شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(16/28)
هل يقيم العامة الحدود على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في رجل يبلغ من العمر 56عاما، علماً بأنه يظهر للكل بأنه متدين وله بنات قاصرات قام بمحاولة اغتصابهن وإعطاء تلك البنات المال مقابل ذلك وكذلك كان يقوم بترك المحطات الإباحية بمتناول أيدي تلك القاصرات حتى يصل إلى مبتغاه، وهل يجوز لمن علم بهذا الأمر سواء من زوجة أو أي شخص له صلة قرب بهذا الشيطان بأن يقيم عليه الحد، علما بأننا نعيش بدولة غير إسلامية، فهل يجوز مثلا لهذه الزوجة أن تضع له السم في الطعام حفاظا على تلك البنات من الضياع والعياذ بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا النوع من الآباء مصيبة عظيمة ورزية أليمة يحتار العاقل كيف يتعامل معها، فبدل أن يكون الأب الحامي المأمون أصبح وحشاً مفترساً ولصاً متحايلاً على أقرب قريباته وأحوج من يحتاج إلى رعايته من بناته القاصرات، وبعدما جرب الحياة الزوجية وبلغ من الكبر عتياً.... إنها الجريمة النكراء والعيب القبيح الذي يندى له الجبين وتشمئز منه نفس المؤمن، نسأل الله تعالى أن يرد هذا الأب إلى رشده ويهديه الطريق المستقيم.
ولا شك أن عقوبة هذه الجريمة العظيمة إن وقعت مستوفية الشروط بأن ثبت زناه بإقراره به أو بأربعة شهود يرونه كالمرود في المكحلة رؤية واحدة في وقت واحد نقول: إذا ثبت الزنا على هذا الوجه فلا شك أن العقوبة هي القتل بأبشع أنواع صوره وهو الرجم بالحجارة للمجرم حتى يموت، ولكن ذلك لا يقيمه إلا ولي الأمر فلا يجوز لعامة الناس أو أفرادهم أن يقيموا الحدود على أحد استحقها.
وعلى زوجته وكل من علم بهذا الأمر أن ينصحه ويخوفه بالله تعالى ويبين له خطر فعله وشناعة جريمته لعل الله تعالى أن يهدي قلبه ويصلح حاله، وللمزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17240، 23376، 18606، 40073، 7940، 49683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(16/29)
القاتل المباشر والمتسبب في القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم عند الشيخ على شخص تسبب في مقتل شخص آخر من غير علم ولا قصد؟ كم مدة السجن له
والقاتل شخص آخر ومعترف بالقتل ولكن أخي هو المقصود وقتل صاحبه وأخي هو سبب المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحكم على المتسبب في القتل يختلف باختلاف نوع التسبب، فإن كان التسبب بغير علم منه ولا قصد كأن يخبر القاتل المباشر عن فلان وهو لا علم له أنه سيقتله أو يؤذيه، فإنه لا شيء عليه في ذلك.
أما إذا كان التسبب بأمر القاتل أو التحريض عليه والدلالة على مكان بريء معصوم الدم، فإن المتسبب في هذه الحالة يجلد مائة ويسجن سنة، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره.
وأما القاتل المباشر، فعليه القصاص إذا لم يعف عنه أولياء الدم أو يقبلوا بالدية، قال المواق المالكي في التاج والإكليل: لا خلاف أنه يقتل القاتل ويضرب الآمر مائة ويسجن سنة.
وأما إذا كان المتسبب متمالئا مع المباشر وشاركة بأي وجه من وجوه المشاركة، فإنهما يقتلان جميعاً إذا لم يعف أولياء الدم أو يرضوا بالدية.
فقد روى مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه قال في رجل تمالأ عليه جماعة من أهل اليمن: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.
وهو ما درج عليه العلامة خليل في المختصر حيث قال: وتقتل الجماعة بالواحد والمتمالئون ... والمتسبب مع المباشر.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى: 1872. ثم إن عليكم بمراجعة المحاكم الشرعية في بلدكم الذي أنتم فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(16/30)
اختصاص الحاكم أو نائبه بإقامة الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا عندي لبس في شيء وهو أنكم ـ والجمهور ـ تقولون أن الحدود يقيمها الإمام أو نائبه وأن ليس للأب ولا الزوج ولا حتى أحد آخر أن يقوم بذلك بسبب المفسدة وغير ذلك، ولكن يا شيخ لا يوجد دليل على هذا لا من كتاب ولا من سنة صريح وأنا وقفت على جملة من الأحاديث أريدكم أن تفهموني لماذا أقيمت الحدود من دون إذن الإمام ولا نائبه واقر ذلك النبي الفعل وخليفته وهي كالتالي:
1- حديث سعد لما بين أنه لو وجد رجلاً مع زوجته لقتله.. فالنبي أقره، وهنا السؤال كيف لسعد يقتل رجلا آخر من دون أربعة شهود للزنا أو حتى لم تقر الزوجة أليس من العدل أن يقتل قصاصا لو فعل وثم لماذا أقر النبي القتل وهو أي تطبيق الحد بنظر سعد رضي الله عنه؟
2- القصة التي في كتاب الصارم المسلول لابن تيمية وهو عندما كانت المرأة تسب النبي وزوجها يمنعها وتسبه إلى أن قتلها وهي نائمة بسيفه وقد أقر هذا الفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو حد أقيم من قبل أحد الأشخاص.. وهذه القصة تعمل لي إشكالا في الفهم.
3- وفي كتاب المغني ص535 لما تكلم الخرقي عن مسألة الصالحة، وعند قول ابن قدامة: \\\" وإذا وجد رجل يزنى بامرأته فقتله فلا قصاص عليه ولا دية \\\" وقد أورد حديثاً في هذا عن عمر مع من قتل رجلا زنى بامرأته فقال له عمر: \\\" إن عادوا فعد \\\" والسؤال أن طيب الرجل أقام الحد وقتل الرجل ولم ينكر عليه عمر..
يا شيخ هل يصح أن نقول أن الأصل هو إقامة الحدود بمباشرة الإمام أو نائبه وهل يستثنى من هذا الأصل أو بعبارة آخرى متى يجوز إقامة الحد على الآخرين أو الشخص الجاني هل في حالات.. أنا لا أريد كلام العلماء في المسألة لأن كلامهم يحتج عليه لا به وإنما أريد الاستدلال بأحد مصادر التشريع ويكون استدلالاً قوياً وإلا يا شيخ ستلتبس علي الأمور فما ذكرته آنفا لكم يدل على أن الأب أو الزوج أو غير الإمام أو نائبه يصح له إقامة الحد ولا قصاص ولا دية بل ولا كفارة عليه لأنه قتل صحيح.. ولا أدري لماذا التعزير له وهذه النصوص لا تعزير فيها..
يا شيخ أرجو بيان ما هو الخلاف في المسألة والراجح بكلام يزيل اللبس الذي عندي فأنا أبحث وأسأل عن هذه المسألة منذ أكثر من سنة ولم أجد أحدا يجيبني والله يعلم.
والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك إنك لا تريد كلام العلماء في المسألة خطأ، لأن كلامهم بيان لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يعرفون المحكم والمتشابه، وهم الذين يميزون بين الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والخاص، ونحو ذلك مما لم يجعله الله لعامة الناس.
واعلم أن جميع ما ذكرته ليس فيه دليل على ما تريد إثباته، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقر سعداً على مقالته وإنما بين للصحابة شدة غيرة سعد التي يمكن أن تحمله على هذا الفعل، وأما حكم المسألة فمعروف عند الصحابة وقد نطق به الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه ... الحديث متفق عليه.
والمرأة التي ذكرت أن زوجها قتلها، قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنها كانت أم ولده وليست زوجته، ولم تكن مسلمة، وقد قتلها لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا في أول الإسلام، وراجع في القصة الفتاوى الكبرى لابن تيمية، فليس في موضوعها دليل لما تريد.
والقصة التي وردت عن عمر رضي الله عنه في الرجل الذي ذكرت، وقوله له: إن عاد فعد لا تعتبر أيضاً دليلاً، لأن الرجل فعل ما فعل من باب الدفاع عن الحريم وليس من باب إقامة الحد، ولو كان في هذا الخبر حجة لما قال علي بعد ذلك فيمن قتل رجلاً وجده مع امرأته: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. رواه مالك في الموطأ، وهو عند البيهقي والشافعي وغيرهم.
وقد ترجم البخاري قال: باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله، قال ابن حجر في فتح الباري: وقد اختلف فيه، فقال الجمهور عليه القود، وقال أحمد وإسحاق: إن أقام بينة أنه وجده مع امرأته هدر دمه، وقال الشافعي يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم ...
ولو أعطي لكل شخص أن يستوفي لنفسه الحد الذي لزم، فكيف يكون الحال إذا طلع علينا كل يوم شخص قاتل لشخص آخر بحجة أنه وجده يزني؟ وهل يمكن تصديق كل من ادعى شيئاً كهذا؟
وحتى على تقدير أن المقيم للحد قد اعتمد على شهود شهدوا له بما أراد فهل تزكية الشهود وقبولهم واستيضاح موضوع الشهادة منهم يمكن أن يقوم به كل شخص؟ لا نعتقد أن عاقلاً يظن ذلك أو يقول به.
وعليه، فإقامة الحدود - حقيقة - إنما هي من اختصاص الإمام أو نائبه، وغير ذلك يفسد الأمور، ولا يصلح معه شيء، ونصوص الشرع وقواعده العامة تدل على ذلك وتقتضيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(16/31)
إقامة الحدود ليست لسائر الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الشيخ......
أنا عندي سؤال فقط أريد أن أعرف ما الحكم فيه.
لدي أخ وهو يكبرني بخمس سنوات وأنا عمري الآن 36 وهذه الحادثة حدثت عندما كان أخي على قيد الحياة والآن فقد أخذه المولى عز وجل كما هي حالنا كلنا ذات يوم إن شاء الله.
القصة حقيقية ووقعت في سنة 2000 ميلادية وقبل الحادثه بأسبوع أكتشفت أنا وأخواتي أن أخي والذي هو كان متزوجاً والآن مطلقاً وعنده 3 بنات وولد واحد بأنه كان يعمل الفاحشة مع ابنته والتي عمرها 17 سنة لأنه يكون تحت تأثير الخمر لأنه ومنذ زمن طويل يشرب الكحول ولا يستطيع الإقلاع عنها لأنها كانت كما كان يقول رحمه الله حياته ومن دونها لا يستطيع العيش ... المهم أن أخي الذي هو أصغر مني بسبعة سنوات عندما أعلمناه بالأمر الذي كان يحدث منذ قرابة الشهر ونحن لا نعلم شيئاً لأن أخي رحمه الله كان يهدد ابنته أنها إذا أخبرت أحدا ما فإنه سوف يقتلها.. وعندما علم أخي بالأمر جن جنونه وأقسم بأن يقتله وبالفعل قتله حيث ذهب إليه في الغرفة بعد أن طلب من جميع أفراد العائلة بالذهاب إلى بيت أختي الثانية حتى يرتكب الجريمة وللعلم نحن لم نكن نعلم بنيته ولكننا أحسسنا بذلك ... وبعد أن قتله بالمسدس ذهب وسلم نفسه للشرطة واعترف بجريمته ولكن لأن أبنه البكر تنازل عن الفدية فقد حكموا عليه بثلاث سنوات فقط.. والسبب الحقيقي وراء تنازل ابن أخي هو ليقتل عمه عند خروجه من السجن ولكنه ينتظر الفرصة كما يقول ... بالرغم من أنه يعلم بما كان أبوه يفعل بأخته فقد أخبرناه بعد وفاة والده ... والآن أنا أريد أن أعرف حكم الشريعة في أخي الذي ما فعل هذا الأمر إلا بدافع الحفاظ عن الشرف؟ هل أخي مذنب؟ وهل سيعذب بسبب هذه الجريمة يوم الحساب؟
أرجو منك أن تفيدني في أقرب فرصة والأحداث أقسم بأنها حقيقية ولم أخترع أي شيء من عندي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا فاحشة شنيعة من أكبر الكبائر، وأحرى إذا كان الرجل يمارسها مع بنته. روى الترمذي وابن ماجه وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه.
وقد اختلف في تصحيح الحديث، ولكن الزاني المحصن يقتل ولو كان زناه بغير محرمه إذا ثبت زناه وإحصانه، ففي الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه قال: وإن الرجم من كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
وشرب الخمر والإدمان على الكحول جريمة من الجرائم ومنكر من المناكر، ولا يسقط الحد عن الزاني ولو فعله تحت تأثير الخمر.
قال ابن قدامة في المغني: فأما السكران ونحوه فعليه حد الزنا والسرقة والشرب والقذف إن فعل ذلك في سكره.. (9/62) .
والزنا لا يثبت إلا بالإقرار أو ببينة من أربعة عدول تعاين دخول الفرج في الفرج كدخول المرود في المكحلة، ولو افترضنا أن كل ذلك قد ثبت، فإن إقامة الحدود ليست لسائر الناس وإنما يقيمها السلطان أو نائبه.
وعليه، فإن الأخ المذكور قد أخطأ خطأ عظيماً في قتل أخيه. قال تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.
كما أنكم أنتم أيضاً أخطأتم في إعلامكم إياه، وبترككم له يمارس جريمة القتل، وقد أعلن لكم أنه سيقوم بها ولاحظتم أدلة ذلك.
وعما كان هذا الأخ سيعذب أو لا يعذب فذاك أمره إلى الله. المهم أن توبته وتسليمه نفسه إلى ولي المقتول سبب في مغفرة ذنبه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 36835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(16/32)
من ابتلي بما يوجب الحد فعليه أن يستتر بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[فعلت إحدى الكبائر، وأنا الآن تائب ونادم، هل لا بد من الحد، وإن كان، هل لا بد من القاضي ولا بد من أن يراني مجموعة من الناس أم لا يجب الحد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المراد بإحدى الكبائر المذكورة في السؤال الزنا، فإن الزنا من أعظم الفواحش عند الله عز وجل وقد حذر منه في محكم كتابه فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ً [الإسراء:32]
ومن ابتلي به ولم يقع في يد حاكم يقيم عليه الحد فليتب إلى الله تعالى توبة نصوحا ولا يطلع أحدا على ذنبه وليستتر بستر الله جل وعلا ولوكان في بلد تطبق فيه الحدود، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه البيهقي والحاكم وصححه السيوطي وحسنه الألباني.
وليعلم صاحب الذنب أنه إن أخلص التوبة إلى الله فإن الله غفور رحيم، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]
ومن شروط التوبة النصوح أن يعقد العزم على ألا يعود إلى هذه الفاحشة التي ارتكبها والعياذ بالله تعالى، ومما يعين على التوبة من المعصية البعد عن دواعيها واجتناب أهلها من أصدقاء السوء واستبدالهم بمخالطة الصالحين والجلوس عندهم والسماع منهم، كما جاء في حديث الذي أراد أن يتوب فقتل مائة نفس: فقال له العالم الذي سأله هل له من توبة، فقال: من يحول بينك وبين التوبة، ثم قال: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا صالحين يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. رواه مسلم، راجع الفتوى رقم: 32928.
وإن كان المراد بإحدى الكبائر السرقة فليراجع الفتوى رقم: 47390
وعلى كل فأي ذنب عمله الإنسان عليه أن يبادر إلى التوبة النصوح منه بشروطها، فإن تاب تاب الله عليه مهما عظم ذنبه، وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5668، 14953، 14450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1425(16/33)
التسامح في الحد إذا لم يصل الأمر إلى الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن التسامح في حد من حدود الله كالزنا مثلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتسامح والستر على من ارتكب حداً من حدود الله كالسرقة والزنا وغير ذلك مشروع ما لم يصل الأمر إلى الحاكم، فإذا وصل إليه فلا يكون ثم تسامح أو عفو أو شفاعة بل لا بد للحاكم من إقامة هذا الحد، ففي سنن أبي داود وصححه الحاكم وابن حجر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب.
ورى الحاكم والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(16/34)
إقامة الحدود موكولة إلى الحاكم أو نائبه.
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من المولى أن يثيبكم ويعينكم
قرأت بعض الفتاوى الخاصة بالشذوذ واللواط في موقعكم هذا وخاصة التي تتكلم عن الحد، فهل هناك من ينوب عن الحاكم في القيام بها ونحن نعيش في بلد يحكمه كفرة أو مسلمون عاصون لا يحكمون كتاب الله وهل الحرق أو الرمي من أعالي الجبال يعتبر حداً وكفارة أم حداً في الدنيا يليه عقاب الله لا محالة حتى وإن تاب الرجل إلى مولاه........ أرجو منكم إفادتي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إقامة الحدود على أهلها مما اختص به الحاكم المسلم كما قال الحسن: أربعة إلى السلطان الزكاة والصلاة والحدود والقضاء، وقال ابن العربي المالكي عند تفسير قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النور:2] ، المسألة السادسة: لا خلاف أن المخاطبة بهذا الأمر بالجلد الإمام ومن ناب عنه.
وإنما كانت إقامة الحدود إلى الحاكم أو نائبه لخطرها واحتياجها إلى النظر والاستيثاق، ولو أنه أذن لكل مستحق للحد استيفاؤه لعمت الفوضى ولأخذ البريء مع المذنب، وإذا كان حكام المسلمين لا يقيمون الحدود فعلى المسلمين أن يبذلوا جهدهم في نصيحة هولاء الحكام وإنزالهم على حكم الله ورسوله، والحد الشرعي إذا اقيم على الشخص يعتبر كفارة له، وانظر في جواب ذلك في الفتوى رقم: 23576، والفتوى رقم: 7320.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1424(16/35)
حكم من أتى ما يوجب الحد في دولة لا تطبق الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ما حكم من شرب الخمر وزنى أو قتل النفس التي حرم الله مع العلم أن الدولة لا تنفذ الحد الذي أمر به الله مثل الرجم حتى الموت والإعدام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر في السؤال من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب وأقبح الأفعال، وعلى من وقع في ذلك التوبة بشروطها المذكوره في الفتوى رقم:
5646.
ومن وقع في الزنا أو شرب الخمر ولم يطلع أحد عليه ولم يصر أمره إلى القضاء فينبغي أن يستتر بستر الله ولا يشهر بحاله، كما هو موضح في الفتوى رقم:
22413.
وأما القتل فإن كان عمداً فلا تكفي التوبة منه؛ بل لا بد أن يسلم نفسه لأولياء المقتول للقصاص أو العفو، وإن كان القتل خطأ فبدفع الدية كما هو موضح في الفتوى رقم:
24319 - والفتوى رقم:
22713.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1423(16/36)
ليس لأفراد الناس استيفاء الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرتم في بعض فتاويكم أن تارك الصلاة وجب قتله إن لم يتب وأنا أبي كان يصلي ثم انقطع عن الصلاة فهل يجوز لي قتله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لأبيك الهداية والعودة إلى إقامة الصلاة، ثم اعلم أن الواجب عليك تجاه أبيك في هذه الحالة هو النصح، وعدم اليأس والقنوط، ولك أن تتخذ في نصحك له أساليب متعددة ومتنوعة مباشرة وغير مباشرة، ثم بالاستعانة بمن تراه يقدره ويحترمه حتى تجد أثر ذلك إن شاء الله تعالى على أبيك ويصلح حاله ويستقيم، وما ذلك على الله بعزيز.
أما بخصوص ما ذكرته من إقامة الحد عليه بتركه الصلاة.. فهذا وغيره من الحدود ليس من حق أي أحد أن يفعله إلا السلطان أو نائبه كالقاضي، وهذا مانص عليه أهل العلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام. والمراد بالإمام الخليفة العام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(16/37)
الستر على النفس أولى من رفع الأمر إلى الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الزمان وقت حرب. قام شخص بعمل إثم والذي حده القتل أو قطع اليد أو أي حد به ينتج عاهة جسدية. وكانت المعركة على وشك البدء.
السؤال هو:
هل يقوم الشخص بتسليم نفسه للخليفة أو للقاضي لإقامة الحدّ. أم أنه يستغفر الله ويحارب. أي أيهما أفضل إقامة حد من حدود الله أم قتال المشركين.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا داهم العدو البلد فقد تعين عند ذلك على المسلمين الجهاد، وأن لا ينشغلوا إلا بصد العدوان والدفاع عن حرماتهم ومقدساتهم، علماً بأن من أصاب حداً سواء كان في حالة الحرب أو غيرها يجب عليه أن يتوب ويستغفر الله، والأولى أن يستر على نفسه ولا يرفع أمره إلى القاضي، فإن تعلق بالأمر حق للغير طلب منه العفو أو اتفق معه على عوض يعوضه له، فقد أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعافوا الحدود فيما بينكم. فما بلغني من حد فقد وجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(16/38)
ردود على شبهات في ثبوت الزنا والقياس و ...
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول البعض إن القياس لا يجوز لأن أول من قاس إبليس!! ويقولون إن القتل أكبر من الزنا , ومع هذا فقد جعل الله في القتل شاهدين وفي الزنا أربعة , وإن البول أنجس من المني , ومع هذا جعل الله في البول وضوءا وفي المني غسلاً , وأن الصلاة أعظم من الصيام , ومع هذا فقد وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.. وغير ذلك.. فما هو الرد المناسب عليهم؟؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القياس هو أحد الأدلة الشرعية المعتبرة، وعلى هذا جماهير أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية والمعتزلة.
وهناك ما لا يحصى من الأدلة الشرعية والعقلية على الاحتجاج بالقياس، وليس هذا هو مقام بسطها، ومن أراد ذلك فليرجع إلى كتب الأصول، ولكن لا بد أن نعلم أن الذين احتجوا بالقياس قد ذكروا له شروطاً وضوابط وطرقاً، وهي مبسوطة في مظانها من كتب الأصول، وإذا اختل شيء من ذلك فإن القياس يصير فاسداً وباطلاً، وهذا هو الذي حصل من الشيطان حين وقع في القياس الفاسد لا الصحيح، والمعتبر هو القياس الصحيح المنضبط بضوابطه، أما ما ذكره السائل من شبه، فلا بد أن نعلم أن من الشرع ما ليس معللاً، وهو من العبادات المحضة التي علينا أن نسلم بها دون السؤال عن العلة، قال تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] ومع ذلك فإن ما ذكره السائل يجري على وفق القياس:
-الشهود في القتل اثنان، وفي الزنى أربعة لأن حق الدماء أعظم، فإذا جعل الله الشهود في القتل أربعة صار من النادر استيفاء الحقوق في الدماء، ولما كان الزنا ليس فيه حق مترتب للمخلوق، وإنما هو حق الله جعل الله الشهود أربعة، لأن حق الله مبني على العفو، وحق الخلق مبني على المشاحة.
-وشرع الله الغسل في المني دون البول مع أن البول أنجس، لما يحصل للجسم من تغيرات فيسولوجية بعد عملية الإنزال.
-وشرع الله للحائض قضاء الصيام دون الصلاة لأن الصيام سهل وقليل، بخلاف الصلاة فهي خمس في اليوم، فالنفساء -مثلاً- إذا ألزمناها بقضاء الصلاة فإنها ستقضي مئتي صلاة، وهذا فيه حرج ومشقة، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: من الآية78]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1423(16/39)
الدفاع عن المجرمين وطلب الشفاعة ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحامي أن يدافع عن مرتكب جريمة ولو بطلب تخفيف العقوبة عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدفاع عن أصحاب الجرائم والمحاججة عنهم لا يجوز، لقوله تعالى: (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) [النساء:107] .
لكن طلب تخفيف العقوبة أو الشفاعة في حق مرتكبي الذنوب لا حرج فيه، وخصوصاً إذا صدرت تلك المخالفات مِنْ مَنْ لم يعرف بها، فقد ذكر الخطابي وغيره عن الإمام مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس، ومن لم يعرف، فقال: لا يشفع للأول مطلقاً، سواء بلغ السلطان أو لم يبلغه، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام. وأطلق بعض العلماء جواز الشفاعة للمذنبين، فقد نقل صاحب الفتح عن أبي عمر بن عبد البر قوله: لا أعلم خلافاً أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، ثم إن تقييد جواز الشفاعة في المذنب بكونه قبل رفعه إلى السلطان خاص بما فيه حدٌّ من الجرائم.
أما ما لم يكن فيه حد منها، فلا حرج في الشفاعة فيه، ولو بلغ السلطان، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله ... الحديث" وهو في الصحيحين.
والخلاصة: أن الدفاع عن أصحاب الجرائم لا يجوز، وأما الشفاعة فيهم أو طلب التخفيف عنهم، فلا حرج فيه ما لم يكن في حد من حدود الله تعالى وبعد بلوغه للسلطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(16/40)
لا تصح قصة عمر وعبد الرحمن بن عوف في شأن بيت ربيعة بن أمية
[السُّؤَالُ]
ـ[روي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يتفقد رعيته ذات مرة فسمع صوتا غريبا فاقترب من الباب الذي صدر منه الصوت واذا صاحب البيت ومعه اثنان يشربون الخمر فقفز اميرالمؤمنين عن الحائظ وامسك به فقال له صاحب البيت أني اخطات في واحدة اما انت فقد اخطات بثلاث ان الله يقول "ولا تجسسوا"وانت تنصنت عليناويقول"ولاتدخلو بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها "ولم يؤذن لك ويقول "وأتوا البيوت من أبوابها" وانت قفزت عن الجذار. فسامحه امير المؤمنين،،،فهل خطأ امير المؤمنين يعني ان يسقط حداً من حدود الله مع ان رجلا جاء يشفع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد السرقة فقال والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه قصة لم نجد لها ثبوتاً عن سيدنا عمر رضي الله عنه بالصفة التي ذكرتها. وقد ذكر القرطبي أن عبد الرحمن بن عوف قال: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولفظ فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ قلت أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه قال تعالى: (ولا تجسسوا) وقد تجسسنا فانصرف عمر وتركهم. فإذا ثبتت هذه الرواية عن عمر فليس فيها ما يدل على أن عمر ارتكب خطأ. فهو لم يثبت عنده أنهم يشربون الخمر غاية ما في الأمر أنه ظن ذلك ظناً، ولا يستطيع التأكد منه إلا بطريق التجسس وقد نهى الله عن التجسس. ولو ثبت عند عمر أنهم شربوا خمراً لما توانى في إقامة الحد عليهم وهو المعروف بقوته في الحق وحرصه الكامل على إقامة الحدود. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(16/41)
حكم القتل الخطأ.. الدية والكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القتل الخطأ؟ وماذا يجب على القاتل؟ ... ... ... ... جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
فالقتل الخطأ هو أن يفعل ما لا يريد به المقتول فيفضي إلى قتله أو يتسبب في قتله كأن يصدمه بسيارة دون قصد. والواجب على القاتل قتل خطأ الدية والكفارة، والكفارة هي صيام شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة لقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) . إلى قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيماً) [النساء: 92] . والديةهنا على عاقلة القاتل ومقدارها ألف مثقال من الذهب أو إثنا عشر ألف درهم أو مئة من الإبل: عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة. هذا والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(16/42)
الحدود زواجر إصلاحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة العقوبة كالحدود في الإسلام وقوانينا الوضعية بشكل عام عادة تفرض فقط للردع وللتخويف فقط أم حتى للإصلاح وان كانت للإصلاح كيف ذلك لمن أعدم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقوبة مثل الحدود في الإسلام والتعازير إنما وضعت لما تجلبه من الزجر والردع عن ارتكاب المخالفات. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: والحدود زواجر وضعها الله -تعالى- للردع عن ارتكاب ما حظر، وترك ما أمر به؛ لما في الطمع من مغالبة الشهوات الملهية عن وعيد الآخرة بعاجل اللذة , فجعل الله -تعالى- من زواجر الحدود ما يردع به ذا الجهالة حذرا من ألم العقوبة وخيفة من نكال الفضيحة ليكون ما حظر من محارمه ممنوعا، وما أمر به من فروضه متبوعا فتكون المصلحة أعم والتكليف أتم, قال الله -تعالى-: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، يعني في استنقاذهم من الجهالة, وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة.
وكون الحدود زواجر لا يتنافى مع ما يراد منها من الإصلاح ولو أدت إلى الإعدام، بل إنها هي الإصلاح بعينه إذا أحسن استخدامها، لما فيها من صيانة دماء المجتمعات والحفاظ على أمنهم وأعراضهم وأموالهم. وذلك لأن من تسول له نفسه ارتكاب الجريمة، إذا تحقق من أنه سيؤاخذ بجريمته فلا بد أن يكف عنها خوفا مما سيلحقه من تبعتها، وبذلك يستتب الأمن ويسود الهدوء والاطمئنان، وتطيب الحياة وتتم النعمة بانقماع أهل الشر والفساد، وصدق الله عز وجل حيث يقول: وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [البقرة: 179] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(16/43)
متى يباح أخذ طعام الغير وقتاله عليه إن منعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما القول في رجل قاتل أخاه من أجل طعام وأخذه منه رغما عنه وليس عليه إثم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المضطر الذي أصابه الجوع ولم يجد طعاما غير طعام الغير فله أن يأكل منه مالم يخف التهمة بالسرقة أو قطع اليد. فإذا منعه صاحب الطعام من تناوله فقد أباح له الشرع القتال عليه ورفع عنه الإثم ولو أدى القتال إلى تلف صاحب الطعام أو عضو منه.. قال العلامة خليل المالكي في المختصر مع الشرح: وطعام غير إن لم يخف القطع، وقاتل عليه، يعني أن للمضطر أن يقاتل جوازا بعد أن يعلم صاحب الطعام أنه إن لم يطعه قاتله، ثم بعد ذلك إن قتله المضطر فهو هدر وإن قتل رب الطعام المضطر فالقصاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(16/44)
الأمر بإقامة الحدود من وظيفة الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شاب هتك عرض فتاة تحت ستار ما يسمى بالزواج العرفي، وحملت منه؟ هل يجوز لوالد الفتاه أن يقيم عليها الحد، لأن الدولة لا تطبق شرع الله في الحدود؟ وهل يأثم والد الفتاة بعد ولادة ولد الزنا أن يأخذه ويضعه في دار الأيتام مخافة العار؟ أرجو التكرم بالإجابة في أسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأي أحد دون الحاكم أن يقيم الحد، سواء كان الجاني ولده أو أجنبيا عنه؛ لأن أمر إقامة الحدود موكول للحاكم وحده. ولو ترك هذا لآحاد الناس لعمت الفوضى وساد الفساد. قال القرطبي في تفسيره: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما من يقيم هذا الحد – أي: جلد شارب الخمر - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود. انتهى. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 42914
أما بخصوص باقي السؤال فقد أجبناك عنه بالتفصيل في الفتويين رقم: 123425، 123445.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(16/45)
حكم إقامة الصديق حد الزنا على صديقه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص زنا ويريد التوبة، وطلب من صديقه تطهيره بجلده مئة جلدة.
فهل يجوز ذلك؟
أي هل يجوز أن يجلده صديقه دون علم أحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا معصية شنيعة وكبيرة من كبائر الذنوب، ومن ابتلي بها فليبادر إلى الإكثار من الأعمال الصالحة مع التوبة الصادقة التي هي الإقلاع عن تلك الكبيرة، والندم على فعلها، والعزم على عدم فعلها مستقبلا.
وعلى هذا الشخص المذكور أن يستتر بستر الله تعالى ولا يخبر بمعصيته أحدا سواء كان صديقا أو غيره.
وبالنسبة لإقامة حد الزنا فلا يقيمه ـ بعد ثبوته ـ إلا إمام المسلمين، أو من ينوب عنه من أمير، أو قاض، ونحوهما.
وبالتالي، فلا يجوز للشخص المذكور تمكين صديقه من جلده مائة، ولا يحصل التطهير من جريمة الزنا بهذا الجلد. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29819، والفتوى رقم: 94291.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(16/46)
القاتل في القتل الخطأ لا يقتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في شخص بسبب سيره بسيارة مسرعة صدم رجلا فقتله في الحال، وهل يتساوى ذلك مع الذى يسير ببطء فقتل رجلا خطأ، واذا لم يكن الحاكم يحكم بالشريعة الاسلامية هل يجوز لأهل الميت
قنل القاتل، أو تأجير من يقتله؟ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغالب في حوادث السير أن يكون القتل فيها قتل خطأ كما وضحنا بالفتوى رقم: 48802.
ويختلف الحكم فيها من جهة الضمان باختلاف الأحوال، وذلك لأن من يتسبب في الحادث قد يكون مفرطا وقد لا يكون مفرطا، وقد سبق بيان هذا التفصيل بالفتوى رقم: 21604.
وليس مجرد السير بسرعة موجبا للضمان أو لانتفائه، فمن سار بسرعة مناسبة واتخذ باقي احتياطات السلامة فإنه لا يضمن، وفي المقابل فليس مجرد السير ببطء يعفي صاحبه من الضمان، فإذا فرط هذا الشخص مثلا بكونه قاد سيارة غير صالحة للقيادة أو لم يراع ضوابط السير فإنه يكون مفرطا فيضمن، وهذا فيما يتعلق بالشق الأول من السؤال؟
وأما الشق الثاني فجوابه أن أمر الحدود والقصاص من شأن السلطان، ولا يجوز لعامة الناس القيام بذلك سواء من طريق مباشر أو من طريق غير مباشر لأن هذا مدعاة للفوضى؛ كما بينا بالفتوى رقم: 72397.
وإذا لم يوجد من يحكم بالشرع وأمكن استيفاء الحق عن طريق المحاكم الوضعية فلا بأس بذلك، وراجع الفتوى رقم: 100329.
وننبه إلى أن القاتل في القتل الخطأ لا يقتل وإنما تجب الدية على عاقلته، ومن قتله متعمدا كان متعديا مستحقا للقصاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(16/47)
هل يجوز للزوج قتل اللص الذي قام بتقبيل زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل لص إلى المنزل وحاول اغتصاب الزوجة بعد أن جردها من بعض ملابسها وتقبيلها وعند مجيء الزوج لاذ بالفرار، علما بأني عرفت الجاني، سؤالي هو: هل يجوز قتل هذا المجرم؟ الرجاء الرد بأسرع وقت لأنني أريد قتله ولكني متردد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله هذا الشخص من اقتحام لحرمة بيتك وتعرضه لزوجك، لا شك أنه جريمة شنيعة، ومعصية كبيرة، يستحق عليها التعزير البليغ الذي يردعه ويردع أمثاله عن الاستهتار بحرمات المسلمين والتعرض لأعراضهم، نسأل الله سبحانه أن يجازيه على فعله..
ولكن مع كل هذا لا يجوز لك مطلقاً أن تقتله لأن قتل النفس من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء: 93} ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. رواه البخاري.
واعلم أن هذا الشخص -مع شناعة فعلته- فإن فعلته هذه لا تستوجب القتل، فلو أطعت داعي الغضب والشيطان وقتلته فقد أفسدت على نفسك الدين والدنيا، أما الدين فلأن قتل النفس بدون ما يوجب القتل من أكبر الكبائر، وأما الدنيا فإنك ستعرض نفسك للعقوبة، فإن كنت في بلد تطبق الشريعة فستكون عقوبتك القتل، وإلا فسيكون مصيرك السجن الطويل الذي يضيع حياتك ويضيع أولادك ومن تعول، فعليك أخي بتقوى الله سبحانه والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم الذي يحاول الآن جاهداً ليوقعك في هذه الجريمة العظيمة فتخسر كل شيء.
ولك أن تتخذ الإجراءات الرسمية لمعاقبة هذا المجرم -إن كنت تعرفه يقيناً- وكنت تملك إقامة البينات التي تدين هذا الشخص واترك أمر عقابه للقضاء، فإن أمر العقاب موكول للسلطان، ولو ترك أمر العقاب وإقامة الحدود لعامة الناس لفسد حال البلاد والعباد.
ثم نوصيك أن تتعهد أهلك دائماً بالحفظ والمتابعة وأن تكون دائماً قريباً منهم، وألا تتركهم إلا في مكان آمن بعيداً عن أيدي العابثين الفجار الذين لا يخافون بأس الله ولا يخشون عقابه، ونسأل الله تعالى أن يحفظ عوراتنا، ويصون أعراضنا وجميع المسلمين، وللفائدة في الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38500، 59746، 27548.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(16/48)
لا يقيم الحدود إلا ولي الأمر أو المكلف من قبله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أني لما كنت صغيرة دون البلوغ مارست اللواط مع بنات خالتي لم أعرف وقتها أنه حرام، وبقي هذا الذنب معي إلى ما بعد البلوغ.. لا أذكر متى بالتحديد توقفت عن فعله، والحمد لله أنبت إلى الله. وقرأت أن من يفعل اللواط يجب عليه إقامة الحد بالقتل.. فهل هذا صحيح، وهل أقيم الحد على نفسي، وهل علي إعادة الصلاة التي كنت أصليها بعد هذا الفعل ولم أكن أغتسل منه، فأفيدونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تفعله المرأة مع المرأة من الفاحشة يسمى سحاقاً، وأما اللواط أو عمل قوم لوط فهو ما يكون بين الرجال، والسحاق كبيرة من الكبائر التي يجب على من ارتكبها أن يقلع عنها ويبادر إلى التوبة منها، ويستر نفسه ولا يحدث أحداً بما كان منه، وليس فيه حد معين كالزنا واللواط.. ولكن الحاكم له أن يعزر من اطلع عليها، فعليك أن تحمدي ربك الذي وفقك للإقلاع عن هذه الفاحشة القبيحة، وعليك أن تستري نفسك وتكثري من التوبة والاستغفار وفعل الخير.. وأما التعزير فهو مما يختص ولي الأمر بتنفيذه ولا يحق للشخص إقامته على نفسه ولا لغيره إقامته عليه ما لم يكن ولي أمر أو مكلفاً من قبله.
وفيما يخص إعادة الصلاة فإن كان نزل منك مني ولم تغتسلي منه فإن عليك أن تعيدي جميع الصلوات التي صليتها وأنت على جنابة إذ لا تصح الصلاة قبل رفع الجنابة، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 31003، والفتوى رقم: 16297.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1428(16/49)
القاتل باسم المحافظة على الشرف مجرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة الحكم الشرعي الصحيح والمفصل في قضية ما بات يسمى بجرائم الشرف ... لاسيما وأن التهمة موجهة إلى الفقه الإسلامي بشكل رئيسي.. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شأن القتل عظيم وجرمه كبير، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء: 93} وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
ولذا، فقد وضع الشرع لكل حد يؤدي إلى زهوق الروح شروطا لا بد من توافرها، فلا يرجم الزاني إلا إذا كان محصنا مع ثبوت الجريمة عليه بأربعة شهود يشاهدون الفرج في الفرج، أو أن يقر على نفسه بالزنا مختارا غير مكره، ولا يجوز لآحاد الناس أن يقيموا هذا الحد بأنفسهم دون الرجوع إلى الحاكم أو من ينوب عنه، سواء كان في إجراءات الإثبات أو التنفيذ لأن ترك تنفيذ هذه الحدود لآحاد الرعية يؤدي إلى فساد واضطراب كبيرين، ولأن إثبات هذه الجرائم يحتاج إلى نظر، ونظر الحاكم أولى من نظر غيره.
ولمعرفة المزيد عن الأحكام المتصلة بهذا الأمر والرد على بعض الشبه راجع الفتاوى رقم: 29819، 38473، 54406.
فأين هذا مما يفعله بعض الناس اليوم باسم المحافظة على الشرف، فترى الرجل يقتل ابنته أو أخته لأدنى شبهة دون تثبت أو تحقق، وقد قدمنا أنه لا يجوز له فعل هذا ولو تثبت؛ بل الأمر يعود إلى الحاكم أو من ينوب عنه.
ومن شدة جهل بعضهم أنه يقتلها ولو كانت غير متزوجة، وهذا أبعد ما يكون عن الشرع، فإن البكر إذا زنت لا تقتل بل تجلد كما جاء في نص القرآن: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 1} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. رواه مسلم عن عبادة مرفوعا، ولتراجع في هذا الفتوى رقم: 17567، والفتوى رقم: 32540.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(16/50)
الجهة المخولة بإقامة الحدود
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل يوجد لي زميل دائما يقول إن الأفلام الإباحية غير محرمة لأنها غير مذكورة بالقرآن شيخنا يقيم الحد فما الحد في هذه الحالة وهل يحق لي أن أقيم الحد عليه وأنه يقول ما دخل القرآن في حياتنا وأنه يتبع البرفسور اليهود وأنه يؤمن بما يقوله اليهود ولا يؤمن بالقرآن وأنه يقول إنه يوجد عدة شموس في الكون ولا يؤمن أن القرآن قال شمس واحدة هل هذا من المغضوب عليهم؟ هل ممكن أن أخلعه من حياتي؟ وهل أشجع أصدقائي أن يخلعوه من حياتهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال قد تضمن الأمور التالية: 1ـ حكم الأفلام الإباحية. 2ـ قول هذا الشخص إنه يتبع اليهود ويؤمن بما يقولونه ولا يؤمن بالقرآن. 3ـ قوله بوجود عدة شموس. 4ـ هل يحق للسائل أن يقيم الحد على من ذكر؟ 5ـ وهل يخلعه من حياته، ويشجع الأصدقاء على فعل مثل ذلك معه؟.
فبالنسبة للسؤال الأول: فقد ذكرنا في فتاوى سابقة حرمة الأفلام الإباحية، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 11755. وقد علمت منها دليل تحريم هذه الأفلام من القرآن والسنة. وقول هذا الشخص إنه يتبع اليهود ويؤمن بما يقولونه ولا يؤمن بالقرآن كفر صريح مخرج من الملة، والعياذ بالله.
وقوله بوجود عدة شموس لا نستطيع تصديقه ولا تكذيبه، فقد قال به أهل الفلك. يقول أحدهم: إن مجرتنا هذه ذات المائة ألف مليون شمس، ليست هي المجرة الوحيدة في هذا الكون الشاسع، بل توجد مجرات أخرى تحتوي على عدد مماثل من هذه الشموس في كل مجرة، ويبلغ عدد هذه المجرات حوالي 100 مليون مجرة. ولم نجد في الكتاب أو السنة ما يصدق هذا أو يكذبه.
وعما إذا كان يحق للسائل إقامة الحد على من ذكر، فنقول: إن ذلك ليس له، فلا يحق لأحد أن يقيم الحد إلا السلطان أو نائبه. قال في المغني: إذا لم يكن أمير الجيش الإمام أو أمير إقليم فليس له إقامة الحد ... ويؤخر حتى يأتي الإمام لأن إقامة الحدود إليه..
وأما خلع هذا الشخص ومقاطعته، فإذا عرفتم أنكم لا تستطيعون إقناعه بما هو صواب، فالواجب مقاطعته والبعد منه، خوفا من أن يسري كلامه إلى ضعفاء العقول فيتأثروا به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(16/51)
حكم من وضع له مسكر في طعامه فقتل وزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وضع لشخص خمر في شرابه أو طعامه وسكر ثم ارتكب إثما كالزنا أو القتل. فما الحكم هل يعاقب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ارتكاب جريمة القتل أو فاحشة الزنا أو تناول المسكرات جرائم عظيمة وكبائر من أكبر الذنوب، حذر الله عز وجل منها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا ارتكب الشخص شيئا من هذه الجرائم في حال ذهاب عقله فإن ثبت أنه لم يتسبب في ذلك ولم يعلم به فإنه لا إثم عليه ولا حد، لأن التكليف مناطه العقل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. رواه أصحاب السنن.
والإثم في هذه الحالة على من وضع له المسكر في طعامه أو شرابه.
وأما القتل فإن الدية تلزم عاقلته إن وجدت، وإلا، فعلى بيت مال المسلمين إن وجد، وإلا، فمن ماله الخاص.
وأما إذا كان يعلم بما وضع له وتناوله فإنه يأثم بتناوله ويقام عليه حد السكر وحد الزنا والقصاص. قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة ممزوجا بالشرح: والسكران سكرا حراما إن قتل معصوما قتل حيث كان بالغا، ولا يعذر بغيبوبة عقله، لأنه أدخله على نفسه.
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 49683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(16/52)
حكم التعذيب بالنار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يعذب الرجل المسلم بالحرق سواء كان سنيا أو شيعي المذهب؟ أفيدوني فقد وصلني على بريدي الألكتروني حرق لمسلمين، وقد رديت على من أرسله أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار؟
ولكنه اعترض على كلامي لدرجة أني بدأت أشك بصحة هذا الشيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التعذيب بالنار محرم شرعا بغض النظر عن حال المعذب، لما في الحديث: لا يعذب بالنار إلا رب النار. رواه أبو داوود وصححه الألباني.
فالإقدام على هذا ظلما محرم لما فيه من الظلم، وأما عقوبة السلطان المسلم للظلمة فالأولى أن يعاقب من يستحق القتل بقتله قتلة حسنة عملا بالحديث: وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. رواه مسلم.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز عقابه بقتله بمثل ما قتل به كما قال خليل في المختصر: وقتل بما قتل ولو نارا.
وفي حديث الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رض رأس يهودي بحجرين كما فعل بجارية قتلها.
وراجع الفتويين رقم: 71480، 118643.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1430(16/53)
المحكوم عليه بالإعدام هل يدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حكم عليه بالإعدام يكون من أهل الجنة؟ أم هذا متوقف على أعماله السابقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إقامة حد القتل أو غيره من الحدود يعتبر تطهيرا لصاحب الجريمة- على الراجح من أقوال أهل العلم- وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما مرفوعا: ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له.
ولذلك قال العلماء: الحدود زواجر عن المعاصي وجوابر لما ارتكب منها.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المغفرة خاصة بالتائب، وأن من لم يتب كان عرضة لأن يعاقب في الآخرة على جريمته، ولو نفذ فيه حكم الإعدام أو أقيم عليه الحد. انظر الفتوى رقم: 111207. للمزيد من الفائدة.
ولا شك أن من تاب من ذنوبه توبة نصوحا كان من أهل الجنة، ولو قتل بسبب ارتكابه لبعض الذنوب فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68- 70} .
فقد عقب- سبحانه وتعالى- على هذه الجرائم الكبرى بالاستثناء في قوله: إِلَّا مَن تَابَ.. الآية
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(16/54)
حكم أخذ مال شارب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أخذ مال شارب الخمر عندما يفقد حسه، ويكون المال حلالا للشخص الذي يأخذه؟ أريد الاستفسار.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشرب الخمر كبيرة من أكبر الكبائر، يجب مناصحة فاعلها، ودعوته إلى التوبة النصوح، وتذكيره ما ينتظره من العقوبة الأليمة إن ظل مقيماً على معصيته. وقد جعل الشارع عقوبة شارب الخمر أن يحد أربعين جلدة، وزادها عمر بمحضرٍ من الصحابة إلى ثمانين. وهذا الحد إنما يقيمه ولي أمر المسلمين أو من يقوم مقامه، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه أنهم عاقبوا شارب الخمر بالأخذ من ماله، فالأصل أنه مسلم معصوم الدم والمال، وإن كان مرتكباً لكبيرة من الموبقات.
نسأل الله العافية. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه. وانظري الفتوى رقم: 66931.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1430(16/55)
عقوبة الخطف واللواط والقتل وهل من فعل ذلك له توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من خطف أطفالا وفعل بهم الفاحشة ومثل بالجثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل حكم ذلك من حيث التوبة، فهي صحيحة مقبولة ممن فعل ذلك إن صدق في توبة ونصح فيها بإكمال شرائطها، من الندم على ما سلف من الذنوب ندما يوازن عظمة الجرم وقبحه، والإقلاع عنها خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا مع تمكين أولياء الدم من القصاص إن لم يعفوا.
وإن كان المراد السؤال عن عقوبة ذلك في الدنيا والآخرة، فهي ـ والعياذ بالله ـ شديدة، أما في الدنيا فإنها توجب حدين: حد الزنا أو اللواط وحد القتل. وقد توجب مع بعض الملابسات حد الحرابة، على خلاف بين أهل العلم في ذلك، يراجع له الفتوى رقم: 97897.
وأما في الآخرة، فيكفي عقوبة القتل، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء: 93} .
وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 45315. أن عقوبة الآخرة في حق من ارتكب جريمة اللواط لا تقل عن عقوبة الزنا إن لم تكن أعظم وأشد. وراجع في العذاب البرزخي والأخروي للزناة الفتوى رقم: 26237.
ويجب التنبه لكون هذه العقوبات في حق من فُعل معه ذلك طواعية من غير اغتصاب، أما من فَعَل ذلك اغتصابا واختطافا فجريمته أبشع وأشنع، وعقوبته أشد وأثقل. ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39246، 1869، 26148، 1940.
وقد جمع الله تعالى بين بيان عاقبة هذه الجرائم، وبين الحض على التوبة منها في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا*وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان:71،70،69،68}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(16/56)
هل عقوبة شرب الخمر تعد من باب الحد أم التعزير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عقوبة شرب الخمر حد أم تعزير؟ ولكم منا جزيل الشكر والامتتنان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعزير عقوبة تأديبية يقوم بها الحاكم على المعصية التي لم يعين لها الشارع حدا أو لم تتوفر في صاحبها شروط الحد، فمن شهد عليه لفيف من الناس بشرب الخمر ولم يكن في الشهود نصاب الشهادة، أو رؤي الشخص يرتاد أماكن الشرب ونحو ذلك.... فإنه لا يقام عليه الحد ولكن للإمام أن يعزره.
ومن ثبت عليه شرب الخمر ولم يوجد مانع من إقامة الحد عليه فإنه يحد.
ومن هذا يتبين لك أن عقوبة شرب الخمر تعتبر حدا إذا توفرت الشروط وتعزيرا إذا لم تتوفر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1429(16/57)
أحوال دفع الصائل في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب السؤال: 2194182.
أما يقول الله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا. ألا تنطبق هذه الآية على هذا الصائل، علما أنها ليست المرة الأولى التي يقوم بهذه الفعلة، وكذلك لا يوجد عليه أي دليل كي أقدمه ... أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرسلت لنا السؤال المذكور وأفتيناك بحرمة قتل هذا اللص، ونحن نؤكد على هذه الحرمة ونخوفك عذاب الله وانتقامه إن أنت أقدمت على قتله، ونزيدك فنقول: المعتدي على النفس أو المال أو البضع -العرض- يسميه العلماء صائلاً، ودفع الصائل بما يندفع به مشروع، فقد روى مسلم وغيره أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
قال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى: وجاز دفع صائل بعد الإنذار للفاهم وإن عن مال، وقصد قتله إن علم أنه لا يندفع إلا به.
ويختلف حكم دفع الصائل باختلاف ما يريد الاعتداء عليه، فإن كان يريد أخذ المال فدفعه جائز لا واجب، والمعتدى عليه مخير بين أن يدفع عن ماله، وبين أن يعطيه المال، وكذا في الدفع عن النفس، وأما في الدفع عن البضع –العرض- فقد قال كثير من العلماء بوجوب الدفع، بل قال النووي -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف.
ومما ينبغي أن يعلم أن الواجب دفع الصائل بالأخف فالأخف، فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك حتى نص العلماء - رحمهم الله- على أن من أمكنه الهرب لزمه الهرب، لأن الهرب حينئذ هو الأخف.
فإذا لم يمكن دفع شره أثناء تنفيذه للجريمة إلا بالقتل جاز قتله.
على أنا ننبه على أمر هام وهو أن هناك فرقا بين دفع الصائل حال صياله -حال اعتدائه وقيامه بالجريمة- وبين إقامة الحد عليه بعد فعله, فأما دفع الصائل فقد تحدثنا عنه وأما تطبيق الحدود فلا ينبغي لأحد أن يقيم الحدود إلا بإذن السلطان، فإن لم يكن سلطان يحكم بالشرع فلا يجوز لعامة الناس أن تقيم الحدود، ومن فعل ذلك أثم، لأن الحد يحتاج في إثباته وإقامته إلى اجتهاد وعلم وقدرة وسلطة، وعامة الناس لا يملكون ذلك، ولأن إقامة العامة للحدود يترتب عليها مفاسد عظيمة وإخلال بالأمن، فيعتدي الناس بعضهم على بعض قتلاً وتقطيعاً بحجة إقامة الحدود.
قال القرطبي في تفسيره: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود. انتهى.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما من يقيم هذا الحد – أي: جلد شارب الخمر - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود.انتهى.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17038 , 107893 , 111044.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1429(16/58)
هل الأحكام البديلة عن الحدود الشرعية تعتبر كفارات
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من الدول الإسلامية لا تقام الحدود الشرعية، فهل الأحكام التي تصدر في حق من استوجب حدا من حدود الله كالزنا والسرقة, فإن الأحكام التي تصدر معظمها السجن فهل تعتبر كفارة لصاحبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكن أن يحل محل أحكام الله أي حكم من أحكام البشر، ولا تقوم مقامها في فوائدها وآثارها على الأفراد والمجتمع, ولا يحل لمسلم أن يرضى بها, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا. رواه الإمام مسلم.
وقوله: من كَره أي كره بقلبه وهذا أضعف الإيمان كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ثمّ لا تعتبر هذه العقوبات البديلة كالسجن ونحوه كفارات, وللتكفير وسائل أخرى أولها التوبة النصوح, وللفائدة راجع الفتوى رقم 7308
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(16/59)
الحكمة من عدم وضع الشارع حدا على عقوق الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
سؤالي كالآتي: عقوق الوالدين كبيرة من أكبر الكبائر بنص الحديث، ولكن لماذا ليس له حد من الحدود كشرب الخمر والزنا والسرقة، أم أن هناك نقصا في العلم لديّ؟ وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرتب الله تعالى على عقوق الوالدين حداً من الحدود، كما في شرب الخمر والزنا ونحوها من المعاصي، لأن الشارع كما يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه: بدائع الفوائد: ينظر إلى المحرم ومفسدته ثم ينظر إلى وازعه وداعيه فإذا عظمت مفسدته رتب عليها من العقوبة بحسب تلك المفسدة، ثم إن كان في الطباع التي ركبها الله تعالى في بني آدم وازعاً عنه اكتفى بذلك الوازع عن الحد فلم يرتب على شرب البول والدم والقيء والعذرة حداً لما في طباع الناس من الامتناع عن هذه الأشياء فلا تكثر مواقعتها ... بخلاف شرب الخمر والزنا فإن الباعث عليها قوي فلولا ترتيب الحدود عليها عظمت مفاسدها وعظمت المصيبة بارتكابها.
ومعلوم أن عقوق الوالدين وإن عظمت مفسدته فليس في الطباع ما يقتضيه بل فيها ما يردع عنه ويزجره، ولذلك لم يشرع فيه الحد واكتفى بما في الطباع من وازع طبيعي عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(16/60)
حكم أخذ عوض عن الخنق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اعتدى علي أشخاص بالسرقة مع الإكراه والخنق حتى الموت لولا أن في العمر بقيه وشاء الله أن يمسك بهم رجال الشرطة وهم الآن في السجن ولكن أهلهم يتوسلون إلي في العفو عنهم, فما الحكم إن تنازلت عن القضية, وما حكم التعويض المادي الذي تقرره المحكمة بالنسبة لي.
أرجو الإفادة. وشكرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشارع الحكيم أذن لمن اعتدي عليه بسرقة أو خنق أو غير ذلك أن يرد بالمثل، ويأخذ بحقه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194} . وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا {الشورى:40} .
ولكن العفو عن المعتدين والتغاضي عن المسيئين أفضل وأكثر أجرا، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
فالصبر على الأذى، وكظم الغيظ من صفات المتقين الوارثين للجنة، المستحقين لمغفرة الله ورضاه يوم القيامة، فالله يقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134} .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قبله رضا يوم القيامة. رواه الطبراني وغيره بألفاظ مختلفة عن ابن عمر وغيره..
وقد علمت من هذا ما في العفو من الأجر والمثوبة عند الله.
وأما عن أخذ العوض، فإن كنت تقصد أخذه عما سرق منك، فهذا حق واجب لك. وكذا إذا تصالحت مع المعتدين على مال فلا حرج عليك في ذلك.
وأما أن تحكم لك المحكمة بأخذ العوض عن الخنق، فإن كان قد حصل لك جروح أو خدوش فلك أن يحكم لك بمال مقابل ذلك، لا إن لم يوجد في بدنك أثر من الخنق.
قال الشافعي -رحمه الله- في كتاب الأم: ولو خنق رجل رجلا أو غمه ثم أرسله ولا أثر به منه لم يكن عليه فيه غرم وعزر، ولو حبسه فقطع به في ضيقته ولم ينله في يديه بشيء ولم يمنعه طعاما ولا شرابا فقد أثم ويعزر ولا غرم عليه, وكل ما ناله من خدش أو أثر في يديه يبقى ففيه حكومة، وإن كان أثرا يذهب مثل الخضرة من اللطمة فلا حكومة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(16/61)
إثبات السرقة عن طريق البصمات والكلاب المدربة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح إثبات حد السرقة على رجل بدليل تطابق البصمات أو عن طريق الكلاب المدربة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أكد العلم الحديث أنه لا يمكن أن يتشابه اثنان في خريطة البصمات، كما أن استخدام الكلاب المدربة في التعرف على المجرمين قد أثبتت التجربة أهميته ونجاحه في حالات كثيرة، ولكن الشرع الحنيف إنما ربط ثبوت السرقة بواحد من أمرين هما: الإقرار بها أو شهادة البينة العادلة بذلك.
وأما الكلاب المدربة والبصمات فيجب أن تبقى الاستفادة منها في حدود القرائن، ولا يرتقى بها إلى درجة البينات المثبتة التي تترتب عليها الأحكام، فلا يمكن أن تقوم هذه الكلاب أو البصمات مقام إقرار المتهم ولا مقام الشهود، وعليه فلا يصح إثبات حد السرقة على شخص بتطابق البصمات أو عن طريق الكلاب المدربة، وخصوصاً إذا علمت أن الحدود تدفع بالشبهات، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وغيره.
وغالب الحال هنا هو أن الشخص عندما يرى تشبث الكلاب المدربة به أو يواجه بمطابقة البصمة فإنه -حينئذ- يقر فتكون المؤاخذة بالإقرار لا بالكلاب ولا بالبصمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(16/62)
غير المتسبب في الحادث لاشيء عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أملك ماكينة لكبس التبن"رباطة" تدار بواسطة جرار"تراكتور" وكان يشتغل على هذه الماكينة عامل بأجر وكان يوجد في ذراع دوار لنقل الحركة من الجرار إلى الماكينة ويثبت هذا الذراع من جهة الماكينة بواسطة مسمار خاص يباع في السوق وينكسر هذا المسمار من حين لآخر وكنا نحمل معنا مجموعة منه كاحتياط وذات مرة أبلغني العامل بأن كمية المسامير قد نفدت وكنا نستعمل بدلها في حالة الاضطرار قضيبا معدنيا نقصه بحجم المسمار تقريبا إلى أن نحضر البديل وقد استعملت هذه الطريقه عدة مرات عندما كنت أشتغل على الماكينة بنفسي وقد أبلغته بأن لا ينزل من على الجرار إلا عندما يكون الجرار لا يشتغل والماكينة متوقفة لأنه يتم التحكم في الماكينة وحركته من الجرار وكنت أخشى أنه إذا نزل وحدث أي طارئ والماكينه تشتغل لا يمكنه تدارك الموقف بسرعة بإطفاء الجرار لكن للأسف الشديد عندما استعمل العامل القضيب المعدني لم يقصه جيدا "وتركه طويلا" حيث لم أكن موجوداً وقد نزل من على الجرار والماكينة تشتغل واقترب من الذراع الدوار الذي به القضيب المعدني وقد تمزقت ملابسه فقط في المرة الأولى واستطاع الإفلات منه أما في المرة الثانية فلم يستطع الإفلات حيث مزق القضيب المعدني ملابسه وأصيب بجروح خطيرة نقل بعدها للمستشفى وفارق الحياة وأنا لم أكن حاضرا للحادث ولكن سرده لدي من كان يساعده في العمل، فأنا الآن أشعر بالذنب لأني لم أحضر له المسامير الخاصة بالماكينة من السوق فور إبلاغي بنفادها، فأرجو أن تفيدوني فهل أنا مذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك ذكرت أنكم -في العادة- كنتم تستعملون بدل المسامير قضيباً معدنياً تقصونه بحجم المسمار إلى أن تحضروا البديل ... وذكرت أنك قد أبلغت العامل بأن لا ينزل من على الجرار إلا عندما يكون الجرار لا يشتغل والماكينة متوقفة.. وقلت إنه في المرة الأخيرة عندما استعمل القضيب المعدني لم يقصه جيداً وتركه طويلاً ... ونزل من على الجرار والماكينة تشتغل.. وهذا كله في حال غيابك، وعليه فإنك لست مسؤولاً عن شيء مما حدث، لأنك لست متسبباً ولا مباشراً ولا غاراً غروراً قولياً أو فعلياً، وبالتالي فلا ذنب عليك فيما حدث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(16/63)
الاعتراف بالزنا وإقامة الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الفتوي رقم 8065 أن امرأة اعترفت بأنها وقعت في الزنا بعد علمها بأن زوجها فعل ذلك والعجيب أنه لم يرد في الإجابة ما يدل على وجوب إقامة الحد على أي منهما وقد اكتفى مصدر الفتوى بحثها على التوبة فقط متجاهلا عقوبة الزاني المحصن، فهل هذا صحيح?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اعتراف المرأة في السؤال المذكور لم يكن عند الحاكم، وما لم يصل الأمر إلى الحاكم أو إلى من ينوب عنه فلا يجب الحد حينئذ، والمطلوب من المذنب ومن اطلع على الذنب الستر عليه وحضه على التوبة، وذلك أن إقامة الحدود من اختصاص الوالي أو السلطان، قال الحسن: أربعة إلى السلطان الزكاة والصلاة والحدود والقضاء.
ولعلك فهمت الآن سبب عدم ذكر الحد والاكتفاء بالنصح والحض على التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1428(16/64)
الحدود في كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تذكروا لي الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر العقوبات البدنية (الحدود) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجرائم التي رتب عليها الشارع الحدود والتي ورد ذكرها في القرآن هي:
أولاً القتل العمد.
قال تعالى:" وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا " (الإسراء: 33) .
وقال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ... " الآية (البقرة: 178 إلى 179) .
ثانياً: الزنا قال تعالى:" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ.. " (النور:2) وهذا في البكر وأما الزاني المحصن فحده الرجم كما ثبت في السنة.
ثالثاً: السرقة: قال الله تعالى:" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم " (المائدة: 38) .
رابعاً: الحرابة (قطع الطريق) قال الله تعالى:" إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم " (المائدة: 33) .
خامساً: القذف وهو اتهام الغير بالزنا قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون " (النور: 4) .
وهناك عقوبات على جرائم أخرى وردت بها السنة كالردة وعقوبتها القتل، واللواط وعقوبته القتل وتعاطي المسكر وعقوبته الجلد ثمانين جلدة، ومن المعلوم أن السنة النبوية مصدر للتشريع كالقرآن الكريم وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه " رواه أحمد. ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1428(16/65)
كيفية جلد من أتى ما يستوجب الجلد في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن كيفية الجلد أو الطريقة بالتفصيل التي يتم بها الجلد والأداة هل خيزرانة أو سوط لتطبيق الحدود الشرعية؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الفقهاء في حد الزاني والقاذف وشارب الخمر أنهم يجلدون دون تمديد للجسد على الأرض وتكون المرأة جالسة محجبة واتفق الفقهاء على أنه يجلد الصحيح القوي في الحدود بسوط معتدل، ليس رطبا ولا شديد اليبوسة، ولا خفيفا لا يؤلم، ولا غليظا يجرح ولا شديدا فيقتل؛ لأن المقصود تأديبه، لا قتله، ولا يرفع الضارب يده فوق رأسه بحيث يبدو بياض إبطه، ويتقي المقاتل، ويفرق الجلدات على بدنه وهذا هو المنصوص عن الأئمة كما في المدونة والأم للشافعي والمغني، فالزاني عقوبته جلد مائة لقول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {النور:2} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. رواه مسلم.
ويجلد القاذف ثمانين جلدة، كما في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4} . وفي صحيح مسلم أن عليا رضي الله عنه أمر عبد الله بن جعفر أن يجلد الوليد بن عقبة فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة وهذا أحب إلي".
وفي مسلم أيضا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين. وقد ذكر ابن قدامة في المغني عند الكلام على الزنى أن الضرب بالسوط قال: ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا، في غير حد الخمر. فأما حد الخمر فقال بعضهم: يقام بالأيدي والنعال وأطراف الثياب. وذكر بعض أصحابنا أن للإمام فعل ذلك إذا رآه؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال: اضربوه قال: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. رواه أبو داود. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الخمر فاجلدوه. والجلد إنما يفهم من إطلاقه الضرب بالسوط، ولأنه أمر بجلده كما أمر الله تعالى بجلد الزاني فكان بالسوط مثله، والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط وكذلك غيرهم فكان إجماعا. فأما حديث أبي هريرة: فكان في بدء الأمر ثم جلد النبي صلى الله عليه وسلم واستقرت الأمور، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وجلد علي الوليد بن عقبة أربعين وفي حديث جلد قدامة، حين شرب أن عمر قال: ائتوني بسوط. فجاءه أسلم مولاه بسوط دقيق صغير فأخذه عمر، فمسحه بيده ثم قال لأسلم: أنا أحدثك إنك ذكرت قرابته لأهلك ائتني بسوط غير هذا. فأتاه به تاما، فأمر عمر بقدامة فجلد إذا ثبت هذا، فإن السوط يكون وسطا، لا جديدا فيجرح , ولا خلقا فيقل ألمه؛ لما روي أن رجلا اعترف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأتي بسوط مكسور فقال: فوق هذا. فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته. فقال: بين هذين. رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا. وروي عن أبي هريرة مسندا. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين، وهكذا الضرب يكون وسطا، لا شديد فيقتل , ولا ضعيف فلا يردع. ولا يرفع باعه كل الرفع , ولا يحطه فلا يؤلم. قال أحمد: لا يبدي إبطه في شيء من الحدود. يعني: لا يبالغ في رفع يده، فإن المقصود أدبه، لا قتله.اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: أن الجلد في الحدود يكون بالسوط. على أنه يجوز في حد الشرب الضرب بالأيدي أو النعال أو أطراف الثياب. ويستعمل السوط في إقامة حد الزنا على البكر، وحد القذف، وحد شرب الخمر. ويجزي منه استعمال عثكال فيه مائة شمراخ في إقامة حد الزنا على البكر، إن كان لا يحتمل الجلد لمرض لا يرجى برؤه. ويلاحظ ألا يكون السوط مما يتلف، ولذلك قال بعضهم: لا يكون له ثمرة - يعني: عقدة في طرفه - وقال بعضهم يكون بين الجديد والخلق. أما الجلد في التعزير فقد يكون بالسوط، أو بما يقوم مقامه مما يراه ولي الأمر. وفي كثير مما ذكرناه هنا تفصيل وخلاف يذكره الفقهاء في مسائل الحدود والتعزير. اهـ.
وراجع الموسوعة الفقهية وشروح الموطأ ونيل الأوطار، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 62587، 29819، 17021.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1427(16/66)
حمل المرأة بلا زوج هل يمكن وما حكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يبدو سؤالي غريبا، لكن الموضوع يأخذ جل تفكيري. هب أن فتاة بكرا نامت بالخطأ في فراش به آثار سائل منوي عمرها ساعة تقريبا، وصدف أن الفتاة في فترة الإباضة فهل يحصل شيء. علما بأني قرأت مرة بإحدى المجلات مقالا استشهدوا فيه بحادثة حصلت مع سيدنا علي كرم الله وجهه، وملخص الحادثة أن سيدنا علي اغتسل مرة في ماء ثم جاءت بعده امراة (يقال أنها الحنفية) فاغتسلت في نفس الماء فحملت وولدت؟
أفيدونا أفادكم الله وجزاكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إمكانية حصول الحمل بهذا الأمر يسأل عنها الأطباء، وظاهر كلام بعض الفقهاء إمكانه، وأما القصة المذكورة فلم نعثر على ما يفيد ثبوتها، وقد اختلف العلماء فيمن ظهر بها حمل ولا زوج لها فرفع الجمهورعنها الحد، وخالف المالكية، قال ابن قدامة في المغني: وإذا أحبلت امرأة لا زوج لها ولا سيد , لم يلزمها الحد بذلك, وتسأل فإن ادعت أنها أكرهت, أو وطئت بشبهة , أو لم تعترف بالزنا لم تحد. وهذا قول أبي حنيفة , والشافعي. وقال مالك: عليها الحد إذا كانت مقيمة غير غريبة , إلا أن تظهر أمارات الإكراه , بأن تأتي مستغيثة أو صارخة ; لقول عمر رضي الله عنه: والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا , إذا قامت بينة , أو كان الحبل أو الاعتراف. وروي أن عثمان أتي بامرأة ولدت لستة أشهر , فأمر بها عثمان أن ترجم , فقال علي: ليس لك عليها سبيل , قال الله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} . وهذا يدل على أنه كان يرجمها بحملها , وعن عمر نحو من هذا، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إن الزنا زناءان ; زنا سر وزنا علانية , فزنا السر أن يشهد الشهود , فيكون الشهود أول من يرمي , وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف , فيكون الإمام أول من يرمي , وهذا قول سادة الصحابة ولم يظهر لهم في عصرهم مخالف , فيكون إجماعا. ولنا أنه يحتمل أنه من وطء إكراه أو شبهة , والحد يسقط بالشبهات. وقد قيل: إن المرأة تحمل من غير وطء بأن يدخل ماء الرجل في فرجها, إما بفعلها أو فعل غيرها. ولهذا تصور حمل البكر , فقد وجد ذلك. وأما قول الصحابة: فقد اختلفت الرواية عنهم , فروى سعيد , حدثنا خلف بن خليفة , حدثنا هاشم , أن امرأة رفعت إلى عمر بن الخطاب , ليس لها زوج , وقد حملت , فسألها عمر , فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس , وقع علي رجل وأنا نائمة , فما استيقظت حتى فرغ. فدرأ عنها الحد. وروى البراء بن صبرة , عن عمر أنه أتي بامرأة حامل , فادعت أنها أكرهت , فقال: خل سبيلها. وكتب إلى أمراء الأجناد , أن لا يقتل أحد إلا بإذنه. وروي عن علي , وابن عباس , أنهما قالا: إذا كان في الحد لعل وعسى , فهو معطل. وروى الدارقطني بإسناده عن عبد الله بن مسعود , ومعاذ بن جبل , وعقبة بن عامر , أنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد , فادرأ ما استطعت. ولا خلاف في أن الحد يدرأ بالشبهات , وهي متحققة ههنا. اهـ
وقد ذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: أن المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج أو كانت أمة وكان سيدها منكرا لوطئها فإنها تحد ولا يقبل دعواها الغصب على ذلك بلا قرينة تشهد لها بذلك ولا دعواها أن هذا الحمل من مني شربه فرجها في الحمام ولا من وطء جني , إلا لقرينة مثل كونها عذراء وهي من أهل العفة. اهـ
وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا ممزوجا بمتن روض الطالب:
واستدخال المني حلالا وشبهة) أي المني المحترم (كالوطء) في وجوب العدة وثبوت النسب ; لأنه أقرب إلى العلوق من مجرد الإيلاج وقول الأطباء المني إذا ضربه الهواء لا ينعقد منه الولد غايته ظن , وهو لا ينافي في الإمكان فلا يلتفت إليه. اهـ
وقال الشوبري في حاشيته على شرح الشيخ زكريا:
وسئل والدي رحمه الله عن رجل وطئ زوجته , وأنزل معها ثم نزع منها فمسح ذكره بحجر فأخذت الحجر امرأة أجنبية فامتسحت به فحملت فهل يلحقه الولد أم لا؟ . فأجاب بأن الولد يلحق الواطئ لكون مائه حال الإنزال محترما , وذلك أولى من وطء أجنبية يظنها زوجته , وهي تعلم أنه أجنبي , وقد حكموا بلحوق الولد به ,.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(16/67)
حكم التوسط في معصية تستوجب حدا قبل وصولها للحاكم لقاء مال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يتوسط في مسألة زنا قبل وصولها إلى المحكمة مقابل مبلغ من المال بهدف التستر على الموضوع ودرءاً للعواقب المتوقعة، كفقد وظيفة وانتشار الفضيحة، وهل يعتبر المبلغ المدفوع رشوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالستر على المسلمين مطلوب في الشرع، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
وهذا ما لم يكن المرء مجاهراً بفسقه أو مستديماً عليه، وإلا كان رفع أمره إلى الجهات المختصة أولى من الستر عليه، وأخذ المال مقابل الوساطة لتحقيق ما ذكر في السؤال يدخل في باب ثمن الجاه، والراجح في ثمن الجاه أنه إن كان صاحب الجاه قد بذل في وساطته هذه نفقة أو تعبا أو سفراً جاز له أخذ أجرة المثل، وإلا فلا يجوز له الأخذ.
وعلى أية حال، فإنا لا نراه داخلاً في الرشوة، لأن الرشوة -كما عرفها أهل العلم- هي: دفع المال لإبطال حق أو إحقاق باطل، فليست من هذا القبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(16/68)
قتل الغيلة وهل يتولى ولي الدم إقامة الحد بنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الحكم الشرعي في تنفيذ القصاص من القاتل عمدا في ظل عدم وجود الحاكم المسلم الذي فوضه الله بذلك عوضاً عن أهل الدم، كما أريد أن أسأل: هل رجل مسلم قتله غيلة (بمؤامرة واشتراك أكثر من 8 أشخاص) ، فما هو حكم الشرع في القصاص من القتلة ومدى انطباق هذه الحالة على قضية قتل الجماعة بالفرد، كما ورد عن عمر رضي الله عنه وسيدنا علي كرم الله وجهه؟ الرجاء الإجابة بالسرعة الممكنة، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إقامة الحدود وتنفيذها على الجناة لا تجوز إلا لولي الأمر أو من يقوم مقامه، قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن: لا خلاف أن المخاطب بإقامة الحدّ هو الإمام أو نائبه. وذلك لما فيها من خطر على الفرد والمجتمع فلا بد من ضبطها والتحقق منها حتى لا تقع الفوضى والثأر ... ولا يجوز لأهل الدم إقامة الحد لما يترتب على ذلك من الفساد، وانظر لذلك مزيداً من التفصيل في الفتوى رقم: 45248، والفتوى رقم: 29819.
وأما من قتل غيلة واشترك في قتله أكثر من واحد فإنهم يقتلون به جميعاً ولا يجوز العفو عنهم، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وقتل الغيلة لا عفو فيه. وذلك لما رواه مالك في الموطأ: أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة من أهل اليمن برجل واحد قتلوه غيلة، وقال عمر رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً. ولما رواه البيهقي وغيره أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن ذياد يوم أحد غيلة فقتله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعف عنه، فهذا هو حكم الشرع ولكن تنفيذه لا يكون إلا لولي الأمر كما أشرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1427(16/69)
موجبات قتل النفس ومن الذي يتولى إقامة الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمشي مع شخص ثلاث سنوات. أدخلته يوما ما بيتي فجلس على الكمبيوتر واستطاع ان يحصل على البريد الإلكتروني الخاص بأختي. وحادثها أكثر من 6 شهور مدعيا بأنه فتاة. وكان يعلم بأن أختي وجميع أهلي هم من الأتقياء جدا وذلك من خلال العشرة التي كانت بيني وبينه ومن محادثته مع أختي والاستماع إلى آرائها حيث كانت هي تريد أن تدعوها للحجاب ومع ذلك استمر بالحديث معها وحاول أن يتحدث معها عن مواضيع غير أخلاقية حيث قال لها مرة هل تريدين أن تتزوجي عندما تكبرين. وأنا عرفت بأنه يتحدث إليها عندما كان يحادثها ذات مرة فرأيت البريد الإلكتروني الخاص به عن طريق الصدفة.
السؤال هو: هل دم هذا الشخص مباح لي وإذا لم يكن مباحا فما هو حكم الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن قتل النفس لا يباح إلا بإحدى ثلاث، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
ثم على تقدير استحقاق المرء للقتل، فإن إقامة الحد عليه ليس من حق أي أحد إلا السلطان أو نائبه كالقاضي، وهذا ما نص عليه أهل العلم.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا أو السرقة أو الشرب لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام.
والمراد بالإمام الخليفة العام، فلا تعد إلى التفكير في هذا الموضوع، وإنما عليك أن تنصح أختك بتجنب المحادثة مع هذا الشخص أو غيره من الرجال، وتأمره هو بالابتعاد عن الحديث مع أختك، وبالتوبة مما صدر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1427(16/70)
تحريق أبي بكر الصديق لإياس بن عبد ياليل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار وبين إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار في حرب الردة؟
جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار ثابت، فقد ورد في حديثه الشريف أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يعذب بالنار إلا رب النار. رواه أبو داود وأحمد في المسند.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان هذا النهي للتحريم أم أنه لمجرد التواضع. قال ابن حجر في فتح الباري: ... وقال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع. ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمى، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها، قاله الثوري والأوزاعي. وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز. لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك، إذا تعين طريقا للظفر بال عدو ...
ثم إن قصة إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار، واردة في كتب السير والتاريخ. ففي الكامل: أن إياس بن عبد ياليل جاء إلى أبي بكر فقال له: أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة. فأعطاه سلاحا وأمره إمرة، فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء، وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن. فبلغ ذلك أبا بكر -رضي الله عنه- فأرسل إليه من أسره وبعث به إليه. فأمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطا.
وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في تحريم الإحراق بالنار كما بينا، وأن القائل منهم بالحرمة قد استثنى حالات يجوز فيها ذلك، فلاشك أن ما أقدم عليه إياس بن عبد ياليل يستحق به ما فعل به من الإحراق. فجزى الله خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غيرته للإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1427(16/71)
التدرج في تحريم الخمر وحكم شرب النبيذ
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
لدي سؤال يحيرني في قضية الخمر:
فقد ذكر في سورة النحل: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا (النحل 67)
وفي سورة البقرة يذكر أن له منافع: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة 219)
وأرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر كما ورد في الحديث الشريف:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى فقال رجل يا رسول الله ألا نسقيك نبيذا فقال بلى قال فخرج الرجل يسعى فجاء بقدح فيه نبيذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا قال فشرب صحيح مسلم.. كتاب الأشربة.. باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء وهنالك العديد من الأمثلة التي جعلتني أنظر في هذا الموضوع؟
لكم مني جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن نبين لك أن الخمر كانت مباحة في أول الإسلام، وأن تحريمها كان بتدرج، وبمناسبة حوادث متعددة، فإن الناس قبل تحريمها كانوا مولعين بشربها، وأول آية نزلت تتكلم عنها هي قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا {النحل: 67} ففي هذه الآية الكريمة نجد كيف أن القرآن باسلوبه الدقيق أشار بوضع المقابلة بين السكر والرزق الحسن، إلى أن السكر ليس من الرزق الحسن وإنما هو نقيض ذلك، وأول ما نزل صريحاً في التنفير منها قول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219} فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعضهم وقالوا نأخذ منفعتها ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {النساء: 43} فتركها بعض الناس وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعضهم في غير أوقات الصلاة حتى نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة: 90} فصارت حراماً عليهم، حتى صار يقول بعضهم: ماحرم الله شيئاً أشد من الخمر، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يشرب الخمر ولو قبل تحريمها، بل ولم يمارس قط شيئاً من أمور الجاهلية كما ثبت في سيرته الشريفة، والحديث الذي جئت به في سؤالك ليس فيه دليل على ما ذكرته، وإنما يستفاد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب النبيذ الذي لم يقارب الوصول إلى حال السكر، وكنا قد بينا من قبل إباحة شرب النبيذ فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 19795، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته، معناه: ألا غطيته كما ذكر النووي وغيره، ويدل له قوله بعد ذلك: ولو تعرض عليه عوداً، ونرجو أن يكون في هذا الجواب ما يزيل حيرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(16/72)
إثبات الاغتصاب بالوسائل الطبية الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن إثبات الاغتصاب في الإسلام ... فكما قرأت في أحد الفتاوى أن الاغتصاب عقوبته للمغتصب الرجم إن كان محصنا وإن لم يكن محصنا فعقوبته الجلد..ولكن هل يثبت الاغتصاب بأربعة شهود كالزنا؟؟؟؟ خاصة أن الاغتصاب لا يكون له شهود عادة وبهذا قد لا تستطيع الفتاة إثبات أنها اغتصبت فعلا!
هل من الممكن إثبات الاغتصاب بالوسائل الطبية الحديثة وهل يقبل الإسلام هذه الوسائل؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم على أن الزنا لا يثبت بأقل من أربعة من الشهود، بخلاف سائر الأمور الأخرى، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4} .
ومن صفة الشهود أن يكونوا عدولا، ومن شرط الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأن تكون بالتصريح لا بالكناية.
ولا فرق بين الاغتصاب والزنا إلا في كون الإثم والحد ساقطين عن المرأة في الاغتصاب دون الزنا، وأن لها حقوقا على المغتصب.
وأما إثبات الاغتصاب بالوسائل الطبية الحديثة فلا يصح، لأن الله تعالى جعل للزنا أربعة من الشهود مع تحديد كيفية معينة لأداء الشهادة فيه، وكل ذلك من أجل الستر وصيانة الأنفس والأعراض، فلا يجوز العدول عن ذلك والاكتفاء بوسائل قد لا يثبت بها ما هو أخف من الزنا.
ثم إنه غير صحيح أن الاغتصاب لا يكون له شهود عادة، بل الشهادة عليه أقرب من الشهادة على الزنا. لأن المرأة المغتصبة يفترض أن تصيح وتستنجد، بخلاف الزنا، فإنها مثل الرجل في التستر عن الناس. ولو افترضنا أن امرأة استنجدت ووجد من يحاول اغتصابها، فإن للسلطات أن تحقق معه، فإن أقر بأنه قام بالاغتصاب فإقراره كاف عن إحضار الشهود فالإقرار سيد الأدلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(16/73)
هل يعذب الزاني الذي لم يحد وإن تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا كل الخير أما بعد فأنا أعزب مقيم في فرنسا وزنيت ونصحتموني بالستر فهل عدم تطبيق الحد علي يضاعف من عذابي يوم القيامة وهل تجوز العادة السرية في بلاد الكفار لتخفيف حدة الشهوة وما حكم المسلمين الذين يرفضون تزويج بناتهم لبعض الشباب المولود في البلد بحجة أنهم يبحثون عن الأوراق فقط ولو كان الشاب صالحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه متفق عليه.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات ومطهرات لمن اقترف هذه الكبائر، ومن ستره الله ولم تقم عليه هذه الحدود، ولم يتب فأمره مفوض لربه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} ، أما من تاب واستغفر وأناب، فإن الله لا يتعاظم عنده ذنب أن يغفره، كما قال تعالى: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 71] . وروى ابن ماجه بسنده عن رسول الله صلى الله عليه أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ". فدلت هذه النصوص على أن من أذنب ذنبا وأقيم عليه ما تقرر فيه من الحد، فذلك كفارة له. ومن لم يقم عليه الحد، ولكنه أخلص التوبة إلى الله من ذنبه، فإنه يغفر له ولا يعذب عليه.
وأما العادة السرية فلا تجوز في بلاد الكفار ولا في بلاد المسلمين، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 7170،. ولكن الشهوة إذا استحكمت في المرء، وبلغت مبلغها بحيث لا يستطيع دفعها إلا بالعادة السرية أو الوقوع في الفاحشة فلا شك أن ارتكاب العادة السرية أهون من ارتكاب الخطيئة الكبرى. ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 3678.
ومقياس الرفض والقبول في موضوع النكاح هو الدين والخلق كما قال عليه الصلاة والسلام: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
فليس من حق الأولياء منع من في ولايتهم من النساء من التزوج بمن يردنه إن كان صاحب دين وخلق. وليس للنساء أن يتزوجن ممن أردن من دون رضا أوليائهن.
وعليه، فإن أصر الأولياء على رفض تزويج من في ولايتهم ممن يتصف بالدين والخلق، فلهن الحق في رفع المسألة إلى القاضي الشرعي في البلد ليزوجهن ممن أردن. فإن لم يكن في البلد قضاة شرعيون فيرفع الأمر إلى ما يقوم مقام القضاء من المراكز الإسلامية الملتزمة بمنهج أهل السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(16/74)
شبهة وجوابها حول قتل المرتد والزاني المحصن
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أود أن أسألكم حول حكمي الردة ورجم الزاني. حيث إنني وصلت إلى قناعة أن هذين الحكمين ليسا من صحيح الإسلام ولكني أريد التثبت من ذلك, وسأبدأ بعرض حجتي في حكم الردة
1- حد الردة لم يرد في القرآن على الرغم من ذكر المرتدين وتوعدهم بأشد العقوبات في الآخرة, فإن القرآن لم ينص على عقوبة دنيوية
ومن ذلك مانزل في جماعة من العرب حيث قال فيهم تعالى: ?يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوَاْ إِلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لّهُمْ وَإِن يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ?
ورغم ذلك لم ينص القرآن على عقوبة دنيوية فيهم, لم تذكر كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق فيهم حد الردة
وهناك أيضا قول الله تعالى فيمن تكاسل عن الخروج مع الرسول في غزوة تبوك: ?فَإِن رّجَعَكَ اللهُ إِلَىَ طَآئِفَةٍ مّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوّلَ مَرّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون?
ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول أيضا, بل إن الآية صريحة في عدم قتلهم حينما تتكلم عن \"موتهم\" بشكل يوحي أنه طبيعي
2- هناك العديد من الحوادث التي كفر فيها بعض المسلمين ورغم ذلك لم يقتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم:
فمنها حين رجع ثلث الجيش إلى المدينة يوم غزوة أحد, وهذا من موبقات الإيمان السبع \"التولي يوم الزحف\" ورغم ذلك لم يأمر الرسول بقتلهم.
ومنها الذين نزل فيهم قوله تعالى (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) , فهذه الآية صرحت بكفر هؤلاء ولكن الرسول لم يقتلهم أيضا.
وهناك أيضا صلح الحديبية الذي كان من شروطه أن الرسول لا يمنع من أراد الالتحاق بقريش وحلفائها من مغادرة المدينة, وحاشا لله أن يفرط الرسول في حد من حدود الله ويقبل بمغادرة هؤلاء المرتدين بدل تطبيق حد الردة المزعوم عليهم.
3- أما حروب الردة, فإن أبا بكر قد اختلف مع عمر ونفر من الصحابة الذين كانوا يرون مصالحة القبائل المرتدة الى أن تتحسن أحوال المسلمين فرفض ذلك , ولكن كتب التاريخ لم تذكر أنه استشهد بحديث \"من بدل دينه فاقتلوه\" أو أي حديث آخر ينص على قتل المرتد
6- ولكن:
دعنا نفترض أن حديثي الردة حديثان صحيحان، ودعنا نفترض أن القرآن الكريم لا يعارضهما ولا يؤيدهما فهل يصح الاعتماد على حديثين فى تأسيس تشريع؟
وهل يصح إقامة تشريع سنده الوحيد حديثان من أحاديث الآحاد؟
وهل يصح أن تقتل الناس بتهمة الردة اعتماداً على حديثين فقط؟
وهل تهون حياة الناس إلى هذا الحد؟
أرجو منكم ردا تفصيلياعلى أسئلتي يا شيخنا الكريم لعل الله أن يقنعني بحد الردة إن كان حقا
أما بالنسبة لحد الرجم فإن توقفي عنده يتمحور حول آية في كتاب الله تقول: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات آخذان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم)
هذه الآية تقول أن من أتت بفاحشة من هؤلاء فعليها نصف ما على المسلمة الحرة المحصنة من العذاب, فلو كان حكم الزانية المحصنة هو الرجم فكيف يطبق في حالة \"ما ملكت أيمانكم\", هل يرجمن نصف رجم؟
أتمنى أن تجاوب على سؤالي يا فضيلة الشيخ حيث إنه قد حيرني طويلا وأطمع أن أجد الجواب المقنع لديك وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفقهنا وإياك في دينه ويشرح صدورنا لفهم شريعته، ولتعلم أن كلاً من حكم قتل المرتد وقتل الزاني المحصن ثابت في نصوص الوحي مجمع عليه من قبل أهل العلم. ولكن الحكم بهما لا يثبت إلا من قبل القضاء الشرعي ولا يطبقه إلا ولي الأمر بعد استتابة المرتد ثلاثة أيام بلا جوع ولا عطش ومعاقبة فإن تاب وإلا قتل.
ومن الأدلة على رجم الزاني المحصن وقتل المرتد ما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إسلامه، أو النفس بالنفس. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك الأسلمي والغامدية.
وأما ما ذكرت من الآيات فهو استدلال في غير محله، فالآية الأولى: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... {التوبة: 66} في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون النفاق والكفر وكذلك الحوادث التي أشرت إليها.
وأما الآية الثانية: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ... ... {النساء: 25} الآية. فهي مبينة لحد الأرقاء عموماً وأنه نصف حد الأحرار الذي جاء في سورة النور على العموم في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2} ولذلك فالرقيق إذا زنى ولو بعد الإحصان لا يرجم لهذه الآية وللأحاديث الواردة في ذلك لأن الله تعالى نص على أن حده نصف حد الأحرار والذي يمكن تجزئته وتنصيفه هو الجلد، وأما الرجم الذي هو القتل فلا يمكن تنصيفه. وبذلك تعلم أنه لا دليل في الآية الكريمة على ما ذكرت، وأما قولك فهل يصح الاعتماد على حديثين ... ) فإن الحديث إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب على المسلم العمل به سواء كان ذلك في مجال العقائد أو الأحكام.فقد قال تعالى: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} مع أننا لا نسلم بأن رجم الزاني وقتل المرتد قد ورد فيهما حديثان فقط بل وردت فيهما نصوص كثيرة، وطبق النبي صلى الله عليه وسلم هذه النصوص في زمنه وكذلك خلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم. وللمزيد من الأدلة النقلية والعقلية على وجوب العمل بأحاديث الآحاد نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية 14050، 38186، 13987، 35561. وما أحيل عليه فيها. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1426(16/75)
هل يقتل قاتل أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[لا شك بأن قتل الابن لأبيه جريمة بشعة جدا وسؤالي: هل وقفتم على قول أو نص فقهي يجوّز الحكم بالقتل تعزيراً على الابن إن قتل أباه ولم يجب القصاص لعفو بعض الأولياء ونحوه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل: أن لا يبلغ التعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {الأنعام: 151} .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة من ذلك: قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين، وقد ذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض أصحاب أحمد.
ومنه من كثر إفساده ولم يندفع إلا بالقتل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: قد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله، فإنه يقتل بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه.
وعليه، فإذا كان للابن الذي قتل أباه من الفساد غير قتله لأبيه ما يتضرر به الناس، ولم يمكن دفعه إلا بالقتل، فإنه يقتل.
وأما مجرد قتله لأبيه، فلاشك في أنه جريمة من أبشع الجرائم وأشنعها، ولكنا لم نقف على نص يبيح أن يعزر بالقتل إذا عفا عنه أولياء الدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(16/76)
سوء العشرة وعدم قيام الزوج بواجباته الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي المفتى نحن مقيمون في أمريكا. وتقدم أحد الشباب المهاجرين ليتزوج ابنتي وتم الزواج على الآتي: 1- نقل مقر عمله من نيويورك إلى فرع الشركة بولاية كارولينا لأن ابنتي ما زالت طالبة بالجامعة وعلينا مراعاتها حتى تتخرج. 2- الزواج على صداق وقدره 10000$ عشرة آلاف دولار مقدم منه 4000 $ والمؤخر منه 6000$. 3-اشترطت ابنتي عدم الحمل حتى تتخرج من الجامعة. 4- تم الاتفاق على أن يسكن في الدور الأرضي ويدفع مبلغ وقدره 700$ شهريا مقابل السكن واستهلاك الكهرباء والمياه والإفطار والغداء والعشاء هو وزوجته وابنته فيما بعد. 5-اشترطت ابنتي عليه أن القرارات المصيرية تكون بموافقة الطرفين لأن فارق السن بينه وبينها 12 سنة مما يجعله يقرر كل شيء فوافق وقال لها أمامنا: نحن هنا في أمريكا لا أحد يغصب آخر على شيء. كل الشروط للأسف كانت اتفاقات شفهية غير مكتوبة. تم الزواج في المحكمة الخاصة بالولاية بتوقيع إمام المركز الإسلامي واثنين شهود وبدون إقرار بشروط الزواج مكتوبة ثم حدث الآتي: 1- في الأسبوع الأول تهجم عليها مما أحدث نزيفا غزيرا رغم محاولتها إبعاده عنها بلا فائدة وتم نقلها إلى المستشفي لإجراء الخياطات اللازمة وتم تحرير محضر بتلك الحادثة. 2-من بعد ذلك أصبح يعاملها بضيق وعصبية مريدا أن يصبح أبا متجاهلا شرط الزواج وأنه طالما تزوج يفعل ما يشاء. 3- تحت ضغط منا وحتى لا ينتهي كل شيء حملت. (فتوى رقم (1) هل له الحق في ذلك. 4- تم فصله من العمل بعد حوالي 6 شهور وبدأ يدفع المصاريف الشهرية شهرا ويؤجل شهرا حتى تراكمت ديون 12000$.واستلف 4700$ من زوجتي ثم من ابنتي 4000$ وكذلك من أخي 1000$ بالإضافة إلى 2000$ مصاريف فصل دراسي له. 5- قرر الرجوع إلى نيويورك وترك زوجته وابنته ووجد عملا مع العودة لزيارة زوجته وابنته متى شاءت الظروف مع التقتير في دفع المصاريف الشهرية معتمدا على أنني أعطي لابنتي ما تريد من سيارة ومصاريفها وكمبيوتر وباقي مصاريف المعيشة. 6- في إحدى الزيارات طلب من ابنتي أن تأخذ ابنتها وتذهب له في فندق ورفضت إلى أن يأتي ويأخذها وابنتها إلى أي مكان فقال لها إن لم تأت فاحضري مع أبيك للمركز الإسلامي لأطلقك لكني رفضت الذهاب مع ابنتي. 7- حضر ثاني يوم محاولا أخذ ابنته بالقوة معتديا على باب المنزل فطلبت له البوليس الذي ردته ابنتي محاولة ألا يعمل له محضر حتى لا يؤذى وتتأثر الإقامة في أمريكا. 8- امتنع عن النفقة ورفعت قضيه حكمت المحكمة عليه بدفع 463 $ نفقة لابنته شهريا دفعها شهرين. 9-تدخل بعض من الجالية محاولين إرجاع الأحوال كما كانت وجلسنا معا وقلت له إنني متنازل عن ديوني في مقابل أن تعامل ابنتي بحنان وإنسانية وتشعرها بالأمان. (فتوى رقم 2) الآن أطالبه بديوني لأنه لم يف بشرط التنازل عن الديون وامتدت يده على ابنتي وحبسها وأخفي أوراق سفرها وابنتها فاستغاثت ابنتي بالشرطة وتم حجزه يوم في قسم الشرطة وأصدر النائب العام في نيويورك بعدم الاقتراب من زوجته مدة عام حتى ينتهي من حضور فصل دراسي تابع للمحكمة الجنائية بنويورك للتحكم في نفسه عند الغضب ورفعت ابنتي قضية للطلاق من زوجها للضرر. 10- الآن: ا- يحاول أن يتهرب من الطلاق ضد شرع الله (ولا تمسكوهن ضرارا) صدق الله العظيم. ب- ويتهرب من مؤخر الصداق غير المكتوب في وثيقة الزواج الأمريكية فقط اتفاق بيننا وقرأنا الفاتحة عليه. ج - ويتهرب من الديون الغير مكتوبة ويقول إنني تنازلت ولا يجوز الرجوع. د - ويقلل من النفقة المحكوم عليه بها لابنته. هـ - ويحبسها في أمريكا حتى يستطيع زيارة ابنته حيث لابنتي حق الحضانة المطلقة لابنتها حتى يصل عمرها 18 عاما وللأب حق الزيارة جمعة وسبت وأحد كل أسبوعين حسب حكم المحكمة في ولاية كارولينا الشمالية والموثق من الخارجية الأمريكية والسفارة المصرية في واشنطن العاصمة للأمريكية. سيدي المفتى أفتني حتى أقدم هذه الفتوى للمركز الإسلامي لعلنا نصل لحل مع طليق ابنتي إن شاء الله ستحكم المحكمة لابنتي بالطلاق وهل الأحكام الصادرة هنا في أمريكا وموثقة من السفارة المصرية تأخذ بها المحاكم الشرعية الإسلامية في مصر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن إجمال الإجابة على تساؤل الأخ في النقاط التالية:
1- أما بشأن الشروط المشترطة على الزوج قبل الزواج فلا مانع منها، وقد اختلف أهل العلم هل تجب الوفاء بها أم لا.
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم 59904
2- ما حدث من الزوج من تهجم ومعاملة سيئة لزوجته مخالف لما أمر الله به من حسن العشرة بقوله وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19} وبقوله فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة: 229}
3- يلزم الزوج شرعا بكل ما تم الاتفاق عليه من صداق مقدم ومؤخر ومن مبلغ شهري مقابل سكنه وزوجته وابنته وتوابع ذلك.
كما يلزم الوفاء بما استدانه من مبالغ نقدية من الزوجة وأقاربها.
4- يجب على الزوج نفقة زوجته وابنته وذلك بحسب ما يكفيهما ويسد حاجتهما بقدر استطاعته. ويرجع فيها إلى الوسع والعرف.
5- للأب المطالبة بما له من ديون على الزوج عند عدم الوفاء بالشرط المذكور وهو معاملة الزوجة بمعروف وبإحسان، لكنه إن كان معسرا في الحال فإنه لا يلزم التسديد ولا الحبس، ينتظر حتى ييسر الله له ما يقضي به دينه. قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة: 280} .
6- للزوجة حق طلب الطلاق من الزوج في حالة عجز الزوج عن القيام بواجباته، وتضرر المرأة من وجودها مع زوجها.
7- يرجى إطلاع الأخ على الفتوى رقم 1213 لمعرفة موقف المسلم من التحاكم إلى المحاكم غير الشرعية في الطلاق وفي غيره، وأما موقف المحاكم المصرية من الأحكام الصادرة هناك فلا علم لنا به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(16/77)
القتل أكبر جرما من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أكبر جريمة القتل أم الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الجريمتين المذكورتين من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، ففي الأولى إفساد في الأرض وهدم لبناء الله تعالى، وفي الثانية انتهاك للأعراض وإفساد للأنساب، ومع هذا الاشتراك في عظم الجرم وقبحه فإن جريمة القتل أكبر من جريمة الزنا لقول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً. رواه البخاري، وراجع الفتوى رقم: 55926، والفتوى رقم: 9731.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(16/78)
لا ينبغي تجاوز العقوبات المحددة في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب عقوبة تعزيرية إضافة للحد لمن يقذف شخصاًً مع نشره بالصحف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقوبات المحددة لا ينبغي تجاوزها، ولا يجوز التنازل عنها إذا وصلت إلى ولي الأمر.
فمن قذف شخصا -غير زوجته- بالزنا فإنه يحد بثمانين جلدة، ما لم يأت ببينة قاطعة أربعة شهداء رأوه يرتكب الفاحشة الكبرى رؤية المرود في المكحلة والرشاء في البير، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:89] .
أما إذا كان القذف بغير الزنا أو بمجرد التشهير في وسائل الإعلام فإن عقوبة ذلك هي التعزير، والتعزير يكون باجتهاد الحاكم من السجن والجلد والتوبيخ.... وللمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتوى رقم: 17640.
وأما إذا كان المقذوف زوجة فالمشروع هو اللعان، وراجع الفتوى رقم: 1147، والفتوى رقم: 7424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1425(16/79)
الحقوق الشرعية المقررة لا تسقط بالتقادم
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحت أريد آية قرآنية تتعلق بالتقادم أي بمعنى آخر إذا شخص ارتكب جريمة ولم تطبق عليه العقوبة لأنه تمكن من الفرار منها فسقطت عنه الجريمة لفوات ميعاد رفع الدعوى عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد: فلا توجد آية تتعلق بما سألت عنه، والحكم الشرعي على خلاف ذلك، فالحقوق المقررة لا تسقط بالتقادم، ومن صدرت منه جريمة متعلقة بمال مسلم أو عرضه فلا تسقط المطالبة بها بسبب طول الزمن بل الواجب طلب العفو من صاحب الحق أو أداء المال إليه إن كان الحق ماليا لقوله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لايكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري وغيره.
وإن كانت الجريمة متعلقة بحد من الحدود الشرعية كالزنى أو قتل نفس معصومة أو جرحها فالواجب تطبيق ذلك الحد الشرعي ولا يجوز تعطيله ولو هرب الجاني ولجأ إلى البيت الحرام، قال الشيخ الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: وإذا لزم الجاني قصاص في نفس أو جرح ثم دخل الحرم فإنه لايؤخر لأجل ذلك ويقام عليه الحد في الحرم لأنه أحق أن تقام فيه حدود الله تعالى. انتهى
وإن كان الأمر يتعلق بمن يمارس الحرابة بقطع الطريق على الناس بالقتل والإخافة وأخذ الأموال فهذا إن تاب قبل القدرة عليه بأن جاء تائبا من تلقاء نفسه فيسقط عنه حق الله تعالى بالتوبة كما قال: [إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (المائدة:33)
[إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]
(آل عمران:89)
ولعل هذه الآيات هي التي عناها السائل، وقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره:
وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا فيه قولان للعلماء وظاهر الآية سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة. انتهى
أما حقوق الآدميين فلا تسقط عن المحارب ولو جاء تائبا قبل القدرة عليه قال ابن قدامة في المغني: فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقطت عنهم حدود الله وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها، لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور والأصل في هذا قول الله تعالى: [إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (المائدة:34)
فعلى هذا يسقط عنهم تحتم القتل والصلب والقطع والنفي ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(16/80)
رمي الممثلة الكافرة بالزنا لا يعتبر قذفا للمحصنات
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي هل يعتبر وصف الممثلة الكافرة أو النصرانية العربية التي تظهر في الافلام أو المسلسلات الأجنبية بالزانية , هل يعتبر قذف المحصنات؟
حتى اذا لم تقم بالزنا على الشاشة بل مجرد التمثيل وهى سافرة وغير محتشمة.
وإذا تكلمت هكذا لرجل ,هل هو قذف أيضا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقذف منه عام ومنه خاص وقد حد ابن عرفة كلا منهما بقوله: " القذف الأعم نسبة آدمى غيره لزنا، أو قطع نسب مسلم.
والأخص لإيجاب الحد نسبة آدمى مكلف غيره حراً عفيفاً مسلما بالغا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم.." انظر الدرديرى (4/325) .
ومن هذا التعريف يتبين أن من وصف غيره بالزنا يكون قد قذفه في المعنى الأعم للقذف، وأما باعتبار المعنى الأخص الذي يوجب الحد فلا، إلا أن يكون المقذوف حراً عفيفاً مسلما، ويستوي في هذه الصفات الثلاث الرجل والمرأة، ويزيد الرجل وصف البلوغ.
وبه تعلم أن رمي الممثلة الكافرة ليس من قذف المحصنات،
وكذا رمي الرجل الكافر بازنا.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(16/81)
الزواج بالمغتصبة لا يسقط الحد إذا رفع لولي الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لدي أسئلة مهمة أريد الإجابة عليها من قبل المشايخ الأعلام إن أمكن ولكن الشكر الجزيل كأمثال ... سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية سماحة العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بالمملكة، سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، سماحة مفتي الديار المصرية، سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، سماحة العلامة الشيخ أحمد كفتار، ومفتي الديار السورية، ونص السؤال هو كالآتي:
ما الحكم الشرعي في رجل محصن فجر بفتاة قاصرة غصباً، لو تزوج بها بعد ذلك للتحصل على عقد نكاح لكي يتخلص من الملاحقة القانونية فقام بطلاقها فهل إن حكم الله فيه يسقط بالزواج، هل يسقط بالتقادم، ما الحكم الشرعي في القوانين التي تخالف الشريعة صراحة، وهل تكون ملزمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا فاحشة من أقبح الفواحش وذنب من أعظم الذنوب، وفيه يقول الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32] ، ويكون الذنب أعظم والجرم أشد إذا كان صاحبه محصنا وفعله غصبا بمن هي قاصرة عقلاً أو جسماً.. ولهذا كانت عقوبة المحصن الرجم بالحجارة حتى الموت، وعقوبة البكر جلد مائة، وعلى من فعل هذه الجريمة أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى التوبة النصوح،الاستغفار والعزم الأكيد على ألا يعود إلى هذا الذنب فيما بقي من عمره، وعليه أن يستر نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ... من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ... رواه مالك في الموطأ.
وعليه مع ذلك أن يدفع صداق المثل لهذه الفتاة التي اغتصبها، ولا مانع شرعاً من الزواج بها إذا تاب إلى الله تعالى -كما أشرنا- بل إن ذلك مرغب فيه كما جاء عن بعض السلف الصالح، ويجب أن يكون الزواج بعد الاستبراء بحيضة للتأكد من عدم الحمل أو وضع الحمل بالنسبة للحامل.
