التائب من الذنوب هل يعذب عليها يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا تائب من معاص كبيرة، وأريد أن أقابل الله تائبا وسمعت عن تبديل السيئات إلى حسنات، وإن كان تفسيرها تبديلها في الدنيا ومعاقبتي على المعاصي في الآخرة بعد الدخول إلى النار ثم تبديلها -اللهم لا اعتراض- أشعر أنها عقوبة كبيرة، وهل يكون ذلك العقاب مهما استكثرت من حسناتي في الدنيا؟ علما بأن ذنوبي كثيرة، ولم أترك ذنبا إلا عملته، فوالله قلبي يكاد ينخلع من مكانه من خوفي من الله سبحانه وتعالى، ولك تحياتي وجزيت خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم - وفقنا الله وإياك لطاعته والتوبة الصادقة - أن الله تعالى واسع المغفرة. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وروى الإمام مسلم وابن ماجه والدرامي وأحمد من حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه عن ربه تبارك وتعالى- قال: ... وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً. وفي رواية للترمذي: يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.
والله تعالى يبدل سيئات المسيئين حسنات إذا تابوا وأخلصوا في توبتهم لله تعالى، وعملوا الأعمال الصالحة. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68- 70] .
ثم إن ما ذكرته من التفسير للآية ليس صحيحًا، إذ الخبر فيها على ظاهره، ولم يرد في تفسير ما أن التائبين يعذبون في النار بعد تبديل سيئاتهم حسنات في الدنيا.
والحاصل: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فعليك بالتوبة والإكثار من الأعمال الصالحة. وانظر شروط قبول التوبة في الفتوى رقم: 5548.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(9/5733)
العبادة في الهرج كهجرة إلي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أفيدوني أفادكم الله أنا شاب أحب أن أعفي لحيتي، وكذلك أحب الصلاة مع الجماعة، وأن أرفع إزاري، ولكن إن فعلت ذلك فسوف أجد عشرات من يتبعني في كل لحظة وفي كل حين، وربما أجد نفسي في السجن فهل لي أن أترك إعفاء اللحية والإزار وصلاة الجماعة؟ أم أتمسك بها ولا يهمني شيء، ما هو الصحيح؟ أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الناس عند البلاء ينقسمون إلى قسمين: ناجح موفق، ومخفق فاشل، فالابتلاء سنة كونية ليظهر الصادق من غيره، كما قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] .
فعليك أخي المسلم بالمواظبة على أومر الله تعالى، وما ذكرت من الطاعات التي يشق عليك فعلها بسبب إنكار الغير واستغرابهم لا يكوننّ عقبة في وجه فعلك لطاعة الله تعالى، فإن الأجر في هذه الحالة أعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إلي رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر رواه الترمذي وغيره.
والشيطان دائماً يكون ساعياً إلى التشويش عليك، بتوقّع العقوبات المختلفة، وكل هذا إنما هو من كيده لبني آدم، قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] .
فعليك إذا بالتمسك بهذه الأوامر الشرعية، فإن من اتقى الله تعالى جعل الله له من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، ولا يهمك ما تعانيه من نظر الناس، فإن أكثرهم على خطأ وضلال، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116] وهذا ما لم تتحقق من إنزال عقوبة بك من سجن ونحوه وإلا فإن الضرورات تبيح المحظورات، وراجع الفتوى رقم: 3198، ورقم: 15587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(9/5734)
من تاب توبة نصوحا قبل الله تعالى توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي التوبة المخصوصة لكبيرة الشرك بالله نتيجة للزنا بنصراني وكيفيتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الله عباده بالمبادرة للتوبة فقال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8) ، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] .
ومن تاب توبة نصوحًا وهي التي توفرت فيها شروط التوبة وانتفت موانعها قَبِل الله تعالى توبته، ومحا ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
والشرك بالله تعالى هو أعظم ذنب يرتكبه العبد، لكنه إذا تاب منه تاب الله عليه. والزنا كذلك من أكبر الذنوب وأعظمها، فإذا أقلع عنه العبد وتاب إلى الله توبة نصوحًا قَبِلَ الله توبته.
وشروط قبول التوبة ثلاثة، إن كانت المعصية بين العبد وربه، ولا تعلق لها بحق آدمي، وأول هذه الشروط: الإقلاع عن الذنب، والثاني الندم على فعلها، والثالث العزم الجازم على ألا يعود إليها فيما بقي من عمره، فإن فقد أحد هذه الشروط لم تقبل التوبة.
وننبه السائل إلى أن الشرك بالله تعالى غير جريمة الزنا فكلاهما كبيرة من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68- 70] .
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة والتفصيل في الفتوى رقم: 24568.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/5735)
لا تأمن مكر الله وأبشر برحمته واعمل بطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ بعد التحية، كيف يستطيع الإنسان أن يعلم أن الله سبحانه راض عنه - أي أخشى أن أموت وبعد ذلك أكتشف أن كل صلاتي والتسبيح والصيام لا تكفي لدخولي الجنة - فكيف أطمئن؟ أرجو أن ترسلوا لي الرد، وأستغفر الله ألف مرة إن كان هذا السؤال محرمًا شرعاً. وجزاكم الله كل خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يمكن للعبد أن يعرف قطعًا ما إذا كان الله تعالى راضيًّا عنه أم ساخطًا عليه، ولكن يجب عليه العمل بما أوجبه عليه، وترك ما نهاه عنه، ويؤمل في رضا الله عنه وفي العاقبة الحميدة عنده. قال الله تبارك وتعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147] . والله تعالى قد وعد من آمن به واتقاه وعمل صالحًا بالفوز الكبير يوم القيامة بدخول الجنة والنجاة من النار، والله عز وجل لا يخلف وعده، وليس من مقتضى العدل أن يظل المؤمن يعمل بطاعة الله من صلاة وصيام وغيرهما، ثم يفاجأ يوم القيامة بأنها لم تقبل منه، هذا لا يكون إلا في حق من أشرك بالله شيئًا أو عمل هذه الأعمال رياء وسمعة، فحينئذ يصدق فيه قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] .
فعليك أيها السائل الكريم أن تحسن ظنك بربك مع الخوف من سوء الخاتمة، ولكنك ترجو رحمة ربك وتخاف عذابه، ولا تأمن من مكره ولا تقنط من رحمته، ولتبشر إن كنت عاملاً بطاعته، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [البقرة:25] ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:277] ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً [النساء:57] .
ولمعرفة هل يستحق العبد دخول الجنة بعمله أم لا؟ ولمعرفة بعض العلامات التي قد تدل على رضا الله عن عبده، راجع الفتوى رقم:
28592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/5736)
سعة رحمة الله لا ينبغي أن تصبح وسيلة تشجيع على المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم.
أنا شخص أكثرت من المعاصي وكلما أتوب أرجع إلى المعصية التي فعلتها من قبل فهل تنصحوني جزاكم الله خيرا، وهل لي من توبة بإذن الله؟ وهل الذهاب إلى العمرة تكفر المعاصي الكبيرة كالزنى والسرقة والربا
أرجو الإجابة على أسئلتي جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنرجو الله أن يهدينا وإياك لطاعته، والابتعاد عن معصيته، وأن يوفقنا وإياك للسلامة من الذنوب. ثم إن سؤالك عمَّا إذا كانت لك توبة؟ فنقول لك فيه: إن باب التوبة مفتوح للمرء ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها. فحينذاك: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158] . ولا يمنع توبتك أنك كلما تبت رجعت إلى المعصية، فقد أخرج الشيخان وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ما يحكيه عن ربه عز وجل. قال: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.
قال العلماء: أي فقد غفرت لك مادمت تذنب وتتوب من ذنبك.
