شروط الجهاد في سبيل الله ومن يسقط عنهم الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط الجهاد في سبيل الله؟ ومتى تسقط فرضيةالجهاد في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجهاد في سبيل الله فرض، لقوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) [البقرة: 216] ، وقوله سبحانه: (انفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) [التوبة: 41] .
وهو فرض كفاية: إذا جاهد بعض المسلمين وكان عددهم كافياً لملاقاة العدو، فيسقط الإثم عن الباقين، قال تعالى: (فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى..) [النساء: 95] .
وقال عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة..) [التوبة: 122] .
وقد يصير الجهاد فرض عين على كل مسلم رجلاً كان أو امرأة، بالغاً أم صبياً، وذلك في الحالتين الآتيتين:
1/ إذا هجم العدو على بقعة من بلاد المسلمين مهما صغرت، وجب على أهل تلك البقعة دفعه وإزالته، فإن لم يستطيعوا وجب على من بقربهم وهكذا، حتى يعمَّ الواجب جميع المسلمين، ولا نعني بالبلد، أو البقعة النطاق الجغرافي الرسمي لكل بلد، فبلد الإسلام من شرقه إلى غربه بلد واحد، وأمة الإسلام أمة واحدة، فلو قدر أن بلداً في دولة إسلامية تعرض لغزو وكان محاذياً لبلد في دولة أخرى، لكان الوجوب أسرع إلى البلدة المحاذية منه إلى المدن الأخرى البعيدة. .
2/ إذا أعلن الإمام (الحاكم) النفير العام لزمهم النفير معه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض..) [التوبة: 38] .
وقال صلى الله عليه وسلم: ".. وإذا استنفرتم فانفروا" متفق عليه.
ويصير الجهاد فرض عين كذلك على من حضر المعركة، والتقى الصفان أو الجيشان، فإنه من أكبر الكبائر هروب المسلم من ساحة المعركة.
قال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات.. وعدّ منها "التولي يوم الزحف" رواه البخاري.
أما شروط وجوب الجهاد فهي:
1/ الإسلام: فلا يصح الجهاد في سبيل الله من كافر، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فقال له: "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا. قال: " فارجع فلن أستعين بمشرك" رواه مسلم.
2/ العقل: لأن المجنون غير مكلف، قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" رواه أبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
3/ البلوغ: فلا يجب الجهاد على من هو دون البلوغ، قال عبد الله بن عمر: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يُجزني في المُقاتلة" متفق عليه، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ يوم بدر: أسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، فجعلهم حرساً للذراري والنساء.
4/ الذكورة: فلا يجب الجهاد على النساء، قالت عائشة: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: "جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" رواه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة. كما لا يجب الجهاد على خنثى مشكل، لأنه لا يُعلم كونه ذكراً.
5/ القدرة على مؤنة الجهاد: من تحصيل السلاح، ونفقة المجاهد وعياله وغيرها، قال تعالى: (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ... ) [التوبة: 91] . وقال تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ... ) [التوبة: 92] .
6/ السلامة من الضرر: فلا يجب الجهاد على العاجز غير المستطيع بسبب علة في بدنه تمنعه من الركوب أو القتال، قال تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) [الفتح: 17] .
وقال سبحانه: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى.. حرج) [التوبة: 92] .
وأما عن سقوط فريضة الجهاد: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل" رواه أبو داود.
وهذا الحديث وإن قيل في سنده ما قيل، فإن معناه صحيح متفق عليه عند أهل السنة، فقد بوب البخاري في صحيحه فقال: باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر، أورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم".
وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة".
وأخرج أيضاً عن جابر بن سمره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة".
فالجهاد لا انقطاع له، ولا يستطيع أحد تعطيل الجهاد ولا توقيفه فهو ماض إلى يوم القيامة، وفريضته لا تسقط عن المكلفين، وأما غير المكلفين ممن ذكروا في شروط وجوب الجهاد فليس الجهاد عليهم بمفروض.
ويضاف إلى من يسقط عنهم الجهاد في حال فرض الكفاية:
1/ من لم يأذن له والداه بالجهاد، فقد استأذن رجل النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: "أحي والداك؟ قال: نعم، قال: " ففيهما فجاهد" رواه البخاري ومسلم.
2/ إذن الدائن لمدينه بالجهاد، فيما إذا كان كفائيا، فقد ورد في أحاديث رواها البخاري ومسلم: أن الشهيد لا يغفر له الدين غير المقضي عنه.
3/ وصرح الشافعية والحنابلة أنه يكره الغزو من غير إذن الإمام أو من ولاّه الإمام. ولنعلم أن الجهاد مصدر عز المسلمين وتمكينهم، فقد أخرج أحمد وأبو داود عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم".
ولتمام الفائدة يراجع الجواب برقم 5954
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1422(11/20756)
الجهاد بدون الإمام العادل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجهاد في سبيل الله بدون خليفة راشد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجهاد في سبيل الله فرض كفاية على المسلمين، ولا يشترط في وجوبه كون الإمام عادلا، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً" رواه أبو داود. هذا إذا كان فسقه وفجوره في خاصة نفسه مثل: شرب الخمر والغلول، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
أما إذا كان فسقه بغش المؤمنين وتضييعهم فلا ينبغي الجهاد معه لما فيه من تعريض المسلمين للهلاك. قال الإمام أحمد: لا يعجبني أن يخرج مع القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين. انظر الكافي لابن قدامة ج. 4ص282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1422(11/20757)
المقيم في أرض الشام هل يعطى أجر المرابط
[السُّؤَالُ]
ـ[المقيم في أرض الشام إذا صلحت نيته أنه مقيم في أرض الشام لأنها أرض رباط وجهاد وحسم إلى يوم القيامة هل يحصل على أجر المرابط، أنا مقيم بالقرب من غزة وأسمع كثيرا مما يقال عن فلسطين بأنها أرض رباط المقيم فيها له أجر المرابط والميت فيها له أجر الشهيد. أفتونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 117875، أن الإقامة في بلاد الشام بنية دفع العدو من الرباط، ولا شك أن الإقامة في فلسطين بهذه النية رباط، أما قول السائل الكريم الميت فيها له أجر شهيد فلا نعلم على إطلاقه هكذا دليلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(11/20758)
حكم طلب الشهادة للتخلص من هموم الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عندنا ببلدنا بطالة كثيرة ولا يوجد شغل، وأنا كرهت الحياة، وأصبحت أريد أن أتخلص من الحياة.
ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه،
فأنا أنوي أن أقدم نفسي لأستشهد إن شاء الله، فهل هذا سيعتبر انتحارا لأنه يمكن أن يكون السبب بداخلي هو كي أستريح من الحياة؟
أرجوكم أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تمنيكَ الموتَ وتضجركَ من الحياة مما لا يليقُ بالمسلم وهو مخالفةٌ صريحةٌ لسنته صلى الله عليه وسلم، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه. فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه.
وأيضاً فإن طول العمر لا يزيد المسلم إلا خيرا كما في الحديث: خيركم من طال عمره وحسن عمله. رواه أحمد والترمذي.
ثم اعلم أن الجهاد له فضلٌ عظيم وهو ذروة سنام الإسلام والآيات والأحاديث في بيان فضله كثيرة، ولكن الجهادُ له ضوابط وقواعد لا بُد من الرجوع في بيانها إلى أهل العلم، وألا يَخبط الإنسان برأيه خبط عشواء فإنه بذلك قد يضرُ ولا ينفع، قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:83} .
ثم اعلم أن من أراد الجهاد فلا بُد له من نية صادقة وإخلاص واحتساب فإن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل رياءً ويقاتل حمية أيُّ ذلك في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله متفقٌ عليه.
فمن طلب الشهادة لا يريد إعلاء كلمة الله وإنما يريد التخلص من هموم الحياة ومتاعبها لم يحصل له ثوابها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات متفقٌ عليه.
ثم إننا نهمسُ في أذنك قائلين إن الدنيا أحقر وأصغر من أن يحزن المسلم ويأسى على فوات شيءٍ منها، بل المؤمن الصادق يتوكل على ربه عز وجل ويفوض أمره إليه، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإذا ضاقت عليه سبل الحياة وسعها بذكر الله والاجتهاد في مرضاته والتقرب إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1430(11/20759)
الرباط في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أيهما أفضل وأثوب وأعظم عند الله في ليلة القدر القيام أم الرباط في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرباط في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود، فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود.
أخرجه ابن حبان وغيره، وقال الألباني في السلسة الصحيحة: هذا إسناد صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1429(11/20760)
الميت في غربته هل يعد شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسافر للعمل في الخارج بهدف تحسين المستوى المادي عند موته وهو في غربته يكون شهيدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ورد في حديث ضعيف أن موت الغريب شهادة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السفر والضرب في الأرض ابتغاء فضل الله أمر مشروع، وصاحبه مأجور إذا استحضر النية الصالحة - إن شاء الله تعالى- ولكن الحكم بالشهادة لشخص ما هي من الأمور التي تتوقف على وجود دليل شرعي عليها، وموت الغريب في غربته ورد أنها شهادة في حديث- ضعفه غير واحد من أهل العلم- رواه أبو يعلى في مسنده والطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موت الغريب شهادة " قال الشيخ حسين أسد: إسناده ضعيف.
ولم نقف على دليل صحيح في المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(11/20761)
هل يعد مرض القولون من أمراض ذات الجنب وهل يعد الميت به شهيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مرض القولون يعتبر من أمراض ذات الجنب؟ وهل الذي يكون مصابا به ويموت وكان يتألم كثيراً بسبب الغازات المؤذية والألم فهل يعتبر شهيدا أم لا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمرض القولون ليس هو مرض ذات الجنب، فإن ذات الجنب كما قال ابن الأثير: هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل.. وقيل: أراد المجنوب الذي يشتكي جنبه مطلقا. النهاية.
وقال القاري: قرحةٌ أو قروحٌ تصيب الإِنسان، داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس، مع ملازمة الحمى والسعال. مرقاة المفاتيح، عون المعبود.
وقال ابن القيم: ذاتُ الجنب عند الأطباء نوعان: حقيقي، وغيرُ حقيقي. فالحقيقي: ورمٌ حار يَعْرِضُ في نواحي الجَنب في الغشاء المستبطن للأضلاع. وغير الحقيقي: ألم يُشبهه يَعْرِضُ في نواحي الجنبِ عن رياح غليظة مؤذيةٍ تحتقِن بين الصِّفاقات، فتُحْدِث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجعَ في هذا القسم ممدودٌ، وفي الحقيقي ناخسٌ.... وقيل: المراد به كلُّ مَن به وجعُ جنب، أو وجعُ رِئة من سوء مِزاج أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حُمَّى ... ويلزم ذاتَ الجنب الحقيقي خمسةُ أعراض، وهى: الحُمَّى، والسعال، والوجع الناخس، وضيق النَّفَس، والنبضُ المنشارى. زاد المعاد.
ومرض ذات الجنب المعروف عند الأطباء الآن هو التهاب يصيب الجنبة أو البلورا، وهي غشاء مزدوج الطبقة يحيط بالرئتين ويفصلهما عن جدار الصدر، والميت بذات الجنب ينال فضل الشهادة؛ فعَنْ عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت من ذات الجنب شهيد. رواه أحمد وصححه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد. رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.
وأما مرض القولون فهو من جملة وجع البطن، فقد يكون له -إن شاء الله- حكم داء البطن أو المبطون المذكور في الحديث السابق، والمذكور في حديث أبي هريرة مرفوعا: المبطون شهيد، والمطعون شهيد. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي في شرح مسلم: المبطون فهو صاحب داء البطن، وهو الإسهال، قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً. انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري: المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لإفراط الإسهال، وأسباب ذلك متعددة. انتهى.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح وعون المعبود: والمبطون من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن. وقد سبقت فتوى عن ذات الجنب وأقسامها وأعراضها وذلك في الفتوى رقم: 50366.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(11/20762)
الرباط في الأرض المقدسة أم الخروج للعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من فلسطين خريج جامعة جديد عمري 23 سنة، لم أجد أي فرصة عمل وأشعر بالضيق والإحراج، أرغب في السفر، ما هو حكم السفر في ظل ما نعانيه، وللعلم بأن بلدي بحاجة إلى الشباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بقاء المسلم في أرض فلسطين هو من الرباط في سبيل الله تعالى إذا نوى ذلك، لأن المقام في الثغر رباط، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 7463.
ولا شك أن أجر الرباط عظيم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان. رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمان رضي الله عنه، قال النووي في شرح مسلم: هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة. والحديث الذي أشار إليه النووي رواه الترمذي من حديث فضالة بن عبيد، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
وأما ما ذكرت من تضايقك وشعورك بالحرج لعدم توفر العمل.. فننصحك باللجوء إلى الله تعالى والإكثار من دعائه والإلحاح في ذلك، لعل الله تعالى يرزقك عملاً يطمئن به قلبك، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} .
وننصحك بالبحث أكثر، كأن تعلن عن رغبتك وتخصصك في الجرائد المحلية ونحو ذلك، وأما إذا فعلت ذلك ولم يتوفر لك العمل وخشيت من الضرر على نفسك أو أهلك، فلا حرج حينئذ في البحث عن عمل خارج فلسطين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1426(11/20763)
الرباط ومنزلته في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الرباط؟ وما حكمه في الإسلام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرباط هو: حبس النفس بالإقامة في الثغور التي يخاف فيها هجمات العدو، من أجل تقوية المسلمين والدفاع عنهم. وللرباط فضل كبير عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. وراجع في معاني الرباط فتوانا رقم: 37225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1426(11/20764)
المقصود بالمرابط في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً له مثل ذلك من الأجر وأجري عليه الرزق وأمن الفتان، السؤال: من هو المقصود بالمرابط في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته ليس من كلام الله تعالى، وإنما هو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم وهو حديث صحيح.
والرباط هو: حبس النفس بالإقامة في الثغور التي يخاف فيها هجمات العدو، من أجل تقوية المسلمين والدفاع عنهم، وللرباط فضل كبير عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. وراجع في معاني الرباط فتوانا رقم: 37225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1425(11/20765)
المرأة وفضيلة الشهادة في سبيل الله.
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرمت المرأة من منزلة الشهادة مع أنها مهما تحلت بالخلق والفضائل لن تنال النعيم الذى يناله الشهداء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد كرم المرأة، وبالغ في الاحتياط في صيانتها، فلم يفرض عليها الجهاد، بل جعل جهادها الحج والعمرة لتتفرغ لما هي له أهل من تربية الأجيال، ثم إن المسلمين قد يهزمون في المعركة فتكون المرأة عرضة لانتهاك عرضها، فحفظ الشرع لها كرامتها، إلا أن أهل العلم أجازوا خروج المرأة إذا كان جيش المسلمين كثيرًا، بحيث تؤمن عليه الغلبة، ثم إن الجهاد قد يتعين على المرأة القادرة على القتال إذا هاجم العدو المسلمين في دارهم، فإن قتلت حال مشاركتها فإنها تنال أجر الشهادة بإذن الله.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية:
7071، 8587، 9751.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(11/20766)
مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله
[السُّؤَالُ]
ـ[منزلة الشهيد عند الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشهيد في سبيل الله تعالى بمنزلة عظيمة لأنه قدم أغلى ما يملك ابتغاء ثواب الله تعالى، واختار الحياة الأخروية الخالدة على الحياة الدنيوية القصيرة الفانية، ويعسر أن نحصي النصوص الشرعية المفصلة لثواب الشهيد في سبيل الله، ولعلنا نقتصر منها على الأمثلة التالية:
فقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن.
وأخرج أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الشهادة، ولا ينكلوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. وقال صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه. رواه مسلم وأبو داود وابن حبان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(11/20767)
الشهيد لا يسأل في قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأتي منكر ونكير للشهيد في القبر على نفس الصورة التي يأتيان بها للمسلم أو للكافر أفيدوني؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أنما جعل السؤال في القبر لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق، ولا حاجة إلى سؤال الشهيد لامتحانه لأن شهادته أدل دليل على صدقه، وإلى هذا يشير جواب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهداء؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. رواه النسائي وسنده صحيح.
وجاء في جامع الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده في الجنة ويجار من عذاب القبر ...
وروى الترمذي أيضاً، من حديث فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه لينمى له عمله ويأمن فتنة القبر.
وفي مسلم: رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأمن الفتّان.
وفي رواية أبي داود: اومن من فتاني القبر. قال في شرح الترمذي: وقي فتنة القبر-أي مما يفتن المقبور به من ضغطة القبر والسؤال والتعذيب. وفي شرح أبي داود قال العلقمي: يحتمل أن يكون المراد أن الملكين لا يجيئان إليه ولا يختبرانه بل يكفي موته مرابطاً في سبيل الله شاهداً على صحة إيمانه، ويحتمل أنهما يجيئان إليه لكن لا يضرانه ولا يحصل بسبب مجيئهما فتنة. انتهى.
فإذا كان المرابط -وهو أقل مرتبة من الشهيد- لا يسأل فالشهيد أولى، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية هل يسأل الشيهد، فأجابه بقوله: لا، كما صرح به جماعة ... انتهى.
وجاء في رد المحتار: مطلب: المرابط لا يسأل في القبر كالشهيد.
وجاء في شرح النيل تعليقاً على حديث: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، قال: والحديث دليل على أن الشهيد لا يسأل في قبره. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(11/20768)
الشهادة في سبيل الله.. تعريفها..مراتبها..وثمراتها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الشهداء سبع، سوى القتل في سبيل الله عز وجل: المطعون شهيد، والغريق شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد"
1- فماذا إذا كان هذا الإنسان فاسقاً؟ هل يعد شهيداً؟
2- إذا كان الشهيد في سبيل الله لا تقبل شهادته إن كان مديوناً فما بال هؤلاء؟
3- هل تجري على الشهداء السبعة المذكورين في الحديث ما يجري على الشهداء في سبيل الله من عدم غسلهم والخ ... ؟
وجزاكم الله خيراً سلفاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشهادة كما يقول الإمام السبكي: حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت لها سبب وشرط ونتيجة.
وأعلى صور الشهادة القتل في سبيل الله عز وجل، وفيها يقول الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه) (آل عمران: 169-170) .
وثمة مراتب أدنى من هذه المرتبة بمن فيهم المذكورون في السؤال، والشهداء كلهم يشتركون في رؤية كرامة الله لهم عند الموت، ولذا سموا شهداء، على المختار من سبب التسمية.
ونتيجة الشهادة هي مغفرة الذنوب لحديث: يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين.
وفي ذكر الدين تنبيه على حقوق الآدميين الأخرى، أما حقوق الله فظاهر الحديث أنها تغفر كلها بالشهادة بما فيها الكبائر، وبهذا يعلم جواب الفقرة الأولى من سؤالك، وأما جواب الفقرة الثانية فليس صحيحاً أن المدين لا تقبل شهادته إذا مات ولم يسدد دينه، لكنه يحبس عن الجنة حتى يقضى عنه، فإن لم يقض عنه فالمرجو من الله أن يُرضِّيَ الخصوم (أصحاب الدين) حتى يرضوا، وأما الشهداء السبعة المذكورون فإنهم شهداء في الآخرة لا في أحكام الدنيا، فيغسلون ويصلى عليهم، وانظر للمزيد الفتوى رقم:
8223 ورقم: 5278
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(11/20769)
هل ينال المرء ثواب المجاهد والشهيد بالنية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب جزائري أبلغ من العمر20سنة سؤالي هو:
هل يؤجر الانسان عندما يرى في جهاز التلفاز بشاعة القمع الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعند رؤيتي لهذه الأشياء تبدأ الدموع بالنزول على خدي فيتملكني شعور الغضب وأريد أن أكون في عين المكان كي أحارب إلى جانب اخواننا الفلسطنيين لكن ما بيدي حيلة لأني لا أملك شيئا كي أكون معهم ولكني أملك قلبي وهو أضعف الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً يا أخانا الكريم على حزنك لما يجري لإخواننا في فلسطين، وهذا -إن شاء الله- من علامة إيمانك، ونسأل الله عز وجل أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يفرج كرب إخواننا المسلمين في فلسطين، ويذل عدوهم إنه على كل شيء قدير.
وواجبنا جميعاً أن نعينهم بكل ما نقدر عليه، ومن ذلك عونهم بالمال والدعاء لهم، وخاصة في أوقات الإجابة.
وأما هل يؤجر المسلم على نيته؟ فالجواب: نعم يؤجر، فقد دلت الأحاديث الكثيرة على أن الإنسان قد يؤجر بنيته إذا لم يقدر على العمل.
ففي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه".
وفي سنن الترمذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ... ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(11/20770)
شهيد المعركة أكثر ثوابا من باقي أصناف الشهداء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان الذي استشهد في البحر أجره نفس المستشهد بالنفس مثل إخواننا في فلسطين؟ عدد لي أنواع الشهادة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغريق شهيد، كما ثبت ذلك في الحديث المتفق عليه، ولكن الشهادة درجات ومنازل، فسيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه، فقتله.
ولا شك أن الشهيد في أرض المعركة الذي بذل نفسه لنصرة دين الله، والذب عن الدين، والعرض وحماية بيضة المسلمين أعظم من غيره من الشهداء كالمبطون والغريق، وهذا الذي أشرنا إليه في الفتوى رقم: 17168.
وانظر الفتوى رقم: 6753، والفتوى رقم: 5278.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(11/20771)
لا ارتباط بين الشهادة وبين تغير الجثة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن جثة الشهيد لا تتعفن ولا تخرج منها رائحة ونحن نقول عن كل من يموت في العدوان الإسرائيلي على فلسطين إنه شهيد فلماذا تخرج روائح من مخيم جنين؟؟ وهل محمد الدرة شهيد مع أنه خرج مع أبيه لشراء سيارة وقد هربوا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
مما لا شك فيه أن من مات من المسلمين بسبب العدوان الإسرائيلي على المسلمين في فلسطين نحسبه شهيداً ولا نزكي على الله أحداً.
وأما كون جثة الشهيد لا تتعفن فهذا أمر لا نعلم عليه دليلاً لا من الكتاب ولا السنة ولا من أقوال الصحابة؛ بل ولا من كلام أحد من الأئمة المعتبرين.
فإذا لم يثبت هذا الأصل لا يثبت ما تفرع عنه، فقد تخرج رائحة من جثة الشهيد، ويكون مع ذلك هو مكرم عند الله تعالى، كما قال سبحانه (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران:169-170] .
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال "إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلُقُ في شجر الجنة" رواه الترمذي بسند صحيح.
والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله "والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم والريح ريح المسك" رواه البخاري وأصحاب السنن.
ولكن هذا كله لا يمنع أن يكرم الله من شاء من عباده في هذه الدنيا فتظل جثته كما هي إلى ما شاء الله، كما شوهد أكثر من مرة، فإن الله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1423(11/20772)
معنى الرباط وهل مجاهدو فلسطين منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أسمع رأي العلماء في ما يختص بفلسطين ُيشيرون دائماً إلى شعب فلسطين ب: أهل الرباط الأول. ما هو معنى هذا التعبير نرجو التفسير وجزاكم اللّّه خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرباط هو الإقامة بالثغر تقوية للمسلمين، والثغر كل مكان يخاف أهله العدو، وأصل الرباط من رباط الخيل لأن هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء يربطون خيولهم كل يُعِدُّ لصاحبه فسمي المقام بالثغر رباطاً وإن لم يكن فيه خيل، ومما جاء في فضله ما رواه مسلم من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان".
ونحن نعتقد -والعلم عند الله- أن مجاهدي فلسطين هم على خط النار الأول، بدفاعهم عن مقدسات المسلمين وأعراضهم أمام العدو الصهيوني الماكر، في حين تخاذل المسلمون عن نصرتهم. والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1422(11/20773)
واجب المسلم تجاه إخوانه في الأرض المحتلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ساكنة في قطاع غزة وأنا خائفة أن يسألني الله عز وجل عن أمانة فلسطين، أنا لا أقدر على فعل شيء. ماذا أفعل؟
وبارك الله فيك وأرجو أن يكون هذا العمل في ميزان حسناتك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قرر الشرع قاعدة مهمة وهي أن التكليف يكون على حسب الاستطاعة، قال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. {البقرة: 286} .
فعليك أن تبذلي لإخوانك المسلمين ما تستطيعين، ومن ذلك:
أولا: الدعاء بالنصر والتأييد والحماية، روى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل.
ثانيا: بذل الطاقة في تفريج كربتهم، وكفالة أيتامهم وأراملهم. وفي الحديث: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. رواه مسلم.
وفي الحديث أيضا: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
ثالثا: أن تسعى المرأة في الدعوة إلى الله وتعليم نساء وأطفال المسلمين أمور دينهم، وأن تبذل لهم ما عندها من علم نافع. قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ. {التوبة:71} .
رابعا: أن تمسك المرأة شرها عن المسلمين هنالك، ومن ذلك التزامها الستر وعدم خروجها بما ينشر الفتنة، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك.
جزاك الله خيرا، وزادك حرصا على كل خير وملأ قلبك إيمانا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1430(11/20774)
البيان بالقلم هل يعد جهادا وهل يؤجر عليه صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك جهاد يسمى بجهاد القلم، يأخذ عليه صاحبه إن أعمل النية أجر المجاهد في سبيل الله تعالى، وكيف السبيل إليه؟!!
أفيدوني بارك الله فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجهاد القلم يراد به بيان الحق والدعوة إليه، وبيان الباطل والتحذير منه، وقد سبق بيان أنواع الجهاد وحقيقة كل نوع في الفتوى رقم: 54245 وكذا بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من أنواع الجهاد في الفتوى رقم: 12916.
وهذا النوع من البيان يعد بلا شك نوعا من الجهاد، قال ابن القيم: أمر الله تعالى نبيه بالجهاد من حين بعثه، وقال: {ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} [الفرقان: 51-52] ، فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار، بالحجة، والبيان، وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: {يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} [التوبة: 73] . فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه، والمعاونون عليه، وإن كانوا هم الأقلين عددا، فهم الأعظمون عند الله قدرا.
وقال أيضا: جهادُ الحُجَّة أمر به في مكة بقوله: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ} [الفرقان: 52] أى: بالقرآن {جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان: 52] ، فهذه سورة مكية والجهاد فيها هو التبليغُ، وجهادُ الحُجَّة. انتهى من زاد المعاد في هدي خير العباد.
ولابن القيم رحمه الله كلام جامع عن القلم وأنواعه عند قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {القلم:1} ، ومما قال فيه: أقسم بالكتاب وآلته وهو القلم الذي هو إحدى آياته وأول مخلوقاته الذي جرى به قدره وشرعه وكتب به الوحي وقيد به الدين وأثبتت به الشريعة وحفظت به العلوم وقامت به مصالح العباد في المعاش والمعاد فوطدت به الممالك وأمنت به السبل والمسالك وأقام في الناس أبلغ خطيب وأفصحه وأنفعه لهم وأنصحه وواعظا تشفي مواعظه القلوب من السقم وطبيبا يبرئ بإذنه من أنواع الألم.
ثم ذكر أنواع القلم وقال: القلم الثاني عشر القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل. انتهى من التبيان في أقسام القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1430(11/20775)
ما يفعله المسلم لنصرة إخوانه سوى الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل غير الدعاء لغزة00 وهل يتفق ما يحدث وحالنا تجاه غزة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وقوله: المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وقوله: ليس منا من لم يهتم بأمر المسلمين، وقوله: من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم 0 أفيدونا رحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأحاديث التي ذكرها السائل الكريم وما في معناها تصور مراد الشارع الحكيم لطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المسلمين، والتي يلخصها القرآن في جملة واحدة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10} ولا شك أن الواحد منا لا يبخل ولا يدخر وسعا في نصرة أخيه ومعونته.
ثم إنه من المعلوم أن الأحكام الشرعية مناطة بالاستطاعة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولذلك يتفاوت حجم الواجبات من مسلم لآخر بحسب إمكاناته وطاقته، ونفوذه وسلطانه ودائرة تأثيره، ونحو ذلك، ولكن لا بد أن يكون هناك قدر مشترك من حيث الأصل لا يعذر أحد في التقصير فيه، ومن ذلك الدعاء الذي ذكره السائل الكريم، فإنه من أقوى الأسلحة وأمضاها، والاستهانة به قدح في الإيمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم، رواه النسائي، وصححه الألباني.
ومن ذلك أيضا: بذل الوسع في صلاح النفس وإصلاح الغير. وهذا قد يظنه البعض بعيدا عن موضوعنا، وليس الأمر كذلك، فإن أصل البلاء إنما ينزل بذنوب العباد وخطاياهم، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى: 30} .
وقال سبحانه: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {آل عمران:165} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
والشواهد على هذا كثيرة مستفيضة، فأول خطوة لرفع البلاء رفع سببه وعلته بالتوبة والاستقامة.
والمراد أن سعي المسلم لصلاح نفسه بالاستقامة على طاعة الله، وإصلاحه لغيره ببذل النصيحة والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتربية الأولاد ومن في حكمهم على هدي النبوة، وإعدادهم ليوم تبُذل فيه النفوس والأموال إرضاءً لرب العالمين، ونصرة للمستضعفين، وذوداً عن هذا الدين ـ هو الأمر الجامع والدور الأصيل الذي ينبغي أن يوضع في مقدمة الوسائل، فإن الله تعالى قد أخبرنا بسنته الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير فقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ {الرعد:11} فطريق التغيير إذن أن نتغير حتى يغير الله الدنيا من حولنا.
وقد وعد الله تعالى ـ ووعده حق وصدق ـ هذه الأمة بالنصر والتمكين بشرط اتصافها بوصف معين، فالسعي لتحقيق هذا الوصف إنما هو أخذ بمجامع الأمر، وهو وصف الصلاح الذي هو تحقيق الإيمان والعمل الصالح والترقي بعد ذلك لمقام المراقبة والإحسان، قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ {الأنبياء:105،106} .
وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} .
وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ. {إبراهيم:13،14} .
قال السعدي: أي العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه، {وَخَافَ وَعِيدِ} أي: ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله. اهـ.
ثم لا يخفى أن هذا نفسه هو المقدمة التي تقرب العبد من إجابة دعائه إذا دعا، فإن الله تعالى لما وعد بالإجابة فقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، أمر بعدها بشرطها فقال: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
قال السعدي: من دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به الموجب للاستجابة. اهـ.
ولما أمر سبحانه بالدعاء فقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ قال بعدها: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.
قال السعدي: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بعمل المعاصي بَعْدَ إِصْلاحِهَا بالطاعات، فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة. اهـ.
فهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يشترك الجميع في الاهتمام به وتحصيله، ولا يعني هذا أن ينقطع المسلم عن إخوانه وعن الدنيا من حوله، بل يجب أن يعلم أن نصرة المسلمين حق متحتم عليه بقدر طاقته ووسعه، وأن ذلك من جملة العمل الصالح والإحسان المطلوب، فيجب على كل مسلم أن يبذل من نفسه وماله ما يستطيع نصرةً لإخوانه وإعزازاً لدينه. وقد سبق أن ذكرنا بعض الطرق لنصرة المسلمين المستضعفين في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47694، 75447، 102373، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1430(11/20776)
مسؤولية المسلمين عما يحدث لإخوانهم بغزة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في سكوت الأمة عما يجري في غزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه إن نزلت ببعض المسلمين نازلة فالواجب على بقية المسلمين نصرتهم بكل ما يستطيعون، فالأمة بكاملها مسؤولة عن بذل ما يمكنها بذله في هذه القضية وغيرها من قضايا الإسلام والمسلمين، كل بحسب طاقته وموقعه، فكلما كان المرء ذا مكانة أعلى ونفوذ أوسع، وفعالية أكبر، كانت المسؤولية عليه أشد وأعظم، فالسلطان والعالم والخطيب وصاحب القلم والمطاع المسموع الكلمة أكثر مسؤولية من غيرهم.
وقد سبق التعرض لذلك في الفتويين: 106748، 2161.
ثم ينبغي أن يعلم أن السكوت عن المقدور عليه هو المذموم، وصاحبه هو المؤاخذ، وأما سكوت العاجز ومن لا حيلة له، فلا لوم على صاحبه ولا حرج إذا نصح للمسلمين بقدر طاقته، كما قال عز وجل: لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ {التوبة:91-92} .
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر. متفق عليه.
وقد سبق بيان حكم الجهاد في فلسطين وأنواعه في الفتوى رقم: 8509.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(11/20777)
نصرة المسلم إخوانه المستضعفين في غزة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل شهدت غزة في الأيام القليلة مجازر من قبل العدو اليهودي، أنا أريد أن أعرف كيف السبيل لأن ينصرنا الله على أعدائه وأعداء المسلمين من يهود ونصارى؟
كيف نستطيع أن نحقق ما حققه السلف الصالح من قبلنا مثلما نصر الله سبحانه المسلمين في بدر وفي معركة القادسية وفي استرجاع بيت المقدس وغيرها من الأحداث، فبالرغم من قلة عدد المسلمين وعدتهم إلا أن الله سبحانه كان ينصرهم على عدوهم، أعلم أن الانتصار لا يقاس بالمعدات كما حدث يوم حنين، قال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ، بل بتقوى الله كما قال عز من قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.
فكيف نرجع للأمة هيبتها أمام بقية الأمم ولا نخضع لقتلهم لنا وتكبرهم علينا بل نرد عليهم ونكون لهم الند للند كما فعل هارون الرشيد رحمه الله، من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم الجواب ما ترى لا ما تسمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يجري في غزة هذه الأيام أمر خطير ووضع أليم يندى له جبين كل مسلم غيور على دينه لديه إحساس بالرابطة التي تربطه بهذه الأمة، وقد وجد من غير المسلمين فضلا عن المسلمين، لما فيه من الظلم البين والاعتداء الواضح.
ويجب على المسلم نصرة أخيه المسلم بما يستطيع، ومن لم يكن بإمكانه تقديم شيء من الدعم المادي فليقدم إليهم دعوة صالحة، فقد تفتح لها أبواب السماء ويحصل بها للمسلمين هناك الخير الكثير.
والرب الذي نصر المسلمين في بدر والقادسية وغيرها من معارك الإسلام حي قدير على نصرنا اليوم، والمنهج الذي تمسك به أولئك فنصروا لا يزال بين أيدينا، فلكي يتحقق للمسلمين موعود ربهم لهم بالنصر على أعدائهم فعليهم بالعودة إلى دينهم والتمسك به وجعله منهجا لحياتهم، ولمعرفة المزيد عن أسباب النصر وما هو مطلوب من المسلم تجاه أخيه المسلم نرجو مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 9225، 16428، 27216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1430(11/20778)
من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل أجر الذي يتصدق من ماله في سبيل الله يكون له مثل أجر المجاهد في سبيل الله أي مثل: التاج، والفزع الأكبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يجهز غازياً من ماله في سبيل الله، يكون له مثل أجر من غزا، ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ... ".
ولمعرفة تفصيل ذلك راجع الجواب رقم: 8567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(11/20779)
لماذا شرع الجهاد في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إشكال لم أفهمه بعد، رغم يقيني أنّ الإسلام لم ينتشر بالسيف، وهو كون الخلفاء يرسلون المراسيل للملوك والكفّار ليدعوهم للإسلام ويخيروهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب، ونقول إنّ جهاد الطلب شرع لمحاربة من يصدّون عن الدعوة، فالأولى حسب فهمي أنّ يخيّروهم بين الدخول في الإسلام أو أن يخلّوا بينهم وبين النّاس ليدعوهم للإسلام (لا أن يدفعوا الجزية) أو الحرب عند رفض الملوك الخيار الثاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي جواب اللجنة الدائمة على سؤال حول مشروعية الجهاد، قالت اللجنة: شرع الله تعالى الجهاد لنشر الإسلام وتذليل العقبات التي تعترض الدعاة في سبيل الدعوة إلى الحق والأخذ على يد من تحدثه نفسه بأذى الدعاة إليه والاعتداء عليهم حتى لا تكون فتنة ويسود الأمن ويعم السلام وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ويدخل الناس في دين الله أفواجا. اهـ.
وبهذا تعلم أن جهاد الطلب لم يشرع فقط لمحاربة من يصدون عن الدعوة، بل من أهدافه كذلك كما تقدم أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {التوبة:33} هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الذي أمر أمراء الجيوش أن يخيروا الناس بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب هو سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم وغيره عن بريدة بن الحصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم..........
وهو صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ومن شأن المسلم أن يمتثل لقوله صلى الله عليه وسلم ولا يعارضه برأيه ولا بقول أحد من الناس كائنا من كان.
ولمزيد فائدة حول مشروعية الجزية والحكمة منهما راجع الفتوى رقم: 59982.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1428(11/20780)
يستطيع المسلمون فعل الكثير تجاه مآسي إخوانهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الشرع في مشاهدة المجازر التي ترتكب بحق المسلمين في البلاد العربية والإسلامية والنصرانية والشيوعية؟ وما هو دور الشباب المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلمين شعوباً وحكومات أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما يشاهدونه من مآسي وآلام للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والواجب على كل مسلم أن يعمل ما يستطيعه لرفع ذلك عن المسلمين، وقد تقدمت لنا عدة فتاوى فيما يجب على المسلمين أن يفعلوه لنصرة إخوانهم المسلمين الواقعين تحت الظلم والقهر، فراجع مثلاً الفتاوى التالية أرقامها: 8722، 16428.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(11/20781)
النصرة واجبة في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا ينبغي لنا في ألبانيا أن نفعل لأجل مساعدة الإخوان الفلسطنيين؟ وإلى متى سيستمر أحوال المسلمين بهذا الوضع؟
من المسؤول؟؟؟ متى الفرج؟؟؟ لماذا نخاف من الغرب وأمريكا؟؟؟ إلى متى تتستفد أمريكا من أموال المسلمين؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لايشك فيه عاقل أن واجب المسلمين اتجاه إخوانهم في فلسطين هو نصرة كل أحد لهم بما يستطيع بالنفس أو المال أو الكلمة. وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية:
5843 8722 15964
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1423(11/20782)
الجهاد في فلسطين ... حكمه وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الجهاد في فلسطين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجهاد في فلسطين فرض عين على كل مسلم قادر من أهل البلد، فإن لم يتأد الواجب - وهو دفع العدو وطرده بهم كما هو حاصل الآن- دخل في حكم الوجوب من يليهم من المسلمين عربا أو عجماً، وهكذا حتى يتم التخلص من العدو، أو يعم جميع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، أجمع على هذا أهل العلم. وإذا صار الجهاد عينياً فليس لوجوبه شرط سوى القدرة، فيخرج الولد دون إذن والده، والمدين دون إذن دائنه. ولا يخفى أن الجهاد أعم من القتال، وهو يتعدد بتعدد جبهات القتال، فهناك الجهاد بالسلاح وهو ذروة سنام الإسلام، وهناك الجهاد بالمال، وهناك الجهاد بالإمداد، وهناك جهاد بالإعلام وهكذا يتكامل دور الأمة في حماية بيضة الإسلام ودفع عدوه، كل على ثغرة.
وليتق الله كل واحد منا، وليكن حذراً أن يؤتى الإسلام من قبله، وعلى المجاهدين أياً كان جهادهم إخلاص النية لله رب العالمين، فيجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا. قال صلى الله عليه وسلم "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل" متفق عليه من حديث أبي موسى.
وقال أيضاً "ومن قاتل تحت راية عِمِّيَّة يغضب لعصبة، أو يدعوا إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلةٌُ جاهلية" رواه مسلم.
والجهاد يتعين في ثلاث حالات:
1-إذا هجم العدو على بلاد الإسلام ولم يمكن دفعه إلا بجهاد المسلمين جميعاً، وأما إذا استطاع أهل البلد دفعه صار فرض عين عليهم فقط، كما سبق تفصيله.
2-إذا استنفر الإمام طائفة أو أهل بلد، تعين عليهم، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا".
3-إذا التقى الصفان وكان عدد الكفار لا يزيد عن ضعفي المسلمين، ولم يبلغ المسلمون اثني عشر ألفاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفاً" رواه الإمام أحمد واللفظ له، والترمذي والدرامي من حديث ابن عباس.
نسأل الله أن يعين إخواننا المجاهدين في فلسطين والشيشان، وكل مكان يقاتل فيه، لتكون كلمة الله هي العليا. ثم إن على إخواننا المجاهدين أينما كانوا أن يحذروا كل الحذر من الانشقاق والانقسام وأن يعلموا أن العدو سيظل في اندحار ما داموا هم متفقين متحدين، فإذا انقسموا ضعفت شوكتهم وتجرأ عليهم عدوهم، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [آل عمرآن: 103] وقال: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) . [الأنفال:46] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1422(11/20783)
الجهاد في البحر أفضل من الجهاد في البر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل هل حقا الجهاد البحري أفضل من الجهاد البري؟ وإن كان كذلك فما مميزاته؟ أرجو التفاصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بوب المنذري في الترغيب على الترغيب في الغزاة في البحر، وأنها أفضل من عشر غزوات في البر، وذكر في ذلك ما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة - شك إسحاق - قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كما قال في الأول. قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال أنت من الأولين. فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وعن أم حرام رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد، والغريق له أجر شهيد ين. رواه أبو داود وحسنه الالباني.
وبوب كذلك ابن النحاس على فضله في كتابه: مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق. وذكر حديث الصحيحين السابق، وحديث أبي داود ثم قال بعد كلام:
واعلم أن لغزو البحر فضائل ليست لغزو البر. منها: أن شهيد البحر أفصل على الإطلاق من شهيد البر.
ومنها: أن غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر. لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزوة في البحر خير من عشر غزواتٍ في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأوديه كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه. رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه في تصحيحه الذهبي والألباني.
وذكر عدة أحاديث وآثار أخرى تدل على فضله يمكن الرجوع لها في الكتاب المذكور.
وقال ابن الأزرق في كتابه (بدائع السلك في طبائع الملك)
الجهاد البحري جهاد عظيم، وعن الحنابلة، أفضل من جهاد البر، لتردده بين خطر الجهاد وخطر البحر، مع عدم تمكنه من الفرار إلا مع أصحابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1430(11/20784)
حكم التسلح شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الحكم الشرعى للتسلح بجميع أنواعه دون استثناء؟ وما هو المقصد الشرعي من التسلح وكذلك المصلحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلمون مأمورون بإعداد القوة التي يترتب عليها إرهاب أعدائهم وكف بأسهم، كما قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ {الأنفال: 60} فـ (ما) الموصولة في قوله تعالى (مَا اسْتَطَعْتُمْ) تفيد العموم، وقوله (مِنْ قُوَّةٍ) جاء منكراً، ليشمل كل ما يتقوى به في الحرب كائنا ما كان.
فكل ما يدخل في مسمى القوة واستطاع المسلمون القيام به وجب عليهم فعله. فالواجب على المسلمين أن لا يستخدموا شيئا من سلاحهم إلا في الحق ونصرة الدين وأن يبتعدوا عن استخدامها في الفساد والإضرار بالناس.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 29268.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(11/20785)
هل يستأذن المدين قبل الخروج للجهاد العيني
[السُّؤَالُ]
ـ[الجهاد في حالة ... فرض العين ... هل يجوز الذهاب إلى القتال من دون استئذان الدائن؟ وإذا وجد من يسدد الدين بعد الموت فهل يمكن الذهاب؟؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا ما ذكره الفقهاء من أنه لا يلزم المدين أن يستأذن الدائن في الخروج للجهاد إن كان الجهاد فرض عين وذلك في الفتوى رقم: 45676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(11/20786)
أيهما يقدم الحج أم الجهاد العيني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحج أو العمرة على من تعين عليهم الجهاد في بعض أراضي المسلمين وما الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن تعين عليه الجهاد فإن عليه تقديمه على الحج المفروض، وقد فصل ذلك العلامة الحطاب المالكي في مواهب الجليل فقال: وهذا كله فيما إذا لم يجب الجهاد على الأعيان بأن يفجأ العدو مدينة قوم، فإن وجب فلا شك في تقديمه كما سيأتي في كلام ابن رشد في الأجوبة ونصه:.... وأما في المكان الذي يتعين فيه -الجهاد- على الأعيان فهو أفضل من حج الفريضة قولاً واحداً.... بل يتعين حينئذ الجهاد وترك الحج ارتكاباً لأخف الضررين، فلا يجوز له الخروج. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(11/20787)
بين جهاد النفس وجهاد الأعداء
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما الأحب إلى الله جهاد النفس أم الجهاد في سبيل الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحرص على جميع الأعمال الصالحة ويطرق جميع أبواب الخير عملا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {البقرة: 208} وبقوله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ {آل عمران: 119}
وبناء عليه، فينبغي الحرص على القيام بجميع أنواع الجهاد، وقد بينا أنواعه في الفتوى رقم: 542 45.
ثم إنه قد ثبت التصريح في بعض الأحاديث بتفضيل جهاد النفس كما في الحديث: أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه رواه ابن النجار وصححه الألباني.
وكما في الحديث: المجاهد من جاهد نفسه في الله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي الحديث: أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقد ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم وابن حجر في الفتح والمناوي في الفيض أن جهاد النفس من أعظم الجهاد، وذكروا في ذلك عدة آثار عن السلف، ولكنه يتعين التنبه إلى أن جهاد الفساق والكفار من أعظم ما يشق على النفس لما فيه من تعريض الروح والمال والعرض للخطر وذلك شاق على النفس، فما لم يجاهد نفسه ويروضها على فعل الطاعات فإنه قد لا يجاهد هذا النوع من الجهاد، فتقويم النفس على الطاعة هو الأساس لكنه لا يعفي من القيام بأوامر الشرع التي تحض على أنواع الجهاد الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(11/20788)
الجهاد في حياة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. ماهي أوجه الجهاد في حياة المسلم؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 54245، والفتوى رقم: 22382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(11/20789)
جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعمل ممرضا في أرض الرباط في فلسطين الحبيبة، وأقوم بمعالجة المرضى الفلسطينيين، سؤالي: هل ذلك يعتبر نوعا من أنواع الجهاد؟ وهل يغني ذلك عن مقاتلة الأعداء بالسلاح؟ وشكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عملك ذلك في أرض الرباط ومساعدتك للمرضى والمجاهدين لهو من أعظم أنواع الجهاد.
فالجهاد لا يقتصر على حمل السلاح فقط، وإن كان ذلك ذروة سنامه، ولكنه يشمل إلى جانب ذلك الجهاد بالمال، وبالمساعدة فيه بمختلف أنواعها، والجهاد باللسان وبكلمة الحق.. قال الله تعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [الفرقان:52] .
فكل جهد يبذله المسلم ابتغاء مرضاة الله ولإعلاء كلمة الله، فإن صاحبه ينال شرف الجهاد في سبيل الله.
قال الله تعالى في شأن المجاهدين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [التوبة:120-121] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم. رواه أحمد وأصحاب السنن.
والحاصل: أن مساعدتك لإخوانك على أرض الرباط تعتبر جهاداً في سبيل الله، نسأل الله تعالى أن يعينك ويتقبل منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1424(11/20790)
يحمد التعاظم على أهل الكفر والخيلاء في الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[السخرية من الأعداء في الجهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسخرية من الأعداء في الحرب وقصد إغاظتهم بذلك، لا حرج فيه إن شاء الله.
روى أبو داود والنسائي عن جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأما الخيلاء التي يحب الله، فاختيال الرجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة. قال شمس الحق أبادي في شرحه على سنن أبي داود: فاختيال الرجل عند القتال هو الدخول في المعركة بنشاط وقوة، وإظهار الجلادة والتبختر فيه، والاستهانة والاستخفاف بالعدو لإدخال الروع في قلبه. انتهى.
وقال الباجي في المنتقى تعليقا على ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في الخيلاء في الحرب: ومعنى ذلك -والله أعلم- لما فيه من التعاظم على أهل الكفر، والاستحقار لهم، والتصغير لشأنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20791)
لأمة المسلمة مأمورة بإعداد ما تستطيع من قوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الإسلام امتلاك قنبلة ذرية بغرض الدفاع عن المسلمين وحمايتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الإسلام الأمة المسلمة بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها، وذلك للحفاظ على حياة المسلمين من جهة، ولترهيب أعداء الإسلام فلا يفكروا في الاعتداء على المسلمين من جهة أخرى، حتى يتحقق المقصود وهو أن تكون كملة الله تعالى هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، ودليل هذا قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60] .
وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. .
قال القرطبي في تفسيره للآية السابقة: أمر الله المؤمنين بإعداد القوة للأعداء، فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ. انتهى.
وبناء على ما تقدم من أدلة فإنه لا مانع إن لم يكن من الواجب أن يمتلك المسلمون القنبلة الذرية وغيرها من الأسلحة مما يقوى شوكتهم حتى يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم وحماية أراضيهم ومقدساتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(11/20792)
تصرفه عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزو قوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد غزو قوم يرسل من يسمع هل يرفعون الأذان أم لا؟
هل يوجد شيء من هذا القبيل؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً لم يغر عليهم حتى يصبح وينتظر، فإن سمع الأذان كف عنهم وإلا أغار عليهم.
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع النداء كف عنهم، وإن لم يسمع النداء أغار عليهم....
وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار.......
ومن هذه الأحاديث وما أشبهها أخذ المالكية بوجوب الأذان في كل قرية وسنيته في كل مسجد، يقول الشيخ الشيباني الشنقيطي في كتابه تبيين المسالك: قال الإمام مالك في الموطأ: وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة، قال الباجي: وحمل لفظ مالك على ظاهره أولى عندي، وأن الأذان واجب وليس بشرط في صحة الصلاة، ولو أن أهل مصر تركوا الأذان لأثموا بذلك، ولوجب جبرهم عليه، وأخذهم به.... وقال عياض: والمشهور أن الأذان فرض كفاية على أهل المصر لأنه شعار أهل الإسلام، فقد كان صلى الله عليه وسلم إن لم يسمع الأذان أغار وإلا أمسك.
وقال أبو عمر بن عبد البر: ولا اعلم خلافاً في وجوب الأذان جملة على أهل الأمصار لأنه من العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر....
ثم قال: وقال أبو حنيفة إنه سنة للصلوات الخمس والجمعة، وقال أحمد إنه فرض كفاية، وللشافعي قولان: أحدهما أنه سنة، والآخر أنه فرض كفاية.
ولا تعارض بين هذه الأحاديث وبين ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة وعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله.... اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا..... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم......
هذا الحديث وما في معناه يدل على أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يبدأ قوماً بالقتال حتى يخيرهم بين هذه الأمور الثلاثة، وأن من بدأهم بالقتال كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك ورفضوها. وهذا ما ذهب إليه مالك ومن معه من أهل العلم، قال الشيباني في تبيين المسالك على مذهب الإمام مالك: وقبل البدء في قتال الكفار يدعو إلى الإسلام ولم لم تبلغهم الدعوة على المشهور، فإن أبوا دعوا لدفع الجزية، فإن لم يجيبوا قوتلوا....
ثم قال: ومقابل المشهور أن وجوب الدعوة خاص بمن لم تبلغهم، وبه قال الثلاثة، ودليل مشهور المذهب ما في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية.. الحديث.
وما رواه أحمد من حديث ابن عباس: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى يدعوهم.
ثم قال: ومذهب إمامنا مالك أن الجزية تؤخذ من جميع أهل الشرك وعبدة الأوثان والنار وأهل الجحود مثل ما تؤخذ من أهل الكتاب.
وهذا ما درج عليه صاحب الرسالة حيث يقول: ناظمها في شأن من تؤخذ منهم الجزية:
ومن مجوس ونصارى العرب ... لا من قريش لمكانة النبي.
قال الباجي في المنتقى: وأما عبدة الأوثان وغيرهم ممن ليس بأهل الكتاب فإنهم يقرون على الجزية.
واستدل مالك بحديث عائشة المتقدم عند مسلم وفيه أمره صلى الله عليه وسلم لكل من أمر أن يدعو إلى الإسلام، ثم إلى دفع الجزية، بدون أن يفرق بين مشرك وكتابي، قاله في تبيين المسالك، ثم قال: وقال الشافعي: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب، وقال أبو حنيفة وأحمد: تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس.
وبهذا يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزو قوم دعاهم إلى الإسلام أولاً فإن أجابوا كف عنهم، وإلا دعاهم إلى الجزية فإن أجابوا كف عنهم، وإلا قاتلهم مستعينا بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(11/20793)
الجهاد المتعين لا يحتاج لإذن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ... أعمل لدى والدي وهو ميسور الحال وأسكن في شقه خاصة بى في منزل أبي ولا أملك مالا خاصا بي فهل إذا خرجت للجهاد المتعين أترك زوجتي ينفق عليها أبي حتى يقضي الله أمراً كان مقضياً أم من الأفضل أن أطلقها قبل خروجى لأبرىء ذمتي أم أخبرها أنها مخيرة في حال غيابي بين أن ترفع دعوى طلاق أو أن تنتظر عودتي خصوصاً وهي تعتقد أنني أبحث عن عمل في الخارج مع العلم بأن النظام عندنا لا يسمح بذلك وجزاكم الله كل خير -]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنك إذا خرجت للجهاد المتعين - كما تقول - فلا بأس بأن تترك زوجتك لينفق عليها أبوك حتى تعود، ولا تطلق زوجتك، ولا تخيرها بين الطلاق أو انتظار عودتك، وسلم أمرك إلى الله، وعليك بالصدق والإخلاص، وحسن التوكل على الله، ولك في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع زوجته هاجر أسوة. وفقك الله لصالح الأقوال والأعمال. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1421(11/20794)
يجوز استخدام المشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد:
فقد ثبت في الصحيح أن يهوديا يقال عنه إنه عبد القدوس كان خادما للنبي.. فالسؤال هل هذا كان في المدينة أو في مكة؟ وإن كان في إحداهما فهل كان في أول فترة مكة أو في أول فترة الهجرة؟ مع ذكر الدليل لذلك، وبالله التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على تحديد السنة ولا المكان الذي تمت فيه هذه الحادثة، ولكن ظاهرها يدل على أنها كانت في المدينة؛ لأنها هي محل تواجد اليهود يومئذ، وسواء وقعت هذه الحادثة في أول الهجرة أو بعد ذلك بزمن، فإن ذلك لا يغير من الحكم شيئًا، فزيارة الكافر - يهوديًّا كان أو غيره - مشروعة للمصلحة، لا سيما إذا كان ذا قرابة أو جوار ورُجِي إسلامه.
وينبغي للزائر أن يعرض عليه الإسلام ويبين له محاسنه برفق وحكمة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة. قال البخاري رحمه الله تعالى: باب عيادة المشرك، وأورد هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال ابن بطال: إنها إنما تشرع عيادة المشرك إذا رُجِي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا. والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى اهـ، وقال الحافظ أيضًا: وفي الحديث جواز استخدام المشرك ...
وتتميمًا للفائدة نذكر الحديث بتمامه، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فمرض، فأتاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أَسْلِمْ. فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(11/20795)
معنى قوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه..)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أحل للنبي قتال المشركين في الأشهر الحرم وما معنى قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير. وما مناسبة نزول هذه الآية؟ وقد قرأت في كتاب البداية والنهاية أن النبي قاتل في أشهر حرم؟
أرجو التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القتال في الأشهر الحرام كان محرماً في شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر الأمر على ذلك بداية الإسلام إلى أن نسخ على الراجح من أقوال أهل العلم.
ولتفاصيل ذلك وأدلته وأقوال أهل العلم، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 35006، والفتوى رقم: 25430.
وأما معنى الآية الكريمة، فإن المشركين استنكروا قتال سرية عبد الله بن جحش في الأشهر الحرم فرد الله تعالى عليهم بأن ما فعله المشركون من الكفر بالله تعالى ومن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراج المسلمين منه أعظم من الخطأ الذي وقعت فيه سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه الذي كان سبباً لنزول الآية الكريمة.
وما ذكرت من قتال النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين في الأشهر الحرم صحيح، فقد كانت غزوة الطائف في ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 24058.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(11/20796)
الحكمة من تحريم القتال في الأشهر الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا دكتور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما الحكمه من تحريم القتال في الأشهر الحرم؟؟
وجزاكم الله أحسن خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأشهر الحرم كانت تعظم على عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على التحريم، ثم نسخ ذلك فيما بعد. قال صاحب التفسير المنير: وكان القتال محرمًا في هذه الأشهر الأربعة على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على ذلك ثم نسخت حرمتها. وانظر شيئًا من ذلك في الفتوى رقم:
25430.
وأما الحكمة من تحريم القتال فيها، فقد أوردها ابن كثير في تفسيره. قال: وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهر وهو ذو القعدة، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً. (2/465) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(11/20797)
الأشهر الحرم وحكم القتال فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأشهر الحرم, وهل يجوز القتال فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب كما ثبت، وبهذا ورد الحديث فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وأما القتال في الأشهر الحرم فنوعان:
الأول: قتال دفاع، وهذا جائز بإجماع أهل العلم، وقد حكى هذا الاجماع غير واحد من أهل العلم.
الثاني: قتال هجوم، وجمهور أهل العلم على جوازه سواء ابتدأ فيها أو ابتدأ قبلها. قالوا: وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بقول تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] .
وبغزو النبي صلى الله عليه وسلم الطائف في الأشهر الحرم، وذهب بعض أهل العلم إلى حرمة القتال هجوماً في الأشهر الحرم إلا أن يكون قد ابتدأ قبلها، وحملوا غزو النبي صلى الله عليه وسلم الطائف على هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(11/20798)
حكم قتل أبناء ونساء العدو
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم قتل أبناء ونساء العدو من باب المقابلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الإسلام للقتال ضوابط وأخلاقاً.. فلا يجوز قتل النساء والأطفال والشيوخ الذين لم يقاتلوا ومن سالم واعتزل فلا يقتل إلا المقاتل ...
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا جميعاً في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم.. الحديث رواه مالك في الموطأ ومسلم في الصحيح.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر: أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
أما إذا قاتلت المرأة أو جندت لمهام القتال فإنها تقتل كما نص على ذلك أهل العلم، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 119، والفتوى رقم: 46548.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(11/20799)
الإسلام يمنع قتل غير المقاتل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتحدّث الرّسول عليه الصلاة والسلام عن علامات الساعة فيذكر في أحد الأحاديث قتل المسلمين لليهود حتّى يستغيثوا بالحجر والشّجر إلى نهاية الحديث.. فهل يشمل هذا القتل النّساء والأطفال والمدنيّين عموماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا صحة ذلك الحديث وأنه واقع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الفتوى رقم: 16315.
وأما هل يشمل النساء والأطفال ونحوهم فلم يفصل الحديث في ذلك، ولكن من المعلوم أن الإسلام يمنع قتل غير المقاتل، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان وأصحاب الصوامع من الرهبان المنقطعين للعبادة، ولما مر بامرأة مقتولة غضب صلى الله عليه وسلم على من قتلها وقال: ما كانت هذه لتقاتل.
وأما إذا قاتلت المرأة أو الراهب وصاحب العاهة ونحوهم، فإنهم يقتلون كما بينا في الفتوى رقم: 13988، والفتوى رقم: 46548.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(11/20800)
قتل النفس التي لم يأذن الله بقتلها كبيرة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي قتل أخته بتهمة السحر ولكن بدون دليل مادي ما حكمه؟ وهل يخلد في النار وهو يؤدي الفرائض؟ شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل النفس التي حرم الله عمدا كبيرة من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الاسراء: 33] .
وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فلا شك أن ما أقدم عليه أبوك من قتل أخته كبيرة من كبائر الذنوب، لأنه قتل لنفس لم يأذن الله بقتلها، ولأنها مشتملة على قطيعة الرحم التي أُمِر بوصلها، والقتل بمجرد الظن لا يجوز الإقدام عليه، بل حتى لو ثبت يقينا أنها ساحرة، لم يجز له قتلها، لأن الحدود يتولاها ولي الأمر وليس عامة الناس، ولو فتح الباب لعامة الناس لانتشرت الفوضى والقتل.
وقول السائل: هل يخَلَّد في النار؟ فالجواب عنه: أنه قد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون.
قال الإمام أبوجعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موَحدون وإن لم يكونوا تائبين وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم، كما ذكر عز وجل في كتابه "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. اهـ.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم قتل النفس وبيان الحقوق المتعلقة بالقاتل، وهل للقاتل توبة، فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 36858، 1940، 10808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(11/20801)
هل يباح التجسس إذا تعين طريقا لدفع مفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الجامعة طلق أبي أمي وتزوجت أمي من بعده وتوفي زوجها. وأنا أعيش الآن أنا وأمي فقط في بيت واحد. منذ فتره ليست ببعيدة، لاحظت تعلق أمي بأحد مواقع التعارف على الانترنت والمعروف عنه سمعته السيئة، بعدها بفترة وجيزة لاحظت تعلقها الشديد جدا بأحد برامج الدردشة (الشات) ، لدرجه أنها أصبحت تقضي كل وقتها وهي تتحدث من خلاله، فشككت في الأمر. فقمت بوضع برنامج تجسس على الجهاز بحيث أعرف ماذا يحدث فيه. وبالفعل، كان شكي في محله. إن أمي تتحدث مع رجل من دولة أوروبية وهو يعدها بالزواج، ويتبادلان سويا أحاديث الحب والجنس. أنا في حيره شديدة من أمري، شيخي الكريم.
هل أنا آثم على ما فعلته بوضعي برنامج التجسس واطلاعي على محادثاتهم الخاصة؟
وبعد تأكدي من هذا الأمر، ماذا علي أن أفعل؟
فإذا تحدثت إليها ستتهمني أني أنتهك خصوصياتها ولن تستمع إلي، وقد يصل الأمر إلى طردي من البيت
أنا الحمد لله أحسب أني ملتزم وأحاول ألا أعصي الله، فالرجاء إفادتي سريعا بالأجوبة لما في الأمر من حساسية شديدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للوالدة حقاً عظيماً في البر والإحسان إليها مهما بدر منها من الأخطاء والذنوب، فقد أوصى الله عز وجل بمصاحبة الوالدين المشركين في الدنيا معروفاً، وليس بعد الشرك ذنب، قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
وهذا لا ينافي النصح لها، وتخويفها عقاب الله تعالى، ومنعها مما يفسد دينها ويدنس عرضها.. ولذا فإنه يجب عليك أن تنصح أمك مهما كان الأمر, ولا تخش في الله لومة لائم, ولكن عليك باللطف والرفق في النصيحة ما استطعت, ويمكنك أن تبدأ في ذلك بالنصح غير المباشر بأن تعطيها كتابا يتحدث عن عفة المرأة المسلمة وحشمتها وحيائها ونحو ذلك, فإن لم تستجب فصرِّح لها بالنصيحة ولكن لا تخبرها بما كان منك من تجسس عليها بل أعلمها أنك لاحظت هذا بطريق أو بآخر, فإن استجابت لك فبها ونعمت, وإلا فيمكنك أن تستعين ببعض أرحامها كإخوتها وأخواتها من أصحاب الدين والحكمة وكتمان السر..
والخلاصة أنه يجب عليك أن تجتهد لردها عن فعلها بكل طريق مشروع حتى ولو وصل الأمر لمنع وسائل الاتصال هذه وإخراجها من البيت مثلا بحيث لا تقدر على استعمالها، وإن سعيت مع ذلك إلى تزويجها من رجل صالح فهذا خير كبير حتى ولو عرضت أنت عليه أن يتزوج أمك.
أما بخصوص ما كان منك من تجسس عليها فهذا لا حرج عليك فيه إن شاء الله، لأن العلماء قد نصوا على أن التجسس إذا تعين طريقاً لدفع مفسدة فلا حرج فيه، قال ابن الماجشون: اللصوص وقطاع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم، ويعان عليهم حتى يقتلوا أو ينفوا من الأرض بالهرب، وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم. انتهى.
ولا شك أنك وقوع أمك فيما لا ينبغي وما يؤدي إليه ذلك من فساد دينها وتدنيس سمعتها وسمعة الأسرة مفسدة يشرع التجسس لدفعها، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 15454 الأحوال التي يشرع فيها التجسس..
وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات في الشبكة فستجد فيه إن شاء الله ما يهديك من حيرتك.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(11/20802)
ليس من التجسس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أستاذ جامعي تقدمت بالترقية لمرتبة أستاذ وقد قام المجلس العلمي بتكوين لجنة للتجسس علي وقامت هذه اللجنة بمراسلة عدد من الباحثين الذين اشتركت معهم في أبحاث مختلفة لمعرفة ما إذا كان لي دور في البحث أم لا؟ ومنهم من رد بأنه كان لي دور في عمل البحث؟ السؤال هل يجوز للجامعة أن تتجسس علي؟ بعدها قام مدير باتهامي بالسرقة العلمية الحتمية حتى يجد مخرجا في تحويلي إلى التحقيق دون وجود أدلة وأنا في السنة الرابعة لم يرسل لي أي دليل يثبت حجتهم أو صحة دعواهم، أجيبوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن التجسس محرم تحريما مؤكدا. ولكن قد ذكر أهل العلم أن التجسس يشرع إذا ترتبت عليه مصلحة راجحة لا يمكن تحقيقها إلا به، وراجع في هذا الفتوى رقم: 15454.
وما حصل تجاهك من قبل هذا المجلس العلمي من سؤال بعض الباحثين عنك.. إن كان المقصود منه معرفة مدى كفاءتك لاستحقاق الدرجة المذكورة فلا يعتبر تجسسا محرما، ولو قدر أن ذكر واحد منهم شيئا حقيقيا مما يتعلق بالأمر المستشار فيه وبالقدر الذي يتحقق به المقصود لم يكن ذلك محرما.
روى البخاري ومسلم عن فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتطبت.
وأما اتهام مديرك لك بالسرقة وعدم الأمانة العلمية فإن كان من غير بينة فإنه لا يجوز، وينبغي أن تسعى في تبرئة نفسك، ويمكنك التظلم إلى جهة أعلى منه وإثبات براءتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(11/20803)
عقوبة من يتجسس على المسلمين لصالح العدو
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح سؤالا عما يفعله أعوان اليهود من تجسس على المسلمين وإيقاع الأذى بهم , والأمر ليس هكذا فقط بل إنهم يستخدمون السحر والاتصال بالجن عبر المسحور له, وبذلك يعلمون أسراره. ومن مات من هؤلاء هل يحق أن يدفن ويصلى عليه في مساجد ومقابر المسلمين أم أنهم كفرة ومنافقون ومرتدون عن الإسلام, فأنا أعلم أنه من كان في خندق الأعداء ومات يموت على ميتتهم, فكيف الذي يقوم بعمل الأسحار للمسلمين بهدف إيذائهم ومعرفة أسرارهم وإيصالها لليهود, لاعتقالهم أو اغتيالهم.
أرجو أن تكون هناك إجابة مفيدة للجميع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن التجسس على المسلمين وكشف عوراتهم للعدو ... من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم.. فقد نهى الله تعالى عن التجسس عموما وذمه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقرنه بالكبائر. فقال تعالى: ولا تجسسوا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله. الحديث رواه مسلم وغيره.
ولا شك أن هذا الذنب يكون أعظم وعقابه أشد إذا كان لصالح أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود وغيرهم، وحكم فاعله في الإسلام القتل أو التعزير حتى يرتدع عن قبيح فعله، قال المواق المالكي في شرحه للمختصر عند قوله: وقتل عين وإن أمن والمسلم كالزنديق. قال ابن القاسم: أرى أن تضرب عنقه، ابن رشد قول ابن القاسم هذا صحيح لأنه أضر من المحارب. ونقل عن مالك أن الأمر إلى ولي أمر المسلمين.
وعلى هذا؛ فالجاسوس إن كان من المسلمين فإنه يقتل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين؛ ولكن لا يصلي عليه أهل الفضل ولا يتبعون جنازته..
ويجب التنبه إلى أن الذي يتولى إقامة هذا الحد عليه هو السلطان بعد تقديمه لقضاء شرعي عادل وإقرار بالذنب أو ثبوت ذلك ببينة، أما أفراد الأمة فلا تحق لهم إقامة الحدود. وأما استعمال السحر وتعلمه واستخدامه فإنه كفر أكبر مخرج من الملة؛ لقول الله تعالى: وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ {البقرة: 102} . فإذا ثبت ذلك عن شخص فإنه لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 16082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1426(11/20804)
ضوابط التجسس
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الأجلاء نفعنا الله وإياكم بما علمنا، وعلمنا بما ينفعنا، الموضوع: إنني كنت مسافرا للسعودية كنت أعمل مدرس رياضيات وكنت أجد وأجتهد عندما كان يطلب مني أي عمل أقوم به فوراً إلى أن طلب مني أن أعمل كحارس ليلي على المدرسة بأجر إضافي وقبلت وعملت إلى أن وصلت العلاقة بيننا إلى حد كبير فأنا أسكن في سكن المدرسة وبه حوالي 20 مدرسا غيري فجاء المسؤول عن المدرسة وطلب مني أن أخبره بجميع أخبار زملائي في السكن فرفضت فهددني فلم أكترث بهذا التهديد وسار الضغط علي في العمل وأنا مصر على موقفي، فكانت النتيجة أنهم لم يجددوا لي العقد وها أنا غير مسافر، علما بأنني لم أعين في أي وظيفة حتى الآن وقمت بخطبة فتاة، علماً بأن سني تجاوز الـ 32 عاماً بعد أن ساهمت في تربية أخواتي أنا وأخي بعد وفاة والدي وهم 5 بنات 3 أولاد إلى أن تزوج منهم ثلاث بنات وأخي الذي يكبرني فأنا أعطي دروسا خصوصية الآن مع أنني لست في مدرسة، فهل ما أقوم به من دروس خصوصية حرام، أما بالنسبة لموضوع السفر الجميع حولي يقولون لي إنني لم أستطع أن أساير أموري، وإنني أخطأت، فهل أنا أخطأت أم أنا على صواب في موقفي من موضوع التجسس والفتنة وإن كنت على صواب فالرجاء الدعاء لي أن يعوضني الله خيراً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يتجسس على أحد إلا إذا كان هناك مسوغ لذلك، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، ولا يُعدل عن هذا الأصل إلا لسبب معتبر شرعاً كالتجسس على الكفار المحاربين، وتتبع مواقع اللصوص وقطاع الطرق، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 15454.
وبناء على هذا فإن ما قمت به من رفض التجسس على إخوانك هو عين الصواب، لكننا ننبهك إلى أنه من الواجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، وقد يستدعي هذا الواجب تحذير المسؤولين من أمور تضر بالعمل أو بالأشخاص، ولا يُعد نقل مثل هذا إلى المسؤولين من التجسس؛ بل هو من التحذير الواجب على المسلم لأخيه المسلم مما يُحاك له أو يدبر له، والله نسأل أن يعوضك عما تركت خيراً، أما عن الدروس الخصوصية فقد سبق بيان هذه المسألة بضوابطها في الفتوى رقم: 25901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(11/20805)
قتل النفس التي لم يأذن الله بقتلها كبيرة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي قتل أخته بتهمة السحر ولكن بدون دليل مادي ما حكمه؟ وهل يخلد في النار وهو يؤدي الفرائض؟ شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل النفس التي حرم الله عمدا كبيرة من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الاسراء: 33] .
وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فلا شك أن ما أقدم عليه أبوك من قتل أخته كبيرة من كبائر الذنوب، لأنه قتل لنفس لم يأذن الله بقتلها، ولأنها مشتملة على قطيعة الرحم التي أُمِر بوصلها، والقتل بمجرد الظن لا يجوز الإقدام عليه، بل حتى لو ثبت يقينا أنها ساحرة، لم يجز له قتلها، لأن الحدود يتولاها ولي الأمر وليس عامة الناس، ولو فتح الباب لعامة الناس لانتشرت الفوضى والقتل.
وقول السائل: هل يخَلَّد في النار؟ فالجواب عنه: أنه قد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون.
قال الإمام أبوجعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موَحدون وإن لم يكونوا تائبين وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم، كما ذكر عز وجل في كتابه "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. اهـ.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم قتل النفس وبيان الحقوق المتعلقة بالقاتل، وهل للقاتل توبة، فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 36858، 1940، 10808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(11/20806)
حضور إعدام متهم بين الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشاهد متهماً أثناء إعدامه بعد صدور حكم المحكمة بإعدامه، وذلك من حقي بحكم وظيفتي إن شئت، فما رأي الدين؟؟ وماهي النية التي أستحضرها أثناء ذهابي؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى في سياق ذكر عقوبة الزناة: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] .
والمراد من حضور هذه الطائفة هو الاتعاظ والازدجار، وهذا المراد متحقق في حضور عقوبة القتل (الإعدام) ، فلا مانع من الحضور وتكون نية حضورك الاعتبار؛ كما قال الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2] ، أي اتعظوا وانظروا في ما نزل بهم واحذروا أن يصيبكم ما أصابهم إذا خالفتم أمر ربكم، وهذا إذا كان الشخص معدوما لسبب معتبر شرعاً.
هذا.. وليحذر الشخص من حضور قتل أو ضرب مسلم مظلوم دون نصرته ونجدته، ففي الحديث: ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع ينتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته.. رواه أبو داود.
قال في النهاية: الخذل ترك الإعانة والنصرة. وقال في عون المعبود شرح أبي داود: والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله ونحوها إلا خذله الله.... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(11/20807)
التجسس ... نظرة شرعية واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اسمي شهاب، أمنية حياتي أن أصبح ضابطا بالمخابرات ولكني علمت أن بعض ضباط المخابرات يأمرونهم بوضع قرص سيانيد معهم حتى إذا ماتم القبض عليهم من قبل جهة أخرى يبتلع القرص فيموت في الحال حتى لا يتعرض لتعذيب ويضطر أن يبوح بالأسرار التي يعلمها.
السؤال. هل يعد هذا انتحاراً أم لا؟ ولكم جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم أن يكون ذا همة عالية وقصد رفيع لا يرضى بالدون ولا يشتغل بسفاسف الأمور عن معاليها، بل عليه أن يرسم لنفسه هدفاً عظيماً كأن يكون عالماً بشرع الله يهتدي على يديه الخلق الكثير ليحظى بالأجر العظيم الذي أخبر به الصادق المصدوق حيث قال: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي وغيره، أو يكون طبيباً أو مهندساً.. ونحو ذلك.
أما هذه المهنة التي أشار إليها السائل ففيها من المحاذير الشرعية الكثير والكثير.. وذلك أن عمل المخابرات قائم غالباً على التجسس وقد نهى الشرع عن ذلك أشد النهي، قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانا.....
وفي الآدب المفرد للبخاري من حديث معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم فإني لا أتبع الريبة فيهم فأفسدهم. وفي سنن أبي داود ومسند أحمد ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني من حديث جبير بن نفير وكثير بن مرة وعمر بن الأسود والمقدام بن معدي كرب وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم.
وفي سنن البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه، وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن بشرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه "ولا تجسسوا" فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم.
وفي المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به.
فإذا كان الشرع قد نهى عن التجسس على أهل المعاصي ما لم يظهروا ذلك ويصروا عليه.. فالتجسس على أهل الإيمان والصلاح ومتابعة تحركاتهم وسكناتهم والسعي في الوقيعة بهم أكثر إثماً وأشد قبحاً.
ولذا فلا يجوز العمل في التجسس إلا إذا كان على الكفار ودولهم ومعرفة مكائدهم وكيدهم للإسلام وأهله فيجوز ذلك بل قد يكون من القربات والطاعات، لكن العمل بذلك لا يبيح الانتحار بحال، بل فعل ذلك من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب كما هو مبين في الفتوى رقم:
22619.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1423(11/20808)
حدود جواز التنصت على المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تسجيل المكالمات الهاتفية المطلوب تسجيلها لإثبات حق ما أو لإدانة شخص ما حرام أو حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل منع التجسس على المسلمين، لقول الله تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا) .
إلا أنه إذا دعت الحاجة إلى ذلك لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة فلا حرج فيه، وذلك كمن يكون له دين على شخص ولا بينة له عليه، أو كان يتوقع من شخص حصول جريمة قتل -مثلاً- وفي كلا الحالتين لا توجد وسيلة لإثبات الدين أو دفع الجريمة غير التنصت، فلا حرج في التنصت إذا وجدت هذه الضوابط، وإلا فلا يجوز.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 15454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(11/20809)
الجاسوس ... حكمه والعقوبة التي توقع عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الخائن لبلده ودينه أو العميل وهل ورد شيء بهذا الخصوص في القرآن الكريم أو الحديث الشريف؟
شكرا وبارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خيانة الإنسان لما اؤتمن عليه من التكاليف الشرعية التي ألزمه الله تعالى بها أو ألزم بها نفسه، ذنب عظيم وخلق ذميم، يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27] ، هذا وقد اختلفت آراء العلماء حول عقوبة الجاسوس - وهو العميل - فمذهب الحنابلة أنه يقتل، وعند أبي يوسف ومحمد من الحنفية وبعض المالكية هو: أنه يعزر ولا يقتل، وهذا هو المشهور عند الشافعية أيضاً.
وفصل بعض أهل العلم فقال: إن تكرر منه التجسس قتل، وإن لم يتكرر بل وقع منه مرة أو نحوها لم يقتل، ولعل هذا الرأي هو الراجح، لما في تكرير التجسس على المسلمين من الإضرار الذي لا يقل عن الفساد في الأرض، أما وقوعه فلتة فقد لا يحصل منه من الضرر ما يستحق صاحبه به القتل، وفي الصحيحين وغيرهما أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كتب إلى قريش أسرار المسلمين ولم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل نهى عنه من هم بقتله، وكانت هذه من حاطب رضي الله عنه فلتة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(11/20810)
متى يشرع التجسس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التجسس على الناس عن طريق الإنترنت؟ وما حكم اختراق أجهزة الحاسب الآلي وكشف خصوصيات الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه....
أما بعد:
فقد سبق حكم التجسس على الكفار في الفتوى رقم:
8789، وأما التجسس على المسلمين فالأصل أنه حرام لقول الله تعالى: (ولا تجسسوا) ، ولما رواه أحمد وغيره عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته ".
إلا أنه يجوز التجسس على اللصوص وقطاع الطرق ونحوهم، قال ابن الماجشون: " اللصوص وقطاع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم، ويعان عليهم حتى يقتلوا أو ينفوا من الأرض بالهرب. وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم " وكذا ذكر الفقهاء أنه إذا اشتهر وجود حانة خمر في بيت أو ممارسة الرذيلة ونحو ذلك، فلإمام المسلمين أن يبعث من يتجسس عليهم،
وعليه، فالتجسس على المسلمين عبر الإنترنت لا يجوز إلا بالضوابط المذكورة سابقاً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1423(11/20811)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يعمل جاسوساً لحساب دولة إسلامية ضد أعداء الإسلام؟ إذا كان الجواب "نعم" فهل هناك ضوابط معينة لسلوكه تجاه الأعداء حيث يريد كسب ثقتهم؟ فهل يجوز له أحياناً أن يقوم بأعمال مخالفة للشرع كشرب الخمر والزنى والذهاب إلى الحانات من أجل أن يخدع أعداءه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الكلام في ضوابط تجسس المسلم على الكافرين لابد من التمهيد بذكر بعض المقدمات:
الأولى: أن مشروعية التجسس على الكافرين ثابتة، على ما يقتضيه واجب الحذر من الكافرين ومكرهم، قال تعالى: (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء:102] ، والتجسس على الكافرين بمعرفة عددهم وعدتهم، وما يبيتون للمسلمين من مكائد وخطط هو من أخذ الحذر الذي أمرنا به.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ليتجسس على الكفار في غزوة الخندق، وقصص السيرة مليئة بسلوكه صلى الله عليه وسلم لهذا السبيل مع الأعداء.
الثانية: أن الكلام في هذه المسألة خاص بمن كانت مصلحة تجسسه راجعة إلى الأمة، وليست إلى مصلحة شخصية لفرد من الأفراد، أو حزب من الأحزاب.
الثالثة: أن الكلام في هذه المسألة يختص بمن اقتضى عمله كجاسوس، مخالطة الكافرين على أنه منهم، وكان حصوله على تلك المعلومات مرتبطاً بتلك الحال.
وبعد إيراد تلك المقدمات نذكر بعض الضوابط التي تعين المسلم على موافقة الشرع في عمله:
- أن يتقي الله ما استطاع، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] .
- أن يكون القائم بعمل الجاسوسية على الكافرين متصفاً بالصلاح والاستقامة جامعاً معها الخبرة والفطانة، فالأولى تمنعه من الوقوع فيما لا يحل، والثانية تخلصه من مواطن الإحراج.
- أن يأخذ برخصة التقية وهي إظهار خلاف ما يبطن، كأن يظهر موالاة الكافرين، كأن يلبس شعارهم، ويظهر الرضا بعوائدهم ومناسباتهم وبغض المسلمين، قال تعالى: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) [آل عمران:28] . وعليه الحذر وعدم التوسع فإن الله قال بعدها: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران:28] .
- يحرم عليه فعل أي منكر من زنا أو شرب خمر أو لواط تحت أي ظرف، وليكن حصيفاً كيساً في اجتناب تلك المنكرات حتى لا تحوم حوله الشبهات وينكشف أمره، فيعتذر عن شرب الخمر مثلاً لأسباب صحية، والزنا لأنه على عهد شرف مع زوجته ألا يخونها في علاقته بها، وله أن يلبس ما يستر به السوأة الكبرى، ويمكن أن يتجوز فيما دونها.
- يجب عليه أداء الواجبات الشرعية كالصلاة ونحوها، ولا يسقطها تلبسه بعمل الجاسوسية، فإنه إن لم يستطع علانية أداها خفية، وله أن يترخص بالرخص الشرعية، كرخص المرض والسفر والشغل ونحوها، فمثلاً: له أن يجمع بين الصلاتين، ويصلي قاعداً أو بالإيماء إذا لزم الأمر، وله الفطر في رمضان، والكذب إذا لم يستطع التورية ... ونحو ذلك، لكن بشرط أن تكون الحالة ملجئة، وأن يقدرها بقدرها، دون توسع.
ولن يعجز المؤمن الكيس الفطن عن وسيلة لأداء ما أفترض الله عليه في مثل تلك الظروف.
ومن أعظم الوسائل التي لا ينبغي التغافل عنها الاستعانة بالذكر، والدعاء بأن يوفقه الله ويسدده ويهديه في أداء عمله، وأن يحفظه من كيد الأعداء ومكرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1422(11/20812)
من وسائل دعوة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ماهي الطريقة المثلى لدعوة الكافر للإسلام، علما بأن الأوروبين عندما يروا رجلا أو امرأة باللباس الإسلامي وكأنما رأوا شخصا من كوكب آخر، وعندما يقال لهم هذا حرام وهذا حلال ينفرون من الإسلام؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن وسائل وطرق دعوة الكفار، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18262، 23179، 21363، 29347.
ولا يجوز التخلي عن الواجبات أو ارتكاب المحرمات بحجة عدم تنفير الكفار من الإسلام، ولا بأس في أن يلبس المسلم لباساً لا يجعله ملفتا، لكن بشرط أن لا يحمل شعار دين معين، كشد الزنار والصليب ونحوهما.
وليس من الحكمة البدء في دعوة الكافر بذكر المحرمات والممنوعات، وإنما يكون البدء بذكر التوحيد والأصول، فإذا اقتنع بها فيتدرج معه في ما وراء ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(11/20813)
ما حكم من يقتل كافرا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقتل كافراً متعمداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا سؤال عام، والإجابة تحتاج إلى تفصيل:
فالكافر ينقسم إلى قسمين: محارب، وغير محارب.
والمحارب يجوز قتله، وقد يستحب، وقد يجب قتله بحسب المصلحة التي تترتب على قتله، وقد يترك قتله إذا لم تترتب على قتله مصلحة راجحة، أو كان في قتله مفسدة أعظم. وقد أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم عدد من المحاربين له وأمر بقتلهم، وعفا عن بعضهم. كما نهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ممن ليس لهم حيلة في القتال.
أما غير المحارب فلا يجوز قتله، ومثال ذلك: الذمي من اليهود أو النصارى، ممن هو مرتبط مع المسلمين بعقد ذمة.
قال الإمام ابن القيم في أحكام أهل الذمة: (الكفار إما أهل حرب، وإما أهل عهد، وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان…) لكن من نقض عهده منهم بسب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكن هذا يرجع إلى ولي أمر المسلمين. وعلى أية حال فلا يجوز قتل المعاهد إلا إذا أتى بما يستوجب القتل شرعاً، أما قتله بدون سبب فلا، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ألا من قتل نفساً معاهدة، له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً" رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وهذا الموضوع يحتمل البسط، لكن نكتفي بما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1422(11/20814)
الحكمة من اصطحاب النبي لبعض أزواجه في الغزو
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة في اصطحاب الرسول لإحدى زوجاته في كل غزوة وربما كان ذلك يعرضهن للمخاطر مثل ما حدث للسيدة عائشة في حادثة الإفك رغم عدم حاجة الجيش لهن وعدم اصطحاب أي من الصحابة لزوجه وأيضا لم يفعلها التابعون. هل لهذا حكمة معينة أم هو تشريع من الرسول أم خاص للرسول فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاصطحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه في سفر الجهاد أو اصطحاب أصحابه لبعض أزواجهم فيه مصلحة ظاهرة، وهي فعل ما تستطيعه المرأة من منفعة للجيش والإعانة على ما لا بد منه، وهذا الحكم ليس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مشروع مطلقا بشرط أن يكون العسكر لا يخشى غلبة.
قال المناوي فى فيض القدير معلقا على الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند إرادة السفر: وفيه حل السفر بالزوجة وخروج النساء في الغزوات وذلك مباح إذا كان العسكر تؤمن عليه الغلبة، وكان خروج النساء مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجهاد فيه مصلحة بينة لإعانتهن على ما لا بد منه. انتهى.
وفى التمهيد لابن عبد البر معلقا على الحديث السابق: وفيه من الفقه خروج النساء مع الرجال في الأسفار وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة..... إلى أن قال: عن خالد بن ذكوان قال: قلت للرُّبيِّع بنت معوذ: هل كنتن تغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحمل الجرحى نسقيهم أو نداويهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(11/20815)
مذاهب الفقهاء في رمي الكفار إذا تترسوا بالمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل المدنيين إذا احتمى بهم العدو أثناء المعركة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تناول الفقهاء هذه المسألة عند حديثهم عن مسألة "التترس" في كتاب الجهاد، وقد فصلوا القول في أحكامها، لأن المتترَس بهم قد يكونون مسلمين، وقد يكونون غير مسلمين، وقد يكون المجاهدون في حالة ضرورة، وقد لا يكونون كذلك، وإليك تفصيل ما ذكروا:
أولا: اتفق الفقهاء على أنه يجوز رمي الكفار إذا تترسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال أو حصارهم من قبل المسلمين إذا دعت الضرورة إلى ذلك, بأن كان في الكف عن قتالهم انهزام للمسلمين, والخوف على استئصال قاعدة الإسلام. ويقصد بالرمي الكفار.
ثانيا: إذا لم تدع ضرورة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة, أو لإمكان القدرة عليهم بدونه, فلا يجوز رميهم عند الشافعية والحنابلة, وهو قول الحسن بن زياد من الحنفية. ويجوز عند الحنفية - ما عدا الحسن بن زياد - لأن في الرمي دفع الضرر العام بالدفع عن مجتمع الإسلام , إلا أنه على الرامي ألا يقصد بالرمي إلا الكفار.
وذهب المالكية إلى أنهم يقاتلون, ولا يقصدون المتترس بهم, إلا إذا كان في عدم رمي المتترس بهم خوف على أكثر الجيش المقاتلين للكفار, فتسقط حرمة الترس, سواء أكان عدد المسلمين المتترس بهم أكثر من المجاهدين أم أقل, وكذلك لو تترسوا بالصف وكان في ترك قتالهم انهزام للمسلمين.
4 - وإن تترس الكفار بذراريهم ونسائهم فيجوز رميهم مطلقا عند الحنفية, وهو المذهب عند الحنابلة, ويقصد بالرمي المقاتلين, لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان. ولا فرق في جواز الرمي بين ما إذا كانت الحرب ملتحمة وما إذا كانت غير ملتحمة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحين بالرمي حال التحام الحرب.
وذهب المالكية والشافعية: إلى أنه لا يجوز رميهم إلا إذا دعت الضرورة، ويتركون عند عدم الضرورة , ويكون ترك القتال عند عدم الضرورة واجبا في الأظهر عند الشافعية, لكن المعتمد ما جاء في الروضة وهو: جوازه مع الكراهة. انتهى من الموسوعة الفقهية الكويتية ملخصا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(11/20816)
جواز الفرار من مكان الإقامة خوف القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمي في الحياة.. عمري 24 سنة وصحتي بخير ولا أشكو من شيء والحمد لله، وأنا عراقي وبلدي في ضيق ما الذي يجب علي فعله كي أكون عربيا خالصاً ومطبقا للشريعة، إذا بقيت في العراق أقتل ولا يمكنني حماية نفسي، هل يجوز بقائي في دول الغرب وما واجباتي تجاه وطني والعرب؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أنه إن أمكن بقاء المرء في بلده آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وناصحاً لإخوانه فهو أولى من هجرته عن البلد ما لم يخش من بقائه فتنة، ومع ذلك فقد أباح أهل العلم الخروج عن البلد، وترك الصبر على ما ينزل من البلاء، قال ابن العربي في كتابه: أحكام القرآن عند قوله تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ: في هذه الآية دليل على جواز الفرار من خوف العدو، وترك الصبر على ما ينزل من بلاء الله، وعدم الاستسلام المؤدي إلى الآلام والهموم، وأن لا يلقي بيده إلى العدو توكلاً على الله، ولو شاء ربكم لعصمه مع كونه معهم، ولكنها سنة الأنبياء وسيرة الأمم، حكم الله بها لتكون قدوة للخلق، وأنموذجاً في الرفق؛ وعملاً بالأسباب. انتهى.
وعليه؛ فإن لم يكن بإمكانك البقاء في بلدك الأصلي، فهجرتك إلى بلد تأمن فيه على نفسك لا حرج فيها، ولكن من المعلوم أن الإقامة في مثل البلاد المذكورة في السؤال قد تترتب عليها مفاسد على المسلم في دينه، فإن أمكنك أن تقيم في بلد مسلم فهو أولى، ولا نظن أن تعدم بلداً مسلماً يؤويك بإذن الله، وينبغي أن تجتهد في أن تقدم ما يمكنك تقديمه من الخير لبلدك وأمتك المسلمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(11/20817)
مدى الإثم الذي يتحمله قابيل
[السُّؤَالُ]
ـ[من قام بقتل نصف العالم، فهل هو قابيل أم هابيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على أن أيا من قابيل أو هابيل كان قد قام بقتل نصف العالم، وإنما الوارد أن أي نفس قتلت ظلماً يكون على من سن سنة القتل كفل منها، فقد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل. متفق عليه.
وابن آدم القاتل هو قابيل، والمقتول هو هابيل، جاء في شرح النسائي للسيوطي: لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول هو قابيل الذي قتل أخاه هابيل.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1428(11/20818)
حكم إنقاذ الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي كالتالي: هل يجوز للمرأة بأن تقدم الإسعافات الأولية للرجال بنفخها في فم الرجل, حصلت مثل هذه الحالة في الشارع حيث لم يكن هناك من يساعد رجل مريض أغمى عليه إلا امرأة وإلا كان قد هلك. ماحكم الشرع في ذالك؟ مع العلم بأن المرأة مسلمة والرجل كافر؟
وجزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم إنقاذ المرأة رجلا مريضا عن طريق التنفس الصناعي في الفتوى رقم: 25149، وبه يعلم جواز هذا الأمر عند الضرورة، فإن كان هذا الكافر غير حربي فهو معصوم الدم ويشرع علاجه؛ كما يشرع علاج المسلمين. وراجع الفتوى رقم: 42807، مع إحالاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1427(11/20819)
أخلاق وسلوكيات المسلمين في حربهم مع الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما هي أخلاقنا الحربية التي علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحرب المشروعة في الإسلام هي الجهاد، ومقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.
ولهذا، فإن للمسلمين أخلاقا وسلوكيات في حربهم مع الكفار، منها: أن من لم يكن من أهل المقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمِن فلا يقتل عند جمهور العلماء؛ إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. قال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {البقرة:190} وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس، فقال: ما كانت هذه لتقاتل. وقال صلى الله عليه وسلم لأحدهم: الحق خالدا فقل له: لا تقتل ذرية ولا عسيفا. رواه أحمد وابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. رواه أبو داود.
وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ {البقرة: 217} . أي القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه.
ومن أخلاق المسلمين في حربهم مع الكفار ما رواه مالك في موطئه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان -وكان أمير ربع من تلك الأرباع- ثم قال له: وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن. اهـ.
ومن أخلاق المسلمين في الحرب أنهم إذا أسروا من الكفار فإنهم لا يمثلون بهم، قال في شرح الموطأ:.... وأما بعد أسرهم والتمكن منهم فلا ينبغي أن يمثل بهم ولا يعبث في قتلهم، ولكن تضرب أعناقهم، إلا أن يكونوا قد فعلوا بالمسلمين على وجه التمثيل، فيعمل بهم مثله. قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ {النحل: 126} . وانظر الفتوى رقم: 17294.
وكذلك فإن من أخلاق المسلمين أنه إذا كان بينهم وبين الكفار عهد وهدنة وميثاق على ترك القتال فإنهم يلتزمون الوفاء بموجب العهد حتى تنتهي مدته. ولكن إذا خاف المسلمون من الكفار الخيانة ونقض العهد بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة، فإن المسلمين لا يعاملونهم بالمثل، فلا يغدرون بهم، ولا ينقضون العهد معهم، بل يخبرونهم بعدم استمرار العهد بين الطرفين حتى يستوي علمهما بذلك. قال تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال: 58} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(11/20820)
المنجنيق.. وضرورة إعداد القوة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني المحترمين أنا أريد معلومات عن أداة السلاح القديمة والتي تعرف باسم (المنجنيق) وإذا تكرمتم علينا ضعوا عدة مواضيع على الشبكة تحتوي على الأسلحة زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وغيرها من الأسلحة القديمة مع مرافقتها بالصور إذا وجدت. وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمنجنيق سلاح فتاك شديد النكاية بالعدو تقذف منه الحجارة وقطع الحديد والمواد المحرقة ... فتهدم المباني والحصون والأبراج، وتحرق المعسكرات..
وهو أشبه بسلاح المدفعية الحديثة.
ولم يكن العرب في الجاهلية يستخدمونه، وأول من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حصار مدينة الطائف سنة ثمان للهجرة بعد فتح مكة وهوازن ...
وقد أخذه المسلمون عن الرومان وطوروه، كما هو الحال في كثير من الأسلحة وخطط الحرب والصناعة والزراعة، أخذاً بقول الله تبارك وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (الأنفال: من الآية60) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها. رواه الترمذي وابن ماجه.
وكان المنجنيق في بداية أمره على هيئة الشادوف الذي تسقى به الزراعة، وهو عبارة عن رافعة، محور الارتكاز فيها في الوسط، والقوة في ناحية والمقاومة في ناحية أخرى، على أن يكون ثقل الحجارة هو المحرك له، بحيث إذا هوى الثقل ارتفع الشيء المرمي في كفته، وبمرور الزمن تطور المنجنيق وشملت التحسينات كل أجزائه، ومن الأسلحة الجماعية: الدبابة ورأس الكبش وسلم الحصار.
ومن الأسلحة الفردية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم: السهم والقوس والرمح والسيف والخنجر والحربة والفأس والدبوس ... أ. هـ بتصرف من ملحق السيرة النبوية. د/ علي فاعور.
وعلى المسلمين اليوم أن يطوروا وسائل دفاعهم ... ويستخدموا في ذلك كل أسلحة العدو ويطوروها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون.
وكما أمرهم الله عز وجل بقوله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان: قاتلهم بما يقاتلونك به.
وما ضاع المسلمون يوم ضاعوا إلا عندما تخلوا عن مهمتهم الرئيسية وقيادتهم للبشرية ببعدهم عن دينهم الذي يفرض عليهم العمل والسبق في كل مجالات الحياة.
ولن تقوم لهم قائمة إلا بالعودة إلى الله تعالى والتمسك بهذا الدين الذي أعزهم الله به، ومهما ابتغوا العزة بغيره أذلهم الله كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(11/20821)
أداء الخدمة العسكرية
[السُّؤَالُ]
ـ[فما حكم الدخول إلى الجيش لأداء الخدمة العسكرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدخول إلى الجيش لأداء الخدمة العسكرية يباح إذا كان لا يؤدي إلى شيء غير مباح، ويحظر إذا كان يحمل على فعل الحرام، وقد يجب إذا تعين وسيلة إلى دفاع شرعي ونحو ذلك، والأمور تبع لمقاصدها ولما تؤدي إليه أو تحمل عليه.
فإذا كان أداء الخدمة العسكرية سيؤدي إلى ارتكاب الشخص المحرمات جبراً عليه ولا يستطيع رفض ذلك كحلق اللحية وما في معناه فإنه يحرم؛ لما في الصحيحين من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وإن كان لا يؤدي إلى أية مخالفة فإنه يكون إما مباحا أو واجبا حسب تعينه وعدم تعينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(11/20822)
الجهاد الألكتروني
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ما حكم الجهاد الألكتروني الذي فيه إضعاف لشبكات الأعداء وتخريبها وتدميرها؟
2-هل يجوز العمل عند الأعداء في أعمال تساعدهم
على تثبيتهم وتقويتهم كالعمل في المستوطنات
علما بأنه لا يوجد أعمال أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن وجد شبكة من الشبكات التي تستخدم في محاربة الإسلام وأهله ونشر الرذيلة بينهم، وجب عليه أن يسعى أولاً في نصح أصحابها وحضهم على الكف عما يقومون به، فإن استجابوا فذلك المراد، وإن لم يستجيبوا وتمادوا فيما هم فيه من غي وعدوان فعليه أن يبذل وسعه في تغيير ما يقومون به من منكر، ولو أدى ذلك إلى تخريب الموقع المذكور، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"
وأما ما يتعلق بالعمل مع الكفار في بناء مستوطنات في أراضي المسلمين فلا يجوز، وقد سبق تفصيله في الفتوى رقم:
5270
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(11/20823)
حكم أخذ الأجرة للمجاهد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمجاهد أخذ الأجر للمشاركة في الجهاد إذا كان صادقا في نيته. وهل هذايؤثر في أجره في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قبول الغازي لنفقة الغزو تطوعاً جائز، ولا ينافي حصول الأجر للغازي، لما رواه الشيخان عن زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا" زاد في رواية ابن ماجه " من غير أن ينقص من أجر الغازي شيء".
وأما أخذ الجعل على الغزو فقد ذهب بعض أهل العلم إلى حرمته، لما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي" قال المناوي: معنى للجاعل أي: مجهز الغازي تطوعاً لا استئجاراً، لعدم جوازه وقال ابن الملك: الجاعل من يدفع جعلاً أي أجرة إلى غاز ليغزو، وهذا عندنا صحيح، فيكون للغازي أجر سعيه، وللجاعل أجران: أجر إعطاء المال في سبيل الله وأجر كونه سبباً لغزو ذلك الغازي.
والذي عليه أكثر أهل العلم أنه يكره أخذ الجعل على الجهاد مادام للمسلمين فيء لأنه لا ضرورة إليه، وفصل الإمام أحمد فقال: بعدم صحة ذلك لمن تعين عليه الغزو فقط، وأجازه لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1422(11/20824)
حكم من قتل في الجهاد وهو تارك للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ إذا شخص لا يصلي استشهد في سبيل الله ما هو الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أول ما يحاسب به العبد بصلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه النسائي وغيره وقال صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وهذا في حكم من علم وجوب الصلاة وحرمة تركها فتركها.
وعلى ذلك فمن جاهد وهذا حاله لم ينفعه جهاده، لانتقاض إسلامه بتركه الصلاة، وقد يجاهد الرجل في سبيل الله، غير قائم بفرض الصلاة، لجهله بوجوبها، فهذا مثاب على جهاده، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبَ. حَتَّى لاَيُدْرِي مَاصِيَامٌ وَلاَ صلاةٌ وَلاَ نُسُكٌ. وَلاَ صَدَقَةٌ. وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي لَيْلَةٍ. فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ أيَةٌ. وَتَبْقَى طَوَائِفَ مِنَ النَّاسِ، والشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ. يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هذِهِ الْكَلِمَةِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. فَنَحْنُ نَقُولُهَا" فَقَالَ لَهُ صِلَةُ -رجل كان حاضراً عند حذيفة- مَا تُغْنِي عَنْهُمْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صلاةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاَثاً. كُلَّ ذلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَاصَلَةُ! تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. ثَلاَثاً.
قال في الزوائد: إسناده صحيح. رجاله ثقات. رواره الحاكم وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم.
فهؤلاء فهموا وجوب شرائع الإسلام عليهم، ولم يعملوا إلا بما بلغهم عن آبائهم من أمر هذا الدين، فعملوا به فكان في ذلك نجاة لهم. وعلى هذا فمن جهل شريعة من الشرائع وكان حديث عهد بإسلام، أو عاش في بادية بعيدة، أو تسلط عليه الكفار وفرضوا عليه جهلاً بدينه لا يستطيع عنه فراراً، فهذا إن جاهد أو عمل ما يستطيع عمله كان مثاباً مأجوراً على ما استطاع من عمل، معذوراً فيما جهل، وأمره إلى الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1421(11/20825)
توضيح حول الأسرى والسبي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤالان من سئين.
الأول: ما مفهوم السبي في الإسلام؟ هل كل النساء في المدينة التي فتحت سبايا؟ وكيف كان الحال في الأندلس عندما فتح موسى بن نصير المدن التي تعدادها مئات الألوف؟ ومن المؤكد أن كل هذا العدد لم يكن سبيا.
ثانيا: كان النصارى سابقا في بلادهم مضطهدون ويدفعون الضرائب ومستملكين في أرضهم أي كانوا فقراء وبدون حرية، فكان الفاتحون يجدون في ذلك عونا لهم وكانت الشعوب تدخل في الإسلام وترحب بالفتح
أما اليوم فالشعب الأوربي عنده من الترف المادي والتكنلوجي وحرية مطلقة في السلوك والتصرف
وحقوقه ـ وحتى حقوق الحيوان ـ مصانة والأمان متوفر بشكل غير مسبوق، فلو افترضنا اليوم وجود دولة إسلامية ونحن الآن على مشارف فتح دولة أوربية، فكيف سيقابل المسلمون شعوب تلك الدولة؟.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى بالمسلم أن يشتغل بما يعنيه من أحكام دينه، وأن يستثمر وقته وهمته في طلب ما ينفعه من العلم فإن المقصود من العلم هو العمل، وما لا ينبني عليه عمل، لا يحسن البحث عنه، ومن ذلك المسائل المتعلقة بالسبي والاسترقاق، فإنه ليس لها كبير فائدة في العصر الحالي وانظر الفتوى رقم: 122478.
وبخصوص مفهوم السبي في الإسلام، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: السبي والسباء لغة: الأسر، يقال: سبى العدو وغيره سبيا وسباء: إذا أسره، فهو سبي على وزن فعيل للذكر والأنثى سبي وسبية ومسبية، والنسوة سبايا، وللغلام سبي ومسبي.
أما اصطلاحا: فالفقهاء في الغالب يخصون السبي بالنساء والأطفال، والأسر بالرجال، ففي الأحكام السلطانية: الغنيمة تشتمل على أقسام: أسرى، وسبي، وأرضين، وأموال، فأما الأسرى فهم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بهم أحياء، وأما السبي فهم النساء والأطفال.
وفي مغني المحتاج: المراد بالسبي: النساء والولدان.
ومما سبق يتبين أن السبي لا يشمل كل نساء البلاد المفتوحة وإنما يطلق على من أسرهم المسلمون في غنائمهم من النساء والأطفال، ومن ذلك فتح الأندلس، فلم يكن السبي ليشمل كل نساء مدنها عددا.
وقد كان فتح الأندلس على يد القائد طارق بن زياد، وقد شارك موسى بن نصير في فتح بعض مدنها في وقت لاحق، كما قام بفتح بلاد المغرب، وانظر الفتويين رقم: 26203، ورقم: 97084.
ثانيا: الإسلام كله أنوار ومحاسن، ولا تنحصر رسالته في رفع الاضطهاد عن الأمم فقط، بل هي رسالة شاملة، ورحمة واسعة، جاءت لإخراج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وانظر الفتاويين رقام: 29786، ورقم: 20818.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(11/20826)
موقف الشرع من اعتقال المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في اعتقال الإخوة المسلمين والوظيفة بالواسطة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعتقال المسلم لا يخلو من أحد احتمالين:
الأول: أن يكون من كافر، أو من يريد تسليمه إلى كافر، وهذا لا يجوز إقراره، بل يجب على المسلمين تخليصه إن قدروا.
قال زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله في روضة الطالب: وإن أسروا مسلمة وأمكن أحدا تخليصها لزمه، ومثلها المسلم.
وقال صاحب كشاف القناع وهو من الحنابلة: وفرض الكفاية ما قصد حصوله من غير شخص معين، فإن لم يوجد إلا واحد تعين عليه كرد السلام ... إلى أن قال: وفك الأسرى.
الثاني: أن يكون من حاكم مسلم، وهذا لا يخلو أيضا من أحد احتمالين:
أولهما: أن يكون حبسه بحق تعزيراً له أو دفعا لمفسدته، وهذا لا يجوز لأحد مخالفته.
ثانيهما: أن يكون حبسه ظلما بغير حق، وهذا لا يجوز السكوت عليه لمن كان عالما أنه مظلوم، وقادرا على تخليصه من المظلمة الواقعة عليه شريطة أن لا يؤدي ذلك إلى منكر أكبر من ذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقوله: لا يسلمه، أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجبا، وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال. انتهى.
وفي لفظ لمسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله
قال النووي رحمه الله: الخذل ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي. انتهى.
وأما الوظيفة بالواسطة، فإن كان المتقدم للوظيفة أهلا لها، ولم يكن في استعانته بالواسطة تعدٍّ على حقوق مسلمين كانوا قد سبقوه إلى طلبها وهم أحق بها، إذا كان كذلك فلا بأس من الاستعانة بالواسطة، وأما إذا وجد أحد هذين المحذورين فلا تجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(11/20827)
فك الأسير المسلم واجب من واجبات المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
فضيلة الشيخ هل يجوز أن يدفع المسلم ثمنا كثيرا إلى شرطة الشيوعين لفك المسلم المحبوس عن السجن وقد يعود هذا بنتيجة أحيانا وبغير نتيجة أحيانا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فك الأسير المسلم وتخليصه من أيدي الكفار واجب من واجبات المسلمين، قال خليل بن إسحاق في مختصره في سياق ذكر الفروض الكفائية "وفك الأسير" قال الخرشي شارحاً لكلام خليل: يعني أن فك الأسير المسلم من أيدي العدو فرض كفاية ولو بجميع أموال المسلمين.
ومن المعروف أن فرض الكفاية إذا لم يقم به البعض أثم الجميع، وعليه فدفع مبلغ كبير إلى من بيده وتحت قهره مسلم أسير لفكه وتخليصه من أسره ليس بجائز فقط بل هو واجب من واجبات المسلمين، وإذا لم يقم به بعضهم أثموا جميعهم بتركه.
أما كون دفع المال لتخليص الأسير يعود بنتيجة في بعض الأحيان وفي بعضها لا تكون له نتيجة، فهذا يرجع فيه إلى الغالب على الظن من الفائدة المترتبة على دفع المال وعدمها، فإن غلب على الظن أو تحقق أن دفع المال لا يفيد لم يدفع لهم لوجوب حفظ المال، أما إذا تحقق أو ظن بل ولو شك في النتيجة فإنه يدفع لهم رجاء تخليص المسلم وتقديما لحقه وحرمته على حفظ المال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(11/20828)
هل يجوز للأسير أن ينتحر لتعرضه للتعذيب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إقدام المسلمين الأسرى على الانتحار يجيزه الشرع نظرا لما يتعرضون له من تعذيب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للأسرى المسلمين الإقدام على الانتحار بحجة تعرضهم للتعذيب، لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" متفق عليه.
فدل الحديث على أن قتل الإنسان نفسه من أعظم الكبائر.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، فقال لرجل ممن يدعى بالإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفاً إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالاً شديداً، وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جرح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
فهذا الرجل لم يتحمل، ولم يصبر على ما أصابه من ألم الجراح فقتل نفسه، فدخل النار ولم يشفع له جهاده وبلاؤه في سبيل الله، فدل ذلك على تحريم قتل النفس مهما بلغ الإنسان من الألم والضرر، فالواجب الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، فإنما هي لحظات فإما فرج من الله في الدنيا أو موت يخلص المؤمن بعده إلى جنة الله تعالى التي تنسي من دخلها كل بؤس وشقاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" أخرجه مسلم.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر وهم يعذبون فيقول لهم: صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(11/20829)
أوجه معاملة النبي عليه الصلاة والسلام للأسرى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل بأسرى الحرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسرى أنه كان يحث على إكرامهم والإحسان إليهم، مقتدياً بهدي القرآن: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان:8] . وقد ورد عنه في ذلك حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فكوا العاني وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض". رواه البخاري.
وأسرى الحرب على قسمين:
الأول: النساء والصبيان والشيوخ غير القادرين على القتال، والذين لا رأي لهم في الحرب.
الثاني: الرجال البالغون المقاتلون.
وقد جعل الإسلام للحاكم فعل الأصلح بين أمور ثلاثة في أسرى الرجال البالغين المقاتلين: المنُّ أو الفداء أو القتل.
والمن هو: إطلاق سراحهم دون مقابل.
والفداء قد يكون بالمال، وقد يكون بأسرى من المسلمين، ففي غزوة بدر كان الفداء بالمال، وروى أحمد والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل.
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد:4] .
وروى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراح الذين أخذهم أسرى، وكان عددهم ثمانين، وكانوا قد هبطوا عليه وعلى أصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم.
كما أنه يجوز له قتل الأسير إذا كانت المصلحة تقتضي قتله، كما ثبت أنه قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر، وقتل أبا عزة الجمحي يوم أحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(11/20830)
ملك اليمين ... معناه ... وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ (إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانكم) ما المقصود بجملة ما ملكت أيمانكم في عصرنا الحالى وما حكمه. وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصواب في لفظ الآية كما وردت في القرآن هكذا: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6] ، [المعارج: 30] .
وملك اليمين: هم الأرقاء المملوكون لِمن ملكهم عبيداً، ذكوراً أو إناثاً.
والمقصود بقوله (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) : النساء مِن الرقيق، وهنّ الإماء، إذ يحقّ لمالكهنّ أن يطأهنّ مِن غير عقد زواج، ولا شهود، ولا مهر، فهنّ لسن أزواجاً، فإذا جامعهن سُمّيْنَ (سراري) جمع: سُرّية.
وقد انتهى الرق تقريباً في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة، وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه، كالجهاد بين المسلمين والكفار، فإن نساء الكفار المحاربين سبايا تنطبق عليهن أحكام الرق، وملك اليمين، وإن أبطلته قوانين أهل الأرض. وما لم توجد هذه الأسباب الشرعية، فالأصل أن الناس أحرار.
قال ابن قدامة في المغني: الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض، فله حكم الأصل.
وقال صاحب فتح القدير: والحرية حق الله تعالى، فلا يقدر أحد على إبطاله إلا بحكم الشرع، فلا يجوز إبطال هذا الحق، ومن ذلك لا يجوز استرقاق الحر، ولو رضي بذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1422(11/20831)
حكم ملك اليمين وشروط معاشرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسمح الإسلام بمعاشرة الجارية جنسياً دون زواج. وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الإنسان الحرية لا الرق، وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن اللقيط إذا وجد ولم يعرف نسبه يكون حراً، وإن احتمل أنه رقيق. قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن اللقيط حر. وقال صاحب الشرح الكبير: (فإن الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم العارض، فله حكم الأصل) .
والجارية هي الأمة المملوكة بملك اليمين، ويدخل الإنسان في ملك اليمين بواحد من ثلاثة:
1- استرقاق الأسرى والسبي من الأعداء الكفار، فلا يجوز ابتداء استرقاق المسلم، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق، لأن الاسترقاق يقع جزاء لاستنكاف الكافر عن عبودية الله تعالى، فجازاه بأن يصير عبد عبيده.
2- ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق، سواء أكان أبوه حراً أو عبداً.
3- الشراء ممن يملكها ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً، وكذا الهبة والوصية، وغير ذلك من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر، ولو كان البائع أو الواهب كافراً ذمياً أو حربياً فيصح ذلك، وقد أهدى المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين فتسرى بإحداهما، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت رضي الله عنه.
فإذا علم ذلك: فاعلم أن الاستمتاع بالجارية بالوطء أو مقدماته لا يكون مشروعاً، إلا أن تكون مملوكة للرجل الحر ملكاً تاماً كاملاً، وهي التي ليس له فيها شريك، وليس لأحد فيها شرط أو خيار، ويشترط ألا يكون فيها مانع يقتضي تحريمها عليه، كأن تكون أخته من الرضاعة، أو موطوءة فرعه أو أصله، أو تكون متزوجة، أو أختاً لأمة أخرى يطؤها، أو مشركة غير كتابية. فإذا استوفت ذلك كله جاز له وطؤها بملك اليمين لابعقد الزوجية.
والجارية التي يتخذها سيدها للوطء تسمى سرية، فإذا حبلت من سيدها وأتت بولد ـ ولو سقط ـ سميت أم ولد، وعتقت بعد موت سيدها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1421(11/20832)
يمكن أسر نساء الكفار في الحرب معهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يسمح بأخذ النساء في الحروب كأسرى أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: الحرب في الإسلام على نوعين: النوع الأول ما يقوم بين المسلمين أنفسهم وذلك إذا حدث بغي أو عدوان من طائفة مسلمة على المسلمين أو إذا امتنعت طائفة عن تأدية شعيرة من شعائر الإسلام كمنع الزكاة أو غيرها فالطائفة الأولى تقاتل وأما الطائفة الثانية فإنها تستتاب أولاً فإن أبت قوتلت وكلتا الطائفتين لا تقتل نساؤها ولا يؤخذن بحال. النوع الثاني هو ما يقوم بين المسلمين والكفار وانتصر المسلمون فتتم معاملة نساء الكفار كالتالي: 1. لا يقتلن إلا إذا كن مقاتلات. 2. يؤخذن على أنهن من السبايا ويلحقهن الرق. والله تعالى الموفق للصواب.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20833)
حكم السعي في إخراج المتسبب في فعل الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن شركة تعمل في الشحن جاء رجل صيني وفتح شركة منافسة لنا وسبب لنا خسائر كبيرة وهو شركة وهمية لا يدفع ضرائب ولا مرتبات ولا أي التزام، أرجو الإفادة هل العمل على مغادرته البلاد حلال أم حرام؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل يرتكب مخالفات للشروط التي منح على أساسها تأشيرة الدخول ورخصة العمل بغير وجه حق فلا حرج في الإبلاغ عنه، والسعي في إخراجه من البلد ما دام لا يلتزم بلوائح العمل المنظمة له مما يسبب ضرراً على أهل البلد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(11/20834)
العموم في آية: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين.. مخصص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر أهل الكتاب مشركين؟ وإن كانوا كذلك فلم لم يطبق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عليهم أحكام الآية الخامسة من سورة التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أهل الكتاب يعتبرون من المشركين؛ ولكن لهم أحكام تخصهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل من عبد غير الله تعالى أو أشرك معه غيره في العبادة يعتبر مشركا، ولذلك فإن أهل الكتاب يعتبرون مشركين لأنهم يعبدون مع الله تعالى غيره من الأنبياء والأحبار والرهبان.
كما قال تعالى في شأنهم: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. {التوبة:31} .
وهم يختلفون عن المشركين من عبدة الأوثان والأصنام الذين ليس لهم كتاب سماوي، فقد أباح الإسلام مناكحتهم وأكل ذبائحهم وأخذ الجزية منهم.
والآية المشار إليها قال عنها أهل التفسير: إنها جاءت في سياق إعلان الحرب العامة على المشركين تطهيرا لأرض الجزيرة التي هي دار الإسلام وحوزته من بقايا الشرك والمشركين.
فقال تعالى لرسوله والمؤمنين: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ {التوبة:5}
قال ابن العربي في أحكام القران: هذا اللفظ وإن كان مختصا بكل كافر بالله وعابد للوثن في العرف، ولكنه عام في الحقيقة لكل من كفر بالله، أما أنه بحكم قوة اللفظ يرجع تناوله إلى مشركي العرب الذين كان العقد لهم وفي جنسهم، ويبقى الكلام فيمن كفر من أهل الكتاب غيرهم فيقتلون بوجود علة القتل وهي الإشراك فيهم، إلا أنه قد وقع البيان بالنص عليهم في هذه السورة. انتهى.
يعني بذلك قول الله تعالى: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. {التوبة:29}
فما جاء في الآية من قتال المشركين عام في كل مشرك، ولكن هذا العموم مخصص بقول الله تعالى في أهل الكتاب: حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. {التوبة:29}
قال الشوكاني في فتح القدير: يخصص منها أهل الكتاب. انتهى.
وبالسنة في النهي عن قتال النساء والرهبان والأطفال.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 2924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1429(11/20835)
حكم ما يستولي عليه الشخص من أموال الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال يحيرني
أنا عملت مع مؤسسة يهودية للتطوع كل أسبوع ساعتين في قريتي العربية وعلى كل ساعة مبلغ معين. أنا سجلت متأخرة فقال لي المسؤول في المدرسة سجلي كأنك كنت من البداية فسجلت والنقود التي أخذتها منهم لا أعرف ماذا أفعل ببقية النقود التي أخذتها على ساعات لم أعملها هل هي حلال علي؟ لان هذا المشروع فقط للطلاب في المعاهد وهي كمنحة؟ هل يجوز أن أعطيها أمي التي تجمع المال لأخي الذي يريد أن يتزوج وليس لديه مال كاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا ندري تصنيف هذه المؤسسة هل هي مؤسسة محاربة تجعل من العمل التطوعي ستارا لما تقوم به من مكر، وبالتالي فهي مؤسسة محاربة يعامل القائمون عليها كما يعامل الكافر المحارب، أم هي مؤسسة مسالمة فتعامل بالبر والإحسان والوفاء بمقتضى قول الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {المتحنة: 8-9} فإذا كانت مؤسسة محاربة غير مستأمنة فلا حرمة لأموالها، وما أخذت منها فأنت تختصين به فلك تملكه وإعطاؤه لمن شئت، فقد قسم العلماء ما يستولى عليه من أموال الكفار إلى غنيمة وفيء ومختص، وهذا من المختص الذي يختص به صاحبه، وقيل يخمس.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: وما غنمه العبيد والصبيان والنساء لا يكون غنيمة ويختص بهم، وقيل يخمس.
أما إذا كانت مسالمة أو مستأمنة فلا يجوز أخذ مالها إلا على وجه شرعي، ومن أخذه على غير وجه شرعي وجب عليه أن يرد إليها ما أخذ، فإن تعذر عليه رده إليها صرفه في أحد وجوه البر. وبناء على هذا، فإن كانت المؤسسة من النوع الأول فالمال مالك، وإن كانت من النوع الثاني وتعذر إرجاعه إليها فلك صرفه إلى أخيك إذا كانت نفقته غير واجبة عليك.
علما بأنه إذا كان المسؤول الذي قال لك سجلي كما لو كنت قد بدأت مع الطلاب مخولا من جهة العمل بمثل هذا التصرف فلا حرج عليك فيما أخذت مقابل الوقت الذي لم تحضري فيه.
وللمزيد تراجع الفتويان: 20632، 110317.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(11/20836)
القسط والبر لأهل الكتاب المسالمين؛ بخلاف المحاربين
[السُّؤَالُ]
ـ[سادتي الكرام، أرجو منكم توضيح لبس يقع فيه الكثيرون بين مسلمين وغير مسلمين في خصوص تفسير الآية 29 من سورة التوبة والتي يدّعي أعداء الإسلام أنها دليل على عدم احترام الإسلام لغير المسلمين وأنه يجوز لنا أن نذلهم ونقسو عليهم. فهل يجب علينا كمسلمين أن نفهم من هذه الآية ومن تفسيرها حسب تفسير ابن كثير وخاصة قوله "فَلِهَذَا لَا يَجُوز إِعْزَاز أَهْل الذِّمَّة وَلَا رَفْعهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُمْ أَذِلَّاء صَغَرَة أَشْقِيَاء".. هل يعني هذا أنه علينا أن نعامل غير المسلمين في بلادنا باحتقار ونسيء إليهم؟؟ كيف يمكن أن نوفق بين هذا التفسير الذي يُفهم منه الأمر بالإساءة لأهل الذمة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من آذى ذميا فقد آذاني.." الحديث، وقوله أيضا "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" الحديث.. كيف يمكن التوفيق بين هذين المعنيين المختلفين وكيف يجب أن نفهم الآية 29 من سورة التوبة وخصوصا تفسيرها؟؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك إلى أنه لا يوجد جرم أعظم من شرك العبد بربه الذي أسبغ عليه نعمه التي لا تحصى، فقد خلقه في أحسن صورة وجعله من الآدميين الذين كرمهم وفضلهم، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ. {الانفطار:6-8} . وقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا. {الإسراء:70} . وقال: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً. {لقمان: 20}
فإذا بدل العبد شكر هذه النعم بالشرك وتكذيب الوحي فإنه أصبح شر الخلائق؛ كما أخبر سبحانه وتعالى عنه في قوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون. {الأنفال:55} . وقال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. {لقمان:13} .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك. متفق عليه.
وأما الآية التي ذكرت فهي في التعامل مع الكفار المحاربين، أما إذا كانوا ذميين أو معاهدين فإن العلاقة معهم يجب أن يكون أساسها البر إليهم والعدل معهم والإنصاف لهم.
فقد أمر الشارع بالإحسان لأهل الذمة وحسن معاملتهم، وحرم أشد التحريم ظلمهم والبغي عليهم، فقد حثّ القرآن على القسط والبر بأهل الكتاب المسالمين الذين لا يعتدون على المسلمين، فقال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. {الممتحنة:8} ، والبر أعلى أنواع المعاملة، فقد أمر الله به في باب التعامل مع الوالدين، وهو الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بقوله: البر حسن الخلق. رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجي جه يوم القيامة. أخرجه أبو داود والبيهقي وحسنه الألباني.
وأما مسألة (الجزية) فقد كانت غاية للقتال ولذا عبر عنها بحتى الغائية في قوله: حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. {التوبة:29} ، ومعنى الصغار هنا ليس التحقير والإذلال وإنما معناه حتى يعطوا الجزية عن طاعة وإذعان للإسلام، ودلالة ذلك دفع هذا المبلغ الزهيد الذي يعبر عن إذعانهم لسلطان الدولة وهو دينار واحد عن البالغ المتكسب. فعن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم -يعني محتلما- دينارا أو عدله من المعافر ثياب تكون باليمن. رواه أبو داود وقال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي مقابل الجزيه تقوم الدولة بحمايتهم والدفاع عنهم، والكفالة المعيشية للعاجزين منهم، كما فعل سيدنا عمر حين فرض ليهودي محتاج ما يكفيه وعياله من بيت مال المسلمين. فمعنى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ. أي وهم خاضعون لسلطان الدولة منقادون لها غير خارجين عليها لأن تشريع أي دولة وقانونها هو سلطان فوق الجميع مهما اختلفت الأديان أو الأيديولوجيات.
قال ابن القيم في كتابه (أحكام أهل الذمة) : والصواب في الآية أن الصغار هو التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم وإعطاء الجزية، فإن التزام ذلك هو الصغار. اهـ
فدل هذا على أن الأمر بالصغار الوارد في قوله: وهم صاغرون.، لا يتنافى مع ما رأيناه في نصوص الوحي من وجوب البر والعدل، وحرمة الظلم والعنت، وهو ما فهمه علماء الإسلام، ففسره الشافعي وغيره بأن تجري عليهم أحكام الإسلام، أي العامة منها، فالجزية علامة على خضوع الأمة المغلوبة للخصائص العامة للأمة الغالبة.
وفسره التابعي عكرمة مولى ابن عباس بصورة دفع الجزية للمسلمين، فقال: أن يكونوا قياماً، والآخذ لها جلوسا ً، إذ لما كانت اليد المعطية على العادة هي العالية، طلب منهم أن يشعروا المعطي للجزية بتفضلهم عليه، لا بفضله عليهم.
يقول القرطبي في تفسيره: فجعل يد المعطي في الصدقة عليا، وجعل يد المعطي في الجزية سفلى، ويد الآخذ عليا.
وقال ابن القيم: لما كانت يد المعطي العليا ويد الآخذ السفلى احترز الأئمة أن يكون الأمر كذلك في الجزية وأخذوها على وجه تكون يد المعطي السفلى ويد الآخذ العليا.اهـ
واعلم أن الذمة معناها الضمان والعهد، أي أنهم في ضمان الله ورسوله وجماعة المسلمين وعهدهم، لا يجوز دينا إخفار ذمتهم، أو نقض عهدهم المؤبد، الذي يصون حرماتهم، ويحفظ دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم. والأصل في ذلك هو القاعدة التي يتناقلها المسلمون خاصتهم وعامتهم: لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
واعلم أن حديث: من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة. رواه الخطيب وأعله وقال: حديث منكر بهذا الإسناد، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وقال أحمد: لا أصل له، وفيه داود الظاهري، قال الأزدي: تركوه. وفيه عباس بن أحمد الواعظ، قال في الميزان: إنه غير ثقة. كذا قال البيروتي في أسنى المطالب.
وقال ابن القيم في المنار: ومن الأحاديث الباطلة حديث: من بشرني بخروج نيسان ضمنت له على الله الجنة، وحديث من آذى ذميا فقد آذان ي. اهـ
وقال الألباني في غاية المرام: من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. لا أصل له بهذا اللفظ.
وبهذا تعلم أن ما ذكر ابن كثير ليس متفقا عليه.
وقد سبقت لنا فتاوى عديدة حول ضوابط التعامل مع الكفار، فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1367، 3681، 1724، 20632، 3308.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1428(11/20837)
أخذ أموال الدولة الكافرة.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أحمل جنسية بلد أوروبي. هل يجوز لي أن آخذ أموالهم بغير رضاهم إذا لم أكن مقيماً معهم.. أعني أغادر بلادهم بشكل مؤقت أو دائم ثم آخذ أموالهم وأنا خارج بلادهم بغير رضاهم وبالخديعة..... وبعد ذلك أعود أو لا أعود إلى بلادهم التي أنا أحمل جنسيتها.... العهد بيني وبينهم هل ينتهي بمغادرتي بلادهم ولو مؤقتا أم أن العهد يبقى لأني أحمل جنسيتهم حتى لو تركت بلادهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أخذ أموال الدولة الكافرة بغير رضاهم وسواء كان بطريق الغش والخداع والكذب أو غير ذلك، ويحرم فعل شيء من ذلك، ويستوي في هذا التحريم من يحمل جنسيتهم والمقيم والزائر ومن كان خارج أراضيها ما دام بينه وبينهم أمان.
ويتأكد التحريم في حق من يحمل جنسيتهم لأن الميثاق والعهد الذي بينه وبينهم آكد وأوثق من المقيم والزائر، ومن المعلوم أن الدولة لا تعطي جنسيتها إلا بعد التعهد من الشخص بأن يلتزم القوانين ويحترمها ولا يخادع الدولة وغير ذلك، ويترتب على ذلك أن يصير الشخص مواطنا له حقوق على الدولة والتي منها حمايته ورعايته حتى وإن كان خارج أراضيها، وهذا يدل على أن العهد والميثاق ليس خاصا بكونه في بلدهم وأنه لا ينقطع بمجرد إقامته خارج البلد، فاحذر أخي السائل وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا، والمكر والخديعة في النار. رواه ابن حبان والطبراني وصححه الألباني، فلا يجوز تحصيل المال بالغش والمكر والخديعة، وعلى المسلمين في دار الغرب أن يتقوا الله تعالى، وأن لا يشوهوا الصورة الحسنة لدينهم بأفعالهم المخالفة في حقيقتها للشريعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما ما يدل أن على المسلم أن يثبت على الشروط التي تشترط عليه في العقود ولا يتخلف عنها، وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 20632، حول الكذب والسرقة من الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(11/20838)
غش الكافر.. نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الامتحانات عادة ما أنسى قاعدة أو جملة فيذكرني بها زميلي، هل من الممكن أن نقول إن هذا اضطرار أم غش، ما حكم أن أغش من هو ليس من المسلمين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حرمة الغش في الامتحان مطلقاً سواء أكان بالكتابة أو السؤال أو النظر أو غير ذلك من وسائله المتعددة، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2937، 10150، 66275.