والزواج بها لا يسقط عنه الحد إذا رفع أمره إلى ولي الأمر، ولا يسقط عنه حق المرأة إلا إذا عفت عنه وسامحته به، وكذلك التقادم لا يسقط هذه الأمور ... والحاصل أن على هذا الشخص أن يستر نفسه ويتوب إلى الله تعالى فإن من تاب تاب الله عليه، وله أن يتزوج هذه البنت إن شاء بالشروط التي ذكرنا، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 16312.
وأما القوانين الوضعية التي تخالف الشريعة فهي باطلة لا قيمة لها في ميزان شرع الله، لأن الله سبحانه وتعالى حرم الشرك به في الحكم والتحاكم كما حرم الشرك به في الاعتقاد والعبادة، فقال الله تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26] ، وقال الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف:67] ، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 34618.
وننبه السائل الكريم إلى أن المشايخ المذكورين لا علاقة لهم بهذا الموقع، فهذا الموقع تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(16/82)
قتل الساحر لا يتولاه آحاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قتل الساحر أو من يقومون بعمل ما يسمى ب (العمل) ،مع العلم أنه قد أفسد ما لايمكن إصلاحه وفرق ما لا يمكن جمعه،وأصبح الإخوة أعداءاً من بعد خرافاته وأكاذيبه التي يتقولها؟
أفيدونا وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السحر إذا ثبت على شخص بالبينة أو الإقرار أنه يتعاطاه أو يعلمه لغيره، فإنه على إمام المسلمين أن يقتله، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود أن عمر رضي الله عنه كتب إلى ولاته أن يقتلوا كل ساحر.
وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه.
ولا يستتاب ثلاثة أيام كغيره من المرتدين.
وإذا قلنا بقتل الساحر فإن من ينفذ ذلك هو ولي الأمر، وليس لأحد من أفراد المسلمين أن يقتل ساحراً لما في ذلك من الافتيات على الحاكم، وانفلات الأمن وانتشار الفوضى.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 15070، والفتوى رقم: 5960
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(16/83)
مرجع إقامة الحدود إلى الحاكم
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لدينا فقيه عظيم، كان ابن أعظم فقيه في بلوشيستان قتله بعض الخائنين وكانوا بلوشاً وهم خانوا المسلمين وقتله (رحمه الله تعالى وعذب قاتليه) بعض من القتلة قتلوا بعد، وإلى الآن قاتلان قد بقيا وأحدهما حديثا قد تزوج مع أحد أقاربنا، أريد سؤالك: هو قانوني في الإسلام مثل هذا الزواج (نكاح) ماذا نحن فاعلون ضد مثل هذا الصنف من الناس من كل الآخرين يعرفون أنه قد قتل الفقيه الشهيد، هل نسمح لمثل هؤلاء الناس أن تشارك في جملة العائلة أو الاجتماعات، هل نسمح بقتل هذا القاتل، من فضلك أرشدنا بالتحديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت عن هذين الرجلين أنهما قتلا هذا العالم ظلماً ولم يعف عنهما أولياء المقتول، فالواجب نصحهما وإرشادهما إلى تسليم أنفسهما إلى أولياء المقتول ليختاروا فيهما القصاص أو العفو إلى الدية أو العفو إلى غير الدية، فإن لم يفعلا فهما عاصيان ويعاملان معاملة العصاة، ولا بأس بإعلام الأولياء بهما ليختاروا فيهما ما سبق ذكره، ولا يجوز لهم قتلهما لأن مرجع إقامة الحدود إلى الحاكم، فلا يجوز الافتيات عليه ومن فعل ذلك فللإمام تأديبه لئلا تعم الفوضى والقتل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(16/84)
الحكمة من عدم وجود حد لمن تعامل بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة على رسول الله وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاسمحوا لي السادة العلماء أن أطرح سؤالي مأجورين كل خير: لماذا أقام الشرع الحدود على القتل والزنا والسرقة ولم يقمها على الربا مثلا مع أن ضرره يصل إلى المجتمع الإسلامي ككل، وكيف يعمل شخص يريد أن يطهر نفسه من كبيرة أرتكبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الله الحدود زجراً عن جرائم تشتد دواعيها في النفس البشرية، كالزنا واللواط وشرب الخمر أو جرائم يترتب عليها ضياع الدين كالردة أو فساد الدنيا كالحرابة والقذف والسرقة، والربا ليس فيه ما سلف من المعاني فكثير من النفوس تأنف منه وتترك التعامل به طوعاً لما فيه من ظلم الآخرين وأكل أموالهم بالباطل أو لما جربه الناس من شؤمه وضرره على حياتهم، عامة واقتصادهم خاصة حتى أن بعض البلاد الشيوعية منعته لما فيه من الضرر.
وكذلك، فالآثار المترتبة على الربا ليست كالآثار المترتبة على الردة أو الحرابة أو القذف أو السرقة، فلا شك أن آثار هذه الجرائم أخطر والفساد فيها أعظم، وبهذا اختصت هذه الجرائم بالحدود دون غيرها، وليس معنى هذا أن الربا معصية هينة بل هو جريمة خطيرة، وراجع الفتوى رقم: 11446، والفتوى رقم: 18488.
وإذا لم يكن في الربا حد فإن فيه تعزير فالتعزيراً ثابت في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، فلولي الأمر أن يعاقب المتعامل بالربا بما يراه رادعاً له ولأمثاله.
وأما كيف يطهر الإنسان نفسه من كبيرة ارتكبها، فالجواب: أن الطريق إلى ذلك هو التوبة النصوح، قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:39] ، وراجع الفتوى رقم: 28748، والفتوى رقم: 26714.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(16/85)
أهل البغي.. تعريفهم.. وأحكامهم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
أهل البغي.. ما معناها؟ وما السبب في تسميتهم بذلك؟ وما هي أهم أحكامهم في الدنيا؟ وما مصيرهم في الآخرة؟
وبالله التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبغي في اللغة: الظلم، يقال بغى على الناس بغيا، أي: ظلم واعتدى، فهو باغٍ، والجمع: بغاة، وبغى: سعى بالفساد، ومنه الفئة الباغية.
والفقهاء في تعريفهم للبغاة يزيدون بعض القيود على التعريف اللغوي.
يقول العلامة ابن عابدين رحمه الله من الحنفية: والبغاة هم -كما في الفتح- قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم، والمراد خرجوا بتأويل، وإلا فهم قُطَّاع. وفي الاختيار: أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل، يقولون: الحق معنا ويدّعون الولاية. اهـ
ويقول العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب: وهم الخارجون عن الطاعة لإمام العدل ولو جائرا باقتناعهم من أداء حق توجه عليهم بتأويل فاسد لا يقطع بفساده، بل يعتقدون به جواز الخروج؛ كتأويل الخارجين على علي رضي الله عنه بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ويقدر عليهم ولا ينتصر منهم لمواطأته إياهم. اهـ
ويبين زكريا الأنصاري بعض أحكامهم فيقول: ويجب قتالهم، فقد أجمعت الصحابة عليه، وليسوا فسقة كما أنهم ليسوا كفرة، لأنهم إنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم، لكنهم مخطئون فيه.
وأما في الآخرة، فهم تحت مشيئة الله تعالى كغيرهم من المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1424(16/86)
لا تتوقف التوبة وقبولها على إقامة الحد الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[اذا اخطا مسلم وشرب خمرا وأراد أن يتوب وكانت عقوبة شارب الخمر التي شرعها الله لا تقام، فما هو الحل كي يقبل الله التوبة دون القيام بالعقوبة التي نص عليها الله؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شرب الخمر من أكبر الكبائر، ولهذا جعل الإسلام عقوبته عظيمة في الدنيا والآخرة لمن لم يتب منها.
ولتفصيل ذلك نحيلك إلى الفتوى رقم:
10723
ولا تتوقف التوبة وقبولها على إقامة الحد الشرعي على من ارتكب معصية من العاصي التي يجب فيها الحد.
فينبغي لمن أصاب شيئا من ذلك أن يستتر بستر الله تعالى، وأن يبادر بالتوبة النصوح، ولو كان في بلد تطبق فيه الحدود، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي.
وإذا تاب العبد إلى الله عز وجل فإن الله تعالى يقبل توبته، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
فباب التوبة مفتوح لمن أراد الرجوع إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبة التائبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(16/87)
الجرائم التي رتب عليها الشارع عقوبات محددة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهي الأعمال المحرمة التي تتطلب إقامة الحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
... ... ... ... ... ... ... ... ... الذنوب التي توجب إقامة الحدود
الجرائم الكبرى التي رتب عليها الشارع عقوبات محددة سبعة في الجملة هي (القتل- الردة - الزنا- القذف- تعاطي المسكر- السرقة - الحرابة "قطع الطريق") ، وللفقهاء تفصيل كثير في كيفية إثبات هذه الجرائم وعقوباتها فننصح بالاطلاع عليه في كتب الفقه، ونذكر للسائل عقوبات هذه الجرائم اختصاراً:
1) القتل: ويدخله الفقهاء فيما يسمى بالجنايات، وهو نوعان: عمد وخطأ، وزاد بعض الفقهاء قسماً ثالثاً يسمونه شبه العمد، وهذه الزيادة هي الصواب للحديث الآتي: إلا إن في قتيل خطأ العمد ... .إلخ
أ- العمد: وعقوبته القصاص بالقتل، أو الدية وهي مائة من الإبل، أو يعفو أولياء الدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يفدي. متفق عليه.
والدية فيه مغلظة تشديداً وينظر لتفصيلها كتب الفقه.
ب- شبه العمد: وقد يسمى خطأ العمد أو عمد الخطأ، وهو أن يقصد القاتل إنساناً بجناية لا تقتل غالباً، كمن ضرب غيره بسوط أو لكمه. وعقوبته الكفارة على الجاني، والدية على عاقلته.. أي أهله من جهة أبيه. قال صلى الله عليه وسلم: ألا إن في قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل. رواه أبو داود والترمذي.
وكما تجب فيه الدية تجب فيه الكفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
ج- الخطأ: مثل أن يرمي صيداً بسلاح فيصيب إنساناً لا يقصد قتله فيقتله. وفيه الكفارة على الجاني والدية على عاقلته، وذلك لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92]
2) الردة: عن الإسلام بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فمن حكم بردته وجب قتله بعد الاستتابة ثلاثة أيام، وذلك لحديث: من بدل دينه فاقتلوه، ولا تعذبوا بعذاب الله. رواه البخاري، والمقصود بعذاب الله التحريق بالنار.
3) الزنا: [هذه الجريمة وما بعدها تسمى عقوباتها بالحدود] والزاني قسمان:
أ- البكر: الذي لم يطأ في نكاح صحيح، وعقوبته جلد مائة ونفي سنة، لقول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَة.... [النور:2] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. رواه مسلم عن عبادة مرفوعاً.
ب- الثيب: وعقوبته الرجم، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة المتقدم: والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. وقيل: لا يجب الجلد مع الرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية، ولم يجلدهما. وأحاديثهما في الصحيحين.
ج- اللواط: وهو داخل في معنى الزنا، واختلفوا في حد اللائط، والصحيح هو قتله بكل حال -محصناً أم غير محصن، فاعلاً أو مفعولاً- به بشرط أن يكون مكلفاً وألا يكون مكرهاً، وذلك لحديث: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس مرفوعاً.
وعلى ذلك إجماع الصحابة؛ وإن اختلفوا في صفة قتله، وهو مذهب مالك وأصح قولي أحمد ورواية عن الشافعي.
والزاني بامرأة من محارمه يقتل بكل حال، لحديث البراء الذي أخرجه أحمد والترمذي قال: لقيت عمي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله. وفي حديث آخر: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. أخرجه الترمذي وابن ماجه، على خلاف في هذه المسألة بين العلماء.
4) القذف: وهو الرمي بزنا أو لواط، أو الشهادة بذلك ولم تكمل البينة، وحده جلد القاذف ثمانين جلدة، كما في الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] .
فإن كان القاذف هو الزوج لم يقم عليه الحد بل يؤمر بالملاعنة مع زوجته، ولها صفة معينة مذكورة في الآيات 6-9 من سورة النور ثم يفرق القاضي بينهما.
5) تعاطي المسكر: وهو كل ما أذهب العقل أو أسكر كالخمر والمخدرات، وعقوبته ثمانون جلدة أو أربعون، لحديث حصين بن المنذر: أن علياً جلد الوليد بن عقبة في الخمر أربعين ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكلٌّ سنة، وهذا أحب إليَّ. أخرجه مسلم.
6) السرقة: إذا توفرت شروط وجوب الحد على صاحبها وجب قطع يده من مفصل الكف اليمنى، للآية: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً. متفق عليه.
7) الحرابة"قطع الطريق": وعقوبة قاطع الطريق مذكورة في الآية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33] على تفصيل للفقهاء في أحوال قطاع الطريق والعقوبة اللائقة بكل منهم.
ويلحق بما مضى نوعان:
الأول: المعتدون: يجوز دفع شرهم ولو أدى ذلك للقتل، فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. رواه مسلم.
الثاني: البغاة: الذين يخرجون على السلطان الشرعي بالسلاح ولهم شوكة وعندهم تأويل لخروجهم، وإن كان الإمام غير عدل، وهؤلاء يقاتلون، ويجوز دفع شرهم ولو بالقتل، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه. رواه ملسم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(16/88)
من فعل ما يوجب الكفر جاهلا أن هذا الفعل يكفر به
[السُّؤَالُ]
ـ[إننى أعلم أن على المرتد النطق بالشهادتين للعودة إلى الإسلام، وإذا فعل الإنسان شيئا مما ينقض إسلامه وهو غير منتبه، لأنه لم يخطر بباله أنه يفعل شيئا ينقض إسلامه، ثم علم، لأن أحدا نبهه، فهل يجب عليه النطق بالشهادة؟ وأنا أصدق بهذا ولكن تأتيني وساوس، فماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما كون توبة المرتد لا تكون إلا بنطقه بالشهادتين فصحيح إلا أن تكون ردته بجحد فرض أو نحوه، فتوبته لا بد فيها مع ما سبق من إقراره بما جحد، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 94873.
وأما كون من فعل ما يوجب الكفر وهو لا يشعر ولم يخطر بباله أن هذا الشيء مما يكفر به يجب عليه النطق بالشهادتين فليس على إطلاقه، فإن كان جاهلاً جهلاً يعذر بمثله لم يكفر، ولا يجب عليه النطق بالشهادتين، وقد بينا أدلة العذر بالجهل وكلام أهل العلم فيه، وذلك في الفتوى رقم: 75673، وبينا ضوابط العذر بالجهل فانظرها في الفتوى رقم: 111072 وما أحيل عليه فيها.
وأما إن لم تتوفر فيه شروط العذر بالجهل المبينة في الفتاوى المحال عليها، فإنه يحكم بكفره في هذه الحال ويجب عليه ما يجب على المرتد.
وأما هذه الوساوس التي تعرض لك فعلاجها الإعراض عنها وعدم الالتفات إليها وأن يرد المسلم ما أشكل عليه إلى أهل العلم الراسخين فيه، وأن يوطن نفسه على التسليم لأدلة الشرع والانقياد لها، وإذا ألقى الشيطان في قلبه شيئا من هذه الوساوس فليتعوذ بالله من شره وليقل آمنت بالله ثم لينته كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1430(16/89)
حكم بقاء الزوجية إذا ارتد أحد الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[حاليا أنا متزوج ولدي طفلان. قبل سنة 2000 كنت متزوجا من امرأة أخرى وأنجبت منها طفلا واحدا. ومنذ تلك الفترة ابني الأول يعيش مع أمه. مشكلتي: أن زوجتي الحالية قبلت بولدي الأول قبل زوجنا، ولكن بعد مرور أيام تغير موقفها اتجاه ابني، وأصبحت تعامله معاملة سيئة: الشتم والسب. وعندما علمت أمي بذلك الأمر فسدت العلاقة بينهما، وخاصة بعد إنجاب ابني الثاني. فمنذ تلك الفترة أصبحت تسبنا بأقبح الكلام وبالدين وبالرب-أستغفر الله- وترفع يدها علي وتضربني أحيانا. فالزوجة الأولى مقبلة على الزواج، فأردت أن أسترجع ابني الأول ولكن زوجتي الحالية رفضت رغم تدخل أهلي. فهي الآن تقوم بسبنا بأقبح الكلام وبالدين, وبالرب-أستغفر الله- وترفع يدها علي وتضربني أحيانا. فأدعو لها في صلاتي بالهداية، ولكن بدون نتيجة. فأنا الآن في حيرة. هل يجوز لي أن أطلقها أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ما ذكرته من أنّ زوجتك تسبّكم بالدين وبالرب، تقصد منه أنّها تسبّ الله والدين فهي كافرة مرتدة والعياذ بالله.
قال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا، وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه. اهـ
فلا يحل لك البقاء معها والحالة هذه، قال تعالى:.. وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ. {الممتحنة:10} .
وقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية إلى زوال عصمة الزوجية بمجرد ردة الزوجة، وذهب الشافعية والحنابلة في رواية، إلى توقّف الفرقة على انتهاء العدة، فإن تابت الزوجة قبل انقضاء العدة فالنكاح باقٍ.
قال النووي في المجموع شرح المهذب: وإن ارتد أحدهما بعد الدخول وقف النكاح على انقضاء عدة الزوجة، فإن رجع المرتد منهما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح. . اهـ
وسئل الشيخ عليش: (مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ سَبَّتْ الْمِلَّةَ هَلْ تَرْتَدُّ؟ فأجاب: نَعَمْ ارْتَدَّتْ بِسَبَبِ سَبِّهَا الْمِلَّةَ ; ... وَطَلُقَتْ مِنْ زَوْجِهَا طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْمَشْهُورِ. اهـ من فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك.
وأمّا إذا كانت زوجتك تسبّك بغير ذلك مّما لا يخرجها من الملّة، فإنّه يباح لك طلاقها.
قال ابن قدامة - في المغني عند كلامه على أقسام الطلاق-: والثالث: مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.
فلتنصح هذه الزوجة بالتوبة إلى الله، فإن تابت وصدقت في التوبة وعاشرتك بالمعروف، فلا مانع من إمساكها مع الحرص على التعامل معها بحكمة وعدم التفريط في حقّك في القوامة، وأمّا ضمّ ابنك من الزوجة الأولى إليك فلا يلزم زوجتك الموافقة على بقائه معكم إلا إذا كانت قد قبلت ببقائه معها عند الزواج، أو لم يكن هناك حاضن للطفل فحينئذ ليس لها الاعتراض.
قال الدسوقي المالكي: حاصله أن أحد الزوجين إذا كان له ولد صغير وأراد أن يخرجه عنه من المنزل فإن له ذلك ما لم يعلم به وقت البناء، فإن علم به وأراد أن يخرجه عنه فليس له ذلك، وما ذكر من التفصيل من أنه إذا علم به عند البناء فليس له إخراجه وإلا كان له إخراجه محله إذا كان للولد حاضن أي كافل يكفله وإلا فلا امتناع لمن ليس معه الولد أن يسكن مع الولد سواء حصل البناء مع العلم به أم لا. اهـ من حاشية الدسوقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(16/90)
حكم من سب الذات الإلهية وهو مصاب بمس شيطاني
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء، الرجاء، الرجاء، أن تردوا لنا إجابة بسرعة على هذا السؤال، لأنه تتوقف عليه حياة أسرة كاملة، علما بأن المشاكل إن تأخر قد تكون كبيرة جدا.
امرأة كانت مصابة بالمس الشيطاني، وشفيت منه قبل شهور، وحدث بينها وبين زوجها مشكلة، وسبت الذات الإلهية في المشكلة، فطلقها الثالثة، لأنها كانت مطلقة مرتين من قبل، وبعد المشكلة بساعات إذا المرأة تستيقظ في بيت أهلها وتقول من أحضرني إلى هنا، ولا تذكر عن المشكلة شيئا، وتنكر أنها فعلت مشكلة مع زوجها، فتبين أن المس الشيطاني قد عاودها، فهل يقع الطلاق في مثل هذه الحالة؟ أرجوكم الإسراع في الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يمن بالشفاء على تلك المرأة، وأن يجنبها كل مكروه.
وبخصوص ما تلفظتْ به من سب للذات الإلهية إن كان قد صدر منها وهي لا تعقل ما تقول، فلا مؤاخذة عليها ولا إثم، لارتفاع التكليف حينئذ. فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. رواه النسائي وغيره وصححه الشيخ الألباني. لكنها تحرم على زوجها إذا كان قد طلقها مرتين من قبل.
وإن سبت الذات الإلهية وهي تعي ما تقول فقد ارتدت عن الإسلام، كما سبق في الفتوى رقم: 8927. فإن كانت غير مد خول بها وقعت الفرقة ساعة الردة، وإن كانت مدخولا بها وقعت الفرقة ساعة الردة أيضا عند المالكية والحنفية ورواية عند الحنابلة، وعند الشافعية ورواية للحنابلة تتوقف الفرقة على انقضاء العدة، فإن تابت أثناء العدة رجعت لزوجها بدون عقد، ولحقها طلاقه أثناء فترة التوقف.
وعليه فلو كانت هذه المرأة متعمدة وتابت قبل انقضاء العدة فإنها مطلقة ثلاثا. وقد اختلف أهل العلم هل هذه الفرقة طلاق أم فسخ؟ فعلى أنها طلاق وهو مذهب المالكية فقد حرمت تلك الزوجة على زوجها بمجرد الردة وطلاقه لم يصادف محلا.
وعلى القول بكون الفرقة فسخا وهو مذهب الشافعية فالطلقة الثالثة نافذة إذا تابت في العدة كما سبق، وإن لم تتب إلا بعد العدة فله أن يتزوجها بعقد جديد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(16/91)
الحكم على معين بالردة وما يتبع ذلك من آثار لابد فيه من الرجوع للقاضي أو من يقوم مقامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أب له زوجة وأولاد وبنات، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية ولا يعجبه التزام أولاده بالصلاة والقيام، ويهددهم دائما بطلاق أمهم، ويقوم بطرد أصدقاء أولاده، ودائما يأتي شباب ليتزوجوا بناته فيرفض بحجة أنهم من تيار حماس ويلتزمون بالمساجد.
فما حكم ذلك الأب هل له طاعة أم لا؟ وهل يجوز الطلاق على زوجته؟ وهل يجوز للأولاد أن يزوجوا البنات دون موافقته مع العلم أنه يسب الذات الإلهيه ويشتم رسول الله، ويقذف النساء المسلمات، ودائما يتبول في المرحاض الذي نتوضأ به لنكون نجسين. فماذا نفعل؟ وما الحكم؟
نرجو الرد فنحن في أمس الحاجة إلى فتواكم فإنا مضطهدون منه. أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم الذي يسب الله جل وتعالى يكون مرتدًا عن ملة الإسلام، وينفسخ نكاحه من زوجته المسلمة، ولا يكون له ولاية على بناته، لا في تزويج ولا في غيره، قال تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. {النساء:141} . وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11705، 39575، 25611، 49123، 59146، 55776، 122087.
ويبقى لمن هذا حاله على أبنائه المسلمين حق البر والمعاملة بالمعروف، وانظر الفتوى رقم: 7154.
هذا عن حكم من يسب الله عز وجل أو يرتكب مكفرا، لكن الحكم عن هذا الشخص أو غيره ممن يصدر منه مثل هذه الأعمال بالكفر يحتاج إلى رفع أمره للقاضي أو من يقوم مقامه حتى لا تقع مفسدة أعظم.
ونوصيك ببذل كل جهد في سبيل دعوة والدك للتوبة والرجوع للإسلام، وانظر الفتوى رقم: 9726.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(16/92)
مسائل في الزوجة التي أسلمت ثم ارتدت
[السُّؤَالُ]
ـ[دعوت امرأة نصرانية من البروتستانت للإسلام وأظهرت حبي لها وعطفت عليها، وأظهرت لها الأخطاء الموجودة في الديانة النصرانية، وأهديتها نسخة الكترونية من معاني القرآن باللغة الروسية، وأكرمتها وعرفتها على كثير من الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في دين الله من الروس، وخلال تلك الفترة بينت لها أن المجتمعات النصرانية مجتمعات منحلة، وأن الله واحد وذكرت لها قصة عيسى بن مريم عليه السلام في الإسلام وإكرامنا له ولأمه.
وبعد شهر من تعارفنا جاءتني المرأة وأعلنت إسلامها بين يدي والتزمت بالحجاب الإسلامي الصحيح، والتزمت بصلاة الفرض والسنن، وتركت أهلها وسكنت مع أخوات مسلمات، وطلبت مني الزواج منها، وكنت أنا ممن ألقي المحاضرات على الإخوة المسلمين في المدينة حيث لله الفضل والمنة كان لدي علم قليل، وكنت ألقي عليهم التوحيد والسنة النبوية، وأدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة.
طلبت مني الفتاة الزواج منها كما وعدتها بأنه إذا أسلمت ممكن لي الزواج منها، وحيث إني أحببتها ولكني كنت مترددا لعدم ثقتي بأن إسلامها كان خالصا لله بل لحبها لي.
ولكن الإخوة نصحوني وأشاروا علي بأنه ممكن أن أتزوجها وأعطيها دروسا في المنزل فتقوم هي بإلقاء الدروس على الأخوات المسلمات. وأنا القي الدروس على الإخوة المسلمين، فتعم الفائدة، وفي نفس الوقت أستر على هذه المرأة المسلمة، وتزوجتها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكانت المرأة بكرا وتبلغ من العمر 24 عاما، وقد أعجبني التزامها بالحجاب الشرعي، ولكن كنت أريد منها الأكثر، وكنت أنصحها وأشدد عليها في بعض الحالات، لا بل وكنت أتضجر منها لكي تلتزم بأكثر من ذلك. سألتني مرة بأن هناك أفكارا تراود ها في بالها بأن المسيح هو ابن الله إلى حد الآن لم تخرج هذه الفكرة من بالها. فقلت لها إن هذا هو الشيطان يريد أن يردك إلى الكفر بعد أن أسلمت وتعلمت دعاء اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. وبعد زواجنا كانت تستمع إلى الدروس التي كنت ألقيها عليها لتعلم حقوق الزوج وتلقيها على الأخوات المسلمات باللغة الروسية وكان الأمر كذلك قرابة الأسبوعين.
طلبت منها تبديل رقم هاتفها ففعلت لكي تقطع الاتصال بصديقاتها من الكفار، ولكن مع الأسف اتصلت بإحداهن التي أعطت الأخريات رقم الهاتف.
وبعد هذه الأسبوعين أو الأقل حدثت مشكلة صغيرة، وكنت أفكر في حلول الرسول صلى الله عليه وسلم للمشاكل وكيف كان يتعامل مع زوجاته. وقررت أن أترك المرأة لمدة يوم واحد عسى أن تعود عن تصرفاتها وتتخلق بالأخلاق الإسلامية.
وعند انطلاقنا من البيت للدوام ذهبت أنا إلى دوام وهي إلى دوامها وكان الأمر اعتياديا، ولكن للأسف اتصلت بي بعد ساعتين لتقول لي اقرأ الإيميل العائد لك أنا لن أعود للمنزل!
وإذا بي أقرا الايميل لأجد أنها تقول إنها عادت إلى دين النصرانية، وأنها ما استطاعت أن تنسى أن المسيح ابن الله، وأنها ستسكن مع صديقتها في هذه الفترة، وأنها تعتذر مني وتقول إنها لم تجد مني أي إساءة، بل كنت رجل الأحلام التي تحلم به، وأنها لن تجد خيرا مني في حياتها، وهكذا حاولت مرارا بعدها إعادتها إلى الإسلام من خلال استمالتها وإظهار محبتها وتقبيلها حتى وصل الأمر إلى أني جامعتها مرة واحدة بعد ردتها، ولكنها تبكي وتقول إنها تحبني ولكن لا يمكن أن تعود إلي، وهذه كلها ذنوب ارتكبتها، وعادت إلى النصرانية وقالت لي إنها كذبت علي مرتين، إذ إنها التقت بصديقتها في الكفر التي عادت إليه، وكذلك أنها شاركت في مسرحية في الكنيسة بعد أن أسلمت ولكنها كانت ترتدي الحجاب في المسرحية.
كانت توقظني لصلاة الفجر، وكانت لا تقوم إلا بعد أن تكمل الأذكار، وكانت تعطي الدروس للأخوات وتقول إن باب الجنة هو إرضاء الزوج.
ولكن هذا الذي حصل.
السؤال مشايخي الكرام:
1- هل آثم إذا إنني حاولت جادا أن امتحن إسلام المرأة، وأن اتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكني أؤنب نفسي باني ما أحسنت معاملتها 100%.
2- هل آثم إذا أنا قبلتها وجامعتها بعد ردتها طلبا مني لعودتها لدينيها وعودتها لبيتها.
3- هل أتركها ولا أراسلها علما أن الموضوع مضى عليه شهر، واني خلال هذا الشهر لم أتوقف عن دعوتها إلى الله وبذل كل ما املك لعودتها.
4- هل انتقض العقد الذي بيننا وهي ليست زوجتي بردتها أم أنتظر حتى تنقضي الأشهر الثلاثة بعد ردتها علما أني بينت لها أن لديها هذه المدة قبل أن تنقطع العلاقة بيننا؟
5- علما أني متزوج ولدي ثلاثة أولاد ولله الفضل والمنة وزوجتي بعيدة عني في بلاد الإسلام لأني أدرس في بلاد الكفر؟
6- استخرت الله قبل كل فعل فعلته وقبل كل قول قلته ولكني أشعر بالذنب تجاه ردتها وأني مخطئ في معاملتي لها حيث إنني فكرت بالإسلام العربي وليس بالإسلام الغربي، ووالله ما أردت إلا كمالها وسترها ولكني تعجلت ذلك!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- فلا شك أن المسلم حديث العهد بالكفر يحتاج إلى نوع خاص من المعاملة، وإن من الفتنة له أن يعامل معاملة المسلم الأصيل الذي ولد وشب على الإسلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض. متفق عليه. جاء في شرح النووي على مسلم: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة، ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا. انتهى. فإن كان قد حدث منك نوع من التشديد عليها فعليك أن تستغفر الله منه.
2- أما ما حدث منك من جماع معها أو استمتاع بها بعد ردتها فهو حرام، ولا شك لأن النكاح يصير موقوفا بمجرد الردة إلى حين انتهاء العدة. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم: وإذا ارتدا أو أحدهما منعا الوطء، فإن انقضت العدة قبل اجتماع إسلامهما انفسخ النكاح ا. هـ
3- ولا مانع من أن تجتهد في دعوتها واستمالة قلبها طول فترة العدة، ولا حرج عليك من ذلك لأن النكاح لم ينفسخ بعد بل هو موقوف على انتهاء عدتها - على الراجح من أقوال أهل العلم - فإذا انتهت العدة فقد انفسخ النكاح. جاء في كتاب الأم للإمام الشافعي: فإن ارتد الزوج بعد الوطء حيل بينه وبين الزوجة، فإن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الإسلام انفسخ النكاح، وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة، فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها، وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهي ثابتة. انتهى.
علما بأن عدة المرأة التي تحيض ثلاثة قروء، والقرء هو الحيض على الراجح من أقوال أهل العلم.
وفي النهاية نذكرك بأمرين:
الأول: أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بضوابط سبق ذكرها في الفتوى رقم: 2007.
الثاني: أنه لا يجوز للرجل أن يفارق زوجته أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها ما لم يكن هذا لحاجة معتبرة، كما بيناه في الفتويين رقم: 10254، 110912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(16/93)
حكم عقد نكاح من حاول مضاهاة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ، كنت شابا عاصيا لله عز وجل، ثم خطب لي والدي إحدى قريباتي، وقمنا بعمل كتب كتاب المشكلة التي حدثت في يوم كتب الكتاب أنني قمت لأداء صلاة الصبح، ونويت التوبة، ففوجئت بشك في ديني وربي ونبيي يملؤني ويجعلني أغلي، فأمسكت المصحف وأخذت أقرأ وأبكي، فلم يزل الشك حتى إنني نسيت كل شيء عن إعجاز القرآن، وقلت إنه من الممكن أن يقول أي إنسان هذا الكلام، ثم خرجت إلى المسجد، وصليت الظهر صلاة مضطربة، ولم يزل الشك بعد، وصليت العصر وقرأت قرآنا، وطلبت من الناس الدعاء لي، ثم كتبت الكتاب في نفس اليوم، وبعدها بيومين حدث مني موقف آخر حيث قلت لنفسي إن سورة النصر غير معجزة، ويمكن أن أؤلف مثلها، وبالفعل بدأت بالتأليف ثم تركت هذا الفعل، وتبت توبة نصوحا، فعاد إيماني إلي، والسؤال هل نكاحي هذا باطل باعتباري كنت مرتدا أم أن ما حدث مني ليس بردة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مثل هذه الخواطر التي تنتاب قلب المسلم، وخاصة التي تتعلق بالذات الإلهية والقرآن، إنما هي من كيد الشيطان ليفسد على المسلم دينه، وعلى المسلم الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم إن حدثت له هذه الخواطر، وعليه أن يدافعها، وأن لا يسترسل فيها، ويجعلها تستقر في قلبه، فإن دافعها فإنها لا تضره ما دامت لم يترتب عليها قول أو عمل، بل إن مدافعته لها دليل على رسوخ الإيمان بقلبه، وقد أوضحنا كل هذا بأدلته بالفتوى رقم: 112217.
ويبقى الإشكال فيما إذا كان هذا الأمر قد استقر في القلب بل وترتب عليه عمل، كما هو حاصل هنا بمحاولة تأليف شيء مضاهاة للقرآن، فإنه يكون حينئذ كفرا أكبر مخرجا من الملة، وراجع الفتوى رقم: 38537. وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح. وحسنا فعلت حين بادرت إلى التوبة، فيمكنك الآن تجديد العقد. وننصحك بالاعتصام بالله تعالى والإكثار من ذكره وشكره وحسن عبادته، حفظك الله وحفظ لك دينك وأحسن لنا ولك العاقبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(16/94)
هل يعتبر مرتدا من يتكاسل في أداء الواجبات الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في سن المراهقة التزمت بالدين، ثم تكاسلت. هل أعد مرتدا أم لا؟
أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهداية والتثبيت على الحق, ونحذرك من الوسوسة في أمر الردة لئلا تقع في الحكم على نفسك أو غيرك بالردة من غير موجب, والخطب شديد وليس بالسهل, فاعلم هداك الله أن من ثبت إسلامه بيقين لم يزل هذا الحكم عنه إلا بما دل الشرع على أنه ناقض من نواقض الإسلام والتي بينها العلماء وأطالوا الكلام فيها, وننصحك بمراجعة رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (نواقض الإيمان) والإكثار من القراءة في كتب العقيدة الصحيحة لعلماء أهل السنة والتي تعصمك -بإذن الله- من أن يقع عليك خلط في هذه المسائل الدقيقة, وليس كل من سار على طريق الاستقامة ثم ترك شيئا من فرائض الدين وسننه صار بذلك كافرا، إلا ما كان من خلاف العلماء في أمر ترك الصلاة, فبعضهم يرى كفر تاركها، بينما يرى الجمهور أنه لا يكفر بتركها. هذا والذي ننصحك به هو مزيد من الثبات في الدين والتمسك به, فإن الاستقامة هي سبب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ففي حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: احفظ الله يحفظك.
ومما يعينك على المضي في طريق الاستقامة وعدم الاستسلام لما أصابك من الفتور، أو الكسل، كثرة دعاء الله عز وجل أن يثبت قلبك على دينه, وصحبة الصالحين وأهل الخير, وحضور مجالس العلم والذكر, والحرص على تعلم العلم النافع من أهله المعروفين به, ومجانبة المعاصي وأسبابها والتي هي أعظم قاطع عن الله عز وجل والدار الآخرة, وأن تزيد من الطاعات فإن الحسنات تلد الحسنات كما تلد السيئات السيئات, فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها, وعليك بمجاهدة نفسك وألا ترخي لها العنان فيما تحب, وأكثر من النوافل بعد الفرائض فإن هذا طريق نيل محبة الله عز وجل, نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(16/95)
بين ارتكاب المعصية والردة
[السُّؤَالُ]
ـ[في موقع على الإنترنت وجدت فيديو كانت تظهر على صورته الأولى نساء منتقبات، فترددت في فتحه حيث خفت أن يكون فيه استهزاء بالنقاب لقرائن تدل على ذلك، وفي فتحي له سوف يزداد الرقم في عدّاد مشاهديه، فتزداد حظوته، ولكن وسوست لي نفسي أن الأمر قد لا يكون كذلك، وأنهن قد يكن راقصات ففتحته، فإذا بهم يستهزؤون بالسعوديات، ففزعت لذلك وأغلقته سريعا وندمت ندما شديدا. هل فتح هذا الفيديو كفر؟ وهل من فعل فعلا كفريا عليه الغسل؟ علما وأن لي أسئلة كثيرة من هذا النوع والتي تقض مضجعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق لما يحبه ويرضاه.
ولتعلم أن ما وقعت فيه من فتح الفديو أو مشاهدته. ما كان ينبغي لك فعله، لكن إن كان محض خطأ منك فإن الخطأ معفو عنه ومرفوع عن هذه الأمة، كما دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، فقد قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه أصحاب السنن وصححه الألباني.
ولتعلم أن كفر المسلم ليس بالأمر الهين؛ فالمسلم لا يكفر إلا بلفظ صريح أو تعمد فعل لا يحتمل التأويل، وقد عرف أهل العلم كفر المسلم (الردة) بأنه: إتيان الشخص الذي تقرر إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد دل الشرع على أنه كفر. قال خليل بن إسحاق: الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار، وسحر، وقول بقدم العالم أو بقائه، أو شك في ذلك. ولذلك فإن ما وقع لك لا يعتبر كفرا، وإنما هو خطأ تستغفر منه الله تعالى.
وأما من فعل فعلا يكفر به، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن عمله قبل ذلك قد حبط فيبطل بذلك غسله ووضوؤه وكل أعماله، وذهب بعضهم إلى أنه لا يبطل إلا إذا مات على الكفر.
انظر تفاصيل ذلك وأدلته وأقوال أهل العلم فيه في الفتوى: 37185، والفتوى رقم: 68313.
وبخصوص أسئلتك فإن المركز يرحب بما تعلق منها بالأمور الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(16/96)
مصير ثواب العمل الصالح لمن وقع في الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني متزوج منذ ثلاث سنوات في السنة الأولى من زواجي صادفتني مشكلة جنسية ذات تأثير نفسي أدت إلى تأخير حمل زوجتي لمدة سنة. خلال تلك السنة ساءت حالتنا النفسية وكثيرا ما كانت زوجتي تتذمر وتطيل لسانها, وكنت أعذرها نظرا لتأثير المشكلة عليها مباشرة ونظرا لصبرها وتحملها المشكلة معي والسعي الحثيث لحلها. بعد سنه من الله علينا وعدت إلى حالتي الطبيعية ورزقنا بطفل بعد سنتين من زواجنا والحمد لله، المشكلة الآن هي أن زوجتي لا تزال تطيل لسانها لأتفه الأسباب كلما حدثت مشكلة بيني وبينها وتصل إلى حالة من العصبية لأن تنعتني بأفظع الصفات والتي لا يمكن لأي زوج أن يتقبلها وتطلب الطلاق بطريقة فظيعة كأن تقول أنت لست رجلا وليس لديك ذرة من الكرامة ولو كان عندك كرامة لما أبقيتني مع هذه الإهانات التي أهينك بها وغيرها من الكلمات, مما يستدعي أن أرد عليها بكلمات مماثلة, ولكن دائما هي المبادرة بإهانتي. وقد تصل إلى حالة عصبية يضيق فيه تنفسها وينقطع وصول الأوكسجين الى دماغها وتكاد أن تموت, مما يجعلني أقف مكتوف اليدين وأحاول إنقاذها وأهدئ من روعها. وعندما تعود لحالتها الطبيعية آخذ منها وعد أن لا تكرر هذا العمل, ولكن دون جدوى, فإذا ما تكررت المشاكل تكرر نفس السيناريو. المشكلة هي أنني في آخر مشكلة حدثت بيننا أدت بي لأن افقد أعصابي وأتفوه بكلمات كفر بالله ولا أعرف كيف نطقت بهذه الكلمات خاصة وأنني مداوم على الصلاة وقيام الليل ولم أتفوه بكلمة كفر واحدة طوال عمري غير هذه المرة. سألت إمام الجامع فقال لي أن كل أعمالي السابقة قد حبطت وأصبح رصيدي من الحسنات يساوي صفرا وأن علي أن أتشهد من جديد وأدخل دين الإسلام من جديد, وهذا الأمر جعلني محبطا فلا أعرف كيف السبيل إلى التوبة من هذا الذنب؟ ولا أعرف كيف السبيل إلى ضمان عدم تكرار ما يحدث بين الحين والآخر؟ أفيدي أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد تلفظت بهذه الكلمات الكفرية وأنت لا تعي ما تقول فلا إثم عليك ولا تكون بذلك كافرا، ولكن عليك أن تنتبه لخطورة الأمر وتتخذ من الأسباب ما يحول بينك وبين تكرره مرة أخرى، ومن هذه الأسباب أن تسأل الله تعالى العصمة من الزلل وكلمة الحق في الغضب والرضا كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم، وعليك بالحذر من الغضب والحرص على الحلم والتحلم.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب فردد مرارا، قال: لا تغضب.
وإذا طرأ عليك الغضب فاتبع الأدب النبوي في ذلك وقد بيناه بالفتوى رقم: 24820، ولا ينبغي على كل حال أن تقابل عصبية زوجتك بعصبية مثلها.
وأما إن كنت تلفظت بكلمات مكفرة وأنت تعي ما تقول فإنك تكفر بذلك وتجب عليك التوبة والنطق بالشهادتين ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 94873، والفتوى رقم: 57611.
ولا ينبغي أن تيأس من رحمة الله فمغفرته سبحانه واسعة لا يعظم معها ذنب، ومجرد الردة لا يبطل ثواب الأعمال السابقة على الراجح ما لم يمت صاحبها على الردة، وراجع الفتوى رقم: 73587.
ثم إن الحل ليس في التكاسل والقعود عن العمل فإن هذا ما يريده الشيطان ويرضيه، بل ينبغي بذل الوسع في المزيد من الأعمال الصالحة واكتساب الحسنات فإن هذا ما يريده الرحمن ويرضيه.
وأما ما ذكرت من تطاول زوجتك عليك وإهانتها لك فهذا أمر لا يجوز ويتنافى مع قوامة زوجها عليها وهو نوع من النشوز، وعلى كل فننصحك بالصبر عليها واتباع ما أرشد الله تعالى إليه في علاج نشوز المرأة وهو مبين بالفتوى رقم: 17322.
ثم إنه لا يبعد أن تكون زوجتك تعاني من شيء من الاضطراب النفسي فينبغي مراجعة بعض أهل الاختصاص من الأطباء.
وأما طلب زوجتك الطلاق فإن لم يكن له مسوغ شرعي فلا يجوز لها ذلك، وإذا أصرت على طلب الطلاق ورأيت طلاقها فلك أن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك، وراجع الفتوى رقم: 112611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(16/97)
سب الله تعالى كفر وحد القتل لايقوم به إلا السلطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مرضت من سب الله وعندما أستغفر أرجع أسب الله في الصلاة في أي مكان أريد أن يحكم علي بالموت أنا في الجزائر في قسنطينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الله تعالى إذا صدر من شخص عاقل مختار كفر بالله تعالى وخروج من الملة والعياذ بالله تعالى، ويجب على المسلم حمل نفسه على البعد عن هذه العادة السيئة التي تعودها بعض الناس من سب الله أو سب الدين عندما يغضبون، وعلى طلاب العلم أن يسعوا في توعية الناس بخطورة هذا الأمر ووجوب البعد عنه. فيجب عليك أن تتوب توبة صادقة من هذا الأمر وتحمل نفسك على البعد عنه. فراجع نفسك وانظر في حالك كيف تسب ربك الذي خلقك فسواك وصورك فأحسن صورتك ورباك فأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنه.
واعلم أن الحكم بالموت أو القتل على من سب الله تعالى أو ارتكب أية ردة في الإسلام قد نص عليه أهل العلم، ولكنه من العقوبات التي لا يطبقها إلا السلطان، كما أن توبة المرتد تقبل، فإذا تاب فإنه لا يقتل.
فاصرف عن ذهنك موضوع الحكم بالموت، وبادر بالتوبة الصادقة وابتعد عن هذه العادة الكفرية المشؤومة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17875، 23340، 71499.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(16/98)
حكم نشر المقالات والقصص المشتملة على الاستهزاء برب العالمين جل وعلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نشر مثل هذه المقالات وقراءة هذه القصص لهذه الكاتبة التي من المفترض أنها طبيبة والتي تسمى نوال السعداوي؟؟
فإن لها مسرحية والعياذ بالله تسمي (الإله يستقيل في اجتماع القمة) .....وحدث أنه على أحد المواقع قام أحد الناس بنقل مقالة تعرض تفاصيل هذه الرواية....وتدافع عن الكاتبة وتصفها بالشجاعة والثورية والتحررية وهكذا ولم أستطع وضع لينك أو وصلة لتحميل المقال كاملا لأن محرر النصوص لا يقبل كتابة حروف إنجليزية في وسط العربي وكنت قد أضفت هذا السؤال من قبل إلا أنني لست متأكدا من إضافته من عدمها كما أنه لم يصلني بريد برقم السؤال....فأسأل فيه ثانية لأن الأمر مهم وعاجل والله العظيم ...
وبسبب هذا المقال انقلب الأمر إلى سباب وشتائم ومشاحنات بين الأعضاء على الموقع.....فنرجو الرد سريعا لأن المشرف على الموقع يريد الفتوى حتى يستطيع أن يحذف الموضوع تماما وهو على يقين..
وهذا ملخص ما في المقال حتى ينجلي الأمر:
أمنية النجار من القاهرة: صدرت أخيراً الطبعة الثانية لآخر مسرحيات الكاتبة نوال السعداوي "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة" عن دار نشر "مكتبة مدبولي". المسرحية هي السابعة في سلسلة أعمال السعداوي المسرحية، بعد "إيزيس"، "الأطفال يغنّون للحب"، "الحاكم بأمر الله"، "الإنسان"، "الزرقاء" و"الصورة الممزقة". جميع هذه.
جزء آخر: لا شك في أن حياة السعداوي شهدت الكثير من المواقف الثورية، مما جعلها مدرجة على قائمة المطلوب إهدار دمهم لدى الجماعات الإسلامية من ناحية وعلى قائمة المعارضين السياسيين التقدميين من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أن آراءها كان لها دوي الصدمة الثقافية لدى المجتمع الذي جابهها بالكثير من النقد والهجوم والرفض. من هذه الآراء الصادمة مثلا تناولها المبكر منذ بداية عملها كطبيبة لقضية ختان الإناث والتي قلبت الدنيا ولم تقعدها، ونرى الآن بعد مرور عشرات السنين كيف تقبلها المجتمع واعترف بآثارها السلبية وخروجها على النصوص الإسلامية. الثمن الذي دفعته السعداوي كان ولا يزال ثمنا باهظا كلفها الكثير من الصراع والطرد من العمل والسجن والغربة والتهديد.
جزء آخر: لم تتحقق هذه الرغبة سوى في ليلة الرابع من تشرين الأول 1996 عندما كتبت مسرحية "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة" في بيتها بولاية نورث كارولاينا بعد مشاهدة مسرحية مستوحاة من روايتها "سقوط الإمام"، تمثيل الطلبة في جامعة ديوك. "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة"، مسرحية من فصل واحد وأربعة مشاهد، حوادثها عبارة عن حوار بين عشر شخصيات: سيدنا موسى، سيدنا عيسى، سيدنا إبرهيم، سيدنا رضوان، سيدنا محمد، ستنا حواء، السيدة مريم، بنت الله، إبليس، والرب الأعلى.
جزء آخر: في المشهد الأول الذي يبدأ بمونولوغ تتساءل فيه شخصية سيدنا موسى عن سبب عدم وفاء الرب الأعلى بوعده لشعبه المختار بني إسرائيل بتمكينهم من أرضهم من النيل إلى الفرات حتى تظهر شخصية سيدنا عيسى الذي يناجي أباه في السماء ويتساءل لماذا يبخل عليه بلقائه ويتحسر على الحال التي آل إليها الكتاب المقدس بعدما صار الناس يتركونه ويقرؤون كتبا يكتبها رجال ونساء ولا سيما النساء "الفيمينست" المنتميات إلى حركات التحرير النسوية. مونولوغ سيدنا عيسى يكشف تظلمه ضد الإله الأب الذي يقابل لهفة الابن بالصمت ووجود الأم بالتجاهل: "آه يا أماه اغفري ذنوب ابنك، لكنني يا أمي لم أكن أدرك وجودك، لم أكن أسمع صوتك، كان أبي يأمرك بالصمت، ويتكلم هو بدلا منك".
جزء آخر: حوار التظلمات في المشهد الأول يشهد اعتراض ستنا حواء على الدور المتقلص لها تاريخيا بينما يشكو إبليس تعبه من الوسوسة في آذان الناس ورغبته في تقديم استقالته، وتبرز فيه أيضا شخصية "بنت الله" التي تعرف نفسها إلى إبليس على أنها إنتاج خيال المؤلفة وتطالب بحقها في نسبها إلى الرب الأعلى.
ومعذرة لوقاحة الكلام ولكن كما ذكرت أن هناك أناسا يحتاجون الاستفتاء حتى في الواضحات ... وهم طلبوا فتوى صريحة من أحد العلماء أو المجمعات الفقهية.
فأفيدونا أفادكم الله على وجه السرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه هو أنه يحرم نشر أو قراءة مثل هذه المقالات والقصص التي تشتمل على الكفر بالله والاستهزاء به وتخالف صريح القرآن، والواجب هو التصدي لمثل هذه المقالات والقصص وأمثال تلك المرأة الكاتبة التي قد ضجت الأمة من أمثالها وأمثال أفكارها الكفرية.
وهذه المسرحية التي تسمى (الإله يستقيل في اجتماع القمة) ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، هي إحدى طامتها الكثيرة وهي عبارة عن سخافات تشمئز منها القلوب وتقشعر منها الجلود والشعور لما فيها من الاستهزاء والسخرية بالله عز وجل سبحانه وتعالى.
والله عز وجل قد كفَر من استهزأ بأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم فما بالك به هو سبحانه وتعالى، فقد قال رجل من المنافقين: ما أرى قرآءنا هؤلاء إلا أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله؟ إنما كنا نخوض ونلعب فقال أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم..... .
ولذلك أجمع العلماء قاطبة على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله صلى الله عليه وسلم كفر بواح يخرج من الملة بالكلية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه. اهـ.
ثم أضف إلى ذلك ما في هذه المسرحيات من تمثيل للأنبياء صلوات الله عليهم، وتمثيل الأنبياء حرام كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية فتوى رقم: 4723، ورقم: 10836. وكذا راجع في موقعنا الفتوى رقم: 10155، والفتوى رقم: 15691. لما فيه من تنقص منهم، وادعاء من أفسق وأفجر الخلق تبوأ مرتبة الأنبياء وتقمص شخصيات أفضل البشرية على الإطلاق، الذين اصطفاهم الله على العالمين لما علم سبحانه وتعالى أن فيهم من الفضل والكمال والنقاء، ولذلك فإنه يحرم نشر مثل تلك المسرحيات أو تلك المقالات التي الهدف من ورائها هو هدم العقيدة الصحيحة، وكل من شارك في نشرها فهو مشارك في الإثم، بل قد يكون إثمه أشد، لأن هذا إقرار منه ورضى بذلك، ويرى بعض أهل العلم أن الإقرار على المنكر أشد من فعل المنكر نفسه.
فعلى ذلك ننصح الإخوة القائمين على المواقع أن يحذروا كل الحذر من نشر مثل هذه المقالات الكفرية أو المسرحيات التي تخالف العقيدة الصحيحة للمسلمين، ولا يجوز لأي أحد أن يدافع عن ذلك.
فقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. (سورة المائدة:2) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(16/99)
حكم المرتد عن الدين بعد إسلامه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نريد أن نستفيد بعلمكم ومعرفتكم المتعمقة في دراسة القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه يطرح علي -منتلتي كنسلتنج- عدة مرات سؤال في أحوال مثل هذه رجل ألماني كان بغير دين أسلم وكان عمره 17 سنة، ليس بالغ النضوج حسب القانون الألماني وبعد أن تعمق في دراسة الإسلام غير أفكاره وخرج من الدين الإسلامي وأصبح مسيحيا وعمره 23 سنة، ثم بدء يبرر خروجه من الدين الإسلامي عن طريق نقده إلى نظام الدين الإسلامي كله وخاصة أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يزيد من خطر كفره، أنه لا يحتفظ بهذا النقد لنفسه بل يظهره إلى مسلمين آخرين ورجال من الإعلام في أوروبا، والسؤال الآن هو: ما حكم الإسلام عليه، فأرجو أن يكون ردكم بدلائل من القرآن والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا حكمه في الإسلام القتل بعد الاستتابة وهو حد المرتد ولا خلاف فيه بين فقهاء المسلمين جميعهم، بل قالوا إن الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي، وهذا الحد إنما يقيمه الإمام أو نائبه، واعلم أن من هؤلاء الكفار من يظهر دخوله في الإسلام ثم الارتداد عنه كيداً للدين وصداً عنه وتلبيساً على بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك، فقال: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {آل عمران:72} ، وعلى كل فمهما بذل هؤلاء من جهد ومكر فإن ذلك كله لن يطفئ نور الله، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 40113، والفتوى رقم: 33562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1429(16/100)
قتل الساحر.. ردة أم تعزيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقتل الساحر قتل ردة أم قتل الصائل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الساحر مسلماً واشتمل سحره على كفرٍ أو اعتقد عدم حرمة السحر فإنه يقتل ردة، وهذا محل اتفاقٍ، فإن لم يتضمن سحره كفراً بفعل أو اعتقاد فهل يقتل أو لا يقتل، وإن قيل بقتله هل يقتل لارتداده أو لإفساده في الأرض؟ وذلك بناءً على الخلاف في الحكم بكفره مطلقاً أو عدم كفره ما لم يأت بمكفر، فمن قال بعدم كفره قال لا يقتل ما لم يثبت قتله لأحد متعمداً فيقتل حينئذ قصاصاً.
ويفهم من كلام ابن الهمام الحنفي الذي يقول بعدم كفر الساحر بمجرد العمل بالسحر أن قتله إنما هو على سبيل التعزير، وأما من قال بكفره مطلقاً فإنه يقتل عنده لردته، ومنشأ الخلاف في هذه المسائل هو عدم وجود دليل صريح فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(16/101)
المقطوع بردته لا يورث ولا يدفن في مقابر المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيوخ الأفاضل، جزاكم الله عنا كل خير،
سبق أن بعثت إليكم برسالة طويلة حاولت من خلالها أن أوضح لكم حال أسرتي مستوفياً بكل الملابسات كي أصل إلى حكم واضح بخصوص وضعها الإيماني وكيفية التعامل معها، لكن جوابكم الكريم ما زادني إلا حيرة (مع بالغ تقديري لجهودكم طبعاً) . واليوم أطرح عليكم السؤال التالي راجياً عدم إطالة الجواب: إذا اجتمعت لدي أسباب كثيرة لأستنتج منها أن والدي ليس مؤمناً (مع الأسف الشديد) ، فهل يحق لي أن أرثه يوماً ما إذا سبقني إلى عالم البرزخ؟ وهل أقف مكتوف اليدين إذا كان سيقبر في مقبرة للمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا ثبتت ردة أبيك فليس من حقك أن ترثه، ولا له أن يدفن في مقابر المسلمين، وإن لم يُقطَع بذلك منه كان محكوما له بالإسلام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن جوابنا على سؤالك هذا لا يمكن أن يقع في فراغ، وإنما الواجب أن يبنى على الحال التي عليها أبوك من إسلام أو كفر.
فإذا ثبت أنه قد ارتد عن الإسلام ردة مقطوعا بها، ولم يتب من ردتة فإنك لا ترثه إذا مات قبلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. رواه البخاري ومسلم.
كما أنه لا يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 4437.
وأما إذا لم يقطع بردته فإنه يعتبر باقيا على ما كان عليه من الإسلام، وبالتالي يحق لك أن ترثه، وله الحق في الدفن مع قبور المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1429(16/102)
ما تفعله المرأة إذا صدر من زوجها ما يقتضي الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة متزوجة من شخص جديد العهد بالإسلام ياباني الجنسية، علما بأنه أسلم قبل زواجي به بسنتين وأنا الآن أعيش معه في اليابان -ومدة زواجي سنة و7 أشهر ولا يوجد أطفال- وهنا أظهر عدم رغبته بالدين ويتذمر من واجبات الدين والتزامي بالحجاب وغيره، زوجي أصيب بحادث خطير منذ 5 سنوات وإلى الآن يتعالج، وسوف يجرى له عمليه جراحية قريبا، مما أثر عليه جسديا وماديا فقد خسر عمله وإلى الآن من غير عمل وعلى أثر ذلك أصيب بمرض خطير وهو مرض نفسي وهو يتعالج عند طبيب خاص، ولكنه صرح بعدم إسلامه مرات عديدة، فهل يعتبر في حكم المرتد عن عمد أو المرتد في حكم اللاوعي بسبب مرضه النفسي، وأنا كزوجة أريد البقاء معه من باب وفاء الزوجة، لكن هل هذا في نطاق مرضاة الله؟ وهل ممكن أستمر على خدمته حتى لو ثبت ارتداده مع مراعاتي لعدم حدوث العلاقة الحميمة بين الزوجين، مع العلم بأنه لا يرغب بذلك بسبب الحالة النفسية، ساعدوني أريد الحلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ارتد وهو يعقل ما يقول أو يفعل تترتب عليه أحكام الردة من فسخ الزوجية وغير ذلك، فعليك أن تتأملي في حالة زوجك النفسية فإن تأكدت أن ما صدر من زوجك من الألفاظ أو الأفعال المقتضية للردة صدرت منه في حال وعيه فإنه يعتبر عقد الزوجية مفسوخاً، فإن تاب ورجع للإسلام جاز أن ترجعي إليه بعقد جديد، وإلا فأنت أجنبية بالنسبة له.
ومن أعظم ما يتعين عليك إيصاله له من المنافع أن تحرصي على هدايته وتوبته إلى الله تعالى قبل أن يموت على الكفر فيستوجب الخلود في النار والحرمان من الجنة، ولا يجوز لك البقاء معه في البيت قبل توبته وتجديد العقد، ولا تجوز الخلوة به ولا مسه لأنه أجنبي عنك.
وننصحك بالرجوع للمركز الإسلامي في اليابان لعلك تجدين هناك بعض العلماء حتى يتعرفوا وينظروا فيه هل فعل أو قال ما يقتضي الردة، ومن ثم يحكموا لك بالفسخ، وإذا تركتِه لله فسيعوضك الله خيراً منه لما في الحديث: أنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75818، 64881، 20203، 19650.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1429(16/103)
مصير أعمال من سب الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة غضب وإرهاق شديدين خلال شهر رمضان المبارك 2006 بسبب السفر والتعب وخلال نقاش طويل وملابسات ... زل لساني وسببت الدين بقول: ( ... دينك) لشخص أفقدني صوابي ولم أدر إلا وقد خرجت الكلمة ولا أذكر ما قبلها من سب، علماً بأني منذ وعيت لا أذكر أني قلتها. استغفرت الله فوراً واسترجعت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبكيت وندمت ... وتمنيت أن مُت قبل ذلك.
السؤال: ماذا علي وهل تضيع أعمالي السابقات لا قدر الله من حج وعمرة طوال السنين الماضية وأعمال الخير والبر؟؟؟ وهل علي حج الفريضة مرة أخرى رغم أني من المتنفلين بالحج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الدين جرم عظيم ويعتبر ردة كما بيناه في الفتاوى السابقة. 133، 11652، 17875، 29941.
وقد اختلف في المرتد هل يحبط جميع أعماله السابقة، ويجب عليه بعد التوبة أن يحج، أو أنه لا تحبط أعماله إلا إذا مات على الكفر.
والراجح عندنا أنها لا تحبط أعماله إلا إذا مات على الكفر، ولا شك أن الأحوط أن يحج مرة أخرى. وقد بسطنا الكلام على المسألة وذكرنا أقوال العلماء وأدلتهم في عدة فتاوى سابقة.
فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها:
9643، 37185، 55964، 48724، 49229.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(16/104)
موقف المسلم تجاه من نطق بالكفر أمامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقفي الذي يرضي الله ورسوله والذي يجب أن أتصرف به أمام شخص يكفر بالله والعياذ بالله أمامي لسبب تافه جداً، ما هو رد الفعل الذي يجب أن أقوم به وأتمنى لا يكون الرد من باب أضعف الإيمان، لأني والحمد لله لست بضعيفة الإيمان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كفر بالله بعد أن كان مسلماً يعتبر مرتداً عن الإسلام، ويتعين على من علم ذلك من الناس العاديين أن يسعى في توبته وهدايته وإنابته إلى الله تعالى، ويعظه ويحاوره حتى يقنعه قبل أن يموت على الكفر فيحبط عمله ويصير إلى النار، فقد قال الله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217} ، وقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ {النحل:125} .
وأما إذا علم به السلطان أو نائبه فيجب عليه أن يستتيبه ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتله، وقيل يستتيبه ما دامت ترجى توبته، فإن قنط منها قتل، ولكن قتله لا يقوم به إلا السلطان أو نائبه، وأما غير السلطان فليس لهم إلا المحاورة والجدل بالتي هي أحسن حتى يقنعوه بالتوبة والرجوع للإسلام.
وراجعي في شروط تكفير المعين، وفي حكم قتله الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53835، 721، 33562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1428(16/105)
حكم من لمس المصحف ويده نجسة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة كبيرة جداً وهي أنني قبل 3 سنوات لمست وتصفحت المصحف الشريف وكتبا دينية كثيرة تحتوي على آيات من القرآن الكريم ويدي نجسة, ولكنني تبت ونطقت بالشهادتين للدخول في الإسلام من جديد وأنا نادم جداً، أنا الآن خائف خوفا شديداً فكيف أصنع مع العلم بأن المصحف والكتب الدينية ليست لي بل هي لوالدي, فلو كانت لي لأحرقتها جميعها لأنه من المستحيل تنظيفها، فهل أعد بهذا كافرا لأنني لم أتصرف، فأفيدوني يرحمكم الله فأنا في حيرة من أمري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فملامسة المصحف الشريف والكتب الدينية بيدين متنجستين تتنافى مع تعظيم حرمات الله وشعائره، وقد قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ {الحج:30} ، وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32} ، ولكن هذا الفعل لا يعتبر ردة ما لم يكن قد فعل بدافع احتقار المصحف أو الكتب الدينية والاستهانة بها.
وعلى أية حال فما فعلته من التوبة هو واجبك، ونسأل الله أن يتقبل منك، علماً بأنه ليس من اللازم إحراق تلك الكتب لتطهيرها، بل يكفي غسل محل النجاسة عنها إذا كان في يديك بلل من النجاسة حين ملامسة الكتب، وهذا على تقدير أن النجاسة لم تخالط حروف المصحف، وأما لو كان العكس فإنه لا بد من حرق المصحف أو إزالة النجاسة عنه بالماء الطهور ولو أدى إلى ذهاب بعض الحروف على أن تعاد كتابتها بعد ذلك.
جاء في منح الجليل: وإن كتب مصحف بمداد متنجس محي بماء طهور أو أحرق. انتهى.
وفي هذه الحالة يجب أن تخبر أباك بالأمر ليطهر الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1428(16/106)
هذا الكلام لا يعتبر ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف شخصا ملحداً وكنت ذات مرة أتخيل حواراً بيني وبينه لإقناعه بوجود الله سبحانه وتعالى وكنت أتكلم بصوت واضح (أي ليس في نفسي) وكنت أول سؤال أطرحه هو أن أقول له: لو فرضنا أن الله موجود فهل تدري مقدار الخطر الذي أنت فيه؟ فهل نطقي بهذا السؤال وبتلك الصيغة كفر؟ مع أنني لا أقصد التشكيك في وجود الله، ولكنها كلمة خرجت من لساني دون تركيز، مع العلم بأنني أعاني من الوسواس في مثل هذه الأشياء وفي الكثير من الأحيان دائماً ما افترض حوارات مع أشخاص وأتفاعل معها وكأني أحاورها في الواقع، فأرجو منكم النصح والمشورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الردة هي شرح الصدر للكفر، ومن دخل في الإيمان بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، وعلاج الوساوس الإعراض عنها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام لا يعتبر ردة ما دمت موقناً بوجود الله ولا تريد التشكيك فيه؛ لأن الردة هي شرح الصدر للكفر ولكنه يتعين على المسلمين التحري في ألفاظه، وألا يجادل أهل الضلال إلا إذا علم قدرته على الرد عليهم، وأما الوساوس فعلاجها الإعراض عنها، كما أفتى به الهيتمي وغيره، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53241، 95053، 58741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(16/107)
حكم التعامل مع المرتد بيعا وشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت وأمي نبتاع إحدى الحاجيات فإذا بالبائع تعرض له قصة فيكفر بالله العظيم فقلنا له استغفر الله لكننا تابعنا الشراء على الرغم من أن حاجتنا لم تكن طعاماَ أو شراباَ إلا أننا لم نكن لنجدها عند غيره وقد فكرت حينها أن لا نشتري منه فراجعت نفسي وقلت لعله يعيل أهله وقد كان بائعا يبيع على رصيف، فهل كان علينا أن نرفض الشراء منه وإذا كان كذلك فما حكم ما اشترينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج في التعامل مع هذا الرجل بيعاً وشراء ما دامت المعاملة لا تشتمل على أمر محرم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
من كفر بالله فقد ارتكب إثماً كبيراً -والعياذ بالله- ومن سمع ذلك منه فإنه يجب عليه نصحه ودعوته إلى التوبة من هذا الذنب العظيم، وتذكيره بأنه إذا مات على ذلك دون توبة صادقة فهو خالد مخلد في جهنم لا يخرج منها أبداً.
وأما التعامل معه بيعاً وشراء فإنه يجوز -والله أعلم- لأنه لا يخلو من أن يكون كافراً أصلياً أو يكون مرتداً في بلد وزمن لا تطبق فيها أحكام الردة، فإن كان كافراً أصلياً فالتعامل معه جائز بلا خلاف، لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم من التعامل مع الكفار أهل الكتاب وغيرهم، وقد توفي صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير، كما في البخاري وغيره. وإن كان مرتداً في بلد وزمن لا تطبق فيها أحكام الردة فالذي نراه أيضاً هو جواز التعامل معه للأمور التالية:
1- أن طائفة من أهل العلم قالت بصحة تصرف المرتد، فقد جاء في الموسوعة الفقهية ما يلي:.... وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول عند الشافعية، لا يزول ملكه بردته، لأن الملك كان ثابتاً له حالة الإسلام لوجود سبب الملك وأهليته وهي الحرية، والكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي، وبناء على هذا تكون تصرفاته جائزة كما تجوز من المسلم حتى لو أعتق أو دبر أو كاتب أو باع أو اشترى أو وهب نفذ ذلك كله، إلا أن أبا يوسف قال: يجوز تصرفه تصرف الصحيح، أما محمد فقال: يجوز تصرفه تصرف المريض مرض الموت، لأن المرتد مشرف على التلف، لأنه يقتل فأشبه المريض مرض الموت. انتهى.
2- أن من يقول بأن تصرفات المرتد موقوفة وهم جمهور أهل العلم يقولون ذلك باعتبار أنه مقتول بردته أو راجع إلى الإسلام، وأما لو قيل بعدم قتل المرتد لما كان ثمت وجه لوقف تصرفاته، كما هو الحال في ردة المرأة في مذهب الحنفية، ففي الموسوعة الفقهية: ... وعند الحنفية لا يزول ملك المرتدة الأنثى عن أموالها بلا خلاف عندهم فتجوز تصرفاتها، لأنها لا تقتل فلم تكن ردتها سبباً لزوال ملكها عن أموالها.
3- أنه لا ثمرة في الامتناع من التعامل مع المرتد، طالما أنه متمكن من التصرف في أمواله، وليس ثمت أية جهة تستطيع منعه أو توقيف أمواله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(16/108)
حكم من قال إنه لا ينتمي إلى أي إله أو دين ولا يؤمن بهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولدي ثلاثة أطفال، وكان زوجي يصلي ولكنه انقطع عن الصلاة، ومنذ يومين كان يتحدث معي وقال لي ألفاظا تعتبر خروجاً عن الدين، فمثلاً قال إنه لا ينتمي إلى أي إله أو دين ولا يؤمن بهما ولا يهمونه، وأنا لم أعرف ما ينبغي علي أن أفعل هل أطلب الطلاق لمجاهرته بالكفر أم أصبر عليه وأطلب له الهداية.. صليت استخارة الليلة الماضية ولكن لم أر أي شيء، ف أغيثوني أغاثكم الله فالموضوع يؤرقني ويبكيني؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فقول زوجك إنه لا ينتمي إلى أي دين أو إله ولا يؤمن بهما ولا يهمونه كفر أكبر لا يجوز للمسلمة البقاء مع من يقوله، فيجب عليك دعوته إلى التوبة والرجوع عما قال وتجديد الإسلام، وإلا فتجب عليك مفارقته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوله زوجك من أنه لا ينتمي إلى أي إله أو دين ولا يؤمن بهما ولا يهمونه كفر أكبر والعياذ بالله، لما فيه من نسبة الكفر إلى نفسه وتنقص واستخفاف بالله تعالى وبالدين، وعليه فيجب عليك أن تطالبيه بأن يتوب إلى الله تعالى مما قال، وإلا يجب عليك أن تفارقيه أو ترفعي أمرك إلى المحكمة لتأمر بفراقك منه، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1845، 17792، 25611، 48551، 1061، 30275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(16/109)
هل يعود إلى الإسلام المرتد إذا صلى ونطق بالشهادتين في التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: المسلم الذي يخرج من الإسلام بسبب ارتكابه مكفرا (كسب الذات الإلهية) ، فهل يعتبر أنه عاد إلى الإسلام بنطقه للشهادتين في الصلاة (في التشهد) دون أن يقصد أنه يريد بها أن يعود للإسلام، أم أن عليه أن ينطق الشهادتين بنية العودة للإسلام من جديد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسب الذات الإلهية معصية شنيعة مخرجة لمرتكبها من الإسلام، كما تقدم في الفتوى رقم: 8927.
وإذا قام المرتد بأداء الصلاة حكم بإسلامه ولو لم يكن نطقه بالشهادتين أثناء التشهد بقصد العودة للإسلام، ففي أسنى المطالب ممزوجاً بروض الطالب الشافعي: ولو صلى حربي) المراد كافر أصلي، ولو (في دارهم لم يحكم بإسلامه) بخلاف المرتد، لأن علقة الإسلام باقية فيه والعود أهون من الابتداء فسومح فيه (إلا إن سمع تشهده) في الصلاة فيحكم بإسلامه، واعترض بأن إسلامه حينئذ باللفظ، والكلام في خصوص الصلاة الدالة بالقرينة ويجاب بأن فائدة ذلك دفع إيهام أنه لا اثر للشهادة فيها لاحتمال الحكاية. انتهى.
وفي الإنصاف للمرداوي الحنبلي: قوله (وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه) هذا المذهب مطلقاً، نص عليه. وعليه الأصحاب. وجزم به كثير منهم، وهو من مفردات المذهب. وذكر أبو محمد التميمي في شرح الإرشاد: إن صلى جماعة حكم بإسلامه، لا إن صلى منفرداً، وقاله في الفائق: وهل الحكم للصلاة. أو لتضمنها الشهادة؟ فيه وجهان. ذكرهما ابن الزاغوني. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(16/110)
حكم ولد المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتد مسلم عن الإسلام وولد له ولد فهل ولده يعتبر مرتدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الرجل مسلماً وولد له ولد من زوجته المسلمة ثم ارتد بعد ذلك فهذا الولد يحكم بإسلامه ويتبع أمه على الراجح، وإن كانت أمة كافرة فيحكم بكفره في الأحكام الدنيوية، أما في الآخرة فالمسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم، وإليك التفصيل ...
قال ابن قدامة في المغني: ولا يصلى على أطفال المشركين، لأن لهم حكم آبائهم، إلا من حكمنا بإسلامه، مثل أن يسلم أحد أبويه، أو يموت، أو يسبى منفرداً من أبويه، أو من أحدهما، فإنه يصلى عليه، قال أبو ثور من سبي مع أحد أبويه، لا يصلى عليه، حتى يختار الإسلام، ولنا أنه محكوم له بالإسلام، أشبه ما لو سبي منفرداً منهما. انتهى.
وفي نيل الأوطار للشوكاني: والحاصل أن مسألة أطفال الكفار باعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لاختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام، وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة، وأما باعتبار أحكام الدنيا، فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين هل يقتلون مع آبائهم؟ فقال: هم منهم. قال في الفتح: أي في الحكم في تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز.
وفي فتاوى الرملي الشافعي: فالصحيح أن أطفال المشركين محكوم بإسلامهم في الأحكام الأخروية وبكفرهم في الأحكام الدنيوية. انتهى.
وفي مطالب أولي النهى ممزوجاً بغاية المنتهى الحنبلي: أطفال المشركين) في النار نصا (ومن بلغ منهم مجنوناً معهم في النار) تبعاً لهم، ويحكم بإسلامه تبعاً لأبويه أو أحدهما وبموتهما أو أحدهما بدارنا، بخلاف من بلغ عاقلاً ثم جن، ويقسم للطفل أو المميز الميراث من أبيه الكافر أو أمه، لأنه كافر وقت الموت. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1428(16/111)
الغاية لا تبرر الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمدك حمد الحامدين ونصلي ونسلم على الحبيب المصطفى وعلى الآل والصحابة أجمعين، أما بعد شيخي الفاضل الداعية الإسلامي أما بعد: أنا شاب من الجزائر. ابلغ من العمر 20 سنة. عندي مشاكل عديدة ألاقيها في هذا البلد من طرف إخواننا المسلمين الذين يدعون الإسلام وهم يا شيخي الفاضل والله لا يملكون من الإسلام شيئا. عندي أبي عمل بالمناجم الجزائرية 41 سنة كلها أعمال شاقة والله شيخي الفاضل لولا الإيمان بالله ما بقي في ذلك العمل الشاق وهذا كله لا يوجد أي شخص جزائري عمل قرابة 41 سنة بالمناجم الجزائرية بل عمل فيها منذ أن كان عمره 17 سنة، تركته أمه وهو عمره 08 سنوات وافتها المنية. وكان أبوه فقيرا جدا لا يملك حتى قوت يومه. وكان لديه أخوات صغار فاشمأز أبي لذلك الوضع.أخرجه أبوه من المسجد وكان من الطلبة المتفوقين. لكن الحالة المزرية التي كانوا عليها أجبرته على العمل مهما كان الحال من أجل إخوته وأبيه، فتحمل تلك الأعمال الشاقة التي كان يعملها، وكان في ذلك الوقت الاستعمار الفرنسي بالجزائر. لأنه كان في ذلك الوقت هو الذي يتحكم في المناجم الجزائرية، بهذه المناسبة الطيبة أريدك يا داعية الإسلام أن ترى لي في هذه القضية الصعبة، أمامنا كان أبي دائما يجري على حقه لكنهم يتعبونه كيف شاؤوا وكان أبي إنسانا عاقلا يحتشم كثيرا ولا يقول الكلمة القبيحة أبدا مهما فعلوا فيه. وكنت أنا كذلك أجري معه وأنا في دراستي أترك بعض الأحيان الدراسة وأذهب إلى الأماكن الإدراية والوزارية للدفاع عن حقوقنا لكنهم والله لا يعطون لنا بالا أو أهمية، وقاموا بتزوير أوراقه مند سنة 1981 والله يا داعية الإسلام من ذلك اليوم وهم يأكلون أموالنا حتى اليوم، ذهبنا لأكبر المراكز الحكومية من أجل هذا الأمر لكنهم لا يبالون بشيء أبدا. وهو الآن يتقاضى منحة شهرية لا تتعدى/25000 دج. وهو من المفروض أن يتقاضى /150000 دج /شهريا. لكنهم يسرقونها شهريا مند سنة 1981 حتى إلى يومنا هذا. وها هو أبي أصيب بشلل نصفي وألقاه طريح الفراش من شدة هذا العمل البشري الذي يقوم به إخواننا المسلمين فغضب كثيرا لهذا الموقف الذي نحن فيه، والله أقول لك يا داعية الإسلام هذا المبلغ الذي يتقاضاه من منحة التقاعد والله لا يكفينا حتى من حيث الأكل، فنحن من عائلة متكونة من 07 أفراد زائد الأدوية الشهرية لأبي وحمله ونقله أسبوعيا إلى مراكز الرياضة العصبية بمبالغ مرتفعة، فازداد حال أبي مرضا من شدة الحالة المزرية التي نحن فيها، فأرجو منك يا داعية الإسلام أن تقبل مني هذا الطلب بكل احترام وتقدير، فعند بحثي لهذا الأمر وجت بأن الفئة التي تعتنق الديانة المسيحية لها القدرة على حل هذه المشكلة والإتيان بحقنا لكنهم يطلبون الاعتناق معهم في الدين المسيحي دون التحلي بالأخلاق المسيحية كالخمر والفواحش والزنا فعندهم كل إنسان حر في حياته.المهم عندهم يحضر إلى الكنيسة ساعات معدودة في يوم من أيام الأسبوع التي يعبدون فيها إلههم. لكنني يا داعية الإسلام أعرف دين الله حق المعرفة والله لن أرتد عن الإسلام حتى ولو وصل بي إلى القتل، فعندما يذكرون إلههم أنا أذكر الله في قلبي أي أني صورة أمامهم أتظاهر بأني معهم لكي أربح منهم حق أبي ودراستي بفرنسا لأنهم يملكون كل الوسائل والدراسات المتطورة والإمكانيات المساعدة على ذلك. فوالله أعدك يا شيخ الإسلام أني أحافظ على صلاتي وقيامي لكن خفاء لأنني إن ذهبت هناك فسأهتم بدراستي. وأعد نفسي والله لن أهتم إلا بدراستي وأتعلم اكبر عدد ممكن من اللغات من بينها اللغة (الانجليزية.الفرنسية. العبرية ... ) هذا كله من أجل نصرة الدين ونصرة الإسلام والدفاع عن حقوق الناس عند رجوعي إلى بلدي ومحاربة كل أنواع الفساد وأكل أموال الناس بالباطل، وأعدك يا داعية الأمة أنه عند الانتهاء من الدراسة هناك وأتمكن في دراستي أبتعد عنهم إطلاقا وأهتم بأمور بلدي وأمتي وتعليمهم أنواع اللغات التي تعلمتها هناك من أجل نشأة مجتمع مثقف يعرف أسرار عدوه وخططهم. فيا شيخ ويا داعية الإسلام أعطني رأيك الخاص في هذه القضية.
وأرجو أن تكون موفقا إن شاء الله تعالى..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على دينه، وأن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.
ولتعلم أنه لا يجوز الإقدام على ما ذكرت، ومن أقدم على مثل ما ذكرت مختارا غير مكره ولا مضطر خرج من الإسلام، وحالتك التي ذكرت ليست حالة إكراه أو اضطرار، والنية الحسنة والمقصد النبيل لا يغنيان شيئا، ومن يريد خدمة دينه عليه أن يخدمه بالوسائل الشرعية، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة، وانظر الفتوى رقم: 64120.
ولذلك فنحن ننصحك بتقوى الله تعالى والبعد عن هؤلاء القوم الانتهازيين الذين يستغلون غياب المسؤول وغفلة الحارس وتضييع الأمانة وحاجات الناس وضعف المظلومين ولهفة المضطرين وكل وسيلة غير شريفة حتى يجبروا الناس ويضطروهم لبيع دينهم بعرض من الدنيا الزائلة، ولتعلم أخي الكريم أن المسلم إذا خسر دينه فقد خسر كل شيء، وإن جمعت له الدنيا بحذافيرها، فما هي إلا أيام معدودة حتى يخرج من هذه الدنيا إلى الآخرة وإلى ما قدم، فما هي الفائدة أن يحصل الشخص على ما ذكر ثم يكون مصيره إلى الشقاء.. ومن يضمن له السلامة والثبات حتى يحقق ما يفكر فيه، على افتراض أن الأمر ليس بهذه الدرجة من الخطورة.
وقد قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى والآخرة خزفا يبقى لوجب على العاقل أن يختار الخزف الباقي على الذهب الفاني، فكيف والدنيا هي الخزف الفاني والآخرة هي الذهب الباقي.
ومرة أخرى نسأل الله لك الثبات على دينه والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 18097.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1428(16/112)
الجنين لا يحد
[السُّؤَالُ]
ـ[الجزء الثاني من السؤال 2152021
إن الذي لفت نظري هو العبارة المشار إليها أعلاه، حيث إنه قد يتبادر إلى الذهن أن حد الردة يطبق أيضا على الجنين، هل هذه العبارة المشار إليها صحيحة وثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟
وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الرجل كان أعمى ولم يكن يعلم أن أمته حامل؟
وإذا كانت هذه العبارة صحيحة، هل يمكن تفسير ذلك بأن الطفل لم يمت كما قال بذلك السيد / جمال عبد الرحمن [عضو في اللجنة العلمية لمجلة التوحيد التابعة لجمعية أنصار السنة المحمدية بمصر] قي مقاله المعنون "دفاع الأسرة عن نبيها":
http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=850&lang =
لا أقصد من سؤالي إثارة الشكوك حول أن الإسلام هو الدين الحق ولكني أردت الرجوع إلى العلماء حتى بوافوني بالرد الذي أستطيع به الرد على من يطعن بالإسلام.
وفقكم الله لما يحب ويرضى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث صحيح، وأما مسألة الولد فقد ذكر صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود أن الطفل لعله كان ولدا له والظاهر أنه لم يمت، ثم إن الجنين لا حد عليه، ولو أن زانية محصنة أرادت إقامة الحد عليها وهي حامل فإنها تؤخر حتى تضع وتفطم ولدها كما في حديث الغامدية، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 2388، 1845، 77625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(16/113)
شروط توبة المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أحب ديني ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت عندما أقول أي كلمة أذكر بعدها كلمة الله أو الدين أو ما شابه أقول في نفسي ربما أكون قد قلت كلمة كفر وأحاول التوبة والرجوع إلى الإسلام، ولكني لا أستطيع الندم عل ما فعلته مع أنني أحاول، فسؤالي هو: هل التوبة شرط من شروط الدخول في الإسلام للمرتد، وماذا أفعل إن لم أستطع أن أتوب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل يعني أنه يتلفظ بكلمة كفر، كسب الله تعالى أو سب دينه ونحو ذلك.. فإن من تلفظ بكلمة كفر عالماً مختاراً فإنه يكفر بذلك والعياذ بالله، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 72201 في بيان المرتد.
وأما هل التوبة شرط من شروط الدخول في الإسلام للمرتد ... إلخ، فجوابه أنه قد نص أهل العلم على أن توبة المرتد تكون بإسلامه، فإذا نطق بالشهادتين فقد دخل في الإسلام؛ إلا أن تكون ردته بسبب جحد فرض ونحوه فإن توبته حينئذ تكون بالنطق بالشهادتين مع إقراره بالمجحود به، قال في زاد المستقنع: وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن كفر بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قول: أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام. انتهى.
ولا يمكن أن تكون هذه التوبة صحيحة إذا كان المرتد مصراً على عمله الذي كفر به أو كان عازماً على العودة إليه أو لم يندم على فعله؛ لأن عدم ندمه دليل على رضاه به، فلا بد إذاً من توبة المرتد كي تكون صحيحة مقبولة عند الله تعالى من توافر شروط التوبة فيها من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، والندم عليه.
وعلى من وقع في الكفر أن يتوب إلى الله تعالى، ولا يقول: لا أستطيع أن أتوب، فإن التوبة أمر الله تعالى بها ومكن عباده منها وهي يسيرة لمن أرادها، ولا ينبغي للإنسان أن يغلق في وجه نفسه باب التوبة ويفتح عليها باب القنوط، فإن القنوط من رحمة الله تعالى دليل على الجهل بالله وبواسع رحمته، وباب التوبة مفتوح، والله يحب التوابين ويقبل عثرتهم، كما أن توهم عدم المقدرة على التوبة وسوسة من وساوس الشيطان ليحول بها بين العبد وبين التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1428(16/114)
من أحكام المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[أخى الكريم رأيت رجلا يتشاجر مع زوجته والسبب أنها كانت ترفض الجماع معه على حد زعمه فطعنها في شرفها وأنكر نسب أولاده وذلك تهديدا لها على حد زعمه أيضا عندما تواجها أمام أقاربهم وقالت زوجته إن الأولاد أرادوا تهدئتة وأقسموا عليه بالله أن يهدأ فسب الدين ورب الدين ومزق المصحف وألقاه في الحمام وقال أنا يهودي فقال ذلك من باب التهديد والحقد والغل أما هي فكانت تعمل لإطعام أولادها لأنه كان يتكاسل عن العمل عندما ترفضه وهي كانت ترفضه حقا أما البنات فانضممن لأمهن وكرهن أباهن بسبب عدم عمله أما أهلهم فأرادوا صلحهم. ... ... ... ... ... ... ...
السؤال ما الحكم في هذه الواقعة؟ وهل يجوز الصلح بينهم والرجوع إلى بيت الزوجية ويعيشان مع بعض كزوجين طبيعيين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم على أن من سب الله تعالى أو سب الدين، أو أهان المصحف، فإنه مرتد كافر كفرا مخرجا من الملة، وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وأنه يفرق بينه وبين زوجته. وإنما اختلفوا في الفرقة هل تحصل بالردة؟ أي فورا، أم لا تحصل إلا إذا انقضت العدة ولم يتب. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 25611.
كما أن من رمى زوجته بالزنا أو تبرأ من ولده إذا لم يأت بما يدفع عنه حد القذف فهو مستحق لعقوبة القذف المبينة في الفتوى رقم: 56172.
هذا من حيث الحكم الشرعي، أما من حيث تنزيله على الواقعة المسؤل عنها، فهذا من اختصاص القاضي الشرعي، فلتراجع المحكمة الشرعية في ذلك
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(16/115)
أقوال العلماء في زوجية من ارتد ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[اعذروني على الإطاله ولكني أود أن أشرح الموضوع بالتفصيل ليكون لكم معرفة بالموضوع بكامله
أفتونا في شخص كان يصلي ويترك وأراد التوبه فتاب وحاول المحافظة على الصلاة فكانت تأتيه وساوس في الدين وغير ذلك. في يوم من الأيام كان للأسف مسترسلا في وسواس فنطق بجملة مقتضاها كفر وربما كان مصدقا بها حين نطقها. أحس بالكفر ولم يصدق ما فعل فاستغفر الله ونطق الشهادتين وأعاد ذلك في منزله لشكه في صدق ايمانه وتوبته.
المهم أنه بعد ذلك بقي محافظا على الصلاة وتزوج وهو على خير من صلاة وإيمان..والله أعلم
بعد زواجه بفترة.. حصل منه أن أضاع الصلاة عدة مرات..فكان يتوب بأن يقول إن كان قد دخل في الكفر فهو يدخل الإسلام من جديد ومن ثم ينطق بالشهادتين (لايغتسل) ويقضي ما أضاع من صلوات.
لم يرض بالحال الذي هو فيه فأراد أن يتوب توبة نصوحا من ذنوب عديدة بحيث تكون هذه التوبة بداية جديدة لا يعود بعدها إلى إضاعة الصلاة وغيرها. لهذه التوبة ظن أن الطريقة الأولى لتوبته من قطع الصلاة غير خالصة حيث إنه يجب الاعتراف بالذنب فيجب أن يعترف بالكفر (حيث إن ترك الصلاه كفر) ثم ينطق بالشهادتين لا أن يقول كما كان يقول (_إن كان_ قد دخل في الكفر..الخ) – إضافة الى ذلك- تذكر هذا الرجل ما نطق من كفر قبل زواجه ولم يعلم إن كان تاب كما يجب بأن كفر أو رفض بما نطق وما إذا كان اغتسل بعد ذلك أم لا....فأراد أن يتوب مجددا مما نطق قبل زواجه في توبته الأخيرة مع الذنوب الأخرى.
كان الحل أمامه أن يحسب نفسه (ويعترف) أنه كان على الكفر حتى الآن ويدخل في الإسلام من جديد أو كأنه دخل الإسلام أول مرة في حياته (يرجو بداية جديدة بعيدة عن ذنوبه التي خلت) ... انتهى
س1 – بما تنصحون هذا الشخص إن كانت طريقة توبته خاطئة؟
س2 – هل الاعتراف بالكفر هنا (لا حبا ولا رضا فيه وإنما لغرض التوبة الصحيحة) مخرج من الملة وناقض لعقد الزواج؟
س3 – إن كان عقد الزواج قد انتقض. فكيف التجديد علما أنه لا يعلم عن ذنوب هذا الشخص أحد إلا الله ويظن الناس به خيرا -والله أعلم-؟ كيف يشرح سبب التجديد لزوجه وأهله من دون أن يجاهر بذنوبه؟
جزاكم الله عن المسلمين كل خير ووفقكم إلى الصواب في جميع فتاواكم واعذرونا على الإطالة.
نرجو منكم الرد بشكل خاص على البريد الاكتروني إلا أن تعلموا أن في نشر هذا في موقع الشبكه خيرا للمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد إذا أذنب ثم ندم وتاب توبة نصوحا تاب الله عليه وغفر له، ولا يطلب منه الاعتراف أمام الناس بل يعترف لله بذنبه ويستغفره ويستر نفسه, فقد شرع الله تعالى لعباده التوبة والإنابة إليه وحثهم عليها ورغبهم فيها, ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذنوبه فمن جملة ذلك قوله جلا وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 53 -54} وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى: 25} وقال الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70} وقال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110} وقال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله, فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار. رواه أحمد وهو صحيح كما قال الشيخ الألباني. وفي رواية البخاري.... وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. وفي حديث البخاري: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني, وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي, وأبوء بذنبي, فاغفر لي, فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. وفي الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهب ي. وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه.
وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام رحمهم الله تعالى. إذا عُلِم ذلك فإن التائب تتحقق توبته بخمسة شروط:-
الشرط الأول: الإخلاص, وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل.
الشرط الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الشرط الثالث: الندم على فعله.
الشرط الرابع: العزم على عدم الرجوع.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.
ولا يؤثر على التوبة مما مضى نكوص العبد ورجوعه للذنب بعد ذلك؛ لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبدا أصاب ذنبا, وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب: أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال:أصبت ذنبا قال:قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت؛ معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. وليعلم أنه ليس في الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله، وقد قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال تب، قال ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال تب، قال: إلى متى؟ قال إلى أن تحزن الشيطان.
وأما الوساوس التي تعرض للعبد فيجب عليه دفعها وعدم الاسترسال معها أو التمادي فيها، وذلك علامة من علامات الإيمان؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان.
وأما اعتراف العبد لله بما حصل منه وهو نادم عليه تائب منه فلا يكفر به ولا يخرج من الملة ولا تطلق به الزوجة.
وأما من يصلي أحيانا ويترك أحيانا فلا يكفرعند الجمهور، وإن كان على خطر عظيم لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة. رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وإن كان هذا الرجل قد اعتقد وقال ما هو كفر عند علماء المسلمين فإنه قد وقع في الكفر، لكنه لا يحكم بكفره حتى تستوفى شروط تكفير المعين، وتنتفي عنه موانع تكفير المعين كما هو مبين في الفتوى رقم: 721 والفتوى رقم: 14489، وننصحه بمقابلة أحد القضاة أو العلماء ليسمع منه ما قال ويفصل له موضوعه حتى يعلم هل يكفر بذلك أم لا؟ فإن ثبتت ردته فقد ذهب الشافعية والحنابلة في رواية لهم إلى عدم وجوب تجديد العقد على الزوجة المدخول بها إذا رجع إلى الإسلام وهي لا تزال في عدتها، وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى وجوب تجديد العقد. ففي الموسوعة الفقهية:
وردة أحد الزوجين موجبة لانفساخ عقد النكاح عند عامة الفقهاء بدليل قوله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة:10} وقوله سبحانه: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ {الممتحنة: 10} فإذا ارتد أحدهما وكان ذلك قبل الدخول انفسخ العقد في الحال ولم يرث أحدهما الآخر, وإن كان بعد الدخول قال الشافعية وهو رواية عند الحنابلة: حيل بينهما إلى انقضاء العدة، فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي العدة فالعصمة باقية، وإن لم يرجع إلى الإسلام انفسخ النكاح بلا طلاق. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو رواية عند الحنابلة: إن ارتداد أحد الزوجين فسخ عاجل بلا قضاء فلا ينقص عدد الطلاق سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده, وقال المالكية وهوقول محمد من الحنفية: إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق بائن. اهـ
وإذا أراد تجديد العقد فيمكن أن يتلطف في إخبار الزوجة ووليها بالموضوع فيخبرهم أنه حصل منه ما يوجب تجديد العقد ويوهمهم أنه تعليق للطلاق أو حلف بطلقة بائنة, ولا ينبغي لك أن تكذب ولكن بإمكانك استعمال المعاريض " التورية " فإن فيها مندوحة عن الكذب. فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. وقال عمران بن حصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواهما البخاري في الأدب المفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(16/116)
عقوبة المرتد وضوابطها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قتل المرتد عن الدين في هذا العصر، إذا كان الجواب لا، فلماذا يتم معالجة هذه القضايا بشكل يسيء للإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وقال صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري وغيره.
ولهذه الأدلة وغيرها أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على عقوبة المرتد وجمهورهم - بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرها - أنها القتل لصريح الأحاديث النبوية.
ولكن الحكم على المرتد لا يكون إلا من قبل القضاء الشرعي، والتنفيذ لا يكون إلا من قبل ولي أمر المسلمين، ولا يجوز الحكم على شخص معين بالردة أو تنفيذ الحكم عليه إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وفي حال توفر الشروط وانتفاء الموانع يجب على ولي الأمر أن ينفذ الحكم في أي عصر كان أو أي مصر بعد الاستتابة ثلاثة أيام، ومحاولة إقناعه بالرجوع إلى الإسلام بالجدال بالتي هي أحسن وإزالة ما عنده من الشبه, فإن لم يتب قتل، قال العلامة خليل المالكي في المختصر: واستتيب ثلاثة أيام بلا جوع وعطش فإن تاب وإلا قتل.
وذهب بعض أهل العلم إلى تأجيله بدون حد ما رجيت توبته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول:.... وقال الثوري: يؤجل ما رجيت توبته، وكذلك معنى قول النخعي.
هذا حكم المرتد عند جمهور المسلمين، فمن ثبتت ردته عن الإسلام وتمت إدانته بإعلانه بالردة, فقد أصبح عضواً فاسداً يجب بتره من جسم المجتمع حتى لا يسري مرضه في الجسم عموماً، ولأن الردة اعتداء على أولى الكليات أو الضروريات الخمس التي تواترت الأديان السماوية بالحفاظ عليها وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال.
ولا يوجد مجتمع في الدنيا إلا وعنده أساسيات لا يسمح بالنيل منها، والردة ليست مجرد موقف عقلي، بل هي تغيير للولاء وتبديل للهوية وتحويل للانتماء، فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه إلى أمة أخرى، وإلى وطن آخر، وللمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17707، والفتوى رقم: 13987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(16/117)
المرتدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الأشخاص يقول إن عدد من ارتد من الصحابة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم كان مائة وخمسين ألف صحابي أي ما يعادل ثلاثة أرباع عدد الصحابة كلهم ولقد كذبت هذا الكلام فهل هناك أرقام تقريبية عن عدد من ارتدوا وعن العدد الإجمالي للصحابة وهل نقول إن المرتدين كانوا من االصحابة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول غير صحيح لأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا محصورين بعدد معين معروف، وأكثر من ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من الأعراب ومن القبائل وأهل القرى الذين لم يصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتربوا على يديه، وإنما وفد عليه سادتهم وشيوخهم فبايعوه وأعلنوا إسلامهم وإسلام قومهم بين يديه، وبعض هؤلاء لم يكن مرتدا عن الإسلام بالكلية, وإنما أعلن العصيان على الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ورفض دفع الزكاة المفروضة، وقد رجع الجميع إلى الإسلام وإلى طاعة الخليفة وأداء الزكاة.
وبذلك يرجع شرف الصحبة لمن كان منهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يترتب على ردته سلب عدالته ما دام قد رجع مؤمنا هذا هو الراجح من قولي أهل العلم في من ارتد بعد الصحبة.
وأما العدد المذكور فغير صحيح قطعا لأن من عد الصحابة إجمالا لم يصل بجميعهم إلى هذا العدد، ولكن لا يمكننا تحديد من ارتد منهم لأننا لم نقف على من عده, ولأنه لا يترتب عليه حكم ولا ينبني عليه عمل، فالله تعالى حفظ دينه وكتابه بالسواد الأعظم من الصحابة الذين ظلوا متمسكين بدينهم ويجاهدون في سبيل الله حتى نشروه في أنحاء المعمورة، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 29901، للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(16/118)
حكم إجراء المسلم مراسم زواجه بالكنيسة وتعميده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم في طريقي للزواج من فتاة مسيحية, والزواج سيتم حسب الشريعة الإسلامية بدون تسجيله لعدم معرفة أهلها وإثارة المشاكل على أن نقوم بتسجيل زواج مدني لإرضاء أهلها واثبات الحال عند وجود أطفال. علما أني سألت عددا من الشيوخ وقضاة الشرع حول هذه القضية ووجدوا أن لا مانع من ذلك.
إلا أني أتفاجأ بأنها تطلب مني أن أتزوج بالكنيسة وأن أتعمد لإرضاء أهلها الذين يثيرون لها المشاكل فطلبت مني ذلك كونها ستتزوج على الطريقة الإسلامية أيضا.
السؤال: هل إقدامي على أن أتزوج بالكنيسة (بعد كتب الكتاب) لعدم إثارة المشاكل يجوز أو أكون مرتداً؟ مع العلم أني لن أعتد بدينها واتباع الطقوس بل المحافظة على دين الإسلام الذي هو شرط من الشروط التي اتفقنا عليها ووافقت عليه فيما بيني وبينها. الرجاء إفادتي بذلك كونه مصير حياتي ولا أريد إغضاب ربي ولا أريد أن أظلم احد.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حيث الأصل يجوز للمسلم الزواج من المرأة الكتابية إذا كانت عفيفة، ويلي نكاحها وليها الكافر، فإن لم يوجد تولى نكاحها أساقفتهم ونحوهم من الكفار، وراجع الفتوى رقم: 28962، والزواج من الكتابية وإن كان جائزا في الأصل إلا أنه لا يخلو من مخاطر قد سبق أن ذكرنا جملة منها بالفتوى رقم: 8674، فاجتناب الزواج منها أولى، ولاسيما في هذا الزمان الذي نعيش فيه.
وأما الذهاب إلى الكنيسة وإجراء مراسم الزواج هناك فلا يجوز؛ إذ لا يخلو ذلك -غالبا- من وقوع شيء من المنكرات التي لا يجوز للمسلم شهودها كطقوس النصارى الشركية وسماع الموسيقى ونحو ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 24157.
وأما التعميد فهو من شعائر النصارى الشركية، وقد سبق الحديث عنه بالفتوى رقم: 58157، فلا يجوز للمسلم الإقدام على فعل شيء من ذلك لما فيه من إقرارهم على الباطل والرضا بكفرهم، ومن فعل ذلك على هذا الوجه فهو مرتد. وراجع الفتوى رقم: 67869.
وخلاصة الأمر في زواجك من هذه الفتاة أن عليك أن تعرض عن ذلك بالكلية إذاأردت أن تسلم ويسلم لك دينك، والأولى بك أن تتزوج من امرأة مسلمة، وراجع الفتوى رقم: 34053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(16/119)
تعريف المرتد وما يلحق به من أحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: من هو المرتد؟ وماذا يلزمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرتد في اصطلاح الفقهاء هو الذي يكفر بعد إسلامه، وسمي مرتدا لأن الردة لغة هي الرجوع عن الشيء، فمن كفر بعد إسلامه فقد رجع عن الإسلام فهو مرتد.
ويلزم المرتد- وكل كافر- التوبة إلى الله تعالى والدخول في الإسلام من جديد، فإن تاب تاب الله عليه، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} فإن لم يتب فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري وأحمد، وانظر الفتوى رقم: 13987، والفتوى رقم: 41348، والفتاوى المرتبطة بها.
وقد بسطت كتب الفقه الإسلامي الكلام حول المرتد وأحكام الردة والمسائل المتعلقة بها مثل مسألة استتابة المرتد وهل هي واجبة أو مستحبة؟ وهل إمهاله ثلاثة أيام واجب أم مستحب؟ وبم تثبت الردة وبم تقع؟ وكيف تكون توبة المرتد؟ وغير ذلك من المسائل، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1427(16/120)
الاستهزاء بالإسلام ردة صريحة
[السُّؤَالُ]
ـ[1.أريد منكم جزاكم الله خيرا أن تساعدوني في إقناع أهلي بوحوب الصلاة في المسجد (الصلوات المفروضة) وذلك بتقديم الدليل على ذلك من الكتاب والسنة.
2.وأريد منكم يا أهل الذكر ويا أهل الدعوة إلى الله تعالى طريقة ميسرة أتعامل بها مع أختي التي تبلغ من العمر 30 سنة والتي صلت إلا قليلا، وهي الآن تاركة للصلاة، وحين أنصحها أو يجمعني معها حديث أو حوار ذو سمات إسلامية تثور وتقول: (نعود مرة أخرى إلى الإسلام وقول الله والرسول) وتغضب كثيرا وتقول غاضبة: (أنا اريد جهنم، أريد جهنم) اللهم قها عذاب جهنم التي ترغبها، فإني أراها من الجاهلين، المعرضين عن ذكر الله، بصراحة إن مرت في قنوات التلفاز على قنوات بها قرآن كريم مرت مسرعة، ومتباطئة وفرحة عند قنوات الأغاني المحرمة وما بها من فحش ومنكر والعياذ بالله.. وحين أستمع أنا إلى القرآن تراها ترسم على وجهها سمات الاستهزاء والسخرية، وأما إذا كنت أستمع إلى محاضرات أهل الذكر تراها تقول أغلق الصوت ودعنا من هؤلاء..
لم أجد حلا عمليا أطبقه معها، أنا أخوها وعمري 23 سنة ...
ساعدوني أرجوكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجماعة، والجمهور على عدم وجوبها، وأكثر القائلين بوجوبها قالوا لا يجب أن تكون صلاة الجماعة في المسجد، بل تجزئ في غيره، ولكن المفتى به عندنا والمرجح هو وجوبها في المسجد، وقد ذكرنا أدلة ترجيح هذا القول في الفتوى رقم: 5153، فارجع إليها.