واعلم أن سعة رحمة الله بعباده وعفوه لا ينبغي أن تتخذ كوسيلة تشجيع على المعاصي وتساهل في الطاعة؛ لأن الله تعالى قادر على أن يحول بينهم وبين التوبة، فيموتوا على المعصية والعياذ بالله. وقد قرن في كثير من الآيات القرآنية مغفرته للذنوب بشدة عقابه للعصاة. وقال جل من قائل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [الرعد:6] ، وقال: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3] إلى غير ذلك.
وعمَّا إذا كان الذهاب إلى العمرة يكفِّر كبائر الذنوب كالزنا والسرقة والربا، فنقول: أخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه.
ولكن أهل العلم رأوا أن هذا الحديث لا يشمل كبائر الذنوب إلا بالتوبة منها. وحجتهم في ذلك أن الصلاة - وهي أعظم شأنًا من الحج - لا تكفر صغائر الذنوب إلا مع اجتناب الكبائر، كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رَوَاهُ مُسلِم والترمذي وابن ماجه وأحمد.
فإذا كانت الصلوات الخمس لا تكفر السيئات إلا مع اجتناب الكبائر، فما بالك بالحج أو العمرة أو غيرها، مما هو دون الصلوات الخمس.
وعن النصيحة التي طلبت منا، فإنا نحيلك فيها على الفتوى رقم: 17998، فإن فيها شروط التوبة مع نصائح تتعلق بموضوعك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/5737)
الوعيد على فعل الآثام لمن مات وهو مصر عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا عندي الكثير من الكبائر والذنوب والمعاصي ما الله به عليم، فارتكبت المعاصي قبل زواجي وبعده، والآن أنا تائب، وأنا والله يا شيخ خائف من عقاب الله لي، ونادم علي سالف أيامي، ولكن الخوف لا يتركني أنام، ولا أعيش حياتي العادية مثل الناس، وقد قرأت أن أهل المعاصي تسلط عليهم في قبورهم حيات سود تقرصهم، بالله ماذا أعمل وأنا لا أملك لنفسي شيئا، هل التائب من الذنوب والكبائر يلحقه ذلك؟ وما الدليل على ذلك؟ وأتمنى لك التوفيق وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب تاب الله عليه مهما بلغ ذنبه ومهما عظم، والتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل تبدل سيئاته حسنات، وما أنت فيه من الهم والغم بسبب الذنوب، دليل على صدق التوبة إن شاء الله، لكن إياك أن يبلغ بك الحال إلى اليأس من رحمة الله والقنوط من غفران الله، فهذا هو مراد الشيطان وأمنيته. واعلم أن ما ورد في الشرع من الوعيد على فعل الآثام إنما هو لمن مات وهو مصر عليها، أما من تاب منها توبة نصوحًا فكأنه لم يعملها.
ولتفاصيل أكثر راجع لزامًا الفتاوى التالية: 3184، 5450، 34742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/5738)
مصير من مات مصرا على الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل القاتل التائب يدخل النار وغيره من أصحاب الذنوب؟ وهل يوجد مصر على كبائر ويدخل الجنة لكثرة حسناته؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقاتل وأصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا إلى الله تعالى فإن أمرهم إليه سبحانه وتعالى، إن شاء عذبهم بدخول النار واللبث فيها ما شاء الله، ولا بد أن يأتي يوم يخرج فيه جميع من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، وإن شاء عفا عنهم من أول الأمر، فهم تحت مشيئته سبحانه وتعالى، ولكن الذنوب التي لها تعلق بحق العباد، لا بد من استيفائها لأصحابها أو إرضائهم من قبل الله عز وجل عن عباده الذين عليهم الحقوق.
وأما من أخلص التوبة لله تعالى، فلا يتناوله الوعيد المذكور في الآيات والأحاديث، لأن الله تعالى يغفر ذنوبه جميعا بالتوبة النصوح، وتواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
وأما المصر على الكبائر مع كثرة حسناته، فإن تاب من الكبائر، تاب الله عليه ودخل الجنة، وأما من لم يتب منها، فهو تحت المشيئة وأمره إلى الله كما مر.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نحيلك إلى الفتوى رقم: 34166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5739)
عبادات رغب الشارع فيها دون تحديد زمن لفعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. هل يجوز دفع وقفيات الأضاحي وإفطار الصائم وكفالة أيتام مرة واحدة عن العمر كله؟ حيث لا أضمن أن أعمل طيلة حياتي، وأود أن أرضي الله في هذا العمل، وهل هذا العمل واجب على كل مسلم؟ أم يعتبر صدقة أم ماذا؟ يرجى الإيضاح، علما بأن هناك من يعلمني بأن ليست كل الجهات الخيرية تعمل على استخدام الأموال بالطرق المشروعة، بينما أنا أقول: إنما الأعمال بالنيات، والله شاهد على ما نويت وعلى ماذا أنفقت أموالي، وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك سألت عن عبادات يختلف حكمها، فأما إفطار الصائم وكفالة الأيتام، فليس لأي منهما وقت محدد، فمتى أخرجت من المال شيئا ووضعته في أحدهما، كان فعلك صحيحا، لأن الشارع رغب فيهما ولم يحدد لذلك زمنا يقع فيه.
روى الترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد من حديث زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا.
وعن سهل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى. أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وأحمد.
وأما الأضحية فلا تصح إلا في أيام النحر الثلاثة بعد صلاة العيد يوم النحر، ومن ذبحها في زمن غير ذلك، فإنها لا تكون أضحية. روى الشيخان والترمذي والنسائي وأبو داود والدارمي وأحمد عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين.
وحكم هذه العبادات الثلاث هو أنها ليس فيها ما هو واجب لذاته، وقد يعرض لها الوجوب.
فأما الأضحية، فهي سنة مؤكدة، وإذا نذرها الإنسان وجبت عليه، لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه. أخرجه البخاري وأصحاب السنن ومالك وأحمد.
وأما إفطار الصائم وكفالة الأيتام، فمستحبان، ويمكن أن يعرض لهما الوجوب بالنذر لما سبق، ويمكن أن يعرض لهما إذا تعينا على شخص، كما إذا لم يجد الصائم مفطرا، واليتيم كافلا وخيف عليهما الهلاك.
ثم إن المنظمات الخيرية ليست بالضرورة كلها عادلة في عملها، فلا ينبغي للعاقل أن يضع ممتلكاته إلا في محل يتأكد أنه سيجعل منه مقصوده.
فصحيح أن الأعمال بالنيات، وأن الله شاهد على ما أنفقت من أموالك، ولكنك مع ذلك مطالب بأن تتحرى العدالة وتتروى حتى تطمئن إلى أن الذي أنفقته سيبلغ محله ومصرفه.
واعلم أن الأضحية يصح أن ترصد لها أموال يضحى منها كل سنة، ولكنها إذا نَفَدَتْ لا تسقط سنيتها عن القادر عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(9/5740)
اليسر بعد العسر بالاعتصام بالله والالتزام بطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقدم على الزواج من فتاة أحبها وهي كذلك وتقدمنا إلى أهلها وهم موافقون ولكن بعد ثلاثة أشهر والدي رفض وحتى الآن ولكن لم يعلم أهلها وأنا كنت أصلي وأتصدق ولكن من معاملة والدي لي قطعت الصلاة ولا أدري لماذا وابتعدت عن الحلال وأنا يائس من الزواج ولكني أدعو الله أن يزوجني مع العلم بأني لا أعمل الصالحات وأنا كما سمعت في حديث إن الله يساعد ثلاثة: منهم الساعي للزواج أفيدوني أفادكم الله وأنا لا أستطيع عمل أي شيء لأني أحترم والدي كثيراً ولكنه يعاملني كالحيوان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لابد من تنبيهك على عدة أمور:
أولاً: أن تعتصم بتقوى الله تعالى، فإن منْ اتقاه جعل له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجا. كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] .
ثانيًا: إنك وقعت في معصية شنيعة بتركك للصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
وقوله أيضًا: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم وغيره.
فعليك بالمحافظة على الصلاة فإنها هي أول ما يسأل عنه العبد من أعماله.