كما لا يجوز غش الكافر ولا الكذب عليه ولا سرقة ماله لعموم الأدلة في ذلك, ولحرمة تلك الأفعال على المسلم لذاتها، ولمنافاتها لخلق الإسلام، قال تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة:8} .
وأخرج مالك في موطئه أن ابن رواحة رضي الله عنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لخرص نخل اليهود فقال: يا معشر اليهود, والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي, وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم ... وفي رواية لابن حبان في صحيحه قال ابن رواحة لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي, ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير, ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.
فينبغي للمسلم أن يبرز محاسن دينه, ويجسد ذلك في سلوكه ومعاملاته مع إخوانه من المسلمين ومع غيرهم, وفي ذلك دعوة لهم إلى هذا الدين العظيم. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 20632، والفتوى رقم: 37045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(11/20839)
سرقة برامج الكفار المعاهدين أو المستأمنين حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محاسب وأعمل على تسويق نظام محاسبة أمريكي وهذا النظام متوفر على الانترنت ويمكن شراؤه من الشركة المنتجة بسهولة.
كنت أقوم سابقا ببيع نسخ البرنامج بسعر مخفض وبعد أن عرفت أنه حرام نسخ وبيع ما ليس ملكي أو حقي توقفت عن النسخ والبيع ولكني أتعرض لانتقادات من العديد من الشركات لهذا الموقف.
فمنهم من يقول إنهم أعداؤنا ويجب أن نحاربهم ويغرونني بالمال لأقوم بنسخ البرنامج وإعطائهم إياه مع العلم أن قيمة البرنامج ليست كبيرة أبدا على الشركات بل إنها رخيصة لدرجة أنني اشتريت نسخة لي من الشركة المنتجة.
وأنا لازلت على رأيي بأن بيع ما ليس لي حرام ولكن أحتاج الى أدلة شرعية من القرآن والسنة.
فهل ما يقال بأنهم أعداؤنا ويجب محاربتهم ببيع نسخ البرنامج دون إذن الشركة مع العلم بأن الشركة تعلم بأن نظامها مسروق على مستوى عالمي بحجة محاربتهم لنا وبالتالي يجب أن نحاربهم بأن نسرقهم؟؟
أحتاج إلى إقناع الآخرين.
والله ولي التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص أهل العلم على أن للمؤلف أن يمنع غيره من التصرف في إنتاجه دون إذنه، وقد ورد في إجابة للجنة الدائمة للإفتاء قولها: إنه لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه الحاكم وصححه السيوطي. ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه. أخرجه الدارقطني. وقوله صلى الله عليه وسلم: من سبق إلى مباح فهو أحق به. رواه أبو داود وصححه الضياء المقدسي. وإذا تقرر هذا فاعلم أنه يستوي فيه المسلم والكافر الذي له مع المسلمين عهد أو ذمة؛ لما ورد في قول الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا {الإسراء: 34} ولأنه لا خلاف بين علماء المسلمين في أن سرقة أموال الكفار المعاهدين أو المستأمنين حرام، وراجع لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 20632.
ولا يبيح سرقة برامج هذه الشركات كونها تعلم أنها مسروقة على مستوى عالمي طالما أنها لا تأذن في نسخها واستخدامها في الأغراض التجارية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(11/20840)
التحذير من أكل المال بالباطل ولو من غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل شخص في دولة كافرة رسالة إلى صديق لي يخبره بأنه يعمل في مؤسسة تابعة لحكومة بلده وتختص بتركات الأموات وبحث إعلام الوراثة لتحديد الورثة وتسليم كل منهم حصته في التركة، وإذا لم يستطيعوا تحديد أي وريث تظل أموال التركة محفوظة في هذه المؤسسة لحين تقدم أي شخص يثبت أنه من المستحقين للتركة فتصرف إليه، ويظل الحال كذلك لمدة ثماني سنوات فإن لم يتقدم أحد يؤول المال إلى الحكومة، ويقول هذا الشخص لصديقي في رسالته إن هناك مبلغا يخص أحد الأموات ولم يتقدم أحد لطلبه وباق على انقضاء مدة الثمانية أعوام بضعة أشهر ويؤول المال إلى حكومة هذا البلد، وعرض على صديقي أن يرسل له بياناته وسوف يقوم المحامي من هناك بتولي الأمر ليثبت أن صديقي من المستحقين للتركة، وعند إثبات ذلك سيتم تحويل المبلغ بالكامل لحساب صديقي وذلك في مقابل نسبة كبيرة من المال تدفع لهذا الشخص وللمحامي، وقد عرض علي صديقي هذا الأمر فقلت له إن هذا حرام لأنها ليست الحقيقة، فأجاب بأن هذا المال لم يظهر له صاحب وبدلاً من أن تستفيد به دولة كافرة يستفيد به هو كمسلم ويفيد بدوره الكثير من المسلمين، فما رأي فضيلتكم في هذه المسألة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى ما أورده أهل العلم في حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 20632.
ثم إن عرض هذا الشخص لصديقه قد اشتمل على المحذورين التاليين وهما:
* تزوير الشهادات.
* وأكل الأموال بغير حق.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المحذور الأول أيما تحذير، روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يقولها حتى قلنا ليته سكت.
وورد في أكل المال بالباطل وعيد شديد، قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ {البقرة:188} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به. رواه أحمد، وصححه الحاكم والذهبي، وروى الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به.
وإذا انضاف إلى هذا ما اشتمل عليه هذا العرض من خيانة المؤسسة التي يعمل الشخص معها، وخيانة الحكومة التي يخضع لنظامها، والتعاون مع أهل الإثم على آثامهم، كان تحريمه أمراً بادياً، فعلى هذا الشخص أن ينصح صديقه بالابتعاد عن هذه المحرمات ويتوب إلى الله منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1427(11/20841)
الجزية.. على من تجب.. ومقدارها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَِ) [التوبة:29] ، ولدي تساؤلات عدة حول موضوع الجزية:
1) من الذي يدفع الجزية، الأفراد من أهل الكتاب أم دور عبادتهم؟
2) هل حددت الشريعة الإسلامية مقدارا معينا للجزية؟ وإن لم تكن للجزية مقدار معين فما هو المقدار الذي كان سيدنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون من بعده -رضي الله عنهم جميعاً- يأخذونه من أهل الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية، وكنا قد بينا أقوالهم والذي نرى رجحانه منها. ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 6052.
والذين يدفعونها ممن تجب عليهم هم المكلفون الأحرار القادرون على دفعها المخالطون لأهل دينهم. فلا تكون على الصغار ولا المجانين ولا الأرقاء ولا العاجزين عن دفعها ولا الرهبان المنعزلين في صوامعهم. قال خليل: عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذْنُ الإِمَامِ لِكَافِرٍ صَحَّ سِبَاؤُهُ, مُكَلَّفٍ حُرٍّ قَادِرٍ مُخَالِطٍ ...
وإذا تقررت الجزية على بلد معين، فلا مانع من أن يُتفق معهم على أن يدفع كل فرد عن نفسه، أو أن يتكفل بعضهم بجبايتها ودفعها إلى الإمام جملة.
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ ولَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ بَلْ تَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ.
والْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ وَهِيَ بحسب غنى الشخص وفقره, فَيوضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِونَ دِرْهَمًا, وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِونَ, وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ ضَرْبَانِ أيضا: صُلْحِيَّةٌ وَعَنْوِيَّةٌ. فالْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ تَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الطَّرَفَانِ. والْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ َتُقَدَّرُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ, وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ ذَهَبِيٌّ خَالِصٌ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا.
وَعَنْد الحنابلة أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْجِزْيَةِ إلَى الإِمَامِ, فَلَهُ أَنْ يُزِيدَ وَيُنْقِصَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. ولك أن تراجع في جميع هذه الأقوال وفي أدلتها الموسوعة الكويتية (15/186) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(11/20842)
المعاهد.. معناه.. وشروط سكنه في البلاد الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى المعاهد وما شروط تواجده في البلد المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعاهَد اسم مفعول من عاهد. قال في النهاية: المعاهد: من كان بينك وبينه عهد، وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما.
وقد يطلق أيضاً على المستأمن، قال الشوكاني: المعاهد: هو الرجل من أهل الحرب يدخل دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله. انتهى
وفي شرح الخرشي على خليل: المعاهَد: بفتح الهاء وهو الشائع على الألسن، أي الذي عاهده المسلمون، أي أعطوه عهداً وموثقاً أن لا يتعرضوا له، وبكسرها، أي الذي عاهد المسلمين، أي أخذ منهم عهداً وموثقاً بالأمان. انتهى
ويشترط لسكنى المعاهد في البلاد الإسلامية شرطان:
الأول: أن لا يكون سكناه في شيء من جزيرة العرب، وقد بينا ذلك مفصلاًِ في الفتوى رقم: 7706، فليرجع إليها.
والشرط الثاني: أن لا ينقض العهد الذي تم معه، ومتى نقض العهد كان للإمام الخيار في قتله، أو استرقاقه، أو أخذ الفداء منه، أو المن عليه، أو رده لذمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1426(11/20843)
كشف الذميات عن سوقهن هل كان من الشروط عليهن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أن أحدا من أمراء المسلمين أو علمائهم اشترط ما ذكر في السؤال، بل إن ذلك مخالف لما تقرر شرعا من أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف عن بدنها بحضرة من لا يحل له ذلك، ولا يجوز لمسلم أن يأمر بكشف شيء من بدنها في مكان قد يراها فيه الأجانب كما لا يجوز له النظر إليها إذا كشفت عن شيء من بدنها إذا كانت أجنبية، لقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور: 30} .
وأما تميز أهل الذمة عن المسلمين بزي خاص بهم أو لباس يميزهم فإن المسلمين كانوا يأمرونهم بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(11/20844)
من صدم كافرا فهل عليه أن يأخذه إلى المستشفى للعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صدم مسلم شخصا نصرانيا خطأ بالسيارة ولم يره أحد هل ينقله إلى أقرب مستشفى ليتم علاجه، مع العلم بأنه قد يموت ويدخل بسببه المسلم السجن أم يتركه ويهرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمتبادر من سؤالك أن النصراني المقتول هو في ذمة المسلمين أو عهدهم، وبذلك تكون له العصمة، فلا يجوز الاعتداء عليه ولا على أمواله، ومن قتله خطأ فعليه ديته مع الكفارة، قال الله تعالى: وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:92] ، والكفارة لا تجب عند المالكية إلا من قتل المسلم، وأما الكافر فلا يلزم عندهم في قتله كفارة، قال خليل: وعلى القاتل الحر المسلم وإن صبيا أو مجنوناً أو شريكا إذا قتل مثله معصوماً خطأ عتق رقبة، ولعجزها شهران كالظهار.
وهي واجبة عند جمهور أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: وتجب بقتل الكافر المضمون سواء كان ذميا أو مستأمنا، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وقال الحسن ومالك: لا كفارة فيه....
والدية تكون على العاقلة إن كان القتل خطأ، وراجع فيه وفي الكفارة الفتوى رقم: 5914.
وإذا قلنا بعصمة الكافر المعاهد فالواجب في الحالة المسؤول عنها أن ينقل إلى المستشفى ويعالج، ولو أدى ذلك إلى دخول المسلم السجن بموته، مع أنه ليس مستحقا للسجن إن لم يكن متعمدا القتل، بل وما قلنا من لزوم الدية والكفارة لا يجب عليه منه شيء ولو كان القتيل مسلما إذا كان قد التزم بقواعد السير، وأخذ بكافة أسباب الاحتياط، وراجع فيه الفتوى رقم: 3120.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1425(11/20845)
الكذب على الكفار حرام إلا فيما أباحه الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكذب على الأعداء حرام؟ ولماذ؟ أنا قد سألت ولكن كي أطمئن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الكذب على الكفار، وذلك في الفتوى رقم: 20632.
وإنما جاز الكذب على الكفار في الحرب، لأن الحرب خدعة، وهو باق على أصل الحرمة في غيرها، لأنه إذا أثر على المسلم الكذب فإن ذلك موجب للطعن في الدين، والصد عن سبيل الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(11/20846)
حكم مال المعاهد بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدي صديق ألماني توفي في أفريقيا من 5 سنوات ... لا يوجد لديه أقارب يطالبون بأمواله.. لدي أنا أوراق أستطيع من خلالها الحصول على أمواله التي لا أحد يطالب بها والتي سوف تذهب لخزينة البنك ... هل أستطيع استعمال أوراقي والحصول على المال علما أني لست وريثا له؟ الرجاء الإجابة على سؤالي....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صديقك المذكور يعد من الكفار المستأمنين، وقد ضمن الإسلام لهؤلاء عصمة الدم والمال ما دام العهد قائماً، ولهذا نص القرآن الكريم على وجوب دفع دية المعاهد المقتول خطأ من قبل المسلم إلى ورثته، وليس للمسلمين الحق في أخذ ماله قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92] .
وذكر الشافعي في الأم أن سعيد بن المسيب لما سئل عن دية اليهودي والنصراني؟ قال: قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف، فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى ورثته إذا كان الدم ممنوعاً بالإسلام والأمانِ فالمال ممنوع بذلك. انتهى
وبهذا يعلم السائل أنه لا يحق له الاستيلاء على مال صديقه لأنه مال معصوم يجب رده إلى ورثة المتوفى، والجهة المخولة للقيام بذلك إما سفارة المتوفى، أو سلطات البلد هناك، أو السائل نفسه إذا كان على وضع يمكن بموجبه وصول هذه الحقوق إلى أصحابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(11/20847)
الفرق بين الذمي والمعاهد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الذمي والمعاهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعقد الذمة هو: إقرار الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية. وانظر مطالب أولي النهى.
وأهل العهود: هم الذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدة معلومة لمصلحة يراها.
والعهد هو الصلح المؤقت، ويسمى الهدنة والمهادنة والمسالمة والموادعة. وانظر الموسوعة الفقهية.
وقد يطلق لفظ أهل العهد على أهل الذمة، قال ابن الأثير: المعاهد أكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما. انتهى
وقد يطلق أيضًا على المستأمن، قال الشوكاني: المعاهد: هو الرجل من أهل الحرب يدخل دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله. انتهى
وفي شرح الخرشي على خليل: المعاهد: بفتح الهاء وهو الشائع على الألسن، أي الذي عاهده المسلمون، أي أعطوه عهدًا وموثقًا ألا يتعرضوا له، وبكسرها، أي الذين عاهد المسلمين، أي أخذ منهم عهدًا وموثقًا بالأمان. انتهى
ومما سبق يتبين الفرق بين الذمي والمعاهد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(11/20848)
الكذب لأجل أخذ الإعانة من الدولة الكافرة لايجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيك وفي جهودك
نحن جماعة من المسلمين نعيش في دولة من دول الغرب الكافر. العاطلون منا عن العمل يتلقون منحة مالية من الضمان الاجتماعي للمساعدة على تكاليف العيش حتى الحصول على عمل وأخرى لتكاليف تربية الأبناء. فما حكم هذه المنحة، علمًا أن مصدرها مختلف أنواع الضرائب على الأنشطة الاقتصادية الحلال منها والحرام؟؟
وهل يجوز لأحدنا أن يعمل في الخفاء ولايصرح بذالك للدوائر الحكومية ويكذب في وثيقة الطلب (بأنه لا يعمل) للحصول عليها؟ أو يصرح بدخل غير صحيح للحصول على جزء منها؟ بل حتى ذهب البعض إلى إملاء وثيقة الطلب هذه والإمضاء عليها وتقديم شاهدين على أنه وزوجته يعيشان منفصلين عن بعضهما (غير مطلقين) لأجل حصول الزوجة على هذه المنحة حتى بعد أن يحصل على عمل!! .
أفتونا مأجورين إن شاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن في هذا العمل محذورين شرعيين:
الأول: الكذب وشهادة الزور.
الثاني: أكل أموال الناس بغير حق، فإن قيل: هم كفار، فالجواب: أنهم وإن كانوا كفاراً حربيين فإن الشخص قد دخل بلادهم بالأمان.
وعليه فإنه لا يجوز لكم الإقدام على ما ذكرت.
وراجع للتفاصيل الفتاوى الفتوى رقم:
14815 - والفتوى رقم: 20632.
وكون بعض إيرادات الدولة من الضرائب المحرمة ونحوها لا يمنع الأخذ من هذه الإعانات لمستحقها ما لم يكن المال المأخوذ هو الحرام بعينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(11/20849)
من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته،
هنا في أوربا مجموعة من الأئمة لهم راتب شهري عن البطالة يتقاضونه من صندوق الدولة، وليس هذا فحسب بل لهم راتب شهري من المسجد وربما في بعض الأحيان يكون هذا الأخير مُضاعَفًا عن الأول، ولا ننسى أن هذا الإمام يتسلم ورقة من طرف رئيس المسجد يشهد له بها أنه متطوع وهو عكس ذلك.. فهل يعتبر هذا زورا؟
أمام هذا الاختراق للقانون وغير المسموح به من قبل الدولة التي يقيم بها حيث يعتبر هذا في نظر القانون سرقة يعاقب عليها طبقا للقوانين الجاري بها العمل.. فما حكم هذا الراتب الإضافي في الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشهادة للإمام بأنه يعمل في المسجد متطوعاً والحال بخلاف ذلك كذب لا يجوز، ولا يسوِّغ هذا الكذب كون الدولة التي يتعامل معها كذلك دولة كافرة محاربة، فإنه إنما دخلها بأمان بينه وبينهم فلا يجوز غدرهم ولا خيانتهم في أموالهم.
قال ابن قدامه رحمه الله في المغني: من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا، أما تحريم الربا في دار الحرب فقد ذكرناه في الربا، وأما خيانتهم فمحرمة لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطاً بتركه خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه؛ وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضاً لعهده، فإذا ثبت هذا لم تحل له خيانتهم لأنه غدر ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم. فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئاً وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه.
وقال زكريا الأنصاري الشافعي في كتابه أسنى المطالب: وتحرم أموال أهل الحرب على من أمنوه منا، فلو دخل مسلم دارهم بأمان فاقترض منهم شيئاَ أو سرق وعاد إلى دارنا لزمه رده، إذ ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1423(11/20850)
الكذب والسرقة من الكفار ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سرقة مال الكفار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الشرع قسم الكفار إلى صنفين: محاربين ومسالمين أو معاهدين، والمسالمون أو المعاهدون قسمان: قسم له عهد دائم وهم الذين يعرفون في الإسلام بأهل الذمة.. أي لهم ذمة الله ورسوله والمسلمين.
وقسم له عهد مؤقت وهم المستأمنون.
وأما المحاربون فهم الذين بينهم وبين المسلمين حرب قائمة أو متوقعة، وليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا صلح ولكل قسم أحكام تخصه.
فأما المسالمون أهل الذمة فالقاعدة التي تحكم تعاملنا معهم من حيث الجملة هي أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إلا أشياء مستثناة تنظر في مواضعها.
وبخصوص السؤال هل يجوز سرقة مال الكفار؟ فهذا القسم من الكفار لا خلاف بين علماء المسلمين أن سرقة أموالهم حرام، وأن المسلم إذا سرق من الذمي فإن يده تقطع متى تحققت شروط القطع المعروفة، نقل هذا الاتفاق ابن قدامة في المغني فقال: ويقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً. 8/368 المغني
وكذلك يحرم الكذب عليهم أو خديعتهم أو غشهم.
وأما المعاهدون المستأمنون الذين بينهم وبين المسلمين عهد أو صلح أو هدنة، فمتى تحققت شروط الصلح فيجب علينا الوفاء بكل الالتزامات والعهود، وهذا إجماع لا خلاف فيه، انظر موسوعة الإجماع 1/418
لقول الله تعالى: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [التوبة:7] .
وبالنسبة لحكم سرقة أموال المستأمنين، فمن حيث إنها حرام لا إشكال في ذلك، لكن هل تقطع يد المسلم إذا سرق من مستأمن؟ تقطع عند الحنابلة لأنه سرق مالاً معصوماً، وعند الشافعية لا يقطع لأن المستأمن إذا سرق من المسلم أو الذمي لا يقطع، قالوا: لأن المستأمن عندما التزم بالأمان لم يلتزم بما يرجع إلى حقوق الله تعالى من الأحكام، وحد السرقة حق الله تعالى غالب فيه ولم يلتزمه المستأمن فلا يقام عليه الحد، أحكام الذميين والمستأمنيين صـ269.
وبقي الصنف الثاني وهم المحاربون: وهؤلاء الأصل فيهم أن دماءهم وأموالهم مباحة للمسلمين، إلا أنه مع ذلك توجد أخلاق تحكم التعامل معهم، فمما يذكره العلماء في هذا الصدد:
ما قاله الإمام الماوردي: وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان أو بموادعة حرم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم؛ إذ المسلمون على شروطهم.
: ومن المعروف اليوم أن الدول لا تمنح أي راغب في دخول أراضيها تأشيرة دخول إلا بشرط أن يلتزم بدساتيرها وقوانينها العامة التي تقضي بتحريم السرقة والغش وأكل أموال الآخرين بالباطل والاعتداء وما شابه ذلك. وهذا العرف مقارن لحصول الشخص على التأشيرة بل هو سابق عليه، وحكم الإسلام فيه أنه يجب الوفاء به ولو لمشرك؛ ما لم يتضمن شرطاً فاسداً فيه معصية الله. الأم للشافعي 4/185 نقلاً عن كتاب من فقه الأقليات المسلمة صـ64.
وكذلك إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان حرم التعرض لماله، وقالت المالكية: يقطع يد المسلم إذا سرق مال الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان، فيقول في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: السرقة أخذ مكلف نصاباً فأكثر من مال محترم لغيره ... ويدخل في المحترم: مال الحربي الذي دخل بأمان فيقطع سارقه. انتهى الجزء الرابع "السرقة"
وأما سؤالك عن الكذب على الكفار؟ فاعلم أن الكذب حرام سواء على المسلم أو غيره، ولا رخصة فيه إلا ما استثناه الشرع كما جاء في الحديث: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذبا إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. رواه مسلم.
قال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة.... وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز في شيء أصلا، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب....... وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه مات إمامكم الأعظم وينوى إمامهم في الأزمان الماضية، أو غداً يأتينا مدد أي طعام ونحو هذا من المعاريض المباحة. 16/158
وقال ابن حزم في كتاب الإجماع: اتفقوا على تحريم الكذب إلا في الحرب ومداراة الرجل امرأته وإصلاح ذات البين ودفع مظلمة مرادة بين اثنين مسلمين أو مسلم وكافر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1423(11/20851)
أقوال العلماء في شأن الكنائس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تعمير كنيسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لمسلم بناء كنيسة ولا ترميمها لا بنفس ولا بمال، لأن في بنائها إعانة لأهلها على باطلهم، والله تعالى يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2] .
بل يحرم على الكفار أيضاً بناؤها وترميمها ولتقي الدين السبكي رحمه الله رسالة في هذا يقول فيها: أقول: إنه لم يكن قط شرع يسوغ فيه لأحد أن يبني مكاناً يكفر فيه بالله، فالشرائع كلها متفقة على تحريم الكفر، ويلزم من تحريم الكفر تحريم إنشاء المكان المتخذ له، والكنسية اليوم لا تتخذ إلا لذلك، وكانت محرمة معدودة من المحرمات في كل ملة، وإعادة الكنيسة القديمة كذلك، لأنه إنشاء بناء لها وترميمها أيضاً كذلك، لأنه جزء من الحرام ولأنه إعانة على الحرام.
وقال السبكي أيضاً: فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع وكذا ترميمها، وكذلك قال الفقهاء: لو وصَّى ببناء كنيسة فالوصية باطلة، لأن بناء الكنسية معصية وكذلك ترميمها، ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلماً أو كافراً، فبناؤها وإعادتها وترميمها معصية -مسلماً كان الفاعل لذلك أو كافراً- هذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولابن القيم -رحمه الله- في كتابه (أحكام أهل الذمة) كلام جيد في هذا الموضوع ننقل منه جزءاً مختصراً يفي بالغرض -إن شاء الله- قال رحمه الله:
البلاد التي تفرق فيها أهل الذمة ثلاثة أقسام:
أحدها: بلاد أنشأها المسلمون في الإسلام.
الثاني: بلاد أنشئت قبل الإسلام، فافتتحها المسلمون عَنوة وملكوا أرضها وساكنيها.
الثالث: بلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صلحاً.
فأما القسم الأول: فهو مثل البصرة والكوفة وواسط وبغداد والقاهرة ... وغيرها من الأمصار التي مصَّرَها المسلمون، فهذه البلاد صافية للإمام، إن أراد الإمام أن يقرَّ أهل الذمة فيها ببذل الجزية جاز، فلو أقرهم الإمام على أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة أو يظهروا فيها خمراً أو خنزيراً أو ناقوساً لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان العقد والشرط فاسداً. وهو اتفاق من الأمة لا يعلم بينهم فيه نزاع.
فإن قيل: فما حكم هذه الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون؟ قيل: هي على نوعين:
أحدهما: أن تحدث الكنائس بعد تمصير المسلمين لمصر، فهذه تزال اتفاقاً.
الثاني: أن تكون موجودة بفلاة من الأرض ثم يمصر المسلمون حولها المصر، فهذه لا تزال.
وأما القسم الثاني: وهو الأرض التي أنشأها المشركون ومصروها، ثم فتحها المسلمون عنوة وقهراً بالسيف، فهذه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من البيع والكنائس. وأما ما كان فيها من قبل الفتح فهل يجوز إبقاؤه أو يجب هدمه؟ فيه قولان في مذهب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي وغيره:
أحدهما: يجب إزالته وتحرم تبقيته.
والثاني: يجوز بناؤها - أي بناء أهل الكتاب لها لا المسلمون، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أيما مصر مصرته العجم، ففتحه الله على العرب فنزلوه، فإن للعجم ما في عهدهم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة وأقرهم على معابدهم فيها ولم يهدمها، ولأن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئاً من الكنائس التي بها، ويشهد لصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة. ومعلوم قطعاً أنها ما أحدثت، بل كانت موجودة قبل الفتح ... وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين، فإن كان أخذها منهم أو إزالتها هو المصلحة لكثرة الكنائس أو حاجة المسلمين إلى بعضها وقلة أهل الذمة، فله أخذها أو إزالتها بحسب المصلحة، وإن كان تركها أصلح لكثرتهم وحاجتهم إليها وغنى المسلمين عنها تركها، وهذا الترك تمكين لهم من الانتفاع بها لا تمليك لهم رقابها، فإنها قد صارت ملكاً للمسلمين فكيف يجوز أن يجعلها ملكاً للكفار، وإنما هو امتناع بحسب المصلحة، فللإمام انتزاعها متى رأى المصلحة في ذلك.
فبهذا التفصيل تجتمع الأدلة، وهو اختيار شيخنا، وعليه يدل فعل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من أئمة الهدى وعمر بن عبد العزيز هدم منها ما رأى المصلحة في هدمه وأقر ما رأى المصلحة في إقراره، وقد أفتى الإمام أحمد المتوكل بهدم كنائس السواد، وهي أرض العنوة.
وأما القسم الثالث وهو: ما فتح صلحاً، وهذا نوعان:
أحدهما: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها أو يصالحهم على مال يبذلونه وهي الهدنة، فلا يمنعون من إحداث ما يختارونه فيها، لأن الدار لهم، كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران، ولم يشترط عليهم ألا يحدثوا كنيسة ولا ديراً.
النوع الثاني: أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم من تبقية وإحداث وعمارة، لأنه إذا جاز أن يقع الصلح معهم على أن الكل لهم جاز أن يصالحوا على أن يكون بعض البلد لهم، والواجب عند القدرة أن يصالحوا على ما صالحهم عليه عمر رضي الله عنه، ويشترط عليهم الشروط المكتوبة في كتاب عبد الرحمن بن غنم ألا يحدثوا بيعة ولا صومعة راهب ولا قلاية، فلو وقع الصلح مطلقاً من غير شرط حمل على ما وقع عليه صلح عمر وأخذوا بشروطه، لأنها صارت كالشرع فيحمل مطلق صلح الأئمة بعده عليها. ا. هـ بتصرف يسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1423(11/20852)
الأصناف الذين تؤخذ الجزية منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يفرض الزكاة على اليهود والنصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تؤخذ الزكاة من غير المسلمين، وهذا أمر مجمع عليه، وليس فيه خلاف عند أهل العلم. والذي كان يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب هو الجزية، والجزية تؤخذ من صنفين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن دان بدينهم كالسامرة يدينون بالتوراة ويعملون بشريعة موسى عليه السلام، وإنما خالفوهم في فروع دينهم.
وفرق النصارى وغيرهم ممن دان بالإنجيل.
والصنف الثاني: الذين لهم شبهة كتاب كالمجوس، وما عدا هؤلاء لا تقبل منهم الجزية، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتَلوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1423(11/20853)
حكم أخذ الإعانة المشروطة بعدم العمل مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
أنا عربي مقيم في بريطانيا والدولة هنا تعطي إعانات للناس كلهم - طبعاً المقيمين بشكل رسمي وقانوني وليس للداخلين بتأشيرات - ويحق لي قانوناً أخذ هذه الإعانات مادمت لا أشتغل ولم أحصل على وظيفة أما إذا اشتغلت فلا يحق لي قانوناً أخذ هذه الإعانات. والسؤال هو:
هل يجوز لي أن أشتغل بدون علم الدولة وآخذ هذه الإعانات في نفس الوقت؟ وإذا كان هذا لايجوز مطلقا فهل يجوز للضرورة كالسعي للزواج، أو لرد دين، أو لمساعدة أسرتي في بلدي الأصلي؟
أرجو الجواب والتفصيل قدر الإمكان لأن هذه المسألة قد كثر حولها اللغو والقيل والقال ونحن كجاليات محتاجين إلى القول الفصل فيها.
وجزاكم الله خيراً على ماتقومون به من جهود طيبة.
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام الله جل وعلا قد يسر لك عملاً، فلا يحل لك أخذ هذه الإعانة المشروطة بعدم عملك مطلقاً، لأن أخذها حينئذٍ يعتبر غشاً وخيانة، وأكلاً لأموال الناس بالباطل وكل هذا محرم.
وأما قضية الزواج وقضاء الدين ومساعدة الأسرة ونحو ذلك، فليس بضرورة تبيح لك أخذ أموال الناس بغير حق ولو كانوا كفاراً.
وعلى كل حال، فالواجب عليك السعي الجاد للعمل والكسب الحلال مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، فإن الرزق بيده سبحانه ويرزق من يشاء بغير حساب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(11/20854)
وجوب تمييز غير المسلمين في المجتمع الإسلامي باللباس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قرار السلطات الأفغانية بفرض زي خاص لغير المسلمين؟ هل يقبل هذا النوع من التصرف في العصر الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نقل الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 28/651) إجماع العلماء على وجوب أن يلبس أهل الذمة لباساً أو علامة تميزهم عن المسلمين، وقد اشترط عمر رضي الله عنه على نصارى الشام أن لا يتشبهوا بالمسلمين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكروه، فكان ذلك إجماعاً، وعلى ذلك مضى عمل الخلفاء من بعده، والحكمة في ذلك ظاهرة بينه - والحمد لله - وهي أن أهل الذمة الذين يعيشون مع المسلمين، ويختلطون بهم في نواديهم وأسواقهم لا يختلفون في أحكامهم وحقوقهم العامة عن المسلمين، لكن المسلمين مخاطبون بأحكام الشريعة، ومؤاخذون بها في القانون الإسلامي، في العبادات والمعاملات، مما هو من خصائص أهل الإسلام دون غيرهم، فوجب تميزهم لأمور منها:
1/ حماية جناب الشريعة، وتحقيق مقاصدها، بظهور خصائص الإسلام وتعاليمه على أشخاص المسلمين وفي واقع حياتهم، ومنع أسباب التمازج المفضي إلى وجود الذريعة للفسقة والمنافقين للتملص من قيود الشرع وتكاليفه.
2/ الحفاظ على خصوصية المجتمع المسلم، ومنها مطالبته بالتزام الزي الموافق لهدي الإسلام، ومنعه من تقليد غير المسلمين، مما يكون سبباً في ذوبان الشخصية، ولهذا لو تنازل المسلمون عن لباس الحشمة، وتشبهوا بلباس غير المسلمين، لم يطالب أولئك بالتميز عنهم.
3/ التفريق في الأحكام أثناء تطبيق قوانين الشريعة، خاصة في الأحكام التي تندرج تحت عمل الحسبة، وفي أعمال البيع والتجارة، فيؤخذ المسلمون بما هو من دين الإسلام، ولا يطالب غيرهم بما تكفلت الشريعة بإسقاطه، أو عدم مؤاخذتهم به، كالجهاد والصلاة والصيام، وكدخول الكنائس والعمل فيها، وكأكل الربا والخنزير، وشرب الخمر، لو عثر عليهم متلبسين بشيء من ذلك.
ثم إننا نرى أن غير المسلمين في بلادهم لا يحترمون مشاعر المسلمين وخصوصياتهم الدينية، ألا ترى العالم قد فضل عطلة اليهود والنصارى السبت والأحد على عطلة المسلمين الجمعة، ولم يرفع رأساً بأعيادهم، ولا تأريخهم الهجري، ولم يمتنع من المجاهرة بشرب الخمر، والزنا، والربا، والتعري.. وكلها محرمة في دين المسلمين، ولم يقل أحد بأن ذلك غير لائق في العصر الحاضر، وهذه الأمور التي يفعلها غير المسلمين لأشد ضرراً على المسلمين من دعوة غير المسلمين إلى الامتياز بزي معين، روعيت فيه مصالح الطرفين، وكان القصد الأول منه الحفاظ على هوية المجتمع المسلم، وليس انتقاص غيرهم، أو الإساءة إليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(11/20855)
الأحوال التي يجوز فيها دخول أهل الكتاب إلى جزيرة العرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استقبال الوفود الصليبية في جزيرة العرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وعدم تمكينهم من البقاء فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع فيها إلا مسلماً" رواه مسلم.
وقوله: "لا يترك بجزيرة العرب دينان" رواه أحمد.
وقوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" متفق عليه.
قال في المغني: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن. قاله سعيد بن عبد العزيز.
وقال الأصمعي وأبو عبيد: هي من ريف العراق إلى عدن طولاً، ومن تهامة وما وراءها إلى أطراف الشام عرضاً.
وقال الخليل: إنما قيل لها "جزيرة العرب" لأن بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها، ونسبت إلى العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها. ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/381.
والمقرر عند أهل العلم أنه يجوز دخول اليهودي أو النصراني -إلى غير الحرم- بإذن الإمام لمصلحة، كأداء رسالة، أو حمل تجارة يحتاجها المسلمون.
وعليه فإن كان في دخول هذا الوفد مصلحة أو حاجة ترجع إلى المسلمين، جاز إدخالهم إلى غير الحرم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1422(11/20856)
الشروط العمرية التي تخص أهل الذمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمين
السلام عليكم
لدي أسئلة عن العهد العمري:
1. ما نصه؟
2. ما مصادره؟
3. هل هناك نص واحد أم نصوص؟
4. حاله عند أهل الرواية والدراية؟
5. هل يُلفظ ب "العُهدةَ العُمريةَ" أم "العهد العمري"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الإمام ابن القيم الشروط العمرية في كتابه أحكام أهل الذمة، وعزاها لعدد من المصادر وأضفنا نحن بعضها:
أولها مسند الإمام أحمد، فقد روى ابنه عبد الله في زوائده على المسند، فقال: حدثني أبو شرحبيل الحمصي حدثني (عمي) أبو اليمان وأبو المغيرة قالا: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا غير واحدٍ من أهل العلم قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا، وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا: أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً، ولا قلاّية (بناء كالدير) ، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وألا نكتم غشا للمسلمين، وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليبا ولا كتاباً في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثاً - والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر- ولا شعانين (عيد للنصارى) ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وألا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً، ولا نرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وألا نمنع أحداً من أقربائنا أراد الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، وأن نجزَّ مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشدُّ الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا نطلع عليهم في مجالسهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيامٍ، ونطعمه من أوسط ما نجد. ضَمِنَّا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيّرنا أو خالفنا عمّا شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق.
فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: أن أمضي لهم ما سألوا، وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: ألا يشتروا من سبايانا شيئاً، ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده.
فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك، وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط.
وروى هذه الشروط الخلاّل في كتاب أحكام أهل الملل من طريق عبد الله بن الإمام أحمد.
ثانيها: أخرج البيهقي في سننه (السنن الكبرى 9/202) عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح أهل الشام:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاّية ولا كنيسة ولا صومعة راهب.. فذكر نحو رواية عبد الله بن الإمام أحمد.
ثالثها: روى سفيان الثوري عن مسروق بن عبد الرحمن بن عتبة، قال: كتب عمر رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام كتاباً وشرط عليهم فيه ... فذكر نحو ما ذكر في رواية عبد الله بن الإمام أحمد، مع خلاف يسير في ألفاظه.
وكل رواية من روايات هذا الأثر لا تخلو من مقال في إسنادها، إلا أن الأئمة تلقوها بالقبول، وذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها (أحكام أهل الذمة لابن القيم 3/1163-1164) .
وقال الإمام ابن تيمية: "في شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي شرطها على أهل الذمة لما قدم الشام، وشارطهم بمحضر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وعليه العمل عند أئمة المسلمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر" لأن هذا صار إجماعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين لا يجتمعون على ضلالةٍ على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".
مجموع الفتاوى 28/651.
أما تسمية هذه الشروط بالعهدة العمرية أو العهد العمري فلا حرج في ذلك، فكل من اللفظين مستقيم لغة، والنسبة إليه صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1422(11/20857)
الشروط العمرية التي تخص أهل الذمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لدي أسئلة عن العهد العمري:
1. ما نصه؟
2. ما مصادره؟
3. هل هناك نص واحد أم نصوص؟
4. حاله عند أهل الرواية والدراية؟
5. هل يُلفظ ب "العُهدةَ العُمريةَ" أم "العهد العمري"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الإمام ابن القيم الشروط العمرية في كتابه أحكام أهل الذمة، وعزاها لعدد من المصادر وأضفنا نحن مصادر أخر:
أولها مسند الإمام أحمد، فقد روى ابنه عبد الله في زوائده على المسند، فقال: حدثني أبو شرحبيل الحمصي حدثني (عمي) أبو اليمان وأبو المغيرة قالا: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا غير واحدٍ من أهل العلم قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: "إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا، وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا: ألا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً، ولا قلاّية (بناء كالدير) ، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وألا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وألا نكتم غشا للمسلمين، وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وألا نخرج صليبا ولا كتاباً في سوق المسلمين، وألا نخرج باعوثاً - والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر- ولا شعانين (عيد للنصارى) ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وألا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً، ولا نرغِّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وألا نمنع أحداً من أقربائنا أراد الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتني بكناهم، وأن نجزَّ مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشدُّ الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا نطلع عليهم في مجالسهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيامٍ، ونطعمه من أوسط ما نجد. ضَمِنَّا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيّرنا أو خالفنا عمّا شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق.
فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: أن أمض لهم ما سألوا، وألحق فيهم حرفين أشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: ألا يشتروا من سبايانا شيئاً، ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده.
فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك، وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط".
وروى هذه الشروط الخلاّل في كتاب أحكام أهل الملل من طريق عبد الله بن الإمام أحمد.
ثانيها: أخرج البيهقي في سننه (السنن الكبرى 9/202) عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح أهل الشام:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاّية ولا كنيسة ولا صومعة راهب.. فذكر نحو رواية عبد الله بن الإمام أحمد.
ثالثها: روى سفيان الثوري عن مسروق بن عبد الرحمن بن عتبة، قال: كتب عمر رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام كتاباً وشرط عليهم فيه ... فذكر نحو ما ذكر في رواية عبد الله بن الإمام أحمد، مع خلاف يسير في ألفاظه.
وكل رواية من روايات هذا الأثر لا تخلو من مقال في إسنادها، إلا أن الأئمة تلقوها بالقبول، وذكروها في كتبهم، واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها (أحكام أهل الذمة لابن القيم 3/1163-1164) .
وقال الإمام ابن تيمية: "في شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي شرطها على أهل الذمة لما قدم الشام، وشارطهم بمحضر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وعليه العمل عند أئمة المسلمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر" لأن هذا صار إجماعاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين لا يجتمعون على ضلالةٍ على ما نقلوه وفهموه من كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم".
مجموع الفتاوى 28/651.
أما تسمية هذه الشروط بالعهدة العمرية أو العهد العمري فلا حرج في ذلك، فكل من اللفظين مستقيم لغة، والنسبة إليه صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1422(11/20858)
الجزية وأقسام الكفار فيها.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تؤخذ الجزية من عموم الكفار أم هي على أهل الكتاب فقط من اليهود والنصارى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الكفار ينقسمون بالنسبة إلى الجزية إلى ثلاثة أقسام:
1- أهل كتاب وهم: اليهود والنصارى، فهؤلاء يقاتلون حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقرون على دينهم إذا بذلوها.
2- قسم لهم شبهة كتاب وهم: المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها، لقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" رواه مالك وابن أبي شيبة. ولا يعلم خلاف في هذين القسمين بين أهل العلم، إلا ما حكي عن الحسن البصري من أن الجزية لا تؤخذ من أهل الكتاب العرب.
وقسم ثالث وهم: من لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، وهم عبدة الأوثان وسائر الكفار، فلا يقبل منهم سوى الإسلام. وهذا هو مذهب الشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، وروي ذلك عن مالك وأحمد.
وذهب مالك في الراجح عنه إلى أن الجزية تقبل من جميع الكفار، ومنهم المشركون وعبدة الأوثان مطلقاً: عرباً ـ ولو كانوا من قريش ـ فأحرى إذا كانوا غير عرب. وإلى هذا ذهب الأوزاعي، ونقل عن مالك أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا مشركي قريش.
والراجح أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس فقط، لعموم الأدلة بقتال المشركين، وخُصّ أهل الكتاب بقوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [التوبة: 29] والمجوس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فمن عداهم يبقى على مقتضى العموم. وروى البخاري أن عمر لم يقبل الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وهذا يدل على أن الصحابة توقفوا في أخذ الجزية من المجوس حتى عرفوا المخصص لهم من بين سائر الكفار، فيدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يدل على اختصاص أهل الكتاب ببذل الجزية، إذ لو كان عاماً في جميع الكفار لم يختص أهل الكتاب بإضافتها إليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20859)
يجب رد مال الذمي فإن تعذر إرجاعه تصدق به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب درست في الولايات المتحدة الأمريكة وخلال دراستي قمت باستخراج بعض البطاقات الآلية مثل (ماستر كارت) وغيرها من البطاقات، وعند انتهائي من الدراسة بصفة نهائية قمت بشراء أشياء كثيرة من أمريكا باستخدام هذة الكروت وأيضا باستخدام شيكات لم تكن لها رصيد بدون أن أدفع ثمنها. وكما تعلمون بعد المسافة وخطورة إرجاع هذه الأشياء لأصحابها الآن، أتمنى أن تفيدوني ماذا يستوجب علي أن أعمل،حيث إن بعض الأشياء استخدم وانتهى والبعض لايزال يستخدم؟. جزاكم الله خيرا وكثر من أمثالكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: إ
فن مال المسلم محترم، وكذلك مال الذمي أيضا إلا مال الحربي فلا حرمة له، فمن أخذ شيئا من ذمي وجب عليه رده له، فإن عجز عن الرد أو كان فيه مخاطرة فإنه يتصدق بهذا المال إن كان باقيا وبقيمته إن تلف أواستهلك. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20860)
الفرق بين الفيء والغنيمة ومصرف كل منهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الغزوات التي حصل فيها المسلمون على الفيء والغنيمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حصل المسلمون على الغنائم في أكثر غزاواتهم في بدر وفي خيبر وفي حنين.. وفي غير ذلك.
كما حصلوا على الفيء في أماكن ومواقع أخرى مثل ما وقع في غزوة بني النضير.. ووادي القرى وفدك ...
ونبه السائل الكريم إلى أن هناك فرقا بين الفيء والغنيمة، فالفيء: هو ما أخذه المسلمون من مال الكفار المحاربين من غير قتال، وأما ما أخذوه منهم بالقوة والقتال فهو غنيمة.
ولكل منهما حكمه وجهته التي يصرف فيها، فالفيء خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفه كيف شاء وفيه يقول الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. {الحشر: 7} .
وأما الغنيمة: فإنها تخمس فأربعة أخماسها للمقاتلين والخمس الباقي لبيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم العامة وفيها يقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {الأنفال: 41} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(11/20861)
نصيب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في خمس المغنم
[السُّؤَالُ]
ـ[1- من المقطوع به في القرآن الكريم أنَّ الغنيمة يشارك في خمسها أولوا القربى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو جاء يوم وأعز الله الإسلام، وانطلق المجاهدون ليفتحوا بلاد الكفار، السؤال: هل نأتي بجميع قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم لنعطيهم جزءًا من خمس الغنيمة وكيف كان المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم يتصرفون إزاء هذا الحكم الرباني، أم أن هذا الحكم منسوخ بزمن الحبيب المصطفى.
2- كما تعلمون أن قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كان عددهم محصورا ومعروفًا، فإذا كانوا يأخذون نصيبًا من خمس الغنيمة دون غيرهم فإن ذلك يعني استحواذهم على نصيب أكبر من الآخرين فهل هذا صحيح؟
أفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في ذوي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هل لهم نصيب في خمس المغنم أم لا، وعلى القول بأن لهم خمس المغنم فإنهم اختلفوا هل يعمم عليهم حيث كانوا من الأمصار حسب الإمكان أو أنه يخص أهل كل ناحية بخمس غنائمهم، وقد رجح ابن قدامة في المغني أنه لا يجب تعميمه عليهم لتعذره.
والمسألة مبسوطة في كتب أهل العلم، فراجع فيها شرح معاني الآثار للطحاوي، والمغني لابن قدامة، وأضواء البيان، وشروح خليل وأحكام القرآن لابن العربي وكتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1429(11/20862)
كيفية قسم الغنائم والجواري على الفاتحين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان المسلمون في الماضي يوزعون الإماء (الجواري) بعد الفتوحات، أقصد كيف تصبح الأمَة فلانة من نصيب الشخص الفلاني؟ أو كيف يصبح الرقيق فلان من نصيب الشخص الفلاني؟
هل يوزعهم قائد الجيش مثلا؟
وكيف يتم توزيع ملك اليمين من النساء إذا كان عددهن قليلا لا يتناسب مع عدد الجيش الفاتح؟
وجزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغنائم التي يغنمها المجاهدون في الفتوحات كان خمسها يدفع لبيت المال (الخزينة العامة للدولة) ، وتقسم الأربعة الأخماس الأخرى بين المجاهدين، ويعطى للراجل سهم وللفارس سهمان، فأما المال المتساوي كالدنانير والدراهم والثياب والعقار فيقسمه القائد بينهم كما ذكرنا، وأما الجواري فإن القائد يجتهد في شأنها فيمكن أن تباع ويعطى ثمنها للمجاهدين، ويمكن أن يعطى لبعضهم من الجواري وتقوم عليه وتحسب من نصيبه كما يفهم من كلام ابن حجر في الفتح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(11/20863)
الهدايا والهبات ليس لها حكم الغنيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن توضحوا لي ما هي الأموال المشمولة بالخمس وهل الغنيمة لغويا تعني الأموال المأخوذة من العدو فقط وهل الهدية أو أي مبلغ يتحصل عليه الشخص من غير الراتب يعتبر غنيمة أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأموال التي يخرج خمسها لمصالح المسلمين العامة هي الغنائم التي استولى عليها المسلمون بالقوة من العدو. قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ {الأنفال: 41} .وكذلك الركاز وهو ما دفنه أهل الجاهلية من الكنوز. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفي الركاز الخمس.
وأما التبرعات والهدايا والهبات وما أشبهها مما يحصل عليه الشخص مجانا ودون مقابل مادي أو معنوي فلا يعتبر غنيمة ولا يجب فيه خمس ولا زكاة إلا إذا كانت من الأموال المزكاة وبلغت النصاب وحال عليه الحول فإنها حينئذ تجب فيها الزكاة المفروضة.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 48525، 52705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(11/20864)
الأنفال،، معناها وحكمها وكيفية قسمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأنفال، وما حكمها في غير الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم أن الأنفال هي الغنيمة، قال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان من ضمن خمسة أقوال فسر بها الأنفال، قال: الرابع أنها الغنيمة كلها، وهو قول الجمهور، وممن قال به ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك وقتادة، وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، قاله ابن كثير.
وحكم الغنائم أنها تخمس، فيكون خمسها فيما أمر الله به في قوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الأنفال:41} ، والأربعة الأخماس الباقية تقسم بين المجاهدين للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، روى الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما.
وقبل الإسلام كانت الغنائم توضع فتأتيها نار فتأكلها ففي الصحيحين أن نبيا من الأنبياء غزا فلما فتح الله عليه جمع الغنائم فجاءت النار فلم تأكلها، فعرف أن بعض القوم قد غل من الغنيمة فاستخرج منهم الغلول فإذا هو، مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها فجاءت النار فأكلتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(11/20865)
غنائم يهود بني النضير
[السُّؤَالُ]
ـ[عند إجلاء بني النضير وحصول المسلمين على منازلهم وبساتينهم، هل تم توزيع تلك الأراضي على المسلمين على أنها غنائم، وكيف كانت القسمة؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بني النضير نقضوا العهد وأرادو قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتآمروا على ذلك، فأنجاه الله منهم، وبعث إليهم أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشراً فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه، فأقاموا أياماً يتجهزون، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي: أن لا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فبعث رئيسهم حيي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاموا على حصونهم يرمونهم بالنبل، واعتزلتهم قريظة، وخانهم ابن أبُي وحُلفاؤهم من غطفان، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، وقبض النبي الأموال والسلاح، وكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ومصالح المسلمين، ولم يخمسها لأن الله أفاءها عليه ولم يوجف علها بخيل ولا ركاب، كما قال الله تعالى في قصة بني النضير: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ...... إلى أن قال: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6] .
وهذه الأموال من بيوت وبساتين وغيرها وإن كانت خالصة للرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار: أبي دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة، كما روى ذلك ابن القاسم وابن وهب، وفي البخاري من حديث أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضاً من أموال بني النضير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(11/20866)
سهم النساء من الغنيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة حاربت إلى جانب الرجل منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهل كان لها نصيب من الغنائم وكم كان نصيبها. (جزاكم الله كل خير) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرأة لم تحارب إلى جانب الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت، إنما كانت تخرج معه فتداوي الجرحى، والمرات التي قاتلت فيها نساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مرات قليلة وحوادث فردية لا عموم فيها، حتى يؤخذ منها أن النساء حاربن إلى جانب الرجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نص أهل العلم على أن القتال فرض كفاية على الرجال دون النساء، إلا أن تضطر المرأة للقتال لقلة عدد الرجال، أو لضعفهم وعجزهم عن مدافعة الكافرين ونحو ذلك.
وقد سألت أم المؤمنين عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لَكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور. رواه البخاري.
وفي رواية عن الإمام أحمد: يارسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة.
قال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء.
وإذا عرفت هذا، فلم يكن يسهم للنساء من الغنيمة، كما هو الحال بالنسبة للرجل الذي يسهم له منها، إنما يُرضخ لهن، أي يُعْطَيْن بغير تقدير محدد، والمرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام، وهو قول أكثر أهل العلم.
لما روى مسلم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم فلم يضرب لهن. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20867)
الفرق بين الفيء والغنيمة ومصرف كل منهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الغزوات التي حصل فيها المسلمون على الفيء والغنيمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حصل المسلمون على الغنائم في أكثر غزاواتهم في بدر وفي خيبر وفي حنين.. وفي غير ذلك.
كما حصلوا على الفيء في أماكن ومواقع أخرى مثل ما وقع في غزوة بني النضير.. ووادي القرى وفدك ...
ونبه السائل الكريم إلى أن هناك فرقا بين الفيء والغنيمة، فالفيء: هو ما أخذه المسلمون من مال الكفار المحاربين من غير قتال، وأما ما أخذوه منهم بالقوة والقتال فهو غنيمة.
ولكل منهما حكمه وجهته التي يصرف فيها، فالفيء خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفه كيف شاء وفيه يقول الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. {الحشر: 7} .
وأما الغنيمة: فإنها تخمس فأربعة أخماسها للمقاتلين والخمس الباقي لبيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم العامة وفيها يقول الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. {الأنفال: 41} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(11/20868)
الفيء أنواعه وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفيء وما أنواعه وأحكامه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفيء هو كل ما حصل عليه المسلمون من ممتلكات الحربيين بدون قتال كما قال تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ {الحشر: 7}
ويطلق أيضا على ما بذله العدو من أموال ومعدات للكف عن قتالهم كما يطلق كذلك على الجزية وعلى الخراج والعشر ومال المرتد ومال من مات ولا وارث له، انظر الموسوعة الفقهية
ومرجع هذه الأمور إلى بيت المال واجتهاد ولي الأمر فيصرفها في المصالح العامة كما جاء في الآية الكريمة.
قال مالك في المدونة: والفيء والخمس يجعلان في بيت المال.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48525.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(11/20869)
الخراج معناه وأنواعه وأحكامه.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوالخراج؟ وما مقدار زكاة المال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخراج في اللغة: من خرج يخرج خروجاً بمعنى: برز. والاسم الخراج. وأصله ما يخرج من الأرض، ويطلق على الأجرة، ومنه قوله تعالى: (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير) [المؤمنون: 72] .
ويطلق على الإتاوة أو الضريبة التي تؤخذ من أموال الناس على الغلّة الحاصلة من الشيء، كغلة الدار أو الدابة أو العبد. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" رواه أبو داود.
والمعنى أن من اشترى عيناً فاستغلها، ثم وجد بها عيباً، وتبين أن العيب كان موجوداً قبل البيع فله رد العين وأخذ ثمنها، ولا يرد للبائع الغلة التي استغلها من العين، لأنه كان ضامناً لها لو هلكت، فما أخذه منها من خراج هو في مقابل ما كان يلزمه من ضمانها. والخراج في اصطلاح الفقهاء له معنيان خاص وعام:
أما المعنى العام فهو: الأموال التي تتولى الدولة جبايتها وصرفها في مصارفها، كالجزية وغيرها.
وأما المعنى الخاص فهو: الوظيفة "الضريبة" التي يفرضها إمام المسلمين على الأرض الخراجية النامية. وتسمى الأرض التي يفرض عليها الخراج أرضا خراجية. والأرض قسمان: صلح وعَنوة، فأما الصلح فهو: كل أرض فتحها المسلمون صلحاً، وصالحوا أهلها عليها لتكون لهم، ويؤدون خراجاً معلوماً كل سنة، فهذه الأرض ملك لأربابها، وهذا الخراج في حكم الجزية، فمتى أسلم أهل الأرض سقط الخراج عنهم، ولهم بيعها ورهنها وهبتها لأنها ملك لهم.
والقسم الثاني: ما فتحه المسلمون عَنوة ـ أي بالسيف ـ ولم تقسم بين الغانمين، فهذه تصير للمسلمين، يضرب الإمام عليها خراجاً معلوماً يؤخذ في كل عام، وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها، سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة، ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم، بل إذا أسلم أهلها أو انتقلت إلى مسلم يجتمع مع الخراج أيضاً عشر ما تخرج، زكاة عليها، ولا يمنع أحدهما وجوب الآخر، وهو قول أكثر الفقهاء.
وأول من وظف الخراج هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتحت العراق، حيث اجتهد مع الصحابة، ولم تقسم بين الفاتحين وضرب عليها الخراج، وكذلك سائر ما فتح في عصره، كأرض الشام ومصر وغيرها، لم يقسم منها شيء، وضرب عليها الخراج.
وأما بالنسبة لمقدار نصاب زكاة المال فهو عشرون ديناراً ذهبياً، أي مايعادل قيمة خمسة وثمانين جراماً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1421(11/20870)
هل يجوز للسيد إرغام ملك اليمين على المعاشرة إن امتنعت
[السُّؤَالُ]
ـ[إن رفضت ملك اليمين المعاشرة فهل يجوز إرغامها بالقوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى بالمسلم أن يشتغل بما يعنيه من أحكام دينه، وأن يستثمر وقته وهمته في طلب ما ينفعه من العلم؛ فإن المقصود من العلم هو العمل. وما لا ينبني عليه عمل، لا يحسن البحث عنه. ومن ذلك المسائل المتعلقة بملك اليمين؛ فإنه ليس لها كبير فائدة في العصر الحالي.
وأما بخصوص السؤال المذكور فنقول: إذا كانت الزوجة لا يحل لها الامتناع عن معاشرة زوجها لها إلا لعذر، فمن باب أولى ألا يجوز لملك اليمين الامتناع عن معاشرة سيدها لها إلا لعذر؛ فإن وطأه إياها بملك اليمين أقوى من وطئ الرجل زوجته بعقد النكاح؛ لأن ملك اليمين يحصل به الملك التام، فيملك عينها ومنافعها، والنكاح لا يملك به إلا المنفعة التي يقتضيها عقد النكاح، فهو ملك مقيد.
فإذا امتنعت الزوجة أو ملك اليمين عن المعاشرة بلا عذر شرعي، فحينئذ يجوز للزوج أو السيد إجبارها على ذلك. إلا أنه ينبغي له مراعاة الحالة النفسية لها، والمعاملة بالحسنى والترفق في الأمور عموما، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم.
شانه: قبحه وعيبه.
وانظر للفائدة الفتويين: 15635، 33447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1430(11/20871)
من معانى الإسلام الاستسلام لله تعالى والتسليم لأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الفتوى رقم 26664 قرأتها كلها ولكن هل أفهم لو في دولة من الدول الآن عبيد أو رقيق وأنا اشتريتها تصبح حلالا لي دون زواج لأنه ما ملكت يميني؟ ثاني شيء-عفوا- يعني كيف ذكرت في القرآن؟ وكيف تقولون إن الله يحب الحرية يعني أنا لم أفهم أي شيء في هذه الفتوى نهائيا. وحاولت البحث في كل محركات البحث ولم أجد ردا. أقبل أيديكم أحد يرد علي لأني هكذا بجد بدأ إيماني يهتز. ربنا يثبتني إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر فيما يتعلق بالرق على ما ذكرنا بالفتوى المشار إليها، وهو أن الرق بمفهومه الشرعي غير موجود في عصرنا هذا ولا يوجد أرقاء. وأما الحكم الشرعي فيما يتعلق بالأرقاء فهو باق إلى يوم القيامة فإنه لم ينسخ. ولمعرفة حكم ملك اليمين وجواز معاشرتها راجع الفتوى رقم: 6186.
وما ذكرنا من كون الأصل في الإنسان الحرية لا ينافي أن يكون الرق مشروعا في حالات معينة لاعتبارات محددة وحكم عظيمة، وقد ذكرنا جملة من حكم مشروعية الرق في الإسلام بالفتوى رقم: 4341.
واعلم أن من ضمن معنى الإسلام الاستسلام لله تعالى والتسليم له في أحكامه، وهذا التسليم كذلك من مقتضى الإيمان، قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. {النساء:65} . وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا. {الأحزاب: 36} . فمن كان مؤمنا فما عليه إلا يتلقى أحكام الشرع بالرضى والتسليم وأن يقول سمعنا وأطعنا، قال عز وجل: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. {النور:51} . فلا يجوز لك وأنت مسلم وتؤمن بأن الله تعالى عليم حكيم ولا تصدر أحكامه إلا عن علم تام وحكمة بالغة، أن يكون في قلبك أي نوع من الشك تجاه هذه الأحكام وإن لم تدرك الحكمة من ورائها. وهذا لا يعني بحال أن لا يبحث المسلم عن الحكمة، فإن معرفتها تزيد القلب يقينا وطمأنينة كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. {البقرة} . وقد أحلناك على الفتوى التي بينت بعض حكم مشروعية الرق فنرى ضرورة مراجعتها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(11/20872)
هل يجوز للحر أن يهب نفسه لغيره كعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أحب أن أهب نفسي كعبد مملوك. هل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للحر أن يهب نفسه لغيره كعبد لأن ذلك يتنافى مع مقاصد الشريعة وتكريم الله تعالى للإنسان، وتشوف الشارع للحرية، فمن القواعد المتفق عليها أن الأصل في الإنسان الحرية، وإن احتمل أنه رقيق، فقد خلق الله تعالى آدم وذريته أحراراً، وإنما يكون الرق لعارض فلا يجوز ابتداء استرقاق المسلم، واسترقاق الكافر إنما يقع جزاء لاستنكافه عن العبودية لله تعالى، فجازاه الله بأن يصير عبدا لعباده.
والحاصل أنه لا يجوز للشخص أن يهب نفسه لغيره كعبد أو أمة، ولكن يجوز له أن يهب عمله وخدمته لمن يشاء كحر متبرع بما يملك.
وللمزيد من الفائدة عن الأسباب التي يحصل بها الرق انظر الفتوى: 15260. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(11/20873)
الحر لا يباع ولا يشترى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السفر إلى إلى بعض البلاد وتحكم الكفيل فينا يعتبر بالنسبة للكفيل ملك يمين أو خدما عنده؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد السفر إلى بلد ما لا يجعل الكفيل مالكا للمسافر لذلك البلد، وأما إن كان الكفيل استقدم شخصا ليكون أجيرا عنده في عمل معين فإن الأجير لا يكون مملوكا ملك اليمين وإنما يملك المؤجر منفعته في الوقت المحدد ويجب عليه أن يفي له بأجره المحدد، وأما الحر فلا يباع ولا يشترى، لما في حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ثمنه ولم يعطه أجره.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 103171، 32834، 15924، 62530، 45401.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(11/20874)
السبي والاسترقاق في الزمن المعاصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم السبي الآن؟ وهل حرم الاسترقاق؟ وكيف إن كان؟ ما هي شروطه وأحكامه وفوائده، فأفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على هذا السؤال ننبه السائل الكريم إلي أن السؤال عن الرق وأحكامه في هذا العصر غير وارد، لأنه مما لا يترتب عليه عمل، فقد انتهى الرق في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يضيع وقته فيما لا فائدة له فيه.
فقد تعامل الإسلام مع تلك الظاهرة التي وجدها قائمة بين أمم الأرض في تلك المرحلة من تاريخ الإنسانية، لأنه دين واقعي يعطي لكل مشكلة حلاً، فقد ظهر الإسلام والرق شائع في أمم الأرض كلهم، لا فرق عندهم بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة أو عدوان ظالم أو احتيال على أخذ الحر غدراً وخيانة، فضيق الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع، ثم سعى لتحرير الأرقاء بكل ممكن مشروع، ورغب في ذلك ترغيباً ظاهراً بفتحه وتكثيره لمجالات العتق، ككفارة اليمين والظهار والقتل، مع حثه وتأكيده على الإحسان إلى الرقيق وتعلميهم وتأديبهم وإكرامهم وإعانتهم.. ونهج في القضاء على هذه الظاهرة طرقاً كثيرة ولو استقام المسلمون على المنهج التام للإسلام لاختفى الرق وقضي عليه في البشرية كلها.
وأما عن حكم السبي والاسترقاق.. فلا نرى فائدة في تتبعها وتفصيل جزئياتها، فقد سبق أن بينا ذلك في كثير من الفتاوى، فنرجو أن تطلع على بعضها وهي تحت الأرقام التالية: 2372، 93501، 111429، 113892، 3272 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(11/20875)
لماذا لم يحرم الإسلام الرق
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: عندما ناقشت رسالة الدكتوراه هنا في فرنسا حول موضوع الإسلام والغرب قلت من بين عدة أشياء أخرى إن الإسلام حرم الرق والعبودية. هنا ثار أستاذ فرنسي وقال إن الإسلام لم يحرم ذلك بل ربما يشجعه وذكر الحضور بملك اليمين. السؤال لماذا لا يوجد نص ديني صريح يحرم الرق كما حرم الخمر والربا والخنزير وغيرها. شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة الرق من المسائل التي يفرح بها المرجفون، ودائما ما يثيرونها على أنها سبة في وجه الإسلام، وقد كذبوا في ذلك، فالإسلام لم يبتكر مسألة الرقيق، وإنما كانت أمراً قائماً في العالم، فجاء الإسلام بتنظيمها، وحصر أسبابها في سبب واحد فقط، وهو الأسر من الأعداء المحاربين، ووسع طرق التخلص منها، فرغب في إعتاق الرّقاب ابتداء، وجعل تحرير الرقاب كفارة ملزمة للقتل الخطأ، والجماع في نهار رمضان، والظهار، واختيارية لكفارة اليمين، فضيقت أحكام الشريعة مصدر الرق، ووسعت مصارفه ووسائل التخلص منه، وحفظت الشريعة حقوق الرقيق التي كانت مهدرة قبل الإسلام، ومشكلة الغرب أنه عندما حارب الرق ظن أن الرق في الإسلام كالرق عنده، والفرق بينهما شاسع.
ومن المعلوم أن من الباحثين من وضعوا الإسلام في موضع المتهم، وبدأوا يدافعون عنه، ولكن بلا علم فأفسدوا أكثر مما أصلحوا، وقد يكون السائل الكريم قد تأثر ببعض ما كتبوا فظن أن الإسلام حرم الرق أو كان ينبغي أن يحرمه يبين هذا قوله: لماذا لا يوجد نص ديني صريح يحرم الرق كما حرم الخمر والربا والخنزير وغيرها؟
والجواب هو أنه لا يوجد أصلا نص ولو كان غير صريح يحرم الرق في الإسلام؟ إن دلائل مشروعية الرق كثيرةٌ كتاباً وسنة، واتفق على جوازه المسلمون عبر العصور، وكان المسلمون أفضل من عامل الرقيق، ولو تأملت كتب الفقه والحديث وغيرها من كتب أهل الإسلام التي تناولت أحكام الرقيق لرأيت قمة السمو في التعامل وقمة الرحمة، وكيف حث الإسلام على عتق الرقيق ورتب عليه من أنواع العبادات والثواب ما لا تحيط به هذه الفتوى، ونحيل السائل على الفتاوى السابقة في هذا الموضوع، وسوف تتضح لك المسألة بعد قراءتها إن شاء الله تعالى، فراجع الأرقام التالية: 1166، 2372، 111429، 93501.
وراجع الفتوى رقم: 4341، وفيها بيان الحكمة من عدم تحريم الاسترقاق. والفتوى رقم: 12210، الإسلام والرق، والفتوى رقم: 5730، الإسلام وتحرير العبيد. والفتوى رقم: 8720، ملك اليمين ... معناه ... وأحكامه.
ونوصيك بقراءة كتاب: الإسلام والحضارة الغربية للدكتور: محمد محمد حسين رحمه الله، وكتاب شبهات حول الإسلام للأستاذ محمد قطب (ص 37-63) فإنك واجد فيهما ما يكفي. والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(11/20876)
كفارة ضرب السيد عبده ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ضرب السيد عبده ظلما فهل يجب عليه عتقه؟
ذكر نصوص الفقهاء إن أمكن حول هذه المسألة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الإسلام كفارة ضرب السيد لعبده ظلما أن يعتقه، ففي صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه؛ فإن كفارته أن يعتقه.
وفي رواية لأبي يعلى في مسنده: أن ابن عمر لطم غلاما له ثم أعتقه، فقال: مالي من أجره هذه، وأخذ شيئا من الأرض، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول من ضرب عبده ظالما لم يكن له كفارة دون عتقه.
قال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح.
وعن سويد بن مقرّنٍ - رضي الله عنه- قال: لقد رأيتني سابع سبعةٍ من بني مقرنٍ ما لنا خادمٌ إلا واحدةٌ لطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. رواه مسلم.
روى مالك في الموطإ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ قَدْ ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ أَوْ أَصَابَهَا بِهَا فَأَعْتَقَهَا.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 15648، 4492. وما أحيل عليه في الفتوى الأولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(11/20877)
ملك اليمين إذا أسلمت فهل تعتق على سيدها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن السبية من ملك اليمين إذا أسلمت هل تتحرر بذلك أم تتحول زوجة لمالكها أم تبقى أمة كما هي.
وأيضا كفارة بعض الذنوب هو عتق رقبة مؤمنة فهل المقصود عتق رقبة مسلمة أم يجوز عتق رقبة من أهل الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسبية المسترقة إذا أسلمت لا تتحرر بإسلامها بل تبقى رقيقة تحت يد سيدها، ولا يكون زوجا لها بل هو مالك لرقبتها، إلا أن يشاء زواجها فله أن يعتقها ويجعل عتقها صداقها أو يمن عليها بالعتق ثم يخطبها كسائر الخطاب ويتزوجها إذا رضيته، ولا يجتمع الزواج وملك اليمين لأن ملك اليمين أقوى، ولذا فإن من ملك زوجته انفسخ نكاحهما وصارت سريته يتمتع بها بملك اليمين لا بالزوجية.
وأما عتق الرقبة المؤمنة فالمقصود به الرقيق المؤمن ولا يجزئ فيه عتق رقبة كتابي أو غيره من الكفار لاشتراط الإيمان في الرقبة، لكن ورد الإطلاق في كفارة اليمين مثلا كقوله تعالى: فتحرير رقبة ولم يقيدها بإيمان، فهل تجزئ فيها عتق رقبة كافرة؟ الأكثر من كلام أهل العلم يرى أن الرقبة لا تجزئ في كفارة ما إلا إذا تحققت فيها صفات الإسلام والسلامة.
قال في المنتقى شرح موطأ مالك: فأما الإٍسلام فإنه لا يجزئ في كفارة إلا رقبة مؤمنة، والدليل على ما نقوله أن هذه رقبة مخرجة على وجه الكفارة، فاعتبر فيها الإيمان ككفارة القتل.
وفي فتح الباري عند قول البخاري في باب قول الله أو تحرير رقبة وأي الرقاب أفضل.
يقول ابن حجر: يشير إلى أن الرقبة في آية كفارة اليمين مطلقة بخلاف كفارة آية القتل، فإنها قيدت بالإيمان، قال ابن بطال حمل الجمهور، ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد، كما حملوا المطلق في قوله تعالى: وأشهدوا إذا تبايعتم على المقيد في قوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم.
وللمزيد انظر الفتويين: 6186، 68036.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(11/20878)
أضواء على حجاب الإماء وحد قذفهن
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت كثيرا عن الرق في الإسلام، لكن عند قراءتي لتفسير بعض الآيات الكريمة لم أفهم شيئا:عند تفسير آية الحجاب " 59 من سورة الأحزاب" قرأت ما يلي: قال السدي في هذه الآية: كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام الى طريق المدينة فيعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطريق يقضين حاجاتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة، فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة، فوثبوا عليها. انتهى.
وفي تقسير الآية التي بها حد القذف في سورة النور قرأت: العفيفات يعني الحرائر ثيبات أو أبكارا. انتهى. فهل معنى هذا أن غير الحرة يفعل بها أولئك الفساق ما يشاؤون دون رادع وهي الضعيفة؟
وهل إذا اتهم شخص أمة – غير حرة – بالزنا لا يؤمر بالإتيان بأربعة شهداء أو يجلد..؟ إذن كيف يتحقق من أنها زنت، وإن لم تكن قد زنت كيف يجبر خاطرها إذا اتهمت في عرضها، أو ليست نفسا؟
ما أظن الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم يتركون ضعافا دون حماية، فأرجو الإفادة جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان الإسلام قد حمى عرض المملوك وحرم عليه الزنى وحرم قذفه واغتصابه والاعتداء على عرضه، ولم يبح معاشرة الإماء إلا بملك اليمين أو بعقد صحيح بإذن الولي، ومن ارتكبت منهن الفاحشة يقام عليها الحد لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ {النساء:25} .
وقد منع الشرع ما كان عند أهل الجاهلية من الزنى بالإماء والاتجار بأعراضهن فقال الله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: الآية33} .
فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره معنى هذه الآية قائلا: كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة -في ما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف- في شأن عبد الله بن أبي بن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلبا لخراجهن، ورغبة في أولادهن، ورياسة منه في ما يزعم. انتهى.
وأما التفريق بين الحرائر والإماء في اللباس فإنما شرع رفقا بالإماء لما يعملنه من الخدمة ولا يراد به إباحتهن للفساق ولا إباحة النظر إلى مفاتنهن إن خشي الافتتان بهن، بل يجب غض البصر عمن تخشى به الفتنة منهن، كما يجب على السلطان منع الفساق من الاعتداء عليهن بما يردعهم، فقد قال الله تعالى في قمع مرضى القلوب: لَئِن لَّمْ ينتهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً. {الأحزاب:60- 61} .
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في أضواء البيان عند الكلام على معنى قوله: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ قال: لأن إدناءهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون للإماء، وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح، وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإماء جائز ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله: وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، في قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا {الأحزاب: 60-61} ومما يدل على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض، قوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ {الأحزاب: 32} ، وذلك معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى:
حافظ للفرج راض بالتقى * ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهن الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب. اهـ
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى: والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز ...
وقال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ {النور: 60} . فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم لعدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة، وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها. وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء، واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا، واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء، فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها. وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيه شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره، فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك، وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه، فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تختشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء.... وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة: مثل ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما: متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب. وهذه المواضع التي أمر الله تعالى بالاحتجاب فيها مظنة الفتنة؛ ولهذا قال تعالى: ذلك أزكى لهم ... اهـ
وأما بالنسبة للقذف.. فقد ذهب الجمهور إلى أن من قذف مسلما حرا بالغا عاقلا عفيفا عن الفاحشة التي رمي بها فقد استحق حد القذف، فخص الجمهور هذا الحكم بالأحرار، وسوَّى الظاهرية وبعض أهل العلم في الحد بين الحر والعبد، ولكنهم كلهم متفقون على تحريم قذف المماليك لما في الوعيد المترتب عليه في الحديث: من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال. متفق عليه.
قال ابن حجر في الفتح: قال المهلب: أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدا لم يجب عليه الحد ودل هذا الحديث على ذلك لأنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزا للأحرار من المملوكين فأما في الآخرة فان ملكهم يزول عنهم ويتكافؤون في الحدود ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو ولا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى. قلت: في نقله الإجماع نظر فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع سئل ابن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال يضرب الحد صاغرا وهذا بسند صحيح وبه قال الحسن وأهل الظاهر. وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن قذف أم ولد فقال مالك وجماعة يجب فيه الحد وهو قياس قول الشافعي بعد موت السيد وكذا كل من يقول أنها عتقت بموت السيد. وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد. وقال مالك والشافعي من قذف حرا يظنه عبدا وجب عليه الحد. انتهى.
وفي المحلى لابن حزم قال أبو محمد: اختلف الناس فيمن قذف عبدا أو أمة بالزنا: فقالت طائفة: لا حد عليه كما روي عن النخعي، والشعبي أنهما قالا جميعا: لا يضرب قاذف أم ولد. وعن حماد بن أبي سليمان قال: إذا قال رجل لرجل أمه أم ولد أو نصرانية: لست لأبيك؟ لم يضرب، لأن النفي وقع على الأم. وعن ابن سيرين قال: أراد عبيد الله بن زياد أن يضرب قاذف أم ولد، فلم يتابعه على ذلك أحد. وقد روي عن عطاء، والحسن، والزهري: لا حد على قاذف أم ولد. قال علي: وممن لم ير الحد على قاذف العبد والأمة: أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وعثمان البتي، والحسن بن حي، والشافعي، وأصحابهم. وقالت طائفة بإيجاب الحد في ذلك.
ونحسب أن هذا القدر كاف لما أثاره السائل مع التنبيه على أن أحكام الشرع صادرة من عليم خبير وهو أعلم بمصالح عباده وأرحم بهم من أنفسهم.
وعلى المسلم أن يذعن لكل ما صح من هذه الأحكام وليس له أن يعترض على شيء منها بمجرد رأيه واجتهاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1430(11/20879)
الأمة.. ومسألة الحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله ألف خير.. أما بعد: أريد الاستفسار عن صحة هذا القول: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يمنع الجواري من وضع الحجاب ويضربهن إذا تغطين وكان يؤمرهن على خدمة الصحابة وصدورهن مكشوفة لهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في تلخيص الحبير للحافظ أحمد بن حجر: أن عمر رضي الله عنه أنه رأى أمة سترت وجهها فمنعها من ذلك وقال: أتتشبهين بالحرائر. رواه البيهقي.
والأمة تحتاج إلى إبراز أطرافها للعمل فلم يوجب الشرع عليها ستر هذه الأشياء، وسبق بيان مذاهب أهل العلم فيما يجب ستره على الأمة.. وذلك في الفتوى رقم: 17830، والفتوى رقم: 46973.
وقد كان الإماء في ذلك الوقت وفي تلك البيئة -بما فيهن إماء عمر - رضي الله عنه وغيره من الصحابة -يقمن بالخدمة لأسيادهن وضيوفهم كاشفات عن شعورهن وصدورهن. وهذا شيء مألوف ومعروف بالنسبة لهم، لأن رأس الأمة وصدرها وما يظهر منها عند المهنة ليس بعورة، ولكن أهل العلم قيدوا هذا بأمن الفتنة كما بينا في الفتوى رقم: 114264..
ولعل الإماء المسؤول عن خدمتهن للصحابة كن ممن يؤمن الافتتان بهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1429(11/20880)
مسائل حول تشريع الرق في نظام الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: ْ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.
هل يوجد ما ملكت أيمانهم فى هذا الزمان؟ وإن كانت الإجابة بلا، كيف يعقل هذا والقرآن الكريم لا يقف عند زمان معين؟
ثانياً: نرى الآن التجارة المزدهرة بالنساء والأطفال من الدول الفقيرة في آسيا وشرق أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لصالح الدعارة، في رأيي الشخصي أنه يجب علينا-إن كان هناك ما ملكت أيمانهم في هذا الزمان-أن نعبِّدهم وتلك نعمة تمنها على أن عبَّدت بنى إسرائيل لحمايتهم من المصير المظلم الذي ينتظرهم وبخاصة أن أغلب الشباب المسلم فى هذا الزمان أصبح غير قادر على الزواج لظروف مادية أو أخرى.
إذا كان الجواب بلا على ما سبق، فهل يعقل أن نترك هذا الكم الهائل من النساء والأطفال لهذا المصير المظلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد انتهى الرق في عصرنا هذا، فلم يعد هناك عبيد ولا إماء لأسباب معروفة، وهذا لا يعني إبطال أحكام الرق إذا وجدت أسبابه، كالجهاد بين المسلمين والكفار، فإن نساء الكفار المحاربين سبايا تنطبق عليهن أحكام الرق وملك اليمين، وإن أبطلته قوانين أهل الأرض. وما لم توجد هذه الأسباب الشرعية، فالأصل أن الناس أحرار.
قال ابن قدامة في المغني: الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض، فله حكم الأصل. وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 8720. والأحكام المتعلقة بملك اليمين باقية ولكن بضوابطها، والأحكام الشرعية باقية أبد الدهر مع تغير الزمان، وقد سبق أيضا بيان ذلك في الفتوى رقم: 3272.
وقولنا بسد باب الرق وملك اليمين إلا ما كان منه بالطرق الشرعية ليس معناه أننا نترك هذا الكم الهائل من النساء والأطفال لمصير مظلم، من الوقوع في الرذيلة والاتجار بأعراضهم. فإن هذه المعضلة لا تنتهي بمجرد فتح باب الرق وملك اليمين، وإنما تنتهي إذا عاد للمسلمين دورهم في قيادة العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن تكون لهم القوة والتمكين في الأرض، فعندئذ يتحقق العدل في الأرض.
ثم ليعلم السائل أنه من المعلوم بالضرورة أن الحر لا يملك ولا يباع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة" وذكر منهم صلى الله عليه وسلم: "ورجل باع حرا" رواه البخاري. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 48339، 15924. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 78433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1429(11/20881)
تخفيف عن الرقيق لم يتمتع به الأحرار
[السُّؤَالُ]
ـ[الإسلام دين ألغي العبودية بالکامل لکن نري في بعض أحکامه عن النساء لماذا حق الجارية لا يتساوي مع حقوق المرأة الحرة، إنها إنسانه مثل کل النساء والإسلام دين قسط والجواري هن نساء کاملات، فلماذا هذا الفرق بالحقوق؟ شکراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي إكثار الكلام حول موضوع الرقيق لأنه لا يوجد الآن رقيق, وبالتالي فإنا لا نستطيع تصور الأمر حق تصوره, ولا أن نفهمه على حقيقته لأن الإنسان أسير لواقعه الذي يعيشه ويحياه، والإسلام نظم العلاقة بين الرقيق والسادة تنظيما رائعا حكيما، فأوصى الله تعالى السادة بالعبيد آكد وصية أن يحسنوا إليهم، كما يحسنون إلى أرحامهم وأقاربهم، وأن يطعموهم مما يأكلون، ويلبسوهم مما يلبسون، وأن لا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {النساء:36} ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم. بل إن من آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وملك اليمين (العبيد) ففي المسند وسنن ابن ماجه وغيرهما عن أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه. صححه الألباني.
وقولك أيها السائل: إن الإسلام ألغى العبودية بالكامل غير دقيق, بل نقول: ضيَّق الإسلام منافذ الرق وعمل على تجفيف أكثر منابعه حتى حصر الأمر في أسرى الجهاد المشروع، وليس في كل حالة بل حالة ما يرى الإمام ذلك.
وأما الفرق بين الحرة والمملوكة، أن المملوكة تعتبر مالاً ينطبق عليها ما ينطبق على المال، فتباع وتشترى وتوهب إلى غير ذلك، والحرة ليست كذلك ... على أنا نقول: إن الإسلام قد راعى ظروف الرقيق خصوصا الأمة (الجارية) فخفف عنها ما لم يخفف عن الحرة, فمثلا خفف عنها اللباس فلم يلزمها بما ألزم به الحرة من الحجاب وستر جميع البدن, بل خفف الأمر عليها لما تقتضيه ظروفها من الخدمة وغير ذلك، وأيضا خفف عنها حد الزنا إذا وقعت في هذه الجريمة فلم يجعل عليها الرجم بل ولا مائة جلدة وإنما جعل عليها خمسين جلدة فقط, وخفف عنها أيضا في حد القذف وشرب الخمر فجعل عليها نصف حد الحرة وهو أربعون جلدة, ولا فرق بين العبد والأمة في أكثر هذه الأحكام، ففي هذا وغيره تخفيف عن الرقيق لم يتمتع به الأحرار.
وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5730، 53688، 18574، 18713، 18851.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1429(11/20882)
حكم من يقول: ليس في القرآن ولا السنة ما يبيح الرق
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض العلماء: إن القرآن ليس فيه ما يبيح الرِّق، والسنة النبوية لم يكن فيها ما يبيح الرِّق، وأنَّه لو استرق محمد صلى الله عليه وسلم وأنشأ رِقّاً في حرب أو غير حرب لاتُّخذ عمله سنة باقية، وما جاز لأحد أن يُلغي الرِّق مِن بعده، فهل هذا الكلام صحيح؟ ولماذا وُجد الرِّق في عهد الصحابة، والصحابة هم الذين شاهدوا وأدركوا معاني النبوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنكار وجود الرق جهلٌ واضح بالكتاب والسنة، ومنشأ هذا القول هو الفرار من التهم الباطلة التي يلصقها الكفارُ وأذنابهم بالإسلام، وليس الإسلامُ موضوعاً في قفصِ الاتهام حتى ندافع عنه بإنكار الثابت ثبوتاً قطعياً، ولو تأملتَ كتاب العتق في كتب الفقه لعرفت مدى عناية الإسلام بالرقيق عنايةً يتمنى معها كثيرٌ من الأحرار في زماننا أن لو كانوا رقيقاً في عصور الإسلام الزاهرة، ولسنا بصددِ تقريرِ هذا المعنى الآن وإنما نحب أن نبين أن دلائل مشروعية الرق كثيرةٌ كتاباً وسنة، واتفق على جوازه المسلمون عبر العصور، قال تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. {المؤمنون 6} ، ومُلكُ اليمين هو الرقيق بلا نزاع، وأمرَ تعالى بتحريرِ الرقبة في كفارة قتل الخطأ والظهار واليمين. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:92} .
وقال تعالى في كفارة الظهار: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:3} .
وقال في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} .
فلو لم يكن الرق موجودا لما ساغ مثل هذا الأمر، وفي سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم- ما يفيدُ وقوع الاسترقاق منه مرات، فقد استرقَّ النساء والذرية من بني قريظة بحكمِ الله الذي أجراه علي لسانِ سعد بن معاذ رضي الله عنه، واسترقَّ من يهودِ خيبر ومن هذا السبي كانت أم المؤمنين صفية فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، ومن سبي بني المصطلق كانت أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها، في وقائع كثيرةٍ يَصعبُ حصرها ثبت فيها وقوعِ الاسترقاق منه صلى الله عليه وسلم، وبه تعلم سبب وجود الرق في زمن الصحابة وأنه امتدادٌ طبيعيٌ لما تقررت مشروعيته في عهد النبوة.
ثم اعلم أن باب الاسترقاق هو الجهادُ في سبيل الله فإن الكفار لما أبوا أن يدخلوا في الإسلام ويقروا بالعبودية لله أذلهمُ الله بأن جعلهم عبيداً لعبيده، ثم إن الاسترقاق كان عملاً جارياً منتشرا بين جميع أمم الأرض حتى الأعصار القريبة، فلماذا يكونُ مستنكراً في حقِ دينِ الإسلام وسُبةً في جبين المسلمين دون غيرهم؟، ولا توجد أمةٌ من الأمم عرفت للرقيقِ حقهم واعتنت بآدميتهم كأمة الإسلام، وقد رغّب الشرعُ في عتق الرقاب فجعله كفارةً لكثير من الذنوب ورتب عليه أجراً عظيماً إذا تطوع العبد به، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان إلى المملوكين، وأن يُطعمهم السيد من طعامه وألا يُكلفوا من العمل مالا يطيقون، فهل رأيت هذا قط لأمةٍ من الأمم أو شريعةٍ من الشرائع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(11/20883)
حكم بيع الحر نفسه للدائن لسداد دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت أن أحدا قد قام ببيع نفسه لسداد الدين الذي عليه فهل هذا يصح؟ أنا أعرف أن 3 حالات لملك اليمين، فهل هذه ضمن الحالة الثالثة يسدد دينا عليه لا يملك له المال ولا يستطيع أن يسدده أحد عنه؟ أو أنه دخل مقابل شيء فاضطر أن يبيع نفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز استرقاق حر في دَيْنٍ عليه، ولو برضاه، قال الحموي في غمز عيون البصائر: لا يجوز استرقاق الحر برضاه لما فيه من إبطال حق الله تعالى. اهـ.
وقال منلا خسرو في درر الحكام: والحكم بالحرية الأصلية حكم على الكافة أي كافة الناس حتى لا تسمع دعوى الملك من أحد, كذا العتق وفروعه فإن الحرية حق الله تعالى حتى لا يجوز استرقاق الحر برضاه. اهـ.
وكذا قال ابن الهمام في فتح القدير والكاساني في بدائع الصنائع.
فالأصل في الإنسان الحرية لا الرق، وقد اتفق الفقهاء على أن اللقيط إذا وجد ولم يعرف نسبه يكون حرا وإن احتمل أنه رقيق، قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على أن اللقيط حر.
وقال ابن قدامة: لأن الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا، وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل. اهـ.
والحرية حق لله تعالى فلا يقدر أحد على إبطاله إلا بحكم الشرع، فلا يجوز إبطال هذا الحق، ومن ذلك أنه لا يجوز استرقاق الحر ولو رضي بذلك.
وأما أسباب تملك الرقيق الثلاثة فهي:
أولا: استرقاق الأسرى والسبي من الأعداء الكفار ... ولا يجوز ابتداء استرقاق المسلم؛ لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق؛ لأنه يقع جزاء لاستنكاف الكافر عن عبودية الله تعالى فجازاه بأن صيره عبد عبيده.
ومما يلحق بذلك استرقاق الحربي الذي دخل إلينا بغير أمان، والذمي الناقض للذمة لأنه بذلك عاد حربيا.
ثانيا: ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق، سواء أكان أبوه حرا أم عبدا، وهو رقيق لمالك أمه، لأن ولدها من نمائها، ونماؤها لمالكها، وللإجماع.
ثالثا: الشراء ممن يملكه ملكا صحيحا معترفا به شرعا، وكذا الهبة والوصية والصدقة والميراث وغيرها من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(11/20884)
الفرق بين الوطء بملك اليمين وبين الزنى
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ جزاكم الله عنا خيرا ما الحكمة التي جعلها الله عز وجل في تحليل جماع ملك اليمين دون زواج وما الفرق بينه وبين الزنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الحكم الجليلة الجلية في إباحة وطء ملك اليمين ما يتحقق به من التعفف للمالك وللمملوك، كما أنه يؤدي إلى إزالة الحواجز بين السيد ومملوكته، وشعورها هي بأنها ليست أقل من غيرها لقربها من سيدها.
كما أن وطء المملوكة قد يؤدي إلى حملها من سيدها فتصبح أم ولد لا يجوز بيعها، وتعتبر حرة بوفاة سيدها ... إلى غير ذلك من الأسرار والحكم التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.
وأما سؤالك عن الفرق بينه وبين الزنى فلا علاقة بينهما؛ لأن الوطء بملك اليمين وطء مباح مأذون فيه شرعا كالوطء بعقد الزواج. وأما الزنى فهو وطء غير مأذون فيه واعتداء على بضع محرم. قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5-7} وللفائدة ننصحك بمراجعة الفتوى رقم: 6186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(11/20885)
كيف تتعامل المرأة مع العبد المملوك لها بعد عتقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن عتق الرقبة من باب الأجر والفائدة يعني هل إذا عتقت رقبة شخص يكون بعدها حرا أو في مسؤوليتي يعني أقدر أستفيد منه.
لتوضيح السؤال أكثر: أنا أريد أعتق رقبة من بلد معين ويكون مسلما محافظا على دينه, والإعتاق كما سمعت ب 8000 ريال بغرض أنه يكون سائقا عندي على طول بدون مايكون فيه فيزا انتهت ولا أي شيء, وممكن أن أركب معه كأخي مثلا يعني هل يحل لي طبعا أكون أصرف عليه بالنفقه والمأكل والمشرب ويعيش في ملحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
العتق من أفضل القربات إلى الله تعالى، ولايجوز للمعتق استخدام معتقه إلا برضاه وطيب نفسه، والمعتوق كغيره ممن لم يسبق عليه رق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عتق الرقاب المسلمة من أفضل القربات إلى الله تعالى؛ جاءت بذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة.. كما سبق بيانه في الفتوى: 25395. وما أحيل عليه فيها.
والعبد المعتوق يصبح حرا كغيره من الأحرار في الواجبات والحقوق والتصرفات؛ فلا يجوز لمن أعتقه أن يستخدمه في أي نوع من أنواع الخدمة إلا برضاه وطيب نفسه.
وإذا أعتقت المرأة رقبة ذكر فإنه يعتبر أجنبيا عليها إلا إذا كان محرما لها بسبب آخر؛ فلا يجوز له أن يخلو بها، كما لا يجوز لمن أعتق أمة أن يخلو بها ولا أن ينظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من الأجنبية منه.
وعلى هذا؛ فلا يجوز للمرأة أن تخلو بمن أعتقته أو تستخدمه في عملها الخاص إلا إذا كان متبرعا لها برضاه وطيب نفسه أو بأجرة..؛ لأنه أصبح حرا كغيره من الأحرار.
فقد روى أبو نعيم بسنده في حلية الأولياء قال: اشترى أبو بكر بلالا رضي الله عنهما بخمسة أواق فأعتقه فقال يا أبا بكر إن كنت أعتقتني لله فدعني حتى أعمل لله، وإن كنت إنما أعتقتني لتتخذني خادما فاتخذني, فبكى أبو بكر وقال: إنما أعتقتك لله، فاذهب فاعمل لله تعالى. كما ذكره الذهبي في السير.
هذا، وننبه السائلة الكريمة إلى أن الرق اليوم مفقود في جميع البلاد، ولايوجد- حسب علمنا- في أي مكان.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى: 18574.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(11/20886)
جواب شبهة حول استرقاق النساء والصبيان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نفسر استرقاق النساء والأولاد وبيعهم في الإسلام، وما هو ذنبهم وهم لم يحاربوا، والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجاب عن هذا السؤال سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) ، ضمن حديثه عن قاعدة اجتماع المصالح والمفاسد حيث قال: المثال الحادي والأربعون: الإرقاق مفسدة، ولكنه من آثار الكفر فثبت في نساء الكفار وأطفالهم ومجانينهم، زجراً عن الكفر وتقديماً لمصالح المسلمين. وكذلك إذا اختار الإمام إرقاق المكلفين من الرجال. أما إرقاق الرجال فمن آثار الكفر. وأما إرقاق النساء والصبيان فليس عقوبة لهم بذنب غيرهم وإنما هو عقوبة بالنسبة إلى الآباء والأمهات، وهي بالنسبة إلى النساء والصبيان مصيبة من مصائب الدنيا، كما يصابون بالأمراض والأسقام من غير إجرام. انتهى.
وبهذا يتبين أن استرقاقهم ابتلاء من جهة، وقد تترتب عليه مصلحة تعود إليهم في أنفسهم من جهة أخرى، كمصلحة الزجر عن الكفر التي أشار إليها ابن عبد السلام، وكذلك مصلحة الترغيب في الإسلام فإنهم إذا عاشوا بين المسلمين ورأوا سماحة الإسلام في معاملتهم ربما قادهم ذلك للدخول في الإسلام، ومن هنا منع بعض العلماء مفاداة النساء والصبيان بالمال.
قال ابن قدامة في المغني: ومنع أحمد من فداء النساء بالمال، لأن في بقائهن تعريضاً لهن للإسلام، لبقائهن عند المسلمين، وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الأكوع، ولأن في ذلك استنقاذ مسلم متحقق إسلامه، فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله، ولا يلزم من ذلك احتمال فواتها لتحصيل المال، فأما الصبيان فقال أحمد: لا يفادى بهم وذلك لأن الصبي يصير مسلماً بإسلام سابيه، فلا يجوز رده إلى المشركين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1429(11/20887)
الحكمة من الوعيد الشديد للعبد الآبق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة في تشديد الوعيد في الأحاديث الشريفة على العبد الآبق؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لعل التحذير من إباق العبد وترهيبه من ذلك هو الحفاظ على الحقوق والممتلكات.. لما يؤديه تضييعها من عدم استقرار المجتمع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ترهيب الشارع من إباق العبد وتشديده في ذلك- والله أعلم- هو للمحافظة على حقوق الناس وممتلكاتهم لما يؤدي إليه تضييعها من المشاحة وعدم استقرار المجتمع كما هو الحال في الترهيب من نشوز المرأة وخروجها عن طاعة زوجها.
ويقابل الترهيب تأكيد على حقوق الأرقاء والأمر بالمحافظة على مشاعرهم وأحاسيسهم والرفق بهم والإحسان إليهم، وعدم تكليفهم من العمل ما لا يطيقون، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ... الحديث. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم:.... لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي. متفق عليه.
ينضاف إلى هذا ما ورد من الشارع في الحض على عتق الرقاب وتوسيع أبواب العتق بكثرة وسائله من كفارات وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(11/20888)
حكم هبة المرأة نفسها لرجل لتكون ملك يمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعزب ولا أزكي نفسي على الله ولكني أظن أني ملتزم إن شاء الله.... وقد دعتني امرأة أحسبها متدينة وملتزمة وتخاف ربها لأن تكون ملك يميني وذلك بأنها في حكم العزباء وهي كما أراها متدينة وتخشى الله رب العالمين ... وليكون سؤالي واضحاً ومفصلاً كي أحصل على إجابة شافية إن شاء الله سأشرح كما يلي: أخبرتني بأنها وهبت نفسها لي لأكون ملكها وهي مملوكة يميني ويحق لي عتقها وتحريرها من هذا الملك متى شئت ولكنها تسأل الله العفة والحلال على يد من تراه صالحاً ويتقي الله فيها وأن الرجل قد يبحث عن ملك يمين في حال لم يكن له زوجة وهو الحل الثاني للرجل المحتاج للنكاح والحافظون لفروجهم حيث ليس لهم سوى زوجاتهم ومملوكات اليمين ويحرم غير ذلك من عادة سرية أو زنى أو زواج متعة أو زواج عرفي دون إشهار ولا طاعة للزوجة عليه ومسكن ولا نفقة وإن كان فيه مهر فهو شبه معدوم وقد يجر الشاب لما فيه من تكرار واحتيال على شرع الله في بنات الإسلام وذلك لما ورد في القرآن في سورة المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وكلانا لا نريد أن نتبغي وراء ذلك والعياذ بالله من كل سوء وفاحشة ... فأفتوني جزاكم الله كل خير وجعل فيكم الخير وألهمكم الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ملك اليمين لا يكون إلا بأحد أمور ثلاثة مبينه في الفتوى رقم: 6186، والفتوى رقم: 37796.
وبمراجعة هاتين الفتويين تعلم أنه لا يحق للمرأة أن تهب نفسها لرجل لتكون ملك يمينه ولا يجوز له هو وطؤها والاستمتاع بها بمجرد ذلك، وبناء عليه فليس لتلك المرأة أن تهبك نفسها فتكون ملكاً لك ولا يجوز لك أنت ذلك أيضاً، لكن لك أن تتزوجها بإذن وليها وبمهر يسير فيبارك الله في زواجكما، لما في الحديث: إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة. رواه أحمد. وإذا أسقطت حقها من النفقة ومن المسكن فلا حرج في ذلك، وانظر الفتوى رقم: 44235، والفتوى رقم: 37028.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(11/20889)
حالات جواز الاسترقاق
[السُّؤَالُ]
ـ[في اجابة عن السؤال بالفتوى رقم 6186 ذكرتم أنه لا يجوز استرقاق المسلم..
وسؤالي هو ما معنى تكرار (أمر الكفارة في الإسلام بتحرير رقبة مؤمنة) أكثر من مرة.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن لم نقل في الفتوى التي أشرت إلى رقمها ولا في غيرها من فتاوانا أنه لا يجوز استرقاق المسلم، وكل ما ذكرناه في المسألة هو أن الإنسان يدخل في ملك اليمين بواحد من ثلاثة أمور هي:
1- استرقاق الأسرى والسبي من الأعداء الكفار، فلا يجوز ابتداء استرقاق المسلم؛ لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق، والاسترقاق يقع جزاء لاستنكاف الكافر عن عبودية الله تعالى، فجازاه بأن يصير عبد عبيده، إلى آخر ما ذكرناه في تلك الفتوى ...
وليس معنى هذا الكلام أن المسلم لا يصح استرقاقه. ولو كان الأمر كذلك لكان ذلك متناقضا مع الآية الكريمة التي أشرت أنت إليها وهي قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:92} . ومعنى ما ذكرناه هو أنه لا يجوز استرقاق حر مسلم.
والمسلم يصح استرقاقه، لكن بشرط أن يكون إسلامه طارئا بعد استرقاقه، أو يكون ورث الرق عن أمه.
وهذا الحكم ليس خاصا بالمسلم، بل مثله الكافر المعاهد أو الذمي ونحوهما، فلا يصح أن يسترق أحد منهم لم يكن رقيقا من قبل.
ونعتقد أن هذا القدر يكفي لتفهيمك ما سألت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(11/20890)
أحكام ملك اليمين متفرقة في ثنايا كتب الفقه والحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[هلا كتبت لي أسماء كتب تتكلم عن أحكام ملك اليمين والعبيد؟ وشكراً لك.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أحكام ملك اليمين والعبيد متفرقة في كتب الحديث والفقه حسب موضوعها، لأن منها ما يتعلق بالعبادات ومنها ما يتعلق بالمعاملات، ولم نقف على من أفردها بتأليف خاص.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننطراً لأن أحكام ملك اليمين والعبيد منها ما يتعلق بالعبادات ومنها ما يتعلق بالمعاملات؛ فإنها توجد متفرقة في كتب الحديث والفقه في جميع المذاهب بحسب الأبواب والمواضيع التي يتحدث عنها المؤلف فيذكر في كل باب ما يخص الأرقاء من الأحكام بدءاً بباب الصلاة وانتهاء بباب التركة والميراث، وهناك بعض الأبواب التي تختص بالرقيق مثل باب العتق وباب التدبير والمكاتبة. ولم نقف على كتاب معين متخصص في أحكام الرقيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(11/20891)
الأجراء العاملون في المنازل ليسوا من ملك اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[في زمن كثرت فيه هموم الأسرة المسلمة الحريصة أن ترتفع بنفسها متبعة في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) هل يقصد عليه الصلاة والسلام الخدم الذين نستخدمهم اليوم (العاملة المنزلية والسائق) , وجزاكم الله خيراُ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد في الحديث بملك اليمين الأرقاء الذين هم ملك لساداتهم ولهم أحكام تخصهم منها ما يجب عليهم ومنها ما يجب لهم؛ مثل الرفق بهم وإنفاقهم وكسوتهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون، ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على مراعاة حقوقهم والرفق بهم، أما الخدم الأجراء فلا علاقة لهم بهذا الحديث لأنهم ليسوا ملكا لأحد، وإنما هم أحرار وحرائر مستأجرون لا تجوز خلوة الرجل بنسائهم ولا خلوة المرأة برجالهم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حث على الوفاء مع الأجير وحذر من مماطلته، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره. ولمزيد التفصيل تراجع الفتوى رقم: 45401.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1428(11/20892)
كيف يملك العبد حريته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان شخص ما جده مملوكا (عبداً) لأحد ثم بعد مرور الزمن تحرر تلقائيا أي بدون معاملات رسمية، فهل يصبح هذا الشخص حراً هو وأفراد أسرته أم يلزمه أن يتحرر رسميا من قبل ورثة الجد الذي اشترى المملوك (العبد) الأول حتى وإن لم يطالبه أحد الورثة بذلك، وهل يمكن لحفيد المملوك هذا أن يؤم الناس للصلاة قبل أن يتحرر؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السيد لا يملك أبناء أحفاد عبده؛ بل ولا يملك أبناءه المباشرين إلا إذا كانوا أبناء لأمته المملوكة له، لأن أبناء العبد تابعين لأمهم، فإذا كانت حرة كانوا أحراراً وإذا كانت رقيقة كانوا أرقاء لسيدها، والعبد لا يصير حراً بما ذكر؛ ت بل لا بد أن تكون الحرية من قبل سيده بعتق أو مكاتبة أو تدبير ... ثم إن سبق الرق على الشخص نفسه لا أثر له في الأحكام الشرعية فأحرى أن يكون له تأثير على أبنائه أو أحفاده.
فكثير من أئمة السلف الصالح ومنهم بعض الصحابة الكرام سبق عليهم الرق أو على آبائهم أو أجدادهم ولم يكن لذلك تأثير عليهم فكانوا يتولون المناصب القيادية الشرعية والاجتماعية ... بعد حريتهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولذلك فلا مانع أن يؤم حفيد المملوك الناس في الصلاة ... بل لا مانع أن يؤم العبد الرقيق الناس في غير الجمعة، وسبق بيان بعض الأحكام المتعلقة بالرق في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48824، 6186، 18851، 52878 نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(11/20893)
الرق في زماننا وحكم تمكين المرأة مملوكها من نفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف أن الرجل إذا كان لديه مملوكة للأبد يجوز له الاستمتاع بها، لكن ماذا إذا كانت المالكة امرأة والمملوك رجل لأنها تعيش في بيت لوحدها ولديها مملوك امتلكته ملكا كاملا مع أنها استمتعت به وأنجبت منه طفلين توأم هي من جنسية خليجية وهو من جنسية هندية، سؤالي: هل يجوز لها الاستمتاع به، وهل هي آثمة؟ وشكراً، عذراً لا أريد مراجعة فتاوى أخرى أريد الإجابة عن هذه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن نظام الرق كان معروفاً قبل الإسلام، وكانت له طرق كثيرة يحصل بها كالغلبة والدين والسرقة والتلصص، وغير ذلك مما يطول ذكره، فلم يكن عند الناس حينذاك فرق بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، أو عدوان ظالم، أو احتيال على أخذ الحر غدراً وخيانة وأكل ثمنه، فكان الغالب يسترق المغلوب، وكان المدين إذا لم يجد قضاء لدينه مكن غريمه من بعض أولاده يسترقه، أو مكن من نفسه إن لم يجد غيرها، وكان السارق يسترق كما هو معروف من قصة يوسف عليه السلام مع إخوته أنه سألهم: قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ {يوسف:74-75} ، وكان المرء إذا احتاج باع بعض ولده لينفق بثمنهم، وكان اللصوص وقطاع الطرق يسترقون كل من وجدوه وتغلبوا عليه، فجاء الإسلام متشوفا للحرية فسد كل الأبواب المفضية للاسترقاق غير باب واحد، وفتح أبواباً كثيرة ليتحرر الناس من العبودية، فشرع عتق الرقبة كفارة لليمين، والنذر، وللظهار وفي الصيام وفي القتل، وأوجب تحرير أم الولد بموت السيد وكذا المدبر، وأوجب تنجيز العتق على من أعتق البعض أو مثل برقيقه، وندب إلى الإعتاق ورغب فيه أيما ترغيب.
وقد انتهى الرق في عصرنا هذا أو أوشك على الانتهاء فلم يعد هناك عبيد ولا إماء يتبايع فيهم على الوضع الذي كان سائداً حتى عهد قريب، فقولك: إن المرأة موضوع السؤال لديها مملوك امتلكته ملكاً كاملاً ... إلى آخر ذلك، يعتبر في الحقيقة قولا غير مقبول الآن، ومن أين لها أن تملك هذا الرجل ملكاً كاملاً؟ فهل اشترته من نفسه؟ أو من أهله؟ أو أُعطي لها؟ أو ماذا؟ فإذا ثبت وتقرر ما ذكرناه فمن المستبعد أن يُملك رقيق بعدُ، لأن من تقررت حريته لم يصح بيعه.
وعلى أية حال، فإننا لو افترضنا -جدلاً- أن المرأة كانت تملك ذلك الرجل ملكاً كاملاً، كما هو وارد في السؤال، فإنه لا يجوز له أن يطأها، ولا أن يستمتع منها بشيء، وإذا وطئها كان ذلك زنا محضاً، ولم ير أهل العلم ملكها له شبهة تدرأ الحد عنهما، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق ... إلى أن قال: كأن يطأها مملوكها ... وقال عليش في منح الجليل شارحاً: فيحدان اتفاقا قاله اللخمي إن كان بالغاً ولم يعقدا نكاحاً، إذ لا شبهة لهما، فإن كانا عقداه فلا يحدان لأنها شبهة وإن فسد. انتهى.
ولم نقف على أحد من أهل العلم خالف في هذا، فتبين من هذا أن الواطئ والموطوءة المسؤول عنهما قد أثما إثماً كبيراً فيما ارتكباه من الزنا، وقد استحقا به الحد، ولا يلحق الولدان بالواطئ، وإنما ينسبان إلى أمهما، لأن كل وطء لا يدرأ فيه الحد لا يثبت معه النسب إلا في الحالات التي أشار إليها علي الزقاق بقوله:
ونسب والحد لن يجتمعا * إلا بزوجات ثلاث فاسمعا
مبتوتة خامسة ومحرم * وأمتين حرتين فاعلم
وليست هذه منها قطعاً، وهذا كله على ما افترضناه جدلاً، فمن باب أولى أن يكون هذا زنا صريحاً لما قدمناه من استحالة تملك تلك المرأة لذلك الرجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(11/20894)
الرق في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاسترقاق من قبيل المعاملة بالمثل، ورد الاعتداء بمثله، فإذا كان ذلك فإن غزوة بدر، لم تسبق بحرب، ولم يكن استرقاق من جانب المشركين نعاملهم بمثله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرق كان معروفاً ومنتشراً بين أمم الأرض قبل ظهور الإسلام فكان العرب في جاهليتهم والعجم الذين من حولهم وخاصة الفرس والروم يسترقون بسبب وبدون سبب، فجاء الإسلام فضيق أسباب الرق وحصره في الحرب على الكفر معاملة بالمثل، ونظم العلاقة بين الأسياد والأرقاء، وكانت غزوة بدر سنة اثنتين من الهجرة النبوية وكان المستضعفون من المسلمين لا يزالون في أيدي قريش بمكة يؤذونهم أشد مما كانوا يفعلون بالمسلمين قبل الهجرة.
ومع أن الاسترقاق كان معروفاً عندهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسترقهم، لكنه عاملهم بما جاء في القرآن الكريم في قول الله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا {محمد:4} ، فمن النبي صلى الله عليه وسلم على بعضهم وفدى بعضهم كما قتل بعض العتاة ومجرمي الحرب الذين كانوا ينكلون بالمسلمين وينتهكون حقوق الإنسان -كما يقال اليوم- ولم ينقل إلينا أنه استرق أحداً منهم مع جواز ذلك له معاملة لهم بالمثل لو أسروا أحد المسلمين كما فعلوا بخبيب ورفاقه، وسبقت لنا فتاوى عن الرق وما يتعلق به نرجو أن تطلع عليها تحت الأرقام التالية: 52878، 4341، 12210، 27120.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1428(11/20895)
هل يملك العبد كالحر وهل تجب عليه الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أجاز الظاهرية أن يملك العبد كما يملك الحر على السواء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى في المحلى: ملك العبيد والإماء للمال وكونهم أغنياء وفقراء كالأحرار. وأما غير الظاهرية من المذاهب فقد اختلفوا هل يملك العبد أو لا؟ والقائلون بملكه يرون أن ملكه ناقص ليس كملك الأحرار ومن ثم لا تجب عليه زكاته، وهل تجب على السيد أم لا، فيه خلاف، وقد فصل ذلك أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية فقالوا: ذهب الحنفية والشافعية في قول، وهو رواية عن أحمد عليها المذهب، وسفيان وإسحاق: إلى أنه يجب على السيد أن يزكي المال الذي بيد عبده. قالوا: لأن العبد لا يملك ولو ملكه سيده. فما بيده من المال مملوك على الحقيقة والكمال للسيد فتجب عليه زكاته.
وذهب مالك وأبو عبيد وهو قول للشافعية ورواية عن أحمد: إلى أنه لا زكاة في مال الرقيق ولا على سيده. قال ابن المنذر: وهذا مروي أيضاً عن ابن عمر وجابر والزهري وقتادة. ووجهه أن الرقيق آدمي يملك، كما تقدم، فلا تجب على السيد زكاة ماله، لأن المال للعبد وليس للسيد، ولا تجب على العبد، لأن ملكه لماله ناقص، إذ يستطيع السيد انتزاع مال رقيقة متى شاء، والزكاة لا تجب إلا فيما هو مملوك ملكاً تاماً، ولأنه لا يملك التصرف في ذلك المال.
وشذ ابن حزم الظاهري فأوجبها عليه كالحر حيث قال: والزكاة فرض على الرجال والنساء الأحرار منهم والحرائر والعبيد، والإماء، والكبار والصغار، والعقلاء، والمجانين من المسلمين، ولا تؤخذ من كافر، قال الله عز وجل: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ {البقرة:43} ، فهذا خطاب منه تعالى لكل بالغ عاقل، من حر، أو عبد، ذكر أو أنثى، لأنهم كلهم من الذين آمنوا، وقال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا {التوبة:103} ، فهذا عموم لكل صغير وكبير، وعاقل ومجنون، وحر وعبد، لأنهم كلهم محتاجون إلى طهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(11/20896)
تحريم وطء الجارية المشتركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت مملوكة -يعني جارية- والحمد لله على كل شيء، لا نعلم عن أمور السيد والجارية إلا القليل، سؤالي هو: أنا بنت بكر فهل لسيدي الحق في معاشرتي، وسيدي له إخوان فهل لهم الحق في معاشرتي لأنهم دائماً يتحرشون بي، ويقولون إني لهم جميعاً، وهل للسيد الحق في معاشرة الجارية حتى ولو كانت متزوجة من رجل آخر، وآخيراً أمي وأنا وأخواتي عددهن خمسة وكلنا جاريات لرجل واحد، فهل له الحق في معاشرتنا جميعاً، وهل هذا يجوز في الإسلام، فأفيدونا؟ جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نعلمه أن الرق بالمعنى الذي أقره الشرع لا يكاد يكون موجوداً اليوم، والمعنى الشرعي للرق، قد سبق بيانه في الفتوى رقم: 18851، وتراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 2372، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 12210.
ونجيب على ما أوردت من أسئلة على وجه العموم فنقول:
أولاً: إن من ملك جارية ليس بينه وبينها محرمية من نسب أو رضاعٍ، فله الحق في وطئها بملك اليمين من غير حاجة إلى عقد أو إشهاد، وتسمى سرية له لا زوجة.
ثانياً: إن الأمة إذا كانت مشتركة بين أكثر من واحد فلا يحل لأي منهم وطؤها، قال ابن قدامة في المغني: لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في تحريم وطء الجارية المشتركة.... انتهى.
ثالثاً: إن الأمة إن كانت تحت زوج لا يحل لسيدها وطؤها.
رابعاً: إن الجمع بين الأختين، أو بين الأم وابنتها، في الوطء بملك اليمين محرم في قول أكثر أهل العلم، وكره ذلك بعضهم ولم يحرمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(11/20897)
حقوق المملوك وواجباته في الشريعة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو لدي صديق مملوك ويجهل أي شي عن العبد المملوك ماله وما عليه جزاكم الله ألف خير أفيدونا فيما يخوص المملوك من حقوق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن احكام الشريعة التي تناولت مجالات الحياة كلها بعدل وحكمة وإتقان قد بينت أحكام الأرقاء وعلاقتهم بأسيادهم وما لكل واحد منهم من حقوق وما عليه من واجبات.
فمن حق المملوك الإحسان إليه، والعدل معه، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، والإحسان إليهم يكون بإطعامهم مما يطعم وبإلباسهم مما يلبس. ولا يحرج مشاعرهم بالقول كقوله عبدي وأمتي.
فقد قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء: من الآية36} وقال صلى الله عليه وسلم: إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء لله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي. رواه البخاري ومسلم.
هذه بعض حقوق المملوك في الشريعة الإسلامية ولا يتسع المجال لأكثر من هذا.
وأما ما عليه من الواجبات فالنصح لسيده والطاعة له بالمعروف فيما يستطيع، وقبلها طاعة الله تعالى. فإذا أمر السيد بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإذا فعل ذلك كان ممن يؤتون اجرهم مرتين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ويؤدبها ثم يعتقها فيتزوجها، ومؤمن أهل الكتاب كان مؤمنا ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده. رواه البخاري ومسلم.
وللمزيد راجع الفتاوى: 8720، 4492، 78433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(11/20898)
حكم شراء المستعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء العبيد والإماء من الذين يبيعونهم في دول شرق آسيا ودول أوروبا الشرقية وهم موجودون حاليا مع العلم أن العبيد والإماء الذين عندهم حصلوا عليهم إما بالخطف أو السرقة أو بسبب الفقر؟ وهؤلاء التجار يعاملونهم معاملة البهائم أو أسوأ، فهل يجوز لنا شراؤهم ثم نعاملهم معاملة حسنة وندعوهم للإسلام أو نعتقهم ونكسب الأجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان حرا واستعبده الناس ظلما لا يجوز بيعه ولا شراؤه، ولكن يسوغ لمن أراد الإحسان أن يساعده على الافتداء ممن استعبده؛ كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه، ولا شك أن الاهتمام بأسارى المسلمين والسعي في إطلاق سراحهم أهم بكثير من الاهتمام بهؤلاء إن كانوا لا يزالون كفارا، لأن السعي في إطلاق الأسير المسلم واجب على المسلمين، وراجع للمزيد في الموضوع، وفي الإحسان إلى الكافر، وفي أسباب الاسترقاق الشرعي الفتاوى التالية أرقامها: 23035، 12798، 18851، 77990، 8720، 52878، 15924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(11/20899)
الإسلام.. والرق
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك سؤال أرجو إفادتنا بالإجابة عليه، وهو: ما حكم الشرع في ملك العبيد في وقتنا الحالي مع أنهم مسلمون، وهل يجوز المتاجرة بهم على الرغم من إسلامهم، فهل هم من ملك اليمين، أفيدونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الإسلام والرق موجود في كل الأمم، ويتخذ بكل الطرق، ويستعمل بأبشع الصور، فكان الناس يسترقون بكل وسيلة ممكنة، فأغلق الإسلام جميع طرق الاسترقاق وحرمها جميعاً؛ إلا طريقاً واحداً هو الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله معاملة بالمثل لما كان سائداً في تلك الفترة من تاريخ البشرية، وفتح كثيراً من الأبواب للخروج منه، فحث على العتق، ورغب فيه بكل وسيلة، وجعله كفارة لكثير من المخالفات الشرعية، وخصص نصيباً من الزكاة لعتق الأرقاء، وحث على مساعدة الأرقاء حتى يتخلصوا من العبودية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارما في عسرته، أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. رواه أحمد.
ومن بقي منهم بعد هذا في الرق وجبت معاملته بالرفق والاحترام، فقال صلى الله عليه وسلم: إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ... الحديث. متفق عليه.
وأوجب احترم مشاعرهم ونفسياتهم، فقال صلى الله عليه وسلم:.... لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي. متفق عليه.
وإذا تأملنا في النصوص العامة للإسلام ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأرقاء علمنا أن الإسلام يهدف إلى تحرير العبيد، ولذلك قال أهل العلم: إن الشارع متشوق للحرية. إذا علمنا هذا وعلمنا أن أمم الأرض اليوم متفقة على تحرير العبيد، فإن الإسلام هو أول من يرحب بذلك، وهو الذي كان يسعى إليه، كما يسعى إلى تحرير الشعوب من الاسترقاق الجديد الذي تمارسه القوى العظمى على الشعوب الضعيفة بطرق أخرى. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2372، 5730، 12210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(11/20900)
امتلاك الرقيق واستخدامه فيما يطيق من الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار غفر الله لكم.
صحوت على نفسي بعد أن كبرت فوجدت أني عبد ما زلت مملوكا لبشر مثلي.قد تظنون أنها أسطورة ولكنها الحقيقة. أنا من بلد ما زالت فيه العبودية. عمري يزيد على الثلاثين سنة وحاصل على شهادة عليا , ولكني لا أنام أحيانا عندما اكتشفت بعض الجماعات في بلادي يقولون إنى ملك لهم فهل هذا من الإسلام وإذا كان الأمر كذلك فما هو حكمي. فهل أرجع وأرعى لهم الغنم. وأنا أعلى منهم شهادة وثقافة أم ماذا؟ وتفاصيل القصة أطول. جزاكم الله خيرا. وما هي العبودية في الإسلام وما سببها؟ أرجو أن توضحوا للناس جزاكم الله خيرا. فالدين محارب هذه الأيام جزافا ودون دليل فكيف إذا كان فيه ما يمثل دليلا للمتربصين به الدوائر. أنا متضرر من هذا الأمر وقد يجعلني أهرب من بلادي.
ملاحظة أنا الآن أعيش وأعمل في دولة خليجية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الإسلام والرق شائع في أمم الأرض كلهم، لا فرق عندهم بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، أو عدوان ظالم، أو احتيال على أخذ الحر غدرا وخيانة وأكل ثمنه. فضيق الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع، ثم سعى لتحرير الأرقاء، ورغب في ذلك ترغيبا ظاهرا بفتحه وتكثيره لمجالات العتق، ككفارة الفطر في رمضان، وكفارة اليمين والظهار والقتل ...
ومع هذا كله فإنه لا يوجد نص من كتاب أو سنة يحرم امتلاك ما ملك من الرقيق ملكا شرعيا صحيحا، واستخدامه فيما يطيقه من الأعمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(11/20901)
حج العبد المملوك واعتماره بغير إذن مالكه
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو عن العبد المملوك، هل يجوز له الحج أو العمرة بدون إذن مالكه، وهل يجوز أن يتقدم العبد بالمصلين الأحرار في الصلاة، وهل له حقوق اجتماعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبد المملوك لا يجب عليه الحج ولا العمرة، لأنه مستغرق في خدمة سيده، ولأن الاستطاعة شرط ولا تتحقق إلا بملك الزاد والراحلة، والعبد لا يملك شيئاً، ويأثم إذا أحرم بهما أو بأحدهما بغير إذن سيده، ولو حج أو اعتمر في الرق بإذن سيده أو بغير إذنه فيجب عليه أن يؤديهما مرة أخرى بعدما يعتق، قال ابن قدامة رحمه الله: وليس للعبد أن يحرم بغير إذن سيده، لأنه يفوت به حقوق سيده الواجبة عليه، بالتزام ما ليس بواجب.
وقال ابن قدامة أيضاً: ومن حج وهو غير بالغ أو عبد فعتق، فعليه الحج، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد بقوله خلافاً على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وعتق العبد أن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليها سبيلاً، كذا قال ابن عباس وعطاء والحسن والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وأصحاب الرأي، قال الترمذي: وقد أجمع أهل العلم عليه. انتهى، وتراجع الفتوى رقم: 76893 لبقية الإجابة على السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(11/20902)
إمامة المماليك وحقوقهم على مالكيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: عن العبد المملوك هل يحق له أن يصلي بالأحرار ويتقدمهم؟ ثانيا: ما حقوق العبد المملوك ما له وما عليه، يعني حقوقه وحقوق مالكه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في إمامة العبد لمثله وللأحرار لما في المصنف لابن أبي شيبة عن عائشة: أنها كان يؤمها مدبر لها، أي عبد علق على موتها. وعن الحسن وابن سيرين قالا: لا بأس أن يؤم العبد، وفي مطالب أولي النهي للرحيباني الحنبلي: ولا تكره إمامتهما: أي العبد والمبعض بحر إذا كان أحدهما إمام مسجد أو صاحب بيت جزم به غير واحد، لأن ابن مسعود وحذيفة وأبا ذر صلوا خلف أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد. رواه صالح في مسائله. انتهى.
وفي المجموع للإمام النووي رحمه الله: لا تكره إمامة العبد للعبيد والأحرار، ولكن الحر أولى. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال أبو مجلز التابعي: تكره إمامته مطلقا، وهي رواية عن أبي حنيفة، وقال الضحاك: تكره إمامته للأحرار ولا تكره للعبيد. انتهى.
هذا بالنسبة لغير الجمعة، أما الجمعة فلا تصح إمامة العبد فيها عند بعض أهل العلم كالحنابلة والمالكية، قال ابن قدامة في المغني بعد ذكره من لا تجب الجمعة عليهم كالعبد والمرأة والمسافر ونحوهم: ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء ولا يصح أن يكون إماما فيها وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها، ووافقهم مالك في المسافر إلى أن قال: ولنا أنهم من غير أهل الفرض فلا تنعقد الجمعة بهم، ولم يجز أن يؤموا فيها كالنساء والصبيان، ولأن الجمعة إنما تنعقد بهم تبعا لمن انعقدت به، فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة صار التبع متبوعا. انتهى.
والراحج جواز خطبة وإمامة العبد في الجمعة وغيرها إلا أنه لا يحسب من العدد الذي لا بد من توفره في الجمعة بل يكون زائدا عنه، قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه (الأم) : والاختيار أن يقدم أهل الفضل في الإمامة على ما وصفت، وأن يقدم الأحرار على المماليك، وليس بضيق أن يتقدم المملوك الأحرار إماما في مسجد جماعة ولا في طريق ولا في منزل ولا في جمعة ولا عيد ولا غيره من الصلوات، فإن قال: قائل كيف يؤم في الجمعة وليست عليه؟ قيل ليست عليه على معنى ما ذهبت إليه إنما ليست عليه بضيق عليه أن يتخلف عنها كما ليس بضيق على خائف ولا مسافر وأي هؤلاء صلى الجمعة أجزأت عنه. اهـ.
وأما حقوق المماليك على مالكيهم سواء كانوا ذكورا أو أناثا فهي الإحسان إليهم في الإطعام والملبس والمسكن وكل ما يحتاجون إليه، وعدم تكليفهم من العمل ما لا يطيقون وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وصاياه وهو على فراش الموت: الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملكت أيمانكم، فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه. رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أنس. وقوله صلى الله عليه وسلم: هم إخوانكم خولكم ـ خدمكم ـ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. رواه الشيخان عن أبي ذر.
وعلى العبد أن يراعي حق سيده وذلك بطاعته في غير معصية الله، وحفظ ماله ومصالحه وأسراره ونحو ذلك مما لا يحب سيده أن يظهر للناس وله في ذلك أجر، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين وذكر منهم: العبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(11/20903)
الحر لا يسترق بشراء أو هبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الذهاب إلى شرق آسيا وشراء النساء والتمتع بهن على اعتبار أنهن رقيق؟ وماهي شروط الرقيق في الوقت الحاضر؟ وهل موجودة فعلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم استعباد الحر أو استرقاقه رجلا كان أو امرأة بأي وسيلة كان الحصول عليه بالشراء أو الهبة.
وكذلك لا يجوز له الاستمتاع بغير زوجته أو أمته كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون: 5 ـ 7} والحصول على الرقيق له طريق واحد لا سواه هو السبي في الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فهذا هو الشرط الذي يصح به استرقاق الكافر, ولذلك فهو غير موجود الآن حسب علمنا، والأصل في الناس جميعا أنهم أحرار كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 69260، 1627، 2372، 12210 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1427(11/20904)
حكم الاستمتاع بغير الكتابية بغير زواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل المسلم الاستمتاع بالمرأة غير الكتابية بدون زواج، إذا رضيت هي أن تكون محظية له بدون إكراه، في مقابل أن تعيش في بيته وينفق عليها أو يمنحها مبلغا ماديا، شريطة أن تكون له وحده، وبمعرفة أهله ومجتمعه، وهل يدخل هذا في إطار ملك اليمين، لقد سمعت فتوى بأن هذا مباح وأنه لا يعتبر زنا، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض، ولذا أجمع أهل العلم على أن اللقيط حر، إذا وجد ولم يعرف نسبه.
ويدخل الإنسان في ملك اليمين بواحد من أسباب ثلاثة سبق بيانها في الفتوى رقم: 6186، ولا يجوز الاستمتاع بملك اليمين بالوطء أو مقدماته، إلا بشروط بيانها في الفتوى المحال عليها.
وعليه فهذه المرأة ليست بملك يمين، وبالتالي لا يجوز الاستمتاع بها بمقابل ولا بدون مقابل، ولا يجوز الزواج بها، لعدم كونها من أهل الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1426(11/20905)
يجوز الاستمتاع بالإماء المملوكات لمن كان عنده أربع زوجات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تفسير الآية الكريمة \\\" وما ملكت يمينك مما أفاء عليك الله\\\" فهل للرجل المتزوج بأربع نساء وعنده ملك يمين، فهل يحل ل أن يتزوجهن مع احتفاظة بزوجاته الأربع وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز أن يجمع الرجل بين أكثر من أربع زوجات، سواء كن حرائر أو إماء، وأما الجمع في الوطء بين أكثر من أربع إماء دون عقد وإنما بملك اليمين فلا مانع منه إذ لا يتقيد بعدد.
قال الإمام الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: وأما الجمع بين الأجنبيات فنوعان أيضا: جمع في النكاح، وجمع في الوطء ودواعيه بملك اليمين.
أما الجمع في النكاح فنقول: لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإماء عند عامة العلماء..
وأما الجمع في الوطء ودواعيه بملك اليمين فجائز، وإن كثرت الجواري، لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. أي إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح المثنى والثلاث والرباع بإيفاء حقوقهن فانكحوا واحدة، وإن خفتم أن لا تعدلوا في واحدة فمما ملكت أيمانكم؛ كأنه قال سبحانه وتعالى: هذا أو هذا، أي الزيادة على الواحدة إلى الأربع عند القدرة على المعادلة وعند خوف الجور في ذلك الواحدة من الحرائر وعند خوف الجور في نكاح الواحدة هو شراء الجواري والتسري بهن، وذلك قوله عز وجل: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذكره مطلقا عن شرط العدد.
وقال تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. من غير شرط العدد. وقال عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مطلقا، ولأن حرمة الزيادة على الأربع في الزوجات لخوف الجور عليهن في القسم والجماع، ولم يوجد هذا المعنى في الإماء، لأنه لا حق لهن قبل المولى في القسم والجماع. اهـ.
ومن هذا يعلم السائل أنه لو فرض أن رجلا عنده إماء يملكهن جاز له الاستمتاع بهن ولو كان عنده أربع زوجات، وراجع الفتوى رقم: 2372 والفتوى رقم: 1166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1426(11/20906)
أوجه الفرق بين الزوجة والجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الزوجة والجارية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالجارية الأمة المملوكة، وتختلف أحكامها عن الزوجة من عدة أمور:
1- أن الزوجة لا بد في نكاحها من عقد وصداق وشهود وولي، بينما الأمة المملوكة يطؤها سيدها من غير حاجة إلى عقد أو توابعه
2- أن الزوجة يجب لها القسم إذا كانت لها ضرة أخرى، بخلاف الأمة، فليس لها ذلك.