وأما أختك المذكورة فقد ظهر من كلامها وتصرفها أنها لا ترضى الإسلام ولا تقبله بل تسخر منه وتستهزئ به وهذه ردة والعياذ بالله، فقولها: نعود مرة أخرى إلى الإسلام وقول الله والرسول، ووصفك لها حين سماعك للقرآن بأنك تراها ترسم على وجهها سمات الاستهزاء والسخرية، وهذا ردة صريحة لأن الله يقول: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65-66}
والواجب عليك دعوتها إلى الله عز وجل بالرفق والحكمة، وأن تبين لها أن ما صدر منها يعتبر ردة عن الإسلام، وأن الردة أعظم من الكفر الأصلي وأن صاحبها مخلد في النار، وأن الدنيا وشهواتها زائلة والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة إما في نعيم وإما في جحيم أبد الآبدين، وتحاول أن تسلط عليها من يستطيع التأثير عليها فإن رجعت إلى الإسلام فهو المطلوب وإلا فلست عليها بوكيل، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص 56} فالهداية الحقيقية بيد الله وما عليك إلا هداية الدلالة والإرشاد والتذكير، نسأل الله جل وعلا أن يمن على أختك بالتوبة النصوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(16/121)
مدى أثر الردة على الرابطة الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة لبنانية أرغب في الزوج برجل وكان عمري 16 سنة، وأعيش في بلاد الغرب بعيداً عن أهلي، وزوجي مسلم أيضاً، لكنه لا يكن للدين قدراً ولا احتراما، فإنه لا يطبق أي شيء من قواعد الإسلام، يقول إن هذا من الأمور القديمة التي لا مكان لها في عصرنا هذا، ومنعت من لبس الحجاب حتى وأنه يعاتبني ويقول لي أني مازلت طفلة صغيرة لا أعرف معنى الحياة الحقيقية، لأني أرفض شرب الخمر والذهاب إلى أمكان لا تليق بأي مسلم وليس فيها إلا المحرمات، فبعد 6 سنوات من الزواج معه صرت لا أطيق العيش معه، لأن كل هذا سبب لي المرض وأخشى على تربية ابنتي التي عمرها سنتان، فإن زوجي هذا يقول لي أشياء مهينة وأحياناً قبيحة، حتى إنه يقول لي (أنه يستحي لو أنه خرج معي لأني أرفض أن أشرب الخمر معه كلما أخذني برفقته إلى النادي -نادي العرب حيث يلتقي العرب بينهم-) ، ولكن لا أطيق أن أذهب إلى ذلك النادي بسبب وجود المحرمات وسباب الله وكفر بالكلام، فأنا الآن صرت متدهورة نفسياً وكل ما وجدت أمامي أن لا أن أفعل كل ما يقول طاعه له، وأخشى على صحتي وابنتي، فأطلب منكم أن تدلوني بالله عليكم ماذا أفعل، وهل من الناحية الشرعية يجوز لي طلب الطلاق من هذا الرجل الذي ليس فيه من الإسلام إلا الاسم، وكل ما هو متعلق بالدين فهو في اعتقاده شيء قديم لا يتماشى مع عصرنا هذا، ويعتقد أن كل من هو مرتبط بالدين، لا يعرف قيمة الحياة، الله المستعان، فدلني بالله عليك يا من أورثكم الله بهذا الدين والعلم الرباني وورثتم الأنبياء بهذا العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأمر كما ذكرت من أنه يعتقد أن تعاليم الإسلام غير صالحة وأنها رجعية وتخلف فهذا الرجل كافر مرتد عن الإسلام والواجب عليك فراقه فوراً ولا تحتاجين إلى طلاق بل يعتبر عقد النكاح منفسخاً بردته، وننصحك أن تتخلصي من البقاء معه بأي حيلة كأن تطلبي السفر بأولادك لزيارة أهلك ولو كلفك ذلك بيع ما تملكين من ذهب أو غيره، ثم تعلميهم بحالك وبالحكم الشرعي وترفعي أمرك للقضاء إن أصر على إرجاعك، وننصح باستشارة أهل العلم في بلدك الأصلي فإنهم أقدر على إيجاد الحلول المناسبة لواقعكم، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(16/122)
تزوجها بعد ما أسلمت ثم ارتدت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من مواليد 1977 من إحدى البلدان العربية.ذهبت إلى أوروبا للعمل بسبب قلة المال والعيش وعندما وصلت إلى المكان المطلوب. وبعد سنتين ونصف وقعت في الفساد والفحشاء وبعدها تعرفت على فتاة وجامعتها لمدة 4 أشهر وكانت تسكن معي أقصد الزنا لمدة 4 أشهر وبعدها فكرت في زواجها حسب الشريعة الإسلامية؟ وذات يوم سألتها لعلها أن تصبح مسلمة لكي أقدر على النكاح منها ... وقالت لا بأس بذلك سوف أكون مسلمة وبعد مدة قصيرة قالت نعم أنا مسلمة..وتزوجتها حسب الشريعة الإسلامية وبعد مرور سنة كاملة من زواجنا؟ لم يتغير أي شيء كالحجاب والصلاة وعدم الخروج لوحدها إلى آخره....عدا الشهادة فقط وأنها تؤمن بوحدانية الخالق وبرسول الله {صلى الله عليه وسلم} وفي يوم حصل بيننا التشاجر وضربتها وقالت سوف أخبر الجهات المختصة عليك ?وأقسمت بالله في نفسي وقلت إذا اشتكت علي سوف أطلقها وبعد ساعات لقيت رسالة من الشرطة لإلقاء القبض علي ?وبعد يوم من السجن خرجت ورجعت إلى البيت وتشاجرنا من جديد وقلت لها وأنا كنت غاضبا جدا أنت كذا كذا كذا ثلاث مرات وكان هذا قبل عشرة أيام من ولادة ابني وعند يوم الولادة اتصلت بإمام جامع لدينا هنا وشرحت له الموضوع وأجابني على أن لا أكرر هذا الكلام قط وأن أنسى كل ما حصل بيننا وقال لي يحسب طلقة واحدةـ؟؟؟؟ قبل شهر أو شهرين حصل بيننا التشاجر من جديد وكنت أرفع صوتي عليها وضربتها على وجهها وأخبرت علي الشرطة من جديد وقالت لا أريد زوجي وطردوني من بيتي لمدة بضعة أيام لكي تهدأ من غضبها وبعد يوم واحد رجعت إلى البيت فلم أجدها وفي المساء رجعت لتأخذ بعض الحاجات للطفل وعندما رأتني وأنا في البيت خافت قلت لها لا تخافي وبدأنا المناقشة والشيء الذي كنت أطلب منها كالحجاب وان تسمع كل ما أقول ?ولكن رفضت وذلك الوقت كنت غاضبا ?عندما أكتب كلمة غاضب هذا لا يعني كنت سعيدا من قبل لم أر أي سعادة بيننا حتى ألآن وعند غضبي كما ذكرت.قلت لها باللغة الانكليزية أنت كذا أنت كذا أنت كذا وكنت أعرف ماذا أقول وأنطق......وراجعتها من جديد والآن تقول لي أنا لست مسلمة لأنني لا أقدر على ما هو المطلوب مني في الإسلام.....مع العلم أن ابني 9 أشهر وزوجتي ما زالت معي أفتوني على سؤالي جزاكم الله خيرا ?ملاحظة صغيرة لو سمحتم أرجو من سيادتكم الإجابة بأسرع وقت ممكن وإرسالها إلى البريدي الإلكتروني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يجب عليك التوبة والاستغفار لإقدامك على ارتكاب فاحشة الزنا التي تعد من أعظم الكبائر وأقبحها، وقد توعد الله مرتكبها بالعقوبة في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة إذا لم يبادر العاصي بالإنابة إلى ربه ويكثر من الأعمال الصالحة، فإن فعل ذلك فإن الله سبحانه وعد التائب من الذنب بالعفو في قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه 82} وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وبخصوص زواجك من هذه المرأة بعد أن أظهرت إسلامها فيعد زواجا صحيحا إذا توفرت فيه شروط النكاح الصحيح من ولي وهو هنا كل مسلم إذا لم يكن لها قريب مسلم وشاهدي عدل وصداق، وبما أنك طلقتها ثلاثا فقد بانت منك بينونة كبرى، لا فرق في ذلك بين أن يكون في لفظ واحد أو غيره إذا لم يقصد به التأكيد على ما ذهب إليه الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم، وخالف الجميع شيخ الإسلام ابن تيمية وقال إنه لا يلزم من ذلك إلا طلقة واحدة.
فعلى مذهب الجمهور فلا يصح ارتجاع هذه المرأة بل ولا نكاحها حتى تنكح زوجا آخر، وعلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيصح ارتجاعها، لكنها الآن صرحت أنها ليست مسلمة وتكون بذلك مرتدة عن الإسلام، وبالتالي، فإن نكاحها أصبح باطلا.
هذا وننبهك إلى أمرين: 1- أنه لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 9644
2- أنه ينبغي للمسلم إذا أراد الزواج أن يختار ذات الدين والخلق كما أرشد إلى ذلك الناصح الأمين صلوات الله وسلامه عليه بقوله: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(16/123)
من أعمال الكفر: مظاهرة المشركين على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في مدرسة ثانوية أتانا رجل نصراني وتجرأ ودعا إلى النصرانية وبعد البحث وجدنا أنه أتى من مدرس مسلم بالمدرسة وعندما قلنا للمدرس لماذا أنت تفتن الطلاب به وتأتي به قال (لأنه يأتي إلى المدرسة بالهدايا وينفع المدرسة) وعندما جاء النصراني إلى المدرسة فإذا عنده منهج في الدعوة فهو في أول جلسه لم يتحدث عن ملته حتى يكسب قلوب الطلبة ثم ينشر دعوته والحمد لله أن العام الدراسي انتهى ولكن ماذا نفعل معه إذا جاء في العام القادم عبر المدرس الذي ينتسب إلى الإسلام أفيدونا رحمكم الله إنها فتنه أنقذونا منها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يتعاون مع المنصرين ويسهل لهم التواصل مع شباب المسلمين لإلقاء الشبه عليهم لفتنتهم عن دينهم رجل خائن للأمانة التي أنيطت بعنقه، مظاهر للمشركين على المسلمين، وعمله هذا عمل كفري مخرج عن ملة الإسلام، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
هذا بالنسبة لذلك المدرس الذي يمهد لدخول هذا النصراني إلى قلوب أولاد المسلمين ونشر دعوته وإثارة شبهاته فيجب عليه أن يكف عن هذا العمل وأن يسد بابه، وليعلم أنه عمل كفري كما قدمنا، ولا يسوغه ما يقدمه ذلك النصراني لخدمة دعوته، وصدق الله تعالى حيث يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ {الأنفال: 36}
أما أنتم فيجب عليكم منع هذا النصراني من الدخول إلى المدرسة وطرده منها، فإن كنتم لا تستطيعون ذلك فبلغوا السلطات وأولياء أمور الطلبة حتى يردعوا هذا النصراني عن عمله ذلك، وعلى المستطيع منكم أن يقوم بتوعية الطلاب بخطر التنصير وتحفيزهم للتمسك بدينهم والاعتزاز به وعدم التفريط فيه وتوعيتهم بمخططات الكفار وحقدهم على المسلمين، وأن الحرب مع الكفار هي حرب عقدية في الحقيقة وإن أخذت شكل الاحتلال العسكري.
كما يجب على الطلاب أن يعلموا أن النصارى واليهود كفار ومأواهم النار خالدين فيها أبدا، وأنهم لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2924، 5750، 7299.
وكذلك يجب تحذير الطلاب من خطر الردة وأن المرتد خالد في النار ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، وأن متاع الدنيا لا يقارب بعذاب الآخرة، وانظر الفتوى رقم: 14927.
ومن وسائل توعية الطلاب: توزيع المطويات الإسلامية التي تحذر من التنصير وتثير الحمية لهذا الدين ومنها:
- من رسائل المنصرين.
- صانعوا الخيام.
- التنصير يجتاح الجزيرة.
- 59 وسيلة لمواجهة التنصير.
- مصدر عزة المسلم.
- من لجراحات المسلمين.
وكل هذه الأشرطة للشيخ سلمان بن فهد العودة، وتجدها وغيرها على موقع طريق الإسلام على الإنترنت www.islamway.com
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 58129، 54174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(16/124)
معاملة البنت لأبيها الذي يسب الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل عن سب الدين إذا سب أحدهم الدين وهو محرم لابنته، فهل لا يجوز على ابنته الظهور عليه لأنه كفر وماذا على ابنته أن تفعل إذا سب الدين أمامها خاصة أنه يصعب عليها الإنكار؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يسب الدين مرتد كافر خارج من الملة بإجماع أهل العلم، وتشمله أحكام الردة إلا أن يرجع إلى الإسلام ويتوب إلى الله تعالى، وقد نقل ابن عبد البر في (التمهيد) عن إسحاق بن راهويه أنه قال: وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كاف ر.
وراجعي تفصيل ذلك في الفتاوى التالية: 133، 12447، 23340، 11652، 17875، 9880.
وأما معاملة أبنائه له، فهي معاملة الابن لأبيه الكافر، والتي ذكرها الله تعالى في قوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان: 14-15} .
فيجب عليك مصاحبته بالمعروف وصلته والإحسان إليه، ويجب عليك أيضاً دعوته إلى التوبة من هذا الذنب العظيم، الذي إذا مات عليه دون توبة، فإنه هالك لا محالة، لأن الكافر إذا مات على كفره فهو خالد مخلد في جهنم لا يخرج منها أبداً، نسال الله السلامة والعافية، وليكن نصحك له بلطف ولين، وتخيري الألفاظ الحسنة التي تظهر شفقتك وخوفك عليه من العذاب، وليكن لك أسوة حسنة في كيفية دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 7947.
وأما الظهور أمامه، فيجوز لأنه محرم لك، ولا يؤثر في ذلك كونه قد كفر بسبه الدين، لأنه لا فرق في أحكام المحرمية بين المسلم والكافر، إلا أن يكون فاجراً يخشى من اعتدائه على عرض محارمه، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 9863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(16/125)
جهل البشر بحكمة الله في قضائه ليس دليلا على انتفائها
[السُّؤَالُ]
ـ[يؤسفني أنني أكتب هذا التساؤل المرير، ولكنه حدث وما كنت أعتقد أنه سيحدث وهو: منذ عشرة أيام توفيت والدتي بعد أن مرت بثلاث أيام صعبة بسبب إصابتها بالجلطة الدماغية التي يسببها عادة مرض ضغط الدم وقد كنت طوال هذه الأيام الثلاث أدعو العزيز الحكيم أن يشفيها لحاجتنا لها وأهمية الأم في حياتنا ورغم الدعوات وتكرار الرجاء والطلب ألا أنها توفيت وتركت ورائها عائلة في أمس الحاجة لوجودها ودعمها ولا يتم ترابطنا إلا بوجودها مما جعلني والعياذ بالله أقول موجهاً كلامي لله بأنه لا يستحق أن يعبد طالما لا يستمع لدعائنا الحار ودمعنا المدرار، وبسبب هذا وجدت نفسي أتساءل من مغزى، قوله تعالي ادعوني أستجب لكم، فلماذا لم يرحم دموع أبنائها وحاجتهم لها ومن عميق حزني رفضت أن أعبده وحتى الصلاة تركتها وانزويت بأفكاري التي ترسبت أكثر مع كل يوم يمر علي وقع المأساة ولكنني الآن يأكلني الندم على ما اقترفت باللسان وترجمته الأعمال بتركي للصلاة طوال فترة العزاء أي 4 أيام الأولى وأتساءل ما هي حكمة الدعاء، ومتى يستجاب، ولماذا لا يستجاب طالما من قلب محزون ومحروق، وهل في موت والدتي حكمة هذه الكلمة التي يرددها الكثير ولم أجد لها تفسيرا، ربما ينقصني الوعي الديني أو أن هول المصيبة هز كياني، ولكن أريد أن أعرف كيف السبيل للتكفير على هذا الذنب الكبير وأعود لله ولا يداخلني شك أبداً فيه، أرجوكم الرد السريع فالقلب متعب والعقل يترقب ردكم الشافي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولاً ندعو السائل إلى التوبة إلى الله عز وجل توبة صادقة لما قاله في حق ربه عز وجل ومولاه، فإن القول بأن الله عز وجل لا يستحق أن يعبد قول كفر بإجماع المسلمين، بل هو أشد كفراً من كفر النصارى وغيرهم من المشركين فإن هؤلاء عبدوا مع الله غيره، وأما من قال تلك الكلمة فقد أبطل العبادة أصلاً، فالواجب عليك التوبة والندم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة.
ثم إنه وما أدراك أن الله عز وجل لم يستجب لدعائكم الحار ودمعكم المدرار، فإن استجابة الدعاء التي وعد الله بها عباده في قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} ، لا تستلزم إجابة عين ما دعا به الداعي، وإنما تستلزم أن يعطى بها الداعي الأصلح له من إحدى ثلاث بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، إما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد في مسنده.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: كل داعٍ يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه.... وذكر الحديث المشار إليه.
ثم إن إجابة الدعاء أيضاً لها شروط منها أن يكون الداعي طيب المطعم والملبس لحديث: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأني يستجاب له.
كما أن إجابة الدعاء بعين ما دعا به الداعي معلقة بالمشيئة ووعد الله بإجابة الدعاء علقه الله تعالى في كتابه بالمشيئة فقال: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ {الأنعام:41} ، ومشيئة الله تعالى تابعة لحكمته وعلمه، كما قال الله تعالى: إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {الإنسان:30} .
وإنما الذي يجعل العبد يتسخط على أقدار الله ويعتب على ربه سبحانه وتعالى هو جهله بربه وبأنه عليم حكيم رحيم، فليحمد السائل ربه على أنه لم يقبض روحه في تلك اللحظة التي تفوه بها بتلك الكلمة الشنيعة، وإن كان الله عز وجل قد أصابه بمصيبة ليختبر إيمانه فلم يصبر فليتذكر النعم التي أنعم بها عليه منذ أن كان نطفة في رحم أمه إلى أن صار لله في قدره خصيماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {العاديات:6} ، أي جحود يعد المصائب وينسى النعم.
وقول السائل (هل في موت والدتي حكمة..) فجوابه: نعم ونحن نقسم بالله على ذلك سواءً علمنا الحكمة أم لم نعلم، لأن الله عز وجل لا يفعل شيئاً من غير حكمة، وجهل العبد بالحكمة ليس دليلاً على انتفائها، قال الله تعالى: وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، ولعل من الحكمة أن وفاتها خير لها من بقائها، فلربما إذا طال عمرها ساء عملها، ولربما إذا طال عمرها لم تقوموا بواجب حقها عليكم فإن المريض في الغالب يُمَلُّ وإذا فعلتم ذلك استحققتم العقوبة بالعقوق وغير ذلك من الحكم التي لا يعلمها إلا الله.
وأما كيف السبيل إلى التكفير لهذا الذنب، فسبيل تكفير الذنوب هو التوبة وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وانظر الفتوى رقم: 5450 حول شروط التوبة، والفتوى رقم: 1145 حول ترك الصلاة، وانظر الفتوى رقم: 25874، والفتوى رقم: 13270 فيما يتعلق بالابتلاء، وانظر الفتوى رقم: 23599، والفتوى رقم: 11571 فيما يتعلق بالدعاء، ونسأل الله تعالى أن يوفق السائل للتوبة الصادقة النصوح وأن يرحم والدته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(16/126)
التكلم بما هو ردة جاهلا أو بغير قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أقع فى الردة إذا قلت مثلا \"النائم يأكل أرزا مع الملائكة\" أولا: إذا كانت عن جهل، ثانيا: إذا إني أقولها دون قصد وأحاول أن أبطلها، فهل تعتبر ردة قولية، فأنا أعلم أن الملائكة لا تأكل، أفتونا جزاكم الله خيراً، لأن هناك من يكفر المسلم بهذا القول ويفرقه عن زوجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تكلم بما هو ردة جاهلاً بالحكم أو دون قصد أو حاكيا له ليبطله لا يحكم بردته، لأن الردة التي يكفر بها المسلم ويفرق بها بينه وبين زوجه هي شرح صدر الإنسان للكفر، ويدل لذلك قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106} ، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: مع إحالاتها: 21800، 721، 57445.
ومن المعلوم أن كون الملائكة لا تأكل مما قد يخفى على كثير من الناس؛ لأنه لم يرد منصوصاً في الوحي، وإنما استنبطه أهل العلم من قول الله تعالى في الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ {الأنبياء:20} ، ووجه الاستدلال بها أنهم إذا كانوا مشغولين بالتسبيح طيلة الوقت فمعناه أنهم لا ينشغلون عنه بأكل ولا نوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(16/127)
الضحك عند الاستهزاء بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بالله عليكم أجيبوني بأسرع وقت بالله عليكم. هل من ارتد عن الدين وأراد الرجوع إلى الإسلام عليه الغسل لكي يعود إلى الإسلام؟ وهل إذا أحد سخر من الدين أو من أنبياء الله وأضحكني بسخريته فحاولت كبت الضحكة ولم أستطع فهل أنا مرتد؟ بالله عليكم أجيبوني بالله عليكم بالله عليكم أجيبوني بسرعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاغتسال ليس شرطا في صحة توبة المرتد كما سبق في الفتوى رقم: 58097.
أما الاستهزاء بالدين أو الأنبياء فهو كفر مخرج من الملة، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1845، 26193، 48790 فليرجع إليها، ولا يتجرأ على هذا الفعل إلا من كان قاسي القلب قد استحكمت غفلته لا يخاف الله ولا يراعي حدوده.
وعلى المسلم أن ينكر هذا المنكر العظيم ما استطاع، ولا يجوز له الجلوس مع من يتجرأ على هذا الفعل لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140} قال ابن كثير رحمه الله: أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال تعالى: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ في المأثم. اهـ.
فيخشى أن يكون الضحك على مثل هذا الكفر وعدم نهي المستهزئ رضا وإقرارا وهو ينافي إنكار القلب الذي لا إيمان بعده كما في الحديث الذي رواه مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، وراجع الفتوى 1048، والفتوى رقم 9358.
أما إذا كان الضحك هجم عليك رغما عنك أو ضحكت على هيئة وشكل المستهزئ أو كان القول ليس استهزاءا صريحا ولا تنقصا بالدين وبالأنبياء ففي هذه الحالة ليس كفرا ولكن يلحقك الإثم لعدم إنكارك عليه، فعدم الإنكار عليه فضلا عن الضحك أمارة على ضعف الإيمان، إذ لو كان الإيمان قويا لعظم عندك الإنكار والغضب لله عز وجل بما يكون له أكبر الأثر في منع الضحك، وراجع الفتوى رقم: 37125، 42714.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(16/128)
الاستهزاء بحملة الدين وعلماء الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقع على الإنترنت هذا المقال وأنا أعرف كاتبه فهل هو كافر، وما هو واجبي في التعامل معه، المقال \"الله أكبر ... الله أكبر
هذا ما سمعته ظهراً والشيطان كما يزعمون يسابق العقل إلى التقلي والإنصات، وكل ذنب يجتنيه من الشيطان، حتى جعلناه يشاركنا في الاعترافات، قال المجتهد:
فإن أخطات فمن نفسي والشيطان
وأدركته قبل أن يقول: (وإن أصبت فمن الله) ، اشترطنا الجهل حتى غدونا نتمناه هروبا من المواجهة، الشمس في كبد السماء تميل إلى برجها الفلكي وتجعل ظلي دائرة أنا بالقرب من مركزها، المسجد ورائي والمنزل من أمامي وكل مراكب الهداية أغرقتها لكي لا أعود إلى يابسة الالتزام التبعي، بدأت أنكر كل ما حولي حين توقفت الساعة على معصمي وأنا أنتظر موعد القبول لمقابلة فضيلة الشيخ، سؤال كنت أعتقد أنه سينقذني من عذابه بإجابة يجتهد بها حتى وإن شاركه الشيطان في صنعها، فما دام الأجر حاصل له في كلا الحالتين فلماذا يحرم نفسه ليحرمني الخلاص..! دخلت وعيني تنتظر الشخوص في هالاته، كم أسمع عن حضرته الملائكية، تطبع المكان بروحانية مضيئة، ولكن الغشاوة كانت أسبق إلى خنقي، ضباب من الدخون المعطر وإن خلا من النيكوتين ملأ رئتي بأول أكسيد الكربون، مسببات السرطان لا تختلف في نكهاتها وعبائرها.
أخذت أتلمس بأقدامي الطريق إلى قربه المبجل، أترنح بنشوة الأعبقة التاريخية، هل كنت أمشي في كتاب عباسي أو أموي، لا أعلم فكل شيء يشير إلى ذاك العصر حيث توقف الاجتهاد، التقطت أذني صوت النقر على الكي بورد، اقتربت لتضيء ملامحي بركات السيد بيل جيتس بخلفية الويندوز الزرقاء، تلك السماء الإلكترونية تبقينا هادئين أمامها مأسورين بسحرها، وتجتهد لي وللشيخ حتى غدا من عبادها المخلصين.
أشهد أن لا إله إلا الله ... أشهد أن لا إله إلا الله
سراب الإزفلت يتلألأ يناديني للحاق به، لا أراه إلا أمام باب منزلي.. لا ألتفت للوراء، فذلك المسجد لن يقترب مني إن التفت إليه، والسراب من حوله لن يختفي أبدأ وسيظل يبتلع كل المقتربين.. كررتها هلعاً وأنا أنظر إليه مستجيبا إلى شذرات لحيته الكثة، تعنفني وكأنها أيادي تخرج من حول فمه المتجعد غضبا. هل جننت: أستغفر الله.. أستغفر الله ... ! إنه يستغفر ذنبي لي ... !
ما أطيب فضيلته..! ارتميت في وتيرة اليقظة أصارع الرجوع إلى مرحلة الصدع في نفسي، ها هو الشيخ يكرر نفس الكلمات لشيخ غابر يحمل دفتر علاماته وعصاه، والفصل يضحك من جنوني. كيف لذي الأربعة عشر عاما أن يفكر في مثل هذا، إن كان لكل مخلوق خالق؛ فمن خلق الله ... ؟ شخص قابلني بعد ذلك العمر بست سنين ولكن بعد أن أصبحت الإجابات تنسرق إلى ذهني خوفا، فتظل حبيسة لا تستطيع المراجعة حتى في تقلبها ليلاً. ومازال الإيمان يبقيني على يقين أن ما أفعله تفكرا على جنبي في الله، وما دام الله في ذهني لا يفارقني فلا بد أنني مؤمن، ولكن الطريق أصبح متعرجا بقدر ما كتب الأئمة والفقهاء حتى هذا العصر، وبقدر ما اختلفوا، نصر الله الدولة؛ حينها فقط فهمت لماذا تمنع تلك الكتب من الدخول، وهممت أحرق الورقة تلو الأخرى أقلبها في المجمر، وأستغفر الله، أستغفر الله ... أستغفر الله
لعلي أستغفر من ذنوبهم لهم، ليتهم لم يكتبوا، ولم يجتهدوا، مازال المكان هو المكان، ومازال الزمان هو الزمان، وتلك الوجوه ارتسم على خطوط جباهها سطور من تاريخ الأجداد والأباء، مازال النص قطعي الدلالة وظني الدلالة والتواتر فيه حسن وفيه صحيح وفيه ضعيف، والثقات يتساقطون مع تقدم العصر، وسيأتي يوم لا يبقى منهم أحداً.. أشهد أن محمدا رسول الله ... أشهد أن محمدا رسول الله.. أربعين عاما كان عمره عليه الصلاة والسلام حين بعث إلى البشر كافة، وأنا على مشارف الثلاثين أنتظر الموت لينقذني من مشقة البحث، هل سيكفيني يوما واحد أجد فيه إجابة شافية تريحيني من كل هذا العناء المسجد يبتعد مع كل خطوة والجار يمر مسرعا وقطرات الماء تتقافز من ذراعيه، كل خطوة له فيها أجر، فهو يسير في الاتجاه الصحيح، وكل خطوة لي تفقدني حسنة لأنها في عكسه هكذا قال مدرس الرياضيات: وقف على الصفر واتجه إلى اليسار تزداد القيمة واتجه إلى اليمين تتناقص القيمة، أنا: وإذا تحركت إلى الأعلى أو الأسفل
المدرس: افتح يدك..! كانت العظام تظهر في كل كرشة أبقرها، حظ لو ابتسم في وجهي لعلمت أنه يعني وفاتي، لله دري ما أسعدني من إنسان لم يبق علي من ذنب إلا وخلصه الله مني في هذه الدنيا، ألم تقل أمي لي ذلك: احمد الله يا ولدي أنه أشقاك في الدنيا، تراه تكفير ذنوب.. أنا: أجل أكثر الناس ذنوبا أسعدهم يا يمه..
أمي: وليه منت سعيد ايش قصرنا عليك فيه.. لقد اجتهدت في أول الأمر، واجتهدت في ثانيه، ومازالت تجتهد في كل مرة أحتاج فيها للمواساة، فإن أخطأت فمن نفسها والشيطان، وإن أصابت فمن الله ... ؟
هذا الشيطان الذي شارك الأمهات حنانهم وحزنهم واجتهادهم لإسعاد أبنائهم، لعله ليس كما نتوقع، لعله كائن يحب البشر لأنه يعلم تماما كيف كان حال الدنيا قبل أن ينزل لها آدم..
حي على الصلاة.. حي على الصلاة..
أبي على عكازته الشقراء يقترب مني بهدوء وكأنه يتهادى على نغمات المؤذن، يمسح على رقبتي ووجهي يعبث بأذني: قم صل الفجر، واذكر ربك واطلبه يشرح صدرك، أتقلب على جنبي وأنا افكر: لو كان عمر الإنسان ثلثه يكون نوما، فلا بد أنني لست إنسانا، أكملت الخمس وعشرين عاما ومازال النوم يراودني عن نفسي وأنا أدفعه كأثم سيفقدني بهجة التعذب بكل تلك الأسئلة، السادية اللذيذة في تمزيق ذهني واعتصاره تجعلني أظل متنبها لكل شيء حتى أطراف الورقة الساقطة عشوائيا على فتحات المكيف، (لا يوجد شيء صدفة وكل شيء مقدر، لماذا كانت هناك..) ؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صاحب هذا المقال مستهزئ بالمفتين وعلماء الدين، وغير واثق في حملة الشريعة، ويبدو من عباراته أنه إما مختل عقلياً، أو شاك متردد موسوس تائه، فتراه لا يعظم مقام الألوهية، وغير موقن بقضاء الله وقدره.
ولا شك أن الاستهزاء بعلماء الدين وحملة الشريعة ردة عن الإسلام، فعن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
هذا، وننصحك بعدم القراءة لمثله من السفهاء، وانشغل بما ينفعك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(16/129)
معاملة المرتد في ظل غياب الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت جميع الفتاوي حول المرتد وجميعها كان بتطبيق حد الردة (القتل) من قبل السلطان ولكن الآن كما تعلمون لا يوجد سلطان مسلم، فما العمل مع المرتدين والوضع آخذ بالازدياد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل المرتد بعد استتابته هو العلاج الشرعي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري.
وهو أمر لا ينبغي تطبيقه إلا من قبل السلطان، كما سبق في الفتوى رقم: 17707، لأن تطبيق غير السلطان قد يوقع في الفتن التي يحصل منها ضرر أعظم من تحقيق المقصود.
وأما في حال عدم وجود السلطان الذي يطبق الحدود، فإن على المسلمين بعد تأكدهم من تحقق شروط الحكم بالردة وانتقاء الموانع أن يعاملوا المرتد معاملة الكافر فلا يناكحونه ولا يتوارثون معه وتفارقه زوجته إلى غير ذلك من الأحكام، وأهمها أن يحرصوا على هدايته وتوبته إلى الله تعالى لعل الله يرحمه ويهديه.
وراجع الفتوى رقم: 39237، والفتوى رقم: 13987، والفتوى رقم: 17792، والفتوى رقم: 25611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(16/130)
الأحوال التي يوصف بها الشخص بالردة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أود أن أسأل عن ما هي الردة؟ ومتى يكون الشخص مرتدا أو نقول عليه مرتد؟ وهل من سخر من شيء في الدين ثم أفيق واستغفر الله فما موقفه؟ وأود أن تنصحوه بشيء وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالردة هي أن يأتي الشخص الذي تقرر إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد دل الشرع على أنه كفر. قال خليل بن إسحاق: الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار، وسحر، وقول بقدم العالم أو بقائه، أو شك في ذلك. انتهى. ومن سخر من شيء معظم في الدين كالاستهزاء بالرسل والكتب المنزلة والملائكة ونحو ذلك فهو مرتد والعياذ بالله. قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65-66} .
والشخص يقال عنه إنه مرتد إذا نطق بالردة أو فعل فعلا يتضمنها.
وإذا استغفر المرتد وتاب توبة صادقة غفر الله ذنبه. قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} . ولك أن تراجع في توبة المرتد فتوانا رقم: 8927.
وننصح هذا الذي ذكرت عنه ما ذكرت بالابتعاد عن السخرية من الدين، فإن العمر قصير ولا يدري المرء متى تأتيه منيته، فليبادر إلى التوبة مما كان صدر منه، وليكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة عسى الله أن يكفر عنه بذلك خطأه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(16/131)
المرتد التائب كيف يرجع إلى زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي إليكم هو: رجل مسلم تزوج ثم ارتد عن الإسلام وبعد أربعة أشهر تاب ودخل في الإسلام من جديد فهل يلزم هذا الرجل عقد النكاح من جديد أم يبقى على العقد الأول؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور أهل العلم على أن الردة إذا وقعت من أحد الزوجين فسخ النكاح بلا طلاق. وذهب المالكية إلى أنه يكون بطلاق بائن كما مضى القول فيه مفصلا في الفتوى رقم: 25611.
وعلى قول الجمهور، فلابد من تجديد العقد إذا رجع المرتد منهما إلى الإسلام بعد انقضاء العدة، وأما المالكية فلابد من عقد جديد، ولو رجع المرتد إلى الإسلام خلال العدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(16/132)
الإسلام والردة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رد فضيلتكم على من يقول من المسلمين إن الشخص المولود لأبوين مسلمين لم يكن مخيرا في اختيار دين الإسلام فكيف يكون حرا في الاختيار وهو يعلم أنه إذا اختار غير الإسلام فسوف يحكم عليه بالردة ويقتل. فكيف نرد عليه وما موقفنا منه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالولد يحكم بإسلامه إذا كان أحد أبويه مسلما عند جمهور العلماء. وقال المالكية إنه لا يحكم بإسلامه إلا إذا كان أبوه مسلما.
ففي المغني لابن قدامة: ومن أسلم من الأبوين كان أولاده الأصاغر تبعا له، وبهذا قال الشافعي.. وقال مالك: إن أسلم الأب تبعه أولاده، وإن أسلمت الأم لم يتبعوها ...
وإذا حكم بإسلام من ولد من أبوين مسلمين أو أحدهما، فإنه إذا امتنع عن الإسلام بعد ذلك يحكم عليه بالردة ويقتل، لما روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه. وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: فأما القسم الأول في قتال أهل الردة: فهو أن يرتد قوم حكم بإسلامهم، سواء ولدوا على فطرة الإسلام أو أسلموا عن كفر، فكلا الفريقين في حكم الردة سواء ... وعند أصحاب الرأي أنه يجبر على الإسلام من غير قتل. ففي المغني: وقال أصحاب الرأي: إذا أسلم أبواه أو أحدهما وأدرك فأبى الإسلام أجبر عليه ولم يقتل.
وأما الحرية التي وردت في السؤال، فإن كان الشخص المسؤول عنه يعني قول الله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين {البقرة: 256} . فإن هذه الآية الكريمة لا تتعارض مع ما ذكرناه، وقد تكلم فيها أهل العلم على النحو التالي: قال ابن العربي في أحكام القرآن: قيل إنها منسوخة بآية القتال، وهو قول ابن زيد. الثاني: أنها مخصوصة في أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية ... الثالث: أنها نزلت في الأنصار، كانت المرأة منهم إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش أن تهوده ترجو به طول عمره، فلما أجلى الله تعالى بني النضير قالوا: كيف نصنع بأبنائنا! فأنزل الله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين. (1/310) .
هذا هو الرد الذي ينبغي أن نقول لمن يقول مثل ما ذكرت.
وأما موقفنا منه، فإن كان يقول ما يقوله طعنا في الإسلام وتنقيصا منه، فإنه يكون بذلك مرتدا والعياذ بالله، وحكم المرتد هو القتل بعد الاستتابة، والذي يقوم بهذا الحد هو السلطان أو نائبه ولا يقوم به عوام الناس.
وإن كان لا يقوله طعنا وإنما يرى أن القتل غير واجب بالنسبة لمن ينطق بالشهادة وقد حكم بإسلامه تبعا لإسلام أبويه. فهذا يعذر فيما قاله، لأنه قد قال بمثله أصحاب الرأي كما تقدم، ويبين له أنه خلاف ما عليه جمهور أهل العلم وأن المعتمد في المسألة ما عليه الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(16/133)
حكم من وقع في الكفر في شهر رمضان وتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان حكم من سب الدين في نهار رمضان هل يخرج من الإسلام ويحبط عمله وهل يبطل عمله \\\" صيام الأيام التي مضت من رمضان\\\" وهل إذا تاب وعاد إلى الإسلام بالاغتسال والصلاة - ركعتي الدخول في الإسلام- والتشهد وأكمل صيام الشهر ونوى قضاء اليوم الذي أفطر فيه بسبب سب الدين هل يتوب الله عليه، أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن سب الدين كفر بالله عز وجل، وإذا وقع من مسلم فقد ارتد عن الإسلام عياذا بالله من ذلك.
ومن الأدلة على ذلك قول الله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65-66} .
وقد نزلت هذه الآيات في أناس لم يعلنوا سب الدين صراحة، ولكنهم طعنوا في حملته ونقلته، فكيف بمن تجرأ وسب الدين رأسا! نعوذ بالله من الخذلان.
والذي ننصح به من وقع في ذلك أن يغتسل ويشهد الشهادتين ويتوب إلى الله عز وجل، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وأن يعلم أن باب التوبة مفتوح أمام العبد من جميع الذنوب، صغيرها وكبيرها. كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الزمر: 53-55} . وانظر الفتوى رقم: 51043.
ومن وقع منه السب في نهار رمضان وهو صائم فقد فسد صومه ذلك اليوم، ويلزمه التوبة والقضاء. قال في أسنى المطالب: فلا يصح صوم الكافر أصليا كان أو مرتدا ولو ناسيا للصوم. قال في الشرح: أي ارتد وهو ناس للصوم فيبطل بها.
وقال أيضا: فلو ارتد أو حاضت أو نفست في بعضه بطل صومه. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 27305.
وأما صيام الأيام التي مضت قبل ردته فإنها لا تبطل إذا رجع إلى الإسلام، لأن الردة إنما تحبط العمل بالكلية إذا مات عليها والعياذ بالله، لقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ {البقرة: 217} . وانظر الفتوى رقم: 9643 والفتوى رقم: 37185 فإنها مهمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(16/134)
نطق بالشهادتين ولم يأت بأركان الإسلام فهل تبقى معه زوجته المسلمة أم تطلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم الاهتمام برسالتي وسرعة الرد عليها لما لها من أهميه في سرعة اتخاذ قرار مصيري..
أنا سيدة مصرية أبلغ من العمر 26 سنة تزوجت منذ ثلاث سنوات من رجل أجنبي- ألماني الجنسية وأقيم معه في ألمانيا الآن – ولقد أشهرزوجي إسلامه لكي يتزوج مني.. وهو رجل فاضل وكريم معي ويعاملني معاملة كريمة ولكنه لا يفقه شيئا عن أمور ديننا الحنيف وخلال سنوات زواجي الأولى حاولت معه لكي يتعلم ويتفقه في أمور الدين الإسلامى ولكن للأسف لم أستطع أن أجعله يهتم الاهتمام الكافي وهو مع ذلك لا يشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير وما إلى ذلك, وللعلم أنا أصلي وأصوم ولكني لا أرتدي الحجاب رغبة منه في عدم ارتدائي له ولهذا السبب اختلفنا وقررت الانفصال عنه وقررت الرجوع إلى مصر.. وفي طريق العودة تعرفت بالطائرة على شاب مصري رفيع الخلق وتحدثنا كثيراً في أمور حياتنا وشعرت بالارتياح الشديد له والانسجام التام ولقد علمت منه خلال الرحله أنه يمر بظروف عصيبة في حياته الزوجية وأنه على وشك الطلاق.. ولقد اتفقنا على أن أحادثه تليفونياً كي أطمئنه على ما وصلت إليه مع زوجي وعلى أن أطمئن كذلك عليه.. ولقد تحدثنا تليفونياً ثم تقابلنا بعد ذلك وشعرنا أن هناك ما يربطنا ببعضنا.. وخلال تلك الفترة كنت في انتظار أن يطلقني زوجي ولكن بعد فترة تحدثنا أنا وزجي تليفونياً وطلب مني العوده مرة أخرى على أن أخلع الحجاب وقد وعدني أنه سوف يهتم بالدين الحنيف ولأنى أعلم أن أبغض الحلال عند الله الطلاق وافقت على الرجوع مرة أخرى لزوجي.. وفي تلك الأثناء كنت قد قمت بقطع كل صلتي بالشاب الذي كنت قد تعرفت عليه بالطائرة.. ومر حتى الآن سنتان ولم يخطو حتى الآن زوجى خطوة واحدة لتعلم أي شيء في الدين وتحدثت معه منذ فترة قصيرة وأفهمته أن الإسلام ليس فقط نطق الشهادتين.. ولكن هناك عبادات أخرى ولكنه لم يأخذ بكلامي وقال لي إنني مسلم فلماذا تقولي أني غير مسلم.. ومنذ ثلاث شهور اتصل بي الشاب الذي ذكرته في رسالتي كي يطمئن على أحوالي ويخبرني أنه قد طلق زوجته منذ 10 أشهر، فأخبرته أنني بخير ولكنني في حيرة من أمري بشأن زوجي.. فدعا لي بالخير وأوصاني أن أستخير الله في أمري.. وقد أخبرني أنه لن يحادثني مرة أخرى لأن ذلك يغضب الله.. وأوصاني أن أحادثه حينما أتخذ قراري النهائي في حياتي.. وأنا يا سيدى الفاضل لا أخفى عليك أننى متعلقه بهذا الشاب لما فيه ما كنت أتمناه في زوج صالح يخشى حدود الله.. وأريد أن أعلمك أنني حتى الآن لم أفكر في إنجاب أطفال من زوجي لخوفى الشديد أن ينشأ أبنائي في مجتمع غربى في ظل أب لا يفقه من ديننا شيئا ولا يستطيع إرشادهم إلى الحلال والحرام لأنه هو نفسه لا يقوم بأداء فروضه.. وأنا الآن في حيرة هل أصبر على زوجي لأنه مع كل ذلك يعاملنى بالحسنى.. أم أتركه إلى من أرضى دينه ويخفق قلبى له وذلك يشعرنى أني أرتكب ذنبا (لأنى أفكر في رجل آخر غير زوجى) وأنا الآن أرجو منك أن ترشدني إلى الطريق الصحيح الذى يرضي الله ورسوله.. لأني حائرة ولا أستطيع اتخاذ قرار صائب في هذا الشأن.. وأنا خائفة أن أتخذ قرار طلاقي ويكون ذلك فيه ظلم لزوجى ويحاسبنى الله على ذلك..
لا يسعنى بعد ذلك إلا أن اشكر ك على سعة صدرك لي.. جزاك الله عني كل الخير
واسأل الله لي ولكم العفوالعافية.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته..,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد إعلان الإسلام ليس معناه أن الشخص قد صار بموجبه مؤمناً، بل لا بد مع النطق بالشهادتين من العمل بمقتضاهما، وانظري بيان ذلك في الفتوى رقم: 54607. وإن كان الرجل الذي تزوجتيه قد اكتفى بالنطق بالشهادتين، وامتنع عن أداء فروض الإسلام، فإنه لا يحكم بإسلامه والحالة هذه، فالواجب عليك فراقه فوراً، ولا تمكنيه من نفسك، فليس له سبيل عليك قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة: 10} . قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن، هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين. اهـ.
وقال سبحانه وتعالى أيضاً: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {البقرة: 221} . هذا، وينبغي أن ترجعي إلى الجهة الرسمية التي وثقت عقد زواجك من هذا الرجل فتذكري لهم حال هذا الرجل وأنه لم يسلم حقيقة حتى يعلموا أن زواجك منه أصلا غير صحيح ويتخذوا الإجراء اللازم ليفرقوا بينك وبينه رسمياً وذلك تجنباً لأي مشاكل قانونية قد تحدث بعد ذلك. ولقد أحسنت صنعاً عندما امتنعت عن الإنجاب منه، فإن اختيارك لزوج هذا حاله من الغش لأولادك منه، قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم. ولقد أسأت عندما أطعته ونزعت حجابك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه الإمام أحمد. فالواجب عليك المبادرة بلبس الحجاب الشرعي، والتوبة إلى الله تعالى والندم على ما فرطت في جنبه تعالى وتضييعك لأمره. هذا، وإن كان هذا الرجل الذي تعرفت عليه يريد الزواج منك، فليتقدم إلى أوليائك، فإن وجدتيه مؤمناً متمسكاً بشعائر الدين وملتزماً بأخلاق أهل الإيمان، فلك أن تقبليه، قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. روه الترمذي بإسناد حسن. ومما ينبغي التنبيه إليه أنه لايجوز للمرأة أن تنشيء علاقة مع رجل أجنبي، فتتصل به، وتقابله، وتكلمه في أمور خاصة، ويزيد الأمر حرمة إن تبع ذلك إطلاق للبصر أو مصافحة باليد. وعلى من ألمت ببعض ذلك أن تقلع عنه وتتوب إلى الله وتندم على ما بدر منها، وتعقد العزم على عدم العودة لمثل ذلك أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(16/135)
هل تقبل توبة من تكررت منه الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل كم مرة للفرد يمكن أن يقع في الشرك الأكبر ويتوب فيها، وأدعو الله أن يختم لنا بالإيمان جميعاً؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة الصادقة يمحو الله بها جميع الخطايا حتى الشرك بالله، أما من تكررت ردته فاختلف العلماء في قبول توبته في الظاهر، فذهب الشافعية وهو المشهور في مذهب الحنفية والمالكية إلى أنه تقبل توبة المرتد ولو تكررت ردته لإطلاق قوله تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ {الأنفال:38} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الل هـ. متفق عليه.
لكنهم صرحوا بأن المرتد الذي تكررت منه الردة إذا تاب ثانيا عزر بالضرب وبالحبس ولا يقتل، قال ابن عابدين: إذا ارتد ثانياً ثم تاب، ضربه الإمام وخلى سبيله، وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا ثم حبسه حتى تظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله، فإن عاد فعل به هكذا أبدا حتى يرجع إلى الإسلام، وقد جاء مثل هذا عن المالكية والشافعية.
وصرح الحنابلة وهو رواية عند الحنفية ونسب إلى مالك بأنه لا تقبل توبة من تكررت ردته يعني في الظاهر، أما بينه وبين الله فأمره إليه سبحانه، لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً {النساء:137} ، والازدياد يقتضي كفرا جديداً، ولأن تكرار الردة منه يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالدين فيقتل. اهـ من الموسوعة الفقهية، ولم يذكر العلماء عدداً محدداً للردة التي تقبل التوبة منها، ولكن ذكروا أنه إن عاد تاب ويعزره الإمام أبداً كما سبق في كلام ابن عابدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(16/136)
تكرر الردة لا يؤثر في قبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الله غفور رحيم لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك جميعا، وأنا أسأل عن حال إنسان كفر مثلا سب الدين ثم تاب فاغتسل وأعاد التشهد ودخل بالتالي في دائرة الإسلام من جديد وبعد مدة أعاد نفس القول المكفر
فسؤالي هل يوجد حد لهذا الشخص في عدد المرات التي ارتد فيها خاصة أن الآية تقول \"أمنوا ثم كفرواثم أمنوا ثم كفرواثم إزدادوا كفرا\"
وجزاكم الله كل خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأعلم أخي السائل أن باب التوبة مفتوح لمن تاب توبة نصوحا بشروطها التي نص عليها العلماء، وأن الله يقبل توبة عبده ولو تكرر منه الذنب مائة مرة كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل: قال أذنب عبدي ذنباً، فقال: اللهم اغفرلي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربي اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك) .
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث (وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه) ، وقوله اعمل ماشئت فقد غفرت لك معناه: مادمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.
وجاء في الحديث الصحيح (إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه ابن ماجه.
واعلم أخي السائل أيضاً أن باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها كما جاء في الأحاديث الصحيحة، فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً، وقد دعى الله عباده للتوبة
حيث قال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53)
وأما الآية التي ذكرت وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (النساء:137)
فقد قال الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسيره:" أخبر سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفراً بعد ذلك كله أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ولا ليهديهم سبيلاً يتوصلون به إلى الحق ويسلكونه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيماناً صحيحاً، فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدَّعون أنهم مؤمنون وتارة يمرقون من الإيمان ويرجعون إلى ماهو دأبهم وشأنهم من الكفر المستمر والجحود الدائم يدل أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ليست لهم نية صحيحة ولا قصد خالص.
قيل المراد بهؤلاء اليهود فإنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنو بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ". فتح القدير. انتهى كلام الشوكاني.
وللعلماء في هذه الآية توجيهات كثيرة منها مافي ابن كثير وغيره من أن المراد بهذا من مات على كفره.
قال ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: ثم ازدادوا كفراً،
قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا.
وفي تفسير الطبري: وقال آخرون بل عنى بذلك أهل النفاق أنهم آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ازداوا كفراً بموتهم على كفرهم. إلى آخر كلامه، وعلى كل حال فالعلماء متفقون على أن الآية لا تدل على أن الذي يكثر منه الارتداد ـ والعياذ بالله تعالى لا تقبل توبته إذا وفقه الله تعالى للتوبة قبل غلق بابها أو قبل الغرغرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1425(16/137)
المرتد الذي يطبق عليه حد الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كمسلمين نسعى لنشر الإسلام في كل بقاع الأرض وهذا واجب شرعي علينا كأمة إسلامية وأحسب أنه أحد الأسباب التي شرع من أجلها الجهاد إذا منعنا من تبليغ دعوة الله للعالمين ولكن سألني أحدهم سؤالا وأرجو من فضيلتكم الرد عليه وهو هل يمكن أن نسمح نحن أيضا لغير المسلمين من أهل الكتاب أو من غيرهم بالدعوة إلى دينهم في بلادنا إذا كانت دعوتهم بغير إكراه أو إغراء كما يسمحوا لنا بالدعوة إلى الإسلام في الغرب أم لا؟
والسؤال الثاني: نحن نعرف أن حد الردة في الإسلام هو القتل ولكن هل يطبق هذا الحد أيضا على المسلم الذي ولد مسلما ولم يكن له الخيار في دخول الإسلام حيث إنني سمعت الدكتور محمد عمارة قد ذكر أن حد الردة لا يقام على المسلم المرتد الذي ولدمسلما وإنما يقام عليه إذا عاد إلى رشده بعد ذلك ودخل في الإسلام ثم ارتد مرة أخرى.
فهل هذا صحيح أم لا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن ينتبه إلى أن المقارنة بين الأديان وجعلها في مستوى واحد وكأنها كلها صواب وتدعو إلى شيء واحد هو في غاية الخطإ، فالدين الصحيح الذي ينجي في الآخرة ومقبول عند الله هو الإسلام.
قال تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (آل عمران: 85) . وقال: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ] (آل عمران: 19) . وقال: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] (المائدة: 3) .
فنحن ندعو إلى الإسلام، لأن المتمسك بغيره ضال، ولأن الهداية لا توجد إلا فيه، فكيف نسمح في بلاد الإسلام لمن يدعو لإخراج الناس من النور إلى الظلمات، ومن الهدى إلى الضلال، إن ذلك لا يجوز ولو كان الفاعل لا يكره الناس ولا يغريهم.
2 والردة إنما هي كفر المسلم الذي نطق بالشهادتين مختارا بعد البلوغ.
قال الدردير: الردة كفر المسلم المتقرر إسلامه بالنطق بالشهادتين مختارا.
وأما من ثبت له الإسلام لكونه مولودا من أب مسلم فقد اختلف فيما إذا كان يقتل إذا بلغ ولم يرض بالإسلام أم لا، فعند الأحناف والشافعية لا يقتل، قال الكرابيسي في الفروق وهو حنفي: من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد لم يقتل وحبس حتى يعود إلى الإسلام، ومن كان بالغا فأسلم بنفسه ثم ارتد قتل.
وقال الشافعي في الأم: فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل، لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ، ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل.
وأما المالكية فيفرقون بين الصغير والمجنون حين إسلام أبيه وبين المراهق، فيحكمون بإسلام الأولين، وبالتالي بقتلهما إذا أبيا الإسلام بعد البلوغ والإفاقة.
قال خليل: وحكم بإسلام من لم يميز لصغر أو جنون بإسلام أبيه فقط كأن ميز. قال الدردير: فيحكم بإسلامه تبعا لإسلام أبيه.. وفائدة الحكم بإسلام من ذكر أنه إن بلغ وامتنع من الإسلام جبر عليه بالقتل كالمرتد بعد البلوغ، وهذا بخلاف الذي هو في سن المراهق حين إسلام أبيه. قال خليل: إلا المراهق والمتروك لها فلا يجبر بقتل إن امتنع.
وللحنابلة قولان في المسألة، قال في المغني: وجملته أن الصبي إذا أسلم وحكمنا بصحة إسلامه لمعرفتنا بعقله بأدلته فرجع وقال: لم أدر ما قلت لم يقبل قوله، ولم يبطل إسلامه الأول، وروي عن أحمد أنه يقبل منه ولا يجبر على الإسلام.
والأصوب عندنا في المسألة أن الذي يحكم بإسلامه هو من نطق بالشهادة وأظهر الإسلام بعد بلوغه سن الخطاب لأنه قبل ذلك لم يكن ملزما بما يصدر عنه، وما استصوبنا رجحانه في المسألة ليس بعيدا مما نسبته لمن ذكر في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(16/138)
مبطلات الشهادة والحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تتفضلوا وتبينوا لي مبطلات الشهادة ومبطلات الحج
واستمرار العبد في القيام بأفعال بالرغم من علمه بحرمتها ليس تحديا لله وتعديا على حدوده ولكن لضعف في النفس وهو يصارع النفس ويحاول تخطيها ولكن غالبا ما يقع في الذنب (تدخين، غيبة، عدم العفو عند المقدرة) بارك الله لكم في علمكم وأثابكم عليه في الدنيا والأخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة تحتمل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله التي هي أصل الإيمان، وتحتمل الإدلاء بشهادة بشيء معين عند قاض ونحوه، فإن كنت تعني النوع الأول فإنما يبطل إيمان المرء إذا حصل منه شرك أكبر أو ما يقوم مقامه كترك الصلاة مثلا عند من يقول بأنها كفر مخرج من الملة، وراجع الفتوى رقم: 10765.
وإن كنت تعني النوع الثاني فإن شهادة الشاهد تبطل إذا حصل منه فسق أو ما يخل بالمروءة، أو كان في شهادته ما يمكن اتهامه فيه بالكذب، كأن يشهد لأحد قرابته كالأب والابن مثلا أو لصديقه الملاطف أو على عدوه أو أن تجلب له الشهادة نفعا أو يسقط بها عنه ضر أو يشهد بما لا يصح علمه به ونحو ذلك، وراجع فيها كتب الفقه باب الشهادات.
ومبطلات الحج هي نفس مبطلات الإيمان إذا كنت تعني الحج الذي تم فعله، قال تعالى: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] (الزمر: 65) .
ومن أهل العلم من لم ير إحباط العمل بالردة إلا أن يموت المرء على الكفر، وهو مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه، ففي تفسير القرطبي: قال القشيري: فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة، ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر، ولهذا قال: [وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ] (البقرة: 217) . فالمطلق ههنا محمول على المقيد، ولهذا قلنا: من حج ثم ارتد وعاد إلى الإسلام لا تجب عليه إعادة الحج.
قلت هذا مذهب الشافعي، وعند مالك تجب عليه الإعادة ... (15/242) .
والأحناف في هذا مثل المالكية، والظاهر –والله أعلم- أن ما ذهب إليه الشافعي أولى لجمعه بين الآيتين، قال النووي في "المجموع": [وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ... ] فعلق الحبوط بشرطين: الردة والموت عليها، والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما، والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة، فيحمل المطلق على المقيد. (3/6) .
وإن كنت تعني مفسدات الحج قبل إتمامه فهي الجماع وما في معناه من الاستمناء إن حصل قبل التحلل الأول، قال في المجموع: وإن وطئ في العمرة أو في الحج قبل التحلل الأول فقد فسد نسكه.. وراجع فيه الفتوى رقم: 47105.
وأما ما سألت عنه من قيام المرء بأمور يعرف حرمتها ولكنه لا يستطيع تجنبها فإن سبب ذلك عادة هو ضعف الإيمان في نفس الشخص، فعليه أن يبادر إلى ما يقوي إيمانه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 37142.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(16/139)
يسن الاغتسال لمن رجع عن ارتداده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفي الشهادتين والاغتسال ليعود إلى الإسلام لمن سب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ارتد عن الإسلام كفاه أن يعود إليه بالاتيان بالشهادتين متخلياً عن نواقض الإسلام، ويسن له الاغتسال، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 9577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(16/140)
سب الله تترتب عليه آثار خطيرة دنيوية وأخروية
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل مركز الفتوى في فتوى غاية في الأهمية، وهي امرأة متزوجة من 23 سنة ومعها من الأولاد أربعة ولكن للأسف أن زوجها لا يصلي وإذا نصحته زوجته نهرها، وأحياناً يصل الأمر إلى أنه يسب الله، كذلك هذا الزوج تارك للصيام، والسؤال ماذا تفعل هذه المرأة تجاه هذا الزوج، ومن المسؤول في توصيل فتواكم إلى هذه المرأة، وكيف نوصلها أي الفتوى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن سب الله تعالى كفر مخرج من الملة، سواء كان الساب مازحاً أو جاداً، كما بينا في الفتوى رقم: 8927، والفتوى رقم: 767.
وإن كان له زوجة فإنها تبين منه إلا إذا تاب من ردته فإنها ترجع إليه ولا يلزم العقد بينهما على الراجح من أقوال أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 12447.
وعلى هذا؛ فإن كان ما نسب إلى زوج هذه المرأة صحيحاً فالواجب عليه التوبة والإكثار من الطاعات وآكدها إقامة الواجبات، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ، فإن أبى فرق بينه وبين زوجته حتى يتوب، وعلى من يعلم حال هذا الرجل أن ينصحه ويبين له حكم الله فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر فليبلغ بذلك من يهمه الأمر من امرأته أوإخوانه ليرفعوا أمره إلى ولي الأمر ليقيم عليه شرع الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(16/141)
حكم إلقاء القرآن وكتب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت في الله هداها الله وبدأت تلتزم وتقرأ وزوجها غير راض عن ذلك رغم أنها لا تقصر في أي من الحقوق وهو أحيانا يصل معه أن يرمي بالكتاب الذي بين يديها وهو:
أولاً: لا يصلي.
ثانيا: يسافر ويأتي لها بالأموال بدون أن يعرفها طريقة الحصول على هذه الأموال وعندما تسأله يحلف لها أنها حلال لكن يصر على إنكار مصدرها وهي تشك في كونها من مال حرام.
وهي:
لو فكرت في الطلاق فليس لديها من يتحمل تكاليفها وتكاليف تربية أبنائها وهي لا تعمل وأرادت لبس النقاب ومنعها زوجها.
فماذا تفعل؟
أرجو الرد لأنها تحتاج بشدة إلى رأي سديد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله العلي الكريم أن يمن على هذه المرأة بصلاح الأحوال ويعينها على تربية أبنائها، وقد ذكرتِ أن زوجها يرمي من يدها الكتاب الذي كانت تقرؤه، وأنه لا يصلي، وأنه يمنعها من لبس النقاب، ويأتيها بأموال تشك في حليتها.
فأما الأموال التي يأتي بها الزوج فلا حرج في الأكل منها ما دامت تجهل مصادرها، فإذا علمت أنها مما لا يحل وجب تركها إلا في حالة الضرورة، وأما النقاب فليس لها أن تطيعه في تركه، فالطاعة اللازمة للزوج إنما تكون في المعروف، وإذا أمر بمعصية فلا يجوز أن يطاع، روى الشيخان من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
ولكن قبل هذا كله فإن الزوجة المذكورة إذا صح ما نسب لزوجها من رمي الكتاب وترك الصلاة فإنها بائنة منه، لأن كلا الأمرين مخرج من الملة، إما بالإجماع أو على الراجح إن كان في فعل زوجها هذا استخفاف بما عظمه الشرع كالمصحف وكتب الحديث، قال خليل: الردة كفر المسلم ... كإلقاء مصحف بقذر. قال الخرشي: ... كإلقاء مصحف، ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف. (8/62) ، وقال في أسنى المطالب وهو يعدد ما تحصل به الردة: وإلقاء مصحف أو نحوه ككتب الحديث في قذر استخفافاً. ا. هـ
وترك الصلاة إن كان مع إنكار وجوبها فهو كفر بالاتفاق، وإن كان تهاوناً فهو كفر على الراجح من أقوال أهل العلم، وراجعي في ذلك كله الفتوى رقم: 31297، فعليها أن تتخلص منه فوراً، والله قد ضمن الرزق لمن يتقيه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 2-3) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(16/142)
حكم الزوجة التي اعتنقت الإسلام دون قناعة ثم ارتدت
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح على فضيلتكم سؤالاً لمعرفة ما هو حكم الدين في ذلك، حيث كانت هناك امرأة من دولة آسيوية تعتنق الدين المسيحي، وتعرف عليها شاب مسلم من دولة خليجية وطلب منها الزواج بشرط أن تعتنق الدين الإسلامي فوافقت مجاملة فقامت بالذهاب معه إلى المحكمة الشرعية ونطقت الشهادة مع العلم بأنها لم تكن مقتنعة بالدين الإسلامي، إلا لمصلحة شخصية وبعد إتمام زواجهما قام الزوج بالمحاولة في تعليمها الفروض الدينية وقيدها بالحجاب، وبعد مضي أكثر من سنتين حيث أنجبت منه طفلين لم تستطع أن تستمر في ذلك، فقامت بالتخلي عن الحجاب ورجعت إلى دينها المسيحي حيث تركها الزوج وشأنها بعد محاولات فاشلة وما زالت في عصمته، والسؤال: ما هو حكم ورأي الدين الإسلامي في ذلك وما واجب الزوج وأهله إزاء هذه المسألة من الناحية الشرعية؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت قد اعتنقت الإسلام ثم ارتدت بعد ذلك فقد انفسخ عقد النكاح، ولا نظر إلى كونها لم تعتنق الإسلام باطناً لأن لنا ظواهر الناس ونكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وعليه؛ فلم تعد تلك المرأة في عصمة زوجها، والأولاد من جهة الدين يلحقون بأبيهم، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) : وإذا ارتدا أو حدهما منعا الوطء، فإن انقضت العدة قبل اجتماع إسلامهما انفسخ النكاح، ولها مهر مثلها، إن أصابها في الردة، فإن اجتمع إسلامهما قبل انقضاء العدة فهما على النكاح. ا. هـ
وننصح بالرجوع إلى المحاكم الشرعية لمعرفة ما يلزمكم تجاه هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(16/143)
ضيق الرزق لا يبرر الردة عن الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شَاب مغربي من خلفية مسلمة إن شاء الله ولقد سمعت، وقرأت الكثير عن دينِي الإسلام، وكنت أصارع كثيرا في مَا مضى حتى أتمكن من أن أعيش تلك التعاليم الإسلامية عمليا في حياتي، لكن لو لم تصادفني تلك الظروف النحسية في حياتي ووجدت عونا في أحد المسليمن لما حدث كل ما حدث، أكاد أفقد ديني بسبب الورطة التي وقعت فيها اليوم، فبسبب الفقر والوحدة وانعدام الصحبة الحسنة وقعت في شراك المنصرين في بلادي المغرب، كنت أبحث عن منفذ أذهب منه إلى الخارج بحثا عن العمل!! لكني لم أفلح، والحصيلة أني لقمت طعمهم المشكك والطاعن في ديني، وعرفتهم مدة تقارب4 سنوات، دون أن أصلي ولا أصوم، آكل الخنزير وأشرب الدخَّان، وأناظر الضعاف من المسلمين! بعدما عرفت كيدهم للإسلامْ وحبهم الكاذب لي، وعقيدتهم الهشة، شعرت بالحزن والألم، فاستعنت بالقرآن وبعض الدروس الإسلامية أستأنس بها، لأني لا أستطيع الرحيل، لا أدري إلى أين، لأني شَاب فقير ولا أملك صنعة أشتغل بها والحصول على عمل في بلادي صعب للغاية، خصوصا أنني مسؤول اليوم عن أمي الكبيرة السن، كمَا أنني ملزم بإعالتها وتسديد ثمن كراء البيت الذي تعيش فيه، أناحائر جدا أيها الإخوة لأنني بالفعل خائف جدا، لأن العمل الذي نعيش به اليوم هو ترجمتي لكتابهم المقدس إلى لغتي! أنا خائف من أن يكون هذا الذنب بلا مغفرة، لكن ماذا أعمل فالعين بصيرة واليد قصيرة، أرشدوني وفقكم الله.
الحزين البائس]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي أيقظك من هذه الغفلة العظيمة التي لو مت عليها لكنت خالداً مخلداً في جهنم وبئس المصير، واعلم أن ما ذكرت من ضيق الرزق -فضلا عن غيره- ليس مبرراً لك على الإطلاق في ما وقعت فيه، وأي ضيق رزق يحملك على أن تكون من أعوان الشيطان الذي يضلون عباد الله، وهل هذا إلا سوء ظن بالله الخالق الرازق القائل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (هود:6) ، والقائل: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (الذريات:23) ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نسف حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه عبد الرزاق في مصنفه، وصححه الألباني.
فإذا كان العبد منهياً أن يحمله استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله، فكيف إذا حمله على أن يطلبه بما هو كفر بالله العظيم، أو ليس هذا من أعظم سوء الظن بالله، وكذلك ليس هناك مبرر في الظروف أو الوحدة، أو انعدام الصحبة الصالحة يبرر الوقوع في ما وقعت فيه، فكل هذه المبررات أوهى من خيوط العنكبوت، فكم تعرض المؤمنون لفتن وظروف صمدوا فيها وخرجوا منها وهم أرسخ إيماناً وأعظم إسلاماً، روى البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا، فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون، يقول الإمام ابن بطال رحمه الله: إنما لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى: ادعوني أستجب لكم، وقوله: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها، كما جرت به عادة الله تعالى في من اتبع الأنبياء فصبروا على الشدة في ذات الله، ثم كانت لهم العاقبة بالنصر وجزيل الأجر.
ولذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما أغبط أحدا لم يصبه في هذا الأمر بلاء.
فالابتلاء سنة ربانية وحقيقة شرعية، قال تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3) ، فتب إلى الله والجأ إليه فإنه القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (الزمر:54-54) ، واقطع كل علاقة لك بهؤلاء المنصرين الضالين، وامتنع تماماً عن ترجمة كتابهم المحرف، واستغل معرفتك بالترجمة لتحصل على عمل مباح، بدلا من هذا العمل الخبيث، وثق بربك وأحسن الظن به، فهو لا يضيع من أطاعه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يتَوكلْ علَى اللهِ فَهُو حسْبُه (الطلاق:2-3) ، ومن تمام توبتك أن تبين ضعف وهشاشة عقيدة هؤلاء المنصرين لمن أضللتهم خاصة، وللناس عامة، وأبشر بحسن الجزاء من الله.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 6121 / 28483 / 21081 / 13270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(16/144)
أسلم ولم يطبق من الدين سوى الشهادتين فهل يزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن لي قريبة أحبها شخص مسيحي, وأراد الزواج منها فقرر أن يسلم، فهل يصح زواجهما علماً بأنه أسلم فقط من أجل أن يتزوج بها وليس حباً بديننا، وهو لا يطبق شيئاً من تعاليم الإسلام سوى أنه نطق الشهادتين
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن نطق بالشهادتين ثم امتنع عن الصلاة، فإنه مرتد على القول الصحيح من أقوال العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم، ومن كان كذلك فإنه لا يجوز تزويجه، إذ لا يجوز تزويج المسلمة بالكافر اتفاقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(16/145)
عقوبة المرتد لا تتغير بتغير الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي النهائي في عقوبة المرتد في العصر الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحكام التي تتغير بتغير الزمان أو المكان هي الأحكام الاجتهادية المبنية على المصلحة أو القياس أو العرف ونحو ذلك.
أما الأحكام التي وردت بها نصوص القرآن والسنة، فهي أحكام لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، لأن الله شرعها لكل زمان ومكان، ومن تلك الأحكام التي لا تتغير الأحكام الخاصة بعقاب المرتد أو بعقاب الزاني أو بعقاب شارب الخمر، ولهذا فمن الخطأ البين أن يقال في تلك الأحكام الأحكام أحكام ابتدائية أو أحكام نهائية، أو أحكام خاصة بالعصر الحديث وأحكام خاصة بغيره.
وقد سبق تفصيل الأحكام الخاصة بعقوبة المرتد في الفتاوى التالية أرقامها:
33562 / 17338 / 17707
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(16/146)
الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أثبت أن المرتد أكثر خبثا من اليهودي أو النصراني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي، ولذا اتفق الفقهاء رحمهم الله على قتل المرتد وعدم إقراره على كفره، ولو بذل الجزية وأعلن خضوعه لسلطان المسلمين، ولا خلاص له من القتل إلا بالرجوع إلى الإسلام، وخالف أبو حنيفة في المرأة، فقال لا تقتل بل تجبر على الإسلام بالضرب والحبس حتى ترجع إلى الإسلام أو تموت، وهذا القول مرجوح لما ورد في إحدى روايات حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن: أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها.
قال الحافظ في الفتح: وسنده حسن، وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه.
بخلاف الكافر الأصلي، فإنه إذا دفع الجزية وخضع لسلطان المسلمين ترك على دينه، ودخل تحت حماية دولة الإسلام، وسبب التغليظ على المرتد لأنه عرف الإسلام ومحاسنه وعدله ثم تركه وعاد إلى الكفر والظلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(16/147)
الخروج من الدين ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا إكراه في الدين، فلماذا نقتل المرتدين؟؟؟
سمعت أن هناك فرقا بين الخروج من الدين والخروج على الدين، أحدهما ردة توجب القتل، والأخرى لا، فما صحة هذا الخبر؟ ... منشور في موقع islamonline]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يصح الاحتجاج بالآية الكريمة: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين [البقرة: 256] . على عدم قتل المرتد، لأن الآية تتحدث عن موقف المسلمين من الكافر الأصلي، والمرتد مسلم فارق الجماعة، ومما يبين ذلك: سبب نزول هذه الآية: وهو أنه لما أجلي بنو النضير -وكان فيهم من تهود من أبناء الأنصار- قالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله "لا إكراه في الدين" رواه أبو داود والنسائي.
ومعنى الآية: أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، فإنه بيّن واضح، جلية دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، قاله ابن كثير في تفسيره.
أما قتل المرتد عن دينه المفارق لجماعة المسلمين، فهذا حكم الله ورسوله.
قال صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري
وقال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:.... والتارك لدينه المفارق للجماعة.
وقتل المرتد مشروط بالاستتابة، فقد دعا أبو موسى الأشعري يهوديا أسلم ثم تهود عشرين ليلة أو قريبا منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى، فضرب عنقه. متفق عليه، واللفظ لأبي داود.
أما لماذا يقتل؟ فلأن الإسلام دين الله، والداخل فيه بينه وبين المسلمين عقد اكتسب من خلاله حقوقا ولزمته واجبات، وإخلاله بما قبل به في الإسلام يلزمه تحمل تبعات فعله، فالإسلام ليس محلا للعبث، والخارج منه لاعب عابث مشكك.
ولو تتبع السائل قوانين الدول الوضعية المعاصرة لوجدها تعاقب من خرج عليها بالإعدام أحيانا أو السجن المؤبد، فكيف يحتج على الإسلام بقتل المرتد عنه وهو دين الله إلى الثقلين!!
أما الفرق بين عبارة الخروج من الدين وبين عبارة الخروج على الدين: فالعبارة الأولى تقصد بها الردة، والعبارة الثانية، يقصد بها مخالفة الدين أصالة، وعدم الدخول فيه لحظة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(16/148)
حكم الملحد في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت عن حكم الملحد في الإسلام ويبدو أنكم لم تفهموا السؤال فأحلتموني إلى أسئلة عن حكم المرتد.. أنا أتكلم عن الملحد الذي لا يؤمن بوجود رب ولم يكن في يوم من الأيام مسلما هل يجوز قتله؟ وهل على الدول الإسلامية قتل الملحدين بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الملحد كافرا أصليا، أي من أبوين كافرين، فإن أمره مفوض إلى ولي الأمر، فإذا بذل له الذمة آخذا بقول من قال من الفقهاء إن الذمة تبذل لكل طوائف الكفار، كما هو مذهب مالك والأوزاعي، فإنه لا يجوز لأحد التعرض له، لا لدمه ولا لعرضه أو ماله.
وأما إن كان لأبوين أحدهما مسلم، واعتنق مذهب الإلحاد حال بلوغه، فإنه مرتد، وتجري عليه أحكام الردة، وبعضها مبين في الفتوى رقم: 13987، و 17707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(16/149)
الردة لا تحبط العمل السابق بمجرد وقوعها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا كفر المسلم بسبب الوقوع فى أي ناقض من نواقض الإسلام، فهل عندما يعود إلى الإسلام بقول الشهادتين يعتبر له ما سلف ويبدأ الملكان بحساب الحسنات والذنوب من جديد، كأنه طفل بلغ فأصبح مكلفا يحاسب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في من اسلم ثم ارتد ثم أسلم هل تحبط الردة عمله السابق بمجرد وقوع الردة، أم أن ذلك مقيد بموته على الردة، فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه كما قال النووي في المجموع إلى إحباطه بمجرد الردة، وذهب الشافعية إلى أن إحباط العمل مقيد بموته على الردة لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] .
ودليل الأولين قول الله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5] .
ولا شك أن آخر هذه الآية يرد على الحنفية ومن وافقهم في ما ذهبوا إليه، فإنه يدل على أن هذه الآية في من مات على الكفر، لأنه قال سبحانه في آخرها وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
ومن مات على الإسلام ليس ذلك شأنه، والمشهور عند الشافعية أن ثواب ما عمله قبل الردة حابط، وإن كان العمل غير حابط أي لا يطالب بإعادة ما فعله قبل الردة.
وأما فعله قبل الردة من الذنوب والسيئات فإنه لا يزال عليه على الراجح، ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما قبله. رواه مسلم.
يقول ابن قدامة رحمه الله في المغني: وأما قوله الإسلام يجب ما قبله، فالمراد به ما فعله في كفره، لأنه لو أراد ما قبل ردته أفضى إلى كون الردة، التي هي أعظم الذنوب مكفرة للذنوب، وأن من كثرت ذنوبه ولزمته حدود يكفر ثم يسلم فتكفَّر ذنوبه وتسقط حدوده. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(16/150)
مجرد التلفظ بالخروج من دين الإسلام بدون رضا بالكفر هل يعتبر ردة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نقطن أماكن ريفية حيث يعم بها عدم الوعي الديني عند النساء بل عند الرجال ففي يوم من الأيام سمعت زوجة تقول لزوجها بعد نقاش بينهما أكون على دين اليهود أو أخرج من دين المسلمين إلى دين النصارى وعندما سئلت عن هذا قالت لا أعلم أنه حرام. فما حكم الدين في ذلك وهل تجوز لزوجها بالرغم من أنها في حالة غضب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم هذا النوع من الحلف، وأنه منكر، وأن صاحبه على خطر عظيم، وتنظر في هذا الفتويين التاليتين: 20908، 2042. وأما الردة فلا يحكم بها على هذه المرأة بمجرد تلفظها بهذا القول، مع قصدها الحث على العمل بمقتضى المحلوف عليه. فتبقى في عصمة زوجها مع الإكثار من الاستغفار، والحرص على عدم العودة إلى مثله في المستقبل.
أما إن قصدت بذلك الرضا بالكفر والاطمئنان به، فقد ارتدت عن الإسلام، فلا تحل لزوجها، إلا إذا تابت ورجعت إلى الإسلام. ولتراجع الفتوى رقم: 25357.
وننبه إلى وجوب الحذر من التلفظ بمثل هذه الألفاظ، والحرص على حل المشاكل التي قد تطرأ بين الزوجين أو غيرهما، بعيدًا عن العصبية والغضب، إذ قد يترتب على ذلك من الأمور ما تسوء عاقبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1424(16/151)
ما يترتب على من لعن الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القول لشخص ما يلعن دينكم يصل به إلى حد الكفر؟ وهل تحرم عليه زوجته؟ وهل تقع طلقة بسبب هذا التحريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعن الدين أو سبه كفر أكبر مخرج من الملة، كما في الفتوى رقم: 133، والفتوى رقم: 29941.
ومن فعل ذلك حرم على زوجته تمكينه من نفسها حتى يتوب ويعود إلى الإسلام، فإن أبى حتى انقضت عدتها فلا تحل له إلا بعقد جديد - إذا أسلم - وتعود إليه بكامل الطلقات، لأن الردة فسخ، وليست بطلاق على الراجح من أقوال أهل العلم. كما في الفتوى رقم: 23647، والفتوى رقم: 25611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(16/152)
كل مرتد هو معاد للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرتد الذي لا يدعو إلى محاربة الإسلام (لا يحاد الإسلام) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم بردة شخص ليس بالأمر الهين، فلا بد أولاً من أن يكون الشخص قد فعل ما يوجب ردته، ولا بد ثانيًّا من إقامة الحجة عليه وتوفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإذا حكمنا بردة شخص فإن حده القتل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: من بدل دنيه فاقتلوه
ولكن تعرض عليه التوبة قبل القتل، فإذا لم يتب قتل، سواء كان يدعو لمحاربة الإسلام أم لا، إلا أن الذي يدعو لمحاربة الإسلام أشد إثمًا وأولى بالقتل، أما قولك "ولا معادٍ الإسلام" فغير صحيح؛ لأن كل مرتد هو معادٍ للإسلام ولا بد.
وننبه إلى أنه ليس من اختصاص عامة الناس الحكم بالردة على أحد، وكذلك إقامة الحد، وإنما ذلك من اختصاص أهل العلم والقضاء، ولا ينفذ الحدود -قتلا كانت أو غيره- إلا القاضي الشرعي وبموافقة ولي الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1424(16/153)
الحد الشرعي للردة
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الردة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لأن يكون خاتماً للأديان السماوية قبله وناسخاً لها، فكل من لم يدخل فيه فهو كافر ضال مخلد في النار إذا مات على ذلك، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
فإذا كان الشخص قد دخل في دين الإسلام ثم ارتد عنه ببعض الأشياء التي يعتبرها العلماء ردة، وهي مفصلة في الفتوى رقم:
8106.
فإنه يستتاب -بمعنى أنه تطلب منه التوبة- ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل، فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ: أن رجلاً قدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قِبَل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس؟ فأخبره أن رجلاً كفر بعد إسلامه، قال ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر: أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله تعالى، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني. كما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه.
ومن الأدلة على قتل من رجع عن الإسلام سواء كان رجلا أو امرأة.. قوله صلى الله عليه وسلم: ومن بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 13987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(16/154)
مذاهب العلماء في حكم زوجة المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يسب الذات الإلهية ثم يتوب ثم يعود فيسب والأمر متواصل هكذا، ما حكم الشرع فيه وماذا على زوجته أن تفعل في هذه الحالة مع العلم أنها نهته في السابق ولكنه لم ينته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم سب الله تعالى وأنه كفر مخرج من الملة فلتراجع الفتوى رقم: 8927، فيها ذكرنا الأدلة على ذلك، وحكم توبة الساب.
وأهل العلم الذين صححوا توبة من سب الله تعالى منهم من يشترط عدم تكرر ذلك منه ثلاثاً؛ ذكر ذلك الحنابلة.
فإن كان في بلد هذا الرجل قضاء شرعي أي محاكم شرعية فالواجب رفع شأنه إلى الحاكم.
وأما عن حكم بقاء الزوجة؟ فأكثر الفقهاء على أن ردة أحد الزوجين توجب فسخ العقد بغير طلاق.
قال العبادي في شرح مختصر القدوري وهو من الحنفية: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت البينونة بينهما فرقة بغير طلاق عندهما -يعني أبا حنيفة وأبا يوسف - وقال محمد إن كانت الردة من الزوج فهي طلاق. انتهى
وقال صاحب درر الحكام -وهو حنفي-: ارتداد أحدهما فسخ عاجل للنكاح غير موقوف على الحكم. وفائدة كونه فسخاً أن عدد الطلاق لا ينتقص به. انتهى
وقال النووي رحمه الله وهو من الشافعية في منهاجه: ولو انفسخ -أي النكاح- بردة بعد وطء فالمسمى -أي فالواجب هو المهر المسمى. انتهى
فقد سمى رحمه الله الفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخاً.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المقنع: وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح، ولا مهر لها إن كانت هي المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر. وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. انتهى
والشاهد من هذا تسميته للفرقة الحاصلة بسبب الردة فسخاً فهذه المذاهب الثلاثة تعتبر الردة فسخاً لا طلاقاً، وإن اختلفوا بعد ذلك متى تحصل الفرقة؟ هل تحصل بالردة؟ أي فور حصول الردة فلا تحل له إن تاب إلا بعقد جديد.. وهذا مذهب الحنفية، أو يفرق بين ما إذا حصلت الردة بعد الدخول فلا تحصل الفرقة إلا إذا انقضت العدة ولم يتب مع منع الوطء قبل التوبة.
وبين ما إذا حصلت الردة قبل الدخول فتحصل الفرقة حالاً. وهذا التفريق هو مذهب الشافعية وإحدى الروايتين عند الحنابلة.
وخالف هؤلاء جميعاً علماء المالكية رحمهم الله فجعلوا الردة طلقة بائنة توجب الفرقة حال حدوث الردة، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: والردة طلقة بائنة ممن كان من الزوجين وهو مذهب المدونة، وروى ابن الماجشون عن مالك أنها فسخ بغير طلاق. انتهى
وتظهر ثمرة الخلاف بين مذهب الجمهور ومذهب المالكية -أي بين القائلين بالفسخ والقائلين بالطلاق- أنه إن تكررت الردة وتكرر تجديد النكاح جاز ذلك ولو لأكثر من ثلاث مرات على مذهب الجمهور.
وأما على القول بأنه طلاق -وهو مذهب المالكية- فإنها تبين منه بينونة كبرى بعد المرة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، والذي يترجح لدينا ما قاله الإمام مالك رحمه الله من أن الردة طلاق بائن لأنها فرقة حصلت بلفظ فأشبهت الطلاق.
وعليه؛ فعلى هذه المرأة أن تمنع نفسها من هذا الرجل؛ لأنه إما إن يكون قد جدد النكاح ثلاث مرات ثم ارتد بعد ذلك فتكون قد بانت منه فلا تحل له إن تاب إلا بعد أن تنكح غيره.
وإما أنه لم يبلغ ذلك العدد فإن حدثت منه الردة فقد بانت منه ولا تحل له إلا بعقد جديد، وحينها نقول لها: هذا لا يصلح زوجاً فإن الشرع ندب إلى اختيار زوج ذي دين، وأي دين مع من يتجرأ على سب الذات الإلهية مراراً!!.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(16/155)
حكم من أطلق الكفر على نفسه إن عمل شيئا ما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في الذي يقول أنا كافر إذا ركبت الباص ومن ثم يركب الباص وما كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قال: أنا كافر إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا، فقد أتى أمراً منكراً وفعل محرماً، لكن هل يكفر بذلك أم لا؟ وهل يعتبر هذا يميناً أم لا؟
الجواب: أنه يكفر إن أراد الرضا بالكفر عند فعل ما علقه عليه، ولا يكفر إن قصد بذلك حثّ نفسه على الترك أو الفعل، قال في تحفة المحتاج: ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق، ويجب عليه إن اعتقد ذلك أن ينطق بالشهادتين، فإن لم يعتقده كفاه الاستغفار، واستحب له الإتيان بالشهادتين، فإن علق أو أراد الرضا بذلك إذا فعل كفر حالاً. انتهى
فإن كان لا يكفر على ما ذكرنا من التفصيل فعليه الكفارة إن فعل ما علق عليه عند الحنفية والحنابلة، ولا كفارة عليه عند المالكية والشافعية.
قال في الفتاوى الهندية العالمكيرية: ولو قال: إذا فعل كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام أو كافر أو يعبد من دون الله، أو يعبد الصليب، أو نحو ذلك مما يكون اعتقاده كفراً، فهو يمين استحساناً. انتهى
وقال في الإنصاف: إن فعل ذلك فقد فعل محرماً بلا نزاع، وعليه كفارة إن فعل، في إحدى الروايتين، وهو المذهب. انتهى
وقال المواق في التاج والإكليل - مالكي -: من المدونة قال مالك: من قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام فليست هذه أيماناً وليستغفر الله مما قال ولا يكون كافراً. انتهى
وقال في مغني المحتاج - شافعي -: فليس بيمين لخلوه عن ذكر اسم الله تعالى وصفته، ولا كفارة عليه في الحنث به، والحلف بذلك معصية والتلفظ به حرام. اهـ.
والراجح من ذلك - والله أعلم - هو مذهب المالكية والشافعية؛ لأن اليمين لا ينعقد إلا بالله تعالى أو اسم من أسمائه أو صفة من صفاته، والأمر هنا ليس كذلك.
وراجع الفتوى رقم:
2042.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(16/156)
ردة الزوج هل هي فسخ أم طلاق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أرتد زوج عن الإسلام وبعد أن عاد إليه أعاد العقد على زوجته فهل انفساخ العقد السابق يعتبر طلاقاً ينقص من عدد الطلقات أم فسخا وما رأي المذاهب الأربعة في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن ارتد عن الإسلام انقطعت العصمة بينه وبين زوجته على التفصيل التالي:
أولاً: إن كانت الزوجة غير مدخول بها، فإن الفرقة تقع ساعة الردة عند عامة الفقهاء ومنهم أهل المذاهب الأربعة.
ثانيًا: إن كانت الزوجة مدخولاً بها، فإن الفرقة تقع ساعة الردة عند أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد.
وذهب الشافعي وهو رواية عن أحمد وهي المذهب إلى أن الفرقة تتوقف على انقضاء العدة. فإن تاب الزوج ورجع إلى الإسلام حال العدة، فهو على النكاح السابق، وإن لم يتب إلا بعد انقضاء العدة وقعت بينهما الفرقة منذ الردة.
وفي كلتا الحالتين تجب عليها العدة على حسب حالها، فإن كانت غير حامل، وهي ممن يحضن، فعدتها ثلاث حيضات، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملاً فتنتهي بالوضع، فالحاصل أنها في الكل كالمطلقة.
والفرقة التي تقع بينهما هل هي فسخ أو طلاق؟ ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنها فسخ لا طلاق، وذهب مالك ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنها طلاق بائن.
ومتى ما وقعت الفرقة بينهما فلا سبيل للزوج عليها، ولها أن تنكح من شاءت بإذن وليها، وإن رغبت في الرجوع إليه بعد إسلامه، وخروجها من العدة، فيكون ذلك بعقد جديد.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية بقاء النكاح بينهما قبل الدخول وبعده؛ وإن انقضت عدتها ما لم تنكح، والأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حق لها عليه، وكذا قال.
والراجح -والله أعلم- أن الفرقة تقع بانقضاء العدة، وأن الفرقة فسخ لا طلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(16/157)
وما كان ربك نسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[يشترط في قبول التوبة أن يقلع صاحبها عن الذنب فورا ويندم على ما فات ويعزم على أن لا يعود إلى ما تاب منه، وأن يرد المظالم أو الحقوق إلى أهلها -
السؤال هو: يرد المظالم إلى أهلها، إذا كان الإنسان قد سرق من الناس الذين كان يعمل معهم مبلغاً كبيراً من المال من غير علمهم ولم يكتشفوه وبحكم ظروفه المادية السيئة لا يستطيع أن يرد هذا المال لأهله هل تبقى في ذمته أم يستغفر الله وبإذنه سيتوب عليه وينسى موضوع السرقة - لأن هذا الإنسان قد تاب إلى الله سبحانه ودائم الاستغفار إلى الله ويريد أن يرتاح من ناحية هذا الموضوع،، ماذا يفعل؟ وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم:
6022، حكم من سرق مالاً وأراد أن يتخلص منه ويتوب إلى الله تعالى.
وننبه السائل إلى أنه إن كان يعني المولى جل جلاله بقوله: ينسى موضوع السرقة- إلى أن هذا القول خطير جداً، وصاحبه يعتبر مرتداً عن الإسلام، فيجب عليه أن يتوب لله تعالى، ولا يعود إلى مثل هذا الكلام، فإن الله تعالى منزه عن النسيان، وسائر صفات النقص: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى [طه:52] .
وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [مريم:64] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(16/158)
حكم الإنفاق على أولاد المرتد من ماله
[السُّؤَالُ]
ـ[أولادي من أب إيطالي أسلم وارتد عن الإسلام وتم الطلاق وهو يرسل لهم مصاريفهم فهل فلوس الكافر حرام للإنفاق على أولاده المسلمين وأنا أعمل ولكن راتبى لا يكفي مصاريفهم- جزاكم الله كل الخير عنا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمال المرتد فيء لعامة المسلمين، يصرف في مصالحهم، وليس لأولاد المرتد اختصاص به، بل إن كانوا فقراء أخذوا من بيت المال ما يكفيهم، وإن مات المرتد لم يرثوا منه شيئاً. هذا هو الأصل في التعامل مع مال المرتد، لكن في مثل حالتكم، إذا ظل المرتد محتفظاً بماله، فلا حرج عليكم في أخذ ما يرسله إليكم ما دمتم محتاجين له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(16/159)
الجني كالإنسي إسلاما وردة وحدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يرتد الجان بعد دخوله في الإسلام وما حكمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجن في ذلك كالإنس، فقد يرتد الجني بعد دخوله في الإسلام كما يرتد الإنسي، وحكمه كحكم الأنسي فيستتاب فإن لم يتب فالقتل، والذي يفعل به ذلك هم مسلمو الجن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(16/160)
الموقف الشرعي من الملحدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الملحد؟ وكيف يتعامل معه المسلم؟ أرجو أن تسرعوا في الرد على سؤالي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه السائل إلى أن تكفير الأعيان ممن ينتسبون للإسلام ليس بالأمر الهين لما يترتب عليه من آثار دنيوية وأخروية.
فإن كان هذا الرجل قد اعتقد أو قال أو فعل ما هو كفر عند علماء المسلمين فإنه قد وقع في الكفر، لكنه لا يحكم بكفره حتى يستوفي شروط تكفير المعين، وتنتفي عنه موانع تكفير المعين، كما هو مبين في الفتوى رقم:
721
فإن استوفى الشروط وانتفت عنه الموانع، فإنه يكفر بعينه، ويعامل معاملة الكافر فلا يجوز تزويجه، ولا أكل ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، وإن مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. وعلى ولي الأمر أن يقيم عليه حد الردة، وليس ذلك لغيره، صوناً للدماء وحفظاً للأنفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(16/161)
أحكام ردة الصبي من حيث الاعتبار والحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ردة الصبي الذي ولد لأبوين مسلمين وما يفعل بحكمه بعد بلوغه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختلف العلماء في اعتبار ردة الصبي المميز، فذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة ردة الصبي، كما جاء في كشاف القناع للحنابلة: وإن عقل -أي الصبي- الإسلام صح إسلامه، وتصح أيضاً ردته إن كان مميزاً.
وفي فتح القدير للحنفية: وارتداد الصبي الذي يعقل ارتدادٌ عند أبي حنفية ومحمد رحمهما الله.
وذهب الشافعية والمالكية إلى عدم صحة ارتداد الصبي، وفي هذا يقول صاحب تحفة المنهاج من الشافعية: ولا تصح ردة صبي ومجنون ومكرَه، لكنهم متفقون على أنه لا يقتل حتى يبلغ، وعلى أنه يجبر على الإسلام، ويُهدد ويحبس على ذلك.
فإذا بلغ، فإنه يستتاب، فإن أصر على الردة قُتل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(16/162)
الإسلام يهدم ماكان قبله
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 16 سنة تعرفت على شاب مصري نصراني فضحك علي الشيطان وآمنت بدينه لمدة 6 أشهر وكنت أصلي معه.
وذا الوقت الحمد لله تعالى عرفت أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذا الوقت أصلي لكنني أريد أن أعرف إذا كان علي أن أعمل شيئاً تجاه قضيتي هذه؟ وشكراً......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعلم أخي أن الإسلام يجب ما قبله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص وفي آخر الحديث قال عمرو: يا رسول الله، أنا أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها.
ولكن عليك أن توثق صلتك بالله تعالى وتتزود من الطاعات والدعاء بأن يثبتك الله على دين الإسلام حتى تلقاه، وانظر الفتوى رقم:
2924 والفتوى رقم:
16351.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(16/163)
توضيح حول عدم إقامة حد الردة على عبيد الله بن جحش
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أحدهم ارتد وتنصر فقال كثير بوجوب قتله هل هذا صحيح وقد قرأت في كتب السيرة عن ارتداد عبيد الله بن جحش وأن النبي لم يأمر بقتله حتى أهلكه الله في الحبشة؟
ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرتد عن الإسلام يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كما هو في الفتوى رقم: 14927،
قال ابن قدامة في المغني: وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد. انتهى
إلا المرأة، فذهب عامة الفقهاء إلى قتلها، وقال بعضهم باسترقاقها، وقال بعضهم بحسبها.
والراجح أنها كالرجل في أحكام الردة، وأما قصة عبيد الله بن جحش وارتداده في الحبشة، فهذا كان في بدء الإسلام.
وأيضاً فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليه حكم الردة، لأنه كان هارباً في بلد لا يخضع لسلطان الإسلام.
ولكننا ننبه السائل وغيره إلى أن الحدود كلها لا يقيمها إلا السلطان، فمن ثبت عليه موجب حال من ردة أو سرقة أو غير ذلك، فالسلطان وحده هو الذي يقيم عليه حد الله تعالى، ومن تسرع وأقام الحد على مستحقيه دون أمر السلطان، فإنه ظالم لنفسه، ويستحق العقوبة من السلطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(16/164)
كيفية رجوع زوجة المرتد النادم لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الأعزاء لدي سؤال عن حكم الدين في من يسب الله وهو لايعلم انه شرك بالله وهو عندما سب والعياذ بالله لم يقصد الذات الالهية بل يقصد سبه لزوجته وعندما كان يتابع هو وزوجته احد البرامج الدينية فسمعا ان سب الله شرك به ولم يكونا يعلمان بذلك من قبل خاصة أن هذه المرة الثالثة تقريبا التي يتلفظ بها وعندماسمعا ذلك ندم اشد الندم والزوجة تسأل الآن هل الندم والتوبة الصادقة يكفيان أم أن الزوجة لم تعد في ذمته وهل هناك عقد قران من جديد أو لا خاصة أنه كما ذكرت لم يكن يقصد وأنه كان في حالة غضب وانه نادم أشد الندم فأرجو أن أجد لديكم توضيحا كاملا لأن الزوجة في حيرة من أمرها.وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب الله كفر مخرج من الإسلام سواء قُصِدَ به سب الأشخاص أم لم يقصد، وسواء كان الساب مازحاً أو جاداً، كما هو مبين في الفتوى رقم:
8927. ولا يعذر أحد بجهله في هذه المسألة لأن حرمتها معلومة من الدين بالضرورة، كما هو مبين في الفتوى رقم:
17875. فعلى من وقع منه ذلك التوبة إلى الله سبحانه والرجوع إليه والاستغفار من جرمه والإكثار من الطاعات والقربات فالله يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
والمرتد تبين منه زوجته، فإن تاب من ردته رجعت إليه زوجته، ولا يلزم العقد بينهما على الراجح من أقوال أهل العلم. وانظر الفتوى رقم: 12447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(16/165)
من انتسب إلى غير الإسلام فهو كما قال
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم رجل مسلم وجه إليه سؤال ما دينك فرد قائلا: أنا مسيحي. وهو مسلم فماذا يجب عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان القائل لهذا القول مكلفاً مختاراً غير مختل العقل ولا مكرها وكان عالما بمعنى قوله، فهو كافر مرتد.
فالردة كما يعرفُّها أهل العلم هي: قطع الإسلام بنية أو قول أو فعل، سواء قاله استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً.
فإذا ثبتت ردة هذا الشخص فتطبق عليه أحكام المرتد المعروفة، من الاستتابة فإن لم يتب قتله وليَّ الأمر، وكذلك التفريق بينه وبين زوجته.....إلخ.
فإن أراد العودة إلى الإسلام فإنه يأتي بالشهادتين ويتبرأ من جميع الأديان سوى دين الإسلام ويغتسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(16/166)
حكم قتل المرتد من دون إذن الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل المرتد من دون إذن الإمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لآحاد الناس قتل المرتد دون إذن السلطان، لأن ذلك يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمَن فيه الحيف ويسبب الفوضى والفتن بين الناس، فوجب أن يفوض إلى السلطان، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام فيه مقامه، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
كما أن الأئمة اتفقوا أيضاً على أن المرتد لو قتله أحد بدون إذن الإمام، فإنه يُعتد بهذا القتل، ولا ضمان على القاتل إذا ثبت ببينة أن المرتد قتل وهو لا يزال مصراً على ردته.
وإنما لم يجب في هذا قود ولا دية مع حرمة إقدام الأفراد على قتله دون أمر من السلطة، لأنه محل غير معصوم فكان مهدر الدم، وردته أباحت دمه في الجملة، ولا يلزم من تحريم القتل الضمان، بدليل عدم ضمان نساء الحرب وذريتهم مع حرمة قصد قتلهم، وعلى من فعل ذلك التعزير لإساءته وافتياته على الإمام.
وراجع الفتوى رقم: 13987 لمعرفة أحكام المرتد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(16/167)
العلة في أقامة الحد على المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، كيف يكون لا إكراه في الدين مع ذلك كان المسلمون يقومون بالغزوات ويقيمون الحد على المرتد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى قوله تعالى: لا إكراه في الدين ... كما قال ابن كثير رحمه الله: أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً
وقال ابن سعدي رحمه الله: ولا منافاة بين هذا المعنى وبين الآيات الكثيرة الموجبة للجهاد، فإن الله أمر بالقتال ليكون الدين كله لله ولدفع اعتداء المعتدين على الدين.
وأجمع المسلمون على أن الجهاد ماض مع البر والفاجر، وأنه من الفروض المستمرة الجهاد القولي والجهاد الفعلي.
ومن هنا نعلم أن المسلمين ما كانوا يغزون ولا يقاتلون ليكرهوا الناس على الدخول في الدين، وإنما كانوا يقاتلون ليرفعوا راية لا إله إلا الله حتى تكون كلمة لله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
وأما الذين كانوا مسلمين فارتدوا على أعقابهم فهؤلاء لهم أحكام كثيرة فصلها الفقهاء في كتبهم، وما يقام عليهم من الحد ليس لإكراههم على الدخول في الدين، وإنما عقوبة لهم على كفرهم برب العالمين بعد أن اتضحت لهم سبيل الهدى واستظلوا بظل الإسلام واطلعوا على سماحته وصلاحيته لكل الناس وعلموا أنه هو الدين الحق المنزل من عند الله. ويجب التنبه إلى أن حد الردة كغيره من الحدود التي لا يقيمها إلا السلطان، فلا يجوز لأفراد المسلمين إقامتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(16/168)
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يعتنق الديانةالنصرانية ويسلك طريقهم في العبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ترك دين الإسلام واعتناق المسيحية ردة يستحق فاعلها القتل بعد أن يستتاب، فإن تاب ورجع إلى دينه الحنيف سقط عنه الحد، ودليل قتل المرتد قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري وأحمد وليعلم السائل أن الإسلام نسخ جميع الرسالات السابقة وأبطل العمل بأحكامها، ولذلك قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) [النساء:47] وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) [المائدة: من الآية3] وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن الله تعالى لا يقبل غير هذا الدين من أحد مهما كان، وأن الله دعا أهل الكتاب إلى ذلك، فأهل الكتاب مأمورون بترك دينهم واعتناق دين الإسلام، ومن لم يفعل ذلك منهم فهو من أهل النار، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1423(16/169)
الأدلة الواقعية والنقلية على وجوب قتل المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2- ما هي نظرة الإسلام إلى الإعدام؟ وهل يمكن اعتبار قتل المرتد إعداماً؟ وما هي الأدلة من الكتاب والسنة التي تجيز قتل ومقاتلة المرتدين؟
جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام قد شرع عقوبة القتل علاجاً لبعض الجرائم التي يستحق فاعلها تلك العقوبة تطهيراً له من رجس ما ارتكب، وزجراً لغيره عن ارتكابها في المستقبل ومن ذلك جريمة الردة، وهي أن يرجع المكلف المعتنق لدين الإسلام عن إسلامه، أو يكفر بشيء معلوم منه ضرورة. وهذه العقوبة لا تعارض حرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام للناس، لأن البشر جميعاً يبحثون عن نظام حكم يخضعون له يحقق لهم مصالحهم، ويحفظ لهم حقوقهم، ويصون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ولن يجدوا ذلك في غير النظام الإسلامي، لأن الإسلام دين الله الذي نزله رحمة للناس جميعاً (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء:107] وعليه، فالبشر جميعاً مطلوب منهم الخضوع لسلطان الإسلام، مع كونه لا يلزمهم باعتناقه قسراً انطلاقاً من قوله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) [البقرة:256] فمن أراد من أهل الكفر أن يبقى على دينه فهو وذاك، ولا يتعرض له المسلمون بأذى ما دام لم يخل بعقد ذمته مع المسلمين، لكن هذه الحرية التي أعطيت له في البقاء على دينه لا تساوي بينه وبين المسلمين لا في الدنيا ولا في الآخرة، فليس المسلم كالكافر، قال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية:21] فمن القسط والعدل أن النظام الإسلامي يعطي كل فرد من رعايا الدولة المسلمة ما يستحقه من حقوق، فالمسلم الذي يدين بهذا النظام ويواليه وينصره، لا ينبغي أن يستوي في الأحكام الدنيوية والأخروية مع غيره.
وهذا معروف في عرف جميع الدول قديماً وحديثاً أنها لا تسوي في أحكامها بين من يحمل جنسيتها وبين من يقيم فيها دون أن يحمل الجنسية. أما من اعتنق الإسلام ثم كفر به فقد ارتكب جريمة عظمى يستحق بموجبها القتل إن لم يرجع عن جريمته. لأنه ترك الدين الذي أوجبه على نفسه بعقده وفارق جماعة المسلمين، وهذا عبث في دين الله وإفساد للمجتمع المسلم، وأصبح المرتد عضواً فاسداً في جسم المجتمع المسلم يجب بتره حتى لا يسري فساده إلى بقية أعضاء المجتمع. ولكن لا يبتر إلا بعد اليأس من علاجه، فالمرتد يستتاب قبل قتله ويطلب منه الرجوع إلى الإسلام قبل إعدامه، فإن أصر على كفره ورفض الالتزام بما عقده على نفسه سابقاً من التزام الإسلام قتل حداً، ويكون بذلك هو الذي جنى على نفسه بإصراره على الردة.
والأنظمة الوضعية التي تستهجن هذه العقوبة معظمها يعد الخروج عن النظام وخرق الدستور في دولها جريمة عظمى قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، أو السجن المؤبد، فكيف تكون خيانة الدين والكفر به والتمرد على النظام الإسلامي الذي أقر به الشخص على نفسه ورضي به طائعاً -أقول: كيف يكون أقل جرماً من الخروج على نظم ودساتير وضعها البشر ما أنزل الله بها من سلطان. والأدلة على قتل وقتال المرتد كثيرة:
منها قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة:217] وقد استدل بها الشافعي وغيره. ومنها ما رواه الجماعة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وما رواه أحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاثة: إلا من زنا بعد ما أحصن، أو كفر بعد ما أسلم، أو قتل نفساً فقتل بها" وروى مسلم معناه. ومنها إجماع الصحابة على قتال من ارتد عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل الإجماع غير واحد، قال ابن قدامة: (وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد) والمرأة المرتدة كالرجل عند عامة الفقهاء، وقال أبو حنيفة: تجبر على الإسلام بالحبس والضرب ولا تقتل، والراجح أنها كالرجل في حكم الردة. ثم بعد هذا كله علينا أن نعلم أن حكم الردة من الأحكام التي لا يجوز للأفراد أن يقوموا بتطبيقها، فلا تطبق إلا بعد أن تقوم البينة على صاحبها، ثم يستتاب ثلاثة أيام، ولا يتم ذلك إلا عند قاض شرعي ذي سلطان وقدرة على التنفيذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1422(16/170)
موقف الأولاد تجاه الوالد الذي يسب الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي إنسان يسب الدين والرب ويكفرولا يصلي وأمي إنسانة محافظة تصلي وتصوم وتؤدي كل ما عليها من واجب إلا حق أبي عليها بدأت تقصر فيه نظرا لأعماله الشريرة كما ذكرت.
نخن والجمد لله ملتزمون دينيا وحفظة قرآن وأبناء مساجد ونغار على الدين والعرض.
ما هو العمل مع إنسان مثل أبي. كيف نعامله وكيف تعامله أمي مع العلم أنه لم يقصر في تربيتنا إلا من ناحية الدين فقط وقد أعطانا أحسن ما وجد وهو المعيل الوحيد للأسرة.
وقد فشلت كل محاولاتنا معه فكلما نقول له نصيحيه يرد كاذبا انه يصلي ولم يعد يسب الدين. والحياة جحيم بسببه الان.
افيدوني انصحوني علموني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الرجل الذي ذكرت مواصفاته كافر، خارج عن الإسلام، والعياذ بالله. وعليه فلا صلة بينه وبين زوجته ما دامت تلك حالته، أما أبناؤه فعليهم أن يعاملوه معاملة الأب الكافر، وقد سبقت الإجابة عليها برقم:
2674
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1422(16/171)
توبة المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي المفتي لقد قمت بالأمس بشتم الذات الإلهية بسبب مشكلة كبيرة وهي أول مرة في حياتي أقوم بالتفوه بهذة الشتيمة وأنا نادمة جدا وأشعر بشيء يخنقني يا والدي مع أنني أقوم بالفرائض ووالله أكتب إليكم وأنا أكبت في نفسي آهات وويلات مما حدث معي أفيدوني بأسرع ما يمكن وأنا طالبة جامعية من فلسطين المحتلة وعمري 21عاما وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن سب الله سبحانه وتعالى فقد كفر نص على ذلك أهل العلم قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني:12/298) : (فصل: ومن سب الله تعالى، كفر سواء كان مازحاً أو جاداً. وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (التوبة:65) . انتهى.