كما ينبغي لك أن تعود إلى ما كنت تفعله من الصدقة، فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: والصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار. رواه الترمذي وابن ماجه.
وقَطْعُ ما ذكرت من الطاعة قد يكون تحت تأثير الغضب الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تركه، حيث أوصى بعض أصحابه قائلاً: لا تغضب رواه البخاري.
ثالثًا: يجب عليك الإحسان إلى أبيك وصحبته بالمعروف كما قال تعالى في شأن الوالدين: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] .
رابعًا: لا تدع اليأس يستولي على قلبك فإنه ما من شدة إلا وبعدها فرج. قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5، 6] .
خامسًا: تبحث عن بعض أهل الخير والحكمة ليقوم بنصح والدك وحثه على مساعدتك في شأن إعفاف نفسك.
سادسًا: أن تُكثر من الدعاءِ والاستغفار وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
أما الحديث الذي ذكرت جزءًا منه، فهو في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة كلهم حقٌّ على الله عز وجل عونه: المجاهد في سبيل الله عز وجل، والناكح ليستعف، والمكاتب يريد الأداء.
ويمكنك الرجوع إلى الفتوى رقم: 25599.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(9/5741)
المعصية..أنواعها.. وطريق تجنبها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المعصية؟ وما أنواعها؟ وكيف تجنبها؟ وجزاكم الله خيرا. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعصية هي خلاف الطاعة، وعصى العبد ربه إذا خالف أمره، وقد سبق تعريف بعض المصطلحات التي من بينها المعصية، فراجعها في الفتوى رقم: 26190.
وأنواع المعاصي كثيرة لا يمكن حصرها؛ لأن ارتكاب أي شيء نهى الله عنه أو ترك أي شيء أمر به يعتبر معصية. فالكذب، والغيبة، والنميمة، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس بغير حق، والسحر، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، والقمار. كلها معاصٍ.
وكما أن اقتراف المنهيات معاصٍ، فترك الواجبات كالصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك أيضًا معاصٍ.
وكيفية تجنب المعصية يتحقق بعلم الحلال والحرام والعمل به، وملازمة ما أمر الله، والابتعاد عما نهى عنه. وأكثر ما تحصل منه المعاصي غالبًا جارحتا اللسان والفرج، فمن أوقفهما عند حديهما سهل عليه تجنب المعصية. روى الإمام البخاري والترمذي وأحمد من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(9/5742)
التوبة مانعة من لحوق الوعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إنني مررت بظروف ومصائب كثيرة من الصغر، وتزوجت رجلا أهملني ولا يحترمني، ويضربني، وفي تلك الظروف وقعت في الزنا كثيرا، وعملت ذنوبا كثيرة، والآن ندمت على كل شيء، وأكاد أجن مما فعلت، وخائفة جدا، وخائفة من عقابه، فأنا تعبت يا ربي ماذا أعمل؟! هل أقتل نفسي؟! وإني أتمنى أن أعترف بما فعلت وأنال العقاب، إذا كان لا يوجد طريق لي غير ذلك، يا شيخ لا أريد كلمات التطمين، ولكن أريد الحقيقة، فهل التوبة الصادقة تجنبني عقاب الله برزخيا وفي الآخرة؟ فوالله إنني في عذاب وبكاء مستمر، بالله عليك ساعدني مما أنا فيه، وردك علي سيكون مصيري بالنسبة لي، وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الزنا فاحشة من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل، وسوء عشرة الزوج لا يعتبر مسوغًا للوقوع فيها، فإن للزوجة إذا أضرّ بها زوجها أن تطلب منه الطلاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ وغيره.
أمَّا وقد ندمت وتبت فعليك أن تكثري من الاستغفار وعمل الطاعات، وأن تستري نفسك بستر الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم الأسلمي: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن أَلَمَّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله. رواه الحاكم.
واعلمي أن التوبة الصادقة مكفرة للكبائر ماحية لأثرها، فلا تيأسي من روح الله. قال أبو العباس القرطبي - فيما نقله ابن حجر في الفتح -: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعًا.
وقال ابن القيم في "حادي الأرواح": قد دلَّ النصُّ والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد، ويمنع من لحوقه أيضًا الحسنات الماضية، والمصائب المكفرة، ودعاء المسلمين، وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة، وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه.
ولا يمنع ذلك من البكاء على المعصية والوجل والخوف من الله تعالى؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله عقبة بن عامر رضي الله عنه: ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عز وجل، أن يكونوا خائفين من معاصيهم، وجلين، وهم أيضًا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(9/5743)
التوبة مطلوبة من العبد دائما مهما بلغ من العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ففي حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده بين الفينة والفينة أو ذنب هو مقيم عليه حتى يفارق الدنيا) وكما نعلم جميعا بأن ارتكاب الذنوب والمعاصي سبب والعياذ بالله لدخول النار وربما يموت الإنسان على معصية فيخسر الدنيا والآخرة ومن ثم يموت على سوء الخاتمة أعاذنا الله منها وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحثنا على التوبة من الذنوب فكيف يتوب الإنسان من الذنوب ما دام ليس من عبد مؤمن إلا وذنب يعتاده الفينة بعد الفينة لأنه لو كان الإنسان سيعتاد الذنوب سيكون ذلك سببا لهلاكه؟ أرشدونا وأوضحوا لنا هذه المسألة حفظكم الله جميعا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغالب في بني آدم أنهم أصحاب خطايا وآثام، إلا من عصمهم الله عز وجل، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وفي الحديث الذي أوردته، وهو في الطبراني، وصححه الألباني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا. إن المؤمن خلق مفتنًا توابًا نَسَّاء إذا ذكر ذكر.
ومن هنا تعلم أن التوبة مطلوبة من العبد دائمًا لأنه مهما بلغ من العبادة والإخلاص لربه جل وعلا يظهر مقصراً في جنب خالقه سبحانه، ولهذا كان الاستغفار مطلوبًا حتى بعد أداء العبادات والفرائض، ومن ذلك الاستغفار بعد الصلاة والحج. قال الله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199] .
وقد قسم العلماء الذنوب إلى كبائر وصغائر، وذكروا أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، كما قال الله سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] .
وبما أن الإنسان كثير الذنوب، فمنها ما قد يرتكبه عن علم، ومنها ما قد يرتكبه عن جهل، كان عليه التوبة والاستغفار إلى الله تعالى من الجميع، كما جاء في البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو، فيقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وأما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي.
ولا شك أن العبد إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً غفرت ذنوبه مهما عظمت، بنص كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] . وقال صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه جل وعلا: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَلا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً". رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
وهذه بشائر عظيمة من الله تعالى في قبول توبة العاصين من عباده. أما من مات من غير توبة من أهل التوحيد، فإن مذهب أهل السنة والجماعة أنه في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة مباشرة، وإن شاء عاقبه في النار فترة ثم يدخله الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(9/5744)
الإصرار على المعاصي وقبول الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سؤالي هل يقبل الله الأعمال من المصر على معصية كالزنا واللواط والسرقه وغيرها؟ وذلك ليس للتمادي في المعاصي ولكن للمعرفة وأقصد من ذلك هل الأعمال تقبل من حيث كفة حسنات وسيئات؟ وهل يقبل الله الصدقات والأعمال الصالحة من التائب من المعاصي كالقاتل وغيره؟
مشكورين وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إتيان الكبائر وفعل الصغائر، والإصرار عليها لا تأثير له على قبول الأعمال الصالحة التي يفعلها العبد، ويستثنى من هذا ما ورد بشأن الشرك الأكبر في كونه محبطا لجميع الأعمال، أو الشرك الأصغر في كونه محبطًا لما قارنه من العمل، قال الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] .
ويدخل في هذا أيضًا بطلان الثواب بالوقوع في المن والأذى، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264] .