3- أن الزوجة لا يجوز العزل عنها إلا بإذنها، بينما الأمة يجوز لسيدها العزل عنها بغير إذنها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 47344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1426(11/20907)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن شراء الفتاة من أهلها أي الأم والأب وتعتبر جارية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحر لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بشيء من ذلك مطلقاً، قال السرخسي: والآدمي بدون وصف الرق لا يكون محلا للبيع. وأسباب الرق محصورة فيما ذكرناه في الفتوى رقم: 6186.
وما عداها من الأسباب فهو باطل لا يصح، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى السابقة والفتوى رقم: 8720.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(11/20908)
قياس العاهرات على الجواري
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا نستطيع قياس الجواري في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعاهرات المأجورات في هذا العصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القياس في مثل هذا لا يصح لوجود الفارق بين المقيس والمقيس عليه، ولمصادمته لنصوص الوحي، وذلك أن الجواري المملوكات والزوجات أباح الله الاستمتاع بهن، وحرم ما سوى ذلك، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون: 5-7} .
وقد حرم الله الزنى وحرم نكاح العاهرات إن لم يتبن فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء: 32} .
وقال: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ {النور: 3} .
فالواجب البعد والحذر الشديد من مخالطة العاهرات لما في مخالطتهن من الضرر الديني والخلقى والصحي على من يأتيهن.
فقد تكون الواحدة منهم مصابة بمرض من الأمراض الفتاكة التي تصيب بالعدوى مثل الإيدز أو غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(11/20909)
علاقة السيد بأمته والسيدة بعبدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما نظرة الإسلام للعبيد باختصار، نحن مسلمون في أوروبا تثار من حولنا الفتن ليس لغرض المناقشة والاستفادة وإنما لغرض الاستفزاز! هم يتهمون الإسلام بانتهاك الأعراض وسرقة الحريات ونحن نقول لهم إن الإسلام لم يحرم تجارة العبيد ولكن حدد الواجب في التعامل معهم والتعايش معهم، ووضح لنا حقوقهم وواجباتهم وما لهم وما عليهم، وأنه ليس هو نفس المصطلح للاستعباد الذي نعرفه في معاملة البيض مثلا للسود في أمريكا، وإنما الإسلام جعل للعبيد والإماء حقوقا لم يكن العبيد يقفون أمامها حيارى ولم يحسوا أنهم كانوا مضطهدين، بل إن هذه الحقوق أدت إلى دخول كثير من العبيد في الإسلام، وهم هؤلاء الذين يدخلون الجنة وهم مكبلون فيعرفهم الناس أنهم هم الذين أسروا وهم كفار ثم أسلموا، نرجو من حضرتكم بارك الله فيكم التفصيل في هذا الموضوع حيث إنهم لا يقبلون مثل هذه الحجج، فهلا أفدتمونا إن شاء الله برأيكم في الموضوع وقربتموه لنا بما يتناسب مع الفكر الإنساني البسيط، كما نرجو منكم عافانا الله وإياكم أن تعطونا رأيكم في حكم ما يجب على العبد أو الأمه في موضوع العورات والوطء، هل تظهر الأمة على عورة سيدها أو العبد على عورة سيدته، بل ما هو الضابط في حكم وطء السيد للأمة والعبد لسيدته، حيث إنهم يفسرون الآيات في أنه لا حرج على المسلم أو المسلمة أن يبدي زينته لما ملكت يمينه بما تهوى أنفسهم، هذا وما كان من صواب فهو من الله وما وقع من سهو أو خطا أو نسيان فمني أو من الشيطان؟ أخوكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبه في البداية إلى أمرين:
الأول: أن على المسلم أن يستيقن بأن دين الله الإسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره، وأن جميع ما ثبت في الوحي هو الحق الذي لا محيد عنه، وأن العصمة من المشاكل وتحقيق الطموحات سببها الأقوى هو التمسك بالدين والحفاظ على طاعة الله والتعوذ به من كل دابة هو آخذ بناصيتها.
الثاني: أن أهم ما ينبغي الاعتناء به تجاه التعامل مع النصارى هو السعي في هدايتهم ودعوتهم للتوحيد ومهاجمتهم بما عندهم من التناقض في مسألة التثليث، فليكن المسلم جسورا في الحوار معهم ومهاجماً لهم، وأن يستيقن أن ضعفه هو عن جواب شبههم لا يعني قوة حججهم.
وأما عن نظرة الإسلام للعبيد فإن محمدا صلى الله عليه وسلم وجد ظاهرة العبودية موجودة في العالم، فقد وجد سلمان الفارسي وهو ابن رئيس قرية من قرى فارس مملوكاً عند اليهود، وكان الروم النصارى تملكوا صهيب بن سنان وهو عربي قح من قبيلة النمر بن قاسط إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقد أغلق الإسلام كثيراً من أبواب الاسترقاق التي كانت مفتوحة، وفتح عدة أبواب للعتق، فرغب في العتق تطوعاً وجعله كفارة واجبة في الظهار، والقتل خطأ، والجماع في رمضان، وكفارة اليمين والنذر إلى غير ذلك، وقد أوجب على السادة توفير السكن والملبس والغذاء لمملوكيهم من نفس نوع سكن وملبس وغذاء السادة أنفسهم، وحضهم على الرفق بهم وأن لا يكلفوهم ما لا يطيقون.
وأما عن مسألة علاقة السيد بأمته والسيدة بعبدها، فإن الإسلام قد أباح للسيد الذكر الاستمتاع بأمته وفي هذا رفع لشأنها، فإن الأمة إذا استمتع بها سيدها ربما تأتي منه بولد فيرتفع قدرها بذلك وتكون حرة بعد موت سيدها لا تورث ولا تباع، وأما الحرة فلا يجوز لها أن تستمتع بعبدها إجماعاً، ولكن لها أن تعتقه وتتزوجه إذا شاءت ذلك، وراجع للمزيد من التفصيل فيما ذكرنا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12210، 4341، 47344، 4492، 5730، 27120، 27945، 31768، 10326، 30506، 54711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1426(11/20910)
مارية القبطية هي أم ولد رسول الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قبطي أحرج خليجيا في الانترنت، قال القبطي إن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم زنى بمريم وأراد إخفاء الحدث واستدل بحديث يقول إن سنده فيه ست رواة واستدل بآية في القرآن أيضا ;كيف نرد عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ألجأ النصارى للطعن في نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم هو محاولة زعزعة المسلمين عن دينهم، وصرف الناس عن الخلل الموجود في كتابهم المحرف، وللرد على الشبهة نقول: إن هذا القول من الكذب والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمارية القبطية هي أم ولد رسول الله عليه وسلم أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية مع حاطب بن أبي بلتعة سنة سبع من الهجرة، وأسلمت على يده قبل وصولها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يستمتع بها بملك اليمين. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المؤمنون:5ـ6} .
والاستمتاع بالمجامعة وغيرها بملك اليمين مشروع معروف قبل الإسلام وبعده، ولمعرفة أحكام ملك اليمين راجع الفتاوى: 2372، 8720، 6186، 26907.
أما الحديث المشار إليه فرواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه وسعيد بن منصور والدارقطني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منزل حفصة فلم يجدها وكانت قد خرجت إلى منزل أبيها، فدعا مارية إليه، وأتت حفصة فعرفت الحال، فقالت يا رسول الله: في بيتي وفي يومي وعلى فراشي، فقال: إني أسر إليك سراً فاكتميه. فنزل قوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ {التحريم: 1} . وفي لفظ من حديث عمر عند الدارقطني: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة ... ثم ساق نحوه. قال الحافظ في تلخيص الحبير: وبمجموع هذه الطرق يتبين أن للقصة أصل اً. اهـ. والحديث إن صح لا يدل على طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان منه ما كان من القول إرضاءًَ لزوجه حفصة وليس لكونه أمراً منكراً حاشا لله من ذلك.
وننصح السائل بعدم الدخول على تلك المواقع حتى لا يتشوش أو يتأثر بهذه الشبه التي هي متهاوية في حقيقتها، وليقتصرفي دخولها على المتخصصين من أهل العلم دفاعا عن الإسلام وقمعا للباطل. كما ننبه السائل أن اسم أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم مارية وليس مريم كما ذكر في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(11/20911)
شراء الأمة.. وحالات جواز الاستمتاع بها
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المنتديات.. طلبت إحدى الأخوات السعوديات العثور لها عن (أمة) عربية..وبمتابعتي للموضوع.. اتضح لي أن هذا الأمر سائد في السعودية وهي شراء الرقيق..وعلى حد علمي أن الإسلام حثنا على عتق الرقاب باعتبارها من الكفارات..علما بأنها تنوي شراء الأمه لخدمتها وبمال زوجها فردت عليها إحدى الأخوات السعوديات بأن لا تشتريها بمال زوجها لأنها ستصبح حليلة له في الفراش..فما الحكم الشرعي في هذا الموضوع.. وهل هو حرام لأن الأخت ذكرت أن الدين الإسلامي لم يحرم شراء الرقيق....!! فأتمنى من سيادتكم إفادتي في هذا الأمر بفتوى أعطيها للأخوات مدعمة بالأدلة من القرآن الكريم والأحاديث..
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شراء الأمة للخدمة -على افتراض وجودها الآن- لا حرج فيه شرعا، فقد كان لأمهات المؤمنين جواري، فقد قالت ميمونة رضي الله عنها: كانت لي جارية فأعتقتها فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: آجرك الله، أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك. رواه أبو داود وبعضه في الصحيحين.
وأما شراؤها بما ل الزوج وما يترتب عليه، فإنه إذا ملَّكها المال فاشترت به أمة، فإنها تكون ملكا لها، ولا يجوز له هو الاستمتاع بها، وكذا إذا اشتراها الزوج بماله وملكها للزوجة فإنها تصبح ملكا لها، ويحرم على الزوج الاستمتاع بها.
وأما إذا اشتراها بماله ولم يصرح بأنه ملَّكها للزوجة فإنها تكون ملكا له ويجوز له التمتع بها، مالم يكن بينه وبينها ما يمنع ذلك، كأن تكون أخته في الرضاعة مثلا، وإنما جاز له التمتع بها لدخولها في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المؤمنون:5ـ6} . ولقوله صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجتك أوما ملكت يمينك. رواه الترمذي وحسنه الألباني. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2372، 8747، 12210، 26907، 32834، 4341، 18851.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(11/20912)
لا توطأ الحرة إلا في نكاح صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع اعتبار في هذا الزمن أي امرأة على أساس (وما ملكت أيمانكم) بحيث إني لا أتزوجها بل أقوم بالصرف ماديا عليها، وأعاملها معاملة الزوج لزوجه وأوفر لها سبل الحياة وإن جاءني ولد منها سأعترف به حيث إني غير قادر على الزواج مادياً وللأسف الناس يغالون في المهور في حين الأجنبية لا تطلب شيئاً، الرجاء الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بملك اليمين في الشرع الإماء المسترقات، وقد مضى أسباب الاسترقاق في الفتوى رقم: 6700.
ومن هذا يتبين لك المراد بملك اليمين التي يجوز وطؤها من غير حاجة إلى عقد وتوابعه، أما غيرها وهي الحرة وكذا الأمة التي ليست ملكاً لك، فلا يجوز لك بحال وطؤها إلا في نكاح مستوفي الشروط منتفي الموانع كما بينا في الفتوى رقم: 1766 وإلا كنت زانياً ولا يخفى ما في الزنا من الحرمة وانظر الفتوى رقم: 10108.
وبخصوص ما تحججت به من الفقر فإنه لا يبيح لك الإقدام على هذه الكبيرة، بل عليك البحث عن امرأة صالحة تناسب حالك لتتزوجها، وإن لم ييسر الله تعالى لك ذلك، فعليك بالصوم، فهو علاج لمن تاقت نفسه إلى الزواج ولم يقدر عليه، كما جاء في الحديث المتفق عليه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(11/20913)
مسائل حول الجواري في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما حكم الجواري في الإسلام، مع العلم بأنني أعرف شخصاً مقيماً في دولة الإمارات وهو يبيع الجواري من الجنسية الروسية، وهذا الشخص هو لبناني الجنسية، مع العلم بأن هذا الشخص يبيع الفتيات وفي نفس الوقت إذا أراد شخص أن يقضي وطره مع إحداهن يستطيع مقابل قدر مالي معين، ثم يقوم بإرجاعها إلى الشخص اللبناني، فأفيدونا أفادكم الله بالإجابة ولا يخفى عليكم حال الفتن في هذه الأيام وما يراه شبابنا المسلم من مروعات، وأرجو توضيح الإجابة بالأدلة الشرعية بارك الله فيكم، مع كل التفاصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرق إما أن يكون موجبه سبي الكفار في حروبهم مع المسلمين، والإمام مخير فيهم بين خمسة أمور، منها الاسترقاق، قال خليل: كالنظر في الأسرى بقتل أو من أو فداء أو جزية أو استرقاق ...
وإما أن يكون حاصلا من استيلاد الأمة من غير سيدها، وإما أن تملك الجواري بالشراء ممن يملكهن ملكاً صحيحاً، فهذه هي الطرق التي يمكن تملك الجواري بها، وراجع فيها فتوانا رقم: 18851.
ولا يمكن أن نتعرض إلى ما إذا كان يمكن اليوم وجود جوار مملوكة ملكا شرعياً أم لا، فتلك أمور تخضع لأنظمة الدول، وليست داخلة في مجال اختصاصنا، المهم أن الجارية إذا كانت مملوكة ملكا شرعيا فلسيدها الحق في بيعها، ولمن ملكها أن يستمتع بها كما يستمتع بزوجته، إن لم يكن ثمت مانع شرعي، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المؤمنون:6} .
وأما أن يعطي الإنسان قدرا من المال من أجل أن يقضي وطره من الجارية، فهذا هو صريح الزنا الذي نهى الله عنه في قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {النور:33} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(11/20914)
الأسباب الشرعية للرق
[السُّؤَالُ]
ـ[قلتم في إحدى الفتاوي إن للمسلم الحق في شراء العبيد أو الرقيق من غير المسلمين إذا كان امتلاكهم صحيحا ومعترفا به شرعا والسؤال متى يكون امتلاك الكافر للعبيد امتلاكا شرعيا حتى يجوز الشراء منه. ...
وبارك الله فيكم؟ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤالك ـ أخي الكريم ـ نريد أن ننبهك إلى أن السؤال عن مسائل بيع العبيد وشرائهم في هذه الأيام لا ينبغي لأنه من العلم الذي لا عمل وراءه، وينبغي السؤال عما ينفع وعما يتبعه عمل. أما عن سؤالك فاعلم أن أسباب الرق الصحيحة هي: أولا: استرقاق الأسرى والسبي من الأعداء الكفار، وقد استرق النبي صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم. ثانيا: ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق، سواء، أكان أبوه حرا أم عبدا، وهو رقيق لمالك أمه، لأن ولدها من نمائها، ونماؤها لمالكها. ثالثا: الشراء ممن يملكه ملكا صحيحا معترفا به شرعا، وكذا الهبة والوصية والصدقة والميراث وغيرها من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر، ولو كان من باع الرقيق أو وهبه كافرا معاهدا أو حربيا مالم يكن قد استرقه حرا وهو مسلم أو معاهد، فإذا كان قد استرقه حرا وهو مسلم أو معاهد فلا يقر على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(11/20915)
حرمة وطء الأمة الكافرة بالملك
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد قرأت فتوى لكم بخصوص وطء الأمة وأنها يجب أن لا تكون كافرة لكي يمكن وطؤها،
ولكني قرأت فى كتاب آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أجاز للمسلمين وطء نسوة أوطاس
فما الصحيح في ذلك أثابكم الله؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما اطلعت عليه في موقعنا من حرمة وطء الأمة الكافرة بالملك هو الذي عليه أكثر أهل العلم منهم الأئمة الأربعة، قال ابن قدامة في المغني: أن من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل الكتاب لا يباح وطء الإماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم، منهم: مرة الهمذاني والزهري وسعيد بن جبير والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي، وقال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ.
وأما ما ورد من الأحاديث يخالف هذا القول فهو مؤول، ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُك ُمْ أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن. رواه مسلم.
قال النووي معلقا على هذا الحديث: اعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة، وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل لا بد منه.
ومما أول به كذلك نسخ إباحة وطئهن بقوله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنّ َ [سورة البقرة: 221] . وهذا القول عزاه ابن قدامة لابن عبد البر.
ومن هذا؛ يتضح للسائل وجه التوفيق بين النصوص في المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(11/20916)
الشرع يحتاط للفروج أكثر من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في إستيضاح نقطة أشكلت علي من فضيلتكم عطفا على جوابكم في الفتوى رقم 50417 ...
تم وصف (البغاء) بالزنا.. فما هو تعريف الزنا أو ما يقوم مقامه بالنسبة للجارية، لأنه كما أعلم فإنه من حق السيد أن يهب جاريته لآخر حرا أو عبدا لليلة أو لأقل أو أكثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للزنا في الشرع تعريفين: أحدهما عام يشمل كل ما حرم الله عز وجل من المس والنظر، والآخر خاص، وقد عرفه العلماء بقولهم: الزنا تغييب حشفة بالغ عاقل في فرج دون شبهة عمداً.
فعلى الأولى تترتب العقوبة والتعزير والتأديب باجتهاد الحاكم، وعلى الثاني يترتب الحد: مائة جلدة للبكر والرجم للمحصن، وعليهما يترتب الإثم والعقوبة في الآخرة لمن لم يتب، ولتفاصيل وأدلة ما ذكرنا مجملاً نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 8448، 6186.
وأما ما ذكرت من أنك: تعلم أن من حق السيد أن يهب جاريته لحر أو عبد ليلة أو أقل أو أكثر، فإن كان قصدك أنه يجوز للموهوب الاستمتاع بها في هذه الفترة، فهذا باطل لا يصح ولا يقول به عاقل لما فيه من استعارة الفروج الممنوع شرعاً والممقوت طبعاً، ومن المعلوم أن الشرع يحتاط للفروج أكثر من غيرها، ولهذا أجاز أهل العلم القرض (السلف) في كل شيء إلا في الجواري مع حثهم على القرض وأنه من فعل الخير.
مع العلم أنه لا يجوز لمن ملك أمة ملكاً شرعياً أن يستمتع بها إلا بعد استبرائها بحيضة إذا كانت حائلاً أو بوضع حملها إن كانت حاملاً، ولهذا نرجو من السائل الكريم أن يتحرى الصواب ويدقق في معلوماته، أما إذا كان قصدك إعارتها للخدمة المجردة في هذه الفترة فلا مانع من ذلك، لأنه من باب الإخدام.
وننبه السائل الكريم إلى أنه لا داعي للخوض في هذا الموضوع الذي أكثر من الأسئلة حوله وأبدى فيه وأعاد ... فالخوض في مسائل الرق اليوم لا معنى له، لأنه غير موجود في واقع الناس ولا يترتب على مسائله عمل ولا ينبني عليها حكم، ولهذا ننصح السائل الكريم باستغلال وقته فيما ينفعه في دينه ودنياه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1425(11/20917)
ولاء وميراث الأرقاء الذين تشتريهم الدولة أو تأمر بعتقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قامت كثير من الدول الإسلامية بإعلان تحرير الأرقاء منذ عشرات السنين، وذلك مقابل تعويض سادتهم بمبالغ مالية، والسؤال: هل بقي لسادتهم السابقين ممن تسلموا تعويضاتهم أي ولاء على أولئك الأرقاء الذين حررتهم الحكومات؟ وفي حالة الوفاة وعدم وجود وارث، هل يحوز الميراث من قد تسلم تعويضه عن عبده؟ أو أن الميراث يكون للدولة التي دفعت التعويض؟ وإذا كان للدولة فهل هو من جهة التعصيب والولاء، أو لكونه لا وارث له؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد إذا اشترته الدولة بمال الخزانة العامة وأعتقته يكون ولاؤه لعامة المسلمين، لشبهه بمن اشتري بمال الزكاة، ولا يكون ولاؤه لمالكه الأصلي، لأن الولاء لمن أعتق، كما في حديث الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الولاء لمن أعتق.
قال مالك في المدونة: إنما تفسير "وفي الرقاب" أن يشتري رقبة يفتديها فيعتقها فيكون ولاؤها لجميع المسلمين.
وهذا إذا كانت الدولة قد اشترتهم وأعتقتهم، أما إذا أمرت الدولة سادة الأرقاء بعتقهم مقابل تعويض لهم فإن الولاء يكون للسادة. قال ابن قدامة في المغني: ولو قال: أعتقه والثمن عليَّ، كان الثمن عليه والولاء للمعتق، وإنما كان الثمن عليه لأنه جعل له جعلا على إعتاق عبده فلزمه ذلك بالعمل، والولاء للمعتق لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه، ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه، فيبقى للمعتق، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق.
وبناء على الاحتمال الأول فإن ميراث الموالي عند عدم وجود وارث يوضع في بيت مال المسلمين إذا كان منتظما، وإن لم يكن بيت المال منتظما فإنه يوضع في المصالح العامة كالمدارس الدينية وغيرها، كما قال المباركفوري في شرح الترمذي: وإنما ورثت الدولة ماله من جهة الولاء والتعصيب وعدم وجود وارث من النسب، لأن الولاء يعصب به، كما في الحديث: الولاء لحمة كلحمة النسب. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الألباني.
وبناء على على الاحتمال الثاني، فإنه يرث المولى معتقه إن كان حيا ثم أقرب عصبته.
قال ابن قدامة في المغني: إن المولى العتيق إذا لم يخلف من يرث ماله كان ماله لمولاه، فإن كان مولاه حيا فهو لأقرب عصبته، ونسب هذا القول لجمهور أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1425(11/20918)
من أحكام ملك اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إعطاء توضيح مفصل حول موضوع ملك اليمين من حيث:
1- معنى ملك اليمين
2- هل يمكن أن توجد ملك اليمين في هذا العصر
3- ما الفرق في المعاشرة بين ملك اليمين والزنا
4- لو تخلى الرجل عنها وتركها فأين مصيرها وماذا يترتب لها من حقوق؟
5- ماذا لو حملت وما مصيرها ومصير مولودها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الإسلام وظاهرة الرق وامتلاك الإنسان للإنسان شائعة بين الشعوب، ووجد طرق الاسترقاق والاستعباد كثيرة ومتنوعة، فأبطل كل الأسباب ما عدا واحدا، وفتح طرقا متعددة للحرية ورغب فيها، وهذا ما تدل عليه نصوص الكتاب والسنة النبوية، ويدرك هذا كل من له دراية بالتشريع الإسلامي، حيث جعل كفارات الفطر في رمضان والحنث في اليمين والظهار من الزوجة وقتل النفس عتق رقبة مؤمنة، بل رغبت السنة في العتق ابتغاء وجه الله تعالى، وإن لم يوجد سبب من هذه الأسباب، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل أرب منها أربا منه من النار.
ونجد القرآن أحيانا يعبر عنهم بملك اليمين، قال القرطبي في تفسيره: وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها.
ثم إن الإسلام كفل حقوق الأرقاء بأن أوجب نفقتهم على أسيادهم ونهى عن تحمليهم من الأعمال ما لا يطيقون.
أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه فليعنه.
وأما الفرق بين الوطء بملك اليمين والزنا، فالجواب: أن الفروق كثيرة، منها: أن الله تعالى أباح وطء ملك اليمين وشرعه لعباده فقال سبحانه: [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ] (المؤمنون: 5-6) . بينما جعل الزنا كبيرة من أكبر الكبائر، يستحق صاحبها العذاب في الدنيا والآخرة.
ومن الفروق كذلك أن الأمة إذا وطئها سيدها وحملت منه نسب الولد إليه وتصبح بذلك أم ولده تعتق بمجرد موته، ولا يخفى ما في هذا من إكرامها وحفظ حقوقها وحقوق ولدها، حيث تنال حريتها ويثبت نسب ابنها إلى أبيه، بينما الزانية إذا حملت لا ينسب ولدها إلى الزاني ولو كان الزاني بها معترفا بأن الحمل منه، وإذا ترك سيد الأمة الاستمتاع بها وأراد أن يزوجها استبرأها ثم زوجها، ممن رغب فيها.
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتاوى التالية أرقامها 4341، 8720، 3272.
والله أعلم.
... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(11/20919)
الخادمات نساء حرائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر الخادمة من ملك اليمين؟
وهل يجوز جماعها؟ أثابكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخادمات الموجودات اليوم في البيوت نساء حرائر، وظن البعض أنهن ملك يمين خطأ عظيم وجهل فاحش، فملك اليمين هن الإماء المسترقات، وللاسترقاق أسباب لا علاقة لها البتة بموضوع الخادمات، ولتعلم أن الخادمة أجنبية عن صاحب البيت وأولاده، وتعامل معاملة الأجنبية، فلا يحل مسها ولا الخلوة بها، ولا النظر إلى عورتها وغير ذلك مما لا يحل من المرأة الحرة الأجنبية، وانظر في معنى ملك اليمين الفتوى رقم: 6700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(11/20920)
حكم هبة المرآة نفسها لرجل لتكون أمة له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تهب امرأة نفسها لشخص كجارية له وبالتالي ينكحها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هبة المرأة نفسها لرجل كزوجة لا يجوز، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مفصل في الفتوى رقم: 37028.
وأولى من ذلك بالفساد أن تهب نفسها لرجل لتكون أمة له، لأن الإنسان لا يملك أن يبيع نفسه فضلاً عن أن يهبها.
قال الشربيني: ولا يصح وقف حر نفسه لأن رقبته غير مملوكة كما لا يهب نفسه ... ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1424(11/20921)
شروط الاستمتاع بالجواري، والعدد المباح تملكه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذالموقع وبعد
فهل عدد الجواري اللاتي يجوز نكاحهن بعد الأربع محدود أم لا؟ وهل يشترط عقد أو مهر لنكاح الجارية وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجواري المملوكات للشخص اللواتي يجوز له الاستمتاع بهن لا حد لأكثرهن؛ لقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهم والجارية المملوكة للشخص يستمتع بها من دون عقد نكاح ولا مهر ولا إذن من أحد، لأن الله عز وجل أذن فيهن ورفع اللوم عن المستمتع بهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1424(11/20922)
الاستمتاع بملك اليمين مما أذن به الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الناس سألني عن ما ملكت الأيمان فيعتبره زنا وأنه أمر غير أخلاقي، ماذا أرد عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القرآن والسنة مملوءان بذكر ملك اليمين، وهذا أمر معلوم لكل مسلم؛ إن لم يكن معلوما من الدين بالضرورة، وقد أباح الله عز وجل الاستمتاع بملك اليمين بشروط مذكورة في كتب الفقه، وإذا أباح الله عز وجل أمرا وأذن فيه ونفى عن فاعله اللوم، كان موقف المسلم هو الإذعان والتسليم، فالله عز وجل هو المشرع وهو الذي يحرم ويبيح، والدين الذي أرسل به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم هو دين الأخلاق الحسنة والآداب الفاضلة.
وعليه، فمن يعترض على أمر أذن الله فيه ونفى الملامة عن مرتكبه، عليه أن يراجع عقيدته.
قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36]
وقال: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]
وراجع الجواب 4341، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1424(11/20923)
الخادمات حرائر ولسن ملكا لليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من هن المقصودات بـ (ما ملكت أيمانكم)
هل تعتبر كل خادمة هي محللة لسيدها؟
الا يشبه ذلك الزنا؟
أتمنى أن يكون الجواب مبسطا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد لفظ "ما ملكت أيمانكم" في القرآن الكريم ويراد به الرقيق عموما من الذكور والإناث، وذلك في قول الله تبارك وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: 36] فأمر الله تعالى بالإحسان إلى المذكورين ومن ضمنهم ملك اليمين (الأرقاء)
وقد يرد هذا اللفظ والمقصود به الإناث خاصة، وهن الجواري السراري من ملك اليمين، جاء ذلك في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5 -6]
وهؤلاء لهن أحكام كثيرة مفصلة في كتب الفقه، فليست كل أمة ملكها الرجل يجوز له وطؤها..
وأما الخادمات بالمفهوم السائد الآن، فهن حرائر وأجيرات وعاملات كغيرهن من العمال والأجراء في الأعمال العامة والخاصة، وهن أجنبيات عن مستخدمهن كغيرهن من النساء الأجنبيات، لا يجوز له أن يرى منهن إلا ما يرى من المرأة الأجنبية، ولا يكلمهن إلا في ما يتعلق بعمله، وبقدر الحاجة، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يخلو بهن أو يسافر معهن بغير محرم..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(11/20924)
إذ ااشترى الرجل الأمة شراء صحيحا جاز له الاستمتاع بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي شروط شراء السراري من أجل المتعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان القصد بالسراري الإماء اللاتي يحل لملاكهن الاستمتاع بهن، فالجواب: أن الجارية إذا ملكت ملكاً صحيحاً شرعاً جاز لمالكها بيعها إن لم تكن ذات ولد منه، وجاز لغيره أن يشتريها منه، ويكون ذلك البيع صحيحاً إذا توافرت فيه شروط البيع المعروفة وانتفت عنه موانع الصحة، وفي بيع العبيد خاصة بعض الشروط والتفاريع تراجع في مظانها من كتب الفقه.
وإذا اشترى الرجل الأمة شراء صحيحاً جاز له أن يستمتع بها بكل أوجه الاستمتاع وأن يستولدها، وأولادها منه منسوبون إليه نسبة صحيحة، وهم أحرار، وقد بينا ذلك وشروطه وضوابطه في الفتوى رقم: 18851، والفتوى رقم: 6186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(11/20925)
الإسلام يحض على إعتاق العبيد.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حكم قطعي بتحريم الرق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنظام الرق ليس محرما، لا تحريماً قطعياً ولا ظنياً وإن كان الإسلام يتشوف إلى إعتاق العبيد، ويحث على ذلك بصور كثيرة متنوعة.
وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم:
12210، والفتوى رقم: 18713، وما أحيل عليه من الفتاوى بداخلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(11/20926)
أحكام تتعلق فيما إذا ملكت المرأة رقيقا ذكورا
[السُّؤَالُ]
ـ[لو تكلمنا عن الرق، نرى أن الآية (ما ملكت أيمانكم) تتكلم عن الجواري، فماذا لو كان العكس؟ هل يجوز لامرأة حرة أن تملك رقيقاً؟ وهل يجوز أن يكون من ضمن هذا الرقيق رجل؟ وهل ينطبق على هذا الوضع الآية في سورة النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فملك اليمين هم الأرقاء المملوكون عبيداً -ذكوراً كانوا أو إناثاً- ولا فرق أن يكون المالك لهم رجلاً أو امرأة، وأحكام الإرقاء مبسوطة في كتب الفقه، إلا أنه إذا ملكت المرأة رقيقاً ذكوراً لا يجوز لها أن تعاشرهم كما تعاشر زوجها، فهذا لم يقل به أحد وهو حرام بالإجماع، وإنما اختلف العلماء في جواز نظر العبد إلى سيدته وإلى ما ينظر منها، فقال مالك والشافعي: نظره لها كنظر الرجل إلى محارمه.
وقالت الحنفية: ينظر إلى وجهها وكفيها، ونقل عنهم أنه ينظر إلى ما ينظر إليه الرجل من محارمه وكذلك اختلفوا في جواز سفرها معه..... ألخ
وهذه مسائل تبحث في أبوابها من كتب الفقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(11/20927)
فضل العتق، وأي الرقاب أفضل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو أفضل عتق الرقبة بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيكفي في فضل إعتاق رقبة مسلمة قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه. متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وفي هذا الحديث بيان فضل العتق، وأنه من أفضل الأعمال، ومما يحصل به العتق من النار ودخول الجنة، وفيه استحباب عتق كامل الأعضاء، فلا يكون خصيّاً ولا فاقد غيره من الأعضاء، وفي الخصي وغيره أيضاً الفضل العظيم، لكن الكامل أولى، وأفضله أعلاه ثمناً وأنفسه. انتهى
وفي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأيما رجل أعتق امرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه من النار، يجزئ مكان كل عظمين منهما عظم من عظامه.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب؟ فقال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً. متفق عليه.
وانظر الفتوى رقم: 6866.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(11/20928)
هل يجوز أن يملك الإنسان نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان الحر أن يُملِّك نفسه مختاراً لشخص آخر لأي سبب كان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أتى الإسلام بتجفيف منابع الرق، وفتح أبواب التحرر منه.. وقد بينا ذلك في الأجوبة التالية أرقامها:
8720
18851
6186.
ولا يجوز لأي شخص أن يملك نفسه لغيره مختاراً، ولا يصح ذلك منه، قال الكمال بن الهمام في فتح القدير: لا يجوز استرقاق الحر برضاه. انتهى
وذلك لأن الحرية حق لله تعالى، فلا يقدر العبد على إبطاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(11/20929)
الرقيق ... تعريفه..أسبابه وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الجواري في الإسلام من حيث النكاح والعدد والإنجاب؟ وما هي أبواب الجواري والعبيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرقيق في اللغة هو: المملوك ذكراً كان أم أنثى، والرق في إصطلاح الفقهاء هو: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر، أو هو عجز شرعي مانع للولايات من القضاء والشهادة وغيرها.
وأسبابه ثلاثة:
الأول: الأسر والسبي من الأعداء الكفار.
الثاني: ولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق.
الثالث: الشراء ممن يملك الرقيق ملكاً صحيحاً معترفاً به شرعاً.
هذا، والأصل في الإنسان الحرية والرق طارئ، والله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض الكفر.
والأصل كذلك في الرقيق أنه مكلف كسائر المكلفين متى كان بالغاً وعاقلاً رجلاً كان أم امرأة، وهو مجزي عن أعماله خيراً أو شراً، وأنه يوافق الأحرار في أغلب الأحكام باستثناء بعض الأحكام التي يختص بها الرقيق.
أما الاستمتاع بالإماء، فإنه لا يكون مشروعاً إلا إذا كان في ملك تام للمستمتع، أو نكاح صحيح، وما خرج عن ذلك فهو محرم، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون:5-6] .
فالأمة التي يحل الاستمتاع بها إما أن تكون زوجة، وإما ملك يمين، كما يشترط لوطئها الملك التام، وأن لا يقوم بها مانع يقتضي تحريمها عليه.
وإذا أراد السائل التوسع في أحكام ملك اليمين فليراجع كتب الفقه، فإنه لا يخلو كتاب من باب العتق وأحكام المملوك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(11/20930)
ليس صحيحا أن نظام الرق قد انتهى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
نعلم أن نظام الرق في الإسلام قد انتهى, ولكن نريد تعريف الجارية (مفرد جواري) هل تعتبر عبدة أم زوجة أم بين هذا وهذا، وما هو دليل جواز أن يكون للمسلم جارية (إن كان جائزاً) وهل انتهى العمل بهذا النظام بانتهاء سبب وجوده؟
أفيدوني أفادكم الله حيث إنني قد دخلت بنقاش مع زوجتى على الجواري وأفادتني بأن نظام الجواري انتهى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول السائل: نعلم أن نظام الرق في الإسلام قد انتهى غير صحيح.. لأن نظام الرق في الإسلام لم ينته، نعم قد انتهى من الواقع لما هو معلوم من فرض ذلك من قبل الأنظمة العالمية والهيئات الدولية.
أما بالنسبة للجارية فهي أمة "عبدة" لسيدها ويحل له أن يطاها وقد تقدمت تفاصيل كثيرة فيما يتعلق بالإماء وأحكامهم والعبيد وأحكامهم وأمور أخرى تتعلق بالرق في الفتاوى التالية أرقامها:
3272
8720
4341
12210
4492 فراجعها لزاماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(11/20931)
الفرق بين الحرة والمملوكة، وكيف تعامل بعد العتق
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالفرق بين المرأة الحرة والمملوكة.ومتى تصبح المملوكة حرة. وهل تعامل الحرة مثل المملوكة بعد عتقها سواء بسواء فىجميع أمور الإسلام؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرق بين الحرة والمملوكة، أن المملوكة تعتبر مالاً ينطبق عليها ما ينطبق على المال، فتباع وتشترى وتوهب إلى غير ذلك، والحرة ليست كذلك.
وهنالك فروق بينهما من حيث العبادات والمعاملات مبثوثة في كتب الفقه، وإن كانت كل واحدة منهما مكلفة ويجري عليها الثواب والعقاب.
أما في معاملتها بعد العتق، فإنها تعامل معاملة الحرة، لأنها قد أصبحت حرة بهذا العتق، لذلك عندما أعتقت بريرة رضي الله عنها، وكانت مملوكة وزوجها عبد، خيرت بين الطلاق منه وبين استمرار الحياة الزوجية معه لأنها أصبحت حرة، روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن: عتقت فخيرت.... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1423(11/20932)
الحر لا يملك ولا يباع
[السُّؤَالُ]
ـ[إني على علا قة بامرأة لا أستطيع الزواج بها بحكم فارق السن ولأنها زانية هي حرة فهل عندما تبيع لي نفسها بمبلغ معين تصبح ملك يميني وتصبح حلالاً لي دون زواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الكبيرة التي هي من أعظم الكبائر وأسوئها أثراً على الفرد والمجتمع، ولبيان شروط التوبة يراجع الجواب رقم: 5091، والجواب رقم: 5976.
وأما نكاح الزانية أو الزاني فلا يجوز إلا بعد التوبة، وراجع الجواب رقم: 1677، والجواب رقم: 9625.
ثم إن ما ذكرته من بيع الحرة نفسها لك لتأخذ بذلك حكم ملك اليمين أمر منكر لا يقره شرع وهو محض الزنا، إذ من المعروف أن الحر لا يملك ولا يباع، بل إن استعباد الأحرار جاء فيه من الوعيد ما يدل على نكارته الشديدة وحرمته الغليظة.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: وذكر منهم: ... رجلاً باع حراً فأكل ثمنه".
وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: وذكر منهم: ... رجلا استعبد من قد حرر".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(11/20933)
رضا ملك اليمين لا يعتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم:
هل الإسلام يجيز الدخول على الأمة أو الجارية رغما عنها؟ وكيف تعامل المسلمون مع السبايا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في جواب سابق بيان متى يصبح الإنسان مملوكاً فليراجع برقم: 6186.
والجارية إذا كانت ملك يمين، فالمالك يجوز له الدخول بها بدون عقد زواج، لأنها حلت له بملك اليمين لا بنكاح، ولا يعتبر رضاها، لأنها من جملة أملاكه.
وأما عن تعامل المسلمين مع السبايا، فقد أوصاهم الإسلام وبالغ في الوصية بالإحسان إلى المملوكين بشتى أنواع الإحسان، وأعلى ذلك الحث على إعتاقهم وتخليصهم من الرق، حتى جعل جزاء من أعتق عبداً أن يعتقه الله من النار، وأوصانا بأن نطعمهم مما نأكل، ونلبسهم مما نلبس، ولا نكلفهم من الأعمال ما لا يطيقون، وجعل كفارة من أساء إلى مملوكه فضربه ظلماً -جعل كفارة ذلك- أن يعتقه، كل ذلك صحت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يبين لكل منصف عظمة هذا الدين، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وراجع الجواب رقم: 4492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1423(11/20934)
حكم هبة المرأة لتكون ملك يمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشروط الواجب توافرها في ملك اليمين وهل يحق للحرة أن تهب نفسها لرجل لتصبح ملك يمينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ملك اليمين يحصل بأحد أمور ثلاثة مبينة في الفتوى رقم: 6186، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 4492.
وبمراجعة هاتين الفتويين تعلم أنه لا يحق للمرأة أن تهب نفسها لرجل لتكون ملك يمينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1423(11/20935)
لا يتغير الحلال والحرام بتغير الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تصبح المرأة المتزوجة ملكاً لليمين كما ورد في سورة النساء؟ وهل ملك اليمين حلال أم حرام في هذا الزمان لأن هناك من يقول عن الإسلام ما كان حلال في الماضي لايجوز حله الآن وما كان محرماً في الماضي يمكن أن يحل الآن مثل فوائد البنوك؟ وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون حلالاً بتغيير الزمان وما كان حلالاً فإنه لا يحرمه تغيير الزمان كذلك، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) [النحل:116] . وأما ملك اليمين فهو أن تصبح المرأة أمة رقيقة لدى سيدها وله وطؤها بملك اليمين، قال تعالى: (فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) . [النساء: 3] . وإذا وطئها سيدها فحملت منه فإنها تصبح أم ولد تعتق بموت سيدها ولا يجوز له أن يتزوجها بحيث تصبح زوجة له، ولكن إن أرادها زوجة له فإنه يعتقها ويتزوجها. وأما غير سيدها فإن كان عبدا فله أن يتزوجها مطلقا لأنه رقيق مثلها وأما إن كان حرا فلا يجوز له ذلك إلا إذا لم يستطع - طولاً - أن ينكح الحرائر المحصنات المؤمنات لعجزه عن صداقهن أو نفقتهن، فله أن يتزوج من الأمة المؤمنة إذا خشي الوقوع في الزنا، قال تعالى: (ومن لم يستطع منك طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانك من فتياتكم المؤمنات … إلى قوله … ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيراً لكم والله غفور رحيم) . [النساء: 25] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(11/20936)
من المعاملات المحرمة والمستند الشرعي لتحريمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المكاسب المحرمة عند المذاهب الأربعة (أهل السنة) ، كما هو عند غيرهم من أهل البدع، أو ما هي الأسباب الموجبه لتحريم الأشياء أو الكسب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن بنا أن نبدأ بذكر قاعدة مهمة في باب المعاملات وهي أن الأصل فيها الإباحة، ما لم تشتمل على ما يقتضي حظرها، وأنواع المكاسب المحرمة كثيرة ومنها: الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، والرشوة، وبيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع العينة، وبيع الجنين في بطن أمه.. وفي بعض هذا خلاف وتفصيل إلى غير ذلك من هذه المكاسب، ومرجع تحريم مثل هذه الأمور إلى ثلاثة أشياء:
1- الربا بأنواعه.
2- وأكل المال بالباطل كالغش والخداع.
3- الجهالة والغرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(12/1)
مسائل متعددة في المعاملات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل وكيلا لأعمال شركة يملكها شخص واحد وأنا أقوم بمتابعة أعماله في بلد آخر, وعندما بدأت العمل معه لم أتفق معه على أي شروط للعمل أو الراتب، والشركة تعطيني راتبا محددا كل شهر. كما أنني ومن خلال وجودي في هذا البلد الأجنبي الذي أعمل به تعرفت على رجل أعمال آخر وكنت أقوم بالعمل معه مع عدم معرفة الشركة التي أعمل لديها بهذا الأمر, مع العلم أن هذا التاجر يعمل في نشاط آخر غير نشاط الشركة التي أعمل لديها، ومن خلال عملي بالشركة التي هي نشاطها الأساسي الاستيراد في بعض الأحيان أعطيهم أسعارا أعلى من الأسعار التي حصلت عليها من المصنع, وهم يوافقون على الثمن الذي أعطيه لهم مع عدم علمهم أنني قد تربحت من وراء هذا، علما بأنني لا أفعل هذا مع التاجر الآخر الذي ذكرته حيث إنني قد اتفقت معه على مبلغ معين مقابل ما أؤديه له من عمل وقد عاهدته ألا آخذ أكثر من هذا دون علمه. وقد اختلطت الأموال التي أجمعها من راتبي بالشركة والعمولات التي أكسبها دون علمهم والأموال التي أكسبها من عملي مع رجل الأعمال الآخر وقد اشتريت بهذه الأموال أراضي وعقارات ازدادت قيمة هذه العقارات مع مرور الزمن. الأمر الآخر أن عملي مع الشركة التي أعمل لديها يقوم على المنتجات المقلدة فعند استلامهم للبضاعة التي أرسلها لهم يقومون بإضافة الماركات العالمية عليها وأيضا بلد صنع غير الذي صنعت فيه. أنا لا أعلم هل عملي معهم حرام؟ وهل راتبي من عملي هذا الذي أتقاضاه منذ سنين حرام؟ وهل الربح الذي أكسبه من زيادتي لأسعار المنتجات عليهم بعض الأحيان حرام؟ وهل عملي وتكسبي مع شخص آخر دون علمهم حرام؟ وماذا أفعل وقد اختلطت الأموال جميعا في صورة أصول وقد ازدادت قيمتها جميعا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جمعت أيها السائل في سؤالك بين عدة أمور نوضحها لك في النقاط التالية:
1- يجوز عملك مع الشخص الآخر إذا كان مجال عمله مباحاً ولا يشترط موافقة الشركة الأخرى على هذا العمل، إذا كان عملك معه مما لا يضر بعملك مع الشركة، وكان خارج وقت عمل الشركة.
2- الراتب الذي حصلت عليه مقابل عملك مع هذه الشركة فهو من الكسب الحرام، لأن المتاجرة بالمنتجات المقلدة حرام شرعاً؛ لأنه تعد على حق الشركات في العلامة والاسم التجاريين، وهما حقان ماليان معتبران، كما أن في ذلك غشا للمشترين، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 73512، ورقم: 76793، وعلى هذا فالواجب عليك هو أن تقوم بحساب هذا المال الحرام الذي حصلت عليه ثم تتخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين، ويجب عليك أن تنصح القائمين على أمر هذه الشركة بترك العمل في هذا المجال المحرم، والتوبة من هذا الكسب الحرام.
3- المال الذي حصلت عليه من ربح نتيجة زيادة أسعار المنتجات على الشركة فهو كسب حرام؛ لأنك وكيل لهذه الشركة بأجر، ومبنى الوكالة على الأمانة، كما أن إخبارك لهم بأسعار أزيد من الأسعار الحقيقية غش وخداع وهما محرمان، فالواجب عليك رد هذا المال لأصحاب الشركة لأنهم لم يرضوا بإعطائك إياه بطيب نفس منهم، وإن علمت أن كل أموال هذه الشركة من الكسب الحرام فتخلص من هذا المال في مصالح المسلمين.
4- ما ترتب على المال الحرام الذي كسبته من ربح أو زيادة في القيمة فيجوز لك الانتفاع به، فإن حكم الأرباح التي تم الحصول عليها من المال المأخوذ بغير حق قد اختلف فيه العلماء، فعلى مذهب الحنفية والحنابلة يلزم التخلص من كل المال (رأس المال والربح) ، وعلى مذهب المالكية والشافعية يلزم التخلص من رأس المال فقط دون الربح، وهذا القول الأخير هو الأقرب إلى الصواب والأنسب بالقواعد والمقاصد الشرعية. ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 50478.
5- الواجب عليك هو التوبة مما اقترفته من أكلك لهذه الأموال الحرام، والتخلص منها بإنفاقها في مصالح المسلمين، والتوبة النصوح هي المشتملة على: الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، مع رد المظالم إن كان عند التائب مظالم للناس من دم، أو مال، أو عرض، أو استحلالهم منها، أي: طلب المسامحة منهم. ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 4603.
وننصحك أيها السائل بالمبادرة إلى التوبة قبل حلول الموت، وننصحك بالإكثار من الطاعات والصدقات فإن الحسنات يذهبن السيئات، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1429(12/2)
العقد القانوني بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمثل العقد القانوني من الناحية الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقد القانوني إذا كان يتفق مع الشريعة ولا يخالفها فيجب الوفاء به؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، فهذا أمر بالوفاء بالعقود جميعها بما لا يخالف كتاب الله تعالى.
وأما إن كان مخالفاً لكتاب الله أي لحكم الله تعالى فهو باطل ولا عبرة به، وفي الحديث: ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. متفق عليه..
وفي سنن الترمذي وغيره: المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(12/3)
الحكمة من تحريم كنز الأموال في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي المبررات التي ارتكز عليها الإسلام في تحريم كنز الأموال؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أحكام الله تعالى لا تحتاج إلى مبررات؛ فهو المالك للكون، ومستحق التصرف فيه.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فإن الحكمة من تحريم كنز الأموال جلية ظاهرة. فالإسلام قرر أن المال مال الله وأن حائزه ليس إلا وسيطا مستخلفا فيه قال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد: 7] . وقال تعالى: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ {النور: 33} .
وإذا تقرر هذا المبدأ فإن الخليفة في صرف المال ملزم بالتصرف وفق أمر موكله. وقد فرض الإسلام تعاونا اجتماعيا بأمره الأغنياء أن يؤتوا المال للمحتاجين بشكل حق يؤدى عند حلوله. قال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {المعارج: 4-25} ، وقال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ {البلد:12-16} .
وقد أكد هذا التعاون النبي -صلى الله عليه وسلم- بإقرار الشركة بينهم بقوله: " المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار "، رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد. وبقوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم وغيره: " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل ".
بل إن الإسلام يقرر هذا التعاون من قبل القادرين عليه إلى كل محتاج ومسكين ولو كانت بينهما حزازات وخصومات شخصية، قال تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {النور: 22} .
وهدد سبحانه وتعالى من يمتنعون من صرف المال في مصارفه حيث قال جل من قائل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) . {التوبة: 34-35} . وقال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {آل عمران: 180} .
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى الخير وتحث على فعله.
ولا نحسب أن الحكمة في شيء من هذا تخفى على عاقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(12/4)
عقود المعاوضات ودورها في حل مشاكل المجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دور العقود العوضية في حل المشكلة الاجتماعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لعقود المعاوضات دور كبير في حل مشاكل المجتمع المسلم، وذلك لما تحدثه المعاملات التجارية ومبادلات المنافع وعقود الزواج وغيرها.... من التواصل والترابط بين المجتمع، ومن المنافع المادية والمعنوية التي تساهم في حل مشاكل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك اهتم الإسلام بهذه العقود ووضع لها الضوابط التي تعطي بها النتيجة المرجوة منها، والحكمة التي شرعت من أجلها، وهي قيام مجتمع مسلم قوي متماسك مترابط ومتعاون على البر والتقوى، كما فصل فقهاء الإسلام هذه العقود في كتبهم وبوبوا لها الأبواب وبينوا شروطها وأركانها وآدابها.
وليس هذا خاص بعقود المعاوضات، فكل التشريعات التي جاء بها الإسلام لها دور كبير في حل مشاكل المجتمع -ولو كانت بعيدة عن ذلك فيما يظنه بعض الناس- فالشعائر التعبدية مثل الصلاة والزكاة والحج ... إذا طبقت كما جاء بها الشرع فإن لها دوراً كبيراً في حل مشاكل المجتمع، بل كل جزئية من هذا الدين لو طبقت يكون لها دور في حل مشاكل المجتمع؛ لأن هذا الدين العظيم إنما جاء لحل مشاكل الناس وإسعادهم في هذه الحياة وما بعدها، كما قال سبحانه وتعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {طه:123} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(12/5)
أخذ المال عوضا عن الجاه لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمجال مقاولات البناء بسلطنة عمان وأنا مهندس مصري الجنسية واتفقت مع كفيلي العماني على إعطائه نسبة 4% عن كل عمل أتعاقد عليه من إجمالى قيمة العمل وذلك مقابل استغلالى للسجل التجاري لمؤسسته وكذلك استخراج ترخيص إحضار عمالة خارجية باسم الموسسة عدد6 وللعلم فكل إجراءات التجديد لبطاقات العمل والإقامات يقوم بها شخص عماني آخر نظير مبلغ من المال، فهل هذا التعاقد مع الكفيل سليم من الناحية الشرعية أم أنه غيرسليم، أفيدوني جزاكم الله كل خير؟ وأن كان غير سليم فما هو التعاقد السليم فى مثل هذه الحالة شرعا؟ أرجوالتفصيل شرعا؟ وجزاكم الله كل خير عن المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل هذه المسألة داخلة فيما يسمى بثمن الجاه ... وقد سبقت الإجابة على مثل هذا السؤال في الفتوى رقم:
9559، فليرجع إليها السائل الكريم.
والأسلم في هذا النوع من المعاملات أن يكون الكفيل أو صاحب الرخصة يعمل بالفعل مهما كان عمله حتى يكون ما أخذه مباحاً ومقابل عمل ملموس وليس عوضاً عن جاهه.
وإذا لم يعمل فليس له أن يأخذ على جاهه شيئاً إلا إذا بذل في ذلك جهداً يستحق العوض فيأخذ مقابل ما بذله من جهد كما سبق في الفتوى المحال عليها، وأما بالنسبة لما يقوم به الشخص الآخر من إجراءات تجديد البطاقات والإقامات مقابل مبلغ مالي معين فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(12/6)
حكم مزاولة العمل الحلال بدون ترخيص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مزاولة عمل ما حلال.. ولكن بدون ترخيص.. أو موافقة جهة ما يجوز أو لا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسؤالك مجمل يحتاج إلى بيان حتى يتم الجواب عليه مفصلاً؛ لأن بعض الأشياء لا يجوز للإنسان أن يفعلها إلا بموافقة الجهة الرسمية أو المسؤولة عن فعل ذلك الشيء لما في ذلك من الضبط والمصلحة، وتارة يكون مباحاً فعله مع منع الجهة الرسمية من ذلك لما في منعها من الظلم والمخالفة للشرع ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(12/7)
حكم بيع الصبي المميز وغير المميز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع الصغير إذا كان مميزا أو غير مميز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصبي إذا كان غير مميز فبيعه باطل غير منعقد أصلا، وإن كان مميزا فبيعه منعقد بإذن وليه أو إذا أجاز تصرفه عند الحنابلة والمالكية والحنفية خلافا للشافعية ورواية عند الحنابلة.
قال ابن قدامة في المغني: ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء، فيما أذن له الولي فيه. في إحدى الروايتين. وهو قول أبي حنيفة. والثانية، لا يصح حتى يبلغ. وهو قول الشافعي لأنه غير مكلف، أشبه غير المميز. ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف; لخفائه، وتزايده تزايدا خفي التدريج، فجعل الشارع له ضابطا، وهو البلوغ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة. ولنا، قول الله تعالى: وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ. ومعناه; اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق اختيارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء; ليعلم هل يغبن أو لا. ولأنه عاقل مميز، محجور عليه، فصح تصرفه بإذن وليه، كالعبد. وفارق غير المميز، فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه; لعدم تمييزه ومعرفته، ولا حاجة إلى اختياره ; لأنه قد علم حاله. انتهى.
وقال الخرشي في شرحه لمختصر خليل المالكي: والمعنى أن شرط صحة عقد عاقد البيع وهو البائع والمشتري التمييز، وهو إذا كلم بشيء من مقاصد العقلاء فهمه وأحسن الجواب عنه فلا ينعقد من غير مميز لصبا أو جنون أو إغماء منهما أو من أحدهما عند ابن شاس والمؤلف وابن راشد. انتهى.
وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرحه لمختصر خليل: والمعنى أنه يشترط في لزوم البيع أن يكون عاقده مكلفا، فلو باع الصبي المميز أو اشترى انعقد بيعه، وشراؤه، ولكن لا يلزمه ولوليه النظر في إمضائه، ورده بما يراه أنه الأصلح للصبي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(12/8)
يجوز بيع البضاعة بأقل من سعر الوكيل المعتمد لها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده بضاعة يريد أن يبعها مع أن البضاعة لها وكيل معتمد يبيعها بسعر معروف هذا الرجل يريد بيعها بسعر أقل من سعر الوكيل دون علم الوكيل هل هذا البيع صحيح وما الحكم إذا توسطت في بيع هذه البضاعة أرجو الرد علي بسرعه أثابكم الباري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن تملك سلعة بوجه مشروع جاز له أن يبيعها بأي سعر يريد، إلا في حالات استثنائية كحالة التسعير الواجب من جهة ولي الأمر، وعليه فلا مانع من أن يبيع التاجر البضاعة بسعر أقل من سعر الوكيل المعتمد، ولا يلزمه أن يستأذن الوكيل في السعر، وإذا جاز هذا البيع جاز التوسط والسمسرة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(12/9)
حد الغبن المؤثر في نقض عقد البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[بيت ملك لوالد توفي هو وزوجته، وبقي أولاده وبناته، اقترح أحدهم أن يبيعواهذ المنزل فباعوه بالفعل، ولكن بثمن بخس وأصبح نصيب أحدهم لا يساوى نصف شقة، ووافقت أمى لتجنب المشاكل، ولكنها غير متعلمة، فبعد أيام اتصل بها صاحب الاقتراح وقال لها إن إمضاءك ناقص فلا بد أن تذهبي للرجل كى تمضي على العقد، قالت له وعلى أي شيء وقعت في السابق؟ المهم أنهم نسوا يمضوها على الورقة النهائية للعقد، فقالت له: الحمد لله، والله هذا الراجل ضحك علينا، ولما سألت قالوا لي إنك بعت حقك، وهذا قليل، على الأقل كان يبقى لكم شقة في البيت، استهزأ منها وضحك عليها قالت له: أنا أتكلم فى حقي، المهم قال لها سأعطي المشتري رقم بيتك وعنوانك قالت له: لا تعطي عنوان بيتي لأحد لأني لن أفتح الباب لأحد، ونحن منتقبات. المهم الرجل تكلم وأخذت منه فلوسا عن رضاه، فهل هي آثمة؟ أوهذا حقها تبيعه كما تشاء؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح تماما، ولكن إن كان المقصود منه هو أن الورثة وكلوا وكيلا عنهم في بيع البيت الذي ورثوه من أبيهم، لكن الوكيل غبن في السعر حسبما زعمت المرأة وأخبرت، وإذا كان كذلك فليس من حقهم فسخ العقد وعدم الإمضاء عليه مالم يكن الغبن فاحشا حقيقة، لامجرد كلام الناس وحكاياتهم، وليس للمرأة أن تستفز المشتري وتلجئه إلى أن يعطيها مالا زائدا عن الثمن كي تمضي على البيع وتتم إجراءاته التوثيقية.
وأما إذا ثبت غبن الوكيل غبنا فاحشا، فإنه يثبت الخيار للموكل، فيسترد المبيع إن بقي، وإن فات غرم الموكل من شاء من الوكيل أو المشتري قيمته، وبناء عليه، فينظر في الغبن المذكور، هل وقع فعلا؟ وهل هو غبن فاحش كما تزعم المرأة فيثبت لها الخيار، أوليس كذلك فلاخيار لها لصحة تصرف الوكيل وتمام البيع؟ والغبن الفاحش هو: مالا يحتمل غالبا. ويحده بعضهم بالثلث فأكثر.
وللمزيد انظري الفتاوى التالية أرقامها: 32652، 60788، 93735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1430(12/10)
الفرق بين البيع والجعالة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم (فضيلة الشيخ رحمك الله نود الاستفسار من حضرتكم عن صحة هذا البيع. وهو أنى أخذ من شخص نوعا من السلع وهى (العسل) مثلاً على شرط أن تكون هذه العملية كالآتى (آخذ من الشخص المذكور سابقاهذه السلعة على المبيع دون أن أدفع له شيئا عند استلامي السلعة، وعند بيع هذه السلعة أعطيه الثمن..هذا فى حالة بيعها جميعا. أما إذا بعت نصفه وبقي النصف الآخر فنردها كما أخذتها مع إعطائه ثمن الذى قد تم بيعة دون أى شروط أخرى. نرجو الجواب على هذا السوال مباشرة دون إحالتي إلى سؤال يشبهه. والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً لحرصك على تحري الحلال والبعد عن مواطن الشبهة، فنسأل الله أن يبارك لك في مالك وتجارتك.
أما سؤالك فقد اشتمل على أمرين:
فما تم الاتفاق عليه بينك وبين صاحب السلعة على أن تعطيه الثمن عندما تبيع السلعة له حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون من قبيل الجعالة، وذلك بأن تكون وكيلاً عن صاحب العسل في البيع على أن يعطيك مقابل بيع الكمية المعلومة مبلغاً معلوماً، ولا يضر الجعالة الجهل بالعمل، لكن يشترط عدم الجهل بالجعل.
وهذا الاتفاق لا حرج فيه لكنه يأخذ أحكام الجعالة لا أحكام البيع ومن ذلك أن السلعة مازالت في ملك صاحبها، ولا يجوز للوكيل أن يخالف ما حدده له الموكل.
والحالة الثانية:
أن يكون الاتفاق على أن تشتري السلعة بسعر معين مؤجل، ثم أنت بعد ذلك تبيع بما تشاء، فالمعاملة حينئذ بيع، ولا حرج فيها لكنها تأخذ أحكام البيع، ومن ذلك أن السلعة قد انتقلت إلى ملكك، ولا يلزم البائع أن يقبل منك ما لم تبعه من السلعة، فإن قلت: إن هناك سلعاً قد لا تباع فكيف السبيل لردها إلى صاحبها وقد اشتريتها؟.
فنقول: يمكنك في هذه الحالة أن تأخذ منه وعداً بالإقالة في حالة عدم بيع جميع السلع، لكن هذا الوعد غير ملزم له في مذهب الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(12/11)
هل تقبل الهبة أو الهدية ممن ماله حرام أو مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لست بعمل ولي أخ يمارس التجارة وفي بعض الأحيان يعطيني مالا يسيرا وعندما أسأله يقول ((من بيع مشترك)) وطريقة هذا البيع المشترك كما قال هو: يشترك هو ومن معه في شراء محل أومعدات أو ماشابه ذلك وكل شخص يدفع مبلغاً متفقاً عليه للشراء وبالأخير يأتيهم مبلغ ناتج عن هذا البيع ويكون أحيانا أقل من المبلغ الذي دفعوه وأحيانا بمكسب أي زيادة عن المبلغ المدفوع مسبقا, فما لحكم جزاكم الله خيراً، وإذا كان ذلك حرام فهل يحل لي أنا مع العلم أنني لم أدفع معهم بل يقوم أخي بالدفع عني؟ وإذا كان لايحل لي هل يجوز لي أن أخذ من أخي مبلغاً مع العلم أنني أكون أحيانا مضطر وما أمامي إلا الله ثم هو مع العلم أن ليس جميع كسبه بهذا الشكل. أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أن تتحرى مصدر الأموال التي يهبها لك أخوك إذا قام في نفسك شك في حليتها، وكان لذلك الشك ما يبرره، لكن الصورة التي ذكرتها، لا تبعث على الشك لأنها لا تعدو أن تكون شركة بين أخيك وبين من معه، يقتسمون ربحها حسبما يتفقون عليه، وهذا مشروع في الجملة ما دام نشاط الشركة مباحاً. ولمعرفة حكم قبول الهبة والهدية من المستحوذ على مال حرام أو مختلط راجع الفتوى رقم: 6880، والفتوى رقم: 18559.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(12/12)
حكم بيع الكلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة المفتي: هل يجوز العمل في محل بيع الكلاب والانتفاع بأجرة هذا العمل باعتباره من عرق الجبين، وإلا فما الواجب فعله، أفيدونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه الكلاب تباع لغرض غير الصيد والحراسة، فبيعها محرم لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب، وأخبر أن ثمن الكلب خبيث، وعليه فيحرم العمل في ذلك، لقول الله تعالى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
والأجرة المستفادة من هذا العمل يجب التخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين، وراجع الفتوى رقم:
3739.
وكون هذا العمل بعرق الجبين، لا يحلل هذه الأجرة المحرمة، وإن كانت هذه الكلاب تباع لغرض الصيد والحراسة، فقد اختلف أهل العلم في حكم بيعها والأظهر جواز بيعها، كما بيناه في الفتوى رقم: 10546.
وعليه فيجوز العمل في ذلك والاستفادة من أجرته، وإن كان هذا المحل يشمل البيع المحرم والبيع الحلال ولا تستطيع الامتناع من الحرام، فالعمل فيه حرام، فعليك تركه والله يعوضك خيراً منه، وبالنسبة للأجرة فيجب التخلص من مقدار ما فيها من عمل محرم بصرفها في مصالح المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(12/13)
السوق معركة الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد أحاديث شريفة أو أقوال عن الصحابة في كراهية زيارة الأسواق أو في النهي عن أن نكون أول من يدخل السوق أو آخر من يخرج منه وماهي إن وجدت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها.
وأخرج البزار والطبراني من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته.
وأخرج مسلم عن سلمان رضي الله عنه موقوفًا، قال: لا تكوننّ إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته.
قال القرطبي: ففي هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، ومحل هذه الكراهة لمن لم يكن له حاجة في السوق من بيع وشراء أو حسبة أو زيارة ونحو ذلك من المقاصد. اهـ.
قال تعالى واصفًا الرسل عليهم الصلاة والسلام: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:20] . أي: يبتغون من فضل الله فيها بالتجارة والشراء ونحو ذلك.
وكان الصحابة يتاجرون ويحترفون في الأسواق، وكان ابن عمر وأبو هريرة يدخلان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
فالمقصود أن دخول السوق لحاجة لا كراهة فيه، أما لغير حاجة فيكره لأن الداخل إليها لا يسلم من رؤية منكر أو سماعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(12/14)
أحل الله البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[معي مبلغ من المال أريد استثماره فهل يجوز أن أتاجر به بحيث يطلب مني بضاعة معينة فأذهب وأشتريها بمالي بعد إضافة ربح ثم أبيعها نقداً أو تقسيطاً؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في هذا النوع من استثمار المال ما دامت البضاعة المطلوبة منك تشتريها وتدخل ذمتك، ثم تبيعها بعد ذلك لقول الله تعالى: وأحل الله البيع [البقرة: 275]
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(12/15)
تعريف التجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط التجارة في الإسلام؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتجارة عرفها بعض العلماء بأنها، تغليب المال بالمعاوضة لغرض الربح. وهي بهذا التعريف تشمل البيع والصرف والسلم، ولكل واحد من هذه المذكورات شروط لزوم لا يمكن حصرها في إجابة سؤال كهذا، فنرجو من السائل الكريم تحديد سؤاله حتى تتسنى لنا الإجابة عليه بصيغة دقيقة.
والله الموفق للصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(12/16)
استشيري زوجك بشأن التصرف بهذا المال
[السُّؤَالُ]
ـ[خالي يصنع لي حجرة نوم ثمنها 12000 جنيه مصري، وقالت لي والدتي سأقول له يخليها 11500 ممكن أعطيها 500 مع العلم أن زوجي لا يعلم بهذا وهي تحتاج ولو أعطيتها أحيانا لكي تستطيع أن تطبخ لأنها تثير شفقتي، تستلف من أحد لكي تأكل وتتعالج. الرجاء أفيدونى بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد تملكت هذا المال الذي ستدفعينه، سواء من زوجك أو من غيره، فلا مانع من أن تعطي منه أمك. أما إن كان ما ستدفعينه من مال زوجك وإنما جعل لك التصرف فيه على سبيل الوكالة لا التملك، فلا يخلو الأمر حينئذ من إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون عقد استصناع الغرفة قد تم بينك وبين خالك وأصبح لازما ثم خفض خالك من الثمن، فحينئذ يجوز لك التصرف فيما خفضه من الثمن؛ لأنه يكون هبة مباحة لك من خالك.
الحالة الثانية: أن يكون ما خفضه خالك من الثمن قبل لزوم العقد؛ أي في مجلس العقد (خيار المجلس) أو في مدة خيار الشرط، أو قبل العقد، فحينئذ لا يجوز لك التصرف المذكور في السؤال؛ لما نص عليه أهل العلم من أن الوكيل إنما يتصرف بما هو أحظ وأنفع لموكله. وحينئذ يكون الطريق المشروع لما تريدينه أن تستأذني زوجك وتذكريه بفضل الصدقة على المحتاجين، وتبيني له حاجة أمك وما قامت به من إحسان في سعيها لخفض خالك من ثمن الحجرة، فإن وافق فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فالحق له.
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع: (ولو باع له وكيله ثوبا) أو نحوه (فوهب له) أي للوكيل (المشتري منديلا) بكسر الميم أو نحوه (في مدة الخيارين فهو) أي المنديل (لصاحب الثوب) نص عليه (لأنه زيادة في الثمن) في مدة الخيارين (فلحق به) أي بالثمن وكذا عكسه وعلم منه أنه لو وهبه شيئا بعد مدة الخيارين أنه للموهوب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/17)
مات عن أم وزوجة وأربع بنات وأخ شقيق وثلاث شقيقات
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
- للميت ورثة من الرجال: (أخ شقيق) العدد 1
- للميت ورثة من النساء: (أم) - (بنت) العدد 4- (زوجة) العدد 1- (أخت شقيقة) العدد 3
- إضافات أخرى: من هم الورثة الشرعيون، ما هي نسبة كل وريث من الورثة الشرعيين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل المذكورين في السؤال ورثة، وإذا لم يترك الميت غيرهم فإن لأمه السدس لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى:.. وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ. {النساء:11} ، ولزوجته الثمن لوجود الفرع الوارث كما قال تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. {النساء:12} ، وترث البنات الأربع الثلثان لقول الله تعالى في ميراث البنات: فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ. {النساء:11} ، والباقي للأخ الشقيق والأخوات الشقيقات -تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ. {النساء:176} .
فتقسم التركة على مائة وعشرين سهماً، للأم سدسها (عشرون سهماً) ، وللزوجة ثمنها (خمسة عشر سهماً) ، ولكل بنت عشرون سهماً، وللأخ الشقيق سهمان، ولكل أخت شقيقة سهم واحد.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/18)
حكم ارتفاع الإمام عن المأمومين قدر شبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفع مستوى أرضية محراب المسجد الذي يصلي فيه الإمام عن باقي المسجد مقدار شبر لكي يشاهده المصلون هل في ذلك حرج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن ثم حاجة لتعلية مكان الإمام فإنه يكره تعليته لأنه يكره للإمام أن يصلي في مكان مرتفع عن المأمومين لما رواه أبو داود عن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أنه كان بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ عَمَّارٌ لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ويكره أن يكون موقف الإمام عالياً عن موقف المقتدين اتّفاقاً، إلاّ إذا أراد الإمام تعليم المأمومين ... اهـ
وقد اختلف العلماء في قدر الارتفاع المكروه فذهب بعضهم إلى الكراهة فيما إذا زاد الارتفاع عن ذراع وأما أقل من ذلك فلا كراهة.
قال صاحب الروض: ويكره علو الإمام عن المأموم إذا كان العلو ذراعا فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مكانهم فإن كان العلو يسيرًا، دون ذراع لم يكره. اهـ.
وفي الدسوقي من كتب المالكية مستثنيبا من الكراهة: قوله إلا بكشبر أي إلا أن يكون علو الإمام على المأموم يسيرا بأن كان ذلك العلو قدر شبر أو ذراع....
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المكروه أن يجاوز الارتفاع القامة.
ففي المبسوط من كتب الحنفية:.... وذكر الطحاوي أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره: لأن القليل من الارتفاع عفو في الأرض ففي الأرض هبوط وهو الكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة ... .
ومن هذا يتبين لك أنه لا حرج في رفع مستوى أرضية محراب المسجد إلى القدر الذي ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/19)
حكم استجلاب الشهوة بهذه الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق يسأل أن زوجته لا تأتيها الشهوة إلا عن طريق استعمال شطاف الماء. هل يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن هذه المرأة تفعل ذلك بنفسها للشهوة، فذلك غير جائز لأنّه يدخل في الاستمناء وهو من الاعتداء الذي حرمه الشرع الحنيف، وانظر الفتوى رقم: 16443.
وإذا كانت المرأة لا تجد شهوتها في المعاشرة الزوجية المباحة فينبغي أن تلتمس الأسباب المشروعة لعلاج هذا الخلل، وليس لها علاجه بما حرمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/20)
حكم الصلاة إذا سلم الإمام من الثالثة فلما أخبروه أعاد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى بنا الإمام صلاة العشاء وجلس عند الركعة الثالثة وسلم، فتكلم معه المصلون بذلك فقام وأعاد صلاة العشاء فأنكرت عليه محتجا بالحديث المعروف، علماً بأن الإمام لم يقم من مجلسه والكلام الذي دار بعد التسليم كان حول توضيح الأمر للإمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الواجب على هذا الإمام أن يقوم لقضاء الركعة التي نسيها ثم يسجد سجدتي السهو بعد السلام إن لم يكن تعمد الكلام، فإن كان كلم المصلين معتقداً أن صلاته قد تمت فلا شيء عليه، لأن كلام الناسي والجاهل لا يبطل الصلاة على الراجح من قولي أهل العلم، وأما من تعمد تكليمه من المصلين لإخباره بأنه قد بقيت عليه ركعة فإن صلاته تبطل عند الجمهور القائلين بأن الكلام عمداً يبطل الصلاة ولو كان لمصلحتها. وعند المالكية أن الكلام اليسير لإصلاح الصلاة لا يبطلها، واستدلوا على ذلك بحديث ذي اليدين الذي أشرت إليه، وأجاب عنه الجمهور بما ذكره الحافظ في الفتح وعبارته: واستدل به- أي بخبر ذي اليدين- على أن تعمد الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم إلا ناسياً، وأما قول ذي اليدين له بلى قد نسيت وقول الصحابة له صدق ذو اليدين فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه فيه فتكلموا ظنا أنهم ليسوا في صلاة كذا قيل وهو فاسد لأنهم كلموه بعد قوله صلى الله عليه وسلم: لم تقصر، وأجيب بأنهم لم ينطقوا وإنما أومأوا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم إسنادها وهذا اعتمده الخطابي، وقال حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف عكسه، فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه وهو قوي لكن يبقى قول ذي اليدين بلى قد نسيت، ويجاب عنه وعن البقية على تقدير ترجيح أنهم نطقوا بأن كلامهم كان جواباً للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابه لا يقطع الصلاة. انتهى منه مختصراً.
والحاصل أنه لم يكن يجوز لهذا الإمام أن يقطع الصلاة لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. بل كان عليه المبادرة بالقيام إلى الركعة التي بقيت عليه فور إخبار المأمومين له بذلك، وأما من تعمد الكلام معه لإخباره بالخلل الذي وقع في الصلاة فكان عليهم أن يستأنفوا صلاة جديدة عند الجمهور فيدخلون معه فيما بقي من صلاته ثم يتمون صلاتهم بعد سلامه، وعند المالكية أن صلاتهم صحيحة ولا يلزمهم شيء لما قدمناه، أما وقد أعادوا الصلاة فقد برئت ذممهم جميعاً وأجزأتهم صلاتهم الثانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/21)
امتناع البنت عن عمل توكيل على حسابها لأبيها هل يعد عقوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[ساعدت أخي بمبلغ كبير من المال ـ وهو محتاج ـ لكي يكمل بناء منزله ولم يساعده أحد من إخوتي وأبي، حيث إنه أخي من أمي المتوفاة وقد غضب مني والدي وطلب مني أن جعل له توكيلا على حسابي بالبنك، ولكنني رفضت، باعتبار أنه مالي الخاص، فهل أعتبر عاقا؟ مع العلم أن أبي شخص لايتحمله أحد بسبب أخلاقه وقد حرمني من زيارته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حقّ والدك أن يلزمك بعمل توكيل له على حسابك بالبنك، ولا يكون امتناعك من ذلك عقوقاً له، لكن من حقّه إذا كان فقيراً لا كسب له أن تنفقوا عليه بالمعروف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
وأما إذا كان والدك غنياً، فلا يجب عليك الإنفاق عليه، لكن من الإحسان إليه أن تعطيه ما يطلبه منك من المال ممّا لا يلحقك ضرر بإعطائه، فإن لم تفعلي فلتعتذري له برفق.
واعلمي أنّه مهما كان حال والدك وسوء خلقه، فإنّ ذلك لا يسقط حقّه عليك في البرّ، فاحرصي على برّ والدك والإحسان إليه وطاعته في المعروف، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أواحفظه. رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه الألباني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/22)
حكم تقبيل عورة الرضيع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنجبت منذ أشهر ولدا وأقيم حاليا عند أبي لأن، زوجي يعمل بالخارج في أمركا وتزورني حماتي أحيانا وفي يوم ما عند مجيئها كنت أغير حفاظات ولدي الرضيع فدخلت علي وكانت تداعب ولدي وتقبله ومن جملة ما فعلت تقبليه في أعضائه التناسلية وقد دهشت وذهلت وكرهت فعلها هذا جدا واعتبرته قبيحا وبصراحة كرهتها ولم أعد أريد زيارتها ولا رؤيتها خوفا من أن تعيد فعلها هذا، ولم أعد أثق بها وأخاف من ترك ابني الرضيع وحده معها، فهل ما قامت به حماتي حرام أم حلال؟ وإن كان حراما فهل فيه كفارة؟ وإن كان جائزا شرعا، فهل يحق لي أن أنهاها عن فعله، لأنني أبغض هذا الفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطفل غير المميز ـ كالمذكور في السؤال ـ لا حكم لعورته، فلا يحرم مسها ولا النظر إليها. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 112826، ورقم: 49463.
وعلى ذلك، فما فعلته حماتك ليس حراما ولا يدعو إلى كراهتها أو الخوف على أطفالك منها.
وإن كنت تكرهين هذا الفعل في نفسك فيمكنك أن تطلبي منها عدم فعله أمامك، مع مراعاة الأدب وانتقاء الكلمات واستعمال الأسلوب المناسب لمخاطبتك والدة زوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/23)
طلب من امرأته أن تتلف صورها مع مطلقها واهلها يعارضون
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من سيدة مطلقة ـ وكان الزواج الأول بالنسبة لي ـ وبعد مرور سنوات وبمجرد الصدفة بدأت صور عرسها مع زوجها الأول تسقط في يدي وذلك في بيت والدها فطلبت منها أن تتخلص من هذه الصور، لأنها أصبحت زوجتي، ولكنها كانت تجد صعوبة من أهلها وكانت ترد علي بأنها تخلصت منها، ولكن ذلك لم يكن صحيحا، علما بأن أهلها لا تمكن مناقشتهم في ذلك، وأبنائي الآن في عمر الزواج وأخاف أن تسقط هذه الصور في أيديهم، فماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لزوجتك أن تتخلّص من تلك الصور ما دمت قد سألتها ذلك، ويمكنها أن تحتال لإتلاف هذه الصور ولا يضرّها غضب أهلها، فإن لم تتمكن من ذلك، لمنع أهلها، أو لكونه يؤدي إلى مفسدة أكبر، فينبغي أن تعذرها في ذلك، وإذا وقعت هذه الصور في أيدي أولادك فلا نرى في ذلك خطراً، وما دامت الصور بعيدة عن الوقوع في أيدي الرجال الأجانب، فالأمر يسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/24)
كيف تتصرف مع الحمام الذي لا يعرف صاحبة ويسبب الأذى
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب أن أسأل: عن حكم ذبح الحمام الذي يبني عشه على تكييف منزلي، مع العلم أنني أسكن في منطقة كلها عمارات ويوجد في كل مكان حمام لا صاحب له، وهذا الحمام موجود بكمية كبيرة ويبني أعشاشه على الشبابيك والتكييف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحمام لا مالك له، فيجوز لك أخذه وذبحه والانتفاع به.
وأما إن كان مملوكا للغير، فلا يجوز لك ذلك، وإنما يمكنك تنفيره بوسيلة مناسبة، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية: السؤال الخامس من الفتوى رقم: 9410: س: في بيتنا كثير من طيور الحمام الذي لا يعرف صاحبه، وهو يتكاثر بشكل كبير مسببا لنا الأوساخ والإزعاج، فهل يصح صيده وأكله أو تربيته في أقفاص؟.
ج: لك أن تحفظ منزلك عن دخول طيور الحمام بتنفيرها وعدم تهيئة المكان للتواجد فيه، ولا الطعام لتناوله، وبذلك تسلم من الأذى والأوساخ.
وأما صيده أو تربيته للتتملكه فلا يجوز إلا بإذن صاحبه المالك له.
وانظر الفتوى رقم: 10365.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/25)
حكم شراء أضحية من مبيعات بدين استقرت في ذمة البائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أشكركم على الموقع الجميل فعلاً ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. آمين.
أنا أريد أن أشتري أضحية ولي عند البائع نقود قد تتجاوز ثمن الأضحية وقد لا تتجاوز. فهل يجوز أن أشتري الأضحية بثمن تلك الأشياء التي بعتها للبائع قبل ذلك ولم يدفع ثمنها؟ هل يجوز أن أشتري الأضحية ولا أدفع ثمنها بما لي عند البائع من نقود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في شراء الأضحية أو غيرها من المبيعات بدين قد استقر في ذمة البائع.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية في مسألة: تمليك الدين للمدين: أن ما يكون الملك عليه مستقراً من الديون كغرامة المتلف وبدل القرض ... وثمن المبيع.. أن هذا النوع من الديون لا خلاف بين الفقهاء في جواز تمليكه لمن هو عليه بعوض أو بغير عوض. انتهى.
وقال الشيرازي في المهذب: أما الديون فينظر فيها فإن كان الملك عليها مستقراً كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض، لأن ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/26)
يتعين عدم تعريض المسجد للإغلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نسألكم في أمر هام: نحن جماعة نسكن في قرية صغيرة في فرنسا ـ والحمد لله ـ نجحنا في أن نفتح مسجدا، لكن رئس البلدية لهذه القرية لا يريد جماعة الخروج في سبيل الله أن يأتوا إلى المسجد والذين يأتون من مدن أخرى ويهدّدنا بإقفاله ونحن مختلفون: ففينا من يرى أنه يجب منعهم، وفينا من يرى أنه لاينبغي منعهم.
أجيبونا جزاكم الله خيراً، فماذا نفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمين يتعين عليهم الحفاظ على ما عندهم من الخير والسعي في المزيد، وبناء عليه فيتعين الحفاظ على بقاء المسجد مفتوحاً، ولا تعرضوه لما يؤدي لإغلاقه، وجماعة الدعوة التي تأتيكم يمكن أن تنزل في البيوت فإن أمكن السماح لهم بالصلاة في المسجد والمدارسة مع الناس في المسجد أوقات الصلوات ثم يكون سكنهم الرسمي خارج المسجد فهو أولى.
وإلا، فلتكن لقاءاتهم بالناس في البيوت والأندية والمقاهي ولا تعرضوا المسجد للإغلاق، وادعو الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويرزقهم العون على إقامة جميع أعمالهم التعبدية، والدعوة بأمان وحرية، واحرصوا على عدم وجود الخلاف بين جماعة المسجد ولا تحملنكم العاطفة وحب ضيافة الضيوف على التفرق والتنازع الذي يخشى أن يؤدي للفشل، وتذكروا أن أعظم الدعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتح له الفرصة بمكة لجمع الناس بالمسجد والمدارسة معهم فيه، وإنما كان يلتقي بهم في بيت الأرقم بن الأرقم ـ رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/27)
حكم السهو في الصلاة وسبل تجنبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السهو أثناء الصلاة؟ وما هي النصيحة لمن يسهو؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسهو في الصلاة أمر جبلي لا يسلم منه أحد ـ حتى إنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلا يلام العبد إذا سها في صلاته، وقد رفع الله ـ برحمته ـ عن هذه الأمة المؤاخذة في الخطإ والنسيان، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله: السهو يقال: سها في صلاته وسها عن صلاته، أما سها في صلاته فالمعنى أنه نسي منها شيئاً ـ إما ركوعاً أو سجوداً أو تسبيحاً ـ وأما سها عن صلاته فالمعنى غفل عنها وتهاون بها، فالأول السهو في الصلاة أمر جبلي يحصل من كل أحد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه سها في صلاته. ولا يلام العبد لأنه من طبيعة الإنسان، وأما السهو عن الصلاة فهو المذموم الذي قال الله تعالى عنه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. أي غافلون عنها لا يهتمون بها، بل يتهاونون بها. انتهى.
وإذا كان هذا السهو يعرض للإنسان بسبب استرساله مع الوساوس والفكر في أمور الدنيا والإعراض عن تدبر الصلاة فعليه أن يأخذ بالأسباب التي تجنبه هذا السهو من الإقبال على الصلاة والإعراض عما سواها، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: هذا الأمر يشتكي منه كثير من المصلين، وهو أن الشيطان يفتح عليه باب الوساوس أثناء الصلاة، فربما يخرج الإنسان وهو لا يدري عما يقول في صلاته، ولكن دواء ذلك أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن ينفث الإنسان عن يساره ثلاث مرات وليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك زال عنه ما يجده ـ بإذن الله.
وعلى المرء إذا دخل في الصلاة أن يعتقد أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي الله تبارك وتعالى، ويتقرب إليه بتكبيره وتعظيمه، وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى، وبالدعاء في مواطن الدعاء في الصلاة، فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور فإنه يدخل في الصلاة بخشوع وتعظيم الله سبحانه وتعالى ومحبة لما عنده من الخير، وخوف من عقابه إذا فرط فيما أوجب الله عليه. انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ينبغي للمصلي إذا حضر وقت الصلاة أن يتخلى عن كل شيء من أعمال الدنيا وشواغلها حتى يتجه ذهنه وتفكيره إلى عبادة ربه قدر الطاقة، فإذا تطهر ووقف في الصلاة وقف خاشعاً تالياً لكتاب ربه أو مستمعاً له متدبراً لمعانيه ولما يقوله من أذكار في صلاته ولا يستسلم للشيطان ووساوسه، بل عندما يعرض له أقبل على صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما روي عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذاك فأذهب الله عز وجل عني. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/28)
تحريم النظر لصور المتبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كما لا يخفى عليكم وجد في الفترة الأخيرة برامج الاتصال بين مستخدمي الإنترنت ما يسمى فيس بوك
يوميا يزداد عدد المستخدمين لهذا البرامج.
سؤالي: هل يجوز للرجل أن يضيف إلى ملفه الخاص في هذا البرامج امرأة أجنبية عنه إن كان يتم ذلك بصورة صغيرة لامرأة متبرجة أجنبية عنه؟ وهل يجوز للرجل أن ينظر إلى صورة صغيرة لامرأة متبرجة أجنبية عنه لصغر الصورة؟ وجد عدد ممن يشار إليه بالبنان يفعل ذلك, وفعلهم ذلك يستلزم دليلا على جواز ذلك. فما رأيكم أحسن الله إليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظر الرجل إلى صورة امرأة متبرجة أجنبية عنه حرام كما بيناه في الفتوى رقم: 55811.
من هنا يتبين أن ما تسأل عنه من إضافة عنوان البريد الذي يستلزم إضافة هذه الصورة المتبرجة غير جائز. وراجع حكم المحادثة بين الرجل والمرأة الأجنبية في الفتاوى التالية: 109089، 122152، 119444، 3672.
مع التنبيه على أن الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ولا تؤخذ من أفعال الرجال حتى وإن كانوا من أهل العلم، وقد قال علي رضي الله عنه: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 108000.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/29)
تحايل على الإقراض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في الولايات المتحدة الأميركية، وأمتلك بيتي الذي أعيش فيه أنا وعيالي، ونفكّر حالياً بشراء بيت في الشام، يبلغ ثمنه حوالي خمسمائة ألف دولار أميركي، أملك منها حالياً حوالي مائتين وستين ألف دولار أدخرها لهذا الغرض، وبالتالي ينقصني ما يقارب المائتين وأربعين ألف دولار لأتمكن من شراء البيت الذي أرغبه في الشام.
في نفس المدينة التي أعيش فيها في أميركا يوجد بنك أميركي تقليدي لديه قسم خاص للقروض والمعاملات الإسلامية، ولديهم عقود مرابحة وعقود إجارة وفق الشريعة الإسلامية.
هل يجوز أن أحصل على قرض من هذا البنك بضمان بيتي الذي في أميركا؟ والاسم المتداول لهذه الطريقة في الولايات المتحدة هو (هووم إكويتي لوون) ، أو (هووم ري فاينانسينغ) ، (أو كاش آووت لوون) .
أي قرض بضمان البيت، وعادةً تبلغ قيمة القرض ما يعادل ثمانين بالمائة من سعر البيت.
فعلى سبيل المثال، أذهبُ إلى هذا البنك وأقول لهم إنني أريد قرضاً بضمان بيتي، وفق عقد المرابحة، فيقوم البنك بإرسال شخص مختص لتقييم بيتي ومعرفة سعره الحقيقي، ولنفترض أنهم وجدوا أن سعره ثلاثمائة ألف دولار، وبالتالي أقصى حد للقرض الذي ممكن أن أحصل عليه منهم هو مائتين وأربعين ألف دولار، فيشترون ثمانين بالمائة من مساحة بيتي بمائتين وأربعين ألف دولار وتصبح ملكهم، ثم يبيعونها لي مرة أخرى مع إضافة نسبة ربح محددة نتراضى عليها، ولنفترض أن قيمة الربح التي حددها البنك هي سبعون ألفاً، وبالتالي يصبح المبلغ الواجب عليّ سداده هو ثلاثمائة وعشرة آلاف دولاراً، وأقوم بتسديدها على دفعات شهرية لمدة معينة ولنفترض أنها عشر سنوات.
أي أنني لكي أحصل على قرض، قمت ببيع ثمانين بالمائة من بيتي الذي أسكنه للبنك بقيمة مائتين وأربعين ألف دولار قبضتها نقداً، ثم قمت بشراء نفس هذه الثمانين بالمائة من مساحة بيتي بقيمة ثلاثمائة وعشرة آلاف دولار أسددها على دفعات شهرية، ويقوم البنك بتحويل مبلغ المائتين وأربعين ألف دولار، أي قيمة القرض، إلى حسابي البنكي في أميركا، وأنا أقوم بتحويله إلى حسابي البنكي في الشام، وهناك أضيفه إلى مدخراتي وأشتري البيت المطلوب في الشام.
والسؤالان المرجو التكرم بالإجابة عليهما هما.
أولاً: هل هذا القرض حلال وجائز أم لا؟
ثانياً: هل يمكن اعتبار هذا العقد هو عقد مرابحة وتنطبق عليه شروط وضوابط عقد المرابحة الإسلامية؟
أرجو التكرّم بالردّ المفصّل والسريع على هذين السؤالين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المعاملة وهي أن تبيع السلعة بثمن حال ثم تشتريها منه بأكثر نسيئة، هي عكس مسألة العينة، وهي مثلها في التحريم على الراجح، ومن أباحها اشترط ألا يكون هناك تواطؤا عليها لأنها بذلك حيلة على الربا.
وبالنسبة لسؤالك فالتحايل فيه على الربا واضح، وعلى ذلك فلا يجوز هذا القرض. وانظر للأهمية الفتوى رقم: 116297 وكذلك ما أحيل عليه فيها من فتاوى.
وأما اعتبار هذا العقد الربوي بيع مرابحة شرعي، فلا يمكن اعتباره كذلك، وإنما هو في حقيقته تحايل على الإقراض بالربا، والعبرة بحقيقة المعاملات لا بمجرد أسمائها. وراجع في المرابحة الشرعية الفتوى رقم: 1608.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/30)
الحل يكمن في هذه الأمور.. والانتحار ليس حلا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة، وكنت دائما أرجو التقرب إلى الله، ولكن بعد سنة من زواجي عجز زوجي جنسيا عجزا كاملا، ورضيت بما قضى الله لي، ولكني بعد 4 سنين ضعفت وكونت علاقة وراء الأخرى، ولكن ضميري يؤنبني وخوفي من الله يزداد يوما بعد يوم، وعدم رغبتي في التخلي عن زوجي هي التي تمنعني من الطلاق، فكرت كثيرا في الانتحار كي أتخلص من ذنوبي وضعفي الذي لا أقدر على مقاومته، أريد الله ولكن ضعفي يغلبني قد بدأت في الصلاة بعد أن قطعتها سنين، ولكن الشيطان يقول لي كيف تتكلمين مع الرجل وترجعين إلى الصلاة، بدأت في الرجوع إلى القرآن وسماعه، ولكني مازالت مع هذا الرجل الذي يحبني ويشعرني بأني أنثى، وأني مثل الشابات التي في سني، فأنا لا أريد شيئا سوى أن أشعر أني امرأة محتاجة لوجود رجل في حياتها، علما بأنه مرت سنوات دون أن يأخذني زوجي في حضنه، أو يقبلني كأنما عجزت مشاعره معه، أنا في أوائل الثلاثين من عمري، وهذا العجز منذ 6 سنوات. أرجو الإجابة. هل أستمر في الصلاة مع العلم أني أفكر كيف أتغلب على نفسي وأبعد عن الخطيئة، أو أترك الصلاة إلى أن أتخلص من أخطائي؟ هل أقف أمام الله وأنا أخطئ هذا الخطأ؟ أم أنتحر لكي أتخلص من حياتي ومن أخطائي التي زادت عن الحد، مع العلم أني في يوم من الأيام فكرت في الطلاق عندما فاض بي الكيل، ولكن لم أجد أهلي يقفون بجانبي، كأنهم لا يشعرون بي. أرجوكم احكموا لي بالانتحار كي أتخلص من نفسي، فقد قرفت منها ومن حياتي، ولولا كسوفي من مقابله الله لفعلتها. والله أرجو الرد فأنا بجد متعبة من كل شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تقومين به أيتها السائلة من علاقة مع هؤلاء الرجال الأجانب أمر محرم لا خلاف في تحريمه، ولسنا بحاجة إلى الاستفاضة في هذا لوضوحه وظهوره. وراجعي في ذلك الفتويين التاليتين: 22368، 28080.
وما أصيب به زوجك من عجز لا يسوغ لك هذا الذي تفعلين بأي حال، فإن الشرع قد جعل لك من هذا مخرجا كريما، إما بفسخ النكاح عن طريق القضاء، وإما بطلب الطلاق من زوجك لأجل الضرر اللاحق بك، وإما بالخلع إن رفض الزوج الطلاق. وقد بينا هذا في الفتويين التاليتين: 56738، 113898.
ولا يجوز لأهلك أن يمنعوك حينئذ من الطلاق، فإن أصروا على منعك من حقك في الانفصال عن زوجك، فارفعي أمرك للقضاء ليتولى القاضي ذلك رغما عنهم، والواجب عليك أن تسارعي بالتوبة إلى الله سبحانه من هذه العلاقات وقطعها فورا، ثم عليك بالمحافظة على إقامة الصلاة، فإن الصلاة وذكر الله أعظم عون للعبد على ترك الفواحش والمنكرات. قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45}
جاء في تفسير البغوي وقال عطاء في قوله: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" قال: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
واعلمي أنه لا يجوز ترك الصلاة أبدا مهما صدر من العبد من مخالفات، وهذا الحرج والضيق واليأس الذي تجدين في صدرك إنما تتخلصين منه بترك هذه المنكرات لا بترك الصلاة التي هي عماد الدين. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 121717.
وأما الانتحار فإنه كبيرة من كبائر الذنوب، وكثيرا ما يوسوس الشيطان للإنسان أنه هو الحل لما يعانيه من مشكلات، وهذا وهم كبير فإنه وإن كان صاحبه سيهرب به من شقاء الدنيا، فإنه سينتقل إلى الشقاء الأعظم في نار الجحيم والعياذ بالله. ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 10397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/31)
حكم مقولة (الإمام مالك ليس رسولا يصيب ويخطئ في فتواه)
[السُّؤَالُ]
ـ[تحت عنوان التطاول على الأئمة سؤالي هو:
هل يحق للمؤمن أن يقول مثلا: الإمام مالك ليس رسولا يصيب ويخطىء في فتواه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إطلاق هذه العبارة على الإمام مالك أو غيره من الأئمة المجتهدين ـ صحيح، بشرط أن لا يصحبه استهانة أو انتقاص لأقدار أولئك الأئمة، وانظر الفتويين رقم: 4402، 56408.
هذا، وليحذر المسلم من إطلاق لسانه في العلماء وأئمة الدين حراس الشريعة؛ فإن لحومهم مسمومة، وعادة الله في هتك أعراض منتقصيهم معلومة، وهم ورثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإجلالهم وإنزالهم منزلتهم من إجلال الله تعالى، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 15399، 64606، 33943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/32)
إذا دخل الوتر بنية ركعة فهل له أن يقلبها ثلاثا
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل ينوي الوتر بركعة وينسى دعاء القنوت، فهل يجوز له أن يزيد ركعتين، لكي لا يفوته دعاء القنوت؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا: أن دعاء القنوت في الوتر مختلف في استحبابه، والراجح مشروعيته في الوتر في رمضان وفي غيره، وانظر الفتوى رقم: 126543.
وليس قنوت الوتر واجبا عند أحد من العلماء ـ فيما نعلم ـ ومن ثم فصلاة من تركه سهوا أو عمدا صحيحة، ولا شيء عليه، وليس لمن نوى الوتر واحدة أن يغير نيته فيجعله ثلاثا عند كثير من أهل العلم، وقد أوضحنا هذا في الفتويين رقم: 68896، ورقم: 94083.
والظاهر أن مذهب الحنابلة هو جواز تغيير النية في الوتر، فإنهم أجازوا تغيير النية في صلاة النافلة إذا كان على وجه مباح، قال البهوتي في تعليل منع الزيادة على اثنتين لمن نواهما ليلا، مع جوازه نهارا: فإن قيل الزيادة على ثنتين ليلا مكروهة فقط وذلك لا يقتضي بطلانها قلت: هذا إذا نواه ابتداء، وأما هنا فلم ينو إلا على الوجه المشروع فمجاوزته زيادة غير مشروعة، ومن هنا يؤخذ أن من نوى عددا نفلا ثم زاد عليه إن كان على وجه مباح فلا أثر لذلك وإلا كان مبطلا له. انتهى.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله،: نص الإمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر يعني إن لم يرجع بطلت صلاته، لكن يستثنى من هذا الوتر، فإن الوتر يجوز أن يزيد الإنسان فيه على ركعتين فلو أوتر بثلاث جاز.
وعلى هذا، فإن الإنسان إذا دخل في الوتر بنية أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى ثالثة بدون سلام، فنقول له أتم الثالثة فإن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين. انتهى.
والأحوط هو القول الأول وأن من نوى عددا فلا يصرفه إلى غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/33)
حكم تعليق لوحة مكتوب فيها اسم الله الضار النافع والمنتقم
[السُّؤَالُ]
ـ[أهداني أحدهم لوحة مكتوبا فيها أسماء الله الحسنى، لكن ليست كلها أسماء صحيحة، ففيها أسماء مثل الضار النافع، المنتقم: أي أنها أسماء مشتقة من صفات وأفعال لله سبحانه وتعالى ـ وهي لوحة قيمة ـ وتصر زوجتي على تعليقها في المنزل، فهل لنا أن نقوم بتعليقها؟ أم في ذلك إثم علينا؟.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر تلك الأسماء في حديث رواه الترمذي واختلف أهل العلم في صحته، فمن صححه أدخل الأسماء المذكورة ضمن الأسماء الحسنى، ومن لم يصححه لم يدخلها في الأسماء الحسنى، وانظر لذلك الفتوى رقم: 12383.
وما دام المحدثون مختلفين في ثبوت الحديث فلا نرى أن تنكر على زوجتك مثل هذا الأمر، وإذا كانت زوجتك قد استندت في ذلك إلى قول المصححين للحديث فلا إثم عليها ـ إن شاء الله ـ وهذا كله في عد هذا من أسماء الله تعالى، أما مجرد أن نخبر عنه سبحانه بأنه الضار النافع فهذا لا خلاف ـ نعلمه ـ في صحته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/34)
هل يلزم طاعة الزوج في إيقاد السراج عند الاستمتاع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إطفاء الأنوار عند الجماع إذا أصرت عليه المرأة، رغم معارضة زوجها وغضبه عليها؟ وهل يحق لها الامتناع؟ وهل تأثم لذلك، لأن هذا من حق الزوج؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لكل من الزوجين أن ينظر إلى بدن الآخر كله وليس في ذلك ما ينافي الحياء والمروءة، ومن حق الزوج أن يستمتع بزوجته على جميع الوجوه التي يأذن فيها الشرع، وبالتالي فإذا أراد الزوج أن يستمتع بالنظر لجسد زوجته حال جماعها وأراد إبقاء الأنوار متقدة ليستوفي هذه المتعة فلا حقّ للزوجة في منعه، إلا أن يكون عليها ضرر في ذلك، قال الشربيني: ونبه باللمس على أن ما فوقه بطريق الأولى، لكن لا يفهم منه أنها لو منعته النظر بتغطية وجهها أو توليته يكون نشوزا، والأصح في زيادة الروضة أنه نشوز. مغني المحتاج.
وينبغي للزوج أن يبين ذلك لزوجته برفق ويحرص على أن تكون علاقته بزوجته قائمة على التراحم والتفاهم والتوادّ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/35)
خطبة المحرم وهل له أن يطلب من غيره أن يبحث له عن زوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الحاج لا يجوز له أن يعقد أو يشهد زواجا وهو في حال الإحرام، ولكن هل يجوز له أن يصرح لمن حوله أنه يبحث عن زوجة؟ وهل يجوز له ـ إن عرض عليه ـ أن يرى الرؤية الشرعية؟ وهل يجوز الدخول في نقاش يتعلق بالزواج أو ترتيباته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قولك إن المحرم لا يعقد نكاحا فصحيح وهو مذهب الجمهور، ودليله حديث عثمان ـ رضي الله عنه ـ عند مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب.
وأما قولك إنه لا يجوز له أن يشهد زواجا ففيه نظر، فإن شهادة المحرم على النكاح ليست محرمة في قول الأكثر، وإن كانت مكروهة كما نص على ذلك أهل العلم، فالأولى والأفضل للمحرم أن لا يكون شاهدا في عقد نكاح، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله: أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما، لكن يكره أن يحضرا عقده إذا كانا محرمين، فإن عقد النكاح في حق المحرم منهما حرام. انتهى.
وأما الخطبة للمحرم فقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها مكروهة غير محرمة واختار بعض العلماء التحريم لظاهر النهي، قال النووي في شرح مسلم: واعلم أن النهى عن النكاح والإنكاح في حال الإحرام نهي تحريم فلو عقد لم ينعقد ـ سواء كان المحرم هو الزوج والزوجة أو العاقد لهما بولاية أو وكالة ـ فالنكاح باطل في كل ذلك حتى لو كان الزوجان والولي محلين ووكل الولي أو الزوج محرما في العقد لم ينعقد، وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا يخطب.
فهو نهى تنزيه ليس بحرام.
وكذلك يكره للمحرم أن يكون شاهدا في نكاح عقده المحلون.
وقال بعض أصحابنا لا ينعقد بشهادته، لأن الشاهد ركن في عقد النكاح كالولي، والصحيح الذي عليه الجمهور انعقاده. انتهى.
وقال العلامة العثيمين ـ رحمه الله: الخطبة الصحيح أنها حرام، لأن النهي فيها واحد مع العقد، وعموم الحديث: ولا يخطب.
أنه لا يخطب تعريضاً ولا تصريحاً. انتهى.
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله: وتكره الخطبة للمحرم وخطبة المحرمة ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين، لأنه قد جاء في بعض ألفاظ حديث عثمان: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب. رواه مسلم.
ولأنه تسبب إلى الحرام فأشبه الإشارة إلى الصيد. انتهى.
وبه تعلم أن المحرم ليس له أن يخطب وأنه منهي عن ذلك ـ إما نهي كراهة وإما نهي تحريم ـ والرؤية الشرعية التي يراد بها الخطبة هي من هذا الباب فليس للمحرم أن يقدم عليها، وأما تصريحه لقرنائه بأنه يريد الزواج وحديثه بشأن ترتيبات الزواج ونحو ذلك فليس منهيا عنه شريطة أن يجتنب الرفث، فإن الله تعالى يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ {البقرة:197} .
ولو شغل المحرم نفسه بالذكر والتلبية وما شرع له من الأعمال الصالحة في هذه المواسم الفاضلة لكان أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/36)
حكم إجبار الأب على أن يخص بعض أبنائه بعطية دون باقيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[والله لست أدري من حيث أبدأ، فمشكلتي مبهمة وغير معروفة، فأنا لست أفهم ما يجري لي، منذ مدة تزيد عن 4 سنوات اكتشفنا أن أبي كان متزوجا بامرأتين أخريين غير أمي التي مضى على زواجه منها أكثر من 47 سنة ـ وبحكم أن أبي كان يعمل خارج مكان إقامتنا ـ فلم نكن ندري ما يجري، كان يأتي إلينا في العطلة كل شهرين، بالرغم من أنه من كل 4 أسابيع يأخذ عطلة لمدة 3 أسابيع، فقد كان متزوجا، واكتشفنا الأمر عندما خرج التقاعد، حيث كان يسافر كل شهر ولا يرجع إلى البيت إلا بعد شهر، فاحتارت أمي إلى أين يذهب؟ فما كان مني إلا الذهاب إلى صندوق الإعاشة والسؤال هناك فاكتشفنا أنه متزوج من امرأتين والمشكلة ليست هنا ـ بالرغم من أمي أحست بهذا وهي متأكدة أنه متزوج، ولكن لا تعرف الحقيقة فقد أخفيتها عنها ـ وإنما بدأت عندما أردنا ـ أنا وإخوتي ـ أن نكتب كل أملاكه الموجودة في مكان إقامتنا ـ بالرغم من أنها بسيطة ـ بأسمائنا خوفا من أن تحصل بعد وفاته مشاكل - مع العلم أن أهل بلدتنا يكنون لنا كل الاحترام ولا يعلمون أنه متزوج من نساء أخريات ـ وأول شيء فعلته أنني قمت ببناء في البيت وطرحت عليه مقابل ذلك أن يكتب لي محلا تجاريا قديما في وسط البلدة، خوفا من أن يبيعه، لأنه في كل مرة يقوم بالبيع، فقد باع أراضي في مكان مهم وكذا مزرعة، لكن أين ذهبت الدراهم؟ لا يعلم أحد، بالرغم من أننا لم نكن نعيش بمستوى مرموق مثل الناس الذين كانوا أبوهم يعمل مثل عمل أبي وعلى حسب تفكيري فقد أخذ كل من العائلتين ـ بالرغم من صغر أفرادهم 4 أولاد ونحن 8 يعني الضعف ـ حقوقهم كاملة، ولهذا فإنني أرى أنه يجب أن نأخذ حقنا، فعند موافقة أبي على منحي المحل كتب لي وكالة بالتصرف في المحل والمسكن وهذا بعد مجهود جبار، استطعت أن أكتب المحل ولم أستطع كتابة المسكن لأخواتي المتزوجات كحق لهن، لأن أبي كأنه كان يرفض داخليا أن يكتب المنزل وكل ما يمكله لسبب لا يعرفه إلا الله، والمشكلة أنه كان يقوم بأعمال شعوذة حتى لا نستطيع أن نعمل شيئا، فكم من مرة وصلت إلى غاية باب الموثق ورجعت أدراجي، وقد تمكنت من كتابة المحل بفضل شيخ راق، والمشكلة الأكبر أننا لا نعلم أي شيء عن زوجاته وأولاده الآخرين، وعندما نسأله عنهم لا يعطينا الإجابة الشافية، وكم من مرة طلبنا منه أن نراهم ونذهب إليهم فكان يرفض رفضا قاطعا، والسبب غير معروف، فأحيانا تحدث مشاكل بيني بين إخوتي وأخي الأصغر الشقيق لسبب غير معلوم، ونحن على هذه الحالة، فما استطعنا فهمه ولافهم تفكيره ولا أن نفعل الشيء الذي يضمن حقنا خوفا من حدوث ما لاتحمد حقباه في حالة وفاته، لأنه من الممكن جدا أن ترفع علينا زوجاته دعوى قضائية لاقتصاص حق أولادهن، ونصبح أضحوكة في بلدتنا، فأردنا أن نعالج كل شيء الآن في حياته، ولكنه يأبى ذلك ولا حوار معه، ولا يفهمنا أي شيء، غير الأمور الطبيعية التي كانت تحدث لنا، وأمي مسكينة مغلوب على أمرها فهي طيبة ولا تقدر على مراوغته وافتكاك حق أبنائها رغم أننا نحن الكبار، وعماتي ـ وبحكم أنهن يكرهننا ـ كن دوما مع أبي حتى في حالة خطأه، وبقي فمن أملاك أبي المنزل الذي نسكنه، ومزرعة فقط، فأردت أن تقسم على أخواتي الشقيقات وأخي الأصغر، لكن كيف؟ لا يعلم إلا الله فهو ـ من حيث كلامه ـ غير رافض للفكرة، لكن التطبيق شيء آخر، فهو يريد من خلال فهمي لمجريات الأمور أن يبيع المزرعة، بالرغم أن كل الأموال التي كان يحصل عليها بعد البيع لا يظهر عنها أي شيء، فهو غير مفهوم فمن ناحية يريد أن يبيع ومن ناحية أخرى يريد أن يكون شكله جميل في البلدة، لأن في بلدتنا بيع العقار شيء غير مهضوم إلا لضرورة قصوى، مع أن معاشه محترم لتعيش كل العائلات بشكل بسيط، كيف يفكر؟ وما الحل؟ العلم عند الله حتى أمي لم تستطع فهمه ولا فهم ما يجول بخاطره.
وكل رجائي أن أرى النور من خلال ملاحظاتكم وما يجب علينا فعله فنحن في حيرة، وقد أردت التوجه إليكم بعد أن ضاقت بنا كل السبل لعلاج الموضوع وخاصة المتعلق بجانب الشعوذة التي يمارسها أبي مع أخته في حقنا.
الرجاء مساعدتنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزواج الرجل من زوجة ثانية ـ بل وثالثة ورابعة ـ حق مشروع له بشرط القدرة على القيام بحقوق الزوجات والعدل بينهن وعدم الميل إلى واحدة على حساب الأخرى, ولا يشترط في ذلك علم الزوجة الأولى ولا إذنها ولا يشترط إذن أولاده السابقين ولا علمهم، وراجع الفتوى رقم: 124568.
وأما بخصوص الأولاد، فإن العدل بينهم في العطايا ونحوها واجب على الراجح من كلام أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 64930.
وعليه، فلا يجوز للأب أن يفضل بعض أولاده على بعض إلا إذا وجد مسوغ للتفضيل من فقر أو مرض ونحو ذلك، كما بيناه في الفتويين رقم: 14254 , ورقم: 124893.
وما تقومون به من الضغط على أبيكم ليكتب لكم بعض أملاكه غير جائز، لأن هذا المال حق خالص له ولا يجوز لكم أن تأخذوه منه إلا بطيب نفس منه, والأب له على ولده حق البر والصلة، وإكراهه على ما لا يريده من العقوق, والعقوق من كبائر الذنوب, هذا بالإضافة إلى أنكم لا تجزمون بأن هذه الأموال التي يحصلها أبوكم من بيع ممتلكاته يفضَل بها أولاده الآخرين, بل إن الأمر منكم مجرد ظنون، والظن لا يغني من الحق شيئا, ثم إنه إذا استجاب لكم وخصكم بهذه الأملاك ـ والحال أنه لم يعط أولاده الآخرين مثلها ـ فإنكم تكونون قد أوقعتموه في الظلم والجور, وهذا لا يجوز إضافة إلى أنه لا يشرع لكم حينئذ أن تنتفعوا بهذه الأموال دون باقي إخوتكم فاتقوا الله سبحانه وتوكلوا عليه وحده في أمر الرزق واحذروا أن يجركم حب الدنيا إلى الظلم والعقوق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحّ، فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم، وحملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
ولكن لا مانع أن تذكروا أباكم بأسلوب لين رفيق بأن الشرع الحنيف أمر بالعدل بين الأولاد والزوجات، بل هذا من حق أبيكم عليكم أن تنصحوا له.
وأما إخفاء أبيكم أمر زوجاته الأخريات وأولاده منهن فهذا غير جائز، لأنه إذا مات على هذه الحالة فسيؤدي هذا إلى ضياع حقوق الورثة, ثم إلى قطيعة الرحم بين الإخوة وهذا لا يجوز.
ولا يجوز لكم أن تسيئوا الظن بأبيكم وعمتكم فيما تذكرون من أمر السحر والشعوذة، فإن إساءة الظن بالبرآء ظلم عظيم, وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. صححه الألباني.
وقال أيضا لما نظر إلى الكعبة: مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدة، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، وماله، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ. أخرجه البيهقي وغيره، وصححه الألباني.
وننصحكم ـ على كل حال ـ بالمحافظة على الرقية الشرعية خصوصا إذا تيقنتم من شيء من هذا الذي ذكرت وقد بينا كيفية الرقية الشرعية في الفتاوى التالية أرقمها: 22104 , 4310 , 2244 , 80694.
وراجع حكم التحية بـ ـ صباح الخير ـ في الفتوى رقم: 74681.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/37)
هل يلزم الابن أن يستأذن من زوج أمه لكي يزورها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التكرم بالإجابة على هذا السؤال المُلِّح مع تَقديم الشُكر والتّقدير مُسبقاً حَفِظكُم الله!
أنا (امرأة) تزوجت من شَخص بعدَ أن طلقني زوجي السّابق، وكَان لِي منه ولد، وأنا أعمل موظفة في مؤسسة دوليّة، وأتقاضى راتباً شهرياً.
وقد اشترطت عليه أن يسكن ابني معي في بيتي الذي هو ملك خاص لي، وليس لزوجي الثّاني وتعهّد هو أي- زوجيَ الثّاني- أن يُحافظ على ابني ويرعاهُ، وكأنّه ابنه، وأن يبقى معنا في البيت، وبعد فترة من الزمن رجع ابني إلى أبيه ليعيشَ معه وأصبح يتصل بي هاتفيّاً، ليطمئن عليّ ويزوني شخصياً في بيتي بينَ الحِين والآخر مما لا يروق لزوجي الثاني، وأصبح يطلب مني أن أخبر ابني قبل أن يزورني أن يطلب إذناً من زوجي بالزيارة بعدَ أن تعهد برعايته وإبقائه معي في البيت.
ومن ناحيةٍ أخرى، أصبح بطريقةٍ غير مُباشرة ينظر إلى راتبي الشهري، وكأنّ له حقا شرعيّا في قسمٍ منه، على اعتبار أنه يسمح لي بالذهاب إلى العمل من الوقت الذي هو يعتبره ملكاً له.
ما هو ردّ الشرع الإسلامي في مثل هذه الحَالة؟ شاكرة لكم مرة أخرى جهودكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص فقهاء المالكية على أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من إسكان ولدها من غيره معهما إن كان يعلم به وقت البناء. قال الخرشي شارحا لقول خليل: إ لا أن يبني وهو معه: يعني أن أحد الزوجين إذا بنى بصاحبه ومعه ولد يعلم به صاحبه ثم بعد ذلك أراد أن يخرجه عنه ليس له ذلك. اهـ.
فإذا انضم إلى ذلك اشتراط الزوجة عند الزواج سكناه معهما تأكد عدم المنع. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. رواه البخاري ومسلم عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه.
ينضاف إلى هذا أن الولد إن جاء وسكن فإنما يسكن في بيت هو ملك لأمه، فلا وجه لمنع زوجك له من السكن أحرى إذا كان سيأتي مجرد زائر.
وبالنسبة للزيارة فقد نص فقهاء المالكية أيضا على أنه يقضى للصغار بزيارة أمهم كل يوم، وللكبار مرة في الأسبوع. قال خليل في مختصره: وقضى للصغار كل يوم، وللكبار في الجمعة كالوالدين ومع أمينة إن اتهمهما.
قال الخرشي شارحا: يعني أن أولاد المرأة إذا كانوا صغارا فإنه يقضى لهم بالدخول على أمهم في كل يوم مرة لتتفقد أمهم حالهم، وإن كانوا كبارا فإنه يقضى لهم بالدخول إليها في كل جمعة مرة واحدة اهـ.
فإذا كان هذا من حقهم فلا يلزم الواحد منهم استئذان الزوج فيما هو حق له.
وأما بالنسبة لراتبك فإن للزوجة ذمة مالية مستقلة فلا يجوز لزوجك أن يأخذ شيئا منه من غير طيب نفس منك، إلا إذا اشترط عليك جزءا من الراتب مقابل السماح لك بالعمل، فيجب عليك الوفاء له بهذا الشرط، وإذا كنت قد اشترطت عليه عند الزواج السماح لك بالعمل فإنه يجب عليه الوفاء بذلك.
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 19680، والفتوى رقم: 107448.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/38)
الأولى بالتقديم في ولاية النكاح في المذهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من الأحق بتزويج المرأة في المذاهب الأربعة؟ باعتبار أنه لا نكاح إلا بولي، وهل الكلام عن أهل العصبة المذكور في الموقع فيه خلاف؟ أم إجماع؟ أرجو أن توضحوا لي أكثر على العصبة والتعصيب؟ وما هي مميزاتهم عن باقي الأرحام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء فيمن هو أولى بالتقديم في ولاية النكاح اختلافا كبيرا حتى في المذهب الواحد، ونحن نجمل الكلام في المذاهب دون التعرض لتفاصيل الخلاف؛ فنقول:
ذهب الأحناف إلى أن أولى الناس بالتقديم هو الابن وابنه وإن سفل، ثم الأب والجد أبوه، ثم الأخ الشقيق، ثم لأب، ثم باقي العصبات على هذا النسق الذي ذكره صاحب كتاب " فتح القدير" حيث قال: فتقدم عصبة النسب وأولاهم الابن وابنه وإن سفل ... ثم الأب ثم الجد أبوه ثم الأخ الشقيق ثم لأب.....ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب، كذلك الشقيق ثم أبناؤه ثم لأب ثم أبناؤه ثم عم الجد الشقيق ثم أبناؤه ثم عم الجد لأب ثم أبناؤه وإن سفلوا. انتهى
وأما المالكية فقد قال عنهم ابن جزي في القوانين الفقهية: المسألة الثالثة: في ترتيب الأولياء: أما الذي يجبر فالأب ثم وصيه، وأما الذي لا يجبر فالقرابة ثم المولى ثم السلطان , والمقدم من الأقارب الابن ثم ابنه وإن سفل ثم الأب ثم الأخ ثم ابنه ثم الجد ثم العم ثم ابنه وقيل الأب أولى من الابن. انتهى.
وأما الشافعية فإنهم يقدمون الأب مطلقا وليس للابن عندهم ولاية التزويج أصلا. جاء في المنهاج للنووي: وأحق الأولياء أب ثم جد ثم أبوه ثم أخ لأبوين أو لأب ثم ابنه وإن سفل ثم عم ثم سائر العصبة كالإرث، ويقدم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر، ولا يزوج ابن ببنوة. انتهى.
وأما الحنابلة فإنهم يقدمون الأب على الابن، جاء في مختصر الخرقي: وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ثم ابنها وابنه وإن سفل ثم أخوها لأبيها وأمها والأخ للأب مثله ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة ثم أولادهم وإن سفلوا ثم عمومة الأب ثم المولى المنعم ثم اقرب عصبته ثم السلطان ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا. انتهى.
وأما تعريف العصبة فهو ما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: العصبة في اللغة: القرابة الذكور الذين يدلون بالذكور، وهو جمع عاصب , والعصبة في الاصطلاح عند الإطلاق هم: الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم. انتهى.
وبهذا التعريف الجامع المانع تتبين -أيها السائل - الفرق بين العصبات وغيرهم من ذوي الأرحام كالأخوال ونحوهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/39)
هل المرأة غير المتزوجة ممنوعة من التزين
[السُّؤَالُ]
ـ[إلحاقا بالسؤال رقم 2237101
قال في مغني المحتاج [جزء 1 - صفحة 187]
ووصل شعر الآدمي بشعر نجس أو شعر آدمي حرام، ويحرم بغير إذن زوج أو سيد وصل شعر بغيرهما
وقال في الجوهر النقي [جزء 7 - صفحة 294]
قال (باب لا تطيع زوجها في معصية) ذكر فيه (أن امرأة زوجت ابنة لها فسقط شعرها فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها أمرني أن أصل في شعرها فقال لا الحديث - قلت - ذكر النووي في شرح مسلم أنها أن وصلت بشعر طاهر من غير آدمي فان لم يكن لها زوج ولا سيد فحرام وان كان ففيه أوجه أصحها عندهم أن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز وإلا فحرام وكذا لو أذن في تحمير الوجنة والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع جاز على الصحيح هذا تلخيص كلام أصحابنا
وقال ابن حجر في فتح الباري -[جزء 10 - صفحة 378]
وقال النووي يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب قلت وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه وإلا فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس وقال بعض الحنابلة إن كان النمص أشهر شعارا للفواجر امتنع وإلا فيكون تنزيها وفي رواية يجوز بإذن الزوج إلا إن وقع به تدليس فيحرم قالوا ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة وقد أخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت المرأة تحف جبينها لزوجها فقالت أميطي عنك الأذى ما استطعت وقال النووي يجوز التزين بما ذكر إلا الحف فإنه من جملة النماص
وقال النووي في شرحه على مسلم [جزء 14 - صفحة 104]
قالوا وأما تحمير الوجه والخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فان لم يكن لها زوج ولا سيد أو كان وفعلته بغير اذنه فحرام وان أذن جاز على الصحيح.
وقال في الإنصاف [جزء 1 - صفحة 123] قلت: ووجه في الفروع وجها بإباحة تحمير ونقش وتطريف بإذن زوج فقط. انتهى. وعمل الناس على ذلك من غير نكير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في جواب السؤال الذي أشرت إليه أن المرأة غير المتزوجة لم يثبت نهي عن تزينها، ولا حاجة للجمع بينه وبين مشروعية تزين المخطوبة لخاطبها إذ ليس ثمت تناقض يحتاج إلى أن يجمع بينه.
وما جاء في هذا السؤال لا علاقة بينه وبين السؤال المتقدم، بل اشتمل على بعض كلام أهل العلم فى جزئيات خاصة، ولا تتناول أصل مشروعية التزين للمرأة غير المتزوجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/40)
مسائل فيمن أتى أمرأته في دبرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقدمت على فعل محرم وهو الوطء في الحرام، وذلك بسبب قراءتي لبعض الفتاوى من بعض المواقع الإلكترونية أنها ليست محرمة، والبعض يقول إنها محرمة، علما أنني كنت أعلم قبل أن أقرأ للمواقع أنها تطلق زوجتك بالثلاث، وكنت أولا لا أقرب الشيء هذا لأنها تطلق زوجتك بالثلاث، وصار لي كم سنة وأنا متزوج ولم أقرب هذا الشيء، وقرأت بالمواقع الإلكترونية أنها ليست محرمة ومشايخ تقول إنها محرمة، ووسوس لي الشيطان أن أفعل هذا، وفعلت وأعلم أنها محرمه، لكن كل ما أقترب وأضعه لا أقدر أن أغيبه داخل فقط الرأس ولم أنزل فيه حتى لا يصيبني شيء، وشيء ما يمنعني عنه وخوف ورهبة من الموقف حتى أنني بعض المرات أنزل قبل ألا ألمسه، وقبل فعلتي هذه عرفت أن من أحلها كانت زلة عالم، وأنا ما فهمت ما قرأته صحيحا أنها محرمة.
سوالي: هو نظرا لجهلي في الأحكام وهو السؤال أنني نذرت أنني لا أرجع لهذا الشيء ولا أفعله، وإن فعلته أنذر تكفيرا للذنب الذي فعلته، وهو ذبح أذبحه وفعلته. الآن ماذا أفعل. وأنا الحمد لله تركت هذا الشيء خوفا من ألله عز وجل. هل لي تكفير للذنب؟ علما أنني تبت لله عز وجل، وعندما كنت أحاول تغييبه أرجع عن الشيء هذا خوفا منه وشيء يصيبني أعجز عن فعل هذا الشيء. وهل النذر يلزمني؟ هل أذبح تكفيرا لذنبي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوطء المرأة في دبرها محرم، بل هو كبيرة من الكبائر، والخلاف فيه خلاف شاذ لا يعتبر ولا يعتد به، وكثير من الأقوال المنقولة عن الأئمة في ذلك إما مكذوبة عليهم أو أخطأ الناقل عليهم فيها. وقد بينا هذا بالتفصيل في الفتوى رقم: 21843.
فعليك بالتوبة إلى الله سبحانه مما كان منك من هذا الفعل القبيح، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة.
وننبه على أن هذا الفعل مع قبحه لا يترتب عليه بمجرده تطليق الزوجة لا طلقة واحدة ولا أكثر، ولكن ذكر أهل العلم أنهما يعاقبان على ذلك إن تواطآ عليه، وإن لم ينزجرا بالعقوبة يفرق بينهما.
قال ابن تيمية: ومن وطئ امرأته في دبرها وجب أن يعاقبا على ذلك عقوبة تزجرهما، فإن علم أنهما لا ينزجران فإنه يجب التفريق بينهما. انتهى.
والنذر الذي أقدمت عليه لتمنع نفسك من الوقوع في هذه الكبيرة يسمى نذر اللجاج، وهو الذي يقصد صاحبه منع نفسه من شيء أو حثها على فعله، وقد اختلف العلماء فيما يلزم الشخص إذا لم يوف بمقتضاه، فبعضهم أوجب فيه كفارة يمين، وبعضهم خير بين فعل ما نذر أو الكفارة. وقد بينا هذا في الفتاوى التالية: 8336، 30392، 43225.
وكفارة اليمين سبق تفصيلها في الفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/41)
جواب شبهة حول خلق الله تعالى للكون
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من إنكار كامل لوجود الله وخلقه لكل شيء، حيث أرى أنه قد لا يكون الله هو الذى خلق الكون وأن إلها آخر غيره هو الذي خلقه، فما الدليل العلمي الذي يبطل هذه الشبهة، أرجوكم أجيبوني سريعا عن هذا السؤال الخطير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها هي وجود الله تعالى الخالق البارئ المصور، ولا يستطيع إنكار ذلك أو حتى الشك فيها عاقل منصف، وحسبنا في ذلك آية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جبير بن مطعم كان كافراً، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قال: كاد قلبي أن يطير. رواه البخاري.
فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟! وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا، ثم قال: أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. أي إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة، ثم قال: (بَلْ لَا يُوقِنُونَ) فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان، وهو عدم اليقين. وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، والرد على الشاك في وجوده، في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 103949، 75468، 48913، 22055، 22279، 100160، 52377.
ويبقى بعد ذلك خصوص الشبهة التي ذكرها السائل -هداه الله ووفقه وشرح صدره وألهمه رشده- وهي تدور حول إمكانية مشاركة غير الله له في الخلق، وقد تولى القرآن الحكيم جواب ذلك بأوجز لفظ وأحسن بيان، في ما يعرف عند المنطقيين بدليل التمانع، ونحن نعرض ذلك من خلال ثلاثة مواضع من كتاب الله المجيد:
الموضع الأول: قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء: 22} ، قال ابن كثير: أي لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض، في غاية الكمال "مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ" ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض. والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والواجب لا يكون عاجزًا، ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد. وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنًا؛ لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا؛ ولهذا قال: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. انتهى.
وقال السعدي: بيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي على ما يرى في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام، الذي ما فيه خلل ولا عيب، ولا ممانعة ولا معارضة، فدل ذلك على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك، لاختل نظامه، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور، غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار. انتهى.
وقال صاحب (الظلال) : الكون قائم على الناموس الواحد الذي يربط بين أجزائه جميعاً؛ وينسق بين أجزائه جميعاً؛ وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظم.. هذا الناموس الواحد من صنع إرادة واحدة لإله واحد. فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات. ولتعددت النواميس تبعاً لها، فالإرادة مظهر الذات المريدة. والناموس مظهر الإرادة النافذة، ولانعدمت الوحدة التي تنسق الجهاز الكوني كله، وتوحد منهجه واتجاهه وسلوكه؛ ولوقع الاضطراب والفساد تبعاً لفقدان التناسق.. هذا التناسق الملحوظ الذي لا ينكره أشد الملحدين لأنه واقع محسوس. انتهى.
الموضع الثاني: قوله سبحانه: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {المؤمنون:91-92} ، قال السعدي: أي: لو كان معه آلهة كما يقولون {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته، واستقل بها، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته، {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فالغالب يكون هو الإله، وإلا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة، فإنها منذ خلقت وهي تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللا ولا تناقضا، ولا معارضة في أدنى تصرف، فهل يتصور أن يكون ذلك تقدير إلهين ربين. {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} قد نطقت بلسان حالها، وأفهمت ببديع أشكالها، أن المدبر لها إله واحد كامل الأسماء والصفات، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات، في ربوبيته لها، وفي إلهيته لها، فكما لا وجود لها ولا دوام إلا بربوبيته، كذلك، لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة. انتهى.
الموضع الثالث: قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. {الإسراء:42-43-44} .
قال السعدي: يخبر تعالى أنه صرَّف لعباده في هذا القرآن أي: نوَّع الأحكام ووضحها، وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه، وما يضرهم فيدعوه. ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل، حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا. ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده، وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا، بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا. ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال: ... قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا. أي: لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال؟ فيكون هذا كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى} أي: تقدس وتنزه وعلت أوصافه {عَمَّا يَقُولُونَ} من الشرك به واتخاذ الأنداد معه {عُلُوًّا كَبِيرًا} فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/42)
المخاطب في قوله تعالى: نجوت من القوم الظالمين
[السُّؤَالُ]
ـ[من المخاطب في قوله تعالى: نجوت من القوم الظالمين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المخاطب في هذه الآية هو موسى عليه الصلاة والسلام، كما يدل له سياق القصة أولا وآخرا من قوله في بداية السورة: نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {القصص:3} .
إلى قوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ {القصص:29} .