ولا يصدر ذلك إلا عمن استحكمت غفلته وقسا قلبه، فإن تاب وندم على ما صدر منه، فهل تقبل توبته؟ اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب جمهور أهل العلم - الحنفية والحنابلة وهو الراجح عند المالكية - أن توبته مقبولة إن صحت وصدقت وعليه فالواجب عليك أن تكثري من فعل الصالحات وتجتهدي في الطاعات عسى الله أن يتوب عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1422(16/172)
حكم من عاشر مطلقته
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت العام الماضي لأداء فريضة الحج، وبعد عودتي قابلت مطلقتي وعاشرتها جنسيا ولكني استغفرت الله بعدها. فماذا أفعل لأكفر عن ما فعلت وهل حجتي ضاعت أم ماذا أفتوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا طلقت المرأة طلاقا رجعيا فإنها تحرم على زوجها إذا انتهت مدة العدة دون ارتجاع, أما إذا طلقت طلاقا بائنا فإنها تحرم عليه بمجرد الطلاق.
وعليه؛ فإن كان وطؤك لمطلقتك وطئا محرما بأن تكون قد جامعتها بعد انتهاء العدة في حال الطلاق الرجعي, أو بعد الطلاق ولو في العدة في حال البائن فإن فعلك هذا هو صريح الزنا الموجب لغضب الله وعذابه, فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه من ذلك توبة صادقة نصوحا وتكثر من الأعمال الصالحة المكفرة. قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود:114} . وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
وهذا الفعل – مع شناعته – لا يؤثر على صحة الحج ما دام قد وقع صحيحا مستوفيا الشروط والأركان, وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 108745.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1430(16/173)
حكم الزنا في ليلة من رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زنا خلال رمضان بعد صلاة التراويح من خلال المذهب المالكي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا معصية شنيعة وكبيرة من الكبائر ثبت التحذير منها والتشنيع على فاعلها فى رمضان وغيره، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. متفق عليه.
وتحريم الزنا أمر مجمع عليه عند أهل العلم قاطبة لا فرق في ذلك بين المالكية وغيرهم.
قال القرطبي المالكي في تفسيره: والزنا من الكبائر، ولا خلاف فيه وفي قبحه لا سيما بحليلة الجار، وينشأ عنه استخدام ولد الغير واتخاذه ابنا وغير ذلك من الميراث وفاسد الأنساب باختلاط المياه. انتهى.
ولا شك أن رمضان شهر عظيم ينبغي أن يستغل في التنافس في الأعمال الصالحة من صيام وقيام وإنفاق، أما الزنا فيه فهو أشد عقوبة وإثما من الزنا فى زمان آخر، لأن المعصية يعظم إثمها بحسب الزمان والمكان، كما يعظم ثواب الطاعة كذلك، قال النفراوي المالكي فى الفواكه الدواني: وإنما خص رمضان بالذكر وإن شاركه غيره في هذا، لأن المعصية فيه أشد، إذ المعاصي تغلظ بالزمان والمكان، فمن عصى الله في الحرم أعظم حرمة ممن عصاه خارجا عنه، ومن عصاه في مكة أعظم حرمة ممن عصاه في خارجها. انتهى.
وقال ابن مفلح الحنبلي فى الآداب الشرعية: زيادة الوزر كزيادة الأجر في الأزمنة والأمكنة المعظمة.
قال الشيخ تقي الدين: المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان. انتهى كلامه، وهو معنى كلام ابن الجوزي وغيره.
والواجب على الشخص المذكور أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى ويجتهد في الإكثار من الاستغفار والإقبال على الطاعات فيما بقي من هذا الشهر الكريم لعل الله تعالى يتقبل توبته ويمحو عنه ما ارتكب من كبيرة أثناء هذا الزمن الفاضل الذي يضاعف فيه ثواب الطاعة وإثم المعصية كما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1430(16/174)
مدى صحة قصة المثل: دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا
[السُّؤَالُ]
ـ[أسال عن مدى صحة قصة دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا. ولو كانت صحيحة فكيف التوفيق بينها وبين قوله تعالى: لا تزر وازرة وزر أخرى. فكيف أعصى الله بزنا فيكون العقاب على زوجتى والضرر يكون على أهلها أيضا رغم أنهم لم يذنبوا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقصة المشار إليها قد ذكرها صاحب تفسير روح البيان بقوله: حكي أن رجلاً سَقَّاء بمدينة بخار، كان يحمل الماء..... تفسير روح البيان.
وقد وردت بعض الأحاديث في هذا المعنى، كحديث: من زنى زُنِىَ به ولو بحيطان داره. لكن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء يصلح للاستدلال على ثبوت هذه القاعدة، ومع ذلك فلا يظهر لنا تعارض بين مكافأة الزاني بهتك عرضه وبين قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الأنعام:164} . فإنّ من يقع في المعصية من أهل الزاني لا يعاقب بذنب غيره، وإنّما يقع في المعصية بكسبه وتفريطه ويعاقب على ذنبه.
وعلى كلّ حال فلا يخفى على المسلم أنّ الزنا من الكبائر التي تجلب غضب الله، وما ورد فيه من الوعيد في الآخرة يكفي زاجراً لمن كان له قلب، كما ننبّه على أنّ الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً، فإن التوبة تمحو أثر الذنب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1430(16/175)
حكم إتيان البهيمة وهل تقتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في من عاشر بهيمة؟ واذا كان الفاعل لا يعرف الحكم فما حكمه؟ وهل كل المذاهب مجتمعة على رأي واحد فى ذلك؟ وإذا كانت البهيمة تقتل فما ذنبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإتيان البهائم فعل منكر مخالف للفطرة، ومعصية من أقبح المعاصي، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من وقع على بهيمة. رواه أحمد. وصححه الألباني.
وقد اتفق العلماء على تحريم هذا الفعل.
قال الشوكاني: وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة. نيل الأوطار.
واختلف العلماء في العقوبة الدنيوية لفاعل هذه الجريمة، فذهب الجمهور إلى أنّه يستحق التعزير، وذهب بعضهم إلى وجوب حدّ الزنا عليه فيجلد إن كان بكراً ويرجم إن كان ثيباً، وذهب بعضهم إلى قتله بكلّ حال وقتل البهيمة.
قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد في الذي يأتي البهيمة فروي عنه أنه يعزّر ولا حدّ عليه روي ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وهو قول للشافعي والرواية الثانية حكمه حكم اللائط سواء. وقال الحسن: حدّه حدّ الزاني، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وغيره. المغني.
وأمّا عن كون الفاعل لا يعرف تحريم هذا الفعل، فهذا غير مقبول في حقّ من نشأ في بلاد المسلمين، لأنّ هذا الأمر لا يخفى تحريمه على مسلم بل هو أمر مستنكر بالفطرة، فلا يتصور في بلاد الإسلام خفاء حكمه.
قال في منح الجليل: قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: لأن الإسلام فشا فلا أحد يجهل شيئا من حدوده.
وأمّا علة قتل البهيمة عند من قال بقتلها.
فقال ابن قدامة: واختلف في علة قتلها فقيل إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ويذكر برؤيتها، وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. قالوا يا رسول الله ما بال البهيمة؟ قال: لا يقال هذه وهذه. وقيل: لئلا تلد خلقا مشوها وقيل: لئلا تؤكل وإليه أشار ابن عباس في تعليله. المغني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(16/176)
الأولى للزوج أن يمسك زوجته إن زنت وتابت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت سؤالا سابقا برقم: 2239774، وقد أحلتموني على أسئلة سابقة لم أجد ما يشفي غليلي فيها والسؤال مرة ثانية: جزاكم الله خيراـ عن الإسلام والمسلمين.
زنت الزوجة، وزوجها بعيد عنها في سفر لكسب العيش ثم أنجبت من هذا الزنا واعترفت لزوجها بذلك
والسؤال: الزوج يريد الستر عليها ـ لوجه الله عز وجل ـ وخصوصا بعدما أظهرت التوبة والالتزام، ولكن ما حكم استمرار العلاقة الزوجية الآن؟ هل تظل زوجة له بعد اعترافها بهذه الجريمة وبعد أن سامحها؟ أم ماذا يفعل وخصوصا بعد مضي 10 سنوات من فعلها لهذه الجريمة وله منها 4 أولاد؟.
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعتراف الزوجة لزوجها بهذه الجريمة الشنيعة لا يقطع علاقة الزوجية، فما لم يحصل بينهما طلاق أو خلع أو فسخ فهي زوجته، وما ولدت على فراشه فهو ولده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. متفق عليه.
ولا يملك الزوج نفي نسب الولد إلا باللعان، قال ابن قدامة: ولا ينتفي ولد المرأة إلا باللعان. العمدة ـ1ـ431.
فإذا تيقن الزوج أن هذا الولد ليس ولده وأراد أن ينفيه فعليه أن ينفيه باللعان، ويعلم الزوج كون الولد ليس منه بأن تكون الزوجة قد ولدته بعد غياب زوجها عنها بأكثر من أقصى مدة للحمل، ويشترط لجواز نفي الولد باللعان أن يكون فور العلم بالولادة إلا إن كان هناك عذر في التأخير وهذا القدر يقدره القاضي، وانظر الفتوى رقم: 59172.
وإذا كانت هذه الزوجة قد ظهر من حالها التوبة الصادقة من هذه الجريمة، فالأولى لزوجها أن يمسكها ولا يطلقها، وعليه أن يسترعليها، مع الحرص على القيام بالواجبات في البيت وتجنب الغياب الطويل دون عذر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1430(16/177)
كفارة من وقع مع فتاة بالزنا الأصغر
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتبطت بفتاة ووقعت معها في الزنا الأصغر واختلينا أكثر من مرة وأنا أريد أن أخطبها، ولكننا تبنا إلى الله وندمنا أشد الندم وعزمنا أن لا نعصي الله أبدا، ولكنها رفضت الخطبة لأنها تخاف عذاب الله وتقول إنها لاتريد العودة إلي، لكى تعذب نفسها بالابتعاد عني، فهل يجوزهذا؟ وهل يجوز لى خطبتها؟ مع العلم أننا لا نلتقي كثيرا ومع وجود النية الصادقة للتوبة، فكيف نتأكد أن الله تاب علينا؟ وماهى الكفارة أو الحد؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري مقصودك بالزنا الأصغر على وجه التحديد فإن كنت تقصد به مقدمات الزنا من تقبيل ولمس ونحو ذلك فالواجب عليك أن تستغفر الله سبحانه وتتوب إليه وتصدق في توبتك ولن يتحقق ذلك إلا بقطع كل علاقة لك بهذه الفتاة فلا تراها ولا تراك ولا تحدثها ولا تحدثك، فإن كنت خطبتها فأت البيوت من أبوابها واذهب إلى وليها واخطبها منه فإن وافقت الفتاة ووافق وليها فأتموا الزواج على بركة الله، وإن رفضت هي أو وليها فانصرف عنها وابحث عن غيرها من ذوات الدين والخلق، أما عن كفارة هذا الفعل فتتلخص في صدق التوبة إلى الله سبحانه ثم الإكثار من الأعمال الصالحة، فإنها سبب في تكفير السيئات قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
وفي سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
واعلم أن مثل هذه الأمورلا حد فيها وإنما فيها التعزير من السلطان إن اطلع عليها، ولا ينبغي لك أن تطلع أحدا على ما صار، واستتر بستر الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1430(16/178)
زنا دون زنا
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب منذ سنة وحدث بيني وبينه الآتي: التقينا ذات يوم وقمنا بتقبيل كل واحد منا الآخر في جميع أنحاء جسمه حتى الفرج،لكن لم يتم إيلاج ذكره في فرجي، مع العلم أني توجهت بعدها إلى طبيبة أخصائية وأثبتت عذريتي. فهل يعتبر هذا السلوك الوقح زنى؟ وبعدها تقدم لخطبتي لكني أصبحت أكرهه ولا أطيق التكلم معه، مع أني أشعر أني أشفق عليه. فماذا أفعل؟ الرجاء الإجابة فأنا على حافة الجنون؟ مع العلم أن والدتي لم ترض به. فهل أبقى معه رغما عني لأني ارتكبت معه ذك الذنب وأشعر أني سوف أدمر حياته إن ابتعدت عنه لأنه يحبني كثيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك التوبة إلى الله جل وعلا مما كان منك من انتهاك حدوده وحرماته بما فعلت مع هذا الرجل, ثم اعلمي أن من تمام التوبة أن تقطعي علاقتك به تماما فلا يراك ولا تريه، واحذري أن يستدرجك الشيطان من جهة الشفقة عليه أو غير ذلك مما يزين الشيطان.
وهذا الفعل لا يعتبر من الزنا الموجب للحد لأن الزنا بهذا المعنى لا بد فيه من إيلاج الذكر كله أو بعضه.
جاء في حاشية الجمل في تعريف الزنا: فيقال في تعريفه شرعا هو: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بلا شبهة. انتهى.
ولكن هذا لا يقلل من بشاعة فعلكما، وقد ثبت في بعض الأحاديث تسميته زنا على جهة المجاز , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقاً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب. فكل هذا أنواع من الزنا المجازي. انتهى.
وقَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ, وَلِذَلِكَ قَال: وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أو َيُكَذِّبهُ. انتهى نقلا عن فتح الباري.
أما بخصوص الزواج من هذا الرجل، فما دمت قد أصبحت تكرهينه ولا ترغبين في الارتباط به فإنا ننصحك بالانصراف عنه خصوصا مع ما ذكرت من رفض أمك له, واسألي الله سبحانه أن يمن عليك بزوج صالح يعينك على طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(16/179)
الترهيب من مفاخذة الأخ لأخته الصغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مفاخذة الرجل لأخته الصغيرة 12عاما، وهل هي لواط أو زنى؟ وكيف يتوب عن ذلك وهو لا يستطيع علما بأنه متزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ممارسة شيء من مقدمات الزنا أو اللواط محرم، ولو كانت المرأة أجنبية فضلاً عن أن تكون محرماً، ففعل ذلك مع المحارم أشد قبحاً وأكبر جرماً، وأمر مخالف للفطرة السوية، إذ الأصل أن يحرص المرء على أن يصون عرضه ويدافع عنه. فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى على الفور توبة نصوحا، وتتبع سيئاتك بحسنات ماحيات، وأن تعود إلى فطرتك. كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38842، 100013، 24441، 70066. وراجع في شروط التوبة الفتوى رقم: 5450.
وهذا الفعل المذكور في السؤال وإن كان ليس بزنا ولا لواط يوجب الحد، إلا أنه جرم عظيم وذنب كبير، وقد سبق أن بينا التعريف الشرعي للزنا واللواط في الفتويين: 68645، 22549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(16/180)
لا يشترط لمن تاب من مداعبة امرأة متزوجة أن يستسمح زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بالتقرب من امرأة متزوجة، ولكن لم أفعل معها الحرام بشكل كامل. أي فقط مداعبة وعناق وسمعت أن هنالك حديثا يقول بأنني لن أدخل الجنة أبدا حتى يقوم زوجها بمسامحتي، مع العلم بأنها هي وزوجها غير مسلمين، إنهم مسيحيون. فهل هنالك كفارة؟ وماذا أفعل؟ أرجو إجابتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي سمعت عنه الظاهر أنه في من زنا بزوجة مجاهد في سبيل الله، فعن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ. رواه مسلم.
قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَخُون الْمُجَاهِد فِي أَهْله: إِنَّ الْمُجَاهِد يَأْخُذ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ حَسَنَاته مَا شَاءَ فَمَا ظَنّكُمْ؟ مَعْنَاهُ: مَا تَظُنُّونَ فِي رَغْبَته فِي أَخْذ حَسَنَاته، وَالِاسْتِكْثَار مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَام، أَيْ: لَا يُبْقِي مِنْهَا شَيْئًا إِنْ أَمْكَنَهُ وَاللَّهُ أَعْلَم. اهـ من شرح النووي على مسلم.
وقال المناوي: أي فما ظنكم بمن أحله الله بهذه المنزلة وخصه بهذه الفضيلة. اهـ من فيض القدير.
والراجح عندنا أنّ التوبة من الزنا لا يشترط فيها إخبار زوج من زنا بها ولا استحلاله، وانظر الفتوى رقم: 122218.
وأمّا كفارة مافعلته مع تلك المرأة فهو التوبة النصوح، وذلك بالإقلاع عن هذا الذنب، والندم على فعله، والعزم الصادق على عدم العود له، والإكثار من الأعمال الصالحة، وعليك أن تستر على نفسك، ولا تخبر أحداً بما فعلت، ف في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وإذا لم تكن متزوجاً فعليك بالتعجيل بالزواج متى أمكنك، وإلى أن تتمكن من الزواج فعليك بالصوم مع حفظ السمع والبصر، والحرص على صحبة الأخيار الذين يعينونك على الطاعة، ويذكرونك بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(16/181)
دعاء الزانية المطاوعة على من زنى بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت على علاقة غير شرعية بفتاة لم أزن بها دخول المرود بالمكحل، ولكن مداعبات، كشفت لي جسدها كله، وكشفت لها عورتي، ومداعبات من هذا القبيل. فعلنا كل شيء إلا الإيلاج، وتبت عنها وقاطعتها. ولذلك تدعو علي وعلى أولادي. الأمر الذي أثر في كثيرا، ولكني لا أريد الرجوع لما كنت عليه، علما بأنني أنا من راودها عن نفسها، وهي لم تبد أي اعتراض على ذلك، وأنا لم أخدعها بقولي أنني سوف أتزوجها. والله كانت عندما تقول لي لنتزوج أقول لا أريد وليست عندي النية في الزواج بك.
أنا لم أخدعها أبدا ولم أغصبها أو أغتصبها، مجرد إعجاب بها وإعجابها بي تحول إلى زنا بدون إيلاج.
المشكلة الآن هي تحملني المسؤولية عن فعلها الزنا معي، وتدعو على أولادي، شوروا علي هداني وإياكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما حدث بينك وبين هذه الفتاة مما ذكرت من ممارسات حرام لا خلاف في حرمته، وهو مما يعرض لسخط الله وغضبه, فإن الله سبحانه يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه, وقد بينا حرمة هذا في الفتاوى رقم: 78887، 111728 , 115497.
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه توبة صادقة، ومن تمام التوبة أن تقطع علاقتك بهذه الفتاة فلا تعاملها لا في قليل ولا كثير, ولا تلتفت إلى أي محاولة منها لردك إلى علاقتك السابقة بها.
فإن أخلصت في توبتك إلى ربك وصدقت فيها فلن يضرك دعاؤها هذا – إن شاء الله – لأنها كانت مطاوعة لك على أفعالك ولم تكرهها على هذه المنكرات, ومعلوم أن الزانية المطاوعة لا حق لها , فدعاؤها عليك إذاً في غير محله.
مع التنبيه على أن ما حدث بينكما من هذه الممارسات المحرمة إنما يطلق عليها اسم الزنا على سبيل المجاز, وليست من الزنا الحقيقي الذي يوجب الحد لصاحبه, لأن الزنا الحقيقي لا يتحقق إلا بإيلاج الحشفة أو قدرها في الفرج, جاء في حاشية الجمل في تعريف الزنا: فيقال في تعريفه شرعا هو: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بلا شبهة. انتهى
فلو حدث هذا الإيلاج فقد حدث الزنا ولو كان بحائل، كأن كان من وراء الملابس ونحو ذلك, جاء في مغني المحتاج: وحقيقته الشرعية الموجبة للحد (إيلاج) حشفة أو قدرها من (الذكر) المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفا في خرقة (بفرج) (محرم) في نفس الأمر (لعينه) أي الإيلاج (خال عن الشبهة) المسقطة للحد (مشتهى) طبعا بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1430(16/182)
مقترف الزنا أعظم إثما ممن يكتفي بمجرد النظر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل الذي يرى الجنس كفاعله، وكيف تنزع عنه هذه المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف في أن رؤية مثل هذه المنكرات المتعلقة بالأمور الجنسية من كشف العورات والصور العارية والأفلام الخليعة ونحوها من المحرمات التي تعرض صاحبها إلى غضب الله وعقابه، وهذا من زنا العين الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقاً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب فكل هذا أنواع من الزنا المجازي.... انتهى.
وقَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله: سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ، وَلِذَلِكَ قَال: وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أو َيُكَذِّبهُ. انتهى نقلا عن فتح الباري.
والمداوم على مشاهدة هذه المنكرات يوشك أن يواقعها ويلج في مستنقعاتها الآسنة.
ولكن مع هذا فإن الذي يمارس هذه الفواحش ويفعلها أعظم إثما من الذي يكتفي بمجرد النظر والمشاهدة. وهذا لا خلاف فيه.
وقد بينا في الفتوى رقم: 6617 نصائح لمن أدمن الوقوع في مشاهدة مثل هذه الفواحش، وقدمنا في الفتوى رقم: 6995 نصائح لمن غلبته شهوته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(16/183)
ترك الزنا مع إصراره على النظر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا- سامحني الله على غلطي- زنيت مع بنت، وتبت إلى الله لكني أراها دائما، وتجلس معي كثيرا في الشقة أمام الأب والأم، وقد تاب الله علي ولن ألمسها أبدا. أريد حكم الزنا؟ هل يتوب الله علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أنك أتيت ذنبا كبيرا وجرما قبيحا، وقد سبق بيان حكم الزنا مفصلا في الفتويين رقم: 96395، 97292.
ومع هذا فإنك إذا أخلصت التوبة إلى الله فإنه سبحانه وتعالى غفار لمن تاب، وانظر شروط التوبة الصادقة في الفتوى رقم: 24611. فمن حقق هذه الشروط فهو إن شاء الله من التائبين حقا، والله عز وجل قد وعد بقبول توبة التائبين بقوله: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى: 25} . يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: قد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا. {النور:31} ووعد القبول فقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ. وفتح باب الرجاء فقال: لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله. انتهى.
واعلم أيها السائل أن عليك أن تقطع علاقتك تماما بهذه الفتاة فلا تراها ولا تراك، ولا تحدثها ولا تحدثك، أما أن تتوب من الزنا ثم تجالسها في كثير من الأوقات، فهذا لا يفيدك، ويوشك أن يستزلك الشيطان إلى الفاحشة مرة أخرى.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: قال في رجل قال: لو ضربت ما زنيت ولكن لا أترك النظر، فقال أحمد رضي الله عنه: ما ينفعه ذلك، فسلبه الانتفاع بترك الزنا مع إصراره على مقدماته وهو النظر. انتهى.
وجاء في ذم الهوى لابن الجوزي: عن أبي بكر المروزي قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله إلا أنه لا يدع النظر، فقال: أي توبة هذه. انتهى.
واعلم أن علم أبيك وأمك بعلاقتك بهذه الفتاة وحضورهما لمجلسكما لا يغير من الأمر شيئا، فالواجب عليك أن تتقي الله سبحانه وتجتنب لقاء هذه الفتاة مطلقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(16/184)
الترهيب من إساءة الظن بامرأة اختطفتها عصابة مجرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة كانت مسافرة مع زوجها. تركها بمحطة الحافلات وذهب يشتري بعض اللوازم. ولما رجع لم يجدها. بحث عنها طويلا وأعلم مركز الشرطة، وأعلم أهله وأهلها، طفق الجميع يبحثون عنها. وبعد مدة شهر رجعت إلى زوجها وهي في حالة نفسية وصحية متدهورة جدا.
أعلنت وبتأثر شديد أنه اختطفتها عصابة إجرامية. ومنذ كل تلك الفترة كانت تحاول الإفلات من تلك العصابة. فأعانها الله العلي القدير ونجت بروحها.
لكن بعض أهل السوء ينفثون في آذان زوجها وأبيه أن هذه السيدة لم تعد صالحة كزوجة، مع العلم أنه ليس لها ذنب ولا يد فيما حصل لها. سيدي الفاضل أرجوك أن توجه نصيحة الإسلام الحنيف بالخصوص وأستسمحك على هذا الإلحاح كي توجه هذه النصيحة الغالية (لزوجها ولوالده) كي يرعويا ويحفظا هذه المسكينة؟
ولا سيما أن هذين الآخرين جعلا يلمحان بكلام بذيء، وأحيانا يعيرانها وكأنها قامت بخيانة زوجها. هذا ومع العلم أن أولئك المغرضين ينفثون في روع زوجها وأبيه أنه من المؤكد قد اغتصبها أولئك المختطفون. سيدي الفاضل أريد أن أحمل جوابكم إلى زوجها وأبيه (لأنهما من عائلتي) بنفسي أبتغي المساعدة على إبقاء هذه المسكينة في منزلها، وأن لا تصبح مشردة مقهورة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا في سعيك في سبيل الخير، ونسأله سبحانه أن يكتب لك ذلك في ميزان حسناتك.
وينبغي أن يعلم أن الأصل في المسلم السلامة، وأن الواجب حسن الظن به ما لم يتبين أن الأمر على خلاف ذلك، فلا يجوز أن يساء الظن بهذه المرأة من قبل زوجها أو أبيها أو غيرهما، ونذكرهما بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
والأمر أخطر والذنب أعظم إذا اتهمها أحد بفعل الفاحشة اختيارا من غير بينة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ {النور:23-25} .
ولو فرضنا أن هذه المرأة قد فعل بها هؤلاء المجرمون الفاحشة، وكانت مكرهة على ذلك، فإنها لا يلحقها إثم، لأن التكليف مرفوع بمثل هذا الإكراه، كما بينا بالفتوى رقم: 36899. وهنالك أحكام أخرى تتعلق بالزوجة المغتصبة فمن المهم مراجعتها بالفتوى رقم: 97924.
والقول بأن هذه المرأة لا تصلح زوجة لمجرد هذا الأمر الذي حدث لها قول مجانب للصواب لا يجوز الالتفات إليه، وننصح بأن يستعان ببعض أهل العلم وأهل الفضل والعقلاء من أهل الزوج وأهل الزوجة لتدارك الأمر ولئلا يحدث ما لا تحمد عقباه.
وننبه إلى وجوب الحذر من وجود المرأة في أماكن يمكن أن تتعرض فيها لشيء من الخطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(16/185)
زنا بكافرة فحملت فماذا عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص ارتكبت الفاحشة مع امرأة غير مسلمة أجنبية، وتبين أنها حامل منذ ما يقارب 10 أيام، وتريد أن تربي الطفل في الخارج. فما حكم الإجهاض هنا وما الحل الأنسب لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لا علاقة لك بهذا الولد ولا يجب عليك شيء تجاهه، ويجب عليك أن تقطع علاقتك بهذه الفاجرة وأن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
وراجع بعض النصائح المعينة على التوبة بإذن الله في الفتوى رقم: 72497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(16/186)
واجب من خان رجلا في أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الأفاضل، منذ زمن اقترفت الفاحشة مع أجنبية، وندمت وتبت، ولا أزال أعيش كابوس الندم من هذه الغلطة العظيمة، لكن الفظيع الجديد بأنها اعترفت لزوجها بالذي كان، وزوجها يهددني ولن يسامحني حسب قوله. فماذا بالله عليكم أفعل؟ وإني والله قد تبت من زمن قبل أن تعلم زوجها، وهذا الذنب يقض مضجعي ليل نهار ويحرمني من أي لحظة صفاء، وإني أخشى على نفسي وأهلي من الفضيحة، وإني من قبل أن أرتكب الفاحشة لا أترك صلاة ولا عمل خير يلهمني الله إياه، ضقت ذرعا بنفسي ولا أعلم ماذا أفعل؟ اعتمرت ثلاث مرات، وصمت، وتصدقت بنية أن يغفر الله لي ويصرف عني كيد هذا الأمر، وإني صراحة أخشى أن يفضح هذا الرجل أمري ويرفعه إلى السلطات، هل أحد في هذه الحالة لا تتصور سيدي حالة الاكتئاب والجزع التي أنا فيها رغم أني ما تركت الدعاء والاستغفار يوما واحداً، فهل من مخرج؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسنا فعلت حين تبت إلى الله تعالى من هذا الجرم العظيم ألا وهو الزنا، وفعله مع امرأة ذات زوج يجعله أشد إثماً، ولتكن توبتك هذه توبة نصوحاً تتوفر فيها شرائط التوبة والتي سبق بيانها في الفتوى رقم: 5450.
ولعلك تعي من هذا الفعل درساً تتعلم منه كيف أن الشيطان يقود المسلم إلى المعصية ليوقعه بعد ذلك في الحسرة والندامة، وغالباً ما يقود الشيطان الإنسان تدريجياً إلى الوقوع في الفاحشة، فيبدأ الأمر بنظرة خائنة مثلاً وينتهي بفعل الفاحشة، ولذا قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ. {النور:21} .
واجتهد في أن تهون على نفسك، وأن تستحضر أن رحمة الله ومغفرته لا يتعاظمهما ذنب، فأحسن الظن بربك فهو عند حسن ظن عبده به، واسأله أن يستر عليك في الدنيا والآخرة، وانظر لذلك الفتوى رقم: 1882.
والواجب عليك أن تستر على نفسك ولا يلزمك الاعتراف بارتكاب الزنا ولو رفع أمرك إلى السلطان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله.
ولو قدر أن سئُلت فيمكنك أن تنفي ذلك مستخدماً معاريض الكلام كأن تنفي أنك قد زنيت بها تعني أنك قد تبت من هذه المعصية.
ومن خان رجلاً في أهله وجب عليه أن يستسمحه، إن لم يترتب على ذلك مفسدة، وقال بعض العلماء بعدم وجوب ذلك مطلقاً، فإن أمكنك تحسين علاقتك مع زوج هذه المرأة ثم تستسمحه بعد ذلك من وجه عام فبها، وإن لم يمكن ذلك فاستغفر له وادع له بخير، وأكثر من عمل الصالحات.
قال صاحب كتاب تحفة الحبيب: ثم رأيت الغزالي قال فيمن خانه في أهله أو ولده أو نحوه: لا وجه للاستحلال والإظهار، فإنه يولد فتنة وغيظاً، بل تفزع إلى الله تعالى ليرضيه عنك. أقول: الأقرب ما اقتضاه كلام الغزالي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(16/187)
هل تؤاخذ الصغيرة إذا زنت مع رجل بالغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تكون الفتاة مذنبة عندما تمارس الجنس فى سن 11 سنة، علما أنها قد مارسته مع رجل بالغ؟ علما بأنها لم تكون على دراية بالحلال والحرام في هذا السن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود ممارسة الجنس مع غير الزوج، فالجواب أن العبرة ليست بمجرد السن، فمن بلغت الاحتلام كانت مكلفة فتؤاخذ بما ترتكب من ذنوب ومعاص، روى أبو داود عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.
وقد سبق ذكر علامات البلوغ بالفتوى رقم: 10024.
ولا يتصور أن تكون فتاة في مثل هذه السن وتعيش بين المسلمين ويخفى عليها كون ممارسة الجنس مع غير الزوج حراما.
وإذا لم تكن هذه الفتاة قد وصلت لمرحلة البلوغ فلا شيء عليها فيما مضى، ولتكن حذرة في المستقبل ولا تمكن أجنبيا من الخلوة بها، وإذا حاول هذا الرجل أو غيره أن يختلي بها فلتهدده بإخبار وليها إن عاد لمثل ذلك.
إما إن كان المقصود ممارسة الجنس مع الزوج وإن كان هذا احتمالا بعيدا عن السؤال، فإن من بلغت إحدى عشرة سنة كانت مطيقة للوطء، وبالتالي فلا حرج عليها في ممارسة الجنس مع زوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(16/188)
من تمام توبتك من الزنا أن تقطع علاقتك بمن زنيت بها
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت بالزنا المحظور مع امرأة متزوجة فحملت وأنجبت بنتا مني، وليس من زوجها (ولخوف الفضيحة والعواقب الدنيوية) ألحقت البنت بزوجها نسبا، ثم كبرت البنت وتزوجت وأنجبت (أي تشبكت العلاقات وصعبت)
كيف السبيل إلى توبة بستر دون فضح البنت؟ أي هل من توبه لي وللزوجة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بخصوص هذه البنت فإنه نسبها يلحق بزوج تلك المرأة ما لم ينفها عنه باللعان، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. رواه البخاري ومسلم. كما بيناه في الفتويين رقم: 13390، 51691.
والواجب عليك هو أن تبادر بالتوبة إلى الله عز وجل مما كان منك من جريمة الزنا، وما تسببت فيه من إدخال هذه البنت على قوم قد لا تكون منهم، ثم تجتهد في التقرب إليه سبحانه بالأعمال الصالحة لعل الله يغفر لك ما كان، قال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} .
واعلم أن من تمام توبتك أن تقطع علاقتك بهذه المرأة تماما في القليل والكثير، ولا تهتم حتى بإرشادها للتوبة، فإن طريق التوبة لا يجهله مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1430(16/189)
المخطوبة إذا مارس معها خطيبها الجنس بإدخال بداية العضو
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة وحاولنا أنا وخطيبي أن نمارس ما يمارسه الرجل وزوجته، ولكن لم يحدث إيلاج تام للعضو الذكري فقط قام بإدخال بداية العضو وتم القذف بهذه الطريقة، وكان يرتدي واقي، مع العلم بأنه لم يصل إلى غشاء البكارة وأنني بعذريتي.
هل يعتبر هذا زنا وما الحكم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصدك بالخطبة هو حصول العقد الشرعي الذي يعقده ولي المرأة مع الزوج إيجابا وقبولا في حضور الشهود، فأنت بهذا قد صرت زوجة لهذا الرجل، وعليه فما حدث بينكما ليس بالمحرم ولكنه خلاف الأولى لما فيه من مخالفة ما تعارف عليه الناس من تأخير الاستمتاع إلى ما بعد الدخول، وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 62139.
أما إن كان قصدك بالخطبة مجرد الوعد بالزواج، فقد ارتكبتما إثما عظيما لأنك ما زلت أجنبية عنه، ومعلوم أن فعل هذا مع الأجنبية من كبائر الذنوب التي توجب سخط علام الغيوب.
يبقى النظر في هذا الذي كان، فإن كان قد أولج في الفرج الحشفة أو قدرها فهذا هو الزنا الذي أوجب الله عز وجل فيه العقوبة الغليظة من رجم المحصن وجلد غير المحصن وتغريبه.
أما إن كان الذي أولجه دون هذا القدر فهذا لا يعد زنا موجبا للحد، ويصدق عليه أنه زنا بالمعنى العام، جاء في مغني المحتاج:
وحقيقته الشرعية الموجبة للحد -إيلاج- حشفة أو قدرها من -الذكر- المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفاً في خرقة -بفرج محرم- في نفس الأمر -لعينه -أي الإيلاج -خال عن الشبهة- المسقطة للحد -مشتهى- طبعاً بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
وهذا لا يوجب الحد ولكن يوجب التعزير البليغ الذي يردع أصحابه عن العبث بمحارم الله جل وعلا.
وبهذا تعلمين أنه إن لم يكن هذا الرجل قد عقد نكاحه بك فإنكما قد ارتكبتما إثما، والواجب عليكما هو التوبة إلى الله جل وعلا توبة صادقة، ولا تتحقق التوبة إلا بإعراض كل منكما عن صاحبه إعراضا كاملا فلا يراه ولا يحدثه ولا يقابله، ثم الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات. قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود: 114} .
وراجعي في الفتوى رقم: 12928، وسائل الإفلات من حبائل الشيطان، وفي الفتوى رقم: 5450، شروط التوبة الصادقة.
ولا يجوز لكما– في حال وقوع الزنا – السعي لإتمام الزواج إلا بعد التوبة الصادقة والاستبراء، فهذا شرط الزواج بالزاني أو الزانية، كما سبق تفصيله في الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 11295، 9625، 9644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1430(16/190)
يهم بالزنا مرات لكنه لا يفعل فما حكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أكرمكم الله وأثابكم على جهودكم المبذولة، وجعلها في ميزان حسناتكم.
أنا عندي سؤال وبصراحة هذا الشيء يسبب لي مشكلة وضميري غير مرتاح. أنا يا شيخ أكثر من مرة تأتيني امرأة وأنا شاب أبلغ من العمر 21 المشكلة أكثر من مرة أهم بها ولكن لا أزني. فهل أعتبر من الآثمين؟ وهل أقدر أن أمنع هذا الشيء الذي يتكرر مرة ثانية معي أرجو الإفادة؟
أكرمك الله ومشكور على وقتك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من الكبائر التي تجلب غضب الله، كما أنه جريمة خطيرة لها أثارها السيئة على الفرد والمجتمع قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا. {الإسراء:32} .
أما عن سؤالك، فإن كنت تقصد بالهمّ فعل بعض مقدمات الزنا، فلا شك أنّك تأثم بذلك، بل ذلك قد سمّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم زنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. متفق عليه.
وأمّا إذا قصدت به أنك تعزم على الفعل ثم يحول شيء دون إتمامه، فهذا تؤاخذ عليه لكن دون إثم الفعل المحرّم نفسه، وإذا تركته لله فإنّك تؤجر على ذلك، وأمّا إذا كنت تقصد بالهمّ مجرد التفكير دون العزم فهذا لا يؤاخذ العبد عليه، وانظر الفتوى رقم: 20456.
لكن ننّبه إلى أنّ الخلوة بالأجنبية حرام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. متفق عليه.
وأما منع تكرار هذا الأمر فهو ممكن إذا التزمت حدود الله واعتصمت به، فالواجب عليك أن تقطع علاقتك بتلك المرأة إن كنت تقصد امرأة معينة، وأن تتجنب الخلوة بالنساء الأجنبيات، والكلام معهن بغير حاجة، وتحرص على غض البصر، وعليك بالزواج إذا لم تكن متزوجاً، فإذا كنت لا تقدر عليه، فعليك بالصوم مع حفظ السمع والبصر، والحرص على مصاحبة الصالحين وحضور مجالس العلم والذكر، والبعد عن رفقة السوء ومجتمعات المعاصي.
ولمعرفة ما يعينك على غض البصر والتغلب على الشهوة نوصيك بمراجعة الفتويين رقم: 36423، 23231.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(16/191)
مذاهب العلماء في حكم من حملت ولا زوج لها
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم وعقاب من يقع عليها الحمل وهي غير متزوجة وعلى من الحق من الوالدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم من ظهر حملها ولا زوج لها، فذهب الجمهور إلى أنها لا يجب عليها حد الزنا، قالوا: لجواز أن يكون من وطء شبهة أو إكراه، والحد يدرأ بالشبهة، واستدلوا على ذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وسعيد بن منصور في سننه والبيهقي في سننه: أن عمر رضي الله عنه أتي بامرأة ليس لها زوج قد حملت! فسألها عمر؟ فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ، فدرأ عنها الحد.
ويدل لمذهب الجمهور أيضا تلقين علي رضي الله عنه للهمدانية عندما جيء بها إليه، فقال لها: لعل رجلاً وقع عليك وأنت نائمة، قالت: لا، قال: لعله استكرهك، قالت: لا. قال الإمام الزيلعي في نصب الراية: وحديث علي روي من وجوه.. أحدها عند أحمد والبيهقي فلو كانت هذه الأعذار غير مسقطة للحد لما لقنها علي.
وذهب المالكية في المشهور من مذهبهم إلى ثبوت حد الزنا بظهور الحمل من امرأة لا زوج لها، وأنها لا يقبل دعواها الغصب إلا بقرينة، ودليل هذا القول ما رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال: والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف. والحبل: هو الحمل، وقد قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه.
أما سؤالك عمن يتحمل مسئولية ذلك من الوالدين؟ فنقول: لا يخرج الأمر عن هذه الأحوال الثلاثة:
الأول: أن يكون ما حدث نتيجة تقصير من الوالدين أو أحدهما في رعاية البنت وتربيتها، كأن تركا لها الحبل على الغارب، أو تركاها تأخذ بأسباب الفساد والفتنة من تبرج أو مصاحبة الرجال والخلوة بهم أو خروج وتغيب عن البيت لغير حاجة ودون مراقبة، وحينئذ فإن المفرط منهما يتحمل من أوزار هذا الفعل وإثمه، ويزيد الأب في ذلك على الأم لأنه رب الأسرة وراعيها وهو المسئول عنها أمام الله تعالى، وقال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم، ولقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم الراعي من تضييع رعيته، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
الثاني: أن يكون هذا بغير تفريط من الوالدين بل بذلا جميع أسباب التوقي والرعاية، ومع ذلك تفلتت منهما ابنتهما وغلبت عليها شقوتها حتى استزلها الشيطان للوقوع في الخطيئة، وحينئذ فلا إثم على الوالدين وتبوء البنت وحدها بإثم ما اكتسبت.
الثالث: أن يكون هذا بأسباب خارجة عن الجميع كإكراه تعرضت له البنت دون تفريط منها ولا من والديها وحينئذ فلا إثم على أحد منهم، ويبوء المعتدي وحده بهذا الإثم العظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(16/192)
الزنا أعظم جرما من النظر إلى العورات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حيرني منذ فترة طويلة، لأني سألت السؤال لأكثر من شخص وهم على قدر معلوم من الفقة, ولكني لست مقتنعا بردودهم, والسؤال هو:
أيهما يرتكب إثما أكبر أو ذنبا أكبر, الزاني أم الذي ينظر إلى امرأة وهي عارية بكامل جسدها بدون علمها وملامسة أعضائها وهي نائمة؟ هنا الفرق بين الأول والثاني، هناك بعلمها بالذي يزني بها وهنا امرأة لا تدري أن أحدا يراها وهي عارية بشتى الطرق وملامسة أعضائها التناسلية. أفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلا الفعلين المذكورين حرام وموجب لسخط الله وغضبه, وإن كان الزنا أشد قبحا وأعظم جرما لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي منها اختلاط الأنساب وضياع الذرية, ومعلوم أن إيلاج الفرج في الفرج المحرم أعظم إثما من مجرد ملامسته, وكون الزنا بعلم المرأة ورضاها لا يهون الأمر, فإن الفعل الذي حرمه الله ونهى عباده عنه محظور ولو اجتمع أهل الأرض جميعا على فعله والرضا به.
وإذا ثبت أن هذين الفعلين كلاهما محرم وقبيح، فإنه لا يجوز للمسلم أن يتخير بين القبائح والمعاصي بل عليه أن يترك الجميع لعموم قوله سبحانه: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ. {الأنعام: 120} .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم وغيره.
فقيد صلى الله عليه وسلم جانب الأمر بالاستطاعة, وأطلق في جانب النهي, فيجب ترك جميع المنهيات جملة واحدة بلا قيد, قال النووي في شرحه لهذا الحديث:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: واذا نهيتكم عن شيء فدعوه، فهو على إطلاقه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1430(16/193)
هل لآحاد الناس أن يرموا الزناة بالحجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من اليمن من منطقة جبلية وسياحية من الريف يأتي إليها الناس من مناطق مختلفة، ولكن في الآونة الأخيرة يأتي إلينا أناس بعد منتصف الليل معهم نساء ويمارسون الفحشاء، وقررنا ونحن مجموعه من الشباب أن نرميهم بالحجارة حتى يرحلوا من عندنا، ونحن نسأل عن جواز هذا، وإذا كان لا يجوز أرجو أن تدلنا على الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد أنكم ترمونهم بالحجارة بحيث تصيبونهم فهذا لا يجوز، وليس هذا من تغيير المنكر باليد بل هو من الاعتداء, فإن الله سبحانه إنما جعل عقوبة الزاني هي الجلد أو الرجم حسب حاله من الإحصان أو غيره, والذي له صلاحية إقامة هذه الحدود هو السلطان، ولا يجوز لأحد من عوام المسلمين أن يفتات عليه في ذلك وإلا استحق التعزير والأدب.
وإن كنت تقصد أنكم ترمونهم بالحجارة بحيث تصرفونهم فقط دون إصابتهم فهذا أيضا لا ينبغي، لأن الواجب عليكم في هذا الحال هو أن تبذلوا لهم الوعظ والنصيحة، وأن تذكروهم بالله وعقوبته وبأسه الذي لا يرد عن العصاة المجرمين.
فإن لم يستجيبوا، وعادوا فعليكم إذاً أن تبلغوا السلطات التي يمكنها منع هذا المنكر وعقاب هؤلاء المجرمين. فإن خفتم أن يطول الأمر ولا تأتي الشرطة إلا بعد انتهاء هؤلاء المجرمين من جرائمهم فعليكم حينئذ تغيير هذا المنكر بما تقدرون عليه دون أن تترتب مفسدة كبيرة على فعلكم, والظاهر أنكم لو ذهبتم إليهم وشعروا بوجودكم فإنهم سينصرفون من تلقاء أنفسهم.
مع التأكيد على أنه إذا غلب على ظنكم أنه سيترتب على تغيير المنكر مفسدة كبيرة كأن خفتم أن يصل الأمر إلى حد الفتنة، أو إراقة الدماء، فلا يجوز لكم حينئذ أن تقدموا عليه بل يحرم التغيير عليكم حينئذ, وعليكم أن تكتفوا بإبلاغ السلطات، وهذا كله بعد التأكد من أن هؤلاء الناس يمارسون الفواحش.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 23376 , 59459 , 49683 , 99879.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1430(16/194)
حكم الخيانة داخل إطار الزواج وخارجه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لحبيب أن يخون حبيبته مع أنها مؤدية له جميع حقوقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد في سؤالك ما يعرف بعلاقة الحب بين الرجال والنساء بغير زواج، فذلك أمر منكر وتلك العلاقات نفسها جناية محرمة في الشرع. وانظر الفتوى رقم: 5707.
وأما إذا كنت تقصد وقوع الرجل المتزوج في الفواحش، فتلك طامة عظيمة، وجريمة شنيعة توعدّ الله فاعلها بالخزي والعذاب في الدنيا والآخرة، وليست فظاعة فعله لكونه خيانة لزوجته أو جناية في حقها مع أنها تؤدي إليه حقه، وإنما جريمته في حق ربه، لتعديه لحدوده واجترائه على محارمه وكفره بنعمته. وراجع الفتوى رقم: 26237. والفتوى رقم: 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(16/195)
زنا بامرأة متزوجة فكيف يصلح ما فعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج من امرأة متزوجة، فعلت معها الفاحشة، وأرغب في الزواج منها، لعلي أصلح ما فعلت، وهى تريد أن تطلق من زوجها وهو لا يريد، ولا يريد معاشرتها مما دفعها لفعل ذلك معي، لكنى أرغب في الزواج منها، مع العلم أنها لا تريد الطلاق منه لتتزوجني ولكن لسوء معاملته.
ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته من الفاحشة مع تلك المرأة جريمة شنيعة، وكبيرة من الكبائر، وإصلاح ما فعلته لا يكون بالزواج منها، بل إنه قد يكون إفسادا وجريمة أخرى، فإن إفساد المرأة على زوجها من الكبائر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبّب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.
بل ذهب بعض العلماء إلى عدم صحة زواج المرأة ممن خبّبها على زوجها، معاقبة له بنقيض قصده.
قال الرحيباني: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ صُورَتُهُ: مَنْ خَبَّبَ أَيْ: خَدَعَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى طَلُقَتْ ; ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةً ; لِارْتِكَابِهِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ وَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا. مطالب أولي النهى.
وإنما إصلاح ما فعلته يكون بالتوبة الصادقة، بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود.
وأما عن هذه المرأة، فمهما كان من سوء عشرة زوجها وظلمه لها وحرمانها من حقها في الاستمتاع معه، فإن ذلك لا يسّوغ لها خيانته ووقوعها في الفاحشة، ولا يهوّن من تلك الجريمة النكراء والفعلة الشنيعة التي توعد الله فاعلها بالعذاب والخزي في الدنيا والآخرة، إذا لم يتب توبة صادقة.
وذلك، لأن الشرع قد جعل للمرأة سبيلاً لمفارقة زوجها إذا علمت أنها لن تقوم بحقه وتقيم حدود الله معه، فيجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما اقترفت، وإذا رأت أنها لا تستطيع البقاء مع زوجها بالمعروف فلها أن تطلب الطلاق أوالخلع، وإذا فعلت ذلك بعد توبتها فلك أن تتزوجها بعد انقضاء عدتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(16/196)
حكم الغلام إذا بلغ خمس عشرة سنة ثم زنا بطفلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي لما يلي:
شخص عمرة 15 عاما قام بممارسة الجنس مع طفلة، فما هو الحكم الشرعي الواجب في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت الزنا على هذا الشخص باعترافه أو شهادة أربعة عدول فالواجب على الحاكم إقامة الحد عليه، وهو الرجم إن كان محصنا والجلد إذا لم يكن محصنا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 26237.
والواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله توبة صادقة بالإقلاع عن هذا الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العودة لمثله، وعليه الإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية والستر على نفسه فلا يخبر أحدا بذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 15032، والفتوى رقم: 10024.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(16/197)
اعترف زوجها بالزنى.. فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي طفلان وأسكن في بلاد المسلمين وأنا ملتزمة وزوجي دارس في كلية الشريعة بهذه البلاد. مضت خمس سنوات ونحن متزوجون. عرفت يوما أن زوجي زنى مع واحدة روسية هي اتصلت بي واعترفت بذلك وقالت إن هذا الأمر امتد لمدة شهر, وكنت أذكر تصرفات زوجي الغريبة في ذلك الشهر كان يغضب كثيرا. وعندما كلمت زوجي اعترف بأن هذا حصل مرة واحدة فقط. وبعد ذلك بقليل وجدته يتكلم عن طريق دردش مع واحدة ثانية ويقول لها كلمات جنسية. ماذا يأمرني ويأمره الدين أن نفعل؟ هو يقول إنه ندم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا أنه لا يجوز للزوجة في الأصل أن تتبع أمر زوجها لتعلم إن كان قد زنى أم لا، ولا ينبغي لها أن تصغي إلى من تخبرها بأن زوجها قد فعل ذلك، فما يدريها فلعل هذه المرأة تريد أن توقع بينها وبين زوجها، وانظري الفتويين: 45258، 111314.
وقد أخطأ زوجك باعترافه لك بأنه قد وقع في الزنا، فقد كان الواجب عليه إن كان فعل ذلك الذنب العظيم أن يستر على نفسه ويتوب إلى الله تعالى، ولا يكفي مجرد الندم، بل عليه أن يتوب توبة مستوفية شروطها، ولمعرفة شروط التوبة راجعي الفتوى رقم: 5450.
وأما الآن وقد حصل ما حصل فالذي ينبغي هو أن تناصحيه في هذا الأمر بأسلوب طيب فإن تاب وأناب فالحمد لله، وعليك أن تحرصي على التزين وحسن التبعل له، وإن أصر على الزنا فاطلبي منه الطلاق، فلا خير لك في البقاء في عصمة رجل زان، وراجعي الفتوى رقم: 16706.
وأما المحادثة مع الفتيات فمنكر آخر ويشتد نكرانا بكونه في أمور جنسية، وعلى كل فعليك أن تنصحيه في هذا أيضا وتذكريه بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(16/198)
مهر البغي وهل تعذر الزانية لفقرها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا إخواني يا آبائي بالله ... أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة موضوعي وما فيه عن بنات الليل، اتصلت بي هذا الصباح بنت منهم غلطانة في الرقم، ولكن فهمتها إنها بنت منهن، فاستدرجتها بالكلام وبدأت تحكي لي قصة حياتها، كانت أليمة وأصبحت تبكي على التليفون. وقالت لا أدري ما الذي جعلني أتصل بك، وحاولت إغلاق الخط ولكن لم أتركها تغلقه عرفت عنها يعني الحاجات التي أريدها، فما رأيكم يا علماءنا، والبنت تبحث عن الهداية ولكن تقولي لي بعد أن أجمع رأس المال الكافي، فقلت لها ما بني على الحرام فهو حرام، قالت لي هات لي حلا؟ قلت لها أي وظيفة محترمة، قالت: أكبر وظيفة سيعطوني كم؟ أنا عندي بنتان، ولا أستطيع الصرف عليهم، قل لي لي ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت أيها السائل في الاسترسال في الحديث مع هذه المرأة التي اتصلت بك، وكان الواجب عليك أن تقطع الكلام معها فوراً، خصوصاً بعدما تبين لك أنها مريبة ... فالواجب عليك هو التوبة إلى الله سبحانه مما كان منك وأن تستغفر لذنبك، فإن الكلام مع المرأة الشابة عموماً لغير حاجة ذريعة الفساد وباب للشرور والفتن، فما ظنك بالحديث مع هذه التي ذكرت من حالها ما ذكرت، والله سبحانه يقول: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا {النساء:27} .
وأما قولها إنها تريد التوبة، ولكن بعد أن تجمع المال الكافي فهو قول فاسد قبيح وهو من تلبيس الشيطان عليها ومكره بها، فمن ضمن لها أن توفق بعد ذلك التوبة، ومن ضمن لها أن تقبل توبتها أصلاً، بل ومن ضمن لها ألا يفجأها الموت بغتة، قال ابن الجوزي رحمه الله: وربما بغت العاصي ولم يبلغ بعض أمله، وكم خير فاته بآفاته، وكم بلية في طي جناياته، قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة. اهـ
وهذا القول أمارة على عدم صدقها في طلب التوبة، فإن الصادق في طلب التوبة يبادر إليها ولا يعدل بها شيئاً، وهذه الأموال المذكورة لها لا يجوز الانتفاع بها، بل هي سحت يجب التخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين العامة كغيرها من الأموال المحرمة، ففي صحيح مسلم عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر الكسب مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام.
وأما ما تتحدث عنه من فقرها وحاجتها هي وبناتها فليس عذراً لها فيما تفعل، فإن أعظم أبواب الرزق والسعة في المال والرغد في العيش هو تقوى الله سبحانه، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:3} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} ، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، فإذا كان العيش قد ضاق بها فعليها أن تتوجه بالتوبة إلى الله والدعاء والتضرع إليه سبحانه أن يفتح لها أبواب الرزق، وأن يرزقها من فضله الواسع، وقد جاء في الحديث القدسي: يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. رواه مسلم.
ثم عليها أن تطلب النفقة ممن تجب نفقته عليها، فأين أبوها وأين إخوتها وأين أعمامها كل هؤلاء تلزمهم نفقتها طالما أنها محتاجة، ثم أين والد بنتيها فإنه هو الذي تلزمه نفقة هاتين البنتين دونها ... فإن لم يكن لها أحد ممن ذكر وكانت تقدر على العمل فإن عليها أن تعمل، فإذا لم يكفها راتبها فعليها أن تطلب المساعدة من أرحامها أو أهل الخير من المسلمين كالجمعيات الخيرية المتخصصة ونحوها من المؤسسات حتى يوفروا لها ما يكفيها من المال، والواجب على كل من علم بحالها من المسلمين أن يساعدها إذا قدر على ذلك ... وننبهك إلى أنه لا يجوز لك أن تتصل بها ولا أن تقابلها، بل غاية الأمر أن تعلم أهل الخير والفضل من المسلمين بحالها حتى يعاونوها على إصلاح دينها ودنياها، وينبغي أن يكون ذلك بواسطة بعض النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1430(16/199)
متزوج واقترف الزنا ونادم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان متزوج منذ 5 سنوات، ولدي ولد، وزوجتي حامل في طفلنا الثاني إن شاء الله، ونعيش سوياً في أمريكا للدراسة، حياتنا سعيدة في العموم لله الحمد، ولكن لدينا مشكلة في علاقتنا الجنسية، حيث إن زوجتي لديها برود جنسي نسبي، ولا تجعلني أجامعها سوى مرة أو مرتين كل شهر، علماً بأنني نشيط جداً جنسياً، وأبذل كل ما في وسعي لأمتعها أثناء الممارسة، ودائماً ما تكون هي راضية جداً عن أدائي. نتيجة لعدم إشباع رغبتي الجنسية وقعت للأسف للمرة الأولى منذ يومين في كبيرة الزنا مع عاهرة لا أعرفها وأعيش حالياً في ألم نفسي شديد وخوف من عقاب الله في الدنيا والآخرة، ولا أعلم ماذا أفعل هنا في الغربة، أحب زوجتي وعائلتي حبا شديدا، ولا أدري كيف أقدمت علي فعلتي الشنيعة تلك، أنا وزوجتي مواظبون على صلاتنا لله الحمد مما يجعل إحساسي بالذنب أعظم، حيث إنني كنت أعلم تماماً أنني مقدم على ارتكاب الزنا، أخاف خراب بيتي في الدنيا والخزي والعذاب في الآخرة بسبب فعلتي، فماذا أفعل في مشكلتي هذه، فأفيدوني أفادكم وأثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا حرام، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك. متفق عليه.
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، ويزداد قبح هذه الجريمة إذا كانت من المتزوج، ولذا فإن الله سبحانه بحكمته قد جعل حد الزاني المحصن أشنع الميتات وأبشعها، وهي أن يرجم بالحجارة حتى الموت. وما كان من زوجتك وامتناعها عنك في الفراش كبيرة من كبائر الإثم التي توجب لعنة علام الغيوب، وكونها تعاني من برود جنسي ليس بعذر، بل عليها أن تمكنك من نفسها على أي حال طالما انتفى العذر الشرعي من حيض ونحوه، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات ساخطاً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. وهي بفعلها هذا ناشز، وقد بينا معنى النشوز وحكمه في الفتوى رقم: 1103.
ولكن مهما يكن من أمر ففعلها ليس مبرراً على الإطلاق لما وقعت فيه من هذه الفاحشة المبينة، لذا فعليك أيها السائل بالتوبة إلى الله سبحانه توبة صادقة نصوحاً يعظم فيها ندمك، بل ويتقطع قلبك حسرات على ما كان منك، لعل مولاك يرى صدقك فيرحمك ويغفر لك، قال سبحانه: لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:110} ، والمعنى إلا أن تقطع قلوبهم من الندم والحسرة على ما كان منهم، قال السعدي رحمه الله: إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ. بأن يندموا غاية الندم ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غاية الخوف، فبذلك يعفو الله عنهم. انتهى.
مع الإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة، قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} ، واحرص مع ذلك كل الحرص على أن تستر نفسك فلا تذكر ما كان منك لأي أحد لا لزوجتك ولا لغيرها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي وغيره: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. صححه الألباني.
فإن فعلت ذلك فأبشر حينئذ بقبول توبة الله عليك، فقد وعد الله سبحانه بقبول توبة التائبين، فقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم وغيره. ولتسع في علاج زوجتك مما تعانيه من برود جنسي حتى يحصل لك معها الإعفاف، فإن تعسر ذلك فعليك بالزواج من امرأة ثانية تحصل لك العفاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(16/200)
ما فعلتماه تعد لحدود الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم فتاة أحبت رجلا قد وعدها بالزواج، وقال لها إنها زوجته أمام الله، والتقت به فى شقة عدة مرات، ومارسا كل أركان الحياة الزوجية ما عدا إدخال العضو الذكري، وبعد ذلك تركها رغم حبه الشديد، وعاد لزوجته التي قد اعتزم طلاقها من أجل تهديده بحرمانه من أولاده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت تلك الفتاة وذلك الرجل بما أقدما عليه من الآثام، فإن الإسلام لا يقر علاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج، ولو كانت بهدف الزواج، وقد وضع الله حدوداً للعلاقة بين الرجل والمرأة، تضمن طهارة المجتمع وصيانة الأعراض، فلم يجعل الله طريقاً للاستمتاع بالمرأة الحرة إلا الزواج، والزواج الشرعي له شروط لا يصح بدونها، منها الولي والشهود والإيجاب والقبول، وما فعله هذا الرجل لم يكن زواجاً شرعياً، وإنما كان عبثاً بالأعراض، وانتهاكاً للحرمات، وقوله إنها زوجته أمام الله هو كلام باطل سخيف، لا يغير من حقيقة هذا المنكر ولا يهون من هذه المعصية.
فما فعلته هذه الفتاة حرام بلا شك وتعد لحدود الله، وليس من الواجب على ذلك الرجل أن يفي بوعده لها بالزواج، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 60429.
والواجب على هذه الفتاة وذلك الرجل التوبة الصادقة، وذلك بالإقلاع عن الذنب وقطع كل علاقة، والندم على ما وقعا فيه، والعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، والبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، وعليهما أن يسترا على أنفسهما فلا يخبرا أحداً بتلك المعصية، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(16/201)
تمارس الجنس مع صديقاتها وتتجسس على إخوتها وهم في الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 38 سنة ولم أتزوج بعد، لكن في بعض الأحيان أشاهد أفلاما جنسية أنا وصديقاتي وأمارس الجنس معهن وأراقب إخوتي وزوجاتهم أثناء الجماع، فماذا أفعل وما حكم الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك بزوج صالح يعفك عن الحرام ويعينك على طاعة الله، أما عن السؤال فلا شك أن مشاهدة الأفلام الجنسية حرام، وأعظم منه ممارسة الجنس مع الصديقات، فإنه من الكبائر وهو زنا بالمعنى العام للزنا، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في أن السحاق حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: السّحاق زنى النساء بينهن، وقد عده ابن حجر من الكبائر. انتهى.
كما أن مراقبة إخوتك وأزواجهم أثناء الجماع سلوك منكر وفعل فاحش، فقد أمر الله بغض البصر عن العورات، قال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... {النور:31} ، فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله من هذه المنكرات التي تجلب غضب الله، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود إليه، وينبغي أن تستشعري نظر الله إليك واطلاعه عليك في كل حال، والحياء منه حيث سترك في الدنيا وأتاح لك فرصة التوبة قبل أن يفجأك الموت وأنت على تلك الحال، وإلى أن يتيسر لك الزواج فإن عليك أن تصبري، قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ.. {النور:33} .. ومما يعينك على ذلك:
- الاستعانة بالله والتوكل عليه وكثرة الذكر والدعاء، والتبرؤ من الحول والقوة.
- تجنب مشاهدة ما يغضب الله سواء في التلفاز أو الصحف والمجلات.
- الحذر من رفيقات السوء والبعد عن مجالس الغفلة ومجتمعات المعاصي، والحرص على مصاحبة الصالحات.
- الصدق مع الله بمجاهدة النفس والصبر ومخالفة الهوى ابتغاء رضا الله.
- الحرص على تعلم أمور الدين اللازمة وسماع المواعظ النافعة وقراءة الكتب المفيدة، ومطالعة المواقع الإسلامية الموثوقة، والبرامج الهادفة، وشغل الفراغ بالأعمال المفيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1430(16/202)
هل يلزم حد الزنا مع الشك في وقوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا
في فتواكم رقم (115983) تفضلتم بذكر الآتي:
أما إذا حدث شك في حدوث الإيلاج أو عدمه -وهذا مستبعد- فلا يأخذ هذا الفعل حكم الزنا، لأن القاعدة المتقررة شرعاً -أن اليقين لا يزول بالشك بل لا يزول إلا بيقين مثله- أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً.
فما معنى ما إذا حدث شك في حدوث الإيلاج أو عدمه -وهذا مستبعد هل المقصود أنه قد حدث أم أنه لم يحدث؟ الرجاء الوضوح في الإجابة من فضلكم.
وإذا كان ليس على الرجل شيء أقصد الحد لأنه لم يشعر بالإيلاج لارتداء الملابس كاملة والمخطوبة كذلك كانت مرتدية كامل ملابسها فهل على المخطوبة شيء، وهي تارة تقو ل إنه حدث إيلاج وتارة تقول غير متأكدة فهل عليها شيء أقصد الحد؟
بالله عليكم الرجاء الوضوح في الإجابة هل ما حدث ملزم لإقامة الحد سواء للرجل مع عدم علمه أنه قد حث إيلاج ولا يشعر به أو للمخطوبة وهي شاكة..
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قولنا (وهذا مستبعد) فنقصد أنه يستبعد عادة حدوث الإيلاج دون علم الطرفين وإحساسهم به، وعليه فطالما أنه لم يشعر بذلك وهي تشك ولا تقطع بشيء فإن هذا لا يعد زنا ولا يجب الحد بذلك قطعا، وكل ما يلزمهما هو التوبة الصادقة والاستغفار وسد الذرائع وإغلاق الطرق التي قد تؤدي لتكرر وقوع مثل هذا مستقبلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1430(16/203)
زنا بامرأة وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يسأل يقول إنه زنى بامرأة وهي حائض هل عليه كفارة الحيض أم التوبة تكفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا معصية شنيعة وكبيرة من كبائرالذنوب نهى الله تعالى عن ارتكابها، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} .
ومن ابتلي بتلك الفاحشة فليستتر بستر الله تعالى وليبادر بالتوبة الصادقة بالإقلاع عن هذه الكبيرة والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها مستقبلا، ولا كفارة عليه بسبب الجماع أثناء الحيض كما هو مذهب جمهور أهل العلم ولو أخرج الكفارة لكان أحوط، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 80960
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(16/204)
القدر الذي يتحقق به الزنا ويستوجب الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 21 سنة طالب جامعي أحببت طالبة معي من نفس مدينتي وابنة جيراني ومضينا على هذه الحال سنة، ولكننا خلال هذه السنة استمتعنا بأجساد بعضنا لثلاث مرات دون أن أدخل بها، ولكن في مرة من المرات حدث أن أمررت رأس الحشفة على فرجها ودخل جزء منها، فهل هذا زنا، علما بأنني بعد هذا الفعل تبت إلى الله وأقنعتها بالتوبة، وبكيت على هذا الفعل الذي قمت به.. والآن بدأت بتصحيح الموقف من خلال إقامة الصلاة وحثها على الصلاة هي أيضا إضافة لقراءة القرآن والصيام.. والتصدق كلما سنحت لنا الفرصة، ولكن الشيء الوحيد الخاطئ الذي لم أتركه هو رؤيتها كل يوم في الأماكن العامة وعلى مقاعد الجامعة.. فلا أستطيع التخلي عن حبي لها.. وأنا أنوي خطبتها والزواج بها بإذن الله لكن المانع الوحيد هو أنني مازلت دون العمر الذي يخول لوالدها القبول بي.. أرشدني هل أنا على صواب أم خطأ ... وهل ما قمت به زنا؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عصيت أيها السائل ربك، وظلمت نفسك، وهتكت حرمة جيرانك عندما أقدمت على ما أقدمت عليه من الاستمتاع المحرم بهذه الفتاة من نظر وخلوة وملامسة وغير ذلك من أنواع التلذذ، وقد سبق لنا أن بينا حكم هذه الأفعال وأنها من مقدمات الزنا، وأنها محرمة وتوجب لصاحبها التعزير البليغ الذي يردعه عن فجوره، ويكفه عن عبثه واستهتاره، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 78887، 111728، 115497.
أما الزنا الموجب للحد فلا يتحقق إلا بإيلاج الحشفة كلها أو قدرها من مقطوع الحشفة في الفرج -القبل أو الدبر-.
جاء في مغني المحتاج: وحقيقته الشرعية الموجبة للحد (إيلاج) حشفة أو قدرها من (الذكر) المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفاً في خرقة (بفرج) (محرم) في نفس الأمر (لعينه) أي الإيلاج (خال عن الشبهة) المسقطة للحد (مشتهى) طبعاً بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في حد الزنا إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج، فلو لم يدخلها أصلاً أو أدخل بعضها فليس عليه الحد لأنه ليس وطئاً ولا يشترط الإنزال ولا الانتشار عند الإدخال، فيجب عليه الحد سواء أنزل أم لا، انتشر ذكره أم لا. انتهى.
فالواجب عليك أيها السائل هو أن تتوب إلى مولاك سبحانه من فعلك توبة صادقة نصوحاً، تنتهي معها عن جميع أشكال علاقتك بهذه الفتاة، وما كان منك من ندم وبكاء بسبب ذنبك فهو حسن جميل ولكن مع ذلك فلم يحقق لك التوبة الصادقة طالما أنك لم تزل مقيماً على العلاقة معها ولو كانت العلاقة لأجل التناصح والتعاون على التوبة والخير فكل ذلك غير جائز وقد رأيت ما جره عليك من الفسوق والعصيان وكاد أن يوقعك في الزنا الموجب للحد والعياذ بالله ...
وقولك إنك لا تستطيع البعد عنها ناشيء عن ضعف همتك ووهن عزيمتك وقلة صبرك، وهو من وسوسة الشيطان لك، وتمكنه من قلبك، فبادر إلى التوبة والإنابة قبل أن يحال بينك وبينها، وكن حازماً في أمرك، قوياً في همتك وعزمك، فإن كنت لا تقدر على الزواج بها فانصرف عنها واقطع علاقاتك بها فوراً فإن التوبة إلى الله واجبة وجوباً فورياً لا يحتمل التأخير بحال.
وإن كنت تقدر على الزواج فاذهب إلى وليها لخطبتها منه فإن أجابك وإلا فانصرف عنها ولعل الله أن يعوضك خيراً منها.
وللفائدة في الأمر راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19974، 4458، 1285.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1430(16/205)
حكم الستر على الزانية حتى تضع حملها
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فتاة ارتكبت الزنا وهي حامل حاليا؛ جاءت والدتها وطلبت مني مساعدتها لكي تتمكن من تسفيرها إلي مدينة ثانية حيت لا يعرفها الناس حتى تضع حملها وابنها ستتكفل به عائلة هناك فهل يجوز أن أساعدها ماديا لستر هذه الفتاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الفتاة قد تابت من الزنا وحسنت توبتها - ويعرف ذلك بندمها وإقبالها على طاعة ربها وفعل الصالحات - فإنه يندب لك أن تساعديها فيما تريد أن تفعله أمها من سفرها لتضع وليدها بعيدا عن الناس خشية الفضيحة والعار.
فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
وفي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وفي مصنف عبد الرزاق: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره عليه.
أما إذا لم تتب هذه الفتاة وظلت مقيمة على ما هي عليه من الفجور فلا ننصح بمساعدتها، ولا سيما إذا علم من حالها أن هذا سيشجعهما على الاستمرار فيما هي عليه.
وفي جامع العلوم والحكم أن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: وأما من عُرف بشر أو فساد فلا أحبُ أن يشفع له أحد، ولكن يُترك حتى يُقام عليه الحد.
وللفائدة تراجع الفتويين رقم: 8740، 47655.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1429(16/206)
الشك في حدوث الإيلاج أو عدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذا الموقع.. لي صديق تقدم لخطبة فتاة وتم الخطبة وبدون عقد القران (قراءة الفاتحة) وهو يعلم أنه بعد قراءة الفاتحة فهي ما زلت أجنبيه عنه وكان يذهب إلى البيت في حضور الأهل للتعارف وفي بعض الأوقات كان الأهل يتركونهم بمفردهم ولكن في مكان آخر فى البيت غير المكان الذي يجلسون فيه صديقي هذا بدأ بتبادل الأحاديث معها وبدأ بينهم تنمو العاطفه والمشاعر وكان يستغفر الله بعد كل يوم يذهب إليها ويتوب ويعزم على عدم العودة إلى مقدمات الزنا، ولكنه كان يعود ثم يتوب ووقت توبته يكون صادق النيه فى عدم العودة، ولكن ما حدث أنه فى إحدى المرات قبلها وأخذها في حضنه وحدث قذف، ولكن كانوا مردتين ملابسهم كاملة وقالت له إنها شعرت بشيء دخل فى فرجها تقصد ذكره، ولكن عندما سألها ليتأكد قالت إنها لا تدري إن كان ذكره قد دخل فى فرجها أم لا مرات تقول إن ذكره دخل فى فرجها وأوقات تقول إنها غير واثقه وإنها غير متأكدة، ولكن كانوا الاثنين مرتديين ملابسهما كاملة، مع العلم بأنه لم يشعر أن ذكره قد يكون دخل في فرجها من عدمه لارتدائهم ملابسهم كاملة، وما نسأل عنه هل هذا يعد زنا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنريد أولاً أن ننبه إلى أن العقد لا يشترط لصحته قراءة الفاتحة بل اعتبرها كثير من أهل العلم بدعة، وإذا وقع العقد الصحيح سواء قرئت فيه الفاتحة أم لا، فإن ذلك يترتب عليه أثر الزوجية ويبيح لكل منهما من الآخر ما يباح بين الزوجين، فما فعل صديقك أيها السائل من الاختلاء بهذه الفتاة وما ترتب على ذلك مما ذكرت أمر محرم لا يشك في تحريمه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. أخرجه مسلم.
ففي هذا الحديث دلالة على منع خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، فما بالك بتبادل القبلات والأحضان وغير ذلك، لا شك أنه انتهاك لحرمات الله تعالى وتجاوز لحدوده، والتقدم للخطبة لا يبيح الاختلاء بالمخطوبة حتى ولو وافق أهلها ورضوا به زوجاً، فالمخطوبة أجنبية حتى يتم العقد الشرعي عليها.
أما ما حدث بينهما فإن كان قد حدث إيلاج للذكر في فرج المرأة بالحشفة أو بقدرها فهذا هو الزنا الموجب للحد، جاء في حاشية الجمل في تعريف الزنا: فيقال في تعريفه شرعاً هو: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعاً بلا شبهة. انتهى.
فلو حدث هذا الإيلاج فقد حدث الزنا ولو كان بحائل كأن كان من وراء الملابس ونحو ذلك، جاء في مغني المحتاج: وحقيقته الشرعية الموجبة للحد (إيلاج) حشفة أو قدرها من (الذكر) المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفاً في خرقة (بفرج) (محرم) في نفس الأمر (لعينه) أي الإيلاج (خال عن الشبهة) المسقطة للحد (مشتهى) طبعاً بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
فتأمل قوله (وكان ملفوفاً في خرقة) فإنه صريح في أن الذكر لو كان ملفوفاً بخرقة أو تم الإيلاج من وراء ثياب فإنه زنا، أما إذا لم يحدث هذا الإيلاج فليس هذا بالزنا بل هو من مقدمات الزنا، ولا حد فيها بل فيها التعزير البليغ الذي يراه الحاكم رادعاً وزاجراً..
أما إذا حدث شك في حدوث الإيلاج أو عدمه -وهذا مستبعد- فلا يأخذ هذا الفعل حكم الزنا، لأن القاعدة المتقررة شرعاً -أن اليقين لا يزول بالشك بل لا يزول إلا بيقين مثله- أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً.
وللفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22226، 20064، 5779.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(16/207)
عقوبة الزنا مترتبة على الزنا الحقيقي لا زنى الجوارح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا زنا الرجل والعياذ بالله سمعت بأنه يوم القيامة توضع له جمرة من نار عند كل زنية يزنيها حتى ولو نظرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من دواوين السنة وكتب أهل العلم على خبر بوضع جمرة للزاني عند كل زنية ولو بالجوارح. وهذا من الأمور التوقيفية التي لا يمكن التقول فيها بالاجتهاد، بل لابد من نص صحيح يثبتها.
وعلى كل فالزنى من أسوإ الفواحش وأعظمها وزرا وأشدها عقوبة وقد جاء في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأي ليلة أسرى به ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، تتوقد تحته نارا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا، وإذا أخمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة. وفي لفظ: وإذا هم يأتيهم مثل لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضو. وفي آخر الحديث سأل عنهم صلى الله عليه وسلم فقيل: وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناه والزواني. رواه البخاري.
وهذا ونحوه مما ورد في عقوبة الزنى من حدود دنيوية أو عذاب آخروى، إنما هو في زنى الفرج. وأما زنى الجوارح فهو من اللمم ويستحق صاحبه العقوبة إذا لم يتب منه. وللوقوف على تفصيل القول في عقوبة زني الفرج وزنى الجوارح انظر الفتاوى التالية أرقامها: 5876، 26511، 22954، 114911، 104871.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(16/208)
هل يجب الحد في وطء المستأجرة وعلى من عقد على امرأة لا يحل له نكاحها
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا أبو حنيفة النعمان بن ثابت يقول: لو أن رجلاً عقد على اُمّه عقدة النكاح، وهو يعلم أنها اُمه، ثم وطئها لسقط عنه الحدّ، ولحق به الولد (3) . وكذلك قوله في الأخت والبنت، وكذلك سائر المحرمات، ويزعم أن هذا نكاح شبهة أوجبت سقوط الحد. ويقول: لو أن رجلاً استأجر غسالة أو خياطة أو خبازة أو غير ذلك من أصحاب الصناعات، ثم وثب عليها فوطئها وحملت منه سقط عنه الحد، ولحق به الولد (4) . هذا في حوار موجود على النت بين المفيد الرافضي وشيخ إسماعيلي.. فهل هذا معقول ولماذا لم نر رداً عليه!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك الكلام على مسألتين:
المسألة الأولى: من عقد على امرأة لا يحل له نكاحها هل يحد أم لا؟ جاء في كتاب فتح القدير لابن الهمام وهو في الفقه الحنفي: ومن تزوج امرأة لا يحل له نكاحها فوطئها لا يجب عليه الحد عند أبي حنيفة. ولكن يوجع عقوبة إذا كان علم بذلك. وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: عليه الحد إذا كان عالماً بذلك، لأنه عقد لم يصادف محله فيلغو كما إذا أضيف إلى الذكور، وهذا لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه، وحكمه الحل وهي من المحرمات، ولأبي حنيفة رحمه الله أن العقد صادف محله لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده، والأنثى من بنات آدم قابلة للتوالد وهو المقصود، وكان ينبغي أن ينعقد في جميع الأحكام إلا أنه تقاعد عن إفادة حقيقة الحل فيورث الشبهة لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا نفس الثابت، إلا أنه ارتكب جريمة وليس فيها حد مقدر فيعزر. انتهى.
وأصل هذا قاعدة عند أبي حنيفة ذكرها ابن الهمام قبل ذلك في نفس الكتاب حيث قال: ثم الشبهة عند أبي حنيفة رحمه الله تثبت بالعقد وإن كان متفقاً على تحريمه وهو عالم به، وعند الباقين لا تثبت إذا علم بتحريمه، ويظهر ذلك في نكاح المحارم على ما يأتيك إن شاء الله تعالى. انتهى.
والذي ذهب إليه الشافعي والصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن وهو وجوب الحد إن كان عالماً بالتحريم هو قول جمهور العلماء، وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية، قال ابن عابدين في كتاب رد المحتار وهو في الفقه الحنفي: وقالا: إن علم الحرمة حد وعليه الفتوى خلاصة، لكن المرجح في جميع الشروح قول الإمام فكان الفتوى عليه أولى قاله قاسم في تصحيحه، لكن في القهستاني عن المضمرات: على قولهما الفتوى. انتهى ... وينبغي التنبيه إلى أن الإمام أبا حنيفة لا يقول بحل هذا النكاح، وإنما الكلام في ثبوت الشبهة من عدمه كما هو واضح.
المسألة الثانية: وطء المستأجرة: وهذه المسألة لم نجد للحنفية فيها قولين، بل يجزمون بوجوب الحد على من وطيء الجارية المستخدمة، ولا يكون عقد الإجارة شبهة يدرأ بها الحد عندهم، ففي رد المحتار: "ولا حد "بالزنا بالمستأجرة له" أي للزنا. والحق وجوب الحد كالمستأجرة للخدمة. انتهى.
وأما لحوق الولد فتابع للحد، فحيث لم يجب الحد للشبهة لحق الولد، وقد ذكرنا هذا في الفتوى رقم: 79750.
وننبه إلى أن مثل هذه المسائل الفقهية محل اجتهاد، وربما لحظ الفقيه مأخذاً معيناً جعله يذهب هذا المذهب المعين في المسألة، فلا يجوز التشنيع عليه والحديث عنه بسوء في مثل هذا، وهو على كل حال مجتهد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1429(16/209)
هل تقتل الفتاة إذا ارتكبت جريمة شرف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجب قتل الفتاة لو ارتكبت فاحشة (يعني جريمة شرف) هذا السؤال كان محور اختلاف بيينا، أتمنى من فضيلتكم أن تردوا علينا بإجابة دقيقة؟ وجزاكم الله خيراً ودمتم في خدمة الإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتاة إذا ارتكبت جريمة شرف فإنها قد وقعت في معصية كبيرة تستوجب التوبة والإنابة إلى الله، ولا يجوز قتلها إلا من الإمام حاكم المسلمين أو نائبه إذا أقرت عنده بزناها أو شهد عليها أربعة شهود عدول بذلك وكانت مختارة غير مكرهة، فإنه يقيم عليها الحد إن كانت محصنة يرجمها حتى الموت وإن كانت بكراً يجلدها مائة جلدة.
وأما غير الحاكم فلا يجوز له إقامة الحد عليها، ومن قتلها يقتل بها إلا أن يعفو عنه أولياء الدم ما لم تكن محصنة، فإن كانت محصنة لم يقتل بها ولا يلزمه الدية، لكن عليه إقامة البينة على ارتكابها الزنى مختارة، وهو آثم لافتياته على الحاكم فله تأديبه، لكن لأهلها تأديبها إن كان لذلك من فائدة، وينبغي أن يسلكوا معها سبيل الحكمة في التأنيب والتأديب لأن العنف والطرد قد لا يزيدانها إلا سوءا وبعداً وايغالا في المعصية والانحراف.
وللمزيد نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18606، 49683، 29819.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(16/210)
زواج الزاني ممن زنا بها هل به يصحح خطأه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة، تعرفت على فتاة منذ أكثر من أربع سنوات، كنت حينها في سن المراهقة، حقا أعجبتني الفتاة، وصراحة أحببتها، ولكن ما وقع هو أشد وأدهى، هو أني وقعت معها في علاقة غير شرعية، أطلب من الله -عز وجل- أن يغفر لي ويتوب عني، وأرجو منكم الدعاء، وحين أدركت أن ما وقعت فيه كبيرة من الكبائر، أردت أن أخطبها ولكن أهلها رفضوني لعلمهم بعلاقة الحب بيننا وأنهم ردعوني مرارا وتكرار وأصبحت بيننا مشاكل وأريد أن أصحح خطئي فماذا أفعل وهم لا يريدون أن يزوجوني إياها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بعلاقة الحب بين الشباب والفتيات هو أمر لا يقره الشرع، ولا ترضاه أخلاق الإسلام، وإنما هو دخيل على المسلمين من عادات الكفار وثقافات الانحلال، وإنما المشروع في الإسلام أن الرجل إذا تعلق قلبه بامرأة، يخطبها من وليها الشرعي، ثم تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها، فلا يحل له الخلوة بها ولا لمس بدنها، بل ولا الحديث معها لمجرد الاستمتاع والتشهي، وفي ذلك ضمان لعفة المجتمع وطهارته، وصيانة الأعراض وحفظ الكرامة.
أما عن سؤالك فإنك قد أخطأت خطأً عظيماً وتعديت حدود الله واجترأت على حرمات الله، بتماديك في تلك العلاقة المحرمة، حتى وقعت في الزنا وهو جريمة خطيرة لها آثارها السيئة على الفرد والمجتمع، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا {الإسراء:32} .
وأما عن تصحيح خطئك، فليس من شرط ذلك أن تتزوج بتلك الفتاة، بل إنها إذا لم تكن تابت توبة صحيحة، فلا يحل لك الزواج منها، وإنما تصحيح خطأك يكون بالتوبة النصوح إلى الله، وذلك بالإقلاع عن الذنب، وقطع كل علاقة بهذه الفتاة، والندم على ما وقعت فيه، والعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، وعليك بالتعجيل بالزواج من مسلمة عفيفة ذات دين، وعليك بالستر عليها وعلى نفسك، فلا تخبر أحداً بذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(16/211)
هل يتوجب على الزاني أن يتزوج ممن زنا بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يتيمة وكنت قد تعرفت على شاب مند 10 سنوات لكن ما وقع أني فقدت عذريتي ولم يعترف بي وتمادى في طغيانه فابتعدت عنه وفوضت أمري لله لكن الأمر لازال يلازمني ومؤخرا طلب مني العفو والسماح لكن رفضت والمشكلة أني كلما سجدت للصلاة تذكرت حالتي فأرفع يدي وأقول حسبي الله ونعم الوكيل ولم أسمح له لأن قلبي لازال غاضبا عليه ويرفض العفو لأنه لم يصحح غلطه معي هل أنا على الطريق الصحيح لأني رفضت العفو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أولا أن تتوبي إلى الله عز وجل منه وتستغفريه، وتكثري من الأعمال الصالحة المكفرة، لأن الزنا من كبائر الذنوب وفواحشها، قال سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} . وقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} .
أما ما تذكرين من كون هذا الرجل لم يعترف بك ولم يصحح خطأه معك فهذا مما لا يلزمه، لأنه لا يلزم الزاني أن يتزوج بمن زنا بها، وقد نص العلماء على أن الزانية المطاوعة لا حق لها، ولا يترتب لها أي التزام مالي. جاء في زاد المعاد لابن القيم: وإنما لم يجب (المهر) للمختارة (للزنا) ، لأنها باذلة للمنفعة التي عوضها لها، فلم يجب لها شيء، كما لو أذنت في إتلاف عضو من أعضائها لمن أتلفه. انتهى بتصرف يسير.
وجاء في كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد: ولا يجب المهر للمطاوعة على الزنا، لأنها باذلة لما يوجب البدل لها، فلم يجب لها شيء -كما لو أذنت في قطع يدها. انتهى.
ولا شك أن هذا إثم عظيم، ولكن لا يترتب عليه حق دنيوي، وإنما هذا إثم من جملة آثامه، وجناية في طي جناياته، وحسابه على ذلك عند ربه يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا، ولا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 26384، 44344، 112972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(16/212)
الزنا من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن أخي له طفلان من امرأة وهي تعيش معه الآن، لكن بدون عقد نكاح، علما بأنه كل سنة يعتمر ورجل متدين لا ينسى أي فرض، أخبرت أمي وأبي فلم يصدقاني، سؤالي هو كيف أواجه هذه المشكلة وما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نستغرب من جهل أبوي هذا الأخ بحرمة علاقته مع المرأة المذكورة والتي له منها أولاد مع علم السائلة بذلك، كما نستغرب أيضا بل نستبعد إقامة علاقة كهذه من رجل صاحب دين، وعلى كل حال نقول: الزنا حرام وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:68-70} ، وقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32} .
وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك. متفق عليه.
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه. ويتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده، فالزنى بذات المحارم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها، إذ فيه انتهاك لحرمة الزوج وإفساد لفراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه، وغير ذلك من أنواع الأذى، عافانا الله الكريم من موجبات سخطه ... فالواجب على من علم بمثل ما ذكرت أن يبذل النصيحة لذلك الشخص وأن يعلمه بقبح عمله وشنيع فعله وأنه بفعله هذا يستمطر غضب الله ولعنته، وقد يكون ذنبه هذا سببا في حبوط جميع أعماله سواء الفريضة أو النافلة، فالله سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33} .
جاء في تفسير القرطبي: ولا تبطلوا أعمالكم أي حسناتكم بالمعاصي. قاله الحسن. وقال الزهري: بالكبائر.انتهى.
وأن يذكر بوجوب المبادرة بالتوبة إلى الله جل وعلا، ولا تتحقق التوبة إلا بمفارقة هذه المرأة تماما وقطع كل العلائق بها، فإن لم يستجب فيجب رفع أمره إلى من يقدر على تغيير ذلك المنكر المقيم عليه..
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 9731، 11322، 112794.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(16/213)
إمساك يد الأجنبية هل يعتبر من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة أبلغ 17 عاما أحبني صديق لي في الدراسة مع العلم أنني كنت أعتبره كأخ لي يصغرني سنا بأشهر فقط إلا أنه فاجأني بكلامه الذي يصرح لي فيه عن حبه رفضت الفكرة وبمرور الأيام وبشكر صديقة لي قبلت ولكن لم أصرح له فأصبحنا نجلس إلى جانب بعض وأصبح يتفوه لي بكلام معسول فكنت أرد عليه بأنه أصغر مني فكان يرد قائلا إن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت تكبر الرسول صلى الله عليه وسلم سنا إلا أنه تزوجها وأحبها مرت الأيام فتطورت العلاقة فأصبح يمسك بيدي لكن لم نكن نمشي في الشارع كان الحديث عبر الهاتف ثم افترقنا لسبب فأصر على الرجوع فقبلت فأصبحنا نتحدث بواسطة الانترنت ففي يوم أقل الاحترام معي فرفضت هذا التصرف وأغلقت النافذة وهذا في يوم من أيام رمضان ولليوم أنا لا أكلمه فأنا اليوم أرجو منكم أن تجيبوني عن سؤالي هل إمساك اليد من طرف رجل أجنبي يعتبر زنا؟ رغم أني أعلم أن العلاقة حرام ولكن كانت النية بأننا سنتم الحياة مع بعض وقال لي لكي لا تبقى علاقتنا حرام فسآتي بأمي وتخطبك لي إلا أنني رفضت لأن والدي يرفض فكرة أن أخطب وأنا مازلت أدرس إلا أنني كنت أحكي لأمي كل ما يحدث لي إلا عندما كان يمسك بيدي فلم أتجرأ بأن أخبرها مع العلم أنني محافظة على صلاتي ووردي اليومي مطيعة لوالدي ناجحة في دراستي قراءة للقرآن متحجبة متخلقة إلا أنني لا أعرف كيف فعلت هذا فأنا أطلب منكم الرد علي فأنا حائرة جدا ولا أكف عن التفكير في زلتي هذه وجزاكم الله خيرا أمانة ادعوا لي بأن يغفر الله لي وأن يهديني إلى الطريق المستقيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإمساك يد المرأة الأجنبية حرام ولو كان بغير شهوة، وتشتد الحرمة إذا كان بشهوة وتلذذ، وقد بينا أدلة ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 1025.
ولمس الأجنبية يعتبر من زنا اليد الذي أخبر عنه الرسول في الحديث فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه. رواه البخاري ومسلم.
فليس التحريم مقصورا على زنا الفرْج فقط، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وسميت هذه الأمور زنا لأنها تدعو إلى الزنا الحقيقي.
قَالَ ابْن بَطَّال رحمه الله: سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ، وَلِذَلِكَ قَال: وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أوَيُكَذِّبهُ. انتهى نقلا عن "فتح الباري".
ولكن هذا الزنا لا يترتب عليه الحد لأن الحد إنما يكون في الزنا الذي هو إيلاج الفرج في الفرج، أما زنا الجوارح ما عدا الفرج ففيها التعزير الذي يردع صاحبه عن ارتكاب هذا الفعل مرة أخرى.
فالواجب عليك أيتها السائلة أن تتوبي إلى ربك، وأن تداومي على البعد عن هذا الشاب المستهتر الذي دلل على فساده وخبث نيته وسوء خلقه بما فعله معك، ولو كان على صراط مستقيم، وخلق قويم لأتى البيوت من أبوابها، ولجاء يخطبك من أوليائك، وعليك أن تكثري من الاستغفار وفعل الأعمال الصالحة فإنها تكفر السيئات، قال سبحانه:" وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}
نسأل الله سبحانه أن يغفر لك زلتك، وأن يقيل عثرتك، وأن يصرف عنك أهل السوء.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 39889، 19522، 24587، 21582، 111586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(16/214)
يريد الزنا بامرأة ليتزوج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء عدم إحالتي على مواضيع ذات صلة أنا شاب أريد الزواج لكن لا أستطيع بسبب الفقر وأريد أن أزني مع فتاة من أجل أن تصبح زوجتي لأنه في عرفنا من يفعل ذلك يزوجوه تلك الفتاة التي زنى بها..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا من العرف الباطل الذي لا يجوز أن يسود بين المسلمين الذين حث دينهم على الطهر والعفاف وحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ونفر منها أشد التنفير، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ {الأعراف:33} .
وقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه – ورؤيا الأنبياء وحي – رأى الزناة والزواني يعذبون في ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها وهو جزء من حديث طويل رواه البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
فإذا كان الزنا بهذه البشاعة فكيف يقدم عليه المسلم، وما يدريه إذا أقدم على الزنا أن يلقى ربه قبل أن يتزوج فيخسر دنياه وأخراه، وهل لم يبق سبيل للزواج إلا هذه العادة السيئة.
ثم إن من المعروف أن الإنسان بمقتضى فطرته إذا أراد الزواج بحث عن المرأة الطاهرة العفيفة التي لم يسبق لها الوقوع في الزنا، فمن جرى على عرفكم السائد فهو مخالف للفطرة السليمة.
وههنا سؤال يرد عليك وهو: هل ترضى أن يزنى بأختك مثلا أو أي من قريباتك من يريد أن يقدم على الزواج منها؟ ولا شك أن فطرتك السليمة تجيب بأن لا ترضى لها ذلك، فإذا كنت لا ترضاه لأختك فلا ترضاه لنساء الآخرين.
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه! فقال: أدنه، فدنا منه قريبا، قال فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: " ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
فالذي ننصحك به هو الإعراض عن التفكير في هذا الأمر نعني الزنا، وأن تسعى مع بعض العقلاء وذوي الفضل من قومك في القضاء على هذا العرف والتشجيع على الزواج مباشرة فبذلك تحيون سنة حسنة وتميتون سنة سيئة.
ونوصيك بأن تكثر من دعاء الله تعالى أن ييسر لك الزواج، فقد تجد من الأولياء والنساء من يرضى بالقليل، ويسر المؤونة من أسباب بركة النكاح، بل وقد تجد منهم من يعينك في أمر الزواج. هذا مع العلم بأن الزواج من أسباب السعة في الرزق، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 32} .
وروى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف.
وإذا لم يتيسر لك الزواج فعليك بتقوى الله والبعد عن وسائل الزنا ومثيرات الشهوة من إطلاق البصر ونحو ذلك، وعليك بالصوم عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وهو قوله عليه السلام: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
يسر الله لك الزواج وحفظك من كل سوء ومكروه ووفقك إلى طاعته وعصمك من معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(16/215)
إثم من زنا بفتاة وتحدث بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن فتاة قامت بفعل ذنب معي وتكلمت عنها لعدد قليل من أصحابي فشوهت صورتها بين أصحابي ولولا كلامي ما عرفوا عنها شيئاً، مع العلم بأنها فعلت هذا الذنب معي وهي من طلبت مني هذا فهل هذا يعتبر ذنبا في حق العباد لا يسامح الله فيه وإن كان كذلك كيف أستغفر الله منه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففضحك لأمر تلك الفتاة وحديثك عنها أمام زملائك معصية تستوجب التوبة إلى الله عز وجل وطلب المسامحة ممن وقعت في عرضها وفضحت أمرها وكشفت ستر الله عليها، وإن لم يمكنك ذلك أو خشيت الفتنة أو الضرر إن فعلته فاستغفر لها ... ونرجو أن يكفر ذلك خطيئتك.
كما أن حديثك لزملائك أو غيرهم عن نفسك بذلك الفعل تبجح بالمعصية ومجاهرة بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله تعالى. متفق عليه.
فاستغفر الله تعالى وتب إليه توبة نصوحاً، واستغفر للأخت التي وقعت في عرضها إن لم تستطع طلب المسامحة منها فذلك هو كفارة فعلتك، وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47431، 79354، 7017، 13401.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(16/216)
استر عليها وأمسكها، إن تحققت توبتها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد صارحتني زوجتي أنها قد زنت مع أخي خلال غربتي في إحدى الدول وقالت إنه حدث مرات معدودة فقط ثم تابت توبة نصوحا ومع تكرر سفري في الغربة، قالت إنها تابت مع أن الظروف ما زالت مهيأة كما كانت من قبل ولكنها تابت توبة نصوحة كما قالت وهي اعترفت لي بعد ضغط هائل مني بعد وقوع الحدث بسنوات
قل لي بالله عليك ماذا أفعل هل أطلقها وأسترها أم أعيش معها وأسترها مع أنني أقسمت لها بالله أنني لن أظلمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله جل وعلا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} ، جاء في تفسير الألوسي: أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ. أي بلاء ومحنة في الدنيا؛ كما روي عن مجاهد. انتهى.
فما أصيب العبد بمحنة ولا فتنة إلا بسبب مخالفته لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن من أوامره الشريفة التي ضيعها أكثر الناس في زماننا - إلا من رحم الله وعصم - أمره بعدم الخلوة بالنساء خصوصاً من أقارب الزوج، فقد قال الصادق المصدوق والناصح الأمين بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت. قال: وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. انتهى.
فحين خالفنا أمره أصابتنا كل رزية، وحلت بنا كل بلية، وما حل بك ما حل من مصيبة في عرضك وشرفك، إلا بسبب تقصيرك في الوصية النبوية، أما وقد حصل ما حصل فلتنظر في حالة هذه المرأة فإن تابت من هذه المعصية توبة نصوحاً صادقة وغلب هذا على ظنك، فاستر عليها وأمسكها، واعلم أن التوبة تجب ما قبلها، ولعلها تكون بعد هذا الذنب خيراً منها قبله، ولتحذر مستقبلاً من دخول أي أجنبي عليها.
أما إذا غلب على ظنك عدم توبتها فلا تبق عليها لأنها ستدنس عرضك، وتجلب لك العار، وتدخل عليك من ليس منك، لكن استر عليها أيضاً، فإن الله ستير يحب الستر، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، واكتم سرها ولا تفشه لأحد، وسرحها بإحسان، وإن سئلت عن سبب طلاقها فاستعمل التورية، وبهذا تحافظ على سمعة عائلتها وسمعة عائلتك، وننبهك إلى خطورة الغيبة الطويلة عن الزوجة لأن هذا من أسباب الفساد أيضاً، واعلم أنه لا يجوز للزوج أن يغيب عن زوجته ستة شهور إلا بإذنها. وللفائدة في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 96680.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1429(16/217)
لا حرج على من زنت وهي تحت زوجها وتابت في الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما كفارة الزوجة الخائنة والزانية بعد توبة نصوحة ولديها 4 أربعة أطفال ولدان وبنتان وتريد الإنجاب بعد توبة نصوحة وهل يعتبر الإنجاب بعد الزنا حلالا أو حراما وهل يعتبرون أطفال الشارع أم لا؟
وهل تطلب الطلاق من زوجها ثم يعيدها بعد التوبة وهل تعتبر في رأي الدين حرام على زوجها حتى يحللها ما حكم الدين وما كفارة كل هذا؟ جزاكم الله فضيلة الشيخ رد مسرع أرجو المساعدة وعلى فكرة سبب انحرافها مرض نفسي والبحث عن صدر حنين وبحث عن الراحة النفسية إحدى الزميلات. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا فاحشة وجريمة شنيعة، وهو في المتزوجة أعظم جرماً وأقبح فعلاً، كما سبق في الفتوى رقم 38577.
فالواجب عليها التوبة من ذلك، ومتى اكتملت شروط توبتها فإن الله عز وجل يكفر عنها هذا الذنب وليس هناك كفارة تكفر هذا الذنب سوى التوبة النصوح، والتوبة النصوح لا تتحقق إلا بالإقلاع عن الذنب والندم على ما فات منه والعزم على عدم العودة إليه أبداً، ولمعرفة المزيد من الفائدة عن ذلك راجع الفتويين التاليتين: 1095، والفتوى رقم: 1117.
وإذا كان الزنا حصل وهي تحت زوجها أي في حال زواجها به فالأولاد ينسبون إليه ولا يقبل القول بأنهم من الزنا لاحتمال كونهم من الزوج، ولأن الولد للفراش وللعاهر الحجر، كما سبق في فتاوى منها: 39576.
وعليها الستر على نفسها ولا حرج عليها أن تنجب من زوجها، ولا يلزمها طلب الطلاق بعد التوبة، ولا تحرم على زوجها بمجرد وقوعها في الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(16/218)
لا علاقة بين جلوس المرأة على الكرسي والزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت فتوى من المفتي العام بالسعودية مفادها أن جلوس المرأة على الكرسي يعتبر زنا، فما صحة هذا الخبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك لم تفهمي فتوى الشيخ أو لعل من نقلها إليك لم يفهم مقصوده مما ذكر، وإلا فيبعد أن يقول بذلك عالم، لأن جلوس المرأة على الكرسي كجلوسها على الأرض لا حرج فيه ولا علاقة للزنى بذلك، وقد بينا تعريف الزنا وحكمه الشرعي في الفتوى رقم: 8448، والفتوى رقم: 22226 فراجعيهما للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(16/219)
وجوب الستر على من وقع بفاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أسرة كريمة تعرف بالتقى والالتزام ولكن قدرا منذ أيام قليلة اكتشفت أن أختي الصغرى قد فقدت عذريتها عن طريق علاقة غير شرعية مع أحد الجيران منذ سنتين ولكنها تابت إلى الله عز وجل ولكن بعد هذه المدة يوجد بعض الشباب أصحاب هذا الشخص يقومون بتهديدها بفضح أمرها لأبيها إن لم تلب رغبتهم مع العلم أني الآن أحسبها على خير فعندما تحدثت معها وقلت لها أخشى من تهديدهم قالت لن يقدروا بثقة فهي تقول إنها مستعينة بالدعاء لله عز وجل وأنه سيحفظها وهي تدعو الله بالستر والزوج الصالح فهل علي ستر أمرها وكتمانه ومعاونتها على الثبات، أم أخبر أبي وأمي مع العلم أن هذا يمكن أن يهدم أبي وأمي كاملاً وأخشى أيضا عند زفافها وأخشى من الفتيان فضح أمرها. رجاء الرد سريعا لأن أبي على سفر وسيأتي بعد أيام قليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك ستر أختك وألا تخبري أحدا بما حدث، لا والديك ولا غيرهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أشار على ماعز عندما وقع في الزنا أن يظهر أمره للنبي، فقال له النبي: يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك. صححه الألباني. فعليك أيتها السائلة بإخفاء الأمر عن الجميع.
أما هؤلاء المجرمون الآثمون الذين يهددونها بكشف أمرها إن لم تستجب لهم، فيجب عليها الإعراض عنهم تماما، وأن تغير أرقام هواتفها وتغلق كل ما يصلهم بها، ولا تستمع إليهم لا في قليل ولا كثير، وعليها أن تستعين بالله سبحانه عليهم. وعليها الاشتغال بالتوبة إلى الله من فعلتها توبة صادقة نصوحا، وتكثر من النوافل والصيام وقيام الليل والصدقة في حدود وسعها وطاقتها. ولتكن على ثقة أنها إن صدقت في توبتها ورجوعها إلى الله فإن الله سيصرف عنها كيد هؤلاء الخائنين، وسيردهم على أعقابهم خاسرين، قال سبحانه: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ {يوسف:52} وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ. {الحج:38}
وأما بخصوص ما تخشين منه من أمر زواجها، فعليها أن لا تخبر زوجها بما حدث معها، فقد قال رسول الله فيما رواه البيهقي وغيره: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. صححه الألباني.
وأما بالنسبة لأمر البكارة فعليها أن تُعرِّض لزوجها وتوري عنه في الكلام؛ لأن البكارة تزول بأسباب كثيرة منها الوثبة الشديدة والحيضة الشديدة وغير ذلك. فعليها أن توري عليه بسبب من هذه الأسباب.
للفائدة تراجع الفتاوى رقم: 61428 , 8417 , 20941.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1429(16/220)
حكم استمتاع المرأة بالعبد أو الخادم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وزوجي ليس لديه القدرة على إمتاعي جنسيا رغم أنه يحاول كثيرا ولي خادم بالبيت يدير شؤونه فلقد اتفقت مع زوجي على أن أنام مع خادمي لأ ن هذا الخادم ملك يميني مع علم زوجي في كل مرة أنام فيها معه وأحيانا بحضوره مع أننا ملتزمان أنا وخادمي بجميع موانع الحمل، أراسلكم لتفتوني في هذه المسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرأة لا يجوز لها الاستمتاع بعبدها ولا يجوز لزوجها الإذن لها بذلك، فلا يجوز لها أن تمكن من نفسها غير زوجها، وقد روى عبد الرزاق في المصنف أن امرأة تسرت عبدا لها في عهد عمر بن الخطاب فنهى عن ذلك، وروى بسنده عن عمر ابن عبد العزيز: أنه جاءته امرأة من العرب بغلام لها رومي فقالت: إني استسررته فمنعني بنو عمي، وإنما أنا بمنزلة الرجل يكون له الوليدة فيطؤها، فانه عني بني عمي، فقال لها: عمر أتزوجت قبله؟ قالت: نعم، قال: أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة، ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى بلد غير بلدها.
فجماع العبد لسيدته زنا يوجب الحد لولا وجود الشبهة هنا، فالواجب عليك إذاً أن تتوبي مما سبق وتبتعدي عن اللقاء بهذا الرجل الذي ذكرت، وأن تستعفي بزوجك عن الحرام.
ويشرع لك أن تخالعيه وتسألي الله أن يزوجك بزوج صالح يسعدك، وإذا كان زوجك لم يستطع الجماع لأنه عنين فيمكن أن تراجعي المحاكم الشرعية للنظر في تخليصك من الضرر الحاصل بشأنه.
وننبه إلى أنه ليس كل خادم من ملك اليمين، ولمعرفة معنى ملك اليمين راجعي الفتوى رقم: 37893.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38487، 48190، 35579، 73342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1429(16/221)
رضا الطرفين وسلامة النية هل تسوغ الجماع بغير نكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وزوجتي لا تقوم بواجبها الجنسي بحجة أن لديها رغبة جنسية فقط من وقت لآخر وأنا لم أستطع الصبر فتعرفت على إنسانة كتابية، ووهبت نفسها لي، وهذه المرأة لم تراود آخر منذ 15 عاما ولا تريد الزواج بحجة أني متزوج وأن المجتمع الغربي لا يجبرنا وأن المهم هو الرضا من الطرفين. فهل الرضا بين الطرفين والنية السليمة تكفينا أمام الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزواج الشرعي له أسسه وضوابطه التي وضعها الشرع، فلا تصبح المرأة زوجة للرجل إلا بتوفر شروط من أهمها إذن وليها وحضور الشهود وصيغة العقد، وللمزيد بهذا الخصوص راجع الفتوى رقم: 1766.