وقد ورد النص أيضًا ببطلان ثواب صلاة شارب الخمر، ومن يأتي كاهنًا أو عرافًا مع الإجزاء وبراءة الذمة.
لكن بعد هذا كله، فإن من يأتي الكبائر ويصر على الصغائر فهو في خطر من هذا الجانب، فقد نقل ابن مفلح في الآداب الشرعية عن ابن تيمية قوله: الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات، ولكن قد تحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة.
قال ابن مفلح: واختاره - أي ابن تيمية - أيضًا في مكان آخر، قال كما دلت عليه النصوص، واحتج بإبطال الصدقة بالمن والأذى. اهـ
قال ابن مفلح بعد ذلك: قال في نهاية المبتدئ: وقالت عائشة لأم ولد زيد بن أرقم: أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، ثم ذكر يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2] الآية.
وحديث عائشة هذا قد رواه البيهقي في سننه، والدارقطني وعبد الرزاق في المصنف.
وإذا ثبتت خطورة ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر فالواجب المبادرة إلى التوبة. هذا في ما يتعلق بالسؤال الأول.
وأما السؤال الثاني، فجوابه يظهر من خلال إجابة السؤال الأول، فإن الطاعات قد تقبل مع إتيان الذنوب، فقبولها مع التوبة منها أولى وأحرى - بإذن الله تعالى - بل إن التائب من الذنوب قد يبدل الله سيئاته حسنات، كما وعد بذلك في قوله: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(9/5745)
يرجى لمن تاب مخلصا أن يزحزح عن النار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلي فضيلة الشيخ إنني تزوجت شخصا سيئاً للغاية وكنا دائماً في مشاكل والجيران يسمعوا صراخنا وكان يضربني ثم غرر بي شخص على أساس أن نتزوج ووقعت معه في الزنا مرات ثم انفصلت عن زوجي وانسحب ذلك الذئب ثم حصلت لي مشاكل وكنت في غفلة وقارفت الزنا مع شخص آخر وأنا اليوم نادمة ندماً شديداً وتمنيت أني مت قبل هذا وعندي خوف من الله أن لا يقبل توبتي وللعلم قد ساعدني على المعصية زميلة قديمة في الدراسة فقد كانت تزين لي ذلك وحسبي الله عليها فقد هجرتها الآن وأنا أذهب للعمرة كثيرا وسوف أحج إن شاء الله ودائماً أقوم من نومي مفزوعة باكية خائفة من الله ماذا أفعل كي أتجنب عذاب الله لي؟ وهل صحيح لابد من العذاب والتطهير في القبر أو في الآخرة؟ فأنا عندي ذنوب كثيرة غير ذلك فأنا أرتعش من الخوف فوالله لن أرتاح حتى أرى الرد؟
وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا جريمة عظيمة وفاحشة منكرة، وقد توعد الله فاعلها بالعذاب المضاعف يوم القيامة، إلا أن يتوب توبة صادقة نصوحًا. قال سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * [الفرقان:68 - 70] .
فاستمري في توبتك وندمك وبعدك عن كل أسباب الحرام والفتنة، رجاء أن يتوب الله عليك، ويبدل سيئاتك حسنات، ويقيك عذاب القبر وعذاب النار، إنه غفور رحيم، يغفر الذنب ويقبل التوب.
وأكثري من الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
فأكثري من الصلاة والذكر وتلاوة القرآن والصدقة، لاسيما صدقة السر فإنها تطفئ غضب الرب تعالى.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يقيل عثرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(9/5746)
هل التوبة النصوح وحدها تكفي لتكفير الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شخص متزوج وارتكب معاصي كثيره مثل الزنا والربا والغيبة وغيرها وندم على معاصيه وتاب إلى الله وأناب وصلى وتصدق ولكن قرأ أن الذي لا يحد في الدنيا لابد أن يطهر من معاصيه في الدنيا بمثل التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب وعذاب القبر وأن الله يشدد عليه عند الموت وإن لم يستوف طهر في نار جهنم هل هذا صحيح؟ وهل يطهر بإحدى المطهرات أم بجميعها؟ وكيف يتلافي التائب الخائف من الله ذلك؟ وهل صحيح أن من لم يطهر بذلك طهر في نار جهنم؟
بالله دلنا وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاحمد الله أيها الأخ الكريم على التوفيق للتوبة من الكبائر التي كنت تعملها، واستمر على تجديد التوبة والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، عسى الله أن يغفر لك.
واعلم أن التطهير من الكبائر كالزنا والسرقة لا يكون إلا بالتوبة أو الحد إن كان فيها حد، ولا تكفرها الحسنات ونحوها على الراجح، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنَّ ما اجتنبت الكبائر. رواه مسلم.
ولا يشترط اجتماع مكفرات الذنوب كلها حتى يكفر الله الذنب، بل التوبة وحدها تكفي إذا قبلها الله تعالى للأدلة الكثيرة التي تدل على ذلك، ومنها قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:68 - 71] .
وراجع الفتوى رقم: 9394.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(9/5747)
لا يكن الله أهون الناظرين إليك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء إفادتي بنص الحديث القدسي الشريف الذي مجمله أن الله عز وجل يخاطب عباده قائلاً: يا بني آدم إن كنتم تظنون أني لا أراكم فلم تبارزونني بالمعاصي في الخفاء وإن كنتم تظنون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم.
حيث إنني سمعت الحديث في خطبة الجمعة ولم أتمكن من التحقق من نصه الدقيق أو تذكره. وجزاكم الله خيرا الجزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الكلام الذي سألت عنه لم نجده في شيء من كتب الحديث، ووجدنا في جامع العلوم والحكم ما يلي: قال أبو الجاد: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء، قل لقومك: ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي وتظهرونها لي. إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي، وإن كنتم ترون أني أراكم فلم تجعلوني أهون الناظرين إليكم. (1/162) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(9/5748)
أهم وسائل طمأنينة القلب وسعادة النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[على الرغم من أنني أشعر كثيراً أني قريبة من الله كما بدأت بفضل الله في حفظ كتاب الله إلا أنه تنتابني كثيراً حالات من اليأس والحزن الغريبة والخوف فهل هذا من سمات عدم الإيمان أم ماذا كما أنني دائماً أشعر أنني أفعل أي جيد لا أعرف لماذا؟
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم المستقيم على طريق الله تعالى لا ينبغي له أن يحزن أو ييأس، فمادام متمسكًا بدينه ممتثلاً لأوامر الله تعالى، فإن أمره كله خير. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له. رواه مسلم.
ويجب أن تبعدي اليأس والقنوط من حياتك، فإن اليأس والقنوط قرينان للكفر والضلال، وقد حذر الله تعالى منهما في محكم كتابه، فقال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام لابنيه: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] ، وقال عن إبراهيم عليه السلام: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] .
وإذا تسلل شيء من الحزن أو الخوف من المجهول إلى القلب المسلم فينبغي أن يطمئن قلبه بذكر الله والأنس به، ويدعو بالدعاء الذي أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً هم ولا حزن قط فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً". قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
وعليك أن تحافظي على الفرائض، وما استطعت من النوافل وأعمال الخير، وتبتعدي عن كل ما لا يرضي الله تعالى، فإن ذلك من أهم وسائل طمأنينة القلب وسعادة النفس في الدارين. قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(9/5749)
معنى: تبديل السيئات حسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الله سبحانه وتعالى يبدل للتائب سيئاته حسنات متى يكون هذا التبديل هل هو عند الحساب أم بعد دخوله النار؟ وهل يشمل هذا التبديل كل ذنب مهما عظم كالردة وغيرها؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتبديل السيئات حسنات مختلف فيه بين أهل التأويل، فمنهم من قال هو في الدنيا، أي أن من تاب من الشرك والمعاصي وفقه الله، فعمل بدلاً منها أعمالاً صالحة، فأبدله بسيئاته حسنات في الدنيا، ومنهم من قال هو في الآخرة يبدل الله السيئات حسنات، أي تصير سيئاتهم التي تابوا منها حسنات لهم يوم القيامة، ورجح الطبري رحمه الله القول الأول.