فتدبر سورة القصص يتضح لك الأمر جليا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/43)
التباطؤ في النهي عن المنكر.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: أحيانا أرسل بريدا إلكترونيا للزملاء في العمل فيه فائدة أو حكم شرعي، فما حكم إرساله للموظفات أيضا حتى لا أحرمهن من هذا الفضل؟ أم هذا فيه فتح لباب يصعب غلقه؟ وإذا شاهدت موظفا يحدث موظفة في موضوع غير العمل، فهل أرسل لهما بريدا إلكترونيا مشتركا فيه الحكم الشرعي لهذا الخطإ أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإرسال مثل هذه الرسائل التي تشتمل على العلم النافع والمواعظ الحسنة الأصل فيه الجواز ـ سواء كانت للرجال أو النساء ـ بل هو من الأعمال الصالحة، لأنه من جنس الدعوة إلى الله جل وعلا, ولكن ثبت بالتجربة والواقع أن فتح مثل هذا الباب مع النساء ذريعة قوية للفتنة والشر، وأمر كهذا لن يدعه الشيطان يمر هكذا دون أن يجتهد في إغواء أصحابه ـ ولكم رأينا وسمعنا عن حرمات انتهكت, وفواحش ارتكبت كانت بدايتها مثل هذه الأمور الطيبة, وما ذلك إلا لأن فتنة النساء فتنة عظيمة كبيرة ـ فحري بالعاقل أن يغلق دونها كل باب ويسد أمامها كل ذريعة, وإن أردت عموم الفائدة ـ كما تذكر ـ فيمكنك أن تكلف زوجتك أو أختك مثلا لتتواصل هي بدورها مع هؤلاء النسوة وتقوم على دعوتهن وتذكيرهن بالخير.
أما عن محادثة النساء مع الرجال بغير ضرورة ولا حاجة فالأصل أنها غير جائزة، كما بيناه في الفتويين رقم: 62874 , ورقم: 21582.
فإن وجدت شيئا من هذا المنكر فواجب عليك أن تنهى أصحابه عنه بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب اللين الرفيق ولا يجوز لك أن تؤخر النهي حتى ينتهي المنكر وينقضي، لأن المقصود من النهي عن المنكر الإعذار إلى الله سبحانه وانتهاء أصحابه عنه، قال سبحانه: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأعراف: 164} .
فلا يجوز لك أن تترك أصحاب الباطل على باطلهم ثم ترسل إليهم بعد ذلك موعظة، بل عليك بنصحهم في الحال, وهذا كله مقيد بالقدرة وغلبة المصلحة, فإن ظننت أن نهيك لهما وهما على هذه الحال قد يؤدي إلى عكس المقصود من عنادهما أو نفورهما أو يؤدي إلى مفسدة كبيرة فلا مانع حينئذ أن تغير بقلبك وتؤخر التذكير إلى ما بعد ذلك ـ سواء كان في صورة تذكير مباشر أو إرسال رسالة ونحو ذلك ـ وقد بينا حكم إنكار المنكر في الفتوى التالية أرقامها: 123483، وبينا معنى إنكار المنكر بالقلب خاصة في الفتوى رقم: 1048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/44)
استشيري زوجك بشأن التصرف بهذا المال
[السُّؤَالُ]
ـ[خالي يصنع لي حجرة نوم ثمنها 12000 جنيه مصري، وقالت لي والدتي سأقول له يخليها 11500 ممكن أعطيها 500 مع العلم أن زوجي لا يعلم بهذا وهي تحتاج ولو أعطيتها أحيانا لكي تستطيع أن تطبخ لأنها تثير شفقتي، تستلف من أحد لكي تأكل وتتعالج. الرجاء أفيدونى بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد تملكت هذا المال الذي ستدفعينه، سواء من زوجك أو من غيره، فلا مانع من أن تعطي منه أمك. أما إن كان ما ستدفعينه من مال زوجك وإنما جعل لك التصرف فيه على سبيل الوكالة لا التملك، فلا يخلو الأمر حينئذ من إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون عقد استصناع الغرفة قد تم بينك وبين خالك وأصبح لازما ثم خفض خالك من الثمن، فحينئذ يجوز لك التصرف فيما خفضه من الثمن؛ لأنه يكون هبة مباحة لك من خالك.
الحالة الثانية: أن يكون ما خفضه خالك من الثمن قبل لزوم العقد؛ أي في مجلس العقد (خيار المجلس) أو في مدة خيار الشرط، أو قبل العقد، فحينئذ لا يجوز لك التصرف المذكور في السؤال؛ لما نص عليه أهل العلم من أن الوكيل إنما يتصرف بما هو أحظ وأنفع لموكله. وحينئذ يكون الطريق المشروع لما تريدينه أن تستأذني زوجك وتذكريه بفضل الصدقة على المحتاجين، وتبيني له حاجة أمك وما قامت به من إحسان في سعيها لخفض خالك من ثمن الحجرة، فإن وافق فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فالحق له.
جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع: (ولو باع له وكيله ثوبا) أو نحوه (فوهب له) أي للوكيل (المشتري منديلا) بكسر الميم أو نحوه (في مدة الخيارين فهو) أي المنديل (لصاحب الثوب) نص عليه (لأنه زيادة في الثمن) في مدة الخيارين (فلحق به) أي بالثمن وكذا عكسه وعلم منه أنه لو وهبه شيئا بعد مدة الخيارين أنه للموهوب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/45)
عقد النكاح بدون ولي بين الصحة والبطلان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: قبل سنوات كنت في دولة أوروبية، كنت أعرف شخصا مسلما يعيش مع امرأة بدون زواج وبعد النصيحة قبل أن أعقد له عليها، كان اثنان شهودا، وأنا والزوج والمرأة، كنت أنا عاقد ووكيل الزوجة. ما حكم ما فعلت؟ وما حكم العقد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إقامة رجل مع امرأة أجنبية من المنكرات والمعاصي، لما يترتب على ذلك من أمور محرمة كالخلوة ونحوها، بل قد يفضي ذلك إلى الفاحشة والعياذ بالله تعالى، فقد حرم الإسلام مجرد الخلوة بينهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. فما بالك بالإقامة الدائمة بينهما والعيش في مكان واحد خصوصاً في بلاد الكفر التي يغلب عليها شيوع المنكرات والفواحش.
وبخصوص النكاح المذكور والذي باشرت أنت عقده فإن كان قد حضره شاهدا عدل، وجئت بصيغة دالة على العقد؛ كزوجتك هذه المرأة أو أنكحتك إياها ونحو ذلك، مع وجود مهر فهو صحيح عند الإمام أبي حنيفة باطل عند الجمهور لتخلف ركن من أركانه وهو الولي. فالواجب فسخ هذا النكاح وإن أردتم تصحيحه فيمكنكم الاتصال بوليها ليحضر لتزويجها أو يأذن في ذلك، وإن لم يوجد لتلك المرأة ولي مع انعدام قاض شرعي جاز لها توكيلك أو توكيل أي شخص آخر من المسلمين ليكون ولياً لها، وحينئذ يكون العقد صحيحاً.
قال ابن قدامة في المغني: فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/46)
مسائل في الحضانة ورؤية المحضون
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من امرأة مطلقة ولها ولد من طليقها السابق عمره 4 سنوات، وبعد إتمام زواجي بشهرين سافرت إلى إحدى الدول العربية ومكثت ثمانية شهور رغم إرادتي وعدم حصولي على تأشيرة نهائيا إلا بعد هذه المدة، وقد قمت بطلاقها عبر التليفون إثر مشادة عنيفة قبل نزولي بشهر، وقد وضعت مولودا قبل نزولي بأسبوعين. وقد اكتشفت أنها على علاقة بطليقها السابق وكانت تحادثه تليفونيا أثناء سفري، وقد تم اكتشاف هذا أثناء سفري وعلمت بهذا عند نزولي. وقد أقامت دعاوى قضائية كثيرة كلها افتراءات وفي انتظار حكم محكمة بالخلع بعد فشلها في الحصول على حكم طلاق. وسؤالي هو أنني لا أرى ابني إلا في النادي بحكم رؤية ثلاث ساعات أسبوعيا وفي كل مرة أصاب بتعب نفسي شديد، وأهلها لا يريدونني أن أرى ابني بمنزلي أنا وأهلي كما الوضع مع زوجها السابق. فهل إرسال نفقة الصغير دون رؤيته لأنه سيكون بحضانتها حتى يبلغ 15 عاما هل يعتبر هذا إثما؟ وما الذي يمكن عمله مع هذا الوضع المتعسف ضدي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبين لنا ما إذا كنت قد راجعت زوجتك قبل انتهاء عدتها أم لا، فإن كنت قد راجعتها فالأولى أن يتوسط بعض العقلاء للإصلاح بينكما حتى يتربى الولد بينكما، فإن تعذر الإصلاح فليكن الطلاق بإحسان دون حاجة للنزاعات القضائية، وإذا أرادت الزوجة الخلع فيستحب لك إجابتها إليه.
قال ابن مفلح الحنبلي: يباح -الخلع- لسوء عشرة بين الزوجين، وتستحب الإجابة إليه. الفروع وتصحيح الفروع.
أما إذا كنت لم ترتجع زوجتك قبل وضعها للمولود فقد بانت منك بهذه الطلقة ولها عليك حقوق المطلقة المبينة في الفتوى رقم: 20270.
وفي حال افتراقكما فإن زوجتك أحق بحضانة طفلها ما لم تتزوج بأجنبي منه أو يكن بها مانع من موانع الحضانة المبينة في الفتوى رقم: 9779. فإن كان بها مانع انتقل حق الحضانة إلى من يليها في الترتيب الاستحقاقي للحضانة، ونفقة ولدك المحضون واجبة عليك بلا خلاف.
وأما السن التي تنتهي عندها حضانة الولد فقد اختلف العلماء فيها وراجع في ذلك الفتويين: 64894، 6256.
أما بخصوص رؤية الطفل المحضون فلا يجوز لمن له الحضانة أن يمنع أهله من زيارته، وانظر الفتوى رقم: 95544.
وهذه الزيارة ليس فيها تحديد من الشرع وإنما تكون بما جرى به العرف، وعلى ذلك فما قررته المحكمة من رؤيتك لولدك ثلاث ساعات أسبوعياً لا نرى فيه مخالفة للشرع ما دام الولد دون سن التمييز، أما إذا بلغ الولد سن التمييز فلا ينبغي منعه من زيارتك لتتعهده بالتربية، أما عن حكم امتناعك عن رؤية ولدك حتى يبلغ خمسة عشر عاماً فلذلك غير جائز لما فيه من قطع الرحم كما أن فيه حرمان الولد من عواطف الأبوة وإهمال حقه في التربية والتأديب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/47)
المسارعة إلى التوبة وستر العاصي على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي متزوج، ولكنه له علاقات بفتيات عن طريق الأنترنت، حيث يتبادل هو وصديقاته الجنس عن طريق الكاميرا ويقوم بفعل العادة السرية أمام هؤلاء الفتيات، بالرغم من أنه لا يضيع فرضا ويحافظ على قراءة القرآن، ولكنه لا يستطيع التخلي عن هذه العادة وفي كل مرة يندم ويتوب إلى الله، لكنه يرجع ثانية، وهو يريد أن يتخلى عن هذه العادة، فما هو الحكم الشرعي؟ وما العمل؟ فقد اعترف لي ـ وأنا صديقه الذي يثق به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم الشرعي فيما يفعله صديقك هذا واضح لا خفاء فيه وهو أن هذا الفعل من المنكرات العظيمة, كما بيناه في الفتوى رقم: 30637، ويخشى على مقترف هذه الفواحش أن تبطل أعماله إن لم يتدارك ذلك بالتوبة الصادقة , قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33} . جاء في تفسير القرطبي: ولا تبطلوا أعمالكم أي حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن.
وقال الزهري: بالكبائر. انتهى.
فعلى صديقك هذا أن يقطع علاقاته فورا بهؤلاء النسوة ثم يكثر من الاستغفار والدعاء أن يصرف الله عنه السوء والفحشاء ويرد عنه كيد الشيطان ثم عليه بالإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة ـ خصوصا الصلاة والذكر والصدقة ـ فقد قال الله سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ {العنكبوت:45} .
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر.
قال: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا قال لبني اسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: وعليكم بصدقة السر، فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل. رواه ابن أبي الدنيا وصححه الألباني.
وراجع شروط التوبة الصادقة في الفتوى رقم: 5450.
مع التنبيه على أن من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فعليه أن يستر نفسه ولا يجوز له أن يذكر ذلك للناس فهذا يدخله في زمرة المجاهرين بالمعاصي , فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل باليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1430(12/48)
هل يصلي الراتبة في البيت ولو فاته الصف الأول
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل: الصف الأول فى الصلاة؟ أم السنة فى البيت؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأفضل الجمع بين أداء السنة في البيت وإدراك الصف الأول, وأما إن ظن أنه إن صلى السنة في البيت فاته الصف الأول في المسجد، فقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بتقديم أداء السنة الراتبة في البيت على إدراك الصف الأول, جاء في لقاء الباب المفتوح: سؤال: فضيلة الشيخ: أيهما أفضل في الأجر: التبكير إلى المسجد وحضور الصف الأول؟ أم صلاة السنة الراتبة في البيت؟ وبذلك يفوت الصف الأول.
الجواب: الذي يظهر لي أن الأفضل أن تصلي في البيت، لأن مخاطبتك بالراتبة قبل مخاطبتك بالصف، ويُبدأ بالأول فالأول، فصلِّ الراتبة ثم اذهب إلى المسجد، وكن حيثما تجد المكان. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/49)
حكم أخذ عمولة من العميل بدون علم صاحب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في معرض للسيارات مسؤول مبيعات ونتعامل مع شركات تمويل إسلامية وعندما نبيع سيارة عن طريقها تصدر شيكا باسم المعرض بـ100 ريال عمولة لي كمسؤول مبيعات ولمندوب المعرض، ولكن صاحب المعرض يستحلها ويقول هي من حق المعرض، علما بأن شركة التمويل تقر بأن العمولة للمندوب، فهل أقع في الإثم عندما آخذ هذا الحق المسلوب مني بدون علم صاحب المعرض بأي صورة من الصور، علما بأننا حاولنا أن نوضح له أن هذه العمولة من حقنا دون جدوى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأخ السائل يعتبر أجيراً خاصاً لدى هذا المعرض، فليس له من الحق إلا ما تعاقد عليه مع صاحب المعرض من الراتب ونحوه، ولا يجوز له أخذ العمولة المشار إليها في السؤال إلا بإذن صاحب المعرض، فإن أخذها دون علمه كان ذلك من هدايا العمال التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 17863، 60670، 108676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/50)
مات عن زوجة، وابنين، وخمس بنات
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء قسم الميراث على الورثة التالي ذكرهم: زوجة، وولدان، وخمس بنات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن توفي عن زوجة وابنين وبنات ولم يترك وارثا غيرهم ـ كأب أو أم ـ فإن لزوجته الثمن، لوجود الفرع الوارث، كما قال الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء: 12} .
والباقي بين البنات والابنين ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء: 11} .
ولا فرق بين من كان منهم متزوجا وأعزب ومطلقة فكلهم يرثون أباهم, فإن كان عدد البنات خمسا ـ كما فهمنا من السؤال ـ فإن التركة تقسم على اثنين وسبعين سهما, للزوجة ثمنها (تسعة أسهم) ولكل ابن أربعة عشر سهما, ولكل بنت سبعة أسهم، وإن كان عدد البنات غير ذلك، فإن الباقي بعد ثمن الزوجة يقسم بينهن وبين البنين، بحيث يكون لكل ذكر مثل حصة بنتين.
ثم إنا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/51)
حكم الدخول إلى مكان فيه تصاوير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسألكم عن موضوع لي فيه شك, هناك مؤسسة لجمعية نسائية تابعة للكنيسة يذهب إليها الكثير من النساء المغاربة يلتقين هناك لتعلم اللغة العربية في جو مدرسي وذلك بواسطة الحوار, ومن يشرفن على هذا هن الرهيبات، أعلم أن هذا مسموح به لكن في هذا المحل توجد صورة لشخص، في الماضي كنت أذهب إلى هذا المكان وذلك للتعلم ولكي ألتقي مع النساء فلا أكون منفردة وحدي، لكن بسبب المرض وفي الأخير تركت هذا المكان بسبب الصورة، والآن جارتي تريد أن تذهب إلى هناك وتريد أن أذهب معها فطلبت منها بأن تنتظر حتى أسألكم. فهل يمكن الذهاب إلى هناك أم لا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز في الأصل ذهاب المرأة لطلب العلم ولو كان علماً دنيوياً كتعلم اللغة ونحو ذلك إذا انضبط ذهابها بالضوابط الشرعية من الالتزام بالحجاب وعدم الاختلاط بالرجال، وأما الذهاب إلى المؤسسة المشار إليها مع وجود صورة شخص فإن كانت الصورة مرسومة -وليست فوتوغرافية- فهي محرمة، وإن كانت فوتوغرافية فهي محرمة أيضاً عند بعض العلماء ومباحة عند آخرين إذا خلت من محظور شرعي كتعظيم ونحو ذلك. ويغلب على الظن أن الصور التي تعلق في الكنائس والجمعيات التابعة لها أنها للتعظيم حيث يعلقون صور قسيسيهم ورهبانهم، وإذا كانت كذلك فهي من الصور المحرمة ولو كانت فوتوغرافية، وقد دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه الكرام على الامتناع من الدخول في مكان فيه صورة، فقد روى مالك والبخاري ومسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية وقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بال هذه النمرقة، قالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
وفي سنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها.. وروى البيهقي بسند صححه الألباني وذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن أسلم مولى عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام فصنع له -أي طعاماً- رجل من النصارى فقال لعمر: إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك -وهو رجل من عظماء الشام- فقال له عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها. وروى البيهقي أيضاً بسند صححه الحافظ عن أبي مسعود عقبة بن عمرو: أن رجلا صنع له طعاماً فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل.
فهذه الأحاديث والآثار تدل على المنع من دخول مكان فيه صور، ولذا ننصح أخواتنا الكريمات بعدم الذهاب إلى تلك المؤسسة وليبحثن عن سبيل آخر -لتعلم اللغة- لا يترتب عليه أي مخالفة شرعية، وانظري في ذلك الفتاوى: 64015، 18462، 11316. وكلها عن الإقامة في بلاد الكفر وما يتعلق بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/52)
مواضع رفع اليدين وحكم رفعهما عند السجود والرفع منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أرفع اليدين عند قول الله أكبر قبل السجود وعند الرفع منه؟ فقد نبهتني إحدى زميلاتي أن صلاتي هكذا خاطئة، وأنا منذ كان عمري 9 سنين وأنا أصليها هكذا.
فأرشدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلاة من رفع يديه عند السجود أو الرفع منه صحيحة على كل حال، وإنما اختلف العلماء هل يسن ذلك أو لا يسن؟ ونحن نبين هذه المسألة بشيء من البسط لعموم الحاجة إليها، فرفع اليدين في الصلاة ثابت في أربعة مواطن، عند تكبيرة الإحرام اتفاقا، وعند الركوع وعند الرفع منه خلافا للحنفية، وعند القيام إلى الثالثة عند كثير من العلماء ودلت عليه أحاديث صحيحة، ففي الصحيحين من حديث ابْن عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَعَلَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أنه كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِن الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه المواطن الأربعة ثبت فيها رفع اليدين في الصلاة، وقوله في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما: وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ.
وأما رفع اليدين عند السجود والرفع منه، فقد نفاه عبد الله ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كما مر في الحديث.
وروى النسائي عن مالك ابن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا.
وصحح الحديث بعض أهل العلم كالألباني ـ رحمه الله.
وقال بشذوذه كثير من أهل العلم لمخالفة حديث ابن عمر المتفق عليه. وممن جزم بشذوذ هذه الزيادة العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ قال في زاد المعاد: ثم كان صلى الله عليه وسلم يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضاً، وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ وهو وهم، فلا يصح ذلك عنه البتة، والذي غره أن الراوي غلط من قوله: كان يُكبر في كل خفض ورفع ـ إلى قوله: كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع. انتهى.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله: على تقدير أن يكون ذكر الرفع محفوظا، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع - بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذَلِكَ مرة، وقد عارض ذَلِكَ نفيُ ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين.
وقد روي في الرفع عند السجود وغيره أحاديثُ معلولة. انتهى من فتح الباري لابن رجب.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: سلك بعض العلماء مسلك الترجيح في ذلك فرجحوا ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ من عدم رفع اليدين عند السجود والرفع منه، واعتبروا رواية الرفع فيهما شاذة لمخالفتها لرواية الأوثق.
وسلك آخرون مسلك الجمع بين الروايات، لكونه ممكنا فلا يعدل عنه إلى الترجيح، لاقتضاء الجمع العمل بكل ما ثبت، واقتضاء الترجيح رد بعض ما ثبت وهو خلاف الأصل.
وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في السجود والرفع منه أحياناً، وتركه أحياناً، فروى كل ما شاهد، والعمل بالأول أولى للقاعدة التي ذكرت معه. انتهى.
والخلاصة أن رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه قد وردت فيه أحاديث ضعفها كثير من أهل العلم، ومن ثم فلا يكون الرفع مشروعا في هذه المواطن، وصححها بعضهم، فيجمع بينها وبين ما ثبت عن ابن عمر من نفي الرفع بأن الرفع يكون أحيانا والترك يكون غالبا، وقد ملنا إلى ترجيح القول بمشروعية الرفع أحيانا في الفتوى رقم: 27316.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/53)
لا حرج في نقل الفتوى بشرط التأكد من صحة نسبتها إلى قائلها وعدم تغيير مضمونها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب دائما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن قرأت فتوى بأن قليل العلم لا يجب أن يأمر وينهى في الدين، خصوصا إذا كان غير حافظ أو غير ملم بالأدلة الشرعية التي تأمر بهذا الفعل أو تنهى عنه مثال: أقول إن الموسيقى حرام، ولكن لا أعلم الأدلة الشرعية التي تحرمها ودرجة صحتهاـ وأنا أعلم أنني مقصر، ويجب أن أطلب العلم الشرعي لآمر وأنهى على بصيرة، ولكن على وضعي الحالي: هل يجوز لي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟.
وهل إذا سمعت فتوى من شيخ موثوق به في أمر ما يجوز لي نقل خلاصة الفتوى من غير الأدلة الشرعية؟
وأقول الشيخ الفلاني قال هذا الأمر حلال؟ أو حرام؟ أو مكروه فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العلم شرط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث الجملة، لأن الشرع الحكيم هو الميزان الذي يعرف به المعروف من المنكر، فلابد من معرفة كون هذا الشيء معروفا أو منكرا في جهة الشرع قبل الأمر أو النهي.
ومن درجات العلم معرفة كلام العلماء في مسألة ما، ولو كان ذلك مجردا عن الأدلة، وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 2481، أنه لا حرج على من نقل فتاوى أهل العلم الموثوق بهم ونشرها بين الناس، إذا كان متأكداً من صحة نسبتها إليهم، وكان نقله لها لا يغير مضمونها، ولا يخل بشيء من ضوابطها.
وننبه هنا على أن مسائل الخلاف المعتبر ليست من مواضع الإنكار، وإنما هو التناصح والإرشاد، وقد سبق أن نبهنا على أن من شروط المنكر الذي ينبغي إنكاره أن لا يكون من المسائل المختلف فيها اختلافًا معتبرًا سائغًا. فراجع في ذلك وغيره الفتويين رقم: 36372، 124424. ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 8580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/54)
تنازل بعض الورثة عن نصيبهم لغيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد وفاة جدي وعدم الانتفاع بالمنزل، أسعى حاليا للحصول على منزل والدي وأعمامي الاثنين، وذلك إن شاء الله برضا إخوتي وأخواتي وموافقة أعمامي. والدي سيهبني إن شاء الله نصيبه ـ عقد هبة ـ وعماي سيتنازلان لي إن شاء الله عن نصيبهما ـ عقد تنازل عوضا عن عقد هبة، وذلك أن الأول خاضع إلى أداء بقيمة 6 بالمائة، بينما الثاني بقيمة 25 بالمائة؛ لأنه من الدرجة الرابعة حسب القانون. هل ما سأقوم به جائز شرعا؟ أم يجب أن يكون تنازل أعمامي عبر عقد هبة؟ هل يجوز شرعا أن يكون عقد تنازل أعمامي مشتركا؟ أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، ونحن قد سبق أن قلنا للسائل في الفتوى رقم: 128401. أنه لا حرج أن يهب له والده نصيبه من الدار بشروط، كما قلنا أنه لا حرج في أن يهب له عماه أيضا نصيبهما، وسواء حصل هذا بعقد هبة أم بعقد تنازل لا فرق فالمعنى واحد، وللسائل أن يطلب منهما التصرف المناسب والأيسر له، ولا مانع أن يحصل التنازل أيضا عن طريق عقد مشترك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/55)
بنى فوق منزل أبيه وإخوته لا يعترفون بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء قسم الميراث على الورثة التالي ذكرهم: ستة أولاد، وخنثيان.
علما بأنني أحد أبناء المتوفى قمت ـ وبالموافقه من والدي ـ بالبناء فوق المنزل وإخوتي لا يعترفون لي بالمال الذي دفعته، فما الحكم في هذه المسألة؟ وما هو نصيبي من الميراث؟ مع العلم أن العمارة تتكون من: 4 طوابق باسم أبي، وأنا الذي بنيت الطابق الرابع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر وتبين حال الخنثيين أنهما أنثيان ـ كما يفهم من السؤال ـ فتعاملان على أنهما بنتان, فتقسم التركة بين الأبناء والبنات ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء: 11} .
فتقسم التركة على (14) سهما, لكل ابن من الأبناء الستة سهمان, ولكل بنت من البنتين سهم واحد.
وأما بناء الابن فوق بيت أبيه وقوله إن إخوته لا يعترفون له بالمال الذي دفعه في البناء ... إن كنت تعني أنهم لا يقرون بذلك وينكرون أن تكون بنيته بمالك فأنت مطالب بإقامة البينة على أنك بنيت ذلك البناء، لأن الأصل أن البيت بجميع طوابقه للأب وأنت تدعي أن الطابق الأخير لك، وقد روى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ.
فإن لم تقم البينة حلف الورثة على نفي العلم, أي يحلفون على عدم علمهم بأنك بنيت الطابق بمالك وعلى نفي العلم بأن أباك وهب لك السطح، لأن من حلف على فعل غيره في النفي حلف على نفي العلم, جاء في الموسوعة الفقهية: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَذَا فِعْل غَيْرِهِ إِنْ كَانَ إِثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وجملة الأمر: أنّ الأيمان كلّها على البتّ والقطع إلاّ على نفي فعل الغير، فإنّها على نفي العلم, وعلى هذا أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ. اهـ.
وجاء في فتاوى ابن حجر الهيتمي الشافعي: وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ. اهـ.
وإن كان الورثة صغارا لم يحلفوا ووقف الأمر إلى بلوغهم ولا يحلف عنهم وليهم, جاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة: ولا تدخل النيابة في اليمين فلا يحلف أحد عن غيره فلو كان المدعى عليه صغيرا أو مجنونا لم يحلف، لأنه لا يعول على قوله ووقف الأمر إلى أن يكلفا. اهـ.
وجاء في الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي: ولا تدخل النيابة في اليمين، ولا يحلف أحد عن غيره، فلو كان المدعى عليه صغيراً أو مجنوناً، لم يحلف عنه، ووقف الأمر حتى يبلغ الصبي، ويعقل المجنون، ولم يحلف عنه وليه. اهـ.
وأما إن أقمت بينة على أنك بنيت الطابق الأخير بمالك، فقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم ما بناه الابن فوق بيت أبيه ما حكمه في الميراث، فانظر لذلك الفتويين رقم: 107908 , ورقم: 32937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/56)
حكم ارتفاع الإمام عن المأمومين قدر شبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفع مستوى أرضية محراب المسجد الذي يصلي فيه الإمام عن باقي المسجد مقدار شبر لكي يشاهده المصلون هل في ذلك حرج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن ثم حاجة لتعلية مكان الإمام فإنه يكره تعليته لأنه يكره للإمام أن يصلي في مكان مرتفع عن المأمومين لما رواه أبو داود عن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أنه كان بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ عَمَّارٌ لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ويكره أن يكون موقف الإمام عالياً عن موقف المقتدين اتّفاقاً، إلاّ إذا أراد الإمام تعليم المأمومين ... اهـ
وقد اختلف العلماء في قدر الارتفاع المكروه فذهب بعضهم إلى الكراهة فيما إذا زاد الارتفاع عن ذراع وأما أقل من ذلك فلا كراهة.
قال صاحب الروض: ويكره علو الإمام عن المأموم إذا كان العلو ذراعا فأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مكانهم فإن كان العلو يسيرًا، دون ذراع لم يكره. اهـ.
وفي الدسوقي من كتب المالكية مستثنيبا من الكراهة: قوله إلا بكشبر أي إلا أن يكون علو الإمام على المأموم يسيرا بأن كان ذلك العلو قدر شبر أو ذراع....
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المكروه أن يجاوز الارتفاع القامة.
ففي المبسوط من كتب الحنفية:.... وذكر الطحاوي أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره: لأن القليل من الارتفاع عفو في الأرض ففي الأرض هبوط وهو الكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة ... .
ومن هذا يتبين لك أنه لا حرج في رفع مستوى أرضية محراب المسجد إلى القدر الذي ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/57)
ماتت عن زوج وأخوين وأختين أشقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
-للميت ورثة من الرجال: (أخ شقيق) العدد 2، (ابن أخ شقيق) العدد 1، (زوج) .
-للميت ورثة من النساء: (أخت شقيقة) العدد2، (أخت من الأب) العدد 1.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يوجد من الورثة إلا من ذكر في السؤال فإن للزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث كما قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ.. {النساء: 12} . والباقي للأخوين الشقيقين والأختين الشقيقتين– تعصيبا – للذكر مثل حظ الأنثيين لقول الله تعالى: ... وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. {النساء: 176} . ولا شيء للأخت من الأب ولا لابن الأخ الشقيق لكونهم جميعا محجوبون حجب حرمان بالأخ الشقيق، فتقسم التركة على اثني عشر سهما، للزوج نصفها – ستة أسهم، ولكل أخ شقيق سهمان، ولكل أخت شقيقة سهم واحد.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/58)
أحكام إيقاظ البالغ وغير البالغ لأجل الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا كان والداي لا يريدان مني أن أكرر نصيحة الأمر بالصلاة لأخي الصغير وهو عمره 8 سنين، ولا يريدان مني أن أوقظه لصلاة الفجر، ولا يريدان مني أن أوقظ إخواني البالغين لصلاتي العصر والفجر، فإذا فعلت ذلك يغضبان علي. فهل يكفي أن أوقظ إخواني البالغين مرة لكل صلاة لأني أكرر النصح والتذكير لهم؟ ويقولان لي لا تكرري علينا النصح كثيرا لأن الدين ليس بالقوة، وإذا عملنا عمل خير نعمله لوجه الله وليس لأجلك. فما الحكم فضيلة الشيخ أثابكم الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وضربه عليها إذا بلغ عشرا، وذلك فيما رواه أبو داود وأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع.
وعليه؛ فلا بد من أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سن السابعة، وترغيبهم فيها بكل سبيل، كما بيناه في الفتوى رقم: 8140.
أما بالنسبة لحال أخيك الذي لم يبلغ العاشرة فهذا ينبغي الرفق به في أمر الصلاة خصوصا صلاة الفجر - لشدتها ومشقتها على من كان في مثل سنه - فإنه لم تجب عليه الصلاة بعد، بل ولم يبلغ السن التي يضرب فيها على الصلاة.
وقد سأل سائل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل، وإلا فلا إثم عليه، ولكن الاختيار أن يوقظهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. انتهى.
أما بخصوص إيقاظ البالغين للصلاة فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه يجب إيقاظهم إذا خيف خروج وقت الصلاة.
جاء في تصحيح الفروع للمرداوي: لو دخل وقت صلاة على نائم هل يجب إعلامه أو لا يجب. أو يجب إن ضاق الوقت؟ جزم به في التمهيد وهو الصواب؛ لأن النائم كالناسي، والقول بوجوب إعلامه بدخول الوقت مطلقا ضعيف جدا. انتهى.
وعلى ذلك فالواجب عليك هو أن توقظي إخوتك إن خفت خروج وقت الصلاة على أن يكون هذا بأسلوب رفيق لين، فإن خفت حصول مفسدة من جراء تكرر نصحك لهم، وكان خوفك مستندا إلى يقين جازم أو ظن غالب بحصول المفسدة، فلا حرج عليك حينئذ في تركهم؛ لأن من شروط وجوب إنكار المنكر وجود القدرة وغلبة المصلحة، كما بيناه في الفتوى رقم: 124424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/59)
حكم استجلاب الشهوة بهذه الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق يسأل أن زوجته لا تأتيها الشهوة إلا عن طريق استعمال شطاف الماء. هل يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن هذه المرأة تفعل ذلك بنفسها للشهوة، فذلك غير جائز لأنّه يدخل في الاستمناء وهو من الاعتداء الذي حرمه الشرع الحنيف، وانظر الفتوى رقم: 16443.
وإذا كانت المرأة لا تجد شهوتها في المعاشرة الزوجية المباحة فينبغي أن تلتمس الأسباب المشروعة لعلاج هذا الخلل، وليس لها علاجه بما حرمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/60)
صفة المذي ومني المرأة وما يلزم من استيقظ فوجد بللا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمذي رائحة، لأن السائل الذي أراه أحيانا أعزكم الله في حالة اليقظة يعني في الأوقات العادية له رائحة غريبة، وهو أبيض وبكميات قليلة، وأنا أعتقد أنه مذي، وهل يجب أن يظهر المني في الملابس الداخلية؟ أم يبقى داخل الفرج؟ وكم مقداره الذي يوجب الغسل؟ وهل علي أن أغتسل بعد النوم كل ما وجدت إفرازات.. سؤال آخر: قمت بعملية الغسل بهذه الطريقة: غسل الفرج ثم غسل اليدين وتعميم الجسد والشعر بالماء (3 حثيات) مع أني قرأت في أحد المواقع أن التعميم يشمل العانة وأنا لم أفعل ذلك لأني أعتقد بان لمس القبل والدبر أثناء الغسل لا يجوز، فهل علي إعادة الغسل والصلوات؟ مع العلم بأن عمري 18.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فق د بين العلماء صفة المذي، وأنه ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند فتور الشهوة بلا شهوة، ولا يعقب خروجه فتور في البدن، وقد لا يشعر به، جاء في حاشية الروض: وهو –أي المذي- ماء رقيق أبيض لزج، يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع، أو إرادته، أو نظر أو غير ذلك، عند فتور الشهوة بلا شهوة، وربما لا يحس بخروجه، ويخرج عند مبادئ الشهوة، ويشترك الرجل والمرأة فيه.
فإذا رأيت ما هذه صفته فقد وجب عليك تطهير بدنك وثوبك منه ووجب عليك الوضوء، سواء كان لما رأيته رائحة أو لا، وأما المني فإن خروجه موجب للغسل، ومني المرأة رقيق أصفر، ورائحته تشبه رائحة مني الرجل، ورائحته كرائحة طلع النخل أو رائحة العجين، وقد استوفينا القول في الفرق بين مني المرأة ومذيها وما يجب بخروج كل منهما في فتاوى كثيرة وانظري الفتوى رقم: 45075، والفتوى رقم: 100639.
فإذا خرج منك المني الذي هذه صفته وجب عليك الغسل، وإذا كانت المرأة ثيبا كفى أن ترى المني في الفرج، ويجب عليها الغسل إذا وصل المني إلى الموضع الذي يجب عليها غسله في الغسل، وهو ما يظهر عند جلوسها لقضاء الحاجة لأنه في حكم ظاهر البدن.
وأما إذا كانت المرأة بكرا فلا يجب عليها الغسل إلا بخروج المني من الفرج، ولا يلزمها شيء إذا كان المني داخل الفرج، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: والمرأة كالرجل في هذا إلا أنها إذا كانت ثيبا فنزل المنى إلى فرجها ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة وجب عليها الغسل بوصول المنى إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وان كانت بكرا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها، لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل. انتهى
ثم إن الغسل يجب على المرأة إذا رأت المني ولو بكمية قليلة، قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على وجوب الغسل بخروج المني، ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء أو نظر ... وسواء خرج كثيرا أو يسيرا، ولو بعض قطرة، وسواء خرج في النوم أو اليقظة من الرجل والمرأة العاقل والمجنون، فكل ذلك يوجب الغسل عندنا. انتهى.
وأما إذا استيقظت فوجدت بللا، فإن تحققت أن الخارج مني، فقد وجب عليك الغسل، وإن تحققت أنه مذي وجب عليك الوضوء وتطهير البدن والثوب، وإن شككت هل هو مني أو مذي فإنك تتخيرين بينهما عند الشافعية، وانظري تفصيل القول فيمن استيقظ فوجد في ثوبه بللا في الفتوى رقم: 118140.
وأما ما يخرج من رطوبات الفرج في النوم أو اليقظة فإنها ناقضة للوضوء، ولكنها طاهرة على الراجح من قولي العلماء، فلا يجب تطهير البدن ولا الثياب منها. وانظري لمزيد الفائدة حول أنواع الإفرازات الخارجة من فرج المرأة وحكم كل منها الفتوى رقم: 110928.
وأما ما ذكرته من اعتقادك أن لمس القبل أو الدبر في الغسل لا يجوز فهو اعتقاد خاطئ، ثم اعلمي أن الواجب في الغسل تعميم جميع البدن بالماء، فإن كان الماء قد وصل إلى جميع بدنك فغسلك صحيح، وإن لم تقومي بدلك هذه المواضع بيدك لأن الدلك في الغسل والوضوء مستحب وليس بواجب على الراجح. وانظري الفتوى رقم: 1432.
وأما إذا كان الماء لم يصل إلى موضع من بدنك ولو كان هذا الموضع يسيرا، فقد بينا حكم ذلك في الفتوى رقم: 129044، والفتوى رقم: 129045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/61)
حكم زراعة شعر للحاجبين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التاتو أو زراعة الحاجب حرام لمن تعاني مشكلة نفسية من وجود شعر خفيف جداً وذي لون باهت في منطقة الحاجبين، وهذه المشكلة تسبب لها مشكلة نفسية جداً، فهي لا تستطيع الخروج من غير وضع قلم حواجب في كل لحظة حتى وهي في المنزل. فهل حرام وضع تاتوه في هذه المنطقة.. وجزاكم الله ألف خير، أرجو إفادتي فأنا أعاني من هذه المشكلة منذ زمن طويل، وقد جربت كل الوسائل الطبيعية لإنبات الشعر في هذه المنطقة، ولكن دون فائدة، وأخاف الله جداً من عمل شيء يغضبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان تشوه الحاجب مشيناً واضحاً، ملفتاً للانتباه جداً بحيث يقل أن يوجد له نظير، وقد جربت الوسائل الطبيعية فلم تفد، فلا مانع من زراعة الحاجب حينئذ بحيث يعود الأمر إلى طور الاعتدال، وليس هذا من تغيير خلق الله، بل هو علاج مباح بدليل ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم: أن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكُلاب، فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفاً من ذهب.
وانظري لذلك الفتوى رقم: 34455.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/62)
حكم وضع المصحف في حقيبة السفر وشحنها مع الأمتعة
[السُّؤَالُ]
ـ[وضع المصحف في حقيبة الملابس حال السفر هل فيه شيء؟ وهل يجوز وضع هذه الحقيبة مع باقي الأمتعة في الشحن؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في وضع المصحف أثناء السفر في حقيبة الملابس بشرط أن يكون ما يباشر المصحف من الملابس طاهراً، وينبغي أن يوضع في الجيب الذي يقع في أعلى الحقيبة إن كان فيها، وإن لم يكن فيها جيب فليوضع المصحف فوق الملابس، وإن كانت الحقيبة ستشحن فلا حرج في شحنها مع باقي الأمتعة، ولكنه يحسن أن تلصق عليها ورقة تدل على الاهتمام، ليضمن سلامته مما يؤدي للامتهان والابتذال له، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 28709، 117827، 42177، 70739، 116716.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/63)
أنت مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة عن قصة حب كبيرة ورزقت بولد ـ ما شاء الله ـ وزوجي يعيش في أمريكا منذ ولادة ابني آدم وعمره الآن سنتان ونصف ولم يتصل ولم يعل ابنه حتى بدرهم واحد تركه في بطني في الأسبوع الأول وولد في غيابه والآن أعيش وحيدة مع ابني، فهل ما زلت زوجته؟ أم حرمت عليه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما فعله زوجك من قطع الصلة معك وعدم الإنفاق عليك وعلى ابنك كل هذا المدة يعتبر خطئا كبيرا منه، إلا أن جميع ذلك لا يحصل بمجرده طلاق الزوجة أو تحريمها على زوجها.
فما دام زوجك لم يطلقك أو يخالعك أو يحكم بالطلاق أو الخلع قاض مسلم فأنت لا تزالين في عصمته، وانظري الفتوى رقم: 97561.
لكن إذا كنت متضررة من غياب زوجك فلك أن ترفعي أمرك للمحكمة الشرعية لطلب الطلاق، وراجعي الفتوى رقم: 10254
كما أنّ ترك زوجك للإنفاق عليك وعلى ولدك يسوّغ لك طلب الطلاق، قال ابن قدامة: وجملته أن الرجل إذا منع امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه. المغني.
وانظري الفتوى رقم: 60315.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/64)
امتناع البنت عن عمل توكيل على حسابها لأبيها هل يعد عقوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[ساعدت أخي بمبلغ كبير من المال ـ وهو محتاج ـ لكي يكمل بناء منزله ولم يساعده أحد من إخوتي وأبي، حيث إنه أخي من أمي المتوفاة وقد غضب مني والدي وطلب مني أن جعل له توكيلا على حسابي بالبنك، ولكنني رفضت، باعتبار أنه مالي الخاص، فهل أعتبر عاقا؟ مع العلم أن أبي شخص لايتحمله أحد بسبب أخلاقه وقد حرمني من زيارته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حقّ والدك أن يلزمك بعمل توكيل له على حسابك بالبنك، ولا يكون امتناعك من ذلك عقوقاً له، لكن من حقّه إذا كان فقيراً لا كسب له أن تنفقوا عليه بالمعروف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
وأما إذا كان والدك غنياً، فلا يجب عليك الإنفاق عليه، لكن من الإحسان إليه أن تعطيه ما يطلبه منك من المال ممّا لا يلحقك ضرر بإعطائه، فإن لم تفعلي فلتعتذري له برفق.
واعلمي أنّه مهما كان حال والدك وسوء خلقه، فإنّ ذلك لا يسقط حقّه عليك في البرّ، فاحرصي على برّ والدك والإحسان إليه وطاعته في المعروف، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أواحفظه. رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه الألباني
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/65)
حكم تقبيل عورة الرضيع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنجبت منذ أشهر ولدا وأقيم حاليا عند أبي لأن، زوجي يعمل بالخارج في أمركا وتزورني حماتي أحيانا وفي يوم ما عند مجيئها كنت أغير حفاظات ولدي الرضيع فدخلت علي وكانت تداعب ولدي وتقبله ومن جملة ما فعلت تقبليه في أعضائه التناسلية وقد دهشت وذهلت وكرهت فعلها هذا جدا واعتبرته قبيحا وبصراحة كرهتها ولم أعد أريد زيارتها ولا رؤيتها خوفا من أن تعيد فعلها هذا، ولم أعد أثق بها وأخاف من ترك ابني الرضيع وحده معها، فهل ما قامت به حماتي حرام أم حلال؟ وإن كان حراما فهل فيه كفارة؟ وإن كان جائزا شرعا، فهل يحق لي أن أنهاها عن فعله، لأنني أبغض هذا الفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطفل غير المميز ـ كالمذكور في السؤال ـ لا حكم لعورته، فلا يحرم مسها ولا النظر إليها. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 112826، ورقم: 49463.
وعلى ذلك، فما فعلته حماتك ليس حراما ولا يدعو إلى كراهتها أو الخوف على أطفالك منها.
وإن كنت تكرهين هذا الفعل في نفسك فيمكنك أن تطلبي منها عدم فعله أمامك، مع مراعاة الأدب وانتقاء الكلمات واستعمال الأسلوب المناسب لمخاطبتك والدة زوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/66)
طلب من امرأته أن تتلف صورها مع مطلقها واهلها يعارضون
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من سيدة مطلقة ـ وكان الزواج الأول بالنسبة لي ـ وبعد مرور سنوات وبمجرد الصدفة بدأت صور عرسها مع زوجها الأول تسقط في يدي وذلك في بيت والدها فطلبت منها أن تتخلص من هذه الصور، لأنها أصبحت زوجتي، ولكنها كانت تجد صعوبة من أهلها وكانت ترد علي بأنها تخلصت منها، ولكن ذلك لم يكن صحيحا، علما بأن أهلها لا تمكن مناقشتهم في ذلك، وأبنائي الآن في عمر الزواج وأخاف أن تسقط هذه الصور في أيديهم، فماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لزوجتك أن تتخلّص من تلك الصور ما دمت قد سألتها ذلك، ويمكنها أن تحتال لإتلاف هذه الصور ولا يضرّها غضب أهلها، فإن لم تتمكن من ذلك، لمنع أهلها، أو لكونه يؤدي إلى مفسدة أكبر، فينبغي أن تعذرها في ذلك، وإذا وقعت هذه الصور في أيدي أولادك فلا نرى في ذلك خطراً، وما دامت الصور بعيدة عن الوقوع في أيدي الرجال الأجانب، فالأمر يسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/67)
مات عن أم وزوجة وبنت وإخوة وأخوات أشقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
-للميت ورثة من الرجال: (أخ شقيق) العدد 3.
-للميت ورثة من النساء: (أم) ، (بنت) العدد 1، (زوجة) العدد1، (أخت شقيقة) العدد 2]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يترك الميت من الورثة إلا من ذكر في السؤال فإن لأمه السدس لوجود الفرع الوارث، كما قال تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. {النساء: 11} .
ولابنته النصف لقول الله تعالى في البنت الواحدة: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ. {النساء: 11} .
ولزوجته الثمن لوجود الفرع الوارث، كما قال تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. {النساء: 11} .
وما بقي فهو للأخوات والإخوة الأشقاء – تعصيبا – للذكر مثل حظ الأنثيين لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. {النساء: 176} .
فتقسم التركة على مائة واثنين وتسعين سهما، للأم سدسها – اثنان وثلاثون سهما – وللزوجة ثمنها – أربعة وعشرون سهما – وللبنت نصفها – ستة وتسعون سهما – ولكل أخ شقيق عشرة أسهم، ولكل أخت شقيقة خمسة أسهم.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/68)
كيف تتصرف مع الحمام الذي لا يعرف صاحبة ويسبب الأذى
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب أن أسأل: عن حكم ذبح الحمام الذي يبني عشه على تكييف منزلي، مع العلم أنني أسكن في منطقة كلها عمارات ويوجد في كل مكان حمام لا صاحب له، وهذا الحمام موجود بكمية كبيرة ويبني أعشاشه على الشبابيك والتكييف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحمام لا مالك له، فيجوز لك أخذه وذبحه والانتفاع به.
وأما إن كان مملوكا للغير، فلا يجوز لك ذلك، وإنما يمكنك تنفيره بوسيلة مناسبة، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية: السؤال الخامس من الفتوى رقم: 9410: س: في بيتنا كثير من طيور الحمام الذي لا يعرف صاحبه، وهو يتكاثر بشكل كبير مسببا لنا الأوساخ والإزعاج، فهل يصح صيده وأكله أو تربيته في أقفاص؟.
ج: لك أن تحفظ منزلك عن دخول طيور الحمام بتنفيرها وعدم تهيئة المكان للتواجد فيه، ولا الطعام لتناوله، وبذلك تسلم من الأذى والأوساخ.
وأما صيده أو تربيته للتتملكه فلا يجوز إلا بإذن صاحبه المالك له.
وانظر الفتوى رقم: 10365.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/69)
حكم شراء أضحية من مبيعات بدين استقرت في ذمة البائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أشكركم على الموقع الجميل فعلاً ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. آمين.
أنا أريد أن أشتري أضحية ولي عند البائع نقود قد تتجاوز ثمن الأضحية وقد لا تتجاوز. فهل يجوز أن أشتري الأضحية بثمن تلك الأشياء التي بعتها للبائع قبل ذلك ولم يدفع ثمنها؟ هل يجوز أن أشتري الأضحية ولا أدفع ثمنها بما لي عند البائع من نقود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في شراء الأضحية أو غيرها من المبيعات بدين قد استقر في ذمة البائع.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية في مسألة: تمليك الدين للمدين: أن ما يكون الملك عليه مستقراً من الديون كغرامة المتلف وبدل القرض ... وثمن المبيع.. أن هذا النوع من الديون لا خلاف بين الفقهاء في جواز تمليكه لمن هو عليه بعوض أو بغير عوض. انتهى.
وقال الشيرازي في المهذب: أما الديون فينظر فيها فإن كان الملك عليها مستقراً كغرامة المتلف وبدل القرض جاز بيعه ممن عليه قبل القبض، لأن ملكه مستقر عليه فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/70)
يتعين عدم تعريض المسجد للإغلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نسألكم في أمر هام: نحن جماعة نسكن في قرية صغيرة في فرنسا ـ والحمد لله ـ نجحنا في أن نفتح مسجدا، لكن رئس البلدية لهذه القرية لا يريد جماعة الخروج في سبيل الله أن يأتوا إلى المسجد والذين يأتون من مدن أخرى ويهدّدنا بإقفاله ونحن مختلفون: ففينا من يرى أنه يجب منعهم، وفينا من يرى أنه لاينبغي منعهم.
أجيبونا جزاكم الله خيراً، فماذا نفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمين يتعين عليهم الحفاظ على ما عندهم من الخير والسعي في المزيد، وبناء عليه فيتعين الحفاظ على بقاء المسجد مفتوحاً، ولا تعرضوه لما يؤدي لإغلاقه، وجماعة الدعوة التي تأتيكم يمكن أن تنزل في البيوت فإن أمكن السماح لهم بالصلاة في المسجد والمدارسة مع الناس في المسجد أوقات الصلوات ثم يكون سكنهم الرسمي خارج المسجد فهو أولى.
وإلا، فلتكن لقاءاتهم بالناس في البيوت والأندية والمقاهي ولا تعرضوا المسجد للإغلاق، وادعو الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويرزقهم العون على إقامة جميع أعمالهم التعبدية، والدعوة بأمان وحرية، واحرصوا على عدم وجود الخلاف بين جماعة المسجد ولا تحملنكم العاطفة وحب ضيافة الضيوف على التفرق والتنازع الذي يخشى أن يؤدي للفشل، وتذكروا أن أعظم الدعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتح له الفرصة بمكة لجمع الناس بالمسجد والمدارسة معهم فيه، وإنما كان يلتقي بهم في بيت الأرقم بن الأرقم ـ رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/71)
حكم السهو في الصلاة وسبل تجنبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السهو أثناء الصلاة؟ وما هي النصيحة لمن يسهو؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسهو في الصلاة أمر جبلي لا يسلم منه أحد ـ حتى إنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلا يلام العبد إذا سها في صلاته، وقد رفع الله ـ برحمته ـ عن هذه الأمة المؤاخذة في الخطإ والنسيان، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله: السهو يقال: سها في صلاته وسها عن صلاته، أما سها في صلاته فالمعنى أنه نسي منها شيئاً ـ إما ركوعاً أو سجوداً أو تسبيحاً ـ وأما سها عن صلاته فالمعنى غفل عنها وتهاون بها، فالأول السهو في الصلاة أمر جبلي يحصل من كل أحد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه سها في صلاته. ولا يلام العبد لأنه من طبيعة الإنسان، وأما السهو عن الصلاة فهو المذموم الذي قال الله تعالى عنه: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. أي غافلون عنها لا يهتمون بها، بل يتهاونون بها. انتهى.
وإذا كان هذا السهو يعرض للإنسان بسبب استرساله مع الوساوس والفكر في أمور الدنيا والإعراض عن تدبر الصلاة فعليه أن يأخذ بالأسباب التي تجنبه هذا السهو من الإقبال على الصلاة والإعراض عما سواها، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: هذا الأمر يشتكي منه كثير من المصلين، وهو أن الشيطان يفتح عليه باب الوساوس أثناء الصلاة، فربما يخرج الإنسان وهو لا يدري عما يقول في صلاته، ولكن دواء ذلك أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن ينفث الإنسان عن يساره ثلاث مرات وليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك زال عنه ما يجده ـ بإذن الله.
وعلى المرء إذا دخل في الصلاة أن يعتقد أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي الله تبارك وتعالى، ويتقرب إليه بتكبيره وتعظيمه، وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى، وبالدعاء في مواطن الدعاء في الصلاة، فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور فإنه يدخل في الصلاة بخشوع وتعظيم الله سبحانه وتعالى ومحبة لما عنده من الخير، وخوف من عقابه إذا فرط فيما أوجب الله عليه. انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ينبغي للمصلي إذا حضر وقت الصلاة أن يتخلى عن كل شيء من أعمال الدنيا وشواغلها حتى يتجه ذهنه وتفكيره إلى عبادة ربه قدر الطاقة، فإذا تطهر ووقف في الصلاة وقف خاشعاً تالياً لكتاب ربه أو مستمعاً له متدبراً لمعانيه ولما يقوله من أذكار في صلاته ولا يستسلم للشيطان ووساوسه، بل عندما يعرض له أقبل على صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما روي عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذاك فأذهب الله عز وجل عني. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/72)
تحريم النظر لصور المتبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[كما لا يخفى عليكم وجد في الفترة الأخيرة برامج الاتصال بين مستخدمي الإنترنت ما يسمى فيس بوك
يوميا يزداد عدد المستخدمين لهذا البرامج.
سؤالي: هل يجوز للرجل أن يضيف إلى ملفه الخاص في هذا البرامج امرأة أجنبية عنه إن كان يتم ذلك بصورة صغيرة لامرأة متبرجة أجنبية عنه؟ وهل يجوز للرجل أن ينظر إلى صورة صغيرة لامرأة متبرجة أجنبية عنه لصغر الصورة؟ وجد عدد ممن يشار إليه بالبنان يفعل ذلك, وفعلهم ذلك يستلزم دليلا على جواز ذلك. فما رأيكم أحسن الله إليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظر الرجل إلى صورة امرأة متبرجة أجنبية عنه حرام كما بيناه في الفتوى رقم: 55811.
من هنا يتبين أن ما تسأل عنه من إضافة عنوان البريد الذي يستلزم إضافة هذه الصورة المتبرجة غير جائز. وراجع حكم المحادثة بين الرجل والمرأة الأجنبية في الفتاوى التالية: 109089، 122152، 119444، 3672.
مع التنبيه على أن الأحكام الشرعية إنما تؤخذ من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ولا تؤخذ من أفعال الرجال حتى وإن كانوا من أهل العلم، وقد قال علي رضي الله عنه: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 108000.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/73)
هل يجب على أهل جدة طواف الوداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على سكان جدة طواف الوداع؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسكان جدة كغيرهم من أهل الآفاق يلزمهم إذا أرادوا مغادرة الحرم أن يطوفوا للوداع، ليكون آخر عهدهم بالبيت، قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله: إذا حج الإنسان وأخر طواف الوداع إلى وقت آخر فحجه صحيح، وعليه أن يطوف للوداع عند خروجه من مكة، فإن كان في خارج مكة كأهل جدة وأهل الطائف والمدينة وأشباههم فليس له النفير حتى يودع البيت بطواف سبعة أشواط حول الكعبة فقط ليس فيه سعي، لأن الوداع ليس فيه سعي، بل طواف فقط، فإن خرج ولم يودع البيت فعليه دم عند جمهور أهل العلم، يذبح في مكة ويوزع على الفقراء والمساكين وحجه صحيح. انتهى
وقال أيضاـ رحمه الله: الواجب على سكان جدة وأمثالهم أن لا ينفروا من الحج إلا بعد طواف الوداع كأهل الطائف وأشباههم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم يخاطب الحجيج: لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت. خرّجه مسلم في صحيحه.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.
وعلى من ترك ذلك دم: وهو سُبع بدنة أو سُبع بقرة أو رأس من الغنم ـ ثني من الماعز أو جذع من الضأن ـ يذبح في مكة ويوزع في فقراء الحرم. انتهى.
وفي المسألة خلاف بينه ابن قدامة ـ رحمه الله ـ فقال في المغني: فصل: ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه، ومن كان منزله خارج الحرم قريبا منه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك ذكره ابن القاسم.
وقال أصحاب الرأي في أهل بستان ابن عامر وأهل المواقيت: إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الوداع، لأنهم معدودون من حاضري المسجد الحرام، بدليل سقوط دم المتعة عنهم، ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت.
ولأنه خارج من مكة فلزمه التوديع كالبعيد. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/74)
نبذة عن الجصاص وكتابه أحكام القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى القائمين على مركز الفتوى بإسلام ويب شيوخنا: ما هو رأيكم في الإمام أحمد بن علي الرازي ـ الجصاص؟
ثم ما رأيكم في كتابه أحكام القرآن؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجصاص عالم من كبار علماء الأحناف، وقد انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته وكان صاحب عبادة وزهد وقد عرض عليه القضاء فرفضه، وتوفي سنة 370هـ، وأما كتابه أحكام القرآن: فهويعتبر من التفاسير التي تهتم بأحكام القرآن وقد بسط القول في الأحكام التي تتناولها الآيات القرآنية فيه وذكر خلاف أهل العلم فيها وأدلتهم والآثار عن السلف، ومما يلاحظ عليه أنه يميل ـ أحياناً ـ للحنفية، ولكن مع ذلك لا يغفل المذاهب الأخرى ـ رحمه الله رحمة واسعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/75)
هل يعرف الميت من الذي أهدى له العمل الصالح ومن هو الولد الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: أريد أن أطيع والدي ووالدتي بعد موتهم أيضا، فما هو أفضل شيء لي أن أطيعهم بعد الدعاء لهم، وأريد أن أفعل لهم صدقه جارية، مثلا بناء جامع إن شاء الله، فهل هم يشعرون أو يعرفون أنها مني يعني يحسون بها أنها مني؟
وما المقصود بمعنى الحديث الشريف: ولد صالح يدعو له. يعني لو أنا مقصر في بعض الأشياء، ولكن لا أترك الصلاة فهل دعوتي لهم مقبولة بإذن الله، أم لأني مقصر ببعض الأشياء لا تستجاب دعوتي لهم، ولا تكون صدقة جاريه لهم. اشفوني في الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الميت ينتفع بالدعاء والاستغفار له، والصدقة عنه، وكذلك الحج والعمرة من حيث الجملة، كما سبق تفصيله في عدة فتاوى، منها الفتويين: 3406، 69673.
فما يريد السائل الكريم عمله لوالديه من الصدقة الجارية لا شك أنه نوع من البر والإحسان المأجور فاعله، وقد تقدمت أمثلة للصدقة الجارية عن الميت في الفتويين: 8042، 10668. ولمعرفة ما يُبَرُّ به الوالدان بعد موتهما يمكن مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10602، 7893، 44341.
وأما قول السائل الكريم: هل يعرفون أنها مني؟ فالظاهر أن ذلك حاصل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك. رواه ابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
ويؤكد ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا. رواه أحمد، وصححه الألباني. وقد سبق في الفتوى رقم: 79657. أن الذي يظهر أنهما يعلمان ذلك.
وقد تعرضنا قبل ذلك لبعض المسائل المتعلقة بأحوال الموتى كسماعهم كلام الأحياء وعلمهم بما يجري في الدنيا، فراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121613، 54990، 72205، 72205.
كما سبق لنا بيان المقصود بصلاح الولد وأنه الإيمان وأداء الفرائض واجتناب الكبائر، فراجع الفتويين: 51983، 59144.
وقال المناوي في (فيض القدير) ، ومحمد بن عمر النووي في (شرح لباب الحديث) : ولد صالح أي مسلم.انتهى.
وقال القاري في (مرقاة المفاتيح) : ولد صالح أي مؤمن، كما قاله ابن حجر المكي. انتهى.
وعلى ذلك فتقصير الإنسان في بعض الأمور أو ارتكابه لبعض الذنوب، لا يمنع والديه من الانتفاع بدعائه وصدقته عنهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/76)
هل يجب على مريض الكلى صيام رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أخواي مصابان بالفشل الكلوي المزمن، يذهبان إلى المستشفى ثلاث مرات أسبوعيا لغسل الدم وتنقيته، يفطران في أيام ذهابهما إلى الغسيل بأمر من الطبيب، ويصومان في الأيام الأخر، نصحهما طبيب بعدم الصيام مطلقا، ولكن طبيبا آخر نصحهما بصيام اليوم الذي لا يذهبان فيه إلى الغسيل ّإذا استطاعا ذلك ولم يشعرا بالإرهاق. أرجو منكم توضيح الحكم الشرعي، وما يترتب عليهما شرعا، وكيفية عمله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغسيل الكلا مفسد للصوم كما سبق في الفتوى رقم: 6371. وبه أفتى علماء اللجنة الدائمة.
وقد جاء في فتاوى اللجنة: غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة كلية صناعية تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم. وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام. انتهى.
فإذا علمت هذا فاعلم أن فطر أخويك- عافاهما الله- في الأيام التي يذهبان فيها لغسيل الكلا لا حرج فيه، وأما الأيام الأخرى فالواجب عليهما الصوم فيها إذا كانا يطيقانه ولا يشق عليهما، فإن شق عليهما أو خشيا زيادة المرض جاز لهما الفطر، والمعتبر في ذلك هو التجربة، وخبر الأطباء الثقات المعروفين بتعظيم الشرع، ثم الواجب عليهما قضاء الأيام التي يفطرانها ما داما يقدران على ذلك ولو في أيام الشتاء القصيرة، وذلك لقوله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. {البقرة:185} .
فإن عجزا عن الصيام مطلقا وعجزا كذلك عن القضاء فعليهما فدية طعام مسكين عن كل يوم يفطرانه لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ. {البقرة:184} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/77)
التوبة المستوفية لشروطها تمحو الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صاحبي: كنت أسير في طريق خال فرأيت بنتين في عمر الثامنة تقريبا فأخرجت ذكري ومشيت عليهما فما أن رأتاني حتى جريتا في نفس اللحظة مذعورتين كل في اتجاه من غير اتفاق منهما. وسؤاله: هل تكفيه التوبة أم أنه من الآثام المستمرة؛ لخوفه من تأثير هذا عليهما في مستقبلهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عزوجل لا يحب الفحش ولا التفحش، وما فعله صاحبك هذا يعد من الفحش في الفعل، ومن المحرمات، وينم عن عدم حياء من الله ومن نفسه ومن الناس.
فعن معاوية القشيري رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي، ثم الألباني.
ومع قبح هذا الفعل وشناعته إلا أن باب التوبة مفتوح مهما عظم الذنب، ومادام صاحبك قد ندم على هذا الفعل، فالندم هو أصل التوبة، وليضف إلى هذا الندم الاستغفار والعزم على عدم العودة إلى هذا الفعل فهذا يكفيه إن شاء الله تعالى. فقد قال سبحانه: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. {لأنفال: من الآية33} .
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53} .
وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
ولا يعد هذا الذنب من الذنوب المستمرة بل إن تاب منه تاب الله عليه، وليسأل الله تعالى أن يعافي هاتين الفتاتين، وأن يوفقهما، ولمزيد من الفائدة راجع الفتويين: 54900، 51247.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/78)
الرد على من يشك في أن الله تعالى هو خالق الكون
[السُّؤَالُ]
ـ[أواجه شبهة في منتهى الخطورة وهى أنني أشك في أن الله هو خالق هذا الكون وأن إلها آخر غيره هو الذي خلقه. فأرجوكم أفتوني بالدليل الذي يبطل هذه الشبهة ويبعدها عن نفسي تماما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي قلبك وأن يلهمك رشدك، وهذا الشك الذي يدور بعقلك هو من وساوس الشيطان، فالمشركون الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق لهم وللكون ولكل شيء وإنما كان شركهم في صرف أنواع من العبادة لغير الله لتقربهم إلى الله، فكيف بك وأنت تنتمي إلى الإسلام ونشأت على الإسلام؟! وقد ذكر الله سبحانه هذا في كتابه في مواضع كثيرة منها: قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. {العنكبوت:61} . وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. {العنكبوت:63} . وقال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. {الزخرف:87} .
ثم هناك سؤال لابد منه وقد سأله الله مستنكرا على من لم يشكر نعمة الله عليه ولم يوحده سبحانه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. {فاطر:3} . فمن شك في أن الله سبحانه هو الخالق، فما جوابه على هذا السؤال؟ وما هي صفة هذا الخالق المزعوم من دون الله عز وجل؟! هل له رسائل إلى خلقه ليعرفهم بنفسه أم خلق الخلق وتوارى واعتزل؟
ثم لماذا الشك هل هناك أي شبهة عقلية ولو من بعيد على وجود إله آخر خالق لهذا الكون غير الله، ما هو برهان ودليل من يدعي ذلك، قال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ. {الأنبياء:16-24} .
فالمعنى: لو كان فيهما آلهة موصوفة بأنها غير الله لَفسدتَا، فامتنع أن يكون هناك شريك. يقول الله تعالى: قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. {الإسراء: 42} .
الحق - سبحانه وتعالى - يعطينا القسمة العقلية في القرآن: فلنفرض جدلاً أن هناك آلهة أخرى: قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً.. {الإسراء: 42} أي: لو حدث هذا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً. {الإسراء: 42} .
السبيل: الطريق، أي طلبوا طريقاً إلى ذي العرش أي: إلى الله، لماذا؟ إما ليجادلوه ويصاولوه، كيف أنه أخذ الألوهية من خلف ظهورهم، وإمّا ليتقربوا إليه ويأخذوا ألوهية من باطنه، وقوة في ظل قوته، كما أعطى الله تعالى قوة فاعلة للنار مثلاً من باطن قوته تعالى، فالنار لا تعمل من نفسها، ولكن الفاعل الحقيقي هو الذي خلق النار، بدليل أنه لو أراد سبحانه لَسِلَبها هذه القدرة، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ. {الأنبياء: 69} .
وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... {المؤمنون: 91} وهذه الآية الكريمة وأمثالها تثبت أنه سبحانه موجود وواحد.
لكن، لماذا تفسد السماء والأرض إنْ كان فيهما آلهة غير الله؟
قالوا: لأنك في هذه المسألة أمام أمرين: إما أن تكون هذه الآلهة مستوية في صفات الكمال، أو واحد له صفات الكمال والآخر له صفة نقص. فإنْ كان لهم صفات الكمال، اتفقوا على خَلْق الأشياء أم اختلفوا؟
إنْ كانوا متفقين على خَلْق شيء، فهذا تكرار لا مُبرِّر له، فواحد سيخلق، والآخر لا عملَ له، ولا يجتمع مؤثران على أثر واحد.
فإن اختلفوا على الخَلْق: يقول أحدهم: هذه لي. ويقول الآخر: هذه لي، فقد علا بعضهم على بعض.
أما إنْ كان لأحدهم صفة الكمال، وللآخر صفة النقص، فصاحب النقص لا يصحّ أن يكونَ إلهاً. وهكذا الحق - سبحانه وتعالى - يُصرِّف لنا الأمثال ويُوضِّحها ليجلي هذه الحقيقة بالعقل وبالنقل: لا إله إلا الله، واتخاذ آلهة معه سبحانه أمر باطل. انتهى من تفسير الشيخ الشعراوي.
فاستعذ بالله أيها الأخ الكريم، وتذكر قول الرسل لأقوامهم: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. {إبراهيم: 10} . وخير وسيلة لمقاومة هذه الشبهات هي اللجوء إلى الله أن يهدي قلبك ويثبته على الإيمان، والإكثار من قول لا إله إلا الله مخلصا من قلبك لتذوق حلاوة الإيمان ويندفع عنك الشيطان، وعليك بالصحبة الصالحة المؤمنة وعليك بالعلم والقراءة ففي العلم أعظم علاج لتبديد ظلام الشبهات وتثبيت حقائق الإيمان وسوف نحيلك على بعض المراجع والفتاوى لتزداد علما، ومن ذلك:
كتاب مختصر معارج القبول للشيخ هشام عقدة، من أول: إثبات ذاته تعالى (البراهين على وجود الله عز وجل) وما بعدها من صفحات. ويمكنك تحميل الكتاب من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/5/816.zip
كتاب: للكون إله، قراءة في كتابي الله المنظور والمسطور، تأليف: د. صبري الدمرداش، ويمكنك تحميل الكتاب من هذا الرابط:
http://www.archive.org/download/llkwon/LLKWN.pdf
كتاب: "الفيزياء ووجود الخالق " للدكتور جعفر شيخ إدريس ويمكنك تحميل نسخة منه من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/9/2368.zip
كتب الشيخ عبد المجيد الزنداني ومنها: "إنه الحق، كتاب التوحيد، توحيد الخالق، البينة العلمية في القرآن، بينات الرسالة، رَسَائِل تَثبيت الإيمَان- طريق الإيمان (1) ، رَسَائِل تَثبيت الإيمَان - طريق الإيمان (2) علم الإيمان " ويمكنك تحميل نسخة منها من هذا الرابط:
http://www.saaid.net/book/9/2337.zip.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 52377، 22081، 39560، 53031، 122213.
ونسأل الله أن يهديك ويثبت قلبك على الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/79)
حكم أخذ أجرة مقابل كفالة الغير واستخراج إقامة له
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عامل أجنبي إقامته محجوزة لدى إحدى المراكز الأمنية وخرج هو بكفالة منذ خمسة أشهر تقريباً، وأنا أستطيع أن أستخرج إقامته وأكفل حضوره في حالة طلبه من المركز، واستخراجي لها بطرق نظامية وليس هناك ضرر على الغير، وهو ليس تحت كفالتي وقد طلب مني ذلك وعرض علي مبلغ مقابله، لأن كفيله غير مهتم بموضوعه. السؤال: هل يجوز أن آخذ منه مبلغا ماليا مقابل تعقيبي وكفالته واستخراج إقامته، أم أنها تعتبر رشوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فالظاهر أن نفع السائل الكريم لهذا العامل مقتصر على الشفاعة له أو كفالته بما له من جاه، فإن كان كذلك فلا يجوز أخذ شيء في مقابل ذلك، فإن الكفالة من عقود الإرفاق وليست محلاً للمعاوضات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا. رواه أبو داود وأحمد. وحسنه الألباني.
اللهم إلا إن كان السعي في هذه الخدمة للعامل يحتاج إلى تعب أو سفر أو نفقة لاستخراج اللازم من الأوراق، فحينئذ يجوز أخذ أجرة المثل دون زيادة عليها ولا الربح فوقها، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين: 4714، 5264.
وينبغي أن يحتسب السائل الكريم الأجر العظيم على هذا العمل، فإنه من أجل الأعمال وأحبها إلى الله، كما قال تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا. {النساء:85} .
قال ابن كثير: أي من سعى في أمر فترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: اشفعوا تؤجروا. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. متفق عليهما. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وقال صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/80)
حكم لبس المحرم أكثر من إزار ورداء والتغطي ببطانية من البرد
[السُّؤَالُ]
ـ[لو كان الجو باردا في الحج، فهل يجوز للمحرم لبس أكثر من طبقة من ملابس الحرام بعضها فوق بعض؟ مثل إزارين، علما بأنه غير مخيط، وهل عليه دم؟ وإن تغطى ببطانية مخيطة، ف هل عليه دم ـ أيضا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المحرم أن يلبس إزارين بعضهما فوق بعض أو رداءين كذلك، ولا حرج عليه أن يغطي بدنه بغطاء - بطانية ونحوها- ولا شيء عليه، وإنما يحرم عليه تغطية رأسه، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فيما يجوز للمحرم فعله: التلفف بالبطانية ونحوها عن البرد فلا بأس بذلك كله، لأنه ليس داخلاً فيما نهي عنه لفظاً ولا معنى فيكون مباحاً. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 28822.
وإذا خشي المرض بترك رأسه مكشوفاً فله أن يغطيه وعليه الفدية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/81)
موقف المسلم ممن يمارس اللواط وحكم الائتمام به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقفك كمسلم تجاه مسلم شاذ يمارس اللواط؟ هل تقاطعه؟ تنصحه؟ تخبرعنه محيطه؟ تستر عليه؟.....؟ علما أنه أحيانا يصلي بالناس في مسجد. أرجو إجابتي كيف أتعامل مع هذه الحالة؟ وما حكم من صلى خلفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنّه لا يجوز اتهام المسلم بالفاحشة من غير بينة، فذلك من كبائر الذنوب، وقد شدد الشرع في أمر الأعراض، فحكم على القاذف بالجلد ووصفه بالفسق وردّ شهادته، أمّا إذا كنت على بينة من وقوع هذا الشخص في تلك الفاحشة فما يفعله منكر شنيع.
فاللواط من كبائر الذنوب ومن أفظع الفواحش، ومن انتكاس الفطرة، وفاعله يستحق العذاب والخزي في الدنيا والآخرة، والواجب عليك في هذه الحال أن تنصحه وتعظه وتخوّفه من عواقب هذا الفعل القبيح.
فعن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. رواه مسلم.
فإذا لم ينتصح فالمشروع هجره ومقاطعته لا سيما إذا رجي بذلك رجوعه عن المنكر.
جاء في الفروع لابن مفلح: ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه، ولا جفوة من صديق. انتهى.
أمّا الستر عليه فهو الأصل فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. متفق عليه.
لكن إذا كان الستر عليه يؤدي إلى تماديه في المعصية فلتبلغ عنه من يقدر على منعه من هذا المنكر.
قال النووي: وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الايذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله. انتهى. شرح النووي على مسلم.
وأمّا الإخبار عن أمره دون مصلحة معتبرة فغير جائز لما فيه من إشاعة الفواحش، وأمّا عن حكم الصلاة خلفه، فما دامت صلاته صحيحة فلا حرج في الصلاة خلفه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كلُّ مَن صحَّت صلاتُهُ صحَّت إمامته. انتهى. الشرح الممتع على زاد المستقنع.
لكن الأولى أن يكون الإمام من أهل الصلاح والاستقامة، وانظر الفتوى رقم: 14675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/82)
حكم لبس المرأة بلوزة طويلة تحتها بنطلون ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس بلوزة طويلة طولها إلى حد الركبة، وتحتها بنطلون ضيق. أرجو التوضيح إذا كان فيه خلاف بين العلماء لأن أمي تريد مني أن ألبسها أفتوني مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللباس بالهيئة المذكورة في السؤال لباس محرم، لأن من شروط اللباس الشرعي أن يكون واسعاً فضفاضاً لا يصف ولا يشف، أما اللباس الضيق الذي يصف بدن المرأة فهو حرام لا خلاف في حرمته بين أهل العلم جميعاً، وقد بينا شروط اللباس الشرعي مفصلة وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6745، 9428، 13914.
وكل ما خالف هذه المواصفات فهو من التبرج، والتبرج كبيرة من كبائر الذنوب، كما بينا ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 66102، 115873، 34838.
وعليه فلا يجوز لأمك أن تأمرك بهذا اللباس لأنه مخالف لشرع الله، ولا يجوز لك أن تطيعيها في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/83)
حكم شراء متجر تباع فيه السجائر
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مقيم بأمريكا يرغب في شراء متجر لبيع المواد الغدائية تباع فيه السجائر، فهل يجوز له شراؤه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حرمة التدخين وبيع السجائر في عدة فتاوى، منها الفتويين رقم: 17461، 66437.
فإذا كان الذي يريد شراء هذا المتجر سيمتنع من بيع الدخان وغيره من المحرمات بعد تملكه، فلا حرج عليه في شرائه والانتفاع بأرباحه، وأما إن كان هذا النشاط ونحوه من المحرمات سيستمر بعد الشراء، فقد تقدم أنه لا يجوز بيع الدخان، فالمال المكتسب منه مال خبيث.
ثم ننبه السائل الكريم على أن جواز العيش في بلاد الكفر مشروط بأمن الفتنة والقدرة على إقامة شعائر الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/84)
هل لقراءة سورة يس تأثير على السارق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 26 عاما، قد تورطت في سرقة مصاغ جدتي، وهى الآن تبحث عن السارق وأنا السارق، وهى قرأت في السارق عدة ياسين أي سورة ياسين. فماذا علي أن أفعل وأنا تبت والحمد الله، وأصلي الفرائض في وقتها وربنا أكرمني بعقد عمل في البلدان العربية، والحمد الله أرجو منك فضيلة الشيخ الإجابة على السؤال، وما قد تفعله في قراءة عدة ياسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك إلى التوبة مما فعلت، ونسأله سبحانه أن يديم عليك نعمة الهداية ويزيدك هدى، ومن توبتك رد المسروق إلى صاحبه، فيجب عليك رد المصاغ إلى جدتك، ولو بطريق غير مباشر، ما دامت لم تبرئك منه. وانظر الفتوى رقم: 40782.
وبخصوص سورة يس فلا نعلم دليلا صحيحا على تأثيرها في السارق، وانظر الفتويين: 101045، 23230.
وإذا علم الله منك صدق توبتك، وتقبلها منك، ورضي عنك، فلن يضيرك شيء إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/85)
أجبرها عمها على الزواج من ابنه الذي ضيع حقوقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ أكثر من 18 عاما من ابن عمي ـ أخي والدي ـ وهو الوالي الشرعي لي، حيث إن والدي توفي وأنا طفلة صغيرة، وقد أرغمني عمي على الزواج من ابنه دون موافقتي خوفا من ذهاب الثروة التي سأرثها بعد والدي، فلم أكن موافقة على الزواج ولم يكن ابن عمي يرغب في الزواج مني، فقد تزوجني خوفا من والده، ولكن ـ ورغم مرور أكثر من 18 عاما على زواجنا ـ لم نأكل معا وجبة طعام واحدة، بل ولم يحدث بيننا ما يحدث بين الزوجين من معاشرة قط، فأنا أسكن في بيت بجانب بيت والده، وأما هو فيأكل وينام في بيت والده، ولا ينفق علي منذ أن تزوجنا، ورزقي يأتيني من الله عز وجل عن طريق البقرة التي لا أملك غيرها فأنا يتيمة ولا يوجد لدي إخوة وليس لي إلا عمي الذي ظلمني، وخالي الذي لا يسأل عني ولا يحاول أن يوقف بجانبي كي لا تسوء العلاقة بينه وبين عمي.
إنني صبرت كل هذه السنين الطوال على الألم والفقر والمعاناة والظلم وكنت آمل أن يتحسن الأمر وأن يتغير الحال، ولكن الحال ازداد سوءا، فمنذ أربع سنوات لا يدخل زوجي بيتي ولا يكلمني مطلقا، حتى إنني أحس أنه لا يطيق أن يراني رغم أنني لم أعص له أمرا منذ أن تزوجنا ولا أذهب إلى أي مكان إلا بعد استئذانه.
والآن وبعد أن فكرت كثيرا، أريد أن أعرف هل علي إثم بسبب أنني لم أخالعه؟ وأنا أعرف أن خلعه ليس بالأمر السهل فلا يوجد من يقف معي ولا أدري ماذا يجب علي فعله؟ أريد من حضرتكم أن تفتوني في ما إن كان علي إثم في سكوتي أم لا؟ وماذا يجب علي فعله كي أتخلص من هذا الظلم؟.
علما أنني ـ والله يشهد ـ لست مقصرة في حق زوجي وقد بذلت كل ما في وسعي كي يحبني، ولست أقل من نظيراتي في الجمال والأخلاق والدين، فزوجي لا يخاف الله وليس ملتزما بتعاليم الدين الحنيف، فهو متهاون في الصلاة وقد ثبت عليه الخلو مع نساء أخريات ولاقى ضربا مبرحا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان عمك قد أجبرك على الزواج من ابنه هذا وعقد لك عليه، بحيث لم يكن لك خيار ولا رضا, فإن هذا الزواج باطل وعليك أن ترفعي أمرك للسلطات المختصة كي تفسخ هذا النكاح أو تطلقك منه، جاء في فتاوى اللقاء الشهري لابن عثيمين: إذا كانت المرأة مغصوبة، فإنها إذا غصبت على الزواج من رجل ـ وإن كان صغيراً ـ فإن النكاح باطل.
أما إن كنت غير راضية، ولكنك وافقت بمحض إرادتك على العقد تحت الضغوط، فإن النكاح صحيح, ولكن في كل الأحوال، فإن عمك هذا ظالم بفعله هذا، لأن البنت لا يملك أحد إرغامها على الزواج بمن لا تريد, كما بيناه في الفتوى رقم: 64887
وعلى كل حال, فما دام الأمر على ما ذكرت من بغضه لك وتضييعه لحقوقك جميعا وهجره لك دون سبب وفسوقه وارتكابه للمحرمات واستمراره على هذا النهج المنحرف طوال هذه السنين، فإن هذا يبيح لك طلب الطلاق منه, بل بعض هذه الأمور كاف في ذلك, وقد سبق الحديث مفصلا عن الأحوال التي يجوز للمرأة فيها طلب الطلاق من الزوج في الفتوى رقم: 116133.
فإن لم يستجب لك في ذلك فأنت بالخيار بين أمرين: إما أن ترفعي أمرك للسلطات المختصة لتجبره على التطليق, وإما أن تختلعي منه.
أما ما تذكرين من عدم وجود من يقف بجوارك: فنقول لك: استعيني بالله وحده فهو نعم المولى ونعم النصير واستعيني بمن يقدر على نصرتك من الأخيار، ويمكنك أن تقصدي بعض النساء الصالحات من أهل العلم والخير والدعوة وتعرضي عليهن أمرك ليساعدنك في التخلص من هذا الظلم.
أما بخصوص الإثم: ففي مثل حال زوج السائلة لا أقل من أنه يستحب لها أن تتخلص منه بالخلع ونحوه، وقيل يجب عليها ذلك، وعلى القول بالوجوب تأثم السائلة إذا قدرت على التخلص منه ولم تفعل.
ففي الإنصاف: إذا ترك الزوج حق الله فالمرأة في ذلك كالزوج فتتخلص منه بالخلع ونحوه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/86)
توضيحات حول قصة موسى في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[خطر على بالي هذان السؤالان لدى قراءتي لسورة طه (أرجو الإجابة بسرعة حيث إني أنتظر شهرا أحيانا لأتلقى الإجابة على أسئلتي)
الأول: من الآية 48 إلى الآية 58 كان الحديث قائما بين سيدنا موسى وفرعون، إلا أنه من منتصف الآية 53 إلى الآية 56 أصبح المتحدث الله عز وجل ثم عاد الحديث مرة أخرى بين سيدنا موسى وفرعون. فما الحكمة من تغير طريقة سرد القصة؟
الثاني: أرجو أن لا يفهم أنني أعطي عذرا لفرعون لبقائه على كفره بعد قصة السحرة، حيث إني أشعر أن هنالك أمرا لا أستطيع فهمه، ولكن لو حدثت قصة السحرة مع أحدنا لقال إن السحرة قد اتفقوا مسبقا مع سيدنا موسى خصوصا أن السحر كان منتشرا تلك الأيام، وكان فرعون يعتقد أن ما قام به سيدنا موسى هو من السحر أيضا. وأمر آخر من أين أتوا بعلمهم عن العذاب والمغفرة وعن الجنات (الآية 74 إلى 76) وهم قد أسلموا لتوهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الألوسي في تفسيره أن قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى. {طه: 53} . يحتمل أن يكون ابتداء كلام منه عز وجل وكلام موسى قد تم عند قوله ولا ينسى. ويحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام، على أن يكون قد سمعه من الله عز وجل فأدرجه بعينه في كلامه وقد رجح رحمه الله الاحتمال الأول وذكر أنه يقويه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى. {طه:56} .
وبناء عليه يكون عود الحديث لموسى من باب أن الله عز وجل واصل في سرد القصة فذكر أنه أرى فرعون آياته فكذب ثم قال لموسى كذا فأجابه موسى بكذا.
وأما السؤال الثاني الذي لم تفصح فيه إفصاحا كاملا فجوابه أن فرعون مكابر جحود كما أخبر الله عنه في قوله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. {النمل:14} .
وأخبر الله عنه في آية أخرى أنه اتهم موسى بأنه مسحور لما جاء بالآيات التسع فأجابه موسى بقوله: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا. {الإسراء:103} .
ففرعون كان مكابرا جحودا، وموسى لم تكن آيات صدقه قاصرة على انتصاره على السحرة بل جاءه بكثير من الآيات الأخرى فكذب وأبى.
وأما علم السحرة بالمغفرة والعذاب فهو غير مستغرب لاحتمال أن يكون موسى حدثهم بذلك إذ من أهم الأمور التي يحدث بها الدعاة مدعويهم أن يحدثوهم عن ذلك كما حدث نوح في قوله: قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. {نوح:3-4} .
وحدث نفر من الجن في قولهم: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. {الأحقاف:31} .
إضافة إلى أن المفسرين قد ذكروا أن كبار السحرة كان أغلبهم من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر ومعارضة موسى، ويؤيد هذا قولهم: إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. {طه:73} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/87)
حكم تصرف المريض مرض الموت في ماله بالبيع والشراء وغيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال وأتمنى أن يكون الرد عليه واضحا ومختصرا حتى أفهمه بشكل صحيح: فهل يجوز لرجل مريض على وشك الموت أن يبيع نصف ماله مع أنه له ورثة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الرجل لا يزال واعيا مدركا لما يفعل، فلا حرج في تصرفه في ماله بالبيع إن لم يكن في ذلك محاباة للغير، ففي المدونة: أن مالكا قال في بيع المريض وشرائه إنه جائز إلا أن تكون فيه محاباة فيكون ذلك في ثلثه. هـ.
وقال الدسوقي: المريض لا يحجر عليه في المعاوضات وإن حجر عليه في التبرعات بالنسبة لما زاد على ثلثه. هـ.
وقال الباجي في المنتقى: إذا ثبت أن حكم الحجر يلحق المريض في ثلثي ماله لحق الورثة، فقد قال القاضي أبو محمد في معونته أنه يتعلق به حكم الحجر فيما زاد على قدر حاجته من الإنفاق في الأكل والكسوة والتداوي والعلاج وشراء ما يحتاج إليه من الأشربة والأدوية وأجرة الطبيب ويمنع من السرف وما خرج عن العادة، لأن ذلك إخراج مال على غير عوض يستفيده أو ورثته فكان في معنى إضاعته، وذلك ممتنع قال: وله أن يتصرف في ماله بالبيع والشراء، لأن حق الورثة لم يتعلق بعين المال، وإنما تعلق بمقداره.
وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة: ولا يمنع المريض من البيع والابتياع إذا لم يكن في ذلك محاباة أو ضرر بالورثة. قال ابن القاسم وأشهب: وهبته للثواب كبيعه. هـ.
وقال ابن قدامة في المغني: وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل ـ سواء كان لوارث أو غير وارث ـ وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه، لأنه محجور عليه في حقه، فلم يصح بيعه كالصبي.
ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه، فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شيء لا يمنع صحة غيره. هـ.
وأما إن كان غير واع فقد نص الفقهاء على مشروعية الحجر على من كبرت سنه وتغير عقله، لأنه لا يحسن التدبير وتصريف المال كالمجنون والمعتوه ونحوهما، وقد روى عبد الرزاق في مصنفه: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الشيخ الكبير الذي قد ذهب عقله أو أنكر عقله، فكتب إليه إذا ذهب عقله أو أنكر عقله حجر عليه. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/88)
مدى مشروعية صلاة الوحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صلاة الوحشة؟ فقد سمعت أنها تصلى للميت، فإذا كان كذلك، فهل يجوز أن أصليها؟ وفي أي وقت عن أمي ـ رحمها الله؟ وهل يجوز أن أصلي صلاة الحاجة وأدعو لأمي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة المعروفة: بصلاة الوحشة ليس لها ذكر في كتب أهل العلم من أهل السنة، وإنما تعرف هذه الصلاة عند بعض أهل البدع والأهواء، فيرون وجوب صلاة ركعتين ليلة دفن الميت، وهذا لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، نعم من صلى صلاة ثم وهب ثوابها للميت، فإن العلماء اختلفوا في انتفاعه بهذا الثواب، والصحيح الراجح أن الميت ينتفع بما يوهب له من ثواب القربات كلها ومنها الصلاة، وقد فصلنا هذا القول وبينا رجحانه في فتاوى كثيرة، فلتراجع منها الفتوى رقم: 111133.
أما صلاة الحاجة فهي مشروعة، ويدعو الإنسان بعدها بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، ومن ذلك الدعاء للميت، وقد بينا مشروعية صلاة الحاجة في الفتوى رقم: 128409.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/89)
حكم سحب الممرضة الدم من الرجال وهي تلبس قفازين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة قامت بإحضار فريق ممرضات لسحب الدم لعمل شهادة صحية في مقر الشركة، عند دخولهن لمقر الشركة عرفت أنه لا يوجد ممرض رجل مع الفريق، وكانت عندي 15 دقيقة للتفكير ولم أعرف التصرف الصحيح عندها، وعندما سألت المسؤول عن إحضار هذا الفريق هل يوجد ممرض رجل قال لي إن الممرضة تلبس القفازين مما جعلني أدخل لتسحب مني الدم كارها لذلك، مع العلم أنه لا يوجد خلوة، هل فعلي هذا صحيح؟ وهل القفاز يكفي؟ مع العلم أني تعرضت سابقا لهذا الموقف عند طبيب رجل ومعه ممرضة وعندما طلب مني الكشف جهة البطن والعانة طلبت باحترام عدم حضور الممرضة، وقد نصرني الله عندها وخرجت الممرضة؟ ولكن الموقف هنا يختلف. كما أود أن أسأل عن النية حيث إني عادة أرفض هذا الموقف رجولة وفطرة وعنادا، خاصة أني منذ الصغر أعاني من محاولة فرض القبول بولاية المرأة والاختلاط ومنافسة الإناث ومحاولة تطبيع هذا الأمر مما جعل عندي حساسية من الإناث، وظللت فترة طويلة كارها ومتحسسا من النساء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يقوم الرجال بتطبيب الرجال، والنساء بتطبيب النساء، ما لم يكن هناك حاجة تدعو إلى خلاف ذلك، وانظر الفتوى رقم: 8972.
وأمّا عن سؤالك فلا حرج عليك فيما فعلته ما دمت قد سألت عن وجود ممرض ولم تجد ولم تحدث خلوة، ولا سيما إذا كانت الممرضة تلبس القفازين.
وكونك ترفض مثل هذه الأمور بدافع الفطرة والرجولة فهو أمر محمود، لكن ينبغي ألّا يحملك بغضك لدعوات أهل الباطل على الغلو في شأن النساء، وإنما الواجب أن تلزم حدود الشرع وآدابه، وأن يكون قصدك من أفعالك مرضاة الله عز وجلّ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/90)
لا ينتفع المتخلص من الفوائد الربوية منها لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقوم بعمل رسالة ماجستير في معهد أبحاث، وأعمل كل شغلي العملي والنظري في نفس المعهد، ولكن لإجراءات روتينية وشكلية يجب إضافة اسم دكتور من الجامعة مع الدكتور الذي في المعهد ورغم عدم استفادتي من الجامعة في أي شيء إلا انهم يطلبون مني دفع مصاريف في الجامعة رغم عدم استخدامي لمعملهم أو أي شيء تابع للجامعة، ومعظم هذه المصاريف هي تبرعات. فهل يمكن لي أن أدفع تلك المصاريف من أرباح البنوك التي أعتبرها محرمة ولا أستخدمها في بيتي بل أصرفها في منفعة عامة؟ فهل يجوز شرعا وضعها في تلك المصاريف التي معظمها تبرعات ولا استفاد من الجامعة في شيء مطلقا سوى توقيع الدكتور التابع للجامعة فقط وهو إجراء روتيني شكلي فقط؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحرمة الفوائد الربوية ووجوب التخلص منها في وجوه الخير والمصالح العامة صحيح كما يعتبره السائل الكريم، توقيا للمال الحرام وتخلصا منه، ومن كان عنده شيء من هذه الفوائد الربوية وجب عليه أن يتخلص منه بحيث لا ينتفع به هو بجلب مصلحة له أو دفع مضرة عنه، ومن ذلك أنواع الضرائب والمكوس والرسوم الإجبارية، فلا يجوز له أن يدفعها من هذه الفوائد. وينبغي أن تكون النية عند إخراجها هي التخلص من المال الحرام لا الصدقة، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. ولذلك سبق أن نبهنا على أن دفع الضرائب والرسوم والغرامات ونحو ذلك من هذه الفوائد أمر يعود بالنفع على الدافع في الحقيقة، إذ به تكون حماية ماله فلا يجوز له ذلك، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1983، 9879، 53825.
وعلى ذلك فإذا لزم السائل الكريم تسديد رسوم للجامعة المذكورة، فلا يجوز له دفعها من الفوائد الربوية، حتى ولو كانت قد فرضت عليه ظلما دون وجه حق، ولكن الحكم قد يختلف بما ذكره السائل من أن (معظم هذه المصاريف تبرعات) فإن المال المطلوب دفعه إذا كان عبارة عن تبرع من الدافع، فيمكن أن يحكم له بأنه من جملة المصالح العامة التي تصرف فيها الأموال الربوية، وراجع الفتوى رقم: 15443.
ولكن الظاهر من السؤال أن السائل الكريم ملزم بالدفع، وهذا ينافي معنى التبرع، فإن كان واقع الحال هو الإلزام رجع الكلام إلى ما سبق من حرمة الانتفاع بأموال الربا للشخص نفسه، لأنه بذلك في الحقيقة إنما يحمى ماله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/91)
سبب قلة مرويات أبي بكر الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كانت مرويات أبي بكر الصديق رضي الله عنه قليلة جدا، بالرغم من ملازمته الطويلة للرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ذلك راجع إلى قصر المدة التي عاشها بعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم وانشغاله في تلك الحقبة القصيرة بتدبير الخلافة. ولعل ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم طول حياته من أسباب قلة روايته لوجود النبي صلى الله عليه وسلم معه.
والمكثرون من الحديث عاشوا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طويلا كما سبق بيانه في الفتوى: 62856. فكان طلبة العلم والمستفتون يجتمعون بهم وربما يرحلون إليهم من مختلف الأقطار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/92)
طلقها زوجها ثم مات فهل تعتد للوفاة وترثه
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قال لها زوجها أنت طالق ثم توفي بعد يومين. فهل يكون لها نصيب في الميراث أم يكون قد وقع الطلاق وليس لها شيء يعنى حكمها مطلقة أم أنها أرملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الطلاق رجعيا والزوجة وما زالت في العدة فإنها ترث من مطلقها الذي مات وتعتد منه عدة الوفاة.
قال ابن عاصم المالكي في التحفة: وحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّهْ فِي عِدَّةٍ كَحَالَةٍ الزَّوْجَيَّهْ
قال شراحه: والمعنى أن حال الرجعية وقت عدتها كحال الزوجة التي في العصمة في وجوب النفقة لها وجواز إرداف الطلاق عليها ولزوم الظهار والإيلاء منها، وثبوت الميراث، وانتقالها لعدة الوفاة في موته عنها وغير ذلك من الأحكام إلا في الاستمتاع بها. انتهى.
أما إذا كان الطلاق بائنا أي كانت الطلقة المذكورة هي الثالثة فإنها لا ترث ولاتعتد عدة الوفاة، وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى: 115172. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/93)
لا حرج على المحرم في أكل الزيت والدهن
[السُّؤَالُ]
ـ[المحرم ممنوع من استعمال الدهن هل إذا أكل طعاما فيه دهن ويديه أصابها الدهن هل عليه شىء أى أن المحرم لا يحل له أن يأكل طعاما به دهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحرم ليس ممنوعا من أكل طعام فيه دهن كزيت وشحم ونحوه.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته.. اهـ
والادهان الذي يمنع منه المحرم هو استعمال دهن مطيب – أي فيه طيب – وأما ما لا طيب فيه فيجوز استعماله على خلاف بين الفقهاء في ذلك، وانظر الفتويين: 52420 , 43631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/94)
زوج ابنه ووهبه شقة ثم مات تاركا بنتا وزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء قسم الميراث على الورثة التالي ذكرهم: زوجة، وولد، وبنت.
توفى والدي وترك ابنا وبنتا وزوجة وتركة تقدر: 46 ألف جنيه، و16 قيراطا، وكانت كل تصرفاته وأرضه وكل أسراره في يد أخيه الأكبر، وقبل الوفاة بقليل باع 16 قيراطا من أجل أخي لشراء شقة وتجهيز لوازم الزواج، وقال لأخيه بعد زواج أخي بع 8 قراريط عبارة عن نصيبي وتم تأجيل البيع، لأن المشتري لم تكن معه سيولة كافية إلى ما بعد فرح أخي، وأنا لم تكن عندي نية لبيعها وفكرت في أن أتركها أرضا فذلك أفضل من بيعها، ثم توفى والدي قبل بيع القراريط المخصصة لي وكان جزء من ثمن الأرض التي بيعت لم يدفعه الشاري وهو 26 ألفا، ومبلغ آخرفي دفتر التوفير بقيمة 20 ألفا، وبعد الوفاة قال عمي: إن أخاه كان يريد أن يبيع نصيبي، ولكن بعد زواج أخي وعند وجود مشتر جاهز لشراء 8 قراريط، والباقي هو التركة فقط:8 قيراط +20 ألفا بعد خصم 8 قراريط لي وباقي ثمن الأرض لأخي والباقي يوزع بيني وبين أخي وأمي، ولكن بعد إعلان التركة وحصاد الأرض من المحصول في شهر 12 القادم.
ثم توفي عمى في شهر رمضان الماضي بعد أن أبلغ أمي وأخي بذلك ولم يعترضا ـ لا أمي ولا أخي ـ وقالت أمي الذي يمليه عليك ضميرك وتراه صحيحا افعله، وبعد وفاة عمى رجع أخي عن كلامه وقال عمى مات وليست لي دعوة بما قال ولن تأخذي ما قاله عمك ولا والدك.
وقد سألت دار الإفتاء قبل وفاة عمى، وردت علي بأن كل ما ترك تركة، وعلى المدعي الإثبات، وكان إثباتى الوحيد هو عمي وما قاله لي ولأمي ولأخي ووافقنا عليه وبعد وفاته أنكر أخي كل شيء، ولكنني مصممة على أخذ حقي بعد أن سألت دار الإفتاء وقالت بأن علي الإثبات وسأثبت بأن هذا حقي، علما بأن أمي شاهدة على ذلك وزوجة عمى الآخر ويوجد شهود بذلك ويوجد من سمع ما قاله عمي من أولاده قبل وفاته، وأخيرا فما الحكم في هذا الموضوع؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا مات والدك قبل أن تباع الأرض التي أمر ببيعها ويكون ثمنها لك، فإن تلك الأرض تدخل في التركة ولا تكون لك حتى وإن أوصى بذلك بعد مماته وأشهد على وصيته أهل الأرض جميعا, وكون والدك باع أرضا لتجهيز زواج ابنه لا يوجب عليه أن يعطيك ما يقابل ذلك, والأب إذا زوج بعض أبنائه، فإنه لا يلزمه شرعا أن يعطي الآخرين ما يقابل ذلك، لأن هذه نفقة لحاجة فلا يلزم فيها العدل بين الأولاد، كما فصلناه في الفتوى رقم: 124867.
ولكن يبقى النظر في شراء شقة لابنه، لأن هذه هبة قد تكون فوق الحاجة وليست نفقة لحاجة وعلى فرض كونها فوق الحاجة، فإنها تدخل في الهبة الجائرة، كما بيناه في الفتوى رقم: 114813 , وفي هذه الحال يخصم من نصيب الابن من التركة ما يقابل ثمن الشقة التي اشتراها له والده.
ووجوب العدل بين الأبناء في العطية محل خلاف بين العلماء، كما أن لزوم رد الابن لما وهبه له والده ـ إن لم يعدل الوالد ـ محل خلاف أيضا، وإذا كان كذلك فعند الخصومة يرفع الأمر إلى المحكمة الشرعية إن وجدت.
ومن توفي عن زوجة وابنة وابن، فإن لزوجته الثمن والباقي بين الابن والبنت ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين, فتقسم التركة على أربعة وعشرين سهما, للزوجة ثمنها ـ ثلاثة أسهم ـ وللابن أربعة عشر سهما وللبنت سبعة أسهم.
ثم إننا ننبه السائلة إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/95)
حكم النسبة إلى الله تعالى بلفظ اللاوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما التحليل الشرعي واللغوي لاستخدام لفظة "اللاوي" نسبة إلى الله عز وجل، حيث يتم استخدام هذا اللفظ في بعض المناطق للدلالة مثلا عن أي شيء عالي أو مرتفع كأن يقال أسعار هذا المحل "اللاوية" للدلالة على ارتفاع السعر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسبة الشيء إلى الله يقال فيها: إلهي، فلفظ الجلالة (الله) علم على الإله المعبود بحق أصله إله دخلت عليه ال ثم حذفت همزته وأدغم اللامان. كما في لسان العرب لابن منظور، والمعجم الوسيط، وغيرهما من معاجم اللغة.
وأما النسبة إلى الله بلفظ (اللاوي) كما ذكر في السؤال فلا أصل لها في اللغة، وإذا كان الأمر كذلك فالظاهر -والله أعلم- أنه لا يصح شرعاً أن ينسب شيء إلى الله على صورة النسبة المذكورة في السؤال، لأن تسمية الله بما لم يسم به نفسه أو يسمه به رسوله صلى الله عليه وسلم هي من القول على الله بلا علم، ومن التحريف لاسم الجلالة سبحانه وهذا من الإلحاد في أسماء الله وصفاته، وقد نهى الله عن ذلك فقال: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. {الأعراف:180} .
قال البغوي في تفسيره: هم المشركون عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه، فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا، فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان هذا قول ابن عباس ومجاهد.. وقيل: هو تسميتهم الأصنام آلهة، وروي عن ابن عباس: يلحدون في أسمائه أي يكذبون، وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله: تسميته بما لم يسم به، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف فإنه يسمى جواداً ولا يسمى سخياً، وإن كان في معنى الجواد ويسمى رحيماً ولا يسمى رفيقاً، ويسمى عالماً ولا يسمى عاقلاً. انتهى.
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10300، 23893، 25564، 94098.
وعلى المسلم أن يهتم بكلامه فيسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية فما كان غالياً في الثمن سماه باسمه دون أن يتكلف ما لا علم له به، لا سيما إن تعلق بلفظ الجلالة سبحانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/96)
حكم ولادة المرأة على يد طبيب ذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال آخر: ما حكم ولادة المرأة لدى طبيب ذكر رغم وجود طبيبات توليد نساء، مع العلم أن الطبيبات النساء لم يكن بنفس كفاءة الرجال فأنا أعمل بمستشفى وأعرف إمكانيات كل طبيب جيداً ولكني فى حيرة بين الشرعية والكفاءة. الرجاء الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة لولادة المرأة على يد طبيب ذكر، فهذا لا يجوز إلا في حال الضرورة المبيحة للمحظور، كأن تستدعي حالة المرأة وجود طبيب، ولا يوجد إلا طبيب ذكر أو وجدت طبيبة ليس عندها كفاءة لمثل حالة المرأة فيخشى منها الإضرار بها، كما تقدم بيان ذلك في الفتويين: 13756، 47114.
فإنه لا يخفى أن ولادة النساء تختلف يسراً وعسراً، وسلامة وخطراً، فلا بد من تقدير الأمر حق قدره، فلا ينتقل عن أصل الحرمة إلا في الضرورة المعتبرة، وهكذا الحكم عموماً في كشف الطبيب الذكر على المرأة وقد سبقت بعض الفتاوى في حكم كشف الطبيب على المرأة، وبيان حد الضرورة المبيحة لذلك، فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 20549، 23240، 8107، 19439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/97)
مات عن زوجة وأربعة أبناء وبنت
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
- للميت ورثة من الرجال: (ابن) العدد 4
- للميت ورثة من النساء: (بنت) العدد 1- (زوجة) العدد 1؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ورثة الميت المذكور محصورين في من ذكر فإن تركته تقسم على النحو الآتي:
لزوجته ثمن التركة فرضاً لقول الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم. {النساء:12} ، وما بقي بعد فرض الزوجة يقسم على الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ. {النساء:11} .
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/98)
هل يحجب ما يشكل فهمه من النصوص النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حجب بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة أنها لا تناسب هذا الوقت، أو هذا العصر مثل حديث: حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحه فلحستها ما أدت حقه، وفى رواية عند البزار أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه، وعند أحمد في رواية....
قال هذا الكلام بعض الأئمة غير المعينين من الأوقاف، وزادوا على ذلك أحاديث أخرى مثل حديث الذبابة، وحديث إرضاع الكبير، وغيره من الأحاديث. بحجة أن هذا الكلام لا يناسب العصر، والوقت الذي نعيش فيه الآن، وأن بعض الأحاديث بها ألفاظ لا تناسب هذا الزمان مثل لحس الصديد والدم.
إذا كان هذا الكلام صحيحا أليس من الأفضل أن نعرف أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وشرحها حتى لا نحارب من المستشرقين واليهود والنصارى الذين يشككون في ديننا، وفي هذه الأحاديث وحتى لايهتز المسلم الضعيف الذي ليس لديه علم.
وإن كنت أرى أن يقوم الأئمة الثقات بشرح تلك الأحاديث للعامة من المسلمين وتوعيتهم أفضل من حجب حديث بسبب أي حجة أو أي سبب آخر أفادكم الله وبارك فيكم أفتونا نرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأصل هو تبليغ العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونشره في الناس وعدم كتمانه.
قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {آل عمران: 187}
ولا يصح أن يوصف شيء ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يناسب العصر، وإلا فالقرآن نفسه قد يوصف بعض أحكامه بالصفة نفسها، فالثابت في السنة كالقرآن من حيث تبليغه ونشره والعمل به، فعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أبو داود وأحمد والدارمي، وصححه الألباني.
وأما ما يشكل فهمه من النصوص الشرعية فهو محل اجتهاد من أهل العلم، متى يحدثون به، ومن يحدثون، وكيف يحدثون ... وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا. وأسند تحته قول علي بن أبي طالب: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. قال ابن حجر: زاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم.. في آخره: "ودعوا ما ينكرون" أي: يشتبه عليهم فهمه.. وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. انتهى.
وأسند فيه أيضا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة. قال: ألا أبشر الناس؟ قال: لا؛ إني أخاف أن يتكلوا.
ومن ذلك أيضا ما رواه مسلم عن ابن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 7453، أن العالم قد يمتنع عن الحديث في أمر من الأمور لما قد يسببه ذلك من فتنة وشر فيما يرى، أو لأنه قد لا يبلغ فهم السائل إدراك ما يقال على وجه صحيح. كما سبق لنا في الفتوى رقم: 24086، الرد على من زعم أن أحكام الشريعة لا تناسب هذا العصر.
وراجع بخصوص الأحاديث المذكورة في السؤال الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 67037، 6776، 105629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/99)
هل عقوبة شرب المخدرات تعزير أم حد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كانت عقوبة المخدرات تعزيرية ولم تكن كشرب الخمر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أمرين:
الأول: أن المخدرات لم تكن في العصر النبوي ولا ما بعده من عصور الأئمة المتبَعين، وإنما عرفت في بلاد الإسلام في أواخر القرن السادس الهجري.
الثاني: أن هناك فرقا بين المسكر وبين المرقد والمفتر والمفسد.
قال الحطاب: فائدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد.
فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح.
والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح، كعسل البلادر. والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالسكَران. انتهى.
وقال القرافي في الفروق: المتناول لما يغيب العقل، إما أن يغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم تغب معه الحواس، فإما أن تحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له فهو المسكر، وإما أن لا يحدث معه ذلك فهو المفسد. فالمرقد ما يغيب العقل والحواس. والمفسد: ما يغيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح. انتهى.
وقد اختلف أهل العلم في المخدرات، من أي الأنواع الثلاثة هي، وبالتالي هل يجب فيها حد الخمر؟ أم يجب فيها التعزير؟.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى عن الحشيشة: أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتر. ومن الناس من يقول: إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك، بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر. انتهى.
وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية هو الراجح ـ إن شاء الله.
وقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، بحثا بعنوان: نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات، نشر في مجلة البحوث الإسلامية ومن مسائله: مسألة الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر. ومسألة علاقات المخدرات بالخمر.
ومما جاء فيه: الصلة بين المخدرات وبين الخمر قوية، إذ لا أقل من أنها تحقق قيام الوصف المقتضي للتحريم بها قياسا واضحا جليا، ولهذا حكم ابن تيمية وغيره بأن للحشيش من المخدرات أحكام المسكرات الأساسية المتخذة من عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وهذه الأحكام ثلاثة: التحريم، والنجاسة، والحد على متعاطيها، وذلك، لأنه عندهم مسكر كالخمر، ومن تتمة النظر في هذا أن نضيف أن بعض الفقهاء لم يكتف في بعض هذه المخدرات باعتباره مسكرا، بل سماه خمرا، منهم شيخ الإسلام الفقيه المحقق الإمام أحمد ابن تيمية ـ وكانت فيه غيرة دينية عجيبة وسعة أفق ـ كما سترى في رأيه الفقهي مع أراء الفقهاء من مختلف المذاهب، وكذلك الحافظ الذهبي.
كما جاء في كتاب الزواجر: والفقه الحنبلي هو أقوم ما عرفناه كتابة في هذا الموضوع، وبيان الحكم الشرعي فيه بقوة وخصوبة واستيعاب الأدلة، يتمثل ذلك في كتابة شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان في نقول بعض الشافعية نقل عن الغزالي يفيد وجوب التعزير دون الحد على آكل الحشيشة انتهى.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 17651، 120228.
وبهذا يتبين أن الراجح في عقوبة تعاطي المخدرات أنها كعقوبة شارب الخمر، وإن كان قول الأكثر أنها ليست كالخمر، فلأنها عندهم ليست مسكرة، بل مرقدة أو مفترة أو مفسدة.
وقد سبق لنا بيان الفرق بين الحد والتعزير، في الفتوى رقم: 95693 وبيان هل عقوبة شرب الخمر تعد من باب الحد؟ أم التعزير؟ في الفتوى رقم: 113912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/100)
حكم العلاقة بين الرجل والأجنبية بداعي الأخوة والاستشارة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل طبيبا، وتعرف على ممرضة صرحت له أنها تحبه، لكن هو لم يقبل ذلك واعتبرها أخته وهي أصبحت تعتبره كذلك، هي تركت العمل في المستشفي وسافرت وأصبحا على اتصال تستشيره في أمورها ومشاكلها، وعندما علمت تضايقت فأنهى زوجي هذه العلاقة، وعندما علمت هي بكت بكاء شديد وقالت إنه لم تكن تريد شيئاً سوى أخ لأنها هي يتيمة ومسؤولة عن إخوتها وليس لها أحد تستشيره في أمور حياتها أنا شعرت بالذنب وطلبت منه أن يتزوجها. فهل أنا مذنبة؟ وهل هذه العلاقة صحيحة وما رأي الإسلام في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأ زوجك بإقامة علاقة مع تلك الممرضة، فلا يقر الشرع علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه تحت مسوغ الزمالة أو الإخوة أو نحو ذلك، لما يجره ذلك من الفتن وينطوي عليه من المفاسد والشرور. وإذا أرادت المرأة أن تستشير أحداً في أمورها فالأولى أن يكون ذلك مع امرأة عاقلة أو رجل من محارمها، فإن احتاجت للحديث مع رجل أجنبي فليكن مع التزام الآداب الشرعية من عدم تليين الصوت والخلوة ونحوه من الأسباب الداعية للفتنة، ومن ثمن فينبغي أن تنصحي زوجك بقطع علاقته بتلك الممرضة ولا بأس بحديثه معها وفق الضوابط السابقة، ولا إثم عليك في طلبك من زوجك قطع تلك العلاقة، أما طلبك منه أن يتزوجها فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/101)
هل يجوز لصاحب المال والعامل أن يتقاضى راتبا مع الربح
[السُّؤَالُ]
ـ[أسسنا شركة تجارية أنا وصديق لي، أنا أساهم برأس المال وصديقي عليه بالعمل ثم نقتسم في آخر العام الفائدة مع العلم أنه يتقاضى راتبا شهريا من نفس الشركة.
والسؤال: هل يحق لي أن أتقاضى راتبا شهريا مثله من شركتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز لصاحب المال ولا للعامل أن يتقاضى راتبا شهريا مع حصته من الربح.
قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة, أو جعل مع نصيبه دراهم, مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم, بطلت الشركة، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي, والجواب فيما لو قال: لك نصف الربح إلا عشرة دراهم, أو نصف الربح وعشرة دراهم, كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة. وإنما لم يصح ذلك لمعنيين; أحدهما: أنه إذا شرط دراهم معلومة, احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح, واحتمل أن لا يربحها, فيأخذ من رأس المال جزءا. وقد يربح كثيرا, فيستضر من شرطت له الدراهم. والثاني: أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء, لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء, فسدت, كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به. ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح; لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره, بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح. انتهى.
وبخصوص صديقك فالأصل أنه لا يجوز له تقاضي راتب شهري إضافة إلى نسبة الربح المتفق عليها؛ لأن نسبة الربح في مقابل عمله، فأما إن قام بأعمال لا يلزمه القيام بها عادة فننظر هل قام به على وجه التبرع أم طلبا للأجرة؟ فإن فعله تبرعا لم يملك أن يطالب بالأجرة، أما إن فعله ليأخذ عليه أجرا، ففي ذلك خلاف بين العلماء.
قال ابن قدامة في المغني: وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب بنفسه; من نشر الثوب, وطيه, وعرضه على المشتري, ومساومته, وعقد البيع معه, وأخذ الثمن, وانتقاده, وشد الكيس, وختمه, وإحرازه في الصندوق, ونحو ذلك، ولا أجر له عليه; لأنه مستحق للربح في مقابلته. فإن استأجر من يفعل ذلك, فالأجر عليه خاصة; لأن العمل عليه. فأما ما لا يليه العامل في العادة; مثل النداء على المتاع, ونقله إلى الخان, فليس على العامل عمله, وله أن يكتري من يعمله. نص عليه أحمد؛ لأن العمل في المضاربة غير مشروط, لمشقة اشتراطه, فرجع فيه إلى العرف. فإن فعل العامل ما لا يلزمه فعله متبرعا, فلا أجر له. وإن فعله ليأخذ عليه أجرا, فلا شيء له أيضا, في المنصوص عن أحمد. وخرج أصحابنا وجها: إن له الأجر, بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه, هل له أجر لذلك؟ على روايتين. وهذا مثله. والصحيح أنه لا شيء له في الموضعين; لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شيء, فلم يستحق شيئا, كالأجنبي. انتهى.
وبهذا يتيين لك أن اشتراطك راتبا شهريا معلوما زائدا على حصتك من الربح لا يجوز، كما لا يجوز ذلك للعامل أيضا، ولمعرفة كيفية تصحيح المعاملة راجع الفتوى رقم: 58979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/102)
هل يتزوج من أسلمت على يديه أم خطيبته المسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مقيم في أوروبا تعرفت على امرأة أوروبية ودعوتها إلى الإسلام، وبالفعل أسلمت هذه المرأة الأوروبية وطلبت مني أن أتزوجها، لأنها تريد أن تعيش مسلمة وتريد بناء أسرة مسلمة، وأنها استشعرت مني الإيمان والتقوي، وأنا قد خطبت فتاة من مصر قبل سفري إلي أوربا ولا أدري ماذا أفعل؟ هل أتزوج هذه المرأة الأوربية وأترك خطيبتي؟ أو أترك هذه المرأة الأوروبية لتعود لما كانت عليه من كفر، وخاصة أنها استغاثت بي أن لا أتركها، لأنها تريد أن تعيش في جو الإسلام وتعلمُ الدين الإسلامي، وتريد ارتداء الحجاب وتصبح زوجة مسلمة لي؟ أو أعلم خطيبتي بما حدث ولها أن تقرر، في انتظار رد سيادتكم.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك ـ أولاً ـ إلى أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا في حالات معينة وبضوابط مبينة في الفتوى رقم: 2007.
ولا شك أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال، لكن ننبه إلى أن التعارف بين الرجال والنساء الأجانب باب فتنة وذريعة فساد، فالواجب على المسلم التزام حدود الشرع واجتناب مواطن الفتن.
أما عن زواجك من هذه المرأة التي أسلمت فلا مانع منه، لكن الذي ننصحك به ـ إذا كانت خطيبتك ذات دين ـ أن لا تفرط فيها ولا تفسخ خطبتها، لما في ذلك من إخلاف الوعد، وما قد يترتب عليه من إضرار بها، وما تخشاه على تلك المرأة الأوروبية إذا لم تتزوجها يمكن تداركه بتعريفها بالمراكز الإسلامية أو الاستعانة ببعض المسلمات الصالحات في بلدها، كما يمكنك أن تلتمس لها مسلماً صالحاً يتزوجها، ونوصيك بالاستخارة قبل أن تقدم على أمر من الأمور. وراجع في كيفية الاستخارة الفتوى رقم: 103976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/103)
زوجته تقيم مع طفلهما في أوروبا وتقيم علاقة مع رجال أجانب عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعدما استحال استمرار الحياة الزوجية، طلبت من زوجتي أن نفترق بالحسنى، وأن يأخذ كل ذي حق حقه، المشكلة بيننا الآن هو أنها تعيش بعيدة عني في بلد أوروبي، ومعها ابني البالغ من العمر عامين وأربعة أشهر، ولا أستطيع أن أكون هناك رفقة ابني إلا أن تمضي معي زوجتي بعض الوثائق الإدارية لكنها ترفض ذلك، وهو الشيء الذي دفعني إلى الامتناع عن تطليقها إلى أن أضمن كامل حقوقي في ابني وأطمئن على مصير ابني، فما حكم الشرع في موقفي هذا وفي موقفها الساعي إلى حرمان الأب من ابنه والابن من أبيه، وهي الآن تتصرف تماما كمطلقة تمت عدتها رغم أني لم أطلقها، فبعدما نهيتها عن الاتصال برجال أجانب عنها كانت على صلة بهم قبل زواجي بها أصبحت الآن تتصل بهم، بل وتذهب إلى بيوتهم وتركب معهم في سياراتهم وأكثر من ذلك تعزمهم في بيتها، وهي تقوم بهذه التصرفات مكراً بي لكي أطلقها، فما حكم الشرع في سلوكها هذا وما نصيحتكم لها؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإقامة في بلاد الكفار خطر على دين المسلم وخلقه، فلا تباح إلا في حالات معينة، وبضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 23168، والفتوى رقم: 2007.
وما تقوم به زوجتك من الاتصال بالرجال الأجانب ودعوتهم لبيتها والذهاب معهم لبيوتهم كل ذلك منكر ظاهر وسلوك منحرف يدل على رقة الدين وفساد الخلق، ونصيحتنا لهذه الزوجة أن تتقي الله ولا تتعدى حدوده، وعليها أن ترجع لزوجها وتعاشره بالمعروف.
وعليك بنصحها وتخويفها بالله، فإن لم ترجع عما هي فيه فالأولى أن تطلقها، وفي حال الطلاق لا حق لها في حضانة ولدك لإقامتها في غير بلدك على ما ذهب إليه كثير من العلماء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 123083، والفتوى رقم: 67319.
كما أنه ليس من مصلحة الولد نشأته في بلاد الكفار مع أم لا تقيم حدود الله، وإذا لم تتمكن من ضم الولد لك إلا بالامتناع عن طلاقها حتى تتنازل لك عن حضانته فلا حرج عليك في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/104)
الآيات المكية والمدنية في سورة الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[سورة الحج هل فعلا أنها مكية إلا ثلاث آيات وإذا كان كذلك فما هي هذه الآيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سورة الحج اختلف فيها هل هي مكية أو مدنية، والجمهور على مكيتها وأن فيها آيات مدنية واختلف في تعيين وعدد هذه الآيات.
فقال الداني في كتابه البيان في عد آي القرآن: سورة الحج مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة في الذين تبارزوا يوم بدر وهم ثلاثة مؤمنون علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وهن قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى قوله تعالى وهدوا إلى صراط الحميد. هذا قول ابن عباس وعطاء بن يسار إلا أن ابن عباس لم يذكر إلى أين ينتهين وذكره عطاء، وقيل عن ابن عباس إنهن ينتهين إلى قوله تعالى: الحريق فكأنه عد الحميم ووالجلود ولم يعدهما عطاء.
وقال مجاهد: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة هذان خصمان تمام ثلاث آيات ولم يذكر منتهاهن، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس، وقال قتادة الحج مدنية إلا أربع آيات منها نزلت بمكة وهن قوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلى قوله تعالى عذاب يوم عقيم. انتهى.
وقال الشيخ مرعي الكرمي في كتابه قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ في القرآن: سورة الحج مكية غير آيتين وهما قوله تعالى: ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية، والتي بعدها نزلتا بالمدينة وقيل السورة مدنية غير أربع آيات وهي قوله تعالى: وما أرسلنا قبلك من رسول إلى تمام أربع آيات نزلت بمكة.
وقال عطاء بن يسار: مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى: هذان خصمان إلى ثلاث آيات أو إلا ست آيات وهي من قوله تعالى: هذان خصمان إلى ست آيات وهذه السورة من أعاجيب القرآن فيها مكي وهي رأس الثلاثين إلى آخرها ومدني وهي من رأس خمس وعشرين إلى رأس ثلاثين.انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/105)
الصدقة الجارية أفضل من الصدقة المنقطعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أوصاني والدي قبل وفاته إنه إذا توفي أن أتصدق بنحر عدد اثنين من الإبل وتوزيعها على الفقراء، فهل هذا جائز؟ وهل من الممكن التصدق بقيمة الجملين لإحدى المدارس أو المساجد لتكون صدقة جارية بدلاً من شراء الجملين ونحرهما، أو إذا كان هناك طريقة أخرى للصدقة على والدي تكون أفيد له في مماته، علما بأن المال الذي سيتم به شراء الجملين أو التصدق بالقيمة هو من مالي الخاص وليس من مال والدي؟ بارك الله فيكم وجزاكم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لوالدكم ولجميع موتى المسلمين، ولتعلم أن من تمام بر الوالدين إنفاذ وصيتهما بعد موتهما، فقد روى الإمام أحمد في المسند وابن ماجه في سننه وغيرهما عن أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله أبقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما. والحديث تكلم بعض أهل العلم في سنده، وإذا كانت الوصية في غير مال والدك الخاص، فالأفضل تنفيذها إن استطعت ولكن ذلك ليس بواجب عليك.
وما دمت تريد تنفيذ الوصية من مالك الخاص، فإن الأمر يعود إليك، فإن شئت جعلته في صدقة جارية في بناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى ... أو توفير ماء لمن يحتاجونه، ولك أن توزع القيمة على الفقراء والمساكين فكل ذلك من الصدقة التي ينتفع بها الميت ويصله ثوابها، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 9998.
ولكن الصدقة الجارية أفضل من الصدقة المنقطعة؛ كما جاء في حديث أنس مرفوعاً: سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره: من علم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته. رواه البزار. نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/106)
حكم تهنئة الكافر بقدوم مولود له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تهنئة الكافر بمناسبة إنجاب مولود؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجوز تهنئة الكافر إذا ولد له مولود، وإنما ينهى عن تهنئتهم بما كان مختصا بدينهم وشعارا من شعائره كالأعياد ونحوها.
وعلى المسلم إذا هنأ الكافر بقدوم مولود أن يحذر العبارات التي تدل على إكرامه أوالرضا بدينه، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه أحكام أهل الذمة: فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك: وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه، أو يقول له أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل: أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم. هـ.
وقد نقل ابن القيم قبل ذلك في الفصل المتعلق بعيادتهم عن المروذي قال المروذي: بلغني أن أبا عبد الله سئل عن رجل له قرابة: نصراني يعوده؟ قال نعم.
وعن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل له قرابة نصراني يعوده؟ قال نعم، قيل له نصراني، قال: أرجو أن لا تضيق العيادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/107)
حكم لبس الرجل سروالا قصيرا من الحرير الصناعي
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بتفصيل (شورت) من قماش ملون ناعم من الحرير الصناعي بتفصيل على النمط الرجالي من أجل لبسه داخل غرفة النوم. فهل في هذا حرام أو شبهة؟ أفيدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 7829، أن الحرير الصناعي لا يأخذ حكم الحرير الطبيعي؛ ولذلك فلا حرج إن شاء الله تعالى في لبسه داخل البيت أو خارجه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 36376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/108)
حكم شراء منتج من شخص شرط عليه ألا يبيعه لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أبحث في الإنترنت عن برنامج يساعدني في عملي الخاص (في المنزل) ، وعندها وجدت من يبيع المنتج ومنتجات أخرى معه بسعر زهيد جدا 90 دولارا علما بأن سعر هذا المنتج مع المنتجات الأخرى من الشركة الأصلية يساوي تقريبا 2500 دولارا، وعند سؤالي للبائع عن سبب هذا السعر المنخفض أخبرني أن هذا بسبب عدم حصولي على أقراص، وإنما علي أن أحمل هذا المنتج من الإنترنت مباشرة بخلاف ما تقدمه الشركة الأصلية من أقراص تحوي هذه البرامج، فاستعنت بالله واستخرت واشتريته، وبعد ذلك بعدة أيام اخبرني البائع بأنه قد أوقف الاتفاق بينه وبين الشركة الأصلية، والسبب حسب اعتقاده هو أنه زودهم ببيانات وهمية أثناء التسجيل (وهذا التسجيل يخول المسجل بالحصول على هذه البرامج بشروط عدم إعادة بيعها أو توزيعها) وهو قد باعها علي. والآن بعد علمي بمصدر هذه البرامج وسبب رخصها ما هو رأي الشرع؟ أفتوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان البائع قد اشترى النسخة الأصلية، واشترط عليه البائع أن لا يبيعها أو أن ينزلها في جهاز غير جهازه فالظاهر بطلان هذا الشرط، وأن للمشتري أن يبيعها وأن يستخدمها في جهازه وجهاز غيره.
وعلى هذا فلا حرج عليك في شراء البرنامج المذكور من مالكه، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 118634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/109)
من قال لامرأته علي الطلاق لم أعد أجامعك، وكان طلقها في حال الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني لقد كنت في حالة غضب، فحلفت على زوجتي بالطلاق إن جامعتها فقلت لها كالتالي:
علي الطلاق لم أعد أنام معك (أجامعك) فما حكم قولي لها، وقد كان اليمين بطلب منها، علماً أنني وفي فترة الخطوبة قد طلقتها أول مرة. هل يقع الطلاق؟ وما هي كفارة يميني؟
وإن كان علي ان أكتب كتابي عليها مرة أخرى، هل من الضروري الشهود والشيخ أرجو الجواب علي بأسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب ننبهك أولا إلى أن ما ذكرت أنك فيه من الغضب لا يمنع وقوع الطلاق، لأنك مدرك لتفاصيل صيغة اليمين والظروف التي وقعت فيها.
وقولك [علي الطلاق لم أعد أجامعك] تعليق للطلاق على جماعها، فإن لم تقدم على ذلك فلا شيء عليك، وإن جامعتها وقع الطلاق عند جمهور أهل العلم بمن فيهم المذاهب الأربعة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تلزمك كفارة يمين إذا كنت لم تقصد طلاقا. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 115867.
وفي حال وقوع الطلاق فلك مراجعتها قبل تمام عدتها إذا لم يكن هذا الطلاق مكملا للثلاث. وما تحصل به الرجعة قد تقدم بيانه في الفتوى رقم: 30719.
فإن انقضت عدتها قبل الرجعة فلا بد من تجديد عقد النكاح بأركانه من حضور ولي المرأة أو من ينوب عنه مع شاهدي عدل ومهر وصيغة دالة على عقد النكاح.
وإن كان هذا الطلاق قد سبقته طلقتان فقد حرمت عليك ولا تحل حتى تنكح زوجا غيرك نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقها بعد الدخول
وبخصوص الطلاق الذي ذكرتَ أنك أوقعته زمن الخطوبة، فإن كان قبل العقد الشرعي فلا يقع لأن المرأة أجنبية منك حينئذ. وإن كان بعد عقد النكاح وقبل الدخول بها فهو طلاق بائن ولا تحل إلا بعقد جديد. فإن لم تقم بتجديد العقد، فابتعد الآن عنها فورا فهي أجنبية منك، والمعاشرة بينكما محرمة قبل العقد الشرعي، وطلاقُك الذي علقته على الجماع لا يقع لكونك لا تملك عصمتها حينئذ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2550 والفتوى رقم: 124812.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/110)
الرجعة لا تفتقر إلى رضا الزوجة أو وليها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي طلقني بالثلاث مجموعة وهو غضبان، وعنده القولون العصبي، وهذه أول مرة يطلقني فيها. فترة العدة قضيتها عند أهلي وأنا حامل، أنا كلمت زوجي في فترة العدة واتفقنا على الرجعة بعد ذلك جاء زوجي للوالد على أساس أنه يرجعني، لكن الوالد وضع شروطا: لازم تدفع مبلغا، وتسكن في بيت مستقل، ولازم نروح المحكمة لنسأل الشيخ عن الرجعة.