وأما هبة المرأة نفسها للرجل ورضا الطرفين بذلك ودعوى النية السليمة في ذلك فلا تصير به المرأة زوجة، فالواجب عليك مفارقة هذه المرأة وقطع العلاقة بها، وإن كنت قد وقعت معها في الفاحشة فالواجب عليك التوبة.
وأما رفض زوجتك المعاشرة لمجرد عدم رغبتها فلا يجوز ما لم تكن المعاشرة تسبب لها ضررا معتبرا شرعا، وإن أصرت على ذلك فهي امرأة ناشز، وعلاج مثلها قد بينه الشرع، فراجع الفتوى رقم: 29482.
وإن لم يكن هنالك ما يمنع فيمكنك السعي للزواج من امرأة أخرى تعف بها نفسك إن كنت قادرا على العدل بين الزوجتين، وعلى ما يترتب على ذلك من الحقوق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(16/222)
هل يحد الزاني ولو لم يحصل فض لغشاء البكارة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا بعد توضيحكم لشروط حد الزنا لكني سئلت سؤالا من أخ لي بعد سماع دخول الحشفة في الفرج الأصلي قال إذا كانت بكرا ولم يحصل أي أذى للغشاء البكارة، هل هذا يعتبر زنا يقام عليه الحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدخول الحشفة وغيابها داخل الفرج يوجب حد الزنى ولو لم يحصل فض غشاء البكارة، قال ابن قدامة في المغني: والوطء الذي يخرج به عن العنة هو تغييب الخشفة في الفرج لأن الأحكام المتعلقة بالوطء تتعلق بتغييب الحشقة. انتهى.
قال النووي في المجموع: وجميع الأحكام المتعلقة بالجماع يشترط فيها تغييب الحشفة بكمالها في الفرج. انتهى.
وقال ابن عرفة: الزنا الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة حلية عمدا. انتهى.
وقال البجيرمي في التجريد: إن كانت غوراء بحيث تمكن تغييب الحشفة مع بقاء البكارة حدت. انتهى.
وللفائدة انظر الفتويين: 21884، 22413.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(16/223)
حكم مساعدة الزانية على الإجهاض
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك امرأة حملت من غير زوجها وعمر الجنين شهران, وطلبت مني مساعدة مالية لإسقاط الجنين كي لا تقع في مشاكل قد تؤدي إلى قتلها. ف هل أنا مشترك بالإثم إذا ساعدتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجوز لك مساعدتها في ذلك وإن فعلت فأنت شريكها في الإثم، وعليك نصحها ووعظها لئلا تفعل ذلك إلا إذا كان الحمل في الأربعين يوما الأولى وغلب على ظنها لحوق الضرر بها عند ظهور الحمل وتبينه فلها إسقاطه تقليدا لقول من يقول بجواز ذلك من أهل العلم وارتكابا لأخف الضررين.
وننبه هنا إلى أن المرأة ما دامت ذات زوج فإن الحمل ينسب لصاحب الفراش وهو الزوج لا للزاني إلا أن ينفيه الزوج بلعان ولا علاقة بين الزاني والحمل الكائن على فراش الزوجية.
وللفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 51691، 12351، 14953، 5920 , 16048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(16/224)
واجب من اطلع على اقتراف الفاحشة بين أقاربه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الفرد من العائلة إذا اكتشف علاقة غير شرعية نتج عنها مولود بين زوج أخت وزوجة الأخ بحيث إن زوج الأخت يخون زوجته مع زوجة أخيها وكذلك زوجة الأخ تخون زوجها مع زوج أخت زوجها فالعلاقة مستمرة بينهما لحد الآن؟ ماذا أفعل إذا تكلمت أخشى أن يحدث شيء لا يرضى الله عنه وإذا سكت فإن الإثنان لا يخشيان الله ولا يتوبان عن هذا الفعل الشنيع وتستمر العلاقة بينهما لأن الكل يظن أنه أصبح فردا من العائلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يحدث بين زوج هذه الأخت مع زوجة الأخ هو من المنكر العظيم، وسببه ابتعاد الناس عن تعاليم الشرع والسماح بالاختلاط بين الرجال والنساء، والسماح بالخلوة في كثير من الأحيان.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: إياكم والدخول على النساء، قالوا: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. والحمو هو قريب الزوج، ومعنى ذلك كما يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: الخوف منه أكثر من غيره، وأن الشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الدخول والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي.
والواجب عليك الآن تغيير المنكر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقبله وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
والذي أنصح لك به لكي يتم معالجة الأمر أن تتحدثي مع هذا الرجل أن يتقي الله ويترك هذا المنكر وأن يكون في كلامك شيء من التهديد بأنه إذا لم يمتنع فسيخبر بالأمر أفراد العائلة، وتتحدثي مع زوجة أخيك كذلك بنفس الطريقة، فإن تابا فالحمد الله، فمن تاب تاب الله عليه، ويجب الستر عليهما حينئذ، فإن لم يتوبا ويرتدعا عن ذلك المنكر فنبهي زوج تلك المرأة إلى أنه يجب أن يحفظ زوجته ويراقب دخولها وخروجها وتصرفاتها، وأن يقوم بما أوجب الله عليه من القوامة ونحو ذلك من الكلام من غير أن تصرحي له بشيء لئلا تقعي في القذف.
هذا ولتعلمي أنه لا يجوز نفي نسب ذلك المولود عن زوج أمه ما دامت فراشا له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. متفق عليه.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 93717.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(16/225)
المخول بإقامة الحد على الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الشيخ لقد قرأت في كثير من فتاواكم أنه في حال ما إذا زنت الزوجة مع رجل سواء كان قبل الزواج أو بعده وتابت بعد ذلك فالأحسن لزوجها أن يصفح عنها ويستر عليها. ولكن سيدي ها هنا إشكال كبير فكيف للزوج أن يتناسى أن رجلا زنى بزوجته فذلك شيء عظيم لا يمكن احتماله. ثم كيف يرفع عينيه في الرجل الزاني. كما أن كثيرا من الزناة يتمتعون بانتهاك حرمات ويقولون لأقرانهم أرأيتم ذلك الأحمق لقد نلت من امرأته وإنها لبضة اللحم ...
فهم يتمتعون بالحديث عن الزنا كما يتمتعون بالزنا نفسه.
وكون الزوج يعرف الزاني فتلك مصيبة وإن كان لا يعرفه فالمصيبة أعظم, فكيف يعيش مخدوعا يتغامز الناس عليه. وإني لأعرف أمثلة كثيرة لذلك في مجتمعنا.
فهل مع ذلك يبقى الصفح أحسن أم أنه يجوز غسل العار الذي قد يصل إلى القتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر على ما قرأت بهذه الفتاوى من أنه إذا زنت الزوجة ثم تابت فالافضل لزوجها أن يصفح عنها ويستر عليها، ولا شك أن هذا الأمر يعتبر أمرا عظيما وبه أثر كبير في نفس الزوج، والعلاج النافع لذلك هو العلاج الشرعي، وأما قتل الزاني فلا يجوز للزوج الإقدام عليه لعدة اعتبارات سبق ذكرها بالفتوى رقم: 38473، ثم إن هذا قد تترتب عليه من المفاسد ما لا يحصى، ومن ذلك انتشار الفضيحة في أمر الفاحشة إضافة إلى أنه ربما انتشر القتل بإقدام أهل المقتول على الانتقام من القاتل.. وهكذا.
وأما حديث بعض الناس في أعراض بعض المسلمين فداء جعل الشرع له دواء، فإما أن ياتي الواحد منهم ببينة أو يكون قاذفا يستحق أن يقام عليه حد القذف بأن يجلد ثمانين جلدة، والواجب على الحاكم المسلم أن يوقف أمثال هؤلاء عند حدهم ويعاقبهم بمثل هذه العقوبة حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(16/226)
التوبة من مقدمات الزنا مع المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ بضع سنوات وسوس الشيطان في عقلي وجعلني ألمس وأقترب من أختي بطريقة غيرشرعية, ولكن لم أزن معها واستمررت على هذه الحالة فترة من الزمن. والآن بعد أن من الله علي بالتوبة النصوح فأنا والله كلما تذكرت تلك الحادثة أنوي أن أنتحر، فأرشدني إلى الطريق الصحيح، وقل لي ماذا أفعل ليتوب الله علي ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يغفر لك ما مضى من ذنوبك, وأن يكفر سيئاتك, ويقيل عثراتك, وأن يثبتك على طريق التوبة.
واعلم أخي أن الله حرم مقدمات الزنا من اللمسة والنظرة والخلوة وغير ذلك , ويزداد الإثم جرماً والأمر خطورة إذا كانت هذه الآثام مع إحدى المحارم، إذ كيف يأتي البلاء ممن يؤمن جانبه، وكيف يفتح باب الشر من كان مكلفاً بإغلاقه، فيتحول الحارس المفترض أن يكون أميناً إلى خائن أثيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإنا ننصحك أخي بجملة من النصائح:
أولا: أن تثبت على طريق التوبة وأن تعلم أن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويقيل العثرة, يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} .
وأن تكثر مع ذلك من الأعمال الصالحة, فإن الحسنات يذهبن السيئات, قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
ثانيا: أن تكثر من الصوم خاصة فإنه يقطع الشهوة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع، فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ثالثا: أن تحرص على البعد عن أختك وألا تنظر لها إلا في أضيق الحدود, وألا تختلي بها مهما كانت الظروف، وهذا إن كنت لا تزال تشعر في نفسك بميل إليها أو تخشى من ذلك.
رابعا: أن تحرص على الزواج ما امتهدت السبل إلى ذلك, لكي تحصن فرجك وتكف نفسك عن الحرام.
خامسا: أن تحافظ على أدب الاستئذان فلا تدخل على أحد من محارمك أو غيرهن إلا بعد أن تستأذن ويؤذن لك بالدخول, قال سبحانه: وَإِذَا بلغ الأَطْفَالُ مِنْكمُ الحلم فَليستأذِنوا كَمَا استأذَنَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يبينُ الله لكم آيَاتِهِ وَالله عَلِيم حَكِيم. {النور/59} ،
ونبشرك أن الندم إنما هو علامة من علامات التوبة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. أخرجه أحمد وغيره وصححه الألباني.
وأما الانتحار فليس هو الحل.
وللفائدة راجع الفتويين: 29514 , 38842 , 52037 , 10397
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(16/227)
حكم الزواج ممن وقع معها في مقدمات الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة حب مع فتاة وانجرفت تحت شعار الحب وكان الشيطان أقوى واختليت بها مرات "دون فض البكارة" أريد الزواج بها ولكن حدثت أمور جعلتني أشك بأنني لست الوحيد الذي اختلت به ولكن دون برهان,
فهل أعيش معها بشك طول حياتي أم أعيش دونها بعذاب أنني ظلمتها بما فعلت معها دون أن أصلح ذلك بالزواج، مع العلم بأننا ندمنا ولم نكرر فعلتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أنك قد ارتكبت ذنباً عظيماً واستزلك الشيطان باتباع خطواته فتب إلى الله تعالى توبة نصوحاً مستكملة شروطها من الإقلاع عن الذنب فوراً، والندم الشديد على ما حصل منك من تفريط في جنب الله وانتهاك للحرمات، ثم العزم الجازم على عدم العودة إلى تلك الذنوب فيما بقي في عمرك، وذلك يقتضي منك الابتعاد عن كل ما يؤدي إلى المعصية أو يقرب منها، ومما يعينك على ذلك الإكثار في الاستغفار واستشعار قبح الذنب والصحبة الصالحة التي تذكر بالله تعالى وتعينك على طاعته.
وأما الزواج من تلك المرأة فلا حرج فيه بشرط أن تتوبا إلى الله توبة نصوحاً، وإذا علمت صدق توبتها فلا عليك في تلك الشكوك، فمن تاب تاب الله تعالى عليه. وإذا صارت زوجتك فلك حق القوامة الذي يقتضي مما يقتضيه صيانتها ورعايتها وتأديبها. وراجع للفائدة في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17247، 6925.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(16/228)
كيفية التوبة من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة بامرأة غير مسلمة لم تعرف أي رجل غيري, وكنت أعاشرها كزوجة فترة طويلة, لكن قررت أن أتوب إلى الله وأتزوجها على سنة الله ورسوله, وحاولت أحببها في الإسلام هي تعرف أن الإسلام دين طيب وسمح لكن خائفة من عائلتها وليس لديها الرغبة في التحجب, وأنا مستعد أني أبتعد عنها وأتوب إلى الله لكن أنت تعرف عاداتهم يعاشرون بعضهم كأزواج بدون زواج, وأنا سمعت أن ذنب كل من يعاشرها بعدي يقع علي هل هذا صحيح؟ إذا كان صحيحا ماذا أفعل لأتجنب المعاصي وكيف أساعدها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد اخطأت خطأ عظيماً وتعديت حدود الله، واجترأت على حرمات الله، فإن الزنا جريمة خطيرة لها أثارها السيئة على الفرد والمجتمع، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، لكن من رحمه الله وسعة كرمه أنه فتح باب التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، بل هو سبحانه يفرح بتوبة العبد ويحب التوابين، بل ويبدل سيئاتهم حسنات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان} .
وأما ما ذكرته من أن الزاني يحمل إثم ما تفعله المرأة التي زنى بها ولو بعد توبته، فهذا غير صحيح وإنما الصحيح أن التوبة الصادقة تمحو الذنب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
والتوبة الصادقة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على الوقوع فيه، والعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته مع الحرص على التزام حدود الله في معاملة النساء، وعليك بالتعجيل بالزواج من مسلمة عفيفة ذات دين.
وعليك بالبعد عن هذه المرأة تماماً، وليس من توبتك أن تتزوجها فلا يجب عليك ذلك، ويمكنك أن تدعو الله لها بالهداية، أما أن تحاول دعوتها للدين بالتواصل معها فهذا قد يكون من خطوات الشيطان، فاحذر من ذلك ولا تعرض نفسك للفتنة حتى تصدق في التوبة، وينبغي أن تدل من تعرف من النساء الطيبات لمواصلة دعوتها وبيان أنه بإمكانها أن تسلم وتخفي إسلامها عن أهلها إن خشيت ضرراً منهم، وعدم الحجاب ليس مانعاً من دخولها الإسلام، فعليها أن تسلم ولعل الله يشرح صدرها بعد ذلك فتلتزم به، وإن لم تفعل فهو معصية أهون من الكفر.
وينبغي لك أن تتجنب مخالطة النساء الأجنبيات، وتحرص على غض البصر، وتتجنب مشاهدة ما يثير الشهوة، وتبتعد عن رفقاء السوء، مع الاستعانة بالله والتوكل عليه، والإكثار من الأعمال الصالحة، والحرص على تعلم أمور الدين اللازمة وتقوية الصلة بالله، ونوصيك بالستر على نفسك، فلا ينبغي أن تذكر هذا الذنب لأحد، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(16/229)
حكم مقدمات الزنا (الجنس السطحي)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري21 سنة مارست الجنس مع شاب عمره20 على مستوى البظر وضع ذكره علي ولم يدخله هل يمكن أن يحدت حمل من دون خروج المني؟ علما أن عضوه لم يبق مدة طويلة على بظري يعني (جنس سطحي) لو تفضلت وشرحت لي كيفية حدوث الحمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلاقة بين المرأة والرجل الأجنبي قد وضع الشرع لها حدوداً وآداباًُ تحفظ كرامة المرأة وتصون عرضها وتحمي المجتمع من الفساد الأخلاقي، وتحافظ على طهارته، فلم يجعل الله طريقاً للاستمتاع بالمرأة الحرة إلا الزواج، وحرم كل طريق غيره.
قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا {الإ سراء:32} .
والزنا الموجب للحد هو إيلاج فرج الرجل في فرج المرأة التي لا تحل له، ولكن ذلك لا يعني أن ما دون ذلك من الاستمتاع المحرم، أمر هين أولا يسمى زنا بل هو إثم كبير، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. رواه البخاري ومسلم.
وقد كان ينبغي لك أيتها الأخت السائلة أن تسألي عن حكم الشرع فيما ارتكبت من إثم، وكيف تتوبي منه، لا أن تقتصري على السؤال عن كيفية حدوث الحمل، فعليك المسارعة بالتوبة إلى الله مما اقترفت، وذلك بالإقلاع عن هذا الذنب، واستشعار الندم على الوقوع فيه، والإحساس بالحياء من الله الذي سترك بحلمه فلم يفضحك في الدنيا وأتاح لك فرصة التوبة قبل أن يفجأك الموت، ثم بالعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، مع الحرص على التزام الحجاب والتخلق بالحياء، والبعد عن مخالطة الرجال، وغض البصر، وتجنب مشاهدة ما يغضب الله سواء في التلفاز أو الصحف والمجلات، وتجنب رفيقات السوء، مع الاستعانة بالله والتوكل عليه، والإكثار من الأعمال الصالحة، والحرص على تعلم أمور الدين اللازمة، وتقوية الصلة بالله، مع سترك على نفسك، فلا ينبغي أن تذكري هذا الذنب لأحد. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري، ومسلم.
أما عن الحمل فإنه إذا أنزل الرجل ووصل ماؤه إلى رحم المرأة ولو لم يحدث إيلاج فإنه قد يحدث الحمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(16/230)
عفتك وشرفك مصونان
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اعتدى علي زوج أمي وأنا طفلة في السابعة من عمري فأريد أن أعرف هل أنا شريفة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما أقدم عليه زوج أمك يعتبر منكرا وإثما مبينا، ولكن ما دام هذا الأمر قد حصل وأنت في هذه السن فلا يتوجه عليك لوم، لا من جهة الإثم، ولا من جهة العفة والشرف، فقد رفع الشرع الحرج عن الصغير والمكره. فعليك أن لا تقلقي نفسك بالتفكير في هذا الأمر، وعليك بالستر على نفسك، فلا تخبري أحدا. ولو قدر أن زالت بكارتك بسبب ذلك الاعتداء، واطلع من أقدم على الزواج على هذا الأمر فلا تخبريه بالحقيقة. ويمكنك أن توري في الكلام، فإن البكارة قد تزول بغير الوطء كالوثب ونحوها. وراجعي الفتويين: 37005، 65497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(16/231)
هل تطبيق الحد مكفر للذنب في المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تطبيق الحد مكفر للذنب في المذاهب الأربعة والراجح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيرى جمهور الفقهاء أنّ الحدّ المقدّر في ذنب كفّارة لذلك الذّنب، وهو أحد القولين في مذهب مالك كما في مواهب الجليل، والشافعي كما في الأم، وأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الراجح، لما ثبت في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه. متفق عليه.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحدود كفارات ومطهرات لمن اقترف هذه الكبائر، ومن ستره الله ولم تقم عليه هذه الحدود، ولم يتب فأمره مفوض لربه، قال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء: 48} .
أما من تاب واستغفر وأناب، فإن الله لا يتعاظم عنده ذنب أن يغفره، قال تعالى: وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 71} .
وعند الحنفيّة كما في فتح القدير، الحدّ غير مطهّر، بل المطهّر التّوبة، فإذا حدّ ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية عندهم.
قال ابن الهمام من الحنفية في فتح القدير: وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذَلِكَ أَيْ التَّقْتِيلُ وَالصَّلْبُ وَالنَّفْيُ بِأَنَّ {لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَأَخْبَرَ أَنَّ جَزَاءَ فِعْلِهِمْ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَعُقُوبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، إلَّا مَنْ تَابَ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ.
والصحيح هو القول الأول فإن الحديث يدل دلالة واضحة على أن من أصاب حداً من حدود الله وأقيم عليه الحد في الدنيا أن ذلك كفارة لذنبه ولا عقوبة عليه في الآخرة.
وراجع الفتوى رقم: 23576 والفتوى رقم: 7320.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(16/232)
عجلي بالتوبة من الوقوع في الفاحشة قبل أن يفجأك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي كبيرة وأحتاج من يساعدني علي التخلص منها, طلقت منذ حوالي 3 أشهر ولم أتم شهور العدة بعد, وللأسف عملت في مكان تعرفت فيه على رجل متزوج وغرني الشيطان ووقعت معه في جريمة الزنا وكررت فعلتي معه حوالي 5 مرات, أشعر أنني أكاد أموت وأن قلبي قد أصبح أسودا أخاف من الله كثيراً وأخاف من عقابه، أحتاج لمساعدتكم فأرجوكم أريد التخلص من هذه الجريمة البشعة وانصحوني ماذا أفعل مع ذلك الرجل دون أن أتسبب بمشاكل معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقعت فيه هو من الأمور الموبقة والفواحش المهلكة إلا أن يتداركك الله برحمته ومغفرته، فبادري بالتوبة الصادقة النصوح إليه بالندم والحسرة على تلك المعصية, والإقلاع عنها والعزيمة الصادقة ألا تعودي إليها، مع الالتزام بالطاعات والبعد عن المعاصي والسيئات والإكثار من فعل أنواع القربات، قال تعالى في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
فتوبي إليه توبة نصوحاً واستتري بستره عليك، ولا تتحدثي بما كان منك، واقطعي صلتك بذلك الرجل والسبل المؤدية إليه, وإن استطعت تغيير محل إقامتك وتغيير رقم هاتفك وتغيير مكان العمل فافعلي لكي لا تلتقي بذلك الرجل مرة أخرى.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 59051، 1106، 2969.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(16/233)
حكم الزنا بالمحارم وعقوبته وكيفية التوبة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن زنا المحارم حيث أريد معرفة الحكم الشرعي، من حيث العقوبة ومن حيث لو أراد التوبة، هل يجوز بعد ذلك الخلوة بها دون أن يرتكبا الزنا؟ أو يجوز الجلوس معها أمام الجميع؟ وهل تسقط القرابة بينهما ويصبح الزني بمحرمة بعد ذلك ليست من محارمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من الكبائر التي حرمها الله تعالى على عباده، بل حرم القرب منها والوقوع في دواعيها ومقدماتها. قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً. {الإسراء:32} .
وإذا كان الزنا محرماً بين عموم الناس فإن حرمته أشد إذا وقع على المحارم. وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم. انتهى.
وذلك لأن المحرم مطلوب منه الحفاظ على عرض محارمه والذود عنه، لا أن يكون هو أول الهاتكين له المضيعين لأركانه.
وأما عن عقوبته فقد بيناها في الفتوى رقم: 3970، فلتراجع.
والواجب على من وقع في هذه الفاحشة العظيمة أن يتوب إلى الله توبة صادقة بالندم على ما فات والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود إليه، وهذه التوبة واجبة وليس جائزة فقط، وينبغي أن يواظب على صحبة أهل الخير والصلاح الذين يذكرونه بالله، وعليه أن يحرص على القيام بالواجبات الدينية من صلاة وصيام ونحوهما، ثم ينبغي أن يكثر من النوافل من صلاة وصيام وحج وعمرة وصدقة ونحو ذلك قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} . فإن ذلك مما يثبت الإيمان في القلب ويصرف عنه دواعي الشر والفتنة.
أما سؤالك عن حكم الخلوة بها بعد اقتراف جريمة الزنا فنقول: تحرم الخلوة بها مطلقا، وكذا النظر إليها لأنه لا يؤمن معه الفتنة، وعليها أن تحتجب منه، فإن النظر إلى المحارم حرام إذا خشيت الفتنة، وأولى منه بالحرمة المس بشهوة، واعلم أن الزنا بالمحارم لا يسقط القرابة بينهما بل القرابة باقية كما هي.
وللفائدة تراجع الفتويين رقم: 29514، 44212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(16/234)
حول توبة الزانية المحصنة
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوجة وغرني زميل في العمل فزنيت، أعرف أنه من الكبائر, لست بساقطة, بل العكس أخاف الله وأسعى لإرضائه بكل ما أستطيع طالما وضعت حداً للحرام، أسعى لطلب مغفرة الله, فهل من كفارة لخطئي، ساعدوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد ارتكبت إثماً عظيماً وفعلت منكراً كبيراً تشمئز منه النفوس السوية وتأباه الفطر السليمة ويندى له جبين الأحرار، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا {الإسراء:32} ، لا سيما وأنت قد أحصنت بزوج قد ائتمنك على نفسك فلم تراع هذه الأمانة، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27} ، ولا شك أن الزنا جريمة خطيرة لها أثارها السيئة على الفرد والمجتمع، ولذلك توعد الله فاعلها بالعذاب والخزي في الدنيا والآخرة.. ورغم ذلك فإن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه من تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته ويعفو عنه، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ،
فعليك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة وذلك:
أولاً: باستشعار الندم على الوقوع في هذه الفعلة الشنيعة، والإحساس بالحياء من الله الذي سترك بحلمه فلم يفضحك في الدنيا وأتاح لك فرصة التوبة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم وتنكشف فيه السرائر وتبدو فيه السوءات والفضائح.
وثانياً: بالعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21} ، ومن ذلك الالتزام بالحجاب الشرعي الذي أمر الله المرأة به، وتجتنب التعطر عند الخروج، وتتجنب مزاحمة الرجال والخلوة مع غير المحارم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. البخاري ومسلم.
ومن تمام ذلك أن تقطعي صلتك بهذا الرجل تماماً، وعليك بغض البصر، لقوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّْ {النور:31} ، وتجنب مشاهدة ما يغضب الله سواء في التلفاز أو الصحف والمجلات، وتجنب رفيقات السوء اللاتي لا يذكرنك بالله.
وثالثاً: صدق الاعتصام بالله والاستعانة به والتوكل عليه أن يصرف عنك السوء، قال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ {يوسف: 33} ، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة وتحصيل الحسنات الماحية، من طاعة الزوج وبر الوالدين وصلة الرحم والصلاة بالليل والصدقة والصيام وكثرة الذكر والدعاء.. نسأل الله لنا ولك التوفيق للتوبة النصوح والعصمة من الزلل، وأن يستر عوراتنا وعورات المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(16/235)
زنا بامرأة ويتعهد أمام الله أنها زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد صديق لي قد فعل إثما وهو دخل بأمرأة ولكنه متعهد أمام الله أنها زوجته من قبل ذلك وهي أيضا لأن الظروف المادية صعبه على الزواج، أعلم أن هناك كلاما في ذلك ولكن هي زوجته أمام الله، ولكن هو في حيرة هل حكمه أنه زان، وإن كان فهل الله يقبل توبته في الدنيا والآخرة، وما شروط التوبة وهل فعلا لا بد من عقابه في الدنيا بالجلد،هل لو تاب الله عليه تقع هذه العقوبات أم ماذا مع أنه متزوج منها بدون شهود والشاهد هو الله ولكن الإحساس بالذنب كبير والخوف من عقاب الله هل يغفر الله له لها وهل لا بد من عمل صالح في الدنيا لتكتمل المغفرة، وما هي الأعمال الصالحة لهذا الموقف أغيثوه بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد وضع الله حدوداً للعلاقة بين الرجل والمرأة تضمن طهارة المجتمع وصيانة الأعراض، فلم يجعل الله طريقاً للاستمتاع بالمرأة الحرة إلا الزواج، والزواج الشرعي له شروط لا يصح بدونها، منها: الولي، والشهود، والإيجاب والقبول.
وما فعله هذا الرجل لم يكن زواجاً شرعياً، وإنما هو زنا، ولا يغني عنه قوله أنه كان يتعهد أمام الله أنها زوجته، فهو كلام باطل سخيف، لا يغير من حقيقة هذا المنكر العظيم، ولا يهون من هذه الجريمة إلا أنه إن كان يعتقد صحته فإنه يدرأ عنه الحد ويلحق به الولد منه، وتراجع الفتوى رقم: 17568.
ورغم ذلك فإن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه من تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته ويعفو عنه، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانً*إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا. {الفرقان:71،70،69،68،67} .
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
فعليك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة وشروط هذه التوبة: الإقلاع عن هذا الذنب فوراً، واستشعار الندم على الوقوع في هذه الفعلة الشنيعة، والإحساس بالحياء من الله الذي سترك بحلمه فلم يفضحك في الدنيا وأتاح لك فرصة التوبة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، والعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}
وعليك بالستر على من زنيت بها، والدعاء والاستغفار لها.
أما ما يتعلق بالعقوبة في الدنيا بالجلد، فإنه ينبغي على الإنسان إذا وقع في شيء من الفواحش أن يستر على نفسه ولا يفضحها، لقول رسول الله:.. أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك.
فليكثر من الأعمال الصالحة وتحصيل الحسنات الماحية، من بر الوالدين وصلة الرحم والصلاة بالليل والصدقة والصيام وكثرة الذكر والدعاء.
وعليك بالاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه والتعرف على أسمائه وصفاته، والتفكر في نعمه. وتذكر الموت وما بعده من أمور الآخرة، وتجنب صحبة العصاة والغافلين، والحرص على صحبة الصالحين، وشغل الفراغ بالأعمال النافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1429(16/236)
الزنى الأصغر والزنى الأكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[في سنة من السنوات كانت توجد فتاة ولكن لم أحس بشيء اتجاهها! حتى بدأ يكبر الحب فيها بالعشرة وبعد ذلك داعبتها حتى كدت أزني بها، وهي الآن قد تزوجت فجأة وكدت أن أطلقها من زوجها حتى الآن مازالت تكلمني
سؤالي هنا: ما هو الزنا؟
بعد فترة أربعة أشهر وجدت نفس الفتاة لكنها لم تكن هي وكانت أختها التوأم وكان عندي علم بها فلم أقدر أن أتمالك نفسي وأرغب بالزواج بها فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنى الأكبر الذي يوجب الحد الشرعي هو الاتصال الجنسي الذي يحصل به الإيلاج عمدا في قبل أو دبر الأجنبية، وأما المداعبات والمقدمات فلا يجب بها الحد، ولكنها تعد من الزنى الأصغر المحرم شرعا، فاليد تزني وزناها اللمس، وكذا الجوارح الأخرى، فتجب عليك التوبة الصادقة مما حصل سابقا، واصرف قلبك عن التعلق بهذه الأجنبية بعد زواجها، والبعد عن لقائها، ويحرم تحريما شديدا السعي في تطليقها من زوجها، وأما أختها فيشرع لك الزواج منها إن كانت ذات دين وخلق، ولم يكن هناك مانع شرعي.
وقبل الزواج منها يجب اعتبارها أجنبية فلا يجوز الاختلاء بها ولا النظر إلى ما لا يحل رؤيته منها..
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 7895، 4458، 30425.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(16/237)
أثر التحرش على الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع والدين في زوجة خائنة لزوجها بحكم أنها تحرشت جنسيا من طرف أقرب الناس إليها (والدها) مما سبب لها مرضا نفسيا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه المرأة إن كان قد تحرش بها ولم يكن لها سبب في ذلك فلا وجه لوصفها بالخيانة، ولا يلحقها من ذلك إثم، وأما إن كانت هي السبب في ذلك فإنها تأثم، وما دامت قد أصيبت بمرض نفسي فينبغي لزوجها الصبر عليها والسعي في علاجها.
وعلى أية حال فإن ما حصل لها ليس له تأثير على نكاحها إلا في وجوب استبرائها على الزوج قبل أن يصيبها.
وننبه إلى خطورة الزنا بالمحارم وأنه من الامور الكبيرة التي يعظم بها الإثم ولاسيما إن كان من الأب مع ابنته، ولمزيد من الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 47916.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1429(16/238)
الواجب الستر على من وقع في الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[زنت امرأة وفض غشاء بكارتها فقامت بإخاطته وأعلمت خالتها بالموضوع، ثم تزوجت على أساس أنها بكر ولم ينتبه الزوج للأمر لأن الغشاء قامت بإخاطته عيادة متخصصة.
فهل الخالة آثمة لأنها لم تخبر الزوج أو أهله بالأمر علما بأن الخالة أخفت الأمر من باب سترها؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه، ومن التوبة الإقلاع عن المعصية والعزم الصادق على عدم العودة.
كما يجب عليها أن تتوب من عملية ترقيع غشاء البكارة لأنها لا تجوز إلا في حالات معينة؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 49021، والفتوى رقم: 64298.
وما كان يجوز لها أن تذكر ما قامت به لخالتها إلا لغرض الاسترشاد والنصح لأن الواجب عليها الستر على نفسها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن زيد بن أسلم، ولتراجع الفتوى رقم: 109352.
ولا تأثم الخالة بعدم إخبار الزوج وأهله عن ذلك بل الواحب الستر عليها إذا لم يسأل الزوج عن حالها، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 20761.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1429(16/239)
هل يؤاخذ الرجل والمرأة إذا أكرها على الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طلب مني بحث عن الزاني أو الزانية إذا أجبرا على الزنا يأخذان ذنبا وما حكم ذلك؟ أتمنى أن تجيب عن سؤالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما المرأة إذا أكرهت على الزنى فإنه لا مؤاخذة عليها ولا إثم. وأما الرجل فقد اختلف أهل العلم فيه فذهب بعضهم إلى أنه لا يتصور إكراهه على الزنا، إذ لا تمكن من الوطء إلا بعد انتشار الآلة وذلك دليل على قصده وإرادته لذلك الفعل، فلو زنى فإنه مؤاخذ بذلك وآثم به وعليه الحد.
وذهب بعضهم إلى أنه إن أكره عليه وفعله فإنه لا مؤاخذة عليه والانتشار منه جبلي لا يستطيع دفعه عند رؤية مهيج له على ذلك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51816، 52105، 23139، 51248، 60320، 100711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1429(16/240)
حد الزاني إذا أكره المرأة على الزنا أو كان باختيارها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حد الاغتصاب (إكراه المرأة على الزنا) في الشريعة، وما الفرق بين الحالتين: الأولى أن الاغتصاب يكون فيه نوع من الإرغام والمدافعة والعراك- استخدام العنف والقوة-، والثاني إرغام المراة على الزنا بها بدون استخدام القوة والعنف- بسبب أنها محتاجة إلى مال أو نحوه فتفعل الزنا طائعة بسبب اضطرارها إلى المال مثلاً -كما هي الحال في حديث الثلاثة الذين حبسوا في الغار- فهل هذا اغتصاب أيضا أم أنها زانية لأنها راضية ولم ترغم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحد الزاني واحد لا فرق فيه بين أن تكون من زني بها مكرهة أو طائعة، إلا أنه لا يقام الحد على المرأة المكرهة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 19424.
وإذا أقدمت المرأة على الزنا طائعة فهي آثمة ويقام عليها الحد، ولكن إن لم تجد ما تسد به حاجتها عند الجوع إلا بالإقدام على الزنا فهي في حكم المكرهة كما هو مبين في الفتوى رقم: 32514.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(16/241)
زنا النظر هل هو كالزنا الموجب للحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عند نظرتي إلى النساء أو الفتيات يكون هذا زنا ولو كان هذا زنا هل يكون بنفس درجة الزنا كأني عاشرت امرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة وهذا النظر قد سمي في الحديث زنا، قال صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان، وزناهما النظر. متفق عليه.
وليس هو كالزنا الذي يوجب الحد ولكنه بريد إليه وهو مما يوجب غضب الله وسخطه إذا تعمده الإنسان وأصر عليه وداوم، وتجب التوبة منه والندم والاستغفار.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 3605، والفتوى رقم: 1256.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(16/242)
التهديد بارتكاب الفاحشة هل يعتبر من الإكراه
[السُّؤَالُ]
ـ[لو فرضنا أن قصة نبي الله يوسف عليه السلام حدثت مع رجل في هذا الزمن، بحيث كان هناك رجل لا يفكر في الزنا من امرأة، ولكن فجأة وجد نفسه في موقف مشابه لقصة يوسف عليه السلام، فالمرأة قامت بالخلوة بهذا الرجل من حيث لا يعلم، وتزينت زينة لا يقاومها الرجال!! وعرضت نفسها على هذا الرجل وربما هددته بشيء إن لم يفعل معها الفاحشة، فهل إذا وقع الرجل معها في الفاحشة وهو لم يكن يفكر بها في الأصل، فهل يستحق عقوبة الزاني وهل يأثم؟
ومتى لا يلام الرجل على الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الزنا من أشد الكبائر المحرمة قطعيا بالكتاب والسنة، وما ذكره السائل لا يسوغ له فعل هذه الجريمة الشنيعة، وما ذكر الله قصة يوسف إلا لتكون عبرة للمتقين وقدوة للمحسنين.
ومن حصل له ذلك فعليه بالفرار الشديد كما فر يوسف، والامتناع عن هذه الجريمة الشنيعة كما امتنع، والاستعاذة بالله لما عرضت عليه امرأة العزيز ذلك.
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين. وهو في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ولو أكره وهدد فلا يفعل ذلك، فقد سجن في ذلك يوسف عليه السلام سنوات طويلة ظلما وعدوانا، وقد استبط منه العلماء أن التهديد بالسجن على الزنا لا يعد مسوغا لذلك، ولو كان سنوات طويلة، كما ذكر القرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1429(16/243)
خطوات معاملة الأب الذي يراود ابنته عن نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أناعندى 20 سنة وأدرس وأريد أن أعرف ما هو الخطأ أو الصواب في الآتي:
أنا والدي يتصرف معي بطريقة خارجة عن الدين وعن القانون يعني يعاملني مثل ما يعامل أمي، واجهته وقلت له لم تعمل هكذا فاعترف أنه كان قصده..
صار لهذا الموضوع سنتان وبقيت معاملتي له قاسية، كرهته جدا، وهو يعمل الكثير من الأعمال المحرمة كفتح المواقع القبيحة أمامي، ويحتج بأنه يعمل هذا داخل البيت حتى لا يعمله خارجه، وأن هذا مرض نفسي، لكني أنا لم أعد أطيقه لكثرة مطالبه المحرمة، حيث يريدني أن أعامله كما يعامل أمي، أنا هددته بترك البيت والخروج منه إن استمر على هذا الحال، أنا محبطة وحالتي النفسية سيئة من هذا الحال، فماذا أفعل لأنه لا يزال على حاله، أرجو الرد حتى لا أقع في الخطأ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أن والدك يسيء التصرف إليك ويراودك عن نفسك ويطلب منك ما لا يرضي الله عز وجل، ومثل هذا الأب يجب نصحه ووعظه برفق ولين مع الحذر كل الحذر من إجابته وطاعته فيما يدعو إليه مما هو محرم شرعا، وإن لم يفد نصحه شيئا فينبغي تهديده بفضحه وإعلان أمره للأم أو من له سلطه عليه تردعه عن أفعاله الشاذة المحرمة القبيحة، ويجب عليك تجنب الخلوة معه وعدم لبس الشفاف من اللباس بحضوره أو نحو ذلك مما يدعو إلى تلك الأعمال، وإذا تمادى في غيه فعليك إخبار أمك بذلك، وإن اقتضى الحال الخروج عنه والالتجاء إلى من يحميك من أقاربك ومحارمك لتسكني معه جاز ذلك ولا حرج عليك فيه.
وللمزيد انظري الفتاوى التالية: 47916، 76287، 31956، 58137.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(16/244)
الزوج الذي يخون زوجته.. بقاء أم فراق
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قد علمت أن زوجها يخونها مع فرنسية عجوز طمعا في مالها وقد سبق أن وعد زوجته بأن يقطع علاقته بها ولكنها اكتشفت بأنه لا يزال معها وعندما تكلمت زوجته معه هددها بالطلاق هذه المرأة اشتكت لي من زوحها فنصحتها أن تدعو له وأن تنصحه وتذكره بالله وبعذابه مع أنه لا يسمع لها وأن تهتم بشكلها أمامه وتتزين له فهل ما نصحتها به صواب أم لا وأريد منكم إجابة لما يصنع زوجها بها وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما نصحتها به صواب، وينبغي أن تجتهد في دعوته ومناصحته واتخاذ السبل الممكنة في صده عن ذلك وإقباله عليها بحسن التبعل والتجمل، وعدم إثقال كاهله بما لا يستطيع من النفقات، فإن لم يجد ذلك شيئا فلا خير لها في البقاء معه وفراقه أولى.
وليعلم هو أن فعله حرام، وقد أغناه الله عنه بما أحل له، وحب المال لا يبيح اكتسابه بالحرام، فليتق الله وليتب إليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما نصحتها به هو الصواب، وينبغي ألا تقنط ولا تيأس من مناصحته واتخاذ كل السبل المشروعة في إقناعه لإقلاعه عن ذلك المحرم، فإن أصر على ذلك فلا خير لها في البقاء معه لفسقه وسوء عشرته. وعليه أن يعلم أن ما يفعله هو من المعاصي الكبيرة والموبقات العظيمة، وقد أغناه الله عنه بما أحل له من زوجته. والرزق مضمون والإجمال في الطلب مأمور به شرعا، وما أخذه من ذلك السبيل بتلك العلاقة فهو محرم عليه فليتق الله وليتب إليه.
وللمزيد انظري الفتويين رقم: 26233، 77638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1429(16/245)
المتزوجة إذا زنت وأنجبت
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقى يسأل وهو محرج عن أمه زنت وعصت ربها بما يكفي، هذا وكان والده موظفا وعلى قيد الحياة ثم عشقت شابا من دور أولادها وحملت منه قبل موت زوجها ومات زوجها ولم تنتظر العدة الشرعية وتزوجت منه، علما بأنه صايع وأنجبت منه طفلة ثم توفي مما كان يتعاطى فما موقف أولادها بعد مرور عشرة سنوات، مع العلم فقد انقطعت العلاقة مع أولادها منذ وفاة والدهم، فما حكم الدين فى ذلك وما حكم الطفلة التي أنجبتها بالزنا، فهل هي أخت لنا أم ماذا هل نحتاج رضاها علينا، فأفيدونا من أجل صديقي؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكر عن تلك المرأة فإنها تكون قد جمعت بين ثلاث كبائر من الذنوب عليها التوبة من جميعها، الأولى: ارتكاب الفاحشة وهي محصنة -وأمر الزنا فظيع وعظيم عند الله تعالى، فإن حد الزانية المحصنة هو الرجم، أي الرمي بالحجارة حتى الموت-
والثانية: خيانة زوجها وهتك عرضه وإدخال ولد عليه في فراشه ليس ولداً له.
والثالثة: هتك حرمة العدة وحرمة زوجها حتى بعد وفاته.
وأما رضاها على أولادها فإن كان في غير معصية الله فتحتاجون إليه وهو من رضا الله لأنه بر بها، فإرضاء الوالد في غير معصية وتجنب ما يسخطه من واجبه ولو كان كافراً، وبهذا يتضح أنه لا يجوز قطع رحمها ولا هجرها.
وأما البنت التي أنجبتها على نحو ما ذكرت فهي أخت لأولادها وتنسب إلى أبيهم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وعليهم صلتها كباقي أخواتهم فلا ذنب لها، وللفائدة راجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30734، 40775، 6280، 13390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(16/246)
عقوبة الزاني في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مغترب في أمريكا وهناك فتاة أحبها وهي تحبني فتقدمت إلى طلبها من أبيها فرفض وقد أصرت الفتاة على أن لا تتزوج أحدا غيري فكلما تقدم لها شخص ترفضه وفي يوم من الأيام سيطر علينا الشيطان وارتكبنا الفاحشة فتقدمت مرة أخرى إلى أبيها للزواج بها فرفض وقال لي إن هذه بلاد حرية وهو لا يهمه أمر الفاحشة التي ارتكبنا أفيدونا ماذا يجب أن أعمل وما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
يجب على من وقع في الزنا المبادرة بالتوبة إلى الله، ومن تمام توبته وتحقيقها البعد مطلقا عن من زنى بها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله من الجرم العظيم الذي اقترفته، ولتعلم أن الزنا من أكبر الكبائر، وقد قرن الله جل وعلا الوعيد عليه بالوعيد على الشرك وقتل النفس، فقال سبحانه في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. {الفرقان:68} . وقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32} .
وعقوبة الزاني في الدنيا إذا ثبت زناه عند الحاكم المسلم أن يقام عليه الحد، وهو جلد مائة للزاني البكر وتغريبه من بلده عاماً، وأما الزاني المحصن (الذي سبق له وطء زوجته في زواج صحيح) فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، ويستوي في هذا الحد الرجل والمرأة، قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ {النور:2} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، وعلى الثيب الرجم." رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهذا لفظ ابن ماجه.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج -فيما رواه البخاري وغيره- رأى رجالاً ونساء عراة على بناء شبه التنور، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار ارتفعوا وصاحوا، فإذا خبت عادوا. فلما سأل عنهم؟ أخبر أنهم هم الزناة والزواني. وهذا عذابهم في البرزخ حتى تقوم الساعة - نسال الله العافية، فهل يمكن للعاقل أن يستهين بذنب هذه عقوبته في الدنيا والآخرة.
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود، لأنه جناية على الأعراض والأنساب فتب إلى الله واندم على ما فعلت فان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين- قال عز وجل بعد ذكر عقوبة الزاني: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً - وراجع الفتوى رقم: 1106.
ثم اعلم أن من تمام توبتك وتحقيقها أن تبتعد كل البعد عن تلك الفتاة، واعلم أن علاقتك بهذه الفتاة حتى بمجرد التحدث معها محرم عليك لأن الشرع إذا حرم شيئاً حرم الطرق الموصلة إليه، فهو كما حرم الزنا حرم الخلوة بالأجنبية والنظر إليها والتحدث معها لغير حاجة، وأمرها بالحجاب وعدم الخضوع بالقول ونحو ذلك من الأحكام الشرعية التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية. فعليك بقطع علاقتك بهذه الفتاة وابحث عن امرأة عفيفة تأمنها على دينها ونفسها وبيتك وولدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(16/247)
الموقف من زوج الأخت إذا اغتصب أختها الصغرى
[السُّؤَالُ]
ـ[زارني صديق لي وطلب فتوى في أمرٍ حصل وهو كالآتي: أن نسيبه زوج أخته اعتدى على أخته الصغرى واغتصبها بالإكراه, فما هي الفتوى الشرعية بخصوص هذا الأمر، وماذا تنصحونه أن يفعل، حيث إنه لا يرغب في افتضاح أخته أو احتراق قلبه من الغيظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الزنا كبيرة من الكبائر التي نهى الله عنها واتفقت الملل كلها على تحريمها، ويزداد الأمر قبحاً وسوءاً إذا تم الزنا اغتصاباً، ومع هذا فالأحسن الستر على فاعله مع تحذيره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من كبائر الذنوب، وهو محرم في كافة الملل وذلك لما يجلب على المجتمعات من الأمراض القتالة كالإيدز وغيره، ويشيع بينهم البغضاء ويتسبب في كثير من الجرائم وبه تختلط الأنساب وتضيع العفة، وقبل ذلك كله جالب لسخط الله وعقابه، وقد حذر الله من الزنا بقوله سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، ويزداد أمر الزنا سوء ونكارة إذا كان اغتصاباً.
وعليه فليس من شك في أن ما قام به هذا الرجل يعتبر جريمة نكراء، ولكن الستر على المسلمين ورد مدحه في الشرع، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. فالذي ننصح به إذاً في هذا الموضوع هو ستر المسألة، وتحذير هذا الشخص من مثل هذا الفعل، وعلى صديقك أن يحذر كل الحذر من أن يستدرجه الشيطان إلى محاولة الانتقام من الرجل المذكور بالقتل أو بغيره فالله جل وعلا يقول: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(16/248)
التصرف السليم تجاه حفظ الأعراض
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي متزوج وله 04 أبناء، وللأسف تم الإغراء بزوجته فأصبحت تخرج كثيرا من المنزل وهو ما جعل الجميع يشك في تصرفاتها عدا زوجها نظرا لظروفه الوظيفية والعملية بحيث لا يأتي إلا كل 04أشهر، أخبرني أحد أبناء عمومتي ولدي فيه الثقة التامة أن زوجة أخي أدخلت رجلا غريبا للمنزل في ساعة متأخرة من الليل وأنه تعرف عليه كما أن الشخص الآخر تعرف على ابن عمي. وبعلمي بالخبر لم أتمكن من فعل شيء نظرا لمعرفتي بعواقب إخبار أخي بذلك، فما كان علي إلا أن قلت إنا لله وإنا اليه راجعون نظرا للمصيبة التي حلت بنا كعائلة تخاف الله وتخاف من كلمة السوء في المجتمع.
ما قول الشرع في ردة فعلي هذه، وأسأل الله لي ولكم التوفيق واللهم إني لا أسألك رد قدرك ولكن أسألك اللطف بما تجري به المقادير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم ما جاء به الإسلام هو صيانة الضرورات الخمس ومنها العرض، فالمسلم لا يمس أخاه المسلم بسوء في عرضه، ولا يسمح لغيره بذلك، وعليه فإن من واجبك أن لا تسكت على ما تفعله زوجة أخيك، من تصرفات تثير الشك وتبعث الخوف من تدنيس عرض أخيك، وتشويه سمعته، ولذلك عليك أولا بإسداء النصح لهذه المرأة، وتحذيرها من تكرار ما حدث وتخويفها من عقاب الله والفضيحة في الدنيا، فإن استجابت فالحمد الله، وإن لم تستجب فهددها وخوفها بأنك ستخبر زوجها بما تفعله، فإن استمرت على حالها فلك القيام بما من شأنه ردعها وزجرها، ومن ذلك إخبار زوجها إن لم تترتب على ذلك مفسدة أعظم، واحذر أن تقول ما لم تشاهده أو تخبر به من طرف ثقة فإن الكلام في الأعراض خطير، وبذلك تكون قد أبرأت ذمتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(16/249)
قصة المرأة التي ولدت لستة أشهر وأراد عمر أن يرجمها
[السُّؤَالُ]
ـ[سادتي وشيوخي الأعزاء أرجو منكم أن تساعدوني في بحثي من خلال توفير مصدر هذه المعلومة إن كان صحيحا.. فأنا كاتب وباحث وأريد الاستشهاد بواقعة قيل إنها حدثت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكنني لم أجد لها أي مصدر دقيق يمكنني أن أستند عليه في كتابي، الواقعة مشهورة ويعرفها كثيرون وهي عن اكتشاف سيدنا عمر حين كان خليفة للمسلمين حادثة زنا.. فأراد أن يخبر الصحابة بها من أجل القيام بالحد ضد الفاعلين.. ولكنه قبل أن يذكر اسم الفاعلين نبهه بعض الصحابة، وأعتقد أنه علي بن أبي طالب، نبهه أنه سيجلد (رغم أنه الخليفة) إذا ذكر أسماء الفاعلين.. لأنه يجب أن يكون هناك أربعة شهود على فعل الزنا حتى تؤخذ هذه الشهادة بعين الاعتبار وإلا فسيعتبر ذلك تشهيرا وقذفا.. ما أريد أن أعرفه هل هذه القصة صحيحة، وهل حدثت فعلا مع عمر بن الخطاب، لو كان هذا صحيحا فهل يمكنكم توفير المرجع الدقيق لها كاسم الكتاب الذي ذكرت فيه ورقم الصفحة والناشر والكاتب حتى أتمكن من الاعتماد عليها بشكل دقيق وعلمي.. أخيراً جزاكم الله كل خير ووفقكم لما يحب ويرضاه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذه الحادثة التي تسأل عنها، ولعلك تقصد ما جاء في سنن البيهقي ومصنف عبد الرزاق وغيرهما أنه: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت: إن عمر يرجم أختي فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذراً لما أخبرتني به، فقال علي: إن لها عذراً، فكبرت تكبيرة سمعها عمر ومن عنده. فانطلقت إلى عمر فقالت: إن علياً زعم أن لأختي عذراً، فأرسل عمر إلى علي ما عذرها؟ قال: إن الله عز وجل يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، وقال: وحمله وفصاله ثلاثون شهراً، فالحمل ستة أشهر، والفصل أربعة وعشرون شهراً، قال: فخلى عمر سبيلها، قال: ثم إنها ولدت بعد ذلك لستة أشهر.
ويحكى هذا الخبر عن عثمان أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(16/250)
حكم الشرع فيمن زنى بأخته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين فى أخ زنى بأخته في غياب الأب والأم وقد اعترف بالفعل، علما بأننا في بلد لا تقام فيه حدود الله ولا يطبق فيها شرعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الزنا بالمحارم من أكبر الكبائر وأقبح المعاصي، وحد فاعله كحد غيره من الزناة في قول الجمهور، وقال أحمد بقتله مطلقاً، وإن ظهر ندمه وتوبته فالستر عليه أولى.. وإلا فيرفع لولي الأمر، وليس للعامة إقامة الحد عليه ولا على غيره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذلك الفاعل قد ارتكب معصية من أكبر المعاصي وجريمة من أسوأ الجرائم في حق نفسه وحق أخته، ومع ذلك ينبغي الستر عليهما، وعلى ذلك الفاعل أن يتوب إلى الله تعالى من تلك الفاحشة العظيمة توبة نصوحاً، ويلتزم صحبة أهل الخير، ويحرص على القيام بالواجبات الدينية، ويكثر من نوافل العبادات فإن ذلك مما يطمئن القلب ويصرفه عن دواعي الشر.
فإن كان منه ذلك فبها ونعمت، والستر عليه أولى حينئذ، وإلا فرفعه للمحكمة وأولياء الأمور أولى ولو لتعزيره على تلك الفعلة لئلا يكررها ويقع في مثلها، وليس لعامة الناس تولي ذلك.
وانظر الفتوى رقم: 40073، والفتوى رقم: 60406.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(16/251)
كيفية التعامل مع المرأة المتزوجة التي تمارس الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[سوالي هو عن امرأة متزوجة من شخص حصلت بينهما علاقة قبل الزواج والزوج تاب عن الحرام بعد الزواج والآن عندهما 3 بنات وهذه المرأة زنت مع رجل بعد زواجها وهي حامل من زوجها وتتحرش بزوجي بالتليفون ففضح أمرها بين الأقارب وهي الآن عند أهلها ما هو الحل لها لأن المشكلة أنها إذا طلقت أخذت البنات؟ وإصلاحها يتطلب متابعة. أفيدوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة لا تزال تمارس الفاحشة فالواجب نصحها وتخويفها بالله تعالى وحثها على التوبة، فإن تابت وأنابت وحسنت سيرتها فالحمد الله، وإن استمرت في الزنا فينبغي لزوجها أن يطلقها؛ لئلا تدنس عرضه، فقد تنسب إليه من الولد ما ليس منه، ولا حق لهذه المرأة في حضانة أولادها ما دامت على ذلك الحال؛ لأن فسقها يسقط حقها في الحضانة، ويجب على زوج هذه المرأة في حال بقائها في عصمته أو على وليها في حال طلاقها صيانتها ومنعها مخالطة الرجال أو الخلوة بهم ونحو ذلك مما قد يعينها على فعل الفاحشة.
ونذكر هنا بأنه لا يجوز اتهام هذه المرأة بالزنا من غير بينة، وما فعله زوجك من فضح أمرها عند أهلها لا يجوز إلا أن يكون هذا السبيل قد تعين لدفع شرها أو إصلاحها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1428(16/252)
لا يجوز للزواج سؤال زوجته هل وقعت في الفاحشة أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوج شخص من فتاة وليلة العرس لم يحدث جماع وفى الأيام اللاحقة لم يشاهد دليل عذريتها ولكنها بكت كثيراً وأقسمت بناء على طلبه إنها لم يمسها أحد وهي عصبية وقالت إنه حدث نزول الدم بكمية صغيرة بعد الجماع بساعات وهي خارج المنزل فى زيارة لأبيها، ملحوظة هي ابنة دكتور فى جامعة الأزهر سابق ومن يراها يشهد لها بحسن السير والسلوك وهي الآن رزقت بطفلة، فهل لو استمر زوجها معها يعتبر ديوثاً أم يبلغ أهلها أم يستمر معها مع وضعها تحت الملاحظة وفى ذلك ثواب للستر إن كانت مخطئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عدم نزول الدم علامة قاطعة على زوال البكارة كما أن زوال البكارة ليس دليلاً على وقوع المرأة في الفاحشة، فهنالك أسباب كثيرة غير الوطء تزول بها البكارة كالوثبة والحيض ونحوهما، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 60405.
فإن ثبت أن هذا الشخص قد سأل هذه المرأة عما إذا كانت قد وقعت في الفاحشة أم لا؟ فقد أخطأ خطأ بيناً، إذ لا يجوز له أن يتهمها بدون بينة واضحة، ولا أن يسألها عن ذلك، ولا يجوز لها أن تخبره إن كانت قد سبق لها فعلاً أن زنت، إذ إنها مطالبة شرعاً أن تستر على نفسها، وعلى كل حال فالأصل في المسلم السلامة حتى يتبين خلاف ذلك، ولا سيما إذا كان ظاهر حاله الصلاح وحسن السيرة، وعلى هذا الرجل أن يعاشر زوجته هذه بالمعروف، ولا يلتفت إلى أي وساوس قد ترد عليه. ولا يجوز له أن يتتبع أمر زوجته أو أن يتجسس عليها أو أن يتكلم مع أهل زوجته بهذا الخصوص، بل عليه أن يعلمها أمر دينها ويصونها بإلزامها بالستر والبعد عن الخلوة بالأجانب أو مخالطتهم أو نحو هذا مما يحفظ المرأة ويصون عفتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1428(16/253)
متزوج وزنا بذات زوج ثم تاب ويريد رؤيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي أطفال ولكن جاءتني ظروف قاسية مع زوجتي جعلتني أهرب من الجلوس في البيت فوجدت نفسي أتعلق بامرأة أحببتها بكل جوارحي ولازلت أحبها رغم كل شيء، وقعنا في الزنا ونحن نطلب غفران الله ومسامحته لنا فقد قطعنا العلاقة بالمرة وهي تحجبت ورجعت إلى زوجها وعائلتها وأنا رجعت الى صلاتي وكل يوم أستغفر الله وأرجو أن يسامحنا الله على فعلتنا هذه. ولكن بكل صدق أنا إلى غاية الحين أصلي صلاة الاستخارة بأن يساعدني الله ويكتب لي أن أقابلها مرة ثانية فقط للاطمئنان عليها لأنه لا تمر لحظة إلا وأفكر فيها، أريد فقط الاطمئنان عليها لا أريد استرجاع أي شيء قد مر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك قد أتيت فاحشة عظيمة توجب قتلك لو أقيم عليك الحد الشرعي، فكيف يسمح لك عقلك ودينك ومروءتك أن تترك المباح الذي أحله الله لك ووعدك عليه الثواب، وتقترف الحرام مع امرأة متزوجة فتفسدها على زوجها وتخونه فيها.
فيجب عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة وتبتعد عن التفكير في هذه المرأة وتشغل قلبك عنهاوتتسلى عنها بما يباح من معاشرة زوجتك أو الزواج بأخرى إن تيسر لك.
وراجع الفتاوى التالية فيما يساعدك على صرف القلب عن التعلق بالأجنبية وعلى التوبة من الزنا وعلى إصلاح العلاقة مع الزوجة: 72497، 96257، 72962، 32948، 30425، 73553، 96453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(16/254)
موقف الزوج من زوجته الزانية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال أود الإجابة عليه وهو كما يلي: امرأة متزوجة ومتدينة وصالحة ومخلصة لزوجها عمرها 50 سنة ولها 8 أبناء وتكره الحرام وخاصة الزنا وهذه المدة الأخيرة استدرجها أشخاص وزنت معهم في ظروف غامضة بإرادتها أو بغير إرادتها بحيث كانت تمر باضطرابات نفسية كالقلق والغضب وبعد هذا الفعل صارحت زوجها وحكت له كل الذي وقع، مع العلم بأنها امرأة أمية جاهلة وعندما لامها زوجها على هذا الفعل وغضب عليها غضبا شديدا قالت له ما بك تغضب هكذا وهل قامت القيامة، يعني وكأن الأمر هين فما حكم الشرع في هذه القضية، وهل على الزوج أن ينتقم منها بالضرب أو السب أو الشتم أو يحبسها في البيت، أم يكظم غيظه ويعفو عنها ويصبر، كما نحيطكم علما بأن هذه الكارثة سببت للزوج هما وغما وإهانة حتى أنه أحيانا كان يتمنى الموت وخاصة عندما يتذكر هذه الكارثة ويتألم كثيرا لأنه كان يحب زوجته، إخوتي في الله أرجو منكم الجواب وفي أسرع وقت ممكن فأنا بانتظار الرد؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب وليس بالأمر الهين، فقد قرنه الله عز وجل بالشرك وقتل النفس بغير حق، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان:68} ، ويعظم الذنب إذا كان من متزوجة كبيرة السن كهذه المرأة، إلا أن الله عز وجل لم يغلق باب التوبة في وجه أحد، فقد قال: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، فعليها التوبة إلى الله عز وجل، فإن الله لا يمحو بالتوبة الصادقة ما كان قبلها فحسب بل ويبدل السيئات إلى حسنات فضلاً منه وكرماً.
وكان ينبغي لها أن تستر نفسها ولا تخبر زوجها، فإن الإخبار بالذنب ذنب، لأنه مجاهرة به، والله عز وجل لا يحب الجهر بالسوء، ولا يحب أن تشيع الفاحشة، وفي الحديث: كل أمتي معافى إلا المجاهرون.
أما ما يفعله الزوج فنقول: إن تابت الزوجة فننصح الزوج بالإبقاء عليها والعفو عنها، وهو مأجور على ذلك إن شاء الله، فقد أثنى الله عز وجل على العافين عن الناس، قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، وعليه أن يحول بين زوجته وبين أسباب الفساد من دخول الرجال عليها ونحو ذلك حتى لا تقع في ما وقعت فيه من قبل، وإن لم تتب ولم يستطع منعها من الفساد فليفارقها فلا خير في إمساك مثلها، وتراجع الفتوى رقم: 24798.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1428(16/255)
لا دليل على أن الغامدية هي التي زنى بها ماعز.
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة لشيوخنا الكرام سؤالي كالتالي: هل ماعز زنى بالغامدية أم بامرأة أخرى فأفيدونا؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة الغامدية وقعت بعد قصة ماعز كما تدل عليه روايات الحديث، ولا يوجد دليل على أن الغامدية هي من زنى بها ماعز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(16/256)
حد الزنا للمطلقة والأرملة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ عندي سؤال وهو: ما هو حد الزنا في المطلقة والأرملة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حد الزنا بالنسبة للمحصن أو المحصنة إذا كانا حرين سواء كانا مطلقين أو غير مطلقين هو الرجم حتى الموت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمطلقة والأرملة من المحصنات، وحد المحصنة الحرة إذا زنت هو الرجم حتى الموت، وفي رواية لأحمد رحمه الله أنها تجلد مائة ثم ترجم بعد ذلك، ولكن المذهب عند الحنابلة هو الرجم فقط، كما هو مذهب الجمهور، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 97292، 41455.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(16/257)
مدى مسؤولية الزاني عن ولده من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني شاب غير متزوج كنت أصلي وأرتكب ذنبا وأنقطع عن الصلاة، وهكذا صارت أحوالي أصلي وأنقطع والآن يئست من الحياة ومن عليها لأنني ارتكبت ذنوباً لا تعد ولا تحصى ومنها اللواط وأنا الفاعل وأنجبت بنتاً من امرأة أجنبية والآن لا أعرف أين البنت وأمها ربما قد تكون هربت بها لأنني لست متزوجاً بها إني زنيت معها، فهل هذه البنت سأعاقب عليها يوم القيامة، وهل يغفر الله لي أم لن يغفر لي أبداً، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنك قد أتيت جملة من الذنوب العظيمة، فإن كلا من ترك الصلاة واللواط والزنا كبيرة من كبائر الذنوب، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، واعلم أن رحمة الله واسعة، وأن عفو الله لا يتعاظمه ذنب، فهو يقبل توبة من رجع إليه وأناب، فلا تيأس من رحمته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وينبغي أن تحسن فيما يستقبل، وتكثر من الصالحات، وتجتنب أسباب الفتن، وتحرص على مصاحبة أهل الخير وعمار المساجد، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 5450.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من تعمد ترك الصلاة يجب عليه القضاء، فبادر إلى قضاء ما فاتك من الصلوات، واقض منها ما تبرأ به ذمتك إذا لم تذكر عدد الصلوات على وجه التحديد، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 12700.
وبالنسبة لهذه البنت من الزنا فليست عليك أي مسؤولية تجاهها، فلا تنسب إليك وإنما تنسب إلى أمها، ويجب على أمها رعايتها والإنفاق عليها، وترث كل منهما الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(16/258)
هل يغني حبس الزاني عن نفيه
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب الحدود باب حد الزنا قرأت بأنه يجوز استبدال التغريب بالحبس فهل هناك أحد من العلماء يخالف في استبدال التغريب بالحبس؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المالكية يرون أن من غرب يحبس في المكان الذي غرب، ولا يترك طليقا لئلا ينشر الفساد، كذا قال القاضي عبد الوهاب في التلقين وابن عبد البر في الاستذكار، والحنفية يرون أن الحبس يغني عن النفي، واستدلوا لذلك بأن الغربة قد تطلق في اللغة على الحبس، وبأن في حبسه منعا له من نشر الفساد.
ومن الشواهد التي استدلوا بها على تفسير التغريب بالحبس قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله * فإني وقيار بها لغريب
أي محبوس، كذا في تبيين الحقائق للزيلعي.
والراجح أن التغريب يعنى به النفي للرواية الأخرى في الحديث في صحيح مسلم: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة.
والراجح عدم حبسه في المكان الذي نفي إليه لعدم وجود دليل عليه، ولا عمل من الخلفاء الراشدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(16/259)
حكم الزنا تحت تأثير المخدر وإشراف الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زنت تحت تأثير مخدرات وإشراف الزوج على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من ارتكب الفاحشة تحت تأثير المسكر أو المخدر حتى ذهب عقله بدون أن يتسبب هو في ذلك فإنه لا إثم عليه ولا حد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة أو الرجل إذا ارتكبا جريمة الزنى تحت تأثير المخدر بحيث ذهب عقله أو عقلها، ينظر في السكر وذهاب العقل الذي حصل لهما، فإن كان بسبب منهما واختيار فعليهما الإثم والحدّ، وإن كان بدون سبب منهما كمن وضع له المخدر في طعامه أو أكره على تناوله فإنه لا إثم عليه ولا حد.
وعليه فالمرأة التي تفعل ذلك باختيار منها ترتكب إثماً عظيماً، فإن الله تعالى يقول: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقال في الخمر والمخدرات مثله أو أشد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} ، والواجب عليها أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
أما عن الزوج الراضي بفعل زوجته للزنى وشرب الخمر فهو زوج ديوث مستحق للعذاب والوعيد الذي صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة. وذكر منهم الديوث. رواه أحمد وغيره، وهو الذي يقرّ الفاحشة في أهل بيته، وهذا الزوج يجب السعي في فراقه، فإنه خبيث إلا أن يتوب ويصلح حاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1428(16/260)
قارب النجاة في البعد عن طريق الغواية والفتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب 21 سنة وقعت مع 3 شابات ولكن في المرة الأخيرة شعرت شعورا غريبا بعد أن قررت النوبة والآن أنا في حيرة من أمري أرجوكم المساعدة.
وأطلب رقم الشيخ نبيل العوضي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب أن تعزم عزما صادقا على التوبة وتبتعد عن اللقاء بجميع من تخشى بهن الفتنة وعن الوسائل والأسباب التي توقعك فيها، فالتوبة فرض يجب البدار به قبل بغت الموت.
وراجع في الوسائل المساعدة على البعد عن الزنى وفي الترغيب في التوبة الفتاوى التالية أرقامها: 30425، 34932، 56356، 58742، 67116، 70028، 96257، 52654.
وأما فضيلة الشيخ نبيل العوضي حفظه الله فليس من القائمين على موقعنا، ويمكن التعرف على موقعه من خلال موقع سلطان أو موقع طريق الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(16/261)
إذا رفع الحد إلى الحاكم وثبت بإقرار أو بينة فلا مناص من إقامته
[السُّؤَالُ]
ـ[رقم الفتوى 685,296, 93207 هذه القصة مشهورة في الحديث: أتت المرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى ... إلخ فرجمت أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهل هي تقدمت بنفسها للحد، وهل كان هناك 4 شهود في أثناء الزنى، ولماذا أقام الرسول عليها الحد، ولماذا لم يقل الرسول لها توبي إلى الله فيغفر الله لك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تقصد ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عمران بن حصين: أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حداً فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت، فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى.
واعلم أن الزنا كما يثبت بالبينة -وهي أن يشهد أربعة شهود على رجل أو امرأة بالزنا- فإنه يثبت بالإقرار كذلك والحديث السابق يشهد لهذا، فتلك المرأة الجهنية أقرت بالزنا فرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لثبوت الزنا في حقها بإقرارها، فأقام عليها الحد، لأنها اعترفت بالزنا، فالواجب في حقه صلى الله عليه وسلم والحالة هذه أن يقيم عليها حد الله تعالى؛ لأن الحد إذا رفع إلى الحاكم وثبت بالبينة فلا عفو ولا إسقاط ولا شفاعة، ولذلك لما جاء أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع في المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعته وقال له: أتشفع في حد من حدود الله. والقصة معروفة مشهورة وهي مخرجة في الصحيحين.
وفي النسائي وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني في حد فقد وجب. والحديث صححه الألباني. قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود: وفيه أن الإمام لا يجوز له العفو عن حدود الله إذا رفع الأمر إليه. انتهى. وقال صلى الله عليه وسلم: فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عزو جل. رواه البيهقي وغيره وصححه الألباني. قال الصنعاني في سبل السلام: فإن أبدى صفحته للإمام والمراد به هنا حقيقة أمره -وجب على الإمام إقامة الحد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1428(16/262)
زنا بأخته وحملت منه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص زنى بأخته وهو الآن نادم، مع العلم بأنه لديه ابن من أخته وهو نادم وعازم على التوبة، فهل له ذلك وماذا يفعل بالطفل من أخته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الرجل قد ارتكب جريمة عظيمة يقشعر البدن لها، ومع ذلك فله توبة، فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وراجع الفتوى رقم: 29514، والفتوى رقم: 36860.
أما الولد فهو ابن زنا لا ينسب إليه، وإنما ينسب إلى أمه وهي المسؤولة عن حضانته وتربيته والإنفاق عليه، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 12263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1428(16/263)
مدى صحة العبارة: وبشر الزاني والزانية بالفقر ولو بعد حين.
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا منذ زمن هذه المقولة "وبشر الزاني والزانية بالفقر ولو بعد حين" ما مدى صحتها، يا أهل العلم بالله عليكم أرشدونا إلى الطريق الصحيح المستقيم بإذن الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقولة التي ذكرتها لا تثبت كحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع التنبيه على أن الزنا معصية شنيعة من كبائر الذنوب، وقد نهى الله تعالى عنها في قوله: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وشؤم الذنوب والمعاصي سبب لضيق الصدر والحرمان من الرزق وغيرها، فعلى المسلم أن يبتعد عنها وأن يخشى عقوبة الله تعالى وسخطه، وراجع الفتوى رقم: 3617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1428(16/264)
من أحكام المغتصبة المتزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة اغتصبت وهي متزوجة فما مصير زواجها، وهل لها من عدة تعتدها، وإذا حملت فما مصير الولد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 36723 حكم الاغتصاب وما يترتب عليه من أحكام شرعية كوجوب استبراء الزوجة منه بثلاث حيضات وثبوت المهر لها على مغتصبها وغير ذلك، وأما إن ثبت حمل فإنه ينسب للزوج شرعاً لكونه صاحب الفراش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الولد للفراش وللعاهر الحجر. أخرجه البخاري ومسلم.
إلا إذا استحال كونه من الزوج صاحب الفراش فينسب لأمه، وانظر الحالات التي يستحيل فيها كون الولد من الزوج في الفتوى رقم: 7105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1428(16/265)
الزنا الذي يستوجب مقترفه الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أحافظ على صلاة الجماعة في المسجد 5 أوقات غالبا، أعمل في بلد منحل، أحافظ على نفسي من الفتن قدر المستطاع من غض للبصر وغيرها، فتنت فغلبتني نفسي والتقيت بفتاه فتعرت أمامي ولكني لم أجامعها (لم تحاول إغرائي بل دفعت لها لممارسة الجنس معاها) ،
ما هو تعريف الزنا الذي يطبق عليه الحد في الإسلام؟
وهل مداعبة المرأة (غير الزوجة) تعتبر زنا؟
هناك حديث " بشر الزاني بالفقر ولوبعد حين" هل هو حديث صحيح؟ وما هو الزنا المقصود في الحديث؟
أفيدوني رحمكم الله فأنا بحاجة إلى نصحكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى من هذا الذنب الذي وقعت فيه، وتندم عليه وتعقد العزم على ألا تعود إليه، فهذا الفعل من الزنا المحرم الذي يستحق صاحبه التعزير والتأديب..
وإن التوبة النصوح تمحو ما قبلها، فلتحمد الله تعالى على أنك لم تقع في الفاحشة الكبرى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم.. فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، يصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه البخاري ومسلم.
وأما الزنا الذي يستوجب صاحبه الحد مائة جلدة.. إذا كان بكرا، أو الرجم بالحجارة حتى الموت إذا كان ثيبا فقد عرفه أهل العلم بأنه: وطء مكلف مسلم فرج آدمي، لا ملك له فيه ولا شبهة، متعمداً، والوطء هنا يحصل بالتقاء الختانين وتغييب الحشفة في الفرج.
وأما الحديث المشار إليه فقد قال عنه أهل العلم: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن شؤم الذنوب والمعاصي من أسباب الفقر والمرض والقلق وضيق الصدر..
والذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى والمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها مع الجماعة في المساجد وصحبة الصالحين والإكثار من أعمال الخير فإن الحسنات يذهبن السيئات.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتويين: 20064، 22226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1428(16/266)
مسائل في حد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في سورة النساء _15 ((واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)) أليس الإمساك في البيوت هنا حد للزنا، ويقول سبحانه في سورة النساء _25 عن الإماء والجواري: ((فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ماعلى المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم))
فإذا كان على المحصنة الرجم حتى الموت كيف سيكون على الجارية نصف ذلك، أما إذا كان على المحصنة الجلد مائة جلدة فيمكن أن تجلد الجارية خمسين وخاصة أن الآية ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة)) لم تفرق بين المحصنة وغير المحصنة.
أرجو أن توضحوا لي معاني الآيات حتى يهديني الله على أيديكم إلى الصواب، وأستغفر الله إن كنت على خطأ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فآية الإمساك في البيوت منسوخة بحكم الرجم للثيب والجلد للبكر، وانظري بيان ذلك في الفتوى رقم: 12180.
وأما حد الأمة والعبد إذا زنيا فهو خمسون جلدة؛ لقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ {النساء: 25} قال القرطبي: أي الجلد ويعني بالمحصنات ههنا الأبكار الحرائر، لأن الثيب عليها الرجم والرجم لا يتبعض، وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليها الضرب والرجم في الحديث، والرجم لا يتبعض، فصار عليهن نصف الضرب.. وذكر في الآية حد الإماء خاصة أي النساء ولم يذكر حد العبيد أي الذكور، ولكن حد العبيد والإماء سواء، خمسون جلدة في الزنى.
وأما حكم الرجم للحرائر المحصنات فهو ثابت بالسنة الصحيحة، وقد كان في كتاب الله ثم نسخ لفظ آيته وبقي حكمها كما قال عمر، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم خلفاؤه من بعده، وقد خشي عمر رضي الله عنه أن ينكر الناس بعد ذلك هذا الحكم لأنهم لا يجدونه في القرآن، فخطب على المنبر فقال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أوالاعتراف.
وآية الرجم التي عناها عمر هي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
وقد كانت مما يتلى من القرآن فنسخ لفظها أي رفع لفظها من القرآن فلم تعد من الآيات الي يتعبد الله بتلاوتها ولكن الحكم باق، فالثيب الزاني يرجم بإجماع المسلمين، والسنة دالة على ذلك وهي مبينة للقران تقيد مطلقه وتخصص عامه وتفصل مجمله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني، وفي لفظ الترمذي وابن ماجه: ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله، وصححه الألباني، وانظري الفتوى رقم: 68357.
وخلاصة القول أن الإمساك في البيوت منسوخ بحد الرجم للثيب والجلد للبكر، وان الرقيق عليه نصف ما على الحر البكر من العذاب وهو خمسون جلدة، وأن حكم الرجم ثابت في حق الحر المحصن إن زنى، هذا هو ما تدل عليه نصوص الوحيين بمجموعها، ولا يجوز النظر إلى بعضها دون بعض أو ضرب بعضها ببعض، كما لا يجوز تفسير كتاب الله بمجرد الرأي والتخمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأت بالأمر من بابه؛ كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب. مجموع الفتاوى: 13/371، والآثار عن السلف في الترهيب من القول في القرآن بالرأي كثيرة وافرة، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8600، 9186، 20711. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(16/267)
التوبة الصادقة تمحق إثم فاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الإخوة اقترب من امرأة وكان على علاقة بها وكان يراودها بقصد الفاحشة وعندما خلا بها قالت له خف من الله، ولكنه أكمل فعلته وهو نادم أشد الندم لأنه لم يسمع كلامها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الرجل قد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب وهي الزنا الذي حذر الله منه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 9731.
وعلى من وقع فيه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، والله تواب يحب التوابين والمتطهرين من ذنوبهم وأقذارهم الحسية والمعنوية، وأما المرأة فإذا كانت قادرة على دفعه ولم تدفعه فهي مثله، وأما إن كانت عاجزة عن دفعه فهي مكرهة ولا شيء عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(16/268)
الزنا الحقيقي وأنواع الزنا المجازي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الزنا الجماع وهل هو درجات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا شرعا له مراتب متفاوتة في العقوبة، فمنه ما هو كبيرة من كبائر الذنوب ويستوجب الحد، وهو وطء المكلف فرج آدمية لا شبهة له فيه، وهناك زنا أصغر أو مجازي وهو ما ورد به الحديث المتفق عليه، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: إن ابن آدم قدر عليه نصيبه من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر إلى الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو بتقبيلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا، أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(16/269)
من تمام توبة الزانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل زواج الزانية ممن زنت معه حلال لقبول التوبة من الله والتكفير عن الذنب، علماً أنه يوجد زوج وأولاد ويستحيل العشرة بينهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنى كبيرة من كبائر الإثم ولا تكفره إلا التوبة المستجمعة لشروط التوبة، والمذكورة في الفتوى رقم: 5450، وليس منها الزواج بالزاني، بل تصح التوبة من الزنى ومن غيره بالإقلاع عن تلك المعصية مع الندم عليها والاستغفار منها والعزيمة على عدم الرجوع إليها كما هي شروط التوبة الصادقة، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 296، 50290، 1106.
ولمعرفة حكم تزوج الزاني بمن زنى بها انظري الفتويين رقم: 1591، 2294.
ولكن إذا كانت المرأة ذات زوج فمعصيتها أشد وإثمها أكبر، ومع ذلك فإن الله يقبل توبتها إذا تابت واستقامت كما قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزُّمر:53}
وعليها أن تستتر بستر الله عليها ولا تفضح نفسها فتحدث زوجها أو غيره بخطيئتها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
كما لا يجوز لها أن تسأله الطلاق لتنكح من زنى بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. حديث صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي، وانظري الفتوى رقم: 2019، والفتوى رقم: 38577.
فلتبق مع زوجها وأولادها، ولتتب إلى الله تعالى توبة نصوحا وتقطع كل اتصال بمن زنى بها لأن ذلك من تمام توبتها وصدقها فيها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(16/270)
الزنا من أقبح الفواحش
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تقولون لامرأة اعترفت بالزنا أو بالخيانه بأن الأمر هين ولها أن تتوب وتصدق فى توبتها وقد علمت أن امرأة زنت وبعد أن سألت وكانت الإجابه كما هي بأن التوبة مفتوحة، فما كان منها إلا أن استهانت بالرادع الشرعي أو بالأصح رد المفتي وقررت فعلتها مرة أخرى واستنجدت مرة أخرى أليس من الحق أن يقال لها إنها أما أن ترجم أو عذاب إليم أو تعلم زوجها حتى إن غفر لها جريمتها ربما يغفرها الله لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن جريمة الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش ... ولهذا حذر الله عز وجل من مجرد الاقتراب منها، فقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، ويكون الذنب أكبر والعقوبة أشد إن كانت من ذات زوج فتكون العقوبة في الدنيا هي الرجم بالحجارة حتى الموت مع ما ينتظرها من العقوبة في الآخرة إذا لم تتب توبة نصوحاً، أو يتجاوز الله عنه بفضله ورحمته، ويسامحها زوجها، فإن حقوق الناس لا يغفرها إلا أصحابها، فقد أخرج الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تسأل عنهم ... وذكر منهم وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده. فهذا الحديث فيه من الوعيد ما لا يخفى.
وأما قولك (إننا نقول إن الأمر هين) فلعلك قطعت الكلام عن سياقه أو فهمته على غير المقصود منه، فما نقول في هذه الجريمة القبيحة وفي غيرها ولمن ارتكبها أو ارتكب غيرها هو ما قال الله تعالى في محكم كتابه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، وليس ترغيبناً في التوبة لمن ارتكب جريمة الزنا وأن توبته الصادقة تمحو ما قبلها تهوينا من هذه الفاحشة القبيحة -نعوذ بالله من ذلك- وإنما هو ترغيب لعباد الله في التوبة والرجوع عن المعاصي، وبيان حكم الله تعالى في التائب الصادق بالأدلة القطعية من نصوص الوحي التي بينا والتي تجدها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37162، 1106، 7320، 74489، 22413 فنرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
وأما إقامة الحدود وتطبيق أحكامها عملياً فهذا من شأن ولاة الأمر، ونحن معك في حثهم على تطبيق أحكام الشريعة كلها وليس الحدود فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1428(16/271)
بوي فريند وجيرل فريند.. زنا وفاحشة وساء سبيلا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في بريطانيا منذ ثلاث سنوات لدراسة الماجستير في جامعة بورن موث وقد أنهيتها بحمد الله وفضله بنجاح، أنا متزوج من سيدة إيطالية منذ سنوات، ولكن نظراً لظروف الدراسة فأنا بعيد عنها، إن شاء الله سوف أبدأ في دراسة الدكتوراة قريبا، في الجامعة تعرفت على زميلة لي من الصين وأحببتها حبا جما لدرجة أني عرضت عليها الزواج، ولكنها رفضت مدعية أنها لا تستطيع أن تقبل فكرة أن أكون متزوجا من امرأتين، وهذا مفهوم نظراً لاختلاف الثقافات هي تفضل أن نكون سويا كبوي فريند وجيرل فريند، سؤالي هو: في ظل هذا الموقف ما هو حكم ملك اليمين، وأنا ما زال أمامي ثلاث سنوات أخرى للدراسة، حيث أقيم هنا وحيداً بلا زوجة حيث إن زوجتي تقيم في إيطاليا لظروف عملها وفي نفس الوقت أحب هذه الأخرى كثيراً وهي تفضل أن نكون معا بلا زواج، بالله عليكم أفيدوني؟ وجزاكم الله عني خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أن تقطع علاقتك المحرمة بتلك المرأة، وما ذكرته لا يقره الشرع ولا يرضاه، فإما أن تختار حكم الله ورسوله، أو تختار غواية الشيطان وما أشارت به تلك المرأة مما يغضب الرحمن، وليس للمؤمن خيرة بعد حكم الله ورسوله، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36} ، فاتق الله سبحانه ودع عنك تلك الفتاة ما لم ترض بالحلال، والزواج منها إن كانت ممن يبيح الشارع الزواج منه مسلمة أو كتابية، وأما إن كانت لا دينية أو من ملة غير اليهودية والنصرانية فلا يحل نكاحها ولو قبلته، وانظر شروط جواز نكاح الكتابية في الفتوى رقم: 33896، والفتوى رقم: 323.
ولا علاقة لملك اليمين بما ذكرته؛ وإنما هي علاقة محرمة آثمة، فاتق الله تعالى ولا تعصه وابحث عن امرأة عفيفة تقبل التعدد وترضى به أو ائت بزوجتك إليك أو اذهب إليها واسلك سبل الحلال وإياك أن تعصي الله سبحانه وتتعدى حدوده، فإنه يقول: وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {النساء:14} ، وللفائدة في الموضوع انظر الفتوى رقم: 26237، والفتوى رقم: 6186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(16/272)
ماهية الزنا الموجب للحد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما هي کيفية الزنا، وبأي عمل يقال زنا ويستوجب الحد، هل يحدث الزنا بدخول عضو الرجل في عضو المرأة، أو يستلزم خروج المني من عضو الرجل، إن کان يحدث الزنا بالدخول فما هو المقدار؟ وإن کان عضو الرجل دخل في عضو المرأة وتعلم المرأة بهذا لکن لا يعلم الرجل وظن أنه لم يدخل، فما حکم هذا الأمر؟ جزاکم الله خيراً فأجيبوني بالجواب الصحيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا الذي يجب به الحد لا يكون إلا بإدخال الفرج في الفرج، والقدر الذي يجب به الحد هو الحشفة ممن له حشفة، وقدرها من مقطوع الحشفة، والحشفة هي رأس الذكر، ولا يشترط فيه خروج المني؛ بل مجرد مغيب الحشفة، وقد دل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول الله، قال: أنِكتها، لا يكني قال: فعند ذلك أمر برجمه.
وفي خبر آخر مروي عن أحمد وأبي داود وابن حبان والدارقطني وغيرهم في قصة الأسلمي الذي زنى وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقراً بالزنى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتها؟ قال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها، كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر؟ قال: نعم ... الحديث.
وفيما يتعلق بسؤالك عما إذا كان الحد يجب بدخول القدر الموجب له ولو بدون علم الرجل، فجوابه أن الرجل إذا كان هو الفاعل، ولم يكن مكرهاً، ولا مغمى عليه وقت الفعل، فلا عبرة بعدم علمه بأن آلته قد دخل منها ما يوجب الحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(16/273)
المعين على الحرام شريك في الإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل: أخي معاشر لنصرانية ولم يتزوجها يقول لأنه ليس عنده فلوس وذلك صحيح وله طفل منها، هو لا يعمل لا نعرف لماذا وأمي تعطيه مالا دائما وهي تريد أن تعرف ما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن مجامعة أخيك لامرأة سواء كانت نصرانية أو مسلمة بلا عقد نكاح شرعي يعتبر زنا وهو من أكبر الكبائر ومن أقبح الفواحش والمنكرات، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الإسراء:32) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. .. رواه البخاري ومسلم.
ولا يجوز لأمك ولا لغيرها أن تعينه بالمال ما دام مصرا على الحرام، بل الواجب عليها أن تنهاه عن هذا المنكر وتفتح أمامه السبيل للعمل والكسب الحلال وإعانته على الزواج الشرعي وتكوين الأسرة المسلمة تكوينا صحيحا، وأما الولد الذي حصل من هذه العلاقة المحرمة فهو ولد زنا ولا ينسب إلى أبيه، ولا تثبت له الأحكام الشرعية من المحرمية والميراث وغير ذلك مما يثبت للولد الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(16/274)
حكم قتل الزانيين من قبل والدهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ غير متزوج زنى بأخته غير المتزوجة ف ما الحكم الشرعي في ذلك، وما حكم قتل الطفل بعد الولادة،
وما حكم قتلهم من قبل والدهم، وهل يكون حكم الوالد إذا قتلهم كمن قتل مسلما عامداً مع الدليل.
أسألكم بالله أجيبوني وبالتفصيل..والله من وراء القصد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا بالمحارم من أقبح الذنوب وأكبر الكبائر، وقد سبق الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 44212، والفتوى رقم: 30031، وإثم الزاني بالمحارم أعظم من إثم الزاني بغير المحارم.
وأما من حيث العقوبة فقد ورد في الحديث الشريف كما عند البيهقي والنسائي في سننه الكبرى عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله.
ولكن الذي عليه جماهير الفقهاء هو أنه لا فرق بين عقوبة الزاني بمحرمه وبين عقوبة غيره من الزناة. وحملوا الحديث على المستحل لذلك. وللإمام أحمد رواية بأنه يقتل مطلقا، مستحلا أو غير مستحل.
وعلى كل، فلا يتولى هذه العقوبة إلا السلطان العام أو من ينيبه عنه في هذا الباب.
وأما حكم قتل الطفل بعد الولادة، وحكم قتل الزانيين من قبل والدهما فإنه يعتبر قتلا حراما، داخلا في الوعيد الذي جاء في قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم. رواه النسائي والترمذي، وصححه الألباني.
والذي ينبغي أن يطلب فيه الدليل هو خروج القاتل من هذا الوعيد، لا دخوله فيه؛ لأن أي قاتلِ مسلم يعتبر داخلا في عموم الآية الكريمة والحديث الشريف.
إلا أن جماهير أهل العلم على أن الوالد لا يقتل بأبيه، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 17409.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(16/275)
حكم من مورس عليه الزنا وهو فاقد للوعي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يعيش في أمريكا كان مواظبا على الفروض كلها، وكان يرفض الزنا ولكن في أحد الأيام أتى له أصدقاؤه بفتاه لكي يمارس معها الجنس ولكنه رفض وفي أحد الأيام أعطوه مشروبا وكان به مخدر فنام وجاءت فتاة ومارست معه الجنس فهولا يعرف أهو زان أم لا، فهو الآن لا يذهب الى المسجد لأنه خائف أن يكون زنى، أريد ماذا يفعل هذا الصديق؟ أريد فتواكم؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام هذا الشخص لا يعرف أن المشروب فيه مخدر فلا إثم عليه في شربه لعذره بالجهل بحاله.
وكذلك لا إثم عليه ولا يعد زانيا إذا مارس الزنا مع تلك الفتاة وهو فاقد الوعي بسبب السكر لأن القلم عنه مرفوع؛ لما روى ابن ماجه وغيره وحسنه النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه.
والواجب عليه أن يتطهر ويذهب إلى المسجد ويصلي مع الناس.
ولو قدر أنه زنى بالفعل فعليه أن يتوب إلى الله ويذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين لأن عدم ذهابه إلى المسجد للصلاة بحجة أنه زنى غير صحيح، بل هو آثم إثما آخر إذا فوت الجماعة عند طائفة من أهل العلم، وآثم عند الجميع إذا توقف عن الصلاة بالكلية.
والحاصل أن على صاحبك أن يحذر من مخالطة هؤلاء الأصحاب لأنه لا خير فيهم، وعليه أن يعتصم بالله ويحافظ على الصلاة مع الجماعة ويؤدي ما أوجب الله عليه ويبتعد عما حرم الله عليه، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 1602، والفتوى رقم: 8065.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1428(16/276)
حكم معاشرة الزوج أخت زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رجل متزوج منذ أربع سنوات لكنه مكتف في نفسيته وهو يعاشر أخت زوجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب هو أن على الزوجة أن تلبي حاجة زوجها من المعاشرة في حدود طاقتها، وأي امتناع عن ذلك يعتبر ذنباً كبيراً إذا لم يكن له سبب شرعي، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وعن طلق بن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور. رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان.
وأما معاشرة أخت الزوجة فإنها جريمة نكراء، وخسة تدل على الحقارة والسفالة، ولا يرضى بها ذو مروءة، وكنا قد بينا شيئاً من ذلك، فلك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 29734.
وإذا زنى المرء المحصن فإنه يكون قد استحق الرجم حتى الموت، ولك أن تراجع في عقوبة الزاني مطلقاً فتوانا رقم: 1602. والذي يحق له تطبيق هذا الحد وغيره من الحدود هو السلطة الحاكمة، لا أفراد الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1428(16/277)
الفرق بين الاغتصاب والزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[واحدة من صديقاتي قبل نزول الدورة الشهرية تعرضت لأكثر من حادثة اغتصاب، فهل هذا يفقدها غشاء البكارة، وهل عليها إخبار زوجها أم يمكن يكون غشاء البكارة كما هو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاغتصاب قد تفقد معه المرأة غشاء البكارة وقد لا تفقده، وعلى كل تقدير فإن الواجب على هذه الفتاة أن تستر على نفسها، فلا تخبر بما حدث لها أحداً، زوجاً أو غيره، ولو قدر أن زال غشاء البكارة وعرف الزوج ذلك فلا تخبره بحقيقة ما حدث، ولتستخدم التورية لأن لزوال غشاء البكارة أسباباً عديدة، وراجعي في ذلك للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 20941.
وننبه إلى أنه يغلب أن يكون سبب الاغتصاب وجود نوع من التفريط من قبل المرأة بالتساهل في أمر الخلوة بالرجال ونحو ذلك، وإلا كيف يمكن أن يُفهَم تكرر الاغتصاب بالنسبة للمرأة الواحدة في الظروف العادية، فإن حصل مثل هذا التفريط من المرأة فالواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى منه، وأن تتخذ الحيطة والحذر فيما يستقبل من الزمان، والأصل في إطلاق الاغتصاب أن يقصد به الإكراه على الزنا، فلا يحصل عن رضى من المرأة، ولكن إن كانت المرأة راضية بذلك فلا يكون هذا اغتصاباً، بل هو زنى يجب عليها أن تتوب منه، وننبه إلى أمر آخر وهو أن هذه الفتاة لا يجوز لها الزواج إلا بعد الاستبراء، لئلا يختلط ماء النكاح بماء السفاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(16/278)
لا يضر عقد الزوجية وقوع الرجل أو المرأة في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الأفاضل، إني أكره زوجي في الله، حيث إنه تبدل بعد أن كان مصليا لكل فرض في المسجد، علمت وتأكدت بشهادته هو نفسه، أنه قد زنى عدة مرات، ثم لجأ إلى الزواج كل فترة من أي فتاة، حيث إنه بالغربة ويحتاج على حد قوله إلى من يؤنس وحشته، ولا يستطيع أن يأخذنا معه حيث إن المصاريف كثيرة جداً، ولن تكون في استطاعته، كما يقول لي وقد زنى عدة مرات مما ألجأه إلى عمل فحص للإيدز عدة مرات، وقد رأيت التحاليل بالصدفة، وحين ضغطت عليه اعترف لي ولوالدته وإخوته، لدي أربعة أبناء منه، أصغرهم 6 سنوات، وأكبرهم 14 عاما، أضعف أمامه حين أراه، فهي عشرة عمر، فقد تزوجنا منذ 18 عاما، ولكن حين أفكر في كل ما فعله بنا وبنفسه أشعر أني لا بد أن أكرهه في الله، هو يقول إنه قد تاب، ويذهب لأداء العمرة كلما سنحت له الظروف، هل بقائي معه حرام، هل شعوري أنني لا بد أن أكرهه في الله حرام، هل من الممكن فعلا أن يكون قد تاب بعد أن مارس الرذيلة سنوات عديدة، هل كوني رأيت أوراق التحاليل هو ما أجبره على الاعتراف، كيف أثق فيه بعد كل ذلك، كيف أتركه وأنا لا أعمل الآن، ومن أين أنفق علي أبنائي الأربعة، بالله عليكم كيف يتبدل الفرد من كونه مصليا كل فرض في المسجد، وحج بيت الله الحرام عدة مرات، ويصل رحمه، ويزكي، ويصوم، ثم يتبدل إلى فاسق بكل معنى الكلمة، كذوب، زان، بالله عليكم لا تهملوا سؤالي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فينبغي أن يُبغَض العاصي لمعصيته وتفريطه في حق مولاه، ولكن يجب أن يكون البغض بحجم الذنب، فالمسلم لا يُبغَض بغضاً كاملا ما دام معه أصل الإيمان، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 24845. لأن البغض في الله من أحب الأعمال إلى الله، وهو سبب من أسباب استكمال الإيمان، ففي الحديث الشريف: إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله، والبغض في الله. رواه أحمد. وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وللطبراني مرفوعاً: أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله عز وجل.
ولكن ما دام يذكر أنه قد تاب فعليك أن تغيري نظرتك نحوه وبغضك له لزوال سببه إن كانت توبته صحيحة، وعلامتها الاستقامة وتبدل الحال والندم، فإن كان كذلك فهو دليل على صدق توبته وقبولها، واعلمي أن التوبة تهدم ما قبلها ولو كان أعظم الذنوب ألا وهو الإشراك بالله، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، فالله سبحانه وتعالى يقبل توبة عبده إذا أناب إليه، والمرء ضعيف قد تحصل منه بعض الزلات ولكنه يؤوب ويتوب منها، فالمصيبة ليست في الخطأ وإنما في الإصرار وعدم التوبة منه، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، أي وإني كثير المغفرة لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله وآمن بالله وعمل صالحا، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} ، وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.
فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالصبر وبذل الجهد في نصحه ووعظه وحثه على التوبة والاستقامة، ولا يضر عقد الزوجية وبقاء العصمة وقوع الرجل أو المرأة في فاحشة الزنا أو غيرها من المعاصي، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 51937، وقد بينا في الفتوى السابقة ما ينبغي لك فعله، ولكن إن رأيت عدم انزجاره عن ذلك وعدم صدق توبته واستقامته فلك طلب الطلاق منه، ولكن لا يلزمه أن يستجيب لهذا الطلب، كما بيناه في الفتوى رقم: 50499. ولا ننصح بالطلاق لمصلحة الأبناء والتئام شمل الأسرة.
وما كان لك أن تتجسسي عليه وتلجئيه إلى الاعتراف لك بما ارتكبه، وما كان ينبغي له أن يخبرك بذلك بل يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(16/279)
ما يلزم من رأى من يعرفه يرتكب فاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[إننى رأيت شخصا أعرفه وهو متزوج يزني مع بنت عمه والله أعلم إذا كانت بنت عمه أم لا، رأيتهم مرتين فأنا لا أقدر أتكلم، لأنهم كانوا يزنون عند أحد أقاربي، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا جريمة من أكبر الجرائم، وفاحشة من أقبح الفواحش، وصاحبه معرض للعذاب في الدنيا والآخرة إذا لم يتب منه، ولذلك فإن من واجبك أن تنصح هذين الشخصين فإن الدين النصيحة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تحذرهما من غضب الله تعالى وعقابه، وتهددهما بأنهما إذا لم يقلعا عن فعلهما الشنيع أنك ستخبر من يعنيه الأمر، كما أن عليك أن تستر عليهما ما لم يجاهرا بالمعصية، فإن من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، وقد بينا ما على المسلم أن يفعل إذا رأى مثل هذا المنكر في الفتوى رقم: 66718 نرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(16/280)
الزاني في حالة الاغتصاب عليه عقوبتان
[السُّؤَالُ]
ـ[في حال تعرض امرأة لواقعة اغتصاب جنسي من قبل مخدومها في المنزل أو المعمل، ما هي العقوبة شرعاً التي تقع على الرجل المغتصب وهل هناك ذنب أو عقوبة على المرأة التي اغتصبت؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة المكرهة على الزنا لا ذنب عليها ولا عقوبة، قال الله تعالى: وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:33} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وانظر الفتوى رقم: 36899، والفتوى رقم: 51248.
وأما الزاني في حالة الاغتصاب فعليه عقوبتان:
الأولى: حد وهو الجلد مائة جلدة إن كان بكراً، والرجم حتى الموت إن كان محصناً.
والثانية: ما يتعلق بكون الأمر وقع اغتصاباً، وهنا يجب دفع مهر المثل إلى هذه المرأة يدفعه إليها هذا الغاصب، وانظر تفصيل عقوبة الزاني وحكم المكرهة في الفتوى رقم: 19424.
وينبغي لمن وقع في الزنا أن يستر نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
بقي أن ننبه على أمر وهو أن هذا النوع من الجرائم ينشأ -في الغالب- عن تجاوز حدود الله في المخالطة والكلام والخلوة وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(16/281)
هل تقبل صلاة الزاني بعد زناه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل صلاة الزاني بعد الزنى مباشرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل كل شيء يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 26237، والفتوى رقم: 14737 لبيان عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة، أما قبول صلاة الزاني أو غيره فلا يعلمه إلا الله سبحانه، فيمكن أن تقبل ويمكن أن ترد لكنها صحيحة إذا توفرت فيها شروط صحة الصلاة أي أنها تجزئه، ولا يجوز له تركها ولا تأخيرها عن وقتها باعتبار أنه حديث عهد بمعصية والعياذ بالله تعالى، ثم إن على من يمارس هذه الرذيلة أن يتوب إلى الله تعالى بالتوقف عنها والندم على فعله والعزم الصادق من القلب على عدم الرجوع إلى ممارستها، وليراجع الفتوى رقم: 5871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(16/282)
من علم أن زوجا يمارس الزنا فهل يخبر امرأته بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متزوج يسافر من البلد التي تقيم فيها زوجته إلى البلد التي يقيم بها أهله بحجة الزيارة، وهو يسافر إلى هذه البلد لأجل الزنا، وهو على هذه الحالة منذ زمن وزوجته لا تعلم هذا الأمر، وبعض أقارب الرجل يعلمون هذا الأمر، سؤالي هو: هل يقوم من يعلم بهذا الأمر إخبار زوجته أم ماذا، أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان اتهام هذا الرجل مبنيا على مجرد الظن والتخمين فلا يجوز، لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا {الحجرات:12} ، وأما إذا كان عند الإنسان بينة ناصعة واضحة على أن فلانا يفعل الزنا والعياذ بالله، فعليه ما يلي:
أولاً: أن يقوم بنصحه وتذكيره بالله تعالى، وبأن هذا الفعل كبيرة من كبائر الذنوب، وننصح في هذا بمطالعة الفتوى رقم: 26237.
ثانياً: إذا لم يستجب لهذا النصح انتقل إلى تهديده بفضحه وإبلاغ الجهات الرسمية أو بعض من يمكن أن يردعه عن هذا الفعل من قرابته.
ثالثاً: إذا لم يُجْد ذلك، وكانت عنده البينة على زنا هذا الرجل فعليه وجوباً أن يخبر من يمكنه أن يمنع هذا المنكر، والبينة في إثبات الفاحشة أربعة شهود ذكور عدول، قال الإمام ابن رشد: وأما ثبوت الزنا بالشهود: فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنا بالشهود، وأن العدد المشترط في الشهود أربعة، بخلاف سائر الحقوق، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. ومن صفتهم أن يكونوا عدولا، وأن من شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأنها تكون بالتصريح لا بالكناية.
وتوفر هذه الشروط عسير جداً، وإنما كان الأمر كذلك صيانة للأعراض، فلا ينبغي أن يقول أحد بأن فلانا وقع في كذا إلا إذا كانت عنده البينة الشرعية المعتبرة وإلا فهو قاذف، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 10849.
وإذا تيقنت من فعل هذا الرجل للزنا وعلمت يقيناً أن في إخبار زوجته إزالة للمنكر، وكان عندك على ذلك بينة من أربعة شهود بالضوابط المتقدمة، فيمكن إخبارها، أما إذا لم تكن لك البينة المذكورة أو علمت أن المنكر لا يزول بهذه الطريقة، بل سيكون إخبارها بذلك سبباً في تدمير كيان الأسرة وفساد نظامها، فلا يجوز إخبارها بذلك، لأن في إخبارها مفسدة راجحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(16/283)
أعظم أنواع الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي درجة الفرق في الإثم إن كان هناك فرق بين من يزني بمحصنة ومن يزني بغير محصنة، ومن يزني بصبية غير بالغة. وهل يتساوى في الإثم أيضاً من يزني بمسلمة ومن يزني بغير مسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنى كله محرم وهو كبيرة من أخطر الكبائر، وقد حرمه الله تعالى وحرم جميع ما يؤدي إليه من الوسائل فقال: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} وهو يتفاوت بقدر الأضرار التي تلحق بالغير، فالزنى بالمحصنة المتزوجة أعظم خطرا وجرما من غيرها لاسيما إذا كان زوجها جارا أو مجاهدا، وفي الزنا بالبكر إلحاق ضرر بها حيث تتضرر بإزالة بكارتها، وهذا قد يؤدي لاتهام زوجها لها إذا تزوجت، وقد يفضحها أو يصبر عليها مع حصول الظن والشكوك.
ومثلها الصبية التي لم تبلغ ففي الزنى بها أضرار بها وجرها للرذيلة وإلحاق الضرر بأهلها، ويحرم الزنى مع كل النساء مهما كانت معتقداتهن، وإثم الزنى بالمغتصبة أعظم من المطاوعة.