وعلى القول الثاني يحتمل أن يكون التبديل بعد الحساب وقبل دخول الجنة، فلا يدخل صاحبه النار أصلاً، وهذا في حق بعض الناس، وقد يكون بعد دخول النار، وهذا في حق أناس آخرين.
روى ابن جرير الطبري بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل النار دخولاً الجنة، قال: يؤتى برجل يوم القيامة، فيقال: نحّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال، فيقال له: عملت كذا وكذا قال: فيقول: يارب لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. قال: فيقال له: لك مكان كل سيئة حسنة. وأخرجه مسلم وأحمد.
أما الردة، فإن تاب منها المسلم، فإنها تدخل في التبديل -إن شاء الله- لأنها من السيئات، فتدخل تحت الآية الكريمة المتحدث عنها، وهي قوله تبارك وتعالى من سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(9/5750)
الجمع بين الخوف والرجاء هو التوازن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص أن يعمل المعاصي ثم يقول إن الله غفور يغفر الذنوب جميعها سوف أستغفر الله؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يجمع بين الرجاء والخوف، فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمته، لقول الله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50] .
ولقوله: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] .
ولقوله: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] .
ولقوله: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] .
وقد قال بعض الأدباء:
نبيء عبادي أني ... أنا الغفور الرحيم
فتلك الآية حق ... لكنها يا كريم
معها وإن عذابي ... هو العذاب الأليم
فيجب على المسلم أن لا يأمن مكر الله، وأن لا يسوف بالتوبة، لأنه قد يموت أثناء قيامه بالمعصية، وقد تعاجله المنون قبل التوبة.
فتجب المبادرة بالتوبة والعزم الصادق على عدم العودة للمعصية، فقد وعد الله بالغفران لمن شاء، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] .
فإذا كنت لا تدري شيئاً عن مصيرك، وهل أنت ممن يغفر لهم أم لست منهم، فيجب أن تراجع نفسك وأن تقلع عن الإصرار على المعاصي والإدمان عليها، فإن المعاصي إذا تكررت تسود القلب ويغلب عليه الران، كما في الحديث: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صقلت، فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(9/5751)
توجيهات إيمانية وعملية تشفي من داء الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنا مسلم والحمد لله تعالى، ولكن مبتلى بالزنا، آخر مرة وعدت الله سبحانه وتعالى بعزته وجلاله أن لا أزني مرة أخرى، ولكن وقعت في جريمة الزنا من جديد، لا يمكنني الزواج، لأني لا أملك مالا، ولقد جربت الصوم ولكنه لم يمنعني من الزنا، ماذا يجب علي أن أفعل تجاه وعدي لربي؟ وتجاه جريمة الزنا؟
جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهنيئا لك بنعمة الإسلام وأعظم بها من نعمة، وعليك أن تستر نفسك ولا تطلع أحدا على ذنبك، كما أن عليك أن تعقد العزم بجد على التوبة من هذه الفاحشة العظيمة، واعلم أن الله غفور رحيم.
وإليك بعض التوجيهات لعل الله ينفعك بها ويجعلها عونا لك على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم.
1-استشعار خطورة هذا الذنب وما توعد الله به المصرين عليه من العذاب، واستشعار عظم جزاء أهل العفة.
فقد عد الله تعالى حفظ الفروج ضمن صفات المؤمنين التي يستوجبون بها الفلاح ودخول الفردوس والخلود فيها.
قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] .
ثم ذكر من صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7] .
ثم ذكر جزاءهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11] .
وقد قرنه تعالى بالشرك وقتل النفس، وتوعد مقارفي تلك الجرائم الشنيعة بالأثام، وقد فسر عكرمة الأثام بأودية في جهنم يعذب فيها الزناة، إلا أنه مع ذلك بشر التائبين بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات.
قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان: 68-70] .
ومن أعظم مظاهر خطورة الزنى ما ثبت في الأحاديث من نفي كمال الإيمان عن فاعله.
ففي الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه. رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
2-استشعار خطورة فضحك لتلك المسكينة ولأهلها، وأن تستشعر مدى خطورة ذلك في ذهنك لو فُعِل بإحدى أخواتك أو بناتك، وأن عليك أن تحب لهم من الخير ما تحب لنفسك، وأن تأتي إليهم ما تحب أن يأتوه إليك.
ففي الحديث: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. رواه مسلم.
وقد روى أبو أمامة: أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنى، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحَصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني
3-الإسراع بالزواج وأن تستشعر أن الله يعينك ويرزقك الغنى.
قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] .
وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعو الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لك ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] .
وقال ابن مسعود: التمسو الغنى في النكاح، يقول الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] . نقل ابن كثير الأثرين عنهما.
وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
فبادر يا أخي بالزواج، فهو أحصن للفرج، كما في الحديث: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
4- الإكثار من الصوم للحديث السابق، وثق تماما بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ينبغي أن تعلم أن الدواء لا بد من استعمال القدر الكافي منه، فحاول أن تصوم الخميس والاثنين دائما، والأيام البيض والأيام الفاضلة، كعشر ذي الحجة وعاشوراء.
وإذا أمكن أن تصوم يوما وتفطر يوما فستنضبط غريزتك بإذن الله، وأكثر الدعاء عند الصوم بتسهيل أمورك المادية وتعجيل زواجك بامرأة صالحة.
وعليك بغض البصر والبعد عن المثيرات وصحبة أصدقاء السوء.
5- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاستحي منه أن يراك على معصية.
6-استشعار مخاطره الدنيوية كالإصابة بالإيدز والزهري والسفلس والسيلان والتفكك الأسري والعنوسة وانتشار الأولاد اللقطاء.
وراجع للزيادة في الوسائل المعينة على تركه والتوبة منه الفتوى رقم: 30425 والفتوى رقم: 26714، والفتوى رقم: 12928.
هذا وقد ذكر بعض العارفين بطب الأعشاب أن ابتلاع وزن درهم من الحناء يخفف من حدة الشهوة، وعليك كذلك بالتخفيف من أكل المثيرات للشهوة، كاللحوم والبيض وما أشبه ذلك.
ثم إن الرياضة البدنية وإرهاق البدن في الخدمات الاجتماعية يستهلك كثيرا من الطاقة.
كما أن عمل برنامج يستغرق طاقتك التفكيرية ويشغل جل وقتك بالاهتمام بتحصيل علم نافع، كحفظ القرآن أو كتاب من كتب الحديث أو بعض العلوم النافعة كاللغة والطب وغير ذلك، نقول: عمل برنامج من هذا القبيل أمر نافع لحالتك جدا.
ومن الأفضل أن تتعاون في هذا البرنامج مع بعض الأصدقاء الطيبين حتى يكون ذلك حافزا لك على المتابعة والمنافسة.
وأما وعدك لربك بعزة الله وجلاله، فإن كنت تنوي به القسم، فتلزمك مع التوبة كفارة يمين، وقد وضحها الله تعالى في قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة: 89] .
وإن كنت تقصد به غير ذلك، فلا يلزمك فيه إلا التوبة كما أسلفنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/5752)
رد شبهة حول قبول توبة العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إنني أقرأ كثيرا في بعض إجابات الشيوخ عند السؤال عن التوبة قيل: قبل الله توبته غفر الله ذنبه، سؤالي: إن التائب لا يكون تائبا إلا بعد ندم وعزم على هجر المعاصي، فكيف يعرف التائب أن الله قبل توبته؟ وما معنى قول إذا قبل الله توبته؟ وهل التائب الذي لم يحد في الدنيا وكان صادق التوبة، هل سيعذب في البرزخ وفي الآخرة؟ ولكم الشكر وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قول المشايخ إذا قبل الله تعالى توبة العبد غفر ذنبه. قول صحيح، لأن العبد إذا لم تقبل توبته لن يغفر ذنبه، والقبول بيد الله تعالى، ومتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو سبحانه وتعالى لا يتقبل إلا من المخلصين، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] .