وزوجي غضب من الوالد ولم يرجع، وأنا حاليا مطلقة لي تقريبا سنة ونصف من تاريخ الطلاق.
هل أنا مازلت في عصمة زوجي لأنه كانب يرجعني في فترة العدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان زوجك قد نطق بالطلاق أثناء الغضب الشديد بحيث كان لا يعي ما يقول فلا شيء عليه لارتفاع التكليف حينئذ، فهو في حكم المجنون كما تقدم في الفتوى رقم: 35727.
وإن كان يعي ما يقول، وقد طلقك ثلاثا في كلمة واحدة، فلا يجوز له أن يراجعك، بل قد حرمتِ عليه ولا تحلين له حتى تنكحي زوجا غيره نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يطلقك بعد الدخول، وهذا هو القول الذي عليه أصحاب المذاهب الأربعة وهو الراجح الذي نفتي به.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومَن وافقه لا تقع إلا طلقة واحدة كما تقدم في الفتوى رقم: 5584.
وبناء على هذا القول الثاني، فله مراجعتك قبل تمام العدة بما تصح به الرجعة وقد تقدم بيانه في الفتوى رقم: 30719.
وإن كان قد راجعك أثناء العدة فأنت باقية في عصمته، فالرجعة حق للزوج لا يشترط فيها رضا الزوجة ولا علم وليها، ولا تحتاج لعوض كصداق أو غيره، وبالتالي فلا يحق لأبيك الامتناع عنها أواشتراط مبلغ لذلك.
قال ابن قدامة في المغني:
وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة، ولا علمها بإجماع أهل العلم. انتهى.
أما المسكن المستقل فهو حق للزوجة بحسب قدرة الزوج، كما تقدم في الفتوى رقم: 110353.
وقد علمت مما ذكرنا أن الطلاق قد لا يكون واقعا أصلا إذا كان غضب الزوج على النحو الذي ذكرنا، وأنه مع خفة الغضب يقع طلقة واحدة عند ابن تيمية ومن معه، وفي هذه الحال إن كان زوجك قد أرجعك إلى عصمته في العدة فأنت لا تزالين زوجة له، ويقع ثلاثا عند الجمهور، وبالتالي ليس له الارتجاع في هذه الحال.
وننصحك برفع الأمر للمحكمة الشرعية في بلدك للنظر في مختلف جوانب المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/111)
هل تبرأ الذمة برد قيمة الذهب المسروق الذي تم بيعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سرقت من أمي ذهبها وبعته قبل الوظيفة، وقد أغواني الشيطان، ثم تبت ورجعت المال إلى أمي عند استلامي للوظيفة دون علمها بأني أنا السارقة، والآن أنا اشتغل موظفة، وبالإضافة إلى هذا عندي حرفة عمل الإكسسوارات أبيعها والمردود المالي من هذه التجارة أضعه في البنك الإسلامي ونويته لأمي لعل الله يغفر لي ما حييت. وسؤالي هو هل أستر على نفسي أمام أمي ولا أصارحها بأني سرقتها، مع العلم أنها تذكر من سرقها بالدعاء عليهم وتعتقد أن خادمتنا القديمة هي من سرقتها، أنا أحب أمي كثيراً ولا أنام إلا أن أقبل يدها وأسمع كلمة الرضا علي منها كل ليلة وأنا بارة بها إلى أبعد الحدود، ولكني أخاف أن أموت وهي غير راضية علي لأنها لا تعلم من سرقها، وأنا أخشى أن أفقدها إذا علمت أنني سرقتها، وأخاف الله فيها، وأتمنى أن يغفر الله لي ويتوب علي، وأنا أعلم أن رضا الله من رضا الوالدين، وأن من مات ووالدته غاضبة عليه دخل النار، فأريد أن أعلم ماذا أفعل؟ فأنا حزينة لا أنام الليل من هذا الموضوع؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن غصب حلياً من الذهب ثم استهلكه فقد وجب عليه أن يرد قيمته، جاء في التاج والإكليل: وفي المدونة: ومن غصب من رجل سوارين من ذهب فاستهلكهما فعليه قيمتهما مصوغين من الدراهم وله أن يأخذه بتلك القيمة. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 95304.
وعليه، فما دمت قد رددت لأمك القيمة فنرجو أن تكون ذمتك قد برئت من هذا الحق، يبقى بعد ذلك التوبة إلى الله جل وعلا واستغفاره ثم المبالغة في بر الأم والإحسان إليها، فلعل هذا يكفر ما كان منك من إساءتها بسرقة ذهبها، ولا يلزمك أن تعلميها بأنك أنت من أخذ هذا الذهب خصوصاً إذا كنت تخافين أن يؤثر هذا على علاقتك بها، أما اتهامها للخادمات فعليك أن تنصحيها بأن هذا لا يجوز طالما أنه لا يوجد دليل على ذلك؛ لأن اتهام البرآء دون بينة إثم عظيم، قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا {الأحزاب:58} ، قال ابن كثير: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا. أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه. فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج. رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني. وردغة الخبال هي عصارة أهل النار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/112)
حكم أخذ عمولة مقابل تأمين العقارات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج وأعمل في شركة وساطة عقارية في قسم المبيعات, حيث إن من يريد شراء وبيع عقار نأخذ منه عمولة مقابل ذلك، ووظيفتي هي: إيجاد عملاء يشترون مشاريع لشركات تطوير عقاري, وآخذ عمولة من شركتي وأحيانا يعرض علي الزبائن عمولة مقابل تأمين عقار لهم.
أفيدوني جزاكم الله خيرا، هل عملي به شبهة الحرام؟ حيث إنني ألتمس المال الحلال في تربية ابني والإنفاق على بيتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يزيدك ورعا وتحريا للحلال، وأن يبارك لك في ذريتك وينبتها نباتا حسنا.
واعلم أن الوساطة العقارية من باب السمسرة، وهي جائزة بشروطها، كما بينا ذلك في الفتويين رقم: 93865 ورقم: 93804.
وإذا كنت تقصد بقولك أن الزبائن يعرضون عليك عمولة مقابل تأمين عقاراتهم، أي أنهم يوكلون إليك القيام بتأمين عقاراتهم لدى شركات التأمين فجواز هذا العمل يتطلب إذنا من الشركة التي تعمل فيها ـ إذا كان هذا يتم أثناء دوامك الرسمي بها ـ كما يتطلب أن تكون الشركة التي تؤمن بها شركة تعاونية تكافلية.
أما شركات التأمين التجاري، فلا يجوز لك التأمين فيها، لأن التأمين فيها قائم على الغرر والميسر، وراجع الفتوى رقم: 10437.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/113)
الوارثون هم الأبناء الخمسة والبنات الست والزوجة فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[، الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية
?-للميت ورثة من الرجال:
(ابن) العدد 5
(ابن ابن) العدد 7
(أخ شقيق) العدد 6
?-للميت ورثة من النساء:
(بنت) العدد 6
(بنت ابن) العدد 4
(زوجة) العدد 1
(أخت شقيقة) العدد 1]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر فإن الذي يرث منهم هم الأبناء الخمسة والبنات الست والزوجة فقط، وأما أبناء الابن وبنات الابن والإخوة والأخت الشقيقة فكلهم محجوبون حجب حرمان بالابن، فيكون للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث كما قال تعالى:.. فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... {النساء: 12}
والباقي بين الأبناء والبنات – تعصيبا – للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... {النساء: 11} فتقسم التركة على مائة وثمانية وعشرين سهما؛ للزوجة ثمنها (ستة عشر سهما) ولكل ابن أربعة عشر سهما، ولكل بنت سبعة أسهم.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/114)
حكم تغطية العميل صفقات البيع بالبورصة مقابل عمولة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر عن شرعية العمل في البورصة بأضعاف الرأسمال الحقيقي، بحيث تتيح لي شركة السمسرة بأن أتعامل بيعا وشراء بأكثر من ضعفي رأس المال المودع، ولكن بشرط أن أصفي هذه المديونية في نهاية اليوم أو اليوم التالي على الأكثر، كل ما تحصل عليه الشركة هي العمولة عن كل عملية بيع أو شراء وهي نسبة من إجمالي العملية، فهل هذه التسهيلات تندرج تحت طائلة قرض جر نفعا؟ أم رهن الأسهم؟ وما الحكم في عمل الوسيط الذي يتحدد راتبه على كمية العمولات الناتجة عن هذه المعاملات بحيث يجب عليه تسهيل الشراء والبيع للعميل بأضعاف المبلغ لتزيد العمولة؟ أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في أكثر من فتوى لنا أن قيام الوسيط بتغطية الصفقة أو ما يسمى بالمارجن إنما هو إقراض من الوسيط للعميل مقابل عمولة يأخذها عن كل عملية بيع، وبينا حرمة هذه المعاملة لأنها حقيقة قرض جر نفعا مشروطا.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 48051، والفتوى رقم: 70757.
وإذا كانت هذه المعاملة محرمة فيحرم على كل الأطراف مباشرتها أو الإعانة عليها. وراجع تفصيلا أكثر في الفتوى رقم: 7770.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/115)
كيف فتحت برقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم المعركة التي انتصر فيها عقبة على الروم فى برقة؟ مع توضيح الاسم وحبذا لو ترسلوا الإجابة فى الحال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على اسم لهذه المعركة، وبرقة لم تفتح عنوة وإنما فتحت صلحاً على يد عمرو بن العاص فبعد أن استقر له فتح مصر سار ليؤمن فتوحه من ناحية الغرب إذ كانت للروم قوات في برقة وطرابلس تتحصن هناك، وربما واتتها الفرصة وساقها الإغراء إلى مهاجمة المسلمين بمصر، فاتجه في قواته إلى برقة سنة 22 هـ وكان الطريق بينها وبين الإسكندرية آنذاك منزعاً بالخضرة والعمران، فلم يلق كيداً في طريقه إليها، فلما وصلها صالحه أهلها على أداء الجزية، وكان أهل برقة بعد فتحها يبعثون بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث.
وجاء في حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة للإمام السيوطي: فسار عمرو بن العاص في الخيل حتى قدم برقة، فصالح أهلها. ولم يكن يدخل برقة يومئذ جابي خراج إنما كانوا يبعثون بالجزية إذا جاء وقتها. ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع، حتى بلغ زويلة، فصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. انظر حياة عمر بن الخطاب للدكتور الصلابي وحسن المحاضرة للإمام السيوطي. وللمزيد عن عقبة بن نافع انظر الفتوى رقم: 19830.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/116)
دراسة الفتاة في الجامعة المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في السنة الأخيرة للمرحلة الثانوية وكنت قد عزمت على دخول كلية الطب لأدرس طب الأسنان- أطفال
فما حكم دخول كلية الطب؟ وما حكم دراسة طب الأسنان تخصص أطفال، علماً بأن كلية الطب عندنا مختلطة، لم أرتد الحجاب الشرعي النقاب بعد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما دراسة علم الطب فأمر حسن جميل لأنه من العلوم النافعة المفيدة.
جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي: قال الشافعي: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه، وعلم الدنيا وهو الطب، وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث. انتهى.
أما عن حكمه الشرعي فهو من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض الذي يحصل به كفاية الأمة سقط الوجوب عن باقي الأمة، وبقي بعد ذلك الإباحة التي تتحول إلى عمل صالح بالنية الصالحة من إعانة المحتاجين وستر عورات المسلمين ونحو ذلك، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 20399.
وأما عن الدراسة في الأماكن المختلطة فالأصل المتقرر شرعاً أنه يجب على المسلم اجتناب أماكن المنكرات بوجه عام ومنها الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء على وجه محرم سواء كانت كانت جامعة أو غيرها، ويستثنى من ذلك من دخل هذه الأماكن بغرض إنكار المنكر، أو كانت له حاجة أو ضرورة لا تحصل إلا في ذلك المكان، ومن المعلوم أن الاختلاط في أكثر الجامعات في بلاد المسلمين اختلاط محرم محظور لما يشتمل عليه من التبرج السافر للنساء وانبساطهن من الرجال بالخضوع بالقول وغير ذلك من المنكرات ولا حول ولا قوة إلا بالله، لذا فالدراسة في هذه الجامعات الأصل فيها الحرمة إلا إذا لم يوجد غيرها فحينئذ يجوز للشخص الدراسة فيها مع التزام الضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 5310.
وعلى ذلك فإن تعينت هذه الجامعة سبيلاً لدراستك ولم تكن هناك جامعة أخرى غير مختلطة فيجوز لك الدراسة فيها بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى المحال عليها آنفاً، وفي النهاية ننبهك على أن النقاب فرض محتم على المرأة كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 4470.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/117)
الردة تكون بالنية والقول والفعل لمن كان عالما قاصدا مختارا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شخص عمل عملا أو قال قولا أو نوى نية تخرج من الإسلام وهو غافل عن ذلك؟ أو يعلم ولكن
لا يستطيع أن يفعل شيئا؟ سؤال من فقرتين فما هو الجواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف الردة عن الإسلام ـ والعياذ بالله ـ قد تكون بالنية أو بالقول أو بالفعل.
قال النووي في منهاج الطالبين: الردة هي قطع الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل، سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا. انتهى.
وقد يأتي الإنسان بشيء مكفر ولكنه متلبس بعارض من عوارض الأهلية كالخطأ والإكراه، فلا يحكم بردته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بد في العقود وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم أو ذاهل، أو قصد كلمة فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط. انتهى.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: قاعدة الشريعة أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارا واعتبارا، وإعمالا وإلغاء، وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول، ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة ووجود الحامل على القول وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الغضب مانعا من تكفير من قال له ولأصحابه: هل أنتم إلا عبيد لأبي. وجعل الله سبحانه الغضب مانعا من إجابة الداعي على نفسه وأهله، وجعل سبحانه الإكراه مانعا من كفر المتكلم بكلمة الكفر، وجعل الخطأ والنسيان مانعا من المؤاخذة بالقول والفعل. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اللفظ هو الصورة التي تحمل مراد المتكلم إلى السامع، فإذا كان صاحب اللفظ جاهلا بمعناه كالأعجمي لم يعد اللفظ صالحا لتأدية هذا المعنى، فيسقط اعتباره. جاء في قواعد الأحكام: إذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو إيمان أو طلاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشيء من ذلك؛ لأنه لم يلتزم مقتضاه ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك؛ لأنه لم يرده، فإن الإرادة لا تتوجه إلا إلى معلوم أو مظنون. انتهى.
ولا ندري على وجه القطع ما هي الغفلة التي يعنيها السائل الكريم، فإن كان يريد معنى الجهل، أي إنه فعل ما فعل جهلا منه بحرمته أو أنه مكفر، فالذي يظهر لنا أن الفعل إذا كان معلوماً لا يخفى على آحاد الناس أنه فعل كفري فمن فعله فإنه يكفر، أما إذا كان أمراً خفياً فلا يكفر من فعله إلا بعد العلم بذلك، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 121629. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 497، 61106.
وإن كان المراد أنه كان هازلاً لا جاداً، فليس هذا بعذر.
قال الزركشي في (المنثور) : من تكلم بكلمة الكفر هازلا ولم يقصد الكفر كفر. انتهى.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: قد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر؛ لكونه لم يُردْه. والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته، بخلاف المستهزئ والهازل فإنه يلزمه الطلاق والكفر، وإن كان هازلا؛ لأنه قاصد للتكلم باللفظ، وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله، أو مأذون له فيه، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود، فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل بل قال: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. وكذلك رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي. انتهى.
وفي (البحر الرائق) لابن نجيم الحنفي عن (الجامع الصغير) : إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر، قال بعض أصحابنا: لا يكفر؛ لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر. وقال بعضهم: يكفر. وهو الصحيح عندي؛ لأنه استخف بدينه. انتهى
قال: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به قاضي خان في فتاواه. ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل انتهى.
ويحتمل إن مراد السائل بالغفلة: السهو أو الذهول ونحو ذلك.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: النسيان والسهو والغفلة والذهول هذه الألفاظ متقاربة في المعنى عند الفقهاء والأصوليين.. وصرح البيجوري بأن السهو مرادف للغفلة. وأما الذهول فمن العلماء من جعله مساويا للغفلة، ومنهم من جعله أعم منها، ومنهم من جعله أخص، وجميع هذه الألفاظ ترجع إلى عيوب في الإرادة لمنافاتها العلم، وما كان منافيا للعلم كان منافيا للإرادة، وصلتها بالخطأ أنها أسباب تؤدي إليه والخطأ ينتج عنها. انتهى.
وهذا ينبغي أن ينظر فيه لحقيقة الحال، فإن آلت إلى معنى الخطأ أو النسيان كما في حديث: اللهم أنت ربي وأنا عبدك. فصاحبه معذور، كما سبق. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إ ن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
ويمكن أن نضرب لذلك مثلا بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم فقال: الرجل لو كان يدعو الله، واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة وهناك صليب هو عنه ذاهل، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتاً جائزاً، ودعا الله في الليل لم يكن بهذا بأس. ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب أو كنيسة، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة لكان هذا من العظائم. انتهى باختصار يسير.
وأما إن آلت حاله إلى معنى الاستخفاف وعدم التبين، فيحمل على قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. وفي رواية: ما يتبين فيها. متفق عليه.
وأما قول السائل: أو يعلم ولكن لا يستطيع أن يفعل شيئا، فإن كان المراد أنه مكره، فهو معذور كما هو معروف، وقد سبق بيان حكمه في كلام ابن القيم، وإن كان المراد غير ذلك فلم يتبين لنا.
ومن القواعد الكلية في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. انتهى.
وقوله: الشخص المعين الذي ثبت إيمانه لا يحكم بكفره إن لم تقم عليه حجة يكفر بمخالفتها، وإن كان القول كفرا في نفس الأمر بحيث يكفر بجحوده إذا علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/118)
لا يسقط الحق بالتقادم ولو سقط قبول الدعوى به
[السُّؤَالُ]
ـ[أطالب رجلا بمبلغ من المال مقابل إيجارات مستحقة قديمة لمدة أربع سنوات، وكان يماطلني بالسداد حتى رفعت عليه شكوي بعد مضي أربع سنوات، فأفاد المحامي الخاص له بأن دعوتي باطلة بسبب طول المدة، وأن الشيخ محمد إبراهيم أفتى بذالك، وأن من طالت مدته ولم يطالب بحقه فلا حق له.
فأفيدوني، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحقوق لا تسقط بالتقادم، أما قبول الدعوى وسماعها فتسقط به ـ عند بعض أهل العلم ـ إذا مر عليها زمن طويل، لأن العادة تدل على أن صاحب الحق لا يترك حقه لمدة طويلة، وقد جرى العمل في كثير من البلدان على تحديد مدد لرفع الدعاوى، وهذه المدد تختلف بحسب البلدان وحسب نوع الدعوى، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لولي الأمر منع القضاة من سماع الدعوى في أحوال بشروط مخصوصة، ومن ذلك منع سماع الدعوى في بعض الحالات بعد مدة محددة معلومة، ومع أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان، إلا أن وجه هذا المنع هو تلافي التزوير والتحايل، لأن ترك الدعوى زماناً مع التمكن من إقامتها، يدل على عدم الحق ظاهراً، وعدم سماع الدعوى بعد المدة المحددة ليس مبنياً على سقوط الحق في ذاته، وإنما هو مجرد منع القضاة عن سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه حتى لو أقر الخصم يلزمه، ولو كان التقادم مسقطاً للحق لم يلزمه. انتهى.
أما فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم: فلا نعلم عنه أنه أفتى بأنه لا حق لمن طالت مدته، والمنقول عن الشيخ هو المنع من سماع الدعوى إذا طالت المدة، كما هو قول الحنفية وقد وافقهم ابن القيم أيضاً، وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ما نصه: فقد جرى الاطلاع على استرشادكم بخصوص إقامة الدعوى بعد مدة طويلة كثلاثين سنة أو عشرين، هل تسمع هذه الدعوى أو لا؟ ونفيدكم أن هذه مما يقتضي العرف بكذبها فلا تسمع إذا لم يذكر المدعى مانعاً يمنعه من مطالبته من خوف سلطان أو ما أشبه ذلك من العذر المانع من المطالبة بالحقوق ولم يكن بينه وبين المدعى عليه قرابة ولا شركة في ميراث أو ما أشبه مما يتسامح فيه الأقرباء بينهم، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه: الطرق الحكيمة ـ ما نصه: وأما المرتبة الثالثة فمثالها: أن يكون رجل حائزاً لدار متصرفاً فيها السنين العديدة الطويلة بالبناء والإجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وإنسان آخر يراه ويشاهد أفعاله فيها طوال هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه ولا يذكر أن له فيها حقاً ولا مانعاً يمنعه من مطالبته من خوف سلطان أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث أو ما أشبه ذلك مما يتسامح فيه القرابات والصهر بينهم، بل كان بريئا من جميع ذلك ثم جاء بعد طول المدة هذه يدعيها ويزعم أنها له ويريد أن يقيم بذلك بينة فدعواه غير مسموعة أصلاً فضلاً عن بينته. انتهى.
وهل الدعوى موضوع السؤال والمدة المذكورة مما يمنع سماعه؟ فهذا مرده إلى المحاكم الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/119)
الترغيب بالدفن بجوار أهل الصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الميت إذا دفن بجانب ميت يعذب يرى ذلك ويتأذى منه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمور التي تحدث لأهل القبور من الأمور الغيبية التي لا يجزم بشيء فيها دون الاعتماد على نص من نصوص الوحي الثابتة في هذا الشأن.
وقد رغب أهل العلم في الدفن بجوار أهل الصلاح، كما قال القرطبي والمناوي.
ويستأنس لذلك بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفن عثمان بن مظعون ووضع عند رأسه حجرا، وقال: أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقال صاحب الكفاف:
والدفن بين الصلحا وصى خبر به وعن جوار الأشرار زجر.
وقد روى الحاكم في المستدرك: أنه لما توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألحقوها بسلفنا الخير: عثمان بن مظعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/120)
حكم بيع الحمل في بطن الحيوان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالنا عن مسألة عمت بها البلوى ـ أو كادت أن تعم بها ـ في البدو هنا عندنا في الخليج ملخصها كالآتي: يذهب الرجل إلى سوق الإبل فيشتري ناقة مثلا قيمتها لا تتجاوز 2000 ريال ثم يذهب بهذه الناقة إلى بعير ـ فحل مشهور ـ بصفات معينة ككون أولاده يتميزون بجمال الشكل: وهو ما يسمى عندنا ـ بالمزاين ـ أو كون أولاده يتميزون بالسبق في سباق الهجن أو غير ذلك من الصفات المرغوبة في هذا الفحل ـ وغالبا ما يرغب الناس عندنا هنا في المزيتين السابقتين ـ فيأتي هذا البدوي بناقته هذه التي لا تتجاوز قيمتها 2000 ريال ـ كما أسلفنا ـ إلى هذا الفحل لتلقح منه وعند ما يتم تلقيحها منه يذهب بها إلى أصحاب الإبل ليعرضها للبيع على أساس أنها قد لقحت من هذا الفحل المشهور فيبيعها ب100000 ـ مائة ألف ريال ـ علما بأن المشتري لم يعط فيها هذه القيمة التي تفوق قيمتها بأضعاف مضاعفة إلا رغبة في ما في بطنها من ذلك الفحل المشهور ويقول أحدهم هذا نصيبي قد يطلع الجنين بصفات أبيه فيبيعه بمليون وقد لا يأتي كذلك فيخسر ما دفعه، فما حكم هذا البيع؟ وما الفرق بينه وبين مسألة الملاقيح والمضامين المعروفة في الفقه؟.
أجيبونا على وجه السرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع الحمل أو الناقة الحامل له صور:
1ـ أن يتم بيع الحمل بمفرده: وهذا غير جائز، وهو بيع الملاقيح والمضامين، قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على فساد بيع المضامين والملاقيح. قال أبو عبيد: هو ما في الأصلاب وما في البطون. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وبيع المضامين: وهي ما سيوجد من ماء الفحل. وبيع الملاقيح: وهي ما في البطون من الأجنة.
وذلك لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة. ولما في ذلك من الغرر والجهالة، وللحديث: نهى عن بيع الغرر. انتهى.
وجاء فيها: اتفق الفقهاء على عدم جواز بيع الحمل وحده أو استثنائه من بيع أمه، لأن من شروط البيع أن يكون المعقود عليه موجودا مقدور التسليم. انتهى.
2ـ أن يتم بيع الناقة الحامل مطلقا بلا شروط ولا زيادة ثمن لأجل الحمل:
والأصل أنه جائز وهو مستثنى من بيع الغرر، وبيع الغرر محرم، قال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب: روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الغرر. والغرر: ما انطوى عنه أمره، وخفي عليه عاقبته. انتهى.
وفي شرح ذلك يقول النووي في المجموع: الأصل أن بيع الغرر باطل، لهذا الحديث، والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه، فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى، وكامل الأعضاء أو ناقصها، وكشراء الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك، فهذا يصح بيعه بالإجماع، ونقل العلماء الإجماع ـ أيضا ـ في أشياء غررها حقير، قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيرا جاز البيع، وإلا فلا. انتهى.
3ـ أن يتم بيع الناقة بشرط الحمل، أو يزاد في الثمن من أجل الحمل، وهذا البيع مختلف في جوازه، قال خليل في الكلام على البيوع الفاسدة: وكبيع حامل بشرط الحمل، قال في منح الجليل: وكبيع أنثى آدمية أو غيرها حامل بجنين في بطنها بشرط الحمل إن قصد به استزادة الثمن بأن كان مثلها إذا كان غير حامل يباع بأقل مما بيعت به. انتهى.
وقال النووي في المجموع: إذا باع حيوانا من شاة أو بقرة أو ناقة أو فرس أو جارية أو غيرها وشرط أنها حامل ففي صحة البيع خلاف مشهور، حكاه المصنف والجمهور قولين، وحكاه جماعة وجهين: أصحهما: عند الأصحاب الصحة، والثاني: البطلان، قال أصحابنا هما مبنيان على القولين المشهورين في أن الحمل هل يعرف أم لا؟ أصحهما يعرف، وله حكم، وله قسط من الثمن، والثاني: لا يعرف، ولا حكم له، ولا قسط من الثمن. انتهى.
وإذا كان الحمل بينا ظاهرا، فالظاهر جواز البيع المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/121)
سبب إثبات الفاء في النحل في قوله (فإذا جاء أجلهم) وحذفها في يونس
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورتي: يونس والنحل آيتان كريمتان اختلفتا في بعض الحروف، الأولى: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
والثانية: لم تلحق الفاء في أداة الشرط وجاءت في جوابه: إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون.
فما السر في ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك بداية إلى أن الخلاف ورد بين سورة الأعراف والنحل وبين سورة يونس، حيث قال الله تعالى في سورة الأعراف: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34} .
وقال في سورة يونس: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {يونس:49} .
وقال في سورة النحل: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {النحل:61} .
فقد لحقت الفاء بإذا الشرطية في سورتي الأعراف والنحل ولم تلحق بها في سورة يونس، وإنما وردت في جواب الشرط.
وقد ذكر الألوسي في تفسيره: أن الفاء المذكورة في الأعراف هي الفاء الفصيحة وأنها سقطت في يونس، لأنه لما سيقت آية يونس جوابا عن استعجال الكفار العذاب الموعود به في قولهم: متى هذا الوعد؟ لما سيقت آية يونس جوابا لهم اعتنى بأمر الشرطية كمال الاعتناء فأتى بها غير متفرعة على شيء كأنها من الأمور الثابتة في نفسها وقوى لزوم التالي فيها للمقدم بزيادة الفاء التي يؤتى بها للربط في أمثال ذلك، وقد يقال: إن إسقاط الفاء أولا، لتكون الجملة في موضع للربط ل ـ أجل ـ تهويلا لأمره وتنويها بشأنه أي لكل أمة أجل موصوف بأنه إذا جاء لا يستأخرون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/122)
الرقية من الحسد وعدم اتهام الآخرين بغير يقين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة وأتمنى أن تساعدوني فيها: فقد تعرضت لكثير من المتاعب والآلام في الفترة الماضية في أنحاء متفرقة من جسمي وخصوصا أسفل الظهر والركبتين، ووجع في رأسي وضيق شديد وأغضب سريعا لأتفه الأسباب وهذا ليس من عادتي، وكشفت عند أكثر من طبيب وعندي مشاكل في بطني، ولكن بدون فائدة، فنصحني أحد الصالحين أن أرقي وأن أبحث عن أحد من الصالحين يرقيني الرقية الشرعية، وعندما رقيت بدأ جسمي يتفاعل مع القرآن الكريم وحدثت لي أشياء غريبة في رقبتي وكأن شيئا يتحرك بداخلي، وفي الليل عند ما أدعو الله ينشرح صدري للدعاء وأحس أن صوتي تغير، ولكن لا أتحكم في لساني لبعض الوقت وداومت على شريط الرقية الشرعية، وأحد الصالحين يقرأ علي أيضا بالنهار حتى قابلت أحد الشيوخ المتخصصين فقرأ علي فتشنجت جميع أجزاء جسمي أيضا ويزداد في التحرك حتى وصل إلى أذني، وأنفي، وبفضل الله لم يتركني الشيخ حتى نزل من أنفي دم لونه غريب وأحسست أنني أفقت من غيبوبة وأن جسمي ليس به شيء حتى عدت إلى البيت واغتسلت بمياه القرآن وأنا سعيد جدا لفك هذا عني، ولما نمت بدأ القلق والخوف يعودان ثانية وأحس أنني أرى أشياء، ومع الأيام أيضا أكون نائما وأظن أن أحدا يهمس في أذني ويوقظني، وفي بعض الأوقات عند الاستيقاظ أرى أن خيالا يمشي في الغرفة ولا أستطيع أن أبدأ النوم بمفردي، وأنا بفضل الله على طاعة أنا وزوجتي ودائما القرآن يتلى في المنزل من قنوات دينية، وقد قال لي الشيخ بأنه حسد وإن تيقنت ممن حسدك فخذ ماءه واغتسل به. والآن ماذا أفعل فأنا لا أعرف من حسدني ولا أريد أن أظن ظن سوء بأحد، وبصراحة الحساد كثيرون وأود أن أستريح، لأن جسمي تعبان وكذلك يأتيني إحساس بالخوف الشديد بالليل تحديدا خصوصا وقت النوم مع أنني أنام على وضوء وأصلي قيام الليل وأقرأ أذكار النوم، وأيضا أقلق في الليل وأحس بخوف وأن شيئا ما في الحجرة. فماذا أفعل؟ ساعدوني فهل من الممكن أن يكون هناك شيء آخر بداخلي؟ أتمنى أن أعود مثل الأول علما بأنني أعمل وفي سعة ـ والحمد لله ـ وأكرم والدي وأساعد إخوتي كثيرا وأحب زوجتي وابنتي جدا وأنا أبلغ من العمر30 عاما وزوجتي تبلغ 25 عاما وابنتي عامين، وقد حفظت مؤخرا بعض السور كالملك وأقرؤها قبل النوم، وأيضا حفظت النبأ والتكوير والانشقاق والانفطار.
فأرجو منكم الإجابة سريعا فأنا فعلا تعبان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية ونهنئك على ما أعطاك الله من حفظ بعض السور القرآنية، وأما عن تحليل سبب ما يحصل لك فليس عندنا فيه شيء، لأن الموضوع ليس من اختصاصنا، ولكننا ننصحك بالإكثار من الدعاء ومواصلة الرقية الشرعية فارق نفسك أو استرق بعض من جرب نفعه من المعروفين بالاستقامة وصحة الاعتقاد واتباع السنة.
وقد أحسنت في الابتعاد عن الاتهام للناس بالحسد، ولكنه يشرع إذا علمت باليقين أن شخصا أصابك بالعين أن تطلب منه أن يغتسل وتغتسل بالماء الذي اغتسل به، ويتعين عليه أن يستجيب لطلبك لما في الحديث: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 32263، 100529، 51475، 117597، 64558، 80694.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(12/123)
أساليب ووسائل في الدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم مساعدتي، فأنا أتعامل مع نصرانية شريكة مع أخي في مشروعه، ونحن من حين لآخر نناقش معها أمور ديننا بغية أن تسلم، وقد قامت بقراءة القرآن وفيما بعد سألتني: هل يمكن للمرأة أن تسافر إلى مكان بعيد بمفردها؟ فقلت ـ والله أعلم ـ إذا كان المكان قريبا فنعم، أما إذا كان المكان بعيدا والسفر لمدة يوم وليلة فيلزمها محرم، فطلبت مني إحضار الدليل وأنا أعلم جيداً أن سفر المرأة بدون محرم لا يجوز، ولكن يلزمني الدليل وأنا لست حافظة لكتاب الله بما يكفي، فأرجو مساعدتكم.
وهل يمكن عند مناقشاتنا معها أن نتنازل في بعض الأمور من ديننا بغرض أن تدخل في الإسلام كأن لا نشدد خصوصا وأن هذه المناقشات بانت بعدما قررت أن أتخلى عن لباس الحجاب الذي كان زينة في نفسه إلى جلباب فضفاض، وهذا صعب قليلا، حيث باتت تقول لا أفهم الفرق فقد كنت طائعة لربك من قبل وترتدين الحجاب وتمارسين عبادتك مثل الآخرين، فلماذا غيرت ملابسك من فتاة جميلة أنيقة في ملابسها إلى فتاة ترتدي ثيابا فضفاضة واسعة ذات ألوان غامقة؟ فقلت لها ربي أمرني بهذا، فتقول: وهل الرب لا يحب الجمال؟ فقلت لها: بلى فتقول ـ إذا ـ لماذا غيرت طريقة لبسك؟ فأرجو منكم مساعدتي وبعض النصح، لكي أجيب على أسئلتها وأقنعها فهي طيبة جداً وأعزها، لذا نحاول معها كي تهتدي.
أعانكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعوة إلى الإسلام من أفضل الأعمال التي يحبها الله ويثيب عليها بأعظم الأجور، فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.
والداعي إلى الله لا بد أن يكون على علم بما يدعو إليه وحكمة في أساليب دعوته، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} .
ومن الحكمة في الدعوة أن يتدرج الداعي مع المدعو ويراعي الأولويات فيبدأ بالأهم فالمهم، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم. صحيح مسلم.
قال ابن حجر: وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة، لأنها رأس العبادات البدنية ثم أداء الزكاة، لأنها رأس العبادات المالية، ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس. فتح الباري.
ويجوز للداعي أن يسكت عن بعض المنكرات التي يفعلها المدعو حتى يتهيأ الوقت المناسب للنهي عنها، لكن لا يجوز أن يتنازل الداعي عن شيء من الإسلام أو يغير حكماً من الأحكام، وإنما يراعى التدرج والرفق بالمدعو دون تحريف للشرع، فعليك بالاهتمام بدعوة تلك المرأة إلى الإيمان والتوحيد قبل الدخول معها في جدال حول بعض الأحكام الفرعية، وعليك أن تستعيني ببعض النساء من أهل العلم والصلاح.
واعلمي أن من أعظم وسائل الدعوة الاستعانة بالله والإحسان إلى المدعو والإلحاح في الدعاء له مع عدم تعجل النتيجة، ولمعرفة القواعد المفيدة في الدعوة إلى الله تعالى راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 21186، 7583، 19218.
وفيما يخص سفر المرأة بغير محرم راجعي في الفتوى رقم: 6219.
وفيما يخص الحجاب راجعي الفتوى رقم: 112150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/124)
حكم تسمية المولودة باسم نشوى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اسم نشوى حرام تسميته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الأسماء الجواز ما لم يكن بها مانع شرعي، وسبق أن بينا ضابط الأسماء المكروهة والممنوعة في الفتوى رقم: 12614 وما أحيل عليه فيها.
ولكن من السنة أن يختار المسلم لأبنائه من الأسماء الحسنة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1640.
واسم نشوى لا نرى مانعاً منه شرعياً وإن كان الأولى عدم التسمية به لأن من معاني النشوة السكر، كما قال أهل اللغة، فيقال: امرأه نشوى أي سكرى، كما أن له معاني أخرى يمكن أن يحمل عليها، ومنها: الحركة والنشاط والحيوية وأغلب ذلك لا يناسب المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/125)
لا يحل لأمين الصندوق التصرف فيما تحت يده إلا في حدود المأذون له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 24 عاما، أعمل في شركة مساهمة عامة في الأردن ووظيفتي: أمين صندوق وهناك أمور أقوم بها في عملي وأريد معرفة: هل هي حلال أم حرام؟ وهي كالتالي:
1- أحيانا يأتيني أحد الموظفين ويأخذ مبلغا من المال ـ سواء كان قليلا أو كثيرا ـ لحاجته إليه ويكتب ورقة أنه استلم المبلغ ويوقع عليها على أن يسدد عند نزول الراتب أو في أي وقت آخر وأقوم بإعطائه على مسؤوليتي دون علم المدير.
2- هل يجوز لي أنا ـ أيضا ـ فعل ذلك وأن آخذ مبلغا من المال وأكتب ورقة وأضعها في الصندوق وأسدد المبلغ بالتقسيط أو عند استلام الراتب دون علم المدير؟.
3- عند إعطاء القروض للموظفين ـ وبعلم المدير ـ تكون هناك فائدة على القرض يحسبها المدير وأنا أقوم بتسليم القرض للموظف وأخصم عليه الفائدة، فهل أنا هنا آثم في ذلك؟ وهل هو ربا؟ أم ماذا؟ وماذا أفعل؟.
4- أحيانا يحدث نقص في الصندوق وأقوم بدفعه من جيبي شخصيا دون علم أحد، والآن توجد زيادة في الصندوق 24 ديناراً ولا أحد يعلم بها فهل آخذها؟ أم أتصدق بها؟ أم أدعها في الصندوق؟ وإذا حدث نقص آخر آخذه منها، مع العلم أن النقص حدث على فترات إلى أن وصل إلى 24 دينارا، فماذا أفعل؟.
5- إذا كنت محتاجا لعشرين ديناراً مثلا وأخذتها على أن أحضرها في اليوم الثاني، فهل يجوز ذلك؟.
6- هل المبلغ الذي آخذه يعتبر مالا حراما إلى أن أسدده؟ وهل يعد خيانة للأمانة؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يحل لك التصرف في أموال الصندوق إلا فيما أذن لك بالتصرف فيه، لأنه أمانة عندك، فما تدفعه إلى الآخرين أو ما تأخذه لنفسك بدون علم المسؤول المخول يعدّ خيانة للأمانة، والمال المأخوذ بهذا الوجه حرام، لأنه اعتداء على حقوق الغير، ولا تبرر الحاجة أو العزم على رد المبلغ من الغد ونحو ذلك من التعللات مسوغاً لما تقوم به، وعليك التوبة إلى الله تعالى ورد ما أخذت أو أعطيت لغيرك من أموال الصندوق والعزم على عدم العود لمثل هذا.
وأما قيامك بدفع القروض ذات الفائدة أو خصمك للفوائد فهذا حرام ولا ريب، ويجب عليك الكف عنه، وإذا كان هذا الإقراض الربوي مما لا يد لك في الامتناع عنه، فيلزمك ترك العمل في هذه الشركة، وأما بخصوص السؤال الرابع فراجعه في الفتوى رقم: 125579.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/126)
هل يرد الفوائد الربوية للبنك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ومشترك في نظام للإدخار وهو اقتطاع نسبة من المعاش الشهري، وتقوم الشركة باستثمار هذا المال في البنوك الربوية وتضيفها إلى حسابي الإدخاري، وأيضا تدفع الشركة للمشترك في نظام الإدخار عند تقاعده أو تركه للشركة ضعف ما ادخره لتشجيعة على الادخار لمنفعتة بالإضافة إلى الأموال الربوية التي اكتسبها عن طريق الشركة، أنا الآن تقاعدت من الشركة وطلبت منها أن أرجع إليها المبلغ الضعف والمبالغ الربوية الصريحة لكي تعيدها إلى المصدر الذي أخذتها منه إلا إنها أي الشركة رفضت أن أرجع أي مبلغ إليها بحجة أنه ليس لديها بند في حساباتها يسمح بأن أرجع إليها هذه الأموال، أنا مع القول الذي أفتى بأن ترجع أموال الربا إلى مصدرها ولا تنفق في أي طريق كان أي حتى أنه لا يحل لي أن أتصدق بها أو أدفعها إلى حساب جمعية خيرية لأني في هذه الحالة قد أخذت هذا الربا ولم أرجعة إلى صاحبه الذي أخذ منه، وهذا هو سبب تحريم الربا لأن فيه ظلم للشخص الذي أخذ منه (وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) فأرجو أن تفتوني كيف أتصرف؟ ماذا أفعل في هذه الحالة ماذا أفعل بهذه الأموال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رد هذه الأموال الربوية إلى المصدر يكون مطلوباً إذا كان هذا المصدر سيردها إلى أهلها، وهذا متعذر في مثل هذه المصادر كالبنوك وشركات التأمين، وإذا تعذر الرد لم يكن هناك من سبيل إلا صرفها في منافع المسلمين العامة، وراجع للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 44901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/127)
وجه زيادة هو في الإطعام والشفاء في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا هذه الآيات من سورة الشعراء بعضها يحتوى على هو والبعض ليس فيه هو أي خمس آيات ثلاث فيها هو واثنان من غير هو
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فضمير الرفع المنفصل الذي لا محل له من الأعراب يأتي لتأكيد الكلام، ومنه التأكيد في هذه الآيات الكريمات بالضمير (هو) والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن التأكيد اقترن في هذه الآيات بما قد يدعيه مدع من الخلق وهو في ذلك صادق من وجه ما، كالهداية والإطعام والسقاية والمداواة. في حين خلت عنها المواضع التي يظهر فيها لكل عاقل أن مدعيها كاذب أفاك، كالخلق والإحياء والإماتة، قال الفيروزابادي في (بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز) : قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} زاد (هو) في الإِطعام والشِّفاءِ؛ لأَنهما ممَّا يدَّعى الإِنسان، فيقال: زيد يُطعم، وعمرو يداوي. فأَكد؛ إِعلاماً لأَنَّ ذلك منه سبحانه وتعالى لا من غيره. وأَمَّا الخَلْق والموت والحياة، فلا يدَّعيها مدّع، فأَطلق اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/128)
امتناع المرأة عن فراش زوجها بغير عذر من النشوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج منذ حوالي: 15 سنة، ولدي أربعة أولاد، وعندما أطلب زوجتي للجماع ترفض مرات كثيرة بحجة أنها تعبانة، وطوال اليوم هي مع الأولاد، وفي المنزل، فماذا أفعل معها؟ هل هذا الرفض برود جنسي عند زوجتي؟ وقد تكلمت معها كثيرا أن هذا الامتناع حرام؟ وقد سألتها: هل هو برود لديك؟ فقالت لي ليس لدي برود، ولكنني تعبانة جدا، وهذا شيء مستحيل أن يكون التعب باستمرار.
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فامتناع المرأة عن فراش زوجها دون عذر شرعي حرام، بل هو كبيرة من الكبائر، كما بيناه في الفتوى رقم: 121332.
فداوم على نصح زوجتك برفق، وأعلمها بحرمة هذا الذي تفعله، ونوصيك بالنظر في ما عساه أن يكون سببا لذلك، فقد يكون من أسبابه غلظتك في معاملتها مثلا، أو لأنها تجد ـ مثلا ـ شيئا تكرهه كرائحة كريهة، أو نحو ذلك، فالمطلوب من الزوج أن يتزين لزوجته أيضا فهي تطلب منه ما يطلبه منها. قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228} .
أو قد يكون هذا الأمر لتقصيرك في حقها أثناء المعاشرة، بحيث تفرغ قبل أن تقضي نهمتها، كل هذا وغيره قد يكون سببا لما تفعله زوجتك. وإن كان هذا لا يسوغ لها فعلها على الإطلاق.
فإن استقصيت هذه الأسباب، واستمر الحال على ما هو عليه، فيمكنك عرض الأمر على أهل الطب المتخصصين فهم أدرى بعلاج هذه الأمور، ويمكنك مراسلة قسم الاستشارات في موقعنا.
علما بأن امتناع المرأة عن فراش زوجها بغير عذر يعتبر من النشوز، وقد سبق بيان ما يترتب على النشوز وكيفية علاجه في الفتاوى التالية أرقامها: 110905، 1103، 38844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/129)
نذرت أن تدرس التفسير إن تخرجت من الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة نذرت لله نذراً إن تخرجت من الجامعة ـ ولم أف به ـ وهذا النذر هو: أنني إن تخرجت من الجامعة سأدرس تفسير القرآن الكريم، ولكنني لا أتذكر إن كان النذر للدورة التكميلية أو الدورة الأولى، فكيف يمكنني أن أفي بنذري؟ هل بطريقة أخرى كدفع مبلغ من المال أو أية طريقة أخرى؟ فأنا أشعر أن أموري متعسرة كثيراً بعد الجامعة.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم الوفاء بنذره على الكيفية التي نذره عليها، امتثالاً لأمر الله تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ {الحج:29} .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. الحديث رواه البخاري.
ودراسة تفسير القرآن الكريم من أعظم القرب التي يجب الوفاء بنذرها، فإذا كنت نسيت نوع الدراسة، فإن عليك أن تجتهدي في تذكرها، فإذا لم تعلميها فخذي بما هو أحوط، فإذا كانت الدورة الأولى أوسع أو أشمل، فإن عليك أن تأخذيها احتياطاً وإبراء لذمتك من هذا النذر، ولا يصح لك تغيير النذر إلى الكفارة ما دمت قادرة على الوفاء به.
أما إذا عجزت عن الوفاء به عجزاً لا يرجى زواله، فإن عليك ـ حينئذ ـ كفارة يمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم وغيره.
وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى التالية أرقامها: 36870، 21393، 123036، 37057.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/130)
العمل قصد الرغبة في تيسير أمور الدنيا والآخرة لا ينافي الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أتمنى إفادتي به لأنه مسبب لي حيرة وارتباكاً.. أنا والحمد لله ملتزمة بصلواتي المفروضة وأصوم وأزكي وأخاف ربي.. مع العلم إني لست متدينة لكني والحمد لله أؤدي العبادات المفروضة وأقول الأذكار الصباحية تقريبا كل يوم.. وكل ما احتجت شيئاً من أمور الدنيا أدعو ربي إيمانا مني بأنه سبحانه وتعالى يحب أن يسمع دعاء عبيده، وأنه سميع مجيب حتى لو تأخر في الإجابة.. ولكن ماهي المشكلة.. أنا مثل معظم الناس.. أحيانا أغفل عن ذكر الله ولي بعض الذنوب، وأحاول دائما أن أستغفر، ولكن أحيانا عندما يهّم بي أمر أو أن أكون في مأزق، أو بحاجة إلى أمور دنيوية كالزيادة في الرزق أو الزواج من رجل مناسب أو النجاح وغيره.. فإني أكثر من الاستغفار تطبيقا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : من لزم الاستغفار يجعل الله له ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. فأستغفر بكثرة وبحرقة ... ولكن قرأت في أحد مواقع الإنترنت أن أي عمل تعبدي يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ولطلب الآخرة، وإلاّ سيكون نوعا من الشرك الأصغر، أو بمعنى إذا كان الإخلاص وسيلة للحصول على شيء دنيوي فإنه يعتبر نقصا في الإيمان (وشركا أصغر) .. وأنا لا أريد أن أكون ناقصة إيمان بل أريد أن يرضى الله عني في الدنيا والآخرة، ولكن من الطبيعي أن يبتغي الإنسان بعض الحاجات من الدنيا ولذلك وجد الدعاء.. ولكن الذي يحيرني الآن هو أني أشعر بشيء من التناقض بين حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الاستغفار وبين ما ذكر أعلاه.. أنا أعلم أن المقصود هو يجب أن يتعّبد المؤمن وهو خالص النية لوجه الله وللأجر وليس أن يعتبره وسيلة فقط للحصول على الأمور الدنيوية، وهذا ما أقوم به ولله الحمد.. ولكني الآن واقعة في مشكلة وهي أني كلما أستغفر تطبيقا للحديث أعلاه أشعر كأني منافقة وخصوصا إذا كنت محتاجة شيئا من ربي كالزواج أو النجاح في حياتي أو الخروج من مشكلة.. فأرجو حل هذا اللبس؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب نريد أولاً أن ننبهك إلى الخطأ في قولك (لست متدينة) فمن جهة يجب على المسلم أن يكون متديناً أي قائماً بالواجبات مجتنباً للمحرمات كما أمره خالقه، ومن جهة أخرى فإن هذه العبارة متناقضة مع ما ذكرته من حرصك على أن يرضى الله عنك في الدنيا والآخرة.. ومما لا شك فيه أنه يجب على المسلم أن يقصد بأعماله الصالحة ابتغاء وجه ال له والإخلاص له فيها سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ {الزمر:11} ، وقال أيضاً: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:6} ، وثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
وعليه، فإذا قام المسلم بالذكر المعين وليس له غرض إلا أن يحصل ما تضمنه ما ترتب عليه من حظ دنيوي فإن ذلك ينافي الإخلاص، وأما إن قصده تبعاً لأدائه الذكر لله تعالى فلا حرج في ذلك، قال ملا علي القاري في شرحه على مشكاة المصابيح أثناء شرحه لبعض الأحاديث: وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل وطلب حصوله لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى لا لغرض ولا لعوض. انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه للأربعين النووية عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. قال: وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأس من أن يقصده المسلم في أن ييسر على إخوانه رغبة فيما عند الله -جل وعلا- ورغبة في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة، لأن هذا كما ذكرنا في شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات. لا ينافي الإخلاص. فإن العمل إذا رتب عليه الثواب في الدنيا أو في الدنيا والآخرة وجاءت الشريعة بذلك فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا والإخلاص له لا حرج فيه. انتهى.. فنرجو بهذا البيان أن يكون قد اتضح لك الأمر وزال عنك الإشكال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/131)
أثر الصلاة والصوم والزكاة في طمأنينة النفس وراحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد توضيحا للعبادات من صلاة وصيام وزكاة، وما لذلك من أثر كبير في علاج حالات التوتر والقلق والاكتئاب وغير ذلك في بضعة أسطر ـ من فضلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد الموحد لله تعالى المنقادَ لشرعه الواقفَ عند حدوده هو أسعد الناس وأكثرهم طمأنينة وسكينة، لأنه يعلم: من ربه؟ وما الغاية التي خلق من أجلها؟ وما حكمة الابتلاء؟ وما مصيره بعد الموت؟ وماذا له لو كان من المحسنين؟ وماذا عليه لو لم يكن كذلك؟ ولذلك قال إبراهيم بن أدهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ـ يعني من السعادة وطمأنينة القلب ـ لجالدونا عليه بالسيوف.
وانظر أثر الإيمان في حياة المسلم في الفتاوى التالية أرقامها: 38814، 115393، 29172.
وأما أثر الصلاة خاصة في حصول السكينة وطمأنينة القلب وراحته، فانظره في الفتويين رقم: 28759، ورقم: 117997.
وأما أثر أداء الزكاة في طمأنينة القلب وسكينته فظاهر، لأن الشخص إذا كان مدينًا لعبد مثلِهِ، فإنه لا يستطيع أن ينام من الهم، ولا يستريح باله إلا إذا قضى ما عليه من ديون، فإذا كان الأمر كذلك وكان دين الله أحق بالقضاء، فإن الذي يؤدي الزكاة طيبة بها نفسه يكون في راحة لا يعلمها إلا الله ولا يجد الهم إلى قلبه طريقًا خاصة إذا كان ممن يتحرى الطيب من ماله ويتحرى المستحقين من المؤمنين ليتيقن من وصول الزكاة لمستحقيها.
هذا، وإن الصيام مما اختص الله تعالى به نفسه، قال سبحانه وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به. رواه البخاري ومسلم.
فلا شك ـ إذًا ـ أن تطمئن نفس المؤمن ويذهب عنها الضيق والوساوس إذا كان العبد ممن صام لله تعالى، لما تجلبه طاعة المحبوب من الفرح والسكينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/132)
له عمان استأثرا بعقار موروث مقابل أجرة زهيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت جدتي، وتركت عقارا (أرضي + دور) لأربع أبناء، إيجار المنزل 14.30 جم في الشهر، يسكن عمي الدور الأرضي، وعمى الأخر الدور فوق الأرضي من العقار بعقود، لكل حجرة عقد منفصل، ثم بعد فترة من الزمن قام كل واحد بفتح الحجرات على بعض حتى اكتملت شقة واحدة بدون إذن باقي الورثة، ولما علم والدي بذلك هاج وطالبهم عن طريق المحاكم بتغيير العقود وزيادة القيمة الإيجارية، لكل شقة بدون جدوى حتى امتنع عن أخذ حقه من الإيجار أكثر من عشر سنوات، وقبل مرضه الذي توفى فيه وبعد إلحاح من أبنائه حتى لا يتوفى وهو عنهم غير راض، تم مصالحتهم وأخذ الإيجار، وبعد وفاته طالبتهم بتصحيح الوضع وتغيير العقود وزيادة القيمة الإيجارية كطلب والدي لهم امتنعوا عن منحى نصيبنا في الإيجار ووضعوه في المحكمة [كل 6 أشهر مقدما] خوفا من أن أذهب إلى المحكمة، ماذا أفعل مع أعمامى أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يحسن أن ننبه على أن عقود الإجارة لا بد فيها من تحديد زمن تنتهي إليه حتى تخرج عن الجهالة والغرر الذي يؤدي إلى التشاحن والنزاع، وإذا لم يحدد لها زمن بل كان العقد مشاهرة فهو غير ملزم لأحد الطرفين، بل هو منحل من جهتهما، فأيهما أراد فسخ العقد فله ذلك، ما لم يدفع المستأجر الأجرة أو يبدأ في الشهر أو السنة.
وعلى ذلك فما تفعله بعض الدول من إلزام ملاك البيوت بتأجيرها مدى الحياة أو للأبد لا يجوز شرعا، ولا يجوز للمستأجر الاستمرار في ذلك استناداً إلى القوانين الوضعية التي تقره، بل عليه أن يرجع العين المؤجرة إلى مالكها إن كان حياً، وإلى ورثته إن كان ميتاً، أو يبرم معه عقداً شرعياً تحدد فيه المدة، وتحدد فيه الأجرة باتفاق الطرفين وبرضاهما.
وننبه أيضا على أن المستأجر ليس له أن يغير شيئا من البنيان المستأجر إلا بإذن من أصحابه. وراجع في ذلك الفتويين رقم: 74998، 55152.
وعلى ذلك، فمن الظلم البيّن أن يستأثر بعض الورثة بهذا العقار الموروث، مقابل أجرة زهيدة ليس لها مدة تنتهي إليها، ومن حق المظلوم أن يرفع أمره للقاضي الشرعي ليدفع الظلم عن نفسه، وليس في ذلك قطيعة رحم يأثم عليها المظلوم، بل اللائمة تعود على الظالم.
ومع ذلك فإننا ننصحكم بالرفق والصبر على أعمامكم، وأن تناصحوهم وتحاولوا حل الإشكال بينكم وديا، وأن توسطوا أهل الفضل والصلاح بينكم وبينهم، ليذكروهم بالله تعالى، والوقوف بين يديه غدا للحساب، وأن الدنيا إما أن تزول وإما أن نزول نحن عنها. فإن استجابوا فهذا هو المراد، وإن أصروا على الظلم فلا بأس عليكم أن ترفعوا أمركم للقضاء، وإن كان العفو أقرب للتقوى. وللفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 114087، 43086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/133)
حكم إغلاق المسجد لمنع الطالبات من الهرب من الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إغلاق مسجد المدرسة أثناء فترة الدراسة تخوفا من تسرب الطالبات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز إغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة للمصلحة، وانظري الفتوى رقم: 63687.
وعلى هذا، فإن كنتم تعانون من مشكلة هروب الطالبات من مقاعد الدراسة ومكثهن في مسجد المدرسة، فإن بإمكانكم أن تغلقوه بعد أداء الطالبات للصلاة مباشرة، أو أن تتخذوا أي إجراء آخر كالحسم من الدرجات أو غير ذلك، وأما إن كان المقصود إغلاق المسجد وحرمان سائر الطالبات والمدرِّسات من الصلاة فيه، مما يترتب عليه تأخيرهن للصلاة عن أول وقتها وربما خروج جميع وقتها بالكلية، فإن ذلك محرم، لقول الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ {البقرة:238} .
وقوله: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103} .
وقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا {مريم:59} .
وقوله: ف َوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:5،4} .
والوعيد ليس على تركها بالكلية، وإنما على مجرد تأخيرها حتى يخرج وقتُها وإن أدَّوْها، كما حُكي عن ابن عباس وغيره.
وأن إغلاق المسجد بحيث يترتب عليه ما ذُكر لهو منتهى الظلم، وهو من أعظم صور السعي في خرابها، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا {البقرة:114} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/134)
حكم تقديم الطبيب شهادة مزورة ليعجل من دراسة الماجستير
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا مصر تسن وزارة الصحة قانوناً يمنع الطبيب المعيَّن في وزارة الصحة من تحضير الماجستير، في تخصُّص معين حتى تمرّ عليه ثلاث سنوات، وهذا تعطيل للطبيب بلا داعٍ، في حين يُمنح الحق لزميله الطبيب المعيَّن في كادر الجامعة أن يحضِّر الماجستير فوراً دون تعطيل، فهل يجوز لطبيب وزارة الصحة أن يقدِّم شهادة"مزيفة" بأنه يعمل طبيباً حرّاً غير تابع للوزارة حتى يتسنى له التساوي بزملائِهِ أطباء الجامعة وتحضير الماجستير سريعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن التزوير محرم؛ لما فيه من الكذب وشهادة الزور.
فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور. وكان رسول الله متكئاً فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه.
وقيام الطبيب المذكور وأمثاله بتقديم شهادة مزيفة داخل في التزوير المحرم، والمطلوب منهم التزام الشروط المقررة من قبل الوزارة المعينة، وإذا كانوا يرون ذلك ظلما فليطالبوا برفع هذا الظلم دون اللجوء إلى هذه الوسائل الممنوعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/135)
هل الله تعالى لا يقبل دعاء من وقع في الحرام جاهلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جهل المسلم بفعل شيء حرام، وهل يترتب على ذلك عدم قبول المولى عز وجل لدعائه. مثلا يقوم الشخص بفعل شيء حرام ويترتب عليه مكسب مالي وهو لا يدري أنه فعل فعلا محرما ومكسبا ماديا محرما، فهل ينطبق عليه الحديث: مأكله حرام ومشربه حرام فانى يستجاب له.
أمثلة على ذلك. هل يجوز استخدام كهرباء العمل لعمل شاي أو شحن الموبايل؟ وهل يجوز قراءة الصحف أثناء ساعات العمل أو الخروج أثناء ساعات العمل لقضاء حاجة شخصية؟ وإذا كان حكم ما سلف حرام وترتب على ذلك راتب حرام. ثم يجيء هذا الموظف ويدعو الله بشيء، فهل سيقبل المولى عز وجل دعاءه علما بجهل الموظف بحرمة الحكم في تلك الأمور.
فسؤالي: هل الجهل بالأحكام يعفي من المسؤولية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنسان لا يعذر بجهله في الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، والمشهورة بين عامة الناس كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وحرمة الزنا والخمر والميتة والخنزير اللهم إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة.
وأما ما ليس معلوماً من الدين بالضرورة فيعذر فيه بالجهل، ويختلف ذلك باختلاف الناس والبيئات كما هو مبين في الفتوى رقم: 19084.
وعلى ذلك، فإن وقع الشخص في بعض المعاملات المحرمة جاهلا بحرمتها، ولم تكن حرمتها من الأمور المشهورة بين الناس، فلا إثم عليه إن شاء الله، ولا مانع من أن يستجيب الله دعاءه بفضله ورحمته.
لكن إذا علم بحرمة ما في يديه من مال، فيجب عليه التخلص منه بصرفه في أعمال البر والمصالح العامة. وانظر الفتوى رقم: 50478.
وأما الانتفاع بكهرباء العمل فإن كانت جهة العمل تأذن بذلك نصا أو عرفا، فلا حرج وإلا فلا يجوز ذلك. وانظر الفتوى رقم: 114546، وما أحيل عليه فيها.
وأما قراءة الصحف وغيرها أثناء العمل، فإذا كان يترتب عليها إخلال بالعمل فلا يجوز ذلك، وأما إن كانت قراءتها لا تخل بالعمل في قليل ولا كثير، فلا حرج في ذلك. لكن يحترز من الصحف والجرائد المشتملة على الصور المحرمة كصور النساء مكشوفة العورة، وكذلك الصحف والمجلات الداعية إلى الفساد. وانظر الفتوى رقم: 24466.
وأما الخروج من العمل لقضاء حوائج شخصية فهذا يرجع فيه إلى لوائح وقوانين العمل، فإن كانت تسمح للعامل بذلك فلا حرج، وإلا فلا يجوز ذلك. وانظر الفتوى رقم: 42937، والفتوى رقم: 52476.
وعلى المسلم أن يحرص على تعلم أمور دينه، فإن إعراضه عن طلب ما يحتاج إليه من العلم يجعله غير معذور بجهله؛ لأنه يكون حينئذ عاصيا بجهله وتفريطه. وانظر الفتوى رقم: 100423.
وما ذكرناه إنما هو بشأن رفع الإثم في ارتكاب بعض المخالفات جهلا، أما إعفاء الجاهل من المسئولية عموما فليس على إطلاقه، فحقوق الآخرين لا تسقط بالجهل، وكذلك هناك من شروط العبادات والمعاملات ما لا يسقط بالجهل. وبسط الكلام في هذا لا يتسع المقام له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/136)
اللجوء إلى التورية للتخلص من القضية المرفوعة ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة بيطرية 33 سنة، آنسة، كنت أعمل فى إحدى شركات الأدوية منذ 3 سنوات، وتركتهم لعدم حصولي على مستحقاتي، وكنت قد كتبت وصل أمانة غير مؤرخ وخانة (من إلى) فارغة، وهذا إجراء تأخذه الشركات ضمن مصوغات التعيين، ولم آخذ هذا الوصل عندما تركتهم، إلا أنني هذا العام فوجئت بأن صاحب الشركة باع الوصل لاثنين من معارفه من بلدته، وقاموا برفع قضية ضدي يريدون أن أرد مبلغ الوصل 20000 جنيه وحجزت القضية لإحضار شهود نفي من ناحيتي ومن ناحيتهم.. وطلب المحامي إحضار اثنين من طرفي يشهدان بأني طبيبة بيطرية، ونفي واقعة التسليم، حيث إنني لا أعرف الأشخاص الذين رفعوا القضية. فهل يعتبر شهودي زور ... وماذا يكون عقاب هؤلاء الأشخاص الذين يدعون بأني استلمت منهم هذا المبلغ، فهل هذا حلال أم حرام علما بأني لا أعرفهم ولا يعرفونني شكلاً أو مضمونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أساء صاحب الشركة فيما قام به من بيع هذا الوصل، وهو ومن اشتراه منه آثمون بفعلهم هذا المشتمل على أكل المال بالباطل، قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188} ، وذكر ابن كثير في تفسيره عن جماعة من التابعين أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم، ثم قال: وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها أو ليذرها. فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حرام، ولا يحرم حلالا هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره. انتهى.
ولا حرج عليك في أن تستخدمي ما يدفع عنك شرهم، ولكن الأولى اللجوء للتورية والمعاريض، ولا يلجأ لغير ذلك من الكذب إلا عند الاضطرار لذلك، أما الشاهدان فلا يجوز أن يشهدا بأمر لا يعلمانه. وراجعي في بيان جواز الكذب والتزوير إذا تعين ذلك سبيلاً لحفظ الحق الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24687، 104433، 112139، 115855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/137)
حكم الشهادة على شخص بأمر عرف عنه دون مشاهدته
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى المحكمة مع العائلة بعد طلاق أختي من ابن عمي، ثم نادى القاضي باسمي وحلفت اليمين من أجل تخصيص نفقة لأختي، حلفت على أن لديه راتبا شهريا، لكونه عسكريا، وأيضا أن له حلالا ـ غنم ـ يبيع ويشتري منها ـ وهو معروف بهذه الصنعة ـ لكنني لم أر الغنم بعيني، فهل علي إثم اليمين الغموس؟ وقلت للقاضي لا يمكنني تحديد دخله الشهري بالتحديد، علما أنني ذهبت إلى المحكمة بدون أن أعرف أنهم سوف يطلبونني للشهادة والحلف.
أرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الشهادة أن تكون عن مشاهدة وعلم، لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف: 86} . وقد بينا شروط الشهادة في الفتوى رقم: 74733.
كما بينا أن الحلف على الكذب من أكبر الكبائر لا سيما إن كان أمام القاضي بشهادة زور، أو تترتب عليه حقوق وانظر الفتويين رقم: 9714، 72329.
فإن كنت شهدت بحقيقة علمتها بالمشاهدة أو سمعتها من الناس حتى حصل لك اليقين بها فلا حرج ـ إن شاء الله تعالى ـ كما سبق بيانه في الفتوى المشار إليها.
أما إذا كان ما شهدت به وحلفت عليه كذبا أو مجرد إشاعة أو خبرا لا يصل إلى العلم اليقيني، فإن الشهادة به لا تجوز، والحلف عليه خطأ فاحش، يأثم فاعله، وتجب التوبة النصوح منه إلى الله تعالى، وغرم ما ترتب على الشهادة من مال أو غيره لصاحبه، لأنه من شهادة الزور التي يغرم صاحبها، قال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام: وشاهِدُ الزُّورِ اتِّفاقاً يَغْرِمُهْ في كلّ حالٍ والعِقابُ يَلْزَمُهْ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(12/138)
مديره يمنعه من صلاة الجماعة بالمسجد فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمتجر ملابس وأقرب مسجد منه مسافة 4 دقائق مشيا، وقليلا ما يسمح لي مديري بشهود صلاة الجماعة فهل أنا آثم؟ مع العلم أنني حاولت الانتقال لفرع آخر ولم أستطع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أمكنك فعل الجماعة في غير المسجد فلا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ فإن الجماعة تجوز في غير المسجد على الراجح من أقوال العلماء، وإن كان فعلها في المسجد أولى، وراجع الفتوى رقم: 128394، وأما إذا لم يمكنك فعل الجماعة في مكان عملك، فعليك أن تجتهد في مناصحة صاحب العمل وتبين له أهمية الجماعة وأنه يثاب المثوبة العظيمة ـ إن شاء الله ـ إن مكنك من شهود الجماعة، ولا ينبغي له أن يمنعك من ذلك إلا أن يكون له عذر في المنع كإن كان ذهابك للجماعة يؤدي إلى تعرض المال الذي استؤجرت لحفظه للضياع أو كان المسجد بعيدا أو كان الإمام يطيل مما يضر به، جاء في أسنى المطالب: قال الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُهُ من الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ لِلْجَمَاعَةِ في غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَا شَكَّ فيه عِنْدَ بُعْدِهِ عنه، فَإِنْ كان بِقُرْبِهِ جِدًّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مِمَّنْ يُطِيلُ الصَّلَاةَ فَلَا، وَعَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ مع إتْمَامِهَا، ثُمَّ مَحَلُّ تَمْكِينِهِ من الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا لم يَخْشَ على عَمَلِهِ الْفَسَادَ وهو ظاهر. انتهى.
فإن أصر على منعك من شهود الجماعة فلا نرى حرجا من استمرارك في هذا العمل، لما مر بك من كلام الأذرعي، وإن وجدت عملا غيره تتمكن معه من المحافظة على الجماعة كان ذلك أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/139)
المنعم في قبره هل يخاف يوم القيامة أم يبقى آمنا
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص نعيم القبر.. فبعد أن يعيش المؤمن حياة البرزح في القبر ويعلم بمصيره في الآخرة وهو الجنة إن شاء الله.. لماذا يكون خائفاً يوم القيامة وهو يعلم بأن مصيره الجنة.. ولماذا يخاف عند الصراط؟ وجزاكم الله خيراً على هذا الصرح الطيب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة عن نحو هذا السؤال في الفتوى رقم: 17787.
ومما يزيد الأمر وضوحا أن تفهم البشارة التي تحصل للمؤمن في قبره في ضوء البشارة العامة لأهل الطاعة والاستقامة منذ أن أُهبط آدم على الأرض، كما قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:38} ، قال النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: هذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله تعالى لا يلحقه خوف عند الموت ولا في القبر ولا عند البعث ولا عند حضور الموقف ولا عند تطاير الكتب ولا عند نصب الميزان ولا عند الصراط: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّة ِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. وقال قوم من المتكلمين: إن أهوال يوم القيامة تعم الكفار والفساق والمؤمنين بدليل قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى) . (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ) . (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وفي الحديث: تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. وحديث الشفاعة وقول كل نبي: (نفسي نفسي) إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه يقول (أمتي أمتي) مشهور. قلت: لا ريب أن وعد الله حق، فمن وعده الأمن يكون آمناً لا محالة، إلا أن الإنسان خلق ضعيفاً لا يستيقن الأمن الكلي ما لم يصل إلى الجنة، لأنه لا يطمئن قلبه ما لم ينضم له إلى علم اليقين عين اليقين، وأيضاً إن جلال الله وعظمته يدهش الإنسان براً كان أو فاجرا.. انتهى.
وقال القرطبي: المعنى في الآية: فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. وقيل: ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة، إلا أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا، والله أعلم. انتهى.
وبنحو هذا أجاب الرازي وأبو حيان وابن عادل في تفاسيرهم، وللألوسي جواب آخر يعتمد على التفريق بين خوف المكروه وخوف الجلال، حيث يقول: قال بعض الكبراء: خوف المكروه منفي عنهم مطلقا، وأما خوف الجلال ففي غاية الكمال ... وذكر بعض الناس أن العدول عن لا خوف لهم أو عندهم إلى لا خوف عليهم للإشارة إلى أنهم قد بلغت حالهم إلى حيث لا ينبغي أن يخاف أحد عليهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/140)
دخل المسجد ووجدهم يصلون على الجنازة ولم يكن أدى الفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[من دخل إلى المسجد ولم يدرك الجماعة الأولى مع الإمام ووجد الإمام يصلي على جنازة، فهل يصلي المكتوبة أولاً؟ أم يصلي مع الإمام على الجنازة ثم يصلي المكتوبة؟.
أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن دخل المسجد بعد انتهاء الجماعة ووجد الجماعة يصلون على جنازة، فإنه يصلي عليها معهم حتى لا تفوته ثم يصلي الفريضة بعد ذلك، هذا إذا لم يخش خروج وقت الفريضة، قال ابن قدامة في المغني: فصل: وإذا اجتمع صلاتان، كالكسوف مع غيره بدأ بأخوفهما فوتاً. انتهى.
قال ابن باز فيمن دخل المسجد ووجد الجماعة يصلون على الجنازة: المشروع لك في مثل هذا الأمر أن تنوي صلاة الجنازة إذا علمت أنها صلاة جنازة ثم تكبر وتكمل معهم صلاة الجنازة، ثم بعد ذلك تصلي صلاة الظهر لأن صلاة الجنازة تفوت، وصلاة الظهر لا تفوت، لأن وقتها واسع. وفق الله الجميع. انتهى من مجموع فتاواه.
وانظر للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 25328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/141)
العلامة الكونية التي يعرف بها دخول وقت العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: ما هي المدة الزمنية بين المغرب والعشاء؟ أي متى يخرج وقت صلاة المغرب؟ هل بعد ساعة إلا ربعا من بدء أذان المغرب أو أكثر من ذلك؟.
ثانياً: هل هناك خلاف بين المذاهب في هذه المسألة؟ وما هو الراجح؟.
ثالثاً: صلاة العشاء التي قد صليتها سابقا على أساس أن الزمن ساعة إلا ربعا بين المغرب والعشاء هل علي قضاؤها الآن؟ أم أن المسألة خلافية وفي الأمر سعة؟ حيث إن بعض المساجد عندنا يصلون العشاء بعد المغرب ب 45 دقيقة من أذان المغرب ويقولون إن هذا مذهب الشافعي.
فأرجو منكم الإجابة عن كل سؤال بشكل منفرد.
وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس الوقت الذي يفصل بين المغرب والعشاء محدداً بالدقائق، ولكن آخر وقت المغرب هو أول وقت العشاء وذلك بمغيب الشفق الأحمر على الراجح من أقوال العلماء، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، فهذا عن سؤالك الأول.
وأما عن سؤالك الثاني: وهو المتعلق بخلاف العلماء في هذه المسألة: فأعلم أنهم اختلفوا في أول وقت العشاء وبماذا يدخل؟ فذهب الجمهور إلى أنه يدخل بسقوط الشفق الأول وهو الأحمر.
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه لا يدخل إلا بمغيب الشفق الأبيض.
وقد فصل ابن قدامة القول في المسألة فقال ـ رحمه الله: لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق، وإنما اختلفوا في الشفق ما هو؟ فمذهب إمامنا - يعني أحمد رحمه الله - أن الشفق الذي يخرج به وقت المغرب ويدخل به وقت العشاء هو الحمرة، وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والزهري والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وصاحبي أبي حنيفة.
وعن أنس وأبي هريرة: الشفق البياض، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وابن المنذر، لأن النعمان بن بشير قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة: صلاة العشاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر الثالثة. رواه أبو داود.
وروي عن ابن مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق.
ولنا: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما ينتظرها أحد غيركم.
قال: ولا يصلي إلا بالمدينة وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل. رواه البخاري.
والشفق الأول: هو الحمرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق. رواه أبو داود.
وروى ثور الشفق: وفور الشفق: فورانه وسطوعه، وثوره: ثوران حمرته، وإنما يتناول هذه الحمرة، وآخر وقت المغرب وقت العشاء.
وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء. رواه الدارقطني. انتهى.
فهذا عن سؤالك الثاني.
وأما سؤالك الثالث: وهو عن قضاء تلك الصلوات التي صليتها على هذه الصفة، فإذا كنت صليت شيئاً من الصلوات قبل دخول وقت العشاء وسقوط الشفق الأحمر، فإن قضاءه واجب عليك، لأن هذه الصلوات ما زالت ديناً في ذمتك ودين الله أحق أن يقضى.
وأما ما صليته من الصلوات في وقت العشاء فليس عليك قضاؤه، بل قد برئت منه ذمتك، ويمكنك الرجوع إلى التقاويم الموثوقة لتتبين ما إذا كان ما فعلته من الصلاة بعد مضي هذا الوقت المعين موافقاً للصواب في نفس الأمر أو لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/142)
المصاب بالمس يعالج بالرقية لا بالأغاني المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت زوجه أخي طبيعية وعندما قرأنا عليها بعض القرآن تغير صوتها وقالت: أنا مأمون وإنه جن ـ وتفعل أشياء غريبة لا نفهمها، وعند تشغيل الأغاني تسكت، فماذا نفعل لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح بمعالجة هذه المرأة بالرقية الشرعية إذا شككتم أنها مصابة بالمس وأن تحرصوا على عدم سماعها للأغاني المحرمة، فما كان محرما يحرم العلاج والتسلية به، ففي الحديث: إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها. رواه ابن حبان.
وقد بينا الرقية الشرعية وتحريم سماع الموسيقى في الفتاوى التالية أرقامها فراجعها: 66001، 54316، 80694.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/143)
الدعاء بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة جنازة الإمام سلم بعد التكبيرة الرابعة مباشرة، أليس بعد الرابعة دعاء عام للأحياء والمتوفين من أمة محمد؟ المأموم إذا كان مذهبه تسليمة واحدة في صلاة الجنازة، لكن الإمام سلم اثنتين، هل يجب على المأموم تسليمتان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة مّما اختلف العلماء في حكمه، فبعضهم ذهب إلى مشروعيته وبعضهم إلى عدم مشروعيته.
قال ابن قدامة: ظاهر كلام الخرقي أنه لا يدعو بعد الرابعة شيئا، ونقله عن أحمد جماعة من أصحابه وقال: لا أعلم فيه شيئا، لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل، وروي عن أحمد: أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل التكبيرة الرابعة، قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وقيل يقول: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وهذا الخلاف في استحبابه، ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب، وإن الوقوف بعد التكبير قليلا مشروع.
وانظر صفة صلاة الجنازة في الفتوى رقم: 56392.
وإذا سلّم الإمام تسليمتين فإنه يشرع للمأموم متابعته، وإن كان مذهب المأموم الاكتفاء بتسليمة واحدة. فقد جاء عن الحنابلة مشروعية متابعته تخريجاً على متابعة الإمام في قنوت الفجر.
قال ابن مفلح: وهل يتابع الإمام في التسليمة الثانية؟ يتوجه، كالقنوت في الفجر. وفي الفصول: يتبعه في القنوت، قال: وكذا "في" كل شيء، لا يخرج به عن أقاويل السلف.
وكلام الحنابلة في قنوت الفجر ليس صريحاً في الوجوب.
قال المرداوي: لو ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه فأمن أو دعا جزم به في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين وجزم في الفصول بالمتابعة وقال الشريف أبو جعفر في رؤوس المسائل تابعه في الدعاء قال ابن تميم: أمن على دعائه وقال في الرعاية الكبرى تبعه فأمن ودعا وقيل: أو قنت وقال في الفروع ففي سكوت مؤتم ومتابعته كالوتر روايتان وفي فتاوى ابن الزاغوني يستحب عند أحمد متابعته في الدعاء الذي رواه الحسن بن علي فإن زاد كره متابعته وإن فارقه إلى تمام الصلاة كان أولى وإن صبر وتابعه جاز وعنه لا يتابعه قال القاضي أبو الحسين: وهي الصحيحة عندي. انتهى.
وعلى ذلك فالأحوط متابعة الإمام في التسليمة الثانية كما سبق في الفتوى رقم: 43458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/144)
المال التالف بين وجوب زكاته معدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت باستثمار مبلغ: 1450 دولار في شركة بورصة في الأردن، وبعد فترة وجيزة أفلست شركات البورصة في الأردن، ونتلقى وعود بإعادة هذا المبلغ من قبل الحكومة بعد تحصيلها من الشركات، ولكن سؤالي هو: هل تجب علي الزكاة عن هذا المبلغ، حيث إنه قد حال عليه حول كامل؟ وهل هذا المبلغ نصاب؟ وكم يبلغ نصاب الزكاة في أيامنا الحالية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنصاب هو ما يساوي 85 جراما من الذهب الخالص تقريبا، أو 595 جراما من الفضة الخالصة تقريبا، فإذا بلغ ما يملكه الشخص هذا المقدار وجبت عليه زكاته إذا حال عليه الحول وهو في يده دون أن ينقص عن النصاب في أثناء الحول، وأما هذا المال المسؤول عنه، فإن كان الحول قد حال عليه وأمكنك أداء الزكاة قبل أن تفلس هذه الشركات فقد استقرت الزكاة في ذمتك وصارت دينا عليك يجب عليك المبادرة بإخراجها، فإن تلف المال بعد التمكن من أداء الزكاة لا يسقط وجوبها، قال ابن قدامة في المغني: وحكى عنه الميموني أنه إن تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة عنه، وإن تلف بعده لم تسقط، وحكاه ابن المنذر مذهبا لأحمد وهو قول الشافعي والحسن بن صالح وإسحق وأبي ثور وابن المنذر، وبه قال مالك إلا في الماشية.
وأما إذا كانت هذه الشركات قد أفلست قبل حولان الحول أو قبل تمكنك من الأداء فلا شيء عليك، قال ابن قدامة: والصحيح ـ إن شاء الله ـ أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء، لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه، ومعنى التفريط أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها، وإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط ـ سواء كان ذلك لعدم المستحق أو لبعد المال عنه. انتهى.
ثم إن كان القائمون على هذه الشركات قد تعدوا بفعل ما لا يجوز أو فرطوا بترك ما يجب في حفظ المال والقيام عليه فهم ضامنون له، وحينئذ فحكم هذا المال حكم الديون التي في يد الغير فيجب عليك زكاته إذا قبضته لما مضى من السنين، كما بينا ذلك في الفتويين رقم: 119194، ورقم: 119205، وأما إذا لم يكن من هذه الشركات تعد ولا تفريط فلا ضمان عليها لهذا المال، لأن المضارب لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/145)
هل للمذي رائحة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في رحلة إلى مدينة دبي، وأثناء هذه الرحلة أثيرت شهوتي قليلاً ثم بعد أن انتهيت وكنت في الطريق، كنت أغفو قليلاً وأستيقظ، مع العلم بأنه لم يكن نوما متواصلا، بل متقطعاً ثم بعد ذلك استيقظت، ولم أر مناما، وبعد عودتي إلى المنزل رأيت سائلا لزجا أبيض وهو نفس السائل الذي ينزل منيا عادة، وأنا أجزم بأنه مذي، لأن له مواصفات المذي، فهل للمذي رائحة؟ لأنني لست متأكدة إن كان نزل أثناء رحلتي أو عند غفوتي وله رائحة غريبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت تجزمين بأنه مذي، لكون صفته هي صفة المذي فهو مذي يجب الوضوء منه وتطهير البدن والثوب، وقد بينا الفرق بين مني المرأة ومذيها في الفتوى رقم: 45075.
وبينا حكم من شك فيما خرج منه، هل هو مني أو مذي؟ وأنه يتخير بينهما على ما اختاره بعض أهل العلم، وانظري الفتوى رقم: 64005.
ولم يتعرض العلماء ـ حسب اطلاعنا ـ لرائحة المذي وما إذا كان له رائحة أو لا، ولكنهم بينوا صفة المذي وأنه سائل أبيض رقيق يخرج عند فتور الشهوة بلا شهوة ولا يعقب خروجه فتور بالبدن وقد لا يشعر بخروجه وهو في النساء أكثر منه في الرجال، فإذا كان السائل الذي رأيته بهذه الصفة فهو المذي ـ سواء كانت له رائحة أو لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/146)
غسل من ترك شيئا من بدنه
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالاغتسال بهذه الطريقة: غسل الفرج ثم اليدين ثم تعميم الجسد بالماء ثم غسل الشعر ثلاث حثيات، فما المقصود بالحثيات؟ مع العلم بأنني كنت أتجنب غسل الفرج ـ سواء القبل أو الدبر ـ والمنطقة المحيطة بهما لأنني كنت أعتقد أنه لا يجوز لمس هذه المناطق أثناء الغسل، ولأنني سمعت أحد المشايخ يتحدث عن ذلك، وقد علمت الآن بأن الغسل يشمل العانة، فهل علي أن أعيد الغسل والصلاة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا صفة الغسل المشروع في فتاوى كثيرة، وبينا الغسل الكامل المسنون، والغسل الواجب المجزئ، فراجعي لمعرفة ذلك الفتويين رقم: 41097، ورقم: 31877.
واعلمي أن ترك شيء من البدن دون إفاضة الماء عليه في الغسل، مما لا يصح الغسل معه؛ إذ إن تعميم البدن بالماء من واجبات الغسل، فإذا كنت تتركين هذه المواضع المذكورة دون إفاضة الماء عليها، فإن غسلك هذا لم يقع صحيحا ولا مجزئا، وعليه فيلزمك إعادة الصلوات التي صليتها بهذا الغسل غير المجزئ، لأنها دين في ذمتك فلا تبرئين إلا بقضائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.
ويرى بعض العلماء أن قضاء تلك الصلوات لا يلزمك وأنك تعذرين بجهلك بالحكم وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والقول الأول أحوط.
وانظري للفائدة حول هذه المسألة الفتويين رقم: 125226، ورقم: 109981.
وأما إذا كنت تتركين دلك هذه المواضع فقط مع إفاضة الماء عليها فلا شيء عليك، لأن الدلك مستحب وليس بواجب على الراجح، وانظري الفتوى رقم 1432.
وأما الحثيات فهي الحفنات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/147)
مات عن أب، وثلاثة أولاد، وشقيقين، وابن عم لأب
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء قسم الميراث على الورثة التالي ذكرهم: أب، وثلاثة أولاد، وشقيقان، وابن عم لأب.
علما بأن على الميت ديون.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب قبل قسمة التركة بين الورثة سداد الدين الذي على الميت من تركته, لأن الدين مقدم على حق الورثة في المال، كما بيناه في الفتوى رقم: 6159.
ثم بعد ذلك تقسم التركة على الورثة, فإن كانوا محصورين فيمن ذكر، فإن للأب السدس، لقول الله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ {النساء: 11} .
والباقي للأبناء الثلاثة تعصيبا ـ بينهم بالسوية ـ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. متفق عليه من حديث ابن عباس.
ولا شيء للأخوين ولا لابن العم، لكونهم ـ جميعا ـ محجوبين حجب حرمان بالابن والأب, فتقسم التركة على ثمانية عشر سهما, للأب سدسها (ثلاثة أسهم) ولكل ابن خمسة أسهم.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/148)
جواب شبهة حول حديث (من مات وليس في عنقه بيعة..)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: رقم الفتوى: 111159.
عنوان الفتوى: توضيح المقصود من حديث: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.
تاريخ الفتوى: 04 شعبان 1429 / 07-08-2008
قرأنا فتواكم هذه، لكنها تعارض فتوى الشيخ العثيمين فى المحاضرات التى تنشرونها على موقعكم فى أكثر من محاضرة عن وجوب مبايعة ولي الأمر فى أي من الأقطار العربية والإسلامية، وإحدى فتاواه أسفل وفيها خلاف ما قلتم: في معنى حديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
السؤال حديث: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
ما معنى هذا الحديث؟ الجواب: معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام، لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء:59} .
وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين، لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين.
فأ يهما الأصح؟ رأي فضيلتك؟ أو رأي الشيخ العثيمين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فهمه السائل من الفتوى المذكورة ليس هو المراد، فليس من شرط البيعة أن تجتمع الأمة كلها في المشرق والمغرب على إمام واحد، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح العقيدة الواسطية: المسلمون أجمعوا ـ بلا نكير ولا اختلاف ـ على انعقاد الإمامة الشرعية لإمامين: هما: إمام بني العباس في بغداد، وإمام بني أمية في الأندلس ومضت الأمة على ذلك قروناً، وكل واحد من هذين الإمامين العلماء وأئمة السنة في بلده يقولون: هذا الإمام الذي تجب بيعته ويحرم الخروج عليه، وهذا إجماع منهم على أن البيعة لا يشترط لها الخلافة الراشدة العامة، بل البيعة منوطة بمن ولي الأمر، لأن البيعة تتجزأ حسب البلد، بحسب الوالي، هذا بحث.
والثاني: في هذه المسألة أن هذا القول - وهو أن البيعة لا تكون إلا مع الإمامة العظمى - يلزمه أن البيعة قد ذهبت منذ أزمان، وأن قول النبي عليه الصلاة والسلام: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.
أن هذا مخصوص ببعض الأزمنة دون بعض، وهذا تحكم في دلالة النص وتحكم أيضاً في كلام أهل السنة، فالبيعة ليس لها زمن يحدها عند أهل السنة، بل هي ماضية ولم يحدها أحد، والقول بأن البيعة منوطة بالإمامة العظمى هذا يلزم منه هذين اللازمين الباطلين. انتهى.
وإنما المراد بالفتوى المحال عليها: التحذير من التحزب بأن تدعي كل طائفة أو جماعة بأن رئيسها هو الإمام الذي تجب طاعته وبيعته، ويأتون بآيات وأحاديث تحض على اجتماع المؤمنين على بيعة إمام واحد للأمة ويسقطونها ـ جهلاً أو اتباعاً للهوى ـ على أحزاب يخترعونها ويحملون ذلك على شخص منهم، كما جاء في نص الفتوى المعنية بالرقم: 111159.
وقد سبق لنا بيان معنى الحديث المذكور والمراد ببيعة الإمام وماهيتها وكيف تتم؟ في الفتاوى التالية أرقامها: 6927، 23027، 31487، 117439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/149)
حكم شراء الشقق عن طريق جمعيات الإسكان التابعة للنقابات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشراء من جمعيات الإسكان التابعة للنقابات، الأرض محددة، والعمارات قيد الإنشاء، مساحات الشقق واحدة. في البداية نقوم بسداد نصيب الشقة في الأرض، ثم يحدد باقي المبلغ حسب تكلفة المباني والتشطيب والطابق، وإذا كانت الشقة بها امتيازات أخرى أي تصير اتحاد ملاك، وتحدد الشقة لكل فرد بالقرعة في جلسة واحدة علنية، والمبالغ التي تسدد للجمعية عن طريق رقم حساب الجمعية في البنك. فما حكم الشراء بهذه الطريقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نستطيع أيها السائل الكريم أن نعطيك حكما للشراء بما ذكرته في سؤالك، حيث لم تحدد لنا كيفية التعاقد وبنوده، ونحن نذكر لك للفائدة حكما إجماليا فنقول: إن كانت هذه الجمعيات تقوم بجمع الأموال من المشتركين من أعضاء النقابة، وتقوم بشراء الأراضي وبناء العقارات، وتكون هذه الجمعيات بمثابة الوكيل عن أعضاء النقابة الذي يشتركون بالجمعية، فلا حرج في هذه الحالة من أن توزع الشقق بالقرعة، لأن القرعة يجوز استخدامها عند القسمة بين الشركاء.
وجواز الاشتراك في هذه الجمعيات مقيد بالتزامها بالضوابط الشرعية في معاملاتها مع الأعضاء، وكذلك في معاملاتها عند شراء الأراضي وبناء العقارات، فيجب أن تلتزم بالضوابط الشرعية للبيع والشراء، والضوابط الشرعية للاستصناع إن كان تقوم ببناء الشقق عن طريق عقد الاستصناع.
وإما إن لا تكون الجمعية وكيلة عن أعضاء النقابة، وإنما تبيع لهم أو تجري معهم عقد استصناع، وفي هاتين الحالتين التعاقد معهما لا يجوز لجهالة المبيع في البيع، ولجهالة المستصنع إن فرض أن العقد لهما عقد استصناع. وراجع الفتوى رقم: 110893، والفتوى رقم: 11224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/150)
توظفت عن طريق قريبها وتخشى أن تكون أخذت حق غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أسرة حالتها المادية سيئة، لدرجة أن والدي أحيانا يستدين من الناس دون أن يعيد حقهم لهم بسبب ضيق ذات يده، وقبل فترة من الزمن ظهر إعلان في الصحف عن وظائف بإحدى الجامعات، وكانت تنطبق شروطها علي، وكان معدلي ممتازا، فقدمت على إحدى هذه الوظائف، وكان بهذه الجامعة موظف من أقارب والدي كلمه والدي ليساعدني في الوظيفة، وقد ذهبت للاختبار وأجبت حسب ظني جيدا، ثم ظهرت الأسماء ولم يكن اسمي منها، أي أن الوظائف التي أعلنوا عنها رشحوا ووظفوا لها جميعا أناسا آخرين لم أكن منهم، أي أنه لم يتوسط لي في الوظيفة الأساسية، وعندما راجعه والدي بعد ذلك قال له بأنه يأخذ ويوظف حسب الحل في الاختبار الأفضل فالأفضل، وقال لي إنني من الاحتياط وهناك وظائف للاحتياط.. وبعد فترة رشحني قريبي لوظيفة أخرى لها نفس مسمى الوظيفة التي قدمت عليها ونفس المرتبة أي أنني سأتوظف بوظيفة أخرى غير الأساسية التي رشحوا عليها ووظفوا.. أي إنني لم آخذ حق أحد في الوظائف الأساسية، فالوظائف الأساسية التي أعلنوا عنها وظفوا عليها وانتهوا، علما بأن قريبي هذا قبل فترة ظهرت وظائف معيدات وقدمت وكلمه والدي ليتوسط لي، لكنه قال له بأنه هناك أناس معدلهم أعلى، ولا يستطيع أن يقدمني عليهم، وهذا دلني على أنه لا يستطيع تقديمي على أحد، علما بأنني سألت والدي وقال لي بأنه لم يقدمني على أحد، ولكن أنا خائفة أن يكون راتبي حراما وأطعم أهلي حراما لأنني كما قلت نحن محتاجون جدا للوظيفة، وأنا نادمة أشد الندم أني طلبت منه التوسط. فهل أترك الوظيفة بناء على شكي؟ أم أعتمد على كلمته وكلمة والدي، فربما كان حقا دوري قد جاء في الوظيفة، ماذا علي أن أفعل جاوبوني أرجوكم رجاء حارا، فهل سيكون راتبي حراما أم حلالا. وفقكم الله جاوبوني بأسرع وقت فحالتي النفسية سيئة جدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على الحرص على تحري الحلال في كسبك وما تنفقين على أهلك، وننصحك بإبعاد الوساوس عنك وتمسكي بعملك.
فالأصل صدق والدك وقريبك، فأنت ذكرت تحري قريبك في الموضوع وعدم تقديمه لغير الأفضل، فاصرفي ذهنك عن الموضوع، ولا حرج عليك في أخذ الراتب إذا كنت تقومين بعملك على الوجه المطلوب.
ولمزيد الفتاوى التالية أرقامها: 53222، 64780، 97529.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/151)
سهولة خروج الروح وظهور ما يدل على صلاح الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب والدي بالمرض منذ 6 شهور، أصيب بالسرطان واستأصل كلية، وكان دائماً يقول الحمد لله هذا خير ونعمة، وكان في شدة ألمه يبتسم ويحمد ربنا على الابتلاء، وكان يقول لي يا ابنتي أنا أتعالج ليس لإطالة العمر، وإنما كي أقف على رجلي لغاية ما أموت حتى لا أتعب معي أحد، وفعلاً حدثت له غيبوبة لأقل من 24 ساعة فقط، وكانت آخر حاجة له صلاة العشاء، ولآخر وقت كنت أسأله كيف حالك يا حبيبي، وبالرغم من ألمه الشديد إلا انه كان يقول لي الحمد لله أنا على أتم الصحة، وقبل وفاته قال لعمي لماذا أنتم متضايقون، أنا مبسوط والحمد لله وغير خائف من الموت، قد بعث الله لي هدية، وهل يوجد أحد يرفض هدية ربنا.
توفي والدي رحمه الله منذ 12 يوما قالوا لي إنهم لم يروا مثله، وجهه لم يكن لإنسان ميت ولكنه بدا وكأنه نائم، قالت أختي إن نفسه كان متعبا جداً، ويتنفس بصعوبة من شدة المرض، ولكن وقت الوفاة وقبلها بدقائق ارتاح نفسه وهدأ جداً لدرجة أنهم توقعوا أنها بداية الشفاء، ولحظة الوفاة كانوا ينظرون إليه، ما حدث أنه فتح عينيه ونظر لليمين واليسار وأغمضها وكانت النهاية.
السؤال هنا: هل هذا يعني خروج الروح بسهولة كما قيل لي، وهل بالفعل تظهر على الميت علامات تبشر بأنه من أهل الصلاح إن شاء الله أسألكم الدعاء له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لوالدكم الرحمة، وأن يحسن عزاءكم. ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 73790.
وما ذكر من قصة الوالد يفيد خروج روحه بسهولة، وفي الحديث: أن نفس المؤمن تسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء. رواه أحمد وصححه الأرناؤط.
وهناك علامات تظهرعلى الميت تدل على صلاحه، وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 29018، والفتوى رقم: 50241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/152)
حكم إعادة جدولة القرض الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعادة جدولة القرض؟ حيث إن شروط البنك ترفض إعادة الجدولة إلا بأخذ قيمة 200دينار، لكي يعيد لي جدولة القرض على الفائدة الجديدة التي هي أقل من الفائدة التي أخذتها في القرض الأول، وهل يجوز أن أزيد عليها لكي أشتري سيارة عائلية تكفيني أنا وأسرتي؟ مع العلم أن لدي سيارة صغيرة لا تكفينا أنا وأسرتي التي تتكون من 10 أفراد.
أرجو الإفادة في أسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاقتراض بالربا لا يجوز، وهو من الكبائر التي ورد فيها الوعيد الشديد، ولا يستثنى من ذلك إلا من به ضرورة معتبرة شرعاً، ومن تاب من الاقتراض بالربا فعليه أن يسدد المال المقترض، وإن استطاع أن لا يسدد الفوائد فلا يسددها، أما جدولة القرض فهي جائزة بدون زيادة في القرض ـ سواء كانت من مقدار الدين أو في صورة مبلغ مقطوع يدفع عند الموافقة على إعادة الجدولة ـ جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة ما نصه: ثانياً: من صور بيع الدين غير الجائزة: أ - بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين، لأنه صورة من صور الربا، وهو ممنوع شرعاً وهو ما يطلق عليه جدولة الدين. هـ.
أما الزيادة على القرض الربوي أو أخذ قرض جديد لشراء سيارة فغير جائز، فليس من الضرورة المبيحة للقرض الربوي اشتراء سيارة، وراجع حد الضرورة التي تبيح للمرء التعامل بالربا الفتوى رقم: 127235.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/153)
حكم طلب الطلاق خشية إنجاب طفل معاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الله في الزوجة التي تطلب من زوجها الطلاق، ولا تريد أن تنجب منه ولدا ثانيا لأن الولد الأول معاق، مع العلم أنها ابنة خالته، وهو الآن ينام وحده، يقول كيف أطلقها طلاقا شرعيا، فأرجو الإجابة الشافية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أنه لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق لغير عذر مقبول شرعاً، وذكرنا أيضاً الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الطلاق، فيمكن مراجعة الفتوى رقم: 37112، والفتوى رقم: 2091، فتأثم هذه المرأة بطلبها من زوجها الطلاق لغير سبب. وإن كان ولادتها منه ولداً معاقاً هو سبب طلبها الطلاق فليس هذا عذراً شرعياً يبرر لها ذلك.
والإنجاب حق لكل من الزوجين، فلا يحق للمرأة الامتناع من الإنجاب بغير رضا زوجها، وراجع الفتوى رقم: 24033، واحتمال ولادة المرأة ولداً معاقاً لا يسوغ لها عدم الإنجاب، ثم ما يدريها فقد لا تلد ولداً معاقاً مرة أخرى، وإذا ولدته فقد يجعل الله تعالى فيه من الخير أكثر مما يمكن أن يحصل من الولد السليم، فالذي ننصحها بها أن تترك الأمر لله تعالى، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 53944.
وأن تتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الإثم، وإذا استمرت هذه المرأة على هذا الحال فهي امرأة ناشز، فللزوج أن يتبع معها ما أمر به الشرع في علاج نشوز المرأة، والتي قد ضمناها الفتوى رقم: 1103، وينبغي أن لا يلجأ إلى الطلاق حتى يستنفد ما قبله من الوسائل المذكورة، وإذا رأى المصلحة في طلاقها، وأراد أن يطلقها، فالطلاق الشرعي أن يطلقها للسنة، والطلاق السني بيناه في الفتوى رقم: 119498.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/154)
حكم استخدام البرامج المنسوخة بدون إذن أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد عمل مشروع، وأريد أن أعرف هل هو حلال أم لا؟
المشروع باختصار أنني أريد عمل قاعة للمحاضرات والتعليم بحيث يتم تأجيرها بالساعة، هذه القاعة ستكون مزودة بأجهزة حاسب آلي.
وسؤالي هنا هو أنني سأقوم بتحميل البرامج على هذه الأجهزة، وكلها ستكون منسوخة مثل الويندوز والأوفس وخلافه، بالإضافة إلى أن المحاضرين الذين سيأتون إلى هذه القاعة قد يقومون بتحميل بعض البرامج الخاصة بهم والتي على الأرجح ستكون منسوخة أيضا. وأنا لا أستطيع شراء البرامج الأصلية لتكاليفها الباهظة.
فهل هذا المشروع والمال المتحصل منه حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستخدام البرامج المنسوخة لا يجوز عند كثير من المعاصرين، وهذا ما عليه الفتوى في موقعنا، فإن أمكنك استخدام برامج مجانية أو شراء نسخ أصلية، فلا حرج في هذا المشروع إن كنت ستقوم بتأجير القاعة لأنشطة مباحة شرعا، وإذا استخدم المحاضرون في قاعتك برامج منسوخة فإنهم يتحملون تبعة ذلك، ولا يلحقك شيء منها. وانظر أقوال العلماء في حكم نسخ البرامج، وما يتعلق بالملكية الفكرية في الفتاوى التالية أرقامها: 34828، 121287، 125771.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/155)
الثوب المتنجس الجاف إذا لامس غيره هل ينجسه
[السُّؤَالُ]
ـ[طفل عمره أكثر من سنة ونصف ويأكل الطعام فشممت على سرواله رائحة البول عند فرجه، ولكن سرواله كان جافا وهو ـ فى الغالب ـ لا يبول على نفسه، وقد جلس على السجادة والسرير، فهل السرير والسجادة الذين جلس عليهما قد تنجسا؟ وهل إذا سار أحد على السجادة والسرير بقدميه يتنجس باقي المكان؟ مع أنه لم يبل على السجادة ولا توجد عين للنجاسة ولا رائحة، ولكنه جلس بسرواله فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أحوال انتقال النجاسة من جسم متنجس لآخر، وذلك في الفتوى رقم: 117811، وفيها بينا أن الجسم المتنجس إذا كان جافاً لم تنتقل النجاسة إلى ما لاقاه من الأجسام الطاهرة، وبه تعلم أن ما لامسه سروال هذا الطفل لم تنتقل إليه النجاسة، لكون السروال كان جافاً، ولا تتنجس قدم من سار على هذه السجادة، لأنها طاهرة غير نجسة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/156)
ابنة عمها رضعت من أمها فهل أبناء أختها يحرمون عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي رضع من زوجة عمي، وابنة عمي رضعت من أمي. فهل هذا صحيح أنه رضاعة متبادلة. لأن ابنة عمي التي لم ترضع مع أخي متزوجة عمي والد زوجي، ولها أبناء هم إخوان زوجي. فهل يجوز لي أن أتكشف عليهم لأنهم ينادوني ياخالة. ويقول أخي الذي رضع من زوجة عمي بأنه يجوز أن تكشفي عليهم لأني سألت أحد الشيوخ وقال له بأنها رضاعة متبادلة؛ لأن اللبن لبن الأب. فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأخوك الذي رضع من زوجة عمه يصير وحده أخا من الرضاع لأولاد عمه ذكورا وإناثا، ولا يدخل في ذلك إخوته وأخواته الذين لم يرضعوا منها.
كما أن ابنة عمك التي رضعت من أمك تصير أختا من الرضاع لك ولإخوتك وأخواتك ذكورا وإناثا، ولا يدخل في ذلك إخوتها ولا أخواتها ممن لم يرضعوا من أمك. ففي شرح الدردير ممزوجا بمختصر خليل المالكي:
(وقدر الطفل) الرضيع (خاصة) دون إخوته وأخواته (ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه) زوج أو سيد فكأنه حصل من بطنها وظهره. انتهى
فابنت عمك التي تزوجها والد زوجك لا تصير أختا لك من الرضاع بمجرد رضاع أختها من أمك ورضاع أخيك من زوجة عمه، وبالتالي فأبناؤها الذين هم إخوة زوجك ليسوا بمحارم لك، ولا يجوز لك الكشف بحضورهم إذا لم يوجد سبب محرمية من جهة أخرى.
واللبن ينسب للأم المرضعة للطفل ولزوجها الذى حصل اللبن بسببه بداية من وطئه حتى ينقطع اللبن.
ولكن ليس لشيء من ذلك تأثير في حصول المحرمية في موضع السؤال.
والرضاع الذي يثبت به التحريم هو خمس رضعات مشبعات على القول الراجح.
كما تقدم في الفتوى رقم: 52835.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/157)
العزم على ترك الوطء هل يعد إيلاء وهل يشترط سماع الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم الإجابة على كل سؤال على حدة.
السؤال الأول: إذا عزم الإنسان على أن لا يجامع زوجته لمدة سنة، ولكنه لم ينطق بذلك، وإنما نوى في قلبه بعد أن غضبها، فهل تطلق منه بعد أربعة أشهر؟ أم أن الإيلاء لا يقع إلا بالتلفظ، ولا يقع بالنية من غير التلفظ؟ .
السؤال الثاني: إذا تلفظ الإنسان بالإيلاء، ولكن ليس أمام الزوجة، وإنما في غرفة ثانية في الشقة، بحيث لم تسمع الزوجة الإيلاء بعد أن غضب منها، فهل يقع الإيلاء؟ أم لا بد من وجود الزوجة أمامه، بحيث تسمعه وهو يتلفظ بالإيلاء؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعزمُ الزوج على عدم وطء زوجته ليس بإيلاء عند جمهور أهل العلم خلافا للمالكية القائلين بكونه إيلاء إذا قصد الزوج الإضرار بها وهي رواية عند الحنابلة، قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما لحوق حكم الإيلاء للزوج إذا ترك الوطء بغير يمين، فإن الجمهور على أنه لا يلزمه حكم الإيلاء بغير يمين، ومالك يلزمه ذلك إذا قصد الإضرار بترك الوطء، وإن لم يحلف على ذلك، فالجمهور اعتمدوا الظاهر، ومالك اعتمد المعنى، لأن الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك الوطء، وسواء شد ذلك الاعتقاد بيمين أو بغير يمين، لأن الضرر يوجد في الحالتين جميعا. انتهى.
وإذا عزم الزوج على عدم الوطء لعذر كمرض مثلا لم يضرب له أجل الإيلاء، وإن كان لغير عذر فعلى رواية لبعض أهل العلم يضرب له أجل الإيلاء، فإن مضت له أربعة أشهر أمر بالطلاق أو الوطء، قال ابن قدامة في المغني: فإن ترك الوطء بغير يمين لم يكن موليا، لأن الإيلاء الحلف، ولكن إن ترك ذلك لعذر من مرض أو غيبة ونحوه لم تضرب له مدة, وإن تركه مضرا بها, فهل تضرب له مدة؟ على روايتين: إحداهما: تضرب له مدة أربعة أشهر, فإن وطئها, وإلا دعي بعدها إلى الوطء, فإن امتنع منه أمر بالطلاق, كما يفعل في الإيلاء سواء، لأنه أضر بها بترك الوطء في مدة الإيلاء فيلزم حكمه, كما لو حلف. انتهى.
وحتى على تقدير حلف الزوج، فإن الزوجة لا تطلق بمجرد انتهاء المدة عند الجمهور، وإنما يكون للزوجة الحق في الرفع إلى القاضي، فيأمر الزوج بالطلاق أو يطلقها القاضي إن امتنع الزوج، وذهب الحنفية إلى أن الطلاق يحصل بمجرد انتهاء المدة.
ويمين الإيلاء ينعقد بمجرد التلفظ به ولا يشترط فى وقوعه سماع الزوجة ولا حضورها، ولكن الزوجة إذا لم ترفع زوجها إلى القضاء حتى انتهت المدة التي حلف على ترك الوطء فيها، فإن إيلاءه ينحل ولا تلزمه كفارة إذا لم يكن وطئ في المدة التي حلف عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/158)
غاب عن عمله وأخذ الراتب كاملا فهل يجعله مقابل حق أخذ منه ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[موظف عمل بالدولة أكثر من 30 سنة، ثم إنتقل إلى مكان سكن آخر بعيد عن مقر عمله، وأصبح ذهابه اليومي إلى هنالك صعبا جداً مما ترتب عليه غياب كثير، ثم وجد أن مرتبه لم ينقص شيئا فهل هذا المال حلال أم حرام، علما بأن المدة تخللتها إجازات مستحقة، والعمل لدينا خمسة أيام فقط وكان يحضر متى يستطيع مثلاً يومان من كل أسبوع، ملاحظة: مدة هذا الغياب كانت عدة أشهر قدم هذا الموظف طلبا للتقاعد بعد هذه المدة القصيرة من الغياب، فوافقت الدولة وحسبت له مدة العمل أقل بسبعة عشر عاما من المدة التى قضاها في العمل، وأصبح معاش الموظف الآن قرابة نصف المعاش الأصلي الذي كان يتقاضاه قبل، فما الحكم فضيلة الشيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالالتزام بشروط التعاقد المحددة من قبل جهة العمل أمر واجب، لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم.. رواه البخاري تعليقاً. وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. وصححه الألباني. وقول القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.
وعلى ذلك فأخذ راتب أيام لم يحضرها الموظف دون إذن ممن هو مخول بالإذن لا يجوز.. وعليه أن يرد ما أخذ إلى هذه الجهة، ولا يصرفه إلى جهة أخرى ما دام يقدر على رده إليها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 127515، والفتوى رقم: 99496.
ولكن إن كان للسائل حق لدى جهة عمله أو أنه ظُلم بقدر معين من المال، كما هو ظاهر السؤال حيث يقول السائل إن دولته حسبت له مدة العمل أقل بسبعة عشر عاماً من المدة التي قضاها في العمل بالفعل، ولا يخفى ما في ذلك من الظلم وبخس الحقوق، فإن كان الأمر كذلك، فلا حرج عليه أن يحتفظ براتب أيام الغياب كاملاً، إن كان قدرها أقل من حقه الذي ضاع عليه، أو مساوياً له وهو ما يعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر، كما سبق أن بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 114794، 106914، 42472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/159)
حكم الصلاة وراء الإمام المشار إليه بالسؤال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام لا يرغب أن تصلي خلفه، ولا يرد السلام بسبب خلاف، ولا يوجد إلا مسجد واحد في المدينة، وأنا لا أستطيع الابتعاد عن المسجد. سبب الخلاف هو نحن نعيش في فرنسا والشباب لا يفهم اللغة العربية، وكذلك الأفارقة فطلبنا منه أن يكلف واحدا من الجماعة لترجمة ما يقول إلى اللغة المتداولة هنا أي الفرنسية، وهو لا يعرف الفرنسية فأبى، وهو لا يهمه إلا جمع الأموال.
ثانيا: في كل آخر صلاة يردد هذا الدعاء جماعة وبصوت مرتفع مع حاشيته بعد الاستغفار 3 مرات تم فاتحة للوالدين والمحبسين وكافة المسلمين أجمعين، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوته إلى خفض الصوت حتى لا يشوش على من يأتي متأخرا إلى الصلاة فرفض وغضب، وأصبح لا يرغب فينا أن نصلي خلفه، وأحيطكم علما بأن كثيرا من المصلين لا يأتون إلا يوم الجمعة ورمضان لصلاة التراويح والعيدين، أما صلاة الفجر فالمسجد لا يفتح وكذلك العشاء في الصيف وفي العطلة الصيفية حينما يسافر إلى أهله. والمسجد أصبح كالمقهى للحديث عن أمور الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة وراء الإمام المشار إليه صحيحة مجزئة إذا كان يأتي بأركانها وشروطها، ولا يجوز لك أن تتهمه بأنه لا هم له إلا جمع الأموال؛ لأن هذا اتهام بفساد النية، والنية محلها القلب، فكيف يتسنى الحكم عليها.
والأصل في المسلم أن يؤم الناس طلبا للأجر لا لجمع الأموال، وما ذكرته من مطالبتكم له بترجمة ما يقول.. فإن كنت تقصد خطبة الجمعة وتعني ترجمة فورية حال الخطبة فهذا غير مشروع في المفتى به عندنا، كما فصلناه في الفتوى رقم: 22008. والإمام محق في الامتناع عن ذلك، وإن كنت تعني بعد الانتهاء من الخطبة والصلاة، فلا نرى مانعا من ذلك كما بيناه في الفتوى رقم: 97966. وكذا إذا كان المقصود ترجمة الدروس بعد الصلاة.
وأما الدعاء الجماعي ورفع الصوت بذلك وقراءة الفاتحة بعد كل صلاة فهذه أعمال غير مشروعة؛ لأنها لم ترد بها السنة، والمواظبة عليها تجعلها في حيز البدعة، ويتعين على المسلم أن يعبد الله تعالى على ما شرعه في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن يتعبد على وفق هواه ومراده، فننصح الإمام المشار إليه بترك ذلك الدعاء الجماعي. وانظر الفتوى رقم: 127293.
ولا ننسى أيضا أن نحثه على فتح المسجد في صلاة الفجر وصلاة العشاء فالمساجد بنيت لإقامة الصلاة وذكر الله تعالى، وإغلاقها مناف لما بنيت له، والتخلف عن صلاة الفجر وصلاة العشاء من صفات المنافقين.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إ ن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. رواه مسلم.
وإذا كان عاجزا عن فتح المسجد وقت صلاة الفجر وصلاة العشاء فليوكل غيرها ممكن يمكنه فتح المسجد وكذا إذا سافر. وانظر الفتوى رقم: 23962.
ونوصيكم باللين والرفق في التناصح فيما بينكم فهذا مدعاة لقبول النصح من الناصح وزيادة المودة والإخاء بين المؤمنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/160)
الفرق بين الوسوسة والشك الذي يكفر به الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري من أين أبدأ؟ ولا كيف أبدأ؟ فالخطايا تخنقني والذنوب أهلكتني: فأنا فتاة في 14 من العمر وكنت على قدر كبير من الالتزام ـ والحمد لله ـ وبدايتي كانت عندما تصفحت منتدى للملحدين لعل وعسى أن يكرمني الخالق بهداية شخص على يدي وانصدمت لما رأيت هناك، فشباب في مقتبل العمر يتطاولون على الخالق الجبار فأشفقت عليهم وحزنت لحالهم، ولكن حدث ما لم أتوقعه: أصبحت تراودني وساوس وشكوك في صحة عقيدتنا ـ وأستغفر الله ـ وأصبحت في صراع دائم مع نفسي وتراودني تساؤلات خطيرة جدا جدا، علما أنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكير جعلني أجزم بأنني خرجت من الملة ـ والعياذ بالله ـ اسودت الدنيا في وجهي وأصبحت حياتي جحيما لا يطاق، وكان رمضان الماضي محطة هامة، حيث عدت إلى الله وأصبح إيماني أقوى، لكن إحساسي بأنني ارتكبت خطيئة الشرك يقتلني والله إنني أموت في الساعة مائة مرة وأنهار يوميا ولا أدري، هل يغفر الله لي أم لا؟ وأنا لا أقنط من رحمة الله، ولكن ما فعلته من أكبر الكبائر، فهل ـ حقا ـ ظلمت نفسي وخرجت من الإسلام؟.
أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسن الأخت السائلة ـ كما هو ظاهرـ لا يؤهلها لما أقدمت عليه من دخول مثل هذه المواقع، وقد سبق أن نبهنا ـ مرارا ـ أن محاورة الملحدين وغيرهم من أهل الزيغ والضلال لا يصلح لها كل أحد، فلابد لمن يتصدى لذلك أن يكون مؤهلا تأهيلا يجعله قادراً على كشف شبهاتهم وإيصالهم إلى توحيد رب العالمين، وإلا عادت عليه هذه الحوارات بالخسران إذا انطلت عليه شبهات المبطلين وتشربها قلبه، وراجعي في هذا المعنى: الفتاوى التالية أرقامها: 63952، 63082، 62110، 31015، 111900، 62022.
أما بخصوص ما حصل، فلا نراه ـ على ما يظهر من السؤال ـ يصل إلى درجة أن تقول السائلة: أجزم أنني خرجت من الملة ـ فلا ريب أن هناك فرقا بين الشك المخرج من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان، وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك، فلا بد لحصول الإيمان أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتوبة الشاك تكون بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه.
لكن ينبغي التنبه إلى أنه قد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا، ولكنه ليس شكا، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، وأما من تابع الوسوسة وتكلم بها ونشرها ووصل معها لدرجة الشك التي تزعزع أركان اليقين وتخالف التوحيد، فذاك الذي يخشى على إيمانه ويخاف عليه من الكفر ومتابعة الشيطان فيما يلقي إليه من وسوسة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120582.
وقول السائلة: علما بأنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكيرـ يدل على أنها من هذا النوع المؤمن ـ إن شاء الله.
وعلى أية حال ـ فالحمد لله تعالى ـ أن تداركك برحمته في شهر رمضان فاحمدي الله تعالى ولازمي ذكره وتلاوة كتابه وألحي في دعائه واجتهدي في طلب العلم النافع.
ونوصيك بعدم الدخول لهذه المواقع وأمثالها، فبحمد الله تعالى أبواب الدعوة إلى الله كثيرة جدا، والسعي في هداية الناس ميسور بسبل متعددة ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 61074، 37141، 118361.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/161)
حكم شراء أرض عن طريق جمعية قانونها به محاذير شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم وعفا عنكم، بغية امتلاك بقعة أرضية للسكن هناك ودادية - جمعية - أنشأها مجموعة من الموظفين، تقوم بشراء أراضي فلاحية وتجهيزها وتوزيع البقع على المستفيدين.
يقوم المستفيدون بالانخراط في الجمعية، بعد أداء واجب الانخراط، مقداره ألف درهم، وتوقيع التزام بجميع بنود القانون الداخلي. تدفع المبالغ على أقساط دورية - كل ثلاثة أشهر - مع دفعة مقدمة تقدر بخمس عشر بالمائة من الثمن المتوقع للبقعة، ودفعة قبيل استلام الأرض تقدر بنصف الثمن المتوقع. لا تحدد الجمعية الثمن الحقيقى ابتداء، إلا بعد شراء الأرض ومعرفة مصاريف التجهيز. حيث يتقاسم المستفيدون على حسب مساحة البقعة المختارة ومصاريف شراء الأرض وتجهيزها.
بعض البنود في القانون الداخلي أشكلت علي وهي: نقوم بودع الدفعات في حساب الجمعية، وهو حساب في بنك ربوي محض.
- كل من أحب الانسحاب من الجمعية يخصم منه مبلغ 3000 درهم، وإرجاع كل دفعاته.
- للجمعية الحق في طرد عضو من الأعضاء، ولم يوضحوا في القانون الداخلي، الأسباب المستحقة للطرد، مع خصم مبلغ 3000 درهم من مجموع دفعاته.
- كل تأخير عن موعد سداد الدفعة يترتب عليه زيادة جزافية تقدر بخمسة بالمائة من مقدار الدفعة.
- يتم توزيع البقع الأرضية على المستفيدين عن طريق القرعة. نتساءل وفقكم الله هل يجوز الانخراط في هذه الجمعية، وقبول هذه الشروط، والاستفادة من بقع أرضية أرخص بأكثر من النصف من ثمن البيع الحالي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الاشتراك في هذه الجمعية إذا كان قانونها الداخلي فيه محاذير ومخالفات شرعية، ولو في بند واحد من بنودها. ولا سيما مع التوقيع على التزام جميع بنود هذا القانون، كما ورد في السؤال.
وما ذكره السائل الكريم مما أشكل عليه من بنودها لا يخلو من هذه المحاذير والمخالفات، ومن أظهرها: وضع أموال الأعضاء في بنوك ربوية.
ومن ذلك أيضا: الزيادة المشروطة المقدرة بخمسة بالمائة من مقدار الدفعة عند كل تأخر عن موعد سداد الدفعة. فهذه من الربا الصريح؛ فإن الشرط الجزائي المقرر لتأخير الوفاء بدين غير شرعي باتفاق، لأنه صريح الربا، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 34491. وراجع في ما سبق الفتويين: 101302، 23338.
ومن ذلك أيضا إعطاء الجمعية الحق في طرد عضو من أعضائها دون إيضاح لمسوغات ذلك في القانون الداخلي، مع خصم مبلغ 3000 درهم من مجموع دفعاته، ففي هذا ظلم بيِّن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/162)
حكم ترك العامل زميله ينجز له ما تبقى من عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل ـ بمرآب ـ ببلجيكا وبعد انتهاء الوقت الرسمي للعمل أترك زميلي نصرانيا يكمل مابقي لي من عمل، هل يجوز هذا التصرف ولا يعتبر تشجيعا على عدم ترك البيع والشراء يوم الجمعة؟ وهل علي أن أدفع له مقابل مساعدته لي، مع أنه لم يطلب ذلك؟.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال أن صاحبه يلتزم بالوقت الرسمي للعمل فلا يتخلف عنه ولا يقصر فيه، وما بقي له من أعمال لم ينجزها في الدوام الرسمي للعمل يتركها لزميله النصراني كي ينجزها بدلا عنه، وأن زميله هذا متبرع بذلك، ولكن قد يصادف ذلك وقت صلاة الجمعة، فإن كان الحال كذلك، فلا بأس على السائل في ما يصنع، وليس في ذلك تعد على حرمة البيع وقت صلاة الجمعة، لأن زميله هذا ليس بمسلم، ولا هو حتى في بلد أو مجتمع إسلامي.
وأما الشطر الثاني من السؤال عن دفع مقابل لزميلك نظير مساعدته لك فهذا لا يجب عليك طالما أنك تعلم أنه متبرع بذلك لا يريد عليه مقابلا، ما دمت تستعين به في عمل مباح على وجه مشروع، جاء في الموسوعة الفقهية: تجوز الاستعانة في الجملة بغير المسلم ـ سواء أكان من أهل الكتاب أم من غيرهم ـ في غير القربات، كتعليم الخط والحساب والشعر المباح وبناء القناطر والمساكن. هـ.
ومع ذلك، فالأفضل بلا شك أن تعطيه مقابل ذلك، لكي لا يكون له عليك مِنَّة أو تستغني عن خدمته لك من الأصل، فقد حث الشرع على الاستغناء عن الناس وعدم سؤالهم شيئا.
فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة؟ قال: قلت: أنا، قال: لا تسأل الناس شيئا، فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيتناوله. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.
ويرجي لمزيد الفائدة مراجعة الفتويين رقم: 28513، ورقم: 60125.
وأخيرا ننبه السائل الكريم على أن حِلَّ السفر إلى بلاد الكفر مشروط بأمن الفتنة والقدرة على إقامة شعائر الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/163)
حكم لعب الورق مع اجتناب المحاذير الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال قد يكون تردد كثيراً ولكن الإجابات لم تكن دقيقة، وأرجو عدم إحالتي لسؤال متكرر، لعب الورق لمدة لمرة واحدة في الأسبوع بحيث لا يوجد فيه تضييع للوقت ولا يكون في وقت الصلاة، ولا يلهي عن أي أمر تعبدي ويكون بين أشخاص لا يوجد بينهم أي شحناء ولا يؤدي لأي مشكلة بينهم، أي تجتنب فيه جميع المحاذير الشرعية. ما حكمه في هذه الحالة؟ وهل يوجد حكم ثابت لهذه اللعبة، وإن وجد فما هو الدليل؟ وجزيتم الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في اللعب بالورق طالما اجتنبت فيه جميع المحاذير الشرعية، كالمذكورة في السؤال ونضيف إليها ألا يكون اللعب على عوض، فإنه يكون حينئذ من الميسر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. {المائدة:90} ، والأصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد دليل على المنع، ومن ثم فالدليل على حل هذه اللعبة بضوابطها هو عدم وجود المانع، وانظر الفتويين: 1825، 58245 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/164)
الشاعر الذي يكتب في الفتن والكفريات هل يقرأ شعره الخالي من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شاعر معروف والكثير من شعره يدعو إلى الفتن والضلال، ويحتوي بعض هذا الشعر على كفر في كثير من أبياته، فهل يجوز لي قراءة شعر هذا الشاعر الذي يخلو من الفتن ومن الكفريات؟ أو لا يجوز؟ لأنني بهذا أكون أقرأ لشاعر كتب أوصافا كفرية في شعره.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما خلا من الفتن والضلال وغيرها من الكفريات من شعر هذا الرجل فيجوز لك الاطلاع عليه إذا كنت ممن عنده علم يستطيع أن يميز به بين الحق والباطل وبين الكفر وغيره، فما زال العلماء يستشهدون بأشعار الكثير من أهل الجاهلية، فضلاً عن أهل الفسق والمجون كأبي نواس ونحوه، ومع قولنا بالجواز إلا أننا ننبه السائلة إلى أنه يجب عليها أن تصون نفسها وأن تبعدها عن مواطن الفتن وعن القراءة لأهل الإلحاد والزندقة، وفي أشعار أهل الإيمان والسنة غناء، وننصح السائلة بالرجوع إلى كتاب مفيد جداً في هذا الباب وهو ـ الإنحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها دراسة نقدية شرعية ـ للدكتور: سعيد بن ناصر الغامدي.
وراجعي الفتوى رقم: 38467.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/165)
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في مصر تكثر المنكرات، فلا يكاد الانسان يخرج في شوارع المسلمين في أي وقت من الأوقات إلا وإذا بها فيها من المنكرات ما فيها، فهل يجب علي الإنكار على تلك المنكرات جميعها إذا استطعت، سواء كان ذلك بالكلمه أو بالمطوية أو غير ذلك. طبعا لا بد من إنكار القلب وهو أدنى الحالات، ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار، وهذا الأمر يشغلني، وياترى هل يجب علي الإنكار لو أنني كنت راكبا لدراجتي والله المستعان.
شيخي العزيز المجيب على سؤالي أنت تعلم أحوال المسلمين والمنكرات في زماننا، فأرجو من الله ثم منكم إجابة وافية شافية كافية واقعيه موضحة بالأمثلة بها إسقاطات على الواقع. والله المستعان، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، كما يقول الغزالي، وهو واجب في الجملة، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك. فالسكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتفق على تحريمه حرام، والنهي عنه واجب، وذلك حين توفر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وهذا في الجملة. انتهى من (الموسوعة الفقهية) .
ومما هو واضح في الحديث السابق مراعاة قدرة العبد، فإن الاستطاعة هي مناط التكليف.
قال المناوى: إن لم يستطع الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به (فلبسانه) أي بالقول كاستغاثة أو توبيخ أو إغلاظ بشرطه (فإن لم يستطع) ذلك بلسانه لجود مانع كخوف فتنة أو خوف على نفس أو عضو أو مال (فبقلبه) ينكره وجوبا بأن يكرهه به ويعزم أنه لو قدر فعل اهـ.
وقال ابن العربي: القدرة أصل، وتكون في النفس وتكون في البدن، إن احتاج إلى النهي عن المنكر بيده اهـ.
ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم.
وقد سبق لنا بيان وسائل ومراتب وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فراجع في ذلك الفتويين: 36372، 17092.
ولذلك فإننا ننصح الأخ السائل أن يجتهد في الأمر والنهي كلما رأى ما يستدعي ذلك، وأن يلتزم بالضوابط الموضحة في الفتويين أعلاه، فإن خاف على نفسه الضرر وسعه أن ينكر بقلبه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني. وراجع في ذلك الفتويين: 18122، 1048.
وأما قول السائل الكريم: (ولكنني أخشى من ارتكابي للحرام بعد الإنكار) فالمقرر عند أهل العلم أن وقوع الإنسان في المنكر لا يسقط عنه وجوب الإنكار، لأن تقصيره في أحد الواجبين لا يبيح له التقصير فيهما معا، وراجع لزاما في هذا المعنى الفتويين: 9329، 26549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/166)
توفيت عن زوج وأربعة أشقاء وثلاث شقيقات
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
?- للميت ورثة من الرجال: (أخ شقيق) العدد 4- (زوج)
?- للميت ورثة من النساء: (أخت شقيقة) العدد 3؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن توفيت عن زوج وأربعة أشقاء وثلاث شقيقات ولم تترك وارثاً غيرهم، فإن لزوجها النصف لعدم وجود فرع وارث، كما قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن ل هُنَّ وَلَدٌ ... {النساء:12} ، والنصف الثاني بين الأشقاء الأربعة وبين الشقيقات الثلاث -تعصيباً- للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى في الكلالة: وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ.. {النساء:176} ، فتقسم التركة على اثنين وعشرين سهماً، للزوج نصفها -أحد عشر سهماً- ولكل أخ سهمان، ولكل أخت سهم واحد.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/167)
مات عن ابنين وثلاث بنات وأولاد ابن وأخ لأم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء حساب الميراث بناء على المعلومات التالية:
?- للميت ورثة من الرجال: (ابن) العدد 2- (ابن ابن) العدد 4- (أخ من الأم) العدد 1.
?- للميت ورثة من النساء: (بنت) العدد 3- (بنت ابن) العدد 2.
?- معلومات المفقودين في أقارب الميت هي: زوج بنتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزوج البنت ليس من الورثة، ولا ميراث له سواء كان مفقوداً أو موجوداً، وإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر ولم تترك وارثاً غيرهم فإن تركتها لابنيها وبناتها تعصياً، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11} ، ولا شيء لأبناء وبنات الابن والأخ من الأم لكونهم جميعاً محجوبون حجب حرمان، فتقسم التركة على سبعة أسهم، لكل ابن سهمان ولكل بنت سهم واحد.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/168)
تأخير أجور العمال بدون عذر من كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا عن تأخير الراتب بدون عذر مادي؟ مع العلم بأن راتب العمالة معروف قدره للجميع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتأخير أجور العمال وحقوقهم بدون عذر من كبائر الذنوب، فقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره.