وأما درجات الفروق فإنها لا يمكن تحديدها إلا من الشارع الذي حرم الزنى، ولا نعلم عنه تحديدا في درجات الفرق بينها، وقد بين التفاوت بين بعض أنواع الزنى ابن القيم في الجواب الكافي فقال: وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق، فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه وغير ذلك من أنواع أذاه فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل، فإن كان زوجها جارا له انضاف إلى ذلك سوء الجوار وآذى جاره بأعلى أنواع الأذى وذلك من أعظم البوائق وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه، ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأته، فالزنا بمائة امرأة لا زوج لها أيسر عند الله من الزنا بامرأة الجار فإن كان الجار أخا له أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم، فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالصلاة وطلب العلم والجهاد تضاعف الإثم حتى إن الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة ويقال خذ من حسناته ما شئت قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما ظنكم أي ما ظنكم بانه ترك له من حسنات قد حكم في أن يأخذ منها ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة حيث لا يترك الأب لابنه ولا الصديق لصديقه حقا يجب عليه فإن اتفق أن تكون المرأة رحما منه انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها، فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم، فإن كان شيخا كان أعظم إثما وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم، فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام أو بلد حرام أو وقت معظم عند الله كاوقات الصلاة وأوقات الإجابة تضاعف الإثم، وعلى هذا فاعتبر مفاسد الذنوب وتضاعف درجاتها في الإثم والعقوبة، والله المستعان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(16/284)
النهي عن الزنا وقذف المحصنات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الأكل من مال أو طعام سيدات فيهن المتزوجة وفيهن العزباء، يعتقد فيهم الناس أن لهن علاقات محرمة بالرجال سواء بالصحبة مع الرجال أو بالزنى، علماً بأننا لم نرهن رأي العين، ولكن تدور عليهن الشبهات فما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأكل من طعام من اختلط كسبه المباح بالكسب المحرم جائز، إن لم يعلم أن عين المأكول حاصل من الحرام، ويدل لذلك أن الشرع أباح أكل طعام الكفار فمن باب أحرى من دونهم، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ {المائدة:5} ، ويدل له ما في الحديث: أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها. رواه مسلم. وفي الحديث: أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم قبل هدية الشاة من المرأة واستجاب لدعوة اليهودي وأكل من طعامه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود في المدينة وهم أكلة السحت، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، واليهود كانوا يتعاملون بالربا ولا يتورعون عن أخذ المال الحرام.
ثم إنه يحرم ظن السوء بالمسلمات لأن الأصل في المسلمات العفة والإحصان، ولذلك من رمى إحداهن بالفاحشة من غير بينة قاطعة وجب عليه حد القذف، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور:23} ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. وفي الحديث: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. رواه مسلم.
وعلى المسلم إذا رأى أخاه يعمل شيئاً محرماً أن ينصحه ويوجهه، ويرشده إلى الصواب ويدعوه إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستر عليه عملا بحديث مسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وبحديث مسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.
هذا، وننبه إلى خطورة الزنا ولا سيما من المرأة المتزوجة لما فيه من زيادة ذنب آخر على ذنب الزنا، وهو خيانة المرأة زوجها، وإدخالها على أهله من ليس منهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فيجب على النساء البعد عن الأفعال القبيحة كالنظر والتبرج والاختلاط والزنى، فالله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21} ، وقد حرم الله تعالى الزنا وحرم الطرق الموصلة إليه، فقال عز من قائل: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقد أمر بغض البصر وعدم الخلوة بالأجنبية، وأن لا تخضع المرأة بقول ولا تخرج متبرجة، كما في قول الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا {الأحزاب:32} ، وقال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:30-31} .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. قال النووي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقاً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب فكل هذا أنواع من الزنا المجازي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1428(16/285)
التوبة والاستتار بستر الله لمن اقترف الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 25 سنة تزوجت وعمري 18 تعرضت من زوجي للإهانة والضرب لأتفه الأسباب ولم أكن سعيدة معه من أول ليلة في زواجنا كان كثير الإهانة لي ولأهلي ثم أصبت بمرض نفسي وبعد 7 سنوات من الزواج أهملني وتعرضت لضغوط منها ضغوط أهلي ومرض والدي ثم دخل في حياتي رجل عن طريق الهاتف غمرني بحنانه واهتمامه حتى تعلقت به وبعد 9 أشهر طلب أن أخرج معه وإلا تركني وبعد عناد خرجت فاعتدى علي والآن نادمة، فماذا أفعل حتى يغفر الله لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الفاحشة الشنيعة، فإن الزنا والعياذ بالله من كبائر الذنوب، وطالعي في ذلك الفتوى رقم: 26237.
فإذا تحققت التوبة بالندم والعزم على عدم العودة إليه فنرجو لك المغفرة، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وعليك أن لا تخبري بما وقع منك أحداً، بل استتري بستر الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 1095.
وننصحك بالاهتمام بزوجك والتجمل له والتحبب إليه، وأن تقابليه باللين واللطف والكلمة الطيبة، وأكثري من الدعاء له بالهداية والتوفيق، فلعل ذلك يغير من حاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1428(16/286)
حكم معاشرة المرأة الأجنبية ثم إجهاض الجنين
[السُّؤَالُ]
ـ[أما سؤالي فهو كالتالي: أنا شاب مسلم أعيش بالديار الأوربية مع فتاة أجنبية غير مسلمة، حيث حملت مني وبعد ستة أسابيع من مدة الحمل قمنا بإجهاض الجنين. وأريد معرفة حكم الإسلام في ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الفتاة أجنبية عنك ولم تعقد عليها عقد نكاح صحيح فما فعلتما زنى، والزنى من أعظم الفواحش وأشدها إثما وأكبرها جرما، وكذا ما قمتما به من إجهاض الجنين. وقد بينا حكم الإجهاض وما يترتب عليه في الفتوى رقم: 50549، والفتوى رقم: 2208، والفتوى رقم: 9332.
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الموبقات، ومن شروط التوبة الإقلاع عن المعصية. فعليك أن تبتعد عن تلك الفتاة فلا تجوز لك الخلوة بها، ولا الحديث معها ولا غير ذلك مما هو محرم شرعا. ولمعرفة شروط التوبة وكيفية التخلص من تلك المعاصي انظر الفتاوى التالية رقم: 16688، 5450، 296.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(16/287)
حكم الزنا بغير البالغ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زنى بغير بالغ وماذا يفعل ليتوب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزني ببالغ أو غير بالغ من كبائر الذنوب وأقبحها؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} وعلى من ارتكب هذه الفاحشة أن يسارع بالتوبة إلى الله تعالى ولا يهتك ستر الله عنه، فلا يبلغ أحدا سواء كانت جهة مختصة أو غير مختصة، وسواء كانت تقيم الحدود أو لا تقيمها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن زيد بن أسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(16/288)
فساد الواقع ليس مسوغا لاقتراف فاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشاب ليس عنده قدرة على الزواج أن يتزوج عرفيا أو مسيارا أو زواج الفرند أو يكون له صديقة أو خليلة مع أني أعرف أن نصف ما قلته لا يجوز أو بالأحرى كله ولكن لنتماشى مع واقع الحال، فكثير من الشباب ليس له القدرة تعنس ولا يحلم بحياة عادية بصراحة أنا كنت أزني رغم أني منذ سنتين لم أقرب فتاة وتركت المغرب وسافرت للسعودية أملا من الله أن يهديني ويرزقني بنت الناس ولكن هذا مجرد أمل ورجاء يكبر ويصغر مع الزمن فالحال لا يسمح بهذا، فهل يجوز ماقلته على الأقل لنكون أناسا طبيعيين،أعرف الأحاديث والشريعة ولكن عمليا لا يوجد تطبيق نهائيا للدين في هذا الزمن فنحن في عصر المادة والمال ومن يملك قرشا يساوي قرشا وأقول الزواج لمن استطاع إليه سبيلا والله في هذه السنتين حتى أمسك نفسي من الزنا أقوم بالعادة السرية مرتين إلى أربع مرات يوميا لأنه ليس لدي خيار آخر فهذا حل يفي بالغرض نسبيا ولا أظن أني سأدوم على هذا فعاجلا أم آجلا يجب أن أقع في علاقة مع فتاة بطريقة أو بأخرى، لم يعد عندي قدرة على التحمل، وشكرا؟ أرجو النصيحة والدعاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى أولا مما قد اقترفته وتحسبه هينا وهو عند الله عظيم فإنه يقول: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} ولمعرفة شروط التوبة الصادقة انظر الفتويين: 296، 5091.
وينبغي أن تعلم أن المؤمن يضبط أقواله وأفعاله بمقتضي الشريعة على ما أمر به المولى سبحانه وتعالى وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن يضبط الشريعة وفق هواه ويطوعها كيفما اختار قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36} وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] ، وغيرها من الآيات. قال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم الحديث الحادي والأربعون: علامة الإيمان عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. اهـ
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين. انتهى.
وفساد الواقع لا يعني شرعيته ولا تطويع أوامر الشرع لتوافقه بل يجب رد ما فسد وتغير وضبطه بأحكام الشرع. ولاتغرنك كثرة أهل الباطل ولا زخم الغاوين فذلك سراب عما قليل سينقشع. قال تعالى: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ {الرعد:17} والمتمسك بالحق أمة وإن كان وحده.
ثم إننا لا نسلم بكل ما قلته مما تريد به تبرير المنكرات التي يمارسها بعض الناس اليوم، فكون الفساد قد انتشر في أهل هذا الزمان والمعاصي انتشرت، والمادة طغت لا يلزم منه عدم إمكانية وجود زوجة تتناسب حالها مع حال السائل وأمثاله وترضى به، بل وترغب فيه وهذا شيء واقع، كما لا يلزم منه أيضا عدم عمل المرء فيما يتعلق به بشرع الله عز وجل.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن للنكاح الشرعي الصحيح شروطا وأركانا متى ما توفرت فهو صحيح ولو سمي بنكاح عرفي أو غيره، ومتى ما اختلت تلك الشروط والأركان أو فقد بعضها فهو فاسد وإن سمي نكاحا شرعيا، فالتسمية لا اعتبار لها وإنما ينظر إلى ذات العقد ومدى توفر شروطه وأركانه وانضباطه بالضوابط الإسلامية. ولمعرفة شروط النكاح وأركانه نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1766، 3329، 4632.
وإذا أردت علاج ثوران الشهوة وكبح جماحها وكسر حدتها فاعمل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه، فهذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى قطع أسباب ثوران الشهوة، فالواجب أن تحفظ نفسك من الوقوع في المحرمات التي تؤدي إلى ثوران الشهوة كالنظر المحرم والخلوة بالنساء ونحو ذلك.
وأما العادة السرية فهي محرمة إلا إن خشي المرء الوقوع في الزنا فترتكب أدنى المفسدتين، وننصحك بالأخذ بالأسباب المعينة على تركها وقد بينا ذلك مفصلا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1087، 910، 4536.
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وتسأله أن يسهل أمرك ويهيئ لك من أمرك رشدا، ويغنيك بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وهو قريب مجيب لمن أناب إليه، واطرح بين يديه سبحانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1427(16/289)
زنا دون زنا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما حكم الزنا لغير المتزوجة؟ وهل يعتبر زنا احتكاك الأعضاء الجنسية ببظر المرأة دون الإيلاج؟ واحتكاك العضو الذكري أيضا من الدبر؟ وهل يكفر الشخص عن أفعاله وتنجلي ذنوبه بالزواج مع من ارتكب معه المحرمات هذه؟ وما حكم من فعلت هذا لاعتقادها أنه غير زنا وعند معرفة حكم الزنا تركته وتابت؟ هل تذنب بنفس ذنب من كانت تعلم واستمرت على الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا محرم مطلقا في حق المتزوجة وغير المتزوجة، وراجعي الفتوى رقم: 27534، ويطلق الزنا في الأصل على وطء الأجنبية في قبلها، ولكن قد يطلق على غير ذلك من اللمس والتقبيل ونحوهما مما ذكرت بالسؤال لكونها ذريعة إلى الوقوع في الزنا، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 78887، وهذه الوسائل من الخطورة بمكان فلا يجوز التساهل في أمرها والوقوع فيها، ومن فعلها تجب عليه التوبة، ومجرد الزواج لا يعتبر مكفرا للذنوب إلا أن تصحبه نية صالحة كقصد العفاف فيكون حسنة قد يكفر الله تعالى بها تلك السيئات، وقد تكفر هذه الذنوب بغير ذلك من المكفرات.
وعلى كل حال فمن تاب تاب الله عليه، قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} ولا ندري كيف يتصور الجهل بحرمة مثل هذه الأفعال ممن يعيش في بلاد المسلمين، ومع انتشار العلم وتوفر وسائله، ومن هنا ننبه إلى أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على تعلم العلم النافع ولا سيما علم الحلال والحرام، وأن يحرص على مصاحبة الأخيار ويحذر مرافقة الفجار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1427(16/290)
ماهية الزنا الموجب للحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث شريف ما معناه أن الزنا هو مثل إدخال المكحلة داخل إناء الكحل - هل هذا صحيح؟ وهل معنى ذلك أن أي شيء في مقدمات الزنا ليس بزنا بل ذنب أصغر؟ وهل المداعبة بدون إيلاج زنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا الذي يجب به الحد لا يكون إلا بإدخال الفرج في الفرج، وقد دل على ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والدارقطني وغيرهم في قصة الأسلمي الذي زنا وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقرا بالزنى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتها؟ قال نعم: قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها، كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر؟ قال: نعم ... الحديث.
وروى الحاكم بسند صححه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا أنه سئل ما اللمم؟ فقال: كل شيء ما لم يدخل المرود في المكحلة، فإذا دخل فذلك الزنى.
وأما ما كان دون ذلك من اللمس والتقبيل والمداعبة بدون إيلاج فلا يجب به الحد، ولكنه زنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. متفق عليه.
وفي رواية عند الإمام أحمد: وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، وزنا الفم القبل. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 57860، والفتوى رقم: 20064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(16/291)
الزنا بأخت الزوجة هل يحرم الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المناقشات التي تدور عادة بيننا (أنا ومجموعة من زملائي في العمل) ، كان محور النقاشات (الزنا) -وقانا الله من ارتكابه- أحد الجالسين معنا قال: إن حكم الرجل الذي يمارس الزنا مع أخت زوجته أن تطلق الزوجة منه، والمقصود هنا (ليس زناً كاملا أي لم تحدث بينهما عملية الجماع) ، فهل هذا الكلام أو الحكم صحيح شرعاً، وعلى ماذا استناد الشرع في ذلك، وما هو الحكم الشرعي لمثل هذه الكبيرة الشيطانية (لا جعلنا الله من الذين يمتحنون بمثلها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم تلك الفاحشة العظيمة ووزر فاعلها في الفتوى رقم: 34278، والفتوى رقم: 29734، ولمس أخت الزوجة والتلذذ بها لا يحرم الزوجة، وكذلك الزنا بها، إلا أن بعض أهل العلم نصوا على حرمة وطء الرجل زوجته إذا زنى بأختها حتى تنقضي عدة أختها لئلا يجمع ماءه في رحم أختين، قال البهوتي في كشاف القناع: وإن زنى بأخت زوجته لم يطأ زوجته حتى تنقضي عدة أختها.... لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير: ويروى ملعون من جمع ماء في رحم أختين ولا أصل له باللفظين، وقد ذكر ابن الجوزي اللفظ الثاني ولم يعزه إلى كتاب من كتب الحديث، وقال ابن عبد الهادي لم أجد له سنداً بعد أن فتشت عليه في كتب كثيرة.
وخلاصة القول هنا أن الزنى بأخت الزوجة لا يحرم الزوجة، وإن قيل بالتنزه عن وطء الزوجة خلال استبراء رحم أختها من ماء الزنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(16/292)
ارتكاب الصبي الفاحشة قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يخضع الذين يرتكبون الفاحشة في الصغر " قبل البلوغ " لقوله تعالى " والذين هم لفروجهم حافظون "؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن فعل الفاحشة قبل البلوغ لا يترتب عليه إثم لكونه غير مكلف، وبالتالي لا يتوجه إليه وصف الاعتداء المذكور في الآيات: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون: 5 ـ 7} ولا يخرج بذلك شرعا عن مسمى الحافظين لفروجهم ولعل هذا ما تعنيه بسؤالك، وتراجع الفتوى رقم: 23392.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(16/293)
جريمة زنا المحارم وتلذذ الأب بابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أسألكم بالله أن تردوا على سؤالي في أسرع وقت بارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء عائلة متكونة من أربع بنات وأب وأم منذ فترة طويلة قام الأب بالاعتداء على ابنته التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 14 سنة وبعد أن كشف أمره بكى وقال تبت إلى الله ولن أعود لذلك بعد مرور السنين اكتشفت الأم أن هذا الأب قام مرة أخرى بالاعتداء على ابنته التي بلغت من العمر 25 سنة اذ قام بتجريدها من ثيابها تحت التهديد وقام هو أيضا بنزع ملابسه واعتدى عليها دون أن يطأها لكن فعل كل ما يعتبر مقدمات الزنا الآن الأم مصممة على الطلاق من هذا الإنسان المريض لحماية بناتها اللواتي هن الآن في حالة يرثى لها. تسألكم هاته الأم هل من حقها أن تطلق من هذا الرجل رغم أنه يدعي أنه تاب وأنه لن يرجع إلى هذا العمل مصطنعا الدموع التي لا يعلم حقيقتها إلا الله وكذلك تسألكم هل من حقها أن تخرجه من المنزل حتى تعيش مع بناتها، وآخر سؤالها هل هي آثمة إن هي فضحته. بارك الله فيكم نسألكم الرد بسرعة لحساسية الموضوع والحاجة الماسة لهاته الفتوى.
شكر الله سعيكم وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعل هذا الرجل ذنب عظيم، وهو مع عظم إثمه مناف للطباع السليمة والفطر المستقيمة، وقد بينا حكم من تلذذ بابنته وهل يحرم ذلك أمها في الفتوى رقم: 23175.
فيجب الستر أولا على هذا الرجل وعدم فضحه سيما أنه يدعي التوبة والاستقامة، لكن ينبغي الحذر منه وعدم ترك المجال له للخلوة بالبنات لئلا يتكرر منه مثل ذلك، وعلى البنات أن يحتجبن منه ما دام يخشى منه الوقوع في الحرام، ولا يجوز لزوجته ولا لغيرها أن تفضحه ما لم يكن يجاهر بفعله القبيح ولم تذكر عنه ذلك، لكن إن أصر على ما ذكرت فلها بل عليها أن تبلغ عنه من يردعه عن ذلك من سلطة ونحوها، وأما طلبها للطلاق كي تعيش بعيدا عنه لتحفظ بناتها فلا حرج عليها في ذلك إن كانت لا تأمنه عليهن بعدما حصل منه وعوده لفعله ثانية بعد أن تاب من الأول وندم عليه، إن تعين الطلاق وسيلة للحيلولة بينه وبين البنات، أو كرهته الزوجة لما فعل وخشيت التقصير في حقه كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 70723.
وأما طرده من المنزل.فلا يجوز إن كان المنزل منزله، وأما إن كان للزوجة خاصا بها فلها ذلك. ولا ينبغي أن تمنعه من زيارة بناته فيما لو حصل فراق، لكن لا تمكنه من الخلوة الطويلة بهن لئلا يصدر منه ما لا ينبغي.
وللفائدة ننصح بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2376 / 28124 / 62068 / 17420، وحبذا لو يتم إخباره وإطلاعه على ما ورد في تلك الفتاوى. وينبغي أن يراجع طبيبا نفسيا ليعرض عليه مشكلته فإنه مريض نسال الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا وإياكم من أنواع البلاء وسوء القضاء، وأن يمن عليه بالصحة والسلامة، ويطهر قلبه من هذا الداء الخبيث إنه سميع مجيب.
والله تعالى اعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(16/294)
حكم الجنس الفموي مع الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[الجنس الفموي من امرأة لرجل هل هو زنا أم هو ذنب أصغر، سمعت أن الزنا هو الإيلاج فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك أخي الكريم إلى عدة أمور:
أولها: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54169.
ثانياً: اعلم أنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 63343، والفتوى رقم: 22267، والفتوى رقم: 28167.
ثالثاً: أن الصغائر ليست على درجة واحدة، فلا شك أن إثم اللمس أعظم من إثم النظر، وإثم المضاجعة أعظم من إثم مجرد اللمس، وإثم الإيلاج الذي هو كبيرة أعظم وأعظم من مجرد المضاجعة.
رابعاً: جواب سؤالك في الفتوى رقم: 40071.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(16/295)
من أعظم الجرائم هتك عرض المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[أخوكم في الله يسأل وقد اختلط عليه الأمر حتى وصل به الأمر إلى اليأس، حيث إنني في أحد الأيام غرني الشيطان فزنيت بأختي مع أني لم آتيها من قبلها بل في دبرها دون الإيلاج، والآن لا أعرف كيف أتوب لأنه حسب ما قرأت يجب إقامة الحد، مع العلم بأنني في بلد مسلم لا يقيم حدود الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإتيان المرأة في دبرها زنا، وإن كان الزنا ذنباً غليظاً ومحرما، فإن الزنا بين المحارم أشد تحريماً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه. وقال ابن حجر في الزواجر عن اقتراف الكبائر: وأعظم الزنا على الإطلاق زنا المحارم. انتهى.
وذلك لأن المحرم مطلوب منه الحفاظ على عرض محارمه والذود عنه، لا أن يكون هو أول الهاتكين له، ولكن الزنا درجات، والذي يترتب عليه إقامة الحد منه إنما هو إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعاً بلا شبهة، وسواء أكان هذا الفرج قبلا أو كان دبراً، وقال بعض أهل العلم إنه وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه بلا شبهة، تعمداً. وما عداه فإنه وإن سمي زنا إلا أنه لا حد فيه، ولكن يلحق صاحبه الإثم، ويستحق التعزير والتأديب.
وعليه فما صدر منك يعتبر ذنباً ولكنه ليس موجباً للحد، والواجب عليك الآن هو الستر على نفسك والمبادرة إلى التوبة، وأعلم أن باب التوبة مفتوح ولله الحمد، للزاني وغيره، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} ، وقال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ،وقال سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة:104} ، وشروط التوبة النصوح هنا هي الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1427(16/296)
هل يتحمل الزاني إثم من زنى بها كلما زنت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذي قام بفض بكارة بنت بزنا يتحمل كل الآثام إن زنت هي بعد ذلك كما سمعنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " رواه البخاري ومسلم. والزنا عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة.
وإذا ارتكب المسلم مثل هذه الفاحشة العظيمة فعليه المبادرة بالتوبة إلى الله سبحانه.
وأما أن يتحمل المرتكب لهذه الكبيرة كل الآثام إن زنت الفتاة المفعول بها بعد ذلك، بسبب كونه هو أول من افتض بكارتها، فهذا لم نجد من قال به، والذي تدل عليه النصوص هو أن المرء غير مؤاخذ بجريرة غيره. قال الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر: 18] .
وقال تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطُّور:21} . وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدَّثر:38} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1427(16/297)
ذهبت مع رجل أجنبي وطلبت الصفح من زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق تزوج والله رزقه طفلين وبعد مدة من الزمن سافر بقصد العمل وغاب حوالي السنة وعدة شهور وطبعاً هو كل فترة يرسل لزوجته مبلغا من المال لتنفقه عليها وعلى أولادها وفجأة يتصل أهله به ويقولون له إن زوجتك هربت مع واحد غريب وتركت الأولاد طبعاً هو رجع فوراً على بلده ليتأكد من الأمر وفعلاً كان الخبر صحيحا وبعد عدة أيام من رجوعه رجعت زوجته لبيت أهلها وأخبره أهل الزوجة أنها رجعت فذهب إليها وقال لها لماذا فعلت هذا الأمر قالت له لا أعرف، وطبعاً مع البكاء والندم ولكن هي أقسمت بالله أن الشخص الذي ذهبت معه لم يلمسها، وقالت إنها كانت على علاقة معه على الهاتف منذ أربعة شهور، والسؤال: هو ماذا يفعل هذا الزوج علماً أنه هو صدقها في كل شيء قالته له، وهو يريد أن يرجعها على ذمته ولكن أهله غير موافقين وخاصة الأم، فماذا يفعل؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قامت به تلك المرأة من سفر وعلاقة مع رجل أجنبي عنها إثم ومعصية وخيانة لزوجها، وتدنيس لعرضها، فيجب عليها التوبة من ذلك وعدم العودة إلى مثله.
وإذا أظهرت التوبة وكانت مخلصة في ذلك، فلا بأس بأن يمسكها بشرط أن يستبرئها. ومدة الاستبراء هي قدر مدة العدة، ولا تصدق في قولها إن الشخص الذي ذهبت معه لم يلمسها. قال الشيخ الدردير ممزوجا بكلام خليل: (ووجب) على الحرة المطيقة (إن وطئت بزنا أو شبهة) بغلط أو نكاح فاسد إجماعا كمحرم بنسب أو رضاع، (ولا يطأ الزوج) زوجته زمن استبرائها مما ذكر أي يحرم إذا لم تكن ظاهرة الحمل وإلا فلا (ولا يعقد) زوج عليها زمنه (أو غاب) على الحرة (غاصب أو ساب أو مشتر) لها جهلا بحريتها أو فسقا; لأن الغيبة مظنة الوطء (ولا يرجع لها) أي لقولها في عدم الوطء أي لا تصدق في ذلك ... (قدرها) فاعل وجب أي قدر العدة على التفصيل المتقدم. فذات الأقراء ثلاثة قروء, والمرتابة ومن معها سنة, والصغيرة واليائسة ثلاثة أشهر.
واعلم أن طاعة الوالدين لازمة في المعروف، وأما ما كان من غير المعروف فلا تلزم طاعتهما فيه، ومن ذلك طلاق الزوجة إذا تابت توبة صادقة.
وإذا لم تتب فإن طلاقها متعين لإرضاء الأم، وللمحافظة على الفراش وصيانة النسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1427(16/298)
خطوات علاج من يراود أم زوجته عن نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدة ابتليت بمصيبة عظمى وهي أن زوج ابنتها يتحرش بها ويسمعها كلاما بذيئا في الهاتف وهي تتظاهر مرغمة أمام بناتها بأنه يتكلم معها بصورة عادية فهو يصرح لها بأنه يتمنى أن يجامعها هي وزوجته التي هي ابنتها وهي الآن تسأل هل يحل لها أن تقوم بعمل سحر بحيث يصير كارها لها حتى لا يهدم بيتها وبيت ابنتها مع أنها لم يسبق لها أن قامت بعمل مثل هذا في حياتها علما أنها جربت معه جميع الطرق لكي يعود إلى رشده؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من الكبائر توعد الله فاعله بالعقوبة الشديدة، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} . أي كان قبيحاً متبالغاً في القبح مجاوزاً طريقه وذلك لأنه يؤدي إلى النار. ولذلك قال تعالى في محكم آياته: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان: 67، 68} ، وهذا عن مجرد الزنى، فما بالك إذا كان بأم الزوجة!
وإذا كان الزنى بحليلة الجار يأتي في المرتبة الثالثة بعد الكفر بالله وقتل الولد خشية الإطعام فما بالك إذا كانت الجريمة مع أم الزوجة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك. متفق عليه. وإنما كان الزنا بزوجة الجار بهذه المرتبة لأن الجار يتوقع من جاره الذود عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويركن إليه، فالاعتداء على عرضه خيانة منكرة.
والزنا بالمحارم ليس كغيره، قال صلى الله عليه وسلم: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه ابن ماجه. فهذا الرجل الذي يراود أم زوجته على منكر خطير ووزر كبير، وقد نص الفقهاء على أنه إذا خيفت الفتنة بذات المحرم صارت كالأجنبية سداً لباب الفتنة، فلا يجوز له أن يخلو بها ولا يصافحها ولا يحادثها إلا بالمعروف، ولا يجوز لها الخلوة به ولا إبداء زينتها له، ويجب أن تتحجب منه، فهو رجل سوء لا يؤمَن جانبه. وإذا وعظته وزجرته ولم يكف فينبغي أن تهدده بإبلاغ من يخشى منه أو برفع أمره إلى القاضي ونحوه ممن له حق سلطة الزجر والتأديب، وإذا استطاعت أن تفتدي منه ابنتها بأن تدفع إليه ما أمهرها فهو أولى ليبتعد عنكم، فمثله لايؤمَن ولاينبغي أن يساكن. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 39920.
وأما عمل السحر له لهذا الغرض فلا يجوز لما بينا في الفتوى رقم: 19606.
والذي ننصح به تلك المرأة المبتلاة ألا تسكت على جرم صهرها وما يريده منها لئلا يزين لها الشيطان ذلك فتنساق معه في رذيلته وتسقط في وحله. ولكن تعالج أمره بحكمة لئلا يؤثر ذلك على سمعتها أو يهدم بيتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(16/299)
حكم مفاخذة الصغار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم مفاخذة الصغار؟ أرجو الإجابة سريعاً.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بالسؤال مفاخذة الرجل زوجته الصغيرة فهذا جائز كما بيناه في الفتوى رقم: 56312.
وأما إن كان المقصود بالسؤال مفاخذة غير الزوجة فهذا محرم سواءً كان المفاخذ صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى، وهو من مقدمات الوطء الحرام، ولا نظن أن حكم هذا الفعل يخفى على عاقل. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 35464.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(16/300)
حكم من وطئ حليلته يظن أنها أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عقد على امرأة لم يرها من قبل وإنما يسمع بها فقط، ثم التقى بها صدفة في مكان آخر ولا يعلم أنها زوجته وهي أيضاً لا تعرفه، ووقعت بينهما علاقة حتى بلغ بهما الأمر إلى الفاحشة أعاذناً الله وإياكم وحملت منه والحالة هذه، فما حكمهما في الشرع مع العلم بأنهما أرادا الفاحشة، وهل يلحق به الولد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما من حيث الإثم فإنهما يأثمان إثم الزناة، بحسب نيتهما، فإنما الأعمال بالنيات، وأما الحد فلا حد عليهما، وأما الولد فيلحق به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش. لأنها فراشه شرعاً، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: ومثله وطء حليلته يظن أنها أجنبية، فهو وإن أثم إثم الزنا باعتبار ظنه كما مر ... لا يحد لأن الفرج ليس محرماً لعينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1427(16/301)
هل يجب على الغاصب أن يدفع شيئا لأولياء المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في أخذ ما يسمى بتعويض الشرف، أي المبلغ المدفوع من قبل الغاصب وأقربائه إلى أولياء المرأة بسبب اغتصابها، تعويضاً لهم عما لحق بهم من عار، وإذا قلتم بعدم مشروعيته فماذا يكون الحل إذا خيف من وقوع فتنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجل المغتصب يجب عليه دفع المهر كاملاً لمن اغتصبها، كما قال خليل في المختصر: وتقرر بوطء وإن حرم. كما يجب أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، ولا نعلم أن أحداً من أهل العلم قال بأن الغاصب عليه أن يدفع شيئاً لأولياء المرأة كما لا نعلم دليلا يفيد ذلك.
وأما إن خيف وقوع فتنة فلا حرج على الرجل في إعطاء أولياء المرأة مالاً من باب الصلح ليتفادى وقوع الفتنة لا من باب أنه يجب عليه شيء لهم. وعلى الآباء والأمهات أن يعتنوا بحضانة البنات ومنعهن من مخالطة الأجانب، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 19424، والفتوى رقم: 64079.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(16/302)
كفارة زنا المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل لزنا المحارم كفارة وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من الكبائر التي حرمها الله تعالى على عباده، بل حرم القرب منها والوقوع في دواعيها ومقدماتها، فقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} وإذا كان الزنا محرما بين عموم الناس فإن حرمته أشد إذا وقع على المحارم، فقد روى أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. وقال الحاكم في المستدرك: صحيح ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في الزواجر عند سياق هذا الحديث: وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم. انتهى.
ومع هذا فكفارة هذه الفاحشة الشنيعة هي التوبة الخالصة، مثلها في ذلك مثل سائر المعاصي. فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 53 ـ54} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1427(16/303)
الزنا ظلم للغير والنفس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزنا معصية فيها ظلم للنفس فقط أم ظلم للغير أيضاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا من الكبائر والفواحش، وقد حذر الله عز وجل من مجرد الاقتراب منه، ونفر منه بأبلغ أسلوب ... فقال جل وعلا: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} .
ولا شك أن فيه ظلماً للنفس بإيباقها بذنب عظيم من أبشع الذنوب وأقبحها، وتعريضها لغضب الله وعقابه، ولا شك أن فيه ظلماً للغير أيضاً بالاعتداء على حرماتهم وأعراضهم ... ويشتد ذلك إن كان بمتزوجة أو منها لما فيه من تلويث فراش الزوجية واختلاط الأنساب.. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38577، 9115، 53723.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(16/304)
حكم الشرع فيمن تزوج بامرأة بدون عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي وباختصار ما حكم الشرع في رجل متزوج بامرأة لكن بدون عقد النكاح علما أن الناس يعتبرون أنها امرأته. والمشكل أن لهذا الرجل ثلاثة أولاد مع امرأة أخرى ولكن لا يسكنون معه.
سؤالي الثاني: ماذا يجب على الأولاد الثلاثة أن يفعلوا تجاه أبيهم، هل يذهبون لزيارته أم لا؟ حيث هم يعتبرون أن علاقته بتلك المرأة زنى. وهم دائما مضطرون لزيارة أبيهم في المناسبات لكن يعتبرون أن دخولهم لتلك الدار حرام. أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت ثبوتا لا يخالجه شك أن هذا الرجل يقيم مع تلك المرأة بلا عقد نكاح أو بعقد نكاح غير صحيح كأن يكون بلا ولي أو بلا شهود، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يفارق هذه المرأة فوراً حتى يعقد عليها عقد نكاحٍ صحيح، ولمعرفة شروط النكاح الصحيح تراجع الفتوى رقم 1766.
وأما الأولاد فيجب عليهم طاعة أبيهم في المعروف وبره والإحسان إليه وزيارته، وإن كان مقصراً عاصياً مذنباً، ويجب عليهم مع ذلك أن ينصحوه وأن يذكروه بالله تعالى، ويخوِّفوه من عقاب الله جل جلاله، وحق الأب من الإحسان والبر لا يسقط بكفره وشركه بالله سبحانه وتعالى، فكيف بما هو دون ذلك، وانظر الفتوى رقم: 73417.
ودخولهم لذلك المنزل لزيارة أبيهم والإحسان إليه ليس محرماً، وليس إقراراً للمنكر، إذ يمكنهم إنكار هذا المنكر والبراءة منه بحسب ما يقدرون عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(16/305)
الفاحشة من المتزوج أشد قبحا وأغلظ عقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي التجسس على زوجي الخائن، علما بأنني اكتشفت خيانته بالصدفة، وعندما بحثت وجدته يمارس كل أنواع الخيانه فهو يغيب عن المنزل بحكم عمله 5 أيام لذلك لم ألحظ عليه شيئا، لكنه في الفترة الأخيره تغير، ما الذي يجب علي فعله لإصلاحه، علما بأنه كان يعاني من مشاكل عائلية والضرب المبرح في صغره ويمارس العادة السرية وعندما أنصحه أو أواجهه يثور ويترك المنزل ويتهمني أنني جاحدة للنعمة التي أنا فيها، ما الذي يجب علي فعله لأنني أحبه ولا أريد تركه، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أعطيه الشيء الذي دفعه للخيانة وهو جماع الدبر الذي زينه الشيطان في الأفلام الجنسية، أنا محبطة فهل أستطيع إرجاعه لي بعد ما أدمن الحرام وأنا امرأة بسيطه وأم تربت على العفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يفرج عن الأخت السائلة، وأن يصلح زوجها، ويلهمه رشده، ويتوب عليه من هذه المعاصي، وأما الأخت فنقول لها: اصبري واستعيني بالله عز وجل وأكثري من الدعاء لزوجك، وابذلي له النصيحة، وذكريه بالله عز وجل وعقوبته، وبيني له حرمة ارتكاب المعاصي وخطورتها، لا سيما وأنه متزوج، والمتزوج تكون الفاحشة منه أشد قبحاً، وأغلظ عقوبة، ودليل ذلك حد الزاني، وهو الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن، هذا في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد، قال تعالى: كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {القلم:33} .
ولا تجسسي عليه فإن التجسس على المسلم حرام، ولا يجوز لك تمكينه من إتيانك في الدبر تحت أي مسوغ، لحرمة ذلك، وقد تقدم بيانه في الفتوى رقم: 3909.
وأما كيف يمكنك إصلاح زوجك، وماذا يمكنك فعله معه وقد أدمن الحرام، فنحيلك على الاستشارات ذات الأرقام التالية:1424 و 226105. في شبكتنا. كما نرشدك لمراسلة قسم الاستشارات بالشبكة فهم أهل الاختصاص في هذا الجانب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(16/306)
زنا الفكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا سب المسلم أخاه في نفسه, أي لم ينطق الشتيمة بلسانه ولكنه شتمه في نفسه؟
وهل يأثم الإنسان اذا تخيل أنه يجامع امرأة حتى لو كانت من أقاربه أو من محارمه؟
وما تفسير أية رقم 284 في سورة البقرة"إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن سب أخاه في نفسه أو أضمر له سوءا فليستغفر الله تعالى من ذلك فهو من الشيطان ولا يحدث به ولا يسترسل معه، ولا إثم عليه ما لم يتكلم به أو يفعله، لما ثبت في الحديث الصحيح: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم. وكذا من خيل إليه أنه يجامع امرأة لا تحل له فهذا من زنى الفكر كما في الحديث: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي. رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي في شرح مسلم: إن من الناس من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام......أوبالفكر بالقلب. اهـ بتصرف
وعليه أن يقلع عن التفكير في ذلك حتى لايجره إلى ما هو أسوأ منه، ويزداد تصوره قبحا إذا تخيل ذلك مع إحدى محارمه، وقد فصلنا القول في حكم تخيل جماع من لا يحل للمرء مجامعته، وحكم حديث النفس، ومعنى الآية وأنها منسوخة وناسخها، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 58247، 41232، 63590.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1427(16/307)
هل يعد ديوثا من تزوج من امرأة زنت ثم تابت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لدي مشكلة حيث كانت تربطني علاقة برجل وعدني بالزواج ووقعت معه في الحرام، مما أدى إلى فقداني لعذريتي، وبعد سؤال لأحد منتسبي العلم أفتى له بأن أزوجه نفسي أي على مذهب أبي حنيفة، لكن دون حضور شهود أو ولي مع ترديد كلمة زوجتك نفسي ويقول هو تزوجتك على سنة الله ورسوله، وفي انتظار إعلان ذلك استمر الحال لمدة سنة ونصف، ولكن بعد مدة توفي هذا الرجل وبقيت في حيرة من أمري وبعد مدة تقدم لي شاب ذو أخلاق حسنة وأراد أن يرتبط بي فأخبرته بما حدث، لكنه متردد في الارتباط بي لأنه يرى أن هذه العلاقة السابقة غير شرعية وفي حالة قبوله يخشى أن يعصي الله كما يخشى أن يكون قبوله بالارتباط بي من الدياثة (أي ديوث) ، مع العلم بأنني أحبه ويحبني وهو محتار في أمره أيقدم أم يحجم، أفتونا في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أيتها الأخت أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، وهذه الفاحشة المقيتة، وتذكري عقاب الله تعالى للزناة والزواني والذي سبق ذكره في الفتوى رقم: 26237، ومن تاب إلى الله تعالى توبة صادقة نصوح غفر الله ذنبه وتاب عليه، وبدل سيئاته حسنات, والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
التوبة التي ترسم ظلالها على حياتك ماضياً بالندم على ما بدر، وحالا بالإقلاع عن هذا الذنب، ومستقبلاً بالعزم الصادق على عدم العودة إليه.
والفتوى التي أفتاكم به ذلك الجاهل المفتري على الله فتوى باطلة معارضة لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وما كنا ينبغي لك أن تخبري أحداً بما حصل منك، بل كان ينبغي لك أن تستتري بستر الله تعالى وانظري الفتوى رقم: 6972.
وأما زواج هذا الرجل بك الآن بعد توبتك فلا حرج فيه، ولا يعد بذلك ديوثاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1427(16/308)
حكم الصبي إذا واقع أخته الصغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[الأخوة القائمون على الموقع أنا أتأسف جدا حول السؤال الآتى لأني كررته أكثر من مرة ولكن إلى حد الآن لم أجد الجواب وأنا في حال لا أحسد عليها فأرجو إجابتي على السؤال بدون أن تقولوا لي انظر الفتوى كذا أو كذا والسؤال هو: أني عندما كنت في السابعه من عمري ولم أبلغ قمت بالزنى مع أختي ولم أكن أعلم أبدا أنها حرام وهي أيضا لم تبلغ؟ فأرجو الرد سريعا بدون النظر إلى أى فتوى أخرى وأستميحكم عذرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح حالك ويثبتك على الطريق المستقيم.
وبخصوص سؤالك فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد في المسند وأصحاب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. وقال البخاري في صحيحه: باب لا يرجم المجنون والمجنونة. وقال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ. ولذلك فإن القلم مرفوع عنكما في تلك المرحلة من العمر، وإن كان هناك تقصير في التربية أو المتابعة أو السماح بمشاهدة ما لا تجوز مشاهدته فإن الإثم في هذه الحالات يقع على الوالدين أو على المسؤول عن تربية الأولاد لأنه قصر في واجبه وتربيته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1427(16/309)
آية الرجم المنسوخة وآية سورة النور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن أول سورة النور تم نسخها بالزاني والزانية عوضا بالشيخ والشيخة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فآية الرجم التي نسخ لفظها وبقي حكمها لم تكن في سورة النور وإنما كانت في سورة الأحزاب كما عند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة فكان فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وحكمها باق غير منسوخ كما ثبت عن عمر رضي الله عنه، فقد أخرج ابن ماجه في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال قال عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ما أجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف، وقد قرأتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده. قال الشيخ الألباني: صحيح، وكذا أخرجه البيهقي في سننه بروايات وألفاظ مختلفة وقال: وفي هذا دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت وتلاوتها منسوخة وهذا مما لا أعلم فيه خلافا.
هذا مع التنبيه إلى أنه لا تعارض بين آية النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي...... {النور: 1} إلى آخر الآية، وآية الرجم (الشيخ والشيخة ... إلخ) فهذه في حق الثيب المحصن فحكمه الرجم بالحجارة حتى الموت، وآية النور في حق البكر فحكمه الجلد مائة جلدة مع التغريب كما في الحديث على خلاف في ذلك، وهي ناسخة لآيتي الحبس والإيذاء في سورة النور، قال القرطبي: وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة (النساء) باتفاق) انتهى.
وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 26483.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(16/310)
إثم الزنا وعقوبته سواء في حق الرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل خيانة الزوج لزوجته مساوية لخيانة الزوجة لزوجها في العقوبة والإثم في الدين؟
هل يحق للزوج الزواج على زوجته دون إخبارها أو علمها؟
هل هناك شروط لتعدد الزوجات للزوج المقتدر خاصه إذا كانت زوجته لا يوجد فيها ما يعيبها أو ينقصها وزواجه الثاني سوف يترتب عليه طلاق زوجته الأولى؟
إذا خان الزوج الزوجة وهو قادر على الزواج والعفة وأنقص الكثير من حقوق الزوجة وبخاصة المبيت والوطء ثم خانته الزوجة ما حكمهما في الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وقوع الرجل أو المرأة في الزنا أو ما دونه من أي علاقة مشبوهة محرمة، هو خيانة لحق الله تعالى، ونقض لميثاقه سبحانه، وتعد لحدوده، وهذا الأمر هو الذي ينبغي أن يشتغل به المسلم وأن يفكر فيه كثيرا كثيرا، فإن العزيز الجبار القوي القهار خلق هذا الإنسان من العدم، وأنعم عليه بعظيم النعم، ورزقه الصحة في بدنه، والعقل الذي به يزن الأمور، ويهتدي به إلى خالقه، والعبد محاسب على كل صغيرة وكبيرة، فالعاقل من أعد للسؤال جوابا، وقام بما أوجب الله عليه، وانتهى عما نهى الله عنه.
والعاقل يعلم أن الله الذي أنعم بهذه النعم قادر على سلبها، قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ {الأنعام: 46} ولذا فهو يشكر الله على نعمه، ويخشى أشد الخشية من الوقوع في أي أمر يغضب الله تعالى, قال سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات: 40-41}
أما من انساق وراء شهوته، واتبع هواه، فقد انحط عن رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية، قال سبحانه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا {الفرقان: 43-44}
ولذا نقول: الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش، ولا فرق في الأصل بين أن يصدر هذا الفعل الشنيع من رجل أو امرأة، متزوج أو غير متزوج، وقع فعله القبيح كردة فعل لما صدر من الطرف الآخر أو لا، كل هذا زنا وكله داخل تحت قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} ، وكل هؤلاء داخلون تحت قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ {الفرقان: 68- 70} وأصحابه عرضة لأن يشملهم الوعيد الوارد فيمن رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج - فيما رواه البخاري وغيره- رأى رجالا ونساء عراة على بناء شبه التنور، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار ارتفعوا وصاحوا، فإذا خبت عادوا. فلما سأل عنهم؟ أخبر أنهم هم الزناة والزواني.
ولذا فلا يجوز للمسلم أن يفكر في معصية الله تعالى وانتهاك حرماته بسبب أن غيره فعل ذلك، أيُّ عقل يدعو إلى هذا؟! وأيُّ دين يسمح للمسلم بهذا؟!
وإثم الزنا وعقوبته سواء في حق الرجل والمرأة ولا نعلم في ذلك خلافاً، فكل منهما مرتكب لمعصية كبيرة، وعقوبتهما إن كانا غير محصنين سواء، وعقوبتهما إن كانا محصنيين سواء، وزنى الرجل بامرأة متزوجة أشد إثما من زناه بغير المتزوجة لأنه انضاف إلى المعصية والكبيرة ذنب آخر وهو أن يُدخِل على زوج المزني بها من ليس منه، ويؤدي إلى اختلاط الأنساب، وكذلك زنى المرأة المتزوجة أشد إثما من زنا غيرها لأنها تدخل على زوجها من النسل من ليس منه، هذا بالإضافة إلى ما قد ينجر من الأمراض الفتاكة عن ارتكاب الفواحش، ولا شك أن من أصيب بشيء منها فهو عرضة إلى نقله إلى غيره.
وأما عن زواج الرجل بثانية فلا يلزمه إخبار زوجته الأولى بذلك، وإن كان إخبارها أولى، وليس هناك شروط لتعدد الزوجات إلا القدرة على النفقة والعدل في النفقة الواجبة والمبيت والمعاشرة بالمعروف، ولا يترتب على الزواج بثانية طلاق الأولى إلاّ إذا رفضت المرأة الاستسلام لما قضاه الله تعالى في حق الرجال من جواز الزواج بثانية وثالثة ورابعة، وفي هذه الحالة تكون المرأة هي التي قضت على حياتها الزوجية وعصت ربها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(16/311)
ومضات هاديات على طريق الإقلاع عن الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء من سيادتكم أن يتسع صدركم لي حيث إني أكره نفسي من فعالي وأنكم ستكرهونني، أنا طبيب ملتزم نسبيا بل إني محسوب على المنضبطين وأداوم على الصيام والصلاة وأبكي كثيرا عند سماع بعض الآيات ولكنني من ناحية أخرى ضعيف أمام الجنس وللعلم أنا محصن وزنيت 6 مرات ثم أتوب وأقول إنها آخر مرة ثم أعود ثم أندم وأبكي وأنضبط ثم أعود وهذا الأمر مع امرأة واحدة محصنة وأمامي دوما أشعر أني مريض أو مجنون ماذا افعل لكي أتوب توبة نصوحا لا أعود بعدها أبدا وهل لي توبة من غير حد وهل أنا طبيعي أم مريض وهل هناك كفارة لهذا الأمر وكيف أخاف على توبتي بعد ذلك، الرجاء من سيادتكم سعة الصدر لي وإجابتي سريعا ومباشرة وليس إحالتي إلى إجابة عامة أو سابقة كما أسألكم الدعاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بنعمة الإسلام والتأثر من سماع القرآن والالتزام النسبي الذي ذكرت، وأعظم بها من نعمة، وقد لا يكون ما أصابك نتيجة مرض وأنت طبيب أدرى منا بالأمراض، ويمكن أن تستشير بعض المواقع التي تعنى بالأمور الطبية والنفسية، ونسال الله أن يعفك ويطهر قلبك ويحصن فرجك وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وصدق التوبة والإنابة إليه والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8} . وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} .
وعليك أن تستر نفسك ولا تطلع أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وإليك بعض التوجيهات لعل الله ينفعك بها ويجعلها عونا لك على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم.
1-استشعار خطورة هذا الذنب وما توعد الله به أهله من العذاب في الدنيا والآخرة، واستشعار عظم جزاء أهل العفة، فقد عد الله تعالى حفظ الفروج ضمن صفات المؤمنين التي يستوجبون بها الفلاح ودخول الفردوس والخلود فيها. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ثم ذكر من صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ثم ذكر جزاءهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:1-11} .
وقد قرنه تعالى بالشرك وقتل النفس، وتوعد مقارفي تلك الجرائم الشنيعة بالآثام، وقد فسر عكرمة الأثام بأودية في جهنم يعذب فيها الزناة، إلا أنه مع ذلك بشر التائبين بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات. قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68-69} .
ومن أعظم مظاهر خطورة الزنى ما ثبت في الأحاديث من نفي كمال الإيمان عن فاعله. ففي الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وفي الحديث: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه. رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ويضاف إلى هذا كونه من أسباب العذاب؛ ففي صحيح البخاري -في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل- قال صلى الله عليه وسلم:...... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة.. ثم قال له الملكان: ... والذي رأيت في الثقب الزناة.
ويضاف إلى هذا تذكر مخاطر الزنى الدنيوية كالإصابة بالإيدز والزهري والسفلس والسيلان والتفكك الأسري والعنوسة وانتشار الأولاد اللقطاء.
2-استشعار خطورة فضحك لتلك المسكينة ولأهلها، وإفساد أخلاقها وأن تستشعر مدى خطورة ذلك في ذهنك لو فُعِل بإحدى أخواتك أو بناتك، وأن عليك أن تحب لهم من الخير ما تحب لنفسك، وأن تأتي إليهم ما تحب أن يأتوه إليك. ففي الحديث: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. رواه مسلم.
وقد روى أبو أمامة: أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
فاستشعر هذه المعاني ويمكن أن تضع يدك على قلبك وتدعو بهذا الدعاء النبوي
3- استعن بالله تعالى واستعذ به مما أصابك، واضرع إليه واسأله بإلحاح أن يعفك، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.
4- أن تحرص على البعد عن هذه المرأة، فلا تنظر إليها، وتذكر دائما قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:30] . وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} .
ولا تدخل عليها في مكان هي فيه امتثالا لحديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. ولا تخلون معها في بيت ولا في مكتب ولا في سيارة، لحديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة.، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فاحرص يا أخي على البعد عنها ولو أدى الأمر إلى انتقالك إلى مدينة أخرى، وتذكر أن يوسف عليه السلام فضل السجن على القصر ليسلم من المعصية فدعا ربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {يوسف:33-34} .
وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
5- أكثر من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
6-الزواج بمن تستعف بها عن الحرام ولو استدعى الحال زواج أكثر من واحدة، وأن تستشعر أن الله يعينك ويرزقك الغنى. والأحسن الزواج بمن ذكرتها إن لم يكن هناك مانع شرعي. قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} . وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} . وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} . نقل ابن كثير الأثرين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني. وفي الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وفي الحديث أيضا: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجنبيات، فقد بوب الإمام مسلم فقال: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
7- الإكثار من الصوم للحديث السابق، فحاول أن تصوم الخميس والاثنين دائما، والأيام البيض والأيام الفاضلة، كعشر ذي الحجة وعاشوراء وإذا أمكن أن تصوم يوما وتفطر يوما فستنضبط غريزتك بإذن الله، وأكثر الدعاء عند الصوم بتسهيل أمورك وتسهيل زواجك بمن تعفك.
8- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاستحي منه أن يراك على معصية.
9- حافظ على الصلوات المفروضة في جماعة، وأكثر من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} .
10- أكثر من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.
11- حاول أن تلازم البيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، واهجر مجالس السوء وأصحاب السوء، كما أوصى العالم قاتل المائة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
هذا وقد ذكر بعض العارفين بطب الأعشاب أن ابتلاع وزن درهم من الحناء يخفف من حدة الشهوة، وعليك كذلك بالتخفيف من أكل المثيرات للشهوة، كاللحوم والبيض وما أشبه ذلك.
ثم إن الرياضة البدنية وإرهاق البدن في الخدمات الاجتماعية يستهلك كثيرا من الطاقة.
كما أن عمل برنامج يستغرق طاقتك التفكيرية ويشغل جل وقتك بالاهتمام بتحصيل علم نافع، كحفظ القرآن أو كتاب من كتب الحديث أو بعض العلوم النافعة كاللغة والطب وغير ذلك، نقول: عمل برنامج من هذا القبيل أمر نافع لحالتك جدا، ومن الأفضل أن تتعاون في هذا البرنامج مع بعض الأصدقاء الطيبين حتى يكون ذلك حافزا لك على المتابعة والمنافسة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(16/312)
لا يباح الزنا بتاتا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل الأعزب أن يزني إن خاف العنت أو إذا كانت لديه مخاوف من عدم قدرته على المعاشرة فيخاف أن يتزوج فيظلم زوجته، هل يجوز في كلا الحالتين أن يزني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يقدم على الزنا بحال، والعجيب في سؤالك أن تقول: هل يجوز أن يزني إذا خشي العنت، والعنت في الآية هو الزنا في أكثر أقوال أهل العلم. وانظر الفتوى رقم: 69147.
والزنا من أقبح الأفعال وأشنع المنكرات، وفيه هدم للمجتمع والأخلاق، وفساد عظيم، فلا يجوز للمسلم أن يقدم عليه، وما ذكرته في سؤلك إنما هي وساوس شيطانية يضعها ليفسد أمرك وحالك، ويبعدك عن الله تعالى، فاحذر أخي الكريم من سخط الله تعالى ونقمته، وأقدم على الزواج ولا تتردد، إلا أن يخبرك الأطباء بأنك عاجز عن المعاشرة نهائيا، فإن الطريق أمامك الصيام والاشتغال بالطاعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(16/313)
فهلا تركتموه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن المرأة الزانية التي شارك عمر بن الخطاب في رجمها حاولت الهروب بعد أن بدأ الناس في الرجم، وأن النبي الكريم استاء من إصرار الناس على متابعة رجمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي ثبت عنه الفرار أثناء الرجم هو ماعز بن مالك رضي الله عنه وليست المرأة الغامدية، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات, فلما شهد على نفسه أربع شهادات, دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه. قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال: فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه.
قال ابن حجر في الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد منقبة عظيمة لماعز بن مالك لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه مع توبته ليتم تطهيره، ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أنه لا يستمر على الإقرار بما يقتضي إزهاق نفسه، فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها وأقر من غير اضطرار إلى إقامة ذلك عليه بالشهادة مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: هلا تركتموه، فقد رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى وغيرهم من حديث أبي هريرة، وفيه: فلما أصابته الحجارة أدبر يشتد، فلقيه رجل بيده لحي جمل فضربه فصرعه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة، قال: فهلا تركتموه. وحسنه الترمذي وابن حجر وصححه ابن حبان والحاكم والألباني وشعيب الأرناؤوط.
ورواه أحمد وأبوداود من حديث نعيم بن هزال رضي الله عنه, وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(16/314)
تقصير الزوج في الوطء لا يسوغ للمرأة ارتكاب الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أنثى زوجها ربما في العام يعاشرها مرتين أو ثلاثا فزنت ما حكمها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من أعظم الذنوب ومن أقبح الفعال، حذر الله تعالى منه في كتابه وكذا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وقد رتب عليه الشرع عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية من أشد أنواع العقوبات، وتراجع في هذا الفتوى رقم: 1602.
وإذا كانت المرأة ذات زوج ووقعت في الزنا كان الإثم في حقها أعظم وتقصير الزوج في حقها في الوطء لا يسوغ لها ارتكاب الزنا، وإذا استمر زوجها في هذا التقصير فالأولى أن تصارحه وتناصحه بأسلوب طيب ولها أن تطلب منه الطلاق حين الخشية من الضرر.
وعلى كل حال، فالواجب بذل النصيحة لهذه المرأة وتذكيرها بالله تعالى وبسوء عاقبة الزنا في الدنيا والآخرة, وبأن تسارع إلى التوبة إلى الله. والواجب أيضا أن تستر على نفسها فلا تخبر بذلك أحدا، وأن يستر الناس عليها، وتراجع الفتوى رقم: 1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(16/315)
حكم إنكار آية الرجم
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أنكر أحد العلماء آية رجم الشيخ والشيخة أو قول أبي موسى الأشعري إنا كنا نقرأ سورة نشبهها ببراءة في الطول هل يعد آثما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إنكار آية الرجم إن كان سببه جهل صاحبه فإنه يُعلَّم ويبين له أنها آية نسخ لفظها وبقي حكمها، وأما إنكارها بعد البيان وعلم أمرها فإنه إثم وضلال؛ لقول عمر رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن.. رواه البخاري
ومثل ما قيل في الرجم يقال فيما نقل أبو موسى مما نسخ لفظه وبقي حكمه. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5132، 48432، 14737.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1426(16/316)
معنى (الشبهة) في تعريف الزنا وأمثلة عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[الزنا وهو إدخال الحشفة عمداً في فرج آدمي من غير زواج ولا ملك ولا شبهة، ما معنى شبهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصد أهل العلم بهذا التعريف للزنا أنه هو الذي يجب على صاحبه الحد الشرعي، أما من وقع منه غير ذلك من أنواع الزنا فإنه لا يقام عليه الحد بل يعزر حسب اجتهاد الحاكم.
والشبهة المقصودة في التعريف هي التي تدرأ الحد ويلحق الولد بسببها، وهي وجود المبيح صورة مع عدم حكمه وحقيقته، كما جاء في تعريف الشبهة عند بعض أهل العلم، كما في الموسوعة الفقهية، ويمثلون للشبهة بعقود النكاح الفاسدة والمختلف فيها، ووطء الجارية المشتركة وجارية الابن، أو من يجد امرأة على فراشه فيظنها زوجته، أو من يكره عليه.
وقد عرف العلامة خليل المالكي الزنا في المختصر بقوله: الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق عمدا. وقد سبق بيان تعريف الزنا في الفتوى رقم: 8448.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(16/317)
تحريم الزنا واللواط ثابت في كتاب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك غرفة في البالتوك تديرها امرأة مرتدة وهي تتحدى أن يوجد مسلم في العالم يستطيع أن يواجهها أو أن يرد عليها، هي تنكر نبوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتصفه بألفاظ نابية لأنه تزوج من أم المؤمنين زينب، كما وأنها تزعم أنه لا يوجد آية صريحة في كتاب الله تحرم الزنا أو اللواط وأنه على العكس يحض على هذه الفواحش وذلك في قوله تعالى (فآذوهما) ، فكيف نرد عليها؟ وجزاكم الله كل خير عن أمة الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على غيرتك على دينك وحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبتك في الدفاع عنه ورد شبهات الأفاكين، فالذي يرتد عن دينه لن يتورع عن الكذب وقلب الحقائق ودس الدسائس وإلقاء الشبهات، فنبوة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكرها إلا كافر مكابر، وزواجه لزينب وغيرها من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن كان لحكم جليلة لا تخفى على عاقل منصف، وقد بينا طرفا منها في الفتوى رقم: 18183، والفتوى رقم: 12207.
وأما إنكار تحريم الزنا واللواط أو وجود آية في كتاب الله تعالى تحرمهما فهو مما يضاف إلى ضلالاتها السابقة، فتحريم الزنا واللواط مما علم من الدين بالضرورة، وقد تواترت نصوص الوحي على تحريمهما، فقد قال الله عز وجل: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {النور:2} ، وأما قوله تعالى: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا {النساء:16} ، فليس فيه ما يدل على بهتان هذه الكذابة، فكل ما في الأمر أن عقوبة الزنا في بداية الإسلام كانت بأذية الفاعلين بالشتم والتعيير والضرب بالنعال وغيرها من دون حد ثم نسخ هذا الحكم بجلد البكر ورجم الثيب.
وأمثال هذه المرتدة لا يتورعون عن الكذب، ولهذا ننصح السائل الكريم إذا لم تكن لديه القدرة الكافية لتفنيد كذب هؤلاء ورد شبهاتهم أن يعرض عن مناقشتهم، فإن في الساحة الإسلامية من الدعاة المسلمين المتخصصين من يستطيع أن يرد على هؤلاء ويسكتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(16/318)
حكم من زنت بأجرة ومن زنت لشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حكم بائعة الهوى يختلف عن حكم الزانية للشهوة؟ وما حكمها في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجماهير من العلماء على أنه لا فرق بين من زنت بأجرة ومن زنت لشهوة بدون أجرة وأن الإثم والحد عليهما.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة المستأجرة للزنا آثمة ولا شك؛ ولكن يسقط الحد بسبب الشبهة، قال الإمام السرخسي الحنفي في المبسوط 9/59: (قال) رجل استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها فلا حد عليهما في قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى: عليهما الحد لتحقق فعل الزنا منهما, فإن الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البضع شرعا فكان لغوا؛ بمنزلة ما لو استأجرها للطبخ أو الخبز ثم زنى بها, وهذا لأن محل الاستئجار منفعة لها حكم المالية والمستوفى بالوطء في حكم العتق وهو ليس بمال أصلا والعقد بدون محله لا ينعقد أصلا , فإذا لم ينعقد به كان هو والإذن سواء ... الخ
وعموما فليس بين العلماء خلاف فيما نعلم في إثم الزنا بأجرة، وإنما الخلاف في الحد فقط، والجمهور من أهل العلم على أنهما فيه سواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(16/319)
هل يجوز إغلاق المحل الذي ضبط فيه شخص متلبس بالزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[صيدلي افتتح صيدلية بقريتنا وأخوه هو الذي يعمل بها ووجد ذات يوم متلبسا بجريمة الزنا في الصيدلية في منتصف الليل حيث إن الصيدلية خدمة 24 ساعة وهذا الشخص متزوج، فما حكمه وهل تغلق الصيدلية ويرحل من القرية أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من كبائر الذنوب، ولذلك شدد الإسلام في عقوبة فاعله، وتزداد العقوبة على من كان محصناً، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 26511، 26046.
هذا وإن المخول بإقامة الحد هو الحاكم، ولا يجوز لأحد أن يفتات على الحاكم ويقيم الحد على أحد، وانظر الفتوى رقم: 7940، والفتوى رقم: 2388.
والواجب عليكم أن تأمروا ذلك الشخص الزاني وتلك الفتاة الزانية بالتوبة إلى الله، وأن تخوفوهما بأليم عقابه سبحانه، وبينوا لهما حكم الله في الزناة في الدنيا وما توعدهم به في الآخرة، وانظر الفتوى رقم: 1095، والفتوى رقم: 1117.
ولا يجب عليكم أن تغلقوا تلك الصيدلية، إذ لا ذنب لصاحبها فيما حدث، وانظر الفتوى رقم: 1882، والفتوى رقم: 3184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(16/320)
واجب الولد تجاه أمه الزانية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال يحيرني، ما حكم الدين في أن طفلا في العاشرة من عمره شاهد أمه تزني مع عمه أكثر من مرة، علماً بأن عمره الآن 27 سنة، وذلك بعد وفاة والده، وماذا يفعل لكي ينسى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذا الابن أن يستر على أمه وعمه، ولا يخبر أحداً بما رأى، وأن لا يحمله هذا الأمر على عقوق والدته، فإن لها عليه البر والطاعة في المعروف، ولو كانت عاصية، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 40775.
ولكي ينسى ما رأى، عليه أن يعلم أن التوبة تجبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا كانا قد تاباً، فكأنهما لم يفعلا الذنب أصلا.
وأما في حالة عدم توبتهما، فينبغي له أن يسدي لهما النصح، دون التصريح بما رأى، ويدعو لهما بالتوبة والمغفرة، فإن الزنا من كبائر الذنوب ومعرض صاحبه لعذاب الله، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 26237، نسأل الله سبحانه أن يعافينا والمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(16/321)
الانتفاع بالشحوم وحد الزاني المحصن في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود الله، وما مدى محرومية الشحوم، هل الشحوم حرام، والسؤال الأهم والمحير حد الزاني المحصن هو الرجم، هل توجد آية أو سورة قرآنية كدليل، الرجاء إجابتي بالاستعانة بآيات القرآن وسوره كدليل وليس الأحاديث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشحم تابع للحم فإن كان اللحم حراماً كان الشحم كذلك، وإن كان حلالاً كان الشحم حلالاً، فليس له حكم مستقل به في شريعتنا، وإنما كانت الشحوم محرمة على اليهود، كما في قوله تعالى: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ {الأنعام:146} .
وأما في الإسلام فلا، كما قال الله تعالى على لسان نبيه: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ {الأنعام:145} ، وقد أجمع العلماء على أن شحم الخنزير كلحمه وشحم الميتة كلحمها، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام.
وأما حد الزاني المحصن فإنه الرجم وليس في كتاب الله آية تتلى فيها ذلك الحكم، وقد كان مما نزل فنسخ لفظه وبقى حكمه، ولذلك نبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مثل سؤالك واستشكالك فقال: أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ... وانظر الفتوى رقم: 5132.
وقد بينا الحكمة من نسخ اللفظ وبقاء الحكم في الفتوى رقم: 18663، والفتوى رقم: 1405، وإننا ننبهك إلى خطورة ذلك القول الذي تضمنه سؤالك كما نبه إلى خطورته الصادق المصدوق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله. رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم بألفاظ متعددة، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4588، 31742، 64754.
والرجم مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ففي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة. وقد رجم ماعز والغامدية، وقد علمت أنه كان فيما أنزل في كتاب الله ثم نسخ لفظه، فاتق الله تعالى وتب من جرأتك على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} .
وأما حدود الله فإنها جملة ما أذن في فعله أو أمر بتركه سواء كان على طريقة الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم، كما قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم فهي إذن أوامره ونواهيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(16/322)
عواقب فاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 24 من عمري تعرفت على فتاة من أصلي، ومع مر الزمان أحببنا بعضا جداً وفي إحدى الأيام طغى علينا إبليس وحصل بيننا ما حصل والبنت لم تعد بكرا، واليوم أهلها أجبروها على ابن عمها بالزواج، أنا بحيرة من أمري لا أدري ما علي أن أفعل أني دخيل على الله، وعليكم أن تحاولوا مساعدتي وأن تقولوا لي ماذا علي أن أفعله وكيف، أجيبوني على سؤالي بأقصى سرعة لو سمحتم قبل أن تصير المشكلة كارثة؟ وجزاكم الله خيراً، أنا أخوكم المسلم في ورطة فأعينوني واستروا علي يستركم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك فعله الآن هو التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من المهلكات قبل أن يفاجئك الممات. فإن علاقتك بتلك الفتاة محرمة شرعاً لما يترتب على ذلك من منكرات، وأكبر شاهد على ذلك ما وقعتما فيه من الزنى، الذي قال الله عنه: ولا تقربوا الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً {النساء:22} .
فبادر إلى توبة نصوح، وانظر شروط التوبة الصادقة في الفتوى رقم: 24611.
ودع عنك تلك الفتاة وشأنها واستر عليها كما ستر الله عليك، ولا تعن عليها شياطين الجن والإنس، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37410، 21212، 61744، 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1426(16/323)
أدلة رجم الزاني المحصن
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو سند الحديث برجم الزاني المحصن حتى الموت حيث إن القرآن الكريم يذكر عقوبة الجلد فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في مسألة الرجم الفتوى رقم: 26483، والفتوى رقم: 3163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(16/324)
المجاهرة بالذنب ذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل زوجته تخونه وهذه الزوجة كانت السبب في إيقاع أخت الزوج الصغيرة فريسة سهلة مع من تخون زوجها معه وتم إصلاح هذا الخطأ بزواج هذا النذل من البنت الصغيرة لأن الصغيرة كانت حاملا. هذا المذئب تفاخر وحكى قصة ما فعله مع الزوجة الخائنة ومع البنت الصغيرة قبل زواجه منها في محيط الأسرة علمت أم الزوج والبنت الصغيرة بالخبر جمعت دلائل أكيدة من شهود مسلمين ذوي ثقه وتأكدت بأن زوجة ابنها هى سبب المصائب وأنها غير أمينة على ابنها وبأن لها علاقات مشبوهة كثيرة الأم تسأل عن حكم الدين فى شرعية إبلاغ ابنها المخدوع عما فعلته زوجته علما بأن له ابنة من هذه الخائنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب هو نصح هذه المرأة والستر عليها فإن تابت وأقلعت وإلا فيخبر زوجها ليتخذ من الوسائل ما يردعها عن ذلك المنكر قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في (الأحكام السلطانية) : إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستمرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا والقتل جاز التجسس عليه والإقدام على الكشف والبحث، حذرا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم، وإن كان دون ذلك في الريبة لم يجز التجسس عليه ولا الكشف عنه. انتهى، وطالعوا الفتاوى التالية ففيها زيادة بيان وهي برقم 57261، ورقم 26586، ورقم 57860.
والواجب على من وقع في الزنا التوبة، وأن يستتر بستر الله تعالى، فإن المجاهر بالذنب يكون قد جمع بين ذنبين بين الزنا والمجاهرة بالمعاصي.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(16/325)
تؤجر المرأة على رعاية ابنها من الزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إيطالي اعتنقت الإسلام منذ ثلاث سنوات سؤالي هو:
امرأة مسلمة حملت قبل الزواج وتزوجت بعد ذلك وللأسف مات زوجها وهي منذ ذلك الوقت تكرس كل وقتها لابنها ولكن أحدا قال لها إنها غير مأجورة على ذلك لأنها ولدته بالحرام هل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهي آثمة بفعل الزنا، مأجورة برعاية ولدها والعناية به وتربيته، والواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه، فإن الزنا من كبائر الذنوب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
أما الولد فحقه عليها مثل حق غيره من الأولاد ذوي الآباء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(16/326)
لا مساواة بين الشرك والزنا وخطورة تفسير القرآن دون الرجوع لكلام أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور الآية 3
الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
السؤال:
يرجى توضيح معنى (أو) في هذه الآية الكريمة وهل يعني أن الزنا يساوي الشرك لأن أو هو حرف مطابقة أو مماثلة ومعادلة وكما أن سيدنا يوسف عليه السلام الذي عصمه الله تعالى من الزنا وكما جاء لنا ذلك في سورة يوسف من القرآن الكريم الآية 38 في قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} هنا وصف سيدنا يوسف الزنا بالشرك بالله تعالى لأن النسوة طلبن منه أن يوافقهن على الزنا معهن والعياذ بالله تعالى واستغفر الله تعالى لهذا يقول: (ما كان لنا أن نشرك بالله) أي أن الزنا هو الشرك أيضا لأن سبب دخول سيدنا يوسف السجن هو ليس السرقة أو القتل أو مخالفة الملك أو خرق قوانين عصره إن سبب دخوله السجن هو أن النسوة طلبن منه مطاوعة سيدنا يوسف لرغباتهن أي الزنا معهن والعياذ بالله تعالى وأستغفر الله تعالى عن هذا الكلام الذي لا يتفق مع سيدنا يوسف عليه السلام فهل إن الزنا يساوي الشرك بالله تعالى بموجب هاتين الآيتين الكريمتين يرجى الإجابة.
وجزاكم الله تعالى خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم عدم الخوض في تفسير القرآن من دون اعتماد على كلام أهل العلم أو استدلال بلغة العرب التي نزل بها القرآن، وليعلم أن أو تفيد التخيير بين الشيئين مع معاني أخرى ذكرها شراح الألفية وابن هشام في المغني وأوضح المسالك، ولم يذكروا منها المعادلة والمطابقة، ولا يلزم أن تفيد التساوي بين الشيئين، فلو قال رجل لآخر خذ من مالي درهماً أو ديناراً فلا أحد يفهم من هذا تساوي الدينار والدرهم، ولا أحد يفهم من قوله تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة: 229} . أن الإمساك والتسريح متساويان، وقد قدمنا في فتاوى سابقة أن معنى آية النور أن الزاني لا ينكح أي لا يطاوعه على الزنا إلا زانية أو من هي أخس منها كالمشركة، فراجع الفتوى رقم: 2403، والفتوى رقم: 62719، والفتوى رقم: 6996.
ويدل لعدم تماثل وتعادل الشرك والزنى ما في حديث الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر قال أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي، قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: ثم أي، قال: أن تزاني بحليلة جارك.
فقد جعل الزنى في هذا الحديث أقل شأناً من الشرك، وأصرح من هذا ما في حديث الصحيحين عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق.
وقد نقل النووي في شرح مسلم الإجماع على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أهل الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هو مؤمنون ناقصوا الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1426(16/327)
الزنا مع الأخ لاينتفي به النسب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اسمي أروى من صنعاء عمري 19سنة أنهيت الثانوية
مشكلتي أنني فكرت في أخي وفكرت أنني أمارس الجنس معه والعياذ بالله ولا أستطيع التخلص من هذا التفكير
وقبل فترة سمعت أن من تفكرت بأخيها فهي ليست أخته يعني أنني لأني أفكر فيه هو ليس أخي وعائلتي ليست عائلتي فهل هذا صحيح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من الكبائر توعد الله فاعلها بالعقوبة الشديدة، فقال سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] وقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا.
وهذا في الزنا بين الأجانب، وأما إذا كان بين المحارم كالأخ والأخت ونحوهما فذلك أشد نكرا وفظاعة وإثما.
وقد جعل الشارع الحكيم عقوبة رادعة لمن يفعله، فقد أخرج أحمد والحاكم وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه.
ولكن فعل هذه الفاحشة النكراء، رغم ما فيه من البشاعة والإثم الشديد، فإنه لا ينفي نسب المرء عن أسرته، وأحرى به أن لا ينتفي نسبه بمجرد التفكير في هذا الموضوع.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(16/328)
كيفية التعامل مع الأب الذي يتحرش بزوجة ابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي طلبت من أبيها الابتعاد عن زوجة ابنه التي يراودها عن نفسها بالصعود إلى شقتها في غيبة ابنه (كشكوى زوجة ابنه لنا) وأن لا يدخل شقة ابنه إلا في وجود ابنه, فما كان من رد أبيها إلا أنه سيدخل شقة ابنه في أي وقت وكان رد أمها نفس الإجابة بل أضافت (قصدك بيحبها!! سيدخل شقة ابنه في أي وقت) فكان مني كإنسان غيور على دينه أن رفعت تلك القضية إلي إمام المسجد الذي يصلي فيه والد زوجتي صلاة الجمعة فأعطاه الإمام درسا قاسيا بأن هذه التحرشات هي بداية زنى المحارم، عندئذ أحس والد زوجتي أننا علمنا بما يفعله فكان رد فعله هو مقاطعة زوجتي واحتضان زوجة ابنه وأهلها حتي لا تفضحه وحفاظا علي بيتي من هذه الأسرة القذرة التي يهمها المظاهر أمام الناس قبل أن يراعوا ربنا في أعمالهم أن بلغتهم عن طريق خال زوجتي بأن لا يدخلوا بيتي، كان الرد سريعا عن طريق أخي زوجتي (الزوج الغافل الذي لا يعلم أي شيء من أفعال أبيه مع زوجته) بتحريض من أبيه وأمه أن أرسل لي رسالة بالموبايل، سب وقذف في شخصي وأن زوجتي ممنوعة من دخول شقته وبيت أبيه قبل وبعد ممات أبيه رددت إلى خال زوجتي وهو كبير عائلتهم ويعلم كل تفاصيل هذه القضية بعدما وجدهم لا أمل فيهم، قال لزوجتي أهلك ليس عندهم حياء ولا دين اعتبريهم ماتوا!!!!! السؤال هو هل زوجتي الغيورة على دينها لها أي ذنب فيما حدث!!! وأن أهلها هم الذين عقوها وهي غير عاقة وهي تحافظ علي بيتها من هذا الوسط البذيء حتي ولو كان بيت أهلها وهي تعلم كما أخبرها خالها: (أهلك خلاص ما عندهم حياء ولا دين اعتبريهم ماتوا) وإن أي محاولة للصلح مع أهلها قد تعصف ببيتها وزوجها لتيقنها من استحالة أن أجتمع بهؤلاء القوم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم والذين بلغتهم عن طريق إمام المسجد بأن يتقوا الله فأخذتهم العزة بالإثم ... بدليل أن أمها أرسلت إليها أنه مهما كان ومهما حدث فإن بر الوالدين قبل طاعه الزوج وأنها لبست السواد علي ابنتها والرسالة واضحة أي أن تهدم زوجتي بيتها مرضاة لأهلها رغم كل الأفعال الدنيئة السابق سردها......وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مراودة الرجل لامرأة من المحارم ليفجر بها من الذنوب الكبيرة، ويشتد الإثم قبحاً أن يكون ذلك واقعاً ممن يؤمل منه الذب عن العرض والشرف، إذ كيف يتصور عاقل أن يقوم أب بهتك عرض ابنه، اللهم إلا إذا كان هذا الأب ناقص الدين منتكس الفطرة، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
فالواجب على من هذا حاله أن يتدارك نفسه بالتوبة قبل أن يحل به الأجل، وهو مقيم على أقبح الذنوب والآثام، هذا ولا يجوز لزوجة ابن هذا الرجل أن تطيعه في شيء من تلك الأمور، بل عليها أن تجتهد في أن لا يراها فضلاً على الخلوة بها، وإن لم يتخل عن تصرفه هذا المشين، فعليها أن تتخذ معه أسلوبا يحميها منه ويكفه مثل أن تهدده بفضح أمره إلى ولده أو إلى السلطات.
أما أنت أيها الأخ فعليك بالنصح والموعظة الحسنة لصهرك، فإن قبل فذاك وإلا فقد أديت ما عليك وكذا الحال بالنسبة لزوجتك تجاه والدها، هذا فإن قبل فبها ونعمت، وإن رفض فعليها بالدعاء له بالهداية، ولا يجوز لها أن تهجر والدها وأمها وغيرهما من القرابات، ولا تعمد ما يغضبهما ولو كان أمراً بمعروف أو نهيا عن منكر، وتراجع الفتوى رقم: 32607، والفتوى رقم: 58137.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(16/329)
لا مؤاخذة على الصبي واستري على نفسك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حلاً عاجلاً لقد وقعت في يد ذئب بشري (أخي) وكان عمري 10 سنوات لم أكن أعلم حينذاك أن ما أفعله حراما واستمررت على هذه الحالة لمدة 4 أشهر وبعدها اكتشفت أختي الكبرى ذلك ولكن أخبرها أخي أنه لم يبدأ بلمسي وعندما سألتني خفت وأجبت بنفس الإجابة وها أنا في حيرة هل ضاع شرفي أم ماذا؟ أما التوبة فأنا تائبة على ما فعلت لأن لا أحد علمني الصواب وأؤدي فروضي والحمد لله ولكن أنا أتعذب إلى الآن وعمري 20 سنة ماذا أفعل هل أذهب إلى الطبيب ليعالجني بما أنا فيه أم ماذا أغيثوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من الكبائر توعد الله فاعلها بالعقوبة الشديدة، فقال سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} . وقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان: 68-69} .
فهذا عن مجرد الزنا بالمرأة الأجنبية، أما إذا كان المزني بها هي إحدى المحارم فذلك أشد نكراً وفظاعة وإثماً.
وقد جعل الشارع الحكيم عقوية رادعة لمن وقع على إحدى محارمه، فقد أخرج أحمد والحاكم وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه.
ولكن واجب من وقع في شيء من هذه الآثام هو أن يستره ولا يخبر به أحداً، قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وقد استثنى الله تعالى من أصاب شيئاً من هذه الكبائر من العذاب المضاعف وغيره إذا تاب من ذنبه وأحسن توبته وندم على فعله، بل إن فضل الله واسع، فإنه لا يمحو الذنب الذي تاب منه العبد فقط، ولكنه تعالى يبدله حسنات، وهذا من رحمة الله بعباده، قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 70-71} .
ثم إن من فعل شيئاً من المحرمات وهو صغير لم يبلغ، فهو غير مؤاخذ ولا معاقب عند الله، لما رواه أبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل.
وانطلاقاً مما ذكر، فإنه لا ذنب عليك إذا كان الذي صدر منك هو قبل البلوغ، وإن كنت قد فعلت ما فعلت وأنت بالغة، فعسى أن يكون ذنبك مغفوراً أيضاً، لما ذكرته من التوبة والندم، ولك أن تراجعي في علامات البلوغ فتوانا رقم: 10024.
وإذا كان الذي حصل لك هو بعد البلوغ فليس لك أن تذهبي إلى الطبيب لمعالجته، وإن كان قبل البلوغ، فقد بينا أن لا ذنب عليك فيه، وبالتالي فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى إباحة العلاج إذا كان زوال البكارة حصل بسبب لا إثم فيه، ولك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 49021.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1426(16/330)
لا يشترط لتوبة الزاني استسماح زوج من زنى بها
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو: هناك شخص يزني بامرأة متزوجة عند ما حاول أن يتوب فقالوا له لابد أن تأخذ السماح من زوجها والمرأة عندها أولاد وطبعا حتى في شهر رمضان حاولت أن تغريه بجمالها فدهب لها في منزلها في الليل، الرجاء أريد الجواب بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن جريمة الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الذنوب، ولاسيما إن كان ذلك بذات الزوج.
فقد قال الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32}
ومن فضل الله تعالى على عباده أنه فتح لهم باب التوبة ما لم يغرغر العاصي أو تطلع الشمس من مغربها.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
ولهذا، فمن تاب التوبة النصوح فإن الله تعالى يقبل توبته ويكفر ذنوبه ولا يتوقف ذلك على إخبار زوج المرأة أو غيره، بل لا يجوز له أن يخبره أو يخبر أحدا فربما يؤدي إلى منكر أكبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله. رواه مالك في الموطأ وغيره.
ولذلك فالواجب على هذا الشخص المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى وستر نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1426(16/331)
من أعان على معصية اشترك مع فاعلها في الإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق وقع في المعصية مع امرأة غير مسلمة وهي الآن حامل في الأسبوع الثالث وقد قمت بواجب النصح له لكن الذى أريد أن أعرفه أنه يريد أن يتخلص من هذا الجنين بحجة أنه لن يتزوج من هذه السيدة وأن الجنين في الشهر الأول فلا حرمة في ذلك علما أنه يريد مساعدتي في إحضار الحبوب له فهل هذا يجوز لي؟ وهل إذا كان الجنين قبل أربعين يوما يجوز التخلص منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن صديقك قد فعل كبيرة من أكبر الكبائر وأقبحها، وقد حرم الإسلام كل الطرق المؤدية إليها، ومن ذلك النظر والخلوة واللمس، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور: 30} .
وهذا كله للحيلولة دون الوقوع في هذه الفاحشة الشنيعة التي قرنها الله تعالى مع الشرك وقتل النفس بغير حق قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ {الفرقان: 68-69} .
فالواجب على صاحبك أن يبادر إلى التوبة والإنابة إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن شروطها الإقلاع عن الذنب في الحال والندم على ما فات وعقد العزم على عدم العودة إلى الذنب ثانية، فإن من تحقق فيه هذا فإن الله تعالى يقبل توبته، كما أخبرنا بذلك سبحانه في أكثر من آية: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} .
هذا فيما يتعلق بارتكاب تلك المعصية.
أما بخصوص إجهاض الجنين، فذلك لا يجوز، سواء قبل الأربعين يوماً أو بعدها إلا لضرورة لا وجود لها هنا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35536، 13171، 17494.
وبما أن الحكم التحريم فلا يجوز لك أن تسعى في إجهاض هذا الجنين بأي نوع من المساعدة وإلا كنت شريكاً في الإثم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(16/332)
فتاوى في الكبائر والصغائر والزنى والتحذير منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود إرسال شرح الكبائر والصغائر وقائمة الأعمال التي تندرج تحتها، كما أريد أن أعرف أنواع الزنا، فهل الزنا المقصود به هو الجماع بين الرجل والمرأة أم هناك شيء غير هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا في الفتوى رقم: 4978. ضابط الكبيرة الذي تتميز به عن الصغيرة، فالصغيرة كل منهي عنه في الشرع لم يشمله تعريف الكبيرة المذكور في تلك الفتوى، وقد ألف بعض أهل العلم في الكبائر منهم الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، والذهبي في كتاب الكبائر، وكتاباهما مطبوعان فراجعهما لترى قائمة الكبائر، وراجع في تعريف الزنى الفتوى رقم: 8448، وراجع في التحذير منه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 34932، 56149، 56356، 30425.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(16/333)
الفطرة السليمة الحفاظ على عرض البنت لا انتهاك عرضها
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إعلامنا برأي الشرع فيمن تخوله نفسه في شهوة جنسية لابنته، وبمن ضاجع ابنته مجرد المداعبة لا الوصال الجنسي ما درجة حرمة هذا العمل؟ وما هو الحل للخلاص من وساوس الشيطان التي تدفع النفس لهذا العمل؟ وهل من الأمور العادية أن يشتهي الآباء بناتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تخول له نفسه شهوة جنسية مع ابنته، ومن ضاجع ابنته ولو كان لمجرد المداعبة دون الوصال الجنسي، قد خالف الشرع والطبع، وارتكب أمرا عظيما، لأنه إذا كان ممنوعا من فعل ذلك مع الأجنبية فهو مع المحارم وخاصة من كان مثل البنت أشد وأعظم، وذلك لأن المحرم مطلوب منه الحفاظ على عرض محارمه والذود عنه، لا أن يكون هو أول الهاتكين له. ولا شك أن من يفكر في ذلك فأحرى أن يقوم به، قد فقد الحس والأخلاق والدين جميعا، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. رواه البخاري. ومن أغواه الشيطان والنفس حتى ارتكب هذا العمل الذي يدل على ضعف إيمان صاحبه، وانعدام مروءته، وانتكاس فطرته، فإنه يجب عليه أولا أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويحرم عليه أن ينشر هذا العمل المحرم بل يجب عليه ستره، وعدم تبليغ أي شخص به.
والعلاج الفعال للتخلص من مثل هذه الأمور ومن هذه الوساوس هو تقوية الإيمان. وعليه.. فننصح من أصيب بمثل هذا بالالتجاء إلى الله تعالى، وكثرة دعائه بأن يصرف عنه ما يجده، ويستعين على ذلك بالوسائل التي تقوي الإيمان، ومنها تلاوة القرآن الكريم، والتأمل في الآيات التي تتناول موضوع العقيدة والإيمان، وبمجالسة الأخيار الصالحين من الرجال، وحضور مجالس العلم، وبالتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من أعمال الخير. وراجع في وسائل تقوية الإيمان فتوانا رقم: 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(16/334)
كفر من يقول بجواز الزنا لمن ينويان الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد راسلتكم خلال الأشهر الماضية ورقم الفتوى 61490 فالحمد لله لقد من الله علي بالهداية وبدأت في تنفيذ كل ما نصحتموني به, ولا أخفي عليكم أني أحسست بحلاوة القرب من الله عز وجل وأحس بسكينة واطمئنان. لكن مازلت تحت ضغط التهديد من ذلك الرجل الذي كانت لي علاقة معه , ولأنه جاهل تماما بأمور الدين ولأنه منذ عشر سنوات وهو يعيش في أوروبا فانغمس كليا في المجتمع الأروبي، حيث بات يحلل كل ما يوافق هواه ويعتقد في ذلك أشد الاعتقاد فيجزم بجواز العلاقة غير الشرعية بالرجل والمرأة ما داما الاثنان ينويان الزواج من بعد.
ويعتقد بأن يساعد والداه وعائلته ورضاهما يكفي، والله لا يؤاخذه على المعاصي الأخرى.
لقد صرح لي إن بقيت مصرة على موقفي فإنه سوف يقتلني لا محالة, ومشكلتي أنني لا أقدر على إبلاغ الشرطة لأنه مازالت لدي مشاكل في أوراق الإقامة ,
ماذا أفعل هل أدافع عن نفسي أو أتركه يفعل ما يشاء ولا أصغي له مهما كان مع العلم أنني اعمل بمتجر لبيع الثياب ورب العمل يرفض منحي الإجازة وأنا لا يمكنني ترك العمل لأنه علي التزامات يجب أن أدفع ثمنها, أسرعوا بإجابتي جزاكم الله خيرا وإن مت قبل أن أتوصل بإجابتكم فادعوا الله أن يغفر لي واعلموا أني لن أتنازل عن موقفي حتى لو كلفني ذلك حياتي ولن أرضى عاصيا عبدا لا يملك ضرا ولا نفعا بسخط الله علي ,وان كتب علي أن يقتلني فالأفضل أن أموت والله راض عني , وأرجو منكم أن تساعدوني بالاتصال به والمحاولة معه لكي يتركني وشأني من فضلكم إنها مسألة حياة أو موت]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في حرمة الزنا مطلقا، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، حتى لو كان الزانيان ينويان الزواج بعد ذلك، لعموم النهي الوارد في قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا {الإسراء: 32} وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 26511، 16688، 9731.
ومن يقول بجواز الزنا لمن ينويان الزواج فهو كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة لرده حكم الله تعالى، هذا.. وإن الله خلقنا لعبادته وأمرنا بالاستقامة على دينه، وبامتثال شرعه، وتوعد من لم يمتثل بالعذاب الأليم يوم القيامة، وإن بر الإنسان بوالديه لا يغني بحال عن أداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم، وليعلم أن كل عبد سيوقف بين يدي الرحمن جل وتعالى وسيسأله عن ذنبه ويقرره به، فمن أيقن بذلك فليعد للسؤال جوابا، قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ {الصافات: 24} وقال: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93}
ولقد بينا لك في فتوى سابقة أن من يهددك بالقتل إن لم تفعلي الفاحشة أجبن وأعجز من أن ينفذ ما يهددك به، وأخبرناك بالتدابير التي إن اتبعتها اتقيت شره، ومن ذلك أن تغيري أرقام هواتفك وأن لا تلتقي بمن يلتقي به فيفقد السبيل إليك، وحاولي كذلك أن تغيري كل عملك بمجرد انتهائك من التزامك لصاحبه.
واعلمي أنه إن أنفذ وعيده وقتلك فإن ذلك أشرف لك من أن تسلمي له عرضك طواعية.
هذا، وننصحك بالهجرة من ديار الكفار والسكنى في ديار المسلمين، فإن إقامة المسلم في بلاد الكفار حرام على من لا يستطيع أن يظهر دينه ويقيم شعائره ويتعرض للموبقات ولكبائر الذنوب، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37470، 10043، 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1426(16/335)
لا يستطيع ترك الزنا.. علاج هذه المشكلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نصيحتكم لمن لا يستطيع ترك الزنا وإذا نصحناه قال لا أستطيع أن أترك وإذا قلنا له صم قال لا أقدر على الصيام
أرجو منكم إعطائي النصائح التي تعينني على نصحه
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مقتضيات وشروط كلمة النجاة لا إله إلا الله الانقياد والاستسلام لأمره ونهيه، والواجب على كل من رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالإسلام دينا أن يكون وقافا عند حدود الله، فيؤدي ما أوجبه الله تعالى عليه ويجتنب ما نهاه الله عنه، ولا يجوز لمسلم أن يقيم على معصية بحجة أنه لا يستطيع تركها، فإن في ذلك جرأة على الله وسوء أدب معه سبحانه، إذ إن الله لم يشرع لنا إلا ما نستطيع. قال سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286} . فلو لم يكن في وسع العبد ترك الزنا لما شرع الله تحريمه وتوعد فاعله، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. .. وانظر عقوبة الزنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 26511، 16688، 9731.
وعليكم أن تحذروا هذا الشخص من خاتمة السوء، فإن المصر على الذنب قد يختم له به، والأعمال بالخواتيم، نسأل الله العافية.
وأعلموه أن النار أعاذنا الله منها قد حفت بالشهوات وان الجنة قد حفت بالمكاره، وأن الدنيا قليلة حقيرة فانية، وهي إلى انقضاء وبعد الموت إما جنة وإما نار، وأن الجنة إنما ينالها من جاهد نفسه وصبر في الدنيا عن المعاصي واتباع الشهوات واستعينوا على نصحه بما في الفتوى رقم: 18074
هذا وإن تقوية الإيمان هي أساس النجاة في الدنيا والآخرة، والإيمان القوي هو الذي يدفع صاحبه إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وراجع الفتوى رقم: 10800 والفتوى رقم: 16976. وفي الفتوى رقم: 43090 بعض التدابير الواقية من الوقوع في جريمة الزنا، وإن كان هذا الشخص قادرا على مؤنة الزواج فليعلم أن الزواج في حقه واجب، وأنه يأثم بتأخيره وانظر الفتويين: 3011، 29181.
هذا، وننصح ذلك الشخص بالاستماع إلى الأشرطة التالية: توبة صادقة. للشيخ سعد البريك. واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله. للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي. على الطريق. للشيخ علي القرني. جلسة على الرصيف للشيخ سلمان العودة.
وهذه الأشرطة وغيرها موجودة على شبكة الإنترنت في موقع طريق الإسلام: www.islamway.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(16/336)
يرجى للتائب من الزنا الأمن من عقاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق مصل ويعبد الله ويخافه ولكنه وقع في جريمة الزنا وهو خائف من انتقام الله وخائف من السيدا، فهل يمكن أن ينتقم منه الله بهذه الطريقة، علما بأنه مؤمن ويعبد الله، وهل صحيح أن الله يبتلي بهذا المرض الخبيث أعداء الله ومن لم ير فيه الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الذنوب وأعظم الفواحش، وقد حذر الله تعالى منه في كتابه فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول الله تعالى ناهياً عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة ً.
ولاشك أن مرض (السيدا) عقوبة من الله تعالى لفاعلي هذه الفواحش، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 59536.
ومع كل ذلك، فإن من سعة رحمة الله تعالى بعباده أنه يقبل توبة التائب منهم، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم من حديث أبي موسى.
فعلى صديقك أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ويستغفره ويندم على تفريطه عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:67-68-69-70} ، ولمعرفة شروط قبول التوبة راجع الفتوى رقم: 5450.
فإذا تاب صاحبك توبة نصوحاً، فإن الله تعالى يتجاوز عنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر والألباني.
ثم إننا ننبه صديقك إلى أن يستر على نفسه، وأن لا يحدث بمعصيته أحداً، لقوله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله تعالى. رواه الحاكم والبيهقي وبنحوه مالك في الموطأ، وصححه الحاكم وابن السكن والألباني.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60222، 1106، 1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(16/337)
الموت جوعا أو الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تقولون في من يقول إن المرأة إذا لم تجد من ينفق عليها يجوز لها أن تبحث عن معاشها حتى ولو زنت؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا لا يجوز بحال من الأحوال، فقد حرم الله عز وجل مجرد الاقتراب منه، وكل ما يؤدي إليه من النظر والخلوة.
فقال سبحانه وتعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} .
وقال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري ومسلم.
فالإسلام سد كل الطرق المؤدية إلى الزنا، ونعته بأبشع الألفاظ ووصفه بالمقت والفاحشة، وشدد في عقوبة مرتكبه في الدنيا والآخرة.
فجعل عقوبة صاحبه في الدنيا التعذيب بالجلد مائة جلدة أمام الناس ليتعذب نفسياً وبدنيا إذا كان صاحبه بكرا، وإذا كان ثيباً يرجم بالحجارة حتى الموت.
أما في الآخرة، فإن له العذاب المهين في نار جهنم والعياذ بالله، كما قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68- 70} .
وذلك لما يترتب على فعله من إفساد للدين والأخلاق والمجتمع والأفراد، وجريمة كهذه لا تباح لمجرد أن امرأة لم تجد من ينفق عليها.
ولا يتصور وجود ذلك في مجتمع مسلم أو أي مجتمع له كرامة، فقد فرض الإسلام على الأب وغيره من الأقارب نفقة قريباتهم الفقيرات، كما فرض على الأغنياء مواساة الفقراء، وأباح السؤال للمضطر إلى غير ذلك من الوسائل التي إذا استعملت لا يتصور أن تلجأ المرأة المسلمة إلى شر الكسب، فإذا انسدت الطرق كلها أمام المرأة ولم يبق أمامها إلا الموت جوعاً أو الزنا، ففي هذه الحالة تكون كالمكره لا حرج عليه فيما فعل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وللمزيد من التفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتويين: 32514، 46086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(16/338)
الزنا واللواط بغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم الإخوة الأفاضل أولا ما حكم الدين في من فعل اللواط أو الزنا في غير المسلمين؟ ثانيا في بعض الدول وخاصة عندما يكون هناك مغتربون ويعملون كأجراء أو مستخدمين عند صاحب عمل أو صاحبة عمل قد تتطلب منه أن يزنى بها وإلا قطعت راتبه وألغت عمله وعملت له مغادرة نهائية للبلد خاصة وأنه قد يكون رب أسرة إلخ أوأن صاحب العمل يطلب من عامل عنده أن يمارس معه اللواط ما حكم الدين أيضا في ذلك وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا محرم سواء كان المفعول بها كافرة أم لا، ويدل لذلك عموم قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وإذا كان حكم الزنا هو ما ذكر، فجريمة اللواط أشنع منه وأقبح وأقذر، وهي مخالفة للفطرة السليمة، ولا يرتكبها إلا أصحاب الشذوذ الذي ما بعده شذوذ. وإذا كان حد الزنا يكون بالجلد تارة وبالرجم أخرى، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، وعلى الثيب الرجم. رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، ف حد أهل اللواط أن يقتل الفاعل والمفعول به مطلقا لما في الترمذي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. وهو حديث صحيح.
وعليه، فكون هؤلاء المغتربين يعملون كأجراء أو مستخدمين عند صاحب عمل أو صاحبة عمل، لا يبيح لهم ذلك أن يزنى الواحد منهم بمن طلبت منه ذلك، ولو هددته بقطع راتبه وإلغاء عمله، أو أنها ستعمل له مغادرة نهائية للبلد، ولو كان هذا العامل رب أسرة. ومثل ذلك، بل أشد منه وأقبح ما لو طلب صاحب العمل من عامل عنده أن يمارس معه اللواط.
واعلم أن تقوى الله سبب في الرزق وحل المشاكل. قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2-3} . ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(16/339)
امرأة الزاني تصير زانية من وجوه كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد آية بالقرآن الكريم فيما معناها \" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك \"
فعلي سبيل المثال إن زنى شخص ما وتاب بعد ذلك وتزوج هل تكون زوجته زانية في الأصل مع تطبيق الآية الكريمة. والعكس؟
أم إذا تاب كأنه بدأ من جديد ولا يعتبر زانيا.
وكذلك إن تاب وأعرض عن الزنا ولكن المعصية مازالت في قلبه ويتمناها على الرغم من أنه يجاهد نفسه ويحاربها لتركه إياها ويترك المعصية خوفا من الله سبحانه وتعالى ولكنه في نفسه يتمنى الزنا للذته فقط.. وتزوج بعد ذلك أتكون زوجته صالحة.
فأنا لا أستطيع تفسير الآية الكريمة أم لها تفسير آخر غير الذي أنا أفكر فيه ...
أفيدوني ولكم الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا تفصيل القول في تفسير قوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور: 3} في الفتوى رقم: 5662 والفتوى رقم: 11295 فراجعهما.
والآية تتحدث عن الزاني والزانية اللذين لم يتوبا، أما إذا تاب الزاني أو تابت الزانية فإن الآية لا تشملهما، قال ابن حزم في المحلى: ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية ولا عفيفة حتى يتوب، فإن تاب حل له نكاح العفيفة المسلمة حينئذ. وقال ابن قدامة في المغني: وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين: أحدهما: انقضاء عدتها.. والشرط الثاني: أن تتوب من الزنا.. ثم قال: وهي قبل التوبة في حكم الزنا، فإذا تابت زال ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. اهـ. رواه ابن ماجه والطبراني، وحسنه الألباني.
إلا أننا ننبه إلى أن من شروط التوبة الندم على المعصية، والعزم على عدم العودة إليها، ومن علامة عدم قبول التوبة -نسأل الله العافية- تمني الرجوع إلى الذنب والتلذذ بتذكره، وقد فصلنا القول في شروط قبول التوبة في الفتوى رقم: 29785 والفتوى رقم: 4603 فارجع إليهما.
والزاني إذا لم يتب توبة صادقة يخشى أن تصبح زوجته مثله، وهذا ما يشهد به الواقع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (32/120-121) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة.. هذا يدل على أن الزاني الذي لم يتب لا يجوز أن يتزوج عفيفة.. وأيضا فإنه إذا كان يزني بنساء الناس كان هذا مما يدعو المرأة على أن تمكن منها غيره كما هو الواقع كثيرا، فلم أر من يزني بنساء الناس أو ذكران إلا حمل امرأته على أن تزني بغيره مقابلة على ذلك ومغايظة.. وأيضا فإذا زنى بنساء الناس طلب الناس أن يزنوا بنسائه كما هو الواقع، فامرأة الزاني تصير زانية من وجوه كثيرة، وإن استحلت ما حرمه الله كانت مشركة، وإن لم تزن بفرجها زنت بعينها وغير ذلك، فلا يكاد يعرف في نساء الرجال الزناة المصرين على الزنا الذي لم يتوبوا منه امرأة سليمة سلامة تامة، وطبع المرأة يدعو إلى الرجال الأجانب إذا رأت زوجها يذهب إلى النساء الأجانب.. فقوله {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً} إما أن يراد أن نفس نكاحه ووطئه لها زنا، أو أن ذلك يفضي إلى زناها. انتهى كلام ابن تيمية.
وهذا من باب الجزاء من جنس العمل. قال ابن مفلح في الآداب الكبرى: قال بعض العباد: نظرت امرأة لا تحل لي فنظر زوجتي من لا أريد.
فليحذر إذاً الزاني الذي لم يتب من أن يكون سببا في وقوع زوجته في الزنا، نسال الله لنا ولجميع المسلمين العافية والسلامة من هذا الذنب العظيم.
وننبهك إلى أن القرآن لا يفسر إلا عن علم، ولا يجوز تفسيره بالرأي أو التخريص الذي لا يعتمد على علم، وراجع الفتاوى التالية: 20704، 20711، 21250.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(16/340)
طريقة التخلص من إثم جريمة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراعلى الاجابة على هذا السؤال \" شاب وشابة وقعوا في عمل الفاحشة والعياذ بالله وهاهنا في ما بعد البنت حامل في شهرها الرابع مع العلم أن عمرهما 19 و21 سنة لصديقها. يا شيخ الشيطان لعنه الله أوقع أبناءنا في الحرام، فما هي الكيفية إن أرادا التوبة والرجوع لله ورسوله , مع العلم وأن البنت مولودة من غير زواج بين الأبوين وأن الأم مسيحية والأب مسلم, فكيف يكون هذا الأمر يا فضيلة الشيخ، أتمنى أن أكون أوضحت لكم بقدر الممكن هذه القضية الأليمة.
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الزنا كبيرة من أشد الكبائر وأقبحها، ويدل لذلك أن الله تعالى قرنه مع الشرك وقتل النفس بغير حق، حيث يقول سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ.. {الفرقان: 68ـ 70} .
وعلى هذا فالواجب على هذين الشابين التوبة والاستغفار، وليكثرا من الأعمال الصالحة فإن الله تعالى بمنه وكرمه وفضله وعد من تاب بقبول التوبة، فقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} . وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
أما بخصوص الحمل فلا يجوز إسقاطه لأنه تعد على نفس وإزهاق لها من غير موجب شرعي يبح ذلك بوجه من الوجوه. فإن برز هذا الجنين حيا فإنه ينسب إلى أمه، وراجع حكم ذلك وحكم الزواج بها أثناء الحمل الفتوى رقم: 6045، والفتوى رقم: 22196.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1426(16/341)
ستر الزاني على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل عقدت على امرأة ولم أدخل بها ولكنني اختليت بها ولم أجامعها جماعا كاملا بل مداعبة فهل أكون محصنا أم لا، وقد وقعت في فاحشة الزنا لأول مرة في حياتي، هل أخبر زوجتي وأطلب منها السماح أم أستر على نفسي وكيف أتطهر من هذا الذنب فوالله أريد أن يقام علي الحد كي أتطهر من هذا الذنب؟
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يعتبر الشخص محصنا إلا إذا جامع في نكاح صحيح كما أسلفنا في الفتوى رقم: 725، وعليه فخلوتك بزوجتك المعقود عليها ومداعبتها دون إيلاج لحشفة الذكر في الفرج لا تعد به محصنا، فلا رجم عليك إن وقعت في الزنا، ولكن عليك الحد، وعليك أخي أن تستر على نفسك ولا تخبر بما فعلت أحدا ويكفيك التوبة الصادقة، ولا تخبر زوجتك بما فعلت، وانظر الفتوى رقم: 1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1426(16/342)
إرشادات لمن وقعت في حبائل رجل أجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في الأرملة التي تخطئ مع أخي زوجها وماذا تفعل حتى تصلح خطأها أمام الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ماذا يقصد بهذا الخطأ هل هو الزنا أو شيء دون ذلك؟ وعلى كل، فما دام هذا الأمر قد وقع فالواجب التوبة إلى الله منه، وشروطها كما نص عليها العلماء الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب في الحال، وعقد العزم على عدم الرجوع إليه ثانية، فإن توفرت هذه الشروط فإن الله تعالى بمنه وكرمه وعد التائبين بقبول التوبة حيث قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} وقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وفي الحديث: وأتبع السيئة الحسنة تمحها.