ولا شك أن الله تعالى يغفر لمن تاب إليه وأناب، وهو سبحانه يقول عن نفسه: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْب [غافر: 3] .
وهذا لمن حصل شروط التوبة.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم:
5646.
وأما كيف يعرف التائب أن الله تعالى قبل توبته فمن ذلك أن يصلح حاله ويستقيم أمره بعد التوبة، ويوفق لعمل الخير وحبه وتجنب العصيان وبغضه.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل عن هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
5450.
فالتائب إذا أخلص التوبة واستكمل شروطها، فإن الله تعالى يقبل توبته، ولو لم يقم عليه الحد في الدنيا، ونتيجة لذلك، فإنه لا يعذب في البرزخ ولا في الآخرة، لأن الله تعالى يقول عن هؤلاء وأمثالهم: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان: 70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/5753)
لا معوقات أمام التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد إعلان التوبة الصادقة أمام الله ولكن لم أستطع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن أمن مكر الله تعالى هو الخسران والهلاك يوم القيامة. قال تعالى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] ، فبادر إلى التوبة قبل أن تفوت عليك الفرصة، فإنك لا تدري متى ينقضي أجلك، فتندم على تفريطك، فلا ينفعك حينئذ الندم، واعلم أن باب التوبة مفتوح أمامك ما لم يحضر الموت أو تطلع الشمس من مغربها. قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:17، 18] .
وقال: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام:158] .
وروى الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وشروط التوبة واردة في الفتوى رقم: 5450 فراجعها.
وشد عزيمتك، وأجمع أمرك، وسارع إلى الخير وإلى المغفرة من ربك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/5754)
أحسن الظن بربك واستأنف سيرك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا فضيلة الشيخ أنني رجل متزوج وقد ارتكبت فواحش ومحرمات كثيرة وأريد الرجوع إلى الله وقد تبت ولكن الخوف من الله مسيطرعلي وقد كنت في غفلة وصحوت سؤالي: كيف أجمع بين قول الرسول"فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه"وبين قبول التوبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ وهل يكون العقاب العذاب في القبر أو العذاب في الآخرة إنني دائم التفكير في ذلك؟ وهل الله يقبل الأعمال الصالحة؟ لا أريد مجرد التطمين ولكن أريد الحقيقة.
ولكم تحياتي وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض -والحمد لله- بين ما ورد من نصوص قد علقت فيها المغفرة على مشيئة الله تعالى، كقوله سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] وكما ورد في حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن الصلوات الخمس: ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة.
وبين ما ورد من نصوص دالة على قبول توبة التائب، كقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [الشورى:25] .
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه.
فإن الأولى في حق من لقي الله تعالى بهذا الذنب، وإلا فمن تاب توبة نصوحًا فإن ذنبه مغفور بإذن الله تعالى، وهو المقصود بالنصوص الأخرى. وأما العقاب فإن أمره إلى الله تعالى في الدنيا والقبر ويوم القيامة، وقد يكون في بعضها دون بعض، وقد يعفو الله تعالى عن المذنب فلا يؤاخذه بذنبه أصلاً.
ثم إننا ننصح الأخ السائل أن يحسن الظن بربه، وأن لا يلتفت إلى وساوس الشيطان، فإنه قد نجا منه بالتوبة، فأراد أن يوقعه في اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] ، وقال سبحانه: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] .
ونرجو من الأخ الكريم الاطلاع على الفتاوى بالأرقام: 5646، 7007، 9394، 23150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/5755)
الحقوق المترتبة في الذمة وحقوق العباد لا يكفرها الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم:
هناك حديث لا أحفظه تماما للرسول عليه الصلاة والسلام وهو: من حج رجع كيوم ولدته أمه..
وقبل أن أحج كانت ذنوبي كثيرة، وكانت علي كفارات يمين كثيرة، وهي إطعام عشرات المساكين، فهل يجب علي أن أكفر عن يميني بعد أن حججت أم الحج يكفي؟.. فالحج يرجعني كيوم ولدتني أمي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحقوق التي على العبد إما أن تكون لله تعالى، وإما أن تكون لعباده، فإن كانت لله تعالى فهي على قسمين: قسم مترتب على الذمة ومستقر فيها، فهذا لا تبرأ منه الذمة إلا بأدائه على الوجه المطلوب شرعًا، وذلك مثل الكفارات والنذور وقضاء الصلاة والصوم.
والقسم الثاني: مخالفات شرعية ارتكبها المسلم كالكذب والزنا وشرب الخمر وغيرها.. فهذه تكفر بالتوبة والاستغفار منها وبالحج المبرور، كما في الحديث الذي أشار إليه السائل، وهو في صحيح البخاري ولفظه: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
وهو في صغائر الذنوب اتفاقًا وفي الكبائر على الراجح. قال الحافظ في الفتح: رجع كيوم ولدته أمه: أي بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر ... اهـ
وأما ما كان على العبد من حقوق العباد فإن الحج لا يكفره ولا بد من أدائه لأصحابه في هذه الدنيا أو في الآخرة، إلا أن يتنازلوا عنه ويسامحوا فيه.
والحاصل أن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم حديث صحيح، ولكنه لا يتناول الحقوق المترتبة في الذمة كالكفارات قطعًا، ولا يتناول حقوق العباد على الراجح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1424(9/5756)
وعد الله التائب من الزنى بقبول توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين أما بعد:
أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة اتبعت للأسف الطريق المستقيم منذ شهور فقط، ولكنني نادم على ما فاتني حيث أنني كنت أمارس اللواط مع ابن عمتي منذ كان عمري 11 عاما، وكنت أمارس الزنى مع أخته كذلك،
فالمرجو منكم أن تعطوني إجابة شافية عن كيفية التوبة إلى الله، علما بأنه في الوقت الحاضر لا يوجد جلد ...
جزاكم الله عنا كل خير وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة واجبة من الذنوب كلها؛ لقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] ، ولقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] . فعليك أن تبادر بالتوبة قبل الموت، فإن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، كما في حديث الترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقد وعد الله التائب من الزنى بقبول التوبة، وتبديل سيئاته حسنات. قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68 - 70] .
وننصحك بالزواج إن كنت قادرًا عليه وإلا فعليك بالصوم.
وراجع في كيفية التوبة الفتوى رقم:
30031، والفتوى رقم: 26714.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(9/5757)
غفران خطايا التائبين مهما عظمت
[السُّؤَالُ]
ـ[االسلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إنني مرت بي ظروف صعبة، فأنا كنت متزوجة من رجل متزوج، وكان كثير السفر مع زوجته، وكان يضربني ويشتمني وأهلي لم ينصفوني منه، فقد نصحهم الناس برفضه، وقد وقعت في الزنا مرارا وعملت محرمات أخرى، وطلقت منه وتزوجت بآخر طيب، أنا الآن نادمة وخائفة من الله وعقابه، وكثيرة البكاء وأنقطع حسرة وغير مصدقة ما فعلت، فهل الله سيغفر لي ويقبل توبتي، وخائفة أن ينالني عذاب القبر، كما في حديث الرؤيا، وهل سوف أدخل النار، وماذا علي أن أعمل؟ دلني وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما أقدمت عليه من الزنا وغيره من المحرمات، هو غاية في الإثم والمعصية لله عز وجل يجب عليك منه التوبة النصوح، والاستغفار لله تعالى.
واعلمي أن الله تعالى بمنِّه وكرمه وعد - ووعده حق لا خلف فيه - التائبين بقبول توبتهم وغفران خطاياهم مهما عظمت. قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال الترمذي وصححه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ... الحديث.