نسأل الله تعالى أن يصلح حال الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/169)
نزول البول مع خروج الروح هل يدل على سوء الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند خروج الروح قد يتبول الميت على نفسه. فهل هذا كما يقال بسبب رهبة دخول ملك الموت على الميت أم أنه بسبب عدم تحكم الميت فى جسمه؟ وهل يدل هذا على حسن أو سوء الخاتمة أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للموت سكرات وما يحدث للجسم في هذا الوقت من نزول البول وغيره ليس دليلا على شيء، وربما يكون أمرا طبيعيا بالنظر إلى حال المريض وتغير جسمه.
ولهذا استحب أهل العلم أن يغطى الميت ويوضع بجواره شيئ طيب الرائحة ليخفي ما عساه أن يخرج منه من روائح كريهة.
وقد بينا أن شدة الموت وخروج الرائحة ليس دليلا على سوء خاتمة الميت انظري الفتاوى التالية أرقامها: 116086، 63861، 3382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/170)
طلق زوجته بعد نقاش حاد معها فما الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[رميت كلمة الطلاق على زوجتي في وسط نقاش حاد. ما الحكم في ذلك وماذا يترتب علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق الذي رميته على زوجتك يعتبر نافذا إذا كنت قد تلفظت بصيغة صريحة في الطلاق كقولك أنت طالق أو مطلقة أو نحو ذلك، أو تلفظت بكناية طلاق ـ وهي كل لفظ يدل على الفرقة- مع النية، وراجع في ذلك الفتويين: 24121، 78889.
وفى حال وقوع الطلاق فلك مراجعة زوجتك قبل تمام عدتها إن لم تكن طلقتها مرتين من قبل، وعدتُها تنتهي بطهرها من الحيضة الثالثة بعد الطلاق أو مضي ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو وضع حملها إن كانت حاملا
وما تحصل به الرجعة قد تقدم بيانه في الفتوى رقم: 30719.
وإذا كنتَ وقت التلفظ بالطلاق لا تعي ما تقول لشدة الغضب فلا شيء عليك لارتفاع التكليف حينئذ كما سبق في الفتوى رقم: 35727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/171)
لا يتوقف حصول الطلاق على صدور الوثيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي طلقني وحسب ما هو مدون في الصك بتاريخ 23-4-1430وجامعني بتاريخ 16-5-1430وصدر الصك بتاريخ1-7-1430حيث جامعني وأنا في فترة العدة رغم أنه قال لي أنا طلقتك وبعدها وقع الجماع وما كنت مصدقته أنه طلقني بالثلاث دون رجعة. السؤال: هل مازلت على ذمته أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق يقع بمجرد نطق الزوج به ولا يتوقف حصوله على صدور وثيقة الطلاق، وبالتالي فإذا كان زوجك قد طلقك بلفظ صريح فهو نافذ، وكذا إذا كان بلفظ غير صريح مع قصده الطلاق.
وهذا الطلاق رجعي إذا لم تسبقه طلقتان، والجماع الحاصل أثناء العدة تحصل به الرجعة ـ ولو من غير نية ـ عند بعض أهل العلم كالحنابلة والحنفية كما تقدم في الفتوى رقم: 30719.
ولم يتضح لنا المقصود بقولك [وما كنت مصدقته إلى آخر كلامك] فإن كنت تقصدين أنك لا تعتقدين أنه قد طلقك ثلاثا دون رجعة وهو في حقيقة الأمر لم يطلقك ثلاثا فأنت الآن باقية في عصمته لأنه قد ارتجعك بالجماع المذكور.
وإن كان المقصود أن الزوج قد طلقك ثلاثا- أي ثلاث طلقات لم تتخللها رجعة- فالبينونة قد حصلت بذلك عند جمهور العلماء خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى بأنها تقع طلقة واحدة، وبالتالي فإنك على قول الجمهور تحرمين عليه حتى تنكحي زوجا غيره نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقك بعد الدخول وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 35044.
وننصحك بالرجوع إلى القاضي الشرعي لأنه يتمكن من معرفة الحال , وقوله رافع للخلاف في مسائل الخلاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/172)
هل يقع الطلاق إذا قال لزوجته يا جارية أو يا أمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ: وصلنا الرد على الفتوى رقم: 123733.
عنوان الفتوى: من قال لامرأته إنه سيعاملها معاملة الجارية: هل يلزمه طلاق؟.
تاريخ الفتوى: 23 جمادي الثانية 1430 ـ 17-06-2009.
هل يعنى ذلك يا شيخ: أن من قال لزوجته يا جارية أو يا أمة ـ هذه الكلمة من الإماء ـ يريد أنه سيعاملها مثل الجواري والإماء ليس فيها شىء إذا لم يقصد بها الطلاق؟.
فقط نريد أن نتأكد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حسن العشرة أن يقول الزوج لزوجته إنه سيعاملها معاملة الجارية أو الأمة، أو يناديها بالجارية أو الأمة.
ومع ذلك، فإنه لا يلزمه شيء إذا قال لزوجته: ياجارية أو يا أمة ـ سواء قصد بذلك أنه سيعاملها معاملة الجارية أم لا ـ فالطلاق لا يقع إلا بلفظ صريح أو كناية مع النية، وبالتالي فالجواب هو ما تقدم فى الفتوى التي أشرت إليها.
وننصح هذا الزوج بالإعراض عن الوساوس وعدم الالتفات إليها مطلقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/173)
ما يفعل إذا امتنع بعض الورثة عن قسمة التركة
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الشيخ: نحن خمسة إخوان ـ ثلاثة أولاد وبنتان ـ وأمي, توفي والدي وترك لنا عمارة ـ ثلاث شقق ـ تسكن أمي في الكبيرة، وأخي الكبير في المتوسطة، والصغيرة فارغة، جاءت أمي وقالت إنها تريد بيع العمارة وتوزيع الحصص وفق الشرع، فقام أخي الكبير بالاعتراض بحجة أن الشقة التي يسكنها صارت ملكه، فقام أخي الآخر بالتهديد باللجوء إلي المحكمة، وبعد حصول خلاف شديد قامت أمي بالسكوت عن الموضوع، والآن قررت أنها لا تريد بيع العمارة وغضبت على أخي الذي يريد اللجوء إلى المحكمة وقالت سوف أغضب على كل من يوقف معه.
طلبت من أخي الذي يسكن في الشقة المتوسطة أن يدفع أجرة من وقت وفاة والدي حتى تقرر أمي البيع فرفض وقال هذا بيتي وحصلت قطيعة لمدة ثلاثة أشهر بعد هذا الخلاف بيننا، إلا أنني عدت وتصالحت مع الجميع وأتكلم معهم، ولكنهم جميعا متقاطعين ـ سيدي ـ أنا الآن في حيرة فلم أعد أعرف أين الحرام وأين الحلال في الموضوع؟ وماذا أفعل؟.
أرجو المساعدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المال الذي يتركه الميت حق لورثته جميعا، قال تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {النساء:7} .
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن ترك مالا فلورثته.
ولكل واحد من الورثة المطالبة بنصيبه في التركة، وقد سبق أن بينا أن هنالك طرقا ثلاثا يمكن أن يقسم بها العقار الموروث فيمكنك مراجعتها.
ولا يجوز لأحد من الورثة الامتناع عن قسمة التركة إذا طالب بعض الورثة بقسمتها، ويجبر الممتنع على القسمة، بشروط معينة ضمناها الفتوى رقم: 35945.
ويجوز لمن يطالب بالقسمة أن يرفع القضية إلى المحاكم الشرعية للفصل بين الورثة ودفع الحقوق إلى أهلها، ولا يجوز للأم أو غيرها أن تمنع أحدا من الورثة من رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية أو التحكم في أمر القسمة، وينبغي محاولة إقناع هذه الأم والحرص على إرضائها، وانظر الفتوى رقم: 109860.
وأما دعوى أخيكم أن الشقة التي يسكنها ملك له، فإن كان له دليل على ذلك فيمكنه إثباته عند المحكمة، وإلا فالأصل أنها تابعة للتركة.
ولا يحق لبعض الورثة استغلال العقار بسكن أو إجارة دون رضى بقية الورثة، فإذا لم يكن سكن أخيكم في هذه الشقة برضاكم فيجب عليه دفع أجرة عن تلك المدة.
وإننا ننصح بالحرص على حل هذه المشكلة بالحكمة، ولا يجوز التهاجر لأمر دنيوي ففي ذلك قطيعة للرحم، وانظر الفتوى رقم: 119058.
وإذا تعذر أمر التراضي على قسمة التركة وحدث النزاع فينبغي مراجعة المحكمة الشرعية فهي أولى بالنظر في مثل هذه المسائل. ... ... ... ...
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(12/174)
هل تغفر ذنوب الغريق لأنه شهيد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الغريق يعتبر شهيدا حتى ولو كانت أعماله سيئة؟ وهل يعاقب عليها أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين. رواه مسلم وغيره. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والغريق شهيد. الحديث رواه مسلم وغيره.
وعلى ذلك، فإن أعمال الغريق السيئة مغفورة له ـ ما لم تكن دينا أو كفرا مخرجا من الملة ـ فضلا من الله تعالى، لأنه شهيد، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال العلماء بعد ذكر شهداء الآخرة: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 100560، 97099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(12/175)
آداب وضوابط مناقشة أهل البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هل يحق لي وأنا مسلم من أهل السنة والجماعة أن أشارك في منتديات الصوفية ومناظرتهم حول الاحتفال بالمولد النبوي وأنها غير صحيحة وأنها لم تشرع في ديننا وأن أقول كلمة الحق وأن أتناقش معهم في مسألة العقيدة الواسطية وأن لله صفاته التي وصف بها نفسه والتي تليق به عز وجل من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل وأن الاستواء هو العلو لله عز وجل وأن هذا الاستواء يليق بجلاله عز وجل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة وهو من فروض الكفاية، ويتعين على بعض الأفراد بحسب القدرة.
وحتى تتحقق القدرة لا بد من استيفاء شروط من أهمها: العلم بما تأمر به والعلم بما تنهى عنه، وقد بوب البخاري في صحيحه بقوله: باب: العلم قبل القول والعمل.
ومناظرة المبتدعة المخالفين لأهل السنة والجماعة في الاعتقاد أو العمل ليست على درجة واحدة، فعوامهم يكفي لكشف شبهتهم بيان الحق بأقل ألفاظ، وهؤلاء لا يُخشى منهم، أما رؤوسهم ومتبوعوهم وكبراؤهم، فإن مناظرتهم تحتاج إلى دُربة ومعرفة بمسالك القوم، وانتباه لطريقتهم في الاستدلال بالنصوص، ومعرفة لعوارض الأدلة ولوازمها وملزوماتها وما لا يلزم من ذلك، ومعرفة لما يصلح أن يكون دليلاً وما لا يصلح لمنع الخصم المخالف من الاستدلال به، أو نقض استدلاله إن كان دليله غير مُنتج لما يريد المصير إليه، أو معارضة دليله بما هو أرجح منه، إلى غير ذلك من فن المناظرة والذي هو علم برأسه، وهذا لا يكفي في إتقانه قراءة ـ العقيدة الواسطية ـ لشيخ الإسلام.
بل قد يزيد البلاء بمناظرة أولئك الرؤوس وتحصل فتنة للمناظر بأن يتشرب قلبه الشبهة ويقع في مصيدة هؤلاء، وما ذلك إلا لأنه خاض البحر الخضم ولمَّا يتقن السباحة، وانظر الفتوى رقم: 24320. ... ... ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/176)
حكم تقديم عقد مزور للحصول على بدل السكن كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل أنا وزوجي بالسعودية منذ عامين في أكاديمية تعليمية خاصة، ونأخذ بدل سكن واحد أي لي وله كأننا واحد.
بدل السكن كان 1000 ريال شهريا مع العلم أن أقل إيجار شهري لشقة غرفتين وصالة 1200 ريال.وسكنت أنا وزوجي في غرفة منفصلة في شقة أحد الأصحاب وندفع 500 ريال شهري مع الكهرباء.طلبوا منا في العمل صورة من عقد الإيجار وبناءا على هذا العقد لن يعطوا بدل سكن إلا المبلغ المكتوب في العقد.لا يوجد عقد معنا لأن عقد الشقة مع صاحبنا الذي نسكن عنده في غرفة من شقته. الآن هل نقدم عقد مزور كما فعل أصحابنا في العمل ونكتب فيه ال1000 ريال أم ال500 ريال نحن في حيرة وإذا لم نعطي شيئا فلن يكون لنا بدل سكن، وكذلك لو تركنا الغرفة التي نحن فيها وذهبنا إلى مكان أغلى فلن يعطونا الزيادة بعد ذلك.أرشدونا عافاكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا يجوز تقديم عقد مزور لجهة العمل، لأن الكذب وشهادة الزور من الكبائر المحرمة، فإذا أمكنك السكن في شقة مستقلة ودفعت أنت وزوجك الزيادة اليسيرة فهذا أسلم لكما، لا سيما وأن هذه الزيادة يسيرة، ولا يلزم جهة العمل أن تدفع ما زاد على بدل السكن المتفق عليه في العقد.
لكن إن أردتما الاستمرار في السكن الذي أنتما فيه ولم يمكنكما الحصول على حقكما في بدل السكن إلا بعقد صوري فذلك جائز إذا أمنتما الضرر، وفي هذه الحالة يجب أن تكون القيمة المذكورة في العقد هي قيمة الإيجار الحقيقية وهي هنا الخمس مائة.
وننبهك إلى أن السكن في شقة أحد الأصحاب إذا أدى لوقوع خلوة أو اختلاط محرم لا يجوز.
نسأل الله تعالى أن يغنيكما من فضله العظيم.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 69900، 80896، 93011، 97740.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/177)
اتبع هذه الخطوات حتى تتخلص من الوساوس
[السُّؤَالُ]
ـ[سأطرح مشكلتي وأرجو منكم الإنصات لها: بدأت مشكلتي مع الوسوسة في الصلاة قبل عامين واستمرت معي وكانت في البداية شديدة، لكن ـ مع الأيام ـ تعودت عليها وكنت أحاول أن أتجنبها، لكن لم أستطع وأصبحت أرى أن جميع صلواتي غير مقبولة، وكنت أفعل أمورا أثناء الصلاة أشعر أنني مجبرعليها، ففي بعض المرات أتحرك كثيرا، وأثناء التشهد الأخير كنت أجلس ثم أرفع جسدي للأعلى قليللا ثم أجلس ثم أرفعه مرة أخرى حتى أنتهي من التشهد وأشعر أنني إن لم أفعلها فكأن شيئا سيخرج مني ويبطل صلاتي ـ والحمدلله ـ الآن تركت هذه العادة، لكن ظهرت لي أمور أخرى: فأصبحت حين أبدأ الصلاة لا أستطيع الوقوف كثيرا فكل مرة أكبر فيها أرجع وأنهي الصلاة وأشعر كأن شيئا يسخرج مني أيضا ويبطل الصلاة وأظل على هذا الحال حتى تذهب الحالة وأصبحت أقرأ السور بصورة سريعة حتى أنتهي من الوقوف، وهذا مايعذبني وأشعر أنني مقصر كثيرا في صلاتي وحتى سجودي أصبح سريعا لايتعدى الثانية، وحين قرأت حديثا عن من يسرق من صلاته جاءني حزن فظييع وشعرت بأن صلاتي التي سبقت كلها باطلة فحاولت أن أطيل، لكن لا أستطيع، والآن ظهرت لي حالة أخرى لا أعرف كيف أقولها؟ ألبس تحت القميص بنطالا وأرفع القميص إلى الأعلى فتظهر عورتي من الخلف وأحاول أن أغطيها بجلال الصلاة، لكن يكون شفافا ولايغطي المكان ولاأستطيع أن أرتاح أو أتم صلاتي إلا بهذه الطريقة، وكل ما أخشاه أن ماسلف من أعمالي باطل وناقص وأصبحت في حال لايعلمها إلا الله.
أرجو منكم أن تعطوني الحل المناسب والفتوى، وهل صلاتي صحيحه أم باطلة؟ وماذا علي أن أعمل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكره السائل يدل على أنه مبتلى بوسوسة شديدة، والذي ننصحه به هو أن يستعد للصلاة عند دخول وقتها فيلبس ما يستر عورته ويكبر ويقرأ الفاتحة ويصلي بطمأنينة ولا يلتفت أبدا إلى الأمور التي ذكرها مثل الشعور بأن شيئا سيخرج منه ونحو ذلك ولا يحرك بيده شيئا ولا يرفع ثوبه كي لا تنكشف عورته وليجتهد في مخالفة ما تمليه عليه وساوسه وما هي إلا أيام قليلة ـ إن شاء الله ـ وسيتغلب عليها، ولا شك أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة وأن كشفها عمدا مبطل للصلاة, وكذا القيام فرض في صلاة الفريضة، والطمأنينة فرض في الصلاة، فمن لم يطمئن في سجوده أو كشفت عورته في الصلاة عمدا أو لم يقم في صلاة الفريضة فالصلاته باطلة وتلزمه إعادتها, وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في علاج الوسواس القهري فنحيله إليها، وقبل الإحالة ننصحه بمراجعة طبيب الأمراض النفسية، وهذا مطلوب، لأنه من التداوي المباح.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
وانظر الفتويين رقم: 3086 , ورقم: 118262.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/178)
الدراسة ليست عذرا لقصر الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيمة بالولايات المتحدة لغرض الدراسة والمكان الذي أدرس فيه ليس به مكان أستطيع الصلاة فيه, وفى الأغلب صلاة العصر تكون قصرا، لأنني ملزمة بالتواجد في مكان الدراسة، فهل بالإمكان أن أصلي العصر جمع تقديم مع الظهر؟ أو لا يجوز؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلاة العصر لا تقصر إلا في السفر, ولا تقصر في الحضر وليست الدراسة عذرا لقصر الصلاة, وإن كنت تعنين أن مكان الدراسة يبعد عن مكان إقامتك مسافة قصر، فلا حرج عليك أن تجمعي العصر مع الظهر والواجب عليك ـ أختي السائلة ـ أن تصلي صلاة العصر في وقتها ولا تجمعيها إلى الظهر قبلها ـ إن كنت مقيمة غير مسافرة ـ فإن تعذر ذلك فلا مانع أن تجمعيها مع الظهر بشرط أن لا تتخذي ذلك عادة مستمرة فهذا لا يجوز, وانظري الفتوى رقم: 2160، عن الجمع بين الصلاتين في غير السفر للشغل الشاغل.
ولتحذر السائلة من التساهل أو التفريط في الصلوات عموما وصلاة العصر خصوصا, قال شيخ الإسلام: تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها، فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها، وهي التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها. انتهى.
ولتعلمي ـ أيضا ـ أن الهجرة إلى بلاد الكفر لا تجوز إلا في حدود بيناها في الفتوى رقم: 2007، وأن الدراسة في المؤسسات المختلطة ـ وخصوصا في بلاد الكفر ـ لا تجوز لغير ضرورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/179)
حكم الاقتداء بمن يشك أنه يلحن في الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ذهابي للصلاة قد أجد الإمام الذي يؤم الناس في الصلاة ممن يلحن في الفاتحة ممن لا تجوز إمامته إلا لمن هو مثله، فيا ترى هل أصلي وراءه؟ أم أخرج من المسجد وأذهب إلى مسجد آخر؟ أم أتحرى قبل أن أدخل المسجد؟ أم أصلى معه ثم أعيد صلاتي؟ وما الحكم أيضا إذا كنت شاكا في أنه يجيد قراءة الفاتحه قراءة ليس معها لحن يغير المعنى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من التفريق بين مسألتين، فإن من لا تصح إمامته إلا بمثله عند الجمهور هو من يخل بحرف من الفاتحة كأن يبدل حرفاً بحرف مع عدم القدرة على الإتيان بها على وجهها، وهذا هو الذي نص الفقهاء على أنه لا تصح إمامته إلا بمثله كالألثغ ونحوه، جاء في حاشية الروض: قال الشيخ فلا يصلي خلف الألثغ، يعني إلا من هو مثله. وقال النووي في المنهاج: ولا -أي لا يصح اقتداء- قارئٍ بأمي في الجديد، وهو من يخل بحرف أو تشديده من الفاتحة، ومنه أرت يدغم في غير موضعه، وألثغ يبدل حرفاً بحرف، وتصح بمثله. انتهى.
وذهب المالكية إلى صحة الاقتداء به إذا كان بحيث إذا علم لم يتعلم لأن صلاته لنفسه صحيحة فصح الاقتداء بل قال الدردير في الشرح الكبير: وجاز بمرجوحية اقتداء بأعمى ... (و) اقتداء سالم بإمام (ألكن) وهو من لا يستطيع إخراج بعض الحروف من مخارجها لعجمة أو غيرها سواء كان لا ينطق بالحروف البتة أو ينطق به مغيراً كأن يجعل اللام ثاء مثلثة أو تاء مثناة أو يجعل الراء لاما أو غير ذلك. انتهى.
وهذا المذهب له قوة، وإن كان الأحوط هو قول الجمهور، وأما من يلحن في الفاتحة فيبدل حرفاً بحرف أو يلحن لحنا يحيل المعنى مع كونه إذا علم تعلم فصلاته لنفسه غير صحيحة، ومن ثم فلا شك في عدم صحة الاقتداء به، قال النووي في المنهاج: فإن غير معنى كأنعمت بضم أو كسر أبطل صلاة من أمكنه التعلم فإن عجز لسانه أو لم يمض زمن إمكان تعلمه فإن كان في الفاتحة فكأمي وإلا فتصح صلاته والقدوة به. انتهى.. وقد أشبعنا القول في هذه المسألة في الفتوى رقم: 113626، وفيها بينا أن بعض أهل العلم سهل في الحروف المتقاربة المخارج كالضاد والظاء ونحو ذلك فانظرها للفائدة.
وبعد هذا البيان نحب أن ننبهك إلى أن الأصل هو صحة صلاة الإمام وسلامة قراءته من اللحن، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 123064، فلا نرى لك أن تستسلم للوساوس التي تعرض لك في قراءة الأئمة، ولا يسوغ لك ترك الاقتداء بإمام مجرد شكك في كونه يلحن في الفاتحة، فالواجب عليك أن تصلي جماعة غير ملتفت لهذه الوساوس، فإذا ظهرت لك بالقطع كون الإمام ممن يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى على الوجه المتقدم، فاترك الاقتداء به وصل خلف غيره ممن يقيم القراءة على وجهها، فإذا دخلت المسجد ووجدت الإمام ممن يلحن لحنا يحيل المعنى فإن أمكنك الانصراف إلى مسجد آخر دون إحداث فتنة فافعل، ثم عليك بمناصحة من تراه من الأئمة يلحن في الفاتحة على وجه يبطل صلاته وصلاة من خلفه وأن تبين له كلام أهل العلم في المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/180)
زوجها يراسل الأجنبيات بحجة أن العمل يقتضي ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يتحدث كثيرا إلى النساء ويراسلهن بحجة العمل مثل: صباح الخير أو تصبحين على خير
وعمله حر ليس فيه اختلاط، لكن هذا حدث بعد تكرار سفره لدولة خليجية، وإذا ناصحته يغضب ويقول هذا رزقنا ولا بد من المجاراة ويزداد أكثر من هذا الفعل، فكيف أتعامل معه حسب الشرع وطاعة الزوج؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث الرجل مع المرأة الأجنبية عنه الأصل فيه المنع، ولكن إن دعت إليه حاجة أو ضرورة فلا حرج فيه بشرط أن يكون منضبطا بالضوابط الشرعية من غض البصر وترك الخلوة والخضوع بالقول والاقتصار على قدر الحاجة أو الضرورة, وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 30016.
والذي ننصحك به هو أن تنصحي لزوجك بأسلوب لين رفيق وتعلميه بأن التعامل مع النساء الأجنبيات باب عظيم من أبواب الفتنة والشر ما لم ينضبط بضوابط الشرع, وأكثري من الدعاء له بالهداية والرشاد وأن يصرف الله عنه كيد الشيطان, وراجعي حكم التحية بصباح الخير وما شابهها في الفتوى رقم: 74681.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/181)
حكم سفر الداعية الذي يخاف على نفسه الفتنة للدعوة بالغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من فضيلتكم توجيهي، فأنا أود أن أضع ملفا للقبول في الدراسة بمعهد الأئمة والدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة، وبعدها ـ إن يسر الله لي القبول وأكملت الدراسة ـ من الممكن أن يوظفوني كمرشد ديني في أحد المراكز الإسلامية بالغرب أو بإفريقيا، ولكن ـ يا شيخ ـ أخشى على نفسي من الإقامة في بلاد الغرب ربما أفتن أو أخطئ، فبماذا تنصحني إن يسر الله لي القبول بالمعهد؟ وهل إذا لم يوافق الوالدان على بعدي عنهم بسبب طلب علم أو عمل أكون آثما؟.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالحرص على دراسة علوم الشريعة ـ سواء في هذا المعهد أو غيره ـ وأن تشتغل بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والهجرة إلى بلاد الكفار حرام لمن لم يتمكن من إقامة شعائر دينه، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 10043، 37470، 45909، 8614.
وإن كان يغلب على ظنك أن عملك في المراكز الإسلامية التي في بلاد الغرب يعرضك للفتنة والانحراف فالسفر إليها حرام، وانظر الفتوى رقم: 57842.
والظاهر من سؤالك أن هناك مجالاً للعمل في مراكز إسلامية بإفريقيا، وهذه قد تكون أنسب لك إذا كنت واثقًا من حفاظك على دينك فيها.
هذا، ولا تجب طاعة الوالدين إذا منعا من السفر لطلب علم واجب لا يمكن تحصيله بغير السفر، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 51180، 102254، 56544.
وإن كان الوالدان لا يعيلهما إلا أنت وكانا مضطرين إلى وجودك معهما فيحرم سفرك للعمل وطلب الرزق بغير إذنهما، وإلا لم يحرم، وانظر الفتويين رقم: 126496، ورقم: 60672.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/182)
أسكنهم أخوهم في بيته ثم طالبهم بقيمة البناء بعد خمس وعشرين سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن 4 إخوة كنا نعيش فى بيت واحد بناه لنا أخونا الأكبر منذ 25 سنة، ثم ترك أخونا الأكبر البيت وبنى لنفسه بيتا آخر بجوار بيتنا على قطعة أرض ملك لنا جميعا وأخونا الأكبر يريد الآن ثمن المباني فى البيت الأول، أي أنه يريد ما أنفق من مال على بناء البيت الأول، والسؤال: هل نعطيه ثمن المباني من 25 سنة؟ أم نعطيه ثمن المباني على ما هي عليه الآن؟ بمعنى: إذا كانت المباني تساوي 20 ألفا منذ 25 سنة وتساوي الآن 80 ألفا فأيهما نعطيه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان البيت المبني ملكاً لأخيكم ثم تركه لكم لتسكنوا فيه مجاناً أو بأجرة، وبعد ذلك أراد أخذ ثمن المباني، فهذا من قبيل البيع، والأصل أن يتم البيع بالثمن الذي يتفق عليه البائع والمشتري فيجوز لكم التراضي على البيع بما تتفقون عليه من ثمن.
وإذا كانت هذه الأرض مشتركة بينكم وبين أخيكم ففي حكم البناء في الأرض المشتركة تفصيل ملخصه، كما ذكره علي حيدر في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: ليس لأحد الشركاء في عرصة مشتركة أن يحدث بناء بلا إذن، فلذلك إذا بنى أحد الشركاء لنفسه في الملك المشترك القابل للقسمة بدون إذن الآخرين ولم يطلب أي شريك من الشركاء التقسيم وطلب الشريك الآخر رفع البناء يرفع، وفي هذه الصورة لا يقسم القاضي العرصة لأن الطلب شرط في قسمة القضاء ويكون البناء المذكور ملكاً مستقلاً للباني ولا يكون مشتركاً بمجرد بنائه في ملك مشترك، أما إذا طلب الشريك غير الباني أو الشريك الباني أو كلاهما القسمة فتقسم إذا كانت قابلة للقسمة، لأنه إذا رفع البناء في هذا الحال قبل القسمة يبطل حق الباني بالكلية، أما إذا قسم فيكون قد حوفظ على حقه في المقدار الذي أصاب حصته، فإن أصاب بناء على القسمة ذلك البناء حصة بانيه فيكون أصاب الهدف، وإن أصاب حصة الآخر فله أن يكلف بانيه هدمه ورفعه، وإذا تراضى مع الباني يدفع بدل البناء للباني ويمتلك الشريك البناء، وإذا أصاب بعض البناء حصة الباني وبعضه حصة الشريك الآخر فأمر البناء الذي يصيب الباني يكون عائداً له، أما البناء الذي يصيب حصة الآخر فيهدم ويرفع بطلبه، وإذا لزم هدم ورفع البناء وحصل من جراء ذلك نقصان للعرصة يضمنه الباني أيضاً، ومع ذلك إذا كان هدم البناء مضراً بالعرصة فيضمن صاحب العرصة قيمة البناء للباني مستحق القلع. انتهى.
وهذا التفصيل هو الذي نراه قريبا من الصواب، مع أن مسألة بناء الشريك في العرصة المشتركة محل خلاف بين أهل العلم، وقد بينا من قبل مختلف آرائهم فيها، فيمكن أن تراجع فيها الفتوى رقم: 117531.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/183)
حكم سكنى الزوجين معا بعد طلاقهما
[السُّؤَالُ]
ـ[يبلغ والدي من العمر 65، وهو يكبر والدتي بعشر سنين، وقد قررا الطلاق بالتراضي. فهل يجوز أن يمكثا معنا في نفس المنزل بدون أن يكلم أحدهما الأخر بما أن أمي قد دخلت سن اليأس وليس هناك فتنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لكم أن تجتهدوا في مناصحة الوالدين بعدم الطلاق، فالصلح بينهما للبقاء خير من الفراق، والله عز وجل قد قال عنه: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء:128} أي خير من الفراق لكن إن حصل طلاق.
فكون والديك قد بلغا السن الذى ذكرتَه لا يجعلهما ذلك غير أجنبيينِ، بعد وقوع الطلاق بل الخلوة بينهما داخلة فى عموم الخلوة المحرمة، لأن المرأة دائما مظنة الفتنة والشهوة ولو كانت عجوزا.
قال الحطاب في مواهب الجليل: لأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة وقد قالوا: لكل ساقطة لاقطة. انتهى.
وبناء على ذلك، فلا يحوز أن تسكن والدتكم مع أبيكم فى منزل واحد إلا بالشروط المطلوبة لذلك من استقلال الأم بغرفة وحدها لها مدخل ومخرج مختصان بها، مع وجود مرافق مستقلة من حمام ومطبخ ونحو ذلك، ولا يجوز سكناهما معا في منزل واحد بدون توفر هذه الشروط.
ففى الموسوعة الفقهية: فلو كانت دار المطلِّق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في غرفة منفردة، وبينهما باب مغلق (أي بمرافقها) وسكن الزوج في الباقي جاز، فإن لم يكن بينهما باب مغلق ووجد معها محرم تتحفظ به جاز، وإلا لم يجز. انتهي
وقال ابن حجر الهيتمي فى الفتاوى الكبري: إذا سكنت المرأة والأجنبي في حجرتين أو علو وسفل أو دار وحجرة اشترط أن لا يتحدا في مرفق كمطبخ أو خلاء أو بئر أو ممر أو سطح أو مصعد له، فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرمت المساكنة لأنها حينئذ مظنة للخلوة المحرمة، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد أو غلق، لكن ممر أحدهما على الآخر أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(12/184)
طلق امرأته ثم أرجعها ثم قال لها تعالي خذي حاجتك ثم طلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من سيدة تزوجت من قبل أربع أو خمس مرات ولها أولاد من ثلاثة أزواج وعندما تزوجتها كان عندها حوالي: 52 سنة واستمر زواجنا سنة ونصفا وهي من القاهرة وأنا من الاسكندرية واكتشفت أنها عصبية جداً وكنت أحاول أن أتحملها قدر الإمكان المهم أنها كانت تذهب إلى القاهرة كل ثلاثاء وأربعاء من كل أسبوع وكنا متفقين على هذا من أول الزواج لترى أولادها، والصغير كان يسكن معنا فى الاسكندرية وأدخلته مدرسة اعدادية وطلقتها من قبل بسبب عصبيتها الزائدة معي ـ طلقتها وهي تكلمنى بالتليفون ـ ثم رددتها ثانية ثم بعد ذلك بفترة أخذت تقول إنها تعبت من السفر ذهابا وإيابا فعرضت عليها أن تأتي بأبنائها للعيش معنا فرفضت وأخيراً ـ وهي فى القاهرة ـ غضبت علي مرة أخرى فى التليفون بطريقة لا تطاق فقلت لها تعالي وخدي حاجتك وعندما أتت حاولت أن أتصالح معها أو أثنيها عن ترك المنزل فرفضت تماما وبعد حوالي ثلاثة أيام من تركها المنزل قلت لها فى التليفون لكي تستطيعى الخروج دون أن يتحمل منا أحد وزرا فأنت طالق، فهل إذا طلقتها عند المأذون لها عندي نفقة؟.
وأكون شاكر جداً على الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت أنك طلقت زوجتك ثم أرجعتها وهذه الطلقة الأولى نافذة‘ ثم خاطبتها بعد ذلك بقولك ـ تعالي خذي حاجتك ـ وهذه العبارة من كنايات الطلاق، فإن قصدت بها طلاقها فهو نافذ، وإن لم تقصده فلا شيء عليك، لأن ضباط كناية الطلاق: هو كل لفظ يفيد قصد الفرقة، قال ابن قدامة في المغني متحدثاً عن كناية الطلاق: وسائر ما يدل على الفرقة ويؤدي معنى الطلاق. انتهى.
ثم طلقتها بعد ذلك قائلاً ـ أنت طالق ـ فإن كنت نويت الطلاق بقولك ـ خذي متاعك ـ فقد وقع الطلاق ثلاثاً وبانت منك بينونة كبرى ولا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك نكاحاً صحيحاً نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقها بعد الدخول، وعلى تقدير بينونتها فلا نفقة لها في العدة.
وإن لم تكن بقولك تعالى خذي حاجتك قد نويت طلاقا فطلاقها رجعي، وبالتالي فتجب عليك نفقتها وسكناها حتى تنقضي عدتها، والتي تنتهي بطهرها من الحيضة الثالثة بعد الطلاق أو مضي ثلاثة أشهر ـ إن كانت لا تحيض ـ أو وضع حملها كله إن كانت حاملاً، وإن أردت طلاقها المرة الثالثة لدى المأذون أثناء عدتها فهي نافذة وتكون قد بانت بينونة كبرى ولا نفقة لها على القول الراجح إلا إذا كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى حتى تضع حملها كله، كما تقدم في الفتوى رقم: 24185، وإن كانت عدتها قد انقضت فلا يقع الطلاق لدى المأذون ولا غيره لكونه لم يصادف محلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/185)
هل يندرج الحدث الأكبر تحت الحدث الصغر
[السُّؤَالُ]
ـ[لو اغتسل شخص ولم يصل الماء إلى بعض الأعضاء التي يصل إليها الماء في الوضوء، ثم بعد الغسل توضأ ووصل الماء فهل غسله صحيح ووضوؤه صحيح بحيث تصح الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأعضاء التي لم يصل إليها الماء يجب غسلها بنية رفع الحدث الأكبر، فإن توضأ ناويا رفع الحدث الأكبر ارتفع حتى ولو فصل فاصل بين الغسل والوضوء؛ لأن الموالاة ليست شرطا في غسل الجنابة كما بيناه في الفتوى رقم: 14937.
وإن غسلها بنية رفع الحدث الأصغر – الوضوء – لا الأكبر عمدا، وهو عالم بأنه لم يكمل غسل الجنابة لم ترتفع الجنابة عند الفقهاء وقيل ترتفع، وإن أخطأ فغسلها بنية الوضوء ناسيا أنه لم يكمل غسل الجنابة أجزأه ذلك, جاء في الإقناع عند ذكره لغسل الجنابة: ويكفي نية رفع الحدث عن كل البدن، وكذا مطلقا في الأصح...... فلو نوى الأكبر كان تأكيدا، أو لو نوى رفع الحدث الأصغر عمدا لم ترتفع جنابته لتلاعبه، أو غلطا ارتفعت جنابته عن أعضاء الأصغر.. اهـ
وقد نص بعض فقهاء المالكية أن من توضأ في غسل الجنابة ناويا رفع الحدث الأصغر – لا الأكبر - لم يجزئه في المشهور عندهم, وفي قول يجزئه، جاء في مواهب الجليل للحطاب: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَوَى بِهَذَا الْوُضُوءِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأَصْغَرِ..... وَقِيلَ: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ نَابَ عَنْ فَرْضٍ. نَقَلَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. اهـ
وبهذا يتبين أن في المسألة خلافا إذا توضأ بنية رفع الحدث الأصغر عامدا. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 115594.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/186)
المنشغل بالذكر إذا سمع الصلاة على النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا بعد أداء الصلاة المفروضة في الجماعة يقوم الذي أقام الصلاة ويقول بصوت مرتفع: استغفر الله ثلاثاً اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ويسكت، وفي جوامع أخرى يكملون الورد بصوت مرتفع بأن يردد المصلون بعد هذا الذي أقام الصلاة: آية الكرسي والتسابيح، وسؤالي: أين المشروع في هذا كله؟ وإذا كان هذا كله بدعة، فكيف السبيل عندما يذكر الصلاة على النبي إذا كانت في غير محلها هنا؟ فهل أصلي عليه صلى الله عليه وسلم أم لا؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجهر بالأذكار التي تكون دبر الصلاة محل خلاف بين أهل العلم، وقد اختار جماعة منهم الإمام الشافعي عدم مشروعية قراءة الأذكار المأثورة بعد أداء الصلاة المفروضة جهراً ـ لا من المؤذن ولا من الإمام ولا من أحد من المأمومين ـ إلا في حال إرادة تعليم المأمومين تلك الأذكار، كما تقدم في الفتوى رقم: 7444، وفي ذيل هذه الفتوى بيان حكم تلاوة الأذكار بصورة جماعية.
هذا، وإذا سمعت من يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وأنت منشغل بتلاوة الأذكار التي تقام أدبار الصلوات - فإن عليك أن تقطع ما أنت فيه لتصلي عليه صلى الله عليه وسلم ثم تعود لما كنت عليه من ذكر- فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع من يذكره متأكدة جداً ولو تكرر ذكره كثيراً، بل قال بعض العلماء بوجوبها: كالإمام ابن عبد البر، ولا يمنع منها كون العبد متلبساً بعبادة أخرى كالصلاة مثلاً، إلا أن يكون بالسامع لذكره مانع يمنعه من ذكر الله تعالى كأن يكون على حاجة مثلاً، ويدل لما سبق ما رواه الترمذي في جامعه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البخيل من ذكرتُ عنده فلم يصل علي.
وما رواه الترمذي ـ أيضاً ـ من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصل علي.
وما رواه الترمذي ـ كذلك ـ من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 30357.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/187)
حكم التفاوت في خصائص الأسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمؤسسة أن تصدر أسهما تمثل حقاً في التصويت لأخذ القرار، وأخرى تعطي فقط الحق في حصص الأرباح دون أخذ القرار؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى حرجاً في أن يتم إصدار أسهم لا يكون لأصحابها حق في التصويت، فالتفاوت في خصائص الأسهم إذا كان من الأمور الإدارية أو الإجرائية لا حرج فيه، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في الدورة السابعة المنعقدة عام: 1412هـ: لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال، أو ضمان قدر من الربح، أو تقديمها عند التصفية، أو عند تقسيم الأرباح، ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية. انتهى.
وهذه الأسهم قريبة الشبه مما يسمى بالأسهم الممتازة، فمن أنواع الأسهم الممتازة أسهم ذات أولوية في الحقوق غير المالية يكون لأصحابها عدد من الأصوات في الجمعيات العمومية زيادة على تلك التي تقرر للأسهم العادية، وهذا النوع من الأسهم فيه قولان للمعاصرين:
الأول: أنه لا يجوز إصدارها ولا تداولها، لأن هذه الأسهم فيها تفاوت في الحقوق لا مبرر له والأصل تساوي الشركاء في الحقوق.
الثاني: أنه يجوز إصدارها وتداولها، لأن الامتياز في هذه الأسهم ليس في الحقوق المالية، وإنما يعود إلى الجوانب الإدارية، ولكن يشترط أن يكون هذا الامتياز منصوصاً عليه في قانون الاكتتاب وبعيداً عن الاستغلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/188)
حكم الزواج من بنت بنت الأخت لأب
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 20 عاما وأرغب في الزواج من بنت بنت أختي من أبي، فهل يجوز ذلك أم لا؟.
أرجو الرد بأقصى سرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الزواج من بنت بنت أختك، لأن بنت الأخت يحرم نكاحها ـ إجماعا ـ فهي من ضمن المحرمات من النسب السبع ـ سواء كان الأخ شقيقا أو لأب أو لأم ـ ويشمل التحريم بنات بنت الأخت ـ وإن سفلن ـ قال الجصاص في أحكام القرآن: وقد عُقِل من قوله تعالى: وبنات الأخ.
وبنات الأخت من سفل منهن.
كما عُقِل من قوله تعالى: أمهاتكم.
من علا منهن. انتهى.
وقال البغوي في تفسيره: وبنات الأخ وبنات الأخت.
ويدخل فيهن بنات أولاد الأخ والأخت ـ وإن سفلن. انتهى.
وعليه فبنت بنت أختك من الأب من محارمك ولا يجوز لك نكاحها وعليك أن تصرف نظرك عن التفكير في الارتباط بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/189)
حكم إفساد صوم القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[نوت زوجتي صيام هذا اليوم قضاء لما أفطرت في رمضان وقد أخبرتني بذلك البارحة، وبعد صلاة الفجر من هذا اليوم أردت معاشرتها ناسيا أنها صائمة, أما هي فلم تكن تريد أن ترفض طلبي ولم تذكرني أنها صائمة، فما حكم كسر صيام القضاء من جهتي ناسيا؟ ومن جهتها متذكرة؟ لكن إرضاء لرغبات زوجها.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت زوجتك حين لم تذكرك بكونها صائمة، فإن قطع صوم الفرض بعد الشروع فيه لا يجوز، لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة، لأن القاعدة الشرعية: أن كل من شرع -أي بدأ- في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي. انتهى.
وأما أنت فلا إثم عليك، لكونك كنت ناسياً، وقد رفع الله الإثم عن الناسي، فقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286} .
وقال الله في جوابها: قد فعلت. أخرجه مسلم.
والواجب على زوجتك أن تتوب إلى الله تعالى من إقدامها على إفساد يوم القضاء الذي كان إتمامه واجباً عليها ولا يزال ذلك اليوم الذي أفسدت صومه ديناً في ذمتها، وليست عليها كفارة لأنها لا تلزم إلا بانتهاك حرمة رمضان، قال ابن رشد: واتفق الجمهور على أنه ليس من الفطر عمداً في قضاء رمضان كفارة، لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني: رمضان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/190)
حكم إطلاق لقب السيد على من انتسب لأهل البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إطلاق لقب السيد: على كل من انتسب إلى آل بيت النبي صلى الله عيه وسلم، حتى لو كان طفلاً صغيراً، أو شخصا لا تبدو عليه بوادر الاستقامة أو من أهل البدع أو غير ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللقب يراد به اليوم معنى خاصا وهو انتساب الشخص إلى آل الحسن أو الحسين ـ رضي الله عنهما ـ وبناء عليه، فلا حرج في هذا اللقب، لأنه يراد به التعريف ولا يراد به التعظيم، قال المناوي: واستعمال السيد في غير الله شائع ذائع في الكتاب والسنة.
قال النووي: والمنهي عنه استعماله على جهة التعاظم لا التعريف. انتهى.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 100849، 105856، 109726.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/191)
تقدم لها خطيب ثم تقدم لها آخر حالته المادية جيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي كانت خطبتها يوم الخميس الماضي وكان الذي يريد أن يخطبها مسافر في دولة عربية طلبا للعمل وتأمين مستقبله وهو شاب يعتبر فقيرا وليس متعلما وكذلك أهله حالتهم المادية سيئة وهو يساعدهم في إيجار البيت وبعد الخطبة جاءها عريس متعلم ومركز ومؤمن مستقبله فوقعت أختي في حيرة من أمرها، مع العلم بأن أختي والله لا تريد أي غاية أخرى فأختي لا تستطيع الدفاع عن نفسها وكثيراً كثيرا إذا تضايقت أو انزعجت لا تقدر أن تعبر عن ذلك ولا تعرف كيف تتصرف وتخجل كثيراً كثيراً، فأنا أفكر في ظروف حياتها مع خطيبها ستكون صعبة من الناحية المادية، أما العريس الأخير فحاله مستقر ومتعلم، وبصراحة الاثنان نفس الشيء لا نعرفهم والفرق في المغريات، فما هو رأيكم إذا تم فسخ الخطوبة من أجل العريس الجديد؟ يعني أختي متعلمة وتريد أحدا متعلما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت أختك لم تقبل بالخاطب الأول، فلا حرج على الخاطب الآخر أن يتقدم إليها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 25922، وأما إذا كانت قد قبلت بالخاطب الأول فلا يجوز للثاني أن يتقدم إليها إلا إذا ترك الأول الخطبة لكن لا حرج على أختك في فسخ خطبة الأول وقبول الخاطب الثاني إذا خطبها، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 71049.
واعلمي أن الأصل في معيار اختيار الزوج هو الدين والخلق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. روه ابن ماجه والترمذي وحسنه الألباني.
ولكن ذلك لا يعني أنه لا يجوز مراعاة أمر غير الدين والخلق في الزوج، فمن حق المرأة أن تراعي فيمن تختاره زوجاً ـ مع الدين والخلق ـ أموراً أخرى مباحة كالعلم والمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/192)
هل يتزوج من ابنة عمه مع زعم أمه أنها أرضعتها كثيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أريد الزواج من بنت عمتي، لكن أمي تقول إنها أرضعتها، وعندما سألت عمتي قالت إن أمي أرضعت ابنتها مرة أو مرتين فقط، ولكن أمي قالت لي لا لقد أرضعتها مرات كثيرة، مع العلم بأن أمي طلقت إثر خلاف مع والدي وهي تكره كل عائلة أبي وأنا لا أشك في كلام عمتي، لأنها ملتزمة جداً ـ وللأسف ـ أمي كثيرة الكذب فماذا أفعل؟ ومن أصدق؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نريد أن نلفت انتباهك إلى أن وصف الأم بأنها كثيرة الكذب ينافي الاحترام الواجب في حق الوالدين، فإذا كانت أمك غير ملتزمة فعليك بنصحها برفق وأن لا تتحدث عنها على نحو ما ذكرته في السؤال، وبخصوص جواب ما سألت عنه: فجمهور أهل العلم على أن الرضاع لا يثبت بشهادة امرأة واحدة، وعند الحنابلة يثبت بقولها إذا كانت ثقة، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع، إذا كانت مرضية. انتهى.
وبناء على ذلك، فإذا كانت والدتك كثيرة الكذب فلا يثبت بها الرضاع حتى عند الحنابلة القائلين بصحة شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وبالتالي فلك الزواج من ابنة عمتك، إذا لم يكن ثمت شهود على الرضاع المذكور غير أمك وعمتك ولم يوجد سبب آخر للمحرمية، وينبغي التلطف بأمك ومحاولة إقناعها بأمر زواجك ممن لا ترغب فيه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28816.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/193)
توفي عن أم وزوجة وأختين شقيقتين
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء قسم الميراث على المورثة التالي ذكرهم: أم، وزوجة، وأختان شقيقتان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن توفي عن أم وزوجة وأختين شقيقتين ولم يترك وارثاً غيرهم، فإن لأمه السدس، لقوله تعالى: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:11} .
ولزوجته الربع، لعدم وجود فرع وارث، كما قال تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ {النساء:12} .
وللأختين الشقيقتين الثلثان، لقول الله تعالى: فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ {النساء:176} . والمسألة عائلة فتقسم التركة على ثلاثة عشر سهماً، للأم منها سهمان، وللزوجة منها ثلاثة أسهم، ولكل أخت شقيقة أربعة أسهم.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية، وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/194)
سبب عدم ذكر إخوة شعيب لأصحاب الأيكة في سورة الشعراء
[السُّؤَالُ]
ـ[في سورة الشعراء لم يقل: أخوهم شعيب، كما فعل مع باقي الرسل، فلماذا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض المفسرين أن شعيباً عليه السلام أرسل إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة وذكر أنه عليه السلام كان من أهل مدين ولم يكن من أصحاب الأيكة، فلذلك عبر الله عن أخوته لأهل مدين فقال: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا. كما في سورة: الأعراف وهود والعنكبوت.
ولم يذكر ذلك في سورة الشعراء، لأن المذكور فيها هم أصحاب الأيكة، فقال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ.
وقيل: إن أصحاب الأيكة هم أهل مدين، ولكنه قال ـ أخوهم ـ لما ذكرهم باسم قبيلتهم، لأنه يشاركهم في نسب القبيلة، ولم يقل أخوهم حين نسبهم إلى الأيكة التي هلكوا بها تنزيها لشعيب عن النسبة إليها، كذا قال ابن جزي في تفسيره. وراجع تفسير النسيابوري وابن كثير وابن السعود والبغوي وأضواء البيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/195)
لا يعاشرها زوجها من سنوات طويلة ولا ينفق عليها سوى الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي هاجرني لمدة 10 سنوات، ولا يجامعني نهائيا، حاولت معه ولكنه رفض. منهم من يقول إني أعتبر طالقا منه، ومنهم من يقول غير ذلك. فما الحكم أفيدوني مع الشكر. مع العلم أنه لا يقوم بالإنفاق علي إلا فقط بإحضار الطعام وهو بخيل في ذلك أيضا. أريد الطلاق منه، ولكن لأن سني47 سنة، ينصحني بالبقاء معه مع أنني لم أنجب إلا بنتا واحدة، وهي متزوجة الآن، وأعيش بفراغ قاتل أخاف على نفسي من الوقوع في الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان زوجك على ما ذكرتِ من الهجر والتفريط في حقك في النفقة والمعاشرة ونحوهما فهو آثم والعياذ بالله تعالى، فإن الجماع بقدر الحاجة حق للزوجة على زوجها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ويجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه أعظم من إطعامها. والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة. وقيل بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين. انتهى.
كما يجب للزوجة النفقة بقدر الكفاية إضافة إلى الكسوة ونحوها ولا يجوز التفريط في ذلك.
وبناء على ما تقدم فانصحي زوجك وذكريه بحرمة ما هو عليه من تضييع حقوقك، فإن لم يفد ذلك فلك أن ترفعي أمرك للمحكمة الشرعية لاستدعاء زوجك، فإما أن يعاشرك بالمعروف ويؤدي حقوقك، وإما أن يطلقك أو تقضي لك المحكمة بالطلاق إن أردته. وراجعي الفتوى رقم: 31884.
ولا يقع الطلاق بمجرد تفريط الزوج في الحقوق الواجبة عليه من جماع ونفقة وغيرهما؛ لأن الطلاق لا يقع إلا بالتلفظ به أو بحكم شرعي. وراجعي الفتوى رقم: 20822، والفتوى رقم: 27852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/196)
معنى: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا - ما معنى صلى الله عليه عشرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. . الحديث رواه مسلم وغيره.
ومعنى صلى علي: أي قال اللهم صل على محمد ... فهذه الجملة تعني أن قائلها يسأل الله تعالى مزيدًا من الرحمة والثناء والأمان.. لرسوله صلى الله عليه وسلم. فبذلك يكون جزاؤه الصلاة من الله تعالى عليه فيستوجب الرحمة والمغفرة والرضوان من الله تبارك وتعالى.
قال صاحب تحفة الأحوذي: صلى الله عليه بها عشرا: أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشرا من الرحمة.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 98633 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/197)
هل هناك دعاء يقال عند خروج الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أي دعاء إذا خرج الريح من البطن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على دعاء خاص يقال عند خروج الريح من البطن، وقد ذكر أهل العلم الأذكار الواردة عند دخول الخلاء والخروج منه، ولم يذكروا دعاء أو ذكرا بمجرد خروج الريح أو غيره من نواقض الوضوء غير الغائط. انظر وراجع للمزيد الفتوى: 44987.
وقد سبق أن بينا أن خروج الريح لا يترتب عليه سوى الوضوء، وأنه لا يشرع الاستنجاء منه. انظر الفتوى: 2562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/198)
فضل الاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل مائة مرة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الأفاضل نفع الله بكم. هل تخصيص ورد للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثلا مائة مرة في اليوم، ومثل ذلك في الاستغفار والتهليل والتسبيح، هل تخصيص عدد معين في اليوم والليلة يدخل في البدعة، وما صحة الحديث الذي يحض فيه النبي عليه السلام على الصلاة عليه ألف مرة في اليوم؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتقيد في الذكر بعدد معين والتزامه، واعتبار ذلك سنة من البدع الإضافية، إلا إذا دل الدليل على التقييد، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 118092، 51760، 99061.
وبخصوص التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل مائة مرة.. فقد ورد في سنن النسائي الكبرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال سبحان الله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من مائة بدنه، ومن قال الحمد لله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من مائة فرس يحمل عليها في سبيل الله، ومن قال الله أكبر مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل من عتق مائة رقبة، ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجئ يوم القيامة أحد بعمل أفضل من عمله إلا من قال مثله قوله أو زاد عليه. حسنه الألباني.
وأما الاستغفار مائة مرة في اليوم ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة. يغان: المراد ما يتغشى القلب من الغفلة.
وأما ما ورد عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة في اليوم، فراجع فيه الفتوى رقم: 76608 وما أحيل عليه فيها من فتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/199)
حكم الصلاة في مسجد يحوي مقاما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة في المسجد الذي يظهر مخططه وهو يحوي مقاما؟ علماً بأن أقرب مسجد يليه أبعد منه بحوالي: 8 أضعاف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بالمقام: القبر، فإما أن يكون هذا القبر خارج المسجد أو داخله، فإن كان خارج المسجد فتجوز الصلاة فيه ـ ولو كان القبر إلى جهة القبلة ـ ما دام هنالك حائل من حائط أو سور ونحوهما.
وأما إذا كان القبر داخل المسجد فالصلاة فيه منهي عنها ـ مع صحتها ـ وقيل لا تصح، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 13365، ورقم: 72189، ولا يجوز في الإسلام أن يجتمع مسجد وقبر، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 4527، ونقلنا فيها كلام أهل العلم بخصوص ما يجب فعليه إذا اجتمعا، فراجع هذه الفتوى للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/200)
الأولى أن تتزوجها إن تابت، وفاء بالعهد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج بفتاة، وجعلنا العهد بيننا حول هذا الزواج، وبَعد ذلك تغيَّر قراري، بسبب أنّني ماَرستُ الجنس معها قبل أن يتم هذا الزواج، فما هو حكم مَن خالف هذا العهد؟.
وجزاكم الله خَيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليكما أولاً التوبة من الزنا والحذر من التساهل في الوسائل التي قد تؤدي إلى الوقوع فيه مرة أخرى من الخلوة ونحو ذلك من الأمور المحرمة، وإذا تابت هذه الفتاة وأصبحت مرضية في دينها وخلقها فالأولى أن تتزوجها، ووقوعها في الزنا ليس بمانع شرعاً من هذا الزواج إذا تابت، ففي زواجك منها ـ والحالة هذه ـ وفاء بالعهد الذي بينك وبينها، وهذا الوفاء من الأخلاق الكريمة التي حث عليها الشرع الحكيم، ولكنك إن لم ترغب في الزواج منها فلا حرج عليك في ذلك، وإذا كان هذا العهد بصيغة عاهدت الله ونحو ذلك ولم تتزوجها، فتجب عليك كفارة يمين، وقد فصلنا القول في هذا كله في الفتويين رقم: 30489، ورقم: 57942، وإذا لم تتب فلا يجوز لك الزواج منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/201)
حكم الاشتراك في نشاط علمي جامعي مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي إنسان ملتزم ومتدين وعلى خلق كبير وهو يدرس في كلية علمية مرموقة وقد أخبرني أنه يود الاشتراك في نشاط علمي في جامعته سوف يوصله إلى مرتبة عالية في الشغل بعد التخرج، كما أن هذا النشاط العلمي له فوائد ومنافع كثيرة جدا في مجاله، وهذه الفرصة لن تتكرر له مرة أخرى، ولكن النشاط العلمي الذي يشترك فيه مختلط أى يوجد به فتيات وشباب، ولكنه أخبرني أنه سيتعامل مع الفتيات في حدود الدراسة فقط، فهل هذا جائز؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان وجود الفتيان والفتيات في هذا المكان يؤدي إلى الاختلاط المحرم أي الذي لا يلتزم فيه بالضوابط الشرعية فتظهر الفتيات متبرجات وقد يدور بين المختلطين حديث يجر إلى الفساد، فإن كان الحال كذلك ـ وهذا هو الغالب ـ فلا يجوز له الاشتراك في هذا النشاط، وإذا اتقى الله تعالى جعل له مخرجا ويسر له أمره، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2،3} .
وقال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} .
وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله تبارك وتعالى إلا آتاك الله خيرا منه.
وراجعي الفتوى رقم: 109857.
وأما إن توفرت الضوابط الشرعية لاجتماع الرجال بالنساء، فلا حرج عليه في الاشتراك في هذا النشاط.
وننبهك إلى أنك قبل أن يعقد عليك تبقين أجنبية عليه، فلا يجوز أن يختلي بك ولا أن يرى منك ما لا تحل رؤيته للأجنبي ولا أن يخاطبك أو تخاطبيه بأكثر مما تدعو إليه الحاجة، مع التزام ضوابط الخطاب بين الرجل والمرأة الأجنبية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/202)
تجاوز الله عن الزلة تقع من الابن البار في حق والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أن ماتت أمي ـ رحمها الله ـ وأنا أحاسب نفسي على تقصيري معها وعلى كل شيء مثل صراخي في البيت أو حتى معاملتي، فأمي كانت مريضة وكنت أظل بجانبها وأخدمها، لكنني أحيانا أكون متضايقا من أمر ما وينعكس ذلك في البيت وقبل أن تموت أمي بيوم حدث نقاش بيننا وصرخت أمامها، لكن مع العلم أن أمي تحبني كثيرا وأنا أحبها وما يصدر مني هو من ضغوطات الحياة ولم أتعمد في يوم من الأيام أن أصرخ عليها، بل كنت أغضب لوحدي وعلى نفسي، لكن أمامهم، فهل هذا شي طبيعي يحدث بين الأهل؟ أم هو عقوق؟ فأنا في كل يوم أحاسب نفسي وأدعو الله أن يوفقني لبر أبوي، لكن عندي ندم كبير وألم وألوم نفس دائما وأخاف أن تكون ماتت وفي قلبها شيء من الحزن أو الغضب تجاهي أو أكون أنا السبب في موتها ـ والعياذ بالله ـ وأنا والآن أدعو لها دائما وأتصدق عنها وقد التزمت أكثر من ذي قبل في صلاتي وأعمالي ـ والحمد لله ـ حتى أكون ولدا صالحا ويتقبل الله عز وجل دعائي لها.
هل عدم تقبيل يد أبوي يوميا من العقوق؟ فأنا أحب تقبيل يديهما في كل يوم، لكن لا أفعل ذلك إلا في المناسبات وفي بعض الأحيان، لأنني لم أتعود على ذلك، فأرجو الإجابة العاجلة، لأن ذلك يؤلمني كثيرا ووالله الذي لا إله غيره إنني أحب أمي كثيرا وأحمد الله عل حسن ختامها، فهي امرأة مصلية وقارئة للقرآن وصائمة وقد توفيت في صباح أول يوم عيد الفطر المبارك وكان آخر أعمالها الصيام وصلاة الفجر وصلاة العيد، وهي تحبني كثيرا وكانت دائما تخاف علي وقلبها طيب جدا ولا أتوقع منها الغضب وهي ـ بإذن الله ـ راضية عنا، لكن ماذا أفعل بالألم واللوم والندم الذي يصاحبني حتى صرت لا أشعر بطعم السعادة بعدها؟ وكيف أرضيها في قبرها؟ اللهم ارحم أمي واغفر لها واجمعني بها في الجنة واجعل أعمالي الصالحة معها في حياتها وفي موتها برا لها واغفري لي تقصيري معها وأعني على بر والدي يا الله واغفر لجميع المؤمنين يارب العالمين.
أرجو الدعاء لأمي ـ رحمها الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يرحم أمك رحمة واسعة وأن يسكنها فسيح جناته ويكتبك من البارين بها في حياتها وبعد مماتها.
واعلم ـ أيها السائل ـ أن الله سبحانه بفضله ورحمته يتجاوز عما يكون من الولد في حق والديه من الهفوة والبادرة التي تصدر منه وقت الضجر والغضب إذا كان الأصل فيه البر إلى والديه والإحسان إليهما وإكرامهما وإجلالهما.
قال سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء:25} .
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التى تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين.
أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة.
وقوله: فإنه كان للاوابين غفورا.
وعد بالغفران مع شرط الصلاح والاوبة.
وإنَّا في ضوء ما ذكرت من حالك مع أمك لا نرى منك عقوقا لها ولا تسببا في موتها, أما هذه الهنات التي كانت منك في حقها فيمكنك التكفير عنها بالمداومة على الدعاء لها والإحسان إليها بالصدقة وإكرام أصدقائها وصلة أرحامها، فإن ذلك من البر الذي لا ينقطع بوفاتها.
فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ـ رضي الله عنه ـقال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.
ولا يشترط للبر المداومة على تقبيل يد الوالدين كل يوم ـ كما ظننت ـ وراجع حكم تقبيل يد الوالدين في الفتويين رقم: 13930 , ورقم: 43760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/203)
هل يستمر في دراسته مع تجاوزه الغياب المسموح
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في الأقسام التحضيرية للمدارس العليا للمهندسين، حيث إن مدة الدراسة في هذه المؤسسة تدوم سنتين، وفي آخر السنة الثانية هناك امتحان بموجبه يتم ترتيب التلاميذ من أجل الدخول للمدارس العليا للمهندسين التي تدوم الدراسة فيها ثلاث سنوات، وأنا قد اجتزت امتحان الأقسام التحضيرية السنة الدراسية الماضية، ولم أوفق فيه حيث إنه طلب مني اجتياز امتحان آخر شفوي، ولكن هذا لا يؤهلني للولوج إلى مدرسة المهندسين التي أريد لهذا لم أذهب لاجتيازه، وقررت تكرار السنة الثانية من الأقسام التحضيرية، وشروط التكرار في المؤسسة هي ألا يتجاوز الطالب تسع حصص من الغياب، وأنا لدي تسع حصص من الغياب مسجلة بشكل رسمي، وبالفعل تم قبولي لإعادة السنة، ولكن في الواقع لدي أكثر من عشر حصص من الغياب، ولكن لم يتم تسجيلها لأن بعض الأساتذة لا يقومون بتسجيل الغياب، علما أنني أستحق تلك المؤسسة وتكرار السنة الثانية فيها لأن ترتيبي داخل القسم كان جيدا، ولكن في الامتحان الأساسي لم أوفق فيه، والآن تراودني بعض الشكوك والوساوس بأن هذا يعتبر نوعا من الخداع وأنه غير شرعي، كوني لدي تسع حصص رسمية وأخر من الغياب غير مسجلة؛ لأن الأساتذة لم يسجلوها، وليس لأنني قمت بتزوير. وبالتالي فإذا نجحت في الامتحان وتمكنت من ولوج إحدى المدارس العليا وبعد ثلاث سنوات من الدراسة سيكون المال الذي أتحصل عليه من العمل حراما؛ لأنه جاء من أساس غير شرعي. أفيدوني جزاكم الله خيرا لأني لا أستطيع الآن أن أركز في الدراسة بسبب هذه الوساوس عذرا على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى حرجاً في أن تستمر في دراستك، لأنه لم يقع منك خداع ولا غش، وإذا ترك الأساتذة تسجيل الغياب فالغالب أنهم يكونون مخولين بمثل هذا، كما أن هذه القوانين إنما يجب الالتزام بها إذا كانت قد وضعت للمصلحة لا إذا كانت مجرد عقبات.
وننبهك على أن المال الذي تتحصل عليه من العمل يكون مباحاً إذا أديته على الوجه المطلوب منك، ولو كان هناك خلل أو تقصير في الدراسة.
وننصحك بالإعراض عن هذه الوساوس، والاجتهاد في دراستك لتنفع بها نفسك والمسلمين، ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى خير الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/204)
الطلاق والرجعة يقعان ولو لم تعلم بهما الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت بخيانة زوجي وأقسم ويده على المصحف أنه سيخلص لي وسيخبرني لو أعادها وأقسم ـ لو خنتك أو نظرت بشهوة لامرأة أخرى أنت طالق ـ فماحكم هذا الطلاق؟ وهل يمكن أن يطلقني ويرجعني دون علمي إذا حصل وخانني؟ وماحكم الحلف على القرآن الكريم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بالخيانة كونه قد وقع في الزنا، فإنه يكون بذلك قد أتى منكرا عظيما، فالزنا من كبائر الذنوب فيجب عليه أن يبادر إلى التوبة، وراجعي الفتوى رقم: 1602.
ولا يجوز للمسلم أن يخبر بمعصيته أحدا من الناس ـ سواء كانت هذه المعصية زنى أم غيره ـ بل الواجب عليه أن يستر على نفسه، كما هو موضح بالفتوى رقم: 1095.
وهذه الصيغة التي ذكرها زوجك من جنس الطلاق المعلق، فإذا حصل ما علق عليه الطلاق وقع طلاقه في قول جمهور الفقهاء، كما سبق بيانه بالفتوى رقم: 5684، ويقع الطلاق ـ سواء علمت به أم لم تعلمي به ـ وكذا الحال بالنسبة للرجعة.
وإذا وقع الطلاق، فإن اليمين تنحل، وننصح زوجك بالابتعاد عن المعاصي والآثام كلها ويغض بصره عما حرم الله، كما ننصحكما معا بأن لا تجعلا تعليق الطلاق وسيلة لحل مشاكلكما فلا تلجئيه إليه بدوام المراقبة والتفتيش واجعلي بدل ذلك النصح والموعظة.
وأما حكم الحلف على القرآن الكريم، فقد سبق بيانه بالفتوى رقم: 36839.
وقد نبهنا من قبل ـ ونؤكد على ذلك الآن ـ من أنه لا بد من ضبط المصطلحات وتسمية الأمور بأسمائها، وراجعي بهذا الخصوص فتوانا بالرقم: 15726.
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/205)
مدى مشروعية الصيام بنية القضاء وبنية الست من شوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قضاء الصيام مع الأجر في شوال؛ أي أقضي الدين الذي علي ويحسب لي أجر مع صوم الست البيض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن الصيام بنية القضاء وبنية الست من شوال غير مشروع، لأن كلا من صوم رمضان وصوم الست من شوال عبادة مقصودة لذاتها، فلا يصح التشريك فيها، وصوم الست من شوال هو كالسنة البعدية لرمضان، كما قال ابن رجب في لطائف المعارف، ومن ثم احتاج إلى نية خاصة ولم يندرج في صوم القضاء، قال العلامة ابن باز رحمه الله: وأما أن تصوم الست بنية القضاء والست فلا يظهر لنا أنه يحصل لها بذلك أجر الست، الست تحتاج إلى نية خاصة في أيام مخصوصة. انتهى من فتاوى نور على الدرب.
ومما يؤيد ما ذكرناه من أنه لا بد من صوم الست من شوال بنية مستقلة ما ثبت في الحديث من تعليل مشروعية صيام الست من شوال بأنها مع رمضان تعدل صيام السنة، وذلك كما قال العلماء لأن رمضان يعدل عشرة أشهر، وتعدل الست صيام شهرين.
قال المباركفوري رحمه الله: (فذلك صيام الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين. قال النووي: وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي. انتهى.
وقد ناقشنا هذه المسألة وبينا خلاف العلماء فيها، وأن بعضهم ذهب إلى حصول الأجر لمن صام القضاء في شوال وإن لم ينو صوم الست أصلا، وذلك مبسوط في الفتوى رقم: 6579. فلتراجع.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن من صام بالنيتين لم يحصل له أجر القضاء ولا صوم الست من شوال ولم يسقط عنه الفرض بذلك جاء في بغية المسترشدين في بيان الخلاف في هذه المسألة: (مسألة:) : ظاهر حديث: وأتبعه ستاً من شوّال وغيره من الأحاديث عدم حصول الست إذا نواها مع قضاء رمضان، لكن صرح ابن حجر بحصول أصل الثواب لا كماله إذا نواها كغيرها من عرفة وعاشوراء، بل رجح (م ر) حصول أصل ثواب سائر التطوعات مع الفرض وإن لم ينوها، ما لم يصرفه عنها صارف، كأن قضى رمضان في شوّال، وقصد قضاء الست من ذي القعدة، ويسنّ صوم الست وإن أفطر رمضان. اهـ. قلت: واعتمد أبو مخرمة تبعاً للسمهودي عدم حصول واحد منهما إذا نواهما معاً، كما لو نوى الظهر وسنتها، بل رجح أبو مخرمة عدم صحة صوم الست لمن عليه قضاء رمضان مطلقاً. انتهى.
وننبه ههنا إلى أن تسمية الست من شوال بالأيام البيض مما لا نعلم له أصلا، وإنما أيام البيض هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهلالي، وسميت بذلك لاكتمال ضوء القمر في لياليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/206)
حكم إطلاق (المخوف) على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيوخ الكرام: هل يجوز لنا أن نقول شرعا الله المخيف أو المخوف أو يخيف؟ وهل من صفات الله أو أسمائه المخيف أو المخوف؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يصح إثبات اسم لله تعالى إلا بدليل، ولا مدخل للقياس في ذلك، قال البغوي في تفسيره: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وأهل العلم الذين قرروا ذلك قد اختلفوا في ما جاءت به النصوص منسوبا إلى الله تعالى بصيغة الفعل وبصورة الاسم المضاف، هل يجوز اشتقاق الاسم منها؟ أم أن هذا ينافي التوقيف؟ وقد سبق بيان ذلك، وأن الراجح هو أن ندور مع النصوص الشرعية لفظا ومعنى، فما ورد بصيغة الاسم أثبتناه اسما بلفظه، وما ورد مضافا أو بصيغة الفعل لم نتجاوز وصف الله تعالى به بالصيغة التي ورد بها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 125377.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 6009، 23074، 127333.
هذا في باب تسمية الله تعالى ثم وصفه، أما باب الإخبار عنه سبحانه فهو أوسع، فيصح بكل ما يصح نسبته إليه عز وجل، ولا يجب أن يكون توقيفيا، قال ابن القيم: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 124345، 102169، 15709، 47902.
وقال الغزالي في ـ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ـ في اسم الله: المؤمن: لعلك تقول الخوف على الحقيقة من الله تعالى، فلا مخوف إلا إياه، فهو الذي خوف عباده، وهو الذي خلق أسباب الخوف فكيف ينسب إليه الأمن؟ فجوابك: إن الخوف منه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعا، وكونه مخوفا لا يمنع كونه مؤمنا، كما أن كونه مذلا لم يمنع كونه معزا، بل هو المعز والمذل، وكونه خافضا لم يمنع كونه رافعا، بل هو الخافض الرافع، فكذلك هو المؤمن المخوف، لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف. اهـ.
وقد أخبر الله تعالى عن نفسه، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه يخوف عباده ليتقوه، قال سبحانه: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ {الزمر: 16} .
وقال تبارك وتعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا {الإسراء:59-60} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله تعالى يخوف بها عباده. متفق عليه.
وقال الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني في المختصر في التعرف على أسماء الله الحسنى: الأسماء التسعة والتسعون التي وردت بنصها في الكتاب المقدس ـ يعني عند أهل الكتاب ـ منها أيضا عشرون اسما متفقة مع ضوابط الإحصاء التي تقدمت، وهي أسماء لم ترد في الإسلام بنصها، ولا يصح تسمية الله بها عند المسلمين، ولكن يصح إطلاقها على الله من باب الأوصاف والأفعال والإخبار. اهـ.
وذكر منها: المخوف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/207)
حكم زيادة ثمن السلعة كلما زاد الأجل
[السُّؤَالُ]
ـ[في بيع التقسيط الزيادة التي تكون في مقابل الأجل تكون مشروعة، ولكن يا ترى ما حكم تلك الزيادة إذا زادت بزيادة المدة؟ بمعنى: أنه قال له أي البائع أن تلك السلعة نقدا ب 10قروش، وتقسيطا لمده سنة ب12، ولمدة سنة ونصف 13، أي أنه حدثت زيادة بزيادة الزمن، فما حكم ذلك؟ وهل يعد ربا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل الكريم أن المشتري يأخذ السلعة دون الجزم بإحدى الصفقات على أنه إن قضى الثمن في سنة قضاه بسعر، وإن قضاه في أقل أو أكثر قضاه بسعر آخر، فلا يجوز هذا العقد، لدخوله في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، ولحصول ما يشبه ربا الجاهلية، حيث تفرض أموال زائدة على الثمن المقسط مقابل التأخر في السداد، وهي تساوي قولهم في الجاهلية للمدين إذا عجز عن السداد: إما أن تقضي، وإما أن تربي.
فهي في معنى مسألة: ضع وتعجل.
أو زد وتأجل.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 52070، ورقم: 62017.
وأما إن كان المراد أن المشتري تعرَض عليه السلعة بثمنين، ثمن في العاجل وثمن في الآجل ليختار أيهما يتم عليه العقد، فهذا جائز عند جمهور العلماء، لأن ذكر الثمنين كان عرضاً لا إيجاباً، فلابد لصحة هذا البيع أن يتفق الطرفان قبل إبرام العقد على الثمن وطريقة دفعه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 11261، 49911، 1084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/208)
الحقوق المترتبة على طلاق من أبت أن تسافر مع زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بالسعودية ومضى على زواجي ثلاث سنوات ولي بنت عمرها تسعة أشهر اتفقت مع أهل زوجتي قبل الزواج على إقامة زوجتي معي بالسعودية على أن تقضي إجازة سنوية معهم، وبلغت مدة الإجازة من إجمالي 37 شهرا حوالي: 17 شهرا مع أهلها متقطعين ـ4+9+4ـ وحتى الآن وهي ترفض العودة للإقامة معي بحجة أنها لا تستطيع التأقلم على المعيشة وحيدة بعيدة عن أهلها وبلدها، واستعملت كل وسائل النصح والإرشاد إلى أن وصل الحال إلى أنني قررت طلاقها إذا ما أصرت على عدم قدومها مرة أخرى إلى السعودية، وكما علمت أن ليس للزوجة الحق في رفض السفر مع زوجها إلى أي بلد ما لم تشترط عليه ذلك قبل العقد أو لم تأمن على نفسها في سفرها أو إقامتها في البلد محل الزوج من ظروف حرب أو فتنة في الدين إلخ، وإذا فعلت فهي في حكم الناشز وبالتالي، يسقط حقها في النفقة، وسؤالي الآن: هل إذا تم الطلاق لها نفقة أو مؤخر صداق؟ مع العلم أنني وقعت على مؤخر الصداق بقيمة 10 آلاف جنيه مصري وكذلك حقها في المنقولات الزوجية من أثاث وخلافه، مع العلم أنني وقعت على قائمة قيمتها 32 ألف جنيه.
أفيدوني يرحمكم الله بما لي من حقوق؟ وما عليّ من واجبات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على زوجتك أن تسافر معك إلى البلد الذي تقيم فيه إذا لم تشتَرط في عقد النكاح عدم إخراجها من بلدها، فإن اشترطت ذلك تعين الوفاء بشرطها، كما تقدم في الفتوى رقم: 59904.
فإذا لم تكن قد اشترطت ذلك وجب عليها السفر معك، وامتناعُها يعتبر معصية وإثما، كما يعتبر نشوزا مسقطا لنفقتها حتى ترجع عن نشوزها، قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: من المدونة: وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد ـ وإن كرهت ـ وينفق عليها. انتهى.
وقال السرخسي الحنفي في المبسوط: وإذا تغيبت المرأة عن زوجها, أو أبت أن تتحول معه إلى منزله, أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها، لأنها ناشزة ولا نفقة للناشزة. انتهى.
أما الحقوق المترتبة على طلاقها فهي كما يلي:
1ـ نفقتها أثناء العدة إذا كانت حاملا حتى تضع حملها ـ سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا ـ وإن كان طلاقها بائنا ولم تكن حاملا فلا نفقة لها، وإن كان طلاقها رجعيا وهي غير حامل وناشز فلا نفقة لها أثناء العدة عند الحنفية وعلى القول الأظهر عند الشافعية، كما تقدم فى الفتوى رقم: 124549.
والظاهر من مذهب المالكية هو وجوب نفقة الرجعية أثناء عدتها مطلقا، قال في فتح الجليل في شرحه لمختصر خليل المالكي: وتفترق الرجعية من الزوجة ـ أيضا ـ في أنها إذا خرجت من منزلها بغير رضاه فلا تسقط نفقتها بخلاف الزوجة.
2ـ استحقاقها لجميع مؤخر الصداق ولا يسقط بنشوزها، كما تقدم فى الفتوى
رقم: 119213.
3ـ استحقاقها لجميع قائمة المنقولات التي وقَّعتَ عليها والتزمتَ بها والتي تشمل أثاث البيت ونحوه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 126333.
وإذا كانت زوجتك ناشزا ـ كما ذكرت ـ جاز لك الامتناع عن طلاقها حتى تفتدي منك بجميع حقوقها أو ببعضها أو بغير ذلك ـ حسبما تتفقان عليه ـ وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 76251.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/209)
حكم قول الزوج لزوجته أنت طالق طالق طالق
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل بيني وبين زوجتي نقاش حاد بسبب موضوع دقيق، حاولت أن تعلمني الصراحة فرفضت فقمت بتوصيلها إلى بيت والدها، وقلت لها عندك فرصة باقية بأن تصارحيني، وتركتها عند أهلها، ورجعت منزلي. وفي اليوم الثاني دققت عليها وحاولت أن تصارحني وبعد نقاش طويل وارتفاع صوتي قلت لها أنت طالق طالق طالق. وهذه أول مرة تحصل مني بعد زواج استمر سبعة عشر عاما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قال لزوجته: أنت طالق طالق طالق، ونواها ثلاثاً، وقعت ثلاثاً وبانت منه زوجته عند الجمهور. وإن نواها واحدة وقصد بالتكرار التوكيد فتحسب طلقة واحدة، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله صلى الله عليه وسلم: فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. رواه أبو داود والترمذي.
وإن لم يقصد شيئاً لم يقع إلا واحدة، لأنه لم يأت بينهن بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات.
قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق. وقال: أردت التوكيد. قبل منه، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل باطل باطل. وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات، طلقت ثلاثاً. وإن لم ينو شيئاً لم يقع إلا واحدة، لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات. انتهى.
وعليه فإن كنت تقصد بلفظتك هذه طلقة واحدة مؤكدة أو لم تقصد شيئا أصلا فتحسب طلقة واحدة، ويجوز لك حينئذ ارتجاع زوجتك ما دامت في عدتها.
أما إن كنت تقصد بها ثلاث تطليقات، فإنها تقع ثلاثا، وتكون زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويدخل بها ثم يطلقها في قول عامة أهل العلم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه إلى أن الطلاق ثلاثا دفعة واحدة يحسب طلقة واحدة.
وراجع تفصيل هذا في الفتوى رقم: 5584.
ولمعرفة ما تحصل به الرجعة تراجع الفتوى رقم: 54195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/210)
حكم محادثة الأجنبي عبر الماسنجر وإرسال رسائل بريدية له
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم محادثة شاب بالماسنجر، مثلا إضافة دكتور الجامعة لسؤاله عن المحاضرات وبعض الدروس أو إرسال رسائل عبر البريد الالكتروني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث المرأة مع الرجل الأجنبي عنها، سواء كان زميلا في العمل أو الدراسة أو مدرسا، وسواء كان مشافهة أو عبر وسائل الاتصال غير جائز إذا كان ذريعة للفساد والفتنة.
ولا شك أن الحالة المسئول عنها ليس فيها حاجة، بل هي من مكر الشيطان وكيده ليستدرج أصحابها إلى الوقوع فيما حرم الله، خصوصا مع كون هذا الدكتور شابا – كما يظهر من السؤال - وهذا مما يؤكد جانب المنع ويقويه، لذا فالواجب التنبه لكيد الشيطان والانصراف عن هذه التصرفات المحرمة. أما السؤال عن المحاضرات ونحوها فله طرق أخرى كثيرة، فيمكنها سؤال بعض زميلاتها أو صديقاتها مثلا، ولو افترضنا أن الحاجة دعت حقيقة إلى ذلك لقلنا بإباحته مع مراعاة الضوابط الشرعية. وتراجع الفتاوى التالية: 31054، 210، 1932. ففيها تفصيل مفيد وبيان شاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/211)
الطلاق تدمير لكافة افراد الأسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل تجاوزت الأربعين ملتزم بشكل لا بأس به ومتزوج منذ 17عاما ولي ثلاثة أولاد، أعاني من غيرة مدمرة وشكوك مسيطرة وأحلام مزعجة في علاقتي بزوجتي التي ظاهرها طيب ـ والحمد لله ـ إلا أنه تسيطر علي الشكوك والوساوس وقد طلقتها مرتين والحياة بيننا جحيم يومي وأنا أريد الفراق النهائي، لأنني لاأستطيع معاشرتها وأجد أن هذا هو الحل الأنسب، لأن قدراتي الجسدية والذهنية تنهار، وهي ترفض الأمر بشدة، وقد لجأت إلى الرقية الشرعية، أرجو منكم الدعاء وأسالكم: هل علي أثم إذا طلقتها طلاقا نهائيا لاعتبار حالتي الموضحة آنفا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه لك العافية والشفاء وأن يصلح لك الحال والبال ويصرف عنكم كيد الشيطان.
وإنا لننصحك ـ أيها السائل ـ بالتوبة إلى الله سبحانه واستغفاره من الذنوب التي لها دور كبير في ذهاب الآمال وحلول النقم والوبال, وقد قال أحد السلف: إن الصالحين إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم.
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب الجواب الكافي: ومنها: عقوبات المعاصي: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله جل وعلا, ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام, وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب ـ فالله المستعان. ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن, وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه, وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وإمرأتي.
ومنها: تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا. انتهى بتصرف.
ثم عليك بالمداومة على ذكر الله سبحانه، فإن الذكر له أثر عجيب في سكينة النفس وطمأنينة القلب، قال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} .
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا.
أما عن الطلاق: فإن الأصل فيه الإباحة، لكنك بالطلاق تدمر أسرتك وتلحق مصيبة عظيمة بنفسك وبزوجتك وأولادك، وأولى لك الصبر وطلب العلاج لما أنت فيه من الوسواس والشكوك، فلا تتعجل أمر الطلاق وأكثر من الدعاء والإلحاح على الله سبحانه أن يصرف عنك الهموم والغموم ويكفيك شرور نفسك وسيئات عملك. وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(12/212)
إحدى عينيه ضعيفة فهل له دفع رشوة لاستخراج رخصة سياقة
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بامتحان السياقة ـ وقد اجتزت قبل هذا امتحاني سياقة وبنجاح ولم يهتموا لعيني ـ واجتزته بنجاح وأنا أسوق جيدا، لكن عندي عين لا أرى بها جيدا فمنعوني جواز السياقة حتى أثبت طبيا أن نظري فوق المستوى المطلوب طبعا، وأنا لا أرى بعيني جيدا وهي إلى عدم الرؤية أقرب، والأخرى ـ والحمد لله ـ عشرة على عشرة والذي منعني الجواز يعلم أنني أسوق جيدا، إلا أنه طلب مني رشوة حتى يعطيني الجواز الجديد والاثنين الآخرين المحجوزين؟ فهل أعطيه إياها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت القوانين واللوائح المتعلقة باستخراج جواز القيادة، تنص على كون كل من العينين سليمة، فلا تجوز مخالفتها، لأن هذه المعايير إنما وضعت للمصلحة العامة والخاصة، مصلحة الناس ومصلحة السائق، وأشد من ذلك بذل المال في سبيل المخالفة والاحتيال على القانون، وما يبذله الشخص من مال في هذا السبيل يعد رشوة محرمة من الراشي والمرتشي.
أما إن كان المعتبر لاستخراج الجواز هو الرؤيا الجيدة ولو بعين واحدة، وإنما امتنع الموظف المختص من إعطائك الجواز ليجبرك على الرشوة، فحينئذ يجوز لك إعطاؤه إياها إن لم تجد طريقا غيرها، ويكون الإثم عليه دونك.
وانظر الفتويين رقم: 1713، ورقم: 2487.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/213)
لا يجوز الاستيلاء على الميراث تحت سيف الإكراه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الإسلام من سوء معاملة زوجة أخ لنا توفي في سن صغير، وأمه مازالت تعيش وهي لا تتعامل معنا برحمة، وكأن الميت مصيبتها لوحدها، كذلك تسلط الناس على إجبار أمي للتنازل عن ورثها في ابنها بحجة أن أولاده صغار، مع أن أمي لها 8 أحفاد آخرين منهم بنت مات زوجها ولها 5 أولاد أيتام، ولم تطلب الابنة كتابة شيء مساعدة لأولادها. ماذا نفعل مع زوجة أخي المتوفى، وهى سوف تحرمنا أولادها، وما حق عمة الأولاد عند هذه الأرملة والأولاد مازالوا صغارا 10و 8 و5 سنين لا يعلمون شيئا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لأحد أن يلح على الورثة كي يتنازلوا له عن نصيبهم الشرعي من الميراث، لأن هذا الإلحاح يدخل في سؤال الناس، وهو مخالف أيضاً لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من العفة والاستغناء، فإذا أخذ هذا الشخص شيئا من أصحابه بغير رضاهم بل بسيف الحياء والخجل وتحت ضغط السؤال والإلحاح، فإنه لا يحل له أخذه ولا يطيب له الانتفاع به؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أبو داود وصححه الألباني، وهذا لم تطب نفس صاحبه به فكيف يحل لآخذه؟ قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية: ... ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أخذ منه شيء على سبيل الحياء من غير رضا منه بذلك لا يملكه الآخذ، وعللوه بأن فيه إكراهاً بسيف الحياء فهو كالإكراه بالسيف الحسي، بل كثيرون يقابلون هذا السيف ويتحملون مرارة جرحه ولا يقابلون الأول خوفاً على مروءتهم ووجاهتهم التي يؤثرها العقلاء ويخافون عليها أتم الخوف ... انتهى.
فالواجب على زوجة أخيكم أن تتقي الله وتحسن معاملة أهل زوجها، ولا تمنع أولادها من زيارة أجدادهم وأعمامهم وعماتهم، فهذا حرام لا يجوز لما فيه من تقطيع الأرحام التي أمر الله أن توصل. وعليها أن تكف عن سؤالهم أموالهم وإرثهم، ولتتوكل على الله وحده، وتحسن الظن به، فإن الأولاد وإن كانوا صغارا ضعفاء فإن الله سيرزقهم ويرعاهم وهو سبحانه خير الرازقين.
مع التنبيه على أن حضانة الأم للأولاد تستمر حتى بلوغهم سن السابعة، أما من بلغ السابعة فقد حصل خلاف بين الفقهاء هل يضم إلى أبيه أو من يقوم مقامه أو يخير بين الأب والأم، وكذا حصل الخلاف في البنت خاصة، هل تستمر حضانتها إلى زواجها أم إلى بلوغها تسع سنوات أو غير ذلك، وكل هذا قد تم بيانه في الفتوى رقم: 6256.
والذي نراه راجحاً هو مراعاة مصلحة الطفل، قال الشوكاني في نيل الأوطار: واعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي، فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غير قرعة ولا تخيير، هكذا قال ابن القيم، واستدل بأدلة عامة نحو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا. وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير أو القرعة مقيد بهذا، وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال: تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه، فقالت أمه: سله لأي شيء يختاره؟ فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني، وأبي يتركني ألعب مع الصبيان! فقضى به للأم. انتهى.
فإذا عُدم الأب فالعصبات من جد ونحوه يقومون مقام الأب، جاء في المغني لابن قدامة: فإن كان الأب معدوما أو من غير أهل الحضانة وحضر غيره من العصبات كالأخ والعم وابنه قام مقام الأب، فيخير الغلام بين أمه وعصبته لأن عليا رضي الله عنه خير عمارة الجرمي بين أمه وعمه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/214)
حكم صرف الزكاة لدار العجزة والمساكين ورعاية الأيتام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لدار العجزة والمساكين، أو لدور رعاية الأيتام بدلا من إعطائها لديوان الزكاة؟. أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزكاة لا تدفع للعاجز ولا لليتيم لمجرد العجز واليتم إذا لم يكن من أهل الزكاة, ولا تدفع الزكاة إلا إلى الأصناف الثمانية المنصوص عليها في سورة التوبة، والذين ذكرناهم في الفتوى رقم: 27006، فإذا كان العجزة واليتامى في الدور المشار إليها فقراء أو مساكين أو غارمين جاز دفع الزكاة إلى تلك الدور إذا كانت ستملكهم إياها, وأما إن كانوا أغنياء فلا يجوز دفعها إلى تلك الدور، وكذا لو كان فيها من هو فقير ومسكين ومن هو غني لم يجز دفعها إلا إذا علمت أنها ستدفعها إلى أهل الزكاة منهم، وانظر للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 3544 , 35305 , 123791.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/215)
حكم التورق المنظم الذي تجريه بعض البنوك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التورق في بنك سامبا حلال أم حرام، وهم شرحوا طريقتهم لي، وهي أنهم يشترون لي رزا، ثم يبيعونه على طرف ثالث بوكالة مني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الصورة داخلة فيما يعرف بالتورق المنظم، وفيه يلتزم البنك بالشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة ببيع السلعة للعميل، وهو غير جائز، وبالخصوص إذا كانت السلعة طعاما لأنه حيلة على القرض الربوي وليس تورقاً حقيقياً.
وراجع قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التورق المنظم في الفتوى رقم: 46179.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/216)
هل لطالب العلم أن يقرأ في كتب المبتدعة والطرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أنا شاب مسلم سوري وطالب جامعي، لكنني لست متخصصا في العلوم الشرعية
وكثيرا ما تُفتح مواضيع حوارية بين الطلبة الجامعيين حول الفرقة الفلانية والفرقة الأخرى فمن مبتدعين إلى طرقيين وسوى ذلك، وسؤالي: هل تنصحنا بقراءة كتب هذه الأطراف جميعا ونأخذ منها ما يناسبنا والأقرب إلى عقولنا؟ أم نلتزم بقراءة كتب أهل السنة بفهم سلف الأمة وسماع شيوخهم وعلمائهم والابتعاد عن علماء الطرف الأخر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وهذه المقولة على اختصارها تبين المنهج الصواب في ما سأل عنه الأخ الكريم، فلا يصح أن يأخذ طالب العلم إلا من كتب الثقات من أهل العلم المعروفين بالديانة واتباع السنة ومجانبة البدعة ـ ولا سيما ـ والسائل يقول عن نفسه: لست متخصصا في العلوم الشرعية ـ وقد سبق لنا بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 30036، 38541، 18328، كما سبق لنا بيان حكم قراءة الكتب المحتوية على البدع في الفتوى رقم: 38299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/217)
حكم عدم قبول الهدية
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت إحدى الموظفات عندنا في الشركة بشراء سيارة، وطلبت من الإدارة رسميا شراء وجبات جاهزة لتوزيعها على كل موظفي الشركة، وستقوم هي بتغطية التكاليف، وكنت محسوبا بينهم، ولكني رفضت أخذ الوجبة المخصصة لي، لأني لا أريد وجود الإناث في الشركة، ولا أريد لهذه الدعوات أن تنتشر، فهل فعلي صحيح؟ وما هي النية الصحيحة الواجب توفرها لفعل كهذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبول الهدية فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت كله، وإن شئت تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك. قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ.
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله ـ في شرح صحيح البخاري هذا حض منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتحاب، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئًا مما يُهدى إليه أو يدعى إليه؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى، وإنما أشار بالكراع وفرسن الشاة إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الكراع والفرسن ومهاداته؛ لأن أحدًا لا يفعل ذلك. انتهى.
وقد اختلف العلماء فيمن أهدي إليه مال هل يلزمه قبوله أم لا، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب. انتهى
وتأسيسا على ذلك فإنه يستحب لك قبول هذا الطعام الذي أهدي إليك. أما هذا القصد الذي رددت من أجله الهدية فينظر في الظروف الملابسة له، فإن كان عمل النساء في الشركة عملا منضبطا من الناحية الشرعية بمعنى أنه لم يكن هناك مخالفات شرعية من اختلاط بالرجال أو تبرج ونحوه فنرى حينئذ أن فعلك هذا خلاف الأولى؛ لما فيه من ترك أمر مستحب ندب إليه الشرع.
أما إن كان عمل النساء في الشركة يتضمن مخالفة شرعية، وكان تركك لأخذ هذا الطعام من قبيل إنكار المنكر وهجر أصحابه وزجرهم، فإن فعلك هذا محمود، ولك فيه الأجر والمثوبة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/218)
ساعد زميله في تخفيض الجمارك فأهداه هدية فما حكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني شخص على معرفة بي أن أساعده في تخفيض رسوم جمركية عن بضاعة مستوردة لديه، فقمت أنا بالاتصال مع صديق لي من أجل مساعدته فقام صديقي بمساعدته، فقام الشخص الذي طلب المساعدة مني بتقديم مبلغ من المال لي كهدية، فهل يعتبر هذا المبلغ بمثابة رشوة؟ أو هو من الحرام؟.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة مما يعرف عند أهل العلم بثمن الجاه، وقد اختلفوا فيها ما بين قائل بالتحريم مطلقاً، وقائل بالكراهة، وقائل بالتفصيل، أي إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر فيجوز له أخذ أجرة المثل، وإلا فلا وهذا هو الراجح، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 71533.
والظاهر من السؤال أنك لم تحتج إلى بذل جهد ولا مال، فعلى ذلك لا يجوز لك أخذ ذلك المبلغ على القول الراجح، وهذا كله على فرض أن تلك الرسوم الجمركية ليست مشروعة، وإنما هي ظلم لمن تؤخذ منه، أما إن كانت تلك الرسوم مشروعة، فلا يجوز التهرب منها، ولا تجوز المعاونة على ذلك التهرب ـ سواء بعمولة أو مجاناً ـ وانظر للفائدة الفتوى رقم: 54824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/219)
شروط جواز التورق
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن شركة عقارية مساهمة مقفلة، ونقوم في الوقت الحالي ببناء مجمع تجاري في منطقة الشويخ وتبقى 20% لإنجاز المشروع ونحتاج إلى مبلغ: 400,000 دينار كويتي لإكمال المشروع وتوجد لدينا أصول، ولكن في حال تم بيعها فسوف تكون هناك خسارة، وحرصا على مصلحة المساهمين قررنا التوجه إلى بنك بوبيان وطلب تورق بالمبلغ لسداد حقوق مقاولي المشروع، ولم يمانع البنك في إعطائنا المبلغ مضافا إليه الأرباح، علما بأننا سوف نتسلم المبلغ نقدا بعد التوقيع على العقود اللازمة، والسؤال: هل عقد التورق هذا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء؟.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتورق هو أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال لغير من اشتريتها منه، من أجل أن تنتفع بثمنها وقد اختلف فيه أهل العلم وأكثرهم على أنه جائز، ويشترط لجوازه أن يقوم العميل بشراء السلعة من البنك شراء حقيقياً، بحيث تدخل في ملكه وضمانه بعد أن دخلت في ملك البنك وضمانه قبل ذلك، ثم يبيعها لآخر أو يوكل من يبيعها له، وأما إذا لم يكن هناك بيع حقيقي ـ كما هو الشائع في كثير من البنوك ـ فإنه تحايل على الربا وبالتالي، لا يحل الدخول في هذا العقد، وانظر للمزيد من الفائدة الفتويين رقم: 77080، ورقم: 102002.
وأما ما ذكرته من أن البنك لم يمانع من إعطائكم المبلغ مضافاً إليه الأرباح وأنه سيستلم نقداً فهو صريح الربا ولا يجوز، وليس هذا هو التورق الذي اختلف العلماء في جوازه، بل هو من الموبقات، كما جاء في الحديث الشريف، فالواجب الابتعاد عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/220)
حكم تمييز بعض الأبناء في العطية لمجهوده في إنشاء الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأب يمتلك شركة استثمار يملك هو فيها51% أن يوزع النسبة المتبقية كالآتى: الابن الأكبر 29%، والابنة الوسطى 10%، والابن الأصغر 10%، والاعتبار الوحيد هو: أن الابن الأكبرقد قام بمجهود كبير في نشْْأة الشركة بحكم علاقته وخبرته السابقة التي تفوق خبرة إخوته، مع العلم بأن خبرات والده قى نفس المجال منذ 40 عاما، ومع العلم ـ أيضا ـ بكفاح الوالد المستمر لرفع مستوى أولاده ـ الصبية ـ المادي وحصول كل منهما علي فيلا مستقلة، فما حكم الشرع في توزيع هذه الشركة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على الأب العدل بين أولاده في الهبة على الراجح، كما تجب التسوية بين الذكر والأنثى منهم على الراجح أيضا، وانظر الفتوى رقم: 6242.
ولكن إذا كان أحد أبنائه له ميزة لا توجد عند الآخرين كأن يكون قد قام بمجهودات في إنشاء الشركة ونحو ذلك فلا بأس أن يكافئه الأب عليها بإعطائه نصيبا زائدا من الشركة، وانظر لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 11517، ورقم: 104208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/221)
الأصل أن تتعلم المرأة القيادة عن طريق مدربة أنثى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن القيادة وتعليمها للمرأة: هل يجوز لها أن تتعلم القيادة من قبل امراة مثلها؟ وأيضا: هل من الممكن أن تقود سيارتها بعد التعلم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم قيادة المرأة للسيارة وذكرنا أن ذلك جائز بضوابط شرعية معينة، فراجعي الفتوى رقم: 24621.
وأما تعلمها القيادة عن طريق مدربة أنثى فجائز أيضا، بل الأصل أن تعلمها امرأة أو زوج أو أحد محارمها ولا يجوز أن تتدرب على يد أجنبي إلا للحاجة وبشرط أن يكون معهم من تنتفي به الخلوة، لأن وجود امرأة وأجنبي عنها في السيارة له حكم الخلوة، كما أوضحنا ذلك بالفتوى رقم: 10690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/222)
حكم هجر الوالد تارك الصلاة ومتعاطي المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد هجرت أبي، لانه لا يصلي ولا يريد أن يكف عن شرب البيرة، فأنا متزوج، ولا أريد أن ترى زوجتي ما يفعله أبي. أفيدونى: فهل علي وزر قطع صلة الرحم أم لا؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك ـ أيها السائل ـ أن تهجر أباك لأي سبب كان ـ سواء كان مسلما أو كافرا ـ وتصديق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} .
فإذا كان أبوك تاركا للصلاة أو متعاطيا لبعض المحرمات، فالواجب عليك أن تنصحه برفق ولين، فإن لم يستجب لك وأصر على معاصيه فله عليك حق المصاحبة بالمعروف، ولكن لا تكن عونا له على معصيته، وعليك أن تفارقه وقت ارتكاب المعصية.
وما تذكر من عدم رغبتك في رؤية زوجتك له وهو على هذه المنكرات لا يستلزم هجرانك له، فيمكنك أن تصطحبها معك لزيارته في الوقت الذي تعلم منه عدم مقارفته لهذه الفواحش، فإن تعذر ذلك فاذهب أنت بمفردك لزيارته، فإن زوجتك لا يجب عليها صلة أبيك، أما أنت فلا يسعك إلا صلته وبره. وراجع الفتويين رقم: 50848 ورقم: 49048
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/223)
لا تعارض بين كون الحوادث بقدر الله وكونها قد تقع بتقصير العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حكم حادث السيارة والإصابة فيه: هل هو مقدر ومكتوب في الكتاب منذ خلق وأن يتم فى الوقت الذي حدث فيه وأنه من الإيمان بالقضاء والقدر؟ أم تقصير مني وعدم الأخذ بأسباب الحيطة والحذر في القيادة؟ وهل هذا ابتلاء من الله لمعرفة صبري على المصائب؟ أم غضب من الله علي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجميع ما يحصل في الكون من خير أو شر قد سبق به علم الله تعالى وجرى به القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، كما قال تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا {التوبة:51} .
وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن:11} .
وقال عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
ولا تعارض بين كون الحوادث التي تصيب العبد بقضاء الله وقدره، وبين كونها قد تكون بسبب تقصيره وعدم أخذه بأسباب السلامة، فإن ذلك نفسه بقضاء الله تعالى وقدره، فالله تعالى هو الذي خلق الأشياء وأسبابها وقرن بينهما بحكمته سبحانه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 103587، 47818، 80725.
وأما الحكمة من وراء هذه الحوادث، فهي كسائر أنواع البلاء تارة يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وتارة يكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وتارة يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض ذنوبه، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 27048، ورقم: 44779.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/224)
حكم الامتناع عن الزوج للشعور بفتور تجاهه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة أبلغ من العمر 30 عاما، أشعر بفتور كبير جدا تجاه زوجي، ولا أريد ممارسة الجنس معه، مع العلم أنني كنت كثيرة الشهوة، وأريد أن يجامعنى كل يوم على الأقل مرتين باليوم، ولو حتى فعل المزيد كنت أحب ذلك، بل وكنت أفوقه في رغبتي الجنسية، ولكن الآن لا أدري ماذا أصابني مع العلم أنني كنت حاملا وابني الآن تم عشرة أشهر، وإنى حملت مرة اخرى بعد النفاس وأنا حامل الآن في الشهر الثامن فهل الحمل له تأثير على هذا الشعور.
وأريد أيضا أن أوضح لكم بأنني أحيانا أمارس العادة السرية بعد ما يجامعني زوجي، وأتخيل زميلا لي بالعمل، ولكني بعدها أشعر بالذنب، ولكن أرجع مرة ثانية أفعلها، ويكون عزائي الوحيد هو أنني لا أريد أن أقع في الزنا مع هذا الزميل.
أفيدوني ماذا أفعل لأجدد حياتي مع زوجي مرة أخرى. مع العلم أني والله العظيم أحب زوجي كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للزوجة الامتناع عن فراش زوجها حتى وإن لم يكن لها رغبة لذلك، ما لم يكن لها عذر حقيقي في ذلك من مرض ونحوه، فهنا يجوز لها الامتناع. وراجعي في ذلك الفتاوى التالية: 123651، 14121، 34857.
أما ممارسة العادة السرية فهي محرمة وصاحبها آثم، وهي من المتزوج أشد قبحا وإثما، وقد بينا هذا كله في الفتويين التاليتين: 37399، 21579.
وأما تخيل المرأة أثناء ذلك معاشرة شخص أجنبي لها فهذا زيادة في الإثم وإيغال في العصيان. ولعل هذا الأمر هو السبب في فتور علاقتك بزوجك. وقد بينا حكم التخيلات الجنسية في الفتوى رقم: 111167.
وأما تأثير الحمل على النشاط الجنسي فيراجع فيه أهل التخصص من الأطباء ونحوهم، ويمكنك مراسلة قسم الاستشارات في الشبكة.
ونوصيك بالتوبة إلى الله سبحانه والاستغفار من الذنوب والاجتهاد في طاعة الله والإلحاح عليه في الدعاء أن يصلح لكم الحال والبال، وأن يصرف عنكم كل ما يكدر صفوكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/225)
التورق المنظم ليس تورقا حقيقيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم أرجو من سعادتكم إعطائي فتوى على السؤال التالي: سوف آخد سلعة من البنك السعودي الهولندي وهي أرز بقيمة 100000ريال سعودي، وذلك على أن يتم سداد هذا المبلغ بالفائدة من قبلي على 4 سنوات وسيكون 120000 ريال سعودي وذلك من راتبي الذي سوف يحول على البنك، وحيث إنني لا أستطيع بيع الأرز سوف أقوم بتوكيل البنك بالبيع لصالحي ثم يتم إنزال المبلغ فى حسابي وهو 100000 ريال سعودي وعلى أنني سوف أقوم بزيارة المستودع لمشاهدة الأرز الذي سوف أقترضه والموظف يقول لي إذا كنت تريد الأرز فأحضر سيارات لتحمله إلى مستودعاتك، ولكنني بالطبع لن آخذه إذ ليس عندي ـ لا مكان ولا مشتري ـ وهذا يلقب بشراء سلعة بالمرابحة، فهل هذا حلال أم حرام؟.
الرجاء أن تفيدوني أكرمكم الله وكل عام وأنتم بخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الصورة داخلة فيما يعرف بالتورق المنظم، وهو غير جائز، لأنه حيلة على القرض الربوي وليس تورقاً حقيقياً، فإن مشتري السلعة لا يقبضها ولا يبيعها، بل يلتزم البنك بالشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة ببيع السلعة للعميل، فيصبح الأمر عبارة عن قرض ربوي.
أما التورق الجائز ـ على الراجح لدينا ـ فيشترط فيه أن يقوم البنك بشراء السلعة شراء حقيقيا ثم يبيعها للعميل فإذا قبضها العميل جاز له بيعها والاستفادة من ثمنها.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 46179، 112214، 112842، 115367، 121687.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/226)
التوكل على الله لا يعني ترك التدبير والحيطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس اتصالات متزوج وأعمل بشركة كبيرة وبمرتب كبير، لكنني مللت من هذا العمل، لأنني لا أحبه وأخاف أن لا أتقنه وتكون الفلوس حراما، والعمل الذي أحبه أسعى الآن وأبحث بجد عن فرصة فيه، والسؤال: هل أبقى بعملي حتى أجد فرصة مناسبة؟ أم أتركه وأتوكل على الله وأبحث بجد وبيقين أن الله لا يضيعنا ـ أنا وزوجتي؟ مع العلم أن العمل الذي أحبه به مستقبل لي أكبر من الذي أعمل فيه الآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام عملك الحالي مباحا، فتركك له قبل أن تجد عملا بديلا ليس من اليقين ولا من التوكل الذي أمرنا به وإنما هو تسرع وتفريط، وربما كان فيه إضاعة لك ولأهل بيتك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وأحمد، وحسنه الألباني.
والتوكل على الله واليقين به لا يعني ترك التدبير وأخذ الحيطة والحذر، بل قد أمرنا الله بذلك، فقال: وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ {النساء:102} .
فعليك أن تستمر في عملك طالما لم تجد عملا غيره، واحرص على إتقانه، واستعن بالله ولا تعجز، وتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. رواه أبو يعلى والبيهقي في الشعب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ونسأل الله سبحانه أن ييسر لك العمل الذي تحبه وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه ويزيدك قربا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(12/227)
يلزمك أداء فرق الإيجار
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفتي في موضوع شخصي فيما يلي نصه: استأجرت شقة إيجارها السنوي: 6500 ريال سعودي وكنت أدفع الإيجار شهريا وهو: 542 ريالا، دفعت أجرة الشهر الأول ثم الثاني على هذا النحو وفي الشهر الثالث قلت لصاحب الشقة ياشيخ بلا 42 ريالا خليها 500 ريال صافية، خصوصا وأن ظروفي المادية صعبة ووقتها لم يكن عندي عمل، لكنه رفض فاقترحت أن أجمع له ال 42 ريالا عن كل شهر في نهاية السنة فسكت ومن سكوته عرفت أنه قبل ومضت السنة الأولى ولم أعطه ال 420 حق عشرة شهور وهو أيضا لم يطالب بها وبقيت في البيت 12 سنة ولم يطلب الرجل فرق الإيجار ويبدو أنه قدر حالتي المادية حتى إنه وفي سنة من السنوات وتحديدا في شهر رمصان من تلك السنة كانت ظروفي صعبة ودفعت له إيجار الشهر، ولكنه وبعد أن أخذ المبلغ 500 ريال أعاده إلي على أنه زكاة، وقبل نحو 3 شهور قمت بعمل بعض الإصلاحات في المنزل مثل باقي المستأجرين بمبلغ:400 ريال على أن تكون على حسابه فرفض وقام بزيادة الإيجار 100 ريال عن كل شهر أي أصبح الإيجار 600 ريال، بل وبدأ يطالب بفرق الإيجار للسنوات الماضية التي قضيتها عنده فتعجبت لأنه طوال 12 سنة لم يطالب بهذا الفرق وبسبب مطالبتي ب 400 ريال قام بزيادة الإيجار والمطالبة بفرق كل تلك المدة، وقبل ثلاثة أشهر تقريبا وبسبب مسألة ليس لها علاقة نهائيا بما حصل بيني وبينه تركت الشقة واستأجرت أخرى في حي آخر وكان لي عنده إيجار شهر واحد كنت قد أعطيته مقدما، لأنه وعند زيادته لإيجار الشقة اشترط أن أعطيه أجرة ثلاثة أشهر مقدما فبقي مبلغ 600 ريال معه علاوة على المطبخ الذي قمت بتركيبه على حسابي، فقلت له أعطيني ال 600 ريال فرفض وقال لي يجب عليك أن تدفع لي فرق الإيجار عن السنوات التي أقمت فيها بشقته ـ 12ـ سنة، والآن أفتوني جزاكم الله خيرا: هل يستحق الرجل فعلا فرق الإيحار عن تلك المدة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل لم يصرح بإسقاط هذا الفرق ـ كما هو الظاهر من كلامك ـ فيلزمك أداء فرق الإيجار إليه، ومجرد ترك المطالبة بهذا المال لا تدل على إسقاطه عنك.
أما بخصوص الإصلاحات التي قمت بها، فإن كانت بإذن المؤجر وعائدة على العقار بالنفع فهي على المؤجر، وإن كانت عائدة على المستأجر بالنفع فهي على المستأجر ما لم يفعل ذلك بشرط الرجوع على المؤجر، وراجع تفصيلا أكثر في الفتوى رقم: 104968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/228)
حكم إخراج المستأجر المنتهي عقده بالقوة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شقة سكنية، كانت في الأصل لوالدتي ثم وهبتني إياها لاحقا.. المشكلة هي أن هذه الشقة تم تأجيرها لشخص منذ حوالي 15 سنة على أساس أن يخلي الدار فور انتهاء المدة المتفق عليها وهي سنتان فقط، ولكن هذا المستأجر تمسك بالدار، واستغل ضعف القانون في بلدي للاستمرار فيها، وهو يدفع مبلغا ماليا يكاد يكون زهيدا.. وعندما طالبته بالإخلاء لحاجتي للسكن بعد زواجي علما أن هذه الدار هي ما أملك في هذه الدنيا فقط، ولكنه رفض ذلك، فرفعت عليه قضية أمام المحاكم، والمشكلة الأكبر أنه بناء على قانون الإخلاء يتحتم علي دفع 40% من قيمة العقار السوقية لهذا المستأجر لكي يخلي الشقة ويسلمها إلي، علما أن هذه القيمة قد تصل إلى مبلغ مهول لا أملك منه شيئا ...
هل هذا الأمر يجوز شرعا، ويعتبر بحكم المال المغتصب، ويجوز الذود عنه بالدم، وإن خالف القانون..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكر من كون مدة الإجارة المتفق عليها في العقد قد انتهت، فيجب على المستأجر إخلاء هذا العقار، ولا حق له في المطالبة بشيء من المال مقابل إخلائه له، فإن هذا من الظلم البين، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
وإذا رفض هذا الرجل إخلاء العقار فهو معتد على حق الغير بغير وجه حق، فعليك بذل الحيلة في إخراجه منه، وإن لم يكن من سبيل إلى إخراجه إلا القوة فالأصل جواز ذلك، قال السرخسي في المبسوط – وهو في الفقه الحنفي: وكما أن له أن يقاتل دفعا عن ملكه إذا قصد الظالم أخذه منه، فكذلك له أن يقاتل في استرداده، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد اهـ.
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. إذن من جهة الأصل يجوز لك دفعه بالقوة، ولكن لا يخفى عليك أن هذا الرجل يجد حماية من قبل القانون، فإصابتك إياه بأي نوع من الضرر تجعلك في مواجهة القانون، فقد يقع عليك بسبب ذلك ضرر أكبر من ضرر أخذ مالك، ولهذا فلا ينبغي لك الإقدام على ذلك، بل اتخذ من الوسائل ما تتمكن به من إخراجه من غير أن تقع في شيء من الحرج.
لكن أفضل الوسائل هو أن توسط بعض أهل الفضل لعلهم يقنعونه بالخروج ولو بمقابل معقول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/229)
حكم العقيقة بلحم مستورد مذبوح
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة على قدر محدود من الدخل ـ أنا وزوجي ـ موظفان ونسكن بيتا بالإيجار ولنا من البنات 3ـ والحمد لله ـ تمكنا من الذبح عن اثنتين من البنات عقيقة، مع العلم أنني وزوجي لم يعق عنا في صغرنا، ومع الارتفاع الهائل في سعر الذبائح عندنا في فلسطين قد يصل سعر الذبيحة فوق 450 دولارا أمريكيا أي ما يساوي تقريبا ثلث دخلنا الشهري قبل سداد التزاماتنا الشهرية، وبصراحة نريد أن نذبح العقائق عنا، ولكن ـ ما باليد حيلة ـ فأخبرنا أحد المعارف عن ذبائح تستورد من البرتغال سعرها أقل من الذبائح البلدية، ولكنها تستورد مذبوحة ولن نتمكن من ذبحها نحن، علما بأن أي ذبيحة تذبح في الملحمة وليس في المنزل لا نراها قبل ذبحها فقط ندفع ثمنها ونأخذ لحمها لنقوم بتوزيعه، أرجو الإفادة، فهل يجوز أن نقوم بالعق من هذه الذبائح المستوردة؟ لأنه يمكننا أن نقوم بتوفير ثمنها بالادخار على مدى أشهر، أما بالنسبة للذبائح المتوفرة عندنا فإنه تلزمنا سنوات لنتمكن من ذبح واحدة، هذا على فرض أن السعر ثابت ولن يرتفع، مع العلم أنني أقوم منذ مولد ابنتي الصغرى والتي تبلغ من العمر الآن سنتين بالادخار وإلى الآن لم أجمع سعر ذبيحة، لأن أسعارها في ارتفاع مستمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظرا لما ذكرت السائلة الكريمة فإن الظاهر أن العقيقة ساقطة في مثل هذه الحالة المذكورة، لما فيها من إجحاف وتكلفة، فالعقيقة سنة ـ على الراجح من أقوال أهل العلم فيها ـ على من كان قادرا عليها، ولا تجحف به وذلك لما رواه مالك في موطئه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها مندوبة مطلقا، قال العلامة خليل المالكي في المختصر: وندب ذبح واحدة تجزئ ضحية في سابع الولادة.
وسبق بيان أحكام العقيقة وما تعلق بها في الفتاوى التالية أرقامها: 120903، 57780، 15481.
وتأديتها من الذبائح واللحوم المستوردة لا يصح، لأن العقيقة قربة، والقرب لابد فيها من النية عند إرادتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه.
والذبائح المستورة قد ذبحت بغير نية العقيقة.
والحاصل أن العقيقة ساقطة عنكم في هذه الظروف ولا حرج عليكم ـ إن شاء الله تعالى ـ وبإمكانكم أن تقضوها فيما بعد إذا تيسرت الأمور وتغيرت الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/230)
المسلم مطالب بالتخلي عن المعاصي صغيرها وكبيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال لم أستطع أن أجد له جواباً شافياً لي، فأرجو أن تفيدوني بعلمكم قدر المستطاع. أنا شاب عمري 17 سنة, والحمد لله أن الله هداني وتركت المعاصي الصغيرة, فأنا الآن أصلي الصلوات والسنن, وآمر بالمعووف وأزكي, وأصوم وأقوم الليل وأحفظ القرآن وأسمع كثيراً من الخطب الإسلامية وهكذا، ولا نزكي على الله أحدا، فأنا أعلم أني مذنب وأحتاج إلى استغفار كثير، لأننا نحن البشر كلنا مقصرون في عبادة الله عز وجل، وقد نرتكب بعض المعاصي فنرجو من الله قبول التوبة , ولكن هنالك شيء واحد يجعلني أفكر كثيراً وهو أن الله عز وجل رحيم غفور لدرجة أن من فعل السيئات (وأنا أتكلم عن الصغائر) وصلى الصلوات الخمس وصام فإن هذه الأعمال تذهب السيئات وأيضاً قوله نعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما [سورة النساء: 31] .
وقوله عز وجل الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [سورة النجم: 32] وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وقيل من صلى الصلوات الخمس وصام رمضان واجتنب الموبقات قيل له ادخل الجنة بسلام. فسؤالي هو هل يعني ذلك أن من تجرأ على الله وارتكب المعاصي كالاستماع للأغاني المهيجة للشهوات أو كالذي ينظر إلى الصور الفاضحة والماجنة، أو كالذي يصافح النساء أو ما شابه ذلك, فهل هو من الذين يقول له ادخل الجنة بغير حساب فإن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب ولا حاجة إلى استغفار؟ أم أنهم سيعذبون قدر معاصيهم ان لم يتوبوا..فأنا عندما أرى هذه الذنوب منتشرة عند الشباب فأقول لنفسي هل من خاف ربه واجتنب جميع نواهيه يكون مثل الذي يرتكب الصغائر ويجتنب الكبائر؟ وهل درجة المعاصي التي ذكرتها, تكون تحت "قال أنس بن مالك رضي الله عنه «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات» رواه البخاري، والموبقات أي المهلكات.
فان هذه المسألة أخاف منها لأنها-والعياذ بالله- تشجعني في ارتكاب الصغائر. وأنا أعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء. ولكن هل يجوز الاعتماد على رحمة الله مع العمل بالصلاة والصيام وارتكاب الكبائر فهل بهذا تكفر الذنوب التي أراها مفسدة للأخلاق، أرجو منكم التوضيح؟ وأثابكم الله وأدخلم جناته جنات عدن. وشكرأً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم. ولكن هذه الوعود وغيرها من الله تعالى ورسوله يجب أن لا تكون مسوغة للعبد أن ينتهك الستر الذي بينه وبين الله تعالى وأن لا تجعله يقتحم مساخطة سبحانه، لأسباب منها:
1- أن المعاصي وإن لم تكن من كبائر الذنوب إلا أن الله تعالى يكرهها ويكره فاعلها ويتوعده بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَليِ مٌ {النور:63} ، وقال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت!. وقال ابن مسعود: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب مر بأنفه فقال به هكذا. أي هشه وأزاحه بيده. رواه البخاري.
2- أن إدمان الصغائر يورث في القلب استخفافاً واستهانة بالآمر الناهي سبحانه وتعالى، وهذا الاستخفاف وتلك الاستهانة من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
3- أن الوعد الذي في النصوص متعلق بالصغائر، وإنما تظل المعصية صغيرة إذا لم يصر عليها العبد، فإن أصر على فعلها وداوم عليها لم تبق صغيرة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ولا بد لمن أراد تكفير سيئاته بما يفعله من الحسنات أن لا يكون مصراً عليها، كما قال تعالى: وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، وعلى ضوء ما سبق يمكن فهم قول أنس رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات. رواه البخاري. قال المناوي: محقرات الذنوب أي صغائرها، لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة. انتهى. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 124964.
4- أن فاعل المعصية وإن كانت من الصغائر لا يأمن أن يختم له بها فتكون آخر أعماله وعليها يلقى الله تعالى، ولتتدبر قول الله سبحانه وتعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْ مُحْسِنِينَ {الزمر: 54-55-56-57-58} .
5- أن أداء صورة العبادات على وجه تسقط به المطالبة لا يكفي لحصول الوعد بتكفير السيئات ولا لحصول باقي الآثار المترتبة على أدائها، كصيانة العبد وحفظه عن ارتكاب ما يسخط الله، وذلك كما في قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ، فكم من مصلٍ يغشى المنكرات ويبارز الله بالمعاصي ولم تنهه صلاته؟! وإنما كان ذلك لأنه لم يقمها على وجه من الحسن والإتقان يتضمن الإخلاص وتجريد المقصود الذي حمله على إنشاء تلك العبادة، ويتضمن كذلك المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة أدائها، ويتضمن أيضاً الخوف والإشفاق من ردها وعدم قبولها، ولا يسعد بالتوفيق لإحسان العبادة التي تترتب آثارها عليها من هو مقيم على معاصي الله مستخفاً بأمره ونهيه بحجة أنه مجتنب للكبائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/231)
طريق النجاة من العادة السرية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا شاب وعمري 23 سنة أصبت ببلاء ـ وما أدراك ما هذا البلاء؟ إنه ذلكم المرض الخطيرـ العادة السرية ـ عكرت صفو حياتي تماما وأنا لم أستطع الزواج نظرا لظروفي وعليه، فإن هذه العادة تسببت في التالي:
1ـ عدم القدرة على مواصلة الدراسة حتى إنني أفكر في مواصلتها بعد الزواج وهذا بغير علم أهلي، حيث إنني أتظاهر بالالتزام ـ وأنا فعلا ملتزم ولله الحمد ـ ولكن المذهل أنني أما رس هذه العادة الخبيثة كل يوم وأحيانا تصل الممارسة في اليوم إلى أكثر من ثمان مرات أوأكثر: إما تكون الممارسة قبل النوم أوبعد صلاة الفجر، حيث إنني أصلي الفجر ثم بعد ذلك أعود لممارستها ـ والعياذ بالله ـ وأحيانا يكون ذلك في وقت الظهيرة، وعليه فإنني الآن أعاني من اكتئاب وخوف اجتماعي وكسل وخمول، وكل هذا من آثارها عموما ـ وحتى في رمضان والعياذ بالله لم أستطع تركها ـ والسبب في ذلك أن فكري وعقلي دائما ما يتخيل مواقف جنسية وكأنني أجامع وهو وحي من الخيال عاقبته وخيمة، حيث إنني أفكر في عورات الناس ثم بعد ذلك أقذف، ولكن الآن أضع النقاط على الحروف فعندما كنت في الثانوية العامة كانت لي جارة شابة تكبرني بثمان سنوات وكانت على علاقة بي، ولكن لم يحدث الزنا ـ والحمد لله ـ وإنما يحدث شيء من المداعبة وكنت آكل وأشرب مما تصنعه كالكيك والحليب وأشياء أخرى، والآن يراودني شك، هل مثلا تستطيع فعل شيئ داخل تلك المأكولات فيكون شغلي الشاغل هو التفكير في الجنس، علما أنها الآن متزوجة ولديها ثلاثة مواليد وإذا كانت تستطيع فعل ذلك فماهو الحل والخروج من هذا المأزق الخطير؟ أنقذوني جزاكم الله خيرا.
2ـ هذه العادة جعلتني إنسانا انطوائيا لا ألتقي بالناس، خصوصا عندما تعطلت دراستي، حيث إنني أواجه أسئلة مثل: أنت في أي سنة دراسية؟ ولا أريد أن أكذب، فما هو الحل؟.
3ـ أنا حساس جدا، بحيث لو وقعت أي شجارات بيني وبين الآخرين فإنني لا أتكلم معهم جل الوقت بسبب شجار أحيانا يكون تافها على سفاسف الأمور.
4ـ لا أستطيع أن أنام إلا على بطني وأنا أعلم أنه مكروه، لكن لا أرتاح إلا وأنا على البطن.
أفيدونا جزاكم الله خيرا وجعلكم ذخرا للإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العادة الخبيثة قد سبقت لنا عشرات الفتاوى التي بينا فيها خطرها على دين المرء وأخلاقه وصحته وراجع الفتويين رقم: 7170 , ورقم: 106 , ففيهما كلام مفصل عن أضرارها وكيفية التخلص منها، وراجع الفتوى رقم: 6995 , ففيها نصائح لمن غلبته شهوته.
ونحن نرى أن سبب ملازمتك هذه العادة القبيحة ـ برغم ما سببته لك من ضرر بدني ونفسي ـ هو ضعف همتك وعزيمتك ولو أنك صدقت الله سبحانه في التوبة منها لوفقك الله وتاب عليك, فلا ينبغي أن تسارع في نسبة الأمور إلى الأسباب الخفية من السحر والجن ونحو ذلك, وإن كان هذا غير مستبعد, ويمكنك على كل حال ملازمة الرقية الشرعية المبينة في في الفتويين رقم: 7151، ورقم: 4310.
واعلم أن من يريد النجاة يلزمه أن يسلك الأسباب الموصلة إليها، ونجاتك من هذه العادة أن تشغل وقتك بما ينفع في دينك ودنياك وأن تبادر إلى صحبة الأخيار وملازمتهم وأن تعرض تماما عن التخيلات التي تحفزك لفعلها، فإذا فعلت ذلك ـ مع التضرع بين يدي الله تعالى وسؤاله الإعانة ـ فإنك ستتخلص منها ـ بإذن الله تعالى.
وأما ما تذكره من حساسيتك الزائدة ـ حتى من المواقف السهلة اليسيرة ـ فهذا لا علاج له إلا بالاستعانة بالله جل وعلا واستحضار فضيلة العفو والصفح وترويض نفسك على الحلم والصبر، فإنما الحلم بالتحلم والأخلاق الحسنة تكسب بالتعود.
أما بخصوص النوم على البطن فإنه مكروه، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 109614 ورقم: 5439.
وإذا كان النوم على بطنك يدعوك إلى ممارسة العادة السرية فيلزمك تركه، فتكر ذلك وسيلة من وسائل إقلاعك عن هذه العادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/232)
الرؤية الشرعية في قتل من أنبت من يهود بني قريظة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شبهة انتشرت حاليا تقول إن الاسلام يحث على قتل الاطفال! بالرغم من حديث النبى عليه الصلاة والسلام وقوله لا تقتلوا طفلا ولا امرأة.. إلخ والشبهة تعتمد على أن الطبرانِي روى في الكبير والصغِير من حديث أسلم الأنصاري قال: جعلنِي النبي صلى الله عليه وسلم على أَسارى قريظةَ فكنت أنظر في فرجِ الغلامِ، فإن رأَيته قد أنبت ضربت عنقه، وإن لم أَره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين. وحديث: عطِية القرظِي: عرِضنا على النبى صلى اللَّه عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل، ومن لم ينبِت خلي سبِيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي، وهناك أولاد ينبتون شعر العانة وعمرهم 8 أو 9 سنوات، فرددت وقلت إن الإنبات يعنى إنبات شعر اللحية فهل الإنبات في هذه الاحاديث يعنى شعر اللحية ام شعر العانة؟
وهل حديث عطية القرظى صحيح ام لا؟ يرجى الرد باستفاضة حول هذه الشبهة؛ لانها للأسف انتشرت كثيرا حاليا عند الملحدين والنصارى الحاقدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حديث عطية القرظي فرواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، أنهم يرون الإنبات بلوغا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه، وهو قول أحمد وإسحاق. اهـ.
وقال ابن حجر في (التلخيص) : له طرق أخرى عن عطية، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال: على شرط الصحيح. وهو كما قال اهـ. وصححه الألباني.
وأما حديث أسلم الأنصاري، فعزاه ابن حجر للطبراني في معجميه الكبير والصغير، وقال: هو ضعيف. اهـ.
والمراد بالإنبات هنا بلا خلاف هو شعر العانة الخشن لا اللحية، وقد جاء ذلك صريحا في رواية أبي داود، ولفظها: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي.
ومع ذلك فلا شبهة في الحديث، ولا متمسك فيه للمشككين والمضللين، وبيان ذلك مبني على العلم بأن الأحكام في الشريعة تتعلق بالبلوغ، فهو الحد الفاصل بين الكبير والصغير، أو بين الرجل والطفل.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة ... وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ. رواه أبو داود، وصححه الألباني. ورواه أصحاب السنن بروايات، منها: الصغير حتى يكبر. ومنها: الصبي حتى يشب أو: يكبر، أو يبلغ أو يحتلم.
فإذا اعتبرنا البلوغ هو الحد الفاصل بين الرجل والطفل، فلا يصح أن يوصف من قتل البالغين بأنه يقتل الأطفال. والإنبات أمارة وعلامة على البلوغ على الراجح من أقوال العلماء، ومنهم من اعتبر ذلك في حق الكفار دون المسلمين كالشافعية.
جاء في (عون المعبود) : يشبه أن يكون المعنى عند من فرق بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر حين جعل الإنبات في الكفار بلوغا ولم يعتبره في المسلمين، هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم، ولأن أخبارهم غير مقبولة. فأما المسلمون وأولادهم فقد يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم؛ لأن أسنانهم محفوظة وأوقات مواليدهم مؤرخة معلومة وأخبارهم في ذلك مقبولة، فلهذا اعتبر في المشركين الإنبات، والله أعلم. قاله الخطابي. وقال التوربشتي: وإنما اعتبر الإنبات في حقهم لمكان الضرورة؛ إذ لو سئلوا عن الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثون بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك. اهـ.