هذا، وننبه إلى أمرين مهمين:
1- ... أن لا تبوح هذه المرأة بهذا الذنب لأحد بل تستتر بستر الله تعالى لأن في الإخبار معصية أخرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
2- ... أنه إذا أمكن أن تتزوج هذا الرجل بعد توبتها واستبرائها إن كان قد حصل منها زنا فذلك أحسن لقطع العودة والرجوع إلى تلك المعصية ثانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(16/343)
معاقرة الفواحش في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الإسلام من الفتيات اللواتي يبعن عرضهن وأجسادهن علنا في المحلات بأوروبا ويقلن إنهن مسلمات وأيضا البعض منهن ومن الرجال يعلنون عن أنفسهم ممارسة السحاق أواللواط؟ ماذا يجب علينا فعله اتجاههم؟ أو من المسؤول عنهم؟ لأن الإسلام بعيد عن هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الإسلام الزنا وجميع الفواحش، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الاسراء:32} . وقال أيضاً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5ـ7} . وانظري الفتويين: 26237 ـ 1869. ولقد حرم الإسلام مقدمات الفاحشة المفضية إليها، فحرم الاختلاط بين الجنسين، وحرم المصافحة بالأيدي بين الرجال والنساء غير المحارم، وحرم إطلاق البصر بين الرجل والمرأة غير المحارم، بل وأمر الله المرأة أن تقر في بيتها لتصون عرضها وتحافظ على عفتها، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33} . وحرم سفر المرأة بدون محرم إلى غير ذلك من التدابير الواقية من وقوع الفواحش، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل خير صفوف الرجال في الصلاة أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها إمعاناً منه صلى الله عليه وسلم في درء فتنة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، هذا في الصلاة، فكيف بغيرها!! فالإسلام دين العفة والإحصان، ولذلك أوجب على المرأة الحجاب الشرعي الكامل وحرم كل ما يثير الغرائز كالموسيقى والغناء الماجن ونحو ذلك، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 55877، 59671، 58132، 26418. وإن ما يحصل في أوربا وغيرها من بعض المسلمين مخالفة صريحة لشريعة الإسلام، والله المستعان، وهؤلاء عصاة مرتكبون لكبائر الذنوب ويستحقون العقوبة والمقت من الله، وأما إن فعلوا هذه الفواحش معتقدين حلها فإنهم كفار كفراً أكبر مخرجاً من الملة. والواجب على المسلمين عموماً أن يعظوهم ويوجهوهم، بل وينكروا عليهم، وإن كان الحامل لامرأة على فعل الفاحشة هو الفقر، فعلى الأغنياء أن يعطوها ما يكفيها حتى تدع التكسب بالحرام. وهناك مسؤلية خاصة تقع على أولياء هؤلاء المنحرفين الذين ولاهم الله أمرهم من أب أو أخ أن يكفوهم عن غيهم، أو أن يرحلوا بهم عن مواطن الفساد، وأن يوفروا لهم البيئة الصالحة التي يعيشون فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(16/344)
المقام مع امرأة بدون عقد سفاح وزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي محرج وحساس، ما حكم الشرع في طالب مسلم عندما ما كان يدرس في دولة اشتراكية (غير إسلامية) تعرف على فتاة مسيحية وأحب الشاب أن يرتبط بالبنت لأنه أحبها, ولكن لم يخبر أحدا من أهله, ولم يحصل زواج بالمعنى الذي نتصوره حيث إنه لا يوجد عقد زواج، ولكن كل أصحاب ومعارف الشاب يعرفون أنها زوجته، فهل معرفتهم بذلك تجدي عن العقد والشهود، مع العلم بأنهما اتفقا على أن يقيما عرسين في المستقبل نظراً للظروف, أحدهما في دولة العروس والآخر في دولة العريس، زيادة في ذلك أن الفتاة ليست مسيحية رسميا لأنه في تقاليدهم ممنوع الإيمان أو التصديق بأي دين أو عقيدة، وهي إلى حد الآن تخفي ذلك عن أهلها ومعارفها, بل إنها هي تفكر في الدخول في الإسلام ولم يبق إلا مقدار شعرة.. وهما مع بعض أكثر من سنة يعيشان تحت سقف واحد...... مع العلم بأنهما قد اتفقا في بداية الأمر على أن تكون علاقه زواج.. فهل يحل لهما أن يستمرا مع بعض أم ماذا، مع العلم بأن الفتاه لا تجيد اللغة العربية مما أدى إلى صعوبة توصيل المعاني والمناهج والتعاليم الإسلاميه بالمعنى الصحيح 100%، لذلك معرفة الفتاة عن الإسلام معرفه سطحيه، فهل الشاب (الزوج) محاسب في ذلك أيضا؟ هذا وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا المسلم منكر عظيم، أجمع علماء الإسلام قاطبة من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أنه كبيرة من كبائر الذنوب، ومستند هذا الإجماع الكتاب والسنة، ولذا فالواجب على هذا الشاب أن يتوب إلى الله تعالى مما وقع فيه، وأن يفارق هذه المرأة فوراً، ومقامه مع هذه المرأة سفاح وزنا إلا أنه زنا معلن يعرفه الأصحاب والزملاء، وقد يكون الإعلان بالزنا أشد ضرراً من إخفائه.
ولا يجوز له بعد ذلك نكاح هذه المرأة إلا أن يتوفر فيها شرطان:
الأول: أن تكون مسلمة أو كتابية.
الثاني: أن تكون قد تابت وعفت عن الزنا، وراجع الفتوى رقم: 21693، والفتوى رقم: 44029.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1426(16/345)
الخطأ هذا لا يوجب رجما، ولا تحرمين على زوجك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولا ينقص عليّ زوجي من حقوقي الزوجية شيء متدينة إلى أبعد الحدود تعرفت على شاب من خلال العمل حاولت أن أدله على كيفية الصلاة ومعنى لذة الإيمان، ولكن الشيطان دخل في عقل وقلب ذلك الرجل وعرف كيف يدخل لي فأحبني وأعلمني بأنه يحبني، أخفيت أنني أحبه بالرغم من أنني أحبه كثيراً لدرجة أنني أدعو له بكل خير وأتمنى له كل السعادة، قام هذا الشاب وبحجة العمل أن نجتمع لوحدنا، مع العلم بأنني كنت على إحساس وتأكيد بأن نيته غير سليمة ومع ذلك طاوعتني نفسي على السوء وعندما اختلى بي اقترب مني ولمس جميع أعضاء جسمي وقبلني إلا أن اللمس من فوق الملابس وحضنني لدرجة أنه قذف على نفسه (كان يرتدي ملابسه) وكل هذه من خلف الملابس لم ير مني أي شيء حتى حجابي لم ينزعه وبالرغم من أنني قاومت ما فعل بي إلا أنني بيني وبين نفسي كنت قد رضيت واستمتعت أيضاً لدرجة أنني كان بالإمكان أن أخرج من هذا المكان اللعين ولم أخرج، لقد كان الله الستار قد ستر علي في هذه الدنيا فمن يستر علي في الآخره أمام كل العباد وأنا أعلم بأن ما فعلته خطأ كبير.
والآن أنا نادمة جداً على فعلتي وقلبي يؤلمني لما عندي من خيانة لزوجي وبيتي وأولادي وأود أن أتوب إلى الله توبة نصوحا لا أعود بعدها للخطأ، السؤال الأول: هل أنا زانية (ووقعت في الفواحش) إذا كانت الإجابة بنعم كيف لي أن يغفر لي الله وإن كان لا فأي الآثام أنا وقعت بها؟
السؤال الثاني: هل ذهبت كل حسناتي التي فعلت وصلاتي وصيامي للفرائض والسنة والنوافل؟
السؤال الثالث: هل أحرم على زوجي؟
السؤال الرابع: كيف لي أن أعود لما كنت عليه من محبة الله والامتثال لأوامره وأن لا يغلبني الشيطان مرة أخرى، بالله عليكم أرشدوني ودلوني ولا تدعوني أنتظر كثيراً للرد حيث إنني أشعر بالوحدة والضياع لما أنا فيه من حال يرثى لها، الله أكبر على الحرام ما أشنعه وما أبشع الندم على لحظات كان بالإمكان أن أتجنبها، بالله عليكم لا تطيلوا علي في الإجابة فوالله لا أنام مثل الناس ولا أكل ولا أشرب لما أحسه من تعب في قلبي وعقلي وجسمي، أرجوكم أجيبوني وأغيثوا أختاً لكم وقعت في الحرام كي لا تجر إلى أبعد من ذلك، قضيتي أمانه بين يديكم أحاجكم بها أمام الله إذا لم تردوا علي، أرجوكم كل الرجاء أن لا تهملوا سؤالي وردوا علي بأسرع وقت ممكن، هل ما فعلته في إطار الزنا غير المغفور لي ولا مطهرة منه إلا بالرجم، أين أنا لقد تهت ولا أجد من أتحدث إليه وأشرح له الوضع لأنني أعرف أنه خطأ وخطأ كبير جداً لا يغتفر لأنني أولاً متزوجة، وثانياً لا ينقصني أي شيء في حياتي، وثالثاً لأنني أعرف الله وأعرف ما لي وما علي وما يجب أن يفعل وما لا يجب وأحفظ من القران ما شاء الله وكل أعمالي وجوارحي تعرف أن ما فعلته خطأ ويقع في باب الحرام، إن شاء الله لن أقترف مثل هذه الذنوب ما أحياني الله وسأبتعد عن كل ما يسمح للشيطان أن يدخل في نفسي وقلبي وعقلي، أنتظر ردكم لأني أمانة بين يديكم \"لا تدري نفس ماذا تكسب غداً ولا في أي أرض تموت\" أشكر لكم حسن التعاون، والله يرعاكم ويحفظكم من كل سوء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أيتها الأخت الكريمة التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تمحو ما كان قبلها من الذنوب، والذي عليك فعله الآن ما يلي:
أولاً: لا تخبري بما حدث منك قريباً ولا بعيدا، بل استري أمرك وأكثري من الأعمال الصالحة.
ثانياً: اتركي العمل الذي يؤدي بك إلى الاختلاط بمثل هذا الرجل.
ثالثاً: لا تقتربي من ذلك الرجل واتقي الله تعالى، واعلمي أن الشهوة تذهب لذتها وتبقى حسرتها، وكيف يطيب للمسلم عيش ورب السماوات والأرض غاضب عليه، ثم إن الشيطان إن كان في هذه المرة أوقعك في مقدمات الزنا فقد يجرك في المرة الثانية إلى الزنا والفحش حماك الله وصان عرضك.
رابعاً: ما وقعت فيه لا يوجب حدا ولا رجما، ولا تحرمين به على زوجك، ولا تحبط أعمالك بما وقعت فيه، والواجب عليك التوبة والإكثار من الطاعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(16/346)
الزنا ومحاولة الإجهاض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أنجب طفلا غير شرعي من امرأة متزوجة.في الشهر الأول من الحمل طلبت مني أن أساعدها على عملية الإجهاض فأعطيتها حقنا تساعد على الإجهاض ولكن الطفل لم ينزل فقد أكملت حملها وبعد الولادة بثلاثة أيام توفي الطفل في ظروف غامضة أرجو منكم إفادتي بفتوى وما هي كفارتي؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من أعظم الكبائر وقد جمعت أوجه الاستقباح الثلاثة وهي
الاستقباح الشرعي والاستقباح العقلي والاستقباح العادي
قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء: 32] .
فقد جمع الله عز وجل في هذه الآية أوجه الاستقباح الثلاثة
فقوله ولا تقربوا الزنا استقباح شرعي
وقوله إنه كان فاحشة استقباح عقلي
وقوله وساء سبيلا استقباح عادي
ولم تجمع فاحشة غيرها أوجه الاستقباح الثلاثه مما يدل على عظم قبحها،
وقد زادها قبحا في حالة السائل كونها مع متزوجة وما في ذلك من اعتداء على عرض مسلم وإدخال إلى قوم من ليس منهم، ثم محاولة إجهاض وقتل ما نتج عن هذه الجريمة من حمل، وكل هذه ذنوب وظلمات بعضها فوق بعض
فعلى هذا العبد المبادرة إلى التوبة النصوح عن هذه الجريمة بالندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها والإقلاع والبعد عن هذه المرأة وما يقربه من هذا العمل
هذا ما يلزمه، أما الكفارة فليس عليه كفارة معينة، مادام الجنين لم يتم إجهاضه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(16/347)
إثم الزاني بالمحارم وعقوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زنا بأخته وأنجبت منه وهل ينسب الولد لأبيه أم لا وهل يرث منه وهل يعتبر هذا زنا أم لا أم أنه أكثر من ذلك. وأرجو الدليل على الاجابة من القرآن والسنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا بالمحارم من أقبح الذنوب وأكبر الكبائر، وقد سبق الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 44212، والفتوى رقم: 30031. وإثم الزاني بالمحارم أعظم من إثم الزاني بغير المحارم، وأما من حيث العقوبة فالذي عليه جماهير الفقهاء أن العقوبة واحدة، وحملوا الحديث الذي فيه الأمر بقتل من عرس بامرأة أبيه على المستحل، ونص الحديث كما عند النسائي في سننه الكبرى عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله. وفي رواية عن الإمام أحمد أنه يقتل مطلقا. وللجمهور من العلماء أدلتهم، ولمن ذهب إلى ما روي عن أحمد أدلته، ولا يسع المقام لتفصيل ذلك. ولا يلحق بهذا الزاني الولد ولا يرث منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(16/348)
زوال البكارة والعفة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت حديثا بفتاة فلم تعط بكارتها دما بل واشتبه علي الأمر إن كانت مفضوضة أم لا. أما بعد دخولي بها فتأكدت عن طريق الفحص الطبي أنها مفضوضة. السؤال هل إذا أبقيت عليها سيجازيني الله أم هو بمثابة تستر على مجرمة سألقى حسابا عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعدم نزول الدم لا يعتبر دليلا على نفي البكارة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 19950، وزوال البكارة من أصلها لا يعد برهانا على عدم عفة المرأة وطهارتها؛ بل اتهامها بتقيض ذلك من غير بينة قاطعة كأربعة شهود كبيرة من أكبر الكبائر الموبقات. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 4-5} .
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
أما إن ثبت زوال البكارة بزنا وتابت المرأة من ذلك توبة صادقة فيقبل قولها، ويعتبر إبقاؤها سترا لها، وقد ورد في فضل ستر المسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري.
هذا، وننبه إلى أمرين:
1- أن الإقدام على هذا النوع من الفحوص لا يجوز، لما فيه من النظر إلى العورات من غير ضرورة، وهتك شنيع لأعراض المسلمين التي جاء الإسلام بصيانتها. وانظر الفتوى رقم: 20244 والفتوى رقم: 46607.
2- أن نتيجة هذه الفحوص لا ينبني عليها حكم شرعي من إثبات الزنا بها وما يترتب على ذلك، لأن البكارة قد تزول بغير الوطء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(16/349)
حكم من اغتصبت وأكرهت على الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاغتصاب والزنى شرعاً، وكذلك في القانون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ارتكاب جريمة الزنا كبيرة من أكبر الكبائر وذنب من أعظم الذنوب ولا يجوز للمسلم الاقتراب منه، فقد نهى الله عز وجل في محكم كتابه عن مجرد الاقتراب من الزنا، وأمر بغض البصر سدا لتلك الطريق.
فقال سبحانه وتعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30-31} ، ويكون الأمر أشد والذنب أكبر والعقوبة أعظم إذا حصل ذلك اغتصاباً.
وأما من اغتصبت وأكرهت على الزنا فإنه لا إثم عليها ولا حد، وذلك لما رواه أصحاب السنن وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وفي التاج والإكليل للمواق المالكي عند قول خليل: (أو مكرهة) : والمكرهة على التمكين لا تحد. ولمعرفة حد الإكراه وأقوال أهل العلم وأدلتهم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 31292.
وأما القانون الوضعي فلا حكم له ولا قيمة مع حكم الشريعة، قال الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50} ، وللمزيد عن حكم الزنا وحده نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 19424، والفتوى رقم: 36587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(16/350)
الزنى ومقدماته والرجم والجلد
[السُّؤَالُ]
ـ[على من تعود آية الرجم وآية الجلد 100 مرة للزانيات، هل الأولى لمتزوجة والثانية لبنات، وهل الزنا يعني الاتصال الجنسي أي الجماع؟ أم أي فعل خاطىء مثل المس يعتبر زنا؟ وكل هذا بعد التوبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجم هو حكم الزاني المحصن من الرجال والنساء. وأما الجلد مائة فهو حكم الزاني الذي لم يتزوج ذكرا كان أو أنثى، وأما الزنى الذي يوجب الحد الشرعي فهو الاتصال الجنسي (الجماع) ، وأما الأفعال الخاطئة الأخرى من مقدماته كالنظر واللمس فإنها تعتبر زنا مجازا، كما قال النووي في شرح مسلم، ولا تستوجب الجلد ولا الرجم. وننبه إلى أن التائب أولى له أن يستر نفسه ويخلص، ويصدق في التوبة إلى الله، ويكثر من صالح الأعمال، ويتأكد هذا في عصرنا الحالي الذي عطلت فيه الحدود الشرعية، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 1106، 28288، 1602، 4079، 3950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(16/351)
سبب عدم قبول شهادة المرأة في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تقبل شهادة المرأة في الزنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحكام الشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكم ومصالح العباد في العاجل والآجل، علم ذلك من علمه وجهله من جهله. وعلى المسلم أن يمتثل أمر الله تعالى ويسلم بحكمه سواء علم الحكمة من ورائه أو لم يعلمها؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. {الأحزاب: 36} . والزنا من أقبح الجرائم، والفضيحة فيه أشنع، ولهذا شدد الإسلام الشهادة عليه صونا للأعراض وطلبا للستر، فلم تقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال عدول، يشهدون بصراحة شهادة لا تحتمل غير ارتكاب الجريمة، فإن اضطربت أقوالهم أو بعضهم، أو احتملت غير فعل الجريمة أقيم عليهم حد القذف وأسقطت شهادتهم، كما قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4} . وقال العلامة خليل في المختصر: وللزنا واللواط أربعة بوقت ورؤية اتحدا.
إذن فهذا الأمر يحتاج إلى تثبت وتدقيق وتترتب عليه أمور كبيرة، وطبيعة المرأة الجبلية لا تتحمل -في الغالب- التركيز والتدقيق، وخاصة أمام المشاهد المثيرة والأمور الصعبة. ولعل هذا ـ والله أعلم ـ هو سبب عدم قبول شهادتها في مثل هذه الأمور صونا لكرامتها واعترافا بخصائصها وما هو أنسب لها. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(16/352)
التوبة الصادقة من الزنا مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[المشكلة الحقيقية والله شهيد على ما أقول أنني قد تبت إلى الله وتحجبت وأقوم بجميع العبادات والحمد لله عز وجل، لكن رغم ذلك ارتكبت ذنبا كبيراً في حق الله لا أسامح عليه نفسي، وهو أنني قد زنيت مع رجل متزوج وأنا بذلك قد قمت بكبيرة من الكبائز وهي الزنى وزد على ذلك مع رجل متزوج وبذلك ارتكبت ذنبا في حق زوجته أنا خائفة جدا من أن الله لا يسامحني أبدا ولن يقبل مني التوبة، أنا أرجوكم أن تساعدوني وتنصحوني ماذا أفعل لأرضي الله عز وجل، وماذا أفعل في حق الزوجة، إنني حائرة ونادمة والله يعلم راسلني في أقرب وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنى من أخطر الكبائر وأشدها ضرراً في الدنيا والآخرة، وقد سبق أن بينا عدة فتاوى في خطره الدنيوي والأخروي، يمكن تصفحها عند تصفح موضوع حد الزنا في العرض الموضوعي لفتاوى الشبكة.
وأما عن قبول التوبة فإن الله يقبلها من العبد قبل بلوغ الروح الحلقوم، وقد نصت الآيات القرآنية على قبول توبة الزناة وتبديل سيئاتهم حسنات، كما بينت خطورة عقابهم إن لم يتوبوا، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
فعليك أن تستتري بستر الله وتخلصي لله في التوبة وتكثري من الأعمال الصالحة، وننصحك بدعاء الله وسؤاله أن يرزقك زوجاً صالحاً يعينك على الاستقامة على دينك، ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، أو بواسطة أحد محارمه هو، وأكثري حسب استطاعتك من صوم النفل ومن مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وابتعدي أشد البعد عن مخالطة الأجانب ومجالستهم والخلوة بهم، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 58713، 34932، 14676، 32981، 1882.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(16/353)
هنيئا لك التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الله أنا شاب في الخامسة والعشرين من العمر مسلم عربي متعلم وأحمل درجة الهندسة تعرفت على فتاة أجنبية في أوروبا وقد أعلنت إسلامها شفهيا لي ولظروف أوروبا اللعينة والعياذ بالله وقعت بالحرام معها إلا أنني والله يشهد كنت أنوي الزواج بها ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل زنيت بها قبل الزواج، والله ما عرفت الراحة لحظة واحدة حتى الآن والله المستعان ثم في زيارة أخرى لبلدها ذهبنا معا أنا والفتاة وتزوجنا بعقد إسلامي من هيئة مسلمي تلك البلد والحمد لله ونطقت الفتاة الشهادتين تأكيداً لإسلامها وتوثيقا له ولله الحمد الكثير، والآن هي زوجتي وأنا أعلم أنها عفيفة طاهرة تائبة ومسلمة ووفية، وأنا كذلك ولله الحمد ألا أنني لا زلت أخاف عذاب ما فعلت وأنا مستعد أن يقام علي حد الله وسأعطيكم كل عناويني إن أردتم وأسألكم بالله أن تجيبوني الآن بوضوح هل ما زلت زانيا مجرما أم أنني كمن ولدته أمه والله يشهد الآن والدموع في عيني أنني تائب متزوج ومحب لزوجتي المسلمه وهي كذلك، أسألكم بالله الكريم العزيز الغفور الرحيم أن تجيبوني من أنا الآن وما هو وصفي وحالتي بالتفصيل قبل وبعد الزواج وأرجوكم بالله الكريم أن تجيبوني على عنواني الإلكتروني التالي ولكم أن تهاتفوني والله يعلم مدى حاجتي للإجابة، أسأل الله الهدايه وأسأل الله في ظهر الغيب أن يحفظ شباب الإسلام وعفتهم والمغفرة أنه هو الغفور الرحيم وحسبنا الله ونعم الوكيل؟ ولكم أن تنشروا قصتي هذه للعامه أن أردتم. أخوكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك التوبة أخي الكريم وثبتك على الخير وأخذ بناصيتك إلى البر والتقوى، واعلم أخي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُ ورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وزواجك بهذه المرأة المسلمة صحيح إن كان الذي عقد لكم الهيئة الإسلامية ولا يوجد لها ولي مسلم يتولى تزويجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1426(16/354)
موقف الزوج من زوجته التي ارتكبت الفاحشة تحت تأثير السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسافرا بعض الوقت للعمل في بلد آخر وبعد عودتي اعترفت زوجتي بوقوعها في الزنا وقالت إن شيئا ما من السحر أعماها عن نفسها وسخرت لهذا الرجل المعتدي وهو زوج صديقتها القريبة منها وأنها لم تكن ترى سوءا فيما يحدث بينهما وعن نفسي لاحظت عليها الكثير من الأعمال غير الطبيعية في التصرفات والتشنجات. ولما ضربتها ضربا مبرحا عدة مرات لفعلتها خرجت من الوضع غير طبيعي وأقرت بتفاصيل ما حدث لها وأنها كانت تطيعه فيما يأمرها بفعله بدون أن تستطيع رفضه أي في أثناء غيابي وأن شيئا ما كان يتبعها ويراقبها في بيتها وبسؤال إحدى العرافات أخبرت أن عليها نوعا من السحر الأسود وتفاصيل الأحداث بينهم تدل على أنه ليس من المتوقع لأي امرأة عاقلة تقوم بفعله مثل عدد مرات الجماع والأماكن العامة التي ذهبا إليها والمجيء المتعدد لمنزل الزوجية ورؤية الناس لحضوره وتصويره لها عارية في أوضاع مشينة ومثل ذلك وهي تقسم على أنها لم تكن تعرف لماذا كانت عليها إطاعته وأنها لم تحبه قط وأنها كانت تكره زيارة منزلهم ولا تحب زوجته التي تلح بإصرار شديد جدا على مجيئها لمنزلهم والبيات عندهم في أثناء سفري هي الآن ترجوني ألا أطلقها وأنها تريد الانتقام منه ومن زوجته التى كانت تعلم بما يفعله زوجها بصديقتها الحميمة وأنها هي التي كانت تدفعه للتقارب منها وأنها شاركت في عمل السحر عليها ونحن ليس بيننا أولاد فهل يسمح الشرع بإبقائها كزوجة أم يجب تطليقها؟ وما حكم الشرع في امرأة حدث لها مثل ذلك؟ وهل يجوز شرعاً لها الانتقام من الرجل وزوجته الذين أوقعاها في الزنا؟ وكلمة أخيره عنها أنها كانت زوجة مخلصة ولم أعلم عليها سوءا قبل هذه الفعلة ونحن متزوجون منذ خمس سنوات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه المرأة قد تابت مما ارتكبت من الفواحش أو كانت ارتكبته مرغمة عليه تحت تأثير سحري ونحو ذلك، فلا ننصحك بتطليقها، وذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه.
أما إن كانت طائعة ولا تزال مصرة على ذلك، فإنا ننصحك بفراقها، وتراجع الفتوى رقم: 25475.
وأما ما يمكنك فعله مع هذا الرجل الساحر المتعدي وزوجته فمقاضاتهما ورفع أمرهما إلى القضاء، وليس لكم أن تقدموا على إقامة الحد عليه لأن أمر ذلك راجع إلى الحاكم.
وننبه إلى أن الذهاب إلى العرافين والعرافات حرام لا يجوز، فقد قال صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وغيره.
قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: وقال الخطابي أيضاً في حديث من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، قال: كان في العرب كهنة يدَّعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافاً وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من يتهم به المرأة ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنا. قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه. هذا كلام الخطابي وهو نفيس.
قال المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير عند شرح الحديث: وأفاد بقوله: (فصدقه) أن الغرض إن سأله معتقداً صدقه، فلو فعله استهزاء معتقداً كذبه فلا يلحقه الوعيد، ثم إنه لا تعارض بين ذا الخبر وما قبله، لأن المراد أن مصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر، وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة وأنه بإلهام فصدقه من هذه الجهة لا يكفر. اهـ
وقال في موطن آخر من فيض القدير عند قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة، فإن صدقه بما قال كفر: تمسك به الخوارج على أصولهم الفاسدة في التكفير بالذنوب، ومذهب أهل السنة أنه لا يكفر، فمعناه قد كفر النعمة أي سترها، فإن اعتقد صدقه في دعواه الاطلاع على الغيب كفر حقيقة على ما مر بسطه.
وانظر الفتوى رقم: 14231.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1426(16/355)
الزواج بعد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت شابا طائشاً قبل أن ينعم الله علي بالهداية وقد اقترفت فاحشة خلفت ابنة غير شرعية وهي في شهرها الأول، حاولت إصلاح خطئي والزواج بأمها قبل الولادة خصوصاً، ويقال إنها من دون أسرة وتعيش عند امرأة فاجرة، هذا ما دفع والدي للرفض وهذه الأم تواجه حالياً مشاكل مع المرأة التي تتكفل بها وقد تطرد للشارع في أي لحظة أنا حالياً لا أعرف الراحة سوى في الصلاة علماً بأن مدخولي غير مضمون فلا زلت لم أتوصل إلى عمل مستقر أفتونا في ما يتوجب علي عمله؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الزنا من أعظم الكبائر وأقبحها ويكفي للتدليل على ذلك أن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق فقال سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
وعلى هذا فالواجب عليك وعلى هذه المرأة المبادرة إلى التوبة والاستغفار والإكثار من الطاعة لعل الله تعالى يتجاوز عنكما فإنه سبحانه القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وفي الحديث: أتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي.
أما بخصوص الزواج من هذه المرأة فلا مانع منه شرعاً إذا علمت صدق توبتها، بل ربما كان في ذلك رحمة بها وشفقة وإنقاذ لها من الضياع، والإقامة عند تلك المرأة غير الصالحة.
أما فيما يتعلق بتلك البنت المذكورة فهي لا تنسب إلا إلى أمها، وليس لك بها علاقة من الناحية الشرعية. وانظر الفتوى رقم: 7501.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(16/356)
أفعال تعتبر بمعنى من المعاني زنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في امرأة ذهبت إلى بيت رجل مسيحي يعيش بمفرده وقد قام بتقبيلها في كافة أنحاء جسدها العاري بما في ذلك فرجها وقد حدث تلامس في الأعضاء الجنسية فقط مجرد تلامس ولم يحدث وأن أدخل عضوه في فرجها؟ فهل يعتبر هذا زنا يستحق عليه الرجم أو الجلد وهل من توبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن ما فعلته هذه المرأة من الذهاب إلى هذا الرجل، والخلوة به، وكشف عورتها له، وملامسته لجسدها أمور كلها محرمة، وهي تعتبر بمعنى من المعاني زنا؛ بدليل حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، واللسان يزني وزناه الكلام، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. ورغم شناعة هذه الأفعال وحرمتها إلا أنها لا تصل إلى حد جرم من ارتكب فاحشة الزنا الذي يوجب الحد، وهو مغيب رأس الذكر في فرج المزني بها، وانظر الفتوى رقم: 4458. وعلى العموم فالواجب على هذه المرأة التوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة لعل الله تعالى يغفر ذنبها فإنه سبحانه القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً {طه: 82} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(16/357)
موقف الأخ من امرأة أخيه التي تخونه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ متزوج وله أولاد من زوجته إلا أن زوجته تسرق بيتها وتخونه مع علم الأهل والأقارب بذلك أما هو معمول له سحر كي لا يتكلم ولا يعلم بما يجري وأنا أعلم علم اليقن بما يجري لأخي من هتك لعرضه وغير ذلك هل يجوز لي أن أتدخل لانقاذ أخي أم لا، وما هو حكم الشرع في مثل حالته هل يجوز أن نسعى في إبعاده عنها بطلاق. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من التنبيه أولا إلى أن قذف المسلم كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو موبقة من الموبقات السبع وسبق بيانه في الفتوى رقم: 15776، فينبغي الحذر من ذلك، وأما ما ينبغي فعله اتجاه زوجة أخيك، فإن كنت تعني بقولك (تخونه وقولك هتك عرضه) الزنا، وكنت متيقنا من ذلك وليس بناء على شكوك، فعليك أن تسعى في تخليص أخيك من هذه المرأة، ولو بالسعي في تطليقها منه، قال صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. متفق عليه، وفي صحيح البخاري عن أنس: انصر أخاك ظالما أو مظلوما.... أما إذا كان الأمر لم يصل إلى حد الزنا، فلا ينبغي السعي في تطليقها وإنما السعي يكون في تخليص الأخ من السحر إن كان قد سحر حقاً، وتبصيره بما تفعله هذه الزوجة، وقد أجيب عن موضوع التخلص من السحر في فتاوى سابقة منها الفتوى رقم: 30556.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(16/358)
يقبل الله توبة الزاني إذا تاب وأناب
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، وأنا في الرابعة عشرة وقعت في فاحشة الشذوذ الجنسي الذي كنت أمارسه مع بنات وبعضهن محرم لي ولم يبلغن الحلم بعد ولا أعلم إن وقع الإيلاج أم لا والعياذ بالله واستمر الحال على ما هو عليه حتى السادسة عشرة.
أما الآن فإني شاب في الحادي والعشرين من العمر ولقد ندمت كثيرا والحمد لله قد تبت وأنبت إليه سائلا إياه أن يتقبل توبتي ويرحمني برحمته التي وسعت كل شيء.
ما الحكم الشرعي فيما وقعت فيه وهل التوبة وحدها كفيلة للخلاص مما وقعت فيه، وما هي التوبة النصوح وهل يجب علي إذا ما عزمت على الزواج أن أتزوج من إحدى هذه الفتيات علما بأنهن بلغن الحلم وهل يجب علي مغادرة البلد التي عصيت الله به إلى بلد آخر. وما الذي يجب علي اتجاه تلك الفتيات هل أطلب منهن العفو والسماح.
الرجاء من فضيلتكم الإسراع بالرد وأملي من الله عز وجل أن يكون جوابا شافيا إن شاء الله.
جزاكم الله عنا كل خير. وبارك الله فيكم وكثر الله من أمثالكم. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقوع في الفاحشة محرم، لقول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ {الأنعام: 151} . ومن أخطر الفواحش فاحشة الشذوذ الجنسي، وفعلها مع المحارم أشد تحريما وقبحا وشناعة، فالواجب عليك أن تتوب توبة نصوحا إلى الله تعالى وأن تستر نفسك ومن فعلت بهن، وتكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} .
وقد وعد الله الزاني بالتوبة عليه إذا تاب إلى الله تعالى، فقال في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} .
ولا يشترط في صحة التوبة زواج إحدى الفتيات ولا يجب زواج إحداهن، ولكنه يجوز عند التأكد من توبتهن أن تتزوج من شئت منهن، ويتأكد ذلك إذا كانت بينكما محبة، لما في الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وأما مغادرة البلد فإن كان بقاؤك بالبلد الذي أنت فيه يذكرك بالمعاصي ويجرك إليها لفساد أهله وكثرة الخلطة الفاسدة فإنه متعين، وإلا، فإنه لا يجب، ويدل لحتمية مغادرة البلد الذي يجر للمعاصي: حديث مسلم في قاتل مائة نفس، فقد قال له العالم: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
كما يدل له حكم الشارع بتغريب الزاني سنة، كما في حديث الصحيحين.
وأما عن حق الفتيات وما يجب عليك اتجاههن فإن سترهن واجب.
وراجع للمزيد في تعريف التوبة النصوح وفي خطورة فاحشة الشذوذ الجنسي والزنا والوسائل المساعدة على البعد عنها وجواز زواج الرجل بمن زنى بها إذا تابا الفتاوى التالية أرقامها: 30425، 34932 34015، 28748، 27314، 19812، 2092.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(16/359)
محاولة اغتصاب طفلة من قريبها.. العلاج الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم محاولة اغتصاب طفلة في سن التاسعة من عمرها من قبل ابن عمها وهو طالب جامعي، نريد فتوى في هذه القضية لحيرة والد الطفلة ووالد الشاب مرتكب الفعله، وما نصيحتكم لنا، نحن نسكن في منزل واحد فماذا نفعل أفادكم الله نريد سرعة الرد لتفادي المشاكل التي يمكن أن تحدث بين الطرفين ونشكركم مع تحيات والد الطفلة، لو أمكن كتابة المفتي الذي أفتى إن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محاولة الشاب البالغ لاغتصاب البنت أمر محرم لما فيه من الهم بالمعاصي وقربان الزنى والاعتداء على حق الجيران والأرحام، وقد حرم الله تعالى ذلك فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وإن كان الاغتصاب لم يحصل فعلاً، فإن على والد البنت أن يحمد لله الذي سلم بنته من هتك عرضها، وأن يحرص على حمايتها وحضانتها وتربيتها تربية إسلامية، ويمنعها من دخول الأجانب عليها، وأن يحرص على ستر وكتمان ما حصل لئلا يشيع من الموضوع ما يشوه سمعة بنته ويؤثر على مستقبلها في الزواج، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} ، وفي الحديث: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. رواه النسائي وصححه الألباني.
وقد فسر الديوث بمن لا يغار على محارمه ولا يمنعهن من مخالطة الأجانب، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه. قال النووي في شرح الحديث: عالهما قام عليهما بالمؤونة والتربية.
وفي حديث الصحيحين: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته.....
واعلم أنه لا إثم على البنت فيما يحصل لها من الإكراه إن لم تكن تساهلت في الخلوة أو الظهور بالزينة للشاب؛ لقوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106} ، ولما في الحديث: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وحسنه النووي، ويتأكد الأمر إن كانت البنت لم تبلغ سن المحيض، لما في الحديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق. رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعلى والد الشاب أن يتعهد ولده بالنصح ويحمله على التوبة والعفة والاستقامة على الطاعة انطلاقاً من واجب النصح والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، وعليه أن يساعده على الزواج ويبحث له عن رفقاء صالحين يعينونه على الطاعة، وإن أمكن تزويجه بالبنت فهو أحسن إذ أن ذلك أدعى لتحصينه، لما في الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وإذا تيسر الانفصال في السكن بين الأسرتين فهو أولى لما فيه من إبعاد الشاب عن البنت وتسليته عنها، فإن البعد عن مكان المعصية من أسباب نجاح التوبة، كما يدل له حديث مسلم في الرجل الذي قتل مائة نفس فأمره العالم بالانتقال من بلده إلى بلد فيه ناس صالحون. ويتعين على أبوي الشاب والبنت أن لا يجرهما تهور وطيش الولد إلى وقوع المشاكل بينهما وقطع رحمهما، فالواجب أن يتعاونا على حل المشكلة بطريقة حكيمة مشروعة.
ومن أحسن ما يساعدهما في حلهما أن يزوجا الولد بالبنت ويساعداهما في بناء الأسرة ويحتسبا الأجر عند الله في ذلك، ففيه إعانه لهما على التقوى وحفظ للأعراض وسلامة من المشاكل إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(16/360)
إمساك الزوجة الزانية أفضل في حال دون حال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الشيوخ الأفاضل في زوجة أدخلت إلى بيت زوجها غريباً، واكتشف الزوج لاحقاً عن طريق صورة على جوال زوجته أنها فعلت ذلك واعترفت له بارتكاب الكبيرة بمجرد ما أطلعها على ما اكتشف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مما وقعت فيه، فإن الزنا من قبائح الأمور ورذائل الأفعال. وقد ورد في عقوبة الزنا نصوص ترتعد لها فرائص المؤمنين، ومن ذلك ما ذكرنا في الفتوى رقم: 26237، والفتوى رقم: 15209.
وأما الزوج فإن كانت زوجته قد أظهرت التوبة فإن الأفضل أن يمسكها وأن يكون عونا لها على الطاعة والبر، وإن كانت باقية على حالها ولم تتب فإن الأفضل هو أن يطلقها، ولا خير في إمساك مثلها، وتراجع الفتوى رقم: 24798.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(16/361)
كفارة من وضعت ولد زنا وأهملته ولم تعرف عنه شيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من وضعت حمل زنا (ولد منذ 1988 ... ولم تره بعدها) ??? وما كفارة ذلك!!
مع العلم أنها تابت توبة نصوحا.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تابت هذه المرأة توبة صادقة من هذا الذنب بحيث تركته بالكلية وندمت على ما فات وعقدت العزم على عدم العودة إليه فإن الله تعالى وعد التائبين بقبول توبتهم، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} . بل إن من كرمه سبحانه وسعة فضله أنه أخبر بتبديل سيئات التائب حسنات في قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68ـ70} . فما على هذه المرأة إلا أن تكثر من التوبة والاستغفار والاعمال الصالحات لأن الله تعالى يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} . وفي الحديث: أتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وإذا وجدها ولدها ذلك فعليها أن تستسمحه في تركها له وإهمالها إياه، فهوابنها يجب عليها له ما يجب على كل أم تجاه ابنها، فكونه ابن زنى لا يبرر تركه وتضييعه ولا يخرجه عن كونه ولدا يجب له ما يجب لغيره من الأولاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(16/362)
ماذا يفعل من علم أن امرأة تمارس الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف امرأة متزوجة ولكنها تمارس الزنا بحجة عجز الزوج وتصر على ذلك، هل أخبر أهلها، وما الحكم إذا سكت ولم أخبر أحدا، برجاء أجيبوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أولاً أخي أن تقوم بنصحها وتخويفها من عقاب الله الذي يستحقه الزناة، ويمكن أن ترسل إليها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21307، 26237، 37359.
فإن لم تقلع عن هذه الفاحشة القبيحة، فأخبر من تراه من أهلها قادراً على أن يحول بينها وبين المعصية، وليكن إخبارك بأن تقول انتبهوا لفلانة، أو صونوا بنتكم، أو احذروا عليها ونحو ذلك، دون التصريح بقذف؛ فإن هذا لا يجوز إلا أن يراها على الجريمة أربعة شهود من الرجال العدول، كما يرون الميل في المكحلة.
فإن فعلت ذلك فقد أديت ما عليك. ولا يجب عليك أن تقوم بالشهادة عليها، وانظر الفتوى رقم: 40328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(16/363)
شذوذ الأخ مع أخته.. داء له دواء
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميلة تمارس الشذوذ الجنسي مع أخيها منذ سن العشر سنوات وهي الآن في السنة الأخيرة من التعليم الجامعي وتريد التوبة ولكن أخاها يجبرها على ممارسة الرذيلة معه، فماذا تفعل لكي تتخلص من هذا الإثم؟ وما واجبي الشرعي نحوها؟
وشكر الله لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقع بين هذا الشاب وأخته كبيرة من الكبائر، فإن إتيان المرأة في دبرها زنا، وانظري الفتوى رقم: 37894. وإن كان الزنا ذنباً غليظاً ومحرماً ـ فإن الزنا بين المحارم أشد تحريماً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه. وقال ابن حجر في (الزواجر عن اقتراف الكبائر) : وأعظم الزنا على الإطلاق زنا المحارم. اهـ. وذلك لأن المحرم مطلوب منه الحفاظ على عرض محارمه والذود عنه ـ لا أن يكون هو أول الهاتكين له!! وانظري للأهمية الفتويين: 2376، 16574. وعلى هذا، فالواجب على هذين ترك هذا الفعل المحرم فوراً والمسارعة إلى التوبة إلى الله قبل أن يدهمهما الموت وهما مصران على هذه المعصية. وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 5450. وعلى هذه الفتاة أن تصد أخاها بكافة أنواع الصد، وتستخدم ضده كل أنواع التهديد، ومنها تهديده برفع أمره إلى أولياء أمورها. وعليها كذلك أن تعامله معاملة الأجانب من الرجال، فتحتجب منه بخمارها فلا يرى شيئاً من بدنها، وتجتنب الاختلاء به في البيت وحدهما، وأن لا تنام معه في غرفة واحدة. وأن تستعيذ بالله من شره وبلائه، وأن تدعو الله ضارعة أن يقبل توبتها ويغفر ذنبها وأن يقوي إيمانها وأن يعينها على صده ودفعه، وأن يرزقها العفاف، وأن يرزقها الزوج الصالح الذي تقر به عينها ويحفظ لها عرضها. وعليها كذلك أن تكثر من الأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} . وعليها أن تلتمس الصحبة الصالحة من الأخوات المتمسكات بالدين، فإنهن خير معين بعد الله على ثباتها على طريق الهداية، فتشترك معهن في تعلم العلم النافع، وتصحيح قراءة القرآن، فتحيا بذلك حياة جديدة غير حياتها الأولى. وكما ننصحها بالإكثار من ذكر الله وخاصة أذكار الصباح والمساء، وهي موجودة في كتاب (حصن المسلم) وأن تكثر من قراءة القرآن بتدبر، وأن تستمع إلى أشرطة المحاضرات الإسلامية.
وأما ماضيها الأليم فلا تخبر به أحداً، ولتتشح بستر الله عليها، قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. ولتحمد الله على أن بصرها إلى طريق الحق قبل فوات الأوان. وبشريها بأنها إذا تابت توبة نصوحاً ـ فإن الله يقبل توبتها ويمحو عنها ذنوبها، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104} . وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن التائب يبدل الله سيئاته حسنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان: 68ـ70} .
هذا، وإن الواجب عليك أن تطليعها على هذه الفتوى، وعلى الفتاوى المتفرعة عنها والتي أحلنا عليها، وأن تعينيها على الثبات على طريقها الجديد، وأن تتابعي تطبيقها للنصائح التي وجهناها إليها. وعليك كذلك أن تستري عليها فلا تخبري أحداً بأمرها أبداً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(16/364)
تبرج المرأة وإغراؤها للرجل لا يبرر فعل الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت ذات مرة أن حد الزنا أو جريمة الزنا تكون بدخول رأس الذكر في فرج المرأة بقصد اللذة متعمداً،
فهل معنى ذلك أن من يزني بامرأة دون تعمد ليس زانيا؟!! وأقصد من دون تعمد هنا أن هذه المرأة فاتنة وتكلمه وظلت تحوم حوله كما يحوم الذئب حول فريسته، فهل إذا اشتدت به الشهوة بسبب ما تفعله هذه المرأة وزنا بها لا يدخل ذلك تحت كونه متعمداً وبالتالي لا يعتبر زنا صريحا أو زنا يوجب الحد، مع العلم بأنها هي وغيرها زملاء له بالعمل والدولة التي أعيش بها تكاد تكون نسبة المحجبات 50% وبالطبع لن أترك عملي الذي هو مصدر رزقي الوحيد لأن به فتيات فاتنات غير محجبات وللأسف مسلمات.. وطبيعة العمل تحتم علي أن نتحدث مع بعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. ومن هذا يعلم أن للزنا معنين: معنى عاماً ومعنى خاصاً.
أما المعنى العام فهو الذي تشترك فيه جميع الجوارح، فمن فعل شيئاً من التمتع المحرم بهذه الجوارح فهو زان يستحق العقوبة من الله تعالى إذا لم يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى أو يعفو الله عنه ويسامحه، كما يستحق بذلك العقوبة والتعزير من ولي الأمر حسب اجتهاده وما يردع صاحب المعصية.
أما المعنى الخاص للزنا، والذي يترتب عليه حد الجلد أو الرجم، فهو ما عرفه أهل العلم بقولهم: الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه تعمداً....
وما ذكره السائل أن من اشتدت به الشهوة ... فارتكب فاحشة الزنا هل يعتبر ذلك زنا؟ فإن هذا عين الزنا يوجب على صاحبه الحد الشرعي، وعلى المسلم أن يتجنب أسباب الفتن، ويحذر من الخلوة والاختلاط وغير ذلك من الأمور التي حذر منها الشرع، فقد قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ {النور:30-31} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني وغيره.
ولا مبرر لأحد أن النساء غير متحجبات أو أنهن يغرين الرجال ... أو غير ذلك من الحجج الواهية ... ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 4458، 12492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(16/365)
اعتراف العالم بأسره بضرر الزنا على الفرد والمجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث يحمل رقم 6324 بأي كتاب، حديث يتحدث عن تحدث النبي بألفاظ نعتبرها في عصرنا الحالي خارجة وكان موضوع الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليتوب إليه من ذنب الزنا وأمر برجم هذا الرجل، هذا لأن الكثير من النصارى يشككون في ديننا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي بينت رقمه هو في صحيح البخاري، وهو عند مسلم وغيرهما من أهل الحديث، ونصه كما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، يا رسول الله، قال: أنكتها لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه. وهذا الحديث حجة في شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء رحمة للعالمين، فلقد أخذ يلقنه حجة يستر بها نفسه لينجو من الرجم، ولكن الرجل كان قوي الإيمان وشديد الخوف من ربه، ففضل أن يرجم تطهيرا لجسده وتعجيلا للعقوبة لينجو من عذاب الله يوم القيامة. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي بشيء من المعاصي بالستر على نفسه، قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، فمن أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
ثم إنه صار من المسلَّم الآن أن الزنا له دور كبير في نقل فيروسات مرض الأيدز وهو يؤكد إعجاز هذه السنة المطهرة، فقد روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
وإنه من المكابرة الآن أن يدافع المرء عن الزناة، فقد اعترف العالم بأسره بضرر الزنا على الفرد وعلى المجتمع، ولاشك أن الزاني المحصن أبلغ في الإثم من الزاني البكر، ولذا جاء الشرع الحكيم يفرق بينهما في الحد.
وعليك أيها الأخ الكريم، أن لا تتأثر من تشكيك النصارى في ديننا فإن ذلك حسد منهم وليس نقصا في ديننا، وهم لن يرضوا عنا إلا إذا اتبعنا ما هم عليه من الباطل، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {البقرة: 120} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(16/366)
زنت امرأته ثم تابت فماذا يصنع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ خمس سنوات ولي بنت عمرها سنتان علمت مؤخرا بأن زوجتي ربطت علاقة محرمة مع زميل لها في الشغل وعاشرها معاشرة الأزواج واعترفت لي بتفاصيل
هاته العلاقة التي كانت في غاية الانحطاط وأنها كانت بسبب قطعها وأنها نادمة وتابت إلى الله
سؤالي الأول~:
هل يحق لي شرعا أن أعطيها فرصة أخرى علما بأنني لم أكن مثاليا طيلة مدة الزواج وارتكبت أخطاء من نفس النوع,
سؤالي الثاني
أنا مغتاظ كثيرا من الشخص الذي كانت على علاقة به, هل أتركه في حال سبيله حتى أكون أمام الله ديوثا وجبانا, أم أرفع في وجهه قضية زنا بامرأة متزوجة وهذا يشوه صورة أم ابنتي أم هناك طريقة للاقتصاص منه لكي يعرف فظيع ما اقترفه من ذنب
إني أتألم جدا وأنتظر منكم الحل. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد ذكرت أخانا السائل في سؤالك أن زوجتك قد ندمت على ما بدر منها وأنها تابت إلى الله من ذلك الذنب، وبالتالي، فلا مانع من أن تعطيها فرصة أخرى تثبت فيها صحة توبتها وحسن نيتها، ولك في ذلك الأجر والثواب إن شاء الله لأنك سترت على مسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر مسلما ستره الله. ويقول عليه الصلاة والسلام: لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم. وعليك أن تبادر أنت أيضا بالتوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العودة لما اقترفته من معاص، ولعل ما أصابك من أهل بيتك هو بسبب معصيتك، فعليكما بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة في حياتكم الزوجية بعيدة عن الوقوع في كل ما يغضب الله وأبشرك بقوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. إلى أن قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68-71} .
أما سؤالك عن الشخص الذي كان على علاقة بأهلك فلتترك أمره إلى الله، ولا تكون بذلك ديوثا ولا جبانا، ولا فائدة من أن ترفع في وجهه قضية زنا بامرأة متزوجة، لأنك لا تملك الأدلة الكافية التي تدينه بها أمام القضاء، بل إن من رماه بارتكاب الفاحشة بدون بينة على ذلك يعد قذفا وبالتالي، فلن تستفيد من هذه الدعوى شيئا سوى التشهير بأهلك وكشف الستر عنهم وتشويه صورتهم في المجتمع كما ذكرت، وكذلك طريقة الاقتصاص منه، فإنك ستدرأ مفسدة بمفسدة أكبر منها، وسوف تعالج خطأ بخطأ ربما يكون أكبر منه، فما عليك إلا الصبر وأن تشكوه إلى الله، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(16/367)
الرفث مع غير الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أمّا بعد, ما كفارة الرفث إلى غير الزوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرفث يطلق على الجماع، وعلى مقدماته، وما إلى ذلك مما يختص بأمور النساء.
وسواء أراد به السائل الجماع أو غيره، فإنه مع غير الزوجة محرم، وليست له كفارة غير التوبة، ولكن الجماع لغير الزوجة يسمى زنا، وله حد في الدنيا وهو الجلد إذا كان الفاعل غير محصن، والرجم إذا كان محصناً.
قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {النور: 2} .
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وراجع في هذا الفتوى رقم: 26046.
وهذا الذي ذكرناه هو على تقدير أن الفاعل غير متلبس بصوم ولا حج. وأما لو كان متلبسا بواحد منهما، فإن الزنا يفسد الصيام والحج، ويوجب على الصائم كفارة يمكن أن تراجع فيها فتوانا رقم: 1104.
وبالنسبة للحاج فإنه يفسده إذا جامع في الفرج قبل التحلل الأول، ويجب عليه هدي، وراجع فيه فتوانا رقم: 37895.
وهذه الكفارات تجب بالجماع للزوجة ولغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(16/368)
الحمو الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي اعترفت لي أنها وقعت في الزنا من أخي لعدة مرات تحت الإكراه، والأخ يرفض هذه الدعوى تماما وقد قطعت رحمي به وهممت بقتله فما رأيكم دام فضلكم هل أهجره أم أقطع رحمي به رغم أن الغالب على ظني أن رواية زوجتي صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي بارك الله فيك أن جريمة الزنا لا تثبت إلا بأحد أمرين: 1ـ الاعتراف من الفاعل. 2ـ أن يشهد أربعة شهود على أنهم شاهدوا ذلك كما يشاهد الميل في المكحلة. وليس واحدٌ من الأمرين متحققا في أخيك، ولذا لا يجوز لك اتهامه. وكلام زوجتك تضمن أمرين: الأول: اعترافها بالزنا ولا حد عليها لأنها مكرهة. قال ابن حجر في التحفة: (ولو أقر بزنا أو شرب) لمنكر (استحب له الرجوع) كالستر ابتداء، وهو مقتضى خبر ماعز السابق، وهذا ما رجحه في الروضة، ولا يخالفه كما قال الزركشي ما يأتي في الشهادات أن من ظهر عليه حد يستحب له أن يأتي الإمام ليقيمه عليه لفوات الستر، لأن المراد بالظهور أن يطلع على زناه من لا يثبت الزنا بشهادته فيستحب له ذلك، أما المقر فيستحب له الرجوع لما مر (فإن رجع) عن الإقرار، ولو بعد الشروع في الحد (سقط) عنه (الحد) لتعريضه صلى الله عليه وسلم لما عز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت، لعلك لمست، أبك جنون. ولأنهم (لما رجموه قال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا وذكروا ذلك له صلى الله عليه وسلم، فقال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه. اهـ. (قوله: فإن رجع) كقوله كذبت أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو فاخذت أو لمست فاعتقدته زنا. قال البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات: وإن حملت من لا لها زوج ولا سيد لم تحد بذلك) الحمل (بمجرده) لكن تسأل ولا يجب سؤالها لما فيه من إشاعة الفاحشة وهو منهي عنه، فإن ادعت إكراها أو وطئا بشبهة، أو لم تقر بالزنا أربعا لم تحد، وروى سعيد: أن امرأة رفعت إلى عمر ليس لها زوج وقد حملت فسألها عمر فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس فوقع علي رجل وأنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ فدرأ عنها الحد. وروي عن علي وابن عباس: إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل ولا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهة وهي متحققة هاهنا. اهـ. 2ـ قذفها لأخيك بالزنا فإن أثبتت ذلك، وإلا فتستحق حد القذف إن طالب به أخوك وأمكنه إقامة البينة على أنها قذفته. قال شيخ الإسلام زكريا في أسنى المطالب: (فصل لو قال أحد الزوجين أو غيرهما للآخر زنيت بك لزمه حد الزنا) لإقراره على نفسه به (و) حد (القذف) لأنه قاذف. انتهى. وإنما فرض الإسلام هذه الحدود وشدد في الشهود حفظا للأعراض. ونذكرك أخي بقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج.. إلى أن قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت، فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي. انتهى. فلا تسمح بأي فرصة لقاء بين زوجتك وبين أخيك فإن الشيطان سيكون ثالثهما. وانظر الفتاوى بالأرقام التالية: 43022، 48173، 54588. ولا نرى أن تقطع علاقتك بأخيك لأنه لم يثبت عليه شيء وإنما هي تهمة، بل واصله بالنصيحة والموعظة والتذكير بالله تعالى، لعله أن ينتفع ويتوب بسببك وإن كان عاصياً فلك هجره بمعصيته إن كان في الهجر منفعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(16/369)
تحريم الزنا وراءه حكم كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرم الزنا وماهي مضاره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله حرم الزنا لما يسببه من هتك الأعراض والعزوف عن الزواج واختلاط الأنساب وانتشار الأمراض الفتاكة. مثل السفلس والأيدز. إضافة إلى عقاب الله العظيم في الآخرة والحد في الدنيا، ثم إن المسلم يجب عليه الانقياد لأمر الله سواء عرف الحكمة منه أم لم يعرفها. وراجع للزيادة في الموضوع، وفي الأسباب المساعدة على البعد عن هذه الفاحشة الشنيعة والقبيحة. الفتاوى التالية أرقامها: 42103، 39215، 29241، 34932، 30425، 26237، 43033.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(16/370)
السر في جعل عقاب الزانيين الرجم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي سؤال حيرني كثيرا أرجو أن تساعدوني ...
ألم يقل الرسول صلي الله عليه وسلم: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة؟ ... وحتى عن الذبح أيضا قال هكذا ولكن ألا ترون أن حد الرجم على الزاني فيه عذاب وموت تدريجي ويناقض هذا القول النبوي؟ ولماذا لم يأت حكم الرجم في القرآن؟ أجيبوني أرجوكم فأنا تابع للقرآن والسنة النبوية وهنا في بلدي ظهرت فتنة في هذا الأمر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرجم الزانيين المحصنين ثابت بالسنة العملية التي جاءت تطبيقا للنص القرآني الموجب لذلك، وقد ذكرنا في فتوى سابقة آية الرجم التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فلتراجع ذلك في الفتاوى التالية: 49234، 18130، 13919، 18663، 12905.
وقد قرر الشرع الحنيف هذا الحكم الحاسم لسد ذرائع الفساد المترتبة على هذه الجريمة الشنيعة، كاختلاط الأنساب وانتشار الأوبئة والأمراض، مع انقطاع عذر الزاني بعد الإحصان، فقد أباح الله له زوجته وحرم عليه غيرها إلا بالزواج، ومد له ذلك إلى أربع نسوة، مما يكون سببا في حفظه وصيانته عن الوقوع في الحرام، وأباح للزوجة كذلك طلب الفراق عند التضرر بغيبة الزوج أو إعساره بالنفقات، فكان من العدل بعد هذا التيسير وغلق أبواب الشهوات أن تنقطع المعاذير الداعية إلى تخفيف العقوبة، ولم يبق إلا أن يؤخذ الزاني بعقوبة الاستئصال بالرجم حتى الموت.
وقد بين ابن القيم رحمه الله السر في جعل عقاب الزانيين الرجم الذي فيه إيلام البدن وإزهاق الروح معا، فقال: وأما الزاني، فإنه يزني بجميع بدنه، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن، والغالب من فعله وقوعه برضى المزني بها، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة، والقتل بالحجارة مرة، ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين وفي هذا إهلاك الحرث والنسل، فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك، فزجر عنه بالقصاص ليرتدع من مثل فعله من يهم به، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة. اهـ.
ولا شك أن العقل الصريح والنص الصحيح يتوافقان على وجوب العقوبة للزانيين بقدر يتناسب مع ما ارتكباه من خيانة، وكما قالوا: خانت فهانت.
وإذا تركنا لكل معترض فرصة الاعتراض على أحكام الله تعالى لما طبقت الحدود، ولا أقيمت الشرائع، إذ لا بد لردع الجناة والآثمين من عقاب فيه إيلام يتناسب مع نوع الجرم وصفته، وقد اعترض بعض الزنادقة والملاحدة على حد السرقة فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له * ونستجير بمولانا من النار
فرد عليه بعض أهل الإسلام بقوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت * لكنها قطعت في ربع دينار
عز الأمانة أغلاها وأرخصها * ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(16/371)
العلاقة بين المحارم لها حدود لا ينبغي تجاوزها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قضيتي أني رجل ملتزم ولله الحمد ولي أخت من أبي وأحبها حب لا يعلم مقداره إلا الله وكذلك هي تحبني كذلك وكنت على وشك السفر إلى الخارج للدراسة وأعلم قدر حبها لي في يوم من الأيام دخلت عليها الصباح وهي نائمة فاستيقظت وأنا بجانبها فضمتني إلى صدرها وبكت شوقا وخوفا لفراقي وبعدها قبلتها أنا بشكل كثير وهي بادلتني نفس الشعور وما دريت إلا وقد سحبتها إلى فوقي وأحسست بشهوة مما أزلني الشيطان فقذفت بالمني رغم أنه كان بيني وبينها ملا بسنا وهي لم تشعر بذلك ولكن بعد أن انتهيت شعرت بذنب شديد فهل علي من وزر أو كفارة أو شيء لأني أحس بالذنب رغم أني تبت إلى الله أرجو الرد السريع لي وماذا أعمل رغم أنها تراسلني بشكل كبير ورسائلها تبكيني وتزيدني شوقا لها والحب لها ليس لشهوة وإنما للأخوه فقط؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سوء الأدب الدخول على المحارم بدون إذن خاصة لو كانت إحداهن نائمة، إذ ربما انكشف شيء من عورتها وهي لا تدري، فعن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله، أستأذن على أمي؟ فقال: نعم، فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها. فقال الرجل: إني خادمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا. قال: فاستأذن عليها. رواه الإمام مالك في موطأه مرسلاً، ومن طريقه البيهقي.
قال ابن عبد البر رحمه الله وهو مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه.
هذا، ولقد ارتكبت إثماً بمباشرتك لأختك (التي حرمها الله عليك تحريماً أبدياً) حتى أنزلت!! فكما حرم الله الزنا، فإنه حرم مقدماته ودواعيه، فقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء: 32} .
وإن كان الزنا محرما بين عموم الناس، فإن حرمته أشد إذا وقع بين المحارم، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه.
وأنت وإن لم تكن قد قارفت الكبيرة، إلا إنك قاربت، وانظر حكم تقبيل المحارم في الفتويين: 3222، 7421.
واعلم أن ما ذكرته عن علاقة الحب التي بينك وبين أختك فوق العلاقة التي تكون بين ذوي الأرحام، ونخشى أن تكون قد تطورت إلى علاقة عشق والعياذ بالله، فننصحك وإياها بتقوى الله، والخوف منه، وتذكر غضبه وأليم عقابه، وننصحك بأن لا تختلي بها، ولا تلمسها، ولا تنظر إليها إذا كنت لا تأمن على نفسك الفتنة، وانظر داء العشق ودواءه في الفتوى رقم: 9360.
كما ننصحك بالإسراع إلى الزواج، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.
وكذلك ننصحك بأن تعمل على تزويج أختك وإعفافها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(16/372)
توجيهات لتوقي الوقوع في حمأة الرذيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هو ليس سؤال بقدر ما هو شرح لوضعي ومن البداية فإني أتأسف لصراحتي ولكن خوفي من الله وحده يمنعني من الزنا، أنا أبلغ من العمر 32 سنة أعيش في الإمارات وقد تلاطمت بي أمواج الدنيا ومشاكلها فلم أكن قادراً على الزواج لضيق الحاجة وغلاء المعيشة لقد قدمت إلى هذا البلد من مدة ليست بطويلة واعتقد أني بحاجة لبعض الوقت لتكوين نفسي فهي غالية جداً، ولكن لم أعد قادراً على الصبر المغريات كثيرة من حولي حتى عند الصيام وهدوء النفس ما زالت نفسي تشتهي الزنا وأنا لا أريد ارتكابه وغير قادر على الزواج ولم أعد أطيق والصبر خذلني فلقد أصبحت الفكرة هاجسا يستحوذ علي في حياتي ومنامي وعملي وحتى في صلاتي وأصبح تفكيري متطرفا فأحياناً أفكر في سهولة طريق للزنا وأحاول أن أجد لنفسي الأعذار لا أستطيع التركيز في حياتي وعملي، فالموضوع ليس سهلاً علي خاصة، وأحاول أن أجد طرقاً مغرية لإيقاع الفتيات ثم أستغفر الله. ز وأقول في نفسي أحياناً أخرى يوجد في هذا البلد من غير المسلمات فلعله أخف وطأة أن أباشر بهن فهن لسن بمسلمات كعذر لي وأنا أعرف بأنه حرام ولكني منذ فترة ليست ببعيدة بدأت أفكر جدياً بهذه الأمور وما يخيفني أكثر من الزنا التفكير السيء الذي أعاني منه وما يرافقه من كذب وخداع وطرق للمدارة والنفاق قد أعاني منها إذا ما ارتكبت هذه المعصية (فإن بليتم فاستتروا) وأنا متأكد أن هذا الوضع بدأ يؤثر في نفسي وأنا أشعر بأنني إن بقيت في هذا الوضع سأعاني من مرض نفسي حاد لأني بدأت أشعر في بوادره، فالصبر والصيام يلازماني لأكثر من 15 عاماً وأكثر وأظن أني لم أعد قادراً على الصبر وأنا لا أريد أن أخدع بنات الناس والمؤمنات بقدر ما أنا بحاجة إلى رفيقة (أرجوكم اهدوني وساعدوني لعلي أجد حلاً لحالتي) مرة أخرى أتأسف لصراحتي ولكن لا خيار لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجعل لك فرجا ومخرجا مما تعاني منه، وأن يسهل لك طريق الزواج وإحصان الفرج بما أحل، وأن يجنبك ما حرم.
أخانا في الله لقد وقفنا من خلال رسالتك التي هي عبارة عن شرح لوضع تعيشه ويعيشه للأسف كثير من شبابنا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، وصار فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر، وقفنا على حجم المعاناة التي تمر بها وتنغص عليك حياتك، وتشغل فكرك في جل أوقاتك، وهذا بلا شك له أثر كبير في عدم إتقانك لعملك الديني منه والدنيوي، إنها الشهوة وسعارها أعاذنا الله وإياك من شرها، قال صاحب الظلال: فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه، في عصرنا المريض الدنس الهابط، الذي تهيج فيه الفتن، وتثور فيه الشهوات، وترف فيه الأطماع، كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتنة، ويهيج الشهوة، وينبه الغريزة، ويوقط السعار الجنسي المحموم، كيف بنا في هذا المجتمع، في هذا العصر. انتهى.
فاسمع أخي لهذه التوجيهات واعمل بها لعل الله ينفعك بها ويخلصك من هذا الداء:
1- اعلم أخي أن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:1-2} ، فهذه الحياة هي دار ابتلاء، حيث يبتلي الله عباده ليعلم المجاهدين منهم والصابرين، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {آل عمران:142} ، وأعظم الجهاد جهاد النفس، وأعظم الصبر الصبر عن الشهوات وعن ما حرم الله. فنوصيك بالصبر، فإن النصر مع الصبر، والصبر مفتاح الفرج، وسيجعل الله بعد عسر يسرا.
2- توكل أخي على الله وحصن فرجك بالزواج من امرأة ذات دين تقنع بما رزقك الله وترضى بحالتك وظروفك المادية، ولا تقف الظروف المادية حائلاً دون إحصان فرجك، فقد وعد الله من أحصن فرجه بالغنى، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32} ، وعن ابن مسعود أنه قال: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ. انتهى.
3- استعن بالصيام فإنه لك وجاء أي: وقاية، فالسبيل لإحصان الفرج عن السوء إنما يكون بالزواج، فإن لم تكن ثم استطاعة فيكون السبيل هو كثرة الصيام حتى تفتر الشهوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه من حديث ابن مسعود.
4- تجنب أماكن الفتن والإغراء، واشغل نفسك بعمل ديني أو دنيوي نافع، ولا تدع للفراغ مجالاً في حياتك.
5- ادع الله وتضرع له والجأ إليه أن يجعل لك فرجا ومخرجا، وعليك بتقوى الله فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا.
حفظك الله من كل سوء ويسر لك سبيل الحلال وجنبك سبيل الحرام إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1425(16/373)
لا فرق في الحكم بين الزنا بالمسلمة والكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة أوروبية ليس لها دين على الإطلاق وجاءت لتعيش معي في بلدي فهل يحل لي معاشرتها جنسياً بدون زواج لأنها كافرة وليست كتابية وهل يمكن لي أن أعتبرها كمملوكة يمين حيث أني أتكفلها مالياً، كما أريد أسباب إن كان حراماً أم حلالاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وتحريمه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، ولا فرق في حكمه بين المسلمة والكافرة كتابية كانت أو غير كتابية، لذا فعلى السائل أن يتوب لله تعالى توبة نصوحاً من التعرف على هذه الفتاة بذلك القصد والعيش معها، وليعلم أنه لا فرق ينهما وبين غيرها من النساء في منع الزنا أو مقدماته بها، فليقطع علاقته بهذه المرأة حتى لا ينجر إلى ما هو أكبر وأعظم.
ولا يصح بحال من الأحوال اعتبار هذه المرأة من ملك اليمين، ولأسباب ملك اليمين والتعرف على حكمه أكثر تراجع الفتوى رقم: 6186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(16/374)
عقوبة من اختطف امرأة وفعل بها الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل اختطف امرأة، فطلب أولياء المرأة من أهل الرجل أن يقوموا بدفع مبلغ من المال وتزويج رجل منهم، وذلك مقابل ما لحق بهم من عار بسبب هذا الذي أقدم عليه قريبهم، والسؤال: ما مدى صحة هذا التصرف، وما الحل في مثل هذه الأحوال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقدم عليه مختطف المرأة منكر شنيع وإثم كبير وليس من أخلاق الإسلام، وعلى هذا الفاعل أن يبادر إلى التوبة مما ارتكبه، وعلى المجتمع أن يضع حدوداً تحول دون مثل هذا العمل المشين وما أراده أولياء المرأة من أهل الرجل من دفع مبلغ من المال وتزويج رجل منهم مقابل ما لحق بهم من العار، فإن تراضى الطرفان على ذلك ووقع التزويج مستوفيا كل شروطه وأركانه فلا مانع منه إذ لم يرد في الشرع ما يمنعه، والأصل في الأشياء الإباحة.
وإن رفض الطرف الآخر طلب أولياء المرأة فإنه لا يلزم الوفاء به لأن المؤاخذة إنما تتعلق بمن ارتكب تلك الفعلة، وأما الشخص المختطف فإن ثبت بالبينة أو الاعتراف أنه زنى بالمرأة فقد استحق بذلك حد الزنا، واستحقت هي عليه مهر مثلها، وإن لم يثبت ذلك عليه فحقه أن يؤدبه الحاكم على ما فعل ويغرمه بما يراه مناسباً لفعلته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1425(16/375)
كفارة الزنا التوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للزانية والزاني كفارة وإذا خلا الزاني بالبنت ودعت عليه هل تستجاب دعوتها، أم باعتبارها زانية لا تقبل لها أعمال وما هو الزنا، هل إقامة علاقة محرمة كاملة أم أشياء أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا نوعان:
نوع يوجب الحد، ونوع لا يوجب الحد، وقد سبق تعريف الزنا بنوعيه في الفتوى رقم: 8448، والفتوى رقم: 3950.
وكفارة الزنا كغيره من المعاصي التوبة إلى الله تعالى، ولا تتحقق التوبة إلا بالندم على فعل المعصية والترك لها، والعزم على عدم العودة إليها، والأولى في حق من ستره الله أن يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 27534، والفتوى رقم: 22413.
ومن تاب تاب الله عليه، ويقبل منه ما يقدم من عمل صالح، بل قد يبدل سيئاته حسنات، فقد قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
أما دعاء الزانية على الزاني، فإن كان بحق كأن يكون قد زنا بها اغتصاباً، فالمرجو قبوله، وإن كان بغير حق فالله تعالى لا يقبل دعاء الظالمين بظلمهم، وفي الحديث: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم وغيره، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 26384.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(16/376)
حد الزاني المحصن الرجم وليس القتل بالسيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حد الزاني المحصن الرجم، فمتى يكون حده القتل بالسيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحد الزاني المحصن هو الرجم بالحجارة حتى الموت ولا نعلم حالة يكون حده فيها الضرب بالسيف، بل إن الفقهاء قد نصوا على حرمة إقامة الحد عليه بالسيف. قال العبادي في حاشيته على شرح الغرر: قوله: لا يقتله بالسيف، أي يحرم ذلك لتفويت الواجب لكن يعتد به. اهـ. م ر. أي من كلام الرملي. وقال البجيرمي في حاشيته على شرح المنهج: ولا يجوز قتله بنحو سيف، لأن القصد به التنكيل بالرجم. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 12316، والفتوى رقم: 48609.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1425(16/377)
اتباع خطوات الشيطان يقود إلى الوقوع في الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي (27سنة) تعرفت على فتاة منذ ما يفوق 6 سنوات تواعدنا على الزواج وطاعة الله ورسوله تطورت علاقتنا ووقعنا في الفاحشة مرات عدة بعد ذلك نويت أن أخطبها ثم أتزوجها لكن شاء الله عز وجل أن تمر عائلتي بظروف مالية صعبة جداً اضطررت لأن أنفق كل ما لدي وهي أموال جمعتها للزواج لكن حلت الكارثة حين طردت من العمل وهأنذا عاطل عن العمل منذ 4 أشهر وأصبت بحالة إحباط وخوف وقلق ونحول ولا أخفي أنني مازلت على علاقة مع فتاتي التي أحبها في الله وأتمناها زوجة لي المشكلة هو أنني أصر على ممارسة الجنس سطحيا معها رغم أنها ترفض دائما أجيبوني جزاكم الله خيرا هل تؤثر علاقتنا هذه على مستقبلنا حين نتزوج؟ وخصوصا أنا نندم بعد كل ممارسة للفاحشة ثم نعاهد الله على التوبة وبذل الجهد والوقت للطاعة بعد الزواج؟ حاولت البحث عن العمل أي عمل دون جدوى حتى الآن أرجو أيضا أن يطلع على رسالتي كل محسن يريد فعل الخير والله لا يضيع أجرالمحسنين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التنكب عن منهج الله الذي فيه صلاح البشرية وسعادتها هو السبب في وقوع مثل هذه الانحرافات.
فقد حدد الإسلام طريقاً واحداً للعلاقة بين الرجل والمرأة وهو الزواج الشرعي، فحرم أي علاقة أخرى خارج هذا الإطار حتى لا تحصل الفتنة التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. رواه البخاري ومسلم.
والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور: 21} .
ولا شك أن ما وقعت فيه من فاحشة مع هذه الفتاة هو بسبب اتباع خطوات الشيطان، وبسبب العلاقة غير الشرعية معها.
فيجب عليك التوبة إلى الله من هذه الفاحشة التي وقعت فيها، وقطع علاقتك بهذه الفتاة فوراً، فإن الزنا كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء: 32} .
وكفارة الزنى: التوبة الصادقة إلى الله تعالى، بالندم والاستغفار والعزم الأكيد على عدم العود.
وننصحك بالسعي في طلب الرزق، والبحث عن عمل مباح، والزواج فوراً حال التمكن من ذلك، إذ أن الفراغ وعدم إعفاف نفسك بالحلال من أسباب ما وقعت فيه من المحرمات، ولا يجوز لك الارتباط بهذه الفتاة إلا إذا تابت توبة صادقة، فإن تبتما توبة صادقة نصوحاً، فإن التوبة تجب ما قبلها، ونرجو أن لا تؤثر تلك العلاقة على مستقبلكما بعد الزواج، ولتكثرا من الأعمال الصالحة والتعويض عن ما بدر منكما من جرم في حق الله سبحانه إذ أن الحسنات يذهبن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(16/378)
لا دية على الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[قصة رجل (ش) له عم (ح) أصابته صدمة في يوم من الأيام، أفقدته السيطرة والتفكير في عواقب الأمور ... وهذا العم متزوج وله أولاد ... رأى ذلك الرجل (ش) رجلا (ج) يزور دار عمه قبل منتصف الليل بقليل، وذلك الرجل (ج) يكون من أقارب زوجة العم (ح) ، والرجل (ش) يعلم أن عمه المسكين ينام مبكرا، إذ أن داره قريبة من دار عمه، تكررت الزيارة من ذلك الرجل (ج) مرتين في الأسبوع تقريبا، والغريب أنه يدخل بيت العم وهو نائم، بل ويدخل في الغرفة الأخرى غير تلك التي ينام العم فيها، أثارت تلك الزيارات غضب الرجل (ش) ، إذ كيف يدخل ذلك الرجل (ج) بيت عمه، وهو نائم بل حتى لو استيقظ من منامه يخدع بأي كلمة براقة من زوجته، وهو ذلك الرجل المسكين الذي يغفل فلا يعي ما يدور حوله، وفي يوم عجيب، خرج الرجل (ش) وزوجته وأولاده إلى زيارة لأقاربهما، وبينما هم في الطريق إذ رأوا ذلك الرجل (ج) يتحدث مع زوجة العم (ح) أمام أحد الحوانيت، وذلك بعد صلاة العشاء، يقول الرجل (ش) وفي الساعة الحادية عشرة والنصف غادرنا منزل أقاربنا، وفي الطريق رأينا ذلك الرجل (ج) يجلس مع أخي زوجة العم في المطعم...... وما أن وصلت الدار أنا وأهلي إذ بذلك الرجل يأتي إلى بيت العم، فازددت غضبا، كيف يدخل ذلك الرجل الذي تعرفه البلدة بأنه صاحب مغامرات و..... صفات غير حميدة، وكالعادة يدخل ذلك الرجل (ج) الغرفة الأخرى غير تلك الغرفة التي ينام فيها العم، قال الرجل (ش) : بعد دخول الرجل (ج) الغرفة بدقيقتين تقريبا انطلقت إلى بيت عمي وفتحت باب الغرفة التي دخلها الرجل (ج) وعندها وجدت الكارثة، وهي أن زوجة عمي منبطحة على الأرض مشمرة ثوبها إلى ما فوق الفخذ، أما الرجل (ج) فقد كان فوقها، خالعا بنطاله وسرواله إلى نصف فخذيه، قال: ما أن رأيت ذلك المنظر حتى هممت بهما ضربا، ثم جاءت زوجتي وولدي فزعين، حيث ظنوا أنه قد أصابني مكروه، قال: أمرت ذلك الرجل (ج) أن يلبس ثوبه جيدا، ثم اقتدناه أنا وولدي البكر الذي يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما إلى رجل عشيرتنا، واعترف بجريمته أمام كبار العشائر وأمام أخي المرأة. وقال: الشيطان أطغاني وهي التي أغرتني، أما هي فلم تعترف صراحة، ولكن استكفت بقولها: أنه كان يعطيها المال مقابل ذلك، ملاحظة (1) : ذلك الرجل (ج) متزوج، وله أيضا أولاد وبنات متزوجون، وزوجته على قيد الحياة، ملاحظة (2) : الرجل (ج) يكون من أقارب زوجة العم (ح) وهما من عائلة، والرجل (ش) وعمه الذي تحت ولايته من عائلة أخرى، ملاحظة (3) : لا يوجد خليفة مسلم يحكم الشرع في بلادنا، بل الأحكام يتصرف بها أهل العشائر، السؤال: هل العمل الذي قام به ذلك الرجل (ش) صحيحا؟
... ...
السؤال الثاني: قال أحد العلماء: على ذلك الرجل (ج) أن يدفع دية حياته لزوج المرأة لأنه لا تقام الحدود في هذه البلد، وليعتبر غيره ويتعظ، ولأنه كان معرضا حياته وحياة غيره للقتل، وهذا ما يوصي به أهل العشائر؟
السوال الثالث: أحد العلماء قال ان الولاية تكون للرجل (ش) وأن الرجل (ش) لو قتل \"الزاني\" لا يأثم على ذلك، نود معرفة الرأي الصحيح في هذه المسالة مع وضع الأدلة الشرعية في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب سؤالك الأول هو: أن ما قام به الرجل من مداهمة بيت عمه صحيح، وهو من إنكار المنكر. قال الإمام النووي في روضة الطالبين: قال الماوردي: فإن غلب على ظن المحتسب أو غيره استسرار قوم بالمنكر بأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان: أحدهما: أن يكون فيه انتهاك حرمة يفوت تداركها بأن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز التجسس والإقدام على الكشف والإنكار، والثاني: ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز فيه الكشف والتجسس. اهـ
وقال المليباري في فتح المعين بشرح قرة العين: وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك. اهـ
وقال الشربيني في مغني المحتاج: وليس لكل من الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التجسس والبحث واقتحام الدور بالظنون، بل إن رأى شيئاً غيره نعم إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر فيه انتهاك حرمة يفوت تداركها كالزنا والقتل اقتحم له الدار وتجسس وجوباً. اهـ
وأما جواب السؤال الثاني: فما قاله هذا الرجل من لزوم الدية على الزاني قول غير صحيح، وليس عليه دليل، ولم يقل به فيما نعلم أحد من أهل العلم.
وأما جواب السؤال الثالث: فاعلم أن الولايات ثلاث:
1- ولاية مال.
2- ولاية دم.
3- ولاية نكاح.
فإن كان المقصود ولاية المال، فلا ولاية في المال إلا للأب أو الجد. أما ابن الأخ، فلا ولاية له على عمه إلا بأمر الحاكم. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في شرح روض الطالب: (فصل: للأب والجد أخذ النفقة) الواجبة لهما على فرعهما (من مال فرعهما الصغير) أو المجنون بحكم الولاية (و) لهما (تأجيره) أي إيجاره (لها) لما يطيقه من الأعمال (ولا تأخذها الأم) من ماله إذا وجبت نفقتها عليه (و) لا (الابن) من مال أبيه المجنون إذا وجبت نفقته عليه (إلا بالحكم) لعدم ولايتهما (فيولي القاضي الابن الزمن إجارة أبيه المجنون) إذا صلح لصنعة (لنفقته) . اهـ
فإذا لم يكن للابن ولاية على أبيه فابن الأخ أولى أن لا يكون له ولاية، وإن كان المقصود ولاية الدم فهي حق لكل وارث.
وإن كان المقصود ولاية النكاح، فهي على قسمين:
1- ولاية إجبار وهي للأب والجد فقط.
2- ولاية اختيار وهي لباقي الأولياء.
وأما جواب الفقرة الأخيرة من سؤالك وهي: هل لو قتل الزاني يأثم أم لا؟
فالجواب هو ما قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم حيث قال: وقد اختلف العلماء فيمن قتل رجلا وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته جمهورهم لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص إلا أن تقوم بذلك بينة أو يعترف به ورثة القتيل، والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنى، ويكون القتيل محصناً. وأما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان صادقاً فلا شيء عليه، وقال بعض أصحابنا يجب على كل من قتل زانياً محصناً القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله والصواب الأول. اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: قال أبو عمر يريد والله أعلم أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه، وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله، وأن لا يتعدى حدوده، فالله ورسوله أغير ولا خلاف علمته بين العلماء فيمن قتل رجلاً ثم ادعى أنه إنما قتله لأنه وجده مع امرأته بين فخذيها ونحو ذلك من وجوه زناه بها، ولم يعلم ما ذكر عنه إلا بدعواه أنه لا يقبل منه ما ادعاه، وأنه يقتل به إلا أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون أنهم رأوا وطأه لها وإيلاجه فيها، ويكون مع ذلك محصناً مسلماً بالغاً أو من يحل دمه بذلك (فإن جاء بشهداء يشهدون له بذلك نجا وإلا قتل، وهذا أمر واضح لو لم يجىء به الخبر لأوجبه النظر، لأن الله حرم دماء المسلمين تحريماً مطلقاً، فمن ثبت عليه أنه قتل مسلماً فادعى أن المسلم قد كان يجب قتله لم يقبل منه رفعه القصاص عن نفسه حتى يتبين ما ذكر، وهكذا كل من لزمه حق لآدمي لم يقبل قوله في المخرج منه إلا ببينة تشهد له بذلك. اهـ، وبهذا يُعلم أنه لا يحق لذلك الرجل قتل ذلك الذي وجده كما وصف وأنه إن قتله بذلك اقتص منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1425(16/379)
مجرد حصول حمل للبكر لا يوجب الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يرجى الإجابة عليه ولكم الشكر والاحترام وجزاكم الله تعالى ألف خير السؤال:
امرأة بكر أي لم تكن متزوجة حدث لديها الحمل بالجنين ولم تقر بأنها زنت فهل حدوث الحمل كفيل بإقامة الحد عليها أي جلدها مائة جلدة مع تغريب عام أي هل حدوث الحمل لدى هذه المرأة الثيب كاف لإقامة الحد عليها أي جلدها؟ هناك حديث نبوي شريف للرسول - صلى الله عليه وسلم يقول: لايغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. والحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى فهل يجوز أن الحمل بالجنين لهذه المرأة قد حصل بسب دخولها إلى بركة من الماء الدائم مثل الحوض أو البانيو في الحمام أو المسبح وإن هذا الماء الدائم أي الراكد كان يحتوي النطف المنوية للرجل......لأن رجلا ما أي مجهول قد دخل إلى داخل هذه البركة أو الحوض أو المسبح وقد كان مجنبا ثم اغتسل داخل هذا الماء الدائم وترك النطف المنوية داخل هذا الماء الدائم أي الراكد ثم أتت هذه المرأة البكر واغتسلت بهذا الماء الدائم وتطهرت به وهكذا حدث لديها الحمل بسب وجود النطف المنوية داخل الماء الدائم وهي نطف الرجل المجنب الذي اغتسل داخل هذا الماء الدائم وترك فيها هذه النطف المنوية التي أحدثت الحمل لهذه المرأة البكر ...
فهل يحدث الحمل في مثل هذه الحالة؟ علماً بأنه خلال عملية أطفال الأنابيب تؤخذ النطف المنوية للرجل أي الزوج ثم يتم تلقيح وإخصاب البويضة للمرأة أي الزوجة بهذه النطف المنوية للزوج خارج الرحم وفي أطباق أو أنابيب الاختبار المعملية ثم يعاد زرع البويضة الملقحة في رحم الزوجة بعد فترة يوم أو يومين لكي يحدث الحمل لديها بالجنين وتسمى هذه العملية عملية أطفال الأنابيب فهل يمكن أن هذه المرأة الثيب التي حدث لديها الحمل بالجنين لم تزن بل التقطت النطف المنوية من حوض السباحة أو بركة الماء الدائم عندما استعملت الماء الذي يحتوي هذه النطف المنوية التي أحدثت الحمل لديها بالجنين؟ أي هل أن هذا الاحتمال وارد لحدوث الحمل بدون أن تزني هذه المرأة البكر.
يرجى الإجابة مع الشكر والاحترام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في ثبوت الزنا بالحمل وعدم ثبوته، فعند المالكية يثبت الزنا، ويلزم الحد بمجرد الحمل لمن لا زوج لها ولا سيد إلا أن تظهر عليها علامات الإكراه، وذهب جمهور العلماء إلى أن مجرد الحمل لا يثبت به الزنا الموجب للحد.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا أحبلت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها الحد بذلك، وتسأل فإن ادعت أنها أكرهت أو وطئت بشبهة أو لم تعترف بالزنا لم تحد، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك: عليها الحد إذا كانت مقيمة غير غريبة، إلا أن تظهر أمارات الإكراه، بأن تأتي مستغيثة أو صارخة لقول عمر رضي الله عنه: والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إن كان محصناً إذا قامت بينة، أو كان الحبل أو الاعتراف.
والظاهر أن قول الجمهور أولى لما فيه من الرفق والستر على النساء وهو مقصد من مقاصد الشرع، وعليه فلا يكون مجرد حصول حمل لامرأة غير متزوجة موجباً لحد الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1425(16/380)
الزنا بزوجة الأخ أعظم من الزنا بغيرها.. والتوبة من ذلك مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[حكايتي أني كنت في علاقة زنى مع زوجة أخي تواصلت أكثر من سنتين دون أن يعلم بها أحد إلا الله ونحن الاثنان. وانتهت هذه العلاقة منذ مدة سنة وكنت أنا من قطعها لأني تواجدت في بيئة تخشى الله فعرفت فداحة ما كنت أقترف فهل لي من توبة وهل إن حبي لها إلى حد الآن رغم ما فعلته لأبعدها عني يعني أن توبتي غير تامة أرجوكم دلوني. وجازاكم الله عن المسلمين خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من كبائر الذنوب، وهو فاحشة مقيتة، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الاسراء:32} ، ويكون الذنب أعظم والجرم أشد إذا كان الزاني محصناً (أي: متزوجا) ، ولهذا كانت عقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت، وعقوبة البكر (أي: العزب) جلد مائة، قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ {النور: 2} . وإن من أعظم الزنا ـ الزنا بحليلة الجار، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: أن تزاني حليلة جارك، هي بالحاء المهملة وهي زوجته، سميت بذلك لكونها تحل له، وقيل: لكونها تحل معه، ومعنى تزاني أي تزني بها برضاها، وذلك يتضمن الزنى وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وذلك أفحش، وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وأعظم جرما لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنى بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية من القبح.
ولا شك أن حق الرحم أولى من حق الجار، وإن الزنا بامرأة أخيك أعظم من الزنا بغيرها، وانظر الفتوى رقم: 3335. هذا، وإن الواجب عليك التوبة النصوح، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبداً، وأن تندم ندماً شديداً على ما فرطت في جنب الله، وأن تكثر من عمل الصالحات، لأن الحسنات يذهبن السيئات. ولا تقنط من رحمة الله تعالى، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ولا تجعل للشيطان سبيلاً على قلبك، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ {الزمر: 53ـ54} . هذا، وإن حبك لهذه المرأة وتعلق قلبك بها إذا كان عن غير قصد واسترسال فيه لا يعني أن توبتك غير تامة، بدليل أنك تركت الفاحشة معها مختاراً، ولكن استمرارك في التفكير فيها قد يجرك إلى الحرام مرة أخرى، فأخرج هذه المرأة من قلبك، واستعن بالله على نسيانها وادعه كثيراً، وتحرّ في دعائك أوقات الإجابة.
ولقد ذكر الإمام ابن القيم علاجاً لداء العشق، انظره في الفتوى رقم: 9360، فهو علاج ناجع لحالتك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(16/381)
الزنا فاحشة محرمة في رمضان وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني هناك صديق لي زنى في نهار رمضان والعياذ بالله، وهو في ذلك الوقت لم يكن يصلي وبعدها تاب إلى الله وأصبح من المصلين العابدين والحمد لله، ولكن هو في حيرة، هل عليه كفارة أم تكفيه توبة عامة علماً بأنه كما قلت لك إنه لا يصلي عندما ارتكب الفاحشة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا فاحشة قبيحة ومحرمة في رمضان وفي غيره، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وإذا كان هذا الفعل حاصلاً في رمضان فإنه بذلك يكون أبلغ في الإثم، لما لشهر رمضان من الحرمة، وإن كان الفاعل صائماً فعليه الكفارة الكبرى، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
وكون الشخص المذكور كان لا يصلي آنذاك، فإن كان تركه للصلاة ناشئا عن إنكار منه لوجوبها أصلاً، فهذا لا خلاف في كفره، وبالتالي فإذا تاب ودخل الإسلام من جديد فليس عليه قضاء ما كان تركه أو فرط فيه من العبادات، وإن كان تركه للصلاة ناشئا عن تكاسل فقط، وليس إنكاراً لوجوبها، فقد اختلف فيما إذا كان كافراً أو غير كافر، وراجع فيه الفتوى رقم: 1145.
وعلى القول بكفره فلا كفارة عليه ولا قضاء لما كان تركه أو ارتكبه خلال تلك المدة، وعلى أنه غير كافر فعليه الكفارة وقضاء كل ما فرط فيه، ولا شك أن هذا القول أحوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1425(16/382)
البلية الكبرى كون الحامي هو اللص المعتدي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في فعلي القبيح هذا: في كل أسبوع تأتينا خالتنا المقيمة معنا في قطر فيبيت أبناؤها في بيتنا كعادتنا نحن في بنغلاديش فإذا نام الجميع أذهب إلى ابنة خالتي البالغة من العمر 13 سنة وأخلع سروالها وألمس فرجها وأراه وأتلذذ من ذلك بل لم أكتف بهذا تحصل معه عملية الإيلاج على الأرض ولا أتركها إلا بعد نزول المني مني. آسف جدا لصراحة السؤال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تتدارك نفسك بالتوبة النصوح إلى الله تعالى والابتعاد عن مخالطة هذه البنت حتى لا يجرك الشيطان والنفس الأمارة بالسوء إلى ماهو أكبر فيوقعك في الفاحشة مع ذات رحم، ولا يخفى عليك ما في ذلك من العار والنار، هذا إذا لم تكن فعلت الفاحشة الكبرى، أما إذا كنت فعلت ذلك فإن عليك حد الزنى. وما لم يعلم بذلك أحد فإن عليك أن تستر نفسك بستر الله تعالى وتتوب إليه التوبة النصوح وتكثر من أعمال الخير.
فكان من المفروض أن يحمي الرجل قريباته ويحفظ عرضهن من كل مكروه، وخاصة إذا كن في كنفه وضيافته وفي مأمن عنده مما يخشى. أما أن يكون الحامي هو اللص المعتدي فهذه هي المصيبة العظيمة والبلية الكبيرة. فعلى المسلم أن يرتفع بنفسه ويستعلي بهمته حتى لا تهبط به الشهوة الحيوانية إلى درك مستنقع الرذيلة الآسن وخاصة بقريباته وذوات رحمه. ومما يعينك على ذلك ألا تبيت معهن في مكان واحد لئلا يغريك الشيطان بارتكاب ما حرم الله تعالى، وإذا استطعت ألا يبيتوا في بيتكم وأن يكتفوا بصلتكم وزيارتكم في الأوقات الأخرى فهذا أفضل.
وأن تتذكر قبل ذلك وبعده مراقبة الله تعالى عليك الذي لا تخفى عليه خافية، فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، وما يخطر بالبال، لا تأخذه سنة ولا نوم. قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {قّ:16} ، والحاصل أن ما قمت به فعل حرام ومنكر قبيح تجب منه التوبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور31} ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات: 11} ، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 12271، 21519، 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1425(16/383)
لا تحرم الزوجة على الزوج إذا زنى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتصرف مع زوجتي بعدما حاولت خيانتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني بخيانة للزوجة أنك ترتكب فاحشة الزنا فهذه جريمة نكراء وتعد لحدود الله، فإن الزنا من كبائر الذنوب وهو محرم في كافة الملل، وقد رتب الله عليه عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان: 68-69] ، وقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} .
وروى البخاري وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة أسري به رجالاً ونساءً عراة في مثل التنور وإذا بهم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا فقيل له إنهم الزناة والزواني.
وعقوبة الزاني في الدنيا إذا كان بكراً أن يجلد مائة ويغرب سنة، وإن كان محصناً يرجم بالحجارة حتى الموت، روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، وعلى الثيب الرجم. فهذه العقوبات الشديدة كان الأولى بالسائل أن يخافها قبل أن يسأل عن كيفية التصرف مع زوجته.
وعلى كل حال، فإن الزوجة لا تحرم على الشخص إذا زنى، ولكن عليه أن يتوب إلى الله فوراً مما اجترحه، وينأى بنفسه عنه لئلا ينقل إلى زوجته وأولاده من الأمراض ما ثبت أن الزنا يجلبه، كالإيدز مثلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(16/384)
حكم الزوجة التي تجمع بين زوجين في وقت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزوجة التي تجمع بين زوجين في وقت واحد، أحد العقدين شرعي والآخر عرفي.
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ارتكبت هذه الزوجة ومن ذكرت أنه عقد عليها عقدا عرفيا أشنع الجرائم وأقبح الآثام. ذلك أن الزنا في أصله فاحشة من أنكر الفواحش وأقبحها. قال الله تعالى فيه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الاسراء:32} . وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. متفق عليه. وإذا انضاف إلى الزنا كونه بين رجل وذات زوج ازداد قبحا وكبر مقتا، ففي الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول صلى الله عليه وسلم، أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك: قلت ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك. والعقد على امرأة متزوجة ما هو إلا محض الزنا إن كان عالما بأنها متزوجة، ويستحق صاحبه جلد مائة وتغريب سنة إن لم يكن قد أحصن قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {النور:2} ، وإن كان محصنا فحده الرجم حتى الموت، وكذا المرأة، روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ... الحديث. وراجع في موضوع الزانية المتزوجة فتوانا رقم: 38577. وهي لا تحرم على زوجها إلا أن يتلاعنا، وإن حصل بينهما لعان تأبد تحريمها عليه وراجع في معنى اللعان وحكمه فتوانا رقم: 1147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1425(16/385)
زنى وتخبيب وإجهاض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من عمري منذ سنتين تعرفت على امرأة كانت تكبرني بعشر سنوات وأحب كل منا الآخر، وكنت على استعداد للزواج منها ولكن في مجتمعنا لا يصح أن أتزوج من امرأة مطلقة أو أكبر مني في السن وكان يحدث بيننا لقاءات وزنى ثم اكتشفت أن لها علاقات فترك كل منا الآخر، إلى أن اتصلت بي وقالت إنها ستتزوج وأهلها يغصبون عليها فجن جنوني وحاولت بشتى الطرق منعها، لكنها أصرت أن أهلها مصرون وتزوجت وكان يحدث بيننا لقاءات في طريق العمل وعرفت عن طريق إحدى زميلاتها أنها هي التي وافقت على العريس برغم فارق السن بينهما فقابلتها وهددتها أنها لا بد أن تتركه فأخبرتني أنها حامل في الشهر الأول فأصررت على أن تقوم بعملية الإجهاض ثم بدأنا نتحدث في التليفون بصفة مستمرة ووعدتني أنها سوف تطلب الطلاق ثم تم طلاقها بعد شهر آخر واكتشفت أنها حامل مرة أخرى فذهبنا لدكتورة وأجهضتها في الشهر الأول أيضا ثم اكتشفت أنني لا أحبها ولكني كنت أريد الانتقام منها لأنها خدعتني وأنا الآن في عذاب ليل نهار فهل لي توبة أو كفارة أفيدوني بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك أخطأت أخطاء كثيرة منها: إقامة علاقة مع المرأة المذكورة، ومجرد إقامة هذه العلاقة أمر محرم فما بالك إذا انضاف إليه ما صرحت به من الزنا بالمرأة، والله تعالى يقول: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، ومنها: إفسادك المرأة على الشخص الذي تزوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري، ومن أخطائك أيضا ما سعيت فيه مرتين من إجهاض حمل المرأة، وقد ذكرنا أحكام الإجهاض من قبل، فراجع فيها الفتوى رقم: 2016.
فهذه أخطاء كثيرة جداً فعليك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة فإنها تكفر جميع الذنوب، وإذا انضم إليها إيمان قوي وأعمال صالحة فإن الله تعالى يبدل بها السيئات حسنات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
وأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، عسى الله أن يتوب عليك وابتعد عن بيئات السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1425(16/386)
اتهام المرء بالزنا بمجرد التخمين محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أستفسر في مسألة تندرج تحت قضية وقعت لأحد أقاربي وتدخلت في إنقاذه وتتمثل هذه القضية في اتهام فتاة لثلاثة أولاد بالتعدي عليها جنسياً فقدمت الفتاة بشكوى للشرطة وبعدها بدأ التحقيق في هذه القضية فالفتاة مصرة على أقوالها والأولاد ينفون صحة كلامها، فلم يتبين الصحيح من الكذب في هذه القضية، فلجأت إلى طريقة لحل هذه القضية هي أن ألصق التهمة في واحد من الأولاد الذي أكدت الفتاة على أنه هو الذي فض بكارتها بأن يتزوجه بها لأن القضية بدون هذا ستنتهي بأن يسجن الأولاد لمدة من سنة إلى خمس سنين، والفتاة لا تنال أي شيء، وبصفة عامة كيف يمكن للمرء أن يتدخل في مثل هذه القضايا، لأنه قد يقع لأحد من أقاربه مأزق فيريد مساعدته فكيف، أرجو منكم تفهمي وإرشادي بالتفصيل الممل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كنا بينا أحكام الاغتصاب في فتاوى سابقة، ولك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 24127.
وإلصاقك التهمة بواحد من الأولاد متعللاً بأن الفتاة ادعت أنه هو الذي افتض البكارة خطأ كبير، إذ لا يجوز اتهام المرء بالزنا بمجرد الظن والتخمين، وراجع في هذا الفتوى رقم: 10849.
وكان في الإمكان أن تقترح عليهم أن يتزوجها الشاب الذي وقع عليه اقتراحك أو غيره دون أن تلصق به التهمة بالزنا، والذي نوصيك به إذا أردت التدخل في مثل هذه الأمور وحل المشاكل التي تعرض بصفة عامة، هو الاعتماد على ما حدده الشرع الحنيف، فالخير كله في ذلك، لأن هذه الشريعة منزلة من عند عليم خبير، وهو أعلم بمصالح العباد من غيره.
فعليك إذا أن تدرس الدين، فإنه لا يحل لامرئ أن يعمل عملاً حتى يعلم حكم الله فيه، وإقدامك على قذف امرئ بالزنا هو إحدى موبقات الذنوب، فتب إلى الله منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(16/387)
الزاني المكره هل يلزمه الإثم والحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن توضحوا لي , ما حكم من أكره على فعل شيء وهو غير راض عنه هل يفعله أم ماذا؟ كما أكره عمار بن ياسر على سب النبي (صلى الله عليه وسلم) وهذا من القول وكيف يكون الحكم إذا كان من الفعل كأن تقع على عرض مسلمة أو غيرها من الأفعال ,أفيدونا أفادكم لله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن قول السائل كأن تقع على عرض مسلمة يقصد به ما إذا كان يباح للمرء الزنا بالمسلمة إذا أكره عليه لأنه يسأل عن الإكراه على الفعل ولم يتبين من السؤال غير ذلك.
وعليه.. فنقول له: إن أهل العلم قسموا الإكراه الفعلي إلى نوعين. الأول: الإكراه على ما فيه حق لمخلوق كأن يكره على قتل شخص أو غصب ماله أو الزنا بالمرأة المتزوجة ونحو ذلك، فإن هذا النوع لا يبيحه الإكراه ولا يسقط فيه الإثم عن المكره عليه. والنوع الثاني: هو ما كان حقا لله وليس فيه تعلق بحقوق العباد، فهذا يفيد فيه الإكراه، واختلف أهل العلم من الإكراه في زنا المكره. قال المواق في التاج والإكيل: الإكراه على الأفعال إن كان يتعلق به حق المخلوق كالقتل والغصب فلا خلاف في أن الإكراه غير نافع في ذلك. وأما في مثل شرب الخمر وأكل الخنزير والسجود لغير الله والزنا بالمرأة التي لا زوج لها وما أشبه ذلك. مما لا يتعلق به حق لمخلوق، فقال سحنون: إن الإكراه في ذلك إكره..... وقال ابن قدامة في المغني: وإن أكره الرجل فزنى، فقال أصحابنا عليه الحد، وبه قال محمد بن الحسن وأبو ثور لأن الوطء لا يكون إلا بانتشار، والإكراه ينافيه.... وقال الشافعي وابن المنذر: لا حد عليه لعموم الخبر. وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ... وأما الرجل الزاني ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره بناء على كون الإكراه هل يمنع من الانتشار أم لا؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(16/388)
زنا يوجب الحد وزنا لا يوجبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذي أغرته امرأة وأخذته لبيتها ليزني بها إلا أنه عند محاولة إدخال عضوه وملامسة عضوها أخرج منيه هل يعتبر زنى أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا الذي يوجب الحد هو إيلاج الحشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بلا شبهة، وعرف تعريفا آخر بأنه وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه بلا شبهة تعمدا.
وهناك نوع آخر من الزنا لا يوجب الحد، ولكن مرتكبه آثم، وهذا النوع هو الذي ورد في حديث الشيخين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
وراجع في هذا فتوانا رقم: 3950.
وبناء على هذا، فالذي ارتكبه هذا الشخص لا يعتبر زنا موجبا للحد طالما أنه لم يولج الحشفة، ولكنه بالغ في الإثم، وقد أنقذه الله من بلوغ تلك الدرجة الموجبة للجلد أو الرجم إن كان قد أحصن، وعليه أن يبادر إلى التوبة شكرا لله، ويبتعد عن تلك المرأة وعن غيرها من سائر البيئات السيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(16/389)
توضيح حول الإكراه على الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق السؤال عن المرأة إن أكرهت بداية على الزنا، وأثناء الفعل تلذذت إلى أن قضت شهوتها، هل تأثم وتعتبر زانية بذلك أم لا؟ ، وجاءت الفتوى على أنها لا تأثم لأن حصول اللذة لها أمر جبلي ليس من اكتسابها// فتوى رقم 51248 // وهنا استيضاح بشأن ما لو إن كان بإمكانها الهرب منه والإفلات، أو حتى الاستمرار في مقاومته، أو الاستغاثة، إلا أنه لتلذذها به وغلبة شهوتها لم تفعل، وماذا لو كان يمكنها إشغال ذهنها بما يصرف شعورها بالتلذذ؛ ولم تفعل،،،، ألا تكون بذلك آثمة، وتأخذ حكم الزانية باعتبار أنه قد حصل ـ في الأخير ـ إيلاج محرم وهي راضية به ومطاوعة،، وقياسا على ما لو كان العكس بأن أكرهته بداية على الزنا بها بالتهديد ونحوه، وأثناء الفعل زال وانتفى الإكراه، وصار يمكنه القيام عنها، إلا أنه لغلبة شهوته واصل الإيلاج إلى أن أنزل، ألا يعتبر بذلك آثما، وفي حكم الزاني، وإلا لقيل بأن غلبة الشهوة عذر للزنا؟ وهذا لا يصح.
آمل الإجابة على الاستشكالات المذكورة، ولو في رسالة خاصة على البريد الالكتروني، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أفتيناك بأن الإثم مرتفع عمن أكرهت على الزنا لما بيناه من الأدلة في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.
وأما ما افترضته من إمكانها الهرب والإفلات أو استمرار المقاومة أو الاستغاثة ولكنها لم تفعل شيئا من ذلك لتلذذها وغلبة شهوتها فهذا إذا وجد منه شيء فإنها لا تكون مكرهة وإنما هي زانية، إذ الإكراه الذي تسقط به المؤاخذة هو ما لا يستطيع الإنسان دفعه، أو الذي يحصل له بالامتناع منه ضرر شديد كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب ونحوه، ولم يستطع دفع ذلك إلا بالوقوع في المعصية.