وبهذا تعلمين أن رحمة الله تعالى واسعة.. فما عليك إلا أن تقبلي على ربك جل جلاله بالأعمال الصالحة والتوبة النصوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(9/5758)
جاهد نفسك ترزق سبل الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمابعد ...
أنا طالب في الثانوية لو تنظرون إلى شكلي الظاهري يبدو عليه الالتزام وأنا عكس ذلك، أحاول أن ألتزم فلا أستطيع حتى أنني أصاحب الملتزمين، لعل وعسى أن ألتزم، أنا لا أتظاهر بالالتزام، بل أحاول أن ألتزم، فما الحل؟ أفيدوني وأغيثوني فأنا أخشى أن أموت على هذه الحالة وأحشر مع المنافقين والعياذ بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الالتزام هو: وفاء العبد بما ألزم به شرعًا وكلف به من امتثال أوامر الله عز وجل والكف عن نواهيه. وهو ليس أمرًا اختياريّا بحيث يأخذ العبد منه ما وافق هواه ويرفض ما خالفه.
لذا فالواجب عليك وعلى كل مكلف امتثال أوامر الله تعالى ظاهرًا وباطنًا، فتؤدي فرائضه وتكف عن محارمه وتقف عند حدوده. وأن تجاهد نفسك على ذلك وتعصي هواك. وتأخذ بالأسباب التي من شأنها أن تعينك على ذلك ومنها: مجالسة أهل الصلاح والتقوى، والبعد عن قرناء السوء، وهجر أماكن اللهو واللعب والإثارة والله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] ويقول أيضًا: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40، 41] .
نسأل الله أن يعيننا جميعًا على تقواه، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وعليك بمحاولة الالتزام ومرافقة الملتزمين، فإن ذلك مطلوب شرعًا لأنه من وسائل علاج ضعف الإيمان، ولا تلتفت إلى ما يوسوس لك به الشيطان، يريد صدك عن الهدى والاستقامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(9/5759)
الشيطان هو الذي استدرجك إلى ما وقعت فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أريد أن أعرف الإجابة حسب نوع الحالة: لقد كنت أفعل إثما كبيرا لا أحسد عليه، ولكن عند ما تعرفت عليها شعرت بشيء يجذبني نحوها، وكنت أريد استدراجها إلى الفاحشة، ولكن منعني شيء من فعل دلك، ومند تلك اللحظة لم أفعل أي شيء من ذلك القبيل، وشكرا أريد تفسيرا لما حدث معي وما هو الحل؟ لأنه رجعت حالتي التي كنت عليها عندما ابتعدت عنها، وجزاكم الله خيرا وآسف على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك وقعت في معصية عظيمة عندما تعرفت على من لا تحل لك، وقمت بمجالستها، ولعلك خلوت بها، فيكون الشيطان حينئذ هو الذي جذبك إلى المعصية وزينها لك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ولا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
والله تعالى بين أن الشيطان يسعى دائماً لإهلاك الإنسان، حيث قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
ولتحمد الله تعالى على سلامتك من الوقوع في الفاحشة، ونلفت انتباهك إلى ما يلي:
- البعد عن الاتصال بمن لا يحل لك الاتصال بها من النساء وغيرهن.
- غض البصر عما يحرم النظر إليه، ومن ذلك البعد عن مشاهدة الصور الخليعة والمشاهد المثيرة التي تدعو إلى تحريك الشهوة وإثارة الفتنة.
- المبادرة بالزواج امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء متفق عليه.
- التوكل على الله تعالى، والاستعاذة به من كيد الشيطان، قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:98-100] .
فإذاً يمكن القول إنما حدث لك أنك كنت ضحية لوساوس الشيطان، فهو الذي قادك للتعرف على من لا تحل لك ثم استدرجك إلى ما وقعت فيه، لكن الله تعالى منّ عليك بالسلامة من الفاحشة، ولله الحمد.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم:
33697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(9/5760)
الحزن إذا وصل إلى حد اليأس والقنوط
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
هل الحزن الدائم يعني عدم الرضا بما أعطاه الله لنا، وإن كان الحزن بسبب كل ما يحدث حولنا وعجزنا عن فعل أي شيء وإن كان هذا الحزن قد أصبح جزءا رئيسيا في حياتي، مع العلم بأن الله قد أنعم علي بنعم كثيرة، ولكن هذا الحزن ملازم لقلبي ولايفارقه، وأصبح أمرا طبيعيا....فهل يجوز هذا الحزن شرعا؟ أم أنني أعتبر آثمة؟؟؟
حيث إن العديد يقولون إنه علي أن أكون سعيدة..ولكن كيف يكون سعيدا من شاهد دينه وهو يمتهن وإخوته وهم يقتلون؟؟؟ كيف يكون سعيدا من يعيش غريبا في وسط مسلمين ولكنهم أبعد ما يكونون عن الإسلام!!! كيف يكون سعيدا من كان في الدنيا، والدنيا دار شقاء وعناء!! هل أعتبر شرعا آثمة لحزني الدائم؟ وهل يجوز تمني الموت وعدم الرغبة في الحياة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حزن المسلم لمصيبة أصابته في دينه أو بدنه أو أصابت مجتمعه وأمته لا يتنافى مع الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم وتألم قلبه وذرفت عيناه لمضض المصيبة، وهكذا الصحابة والسلف الصالح، ولكنهم راضون بقضاء الله وقدره ولا يقولون إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى.
ولكن حزن المسلم لمصيبة نزلت به أو بأمته لا يجوز أن يصل إلى حد اليأس والقنوط، فاليأس والقنوط قرينان للكفر والضلال. قال الله تعالى: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] ، وقال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] .
والرضا بالقضاء واجب، ولكن الرضا بالمقضي به ربما لا يكون واجبًا، بل ربما كان الرضا بالمقضي حرامًا إذا كان المقضي به حرامًا، كأن يكون المقضي به كفرًا أو فسقًا أو ظلمًا أو معصيةً.
وعلى هذا فلا يجوز أن نرضى بما وصل إليه المسلمون اليوم من ضعفٍ وذلٍ وهوانٍ وتركٍ للدين واتباعٍ للهوى والشهوات.
والمسلم يحزن لذلك أشد الحزن، ولكن يجب أن لا يكون سلبيًّا، وأن يكون حزنه وألمه دافعاً له إلى أن يصلح ما استطاع إصلاحه، وأن ينبِّه إخوانه على ما يرتكبونه من أخطاء وما يحيط بهم من أخطار، فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس. رواه أحمد.
فمن حزن لمآسي المسلمين وعمل لتغييرها فإنه مأجور إن شاء الله تعالى.
وأما تمني الموت فإنه لا ينبغي فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لايتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي. رواه البخاري.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
31781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(9/5761)
الحج صحيح لكن لا بد من المحافظة على الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لي أخ في الله منّ الله عليه بالحج وتاب إلى الله من كل شيء والحمد لله منّ الله عليه بعدم امتلاكه تلفازاً وهوحريص على تعلم الدين من خلال الدروس والمحاضرات ولكن له أخ لديه دش وكان عنده فقام بتشغيل الجهاز ثم أحضر القنوات الإباحية فشاهدها معه ثم تاب وندم وعاهد الله على عدم فعل ذلك
ثم ذهب لأخيه وعندما حاول تشغيل تلك القنوات تركه ثم شاهدها مرة أخرى في مرة كان عنده فيها ثم تاب ولم يعدلها وعليه فهو يسأل ما حكم ذلك وما كفارته؟ وهل يؤثر ذلك على حجه؟ مع العلم بندمه على ذلك.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذا الأخ المبادرة إلى التوبة من مشاهدة الأفلام الإباحية، وأن تكون له عزيمة قوية تمنعه بإذن الله من العودة لمشاهدتها، وحتى يتمكن من ذلك لابد أن يفارق المكان الذي تعرض فيه، مع النصح لأخيه بإخراج هذه الآلة اللاقطة للأفلام الساقطة من بيته وترك مشاهدتها، وللفائدة فليراجع الفتوى رقم: 6617، والفتوى رقم: 26411.