فلما لم يكن هناك وسيلة موثوقة يعرف بها البالغ في قضية بني قريظة تعينت هذه الوسيلة لتنفيذ الحكم الحق الذي استحقه بنو قريظه لغدرهم وخيانتهم الخيانة العظمى كما هو معروف في أسباب الحكم الذي حكم به سعد بن معاذ رضي الله عنه موافقا حكم الله تعالى فيهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل منهم سوى المقاتلة البالغين فهو صلى الله عليه وسلم أعظم الناس نهيا عن قتل الأطفال. والنهي عن قتل الأطفال أصل ثابت في الإسلام. ففي الصحيحين عن ابن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان. رواه البخاري ومسلم.
وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. رواه مسلم.
وراجع للمزيد في رد شبه المغرضين حول قتل بني قريظة الفتوى رقم: 108493. والفتوى رقم: 13988.
وراجع في بعض أخلاق وسلوكيات المسلمين في حربهم مع الكفار، وقد سبق أن ذكرنا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 56284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(12/233)
لا حرج في بيع بيت لكتابي مالم يعلم أنه يتخذه لأمر محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع المنزل إلى مشتر كتابي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في بيع المنزل للكتابي ما لم يعلم أنه يتخذه لأمر محرم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود ويشتري منهم، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، وهذا ما فصلنا القول فيه في الفتوى رقم: 3545.
وأما لو علم كونه يتخذ المنزل لأمر محرم، فإنه لا يجوز بيعه له، وكذلك لو كان مسلما، وعلم أنه يريده لأمر محرم فلا يجوز بيعه له كذلك. قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
وروى ابن بطة أن قيماً لـ سعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً، ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره، فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر. وأمر بقلعه.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام، كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار، أو أشباه ذلك فهو حرام، والعقد باطل. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(12/234)
صورة بيع الصفقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسعد الله أوقاتكم يا مشايخنا يا كبار
ما هو بيع الصفقة؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع الصفقة صورته في المشترَك الذي لا ينقسم من عقار وحيوان وعرض، إذا أراد أحد المشتركين بيع حصته منه وطلب من شريكه أو شركائه بيع نصيبه معه فأبى أجبر على البيع، وسبب تسميته بيع الصفقة هو أن الشريك يبيع المشترك صفقة واحدة.
ويشترط لهذا البيع شروط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه عند المالكية القائلين بهذا النوع من البيع.
ومن هذه الشروط اتحاد المدخل والمقصود به أن يكون جميع الشركاء قد ملكوا المال المشاع بسبب واحد في وقت واحد.
ومنها عدم تبعيض الصفقة وأن ينقص ثمن جهة مريد البيع إذا بيعت مفردة.
جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: إن أراد أحد المشتركين فيما لا ينقسم بيع حصته وطلب من شريكه بيع نصيبه معه ليكثر الثمن فأبى أجبر للبيع.. إن نقصت حصة شريكه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(12/235)
حكم بيع النسيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو بيع النسيئة؟ وما حكمه؟ مع الدليل بالتفصيل رجاء. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كلمة النسيئة التأخير وكذا النساء بالمد، كما جاء في مختار الصحاح، وقال ابن منظور في لسان العرب: نسأ الشيء ينسؤه نسأ وأنسأه أخره والاسم النسيئة. اهـ.
فإذا تم البيع مع الاتفاق على تأخير الثمن فهو بيع النسيئة، قال في فتح القدير: ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل؛ لإطلاق قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ {البقرة: 275} وما بثمن مؤجل بيع. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا له من حديد، وفي لفظ الصحيحين: طعاما بنسيئة. اهـ.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر: القول في العقود قال الدارمي في جامع الجوامع، ومن خطه نقلت: إذا كان المبيع غير الذهب والفضة بواحد منهما، فالنقد ثمن، وغيره مثمن. ويسمى هذا العقد بيعا. وإذا كان غير نقد سمي هذا العقد معاوضة، ومقايضة، ومناقلة. ومبادلة. وإن كان نقدا سمي صرفا، ومصارفة. وإن كان الثمن مؤخرا، سمي نسيئة. وإن كان المثمن مؤخرا سمي سلما، أو سلفا. اهـ.
ويشترط في جواز بيع النسيئة أن يكون البيع لا يشترط فيه التقابض، فلا يجوز بيع الذهب والفضة بالنقود إلى أجل لأن ذلك من ربا النسيئة، لما رواه البخاري عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ ولا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ ولا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ ولا تُشِفُّوا بَعْضَهَا على بَعْضٍ ولا تَبِيعُوا منها غَائِبًا بِنَاجِزٍ. والنقد الموجود اليوم يقوم مقام الذهب في الحكم. وقد سبق بيان عدم جواز بيع الذهب بالنقود إلى أجل في الفتاوى الآتية أرقامها: 3079، 32523، 102797، 110650.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة ضوابط البيع بالتقسيط في الفتاوى الآتية أرقامها: 1084، 11149، 24963، 26360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(12/236)
مسائل في بيع السلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو بيان جواز هذه الأنواع من المعاملات؟
في بلدتنا الريفية يوجد بعض التجار الذين يقومون ببيع السلم وخصيصا ً لمحصول الأرز والقمح، ولكن هناك من الناس غير المزارعين ولا يملكون أرضا ولا محصولا ً يحتاجون للمال وذلك لأسباب غالبا ً ما تتعلق بالسفر أو البناء، فيذهب إلى هؤلاء التجار للاقتراض فيعطيه مالا ولكن ببعض الشروط:
1 – يدفع له التاجر المال على أن يرده محصولا ً ويتم تحديد النوع سواء كان قمحا ً أم أرزاً مع تحديد الكمية من هذا المحصول والوقت المتفق عليه الذي يرد السلعة فيه.
2- يدفع له التاجر المال في الحال بسعر يتم تحديده سلفا ً قبل نضج المحصول وبسعر غالبا ً يكون أقل من السعر الحالي للسلعة المعروضة في السوق.
3- غالبا ً ما يتعذر المقترض لشراء المحصول المتفق عليه نظرا ً لكونه ليس مزارعا ً ولا يملك المحصول فيضطر لشرائه من مزارع أخر ويسلمه للتاجر كما تم الاتفاق.
نرجو توضيح هذا الأمر من حيث جوازه مع توضيح الأتي:
1- هل للمقترض أن يقترض بهذه الصورة فيأخذ مالا ً ويرده محصولا ً؟
2- هل للمقترض أن يقترض بسعر أقل من سعر السوق ويكون غالبا ًبنسب كبير؟.
وجزاكم الله خيرا ً.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
عقد السلم معناه بيع موصوف في الذمة، ويشترط له أن يوصف وصفا منضبطا يمنع النزاع، وأن يسلم رأس المال في مجلس العقد، وأن يكون المسلم فيه موجودا عاما في وقت التسليم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أن ما يتم بين هؤلاء الأشخاص الذين لا يملكون أرضا ولا زرعا وبين التجار هو عقد سلم، وليس عقد قرض كما يصفه السائل، وعقد السلم معناه بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف وهو بيع مستثنى من بيع المعدوم، وذلك لحاجة الناس إليه، ولا يشترط في هذا العقد أن يكون المتعاقد صاحب زرع إذا كان السلم على حب مثلا، ولكن يلزمه أن يشتري المحصول المتفق عليه والموصوف وصفا منضبطا وقت التسليم، كما لا يشترط أن يكون المسلم فيه موجودا عند العقد، وإنما يشترط وجوده عند محله أي وقت تسليمه.
جاء في المغني: ولا يشترط كون المسلم فيه موجودا حال السلم؛ بل يجوز أن يسلم في الرطب في أوان الشتاء. اهـ
وبهذا نعلم أن من أسلم في ثمر لا يشترط أن يكون ناضجا أو قد بدا صلاحه كما هو من شروط البيع على تفصيل ليس هذا مكانه، ولا مانع أن يتفق التجار وهؤلاء على سعر أقل من سعر السوق. المهم أن يتحقق في السلم ما جاء في الحديث: من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم. متفق عليه.
فيكون الثمن معلوما مسلما في مجلس العقد، ويكون الحب موصوفا وصفا يرفع الجهالة، ويكون الأجل معلوما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(12/237)
حكم التجارة في أدوات تستخدم في بعض الرياضات العنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا بما علمكم الله جزاكم الله عنا خير الجزاء، ما حكم العمل في محل يبيع لوازم ومعدات رياضية لرياضات فنون الحرب، ومن ضمنها قفازات لمختلف الرياضات كالملاكمة مثلا وعصي وسيوف خشبية، حيث في بعض الرياضات هناك ضرورة وقد تكون مختصة في الضرب فقط على الوجه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوسائل في الشرع لها حكم المقاصد، ولذلك فإذا كانت معدات الرياضة المذكورة خاصة بالرياضة التي لا تجوز كالملاكمة فلا يجوز بيعها، وإن كانت تستخدم في الرياضة المباحة كالكاراتيه أو يمكن استخدامها فيما يجوز وما لا يجوز فلا مانع من العمل فيها وبيعها لمن لا يعلم أو يغلب على ظنه أنه يستعملها في الحرام، فإن وسيلة الشيء لها حكمه -كما ذكرنا- والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، وقد سبق بيان حكم الملاكمة والكاراتيه، وحكم بيع ما يمكن استعماله في الحلال والحرام وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7483، 7307، 52995. نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(12/238)
اشترى شيئا ما ثم ظن أنه مسروق كيف يتصرف فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تدلوني على حل يرضي الله في هذه المسألة: اشتريت دراجة مستعملة من قبل شخص لا أعرفه وجدته يعرضها في السوق بثمن فد تراءى لي مناسبا في البداية. ولكن عند رجوعي إلى البيت أكد لي والدي أنها دراجة مسروقة بما أنها قد دهنت مؤخرا وأن ثمنها بخس جدا. فكرت أن أذهب بها إلى مركز الشرطة ولكن من المؤكد أنه من الصعب جدا أن يعرفوا صاحب الدراجة لأنه من الأرجح أنه لم يخبر عنها ...
ف ماذا أفعل خاصة وأني في حاجة إليها؟ هل أبيعها أم أبقيها لدي؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالورع أن تتخلص من هذه الدراجة بإعطائها لفقير محتاج إليها أو بيعها وصرف ثمنها في مصلحة عامة للمسلمين أو لفقير ونحو ذلك لوجود الشبهة التي قامت عندك، ولو استعملتها فلا إثم عليك في ذلك لأن الأصل ملك بائعها لها ولا يحكم بأنه سرقها إلا ببينة أو اعتراف منه وكل ذلك غير حاصل، وراجع الفتوى رقم: 80754.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(12/239)
معاملة من يتاجر في السجائر في غير السجائر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا صاحب السؤال التالي الذي رقم فتواه 21758 إذا كان زبوني ممن يبيع السجائر وهو يرغب في التعامل معي في تجارة أخرى ليست السجائر بأن يستوردها عن طريقي، فهل يجوز لي ذلك، علما بأنني في بلد وهو في بلد آخر؟ وشكراً ... سؤالي الآن هو: هل يجوز أن يكون هذا الزبون وسيطا لي في بعض المعاملا ت بحيث لا تدخل نقوده هو في الصفقة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت معاملتك مع بائع السجائر لا علاقة لها ببيع السجائر فلا حرج في ذلك سواء كنت تورد له البضائع أو يتوسط لك في توريدها دون أن تشتريها منه، وأما شراؤها منه فإن كان قد ملك هذه البضاعة بمال حرام فيحرم عليك شراؤها منه، وإن كان لا يعرف ذلك وأكثر ماله حرام فمعاملته مكروهة كما بينا ذلك في الفتوى التي ذكرتها، وراجع أيضاً الفتوى رقم: 7707، والفتوى رقم: 18275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1428(12/240)
الأسهم.. وبيع الغرر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء أسهم في بنك إسلامي يتعامل ببيع الغرر الذي هو حسب فهمي " بيع ما لا تملك". وذلك تفاديا للتعاون على الإثم والعدوان.
وحبذا لو تفيدونا إن كان بنك التنمية الإسلامي يتعامل بهذا النوع من البيوع. فإن كان الجواب بنعم....فما هو حكم شراء أسهم في هذا البنك.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه بداية إلى أن بيوع الغرر هي أعم من بيع ما لا تملك إذ تشمل ذلك وغيره، قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة؛ كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن وبيع بعض الصبرة مبهما وبيع ثوب من أثواب وشاة من شياه ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل لأنه غرر من غير حاجة.
وإذا عرفت هذا فلا يجوز شراء أسهم أي بنك أو شركة تمارس عملا محرما مثل: الاقتراض أو الإقراض بالربا، أو البيوع المنهي عنها كبيوع الغرر ولو كان أصل عملها مباحا؛ لأن صاحب السهم هو مالك لحصة شائعة في هذا البنك أو الشركة، وأي عمل محرم تمارسه فعليه من إثمه بقدر حصته في هذا الملك، وراجع الفتوى رقم: 61670، والفتوى رقم: 3302.
ولا علم لنا بأن بنك التنمية الإسلامي يتعامل بنوع البيوع المذكور في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1427(12/241)
مسألة في بيع الأدوات المستهلكة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بإحدى الشركات التي تتعامل مع شركة من شركات القطاع العام. وفي أحد المواقع التابعة لهذه الشركة كان هناك بيع للوط من المواد المستهلكة (الخردة) مع العلم أن البيع تم على أساس أن المقاول يشتري أي شيء قديم يجده في الموقع وبعد أن تم البيع قابلت القيم علي هذا الموقع وقال لي إنه عنده جهازان باقيان بعد عملية البيع وأنهما مثل الجديدين وأنه قد خاف عليهما أن يأخذوهما ويقوموا بتكسيرهما حتى تباع كخردة فخشي عليهم لعلمه بقيمتهما وقام بالتحفظ عليهما. وليس لهذه الأجهزة استخدام لديه ولم تكن في نيته عندما فعل هذا المكسب المادي ولكن فقط لأجل المنفعة (على فرض أن يجد من هو في احتياج لهما فيعطيهما له بدون مقابل) وقد عرض علي أن آخذهما بدون مقابل لعلمه أني قد أكون في احتياج لهما بدلا من أن يتم تكسيرهما وبيعهما خردة بدون الاستفادة بهما مع العلم أن ثمنهما خردة لا يساوي قيمتهما إذا استخدما فيما ينفع (المنفعة شخصية وليست عامة) فهل علي من إثم إذا أخذتهما للمنفعة الشخصية وهل على هذا المسؤول إثم فيما فعله فنحن نخاف الله ولا نريد أن نفعل شيئا حراما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن الشركة صاحبة الموقع قد اتفقت مع المقاول على شراء كل ماهو قديم مستهلك في هذا الموقع، وكان هذان الجهازان ليسا مستهلكين، فخاف القيم على الموقع أن يدخلا خطأ في الصفقة المبرمة مع المقاول فاحتفظ بهما فلا بأس بما فعل هذا القيم، لكن لا يجوز أن يعطيك هذين الجهازين، والواجب هو ردهما إلى الشركة صاحبة الموقع، وإخبارها بأنهما صالحان للاستخدام وبحالة جيدة، وبهذا تبرأ ذمة القيم على الموقع، ثم للشركة بعد ذلك أن تتصرف فيهما بالاستخدام أو البيع أو الهبة على حسب ما ترى فيه المصلحة.
أما إذا كانت هذه الشركة قد باعت كل ما هو قديم لديها في هذا الموقع لهذا التاجر صفقة واحدة بغض النظر عن كونه مستهلكا أم لا بحيث تشمل الصفقة مجموع ما فيه من قديم، وقبضت عن ذلك ثمنا عن هذا المجموع وهذا ما يعرف ببيع الجزاف، فإن هذين الجهازين من حق المقاول والواجب ردهما إليه شريطة أن تكون شروط بيع الجزاف والتي ذكرناها في الفتوى رقم: 64117، متحققه وإلا فالواجب هو ردهما إلى الشركة كما تقدم لأنهما باقيان على ملكيتها، والأصل في ذلك كله عموم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء: 58} وقوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1427(12/242)
بيع الشقة المستأجرة إيجارا قديما
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى والدي وترك لنا شقة إيجار قديم كان قد استأجرها عام 1961ولم يدفع وقتها أي مبالغ إضافية (خلو)
وحيث إن والدتي تسكن الآن في شقة مملوكة له، فما حكم الشرع في: -
1- بيع الشقة المستأجرة أو التنازل عنها للمالك مقابل مبالغ من المال (بالرغم أنها ليست ملكاً لنا) .
2- كيفية تقسيم مبلغ البيع أوالتنازل (في حالة جواز الحصول على مقابل لترك الشقة)
... حيث إن الورثة مكونين من (الزوجة وولد وثلاث بنات) .
وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 73752.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(12/243)
حكم بيع التلفاز للكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم بيع التلفزيون وما ماثله من الأجهزة للكافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التلفزيون وما ماثله من الأجهزة لا يتعلق بها حل أو حرمة لذاتها، وإنما يتوقف الحكم عليها على نوع الاستخدام فإن علم أن المشتري سوف يستخدم هذا الجهاز في أمر يحرم فإن البيع له حرام لأن هذا من إعانة أهل المنكر على المنكر، والمقرر أن ذرائع الفساد محرمة، ولهذا حرم الفقهاء بيع السلاح لمن يقتل به من يحرم قتله، أو العنب لمن يعصره خمرا، أو تأجير الدكان لمن يجعله معصرة خمر، وبيع السلاح والعنب وتأجير الدكان ليس محرما لذاته بل هو حلال وإنما حرم لكونه ذريعة إلى الحرام، وإن علم أن هذا الجهاز يستخدم في أمر حلال فحكم البيع في هذه الحالة هو الحل، أما في حالة عدم العلم يهدف المستخدم من هذا الجهاز فينظر إلى الغالب من أمر الناس فإن كان الغالب الاستخدام المحرم فيحرم وإلا فمباح.
وفيما يتعلق ببيع الأجهزة المذكورة للكافر فالذي رجحه أهل العلم أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة, وهذا قول جمهور العلماء، قال ابن النجار في شرح الكوكب المنير: والكفار مخاطبون بالفروع أي بفروع الإسلام كالصلاة والزكاة والصوم ونحوها عند الإمام أحمد والشافعي والأشعرية وأبي بكر الرازي والكرخي وظاهر مذهب مالك فيما حكاه القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي وذلك لورود الآيات الشاملة لهم، وقال البعض إنهم ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة. وعلى ما رجحناه فإن ما قيل في بيع هذه الأجهزة يشمل الكافر وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(12/244)
لا يجوز البيع لمن سيستخدم المبيع في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أبيع مواداً لشخص مع علمي أنه سيقدمها هدايا (رشىً) لأشخاص له مصالح عندهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن علم أن المشتري سيستعمل المبيع في الحرام لم يجز له أن يبيعه له لعموم قوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب لمن يصنع منه خمراً، وذلك في قوله: من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة. رواه الطبراني في الأوسط.
وعليه فإذا علمت أن من يشتري منك هذه الأشياء سيقدمها كرشوة محرمة لم يجز لك بيعها إياها، أما إذا كانت الرشوة في حق المشتري جائزة فلا مانع من بيعها له، وراجع في أنواع الرشوة الفتوى رقم: 17870، والفتوى رقم: 17929.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(12/245)
أقوال الفقهاء في بيع الفضولي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص تبنى ولدا أن يورثه وما حكم الذي يشتري من هذا الابن عقارا بعد وفاة والده بالتبني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبني عادة جاهلية محرمة وقد أبطلها الإسلام، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب:4-5} .
وإذ ثبت حرمة التبني وبطلانه، فلا شك في بطلان التوريث به.
والذي يشتري من الشخص المتبنَّى بعد وفاة من كان يتبناه، فالظاهر أن السائل الكريم يقصد ما اشتُري منه مما كان ورثه ممن تبناه، وهذا في الحقيقة قد باع شيئا لا يملكه.
وبيع مال الغير من غير توكيل أو ولاية هو ما يعرف عند الفقهاء ببيع الفضولي، وهو محل اختلاف بين أهل العلم، حيث ذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد إلى القول بجوازه، لكن يتوقف نفاذه على إمضاء المالك. وذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه إلى أن البيع باطل، قال البابرتي في كتابه العناية شرح الهداية: من باع ملك غيره بغير إذنه، فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ، وهو مذهب مالك وأحمد في رواية، وقال الشافعي في الجديد وهو رواية عن أحمد: لم ينعقد، لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية.
ويستثنى مما ذكر ما إذا كان جميع الورثة بالغين رشداء، وقد أجازوا إرث ذلك الشخص معهم، فإنهم حينئذ يعتبرون كأنهم وهبوه شيئا من مالهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(12/246)
البيع بالتقسيط بين العينة والتورق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أقسط لواحد وفكرت بشراء سلعة وبيعها له عوضا عن المال بالمال والربا والعياذ بالله وقد فكرت بأحد الأمرين:
الأول: شراء ذهب وبيعه إياه بالمحل بفائدة على أن أسترجعها بالمال ليس بالذهب.
الثاني: شراء سيارة من شخص (معرض) وبيعها إياه بالمحل بفائدة وهو مخير إما يبيعها لشخص (المعرض) نفسه أو شخص آخر على حسب السعر المقدم منهم، أرجو منكم إفادتي يا إخوان لأني حاولت الاتصال بهيئة الإفتاء ولكن دونا جدوى هذا والله يحفظكم ويرعاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للشخص أن يشتري سلعة دينا بأكثر من سعرها حالاً، كما سبق في الفتوى رقم: 1084، ويجوز لمن اشتراها إلى أجل أن يبيعها نقداً بأقل مما اشتراها به بشرط أن يكون المشتري لها في هذه الحالة غير الذي باعها، وهذه المسألة تسمى مسألة التورق، وسبق تفصيلها في الفتوى رقم: 2819.
وأما بيعها للذي اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، فهذا هو بيع العينة، وقد اختلف العلماء في جوازه، والذي عليه الجمهور وهو المفتى به عندنا في الشبكة هو المنع من ذلك، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم: 13383.
والخلاصة أنه لا حرج عليك في التقسيط المذكور بشرط أن يكون المشتري للسلعة بأقل من ثمنها هو غير بائعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1425(12/247)
بيعتان ولبستان نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد المواقع الإسلامية لحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين الملامسة والمنابذة، ما معنى هذا الحديث يعني ما هما اللبستان اللتان نهى عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما معنى الملامسة والمنابذة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين وعن صلاتين، نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن اشتمال الصماء وعن الاحتباء في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء وعن المنابذة والملامسة.
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللبستان اشتمال الصماء والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء.
قال صاحب تحفة الأحوذي: (الصماء) بالصاد المهملة والمد، قال أهل اللغة هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً ولا يبقى ما يخرج منه يده.
قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فيصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق، وقال الفقهاء هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد، جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا، قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة.
فهذا ما يتعلق بتفسير اشتمال الصماء، وأما الاحتباء فقد قال صاحب عون المعبود: الاحتباء أن يقعد على إليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب (مفضيا بفرجه إلى السماء) أي لم يكن بين فرجه وبين السماء شيء يواريه فالنهي عن الاحتباء إنما هو بقيد كشف الفرج وإلا فهو جائز.
أما الملامسة والمنابذة، فقد قال الحافظ بن حجر في الفتح: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور، وهي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته، وهذا موافق للتفسيرين اللذين في الحديث، الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة، الثالث أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع خيار المجلس وغيره والبيع على التأويلات كلها باطل ... وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضاً على ثلاثة أقول وهي أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة، وهو الموافق للتفسير في الحديث المذكور، والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة، والثالث أن يجعلا النبذ قاطعاً للخيار، واختلفوا في تفسير النبذ فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور، وقيل هو نبذ الحصاة والصحيح أنه غيره. وعلة بطلان البيعتين لما تحتويان عليه من الغرر والجهالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1425(12/248)
حكم بيع تذاكر مباريات كرة القدم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة وبعد،،،
نرجو الإجابة على هذا السؤال شاكرين لكم جهودكم الخيرة.
أنا صاحب بقالة تجارية، أقوم ببيع تذاكر لدخول مباريات دوري كرة القدم الممتاز، وهذه التذكرة هي الوحيدة التي تسمح لحاملها بحضور المباريات. ونظراً للاتجاه العام نحو زيادة الحضور الجماهيري وتوسيع قاعدة اللعبة فقد قامت الشركة الموزعة لهذه التذاكر وبالاتفاق مع الاتحاد العام لكرة القدم على وضع جوائز عينية ونقدية على هذه التذاكر بالإضافة إلى كوبون السحب الذي يجرى داخل الملاعب على جوائز للحاضرين.
وأنني أبيع هذه البطاقات خلال الموسم الكروي وبشكل يعود علي بالنفع. وتنقسم باقي الأرباح العائدة من بيع هذه التذاكر على الاتحاد العام لكرة القدم لدعم الأندية والمنتخبات وجزء يعود للشركة المسوقة والتي بدورها ترعى النوادي الرياضية وتقدم جوائز نقدية لأفضل لاعب وأفضل نادي والهداف ... إلخ
سؤالي هو: هل بيع هذه التذاكر حلال أم حرام
وجزاكم الله خيراً
صالح محمد الشوبكي
الأردن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه التذاكر تباع بسعرها الأصلي دون زيادة في الثمن لأجل السحب، فلا مانع من بيعها وشرائها إذا كان غرض المشتري هو مشاهدة المباراة بالفعل، وليس قصده الدخول في السحب فقط، لأنه إن اشتراها بغرض الدخول في السحب فقط كان ذلك داخلا في القمار المحرم، وقد بينا ذلك في الفتويين رقم: 3817 والفتوى رقم: 10636.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(12/249)
شراء البضاعة بالأجل وبيعها نقدا لغير بائعها جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال عن حرق الأموال
رجل يشترى بضاعة بمبلغ كبير بالآجل ثم يبيعها بأقل من ثمنها ليحصل على أموال نقداً وبعد ذلك يسدد ثمنها على أقساط مثلا يشتري بعض التجار سيارات من شركة بتسهيلات في السداد ثم يبيعونها بأقل من ثمنها فتباع بسرعة ثم يجمعون مبالغ كبيرة ويضعونها في البنك ويسددون من فوائد هذه الأموال الأقساط المتبقية للشركة هل هذه المعاملات حرام وهل هي نوع من بيع العينة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيتضمن سؤالك أمرين:
أولهما: حكم شراء سلعة ديناً بهدف بيعها والانتفاع بثمنها، وهذا ما يعرف عند الفقهاء بالتورق، وسبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 2819، والفتوى رقم: 22172 وذكرنا هنالك أن الراجح جوازه، ولكن لابد أن يكون المشتري الثاني غير البائع الأول، وإلا كانت عينة.
ثانيها: حكم وضع تلك الأموال أو غيرها في البنوك الربوية، وحكم الاستفادة من العوائد الربوية، وهذا ما سبق بيانه أيضاً في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 518، 8157، 26987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(12/250)
بيع الهدية المجانية بين الجواز والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
تقوم بعض الشركات بإرفاق هدية مجانية مع السلعة أو المنتج الذي تريد الترويج له ووضع سعر معين لهذا العرض، فيقوم بعض البائعين بفصل الهدية المجانية عن المنتج الأصلي ثم عرض المنتج للبيع بنفس سعر العرض الأصلي ولكن بدون الهدية التي إما أنهم ينتفعون بها بأنفسهم، أو يعرضونها هي الأخرى للبيع بمفردها، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان هذا البائع قد اشترى هذه السلعة وتملكها مع الهدية الملحقة بها مجاناً فلا حرج في أن يبيعها مستقلة عن المنتج أو ينتفع بها لأنه مالك لها، وله حرية التصرف فيها بالربح أو الانتفاع.
أما إن كان هذا البائع موزعاً للشركة وليس مشترياً وإنما يوزع منتجها ويأخذ مقابل توزيعه عوضاً منها، فلا يجوز له أن يفصل الهدية عن المنتج الذي يوزعه، ويعد هذا خيانة وفيه مخالفة لشرط الشركة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1424(12/251)
الأقراص الممغنطة إن احتوت على محرم حرم بيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي فتح محل لبيع الأقراص الممغنطة؟ علما بأنها تحتوي على: ألعاب فيديو وأغاني شبابية وأفلام متنوعة إلى غير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الاقراص ينبغي أن ينظر في محتواها، فإن كان جائزا جاز بيعها، وفتح محل لها، وإن احتوت على محرم حرم بيعها، وحرم فتح محل لها خوفاً من إعانة العصاة على المعاصي، ويدل لتحريمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه" رواه الإمام أحمد، وصححه الأرناؤوط.
فهذه الأقراص كما ذكر السائل فيها غناء وأفلام وألعاب فيديو، فأما الغناء فيحرم منه ما اشتمل على فحش أو موسيقى، وقد نقل الإجماع على تحريم الموسيقى الطبري والقرطبي وابن الصلاح وابن رجب ويدل لتحريمه حديث البخاري: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف".
وبناء على تحريم سماع المعازف، فإنه يحرم بيع آلاتها وأشرطتها، ولمزيد من البحث في هذا راجع الفتوى رقم: 987، والفتوى رقم: 16134.
وأما الأفلام، فيحرم منها ما كان فيه صور متبرجات أو أفلام بوليسية تعلم اللصوصية، وما أشبه ذلك.
أما ما كان فيه أشياء مفيدة، فالظاهر جوازه، وللمزيد من التفصيل فيه راجع الفتوى رقم: 3127.
وأما ألعاب الفيديو، فراجع فيها الفتوى رقم: 17300، والفتوى رقم: 11367.
هذا وينبغي أن يحرص المرء على الكسب الطيب، ويتحرى الحلال، ويبتعد عن الشبهات، ويتذكر الحديث: "ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته" رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(12/252)
البيع للآمر بالشراء بغرض التملك أو التورق.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أريد شراء سيارة عن طريق مصرف قطر الإسلامي ولكنني سمعت بالخلاف الشديد بين العلماء بهذا الشأن فمنهم من ذهب إلى تحريم هذا الفعل ومنهم من أجازه ومنهم ومنهم ... ولكنني في إحدى زياراتي للحرم تحدث أحد مشايخ الحرم أثناء درس كان يلقيه بأن هذا الموضوع حرام وأن ما يفتي به هو أنه غير جائز وهذا الكلام فيه اجماع من علماء الحرم وليس لشخص واحد والناس في حيرة من ذلك.
وسؤالي إذا أردت شراء السيارة بهذه الطريق لبيعها ومن ثم شراء بيت لي في بلدي حيث إنني لا أملك ثمن هذا البيت، أريد إجابة دقيقة والتحريم يكون من أي باب وهل يجوز شراء السيارة للركوب فقط؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسؤالك يتضمن صورتين مختلفتين:
إحداهما: البيع للآمر بالشراء بغرض التملك.
والثانية: البيع للآمر بالشراء بغرض التورق، فأما الصورة الأولى فالصحيح -إن شاء الله- أنها جائزة، وذلك لأن المصرف يتملك السلعة ثم يبيعها على الآمر بالشراء، وقد أجاز هذه الصورة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله واللجنة الدائمة بالسعودية، ولهم كثير من الفتاوى المبيحة لها بشرطين: تملك السلعة من المصرف ونحوه، وحيازتها ونقلها إن كانت مما ينقل.
وأما الصورة الثانية فهي مسألة التورق المشهورة، وقد سبق الجواب عنها في الفتوى رقم:
2819.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1424(12/253)
أقوال العلماء في بيع البراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[عبد الفتاح ولد اباه والحاج ولد سيد محمد باع كل منهما سيارة للآخر وكانت صيغة البيع كالتالي: كل منا داخل على عيوب سيارة الآخر. مع أن سيارة الحاج ليست موجودة في البلد وأوراقها ضائعة، ولم يكن لعبد الفتاح علم بشيء من ذلك وقت البيع، وعلم بعد البيع بذلك، وبعد استلام مندوب عبد الفتاح لها باعها عبد الفتاح لشخص آخر -بعد علمه بأن السيارة لا أوراق لها وهو الشيخ التراد واستلمها مندوب الشيخ التراد وطلب التراد من عبد الفتاح إصدار أوراق والتزم عبد الفتاح بذلك، وبعد مدة أبلغ مندوب عبد الفتاح عبد الفتاح أن الأوراق صعبة فعاد عبد الفتاح للحاج فاتصل الحاج بمندوبه فتحرك مندوبه للبحث عن الأوراق ووجدها صعبة جداً -وما زال يحاولها- عندها أخبر الشيخ التراد عبد الفتاح أنه لا حاجة له في السيارة والسبب تأخر الأوراق، علما أن السيارة مكثت عند الشيخ التراد شهراً وأبلغنا أنها دعمت دعمة خفيفة عنده وتكلف فيها بعض المال في الأوراق، وهو لا يريد منه شيئاً، وكذلك عبد الفتاح سيارته التي باع للحاج كان يستعملها الحاج ومازال، وسيارة الحاج التي في موريتانيا أبلغني صاحبها أنها متوقفة عن العمل تماماً بسبب الأوراق، ونحن الآن نريد الحكم الشرعي في هذه المسألة، لأن الشيخ التراد يريد إرجاع السيارة وعبد الفتاح يريد إرجاع السيارة للحاج وأخذ سيارته والحاج يرفض إرجاع البيع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه العملية داخلة في بيع البراءة الذي ذكره الفقهاء، والذي ذهب أكثرهم إلى عدم لزومه في الجملة.
وعليه؛ فمن اشترى سيارة واشترط عليه بائعها عدم الرد عليه بما سيطلع عليه فيها من العيوب القديمة، فإن له الحق بالقيام بالرد بسبب ما اطلع عليه فيها من عيوب قديمة، ولا أثر للشرط، هذا هو محصل كلام المالكية والشافعية والحنابلة في هذه المسألة، قال الشيخ عليش وهو مالكي في كتابه فتح العلي المالك: إذا اشترط البائع على المشتري في عقدة البيع أنه لا يرد المبيع بما يظهر فيه من العيوب القديمة فإن البيع صحيح، ويبطل الشرط.
وقال صاحب روض الطالب -وهو شافعي- في معرض كلامه على هذا الموضوع: يصح البيع ولو بطل الشرط.
وقال صاحب متن الإقناع-وهو حنبلي-: وإن باع سلعة واشترط البراءة من كل عيب.... فالشرط فاسد لا يبرأ به سواء كان العيب ظاهراً ولم يعلمه المشتري أو باطناً.
والحجة لهؤلاء في صحة البيع بالبراءة مع عدم لزومه هو ما رواه الإمام مالك في الموطإ من أن عبد الله بن عمر باع غلاماً له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل: باعني عبداً وبه داء لم يسمه، وقال عبد الله:بعته بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد، وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم.
وإذا تقرر هذا.. فإنا نرى أن شراء السيد عبد الفتاح للسيارة المذكورة، والتي اطلع على كونها فاقدة الأوراق -وهذا أمر لا يقل عن العيب- غير لازم، وأن له القيام بردها أو أخذ تعويض عن أوراقها، وهذا إذا لم يصدر من عبد الفتاح تصرف يقتضي رضاه بهذا العيب بعد علمه به.
أما إذا تصرف في السيارة ببيع أو غيره، وهو يعلم أنها لا أوراق لها كما ذكر، فإنه يلزمه الشراء، ولا رجوع له على البائع، وذلك لتوافر النصوص الدالة على أن من موانع الرد بالعيب ظهور ما يدل على الرضى به من قول أو فعل أو سكوت.
وقد لخص بعض علماء المالكية مسألة استعمال المعيب من طرف المشتري فقال:
ذو العيب حيث مشتريه استعملا ... قبل اطلاعه يرد مسجلا
وإن يك استعمل بعدما اطلع ... وقبل ما خاصم فالرد امتنع
وهذا الأخير هو محل الشاهد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(12/254)
البيع ... أنواعه وشروطه وأركانه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنواع بيع الحلال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....أما بعد:
فالبيع الحلال لا حصر لأنواعه لأن الأصل جواز البيع، والبيع الجائز هو الذي توفرت فيه شروط البيع الصحيح وأركانه، ومرجعها إلى ثلاثة أشياء هي:
الأول: الصيغة: وهي إيجاب كبعت، وقبول كاشتريت، وما يقوم مقام الصيغة كالإشارة من الأبكم والأصم، ومجرد المناولة في المحقرات، وما علم الجميع أثمانه الثابتة من غيرها.
الثاني: العاقدان: ويشترط فيهما الأهلية وهي أن يكونا عاقلين راشدين وراضين بالبيع.
الثالث: المعقود عليه: وهو المبيع والثمن ويشترط فيهما شروط نجملها في الآتي:
1) أن يكونا موجودين فلا يصح بيع المعدوم ولا جعله ثمناً باتفاق الفقهاء، ولا خلاف بينهم في استثناء السلم فهو بيع صحيح مع أنه بيع لمعدوم.
2) أن يكونا طاهرين منتفعاً بهما انتفاعاً معتبراً شرعاً.
3) أن يكون من يلي العقد مالكاً أو نائباً عن المالك.
4) أن يكونا مقدورا على تسليم كل منهما.
5) أن يكونا معلومين للعاقدين.
وأما البيوع المنهي عنها فمرجعها إلى ثلاثة أشياء:
1- الربا بأنواعه.
2- الغش والخداع.
3- الجهالة والتغرير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(12/255)
حكم تسجيل الأب للشقق التي بناها أولاده باسمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخوين وأخت، وهناك شيء حصل من أبي وأريد أن أسأل عنه في الميراث وهو: عندنا بيت كبير فى الريف مكون من أربعة أدوار غير البدروم وأنا لي إخوة في خارج البلاد وهم بعرقهم قامو ببناء شققهم على حسابهم لم ينفق أبي مليما واحدا ي شققهم، وخاف أبي أن يأتي أزواج بناته ويرثوا في هذه الشقق فقام بكتابتها لهم بيع وشراء بالبدروم وترك شقة الدور الأول علوى فقط قال إنها لكل أبنائه، وأوصى الأبناء بترك هذه الشقة للبنات. أريد أن أعرف حكم الشرع في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما أوصى به أبوكم لبناته أو أبنائه فهذه وصية لوارث، وهي ممنوعة شرعاً ولا تمضي بعد وفاة المورث إلا إذا رضي بقية الورثة بإمضائها كما فصلنا في الفتوى رقم: 121878.
وأما ما بناه الأبناء فوق بيت أبيهم، فإن كان الأب قد باع لهم الهواء الذي بنوا عليه الشقق بيعاً حقيقياً وليس صورياً فتلك الشقق ملك للأبناء ولا تدخل في التركة بعد وفاة الأب، وهو مصيب في كتابتها بأسمائهم حتى لا يحصل لبس واختلاف بين الورثة بعد مماته، وكذا إن كان الأب لم يبع لهم الهواء وإنما وهبه لهم وصرح لهم بأنه هبة لهم فتلك الشقق ملك للأبناء.
وأما إن كان الأب قد أذن لهم بالبناء ولم يبعه لهم ولا صرح لهم بهبته فهذه عارية تنتهي بموت الأب ويكون للأبناء بعد موت الأب قيمة البناء منقوضاً، وانظري للمزيد من التفصيل الفتويين: 107908، 120270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1430(12/256)
حكم بيع الكوبونات قبل قبض السلع المستحقة بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل فى شركة ويعطوننا ـ كوبونات ـ حافزا لصرفها في محلات كبيرة، وهذه المحلات بعيدة في محافظة أخرى وقيمة ـ الكوبونات: 1000جينه، فهل يجوز بيع هذه ـ الكوبونات ب 900 جينه نقداً؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكوبون الذي يخوّل لحامله شراء سلع من مكان محدد، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع، ولا يعتبر سندا بالنقود، وعليه فلا تجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع.
واالكوبونات المأخوذة بغير معاوضة كالتي تكون هبة من الشركة لموظفيها، في بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها خلاف، لكن الراجح جوازه، قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك, وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا.
وبناء عليه، فلا حرج في بيع تلك الكوبونات بأقل من قيمتها قبل قبض السلع المستحقة بها.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 103312.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(12/257)
حكم شراء الأجهزة وبيعها بأكثر من سعر السوق
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص من الأقرباء باع لأحد أصدقائه حاسوبا، ولكنه زاد عليه في الثمن بمقدار الثلث تقريبا عن ما هو متداول في السوق بحيث يقول له سآتيك بحاسوب جيد، مستغلا ثقة المشتري فيه، نظراً لكون هذا القريب متخصصا في علم الحاسوب، ويستطيع فعليا أن يميز بين ما يليق وما لا يليق من الحواسيب. وأضيف أنه ينتقل إلى مدينة أخرى تبعد 90 كلم، لشراء الحاسوب بثلثي ثمن الذي سيبيع مقابله هذا الجهاز ثم يحمله في سيارته حتى منزله الشخصي ويثبت فيه البرامج الضرورية لاستعماله، ثم يذهب به إلى منزل المشتري فيبيعه له بعد تثبيت الجهاز على المكتب وتقديم بعض التفسيرات، وتجدر الإشارة إلى أن الزبون إذا تكلف عناء البحث عن الحاسوب بنفسه في المدينة التي نقطن فيها مثلاً -ولا أدري هل كان قريبي يعلم ذلك أم لا ولكنه كان يحرص على عدم إخبار الزبون بالمصدر الأولي للجهاز- فسوف يجده بثمن ينقص بالثلث تقريبا عن ذلك الذي ابتاع به الحاسوب من قريبي. ويفكر أخي مليا بخصوص هذا الموضوع، وقد قرر فعليا أن يؤدي بنفسه الفارق للزبناء إذا كان هذا الأمر حراما حتى تبرأ ذمة قريبنا، خاصة أنه إنسان يستاهل ذلك، وأخيراً أشير إلى أن قريبي لم يستمر في تجارته ذات الأمد القصير لملله من الذهاب والإياب مقابل إيقاع ربحي بطيئ؟ وأعتذر عن الإطالة أيها الفضلاء الكرام. أفتوني أثابكم الله؟ وجزاكم الله جنة الفردوس على نفعكم الجليل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن وكيلاً عنهم في الشراء فلا يلزمه أن يبيع لهم الأجهزة بمثل سعرها في السوق بل يجوز له أن يبيعها لهم بأكثر من ذلك ويربح فيها، وإن كان وكيلاً عنهم فله أخذ أجرة على تلك الوكالة سيما وأنه يتكلف البحث عن الأجهزة والتنقل إليها فلا حرج عليه أن يأخذ أجرة على ذلك. بشرط أن يتم التراضي عليها بينه وبين من وكله في شراء الأجهزة.
وبناء عليه فلا نرى حرجاً فيما يفعله قريبك سواء أكان وكيلاً بأجر أو كان هو الذي يبيع لهم الأجهزة بأكثر مما اشتراها به، ما لم يكن منه تدليس أو كذب. وللفائدة في ذلك انظر الفتويين: 67294، 63265.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1430(12/258)
لا حرج في بيع البضاعة بأكثر مما اشتريت به
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضر بعض السلع لأصدقائي بغرض الاستفادة منها -الربح- فهل يجوز ذلك أم أنه حرام، مع العلم أنهم يفعلون ذلك لفائدتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في ذلك إن كنت تشتري البضاعة ثم تبيعها لهم بسعر أكثر مما اشتريتها به على سبيل المرابحة أو غيرها.
قال ابن قدامة في تعريف بيع المرابحة: هو البيع برأس المال وربح معلوم ... فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة بعتك بها وربح عشرة (مثلاً) فهذا جائز، لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة. المغني.
أو كنت تشتري البضاعة لزملائك باعتبارك وكيلاً عنهم وتأخذ أجراً منهم على ذلك فهذا كله لا حرج فيه.
قال القرطبي: الوكالة عقد نيابة، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه، وقيام المصلحة في ذلك، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره، أو بترفه، فيستنيب من يريحه. انتهى.
وقال في كشاف القناع: ولا يصح التوكيل بجعل مجهول لفساد العوض، ويصح تصرفه -أي الوكيل- بعموم الإذن في التصرف، وله حينئذ أجرة مثله لأنه عمل بعوض لم يسلم له. انتهى.
وجاء في درر الحكام: ... لكن إذا لم يشترط في الوكالة أجرة، ولم يكن الوكيل ممن يخدم بالأجرة كان متبرعاً وليس له أن يطلب أجرة، أما إن كان ممن يخدم بالأجرة يأخذ أجر المثل ولو لم تشترط له أجرة. انتهى.
وبناء عليه فلا حرج عليك في جلب البضاعة لأصدقائك وبيعها لهم بأكثر مما اشتريتها به، أو جلبها لهم بأجر على سبيل الوكالة بأجر كما بينا. وللفائدة في ذلك انظر الفتويين: 50862، 105285.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(12/259)
الأولى ترك التورق لمن ليس له إليه حاجة ويتسبب في خسارته وتراكم الديون عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن 5 إخوة: 2 بنين و 3 بنات، والمشكلة في أخي فبالبرغم من أنه موظف في إحدى الشركات بمرتب معقول يكفيه هو وأسرته إلا أنه يقوم بأعمال أرى فيها شبهة، وهي أن يقوم بأخذ سلع منهم بثمن غال ويكتب لهم إيصالات أمانة وبنسبة فائدة مرتفعة تصل إلي 40% ثم يقوم ببيعها بأقل من ثمنها الحقيقي بنحو 20% يعني مثلا لو أن السلعة ثمنها 1000 جنيه يشتريها هو ب1400 جنيه، ويبعيها ب 800 جنيه، ويصبح مدينا بالثمن الأصلي، ولا نعرف أين تذهب هذه النقود، وعندما يأتي ميعاد سداد الثمن تحدث مشاكل كثيرة في منزله، وحيث إنه يعيش في بيت العائلة حيث تعيش أمي التي تتأثر صحتها بهذه المشاكل أقوم أنا بسداد المبلغ كاملا عنه حيث إني أعمل في الخليج، والحمد لله منَ الله علي وحالتي المادية متيسرة، الفضل لله. وسؤالي: هل في هذا شبهة ربا؟ وهل أتحمل أنا وزر هذا الربا؟ وهل يعتبر ما أفعله من باب تيسير الربا؟ والله إني أفعل ما أفعل بسبب وازعي أن هذا من أجل أمي والحفاظ على صحتها، وأيضا زوجة أخي التي هي بنت عمتي أيضا. إن أخواتي البنات يلمنني على هذا وأنا لا أعرف ماذا أفعل؟ علما بأنني لا أتحدث في هذه الأمور مع زوجتي ولا تعرف أي شيء يحدث في منزل أسرتي. أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به أخوك من شراء السلع إلى أجل بثمن وبيعها حالة بثمن أقل، إذا كان يبيع هذه السلع إلى طرف ثالث غير الشركة التي اشتراها منها كما هو الظاهر من كلامك، هو مما يسمى بالتورق، وبيع التورق لا يقصد منه صاحبه الانتفاع بالسلعة، ولكن يقصد من ورائها المال، وقد اختلف العلماء في جوازه، والراجح فيه أنه يجوز لعدم ورود النص بالمنع من هذه المعاملة.
قال البهوتي في كشاف القناع: ولو احتاج إنسان إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين، فلا بأس بذلك نص عليه- يعني الإمام أحمد رحمه الله- وهي أي هذه المسألة تسمى مسألة التورق من الورق وهو الفضة؛ لأن مشتري السلعة يبيع بها. اهـ.
ولا شك أن الأولى لأخيك ترك مثل هذا البيع خروجاً من الخلاف، ولما يجلبه له من الخسارة لاسيما مع عجزه عن سداد الثمن وعدم حاجته للمال كما ذكرت.
وعلى تقدير أن ما يفعله أخوك جائز كما هو الراجح، فما تقوم به من سداد دينه من أعمال البر التي يرجى أن تنال بها الثواب لما في ذلك من صلة الرحم والبر بأمك، ولا وجه للوم أخواتك البنات لك.
كما أن عدم إخبار زوجتك بذلك لا حرج فيه، وإنما الواجب عليك أن تنفق على أسرتك بالمعروف، وقد يكون من الحكمة عدم إخبار الزوجة بمثل هذه الأمور تجنباً لإثارة المشاكل.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتويين: 2819، 24240.
نسأل الله تعالى أن يبارك لك في أهلك ومالك، وأن يجزيك بإحسانك جنات النعيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(12/260)
حكم تعجيل سداد الدين مقابل التنازل عن بعضه
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت سيارة بدفعة أولى، والباقي على أقساط شهرية تدفع كل شهر، مع العلم أن المتبقي على السيارة أصبح أكثر من قيمتها نقدا بالسوق، فما الحكم في ذلك؟ وهل إذا دفعت المبلغ المتبقي دفعة واحدة وحصلت على خصم تعجيل الدفع حرام أم حلال؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن السيارة بيعت لك بالمرابحة، قال ابن قدامة في المغني في تعريف بيع المرابحة: هو البيع برأس المال وربح معلوم، فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة بعتك بها وربح عشرة مثلا فهذا جائز، لا خلاف في صحته، ولا نعلم فيه عند أحد كراهة. المغني.
وقد بينا الفرق بين البيع بزيادة في الثمن إلى أجل وبين القرض بزيادة إلى أجل في الفتوى رقم: 22926.
وللوقوف على الضوابط الشرعية لبيع المرابحة انظر الفتويين رقم: 18102، ورقم: 17429.
وأما مسألة الخصم من الدين وإسقاط جزء منه عند سداده في مقابل تعجيله فهذا لا يجوز عند جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة، وهو ربا.
وهو المعروف عند أهل العلم بـ (ضع وتعجل) قال أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية: يرى جمهور الفقهاء أنه إذا كان لرجل على آخر دين مؤجل فقال المدين لغريمه: ضع عني بعضه وأعجل لك بقيته، فإن ذلك لا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكرهه زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والثوري وهيثم وابن علية وإسحاق، فقد روى أن رجلاً سأل ابن عمر فنهاه عن ذلك، ثم سأله فقال: إن هذا يريد أن أطعمه الربا. وروي عن زيد بن ثابت أيضاً النهي عن ذلك، وروي أن المقداد قال لرجلين فعلا ذلك: كلاكما قد أذن بحرب من الله ورسوله. اهـ.
وأما إن جاء المدين لتسديد الدين كاملاً فقال له الدائن: قد أسقطت منه كذا فهات الباقي، فهذا لا بأس به ما لم يكن عن تواطؤ مسبق أو يجر به عرف؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1430(12/261)
حكم بيع وشراء أجهزة إم بي ثري
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع وشراء أجهزة الام بي ثري؟ وهي:أجهزة تحميل ملفات صوتية.. يمكن للمشترى أن يحمل عليها ـ ملفات أغاني وملفات دينية ـ الهدف من سؤالي هو: أنني أريد التجارة في الأجهزة ولكن لا أريد تحمل أوزار من يستمعون الأغاني عليها، فهل ينطبق عليها قول الله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) ؟.. والجهاز مثله مثل المسجل يمكن للإنس أن يستخدمه في الخير والشر كأي شيء في الدنيا..
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع مثل هذه الأجهزة التي قد تستخدم في المباح وفي الحرام ببعها جائز إلا إذا علم أن المشتري سيستعملها في معصية الله تعالى؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم المنهي عنه بقول الله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} .
ولا يجوز للمرء أن يبيع شيئاً لمن علم أنه سيستخدمه في المعصية، ولهذا يحرم بيع السلاح في الفتنة وبيع العنب لمن يتخذه خمراً.
أما إذا كنت لا تعلم هل سيستخدمها المشتري في المعصية أم لا، فالأمر على الإباحة، ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 6817، 10373، 17347، 73960، 94801.
وننبهك إلى أن قول الله تعالى: بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ {القيامة: 14، 15} ليس متعلقاً بمسألتك ولا معناه كما ذكرت، بل معناه كما. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر؛ كما قال تعالى: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} . اهـ.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(12/262)
البيع الحقيقي لا يلزم فيه العدل بين الأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية لقد قام جدي منذ عدة سنوات وفي حياته ببيعي منزله - وهو كل ما يملك - لأسباب يطول شرحها إلا أنه بذلك يكون قد أعطى والدي كما أراد وحرم أعمامي الاثنين الباقيين. لقد قمت وبعد أن علمت أن ما فعله جدي كان حراما بإرجاع الحق لأصحابه - بيعا بالتساوي بين الإخوة الثلاثة - وذلك رغم معارضة الكل ورغم ما انجر عن ذلك من مشاكل، إلا أني أحتسب ذلك كله عند الله. كل هذا لأقول لكم إنه الآن وبعد أشهر من زواجي في منزل بالكراْء وعندما أردت الانتقال إلى منزل أبي تقول لي والدتي إن علي تصفية الوضع القديم قبل كل شيء هي تقترح علي أن أشتري ثلثي أعمامي - وربما قد يتنازلان لي عن حقهما - ثم إن أبي سيهب لي على الراجح نصيبه - دون إخوتي طبعا - لأني مع ظروفي المادية الحالية لن أستطيع أن أشتري شيئا من أحد ... فهل هذا يسوغ لي أن أقبل هذا الاقتراح علما وأن الكل قد ترك المنزل المذكور ًمهجورا ً ولا أحد من أبي وأعمامي وإخوتي يود التدخل في الموضوع ... هل عدنا من حيث بدأنا أم ماذا؟ ماذا عن إخوتي وأبناء أعمامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال غموض حيث إننا لم نتبين من باع له الجد هل باع لأبيك أم لك، ولم نعرف أيضا ما إذا كان البيع حصل حقيقة أم أنها مجرد هبة تحت غطاء البيع. وعلى العموم نقول: إن البيع الحقيقي لا يلزم فيه العدل فهو كما لو تم مع غير الأبناء، وإنما يجب العدل في العطية والهبة ونحوها. وبناء عليه، فإن كان الجد قد باع منزله لأحد أبنائه بيعا صحيحا دون محاباة أو حيلة للتفضيل وحرمان باقي أبنائه فلا حرج عليه ولايلزم رد ذلك البيع. أما وقد كان ما كان وحصل بعض المنزل بيد أعمامك وترغب في شرائه فإنه لاحرج عليك في ذلك، ولو تنازلوا لك عنه فلاحرج عليهم في ذلك، كما لاحرج عليك في قبوله. وللمزيد انظر الفتوى رقم: 108681.
وإذا لم يكن ما ذكرناه كافيا للجواب عما سألت عنه فوضح لنا بالتحديد عين المسألة التي تريد الاستفسار عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(12/263)
أنتما شريكان في تلك الأرض، لكما غنمها وعليكما غرمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أساتذتي الأفاضل: اشترى صديقي قطعة أرض منذ ستة أشهر ودفع جزءاً من المال-450 ألف جنيه- على أن يقوم بتسديد الجزء الباقي بعد مرور ستة أشهر، وكتب عقداً-ابتدائي- وبه شرط جزاء لمن يرجع في البيعة يدفع مبلغاً قدره 50 ألف جنيه، وبعد مرور نحو خمسة أشهر وجد أنه لن يستطيع تكملة المبلغ، فطلب مني أن أشاركه في الأرض فاتفقنا على أن آخذ قطعة من الأرض-قيراطين- بنفس الثمن الذي اشترى به، ودفعت له 130 ألفاً على أن أقوم بتسديد الجزء المتبقي بعد مدة، ولم نكتب عقداً بذلك لتبادل الثقة بيننا، ومر شهر على ذلك الوضع، إلى أن جاء موعد التسديد لصاحب الأرض الأصلي كلها، فذهب صديقي ليدفع لصاحب الأرض باقي المبلغ فرفض صاحب الأرض أن يأخذ النقود، وفضَل أن يدفع الشرط الجزائي لزميلي 50 ألفاً، ورجع في بيعته، وأخذ زميلي مبلغ الشرط الجزائي. السؤال هو: هل لي أنا صاحب القيراطين نصيب في الشرط الجزائي أم لا؟ علماً بأنه يقول إن فلوسي كانت ما زالت في البيت ولم يعطها بعد لصاحب الأرض، مع العلم بأننا اتفقنا اتفاقاً قاطعاً بأنني شريكه في الأرض بمجرد أن دفعت له الـ130 ألفاً. فهل آخذ نصيبي كاملأ من الشرط الجزائي بما يساوي نسبة فلوسي؟ وهل هناك اعتبار لفلوسه التي دفعها منذ ستة أشهر؟ بينما أنا فقد دفعت فلوسي له منذ نحو شهر فقط؟ أفتونا أفادكم الله فنحن في انتظار فتواكم على أحر من الجمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي اتضح من السؤال أن البيع قد تم بين شريكك وصاحبه، وإذا كان كذلك فليس للبائع التراجع عنه، وإن امتنع من تسليم المبيع -الأرض- فإنه يجبر على تسليمه، ولا يحق له التراجع، لأن العقد قد تم. إلا إذا أقاله المشتري عن رضى دون إلزام فلا حرج في ذلك، وكذلك المشتري لا يحق له في مثل هذه الصورة التراجع لتمام البيع ومضيه، وليس له أخذ أكثر مما دفع إليه من الثمن إلا إذا تمت الإقالة واعتبرت بيعا كما هو مذهب طائفة من الفقهاء فيجوز حينئذ أن يكون الثمن الثاني للسلعة أكثر من الثمن الأول.
وننبه إلى أن الشرط الجزائي المذكور باطل للزوم البيع وعدم إمكان التراجع عنه إلا برضا الطرفين. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 46612.
وإذا تقرر هذا، ف أنت شريكه في الأرض بما اتفقتما عليه من ذلك، وليس له أن يستقل بإقالة صاحب الأرض دونك بل لابد من رضاك بذلك، فإن رضيت به وأقررت ما فعله شريكك فلا حرج، وليس لك إلا ما دفعته من ثمن الأرض إلا إذا تمت الإقالة بأكثر من ثمن الأرض الأول فلك منه بقدر حصتك في الأرض، ولا اعتبار لكون الثمن المتفق عليه بينك وبينه نقدا أو في الذمة بل المعتبر هو حصول العقد وتمام الإيجاب والقبول بينكما ولو لم يوثق ذلك، وقد كان، فأنتما شريكان في تلك الأرض، لكما غنمها وعليكما غرمها.
وينبغي أن ترفع مسائل المنازعات إلى المحاكم الشرعية للبت فيها وإلزام كل طرف بما يجب عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(12/264)
حكم اقتناء وبيع وأكل التمساح والثعبان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تربية الحيوانات مثل التمساح والثعبان وما شابه ذلك حرام مثل الكلب؟ وما حكم ثمنها؟ وهل أكل لحم الثعبان بعد طهيه يعد محرماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم أكل التمساح والثعبان مع أدلته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9136، 16083، 114224
وأما البيع، فمداره على النفع، فإن كان فيها نفع فلا بأس ببيعها وإلا فلا، ولما لم تكن لها فائدة عند المتقدمين، حكموا بعدم جواز بيعها.
ففي فتح القدير وهو من كتب الحنفية: لا يجوز بيع هوام الأرض كالخنافس والعقارب والفأرة والنمل والوزغ والقنافذ والضب، ولا هوام البحر كالضفدع والسرطان. وذكر أبو الليث أنه يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع بها في الأدوية، وإن لم ينتفع فلا يجوز.
وأما الاقتناء فالأصل عدم جواز اقتناء الثعابين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحُدَيَّا. رواه مسلم. وذلك دفعا لضررها وأذاها عن الناس.
قال بدر الدين الزركشي في كتاب المنثور في القواعد الفقهية: يحرم على المكلف اقتناء أمور منها: الكلب لمن لا يحتاج إليه، وكذلك بقية الفواسق الخمس: الحدأة والعقرب والفأرة والغراب الأبقع والحية. اهـ
لكن إذا كان هناك نفع من تربيتها، كإجراء التجارب العلمية عليها ونحو ذلك مع الأمن من ضررها، فلا مانع من القول بالجواز؛ إذ إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
ولا يجوز أن تقتنى من أجل أغراضٍ فاسدة: كأن يكون المقصود إلحاق الأذى بالآخرين، أو تخويفهم بها، أو تسليط بعض هذه الثعابين على بعض، وكذلك إذا كانت تربيتها عبثا فإنه يكون إنفاق للمال فيما لا فائدة فيه. وراجع الفتوى رقم: 4255.
كما أن اقتناء التماسيح إذا كان لمنفعة ومصلحة فلا بأس به، وإن كان اقتناؤها لأغراض فاسدة كالتي سبق ذكرها، فيمنع اقتناؤها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(12/265)
باع بيته فلم توافق أمه على البيع وانتقلت لتسكن مع أحد أبنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[قام والدي ببيع منزلنا، واشترى منزلا في منطقة أخرى، وكلنا أنا ووالدتي وإخوتي وافقنا على ذلك، لكن جدتي أم والدي لم توافق على ذلك، ورفضت أن تسكن معنا، وسكنت مع أحد أعمامي. هل هذا المنزل حلال لنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المنزل الأول ملكا خالصا لأبيكم وهو الظاهر، فباعه واشترى من ثمنه منزلا آخر، فلا حرج عليه في ذلك، ولا تاثير لعدم رضى الأم بصحة البيع أو الشراء، ولكن كان الأولى له أن يستشيرها في ذلك ويترضاها كي توافق فذلك من برها والإحسان إليها.
وأما إن كان للأم نصيب في المنزل وباعه الابن دون إذنها ورضاها فتصرفه غير صحيح إلا أن تجيزه الأم كما بينا في الفتوى رقم: 112416، لكن ذلك لا يؤثر على البيت الذي اشتراه أبوكم فهو حلال عليكم.
ونصيحتنا له ولكم جميعا أن تحسنوا إليها، وتحاولوا ترضيتها لتنتقل معكم إلى المنزل الجديد إن كان في بقائها دونكم ضرر أو مشقة عليها، وإلا فلا حرج في انتقالها للسكن مع غير أبيكم من أبنائها فهم سواء في وجوب برها والإحسان إليها. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 111182.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(12/266)
حكم بيع حيوان مهجن من كلب وذئب
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد نوع من أنواع الحيوانات يكون مهجنا بين ذئب ذكر وكلبة أنثى أو العكس، يشبه الذئب إلى حد كبير في الشكل واللون، ويشبه الكلب في طباعه وإمكانية تدريبه. فهل يجوز تربيته وبيعه والاستفادة منه كحيوان أليف؟
أم يجوز إذا كانت الأم ذئبة والأب كلبا فقط؟
ومنهم أيضا من يكون حصيلة تزويج هجين مع هجين، يعني الجد يكون كلب وذئبة مثلا والأولاد يتزاوجون ويتكاثرون فتنتج سلالة جديدة؟ فهل لهذا أيضا نفس الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجة: كالصيد والحراسة، وغيرهما من وجوه الانتفاع التي لم ينه الشارع عنها. كما جاء في الموسوعة الفقهية.
والأصل أنه لا يجوز بيع الكلب ولا شراؤه ولا اقتناؤه، وأن ثمنه حرام، وجمهور أهل العلم على حرمة ثمن الكلب مطلقا، سواء كان للصيد أو الماشية، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز بيع وشراء وحل ثمن ما أذن في اقتنائه من الكلاب للصيد ونحوه، وهذا هو الراجح، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 10546، 61133.
وبناء على هذا القول الراجح فلا حرج في تربية الكلاب والاتجار فيها ما دامت لا تستخدم إلا للغرض المأذون فيه، وهو الصيد، والماشية، والحراسة، كما سبق التنبيه عليه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 13695، 37985، 63877.
وكذلك سباع البهائم التي تصلح للصيد ونحوه من المنافع يجوز بيعها.
قال ابن قدامة في المغني: المنفعة المباحة يباح له استيفاؤها, فجاز له أخذ عوضها, وأبيح لغيره بذل ماله فيها توصلا إليها ودفعا لحاجته بها, كسائر ما أبيح بيعه, وسواء في هذا ما كان طاهرا كالثياب والعقار وبهيمة الأنعام والخيل والصيود, أو مختلفا في نجاسته كالبغل والحمار وسباع البهائم وجوارح الطير التي تصلح للصيد, التي كالفهد والصقر والبازي والشاهين والعقاب, والطير المقصود صوته كالهزاز والبلبل والببغاء وأشباه ذلك, فكله يجوز بيعه. وبهذا قال الشافعي. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفقت المذاهب على عدم جواز بيع سباع البهائم والطير إذا كانت مما لا ينتفع به بحال، فإن كانت مما ينتفع به جاز بيعه؛ إلا الخنزير فإنه نجس العين فلا يجوز الانتفاع به. اهـ.
وعلى ذلك فلا بأس ببيع هذا الحيوان المذكور في السؤال إذا كان استخدامه لغرض مأذون فيه شرعا، كالصيد والماشية والحراسة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(12/267)
حكم بيع مسجل كان يستمع الأغاني منه
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت مسجلا لأجل سماع الأغاني، وبعد ذلك قمت ببيعه، هل المال الذي اكتسبته من بيعه حلال لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى أولا من سماع الأغاني المحرمة، وتعزم على عدم العودة إلى ذلك مع الندم على ما سبق منه، وقد بينا حكم الأغاني في الفتويين: رقم: 669، 987.
وأما المسجل فلا حرج عليك في بيعه وأخذ ثمنه والانتفاع به، ونيتك عند شرائه لا تحرم عليك الانتفاع به في المباح ومن ذلك بيعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(12/268)
من احتاج لمال فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي دراجة نارية أركبها الآن، وأريد أن أشتري دراجة أخرى وأبيعها؛ لأنني محتاج إلى نقود. فأفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في ذلك، سواء أكنت تقصد شراء الجديدة لبيعها والربح فيها، أو كنت تقصد شراءها بالدين لبيعها والحصول على ثمنها، ولو كان ثمنها نقداً أقل مما اشتريتها به ديناً وهو ما يسمى بالتورق، والراجح جوازه، جاء في الروض المربع ما نصه: ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس، وتسمى مسألة التورق، وذكره في الإنصاف وقال: وهو المذهب وعليه الأصحاب. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1430(12/269)
حكم الرجوع في البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجي قبل 4 سنوات، وتركني وأما وأبا و3 أطفال، وله منزل ملك تابع لجهة عمله،اكتشفت بعد وفاته أنه قام ببيعه -كما قيل لي بعقد في الخفاء أو اتفاق بينه وبين طرف آخر لعدم تمكن الطرف الآخر إصدار صك للمنزل؛ لأنه ليس في نفس جهة العمل -علما أن صك المنزل لازال باسم زوجي-لعدم أحقية المشتري بنقل صك ملكية المنزل إليه، والمشتري يعمل على تأجير المنزل-بناء على وكالة من زوجي-قبل وفاته طبعا- بأحقية تأجير المنزل، واستلام الإيجار واستخراج صك.....الخ-أي أنه يستفيد من الإيجار منذ وفاة زوجي إلى الآن لا أعلم هل المشتري استوفى قيمة شراء المنزل أم كان الاتفاق على دفعات ودفع مبلغ أو بقي آخر؟ محتارة: فهل يحق لي أن أرجع له ما دفعه لزوجي سابقا-بخصم ذلك من الإيجارات التي يأخذها طوال تلك الفترة وأسترد المنزل؛ لأن المنزل لا زال صكه باسم زوجي رحمه الله..وهل لورثة الأم والأب أحقية في هذا المنزل، توفي والداه بعد وفاته بـ 3سنوات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ثبت أن زوجك قام ببيع المنزل فإن المنزل يصبح ملكا للمشتري؛ لأن عدم توثيق البيع لا دخل له بالصحة أو البطلان؛ لأن مبنى صحة العقد على الإيجاب والقبول، وتسليم العوضين ونحو ذلك من أركان البيع وشروطه، وإن كان الأولى توثيق العقود لأن التوثيق هو سبيل حفظ الحقوق في هذه العصور. وراجعي في ذلك فتوانا رقم: 114070.
ولا يجوز لك الرجوع في هذا البيع إذا كان ثابتا، ويمكنك الاطلاع على عقد البيع لمعرفة هل هناك بقية من ثمن البيت لم تدفع إلى زوجك أم لا، وعلى افتراض عدم صحة البيع أو بقاء شيء من الثمن في ذمة المشتري، فإن الحاصل من كل ذلك لوالدي الميت (زوجك) نصيب فيه ما داما قد ماتا بعد موت ابنهما (زوجك) ونصيبهما ينتقل إلى ورثتهما.
نسأل الله تعالى أن يرحم زوجك وأن يدخله الجنة وأن يبارك لك في أولادك.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(12/270)
من أحكام بيع البيض
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم التجاره فى بيع بيض الحمام بالتفاصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التجارة في بيع بيض الحمام يشترط فيها ما يشترط فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَبِيعَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، مُتَقَوِّمًا، طَاهِرًا، مُنْتَفَعًا بِهِ، مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ. ولذلك لا يجوز بيع البيض الفاسد لأنه لا ينتفع به، ولا بيع بيض في بطن دجاجة أو حمامة لأنه في حكم المعدوم.
واختلف العلماء في اعتباره من الربويات وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إلى أنه لا يعتبر من الربويات ولذلك يجوزون بيع بيضة ببيضتين، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ غَيْرَ ابْنِ شَعْبَانَ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى اعْتِبَارِ الْبَيْضِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ، ولذلك لا يجوزون فيه التفاضل ولا النساء في بيعه.
أما إسلام البيض في البيض فلا يجوز عند الجمهور. وَيَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِسْلاَمُ الْبَيْضِ فِي الْبَيْضِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلاَئِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِل الصَّدَقَةِ.وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ مُسْلَمًا فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي كُل مُسْلَمٍ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ ضَبْطُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ. . وَهَكَذَا.
وَالْبَيْضُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ قَدْرًا وَصِفَةً؛ لأَِنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَصَغِيرُ الْبَيْضِ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجْرِي التَّنَازُعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ النَّاسِ عَادَةً فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَبِذَلِكَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ عَدَدًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا لِزُفَرَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِجَوَازِهِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا، وَيَذْهَبُ التَّفَاوُتُ بِاشْتِرَاطِ الْكِبَرِ أَوِ الصِّغَرِ أَوِ الْوَسَطِ. وَيَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا إِذَا أَمْكَنَ ضَبْطُهُ أَوْ قِيَاسُهُ لاختلاف الأَْغْرَاضِ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ. انتهى من الموسوعة الفقهية الكويتية بتصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(12/271)
حكم وبيع السيارة بالبطاقة الجمركية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة تقسيط بالسعودية ونشاطها هو توفير السيولة النقدية عن طريق بيع سيارات بالتقسيط للعملاء، وهذه السيارات تشتريها الشركة من معرض سيارات، ولكنها تترك السيارات داخل مخازن المعرض وتأخذ أوراق السيارة -البطاقة الجمركية للسيارة- فقط، وتبيعها للعميل الذي غالبا لا يسأل عن مواصفات السيارة ولا يعرف عنها شيئا، حيث إنه يتم الاتفاق معه على المبلغ الذي توفره الشركة له عن طريق أخذه الأوراق والذهاب إلى المعرض الموجودة به السيارة وبيعها للمعرض نفسه، وبذلك يسلمه المعرض المبلغ، مع العلم بأنه إذا أراد أن يأخذ السيارة ويبيعها خارج المعرض فإنهم يسلمونها له، ولكن جميع العملاء يخشون إن تسلموها ألا يقدروا على بيعها بنفس المبلغ، فيبيعونها للمعرض دون أن يروها نهائيا، سواء قبل كتابة العقد بينه وبين الشركة أو بعده، وبعد ذلك ترجع الشركة مرة أخرى وتشتري السيارة وتبيعها لعميل أخر وهكذا، حتى أنها يمكن أن تشتري نفس السيارة وتبيعها عشرات المرات لعملاء آخرين.
وسؤالي إلي فضيلتكم: هل نشاط هذه الشركة جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز فما هي الطريقة الصحيحة وهل علي ذنب في عملي بها مع العلم أن طبيعة عملي بها أمين صندوق -أي استلم الأقساط الشهرية من العملاء وأحتفظ بالعقود وتعهدات السداد -وإذا طلبت منهم فسخ عقد عملي ونقل كفالتي لشركة أخرى فإنهم سيحملوني المصاريف التي أنهوا بها إجراءات ضمي إلى الشركة، وهي ليست متوفرة معي في الوقت الحالي، وإذا كان عملي بها غير جائز فما الحكم في الرواتب التي تقاضيتها من هذه الشركة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنظر إلى نشاط الشركة لا يظهر لنا ما يمنع منه، فالبيع بالتقسيط بيع جائز، وبيع السيارة بالبطاقة الجمركية التي تصف السيارة وصفا يرفع الجهالة بيع صحيح.
وقبض السيارة يحصل بالتخلية ولا يلزم نقلها من المعرض، جاء في المجموع: في مذاهب العلماء في حقيقة القبض ... مذهبنا في المنقول بالنقل. وقال مالك وأبو حنيفة: القبض في جميع الأشياء بالتخلية. انتهى.
وجاء في الإنصاف: وعنه إن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز. انتهى.
وعليه؛ فإذا حصل بتملك البطاقة تخلية بين المشتري والسيارة على وجه يتمكن منه من القبض بدون حائل ولا مانع فهذا كاف.
كما لا تمنع الشركة أن تشتري من المعرض السيارة التي باعتها قبل على العميل إذا لم يكن ذلك يحصل باتفاق وتواطؤ مع هذه الأطراف الثلاثة ـ الشركة ـ العميل ـ المعرض.
لأنه إن وجد اتفاق أو تواطؤ كان المعرض مجرد وسيط في بيع العينة، وراجع في هذا المعنى الفتوى رقم: 97252.
وعليه؛ فما دام أن ظاهر نشاط الشركة الجواز فعمل الأخ فيها مباح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1430(12/272)
حكم البيع لشخص ماله مشبوه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في أن أبيع عقاراً إلى شخص لدي شك في أن ماله مشبوه أي اكتسبه من طريق حرام؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل حمل الناس على السلامة وعلى أن ما في أيديهم ملك لهم حتى يقوم دليل على خلاف ذلك، ثم إن الشخص إذا اكتسب مالا برضى الدافع عن طريق عقد محرم، كعقود الربا مثلا، ولم يعلم المتعامل معه أن هذا المال هو بعينه المكتسب بالعقد المحرم فإنه يجوز له معاملته فيه.
بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه وإن علم أن هذا المال هو عين المال المكتسب بالعقد المحرم جاز له التعامل معه فيه، لأن الحرام لا يتعلق بالمال وإنما بذمة المكتسب.
وهذا بخلاف المال المحرم لعينه كالمسروق والمغصوب فإذا علمه لم يجز له التعامل معه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(12/273)
لا حرج على الإنسان في بيع ما يمتلكه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو:
هل يجوز بيع بعض البضائع التي كنت قد اشتريتها عندما كنت أعمل في المصنع بتأثير من زوجة عمي على أنها جهاز لي عند زواجي، ولم أكن في قرارة نفسي مقتنعة بذلك، ولكونها امرأة عمي وأحترمها فقد وافقتها على ذلك.
الآن أنا في البيت وعمري 30 سنة تقريبا ولست على أبواب الزواج، ولكوني أحتاج في بعض الأحيان للمال فقد بعت البعض من هذه الأشياء - قطع ذهب، بعض المفروشات - والآن أيضا أريد بيع البعض الآخر- طبعا لم يعلم نساء العائلة بذلك- ولكنهم يقولون عند طرح مثل هذه المواضيع بصفة عامة بأن هذا لا يجوز، وغير معقول، وما إلى ذلك من الترهات، طبعا أنا غير مقتنعة بأن هذا حرام ولا يجوز، فهناك أشياء محرمة تحريما لا نقاش فيه، والأولى التركيز على ترك مثل تلك الأشياء، ولكني أريد فتوى كي أدعم وأبث الوعي في هؤلاء النسوة، وأيضا كي يطمئن قلبي بأن ما أفعله لا يغضب الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على الإنسان في بيع ما يمتلكه، فالبيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ {النساء:29} .
قال الإمام الشافعي في الأم: فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه. اهـ.
فلا نرى حرجاً في بيع ما قمت بشرائه على أنه جهاز لك، ولعل هؤلاء النسوة إنما يقصدن أن الأولى ألا تبيع المرأة ما اشترته لجهازها لأنه قد يكون أنفع لها إذا بقي عندها، وعلى كل حال فهذا البيع لا حرج فيه شرعاً.
نسأل الله تعالى أن يبارك لك، وأن يرزقك زوجاً صالحاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1430(12/274)
حكم شراء سلعة بالتقسيط بشرط عدم نقل الملكية لحين السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك المحول إليه مرتبي من قبل الشركة التي أعمل بها بالشروط التالية:
1- أقوم بدفع مقدم السيارة مبلغ 30000 جم.
2-يتم سداد المبلغ الباقي على أقساط شهرية ثابتة.
3- لا تنتقل ملكية السيارة إلى المشتري إلا بسداد القسط الأخير. فهل هذه المعاملة جائزة أم لا؟ وإذا كانت غير جائزة، فما البديل بالضوابط الشرعية؟ برجاء الإجابة على السؤال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من شراء سيارة أو غيرها من السلع عن طريق التقسيط، إذا وقع البيع وفق شروطه وانتفاء موانعه، ويجوز للبائع أن يشترط بقاء السيارة عنده رهنا حتى يستوفي جميع أقساطه، ولا يجوز له اشتراط بقاء ملكه عليها، لأن البيع يستلزم انتقال ملكية السلعة إلى المشتري، وانتقال ملكية الثمن إلى المشتري. وهذا الشرط مناف لذلك.
وبناء على ذلك فإن المعاملة المذكورة غير جائزة، فلا يجوز لك شراء سيارة ولا غيرها بها.
وللأهمية راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 94057، 56607، 9413، 116059، 114269.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1430(12/275)
حكم كون السلعة تعود إلى الشركة بأقل مما باعتها به للعميل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في شركة تعطي قروضا، وتزعم بأنها شرعية، علما بأن آليتها هي وجود سلعة هي ملك للشركة ووجود طرف آخر، وهذا الطرف له حساب منعزل بإضافة أنه يتم بيع السلعة للعميل، العميل يوكلنا للبيع الشركة تبيعه لطرف ثالث، وهذا الطرف هو ابن أخت صاحب الشركة وعمره لا يتجاوز 8 سنوات، وأعطى الوكالة لصاحب الشركة ليعمل باسمه، وتخرج الشيكات للعملاء باسم الحساب الثالث، وهكذا تدور العملية وترجع الشركة وتشتريها من الطرف الثالث وتبيعه للعميل، ونفس السلعة تدور لجميع العملاء. أريد أن أعرف الحكم حتى أتخذ قراري في هذه الوظيفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت السلعة تعود إلى الشركة بأقل مما باعتها به للعميل، فهذا غير جائز لدخول ذلك في بيع العينة، والسلعة فيه مجرد وسيلة توصلت بها الشركة إلى الربا.
جاء في الإنصاف: فيمن باع شيئا ثم وجده يباع أيشتريه بأقل مما باعه؟ قال الإمام أحمد: لا؛ ولكن بأكثر لا بأس انتهى.
وهذا إذا لم يكن مواطأة ولا حيلة، فإن وجد شيء من ذلك لم يجز
كما جاء في الإنصاف في المسألة السابقة إذا لم تكن مواطأة ولا حيلة، بل وقع اتفاقا من غير قصد.
وعليه، فإذا كانت السائلة تعمل في الشركة المذكورة عملا من شأنه المعاونة على المعاملة المذكورة فلا يجوز العمل فيها لعموم النهي عن التعاون على الإثم والعدوان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(12/276)
حكم شراء منزل عليه أقساط للبنك الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق قام بشراء منزل بقرض من البنك العقاري حيث تم تقسيط المبلغ المقترض (قيمة العقار + فوائد القرض) على عشر سنوات وفي منتصف المدة عرض زميلي المنزل للبيع وكانت المدة المتبقية للأقساط البنكية خمس سنوات ... وكان عرض البيع كالتالي
1 - دفعة نقدية بيد المالك (زميلي) .
2- تكملة الأقساط المتبقية للبنك بحيث تصبح قيمة العقار ممثلة بـ الدفعة النقدية + إجمالي الأقساط البنكية المتبقية.
والسؤال هو: هل يجوز لي شراء هذا المنزل بهذه الطريقة وهل علي إثم إذا قمت بتقسيط المبلغ المتبقي للبنك حسب عرض البيع المطلوب.. على الرغم من أنني أنا لم أقترض ولم أقدم الفوائد وإنما سوف أقوم بشراء المنزل جزء نقدي وجزء آخر بالتقسيط للبنك علما بأن ملكية المنزل سوف تنتقل باسمي مباشرة ولكن سوف يتم رهن العقار (إشارة رهن) لصالح البنك لحين تتمة الأقساط ودفعها بالكامل للبنك.
جزاكم لله كل خير وشاكرين هذا الموقع الرائع الذي يتيح لنا الاطلاع على أمور ديننا أكثر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز شراء البيت المملوك لزميلك بالطريقة المذكورة إذا كنت تعلم قدر الأقساط المتبقية للبنك حتى يكون ثمن البيت معلوما، وأيضا يشترط لجواز هذه المعاملة أن لا تلتزم للبنك بفائدة ربوية عند التأخر عن سداد الأقساط، وهذا الشرط قد يكون من الصعب تحقيقه، ولا مانع من بقاء البيت مرهونا لدى البنك إلى حين سداد كامل المبلغ.
وتراجع في بيع المرهون الفتوى رقم: 77828، والفتوى رقم: 96660.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(12/277)
بيع السمك بالكيلو مع اشتماله على مادة حافظة مجمدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نبيع الأسماك المجمدة والوزن القائم يحتوي على نسبة من المادة الحافظة ومجمدة نسبة لأنها مستوردة من الخارج، وحينما يتم تذويب السمك يقل الوزن بنسب متفاوتة تصل لـ 30% أحياناً علماً بأننا ندفع ونشتري من المورد بنفس الطريقة التي نبيع بها أي نشتري وندفع قيمة الوزن + قيمة المادة الحافظة والتجميد.
نريد أن نعرف: كيف نبين للمشتري أن الوزن سيقل عن الوزن القائم عندما نقوم بإعادة التعبئة هل نكتب مثلاً: أن الوزن الصافي 1 كجم تقريباً أو الوزن القائم يشمل مادة حافظة مجمدة؟ هل يكفي هذا أم ماذا نكتب أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من السؤال أن البيع المذكور بيع صحيح؛ لأن الوزن في هذا البيع ليس مجهولا، فالبائع يكتب على العلبة الوزن الصافي أو يكتب جملة الوزن، ويتم البيع على السمك وغيره، وفي الصورتين الوزن معلوم والثمن معلوم، وهذا كاف في صحة البيع بالنسة للعلم بالوزن والثمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1430(12/278)
حكم إلغاء البيع بعد انعقاده
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب دائما أعيره سيارتي لعدم امتلاكه سيارة وحالته المادية لا تسمح له بشراء سيارة وكنت أرغب في شراء سيارة أخرى فطلب مني أن أبيعه سيارتي واتفقت معه على مبلغ معين أقل من قيمتها في السوق ومن باب رد الجميل منه أني سوف أستخدم السيارة لحين شرائي لسيارة أخرى وقد كانت حالة سيارتي جيدة جدا وقام بإعطائي دفعة بسيطة وكنت عندما أطالبه بباقي المبلغ يقوم يقول لي إن شاء الله غدا أو بعده وهكذا، وعندما وجدت السيارة المناسبة طلبت منه إعطائي باقي المبلغ ولم يف بباقي القيمة مما جعلني أعيد النظر في البيع حيث إن السيارة لا زالت باسمي والآن أريد إلغاء البيع، ولكن السيارة بها بعض الأعطال لم تكن وقت البيع موجودة وبسبب كثرة استخدامه للسيارة وطريقة قيادته للسيارة بحيث إني لا أستخدمها إلا قليلا جدا فهل يجوز لي أن أقوم بإصلاح الأعطال الموجودة هذه وخصمها من المبلغ المدفوع من قبله وإعطاؤه الباقي فقط أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت – أحسن الله إليك – في إعانتك قريبك بإعارة سيارتك له لحاجته إليها, فنسأل الله أن يثيبك على ذلك.
أما بخصوص ما سألت عنه فإن عقد البيع من العقود اللازمة للطرفين, فلا يصح لأحدهما الانفراد بفسخه, كما لا يشترط لصحته ولا لنفوذه نقل الملكية من اسم البائع إلى اسم المشتري.
وبناء على هذا؛ فلا يصح أن تقوم بفسخ هذا البيع الواقع بينك وبين صديقك دون موافقته, ولا يسوغ لك ذلك بقاء السيارة على اسمك لأن نقلها من اسمك إلى اسمه ليس شرطا لصحة البيع ولا للزومه كما سبق, وإنما هو إجراء إداري للتوثيق, لكن لك أن تطالبه بالإقالة أو بأن يبيعها لك.
وعلى كل حال فإن الأعطال التي حصلت في السيارة قد حصلت -حسبما ذكرت- وهي في ملك قريبك، فإذا باعها لك فإنه يكون باع لك سيارة فيها أعطال مع علمك بها، فإن رضيت بها كذلك فليس لك من خيار.
وإذا لم يقبل بالإقالة ولا بالبيع فإن واجبك إنظاره إلى أن يوسر إذا كان معسرا؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280} .
وننبه إلى أن السيارة المبيعة بالأجل إذا عادت لبائعها الأصلي ببيع فلا بد من مراعاة أن لا يشتريها بأقل مما باعها به لئلا تدخل الصفقة في بيوع العينة المحرمة شرعا.
وللمزيد راجع الفتويين: 98607، 73768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(12/279)
عملية المرابحة المذكورة مشتملة على مخالفات شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في الجزائر وقد قمت منذ بضعة شهور بشراء سيارة بالمرابحة ودفع ثمنها بالتقسيط عن طريق أحد البنوك الإسلامية، وهذا بعد أن اطلعت على محتوى فتوى الدكتور حسين حسين شحاتة التي تجيز هذا النوع من التعاملات، وشهادة لله أني كنت مترددا في الدخول في هذه العملية لسببين رئيسيين هما: أنني سمعت محاضرة لأحد المشايخ لا أتذكر اسمه حيث حرمها جملة وتفصيلا واعتبرها بعيدة كل البعد عن مفهوم المرابحة كما عرفها الشرع، كما أنها تدخل في بيع ما لا يملك وأنها، حتى أنه قال الأجدر التعامل مع بنك يتعامل بالربا الصريح خير من التعامل مع بنك يدعي التعامل وفق الشريعة الإسلامية وهو بعيد عن ذلك.
ثانيا: أنني أجهل المراحل التي تتم بها هذه العملية في البنك المذكور لكي أطابق بينها وبين ما هو مذكور في الفتوى المذكورة.
وبصراحة فقد تغلبت على تلك الترددات واشتريت السيارة، فقد بدا لي أن صاحب المحاضرة متشدد، وبحكم وجود فتوى تجيز ذلك فالاختلاف بين العلماء رحمة، أما فيما يخص طريقة تعامل البنك فقد افترضت فيه تطبيق مختلف بنود الفتوى وقلت في نفسي أنهم يتحملون الإثم إن كانوا يخالفون ذلك.
والآن وبعد أن اشتريتها وقمت بدفع المستحقات الشهرية لخمسة شهور، فإنه لا يزال يراودني الشك في الطريقة التي تمت بها العملية، وقد ازدادت شكوكي هذه بعد أن ضاع مني مبلغ 1000 دج للمرة الثالثة خلال هذه الفترة فقط (6 أشهر) -حيث لا أذكر أنني ضيعت مبلغا ذا أهمية قبل ذلك ناهيك عن هذا المبلغ، فخفت أن يكون الله عز وجل قد آذنني بحربه الموعودة على المتعاملين بالربا.
وإليكم الطريقة التي تمت بها العملية، حتى يتيسر لكم الحكم عليها:
اتصلت أولا بمورد السيارات وحصلت على الفاتورة الشكلية للسيارة ومواصفاتها، حيث قدر سعرها ب 755.000 دج.
كونت الملف اللازم طلب التمويل، الوعد بالشراء، الفاتورة الشكلية، ودفعته للبنك، حث طلبت منه تمويلي بمبلغ 570.000 دج وأقوم أنا بدفع الباقي أي ما قيمته 185.000 دج.
بعد موافقة البنك، سددت المبلغ الذي ساهمت به إلى حساب المورد في البنك مباشرة ثم أخذت المستندات التي تبين موافقة البنك على التمويل وتسديد مبلغ المساهمة وسلمتها أنا شخصيا إلى المورد، حيث قام هذا الأخير بتحرير طلب الشراء باسم البنك ومكتوب عليه لصالح الشخص الفلاني.
بعد وصول السيارة اتصلت بالمورد الذي أعطاني الفاتورة النهائية للسيارة وقمت بتسليمها للبنك مقابل الشيك الخاص بالتمويل وهذا بعد أن دفعت مبلغ يقدر بحوالي 22.500 دج للبنك، قيل لي أنها حقوق البنك مقابل معالجة الملف طبعا هو ليس بمبلغ الجدية المذكور في الفتوى لأنه غير قابل للرد بأي حال من الأحوال.
سلمت الشيك للمورد فأعطاني وثائق السيارة وقمت بعمل عدة نسخ عنها، ثم قمت بتأمين السيارة عند شركة تأمين تأمين ضد كل الأخطار 31.000 دج، حيث إن هذا النوع من التأمين هو شرط أساسي من شروط البنك ويبقى ساريا طيلة فترة تسديد السيارة 5 سنوات.
بعدها سلمت نسخا من هذه الوثائق للبنك وأمضيت الوثائق المتبقية حيث عرفت في هذه المرحلة بالضبط المبلغ بالتدقيق الذي يجب علي دفعه شهريا للبنك.
بعدها أخذت كل تلك الوثائق للمورد، حيث سلمت لي السيارة بعد أن قمت أنا بنفسي بمعاينتها واستلامها مباشرة من المورد.
وبعد مراجعتي لبعض الوثائق وجدت أنه مكتوب في إحداها أن البنك قد فوضني من أجل أن أقوم بالاتصال بالمورد وبمعاينة السيارة في مكانه.
والآن بعد سماع القصة كاملة أفيدوني من فضلكم:
هل هي عملية مرابحة حقيقية؟ ماحكم المبلغ الذي دفعته أنا مباشرة إلى المورد إن كان البنك هو الذي اشترى السيارة في المرة الأولى؟
هل يحق للبنك تفويضي للقيام بتلك العمليات؟ أولا يجدر به أن يعلمني بذلك قبل العملية؟ أليس أن البنك قد باعني السيارة قبل أن يمتلكها؟ إن كان قد امتلكها أصلا.
هل من حق البنك أن يشترط علي أي نوع من التأمين أؤمن به السيارة؟
ألا يجدر بالبنك أن يعلمني بالتدقيق بالمبلغ الذي سيبيعني به السيارة وليس مجرد تقديرات؟ نسب مئوية لا أعرف كيفية حسابها.
مؤخرا اشترطت الدولة الجزائرية على البنوك إعادة حساب الفائدة التي يتوجب على الزبون دفعها في حالة ما إذا أراد دفع المبلغ المتبقي جملة واحدة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار المدة التي تم خلالها تسديد المبلغ، هل يجوز ذلك شرعا؟ في حالة ما إذا كانت هناك أي مخالفة شرعية في هذه المعاملة، ما المخرج من هذا المأزق الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع المرابحة للآمر بالشراء لا حرج فيه إذا توفرت فيه الضوابط الشرعية، والتي سبق بيانها في الفتاوى الآتية أرقامها: 1608، 12927، 45858، 72004. وهو ليس من قبيل بيع ما لا يملك لأن البنك لا يبيع السلعة قبل قبضها، ولكن يكون هناك وعد من العميل بالشراء، وهذا الوعد غير ملزم.
وقول القائل: الأجدر التعامل مع بنك يتعامل بالربا الصريح خير من التعامل مع بنك يدعي التعامل وفق الشريعة الإسلامية وهو بعيد عن ذلك.. فهذا القول فيه نظر إذ إن كلا التعاملين غير جائز، ولكن حرمة الربا أشد من تعاطي العقود الفاسدة، إلا إذا كان بيع المرابحة مجرد حيلة للحصول على القرض الربوي.
والذي يظهر لنا أن عملية المرابحة المذكورة قد اشتملت على مخالفات شرعية تظهر من خلال تفصيل الجواب:
1- بالنسبة للمبلغ الذي دفعته للمورد فلم تذكر لنا وجهه، والذي يظهر لنا عدم جوازه لأنك إذا كنت دفعت المبلغ لأنك اشتريت السيارة من المورد فلا معنى لبيعها للبنك بعد ذلك.
2- تفويض البنك لك للقيام ببعض العمليات لا حرج فيه إذا كان ذلك متابعة لبعض الأمور المتعلقة بالشراء، ولكن لا يجوز أن يكون المشتري وكيلاً عن البنك في الشراء والتسليم؛ لأن التوكيل في القبض وإن كان محل خلاف بين الفقهاء فالذي يظهر لنا في مسألة توكيل الآمر بالشراء أن الإفتاء بالمنع على مذهب الشافعية هو المتعين الذي لا يجوز غيره، وذلك لسد ذريعة الاقتراض بالربا والتحايل عليه، وهذا الذي أخذ به جماعة من أهل العلم المعاصرين. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 95134 ,
3- الظاهر أن البنك لم يعقد معك البيع قبل دخول السيارة في ملكه وعلى هذا لا يدخل هذا في بيع ما لا يملك.
4- بالنسبة لاشتراط البنك التأمين على السيارة -على فرض جواز المعاملة - فإذا كان تأمينا تجاريا فهو حرام، ولا يجوز اشتراطه كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 472، والفتوى رقم: 2593، والفتوى رقم: 24415،
5- لا بد في البيع أن يكون الثمن معلوماً، فإن كان بنسب متغيرة فهذا غير جائز، أما إذا كان بنسبة يمكن حسابها بحيث يكون لكل شهر مبلغ محدد وعدد الشهور معلوم فلا حرج في ذلك لسهولة معرفة الثمن.
6- إعادة حساب الفائدة التي يتوجب على الزبون دفعها في حالة ما إذا أراد دفع المبلغ المتبقي جملة واحدة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار المدة التي تم خلالها تسديد المبلغ، هل يجوز ذلك شرعا سبق في الفتوى رقم: 30303، بيان أن إسقاط جزء من الدين مقابل تعجيل بعضه لا يجوز عند جماهير الأئمة الأربعة وهو ربا، يعرف بقاعدة ضع وتعجل عند أهل العلم.
وبهذا يظهر عدم جواز التعامل بهذه الصورة لاشتمالها على عدة مخالفات شرعية، والمخرج من هذا بعد التوبة إلى الله عز وجل أن يتم فسخ البيع، ولا حرج بعد ذلك أن يتم الاتفاق بينك وبين البنك بشروط جديدة خالية من المحاذير الشرعية، فإن تعذر فسخ البيع فعليك التوبة إلى الله عز وجل، ولا حرج في الانتفاع بالسيارة على أن تقوم بدفع باقي الثمن بالأقساط التي تم الاتفاق عليها.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 49085، 67785، 67930، 6945، 93374، 101342، 108095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1430(12/280)
يبدو أن البيت ملك للابن الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل له 5 ذكور و6 بنات، كان له بيتان الأول ملكه والثاني سكن فيه بدون وثائق بعد خروج الا ستعمار الفرنسي، بعد مدة طلبت الحكومة منه التخلي عن هذا البيت, فاقترح أن يأخذه أحد أبنائه فرفضوا كلهم طمعاً في أخذ بيت من الحكومة إلا أصغرهم قبل بذلك، بعد مدة طلبت الحكومة من من الأخ الأصغر دفع ثمن البيت ففعل وأصبح البيت باسمه، بعد وفاة الأب طلب الإخوة الإرث في هذا البيت، السوال: هل البيت ملك الأخ الأصغر أم يقسم على الورثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا هو أن البيت ملك للابن الصغير لأنه اشتراه من الدولة فصار ملكاً له فهو على هذا لا يدخل في تركة الأب لأنه لم يكن ملكاً له لا وقت سكنه فيه ولا بعدما خرج منه وسكن فيه ابنه، والذي ننصحكم به هو رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتنظر فيه من جميع جوانبه فهذا أفضل وسيلة لقطع الخلاف إن حدث، ولمعرفة ملكية البيت في الأصل قبل أن يسكن فيه والدكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(12/281)
ضوابط في بيع الأدوية المسكنة للآلام وتؤخذ كمنشط جنسي أحيانا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع الأدوية المنشطة للجنس وإن كانت هي في الأصل أفيونا أو مواد مسكنة للألم وتعطى في بعض حالات الالآم المتوسطة والشديدة علما بأنها لا تصرف إلا بتذكرة طبية وهل هناك إثم اذا صرفتها بدون تذكرة طبية مع أني صيدلي وأعلم نفعها وضررها أكثر من الطبيب.
وإن كان لي أن أبيع تلك المواد فقد يتردد علي البعض ممن يأخذ الدواء كمنشط جنسي وكنوع من التعود أو لإراحة جسمه أو أعصابه أو السهر للعمل وخلافه فهل إذا علمت أنه يأخذه لما مضى من إثم؟ مع العلم أني لا أعطية لفئة الشباب الذين لم يتزوجوا أو لايعملون أعمالا مرهقة أو يحتاجونه للسهر وأنكر وجوده,
وللعلم فقد نزل في أسواق الدواء نفس العقار ولكنه مستورد وثبت وجود تلك المواد فيه ولكنه غير مسجل ضمن جداول الصحة وغير مسعر فالسعر فيه اجتهادي فما حكم بيعه؟ وهل هناك ضوابط في بيعه وتجارته؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأدوية التي لها أضرار جانبية لا تباع إلا بوصفة طبية تحت مسؤولية الطبيب المعالج، وأما بيعها لمن يشاء مع تضمنها للمخاطر، أو بيعها مع منع الجهات المختصة من بيعها، فلا نرى جواز ذلك لعموم قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ولأن الجهات المختصة لها حق تنظيم بيع الأدوية وحماية الجمهور مما قد يكون ضارا بصحتهم، وأيضا يمنع من بيع الدواء لمن يعرف أو يغلب على الظن أنه يريد به أمرا محرما كمن يبيع منشطا جنسيا لمن يغلب على ظنه قصد الفجور، وراجع في بيع الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة الفتوى رقم: 102581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(12/282)
الأرض ملك لك إذا كان الأمر كما ذكرت
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 1991 اشتريت قطعة أرض زراعية من أحد الأشخاص ولم يتم تسجيلها بصورة رسمية، وبعد فترة توفي الرجل الذي اشتريت منه الأرض، وعند مراجعة ورثته أنكر أبناؤه أن والدهم باع الأرض بالرغم من وجود ورقة المبايعة والشهود الذين طلبوا منهم إنفاذ عهد والدهم، أنا في حيرة من أمري هل ألجأ إلى المحكمة أم أعفو عن والدهم وأترك لهم الأرض عسى الله أن يخلف لي خيراً منها. أرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيع إذا تم بشروطه وانتفاء موانعه ينعقد لازما لكلا الطرفين، ولا يشترط لذلك الإشهاد ولا التسجيل عند الدوائر الرسمية, لكن الإشهاد مطلوب شرعا على سبيل الاستحباب, والتسجيل في الدوائر الرسمية زيادة في التوثيق لا بأس بها.
وبناء على هذا فالأرض – فيما بينك وبين الله – ملك لك إذا كان الأمر كما ذكرت, أما في حالة النزاع فإن الأمر يتطلب إثبات عقد البيع بينك وبين البائع ببينة، مما يستدعي اللجوء إلى المحاكم الشرعية، أو التنازل والعفو رغبة فيما عند الله.
والنصيحة إذا كانت نفسك طيبة بالتنازل والعفو أن تعفو, فقد قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة:237}
علما بأن الميت إذا لم يحصل منه إعاقة للعملية في حياته فإنه لا يأثم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(12/283)
حكم شراء وبيع رصيد الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشحن على الهواء من أنواع ربا الفضل أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يظهر لنا ما هو المقصود بالشحن على الهواء، ولكن الغالب أن المراد به هو شحن بطاقة الهاتف، وهذا تقدمت لنا فتاوى فيه، وقلنا إنه لا وجود للربا في هذا الباب؛ لأن المشتري إن دفع عشرة ريالات مثلا ليحصل على رصيد اتصال بأقل مما دفع، أو باع رصيده بأكثر أو بأقل، فليس في هذا ربا لأنه اشترى منفعة ولم يشتر نقدا. وراجع للمزيد الفتوى رقم: 104975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(12/284)
حكم بيع ختمات القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تباع ختمات القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد بيع الختمات بيع المصحف، فقد تقدم بيان حكمه في الفتوى رقم: 22776 فراجعه.
أما إن كنت تقصد الاستئجار لقراءة القرآن فقد بيانا في فتاوى سابقة أن ذلك غير مشروع عند جمهور أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 104606.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1429(12/285)
حكم بيع العامل ما زاد عن حاجته من طعامه الذي يصرف له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مؤسسة ما خارج مصر, هذه المؤسسة توفر لنا الأكل ولها قاعات للطعام, ومسموح لي الذهاب إلى قاعة الطعام أربع مرات يوميا, ويسمح لي بأكل ما شئت كما أنه من المسموح أن آخذ معي ما شئت من طعام, شريطة أن يكون داخل علبة يوفرونها لنا كما يسمح لي أيضاً بأخذ عدد 2 عبوة مياه غازية " كانز " بعد كل وجبة.
ويوجد بتلك المؤسسة سوق وعلمت أن التجار بتلك السوق يقبلون تلك العبوات " المياه الغازية " بدلا من النقود فهل يمكنني الاحتفاظ بعدد من العبوات وعدم شربها؟
وأن أقايضها ببضاعة هؤلاء التجار مع العلم أن الوجبات تخصم من الراتب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت من أن الوجبات تخصم من راتب العامل فإنها تصير بذلك ملكا له يتصرف فيها بما يرى من أكل أو اقتناء أو بيع أو مقايضة، ولا يشترط له إذن الشركة، لأن شرطها الحجر عليه في ذلك شرط مناف للمقصود والشرط المنافي للمقصود باطل.
وبناء على هذا فإن لك أن تحتفظ ببعض العلب مما هو داخل في المسموح به الذي وقع عليه التعاقد والذي سيخصم ثمنه من مرتبك, ولك أن تقايض به لدى هؤلاء التجار.
أما إذا كانت الوجبات تدفع المؤسسة ثمنها ولا ترجع على العامل به فإنه لا يجوز لك التصرف في تلك الوجبات إلا بما تقتضيه شروط المؤسسة، فما اشترطت من ذلك وجب احترامه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وللمزيد تراجع الفتوى رقم: 12773، 45714، 106259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1429(12/286)
ما بيع من الأرض في حياة الأب هل يدخل في الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما بيع من الأرض في حياة الأب يدخل في الميراث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير واضح؛ فإن كان قصد السائل هل يصح أن يبيع أحد الأبناء نصيبه من تركة أبيه في حياة الأب؟
فإن كان الأمر كذلك فإن هذا البيع لا يصح؛ لأنه بيع لما لا يملك، ولأن من شروط الإرث تحقق موت المورث، ولأن الابن يمكن أن يموت قبل الأب.. وسبق بيان مثل هذا بالأدلة في الفتوى: 74896.
ولذلك؛ فإذا باع أحد الورثة نصيبه من مورثه فإن هذا البيع فاسد، ولا يغير شيئا من أحكام الميراث.
أما إذا كان قصد السائل: هل يدخل ما باعه الأب من أرضه في حياته في تركته بعد وفاته؟
فالجواب أن ما باعه الشخص من ممتلكاته في حياته لا يدخل في ميراثه إذا مضى البيع وكان صحيحا، وهذا مما لا يحتاج إلى دليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1429(12/287)
أجرة العقار المؤجر عند بيعه تكون للمشتري أم للبائع
[السُّؤَالُ]
ـ[باع شخص لآخر مبنى بـ 70 مليون سنتيما واشترط القبول بهذا المبلغ إذا وافق المشتري على أخذ البائع مبلغ كراء المحلات التجارية التي هي جزء من المبنى المقدربـ 10 ملايين, مع العلم أن هذه المبالغ مأخوذة مسبقا (قبل البيع) غير أن مدة التأجير لم تنته وقت البيع. وبعد فترة قليلة احتج المشتري بدعوى أن المحلات صارت ملكه وهو أحق بأن يأخذ مبلغ الكراء وقال للبائع لقد غدرت بي أنا لاأعرف أنك قد أخذت مبلغ الكراء مسبقا فيجب أن ترد لي مبلغ الكراء, فقال البائع: لقد اشترطت عليك ذلك قبل البيع وقبل أن أقبل بمبلغ 70 مليونا فقال له نتخاصم عندالله يوم القيامة فأي الفريقين هو على صواب؟ وأيهم أحق بالأمن يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أجرة العقار المؤجر عند بيعه تكون للبائع إذا لم يتم الاتفاق على غير ذلك، وإن لم يعلم المشتري بأن المبيع مؤجر فله الخيار في فسخ العقد أو إمضائه، وكذلك إن علم المشتري بأن المبيع مؤجر، ولكنه ظن أن الأجرة من حقه، فالأجرة واجبة للبائع في حالتكم هذه، وللمشتري حق الفسخ إن ظن أن الأجرة من حقه.
وقد سبق في الفتوى رقم: 51476. ما ملخصه: أن أجرة العقار المؤجر عند بيعه لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يتم الاتفاق على أن الأجرة للبائع فهي له حينئذ.
الحالة الثانية: أن يتم الاتفاق على أن الأجرة للمشتري فهي له حينئذ، وذلك لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما.
والحالة الثالثة: أن لا يتم الاتفاق على شيء حول ذلك، ففي هذه الحالة الأجرة للبائع إذا كان قد أخبر المشتري أن البناية مستأجرة، فإن لم يكن قد أخبره فله الخيار في إمضاء العقد أو فسخه.
قال الأنصاري في أسنى المطالب: (وللمشتري الخيار) في فسخ البيع (إن جهل) الإجارة بخلاف ما إذا علمها، نعم لو قال علمتها ولكن ظننت أن لي أجرة ما يحدث على ملكي من المنفعة، فأفتى الغزالي بثبوت الخيار له إن كان ممن يشتبه عليه ذلك، والشاشي بالمنع قال الزركشي: والأول أوجه لأنه مما يخفى. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: فصل: إذا أجر عينا، ثم باعها، صح البيع، نص عليه أحمد، سواء باعها للمستأجر أو لغيره، وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه،.... إلى أن قال: إذا ثبت هذا، فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة، ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ، لأن تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها، ونفعها إنما يستحقه إذا انقضت الإجارة. انتهى.
وعليه، فيا أيها البائع ما دام المشتري قد علم بأن المحلات مؤجرة واشترطت عليه أن الأجرة لك فلا حق له في المطالبة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1429(12/288)
لا يحق لهم سوى المبلغ المتفق عليه حين العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الأعزاء أنا رجل من العراق والدي متزوج من اثنتين توفي والدي وترك لنا إرثا عبارة عن منزل أردنا أن نتقاسمه فقام أحد الإخوة من هذا الأب والأم بشراء هذا المنزل على أن يعطي البنات والأولاد كل واحد منهم نصيبه فاتفقنا على ذلك وكان قيمة البيت 60 مليون دينار عراقي حينها فأعطى نصيب ثلاثة أشخاص من إخوته وبقي الآخرون لحين توفر المال لديه فسجن من قبل الاحتلال هذا الذي اشترى المنزل الذي هو من نفس العائلة ومن ثم خرج فطالبه إخوته الذكور والإناث المتبقون الذين لم يأخذو حصصهم فعرض البيت للبيع فبلغ سعره 80 مليونا فأراد ان يعطيهم حقوقهم كما قسموها من قبل أن يسجن فقالو لا نقبل بالقسمة تلك عندما كان البيت يساوي 60 مليون فما الحكم في ذلك هل يعطيهم على القسمة الأولى أم هو ملزم شرعا بإعطائهم على القسمة الجديدة لأن البيت تغير او ارتفع سعره وجزاكم الله عني ألف خير أرجوكم يا إخوان مستعجل أفيدوني الله يرضى عنكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الاتفاق قد تم -كما هو الظاهر- بين الأخ وإخوته وكانوا بالغين رشداء على ثمن للمنزل وتم العقد على ذلك فإن المنزل يكون للأخ الذي اشتراه، وللإخوة ثمنه في ذمته. فإذا تقرر هذا علم أنه لا حق للإخوة في قيمة البيت حاليا، وإنما لهم الثمن الذي وقع عليه العقد. وليس لهم الحق في طلب أي زيادة عليه.
وقد سبق في الفتوى رقم: 101443 أن ربا الديون معناه الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل، وهذا الذي كان شائعا في الجاهلية، وهو ما عليه العمل اليوم في البنوك الربوية فيما يسمى بالفائدة.
وينبغي أن تحرصوا على صلة الرحم بينكم وتتذكروا أن طاعة الله عز وجل خير من الدنيا وما فيها، نسأل الله تعالى أن يوفقكم إلى طاعته.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات. وقد سبق أن نبهنا على ذلك في العديد من فتاوى المواريث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(12/289)
حكم اشتراط البائع زيادة على الثمن بعد ما تم البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[جماعة اشتروا أرضا سكنية بقيمة 12000دينار جزائري لكن لم يتم توثيق عقد البيع آنذاك بين البائع والمشتري، وعندما أرادوا توثيقه رفضت الجهة الحكومية المختصة توثيق عقد البيع بسبب فوات الوقت على ذلك (وهذا كان في أعوام الستينات) , وفي وقتنا الحالي احتاج المشتري إلى وثائق أو عقد البيع فطلب من البائع أن يعيدوا توثيق عملية البيع فاستغل البائع ذلك وأراد من المشتري أن يضيفه مبلغا من المال أي أن يزيده في قيمة الأرض حسب ما يوافق أسعار اليوم على أنه قد باعها له بثمن رخيص وأراد منه الزيادة.
فما الحكم وهل يجوز هذا وما حكم المال المأخوذ من ذلك, أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيع إذا تمت أركانه وشروطه وانتفت موانعه كان لازما للطرفين، فلا يملك أحدهما الانفراد بفسخه، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء:29} ، وقال صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. رواه البخاري ومسلم.
وليس التوثيق الإداري شرطا في صحة البيع وإنما هو زيادة في التوثيق، وبناء على هذا فلا يجوز للبائع أن يشترط زيادة على الثمن الأصلي لأن الأرض ببيعها الأول خرجت عن ملكه وانتقلت إلى ملك المشتري، لكن يمكن أن تتفق معه على مبلغ محدد مقابل ما يتحمل من كلف التنقل لإجراء التوثيق لأنه أصلا غير ملزم به، فله أن يأخذ عوضا على ما يتحمل في سبيله، فقد نص العلماء أن للشاهد أن يأخذ ما يستأجر به مركوبا ليؤدي الشهادة، فلأن يأخذ هو من باب أولى، وللأهمية راجع الفتوى رقم: 25312، والفتوى رقم: 58618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(12/290)
العمل بالمرابحة جائز بالضوابط الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي شركاء في شاحنة نقل وأريد أن أشتري نصيبهم هل يجوز أن نبيع هذا النصيب لتاجر بالنقد وأشتريه بالتقسيط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن يبيع هؤلاء الشركاء نصيبهم للتاجر نقدا ثم تشتريه أنت منه بالتقسيط فهذه الصورة من صور بيع المرابحة بمفهومه المعاصر، والعمل بالمرابحة جائز بالضوابط الشرعية، وانظر في بيان ذلك الفتاوى الآتية أرقامها: 1608، 45858، 47217.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(12/291)
هذه الصورة من صور بيع المرابحة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص محتاج ولديه خبرة في تسمين الخراف وتقوم الجمعية بتوفير المال له من خلال تحديد الخراف من خلاله لتسمينها وتقوم الجمعية بشراء هذه الخراف وإعطائها له مقابل مبلغ من المال متفق عليه مسبقا وبمعرفته ويكون سداد المبلغ الكلي بعد بيعه الخراف بعد التسمين (العمل بنظام المرابحة) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الصورة من صور بيع المرابحة بمفهومه المعاصر، وهو جائز إذا توفرت الضوابط الشرعية، وفي الصورة المسؤول عنها إذا قامت الجمعية بشراء خراف حسب المواصفات التي يحددها ذلك الشخص، ووعد ذلك الشخص بشراء هذه الخراف دون أن يكون هذا الوعد عقدا ملزما؛ كما هو مبين في الفتوى: 1608، ثم باعت الجمعية هذه الخراف بعد شرائها وقبضها إلى هذا الشخص على أن يسدد جزءا منه عند الاستلام والباقي بعد زمن محدد يتفقان عليه، كان هذا بيع مرابحة جائز شرعاً.
وانظر في بيان ضوابط بيع المرابحة الفتوى رقم: 45858، والفتوى رقم: 47217.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1429(12/292)
الضوابط المعتبرة في بيع المرابحة للآمر بالشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة وتعطي قرض سيارة وتأخذ 4% زيادة على المبلغ المستحق وعند شراء السيارة يتم أولاً تسجيلها باسم الشركة ومن ثم تسجلها باسمي ويتم إصدار شيك باسم صاحب السيارة وليس باسمي ومن ثم يتم رهن السيارة للشركة ورسوم تسجيل السيارة باسم الشركة ومن ثم نقلها لاسمي ورهنها، أنا أقوم بدفع جميع التكاليف وأيضا تقوم الشركة بعمل تأمين على الحياة، فهل هذه العملية حلال أم حرام فأرجو الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أن ما تقوم به هذه الشركة هو ما يعرف في عصرنا هذا ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وصورته أن تكون لديك رغبة مثلاً في شراء سيارة لكنك لا تتوفر على ثمنها فتأتي إلى مؤسسة تجارية تطلب منها شراءها واعداً إياها بشرائها منها مرابحة، فإذا كان هذا هو ما يتم في هذه المؤسسة فلا حرج فيه إذا تحققت الضوابط المقررة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وهي:
1- توفر شروط البيع وانتفاء موانعه.
2- أن يقع البيع بعد أن تدخل السلعة في ملك المأمور بالشراء -الشركة- ويحصل القبض المعتبر شرعاً.
3- أن تترتب على المأمور تبعات التلف قبل التسليم وتبعات الرد بالعيب الخفي بعد التسليم ...
وإلى هذه الضوابط يشير القرار الصادر عن المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فقد جاء فيه: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه..
وعلى هذا.. فلا حرج في زيادة هذه النسبة مقابل التأجيل، كما لا حرج في رهن السيارة للتوثق، أما عن التأمين المذكور فإن كان تأميناً تعاونياً فلا حرج فيه، وإن كان تأميناً تجارياً فهو حرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(12/293)
حكم مال من باع شيئا ليشتري به سلعة محرمة ثم عدل عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[باع أحد أصدقائي سيارته ليشتري بثمنها شيئا محرما، ولكنه ترك شراء الشيء المحرم، فهل المال الذي اكتسبه من بيع السيارة حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القصد المحرم الذي من أجله باع صديقك سيارته لا يحرم ثمنها، وله أن ينتفع به كما يجوز لغيره أن يعامله في هذا المال بدون أدنى حرج، وعليه أن يحذر من اقتراف المحرمات وليتق الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1429(12/294)
حكم بيع الحلوى للأعراس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع الحلوى للأعراس علما أن أغلب الأعراس فيها منكرات....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في التعامل مع الفساق بيعا وشراء إذا كان البيع مستوفيا أركانه وشروطه ما لم يغلب على ظن البائع أن المشتري يريد استخدام الشيء في معصية، إذ أن البيع والشراء إذا كان مع الكفار جائزا فمن باب أولى أن يكون جائزا مع الفساق المسلمين، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع اليهود وهم المعروفون بأكل الربا وأكل السحت بنص القرآن، لكن النصيحة أن تبتعدي عن تجمعات الأعراس إذا كانت فيها منكرات حتى يسلم لك دينك، فقد قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1429(12/295)
حكم شراء بضائع اقتنيت بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن 3 أشخاص نعمل لدى وكالة لبيع السيارات في الجزائر ونتعامل مع الأشخاص الذين يشترون سياراتهم عن طريق البنوك بمختلف أنواعها إسلامية وربوية. ونحن محتارون هل هذا العمل حلال أم حرام.
شكرا على انتباهكم وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عملكم في بيع السيارات مباح من حيث الأصل؛ لقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ {البقرة: 275} ... وهؤلاء الأشخاص الذين يشترون السيارات عن طريق القروض الربوية إما أن يأتوكم قبل البدء في إجراءاتهم المتعلقة بالقرض أو بعد الانتهاء منها، فإذا جاؤكم قبلها وطلبوا منكم ما يعينهم على القرض كأن يطلبوا عرض سعر يقدم إلى البنك فالذي يظهر أنه لا يجوز لكم تلبية طلبهم لما في ذلك من الإعانة على الإثم إن علمتم أنهم يطلبون ذلك من أجل القرض الربوي، أما إذا جاؤكم وقد انتهوا من إجراءاتهم فنرجو أن لا يكون هناك حرج في البيع لهم لعدم وجود المعنى الأول وهو الإعانة على الفعل، فالقرض الربوي قد حصل، ومعاملة هؤلاء في مبلغ القرض صحيحة لعدم تعلق الحرام بعين المال في هذه الصورة، وإنما يتعلق الحرام بذمة المقترض.
وراجع للمزيد الفتوى رقم: 107176.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1429(12/296)
حكم المتاجرة في بضاعة لها وكلاء في البلد الذي ستباع فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم البحث عن أسعار بضاعة شركات لديها ممثليات في دولتنا، وهل يمكنني شراء نفس المنتجات من شركات في دول أخرى وشحنها إلى بلدي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من المتاجرة في بضاعة لها وكلاء أو ممثلون في البلد الذي ستباع فيه هذه البضاعة والمنتجات؛ لعموم الإذن في البيع، قال تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} ، ولا يوجد مانع شرعي بمنع من هذا النوع من التجارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1429(12/297)
حكم شراء قطعة أرض من خلال مخطط يصفها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء قطعة أرض من واقع مخطط تقسيم الأرض دون معاينتها فعليا لصعوبة ذلك وذلك بأن أختار قطعة رقم (1) مثلا من بين مخطط تقسيمي يحوي 100 قطعة وهذا المخطط يحدد موقعها تماما وهل هي على شارع رئيسي مثلا أو غير ذلك من الأوصاف الممكن معرفتها؟ أفتونا نفعنا الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يشترط معاينة قطعة الأرض المشتراة إذا كانت الأرض المعينة متساوية الأجزاء أو وصفت وصفا يمنع الجهالة المؤدية إلى النزاع، كما هو شأن بيع القطع على المخطط الذي يبين فيه مساحة الأرض وحدودها ومكانها.
جاء في المدونة: من اكترى مائة ذراع من أرض معينة جاز إن تساوت وإلا لم يجز حتى يعين موضعها. اهـ.
والإجارة في الأحكام كالبيع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1429(12/298)
حكم بيع السيارة بدون المسجل ومربط الحزام
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لي زميل يعمل في تجارة السيارات وعند شراء سيارة بنية إعادة بيعها يقوم بنزع المسجل ومربط حزام الأمان وبعض الأشياء منها، فهل هذا الفعل يدخل في الحرام لقوله تعالى "ويل للمطففين"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتطفيف الذي توعد الله تعالى صاحبه بالويل هو في حقيقته أكل لمال الغير بالباطل أو هو غصب قليل لمال الغير، فمن اشترى كيلاً معلوماً من الأرز مثلاً فقام البائع بالنقص فيها وسلمها المشتري على أنها الكيل المتفق عليه فقد خان صاحبه وأخذ ماله وغصبه بغير حق.
وأما الصورة المذكورة فليس فيها تطفيف بالمعنى الشرعي المتقدم، ويجوز بيع السيارة بدون هذه الأشياء المذكورة وغيرها، شريطة عدم التدليس والغش في البيع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1429(12/299)
حكم بيع سلعة موصوفة في الذمة ببدل يعطى عاجلا
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم ببيع أجهزة الحاسوب للناس بالطرق التالية فهل يوجد بها أية حرمة أو شبهة:
الطريقة الأولى: لا يوجد لدي محل للبيع ولكني أتعامل مع عدة شركات فعندما يريد أحد أن يشتري مني جهاز حاسوب أقوم بإعطائه المواصفات والسعر وأطلب منه أن يسأل في السوق عن الأسعار والمواصفات
وإن سأل ووجد أن ما عندي هو الأنسب وطلب مني المباشرة ببيعه أقوم بأخذ دفعة منه ثم أشتري القطع من السوق ثم أقوم بتركيب الجهاز وتجهيزه وتسليمه للزبون.
الطريقة الثانية: بعدما يوافق الزبون على عرض الجهاز المقدم من قبلي أطلب من إحدى الشركات التي أتعامل معها تركيب الجهاز وتجهيزه وتسليمه عن طريقي للزبون ويقوم الزبون بدفع ثمن الجهاز للشركة مباشرة أو يدفعه إلي وأنا أعطيه للشركة وأقوم أنا بأخذ نسبة من الربح كعمولة على بيع الجهاز ويكون السعر الإجمالي للجهاز مع العمولة يساوي أو أقل من سعر السوق مع وجود عدة مزايا تفضيلية أيضا أقدمها كالأمانة والمصداقية وخدمات ما بعد البيع وغيرها.
الطريقة الثالثة: أقوم أنا بشراء الجهاز من الشركة بالدين بسعر معين ثم أبيعه بسعر أعلى قليلا مناسب لسعر السوق أو أقل وبعدما أقبض ثمنه من الزبون أدفع الثمن للشركة.
وكذلك الحال بالنسبة للقطع فعندما يسألني زبون هل تبيع مثلا محرك سيديات أقول له نعم ثم أشتريه من السوق وأبيعه إياه بربح بسيط وهكذا فهل هذه التعاملات مباحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تم ضبط صفات هذه الأجهزة ضبطا دقيقا تنتفي به الجهالة، كأن تحدد نوعية القطع ومدى سعتها وسرعتها، وكانت هذه القطع متوفرة بالأسواق تستطيع تحصيلها بسهولة، وتم كذلك تسليم ثمنها بالكامل في مجلس العقد، فلا بأس أن تبيعها قبل أن تتملكها سواء أباشرت البيع بنفسك أو طريق الشركة، لأن ذلك داخل فيما يسمى بـ "بيع السلم". وقد عرفه العلماء بأنه بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا.
وأما إذا لم يتم تحديد صفاتها تحديدا يرفع الجهالة والنزاع، أو لم يتم تسليم ثمنها في مجلس العقد -كما قد ذكرت في الطريقة الأولى والثانية- أو وقع البيع على أجهزة معينة محددة، فلا يصح البيع؛ لأنه حينئذ داخل فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تبع ما ليس عندك. رواه أبو داود والنسائي.
قال مصطفى بن سعد الرحيباني في مطالب أولي النهى: (ولا) يصح (بيعُ ما) أي: شيءٍ معينٍ لا يملكه البائع، ولا أُذِن له فيه ... لحديث حكيم بن حزام مرفوعا: لا تبع ما ليس عندك. رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه (إلا موصوفا) بصفات سلم (لم يعين) ، فيصح لقبول ذمته للتصرف (إذا قبض) المبيع، (أو) قبض (ثمنه بمجلس عقد) ، فإن لم يقبض أحدهما فيه، لم يصح لأنه بيع دين بدين، وقد نهي عنه.
وقال الشيخ البسام في كتابه تيسير العلام: قد ظن بعض العلماء خروجه -أي بيع السلم الموصوف في الذمة- عن القياس، وعدوه من " باب بيع ما ليس عندك " المنهي عنه في حديث حكيم بن حزام، وليس منه في شيء. فإن حديث حكيم يحمل على بيع عين معينة ليست في ملكه، وإنما ليشتريها من صاحبها فيعطيها المشترى، فهذا غرر، وعقد على غير مقدور عليه. أو يحمل على السلم الذي يظن المسلم أنه لا يتمكن من تحصيله وقت حلول الأجل. فأما السلم الذي استوفى شروطه، فليس من الحديث في شيء، لأن متعلقه الذمم لا الأعيان.
وأما البيع بالطريقة الثالثة التي يتم فيها تملكك للجهاز أولا قبل أن تبيعه فهو جائز، ولا يضر تأخير تسديد ثمنه للشركة إلى ما بعد دفع المشتري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(12/300)
حكم البيع للمطاعم التي يعصى فيها الله، ويشرب فيها الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تاجر لدي محل بيع اللحوم وهناك من غير المسلمين أتعامل معهم أي أبيع لهم اللحوم وأقدمها لهم إلى شركتهم ولما أدخل إلى شركتهم أجد الخمر وما إلى ذلك مما حرم الله فهل المال الذي أتعامل به من جراء شرائهم اللحم مني حلال أم حرام..
أما السؤال التالي فهو هناك مطاعم فيها الخمر ونساء وما إلى غير ذلك مما يغضب الله عز وجل يشترون اللحم من عندي فما حكم الشرع فى ذلك فهل أتعامل معهم وهل مالي حلال أم حرام، أرجوكم الجواب ودمتم فى خدمة الإسلام والمسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في بيعك غير المسلمين هذه اللحوم فالأصل في معاملة الكفار هو الحل، ولا حرج في بيعك اللحوم للمطاعم التي يعصى فيها الله، وكون المطعم يبيع الخمر أو يشرب فيه الخمر لا يمنع أن يباع له ما أباحه الله مما لا يستعمل في محرم، بل إن السلع التي يمكن استعمالها في الحلال، كما يمكن استعمالها في الحرام، الأصل فيها جواز بيعها، ما لم يعلم البائع أن المشتري سيستعملها الاستعمال المحرم، فلا يجوز البيع له في هذه الحالة، ومالك حلال ليس حراماً على الراجح من كلام أهل العلم، ولكن لا تجلس معهم في مجالسهم وهم يشربون الخمر، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28935، 20043، 105282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(12/301)
امتناع التاجر عن دفع باقي الثمن بحجة المبالغة في القيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أبي توفى وهو عنده دين وقد وفاه في حياته إلا 4000 ريال هو كان عنده محل ملابس وأخذ من التاجر هذه البضاعة بالدين وسدد أبي ثمن البضاعة إلا 4000 التي قلت عليها وقال أبي لأمي قبل ما يموت إنه لن يدفع للتاجر 4000 لأنه باع له البضاعة بأضعاف الثمن ثم مات يا شيخ هل ندفع عنه 4000 أم التاجر غشه ونسمع كلام أبي وما نعطي التاجر 4000 أفيدوني يرحمكم الله لكي أبي يرتاح في قبره.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
ليس للربح حد ينتهي إليه في التجارة، ومن اشترى سلعة وهو على بصيرة بالغبن فيها لا خيار له لعدم التغرير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان البيع الذي تم بين والد السائل والتاجر هو بيع مكايسة ومساومة فلا عذر للمشتري في بذل ثمن السلع، وإن كان ثمنها أضعاف قيمتها، فالربح ليس له حد ينتهي إليه عند أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أنه إن كان المشتري جاهلا بقيمة المبيع مستنصحا البائع مسترسلا معه فباع له بزيادة فاحشة خارجة عن العادة، وحدده البعض بثلث القيمة فأكثر، فمن حق المشتري فسخ البيع، ولما كان والد السائل تاجرا، فمن البعيد أن يكون جاهلا بالثمن أو مسترسلا لا يحسن المكايسة، وبالتالي لا يثبت له الخيار؛ كما جاء في كشاف القناع: وأما من له خبرة بسعر المبيع ويدخل على بصيرة بالغبن، ومن غبن لاستعجاله في البيع فلا خيار لهما لعدم التغرير.اهـ
وعلى فرض أن له الخيار فكان الواجب الفسخ بعد أن علم أنه غبن فيرد المبيع إلى التاجر ويأخذ منه الثمن أو يصطلحا على شيء.
أما أن يمتنع عن دفع ما يبقى عنده من الثمن بحجة المبالغة في القيمة فلا وجه له، والواجب هو المبادرة بقضاء دينه من تركته؛ إلا أن يعفو التاجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(12/302)
بيع الحلي بالنقد نسيئة.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى الوالد رحمة الله عليه محل ذهب وطبعا العمال في الذهب يتعاملون بالدين من ناحية تنزيل الذهب من الموزعيين بالدين والدين أكيد حرام طبعا، في حياة الوالد لا أستطيع منع العمال من الدين بحكم لا أملك التصريح بمنعهم
وبعد وفاة الوالد الله يرحمه توزعت التركة للورثة بعض من إخواني طلع من الذهب بحكم أنه مشبوه ولكن له مصدر رزق وأنا بقيت بحكم أني ليس لدي مشروع غير الذهب وليس لدي مصدر رزق غير الذهب وأخاف أطلع من الذهب بحكم أن الدين في الذهب حرام وأغامر في مشروع آخر وأخسر ما معي وتسوء الأوضاع وطبعا كل ما أحرض العمال على عدم التنزيل من موزع الذهب بالدين يردون علي بأن الذهب ما يشتغل إلا بالدين
فما نصيحتكم لي وماذا افعل وهل علي شيء لو استمررت بالذهب وفي نفس الوقت أحاول أجد البديل ومن بعدها أطلع من الذهب ولا أطلع من الذهب وأبحث عن مشروع آخر أرجو إفادتي وشاكر لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
جمهور أهل العلم على أنه لا يباح الحلي بالنقد نسيئة، وذهب آخرون إلى جواز ذلك لخروج الحلي عن الثمنية بالصنعة، والأحوط الأخذ بقول الجمهور.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيع الذهب بالورق النقدي فيه تفصيل. فالذهب غير المصنوع لا يجوز بيعه بالنقد نسيئة؛ لحديث: الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا غائبا بناجز. متفق عليه.
والأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب بجامع الثمنية.
وأما بيع الحلي – الذهب المصنوع – بالورق النقدي نسيئة. فجمهور العلماء على منعه أيضا.
وذهب آخرون إلى جواز ذلك لأن الصناعة أخرجت الذهب عن النقدية، وصارت سلعة تباع وتشترى بالعاجل ولآجل.
يقول ابن القيم: الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وفي سائر السلع.
وذهب إلى ما قاله ابن القيم شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو منسوب إلى معاوية والحسن وإبراهيم والشعبي واختيار جماعة من الحنابلة، وقال في الإنصاف والمقنع إ ن عليه العمل.
جاء في الاختيارات لابن تيمية: ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة سواء كان البيع حالا أو مؤجلا ما لم يقصد كونها ثمنا. انتهى
وهذا واضح وصريح في جواز البيع بالآجل في الحلية لخروجها عن الثمنية.
وإذا عرفت اختلاف أهل العلم في بيع الحلي بالنقد نسيئة فالأحوط عدم البيع بالآجل، وإذا كان السوق لا يمكنك من ذلك وأردت أن تغير تجارتك من بيع الذهب إلى تجارة أخرى فهذا خير وأفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(12/303)
حكم بيع رصيد المكالمات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي محل اتصالات وأمارس فيه عملية التحويل الإلكتروني أي تحويل الرصيد أي أني أشتري من الشركة رصيدا من المكالمات مثلا بقيمة 1000 دينار وأقوم ببيعها بالتقسيط فمثلا يأتي إلي زبون ويقول لي أريد رصيدا بقيمة دينار واحد فأرسل له رسالة بالقيمة المطلوبة وتكلفني الرسالة خمسة دراهم وأنا آخذ منه دينارا وربعا أي كسبت عشرين درهما، فهل هذه البيعة من باب الربا وهي من باب بيع المال بالمال، لأنه أحيانا الفرد ليس معه عشرة دينار فيكتفي بالأقل لهذا يتجه إلى المحل وإلا هو يستطيع أن يشتري من الشركة مباشرة بقيمة عشرة دينار وهي أقل قيمة يمكن شراؤها، ولهذا يتجه إلى المحلات للشراء بدينار ونصف دينار، وهكذا العملية، فما الحكم في هذا؟ أفتونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيع رصيد المكالمات لا يدخل في بيع نقد بنقد أو بمعنى أعم لا يدخل في بيع ربوي بربوي حتى يمكن تصور ربويات الربا فيه، وإنما هو بيع منفعة بنقد، وبالتالي لا مانع من بيع رصيد بدينار مقابل دينار ونصف وهكذا، لأن البائع يملك منفعة الاتصال بكذا، فإذا باعها بأكثر مما اشتراها به جاز.
وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 102227، والفتوى رقم: 74820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(12/304)
اشترى أرضا ثم ادعى أحد أولاد البائع أن له جزء منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرض لفضيلتكم في ما يلي مشكلتي وكلي أمل وثقة أن أجد في شرع الله ما يمنعني من الوقوع في الحرام والخطأ
الحيثيات: في مطلع عام 2006 علمت من أحد الوسطاء أن رجلا كبيرا في السن يريد أن يبيع قطعة أرض يملكها ويتصرف بها لكي يعتاش منها حيث إنه لا يملك مصدرا آخر للدخل، حيث راجعت ذلك الرجل عارضا شرائي لتلك القطعة، وبالفعل تم الإيجاب والقبول وتحديد الثمن ودفع المقدم وطريقة الدفع وعلى كافة الإجراءات الرسمية (التنازل الرسمي) لدى الدوائر الرسمية وتحويل الأرض باسمي وذلك بشهادة الشهود،
بالفعل تم الدفع واستلم الرجل ذاته المبلغ ومن ثم راجعنا أنا وهو والشهود الدوائر الرسمية وتم استخراج الوثائق الرسمية التي تفيد بذلك.
ولكن اعترضت إحدى بنات ذلك الرجل على عملية البيع بحجة أن والدها قد قام بإجراء قسمة رضائية بين أبنائه سابقا وأنه يوجد لها في تلك القطعة جزء معين وأنها لا توافق على عملية البيع وهددت بأنها ستجهض عملية البيع برمتها.
وبعد مراجعتي لوالدها: قام بالتوجه إلى دار الإفتاء في مدينة الخليل:سائلا عن حقه في إلغاء تلك القسمة أم لا، والذين أجابوه خطيا بأنه يحق له إلغاء القسمة الرضائية وخصوصا أنها لم تتم وفق قواعد الشريعة وأن التركة تترك لما بعد الوفاة ومن ثم توزع حسب الشريعة.
مما دفع الرجل (الوالد) إلى الثبات على موقفه من عملية بيعي ودعم موقفي وقال بأن هذا مالي وأنا حر التصرف فيه وكيفما أشاء وأبيعه لمن أشاء.
ولكن ابنته ما زالت تعترضني وعند ذهابي لقطعة الأرض للعمل بها تقوم بافتعال المشاكل وتتسبب بمشاكل تصل لحد التشابك بالأيدي وفي إحدى المرات قامت هي شخصيا والله على ما أقول شهيد بإطلاق الرصاص باتجاه من كان في الأرض بمن فيهم والدها!
فضيلة الشيخ: إن مبلغ المال الذي دفعته هو مبلغ ضخم يصل إلى 100 ألف دولار وهذا المبلغ هو ثمرة غربتي وهو في يد البائع منذ مطلع عام 2006 والوثائق الرسمية التي بحوزتي تفيد بأنني المالك الرسمي للأرض.
السؤال:تحاشيا لوقوعي في الحرام مرة أخرى: هل يحق للبنت إبطال أو إلغاء عقد بيع أبيها؟ استنادا لقسمة رضائية صدر قرار ببطلانها من مفتي الخليل الشرعي، وللعلم أيضا أن القسمة الرضائية لم تسجل أو تعتمد من قبل الدوائر الرسمية. ولم تجر وفق قواعد الميراث المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية؟
أفيدونا حقنا ومنعا للحرام وإحقاقا للحق.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حق للبنت في أن تعترض على بيع الأرض إلا في حال ما إذا كان التقسيم المذكور على سبيل الصدقة، أو كان هبة فات اعتصارها بمفوِّت. وفي تلك الحالة يكون لك حق استرجاع ما يقابل القطعة المستردة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف إن هذه القسمة التي اعترضت بموجبها إحدى بنات ذلك الرجل على عملية البيع، لا تخلو من أن تكون هبة منه لأولاده، أو يكون التقسيم على سبيل التركة.
فإن كان على سبيل التركة فإنه يعتبر باطلا؛ لأن التركة يشترط لها تحقق وفاة المورث، ولا يصح تقسيم تركة الحي.
وإن كان على سبيل الهبة فإن من حق الأب أن يعتصر ما وهبه لأحد أبنائه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم.
وهذا الاعتصار يشترط له أن لا يكون الوالد قد أعطى ذلك على سبيل الصدقة، وأن لا يكون الولد قد تداين أو تزوج من أجل تلك الهبة، وأن لا يكون قد حدث في الهبة زيادة أو نقص. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 65302.
ولو افترضنا أن هبة الوالد لتلك البنت قد حصل معها موجب يفوت عليه اعتصاره لها، فإن من حقها في هذه الحالة أن تعترض على بيع حصتها من الأرض، لا ما زاد على حصتها.
ومن هذا يتبين لك أن البنت المذكورة إما أن لا يكون لها كلام في جميع الأرض، أو أن يكون لها الكلام في قسطها منها فقط.
وإذا تقرر أن لها الحق في الاعتراض على بيع حصتها واعترضت على ذلك، فمن حقك أن تسترجع من أبيها ما يقابل تلك الحصة من ثمن الأرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(12/305)
استرد البائع الإطارات ثم باع له غيرها بسعر أغلى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة بالتفصيل بارك الله فيكم، اشتريت أربع إطارات وعندما ذهبت لتركيبها وجدت أنها لا تناسب السيارة لكبر حجمها فعرض علي صاحب المحل تغييرها بحجم أصغر، ولكن أغلى سعراً فطلب مني دفع الفارق حوالي 50 ديناراً، فهل ما فعلته مخالف للشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأخ السائل اشترى هذه الإطارات ثم وجد أنها لا تناسب سيارته فليطلب من البائع أن يقيله في هذا البيع، وفي الحديث: من أقال مسلماً أقال الله عثرته. رواه أبو داود.
والإقالة معناها رفع العقد الواقع بين المتعاقدين. وهي مشروعة إجماعاً.
وعليه؛ فإذا قبل البائع إقالة المشتري واسترد الإطارات ثم باع له إطارات أخرى سعر أغلى فهذا لا مانع منه؛ لأن العقد الأول ارتفع وأنشأ عقدا جديدا، كما أن البائع إذا رفض قبول الإقالة مجاناً فإن له أن يدفع له الإطارات من ثمن إطارات أخرى ويزيده الفارق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(12/306)
حكم شراء قفاز مصنوع من جلد الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء قفازين مصنوعين من جلد الخنزير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل أن أهل العلم قد اختلفوا في طهارة جلد الميتة (ومنها ميتة الخنزير) بعد دبغه، وبينا رجحان الطهارة، ولك أن تراجعي في هذا الفتوى رقم: 30124.
وعليه فلا حرج عليك في أن تشتري قفازين مصنوعين من جلد الخنزير، والورع تركهما مراعاة للقول الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1428(12/307)
أحكام بيع الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاتجار في أدوية الجدول حلال في حالة أننا نبيعها إلى مندوب مبيعات مثلنا أو صيدلية ولا نبيعها إلى الشباب أو تجار المخدرات مع العلم أنه لا يمكننا الاتجار في الأدوية إلا بالدخول فيها لنقص الإمكانيات لدينا وأيضا مع العلم أن دورة هذه الأدوية معروفة وهي قد تقع في أيدي الشباب أو تجار المخدرات في النهاية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة -كما هو شأن الأدوية المسؤول عنها- ينظر فيها إن كانت تُسكر أو يسكر كثيرها فلا يجوز بيعها ولا التجارة فيها؛ لحديث: ما أسكر كثيره فقليله حرام. رواه أبو داود والترمذي.
أما إن كانت لا تسكر ولا يسكر كثيرها وإنما يحصل بها تخفيف لآلام المريض فلا حرج في التجارة فيها لمن علم أنه لا يستعملها في الحرام.
وعليه؛ فإذا كان السائل يعلم أو يغلب على ظنه أن من يشتري هذه الأدوية يستعملها في المسكر بطريقة ما فلا يجوز بيعها له، وكذا لا يجوز بيعها لمن علم أنه سيبيعها لمن يستعملها في الحرام، أو كان الغالب في شأن هذه الأدوية أن تقع في النهاية في يد تجار المخدرات والمدمنين فالحكم يتبع الغالب فيحرم المتاجرة فيها، إما إذا انتفت هذه المحاذير فلا بأس في المتاجرة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1428(12/308)
حكم بيع أجهزة الحاسوب وكاميرات الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفتي فضيلتكم عن حكم بيع أجهزة الحاسوب وأجهزة استماع الملفات الصوتية وكاميرات الإنترنت وغيرها من ملحقات الحاسوب، فأنا أعمل وسيطا بين الشركات الصينية والتجار في بلاد أوروبية وعربية، والتجار يبيعون هذه الأجهزة للمسلمين ولغيرهم، ولا أعرف هل تستخدم في الحلال أم في الحرام، أسأل هذا
السؤال وأنا في حاجة للمال فأنا أتحمل مسؤولية أسرة وعندي ديون وأخشى إن تركت هذا العمل أن أعمل في أعمال لا أمكن فيها من تأدية الصلاة في وقتها وقد أضطر إلى الحرام البين في إطار هذه الأعمال؟ جزاكم الله عني خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في التوسط بين التجار وهذه الشركات في بيع أجهزة الحاسوب، وإن كان التجار يبيعون هذه الأجهزة للمسلمين ولغير المسلمين، لأن الغالب هو استعمال هذه الأجهزة في الاستعمال المباح.
أما بيع أجهزة استماع الملفات الصوتية وكاميرات الإنترنت فإن كان التجار يبيعونها في مجتمع مسلم فلا حرج أيضاً لأن الأصل هو سلامة المسلمين وعدالتهم وعدم استخدام هذه الأجهزة في الحرام، وإن كانوا يبيعونها لغير المسلمين فلا يجوز، لأن الغالب هو استعمالهم لها في استماع الموسيقى وإبداء العورات، وفعل الفواحش، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح من أقوال العلماء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73960، 32670، 48681، 20318.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1428(12/309)
تنازل من خرجت القرعة باسمه لشخص آخر لقاء مال
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي تقدم لشراء أرض بنظام القرعة وهو مسافر فعمل توكيلا لأخته لكي تقدم له مرة باسمه ومرة باسمها في أرض أخرى فطلعت القرعة علينا في الأرض التي باسمها، فهل يجب إعطاء أخته مبلغا معينا من المال نظير قيامها بالتقديم في الأرض باسمها وزوجي هو الذي دفع ثمن الأرض فأرجو الرد سريعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرعة وسيلة يتوصل بها إلى معرفة المستحق المعين من جملة المستحقين الذين ثبت لهم الاستحقاق ابتداء، وعليه.. فإن خروج القرعة باسم أخت زوج السائلة يجعلها مستحقة لهذه الأرض دون أخيها، فإذا تنازلت عنها لأخيها مقابل مبلغ من المال فذلك جائز، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 99933. وإن فعلت ذلك بطيب نفس منها بدون مقابل فشيء حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(12/310)
لا يحل نقض البيع الصحيح إلا برضى المشتري
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت أرضا من صندوق الادخار فطلبت أختي أن تكون شريكتي فيها وأن تدفع نصف الثمن فوافقت وفعلا لنا سنة ونحن ندفع أقساط الأرض ولكن الأرض باسمي أنا، حيث إنني أنا المشتركة في صندوق الادخار حصل خلاف بيننا وأريد أن أفسخ الشراكة وأعيد لها كل ما دفعته، فهل يحق لي أن أفعل هذا أم أنه حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الأخت السائلة اشترت الأرض من صندوق الادخار ثم أذنت لأختها في مشاركتها في الأرض على أن تدفع نصف الثمن فمعنى هذا أنها باعت لها نصف الأرض التي تملكها وتراضيا على ثمن معلوم يُدفع بالأقساط إلى البائع الأول وهو صندوق الادخار.
وعليه؛ فهذا البيع صحيح نافذ ولا تملك الأخت السائلة حق فسخه، وفي الحديث: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. متفق عليه. ومعنى هذا أنه لا يحل للبائع نقض البيع إذا تم مستوفياً شروطه وأركانه إلا برضى المشتري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(12/311)
إرسال رصيد مكالمات من جوال لآخر على سبيل البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[الفليكسي بالفرنسية هو إرسال مبلغ من المال من جوال الى جوال ثمن الإرسال 10 دينار جزائري مثال إذا أرسلت إلى صديقك مبلغ 100 دينار فإنه يحذف من رصيدك مبلغ 110 هل هذا ربا أم لا؟ بعض الباعة يأخذ مبلغ 20 دينارا على الإرسال 10 دينار للشركة و 10 دينار له هو وحجته أنه لا يعمل بالمجان فهل هذا ربا أم لا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم الأخ السائل أن مسألة إرسال رصيد مكالمات من جوال إلى آخر على سبيل البيع لا تدخل في الربا لأن المسألة من باب بيع المنافع؛ وليست من باب بيع مال بمال.
وعليه؛ فإذا كانت الشركة تأخذ مقابل خدمة الإرسال هذه أجرة معلومة فلا مانع من دفعها لأنها أجرة على منفعة مباحة.
أما عن حكم أخذ البائع مبلغا مقابل الإرسال فينظر في ذلك.. فإن كان هذا البائع متعاقدا مع الشركة على فعل هذه الخدمة لمن يطلبها ويتقاضى أجرته على ذلك من الشركة فلا يجوز له أخذ شيء من صاحب الرصيد، أما إذا لم يكن متعاقدا مع الشركة، وإنما يأتي إليه صاحب الرصيد يطلب منه عمل هذه الخدمة فيجوز له أن يأخذ على عمله هذا أجرا متفقا عليه زائدا على أجر الشركة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(12/312)
حكم شراء سلعة بالأجل وبيعها بأقل مما اشتراها به
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في المنطقة تجار للحبوب يبيعون بالأجل يشتري طن الشعير ب260000 دينارعراقي نقدا ويبيعة بـ400000 دينارعراقي بالأجل علما أن المدة معلومة والكمية معلومة فما الحكم الشرعي بالنسبة للبائع والمشتري؟ ومالحكم إذاكان المشتري يبيع الكمية المشتراة نقدا أي يخسر 140000 دينار عراقي من أجل أن يتاجر بها أومن أجل أن يزرع هذه الكمية وقد تصل بعض الأحيان هذه الكميات الى 20 طن او30 طن أو اقل أو أكثر من ذلك وهناك جدل كثير حول هذه المسالة أفيدونا بالحكم الشرعي أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من السؤال أن المشتري يشتري طن الشعير بمائتين وستين ألفا نقداً ثم يبيعه لغير بائعه بأكثر من هذا الثمن بالأجل فهذا البيع جائز.
وكذلك إذا كان يشتري بالأجل ثم يبيعه لغير بائعه بأقل مما اشتراه به فهذا جائز أيضا.
والمحذور في المسألة أن يبيعه للبائع، فإن هذا بيع العينة المحرم. وراجع حكم هذا البيع في الفتوى رقم: 13383، والفتوى رقم: 45435، والفتوى رقم: 67071.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(12/313)
الصورة الصحيحة لبيع المرابحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تملك محل تجاري بقيمة خمسة وخمسين ألف دينار، به معدات (غسالات) قدرت بقيمة تسعة عشر ألف دينار، بحيث يتم تمويل هذه المعدات من قبل البنك العربي الإسلامي في الأردن والطريقة كالتالي:
1- أحضرت عرض سعر من قبل البائع باسم البنك.
2- قدمت دراسة للبنك مع عرض السعر على أن تكون مدة التمويل 5 سنوات.
3- تمت موافقة البنك على تمويل خمسة وسبعين بالمائة من قيمة المعدات ودون أن يكشف على هذه المعدات واكتفى بعرض السعر على أن أقدم رهنا عقاريا بقيمة المعدات قبل أن يتم التعاقد مع البائع.
4- سيتم توقيع عقد معي أنا كمشتري أو مقدم طلب التمويل بنفس الجلسة التي سيوقع العقد بها مع البائع الأول قبل إصدار شيك للبائع.
5- يتم الاكتفاء بإصدار شيك للبائع من قبل البنك دون أن يتم الكشف على المعدات ودون نقلها لحوزة البنك.
6- وبهذا أكون أنا قد تملكت المحل التجاري بالمعدات التي بداخله والتي مولت عن طريق البنك.. السؤال: هل هذه طريقة شرعية، أصل رأس مال البنك العربي الإسلامي ربوي وهو معروف أنه تفرع من البنك العربي، فهل يجوز التعامل معه حيث إن رأس المال مخلوط بالربا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جواز التعامل مع فرع إسلامي لبنك ربوي يعتمد على استقلالية هذا الفرع بمعاملاته عن البنك الرئيسي، ومدى التزام الفرع بالأحكام الشرعية في هذه المعاملات.
وأما مسألة اختلاط أموال الفرع بالرئيسي فإن الأموال لا تتعين، ولو فرض تعينها فإن معاملة البنك الرئيسي فيما هو مباح شرعاً تأخذ حكم معاملة من كان ماله مختلطاً، أو من كان أكثر ماله حراماً، وقد سبق في أكثر من فتوى أن قلنا بجواز ذلك.
وبقي الكلام هنا في التزام الفرع بالضوابط الشرعية في المعاملة المذكورة، وضابطها الرئيسي هو انتقال ملكية المعدات أو المحل إلى البنك، فإذا صح أن البنك يشتري السلعة من البائع ثم يبيعها للعميل فهذا بيع صحيح، ولا يشترط أن يحوز البنك السلعة إلى مكانه، وإنما يشترط أن يتملكها بالشراء الصحيح وتصير في ضمانه ولو للحظات ولو بقيت في مكانها فإن ذلك لا يضرّ. وراجع للمزيد الفتوى رقم: 1608 والفتوى رقم: 5706.
وعليه، فإذا كان البنك المذكور يجري عقد بيع صحيح بينه وبين البائع الأول، فإذا انتهى من هذا أجرى عقد بيع آخر للعميل، فالمعاملة جائزة، وللبنك في هذه الصورة أن يطلب من العميل رهناً في الثمن، وله أيضاً أن يوكله في الاطلاع على السلعة والبحث عنها إن لم تك موجودة لديه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1428(12/314)
شراء بيت إذا كان دفع الثمن عن طريق بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتركنا في جمعية سكنية تابعة للدولة وذلك على أقساط بسيطة، ولكن الدفع في بنك ربوي والدولة لا تتعامل إلا مع البنوك الربوية، مع العلم بأننا عندما اشتركنا لم نكن نملك منزلا ولكن بعد 3 سنوات تقريبا اشترينا منزلا والحمد لله، فهل يجوز الاشتراك في هذه الحالة وإن كان لا يجوز فماذا نفعل للتكفير عن ذلك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أنكم اشتركتم في الجمعية السكنية التابعة للدولة لشراء مسكن ولا علاقة لكم بالبنك الربوي إلا أنكم تودعون أقساط الجمعية فيه، فهذا لا مانع منه ولا يلحقكم إثم بسببه، لأن غاية ما فيه أن البائع (الجمعية) أحالكم على وكيل له تضعون ماله عنده، وإن كان المقصود غير ذلك فنرجو التوضيح كما نرجو مراجعة الفتوى رقم: 10540.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(12/315)
ليس لأحد أن يمنع أحدا من التجارة فيما أباح الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل هل يجوز لي شرعا أن أتاجر في مواد صناعية يبيعها آخرون للحرفيين بصفة خاصة وموقعهم الجغرافي يبعد عدة مئات الأمتار عن متجري، مع العلم بأن نيتي في هذه التجارة سبقت بسنوات قدومي لهذه المدينة وشراء القطعة الأرضية وبناء المتجر فيها، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع أن يتاجر الشخص في سلع يحتكرها تجار آخرون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} ، وفي الحديث: دعو الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم. وفيما تقدم بيان أنه ليس لأحد أن يمنع أحداً من التجارة فيما أباح الله تعالى من البضائع، ولا يصح أن يحتكر بعض التجار سلعة ما ويمنعوا الآخرين من التجارة فيها سواء وجدوا في مكان واحد أو وجدوا في أمكنة متباعدة.
وقد يصح أن يقوم ولي الأمر العادل بتنظيم البيع والشراء ونحو ذلك، وقد يصح أيضاً أن يتراضى ويتفق التجار بينهم على تنظيم بيعهم وشرائهم ومنتجاتهم وبضاعتهم، لكن أن يمنع بعضهم بعضاً وأن يحجر بعضهم على بعض بدون تراض فهذا لا يجوز.
وعليه؛ فلا مانع من بيعك لهذه المواد ولا عبرة بكونك سابقاً أو لاحقاً لهؤلاء التجار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(12/316)
حكم الشراء من محلات تجارية تتعامل بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء البضائع والسلع ومستلزمات الحياة اليومية من المراكز التجارية التي نعلم مسبقا أن ملاكها قد اقترضوا قروضا ربوية لإنشائها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من الشراء من أصحاب المحلات والمراكز التجارية، وإن علم المشتري أن هذا المركز أو المحل يقترض بالربا أو يتعامل بالربا، إذا كان المشتري منهم يشتري بطريقة شرعية؛ لأن إثم إنشاء هذه المحلات بقروض ربوية يتعلق بذمة المقترض لا بعين المال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1428(12/317)
شراء الإيصال.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدمت للحصول على قطعة أرض بإحدى المدن الجديدة بنظام القرعة وفزت بها ثم عرض علي أحد الأشخاص شراء إيصال القرعة الدال على فوزي بها (يفوق ما دفعته عشر مرات + ما دفعته عند الحجز) ، علماً بأنني لم أستلم الأرض وبالتالي لم أسدد باقي ثمنها، فما حكم الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإذا كنت تقصد بشراء الإيصال التنازل عن حقك في تملك هذه الأرض مقابل مال فهذا لا حرج فيه، لأن هذا النوع من الحقوق أصبحت له قيمة مالية في العرف، أما إذا كنت تقصد أنه يريد شراء الأرض منك فلا يجوز لك بيعها له حتى تتسلمها لعموم النهي عن بيع المبيع قبل قبضه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد بشراء الإيصال أن تتنازل له عن حقك في تملك هذه الأرض مقابل أن يدفع لك مبلغاً من المال فهذا لا حرج فيه؛ لأن هذا النوع من الحقوق أصبحت له قيمة مالية في العرف. ومن نظائر ذلك عند الفقهاء ما ذكروه من جواز النزول عن الوظائف مقابل مال، وقد أفتى بذلك شيخ الإسلام زكريا من الشافعية، والشيخ نور الدين الدميري من المالكية، والشيشي من الحنابلة، نقل ذلك ابن عابدين في رد المحتار، وراجع للمزيد من الفائدة والتفصيل الفتوى رقم: 75220.
أما إذا كنت تقصد أنه يريد شراء الأرض منك.. ففي هذا خلاف بين العلماء ناشئ من خلافهم في بيع المبيع قبل قبضه، وقد تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 60275.
وبينا هناك أن بيع المبيع قبل قبضه لا يجوز سواء في ذلك الطعام أو المنقولات أو العقارات كالأراضي والبيوت، وعليه فلا يجوز لك بيعها له حتى تتسلمها، وإن كان ذلك قبل أن تسدد باقي ثمنها، لأن هذا الثمن إنما هو دين في ذمتك، ولا ينافي جواز التصرف في الأرض بعد قبضها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(12/318)
حكم الشراء من شخص يفعل المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شرائي منزل من شخص أعلم أنه سيصرف ثمن هذا المنزل أو جزء منه في الحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل جواز شراء المنزل أو غيره من شخص يفعل المحرمات، ولكنه إذا تُحقق من أنه سيصرف ثمن هذا المنزل أو جزءاً منه لا محالة في الحرام، فإنه يتجه القول بمنع اشترائه منه، لدخول ذلك في إعانة العاصي على معصيته، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} ، أما إذا كان من عادته صرف بعض أمواله في المعصية، ولسنا متحققين من أنه سيصرف هذا المال بالذات في الحرام فلا حرج في الاشتراء منه، وإن كان الأولى المنع زجراً له وإنكاراً عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(12/319)
بيع الشاة الحامل وزيادة الثمن بسبب الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع الشاة أو الماعز الحامل، وهل يجوز الزيادة في ثمنها بسبب حملها عن ثمن الشاة غير الحامل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج في بيع الشاة الحامل، والثمن في هذا البيع حسب التراضي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في بيع الشاة الحامل ضأناً كانت أو معزاً، وإذا بيعت الشاة بيعاً مطلقاً دخل الحمل في البيع بالإجماع، جاء تكمله المجموع: إذا باع حاملاً بيعاً مطلقاً دخل الحمل في البيع بالإجماع.
وأما عن زيادة الثمن للشاة الحامل عن الشاة الحائل (غير الحامل) فهذا يعود إلى تراضي البائع والمشتري، فإذا تراضيا على ثمن ما فالبيع صحيح ولا شيء فيه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ {النساء:29} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(12/320)
حكم بيع السلعة بالسعر الذي ستصير إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المعاملة التالية: قام شخص بحجز معدة سعرها 100 ألف وذلك بدفع مقدم قدره 10 الآف وذلك بغرض الاتجار فيها، حيث إن موعد تسليمها متأخر وعندما يحين موعد التسليم يكون سعرها قد ارتفع إلى 110 ألف مثلا بالإضافة إلى أنه يكون هناك قائمة انتظار طويلة أيضا، فهل يمكن أن يستفيد هذا الشخص من السعر الجديد وكذلك فترة الانتظار الطويلة التى يمكن أن يوفرها على من يريد المعدة ببيعها بثمن أكبر من ثمن البيع الجديد (110) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز بيع السلعة قبل قبضها أو معاينتها، وأما بيعها بعد قبضها فإنه جائز بأي ثمن يتفق عليه الطرفان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أنك تسأل عما إذا كان يجوز للشخص أن يشتري سلعة معينة، ويدفع جزءاً مقدماً من ثمنها، ثم يبيعها قبل أن يقبضها، وإذا كان هذا هو ما تعنيه من سؤالك فالجواب أن السلعة إذا كانت طعاماً فإن بيعها قبل حيازتها ممنوع بالإجماع للحديث المتفق عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه. قال الإمام ابن رشد: وأما بيع الطعام قبل قبضه، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك، إلا ما يحكى عن عثمان البتي.
وإن كانت غير طعام فالراجح من أقوال أهل العلم أيضاً المنع، لعموم الأدلة التي تشمل الطعام وغيره، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك. رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن تبتاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.
وعليه.. فالواجب أن لا تبيع السلعة المشتراة إلا بعد قبضها من البائع، هذا إذا كان قصدك من السؤال هو على النحو الذي فهمناه.
وأما إن كان قولك: هل ممكن أن يستفيد هذا الشخص من السعر الجديد.. تقصد به مجرد السؤال عن جواز بيع السلعة بالسعر الذي ستصير إليه بعدما يرتفع ثمنها، فجواب ذلك أنه من الجائز بيعها بأي سعر يتفق عليه الطرفان ولو كان أكثر من سعرها بعدما يرتفع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1428(12/321)
تربية الحمام وبيعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بتربية أنواع من الحمام وبيعها بمختلف الأسعار حسب أنواع الحمام، ليس لأكل لحمها وإنما لحسنها وجمالها فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من تربية الحمام وبيعه لجماله فقد نص أهل العلم على جواز اتخاذ الحمام للاستعمال في المباح أو للزينة إذا لم يترتب على اتخاذه محرم خارج أو ضرر للآخرين، قال ابن مفلح: وأباح أحمد اتخاذ الحمام للأنس واعتبر أن تكون مقصوصة لئلا تطير فتأكل زروع الناس. وانظر للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 47156، والفتوى رقم: 45613.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(12/322)
حكم الربح من بيع المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الربح من خلال بيع القرآن الكريم في المكتبات أو المتاجرة به، وهل يجوز إعادة طباعة المصحف الشريف من أجل بيعه والربح من خلال بيع القرآن؟ وجزاكم الله عنا كل خير.. ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم بيع المصحف والراجح جوازه كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 22776، وعليه فإنه لا مانع من بيع المصحف والربح منه وإعادة طباعته لذلك، لكن ينبغي ألا يكون القصد من ذلك الربح فقط؛ بل ينبغي استحضار نية نشر المصحف وتيسير الحصول عليه، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 50824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(12/323)
حكم بيع رصيد الجوال
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن ميزة موجودة عندنا في شبكة المحمول وهي نقل الرصيد من رقم إلى آخر حيث يتم خصم قيمة من الشخص المرسل للرصيد، فهل يجوز للشخص الذي خصم منه القيمة أن يأخذ قيمة إضافية ثابتة (مهما كان المبلغ المنقول لغرض الكسب) على نقله للرصيد أم لا؟
مع أن هذا يعتبر في رأيي مثل بيع بطاقات تعبئة الرصيد حيث إنها تشترى بسعر وتباع بسعر أعلى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج أن يبيع الرجل شيئا من رصيده الذي في جواله لآخر ويرسله إلى جواله ويكون ما وصل إليه أقل مما أخذه منه لأن هذا بيع جزء من الرصيد وليس بيع مال بمال، ومثل ذلك بيع البطاقة التي تحمل قيمة معينة بأكثر منها كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 74820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1428(12/324)
لا حرج في إزالة الجزء الفاسد من المبيع إذا علم المشتري بذلك ورضيه
[السُّؤَالُ]
ـ[نتعامل في مجال تجفيف السمك وذلك وفق الطريقة التالية نقوم بقطع رأس السمكة وتشريحها الي عدة قطع وبعد التجفيف عندما نلاحظ أن لون إحدي هذه القطع غير جيد نقوم بقطعها ونترك الأخريات ونذهب بهم إلى الشركة لتصنفهم وتشتريهم من عندنا وإذا لم نقطع تلك القطعة التي تغير لونها فان الشركة سترفض السمكة التي بها القطعة المتغير لونها فهل يجوز هذا أم لا؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك هو أنكم بعد تشريح السمكة قد يظهر ببعضها تغير فتقطعونه وتبيعون بقيتها على الشركة، فإن لم تقطعوا المتغير فإن الشركة ترفض شراءها، فإذا كانت الشركة تعلم أن السمكة ليست كاملة وأنه قد قطع منها ما هو فاسد فهذا لا شيء فيه لأنكم قد أزلتم الفاسد من السمكة وأبقيتم الصالح، ولا غش في ذلك ولا إفساد للمال ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1428(12/325)
شروط قيام الموظف بشركة بعمل خاص من نفس نوع عمل الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بائعا فى إحدى الشركات والمنتج الذي نبيعه محجوز لمدة شهور قادمة لكثرة الطلب عليه، وسعره يتزايد من فترة لأخرى، طلب مني أحد الزبائن والذي له بضاعة جاهزة للاستلام أن أعرض هذه البضاعة للبيع لأي زبون آخر يحتاجها بسرعة لكن بسعر أعلى ومقابل عمولة لي، فهل يجوز لي أن أفعل ذلك بدون علم الشركة التي أعمل بها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبضاعة لا تملك إلا بقبض المشتري لها سواء كان هذا القبض بنفسه أو بوكيله، لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: إني أشتري بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم علي؟ قال: فإذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتى تقبضه. رواه أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره.
وعليه، لو وكلك مشتري البضاعة بقبضها وبيعها فقبضتها وبعتها فلا حرج، ولكن يشترط للجواز أن يكون ذلك في غير موقع الشركة وفي غير وقت دوامك، وراجع لذلك الفتوى رقم: 71869.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(12/326)
اشتراط البائع الثاني على المشتري أن يسدد ثمن السلعة للبائع الأول
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما هو الحكم الشرعى عندما يقول البائع للمشترى أبيعك الشيء الفلاني بشرط أن تقوم أنت -المشترى- بتسديد المبلغ، لأن البائع لا يملك مبلغ التسديد مثلا، مع العلم بأن السلعة في ملكية البائع ومن حقه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك هو أن شخصاً اشترى سلعة بالدين ثم باعها لآخر على أن يقوم بتسديد الثمن للبائع الأول، فإن كان كذلك فالبيع صحيح وعلى المشتري الثاني أن يقوم بدفع الثمن المتفق عليه للبائع الأول ولا يدخل هذا فيما روي عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن بيع وشرط، لأن الشرط المنهي عنه ما كان منافياً لمقتضى العقد أو شرط لعقد آخر كأن يقول بعتك سيارتي بشرط أن تؤجرني دارك ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(12/327)
عقد البيع الصحيح نافذ ولو لم يسجل في الجهات الرسمية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عرضت سيارتي للبيع وجاءني وسيط من شركة تقوم بشراء السيارات بالأقساط من دون دفعة، ومجال هذه الشركة في العقارات والحديد والسيارات والأسهم ولها سجل تجاري ولكن اشترط علي الوسيط أن نقوم بكتابة عقد بيني بينهم أنهم اشتروا السيارة بالأقساط بدون نقل الملكية حتى يتسنى بيعها في السوق كاش ليسهل بيعها بسرعة وهي لازالت باسمي في الاستمارة، ما الحكم في هذه البيعة؟
علما أني كلمت الشركة ليحولوا الملكية باسمهم حتى يذهب الشك. فأبلغوني أنهم عندهم فتوى بأن هذه المعاملة حلال.
أفتوني جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيع يصح إذا عقده المتبايعان ولو لم يسجل نقل الملكية عند الجهات الرسمية، فإذا بعت سيارتك لشركة ما بالأقساط أو بالكاش فيجوز لهم التصرف فيها بالبيع وغيره، ولكن الأولى أن يكتب ذلك أو يشهد عليه قطعا للنزاع. وراجع الفتوى رقم: 18980.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1428(12/328)
حكم استملاك النفايات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا شركات تقوم برمي النفايات مثل الأكياس الخاوية والبراميل الفارغة وبقايا الحديد وغيرها، فما هو حكم من يقوم بجمع هذه البقايا أو شرائها من عامل النظافة، أو شرائها من المسؤول المكلف بالشركة، علماً بأن المسؤول يقوم بإعطاء ترخيص كتابي مقابل عملية الشراء، وهذه النفايات عند عدم بيعها تقوم الشركة بردمها في التراب أو حرقها ونحن نستعملها في أغراض نفعية، وما هي الالتزامات التي يراعيها المشتري عند شراء هذه السلعة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يلقيه الناس يعتبر مباحاً لكل من يريد اقتناءه إذ لا معنى لإلقائه إلا ذلك، ومن وضع يده عليه أياً كان عامل نظافة أو غيره جاز له الانتفاع به بالبيع أو غيره، وإذا أرادت الشركة أن تبيعه عن طريق مسؤولها المكلف فلها ذلك، وعلى كل فيجب على من اشترى هذه الأشياء أن يوفي البائع الثمن المتفق عليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 46570.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(12/329)
التكييف الشرعي لعقد السلم الموازي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض البنوك تتعامل بما يسمى عقد السلم الموازي، يرجى إيضاح الموضوع وذكر مشروعيته من عدمها مع ذكر مثال إن أمكن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حقيقة عقد السلم وشروطه وأحكامه في الفتوى رقم: 11368.
أما السلم الموازي فهو أن يبرم العاقد صفقة شراء بالسلم، ثم يبرم صفقة بيع بالسلم دون ربط بينهما، ويعزم على أن ينفذ الصفقة الثانية مما يتسلمه من الصفقة الأولى، يقول فضيلة الدكتور علي السالوس: أما السلم الموازي فهو جائز، ففيه عقدان منفصلان، وهو ليس من مبتكرات المعاصرين كما يظن الكثيرون، فإن الإمام الشافعي ذكره حيث قال: من سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز، وإن باع طعاماً بصفة ونوى أن يقبضه من ذلك الطعام فلا بأس.
والمصرف الإسلامي يمكنه أن يستخدم هذا الأسلوب المعاصر، فهو بصفته مشترياً في عقد سلم أول يحصل على السلعة التي يريد المتاجرة بها في الوقت الذي يريده، فتنشغل بها ذمة البائع الذي يجب عليه الوفاء بما التزم به، كما أن المصرف يستفيد من رخص السعر؛ إذ إن بيع السلم أرخص من بيع الحاضر -غالباً- فيأمن بذلك تقلب الأسعار، ويستطيع هذا المصرف أن يعقد سلماً موازياً، فيبيع بعقد سلم جديد بضاعة من نفس النوع الذي اشتراه بالسلم الأول دون ربط بين العقدين، ونذكر المثال التالي لذلك: يوجد مصنع مصنوعات حديدية يحتاج إلى تمويل لشراء القضبان الحديدية اللازمة، ويحصل عادة على التمويل اللازم من البنك بالفائدة لأجل يمتد حتى تاريخ تسويق منتجاته. ففي مثل هذه الحال يقوم المصرف الإسلامي بعرض التمويل اللازم على أساس عقد السلم، فيأخذ مقابل التمويل المنتجات المصنعة من قضبان الحديد، وتبرمج مواعيد وأمكنة التسليم، ويتفق مثلاً أن يكون التسليم في ميناء التصدير أو سيف ميناء الاستيراد.
وفيما بين تاريخ إبرام العقد وتاريخ التسليم يمكن للمصرف الإسلامي أن يجري عقداً أو عقود سلم مع مستثمرين آخرين، يكون المصرف فيها في موقف المسلم إليه (البائع) ، حيث يلتزم بتوريد قضبان حديد مماثلة لقضبان الحديد التي أبرم عقد السلم عليها من المصنع، وذلك بشروط مماثلة لعقده مع المصنع أو بشروط معدلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(12/330)
بيع التقارير المالية عن الأسهم بين الجواز والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي في بيع التقارير المالية عن الأسهم ما عدا أسهم البنوك وشركات التأمين في البورصات الخليجية، التقارير المالية تشمل توقعات بانخفاض أسعار الأسهم أو ارتفاعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الذي يقوم بإعداد التقارير المالية أهل لذلك وبناها على خبرة ودراية ومتابعة للأسواق المالية فلا حرج عليه في بيعها ليستفيد منها غيره في الأسواق المالية، ولا حرج على غيره في شرائها لأن فيها نفعاً معتبراً، وأما إذا لم يكن الأمر كذلك بأن كان معد هذه التقارير ليس من أهل الخبرة، أو كان فيها كذب للإضرار ببعض الشركات مثلاً فلا يجوز لما في ذلك من الكذب والتزوير والإضرار بالآخرين، وكل ذلك محرم في الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1428(12/331)
حكم بيع خدمة الهاتف لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالاشتراك في خدمة الهاتف الثابت في منزلي ويوم أن قمت بإدخاله كان الاشتراك مجانا أما الآن فهو ب300 ريال وأنا الآن أريد نقله لصديق لي فاتفقت معه أن آخذ منه 150 ريالا مقابل نقله له فما حكم ذلك مع العلم بأنني إذا أرجعته إلى شركة الاتصال لن آخذ شيئا منهم وإذا قام صديقي بإدخال هذه الخدمة من شركة الاتصالات سيقوم بدفع 300 ريال فهل المبلغ الذي اتفقت عليه مع صديقي جائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاشتراك في خدمة الهاتف يعني ملك المشترك لمنفعة الهاتف، وسواء تملك هذه المنفعة مجانا أو بمقابل فإنه يجوز له الانتفاع بها لنفسه أو لغيره بعوض أو بدون عوض.
جاءت في الفروق للقرافي: وأما مالك المنفعة فكمن استأجر دارا أو استعارها فله أن يؤجرها من غيره.
ويشترط في جواز هذه المعاملة أن لا تعود بالضرر على شركة الاتصال، وألا يكون فيه إخلال بما تم الاتفاق عليه بين المالك الذي يريد بيع الخط وبين شركة الاتصال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(12/332)
حاجة البائع إلى البيع لا تؤثر على صحته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رجل عرض علي شراء أثاث بيته وقد قام ببيع أثاث بيته اضطرارا بسبب نقله لمكان آخر فقد كان مضطرا لبيع أثاث بيته لصعوبة نقله وعرض بيعه بثمن لم أرض به وأردت تقليل المبلغ فوافق على المبلغ الذي قلته لاحتياجه لبيع الأثاث وعدم وجود آخر بسهولة يشتري هذا الأثاث وتم البيع بالمبلغ الذي أردته، ولكن أنا أشعر أن هذا الرجل لم يرض إلى الآن بهذا البيع وأنه لم يوافق إلا لأنه مضطر إلى ذلك، وزوجي يقول لي إن البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وهو وافق ونحن في المجلس، ولكني كما قلت وافق لشدة حاجته وعدم وجود بديل عنا فما حكم ذلك؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الركن الركين لصحة عقد البيع هو التراضي، لقول الله تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ {النساء:29} ، ولحديث: إنما البيع عن تراض. رواه ابن ماجه وقال في الزوائد: إسناده صحيح.
وبالتالي فالبيع المذكور بيع صحيح ما دام البائع وافق على الثمن الذي عرضه المشتري عليه مختاراً ولو لم يك هذا الثمن هو الذي يطمح إليه، ومسألة حاجة البائع إلى البيع لا تؤثر على ما تقدم بيانه، إنما الذي يؤثر على البيع هو الإكراه، ولا إكراه هنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1428(12/333)
حكم المرابحة بغرض الصيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[المرابحة بغرض الصيانة أو عمل سايفون في المنزل حرام أم حلال، علماً بأن البنك يقوم بخصم الفائدة مقدماً والغرض من المرابحة ليس التجارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من السؤال أن الشخص يدخل مع البنك في عقد مرابحة شرعية يشتري فيه البنك مواد الصيانة وأغراضها ثم يبيعها على الآمر بالشراء بالأجل مع زيادة على ثمنها الحال، فهذا لا مانع منه بالضوابط الشرعية لعملية المرابحة، ومنها: أن يشتري البنك فعلاً هذه الأغراض ثم يبيعها للآمر بالشراء، وبشرط ألا يكون هنالك اتفاق على غرامة تأخير عند تأخر العامل في السداد.
وأما إن كان المقصود هو ما يعرف بالاستصناع الموازي ومعناه أن يقوم صاحب البيت بالاتفاق مع البنك على أن يقوم البنك بصيانة بيته وفق شروط ومواصفات محددة وتكون المواد من البنك وثمن ذلك كله يقسطه على صاحب البيت، وفي هذه الحالة قد لا يكون للبنك مقاولون تابعون له فيعمد إلى أن يتفق مع مقاول يتولى عنه تنفيذ ذلك المشروع بنفس الشروط أو بسعر أقل، فهذا العقد جائز، وهو بدل من البدائل الشرعية عن الربا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(12/334)
حكم بيع معدات قد تستخدم لعقارات تباع عن طريق بنوك الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأشخاص يعمل في مجال توزيع التزويدات الكهربائية (أسلاك، مفاتيح، أباريز، مصابيح ... ) وما إلى ذلك، جزء من هذه التزويدات (كالأسلاك ومفاتيح وغيرها) يستخدم في تجهيز شقق سكنية وهذه الشقق السكنية في غالبها تباع عن طريق البنوك الربوية، مع العلم بأن هذا الشخص يقوم بالتوزيع على المحلات بالجملة، فما حكم هذا التوزيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على هذا الشخص من العمل في مجال توزيع الأدوات الكهربائية لعموم قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275} .
أما ما ذكر في السؤال من أن بعضاً من هذه الأدوات التي توزع تباع لمحلات، وهذه المحلات تبيعها لمن يستخدمها في تجهيز شقق سكنية تباع عن طريق البنوك الربوية، فهذا الكلام لا يلتفت إليه، ولا تعلق له بمسألة العمل المذكور، ولو أن الأمر كذلك لفسدت أحوال الناس ولما جاز لأحد أن يبيع ويشتري، لأن كثيراً مما يباع ويشترى ينتهي به المطاف إلى ظالم أو مرابٍ أو فاسق، ولقد تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والمسلمون مع الناس جميعاً مسلمهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم بالبيع والشراء والإجارة مع علمهم أن من هؤلاء من يتعامل بالربا والعقود الفاسدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(12/335)
حكم البيع بعد الأذان للصلاة المفروضة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حكم البيع بعد الأذان للصلاة المفروضة فهل يصح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من البيع بعد الأذان لأوقات الصلوات غير الجمعة والبيع صحيح، لكن لا يجوز للرجل المسلم أن يشتغل بما يلهيه عن حضور الصلاة في الجماعة إن كان ممن تلزمه الجماعة، إلا إذا كاان معذوراً أو كان مضطراً، كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 28669، فالرجاء مراجعتها للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(12/336)
حكم تراجع المشتري بعد تمام البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في ميدان البرمجيات -صنع وبيع- أتاني حريفي وطلب مني أن أطلعه على برنامجي الخاص بالتصرف في مقاسات بيع الملابس، بعد عدة لقاءات أطلعت فيها الحريف على خصوصيات البرنامج، أبلغني بأنه قرر أن يشتري مني البرنامج وتم الاتفاق على السعر النهائي، ذهبت إلى مؤسسته ونزلت البرنامج على حاسوبه وأطلعته على طريقة استعماله، وبعد شهر رجعت مرة أخرى وأضفت عملا آخر وأعطاني وقتها مبلغا من المال: ربع المبلغ المتفق عليه في الأول، بعد مدة -حوالي شهر ونصف- اتصل بي الحريف وقال إنه لن يستعمل برنامجي لأنه اشترى برنامجا آخر وطلب مني أن أرجع له جزءا من المال بعد أن أطرح أجر الوقت الذي قضيته معه، هل يجوز لي أن أمتنع عن إرجاع المبلغ كاملا بما أنه قد قبل الشراء ثم تراجع أم أنا ملزم بإرجاع المال، أرجوكم أجيبوني على تساؤلي هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البرامج النافعة يجوز بيعها وتأجيرها لأنها صارت أموالاً متقومة تباع وتشترى، وعليه فإن بيع الأخ السائل برنامجه للحريف المذكور يعد بيعاً صحيحاً فيما يظهر، وتترتب على هذا البيع آثاره الشرعية، فيلزم البائع تسليم المبيع والمشتري تسليم الثمن كاملاً، وتراجع المشتري بعد تمام البيع لا يفسخ البيع ما لم يقيله البائع، والإقالة مندوب إليها شرعاً لحديث: من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة. رواه أبو داود.
وإذا أقال البائع المشتري مقابل مبلغ يتراضيان عليه فلا مانع، والاقالة في هذه الحالة بيع جديد، وراجع في هذا الفتوى رقم: 28056.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1428(12/337)
الحل الشرعي للشراء من النقابات بزيادة لأجل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الأردن أريد أن أبني بيتا ولا أملك المال الكافي للبناء فيوجد عرض عند نقابة المهندسين وهذا العرض هو أني أستطيع شراء مواد بناء بقيمة 20 ألف دينار على أن يتم السداد على مدار 10 سنوات 30 ألف دينار ويتم الشراء بأن آخذ المواد من محال البناء وأعطيهم فاتورة بقيمة المواد فيعطوني شيكا بقيمة الفاتورة وهكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يشترط لجواز هذه المعاملة أو هذا العرض المقدم من النقابة أن يتم شراء النقابة لهذه المواد، فإذا اشترتها وتملكتها جاز لها أن تبيعها عليك بالثمن المتفق عليه، وإن كان أكثر من ثمنها الحالّ، ولا بأس أن توكلك النقابة في شراء هذه المواد لها ثم تبيعها عليك كما تقدم.
أما أن تكون المسألة في حقيقتها هي أن تقوم النقابة بإقراضك المبلغ المذكور لترده بزيادة -طالت مدة التسديد-أو قصرت فهذا غير جائز لأنه ربا، وراجع للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 67785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1428(12/338)
حكم بيع القهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المنظور الشرعي في تجارة القهوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالسؤال هو عن حكم فتح مقهى، فقد تقدمت فتاوى بالضوابط الشرعية لهذه التجارة فيرجى مراجعتها تحت الأرقام التالية: 69992، 72991، 55495.
وأما إن كان المقصود هو السؤال عن حكم بيع مادة القهوة بأنواعها المختلفة فإنها تجارة مباحة إذا تمت بالضوابط الشرعية المعروفة في بيع كل مباح استعماله. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 15662.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(12/339)
حكم شراء السيارة بأقساط وبيعها للغير نقدا
[السُّؤَالُ]
ـ[شركة تقوم ببيع السيارات بالتقسيط كالتالي: يدفع المشتري مبلغا وقدره 5900 دينار دفعة أولى ومبلغ 200 دينار كرسوم للشركة (لا تدخل في ثمن السيارة) وباقي المبلغ يتم دفعه على أقساط قيمة كل قسط 60 دينارا شهرياً.. ويتم خصم الأقساط عن طريق المصرف مع العلم بأن سعر السيارة الإجمالي 15000 دينار وسعرها الحالى في السوق 12500 دينار ... فما الحكم فيها مع العلم أني أريد أن أبيعها فهل أشتريها وأبيعها أم أشتريها وأستخدمها أم أبتعد عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأخ السائل يشتري السيارة شراء صحيحا من الشركة الثمن بعضه معجل وبعضه مؤجل يدفع على أقساط شهرية فالمعاملة جائزة ولا مانع من أن يكون ثمن السيارة مقسطا أغلى من ثمنها حالا.
وأما مسألة الرسوم التي يدفعها إلى الشركة فلا إشكال فيها إذا كان ذلك بالتراضي، كما لا مانع أن يتم استيفاء الشركة للأقساط عن طريق المصرف.
المهم أن لا يكون المصرف هو الذي أقرض المشتري ثمن السيارة ليرده بفائدة، فإن كان كذلك فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة لأنها ربا وليس بيعا.
وفي حال كان البيع صحيحا كما تقدم فإنه يجوز للمشتري أن يبيع السيارة ويحصل على النقد فيما يعرف بمسألة التورق. وراجع معناها في الفتوى رقم: 24240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(12/340)
حكم شراء الطوابع الرسمية بأزيد من سعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء الطوابع التي توضع على المعاملات الرسمية من أشخاص بمبلغ أكبر من سعر الطابع الأصلي. وهل تعتبر هذه الطوابع مالا، لا يجوز بيعه أوشراؤه إلا بسعره المحدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاشتراء الطوابع هو عبارة عن اشتراء خدمة معينة، فمن اشترى طابعا بريديا مثلا، ووضعه على رسالة كان مستحقا أن توصل رسالته إلى الجهة يسمح ذلك الطابع بإيصال الرسائل إليها. ومن اشترى أحد الطوابع المشترطة لتوقيع ملف أو طلب أو وثيقة، كان مستحقا أن يوقع له طلبه ذلك أو ملفه. وقس على ذلك أي طابع مشترط لأية خدمة.
وإذا تقرر أن مشتري الطابع يعتبر مشتريا لخدمة فإن من ملك خدمة كان من حقه أن ينتفع بها بنفسه أو يحيل الانتفاع بها إلى غيره مجانا أو بعوض يتفق أو يختلف عن العوض الذي بذله هو فيها.
قال القرافي في أنوار البروق في أنواع الفروق: وأما مالك المنفعة فكمن استأجر دارا أو استعارها فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه ...
وفي مطالب أولي النهى للرحيباني قال: (ولمستأجر استيفاء نفع) معقود عليه (بمثله) ضررا كبدونه (بإعارة أو إجارة) ؛ لملكه المنفعة.. .
وبناء على هذا، فلا حرج في اشتراء الطوابع التي توضع على المعاملات بمبالغ أكبر من سعر الطابع الأصلي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(12/341)
جواز عقد المرابحة
[السُّؤَالُ]
ـ[نظراً لانفراد الحالات وأن كل حالة لها ضوابطها واختلافاتها فأرجو أن تبينو لي حرمة هذه الحالة أو أنها حلال وهي: أريد الاقتراض وفق مبدأ المرابحة الإسلامية (كما هو مفترض أن يكون في المؤسسة التي سأقترض منها) ، وذلك لشراء سيارة حيث إن الحاجة ماسة وتتلخص فيما يلي:
1- أن تنقلي وسفري أنا وعائلتي من منطقة إلى منطقة كثير وأقل فترة زمن للسفر هو 4 ساعات.
2- أن ما يحدث في وسائل النقل تلك (الوسائل العامة) هو محرج ويضعني في إحراج دائم لما يتلفظ به الشباب من ألفاظ أو تصرفات غير صحيحة أو ما تعرضه تلك الحافلات من أفلام.. إلخ.
3- زيادة التكاليف وكبر حجم عائلتي مما أعاني منه خلال تنقلي من مكان إلى مكان حيث لا أستطيع تركهم للحظة، وبناء على ما سبق أرجو أن تفيدوني، هل يمكن اقتراض مبلغ معين على أقساط (مثلا كان المبلغ 1500 ومن خلال هذه المؤسسة سيتم سداده على ثلاث سنوات بمبلغ 1750) ، فهل هذه الحالة وفق الخوف مما سبق هو ضمن نطاق الحلال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العقد الذي يريد السائل الدخول فيه هو عقد مرابحة للآمر بالشراء فإنه عقد جائز ولا يسمى قرضاً، سواء أراد السائل (الآمر بالشراء) الاحتفاظ بالسلعة، أو أراد من وراء ذلك بيعها والحصول على المال ليشتري به ما يشاء سيارة أو غيرها، وهذه هي مسألة التورق وجمهور أهل العلم على جوازها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 24240.
أما إن لم تكن المسألة مسألة بيع مرابحة وإنما هي قرض بفائدة، فإن ذلك غير جائز، وما ذكر من المسوغات للدخول في هذا القرض الربوي لا تصيره مباحاً، لأن الحرام لا يباح إلا في حالة الضرورة.
وراجع في حد الضرورة الفتوى رقم: 22567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1428(12/342)
حكم الجمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي وأنا بحثنا عن بنك إسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية حيث نعيش للاقتراض تفاديا للربا بغية شراء منزل إن شاء الله ووجدنا واحدا إذ سيدفع 95% من ثمن البيت وسندفع نحن 5% الباقية ويكون عقد شراء المنزل مشاركة بيننا, لكن مادمنا سنشغل البيت ونسكنه فالبنك (الشريك غير المستفاد من السكن بالمنزل) يشترط أن ندفع له إيجارا بسيطا مقابل ذلك إلى جانب مبلغ محدد لمدة محددة بدون فائدة لشراء حصته حتى يتسنى لنا امتلاك المنزل.
نود منكم فضيلة الشيخ أن تثبت لنا مدى شرعية هذه المعاملة ان كانت حلالا, أم تكون معاملة ربوية بطريقة غير مباشرة, وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أن البنك الذي سيكون شريككم في البيت بنسبة 95، يطلب منكم دفع إيجار محدد عن حصته من البيت، كما يريد أن يبيع لكم حصته بمبلغ محدد، يدفع مقسطا على فترة زمنية محددة.
فإذا كان تكييف الصفقة هو على هذه الحال التي ذكرناها فليس فيها من حرج؛ لأنها داخلة في عموم قول الله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا. ولأن الجمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة غير مضر لما بينهما من الاتفاق في الأحكام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(12/343)
حكم بيع البنك السيارة للعميل في مدة الخيار
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بشراء سيارة عن طريق المرابحة في مصرف إسلامي بالطريقة التالية:
1- قدمت للبنك مواصفات السيارة وسعرها.
2- قام البنك بعمل (عقد شراء مع شرط الخيار للمشتري فقط) مع الشركة على أن يتم سداد قيمة السيارة بعد أسبوع بحيث يمكن للبنك فسخ العقد قبل هذه المدة وإذا انتهت فإنه ملزم بسداد القيمة.
3- قمت بشراء السيارة من البنك بدفع دفعة أولى وتقسيط الباقي مع نسبة ربح محددة.
4- قام البنك بإعطائي إذن لتسلم السيارة من الشركة ثم دفعت مبلغ التأمين للشركة لتقوم بتأمينها لي حيث إن لديها مندوبا (يمكن أن أقوم أنا بتأمينها لكن فضلت الشركة من أجل السرعة) ونقلت الملكية، فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشترط لصحة بيع المرابحة للآمر بالشراء أن يقوم البنك بشراء السلعة وتملكها قبل أن يبيعها للعميل (الآمر بالشراء) فإن باعها له قبل أن تنتقل إلى ملكه كان بائعاً لما لا يملك، وهو بيع باطل؛ لحديث: لا تبع ما ليس عندك. رواه أحمد.
وأما بيع السلعة في زمن الخيار إذا كان للمشتري فإنه جائز، جاء في المغني لابن قدامة: وإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفاً ينقل المبيع كالبيع والهبة ... ونحوها لم يصح تصرفه ... إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه ويبطل خياره لأنه لا حق لغيره فيه، وثبوت الخيار لا يمنع تصرفه فيه؛ كالمعيب. انتهى.
وجاء في الإنصاف: فإن كان الخيار له وحده (أي المشتري) فالصحيح من المذهب نفوذ تصرفه. انتهى.
وعليه؛ فقيام البنك ببيع السيارة للعميل في مدة الخيار المشترط له لا إشكال فيه.
وننبه السائل إلى أن التأمين التجاري لا يجوز. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 472.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1428(12/344)
البيع بالتقسيط والبيع نقدا بسعر أقل
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أنا لدي جمعية تعاونية تتعامل بالتقسيط فقط السعر لدينا ثابت في بعض الأحيان يطلب مني شخص أن أبيعه بنقدي، فهل يجوز أن أبيعه بسعر أقل من التقسيط وهل توجد فتاوى في هذا المجال؟ جزاكم الله خيراً.. طلباً إضافه لذلك دعاءكم لنا بالنصر إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البيع بالتقسيط جائز وإن كان بثمن أعلى من ثمن الحال بشرط أن يتفق البائع والمشتري على الثمن في مجلس العقد ويمضيان البيع على ذلك، وقد تقدمت لنا فتاوى في هذا الموضوع راجعها تحت الأرقام التالية: 1084، 12927، 67515.
وإذا كان البيع بالتقسيط بثمن أكثر من ثمن الحال (النقد) جائزاً فإن بيع السلعة نقداً بثمن أقل جائز من باب أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1428(12/345)
حكم من اشترى شيئا وبقي عليه من ثمنه ثم باعه لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شقة للبيع باسم شخص بنيت عن طريق شركة بناء قيمة الشقة عند الشركة 38000 د ل
أخذت الشركة قرضا باسم الشخص من مصرف الادخار الاستثماري بقيمة 37100 د ل والفرق 900 د ل يدفعه الشخص أو الشاري للشركة حسب الاتفاق بينهم والشخص يرد حوالي1000 د ل مقابل التنازل للشاري ويتحمل الشاري القرض. ما صحة هذه البيعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكر فحقيقة هذه المعاملة لا تخرج عن صورتين:
الأولى: أن يكون الشخص صاحب الشقة قد اشترى هذه الشقة من الشركة بعد بنائها، واقترض من البنك المبلغ المذكور دون فوائد وسدده لهذه الشركة، وبقي عليه من ثمنها مبلغ 900 دينار ثم باعها لغيره، وهذه عملية بيع وشراء جائزة، إلا أنه يشترط أن يكون قد قبض هذه الشقة وحازها الحوز الشرعي قبل أن يبيعها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 60275.
الثانية: أن يكون قد عقد مع الشركة عقد استصناع لبناء هذه الشقة وسدد لها المبلغ الذي اقترضه من البنك وبقي لها في ذمته مبلغ 900 دينار ثم باع الشقة لغيره، وهذه معاملة جائزة حيث إن عقد الاستصناع عقد جائز، ولا يشترط فيه تقديم كل رأس المال في مجلس العقد، إلا أنه يشترط أن يكون البيع لغيره بعد القبض والحوز المعتبر شرعاً، كما تقدم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 8515.
وعلى كلا التقديرين سواء دفع هذا الشخص المبلغ المتبقي لهذه الشركة بنفسه أو دفعه شخص آخر اشترى منه هذه الشقة نيابة عنه فلا حرج في ذلك، وكذلك لا حرج في أن يبيعها للمشتري بأكثر مما اشتراها به أو بأقل سواء 1000 دينار أو غير ذلك، ويتحمل المشتري أقساط القرض، لأن حقيقة ذلك أن هذا الشخص أحال الشركة أو البنك على المشتري الذي اشترى منه هذه الشقة ليستوفيها حقهما مما له في ذمة المشتري من ثمن الشقة، وهذه حوالة مشروعة. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1427(12/346)
لا تمنع الاستخارة رد السلعة إذا كان بها عيب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قررت شراء "بالطو" يحميني من البرد القارس فاخترت واحدا واسعا فضفاضا لا يبدي ولا يشف..لكنني وحتى أكون مطمئنة صليت صلاة الاستخارة ودعوت ربي عاقدة النية إن كان فيه خير سيتم شراؤه وان لم يكن فيه خير فإنه لن يتم الشراء..وفعلا تم الشراء.. لكن وبعد أن قمت بتفحصه وجدت أن به عيبا في العنق.. فقيل لي إنه ليس فيه خير..لكني أقول أنه بما أن الشراء قد تم يعني أن فيه خيرا..لأن هذا ما استخرت فيه ربي..ويبقى الشك يراودني خاصة عندما قالت لي البائعة- التي لم أكمل لها الثمن 'برضاها'- يمكنني استبدال "البالطو" إن أردت.
أرجو منكم إفادتي..همي الوحيد أن أرضي ربي.
جزاكم الله خيرا وأدامكم في خدمة دينه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما فعلت من صلاة الاستخارة هو الصواب وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما هو مبين في الفتوى رقم: 971.
ولا تمنع الاستخارة رد البالطو المذكور إذا كان به عيب يوجب الرد، وقد بينا ذلك في الفتويين: 74562، 67021. وبإمكانك أن تطلعي عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما.
ولذلك فإن من حقك أن تستبدليه بغيره مما لا يوجد به عيب، كما هو مفصل في الفتاوى المشار إليها.
نسأل الله لك التوفيق لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1427(12/347)
شراء البطاقات الجمركية للسيارات هل يعد قبضا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بتقسيط السيارات حيث يأتيني الشخص الذي لديه مال ويريد استثماره عندي (مثلا مليون ريال) فأرسله إلى معرض معين للسيارات وأقول له اشتر بالمليون ريال بطاقات جمركية لسيارات جديدة ثم أقوم بشراء هذه البطاقات منه بمبلغ مليون ومائتي ألف ريال مثلا على أن أسدد المبلغ بأقساط معلومة وبآجال معلومة ثم أقوم بدوري ببيع هذه البطاقات بأقساط معلومة وآجال كذلك معلومة إلى شخص آخر بمبلغ مليون وخمسمائة ألف ريال ويقوم هذا الشخص الآخر ببيع البطاقات إلى نفس المعرض الذي خرجت منه البطاقات ولكن بمبلغ أقل أي مثلا تسعمائة ألف ريال ليحصل هذا الشخص الأخير بذلك على النقد. علما بأن السيارات التي تمثلها هذه البطاقات لم تخرج أصلا من المعرض ولم يرها أحد من المتعاملين لا أنا ولا المشترين لهذه البطاقات مع العلم بأن هذه السيارات موصوفة وصفا دقيقا بهذه البطاقات فهل هذا النوع من البيوع جائز أم لا؟ مع ملاحظة أن المعرض يعلم سلفا بأن هذه البطاقات ستؤول إليه مرة أخرى بالشراء وأن السيارات لن تخرج من مكانها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعاملة المذكورة اشتملت على مسائل:
الأولى: حكم بيع السيارات بدون قبض حسي لها والاكتفاء بمجرد شراء البطاقة الجمركية فهل يعد هذا قبضا وبالتالي يجوز بيع وشراء السيارات الموصوفة في هذه البطاقات أم لا؟
الجواب: أنه إذا كانت هذه البطاقات تصف السيارات وصفا مطابقا للواقع فإن قبض البطاقة يعد قبضا للسيارة باعتبار التخلية قبضا شرعيا، ولو بقيت السيارة في مكانها عند البائع إذا رفع يده عنها وخلى بين المشتري وبينها.
المسألة الثانية: إذا قلنا أن قبض البطاقة قبض للسيارة فإنه يجوز للمشتري الأول أن يبيعها للثاني بالنقد أو بالأجل بثمن أكثر من ثمنها حالا ثم إذا قبض الثاني البطاقة جاز له كذلك أن يبيعها للثالث بالنقد أو الأجل بأكثر من ثمنها حالا.
المسألة الثالثة: بيع المشتري الثالث البطاقات للبائع الأول بثمن أقل مما باعها به أولا لا مانع منه، وهذا البيع وإن كان يصدق عليه أنه بيع عينة لعودة عين المبيع إلى بائعه إلا أنه من العينة المباحة، والمحذور في العينة هو السلف الذي يجر منفعة، وذلك عندما يبيع البائع السلعة بالأجل ثم يشتريها منه المشتري بثمن حال أقل، وفي الصورة موضوع السؤال لا يوجد المحذور المذكور لأن البائع الأول المعرض باع السيارات نقدا بأقل مما باعه به فالمحذور وهو سلف جر منفعه منتف هنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1427(12/348)
بيع المرابحة المنضبط بضوابطه الشرعية جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بشركة في إحدى دول الخليج وأريد شراء سيارة عن طريق التمويل من بنك إسلامي ونظام هذا البنك أن يختار العميل السيارة ويقوم البنك بشرائها له من البنك نفسه ويكون التسديد بمعدل فائدة معينه فهل شراء السيارة في هذه الحالة يجوز أم يدخل هذا التمويل تحت بند الربا ... ؟!! وشكرا وجزاكم الله عن السائلين عن أمور دينهم خيرا كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيع المرابحة للآمر بالشراء والذي تجريه البنوك الإسلامية بيع جائز إذا انضبط بالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 45858.
ولا يضر أن تكون السلعة المراد شراؤها عند البنك أو عند غيره، المهم أن يتملكها البنك قبل أن يبيعها للعميل حتى لا يبيع ما لا يملك، وفي الحديث: لا تبع ما لا تملك. رواه احمد، وإذا التزم البنك بالضوابط الشرعية في هذه المعاملة فإنه لا حرج أن يبيع السلعة تقسيطا بثمن أعلى من سعرها حالا لأنه قد علم أن للزمن حصة في الثمن، وهذا ما تقتضيه قواعد الشرع وتتحقق به مصالح الأنام، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 78601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1427(12/349)
المبيع يؤول لمن بيع له
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الأفاضل / عضو مجمع البحوث الإسلامية:
أفتونا أفادكم الله في والد ترك منزلا من ثلاثة أدوار كتبه بيعا وشراء لأولاده الثلاثة من زوجته الأولى (رجلان وامرأة) تم بناء هذا البيت حتى الدور الأول من مال الأب واستكمل بناءه الأولاد حتى الدور الثالث من مالهم الخاص ومن معاش الأم المتوفاة ومن عملهم وبعد وفاة الأم بعام تزوج من زوجة أخرى وأنجب منها بنتا ترك لها بعد وفاته شقة إيجار ومعاشا من التربية والتعليم كما كتب لها مبلغا في البنك وأجهزه كهربية تقدر قيمتها ب 15 ألف جنيه ومن ناحيتي أنا قمت بعمل وديعة مالية باسم البنت قيمتها 5 آلاف جنيه إبراء لذمة والدي رحمه الله والسؤال هل على والدي إثم في ذلك؟ علما بأنني كما ذكرت آنفا أن البيت قد تم بيعه وتسجيله لنا قبل أن يتزوج وينجب هذه البنت. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما جرى من البيع والشراء للبيت مجرد كتابة لا يقصد بها حقيقة البيع، وإنما يقصد بها تخصيص بعض الورثة بالبيت، فإن هذا لا يعتبر شرعا ولا يجوز لأنه تحايل لأخذ حقوق الغير، وعلى أولاد هذا الرجل أن يرجعوا نصيب الأب من البيت إلى عموم التركة ليقسم معها على جميع الورثة.
فإن العبرة في الشرع بالحقائق والمضامين لا بالأسماء والعناوين.
أما إذا كان البيع جرى على الحقيقة وتم بالفعل فإنه يعتبر ماضيا في الشرع ولو لم تكتب وثيقة.. وسواء تم ذلك قبل زواج الأب وإنجابه أو بعده فلا عبرة بذلك كله مادام البيع جرى على الحقيقة وفي حال أهلية الأب للتصرف. والقصد بالكتابة مجرد التوثيق وقطع النزاع. وبذلك يعتبر المنزل ملكا لمن بيع لهم، وعليهم أن يدفعوا ثمنه فيرد إلى عموم التركة ليقسم معها على جميع الورثة إذا لم يكونوا دفعوه لأبيهم في حياته.
وأما ما تركه الأب من معاش وغيره فلا تختص بها البنت وحدها دون غيرها من الورثة، بل يكون ذلك كله تركة يقسم على جميع الورثة كل حسب نصيبه المقدر له في كتاب الله تعالى، ولا يجوز للأب تخصيص بعض الأبناء بما ترك أو بعض الورثة دون بعض؛ لأن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه، كما لا يجوز له تفضيل بعض الأبناء على بعض في العطية على الراجح من أقوال أهل العلم، وإذا وقع التفضيل بدون مبرر شرعي فإنه يرد. وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 6242.
ولا مانع أن يقتسم الأولاد تركة أبيهم قسمة مراضاة إذا كانوا رشداء بالغين، ولو حصل لبعضهم غبن فيها إن كان ذلك برضاه وطيب نفسه، وانظر الفتوى رقم: 48772.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 19637، 67015، 66272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1427(12/350)
حكم الزيادة على ثمن السلعة للأجل
[السُّؤَالُ]
ـ[تاجر يبيع مواد بطريقة البيع الآجل ويتم الاتفاق مع المشتري على مدة السداد ويزيد السعر بزيادة مدة السداد، ولكن هناك بعض المشترين من يماطل في الدفع وتزداد مدة السداد، فهل يجوز زيادة السعر المتفق عليه بما يتناسب مع مدة السداد الجديدة في الحالات التالية:
1- المشتري قادر على السداد، ولكنه يماطل ويرغب البائع في الزيادة بما يتناسب مع مدة السداد.
2- المشتري غير قادر على السداد في المدة المحددة ويرغب في الاتفاق مع البائع على زيادة السعر المتفق عليه مقابل زيادة مدة السداد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيع بالدين جائز شرعاً، كما يجوز أن يتفق البائع والمشتري على أن ثمن السلعة بكذا نقداً، أو بكذا ديناً وإن بزيادة على ثمنها نقداً، ويمضيان العقد على أحد الثمنين فيقول المشتري قبلت بكذا نقداً، أو قبلت بكذا ديناً، ويمضي البيع بدون جهالة الثمن، أما إن قال البائع للمشتري هو بكذا نقداً وبكذا ديناً، ويقع العقد قبل تحديد أي الثمنين يختار فهذا غير جائز لجهالة الثمن، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعه. رواه أبو داود والترمذي.
قال الخطابي: وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعه على وجهين: أحدهما: أن يقول بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة أو نسيئة (ديناً) بخمسة عشر، فهذا لا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع.
وعليه، فإذا وقع العقد على الثمن الآجل، ثم عجز المشتري عن السداد أو ماطل مع القدرة، فلا يجوز للبائع أن يزيد في الثمن مقابل زيادة الأجل، فهذا الفعل هو نفسه فعل أهل الجاهلية، إذ يتعاملون بالربا فيما بينهم، وجاء القرآن بتحريمه وإعلان الحرب على المتعاملين به، وسواء كان برضى المدين أو بدون رضاه،فالحرام لا يحله تراضي الطرفين عليه، وليس أمام البائع إلا أن ينظر المعسر ويقاضي المماطل القادر ليأخذ حقه دون زيادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(12/351)
حكم بيع التلجئة
[السُّؤَالُ]
ـ[ممكن أن اشتري أرضا في المخطط العام هي ضمن الأراضي المستهدفة من قبل الدولة لإقامة منشآت عامة (كحديقة مثلاً) ولأن ثمنها سيكون زهيداً وبعد ذلك بمساعدة شخص مسؤول نقوم بإعفائها من المخطط ونقوم ببيعها بثمن غال، فما هو حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد بالأرض المستهدفة من قبل الدولة الأرض التي صودرت أو في طريقها إلى أن تصادر فإنه ينظر في هذا البيع، فإن كان مقصوداً من قبل البائع والمشتري ولم يكن بيع تلجئة فالبيع صحيح بالثمن الذي يتراضيان عليه، أما إن كان بيع تلجئة وهو أن يخاف صاحب الأرض أو الدار ونحو ذلك ظالماً أو سلطاناً فيتفق مع آخر على أن يبيع له الأرض أو الدار في الظاهر ولا يكون بيعاً في الحقيقة حتى يحتمي بالمشتري من الظالم أو السلطان، فهذا البيع لا يصح لأن البائعين هنا كالهازلين، فالبيع غير مقصود لهما، والقصد معتبر في صحة البيع، جاء في المغني لابن قدامة: فصل: بيع التلجئة باطل وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي هو صحيح ... ومعنى بيع التلجئة أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ملكه فيواطئ رجلاً على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحتمي بذلك ولا يريدان بيعاً حقيقياً. انتهى.
هذا وإذا صح البيع المذكور فإنه لا مانع من أن يسعى المالك الجديد للأرض في تخليصها واستثنائها من المصادرة لأنه يسعى في دفع الضرر عن ماله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(12/352)
بيع المأكولات للعصاة والكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في المملكة المتحدة، وهناك أمر أود أن تفتوني فيه إن أمكن ... يوجد لدينا وكما هو في بلداننا العربية ما يسمى بمحلات الوجبات السريعة التي تبيع الساندوتشات والكباب وغيره. وهناك عدد من المسلمين الذين يمتلكون مثل هذه المحال، وفي الحقيقة فإنهم يبيعون اللحم الحلال ولذلك فإن هذا ليس موضع سؤالي. بل سؤالي يذهب إلى أمر آخر،وهوأن هذه المحال (وأخص منه محال الكباب أو ما نسميهtake away shop) ، تفتح أبوابها من الساعة الرابعة مساء وحتى الساعة الثالثة إلى الرابعة صباحا، ومنذ الساعات الأولى من عملها وحتى ما بعد الحادية عشرة ليلا يكون بيعها قليل جدا جدا، ثم يبدأ البيع يرتفع ليصل إلى أعلى مستوياته ما بين الساعة الثانية والثالثة فجرا وذلك بفضل الزبائن الخارجين للتو من الخمارات (البارات) والنوادي الليلة الذين يكونون مخمورين يبحثون عن شيء يأكلونه وتاكسي ينقلهم لبيوتهم. فأصحاب هذه المحلات يعرفون أن الغالبية العظمى من زبائنهم هم من السكارى الذين قضوا ليلتهم في اللهو والرقص والخمر والمنكرات، الباحثين عن لقمة يأكلونها بعد فعلهم لكل ما فعلوه. حتى إن منهم من يترنح ويتقيأ من شدة الخمر. فيدخل لدكان الكباب ليطلب ما يشتهي من مأكل ويدفع مقابله وقد يأكله في الدكان نفسها أو يأخذه معه ليأكله أينما شاء. حتى أن كثيرا من أصحاب تلك المحلات يتقصد ويتعمد إنشاء محله بجانب الخمارة أو النادي الليلي لضمان العدد المرتفع من الزبائن رواد تلك الأماكن السكارى. فهل إنشاء مثل تلك المحلات وعملها والعمل بها حلال أم حرام؟ وألا يعتبر ما تقوم به تلك المحال هو من باب إعانة للعصاة على عصيانهم من خلال تسهيل الأمر عليهم بتوفير شيء يأكلونه بعدالجوع الذي يصيبهم من الخمر والرقص والسهر؟ وكذلك ما هو حكم تعمد إنشاء مثل هذا النوع من المحال بجانب الحوانيت والنوادي الليلية؟
أفتوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معاملة المسلم للكفار والعصاة بالبيع والشراء جائزة في الأصل إن لم يبع لهم شيئا محرما كالخمر والميتة، أو يعاملهم معاملة محرمة كالتعامل بالربا أو القمار، ويدل لهذا معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته لليهود وهم يعلمون أنهم يأكلون الربا والسحت، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير كما في البخاري، وقد استعار من صفوان بن أمية أدرعا وهو لا يزال مشركا، وقد أجر كعب بن عجرة نفسه ليهودي، ولا شك أن التورع عن التعامل مع هؤلاء أحوط ولكنه جائز في الأصل، ويتعين على من علم حالهم أن يسعى في هدايتهم ويستخدم في ذلك ما أمكن من الوسائل المشروعة، فيعير هؤلاء الزبناء بعض الرسائل والأشرطة المفيدة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3545، 52614، 76270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(12/353)
أحكام تتعلق بشراء بضاعة من مجتمع تنتشر فيه السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل حوالي ثلاثة أشهر طلبت من أحد أقاربي الذين يعيشون في الولايات المتحدة أن يشتري لي جهاز كمبيوتر محمول (مستعمل) لأنني علمت أنه يحضرها بأسعار زهيدة وأنه يشتريها من الزنوج (السود) ،
لكن بعدما اشتراه سمعت من البعض أن هذه الأجهزة تكون مسروقة لذلك تباع بسعر زهيد (وكما فهمت منه فإن هذه التجارة شائعة في تلك البلاد، خاصة لو عرفنا أن 600000 جهاز مماثل تسرق سنويا في الولايات المتحدة) فأردت أن أتأكد من السعر الأصلي عبر موقع الشركة على الإنترنت.
السعر الذي حصلت به على الجهاز هو 300 دولار وهو من نوع قديم نسبيا صنع عام 2004 أي قبل سنتين، وهيئته تظهر بوضوح أنه مستعمل وليس جديدا. والأجهزة التي تماثل مواصفاته تتراوح أسعارها بين 450 و 600 دولار (جديدة) لذلك رأيت أن سعره طبيعي كونه مستعملا،
ما أود معرفته هو في حالة كون هذا الجهاز مسروقا وكما أوضحت لا يمكنني أن أصل لصاحبه، فما المخرج الشرعي في هذه الحالة خاصة أنني لا يمكنني إعادة الجهاز لقريبي لأنني أنا من طلبت منه إحضاره؟
وفي حالة أنني قررت التصدق بثمنه فهل أتصدق بكامل ثمنه أم بنصفه على اعتبار أنني اشتريت الجهاز بسعر يقارب نصف سعره الأصلي أو أكثر قليلا؟
أرجو منكم التكرم بالإجابة لأنني أستخدم هذا الجهاز في عملي الذي أكسب به رزقي، لذلك أنا حريص على أن يكون مالا طاهرا بعيدا عن الحرام،
لذلك وقعت في حيرة من أمري ولا أعلم ماذا أفعل فقد اشتريت الجهاز وما كان كان فما العمل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الظاهر أن ما بيد الإنسان ملكه، فإذا لم يكن عندك علم بدفع هذا الظاهر فلا داعي لهذه الحيرة التي وقعت فيها بسبب شراء قريبك لهذا الجهاز من ذلك الشخص، وإن كانت السرقة منتشرة في هذا المجتمع ولهذه الأجهزة فقد نص أهل العلم على جواز الشراء ممن في ماله حرام وحلال كالمرابي ما لم يعلم أن المبيع من الحرام عملا بالظاهر المشار إليه في الجواب، وفي حال علمت أن هذا الجهاز مسروق فالحكم الشرعي أن يرد هذا الجهاز إلى صاحبه ويعود المشتري بالثمن على السارق، فإن عجز عن رد المسروق تصدق بثمنه كله وانتفع بالجهاز.
وقولنا: بثمنه كله مراد بأنه هو الثمن الذي بذله المشتري فعلا. وراجع للمزيد الفتوى رقم: 22890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(12/354)
بيع السلعة بعد استقرارها في ملك البائع
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق وسألتكم سؤالاً تحت عنوان:"هل يجوز البيع بهذه الطريقة أم لا؟ ولم أحصل على جواب والسؤال هو بيع سيارة بهذه الطريقة وهي: شراء سيارة من ألمانيا من أخي الذي اشتراها بدوره من شخص آخر يعرضها للبيع عنده بالأمانة ليبيعها لصاحبها الذي لم يكمل بعد أقساط السيارة إلى الشخص الذي اشتراها منه أول مرة. وأنا بدوري بعت السيارة لصاحب معرض لبيع السيارات في بيروت وصاحب معرض بيروت أخذ عربوناً من سيدة تريد شراء هذه السيارة، فما حكم البيع؟
مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في هذه البيوع التي أجريت على تلك السيارة، طالما أن أي بائع لها لم يبعها قبل استقرارها في ملكه.
فكون البائع في بعض ما ذكرته كان قد باع وهو ما زالت عليه بعض الأقساط لا أثر له في صحة البيع، وإنما الذي يُؤَثِّر في ذلك هو أن يبيع المرء السلعة قبل أن تستقر في ملكه، لحديث حكيم بن حزام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك. رواه الترمذي والنسائي وأحمد.
هذا فيما قبل البيعة التي كانت بين صاحب معرض بيروت وبين تلك السيدة التي قلت إنه قد أخذ منها عربونا. فبيع العربون قد اختلف فيه أهل العلم، وجمهورهم على فساده لما رواه أحمد والنسائي وأبو داود عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان. والعربان بضم العين هو العربون. وذهب الحنابلة إلى إباحته. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 5387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(12/355)
البيع عن طريق التلفاز.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البيع عن طريق التلفاز؟ انتشرت الشركات التي تعرض منتجاتها عن طريق التلفاز ويكون العرض مغريا جدا ويحددون السعر ورقم تليفون لطالب المنتج ثم يذهب المندوب إلى المنزل يأخذ الثمن ويعطيه المنتج ولا يحق للمشتري أن يرفض البيعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيع والشراء قائمان على التراضي، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء:29} . فكل بيع كان عن تراض من المتبايعين جائز إلا بيعا حرمه الله ورسوله. والرضا هو قصد الفعل دون أن يشوبه إكراه. وبما أن الرضا من المتبايعين يمكن حصوله عن طريق التلفاز أو غيره من الوسائل المستحدثة، فإن العلماء المعاصرين جعلوا إبرام العقود عن طريق هذه الوسائل صحيحا بدليل جواز التعاقد بالرسالة والكتابة، مع أن كلا من المتعاقدين بعيد عن الآخر لا يراه ولا يسمع صوته.
بل إن انعقاد العقود بالوسائل الحديثة أولى بالجواز من انعقادها بالرسالة والكتابة.
وأما قولك: ولا يحق للمشتري أن يرفض البيعة، فإن كان معناه أنه لا يحق له رفضها إذا وجد المبيع على الصفة التي عاينها على الشاشة، ولم يكن فيه عيب، فهذا البيع -حقيقة- قد انعقد وليس من حق المشتري رد المبيع إلا بإقالة من البائع.
وإن كان معنى العبارة أنه ليس له رد المبيع ولو وجد فيه عيبا لم يعلم به أثناء المعاينة والشراء، فهذا غير صحيح، ومن حق المشتري إن وجد عيبا في المبيع أن يرده به.
قال ابن قدامة رحمه الله: متى علم بالمبيع عيبا لم يكن عالما به فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواء كان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(12/356)
ضوابط التورق بين البنك والمشتري
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج بعض المال لإكمال شراء منزل في بلدي ذهبت إلى فرع إسلامي لأحد المصارف الربوية وقد استفسرت عن أن إدارة هذا البنك منفصلة عن باقي الفروع الأخرى وأنه يدار بطريقة إسلامية، وعن طريقة التمويل قالوا إنهم يقومون بشراء بضاعة وبيعها ومن ثم يوضع المبلغ المعين في حسابك وذلك كله يقوم به البنك. ويأخذون سعرا محدا مثال ذلك سبعة بالمائه. فما هو مدى مشروعية ذلك في الدين. هذا المصرف في دولة قطر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه بداية إلى ضرورة تحقق الضوابط الشرعية لجواز التعامل مع فرع إسلامي لبنك ربوي والتي ذكرناها في الفتوى رقم: 41842، وبالنسبة للسؤال المطروح فإذا كنت تقصد أن البنك سوف يبيع لك بضاعة بالأجل بثمن معلوم على أقساط ثم يتوكل عنك في بيعها وإيداع ثمنها في حسابك فهذه المعاملة داخلة فيما يعرف في الفقه الإسلامي بالتورق، ومعناها أن المشتري لا يقصد بشرائه السلعة الانتفاع بذاتها وإنما يقصد الحصول على الورق (النقد) وهذه المعاملة مختلف فيها، والراجح لدينا هو جوازها إذا انضبطت بالضوابط الشرعية، وإن كان الأحوط تركها، وهذه الضوابط الشرعية هي ما يلي:
أولا: أن يكون البنك مالكا لهذه البضاعة حائزا لها الحوز الشرعي، وأن تراعي الشروط اللازمة لجواز البيع بالتقسيط. وراجع لذلك الفتوى رقم: 46847، والفتوى رقم: 1084.
الثاني: أن يكون المشتري الثاني الذي سوف يشتري البضاعة منك غير البنك وإلا كان ذلك من قبيل بيع عينة، وهو أيضا محرم وراجع الفتوى رقم: 13383.
الثالث: ألا يكون هناك التزام من البنك ببيع هذه البضاعة لمشتر آخر لأن ذلك يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعا، جاء في قرار مجمع الفقه: التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعا، سواء أكان الالتزام مشروطا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
الرابع: في حالة بيع هذه البضاعة لمن اشتراها البنك منه يشترط ألا يكون هناك مواطأة بينكم على إرجاع البضاعة إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك إذا اتفقا على المعاملات الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه قناعا بقدر المال فاشتراه المعطي ثم باعه للآخر إلى أجل ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجعل فهذا أيضا من الربا الذي لا ريب فيه.
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 22172، 12934، 24240، 46179، وإذا تحققت الضوابط الشرعية التي سبقت الإشارة إليها فلاحرج أن يتقاضى البنك النسبة المذكورة مقابل التوسط في بيع هذه البضاعة بعد تملكك لها بالثمن المعلوم لمشتر آخر ووضع ثمنها في حسابك، وراجع الفتوى رقم: 72048. والفتوى رقم: 66911.
وأما إذا كنت تقصد أن البنك يأخذ نسبة السبعة في المائة مقابل ربحه من بيع البضاعة أولا لك وبيعها ثانيا نيابة عنك لغيرك ووضع ثمنها في حسابك؛ فإن هذه المعاملة لا تجوز لما فيها من جهالة ثمن البضاعة. كما يخشى أن تكون عملية التورق في هذه الحالة مجرد عملية صورية يحتال بها على القرض الربوي. وراجع لذلك الفتوى رقم: 46179.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(12/357)
حكم بيع الشخص حصته من الوقود في السوق السوداء
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب من فضيلتكم أن تزودوني بالجواب الشافي، أنا عراقي وأعيش في العراق في قضية وقود السيارات، الوقود في محطه الوقود بسعر ثابت تقريبا بـ (180دينارا) ، أما سعره في السوق السوداء يتراوح بين (750 دينارا -1000 دينار) ، السؤال هو: هل يجوز بيع الوقود في السوق السوداء عندما نستلمه من محطة الوقود حسب حصة المركبة الواحدة الحصة محددة لكل فرد يملك سيارة وهي (40 لترا) ، علما بأن فرق السعر كبير، وهذه الحالة منتشره في بلدنا الجريح، فأرجو من فضيلتكم أن تردوا علي سؤالي؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي النظر إلى هذه القضية من منظور المصلحة والمفسدة، فإذا كان بيع الوقود في السوق السوداء يؤدي إلى حصول ضرر بالناس في بلدكم فيمنع لحديث: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه.
أما إذا كان لا يؤدي إلى ذلك فلا نرى مانعاً من أن يبيع الشخص حصته منه لمن شاء بالثمن الذي يتراضى عليه الطرفان, ولو كان سعر البيع بثمن أعلى بكثير من ثمن الشراء، فإنه لم يرد في الشرع تحديد للربح لا تجوز مجاوزته، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يكون جشعاً أنانياً لا يهمه في تجارته إلا الجانب المادي فقط، وإنما يجب أن يكون الجانب الخلقي والإنساني في صدارة اهتماماته، وفي الحديث: رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع, وإذا اشترى, وإذا اقتضى. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(12/358)
حكم التنازل عن حق لقاء مال
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الشركات الاستثمارية لبناء المساكن وزعت بطاقات للحصول على سكن، فأنا اشتريت هذه البطاقة من أحد لا يحتاج إليها بمبلغ معين، لأن البطاقات نفدت وفي نفس الوقت شقيقتي حصلت عليها عن طريق الواسطة مجاناً، رغم أنها أغنى مني بكثير، فما حكم الشريعة في ذلك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نفهم مراد السائل من سؤاله على وجه دقيق, ومع ذلك فإننا نقول: إنه لا مانع من التنازل عن هذه البطاقة مقابل مبلغ من المال؛ لأن حقيقتها أنها حق متمول للمشترك فيجوز له المعاوضة عليه، ولعل من نظائر ذلك عند الفقهاء المتقدمين ما ذكروه من جواز النزول عن الوظائف مقابل مال، ومن جواز بيع المرأة نوبتها من ضرتها أو من زوجها، كما في بلغة السالك: وجاز شراء يومها منها بمال أو منفعة, وهذا من باب إسقاط حق واجب في نظير شيء لا بيع حقيقي. انتهى.
ويقول ابن رشد في شخص يقول لآخر يسوم سلعه: كف عني ولك دينار، إن ذلك جائز, ويلزمه دينار اشترى أو لم يشتر. انتهى.
قال ابن عبدوس: لا إشكال فيه لأنه عوض على ترك، وقد ترك. انتهى.
وهنا صاحب البطاقة المستحق للشراء في هذا المشروع تنازل لآخر بمقابل فلا مانع.
وأما عن الحصول على هذه البطاقة مجانا عن طريق الواسطة لدى المسؤولين عن تلك الشركة، فجواز هذا العمل يشترط فيه ألا يكون الحاصل عليها مستوليا على حق غيره عن طريق الوساطة أو الرشوة, كأن يستحقها آخرون فيأتي هذا الشخص ليخرجهم عن هذه الاستحقاقات بهذه الطريقة أو تلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(12/359)
حكم شراء قطع غيار غير أصلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت أن أسأل عن حكم شراء قطع الغيار المقلدة (غير الأصلية) للسيارات. هل يجوز شراء هذه القطع التي تبيعها بعض الورش وتكون أرخص بكثير من القطع الأصلية التي توفرها الشركة المصنعة للسيارة أو الشركات المرخصة لذلك؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يوجد ما يمنع من شراء قطع غيار غير أصلية "تجارية" ما لم تكن هذه القطعة مزورة، بمعنى أن تزور العلامة التجارية أو الاسم التجاري فيكتب على قطعة غيار غير أصلية وتباع على أنها أصلية فهذا غير جائز لأن فيه تعديا على حق الشركة في العلامة والاسم التجاريين، وهما حقان ماليان معتبران؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 73512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(12/360)
حكم الشراء من آخر مما كان قد اشتراه بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم أريد أن أسأل ما حكم الدين في شراء عقار من شخص قد بناه بقرض ربوي مع العلم أن الشخص قد أخذ كل القرض وقد حدد لي المبلغ جزءا منه يريده هو أما الجزء الآخر يسدد للمصرف كمستحقات إما بالتقسيط وإما إعطاء المبلغ كاملا للمصرف طبعا مع العلم أيضا أن القرض يرد كأقساط وأن كل قسط له فوائد يدفعها هذا الرجل ويترتب علي نفس الشيء لو أردت رد الجزء الباقي كأقساط أو دفعته مره واحدة وقد قال لي الرجل على سبيل المثال المبلغ الإجمالي هو مائه ألف دولار وأني يجب أن أعطي الرجل -ستين ألفا أما المصرف فيريد أربعين ألفا أي إذا حسبنا ما أخذه الرجل من المصرف أقل من هذا المبلغ وأنا أردت أن أشتري من الرجل وجزء من المبلغ الباقي أدفعه أقساطا للمصرف وهو مبلغ محدد للتتم عمليه الشراء فهل ذلك يجوز أم أني في هذه الحاله أدخل في خانة الربا مع العلم أني أريد الشراء ولم آخذ شيئا من المصرف أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا يختلف فيه اثنان أن الربا من أعظم المحرمات ومن أكبر الذنوب والسيئات، وهو الجالب لحرب الله. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة: 278 ـــ 279} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية. أخرجه أحمد والدارقطني وابن عساكر. ومع ما ذكر، فإن الإثم في الاقتراض بالربا يتعلق بذمة المقترض لا بعين المال, وإذا تقرر ذلك فإنه لا حرج على أي شخص في أن يشتري من غيره ما كان قد اشتراه من قرض ربوي، مع أن الأفضل تجنب معاملة حائز المال الحرام، ولك أن تراجع في حكم التعامل مع حائز المال الحرام فتوانا رقم: 7707، وإذا قلنا بإباحة اشترائك لهذا العقار، فالذي يباح لك هو أن تدفع للبائع ثمنه حالا أو مؤجلا، حسبما تتفقان عليه، لا أن تتولى عنه دفع الأقساط إلى المصرف بما فيها من فوائد ربوية، فإن مثل ذلك يعد تعاونا مع هذا الشخص ومع المصرف على ما تعاقدا عليه من الإثم، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} . وبناء على ما قدمنا فإذا أردت أن تدفع الثمن كله عاجلا فلا إشكال، وإن أردت بعضه مؤجلا فلتدفعه له ويتولى هو إن شاء توريده للبنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(12/361)
البيع لأجل بزيادة داخل في بيع المرابحة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا رجل يجلس في قهوة على قارعة الطريق ومعه حقيبة نقود. وأي شخص سيارته وقعت في حادث يقوم معه وينفق على تكاليف تصليحها ويقسط قيمة التكاليف على صاحب السيارة مع نسبة ربح، وكذلك من يحتاج حديد تسليح لسقف بيته يفعل معه كصاحب السيارة، وكذلك من يحتاج أثاثا لتجهيز ابنته العروس وهكذا
فهل هذا السلوك يندرج ضمن بيع المرابحة للآمر بالشراء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل صاحب الحقيبة يقوم بشراء قطع غيار سيارة المتضرر وبعد دخوله في ملكه وحوزه له يبيعه لصاحب السيارة على أقساط ولو بزيادة على سعره حالا فلا حرج في هذه المعاملة، وكذلك إذا كان يشتري الحديد والأثاث لمن يطلبه منه، ثم إذا تملك ذلك كله ودخل في ضمانه وحازه باعه على طالبه إلى أجل بسعر أعلى من سعره الحال فلا مانع وهو داخل في بيع المرابحة.
أما إذا كان ما يفعله هو مجرد إقراض هؤلاء إلى أجل على أن يرد إليه المال بزيادة فهذا ربا محرم، وراجع الفتوى رقم: 47555.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(12/362)
توكيل البنك العميل في بيع المرابحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قرأت فتاوى عن شراء بالمرابحة ولكني أحتاج إلي إجابة خاصة في هذه الحالة
ماحكم شراء سيارة بالتقسيط من معرض عن طريق البنك والخطوات هي: المعرض يصدر عرض أسعار باسم البنك يشبه الفاتورة ثم يذهب بها مع أوراقي للبنك ثم البنك يصدر موافقته على تملك هذه السيارة ثم يبيعها لي البنك أنا سألت المعرض هل البنك يسلمكم النقود أولا قالوا لا ولكننا نملكها للبنك بالاتفاق بينهم ثم نتسلم النقود بعد عدة أيام مدة الإجراءات ولكنه أكد لي أنه يملكها للبنك مع العلم أن السيارة تظل ملكية البنك حتى أنتهي من سداد الأقساط هل يجوز للبنك أن يبيع لي السيارة قبل أن يدفع ثمنها، هل هذا يشبه ما فعله علي بن أبي طالب حين اشترى الناقة ب 100 دينار دينار وباعها ب 160 دينارا؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبيع بالمرابحة مباح، وقد بينا من قبل الخطوات التي يتم بها، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 1608، فإذا توفرت شروط الصحة في البيع جاز.
وما ذكرته من أن المعرض يصدر عرض أسعار باسم البنك يشبه الفاتورة ثم يذهب بها العميل إلى البنك، وأن البنك لا يسلم النقود للمعرض إلا بعد أيام، وأن السيارة تظل ملكيتها تابعة للبنك حتى ينتهي تسديد الأقساط، لا يتنافى شيء منه مع الصحة. لأن البنك من حقه أن يوكل من ينوب عنه في عملياته، ولا مانع من أن يكون العميل نفسه هو الوكيل، كما أن من حقه أن يشتري السيارة من المعرض بثمن مؤجل. ومن حقه كذلك أن يبقي السيارة مسجلة باسمه على سبيل الرهن. مع أن انتفاع الراهن بالرهن محل اختلاف بين أهل العلم. ففي الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في جواز الانتفاع بالمرهون, وفيمن له ذلك. فذهب الحنفية إلى أنه ليس للراهن ولا للمرتهن الانتفاع بالمرهون مطلقا, لا بالسكنى ولا بالركوب, ولا غيرهما, إلا بإذن الآخر. وقال المالكية: غلات المرهون للراهن, وينوب في تحصيلها المرتهن, حتى لا تجول يد الراهن في المرهون. وفرق الحنابلة بين المرهون المركوب أو المحلوب وبين غيرهما, وقالوا: إن كان المرهون غير مركوب أو محلوب, فليس للمرتهن ولا للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر. أما المرتهن فلأن المرهون ونماءه ومنافعه ملك للراهن, فليس لغيره أخذها بدون إذنه, وأما الراهن فلأنه لا ينفرد بالحق , فلا يجوز له الانتفاع إلا بإذن المرتهن ...
وقال الشافعية: ليس للمرتهن في المرهون إلا حق الاستيثاق، فيمنع من كل تصرف أو انتفاع بالعين المرهونة, أما الراهن فله عليها كل انتفاع لا ينقص القيمة كالركوب ودر اللبون, والسكنى والاستخدام. وعلى أية حال، فإن أيا من ذلك لا ينافي صحة البيع.
وما ذكرت أن عليا رضي الله عنه كان قد فعله من اشتراء الناقة بمائة دينار وبيعها بمائة وستين، لم نقف عليه، ولكنه فعل مباح لدخوله في عموم قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة: 275} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(12/363)
حكم بيع السلعة قبل سداد ثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع سلعة اشتريتها بالقرض أي لا أسدد قيمتها لصاحبها حتى أبيعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن اشترى سلعة بالدين شراء صحيحاً، فقد تملكها كما لو اشتراها بالنقد، ومن ملك شيئاً ملكاً شرعياً صحيحاً فإنه يجوز له أن يتصرف فيه كيفما يشاء بيعاً وهبة وقرضاً وغير ذلك من التصرفات المشروعة.
وعليه؛ فلا مانع من أن تبيع السلعة التي اشتريتها بالدين قبل سداد قيمتها لصاحبها لأن ذمتك الآن مشغولة بقيمة السلعة لا بالسلعة نفسها، فالسلعة بمجرد الشراء الصحيح صارت ملكاً لك, ويترتب على هذا الملك آثاره المشار إليها أعلاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(12/364)
من صور المرابحة المشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تم شراء سيارة من أحد الأشخاص وتم الاتفاق على مبلغ (11000) ثمنا للسيارة وقمت بدوري بدفع مبلغ (4000) دينار أردني للبنك الإسلامي الأردني على أن يتنازل صاحب السيارة للبنك والبنك يتنازل لي بالسيارة على أن أقوم بدفع (163) دينارا شهريا لمدة (60) شهرا والبنك بدوره دفع مبلغ (7000) دينارا لصاحب السيارة إضافة للمبلغ الذي قمت بدفعه للبنك ليصبح الصافي (11000) دينارا، هل هذا البيع يعتبر مرابحة شرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخطوات المذكورة تعتبر خطوات إجرائية تجريها البنوك الإسلامية في معاملة المرابحة للآمر بالشراء وقد تختلف من بنك لآخر، فبعض البنوك تبيع للعميل سيارة يملكها البنك نفسه والبعض يوكل العميل بالبحث عن سيارة تناسبه من حيت النوع والسعر ثم يقوم البنك بشرائها من صاحبها وبعد أن يمتلكها البنك يبيعها للعميل وأحيانا يقدم العميل دفعة أولى وأحيانا لا يقدم شيئا وهذا كله جائز شرعا، المهم في مشروعية هذه المعاملة أن يحصل بيع وشراء حقيقيان وراجع للمزيد الفتوى رقم: 46922.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(12/365)
البيع تم ولا أثر لكون سعر العقار أعلى مما تم الاتفاق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[اتصل بي أحد الأشخاص تليفونيا وقال لي هل تريد بيع شقتك؟ فقلت نعم فقال بكم قلت ب200000جنيه قال لي بارك لي فيها قلت مبروك قال سوف أحضر لك المال خلال أسبوع قلت موافق ثم أغلق الخط، ثم سألت في اليوم التالي عن الأسعار فوجدت أن الشقة سعرها الحقيقي في هذه الآونة يصل الى 260000جنيه فقمت من فوري بالاتصال بهذا الشخص وقلت له لن أبيع فقال لي إنه قد بدأ في جمع المال وأنه قد باع ذهبا وأن ذلك سوف يلحق به خسارة فقلت له أتحمل أنا هذه الخسارة لأنها محدودة بالنسبة إلى فرق السعر الذي يبلغ 60000جنيه فقال لي بأن البيع قد تم فقلت له بيني وبينك الشرع فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في العقود ومنها البيع والشراء التراضي المذكور في قول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء: 29} وقال خليل في مختصره مبينا ما ينعقد به البيع: ينعقد البيع بما يدل على الرضا وإن بمعاطاة. وببعني، فيقول بعت، وبابتعت أو بعتك ويرضى الآخر فيهما.
وقد بينا من قبل أن البيع يمكن أن ينعقد بواسطة الهاتف أو غيره من وسائل الاتصال إذا استوفى شروط صحة البيع، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 62926.
وعليه، فما ذكرته من أن أحد الأشخاص اتصل بك تليفونيا وقال لك: هل تريد بيع شقتك؟ فقلت نعم. فقال بكم؟ فقلت ب200000جنيه. فقال لك: بارك لي فيها، فقلت: مبروك. فقال: سوف أحضر لك المال خلال أسبوع. فقلت: موافق، ثم أغلق الخط، هو في الحقيقة عقد على بيع الشقة بينكما قد تم، ولا يجوز نقضه إلا أن تتراضيا على ذلك.
ولا يغير من نفاذ البيع أنك وجدت الشقة أعلى مما بعتها به بكثير. قال خليل: ولم يُرَدَّ بغلط إن سمي باسمه، ولا بغبن ولو خالف العادة.
وإذا ندم أحد المتعاقدين في البيع فله أن يطلب الإقالة، ولا يلزم الطرف الآخر أن يستجيب لطلبه، وإنما يستحب له ذلك لحديث: من أقال مسلما أقال الله عثرته. رواه أبو داود.
وإذا تقايل المتبايعان، فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان لأحدهما أن يأخذ شيئا مقابل ذلك أم لا، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 58367.
وقد علمت من جميع ما ذكر أن الشقة قد أصبحت ملكا لمن اشتراها منك، وليس لك فيها أي حق إلا أن يقيلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1427(12/366)
بيع البيت قبل استلام أوراق الملكية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: عندنا في الجزائر الدولة توزع للمواطنين منازل دون أن تعطيهم أوراق البيع أو الملكية، لأن المستفيد سيبقى يسدد مبلغ المنزل على أقساط مدة 15 سنة.
الإشكال هو: أن بعض المستفيدين يبيع المنزل إلى شخص آخر للانتفاع بالنقود، هذا البيع بيع عرفي بالكلام وبدون أوراق، لأن أوراق البيع أو الملكية مازالت عند الدولة ولم تعطها إلى المستفيد الأول لأنه مازال لم يسدد المبلغ الذي سيسدد بعد 15سنة، إذاً هل بيع المستفيد للطرف الآخر يدخل في بيع ما لا يملك؟ . وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لصاحب البيت الذي اشتراه بالأقساط أن يبيعه بثمن حال أو مقسط، سواء أكمل سداد أقساطه أم لم يكمله، ولا يشترط لصحة عقد البيع أن يتسلم المشتري ملكية البيت، لأن أوراق الملكية إنما جعلت لتوثيق العقود فقط، وهو مستحب وليس بشرط ولا ركن في البيع، ولمعرفة شروط البيع الصحيح وأركانه راجع الفتوى رقم: 15662،
ويستثنى من ذلك إن كان البيت مرهونا للدولة، ففي هذه الحالة لا يصح البيع إلا بإذن الدولة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 9491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(12/367)
الانتفاع بالمال المكتسب من التورق
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ قصرت في السؤال قبل أن أقدم على التورق بالمعادن من بنك الجزيرة وكل فكري واعتقادي أنها حلال بفتوى شرعية وأخذت التورق وقسمته إلى قسمين قسم في صندوق بنك البلاد للاستثمار وقسم أضارب فيه عن طريق تداول الجزيرة ومن ثم وجدت الفتوى بتحريم هذا التعامل كلمتهم على أن أرد المبلغ قالوا لي تدفع مبلغا مقطوعا قدره 50 ألف ريال زياده عن مبلغ التورق ماذا أفعل وهل يجب رد المال أفتني ودلني بارك الله فيك هل أنا آثم؟ وما يتوجب علي من تطهير أو رد المال دون الانتفاع أو تزكيته؟ علما أني اتصلت بالرقابة الشرعية في البنك وقالوا لي إننا نتأكد من كل ورقة وقعت عليها أنها موافقة للفتوى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراجح من أقوال أهل العلم هو جواز التورق كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 22172، وعليه فإذا كنت أجريت معاملة تورق حقيقة فلا حرج عليك فيما فعلت ولو ظهر لك بعد ذلك أن من العلماء من يحرم التورق ذلك أن مذهب العامي هو مذهب من يفتيه من أهل العلم. قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. ونتيجة السؤال العمل، فإذا عمل بالفتوى لم يكن عليه حرج ولا إثم فيما فعل ولو كانت الفتوى ليست صوابا أو كان الحكم مختلفا فيه بين قائل بالتحريم وآخر بالإباحة.
أما إذا لم تكن المعاملة التي أجريتها تورقا، وإنما كانت غطاء لقرض ربوي وكنت تعلم ذلك أو قصرت وفرطت في السؤال عنها، فإنك تأثم ويجب عليك التوبة إلى الله عز وجل، ولا يجب عليك رد القرض فورا، ولك أن تنتفع به في الوجوه المباحة، ومن ذك استثماره في البنوك إن كانت إسلامية، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 70906، ورقم: 70829.
أما مسألة زكاة هذا المال المستثمر فراجع في ذلك الفتوى رقم: 50993، والفتوى رقم: 68666.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1426(12/368)
حكم شراء الأثاث المصنوع من جلد الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترينا أثاثا جديدا بعد علمنا أنه مصنوع من جلد الخنزير فما حكم الشرع في الأمر..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 172 أن الراجح من كلام أهل العلم أن جلد الميتة يطهر بالدباغ بما في ذلك جلد الخنزير وبناء عليه فلا مانع من بيعه وشرائه والانتفاع به وإن كان من الورع والاحتياط في الدين التخلص من الأثاث المذكور وعدم الانتفاع به خروجا من خلاف أهل العلم القائلين بعدم طهارة جلد الخنزير بعد الدبغ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(12/369)
التورق جائز عند جمهور العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 28 سنة أقطن بالجزائر
مشكلتي هي كما يلي:
أبعد عن مكان عملي بحوالي 80 كم. في فصل الصيف كنت أتنقل عبر وسائل النقل فكنت أصل متأخرا إلى العمل إما في المساء وإلى البيت أصل متأخرا جدا. لذلك اضطررت لشراء سيارة تساعدني في التنقل فاستلفت 40 % مبلغ السيارة من الشركة التي أعمل بها و60 % من أخي.
قرضي مع الشركة ينتهي في شهر فيفري وفي نفس الوقت أخي يريد أخذ أمواله لذلك أصبحت أفكر في شراء سيارة باستعمال بنك إسلامي (يقول بأنه يشتري السيارة ويقوم ببيعها لي وذلك بأخذ فائدة نتيجة لبيعه لي) .
سؤالي هو:
هل يجوز لي استعمال هذا البنك؟ مع العلم أيضا أننا:
1. نقطن حاليا بمنطقة كجدد (لا نعرف أناسها جيدا) ونخاف السرقة لذلك فرجوعي إلى البيت يوميا أصبح أكثر من ضروري خاصة في الفترة التي يكون فيها أخي غائبا (فهو يعمل شهرا ويكون في المنزل شهرا وذلك بالتناوب) مع علمكم أيضا أن العائلة متكونة من أبي (59 سنة) , أمي, أختي, زوجة أخي إضافة إلى أخي الذي يحضر شهرا ويغيب شهرا آخر.
2. إذا أردت شراء سيارة بالمال الذي يبقى لي فقد أشتري سيارة قديمة جدا ومن دون شك فهي لا تساعدني نتيجة للتعطبات التي تحدث لها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسألة التي تسأل عنها تعرف بالتورق وهي أن يشتري الشخص السلعة سيارة كانت أو غيرها لا يريد السلعة وإنما يريد النقد. والتورق جائز عند جمهور العلماء، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 24240.
وعليه، فلا مانع من شرائك السيارة من البنك الإسلامي إذا كان ما يتم من البنك شراء حقيقي، ثم يقوم البنك بتوكيل منك ببيع السيارة مقابل عمولة يأخذها من هذه الوكالة. أما إذا كان المشتري هو البنك نفسه فلا تجوز هذه المعاملة لأنها في هذه الحالة تكون بيع عينة محرم. وراجع الفتوى رقم: 32279، ورقم: 13383.
وما تقدم من الجواب حسب ما فهمناه من السؤال، أما إذا كان السائل يريد أن يشتري السيارة من البنك عن طريق المرابحة بقصد استعمالها واقتنائها لا بهدف بيعها والاستفادة من ثمنها فإن ذلك جائز، وقد تقدم بيانه في الفتوى رقم: 17974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(12/370)
شراء الغنم بالأجل وبيعها نقدا
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتري أغناما بالآجل لمدة شهر وأبيعها نقداً لآخرين وبقيمة المبيعات التى أحصل عليها أشتري سلعة أخرى وأبيعها وقبل حلول الموعد أسدد أصل المبلغ فهل هذه المعاملة بها شبهة من الحرام؟ وهل لي أن أستغل هذا المال في أي عمل آخر على أن أرده في أجله؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معاملتك بهذه الصورة المذكورة جائزة ولا شبهة فيها، فدينك كما تقول لم يحل موعده وبالتالي لم يجب عليك السداد فلك أن تصنع بالمال ما شئت من بيع ونحو ذلك، إلا أنه يستحب لك أن ترصد من مالك شيئاً لقضاء الدين ولو لم يحل موعد السداد لحديث: لو كان لي مثل أحد ذهباً ما سرني أن تمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين. رواه البخاري.
ومعنى أرصده أعده لدين، وهذا يعم الدين الحال والمؤجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1426(12/371)
بيع أجزاء وفضلات الحيوان
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم، وأسأل ما حكم بيع وشراء بقايا الحيوانات؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل الكريم لم يبين لنا المقصود ببقايا الحيوانات، هل يقصد فضلاتها كالروث والبعر ونحو ذلك، أم أجزاءها من جلد وقرن ونحو ذلك؟.
وما المراد بالحيوانات أهي بهيمة الأنعام أم غيرها؟ وعلى كل حال فحكم بيع فضلات الحيوانات المستعملة في الأسمدة سواء منها ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه جائز، أما ما يؤكل لحمه فلطهارتها، وأما ما لا يؤكل لحمه فللحاجة، وراجع المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 40327، والفتوى رقم: 3814.
وأما بيع أجزاء الحيوان المذكى من شعر وقرن وجلد ونحو ذلك فجائز، وأما غير المذكى (الميتة) فحرام، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على عدم جواز بيع الميتة أو شيء منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1426(12/372)
من شروط جواز التورق
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت على تمويل من البنك الأهلي بقيمة 321000 ألف ريال على أن أقوم بسداد مبلغ وقدره 473000ألف ريال وذلك مقابل شراء سلعة من البنك معلومة وهي الأرز حيث أفاد موظف البنك أن البنك يمتلكها ولكنني لم أعاينها وقد أتاح لي العقد الذي بيني وبين البنك فرصة تملكها ولكنني وخوفا من تقلب الأسعار ولضخامة كمية البضاعة المشتراة وصعوبة امتلاكها وتخزينها فقد قمت بتوكيل شركة العيسائي للتجارة في مدينة جدة ببيع السلع المذكورة وإيداع مبلغ البيع في حسابي لدى البنك وقد دخل في حسابي مبلغ وقدره 320000 ألف ريال. فهل هذا البيع جائز أم لا علما أنه قد تم منذ أربعة أشهر وأنه في حالة سدادي للمبلغ كاملا فإنه يتوجب علي أن أدفع ما قيمته 350000 ألف ريال شاملة الأقساط الثلاثة السابقة؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا السؤال على وجه الدقة وسنجيب في حدود ما ظهر لنا منه، فإن كنت تقصد أنك حصلت على قرض من البنك مقابل أن تشتري منه كمية من الأرز، فهذا لا يجوز لأنه قرض جر به البنك نفعاً إلى نفسه وهو بيع هذه الكمية من الأرز، ومعلوم أن كل قرض جر نفعاً فهو رباً، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 16503.
وإن كنت تقصد أنك اشتريت من البنك كمية من الأرز بالأجل على أن تسدد ثمنها على أقساط ثم وكلت شركة العيسائي في قبضها وبيعها فقبضتها وباعتها فعلا ولكن بثمن أقل من الثمن الذي اشتريت به ووضعت هذا الثمن في حسابك، فهذه العملية تعرف في الفقه الإسلامي بالتورق، ومعناها أن المشتري لا يقصد بشرائه السلعة الانتفاع بها، وإنما يقصد الحصول على الورق (النقد) ، قال في الروض المربع من كتب الحنابلة: ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس وتسمى مسألة التورق.
وهذه المعاملة جائزة ــ من حيث الأصل ــ عند جمهور الفقهاء ولكن يشترط في صورة السؤال ألا يكون المشتري الذي اشترى منك أو من وكيلك هو البنك، وإلا كان هذا بيع العينة المحرم، وراجع لتفصيل ذلك في الفتوى رقم: 64071، والفتوى رقم: 24240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1426(12/373)
قاعدة عامة في بيع الطيور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المتاجرة في الطيور والحيوانات كالقطط والكلاب حرام أم حلال، وهل تجب فيها الزكاة؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن من خلال فتوى أو جواب الإحاطة بجميع أحكام بيع الطيور وذلك لسعة هذا الباب وكثرة ما فيه، لكننا يمكننا أن نجمع لك القاعدة العامة في ذلك مع ذكر بعض مفرداتها، فإذا أشكل عليك شيء بعد ذلك سألت عنه بمفرده فنقول وبالله التوفيق:
ذهب الفقهاء إلى أنه يجوز بيع ما يؤكل لحمه من الطيور كالحمام والعصافير وغيرهما، لأنه ينتفع به، فيجوز بيعه كالإبل والبقر والغنم، كما يجوز بيع ما يصاد به من الطيور، كالصقر والبازي والشاهين والعقاب ونحوها إذا كان معلماً أو يقبل التعليم، لأنه حيوان أبيح اقتناؤه وفيه نفع مباح، فأبيح بيعه، أما إذا كان غير قابل للتعليم فلا يجوز بيعه.
ويجوز أيضاً بيع ما ينتفع بلونه كالطاووس، أو ينتفع بصوته كالبلبل والهزار والببغاء والزرزور والعندليب ونحوها، أما بيع الطيور التي لا تؤكل ولا يصطاد بها، كالرخمة والحدأة والنعامة والغراب الذي لا يؤكل فلا يجوز بيعها، لأن ما لا منفعة فيه لا قيمة له، فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل، وبذل العوض فيه من السفه. وقال الحنفية: يجوز بيع كل ذي مخلب من الطير، معلما كان أو غير معلم، والراجح ما قدمناه.
وقال البهوتي من الحنابلة: ويصح بيع ما يصاد عليه من الطير، كبومة يجعلها شباكا، وهو: طائر تخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطير فيصاد، ولكن يكره ذلك لما فيه من تعذيب الحيوان.
هذه هي القاعدة العامة في بيع الطيور مع مراعاة الضابط العام في شروط المبيع مثل كونه يمكن الانتفاع به طاهراً مباحاً مقدور التسليم وغير ذلك من شروط العين المباعة، ولمعرفة حكم بيع الكلاب والقطط والقرود راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10546، 18327، 28803.
ولمعرفة كيفية إخراج الزكاة راجع الفتوى رقم: 50457.
علماً بأنه لا زكاة عن أثمان ما يحرم بيعه بل الواجب هو التخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ومصالح المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(12/374)
لا يلزمك إلا الثمن المتفق عليه بينك وبين أمك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للورثة فسخ عقد بيع باعت لي والدتي رحمها الله بموجبه عقارا قبل وفاتها وهي في كامل صحتها وبشهادة اثنين شهود من بينهم شقيقي بحجة أن الأسعار زادت لأنني لم أدفع ثمنه عند نزولي في إجازتي0
باعت أمي عقارا قبل وفاتها على أن أدفع الثمن عند عودتي من الخارج أو أدفع للورثة كل منهم حقه الشرعي حال وفاتها. وعند نزولي الإجازة حدث خلاف على متعلقات أخرى بالتركة (أرض زراعية) وبعد شد وجذب قررنا أن ننهي كل شيء قبل سفري إلا أن أحد الورثة أقسم أنه لن يقسم الأرض الزراعية قبل 1/1/2005 وعلى ذلك قررت عدم دفع ثمن العقار إلا مع تقسيم الأرض الزراعية لننتهي من الميراث كله جلسة واحدة. وبعد سفري بشهرين أرسلت شيكا بثمن العقار تمهيدا للتقسيم في 1/1/2005 كما أقسم شقيقي. إلا أنهم رفضوا صرف الشيك بحجة أن سعره ارتفع والعقار أصبح مشاعا ويعاد تثمينه. علما أني أثناء وجودي في الإجازة عرضت إنهاء كل الأمور المتعلقة بالتركة وإعطاء كل ذي حق حقه. ملحوظة: إجازتي كانت أغسطس2004]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان العقد الذي وقع بينك وبين أمك صحيحاً مستوفياً كافة الشروط اللازمة لصحة البيع، والتي سبق ذكرها في الفتوى رقم: 15662، ولم يكن حيلة لتفضيلك على غيرك من أولادها في الهبة كما هو موضح في الفتوى رقم: 40132، والفتوى رقم: 27738، فعقد البيع صحيح، ولا يحق للورثة فسخ ذلك العقد، ولا يلزمك إلا الثمن المتفق عليه بينك وبين أمك ـ رحمها الله تعالى ـــ علماً بأنه لا يؤثر في ذلك كونك تأخرت في دفع ثمن العقار نظراً لما حدث من خلافات أو كون قيمة هذا العقار قد زادت، لأن ملكية العقار تنتقل إليك بمجرد عقد البيع ولو لم يتم قبض الثمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(12/375)
حكم جعل تلاوة الشخص ثمنا لسلعة
[السُّؤَالُ]
ـ[س: إذا طلب شخص منك حاجة على أن يكون التسديد لهذه الحاجة بالأقساط فأردت أن أقضي حاجته دون مقابل لما ورد في كثير من الأحاديث التي تحث على قضاء حاجة المسلمين والإحسان إليهم هل يجوز أن أضع في نيتي بأنها صدقة جارية (سيارة) وقضاء حاجة وإحسان؟ فإذا رفض الشخص قبول الحاجة دون مقابل فإذا قلت له بعتك إياها بقراءتك لي آية من الآيات وسورة من السور هل يجوز لي ذلك؟ كما حدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما زوج أحد الصحابة بما يحفظ من كتاب الله عزوجل (إذا لم تخني الذاكرة) ، أرجو أن ترشدني إلى طريقة للإقناع وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيصح إهداء السيارة أو هبتها لمن أردت ما لم يستعن بها على معصية الله تعالى، وهذا من باب قضاء حاجة الناس والإحسان إليهم، أما وقف السيارة فهو صحيح على قول جمهور من الفقهاء بناء على صحة وقف الدواب.
قال خليل في مختصره: صح وقف مملوك إن بأجرة ولو حيوانا. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية وهو شافعي: قولهم: لو وقف دابة وجعل الركوب لواحد والدر والنسل لآخر جاز قطعا كما صرح به الإمام. اهـ.
وقال ابن نجيم في البحر الرائق وهو حنفي: ولو وقف دابة على رباط فخرب الرباط واستغنى الناس عنه فإنها تربط في أقرب الرباطات إليه. اهـ
وجعل السيارة وقفا على فلان يمنع الموقوف عليه من التصرف فيها بالبيع ونحوه، فإذا كان الأمر كذلك فهي صدقة جارية صحيحة، والصدقة الجارية لها حكم الوقف، وراجعي هذا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48404، 52570، 55463.
أما إذا كان يباح له التصرف فيها بالبيع والهبة ونحوها فلا تعتبر هنا صدقة جارية بل هي هبة أو عطية، ولا عبرة بتسميتها صدقة جارية لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ.
أما عن جعل قراءة الشخص ثمنا للسيارة عند رفضه كونها صدقة أو عطية أو هبة فلا يخلو من أن يكون قراءته لك من باب التعليم أو مجرد القراءة للاستماع إليه أو أن يهب لك ثواب قراءته.
فإذا كان المقصود هو أن يعلمك ما يقرأ فلا بأس بأن يكون ذلك ثمنا للسيارة إذا حصل التراضي على ذلك بناء على قول من أجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وهو الراجح إن شاء الله.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج وهو شافعي: اعلم أن كل عمل يستأجر عليه كتعليم قرآن وخياطة وخدمة وبناء يجوز جعله صداقا كما يجوز جعله ثمنا. اهـ وراجعي الفتوى رقم: 9252،، والفتوى رقم: 55463.
أما إن كان المقصود أن يقرأ عليك القرآن لمجرد إسماعك له فقد ذهب المالكية والشافعية إلى جواز ذلك بأجرة. قال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير: وأما الإجارة على أصل التلاوة فتقدم جوازه، وكذا على تعليمه مشاهرة ومقاطعة على جميعه أو على بعضه. اهـ.
وقال صاحب حاشية الجمل من الشافعية: لو استأجره لقراءة القرآن عند قبر -مثلا- فقرأه جنبا فإن الظاهر عدم استحقاقه الأجرة وذلك لعدم حصول المقصود.. الخ. اهـ. وهذا يعني أنه إذا قرأه دون أن يكون جنبا استحق الأجرة.
وذهب الحنابلة والحنفية إلى عدم جواز أخذ الأجرة على ذلك وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في الفتاوى الكبرى: فإن الاستئجار على التلاوة لم يرخص فيه أحد من العلماء. والله أعلم. اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته على البحر الرائق: المفتى به جوازه على التعليم لا على القراءة المجردة. اهـ.
والراجح -والله أعلم- هو جواز اخذ الأجرة على مجرة التلاوة لأنه لا يخلو أن يستفيد منها السامع بوجه من الوجوه.
وبناء على ذلك فلا مانع في هذه الحالة من جعل أجرة التلاوة سيارة ونحوها.
وأما إذا كان المقصود هو تلاوة الآيات أو السور وهبة ثوابها لك، فقد قال بجواز هبة ثواب قراءة القرآن للأحياء الحنفية والحنابلة، قال في بدائع الصنائع: من صام أو تصدق أو صلى وجعل ثوابه لغيره من الأموات أو الأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة. اهـ.
وقال: ولا امتناع في العقل أيضا لأن إعطاء الثواب من الله تعالى إفضال منه لا استحقاق عليه، فله أن يتفضل على من عمل لأجله بجعل الثواب له؛ كما له أن يتفضل بإعطاء الثواب من غير عمل رأسا. اهـ
وقال في كشاف القناع وهو حنبلي: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابه أو بعضها كالنصف والثلث والربع لمسلم حي أو ميت جاز. اهـ.
والحنفية والحنابلة وإن قالوا بوصول ثواب القراءة للأحياء إذا وُهبت لهم إلا أنهم يمنعون أخذ الأجرة عليها لأنها تنافي الإخلاص في قراءتها مما يوجب ردها عليهم وعدم قبولها منهم لأنفسهم أو لغيرهم.
وبناء على هذا لا يصح جعل هبة ثواب القراءة ثمنا للسيارة. قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وأما إذا كان لا يقرأ القرآن إلا لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك، وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء إلا أنه إنما يصل إلى الميت ثواب العمل لا نفس العمل. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(12/376)
زيادة سعر السلعة بزيادة مدة التقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء سلعة بالتقسيط يزيد سعرها بنسبة حسب سنوات التقسيط مع بقاء السعر النهائي ثابت مثال:
500 نقداً، 600 لسنة، 700 لسنتين،800 لثلاث سنوات، مع العلم بأن السعر الناتج بعد الزيادة هو ثابت، فإذا كانت المعاملة بيني وبين التاجر بهذا الشكل صحيحة، فهل تبقى كذلك إذا علمت أن التاجر يبيعني بالتقسيط مستفيدا من قرض ربوي منحته الدولة له لمساعدة الناس لشراء الحاجات الغالية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في ذلك بشرط أن يتم بيع السلعة بسعر محدد معلوم للطرفين غير قابل للزيادة، وإن تأخر السداد، ولا يضر كون سعر السلعة بالتقسيط أكبر من سعرها نقداً أو أن سعرها يزيد بزيادة مدة التقسيط، وراجع للتفصيل والفائدة الفتوى رقم: 4243، والفتوى رقم: 1084.
وإذا روُعي ما تقدم، فتجوز معاملة هذا التاجر -وإن علم أنه اقترض بالربا من الدولة- لأن القرض بعد قبضه يدخل في ذمة المقترض ويصير ديناً عليه، وسواء في ذلك القرض الربوي وغيره، إلا أنه في القرض الربوي يأثم المقترض لتعامله بالربا، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، انظر منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54851، 45557، 53813.
ولكن لا ريب أن الأولى ترك معاملته، لأن الواجب هو الإنكار عليه لاقتراضه بالربا، ومن ذلك هجره وترك التعامل معه حتى يتوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(12/377)