وقولك باعتبار أنه قد حصل في الأخير إيلاج محرم وهي راضية ومطاوعة ينافي الإكراه، فهي متى رضيت وطاوعت كانت آثمة بما يفعل بها.
وأما إشغال ذهنها بما يصرف شعورها بالتلذذ فلم نجد من قال به، والقياس ينافي اشتراطه، لأن حصول اللذة ليس هو السبب في الإثم، بل الفعل المحرم هو السبب، ومتى ارتفع الحرج بالإكراه كان المرء غير مؤاخذ بما يحصل له من لذة، ومثل هذا ما لو اضطر شخص بسبب الجوع إلى أكل لحم خنزير أوصيد لمحرم فلم نجد من أهل العلم من أوجب عليه التفكير فيما يصرف عنه لذة اللحم الحرام.
ثم ما ذكرته من إكراه الرجل على الزنا ومواصلته الفعل بعد زوال الإكراه فإنه زنا قطعا، بل هو أحرى في الزنا مما أردت قياسه عليه، لأن أهل العلم لم يختلفوا في سقوط الإثم عن المكرهة على الزنا، وأما الرجل المكره عليه فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الإكراه يرفع عنه الإثم والحد أم لا يرفعهما، قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى": إن المكرهة على الزنا وشرب الخمر معفو عنها، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 33) .
وأما الرجل الزاني ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره بناء على كون الإكراه هل يمنع من الانتشار أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1425(16/390)
الزنا بالخطيبة كالزنا بالأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وحده، أما بعد:
لقد تقدمت في الفترة الأخيرة لخطبة فتاة، وتم ذلك وتعاهدنا على الزواج مهما كانت العراقيل والصعوبات، لكن وضعي المالي صعب ولم أتمكن من الزواج في الوقت الراهن مما دفعنا أن نرتكب الزنى، علما بأني خطبتها خطبة رسمية، وتمت قراءة الفاتحة، لكن بعد ذلك ندمنا على هذا الفعل، ولم نستطع أن نبتعد عنه خوفا من أن يقع كل منا في فعل ذلك مع غيرنا، مع العلم بأننا لم نقم بهذا الفعل إلا مع بعضنا فقط بدافع المحبة الكبيرة، هل هذا الذنب من كبائر الذنوب، هل هو يخفف بنية التحصن من أن تكبر المسألة وتتجاوزنا ونقع في الرذيلة وهي الممارسة في نطاق أوسع وخاصة أني أنا أثق فيها وعاهدتها على الزواج، وهي كذلك، نحن في ظروف صعبة أرشدونا جزاكم الله خيراً، فنحن في هم وغم وحيرة بين الدنيا التي تجذبنا إليها بكل قوة ونحن في خوف منها والآخرة التي نطمح أن تكون خيراً، ونجاة من النار مع أني أأوكد أننا متعاهدون، وأننا في خوف من أننا إذا لم نمارسها مع بعضنا أن نمر بلحظات ضعف ونقع فيها مع غيرنا؟ مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان قصدك بالخطبة الرسمية وقراءة الفاتحة هو حصول العقد الصحيح، إن كان ذلك هو قصدك فاعلم أن هذه المرأة تعتبر زوجة لك يجوز لك منها ما يجوز للزوج من زوجته، ولا عبرة بكون الزفة أو الدخول العلني لم يحصل، وكما لا عبرة أيضاً بكونك لم تدفع لها المهر بعد.
وأما إن كان ما حصل مجرد خطبة فقط فالمرأة ما زالت أجنبية عليك، فاتق الله تعالى في مخالطتها وراقبة سبحانه وتعالى، وعليك أن تتذكر وقوفك بين يديه وأنت على هذه الحالة من ارتكاب أقبح الفواحش التي نهاك الله عنها بقوله: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32] ، وتذكر ما توعد الله به الزناة من العذاب الأليم، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 26237.
واعلم أخي أن الشيطان قد لبَّس عليك فأوقعك في الفاحشة، ثم صور لك أن الزنا بهذه المرأة الأجنبية التي خطبتها ليس كالزنا بغيرها من الأجنبيات، وهذا التصور باطل، بل فعلك مع هذه المرأة كبيرة من كبائر الذنوب، وفعل من أقبح الأفعال، وعموما فنذكرك بما يعرفه العقلاء من أن متاع الدنيا وشهواتها لا تستحق أن يضحي الإنسان من أجلها بدينه وعفته فيحرم الخير ويغمس في الجحيم جريا وراء سراب تذهب لذته وتبقى حسرته.
ولذا فإن عليك التوبة والندم والإقلاع عما أنت عليه فوراً، واشغل وقتك بالطاعة وتلاوة القرآن والقراءة في سير الصالحين الصابرين والتفقه في أمور الدين. وفقك الله لما يحب ويرضى وجنبك الزلل وسوء العمل، وراجع الفتوى رقم: 6263، والفتوى رقم: 18062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1425(16/391)
لا علاقة بين الزاني وبين الولد المولود على فراش الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع ... إني أعاني من مشكلة أنني قمت بممارسة الزنا مع فتاة متزوجة وحملت مني وهي الآن تربي ابني الذي يحمل اسما غير اسمي وعمره 6 سنوات وبعد فترة من الزمن انفصلت من زوجها وهي الآن مطلقة فماذا أفعل جزاكم الله خيرا هل أتزوجها أوأربي ابني أم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أيها الأخ التوبة إلى الله تعالى مما فعلت والندم على ذلك، فالزنا من كبائر الذنوب وقبائح المعاصي، وأما الولد فهو لمن كانت المرأة زوجة له، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: الولد للفراش فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفا، ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين اجتماعهما، أما ما تصير به المرأة فراشا فإن كانت زوجة صارت فراشا بمجرد عقد النكاح ونقلوا في هذا الاجماع وشرطوا إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش، فإن لم يمكن بأن ينكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه، هذا قول مالك والشافعي، والعلماء كافة إلا أبا حنيفة، فلم يشترط الإمكان، بل اكتفى بمجرد العقد، قال: حتى لو طلق عقب العقد من غير إمكان وطء فولدت لستة أشهر من العقد لحقه الولد، وهذا ضعيف ظاهر الفساد ولا حجة له في إطلاق الحديث، لأنه خرج على الغالب وهو حصول الإمكان عند العقد، هذا حكم الزوجة. اهـ
وبهذا تعلم أخي السائل أن هذا الولد لا علاقة بينك وبينه.
وأما زواجك بهذه المرأة فإن كانت تائبة مما وقعت فيه فلا مانع من نكاحها باتفاق المذاهب الأربعة، وإن كانت غير تائبة فذهب الجمهور إلى جواز نكاحها، وذهب الحنابلة إلى منع الزواج منها، وانظر الفتوى رقم: 35509، والفتوى رقم: 17247
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(16/392)
حكم ثبوت جريمة الزنا بوسائل التصوير الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف لإثبات إثم أو جريمة أو كبيرة من الكبائر يلزم وجود أربعة شهود، فما موقف أجهزة الهاتف الحديثة التي بها كاميرات تصوير، فمثلاً شاهدت في هاتف أحد الأشخاص الذين أعرفهم وبالصدفة مقطعاً لإحدى السيدات اللاتي أعرفهن وهي على فراشه وتغطي جسدها بغطاء وكانت تتحدث معه، والمنطق هنا يقول إنه زنى معها وفعلا اعترف لي صاحب هذا الهاتف بأنه زنى معها، هذا ولا زلت حتى هذه اللحظة متأثراً جداً لأن من المفروض أنها سيدة محترمة وكلما رأيتها أبذل مجهوداً كبيراً لكي أتحدث معها بطريقة عادية ولا أريد أن أشعرها أني أعرف شيئاً، فهل بمجرد رؤيتي لهذا المقطع المصور واعتراف صاحب الهاتف لي أن أقتنع بأنها زانية، وهل اقتناعي بأنها زانية بهذه الدلائل يعتبر قذفاً للمحصنات حيث لم يشهد هذه الجريمة أربعة أشخاص أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا ليس كغيره من المعاصي الأخرى، ذلك أن فعله كبيرة من الكبائر، والرمي به أكبر، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4] .
وقال: لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُون َ [النور: 13] .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: اجتنبوا السبع الموبقات ... وعدَّ منها: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
وما ذكرته من رؤية هذه السيدة على الفراش المذكور وتغطية جسدها بغطاء، وكانت تتحدث مع ذاك الرجل، لو كان مشاهداً في الواقع لما كان فيه ما يثبت الزنا، فكيف به في صورة قد يقع التغيير فيها عن طريق التركيب والمونتاج.
وحديث الرجل الذي أخبرك بأنه زنى بها لا يجوز تصديقه لفسقه من عدة أمور:
1- لأنه فاسق بتصوير ما لا يحل تصويره.
2- أن إقراره بالزنا فيه جارحتا فسق هما: كبيرة الزنا، وكبيرة المجاهرة به.
3- أنه إن كان كاذباً فيما أخبر به فتلك جارحة فسق أخرى.
وعليه، فتلك السيدة التي تحسبها محترمة لا يجوز أن تظن بها ما ليس لك فيه برهان، وقد نهى الله ورسوله عن الظن. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه.
واعلم أنك أخطأت في نظرك إلى ما لا تحل رؤيته من الصور، فإن النظر إلى الصور التي يمكن أن تثير شهوة المرء لا يجوز، وإذا جزمت بما ظننته عن هذه السيدة كان في ذلك خطأ آخر، وإذا حدثتها به كان فيه خطآن: لأنه قذف لها بالفاحشة أو تعريض، ولأنه أيضاً حديث محرم إن كانت المرأة أجنبية عليك.
وأما اقتناعك بأنها زانية، فإنه لا يعتبر قذفا ما لم تنطق بما اقتنعت به، ولكنه ظن سيء بمن لا يجوز أن يظن به سوء دون برهان، ومجرد ظهور الصورة بالجهاز على الوضع الذي ذكرت غير كاف؛ لاحتمال التبديل والمونتاج كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(16/393)
حكم استخدام الوسائل الحديثة في إثبات الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا جزاكم الله عني وعن جميع المسلمين كل خير لمجهوداتكم العظيمة في نشر دين الله.
أما بعد فسؤالي هو هل يجوز أن تصبح وسائل التقنية الحديثة من كاميرات تليفزيونية وأجهزة التسجيل ووسائل التحاليل الطبية بدائل في الكشف عن عمليات الزنا والاغتصاب بدلا من الأربعة شهود وكبديل في غيرها من الجرائم التي تحتاج إلى شهود كالسرقة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر والله أعلم أن الوسائل التقنية الحديثة لا يمكن أن يستغنى بها في إثبات الزنا، وذلك لعدة أمور:
1- ... ... لأنها قد لا تعطي الحقيقة، إذ قد تركب بعض الأعضاء من شخص إلى إعضاء من شخص آخر، وقد يوضع فيها شخصان على هيئة لم يكونا قد وجدا عليها في الواقع، ومثل ذلك كثير يعرفه من يقومون بالمونتاج وإعادة التركيب.
2- ... ... أن الله تعالى جعل للزنا أربعة من الشهود مع تحديد كيفية معينة لأداء الشهادة فيه، كل ذلك من أجل الستر وصيانة الأعراض، فلا يجوز العدول عن ذلك والاكتفاء بوسائل لا يثبت بها ما هو أخف من الزنا.
3- ... ... أن استخدام هذه الوسائل لإثبات الزنا لا يصح إلا مع التجسس والتطلع على عورات الناس وهو أمر محرم بالكتاب والسنة. قال تعالى: [وَلَا تَجَسَّسُوا] (الحجرات: 12) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. الحديث متفق عليه.
وأما غير الزنا من الجرائم كالسرقة ونحوها فإن الأمر فيها أخف، ومع ذلك فلا يمكن الاعتماد في إثباتها على هذه الأجهزة لأنها في الحقيقة لا تفيد القطع وإنما هي قرائن يمكن أن تقوي التهمة الموجهة إلى الشخص لكن لا يمكن أن يستحل بها عضو معصوم، ولا أن يقام بها أي حد من الحدود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(16/394)
لا تأثم المكرهة على الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرأة المغتصبة والمكرهة على الزنا بداية، إلا أنه وبعد رفضها وتمنعها تلذذت بالفعل الحرام إلى أن قضت شهوتها بالكامل أثناء ذلك، فهل هي آثمة بذلك، وهل تعتبر زانية باعتبار ما كان منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله تعالى الزنا وجعله كبيرة من الكبائر، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32] ، ومن ابتلي به فعليه أن يبادر إلى التوبة ويستر نفسه بستر الله.
وإذا أكرهت المرأة على الزنا فإنها لا تأثم به، فقد وردت نصوص كثيرة تبين أن المكره غير مؤاخذ بما يكره عليه من الأفعال والأقوال، قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن حبان.
وعليه فلا إثم على هذه المغتصبة ولو تلذذت بالفعل الحرام إلى أن قضت شهوتها بالكامل، لأن حصول اللذة لها أمر جبلي ليس من اكتسابها وعلى كل حالٍ فعليها أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره، وتحذر كل الحذر فيما تستقبل من أن تعرض نفسها لمثل ذلك، وأن تكون في مكان أو ظرف قد يجر إلى ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(16/395)
هل تزني لتحصل على مساعدة من دولة أوربية
[السُّؤَالُ]
ـ[تلد النساء هنا في إسبانيا من الزنى ويسمين أمهات عازبات لكي يقبضن أموالا شهرية ويتلقين مساعدات كثيرة وقد لاحظت هنا أن المسلمات ليس كلهن يتبعن هذا لكي تساعدهن الحكومة ما هو ذنب هؤلاء النساء المسلمات اللاتي يلدن من الزنى قصد المساعدات التي يتلقاها في دول أوربية أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا فاحشة نكراء، وهو من أكبر الكبائر. قال الله تعالى: [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا] (الإسراء: 32) . وإذا كانت الزانية محصنة وثبت زناها فإنها تستحق عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت، وإذا كانت بكرا جلدت مائة جلدة، وهذا إذا ثبت الزنا بالإقرار أو البينة أو الحمل، والحد لا يقيمه إلا سلطان المسلمين أو نائبه.
وأما عقوبة الزناة في الآخرة فهي أشد والعياذ بالله.
قال تعالى: [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (يعني ما ذكر معه) يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا] (الفرقان: 68-69) . واستثنى أهل العلم من هذا التحريم أن تضطر المرأة إلى الزنا لكونها لم تجد شيئا تقتات به إلا أن تزني وخافت على نفسها الهلاك جوعا فلها ذلك حينئذ، لأن الضرورات تبيح المحظورات. قال خليل مشبها على بعض المسائل التي تجوز لسبب الإكراه: كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا لمن يزني بها. ولكن صبرها عن الزنا في هذه الحالة أفضل لها وأكثر أجرا عند الله.
وعلى كل حال فإن المسلمة إذا كانت إقامتها في بلاد الكفر تؤدي بها إلى ضرورة تجعلها في هذه الوضعيات المزرية فإن واجبها الرحيل فورا إلى بلاد الإسلام، وتعتبر آثمة بالإقامة متى تيسر لها الرحيل عن تلك البلاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(16/396)
أقوال العلماء فيما يجب على من زنى بالميتة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزنا في الميت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم في حرمة الزنا بالميت، وإنما المختلف فيه عندهم هو وجوب الحد على الواطئ وعدم وجوبه، فأوجبه المالكية، ورأى فيه الأحناف التعزير فقط، واختلف فيه عند الشافعية والحنابلة. قال خليل، وهو مالكي: الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي أو إتيان ميتة غير زوج.
وعلى الزوج أو السيد الواطئ بعد الموت الأدب. قال في منح الجليل: فلا يحد من وطئ زوجته أو أمته بعد موتها، وإن حرم، نعم يؤدب. وقال الكاساني في بدائع الصنائع، وهو حنفي: وكذا وطء المرأة الميتة لا يوجب الحد ويوجب التعزير. وقال النووي في المجموع، وهو شافعي: وفي وجوب الحد على الواطئ أوجه، أحدها: يجب، لأنه وطء محرم بلا شبهة، الثاني: لا، لخروجها عن المظنة، الثالث: وقيل: إنه منصوص، إن كانت ممن لا يحد بوطئها في الحياة وهي الزوجة والأمة والمشتركة وجارية الابن ونحوهن فلا حد، وإلا فيحد، والأصح أنه لا يجب مطلقا. وقال محمد بن مفلح بن محمد المقدسي في كتابه الفروع، وهو حنبلي: وإن زنى بميتة فروايتان، إحداهما: لا حد عليه، وهو الصحيح من المذهب، والوجه الثاني: يجب عليه الحد.
تبين لك إذاً أن الزاني بالميتة ارتكب إثما بالغا، وأن أدنى عقاب له هو التعزير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(16/397)
حتى ترتدع عن جريمة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الكريم، لقد علمت بالأمس وتيقنت أن أختاً لي قامت بالفاحشة وهي متزوجة، وأن زوجها يستخدم واقي، وقد حملت من الشخص الذي تعرفه، والمصيبة أنها قامت بإجهاض هذا الطفل بمساعدة قريبة لي قد كذبت عليها وادعت أنها استخدمت أدوية دون علمها بالحمل وأن الطفل مشوه، وقامت هذه السيدة بمساعدتها.
وأنا حالياً أعيش بلحظات عصيبة بعد معرفتي بهذا الشأن ولا أعلم ما الذي أفعله، هل أواجهها أم أخبر والدي، لكني أخاف على صحة والدي، كما أنني أخاف أن أسكت وتتمادى هي بفعلها حتى يكشفها زوجها ويقتلها ويتورط هو بجريمة تقضي على حياته وتيتم أبناءه، مع العلم بأنني كنت أعلم بعلاقتها برجل وواجهتها بهذا الشيء إلا أنها أنكرت وقاطعتني لفترة طويلة، وأحسست أن علي فعل ما هو أكبر من ذلك فأخبرت والدتي التي قامت بالحديث معها، وعجزت عن عمل أي شيء معها، سيدي الكريم: أرجو أن تتعجل بالرد على رسالتي هذه ونصحي لما يجب علي أن أفعله، لأنني لا أريد أن أرى المنكر وأسكت عنه، كما أنني لا أتخيل جلوسي معها بعد معرفتي اليوم بهذا الخبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته من التدرج في النصيحة حيث بدأت بنصحها أولاً ثم بإخبار أمك ثانياً هو الصواب، ولكن بما أنها لم تنزجر عن هذا المنكر العظيم، فالواجب هو إخبار من يملك ردعها عن هذا المنكر العظيم كأبيك أو أخيك أو عمك ولن تعدمي وسيلة، وهدديها بأنك ستخبرين زوجها بالذي حدث، وأطلعي أختك على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26237، 32647، 37359، 8737.
لعلها أن تتوب مما هي عليه، ولا تبالي أيتها الأخت الكريمة بغضب أختك منك فما تقومين به هو الحق الذي يرضى به الله عنك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(16/398)
زنت وهي ذات زوج ثم تابت فهل تخبره بأمرها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة ولكني فعلت الزنا وزوجي شك في وأصبح يحلفني وأنا أكذب عليه بأيمان مغلظة وهو يتألم كثيرا لأنه شك ولا يعلم الحقيقة ويقول إن الناس ينظرون إليه ويتحدثون عنه وبناx على ذلك فهويتألم كثيرا بسبب موضوعي هذا لكني تبت إلى الله ولم أفعل الزنا مرة أخرى فماذا أفعل أقول لزوجي وأنقذه من العذاب الذي هو فيه أم ماذا أفيدوني أفادكم الله أختكم أم ماهر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يجب عليك أن تفعليه أولا: أن تتوبي إلى الله عز وجل من هذه الجريمة العظيمة توبة نصوحا بشروطها التي نص عليها أهل العلم، وأن تتوبي أيضا من هذه الأيمان المغلظة كذبا وهي ما تسمى عند الفقهاء باليمين الغموس، وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في النار، ولا كفارة فيها على القول الصحيح، لأن هذه اليمين أعظم من أن يمحو أثرها كفارة اليمين، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 7228، 33977، 29633.
ثانيا: عليك أن تستتري بستر الله ولا تخبري زوجك بذلك، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي.
وعليك أن تجتهدي فيما ينسي زوجك هذه القضية وذلك بحسن عشرته والتودد إليه وإظهار العفاف الحقيقي له، وحفظه فيما بقي من حياتكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1425(16/399)
مباشرة الأجنبية بدون إيلاج هل تستوجب حدا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال: أرجو منكم أن تجيبوني عليه: أنا شاب عمري 24 سنة أعيش في بلد أوروبي (هولندا) ، لطالما ادعيت الالتزام ولكن بدأ إيماني ينقص شيئاً فشيئاً حتى وقعت في معصية لم أفكر قبل أنني سأقع فيها ولكن من يتبع خطوات الشيطان فلن ينجو أحد إلا ما رحم ربي، ذات يوم كنت أتجول في أحد الشوارع حتى دخلت إلى أماكن الدعارة (إلى بائعات الجنس) ، ووقعت في معصية لا أعرف هل هي تعتبر زنا أو أقل منها لأنني لم أجامعها واكتفيت باللمس والمداعبة والأمر الذي يؤرقني هو أن العاهرة كانت تمتص (تلحس) ذكري بفمها ومارست معي الاستمناء بيدها لأنني لا أريد أن أقع في الزنا خوفا من الله، فهل يعتبر الجنس بالفم (مداعبة العضو التناسلي بالفم) مثل الزنا أو أقل منها في الإثم لأني أخاف من عقاب الله، ربما تقولون لي تزوج، فأنا دائماً أبحث عن زوجة صالحة أحصن بها نفسي ولكن إلى حد الآن لم أجد، ولأنني أيضاً هنا في أوروبا بغير قانون وهذا ما زاد في صعوبة الزواج، فأرجو منكم أن تجيبوا على سؤالي وأستسمح على استعمال بعض المصطلحات المخلة بالأدب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد ملامستك لامرأة لا تحل لك أمر محرم واعتداء على حدود الله، روى الطبراني والبيهقي من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري رجاله ثقات، فكيف إذا وصل بك الأمر إلى ما ذكرت.
إن هذا لمنكر ولا شك فبادر إلى التوبة مما ارتكبت، وراجع في الاستمناء بيد الأجنبية الفتوى رقم: 12492.
وليس ما ذكرته من الأفعال المحرمة يبلغ درجة الزنا الذي حد الله فيه مائة جلدة للبكر والرجم للمحصن، ولكنه معصية لله عز وجل، ومن عصى الله فقد استوجب سخطه وغضبه، وأشدد بذلك بلاء ومصيبة على المرء.
واعلم أن إقامتك في هذه الدولة إذا كنت لا تستطيع معها تحصين نفسك من الوقوع في الحرام فإنها لا تباح لك، فهاجر إلى بلد تجد فيه زوجة صالحة، وتأمن فيه على نفسك من الوقوع في الآثام.
وفي انتظار تمكنك من ذلك فعليك بالصوم لأنه أدعى لكسر الشهوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1425(16/400)
فعل الفاحشة مع خطيبته أثناء الخطبة ثم تخلى عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت فتاة وكنا نحب بعضنا للجنون إلى أن فضضت بكارتها لأن الشيطان زين لنا بأنها رغبة الفتاة
وكنا نتعاشر معاشرة الأزواج (زنا) وتعاهدنا على أن لا نترك بعضنا وحدث مالم يكن متوقعا وفسخت الخطبة بسبب أهلها وعدم رغبتهم بي من قبل الخطبة اليوم أنا أحاول أن أرجع للفتاة وخوفي من الله أولا وثانيا أن أترك فتاة ستظلم طيله حياتها والفضيحة أن يكشف أمرها هي تقول إنها استخارت الله وحلمت بأنني أراهن أهلي أن أرجعها ولم ينشرح صدرها هذا ما أخبرتني به وطلبت مني الابتعاد عنها وهي مسامحة لي لأني تخليت عنها
وهي متعقدة وتحس بالنقص لأنني رجل وأستطيع الزواج من أخرى وهي لن تستطيع لأنها ليست عذراء ماذا أفعل جزاكم الله خيرا لأني أحس بالذنب الشديد لأني بالفعل قد تخليت عن وعدي بأن لا أتركها فهي لن تشعر أبدا بالثقة من ناحيتي وأبوها يكرهني تطلب الله أن ينتقم مني وتقول دائما عندما تري أختي حسبي الله ونعم الوكيل إن تزوجت بأخري سأظلم نفسين لأني أحب فتاتي وسأترك ضحية
ماذا أفعل لأرضي الله عز وجل (علما بأن سبب فسخ الخطبة هو ناحيه مادية لم تكن متوفرة معي) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتصورك للذنب في أنه مجرد أنك ظلمت الفتاة بإزالة بكارتها وأنك تخليت عن وعدك لها بأن لا تتركها وأنك إن تزوجت غيرها تكون ظلمت نفسين لأنك من جهة تحبها ومن جهة أخرى لأنك تتركها ضحية وغير ذلك من التصورات كلها تصورات خاطئة لأن الذنب الأكبر هو أنك خالفت أمر الله تعالى ونهيه حيث يقول: [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا] (الإسراء: 32) . ويقول في وصف عباد الرحمن: [وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا] (الفرقان: 68-69) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. الحديث. فذنبك الأكبر هو أنك لم تبال بكل هذا.
هذا واعلم أن زواجك من غيرها ليس ظلما لنفس واحدة وأحرى أن يكون ظلما لنفسين، وواجبك الآن وواجبها هي أن يتوب كل منكما مما مارستماه من الفواحش الشنيعة التي إن لم يغفرها الله لكما كانت سببا لشقائكما في الآخرة وبؤسكما وشتان ما بين شقاء في الدنيا وشقاء في الآخرة، وليقطع كل منكما صلته بالثاني ولا تتردد أنت في التزوج لتحصن فرجك وتتوب من ذنبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(16/401)
شهود الزنا يشترط فيهم سبعة شروط
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار لدي شك أنا ومن معي من بعض الأقارب بزنى خالتي مع رجل خالتي الأخرى بشكل مستمر لوجود عدة مواقف منها: كنت جالسا وسط البيت وكانت خالتي المشكوك في زوجها ذاهبة ولكن زوجها موجود فلم يكن هناك أحد في البيت إلا أنا وخالتي الأخرى وشخص آخر فرأيت خالتي تقف أمام الباب وكأنها أشارت إليه أو أشار إليها بالخروج ثم خرجت خالتي من الباب الخلفي وخرج هو من الباب الأمامي فتبعته فلاحظت أنه لم يخرج بل دخل للحديقة مع العلم أن الحديقة محيطة بجميع ألأبواب الداخلي والخارجي ثم رجعت فدخلت وبعد فترة دخلت خالتي إلى الحمام مباشرة واغتسلت وخرج هو أي لم يخرج من الأول هذا موقف معي وهناك عدة مواقف أخرى مع أختي حيث رأت أشياء تثير الشك وأيضا ابن خالتي وأنا أثق بأختي وابن خالتي السؤال: ما الحل الأمثل لهذه المشكلة لأنه كلما خرجت خالتي أعتقد ولم أر مباشرة ولم ير أحد منا أنه يزني؟ وأيضا هل علينا إثم عند التحدث عن هذا الموضوع لحله؟ ولو كنا نريد أن نكون أربع شهداء فمن الطبيعي أن نفهم هؤلاء الأربعة الموضوع؟
أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأعلم -جعلنا الله وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه- أن الزنا ليس كغيره من الأمور، وموضوعه خطير جداً، ففعله كبيرة من الكبائر، ولكن رمي الشخص به من غير أن تتوافر شروط ثبوته أمر عظيم جداً، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] ، وقال تعالى: لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13] ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات.... وعد منها: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
وما ذكرته من الريبة بين خالتك وزوج خالتك الثانية، وما رأته أختك من أشياء تثير الشك، وما رآه ابن خالتك كل هذه الأمور لا تعتبر أدلة كافية على حصول الزنا، وإنما هي فقط أدلة على الخلوة بين الأجانب، وهي أمر محرم، فواجبكم الآن أن تنصحوا خالتكم بتجنب الخلوة مع الأجانب، وتفعلوا مثل ذلك للرجل المذكور، وتبينوا لهما ما ورد في ذلك من التحريم.
- ثم إذا كان حديثكم عن هذا الموضوع هو من أجل حله فلا إثم عليكم في ذلك، وشهود الزنا يشترط فيهم سبعة شروط هي: كونهم أربعة - كونهم رجالاً- كونهم أحراراً- كونهم عدولا- كونهم مسلمين- أن يصفوا الزنا فيقولوا: رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة أو كالرشاء في البئر- وأن يجيء الشهود كلهم في مجلس واحد، وراجع المغني لابن قدامة 9/65.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1425(16/402)
هل العقد على المحارم شبهة تدرأ الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا صحيح هذا
(وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: من تزوج أمه أو ابنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن فكل ذلك سواء وهو كله زنا والزواج كَلا زواج إذا كان عالما بالتحريم وعليه حد الزنا كاملا ولا يلحق الولد في العقد وهو قول الحسن. ومالك. والشافعي. وأبي ثور وأبي يوسف. ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة:
فتوى مالك:
إلا أن مالكا فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين
فقال: فيمن ملك بنت أخيه. أو بنت أخته. وعمته. وخالته. وامرأة أبيه. وامرأة ابنه بالولادة.
وأمه نفسه من الرضاعة. وابنته من الرضاعة. وأخته من الرضاعة
وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن عالما بما عليه في ذلك فان الولد لاحق به ولا حد عليه لكن يعاقب ورأى أن ملك أمه التي ولدته. وابنته وأخته بأنهن حرائر ساعة يملكهن فان وطئهن حد حد الزنا،
وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في ذلك كله ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمتهوخالته وبنت أخيه وبنت أخته
عالما بقرابتهن منه عالما بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لا حق به والمهر واجب لهن عليه وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط وهو قول سفيان الثوري ... )
(المحلى لابن حزم / ج 11 / ص 253 / ط دار الفكر بتحقيق أحمد شاكر) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نسبة هذه الأقوال إلى الأئمة المذكورين صحيحة.
وسبب اختلافهم فيما يترتب على ماذكر هو اختلافهم في الشبهة التي يدرأ بها الحد.
فالإمام أبو حنيفة رحمه الله يرى أن العقد وحده شبهة تدرأ الحد وخالفه صاحباه في هذه المسألة.
كما خالفه الأئمة.
أما الإمام مالك رحمه الله فلا يعتبر في العقد شبهة تدرأ الحد.
أما شبهة الملك فإنها معتبرة عنده إذا تحققت كما في كلام ابن حزم، الذي ذكره السائل، والراجح مذهب الجمهور القائلين بلزوم الحد وأن العقد على المحارم ليس شبهة.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1425(16/403)
يدخل في باب الزنا زواج المسلمة من الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في المرأة المسلمة التي تتزوج أو تقيم علاقة الزنا مع رجل غير مسلم هل تعتبر خرجت من الدين أو أنها ارتكبت ذنبا فقط. وكيفية حل مشكلة الطفل الذى ينتج عن عملية اغتصاب للمرأة دون معرفة الفاعل مثل الذي يحدث في العراق من قبل جنود الhحتلال مع المعتقلات وبمن يلحق نسب الطفل خاصة إذا كان الفاعل غير مسلم. ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا من كبائر الذنوب وأقبحها، ومن حكمة الإسلام وحسن تشريعه أنه سد كل الأبواب الموصلة إلى هذه الفاحشة، فقال الله تعالى: [وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً] (الاسراء: 32) وقال جل وعلا: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ] (النور: 30)
وقد شدد الله تعالى في العقوبة على صاحب هذه المعصية في الدنيا والآخرة ففي الدنيا بالجلد مائة إن كان بكرا، والرجم حتى الموت إن كان محصنا، قال الله تعالى: [الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ] (النور: 2)
وأما في الآخرة فبالعذاب الأليم المضاعف إذا مات من غير توبة، قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ] (مريم: 60)
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 26511
ومن هذا يتبين حرمة الزنا وخطورته ولا فرق من حيث الحرمة بين ممارسته مع المسلمين أو غيرهم من سائر الكفار بل ربما كان ذلك أشد لما فيه من تشويه سمعة الإسلام والمسلمين لدى غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى حيث يعتقدون أن جميع المسلمين مثل هذا العاصي في سفالة الأخلاق وانتهاك الحرمات، ويدخل في باب الزنا زواج المسلمة بالكافر مطلقا لأنه زواج باطل بنص القرآن وإجماع الأمة، قال الله تعالى: [وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا] (البقرة: 221)
قال القرطبي في تفسيره لهذا الآية: أي لا تزوجو المسلمة من المشرك وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. اهـ
وانظر الفتوى رقم: 24961.
وأما فيما يتعلق بحكم من فعل هذه المعاصي هل يخرجه ذلك عن الملة أم لا. فالجواب أنه إذا كان فعل ذلك من غير استحلال له فلا يعد ذلك كفرأ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن المسلم لا يكفر بارتكاب المعاصي كما هو مبين في الفتوى رقم: 13087،
أما بخصوص اغتصاب المرأة فهو زنا شنيع وذنب عظيم تجاوز صاحبه حد الدين والخلق ولا إثم على من أكرهت عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه أحمد
ثم إن حصل إثر ذلك حمل فحكمه حكم ولد الزنا من حيث قطع نسبه من جهة الزاني وتوارثه معه ولو كان معلوما، وإنما ينسب إلى أمه ويقع التوارث بينها وبينه كما هو مبين في الفتوى رقم: 22415، 4303.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(16/404)
زنا بزوجة أبيه ليثبت أنها غير شريفة
[السُّؤَالُ]
ـ[استدرجت إلى الزنى وبإحدى المحارم وتم طلاقها كيف أتوب وأضمن قبولها وأحافظ عليها أقبلت على ذلك لإثبات أنها غير شريفة، فهي زوجة والدي التى تصغرني بثلاثة أعوام وتصغره بثلاثين وكان عمري وقتها21سنة وأنا الآن 23 أعزب أرحني ودلني على طريق التوبة الصادقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -جعلنا الله وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه- أن الزنا كبيرة من الكبائر، وفاحشة عظيمة عند الله، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32] ، ويزداد الأمر قبحا إذا تعلق بذات محرم، وراجع في حكم من زنى بزوجة أبيه الفتوى رقم: 3970.
ثم إنك تقول إن الباعث لك على ما فعلته هو أنك تريد إثبات أنها غير شريفة، فما الفائدة في إثبات هذا الأمر؟ أنسيت تحذير النبي صلى الله عليه وسلم المسلم من أن يحقر أخاه المسلم، حيث قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
فكان الأولى بك -إذا كنت تأخذ عليها بعض المآخذ في دينها- أن تعظها وتدعوها للتوبة وتنصحها، لا أن تمارس معها ما أثبت به لنفسك ما أردت إثباته لها.
وأما عن التوبة فإن بابها مفتوح على مصراعيه أمامك، ومن فضل الله تعالى وكرمه ولطفه بالعباد أنه يبدل كبائر الذنوب والفواحش حسنات إذا أخلص أصحابها التوبة لله وآمنوا وعملوا أعمالا صالحة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان:68-69-70] .
وشروط التوبة ثلاثة هي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما مضى من فعله، والعزم أن لا يعود إليه، والتوبة مقبولة -إن شاء الله- إذا توافرت شروطها، روى ابن ماجه في السنن عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وعليك بمخالطة الأخيار وأهل الفضل وحضور مجالس الذكر، وابتعد عن صحبة أهل الشر، وواظب على الصلاة في المساجد وعلى النوافل والأذكار الصباحية والمسائية إلى غير ذلك مما يتقرب به إلى الله، وعسى الله أن يبدل سيئاتك حسنات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(16/405)
المداعبة للأجنبية بغير إيلاج إثم كبير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر مداعبة الرجل لامرأة أجنبية -دون أن يضع قبله بفرجها- زنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت من مداعبة الرجل المرأة الأجنبية دون إيلاج قبله في فرجها فإنه لا يعد زنا يستوجب الحد، ولكنه إثم كبير ومعصية تجب التوبة منها، وراجع فيه الفتوى رقم: 50258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1425(16/406)
يكفي في التنفير من الزنا أنه قرين الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في بلجيكا وعند قدومي إليها والتعرف على مجتمعها خصوصا الجالية المسلمة لا حظت أن هذه الأخيرة تعيش مشاكل متعددة وعلى رأسها التفكك الأسري إذ نسبة الطلاق والعياذ بالله مرتفعة جدا جدا وكمسلمة حاولت القيام بإلقاء دروس للنساء حول الأسرة وأهميتها وحقوق كل فرد من أفرادها في الإسلام و....
وأريد أن أسأل عن بعض المسائل التي تسأل عنها النسوة.
1-هل المرأة إذا كانت تعرف أن زوجها يزني هل معاشرته لها حلال أم حرام, وهل لها الحق في طلب الطلاق خشية أن ينقل إليها بعض الأمراض وخصوصا السيدا
2-هل إذا زنت المرأة المحصنة ولم يطلع على فعلها إلا الله ثم تابت هل لها ألا تخبر زوجهاخشية إن أخبرته أن يطلقها وهل يفسخ العقد بزنا الزوجة ويحرم عليها زوجها حتى تستبرأمن ماء الزنا
3-امرأة في مشاكل مع زوجها بسبب اتخاده لخليلة يساكنها ويعاشرها معاشرة الأزواج وقد ادعى أنه قطع صلته بهذه الخليلة ولكن إحدى صديقات الزوجة التقته مع هذه الخليلة وقد أنجبت منه مولودا فأخبرت الزوجة حتى تتفطن لما يجري حولها ولا تبقى على عماها فهل أخطأت الصديقة إذ نبهت الزوجة لخيانة زوجها لها. أعتذر عن كثرة الأسئلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من أعظم الكبائر وأشنعها، وقد توعد الله صاحبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة إذا هو لم يتب، ويكفي للتنفير منه أنه قرين الشرك، وذلك في قول الحق سبحانه: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ] الفرقان: 68-70.
ولما كانت هذه الفاحشة ذات خطر على الدين والخلق والمجتمع سد الشارع كل الطرق المؤدية إليها من نظر وخلوة محرمة أو نحوها، فقال سبحانه: [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً] (الإسراء: 32) . وقوله: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ] (النور: 30) .
ويشتد إثم الفاعل إن كان محصنا، وهو من سبق منه زواج صحيح، ولهذا كانت عقوبته هي الرجم بالحجارة حتى الموت، فالواجب على من وقع منه ذلك زوجا كان أو زوجة أن يبادر إلى التوبة ويستر على نفسه، وليكثر من الأعمال الصالحة، فإن تاب وحسنت توبته تاب الله تعالى عليه، لقول الحق سبحانه: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا] (طه: 82)
وبخصوص الأسئلة فقد أجبنا على الأول منها في الفتوى رقم: 26233، وعلى الثاني في الفتوى رقم: 32359، والفتوى رقم: 37706، أما الثالث: فيراجع تحت رقم: 24423
والله أعلم. ... ... ...
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(16/407)
مسائل في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[العنوان (ما حكم الزوجة الزانية)
زوج فهم من زوجته أنها (وهي تحكي سؤالا فقالت: لوأن امرأة تم بها الزنى وهي لم تشعر باللذة أو اعتدى عليها رجل وحملت منه وأنزلت حملها فما حكمها؟) زنت أو اعتدى عليها ولم تقاوم خشية الفضيحة، وحملت زوجها الوزر والذنب بسبب غيابه عنها لسفره، مع العلم بأن هذه الزوجة ملتزمة منذ بداية حياتها ومنقبة، ولها أولاد، ولكنها كانت تقذف امرأة قريبة لها جدا بممارسة الزنا، وكانت لا يعجبها كثير من التصرفات حتى في أسرتها وكان زوجها يمنعها من الخوض في هذه الأحاديث، ومن كلامها أنها تريد أن تذهب لأحد العلماء، والمفهوم من ذلك أنها ربما تريد العالم ليقيم عليها الحد، وأشعر أنها تريد التوبة.
بالطبع الحادثة ليس لها شهود، ولم تصل لمن يقيم الحد، لكن هل يمكن السكوت عليها؟.
1- هل يطلقها زوجها؟
2- هل يتحرى ويطلب منها كل التفاصيل أم يسترها؟
3- هل إذا تحرى وعرف الجاني يقتص منه؟
4- هل علي الزوج ذنب الزنا أم أن الزوجة كان يجب عليها المقاومة فيما لو كان الأمر اعتداء؟
5- لو أن هذه الزوجة هي التي سهلت وتساهلت في أمر الزنا هذا بالخضوع واللين والتمادي في الكلام مع هذا الشخص وأقامت علاقة مسبقة حتى حدث لها ما حدث فهل على الزوج لوم؟
6- هل يعيش معها الزوج بعد ذلك مع العلم أن لها من الأولاد أربعة؟
7- هل هو عقاب من الله لها؟
8- لقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لعائشة في حادثة الإفك: إن كنت ألممت بشيئ فاستغفري الله. فهل يفهم من قول النبي أن عائشة لو كانت فعلا ألمت بشيء وفعلت الزنا ولا يوجد الشهود، أكان النبي يعفو عنها، ويتركها؟؟
أريد من فضلكم الإجابة علي كل سؤال جوابا محددا متضمنا ثماني إجابات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد السؤال من الزوجة عن حكم من وقعت في الزنا ليس دليلا على أنها زنت ولا يجوز توجيه التهمة إليها بمجرد ذلك، والأصل هو حمل المسلم على السلامة وحسن الظن به، ومن ثم، فكل الأحكام المبنية على ذلك من القول بتطليقها والتحري في حالها وغير ذلك مبنية على الظن الذي هو أكذب الحديث.
أما لو ثبت فعلا أنها وقعت في الزنا باعترافها أو إقامة البينة عليها، وثبت أيضا توبتها بعد ذلك فلا يلزم زوجها أن يطلقها ولا أن يديم التحري في حالها، بل الأفضل إمساكها وإحسان عشرتها وسترها.
وانظر فيمن له أن يقيم الحدود الفتوى رقم: 23258.
وأما الفقرة الرابعة، فجوابها أن على الزوجة مقاومة المعتدي بما تقدر، إلا إذا خشيت على نفسها من الهلاك وما في حكمه، وزوجها آثم إن فرط في صيانتها وحفظها، وليس بآثم إن لم يفرط.
وأما الفقرة الخامسة، فجوابها أن هذه المرأة إن فرطت في التزام حكم الشرع وخالفت أمر الله وأقامت علاقات محرمة مع غير زوجها فلا شك أنها آثمة، وأن عليها وزر ما فعلت، ولكن مع ذلك فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما كان قبلها.
وأما هل ما وقع بها عقوبة من الله أم لا؟ فعلم ذلك إلى الله تعالى، ولا يبعد أن يكون عقوبة، فالله تعالى يقول: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا] (الشورى: 40) . ويقول: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ] (الشورى: 30) .
وأما الفقرة الثامنة: فجوابها أن الحكم بالزنا إن رفع إلى الحاكم وثبت عنده بأربعة شهود أو بالإقرار من قبل الزاني عند الحاكم فليس للحاكم أن يعفو، بل يلزمه إقامة الحد، أما في حال عدم بلوغ الأمر للحاكم فالأفضل لمن وقع في الزنا أن يستر على نفسه، والأفضل للزوج أن يستر على زوجته، وانظر الفتوى رقم: 7940.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(16/408)
سقوط الحد في الدنيا لا يسقط عقوبة الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن حد الزنا لا يثبت إلا باربعة شهود.. هل هذا يعني أنه في الشريعة الإسلامية إذا عجزنا عن إثبات هذا الحد فهذا يعني أنه لا سلطة للنظام الاسلامي في عقوبة هذا الرجل والمرأة حتى لو فعلا الفاحشة لوحدهما أو أمام أقل من أربعة شهود؟
إذا كانت الاجابة هي التعزير، أليس التعزير لا يجوز أن يكون بأكثر من عشر جلدات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن جريمة الزنا من أعظم الجرائم، وأكبر، الكبائر وأسوئها أثرا على الفرد والمجتمع، ولذلك كانت عقوبة مرتكبها في الدنيا والآخرة من أعظم وأغلط العقوبات، إذا كان الزاني حراً محصناً فإن عقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت، والبكر يجلد مائة جلدة، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهي مضاعفة العذاب والخلود فيه مهانا. قال تعالى: ومن يفعل ذلك.. يعني الزنا وما ذكر معه يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب إلى آخر الآية.
ولكن الشارع الحكيم حماية لأعراض المسلمين وصاينة لكرامتهم وإبقاء على عفتهم جعل ثبوت هذه الجريمة أمرا من الصعوبة؛ بل جعل الإقدام على هتك أعراض المسلمين والنيل من عفتهم دون بينه كبيرة من كبائر الذنوب يستحق صاحبها أن يجلد ثمانين جلدة..
كل هذا سدا لذريعة هتك عرض المسلم والاعتداء على حرمته، فالشارع ـ السلطة الإسلامة ـ إذا لم تقم لديها بينة كافية تثبت جريمة الزنا خلَّت سبيل المتهم وتركته على أصله من العفة والنزاهة.
ولكن لا يعني هذا التهوين من شأن جريمة الزنا أو أنها إذا لم تثبت شرعا تكون أخف، وإنما هذا لأننا مخاطبون بما ظهر من الأدلة والبينات التي تقدم إلينا، فإذا توفرت أقيم الحد بمقتضاها، وإذا لم تتوفر سقط الحد في الدنيا عن المتهم، ولكن تبقى العقوبة الآخروية لأنها مرتبة على ما في نفس الأمر. يوضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا. رواه البخاري واللفظ. للبخاري
وقوله صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن.. رواه البخاري
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(16/409)
براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في صحيح مسلم هذا الحديث:
عن أنس أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: اذهب فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها فقال له علي اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي عنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر
فما هي قصة هذه الحادثة؟ ظاهر الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أمر بقتل الرجل لتهمة الزنا فكيف وقع هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث في صحيح مسلم كما ذكر السائل، وقد ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" ونسبه لابن أبي خيثمة وابن السكن فقال: روى ابن أبي خيثمة وابن السكن وغيرهما من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه أن ابن عم مارية كان يتهم بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: اذهب فإن وجدته عند مارية فاضرب عنقه، فأتاه علي، فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له علي: اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكف عنه علي، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنه مجبوب ما له ذكر، وفي لفظ آخر أنه وجده في نخلة يجمع تمرا وهو ملفوف بخرقة، فلما رأى السيف ارتعد وسقطت الخرقة، فإذا هو مجبوب لا ذكر له.
وقد أشكل هذا القضاء على كثير من الناس فطعن بعضهم في الحديث، ولكن ليس في إسناده من يتعلق عليه، وتأوله بعضهم على أنه لم يرد حقيقة القتل، إنما أراد تخويفه ليزدجر عن مجيئه إليها. قال: وهذا كما قال سليمان للمرأتين اللتين اختصمتا إليه في الولد عليَّ بالسكين حتى أشق الولد بينهما، ولم يرد أن يفعل ذلك بل قصد استعلام الأمر من هذا القول، ولذلك كان من تراجم الأئمة على هذا الحديث: باب الحاكم يوهم خلاف الحق ليتوصل به إلى معرفة الحق، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف براءته وبراءة مارية، وعلم أنه إذا عاين السيف كشف عن حقيقة حاله، فجاءه كما قدره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسن من هذا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه بقتله تعزيرا لإقدامه على خلوته بأم ولده، فلما تبن لعلي حقيقة الحال وأنه بريء من الريبة كف عنه واستغنى عن القتل بتبيين الحال، والتعزير بالقتل ليس بلازم كالحد، بل هو تابع دائر معها وجودا وعدما. اهـ.
وقال النووي رحمه الله: لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره، لا بالزنى، وكف عنه علي رضي الله عنه اعتمادا على أن القتل بالزنى وقد علم انتفاء الزنى.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(16/410)
جريمة الزنا لا تأخذ حكم ملك اليمين بحال
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لحضرتكم يتكون من شقين، الأول منهما،، لي صديق وهو بحمد الله ملتزم، ولكنه دائم التردد على بيوت الرذيلة، وهذا سهل جدا في بلدنا، وعند محاولتي ردعه عن ذلك يقول لي إن له رأيا غريبا في ذلك حيث إن الإجارة هي إحدى أنواع الملكية المؤقتة وهو عند استئجاره للمومس يكون قد ملكها مؤقتا وهذا يدخل في باب ما ملكت اليمين، وعليه أرجو مساعدتي في بيان الرأي الشرعي لأتمكن من ردعه عن فعله، والشق الثاني من سؤالي، صديقي هذا ملتزم، ويتردد على المساجد، وفي صغري سمعت من مدرس التربية الاسلامية أن لا خير في صلاة من لا تردعه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فهل معنى هذا القول أن صلاته باطلة،،
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن وصف الشخص بأنه ملتزم بدينه وهو يتردد على أماكن الرذيلة ويصر على ارتكاب فاحشة من أقبح الفواحش وذنب من أكبر الذنوب..
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " متفق عليه
وقال تعالى في وصف عباد الرحمن (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما ً)
وليعلم أن أن الحجج التي يعتذر بها من اتباع الهوى ومكايد الشيطان التي يزين بها الفاحشة للإنسان، فمن المعلوم بالضرورة أن الحر لا يملك ولا يباع.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة.. وذكر منهم " ورجل باع حرا " رواه البخاري، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن " وبهذا يتبين لك أن هذه الجريمة لا يمكن تسويغها، أو أنها تأخذ حكم ملك اليمين بحال من الأحوال.
وأما صلاة الشخص العاصي فإنها إذا تمت بشروطها وأركانها فإنها صحيحة ولا تلزمه إعادتها، وما أشرت إليه ورد معناه في آثار موقوفة ومرفوعة ضعفها أهل العلم
ولا شك أن الصلاة إذا أقيمت على الوجه الأكمل باستكمال شروطها وخشوعها، واستحضار عظمة الله تعالى فيها.. أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر؛ كما قال الله تعالى:" وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(16/411)
الديوث والقواد.. خبث وانتكاس فطرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم القواد المستحسن على أهله، أرجو معرفة اسم الشيخ المجيب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل الكريم يقصد الديوث وهو شخص خبيث النفس يقر الخبث والخنا في أهله ومحارمه ولا يغار عليهن، فإن هذا الفعل من أكبر الكبائر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. رواه أحمد والنسائي.
وإن كان يقصد القواد: وهو الساعي بين الرجل والمرأة للفجور فهو كذلك أو أشد، وفعله دليل على خبث نفسه وانتكاس فطرته.... ومجرد حبه لإشاعة الفاحشة في المجتمع كبيرة من كبائر الذنوب وجريمة يستحق بها العقاب، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور:19] ، فما بالك إذا انضم إلى ذلك سعيه فيه، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 11273، والفتوى رقم: 26982.
أما بالنسبة لاسم المفتي فتراجع الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(16/412)
شبهات حول الزنا ونكاح المتعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ظهرت في الفترة الأخيرة الكثير من الآراء الغريبة والتي تطعن في شريعتنا الغراء ولا بد من الرد عليها ردا شرعيا عن طريق أولي الاختصاص، وقد وقعت أثناء مناقشة ساخنة مع أحدهم على آراء شيطانية غريبة لم أجد لها أصلا في ديننا الحنيف ولكن ولضعفي في الفقه لم أستطع ردها حيث كان يقول إن تعريف الزنا هو ارتكاب الفاحشة مع المرأة المتزوجة فقط، أما غير المتزوجة فلا يوجد رأي شرعي له دليل يحرم مضاجعتها بغير عقد زواج وهو يستدل بذلك على أن زواج المتعة حلال وأن التحريم إنما أتى من الفقهاء وليس له بالشرع أساسا) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن معنى الزنا وتعريفه وذلك في الفتوى رقم: 8448.
وأما عن أدلة تحريم الزنا فإنها أكثر من أن تحصر سواء في ذلك المحصنة وغير المحصنة، وقد تقدم ذكر بعضها في الفتوى رقم: 14737.
وأما عن قول هذا الشخص "لا يوجد رأي شرعي له دليل يحرم مضاجعتها بغير عقد زواج" فهو كلام غير صحيح لأن كل النصوص الشرعية الواردة في تحريم الزنا تعم كل من لا تحل، أي غير الزوجة وملك اليمين، لا فرق في ذلك بين المتزوجة وغيرها، وإن كان زنى المتزوجة أشد تحريماً، وقد وضحنا النصوص الشرعية المحرمة في الفتاوى التي أحلنا عليها أعلاه.
ومن خلال ما سبق يتبين أن ما استدل به السائل باطل بني على باطل، وقد وضحنا حكم نكاح المتعة وأدلة تحريمه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1123، 24142، 19835، 485.
وإذا اطلعت عليها ستجد أن الشرع هو الذي حرم نكاح المتعة وليس الفقهاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1425(16/413)
كيفية التصرف مع الأب الذي يخالف الشرع والطبع مع ابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[محاولة تحرش الأب بابنته لمرات عدة أثناء نومها وصد هذه الفتاة لأبيها عدة مرات وضعفها أمام إحداها ذلك أنه قد حرك غريزة بداخلها لم تستطع إطفاءها وذلك بتقبيل ثغرها وضمها وتقبيل ثديها ومداعبة فرجها بأصبعه لإثارة شهوتها دون ملامسة الأعضاء لبعض، علماً بأن هذا الأب الفاجر لا يصلي ولا يصوم ويسب الدين والرب وليس على وفاق مع زوجته لدرجة هجرها لعدة أيام بل شهور وهما يقيمان في نفس المنزل مع الأبناء وأن هذه الفتاة غير متزوجة وتسكن مع والديها وهي تصلي وتصوم ومحجبة؟ وندمت أشد الندم على استسلامها لذلك الأب الفاجر وتابت إلى الله واستغفرت وصلت 12ركعةعل الله يغفر لها.. لكن ماذا تفعل أمام هذا الأب الفاجر الذي يستغل استسلامها له إذا أخبرت أحداً بأن ذلك كان برضاها ورغبة منها علماً بأنها صدته عدة مرات حيث كانت تذهب للنوم في الحمام هرباً منه والأم طبعاً على خلاف دائم مع الأب وكثيراً ما تذهب لبيت أهلها وتبيت هناك.. هل لمثل هذا الأب طاعة أو حقوق على أبنائه علماً بأن الفتاة تكرهه جداً لهذا الموقف وفكرت عدة مرات بقتله بوضع السم له في الأكل.. لكنها خافت عقاب الله لها.. إنها تكرهه كرهاً شديداً وهي الآن ملتزمة وتحاول التمسك بتعاليم الدين والتنقيب عن ما يفيدها حيث لا يوجد أي معنى من معاني الإسلام في تلك الأسرة وتلك البيئة فالديانة الإسلام في جواز السفر فقط بالنسبة لهذه الأسرة؟؟
ما حكم استسلام الفتاة لذلك الأب الفاجر وندمها على ذلك وتوبتها؟
ما حكم ذلك الأب الفاجر؟ وهل له واجب الطاعة من تلك الفتاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعصمك من كل شر، وأن يقر عينك بهداية أبيك، وبصلاح أسرتك جميعاً.
ثم اعلمي أن أباك قد خالف الشرع والطبع وارتكب أموراً عظاماً لأنه إذا كان الإنسان ممنوعاً من فعل ذلك مع الأجنبية فهو مع المحارم وخاصة من كان مثل الأب أشد وأعظم؛ لما روى أحمد والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. وذلك لأن المحرم مطلوب منه الحفاظ على عرض محارمه والذود عنه، لا أن يكون هو أول الهاتكين له. ولا شك أن من يفكر في ذلك فأحرى أن يقوم به فقد الحس والأخلاق والدين جميعاً، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت. رواه البخاري.
والذي نود أن ننصحك به هنا أن تبذلي جهداً في نصح هذا الأب فإن قبل فبها ونعمت، وإلا فهدديه بإفشاء الأمر إلى الأسرة والمحاكم الشرعية، فإن لم يردعه ذلك فيجب أن تخرجي عنه إلى أحد أقاربك كالأخ والعم أو نحوهما حتى ييسر الله لك زوجاً، وذلك لأن البقاء مع هذا الأب المنتكس الفطرة يُخشى منه أن يتطور إلى ما لا تحمد عقباه، وننبهك إلى أن حق هذا الأب الإحسان بالمعروف أمر أوجبه الشرع له عليك لحق الأبوة، ولا تسقط أبداً مهما بلغ من العصيان، لأن الإسلام أوجب ذلك للأب الكافر على ابنه المسلم، فكيف بمن يظن به الإسلام، والأصل في هذا ما في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت أمي علي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك.
ولكن لا يجوز لك أن تحتكي به إذا كان حاله ما ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(16/414)
الزنا عبر الهاتف لا يوجب الحد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديقة متزوجة ولها أطفال، صديقتي هذه تعرفت على شاب وأحب كل منهما الآخر من خلال الإنترنت كل واحد منهما ببلد لم يلتقيا أبدا مع مرور الزمن وتوطدت العلاقة بينهما أصبحا يمارسان الجنس عبر الهاتف أريد أعرف ما هو الحكم الشرعي لذلك أيعتبر زنا وإن كان زنا ماذا عليها أن تفعل لتكفر عن غلطتها علما بأنها الآن لا تكلم هذا الشاب وانقطعت العلاقة بينهما وأريد أن أعرف هل عليها إخبار زوجها بذلك مع العلم بأنها تابت عن ذلك أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من على هذه الفتاة بالتوبة، وما دامت قد تابت من هذه المعصية وهي إقامة علاقة مع رجل أجنبي وممارسة الجنس عبر الهاتف، فإن الله تعالى يقبل توبة التائب إليه إذا أقلع عن الذنب وندم على فعله وعزم على عدم العودة إليه، والأفضل لها ألا تخبر زوجها ولا غيره بما فعلت، لأن الله تعالى يحب من العبد أن يستر على نفسه كما بيناه في الفتوى رقم: 33442.
وما قامت به هذه الفتاة ليس زنا يوجب الحد، ولكنه من زنا اللسان والأذن وكفارته التوبة، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 25437.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(16/415)
لذة لحظة أورثت حزنا طويلا
[السُّؤَالُ]
ـ[سني 52 سنة لقد اشتغلت في الغرب 10 سنوات ثم رجعت إلى وطني تونس وواصلت العمل في المدن السياحية ارتكبت كثيرا من المعاصي وأثناء عملي أصبت بمرض عضلي وراثي وأنا أستعمل حاليا الكرسي المتحرك منذ 10 سنوات حياتي الماضية جعلتني أحب إرضاء شهواتي في الخمر والزنا ولكن منذ سنة تمكنت من الكف عن شرب الخمر بصعوبة كبيرة وأصبحت أصلي وأقرأ كثيرا عن الأمور الدينية ونظرا إلى كوني غير متزوج والأمر صعب للغاية فمن هي المرأة التي ترضى برجل مقعد وليس له سوى جراية عجز هذه الوضعية لم تتركني أتخلص من جريمة الزنا أتمنى أن يرزقني الله بزوجة ولكن طال صبري ومرضي ولم أجد حلا أريد منكم نصيحة وجزاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهنئك بالإقلاع عن شرب الخمر، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويحصن فرجك ويرزقك زوجة صالحة تسعد بها في حياتك، ثم اعلم أخي هداك الله تعالى أن الذنوب سبب في نقص الإيمان والأرزاق وتوالي المصائب، قال سبحانه: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30)
ولا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر، وهو من جملة الذنوب التي توعد الله صاحبها بالعذاب الأليم والمضاعف إذا لم يتب، قال سبحانه: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ] (الفرقان: 68-70) .
وفي هذه الآية دليل على شناعة هذه الفاحشة، حيث جعلها الله قرينة الشرك وقتل النفس، وفي هذا ردع لكل مسلم عن اقتراف هذه المعصية التي حرم الله كل الطرق المؤدية إليها كالنظر والخلوة بالأجنبية وملامسة بشرتها، فقال سبحانه: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ] (النور: 30- 31) .
والحق أن كل عاقل يسمع هذا النهي وذلك الوعيد من العزيز الجبار جل جلاله، عليه أن يخاف الله تعالى ويتدارك نفسه بالتوبة، قبل أن يأتيه الأجل وهو مصر على هذه المعصية، فيكون بذلك قد حرم نفسه من النعيم الأبدي في لذة لحظة يعاقب عليها دهورا.
ومن لطف الله بعباده أنه جعل باب التوبة مفتوحا ما دام الإنسان لم يصل إلى حد الاحتضار، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فبادر أيها الأخ الكريم بالإنابة إلى ربك، وأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فإن ربك الكريم يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82)
ويقول: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً] (الزمر: 53) .
واصبر على ما أصابك من بلية، فربما كان ذلك سببا في تكفير خطاياك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم.
وننصحك بالبحث عن امرأة دينة وصاحبة خلق تحفظ بها جوارحك عن الوقوع في الحرام، وقبل أن ييسر الله ذلك عليك بالصوم ومصاحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير غريزة الشهوة ويجر إلى ارتكاب الفاحشة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(16/416)
توبة الزاني بحليلة جاره
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت إجابة بهذا الموقع خاصة بحقوق العباد
بشأن الزنا في حليلة الجار وكانت الإجابة أن الله لا يغفر ذلك الذنب ما هو الحل للمغفرة
علما بأني عرضت هذه الإجابة على بعض ممن أعلن التوبة والمغفرة
فما كان رد فعله إلا الضد......
فترك الصلاة وانحرف انحرافا تاما وكان أسوأ مما كان
أفيدونا حتى يمكن إصلاح حال هذا الشخص بعد أن أغلقتم جميع الأبواب في وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ارتكب ذنباً من الذنوب وتاب منه إلى ربه توبة نصوحاً بأن أقلع عن الذنب وندم على فعله، وعقد العزم على عدم العود إليه، فإن الله تعالى يقبل توبته، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (التحريم: من الآية8) ، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، هذا إن كان الذنب في حق المولى جل جلاله، أما إن كان في حق العباد فإنه يزاد على ذلك برد المظالم إلى أصحابها، لكن على التفصيل التالي: فإن كان الحق مالاً أخذه أو دماً سفكه، وجب رده إلى أهله، وتمكين المظلوم أو أوليائه من القصاص، وإلا كانت التوبة ناقصة، وإن كانت انتهاك عرض للغير كغيبته والزنا بزوجته، فهذا إن أمكن استسماح صاحب الحق من غير التصريح له بالذنب، وجب ذلك، وذلك لأن الشرع منع المجاهرة بالذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
وعلى كلٍ؛ فإن على صاحب الذنب التوبة والإكثار من الطاعة لقول الحق سبحانه: إ ِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (هود: من الآية114) ، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طه:82) .
وعلى هذا؛ فندعو الشخص إلى التوبة وعمل الطاعات، ولا يلزمه طلب الصفح من صاحبه إن كان في ذلك ما يؤدي إلى حرج، وانظري الفتوى رقم: 18343، والفتوى رقم: 34218، علماً بأننا لم نكتب في موقعنا أن الله لا يغفر لمن زنا بحليلة جاره إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، بل إن الذي كتبناه هو أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وانظري الفتوى رقم: 16907، والفتوى رقم: 27620.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(16/417)
مدى تأثير الزنا على الرابطة الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[استشرتكم إخواني في المرة السابقة وأجبتموني على الرقم 231363 ولكن لم أجد الإجابة مباشرة بحثت كثيرا لم أجد إلا إجابات أخرى ليست لي، من فضلكم أعيدوا علي الإجابة لكي أرتاح إنني في قلق شديد أنا التي خنت زوجي وندمت على ذلك، هل يقبل الله مني هذه التوبة أم لا، ومن ناحية زوجي كذلك. وجزاكم الله خيرا أريحوني يريحكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الهداية والمغفرة، ثم اعلمي أنه إذا كان قصدك بهذه الخيانة ارتكاب فاحشة الزنا فلا شك أنك أتيت ذنباً عظيماً، وجرماً خطيراً، لكن إن تبت إلى ربك توبة نصوحاً فإن الله تعالى وعد التائبين بالمغفرة، كما قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، ومن شروط التوبة أنها إذا تعلق بها حق العباد أن الذنب لا يغفر إلا أن يعفو أصحاب الحقوق عنها كما هو مبين في الفتوى رقم: 37706.
وعليه؛ فحاولي طلب الصفح من زوجك مع الحذر من التصريح له بما فعلت إذ لا يجوز لك ذلك أصلاً.
ثم إن هذا الفعل وإن كان شنيعاً شرعاً وطبعاً إلا أنه لا يُؤثر على صحة زواجك، لكن يجب عليك أن تمتنعي عن تمكين الزوج من الوطء حتى تحيضي ثلاث حيضات، قال ابن قدامة في المغني: وإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(16/418)
بين الزنا وشرب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أي الذنب أكبر، الزنا أم الخمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا أكبر من شرب الخمر وأشد إثماً؛ إلا أن المفاسد المترتبة على شرب الخمر أعظم، قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير: ولأن مفاسده أشد من مفاسد الزنا لكثرتها، لأنه ربما حصل بشربه زنا وسرقة وقتل، ولذا ورد أنها أم الخبائث. وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 14813.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(16/419)
زنا المحارم يتنافى مع الفطرة السوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في 23 من العمر في صغري قام عمي رحمه الله بمعاشرتي عندما كنت في السنة الخامسة الابتدائية، ولم أخبر أحد بهذا، وكانت مرة واحدة وبعدها بثلاث سنوات قام أخي بفعل نفس الشيء معي واستمرت لأربع أو خمس مرات، ولم أخبر أحداً وللأسف لم أكن أعرف ما هية الشيء الذي يحدث معي في المرتين، ومن فترة لأخرى أقوم بمفردي بالإمتاع الجسدي لنفسي لعدم المقدرة على نسيانه وحاولت كثيراً أن أكف عنه أو أمنعه ولم أقدر، فماذا أفعل لأتخلص منه وما هو حكم الشرع علي وعلى أخي وعمي، وماذا أفعل لأكسب رضا الله ومسامحته عن ما حدث؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا جريمة نكراء وكبيرة من كبائر الذنوب وفاحشة من أقبح الفواحش، ولهذا كانت عقوبته في الإسلام جلد صاحبه مائة جلدة إذا كان بكراً وهو من لم يسبق له الدخول في نكاح صحيح، وذلك أمام الملأ أو رجمه بالحجارة حتى يموت إذا كان محصنا وهو ضد البكر المتقدم، قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] ، وقال صلى الله عليه وسلم: والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. رواه مسلم.
ويعظم قبح الزنا وتشتد عقوبته إذا كان بين المحارم لأن ذلك يتنافى مع الفطرة السوية والمروءة الإنسانية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم.
وعلى من وقع في شيء من هذه القاذورات أن يستر نفسه بستر الله تعالى ويبادر إلى التوبة النصوح، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وعليه أن يحافظ على الفرائض ويكثر من النوافل وأعمال الخير، فإن الله عز وجل يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ، ويقول تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان:68-69-70] .
والواجب عليك الآن المبادرة للتوبة، والابتعاد عما حرم الله تعالى من ممارسة العادة السرية وغيرها، ومما يعينك على ذلك استشعار عظمة الله تعالى وإطلاعه على أعمالك الحسنة والقبيحة، وأنك لا تدرين متى يأتيك الموت هل هو في اللحظة التي تعملين فيها الحسنات أو السيئات.
وعليك أن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى والأعمال التي تنفعك في دينك أو دنياك، ولا تستسلمي للأوهام والأفكار التي يوسوس بها الشيطان، وأن تعودي نفسك على الصبر على الطاعة وعن المعصية، وتقللي من تناول الطعام وتصومي ما استطعت فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشباب بالزواج ومن لم يستطع ذلك أرشده إلى الصوم، وعليك بصحبة الخيرات الصالحات، ولا مانع من أن تطلب المرأة الزواج إذا وجدت الرجل الصالح ويكون ذلك بالتصريح أو التلويح، فإذا تابت الأخت التوبة النصوح والتزمت بهذه النصائح فإنها تتخلص من هذه المعصية وآثارها وسيبدل الله سيئاتها حسنات إن شاء الله تعالى.
وفيما يخص الأخ والعم فقد سبقت الإشارة إلى حكمهما ضمن الإجابة، وبالإمكان أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5524، 9195، 29514.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(16/420)
كيفية التعامل مع الأم الزانية
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف كيف أبدأ.. الكثير من الكلام أريد قوله لكن سوف أختصر قدر الإمكان
أمي حجت 7 مرات واعتمرت أكثر من 14 مرة
أبي رجل طيب كثيرا جدا وهو إنسان مسامح
كنا نعيش في حالة بسيطة عادية وعرفت أمي بأعمالها الصالحة في الحي حيث نسكن
مؤخرا أصبحنا نشك في تصرفات أمي.... وأخيرا علمت بأنها أصبحت زانية مع رجل ينقصها سنا وهي الآن تصرف عليه من مالها وهي تنقص من المنزل وتعطيه هو ... أبي علم بالأمر وأكد لي ذلك
لا أدري مادا أفعل..... لا أستطيع التفكير لا أستطيع فعل شيئ دلوني أرجوكم ... عندي أختي صغيرة عمرها 7 سنوات.... مادا يجب علي أن أفعل ... أعترف أنني أحس بالكراهية اتجاهها.... لأنها غدرت أبي الطاهر العفيف.... دلوني أرجوكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدي أمك وأن يصرف عنا وعنكم الشيطان ونزغاته، وقد تقدم الكلام عن كيفية التعامل مع الأم الزانية، فراجع لزاما الفتاوى التالية: 15647، 2091، 40775.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(16/421)
الزنا بالكافرة، وعقوبة الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبه أمابعد:
ماهو حكم من يزني بنصرانية أو يهودية إن كان مسلما وماهو عقابهم جميعا؟
... ... ... ... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الزنا بالكافرة، وذلك في الفتوى رقم: 4822.
وتقدم الكلام عن عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة، وذلك في الفتوى رقم: 26237.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(16/422)
اتساع دائرة خبر الاغتصاب غير محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الحادية والعشرين من عمري مقبلة على الزواج بإذن الله، والمشكلة إنني مغتصبة في صغري عدة مرات، ولكن أهلي لا يعلمون فأخبرت من سيكون زوجي فتقبل الأمر، ولكنه يشك في صدقي لأني لم أخبر أمي وأنه يشك في وجود إثم لعدم إخبارهم بالأمر لا أستطيع إخبار أمي لأنها لن تستطيع احتمال ذلك فما أقسى أن تكون ابنتك بهذا الحال فكيف أستطيع حل هذه المشكلة، وكيف يمكنني تجنب المشاكل المستقبلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يكن ينبغي لك أن تخبري خطيبك بهذا الأمر بل كان ينبغي لك أن تستري على نفسك فإذا فرض أن اكتشف هذا الأمر فعند ذلك تخبرينه، وبما أنك قد أخبرتِه وتفهم الأمر فلا ينبغي لك إخبار غيره ولو والديك، وإذا ارتاب هذا الشخص من عدم إخبار والديك فأعلميه أن السبب هو الحياء، وأن اتساع دائرة الخبر ليس جيداً لأن الخبر حينها سينتشر، وأخبريه أنك قد استفتيت فكانت الفتوى بألا تخبري والديك بذلك، وبذلك إن شاء الله ستتفادين الموقف المحرج مع والديك وسيتفهم هذا الشخص وضعك.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالك وأن يسهل أمرك وأن يختار لنا ولك ما فيه الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(16/423)
لا خير في إمساك الزوجة المصرة على البغاء
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا ما رأيكم في رجل أمسك زوجته بعد ما علم أنها خانته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو إحسان الظن بالمسلم، وخصوصا الزوجة، فاتهامها بالخيانة أمر صعب جدا، فينبغي التثبت وعدم التسرع في ذلك، وراجع الفتوى رقم: 36189.
وإذا تيقن الشخص من خيانة زوجته وكانت هذه الخيانة هي الزنا، فإنه يجب عليه أن يذكرها بالله واليوم الآخر، والتوبة إلى الله مما فعلت، فإن تابت وأنابت فذلك، وإن أصرت واستكبرت، فلا خير في البقاء معها، فعلى زوجها أن يفارقها، وقد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 25475.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(16/424)
إذا أمكنها دفع الزنا فلم تفعل فهي آثمة
[السُّؤَالُ]
ـ[العنوان (ما حكم الزوجة الزانية)
زوج فهم من زوجته أنها (وهي تحكي سؤالا فقالت: لو أن امرأة تم بها الزنى وهي لم تشعر باللذة أو اعتدي عليها رجل وحملت منه وأنزلت حملها فما حكمها؟) زنت أو اعتدي عليها ولم تقاوم خشية الفضيحة، وحملت زوجها الوزر والذنب بسبب غيابه عنها لسفره، مع العلم بأن هذه الزوجة ملتزمة منذ بداية حياتها ومنقبة، ولها أولاد، ولكنها كانت تقذف امرأة قريبة لها جدا بممارسة الزنا، وكانت لا يعجبها كثير من التصرفات حتى في أسرتها وكان زوجها يمنعها من الخوض في هذه الأحاديث، ومن كلامها أنها تريد أن تذهب لأحد العلماء، والمفهوم من ذلك أنها ربما تريد العالم ليقيم عليها الحد، وأشعر أنها تريد التوبة.
بالطبع الحادثة ليس لها شهود، ولم تصل لمن يقيم الحد، لكن هل يمكن السكوت عليها؟ .
1- هل يطلقها زوجها؟
2- هل يتحرى ويطلب منها كل التفاصيل أم يسترها؟
3- هل إذا تحري وعرف الجاني يقتص منه؟
4- هل علي الزوج ذنب الزنا أم أن الزوجة كان يجب عليها المقاومة فيما لو كان الأمر اعتداء؟
5- 5- لو أن هذه الزوجة هي التي سهلت وتساهلت في أمر الزنا هذا بالخضوع واللين والتمادي في الكلام مع هذا الشخص وأقامت علاقة مسبقة حتى حدث لها ما حدث فهل علي الزوج لوم؟
6- هل يعيش معها الزوج بعد ذلك مع العلم أن لها من الأولاد أربعة؟
7- هل هو عقاب من الله لها؟
8- لقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لعائشة في حادثة الإفك: إن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله. فهل يفهم من قول النبي أن عائشة لو كانت فعلا ألمت بشيء وفعلت الزنا ولا يوجد الشهود، أكان النبي يعفو عنها، ويتركها؟؟
أريد من فضلكم الإجابة علي كل سؤال جوابا محددا متضمنا ثماني إجابات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنى من كبائر الذنوب، والواجب على من وقع فيه التوبة إلى الله عز وجل، سواء كان رجلا أو امرأة، وعليه، فما دامت زوجتك قد اعترفت بوقوع الزنا وأنه كان بإمكانها أن تدفع الزاني ولكنها لم تفعل، فهي آثمة سواء شعرت بلذة حال الزنا أو لم تشعر، وأما عدم مدافعتها خشية الفضيحة، فليس عذرا، لأنها لو دافعت لم تنفضح وإنما ستظهر عفتها وستكون الفضيحة على المعتدي، وكذلك تعتبر آثمة في قذفها لقريبتها بالزنا دون بينة وسبب ما حصل لها نوع عقوبة على سوء صنيعها وكذبها وتساهلها في القرب من هذا الرجل، وما دام الأمر لم يبلغ الحاكم، فالواجب عليها أن تتوب فيما بينها وبين ربها وتستر على نفسها وتستر عليها أنت أيضا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. متفق عليه. وقال عليه السلام: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
ولا ينبغي لك طلاقها ولا البحث والتفتيش عن تفاصيل ما جرى لها، ولو قدر أنك علمت بالمعتدي عليها، فإنه ليس لك قتله ولا رفعه للقضاء، ما لم يكن عندك أربعة شهود يشهدون أنهم رأوه يغتصبها ولا خير لك في أن ينشر بين الناس هذا الخبر عن امرأتك.
وأما قولك: وهل على الزوج ذنب الزنا أم أن الزوجة كان يجب عليها المقاومة؟ فالجواب أن الإثم على الزوجة ما دامت قادرة على المقاومة، لا سيما إذا كانت هي المتسببة في حصول هذا الاعتداء بالمقدمات المذكورة في السؤال من الخضوع في القول وإقامة علاقة مع هذا الرجل، وغير ذلك، ولا إثم على الزوج إلا إذا كان غيابه عنها تجاوز المدة المحدودة شرعا، وهي ستة أشهر، ولم تكن راضية عن هذه الغيبة فإنه يلحق الزوج شيء من الإثم.
وأما قولك هل يعيش معها ... ؟ فالجواب: نعم ما دامت قد تابت إلى الله.
وأما قولك: هل هو عقاب من الله لها؟
فالجواب أنه قد يكون كذلك، كما قدمناه سابقا.
وأما الفقرة الأخيرة التي فيها قصة عائشة، فإنه يفهم منها ومن غيرها من الأدلة الشرعية أن الإنسان يؤخذ بالظاهر ما لم تقم بينة بخلاف ذلك.
وأخيرا نقول: إن إسقاط هذه المرأة للجنين محرم، وعليها الدية وهي غرة عبد أو أمة، وتقدر بعشر دية أمة، والكفارة إذا كان الإجهاض بعد مرور أربعين يوما على الجنين وهو في بطنها، وقد فصلنا هذه الأمور في الفتوى رقم: 17939، وفي الفتاوى المحال عليها، فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(16/425)
ممارسة الفاحشة جريمة تجب التوبة منها فورا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مغربي عمري 26 سنة، لم أدخن ولم أشرب الخمر، وأطبق تعاليم ديني منذ فترة طويلة، لكني دخلت إسبانيا منذ سنتين بصورة غير قانونية (بدون أوراق) وسكنت مع إسبانية عمرها 44 سنة، وأفعل معها كل شيء غير أنني لا أدخن ولا أشرب الخمر، أشاهد الأفلام الخليعة وأجامعها حتى لا تشي بي.
فما رأي الشريعة في ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك لابتعادك عن شرب الدخان الخبيث الذي ثبت ضرره على البدن، وكذا لابتعادك عن شرب الخمر التي هي أم الخبائث، ولكنك أخطأت خطأ عظيما في ممارسة الفاحشة مع هذه المرأة، والواجب عليك فورا الابتعاد عنها، إما بترتيب وضعك في البلد دون معرفة هذه المرأة بك، بأن تذهب إلى مكان آخر، أو بالرجوع إلى بلدك، أو باستعمال أي خطوة تنقذ بها نفسك من الهلاك الذي أنت فيه، فإن الزنا جريمة عظيمة تجب التوبة والإقلاع عنها فورا.
قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الاسراء:32) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان. رواه أبو داود وا لترمذي.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(16/426)
زنا المحارم من أعظم الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم وطالب جامعي، أواجه مشكلة غريبة وهي
الافتتان بإحدى عماتي، أحيانا تبدو منها تصرفات
تؤدي إلى الفتنة، مع أني لا أستطيع الجزم بأنها
مقصودة، وفي الفترات الأخيرة، حاولت الابتعاد عنها
قدر المستطاع، لكن أدى ذلك إلى زيادة التفكير بها
كامرأة أجنبية. مع العلم أنها متزوجة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الزنا بالمحارم من أعظم الكبائر وأخطر الجرائم، فاستعذ بالله من هذه الفتنة، واحذر أشد الحذر من الوقوع فيها، وإليك بعض الإرشادات النافعة في هذا الصدد:
- لا تذهب إلى عمتك هذه ولا تحادثها إلا بما هو ضروري، ودع ما دون ذلك حتى يذهب عنك هذا التفكير.
- لا تختل بعمتك ولا تنظر منها شيئا يدعو إلى الفتنة.
- أسر إلى إحدى عماتك الأخريات أو نحوهن من النساء القريبات الثقات لتنبه عمتك إلى أنه لا يجوز أن تتصرف هذه التصرفات التي تدعو إلى الفتنة، ولو كان ذلك عن غير قصد، ولا تسرّ هذا الأمر إلا لمن تعلم أنها أهل لكتم السر ومحل لوضع الأمانة، فإن امتنعت عن تلك التصرفات، فالحمد لله، وإلا، فاهجرها تماما، وراجع لزاما الفتويين رقم: 599، ورقم: 14726.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(16/427)
الزنا محرم مع الكافرة وغيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في دولة تعتبر كافرة وذلك للدراسة.. بالطبع أنا مسلم وأعزب، أتعرض لمغريات كثيرة للاختلاط مع الفتيات (الكافرات) وإقامة علاقة معهن، مع أنني لا أحب ذلك ... الكثيرون يقولون لي لماذا لا تواعد أي فتاة؟ والسؤال: هل يعتبر ممارسة الجنس مع فتاة كافرة زنا، أم لا؟ وفي حالة كونها زنا ما عقوبته؟ الرجاء الإفادة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا محرم سواء كان المفعول بها كافرة أم لا، ويدل لذلك عموما قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32] ، وقد صرح الفقهاء بإقامة الحد على من زنى بجارية من جواري السبي، وقد سبق بيان عقوبة الزنا وبيان تحريم المواعدة والمصادقة والاختلاط بين الجنسين، وبيان بعض الأسباب المساعدة في ترك الزنا، وبيان حكم الإقامة في دول الكفر في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20391، 4822، 4079، 26237، 34932، 32928، 29760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(16/428)
أقوال العلماء في حكم من وطئ أمه أو امرأة أبيه، وهل ينفسخ نكاح أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في من وطىء امرأة أبيه، وهل ينفسخ نكاح الأب، وما سبب ذلك، وهل يختلف الحكم فيما إذا وطىء أمه والعياذ بالله، أرجو ذكر أقوال الفقهاء إن أمكن في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
ويزداد الأمر سوءاً إذا كان بذات محرم، وقد قال الله تعالى في نكاح زوجة الأب: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء:22] .
قال الشوكاني في فتح القدير: هذه الصفات الثلاث تدل على أنه من أشد المحرمات وأقبحها، وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت. انتهى.
فالزنا بامرأة الأب أو بذات محرم أشد جرماً وقبحاً من الزنا بغير ذات المحرم، وقد اختلف أهل العلم في من وطئ امرأة أبيه هل يقتل أو يحد حد الزاني؟ قولان لأهل العلم:
فقال بعضهم يقتل بكل حال، وهذا قول الإمام أحمد، ورجحه ابن القيم رحمه الله.
وقال آخرون: حده حد الزاني، إن كان محصناً رجم وإن كان بكراً جلد.
وهذا قول الحسن ومالك والشافعي وأبو حنيفة إلا أنه قال: إن وطئها بعقدٍ عذر ولا حد عليه، والقول الأول هو الذي تدل عليه الأدلة، فقد روى أبو داود وغيره عن البراء بن عازب قال: لقيت عمي ومعه الراية فقلت إلى أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
وعن ابن عباس مرفوعاً: من وقع على ذات محرم فاقتلواه. رواه ابن ماجه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا القول هو الصحيح، وهو مقتضى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضاؤه أحق وأوفى. انتهى مختصراً من زاد المعاد 5/13.
وقول السائل "هل ينفسخ نكاح الأب...." قد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال ينفسخ ومنهم من قال لا ينفسخ، وهذا قول الشافعي رحمه الله، قال في الأم 5/362: أما الرجل يزني بامرأة أبيه أو امرأة ابنه، فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها.
وأما وطء الأم فهو أشد وأقبح وأطم، ومن فعل ذلك يقتل من باب أولى كما تقدم، قال ابن القيم رحمه الله تعالى، في من زنى بأمه: فإن جريمته أعظم من جريمة من زنى بامرأة أبيه. انتهى، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3970، 7694، 34218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(16/429)
ثبوت الرجم في التوراة لا يعني عدم تحريفها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان هناك رجل وامراة من كبار اليهود وكانا قد زنيا وكل واحد منهما متزوج فكان الحكم في التوارة هو الرجم فلم يوافقوا عليه، فذهبوا إلى الرسول ليحكم بينهم فقال لهم احكموا بالذي في كتابكم، وهل هذا دليل على صحة التوارة حيث حكم بها رسول الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى عليه وسلم فرجما....
وهذا الحكم من الأحكام التي لم تبدل في التوراة التي كانت في أيدي اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد كانوا يخفون هذا الحكم ولا يعملون به في حق كبرائهم، كما هو واضح في نص الحديث، وليس معنى هذا أن كل التوراة التي بأيديهم حق لم تبدل، لأن الله تعالى بين أنهم بدلوا بعض الأحكام، قال الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة:79) ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 32864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(16/430)
هل يجوز للأب قتل بنته لكونها على علاقة برجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في امرأة مطلقة تسكن في بيت أبيها ولها علاقه عاطفية برجل أجنبي وبعد أن اكتشفت العلاقة هربت من بيت أبيها. وأبوها يريد قتلها حين يجدها. الرجاء التوضيح في حالة وجودها عند هذا الرجل أو في مكان آخر.
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القتل شأنه عظيم، وجرمه كبير، قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (النساء:93) .
وروى البخا ري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً.
قال ابن حجر في فتح الباري: "ففيه إشارة إلى استبعاد العفو عنه لاستمراره في الضيق، وقال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت، لأنها لا تفي بوزره". ا. هـ
فإرادة الوالد قتل ابنته أمر عظيم، وخطر كبير، ولا يحل له ذلك، لأنها إن كانت زنت وهي محصنة -ولا يثبت الزنا إلا بإقرارها هي بذلك أو بشهادة أربعة شهود عدول- لم يَجُزْ له أن يقتلها، لأن إقامة الحدود من عمل السلطان، وليس لأفراد الناس إقامتها، لما في ذلك من انتشار الفوضى والقتل.
وإن لم تكن زنت فالأمر أبعد وأخطر، وذلك أنها لم تستوجب القتل أصلاً.
فالواجب تذكير الأب بذلك، وتخويفه بالله عز وجل، ولعل هربها كان بسبب خوفها على نفسها من القتل، كما يجب نصحها بالتوبة إلى الله تعالى، وترك هذه العلاقة المحرمة، وألا تستجيب للشيطان في الغواية، فتذهب إلى هذا الرجل الأجنبي، وانظر الفتوى رقم: 18606.
وينبغي أن يتدخل عقلاء الرجال في حل هذه المشكلة، فإن لم يستطيعوا وكان والدها مصراً على قتلها، فارفعوا الأمر إلى القاضي الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(16/431)
الزاني والزانية كلاهما آثمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في رجل ليس بالزوج في فض غشاء بكارة امرأة لا تحل له؟
بعثت بهذا السؤال سابقا فكان الرد عليها هي فقط، وكان سؤالي واضحا حكم الشرع في الرجل وليس في المرأة، لأنه ضحك عليها طول سبع سنين والمرأة بتكوينها الخلقي عاطفية وضعيفة وهي وضعت كل الآمال عليه في أن يتزوجها وبردكم أنتم عليها هي فقط كان هو موجودا وقرأ الإجابة وقال لها الذنب ذنبك ولا إثم علي وخرج مسروراً، فمادا تتوقع من فتاة صغيرة لا تعرف في الدنيا سواه بما يحصل لها في المستقبل لأن هذا الفاجر يعتبر أفسدها وبفسادها أفسد دينه ومجتمعه؟ فبالله عليكم أعطوني الإجابة على حكم الشرع في الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يكن مقصودنا في الجواب السابق إعفاء هذا الرجل الزاني من مسؤولية الزنا وفض البكارة، لكننا أحلناك على أجوبة مفادها أنه يأثم إثماً كبيراً، لذلك وأنت مثله مادمت بالغة راشدة، ولا يجب عليكما في هذه الحالة سوى التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فات، ولا مانع من حصول الزواج الشرعي بينكما إذا صحت توبتكما إلى الله تعالى، أما إذا حصل ذلك لك وأنت غير رشيدة أو كان بغير رضاك (وهي حالة الاغتصاب) ، فلك مهر المثل من الثيبات مع أرش البكارة، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 20931.
وراجعي أيضاً الفتوى رقم: 41910، وإننا لننصح هذا الأخ بأن يتقي الله تعالى ولا يتلاعب بأعراض الناس، فإن الله سائله عن ذلك يوم القيامة، ولا يوجد مانع شرعاً من أن يصحح الخطأ بعد توبته وتوبتها إلى الله تعالى، وأن يتقدم للزواج بهذه الفتاة، أصلحنا الله وإياكم وجميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(16/432)
الشيطان يقود بني آدم إلى العلاقات الآثمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا على علاقة بفتاة وبيننا تواصل جسدي لكن لم يدخل القضيب في المهبل.. فهل تنطبق علي عقوبة الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب عليكما أولاً التوبة إلى الله عز وجل مما حصل منكما من تعدي حدود الله عز وجل، واعلما أن الله عز وجل مطلع عليكما لا يخفى عليه شيء من أمركما، فاتقوا الله عز وجل وتوبوا إليه، قال الله تعالى: وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُود ٌ [هود:90] .
واعلم أن السبب في وقوعكما في هذه المعصية هو تتبعكما لخطوات الشيطان، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:168-169] .
وأما قولك هل تنطبق علي عقوبة الزاني؟ فإن الزنا بالمعنى الذي يوجب الحد يكون بتغييب الحشفة في الفرج كما في رواية أبي داود لقصة ماعز رضي الله عنه: كما يغيب الميل في المكحلة أو المرود في المكحلة والرشاء في البئر.
وأما المباشرة دون الفرج فلا يثبت بها حد وإن سميت شرعاً زنا، وانظر لزاماً الفتوى رقم: 5779، والفتوى رقم: 15995.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(16/433)
حد الرجم للزاني المحصن ثابت بالكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حد الرجم في الإسلام مقتبس من الإنجيل أم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحد الرجم بالنسبة للزاني المحصن ثابت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، فقد نزلت آية الرجم، حيث كانت مما يتلى من القرآن ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها.
وقد جاءت الأدلة بمختلف أنواعها على ثبوت الرجم وانظر في ذلك الفتوى رقم: 26483.
ومن الجدير التنبيه عليه أن دين الإسلام هو خاتم الأديان السماوية قبله، فكل من لم يدخل في هذا الدين فهو ضال مخلد في النار إذا مات على ذلك، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) .
كما أن القرآن ناسخ للكتُب السماوية قبله وحاكم عليها، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ (المائدة: من الآية48) ، والسنة أيضاً وحي من الله تعالى مبينة لكتاب الله تعالى، تفصل مجمله، وتخصص عامه، وتقيد مطلقه، قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم:4)
وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل: من الآية44) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1424(16/434)
العلاقة المحرمة لا ينبغي السكوت عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي لي صديقة متزوجة ولديها طفلان وهي تحب رجلاً آخر غير زوجها كما أنها لا تسعى إلى الطلاق حاليا لظروف خاصة بها إلا أنها قريبا سوف تطلب الطلاق وتتزوج هذا الرجل
أنا أعرف أن هذا حرام ومرارا حاولت نصحها لكنها كانت تغضب فيئست منها ولم أعد أنصحها
أنا أشعر أني آثمه عندما أستمع لها خاصة أنها كثيرا ما يحدث بينها وبين حبيبها مشاكل فيحكماني بينهما وأصدر حكمي كما لم تكن غير متزوجة، سيدي ما حكم الشرع في أنا هل أنا ديوث؟ وماذا أفعل فالنصح لن يجدي معها ولن ياتي بشيء.
أفيدوني أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
فليس لمن رأت علاقة محرمة بين أجنبيين السكوت عنها، وذلك لأنه منكر عظيم وشر مستطير فيه هدم للنكاح القائم وضياع للأولاد، فلتتق الله هذه السائلة ولتعلم أن من واجبها تجاه دينها وأمتها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه البخاري ومسلم.
فعليك إذاً أن تنصحي هذه المرأة فإن لم تستجب فهدديها بإبلاغ من يزيل هذه العلاقة المحرمة.
ولمزيد من الفائدة راجعي هذه الفتاوى: 3320 / 23955 / 32948.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1424(16/435)
الآثار السيئة للزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي مفاسد الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا من سيء الفعال وكبائر الذنوب، وهو مقيت في الشرع، مستقبح في الطبع، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عند قول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] . وقوله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًاوَسَاء سَبِيلاً [النساء:22] وصف الله تعالى النكاح الذي هو زنا بأوصاف ثلاثة ... ثم قال: واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: عقلي وشرعي وعادي، "فاحشة" إشارة للأول "ومقتاً" إشارة للثاني، "وساء سبيلا" إشارة للثالث، ومن اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح. انتهى.
ومن الآثار السيئة للزنا:
ضياع الأنساب، قال الجصاص في أحكام القرآن: ففيه قطع الأنساب، ومنع ما يتعلق بها من الحرمات في المواريث والمنكاحات وصلة الأرحام، وإبطال حق الوالد على الولد، وما جرى مجرى ذلك من الحقوق التي تبطل مع الزنا. انتهى المقصود.
هذا بالإضافة إلى ذهاب البهاء، وحسرة النفس، وعذاب القبر، وسخط الرب، وكثرة الأمراض والأسقام، ففي سنن ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم. الحديث، والإيدز أوضح دليل، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 29241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(16/436)
عقوبة الزاني المحصن وغير المحصن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو عقاب من زنى بمشركة خاصة إذا كانت هندوسية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان الزاني محصناً حراً فعقوبته الرجم حتى الموت رجلاً كان أو امرأة، وهذا محل إجماع بين العلماء، ودليل ذلك حديث ابن عباس في صحيح البخاري في قصة رجم الصحابي الذي زنى واسمه ماعز، وكذلك ما رواه مسلم في قصة رجم المرأة الغامدية التي زنت، وذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن حد الزاني المحصن الجلد ثم الرجم، والمذهب عند الحنابلة الرجم فقط.
وأما إن كان غير محصن فحده الجلد إن كان حراً؛ لقول الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] . وكون من زنى بها كافرة لا يدرأ الحد عنه، هذا إذا وصل إلى الحاكم المسلم، أما إذا لم يصل أمره إلى الحاكم فينبغي له أن يستر نفسه، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل قبل أن يوافيه الأجل وحينها سيندم، حين لا ينفعه الندم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(16/437)
أجهضت حملها مرتين بعد الزنا ثم تابت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من أجهضت حملها مرتين بعد الزنا ثم تابت توبة نصوحاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن من أقدم على الزنا ثم الإجهاض قد ارتكب إثماً كبيراً، وذلك لأنه فعل محظورين عظيمين.
الأول: الزنا، وقد قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً [الإسراء: 32] ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الرجل حين يزني وهو مؤمن [رواه الشيخان] .
الثاني: الإجهاض، فإنه محرم كما في الفتوى رقم: 5920 ويزداد تحريماً إذا كان قد مرَّ على الحمل مائة وعشرون يوماً، لأنه يكون قد نفخ فيه الروح فإسقاطه والحالة هذه إزهاق وقتل لنفس لم يأذن الله بقتلها.
فالواجب على من فعل ذلك التوبة الصادقة إلى الله عز وجل.
وأما من تاب توبة نصوحاً فإن الله سبحانه وتعالى يقبل توبته ويمحو حوبته، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى:25) .
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان:68-70) .
وقال صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال أيضاً:....والله يتوب على من تاب. رواه مسلم من حديث أنس بن مالك.
ولمعرفة شروط التوبة انظري الفتوى رقم: 6826
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(16/438)
إقامة الحد ليس من شأن عامة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نريد رأي الشرع في مسألة حدثت في بلادنا هنا:
لقد تبين بعد شهرين أن فتاة ملتزمة من عائلة متدينة ومحترمة أنها حامل من الزنا، ولا تعرف من هو الفاعل لأنه أخذها بالليل.... المشكلة هي الفضيحة ماذا يفعل الأب، علما بأنه جلدها بالسر، الآن الظروف هنا لا تسمح بإقامة الحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على هذا الأب الستر على ابنته والإحسان إليها حتى تضع هذا الحمل، ولا يجوز بأي حال الإقدام على إجهاض هذا الجنين، إذ أن الإجهاض بعد نفخ الروح قتل للنفس، وقبل نفخ الروح إفساد للنسل، وأما إقامة الحد عليها فليس من شأن عامة الناس إنما هو إلى السلطان، فيُقام بأمره منعاً للفوضى، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23376، 2016، 24127.
وننبه هنا إلى أن الواجب سد الذريعة إلى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الوقوع في الزنا، من سفر بلا محرم أو اختلاط محرم، أو خلوة أو دخول على النساء من قبل الأجانب، أو ترك المرأة على حال لا تأمن فيه على نفسها، إلى غير ذلك من الذرائع، وننبه أيضاً إلى أنه لا يجوز لأبيها تزويجها من أحد حتى تنقضي عدتها بوضع هذا الحمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(16/439)
إتيان البهائم من أقبح المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من آتى أتاناً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإتيان البهائم من المحرمات والقبائح التي تنفر منها الطبيعة السليمة، ولا يميل إلى هذا النوع من العمل إلا من خبثت نفسه وتلوثت فطرته ...
وقد أجمع العلماء على تحريم إتيان البهائم لقول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... [الأنعام:151] .
ويجب على من ابتلي بشيء من هذه الذنوب والقبائح أن يستتر بستر الله جل وعلا، وأن يبادر بالتوبة النصوح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي.
وقد اختلف أهل العلم في نوع العقوبة التي يجب أن تنزل بمن ارتكب هذا النوع من الفواحش بعدما تثبت عليه الجريمة بالإثباتات الشرعية، فذهب بعضهم إلى قتله وقتل البهيمة المفعول بها، وذهب آخرون إلى إقامة الحد عليه، فإن كان بكراً جلد مائة جلدة وإن كان ثيباً رجم، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن عقوبته التعزير حسب اجتهاد الحاكم، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 33113.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(16/440)
الزنا بذات محرم من أعظم الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في أول يوم من الشهر الكريم، سؤالي: عندما يجامع الرجل أم زوجته في علاقة محبة وعشق مراراً وبعد ذلك يتنبه إلى أنه في إثم عظيم فما هو الواجب عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا بأم الزوجة من أعظم الذنوب لأنه زنا بذات محرم، وإثمه أشد من الزنا بامرأة أجنبية، وإن وجد حكم بشرع الله استحق هذا الفاعل والمفعول بها القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف.
وقتله هو قول الإمام أحمد ومن وافقه، وعلى كل حال فالقتل واقع عليه سواء بنص الحديث أو لكونه زانياً محصناً، وكذلك أم الزوجة إن كانت مطاوعة، كما هو ظاهر السؤال.
أما وقد علم أن هذا المنكر من أعظم الذنوب، فعليه وعليها التوبة إلى الله تعالى، وقطع هذه العلاقة والعشق المحرم ويكونان كالأجنبيين عن بعضهما، فلا يجوز له أن يخلو بها ولا يصافحها ولا يحادثها إلا بالمعروف، ولا يجوز لها الخلوة به ولا إبداء زينتها له، ويجب أن تتحجب منه، لأن الفقهاء نصوا على أنه إذا خيفت الفتنة بذات المحرم صارت كالأجنبية عليه سداً لباب الفتنة، كيف وقد وقعت الفتنة فعلاً وتكررت.
ومن تاب تاب الله عليه لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(16/441)
لا يجب الحد إلا بحصول الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينطبق حد الزنا على بعض الأمور التي تؤدي إلى الزنا؟ وإذا كان الجواب نعم فما هي هذه الأمور التي تنطبق عليها عقوبة الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا عرفه الفقهاء بأنه: إدخال الحشفة أو قدرها عمدا في فرج آدمي من غير زواج ولا ملك ولا شبهة، وهذا النوع من الزنا هو الذي يوجب الحد، سواء كان إيلاج الحشفة في قبل أو دبر امرأة، أو كان في دبر رجل، بل إن الوطء في دبر الرجل أشد في الإثم وأقبح في الاستقذار، وقد اختلف حوله العلماء، وأرجح الأقوال فيه، أنه يقتل الفاعل والمفعول به من غير نظر إلى شروط الإحصان، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
وأما الأمور التي تؤدي إلى الزنا، فإنها تعتبر زنا بالمعنى العام، ولكن ليس فيها ما يوجب الحد، وهي النظر إلى الأجنبية، والخلوة بها، وإمساكها، والاستماع إلى حديثها، مما يتخذه الشيطان حبائل يصطاد بها من أطاعه، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(16/442)
الزنا حرام في كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نكاح (النوم بغير عقد) مع المشركات الملحدات الكاسيات العاريات مع العلم بأنه لا تنطبق عليهن الشروط التي من أجلها حرم الزنا (هتك الأعراض-لأنها عندهم مهتوكه، اختلاط النسب- استخدام موانع الحمل) أفتونا؟ أخوكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا من عظائم الذنوب سواء كان بكافرة أو بمسلمة، وسواء كان بمانع حمل أو بدونه، وسواء ترتب على ذلك هتك الأعراض أو لم يترتب، وسواء حصل اختلاط في الأنساب أو لم يحصل، ليس في ذلك خلاف بين أهل الإسلام، وإنما ذكر العلماء أن من حكَِم تحريم الزنا أن فيه هتكاً للأعراض واختلاطاً للأنساب، لأن هذه هي الحِكَم الظاهرة التي علموها، وقد يكون هناك حكم كثيرة، لا يعلمها إلا الله، فقد ظهر لنا مع الأيام أن الزنا يتسبب في أمراض كثيرة وما يدريك لعل الزمن أيضاً يظهر لنا أضراراً وأضراراً، وصدق الله الكريم حيث قال: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] ، وراجع الفتوى رقم: 26237.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(16/443)
استعن على التوبة من الزنا بهذه الوصايا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يزني وهو متزوج؟ وما حكم الإسلام حين يقول تبت إلى الله ثم يعود مرة أخرى إلى الزنا؟
مع العلم بأنه إنسان عاقل ومحافظ على الصلاة.
كيف أتوب إلى الله توبة نصوحا؟ ... وكيف يقبل الله توبتي؟........جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الزنا من أشد الكبائر، لذلك قرنه الله تعالى بأعظم الذنوب، وهو الشرك، حيث قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان: 68] .
كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم خطورة الزنا على الإيمان، حيث قال في الحديث المتفق عليه: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
لكن في المقابل نجد أن الإنسان إذا تاب توبة صادقة، فإن الله تعالى يتقبل توبته، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى: 25] .
والتوبة لا تحصل إلا بشروط:
أولها: الإقلاع عن الذنب والبعد عنه، فإن المتلبس بالذنب لا تصح توبته.
ثانيها: الندم على فعله.
ثالثها: العزم على عدم العودة إليه، بحيث يكون غير مصر على الذنب، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] .
ويضاف شرط رابع، وهو: إذا كان الذنب متعلقا بحق مالي، فإنه يؤدى إلى صاحبه.
وعليه، فإن عليك التحلي بالإرادة والعزيمة الصادقة للإقلاع، والبعد عن هذه المعصية الكبيرة، واستعن على ذلك بما يلي:
- الاجتهاد في الدعاء.
-المحافظة أكثر على الصلاة والخشوع فيها، فإنها سبب للابتعاد عن الكبائر، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45] .
-الابتعاد عن الوسائل المثيرة لارتكاب الفاحشة، كإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى، والاختلاط الممنوع شرعا.
-التدبر والتأمل في العقوبة المترتبة على فعل هذه الفاحشة.
وراجع الفتوى رقم: 1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(16/444)
الزانية المتزوجة ظالمة لنفسها ولزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
المرأة المتزوجة والتي تخون زوجها، ماذا تقولون فيها؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا فاحشة وجريمة شنيعة، وهو طريق الشيطان الموصل إلى مقت الله وغضبه، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
وهو وإن كان كذلك في حق المتزوجة وغير المتزوجة؛ إلا أنه في المتزوجة أعظم جرماً وأقبح فعلاً، ولذا كانت عقوبة المتزوجة أشد من عقوبة البكر، فالبكر تجلد مائة، والثيب ترجم حتى الموت، وذلك لتدنيسها فراش الزوجية وخيانتها لزوجها الذي ائتمنها على عرضه ونفسها، وما ينتج عن ذلك من اختلاط الأنساب، وإلحاق أولاد بشخص ليس هو أبوهم في حقيقة الأمر.
وفي زنا المتزوجة حقان مانعان كل منهما يستقل بالتحريم، حق الله إذ حرم الفاحشة، وحق الزوج المظلوم بالاعتداء على عرضه وشرفه، فإفساد المرأة على زوجها من أعظم الظلم له، وهو عند الزوج أعظم من أخذ ماله وسفك دمه ولهذا يجوز له قتل من يريد الزنى بامرأته دفعاً عنها باتفاق الفقهاء، إذا لم يندفع إلا بالقتل.
فالمقصود أن الزانية المتزوجة ظالمة لنفسها بارتكابها الفاحشة، وظالمة لزوجها بخيانته مجترئة على ربها، نسأل الله العفو والعافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1424(16/445)
الوقوع في الزنا لا يبطل النكاح الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوج ووقعت في الزنا وندمت، هل أنا الآن مع زوجتي في زنا، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوقوع في الزنا لا يبطل به ما سبق من نكاح صحيح، لكن تجب عليك المبادرة إلى التوبة، والحذر من الأسباب الداعية إلى الوقوع في هذه المعصية، من نظر أو لمس أو سماع باطل ونحو ذلك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 8448، والفتوى رقم: 11447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(16/446)