أما حجه فصحيح إن أداه على الوجه المشروع، ولا تؤثر الذنوب التي اقترفها بعده فيه، مع أن الواجب عليه هو الاستمرار على الطاعة بعد الحج، واجتناب المعاصي، والمحافظة على الحال الطيبة التي يثمرها الحج المبرور، كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. أخرجه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(9/5762)
هل تقبل حسنات مرتكب الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يستطيع الإنسان أن يزود رصيد حسناته وهو مرتكب كبائر كالنميمة والزنا والسرقة وغيرها وهل يقبل الله منه؟ وهل يوجد إنسان يدخل الجنة وهو مصر على معاص كبيرة ولكن ترجح كفة حسناته؟
وتمنياتي لكم بالتوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكبائر لا تحبط جميع الحسنات، ولا تمنع قبولها، ولكن قد تُحبط من الحسنات بقدرها عند وزن أعماله، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العقاب، كما في الحديث الذي رواه البخاري في "الأدب المفرد" ورواه أيضاً غيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل. قيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: يُكبِّر أحدكم في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويسبح عشرًا، فذلك خمسون ومائة على اللسان وألف وخمسمائة في الميزان، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهنَّ بيده، وإذا أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره، فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة، قيل: يا رسول الله كيف لا يحصيهما. قال: يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يذكره. قال الألباني: صحيح.
فدل هذا الحديث على وزن الحسنات والسيئات والمقاصة بينهما، وقد قرر أهل العلم أنه لا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله ذلك، وإن كان مستحقًا العقوبة العظيمة على كبيرته.
وبهذا تعلم أن مرتكب الكبائر يمكنه أن يزيد رصيده من الحسنات وأن الله يقبلها منه، وأن من رجحت كفة حسناته على كفة سيئاته إذا اتقاه فيها وعملها خالصة لوجهه دخل الجنة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل مسلم يعمل عملاً يستوجب أن يبنى له قصر في الجنة ويغرس له غراس باسمه، ثم يعمل ذنوبًا يستوجب بها النار، فإذا دخل النار كيف يكون اسمه أنه في الجنة وهو في النار؟ فأجاب: وإن تاب عن ذنوبه توبة نصوحاً فإن الله يغفر له ولا يحرمه ما كان وعده بل يعطيه ذلك، وإن لم يتب وزنت حسناته وسيئاته، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من أهل العذاب. وما أعد له من الثواب يحبط حينئذ بالسيئات التي زادت على حسناته، كما أنه إذا عمل سيئات استحق بها النار ثم عمل بعدها حسنات تذهب السيئات. والله أعلم.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الإصرار على المعاصي ولاسيما الكبائر سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله، كما قال تعالى: فَلْيَحَذَرِ الْذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبُهُمْ فَتْنَةٌ أَوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:] .
وفي مسند أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:] قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
ولذا قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر. كما أن الحمى بريد الموت. وفي مسند أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
فعلى من ابتلي بشيء من الكبائر أن يبادر إلى التوبة قبل أن يختم له بسوء عياذًا بالله من ذلك.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 24874، والفتوى رقم: 28748.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(9/5763)
مضايقات أصدقاء السوء ابتلاء من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السيد الفاضل والأستاذ الكريم:
أرجو إفادتي بما يلي:
أولاً: عندما أنشغل بشيء من أمور الدنيا أقوم بعمل صلاة استخارة وبالفعل يرتاح قلبي للشيء الذي أستخير الله فيه، المهم بعد أن يرتاح قلبي من ناحية هذا الموضوع يأتينى شعور بأن أبتعد عنه علماً بأنني قد قررت صلاة الاستخارة أكثر من عدة مرات وتأتني راحة في القلب فيه ولكن يحدث في كل مرة أن يأتيني نفس الشعور بالابتعاد عنه.
ثانياً: منذ فترة من الزمن كنت كأي شاب يتعرف على فتيات كثيرات ثم قررت عدم العودة إلى هذه العلاقات مرة أخرى وبالفعل قمت بعمل عمرة إلى بيت الله الحرام ومنذ ذلك الوقت ارتاح قلبي ولم أعد لمثل هذه الأشياء مرة أخرى وداومت على الصلاة في المسجد.
ثالثاً: تأتيني المشاكل في كل حين وفي كل وقت وخصوصاً في العمل لدرجة أن زملائي لا يتركوني وحالي ودائماً يتذكرون العلاقات القديمة وينسون أنني بدأت المداومة على الصلاة وليس لي شأن بأي شيء لا يخصني وبالتالي ينتابني الهم والحزن لدرجة أنني لا أريد أن أرى أحداً فماذا أفعل لكي أرى رضا الله عني؟ وماذا أفعل مع زملائي لكي يعرفوا بأنني قد سلكت طريق الله وتبت عن أي عمل أساء إلى من قبل؟ توجهت إلى الله بالدعاء وبكثرة الاستغفار عما بدر مني وطلبت منه أن يرفع الهم والحزن عن قلبي نظراً لأن لي زوجة وأطفالاً وهذه الهموم والأحزان تشغلني عنهم.
أرجو أن تخبرني ماذا أفعل وكيف أرى رضا الله عني؟
جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما جواب الشق الأول من السؤال فقد سبق في الفتويين، رقم: 19343، ورقم: 1775، فلتراجعا.
وأما جواب الشقين الثاني والثالث، فنقول لك: الحمد لله الذي وفقك للتوبة، ونسأل الله لك الثبات على الاستقامة، واعلم أن الله تعالى أراد بك خيرًا، وإلا لما وجهك إلى التوبة. قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] .
فاحرص على الثبات على ما أنت عليه واستعن بالله ولا تعجز، ولعلَّ ما يصيبك من مضايقات أصدقاء السوء ابتلاء من الله ليرى صدق توبتك وإمضاء عزيمتك. قال تعالى: ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1، 2] .
ولا ينبغي لهذه المضايقات أن تنغص عليك حياتك وتكدر علاقاتك مع أهلك وولدك. قال تعالى عن عباده المؤمنين: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] .
فلتكن هذه الآية قانونًا تسير عليه، وأعرض عن الجاهلين، وقل لهم قولاً يؤدي إلى السلامة، وعاملهم بالرفق، وادعهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكر قول الله تبارك وتعالى: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] .
ثم لا عليك بعد ذلك استجابوا أم تولوا، قال تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127] .
وأما سؤالك كيف تعرف رضا الله عنك، فننصحك بمراجعة الفتويين رقم: 21885، ورقم: 20634 وستجد فيهما جواباً لما تسأل عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(9/5764)
فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من زوجي كثيرا في كل الصلوات، فهو كسول جدا، وفي كل صلاة أذكره بها وأنه قد دخل وقتها، ولكن لا يجيب ولا يصليها إلا بعد خروج وقتها، أو إذا فرغ من شغله الذي يشتغل به، فأنا أوقظه لصلاة الفجر حتى يرد علي، ثم أتركه لأنني متأكدة من أنه لن يستيقظ، وأتركه، فهل علي شيء وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني وفي رواية: ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي، فقال: رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه الألباني.
ويضاف إلى هذا عموم ما ذكره القرآن من التأكيد على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى. قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1 - 3] ، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] ، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] .
وإن أهم ما ينبغي أن يتعاون عليه الصلاة، ففي الموطأ أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة! فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
فالصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد، فإن صحت صح ما سواها، وإن فسدت فكذلك، وبصلاحها يفلح، وبفسادها يخسر. ففي الحديث: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويتعين على الرجال إقامتها في المسجد، لحديث الصحيحين: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم.
وبناء على هذا.. فاحرصي على قيام زوجك بالصلاة في وقتها، وأكثري من الدعاء له، ووفري له أسباب الراحة حتى ينام القيلولة وينام مبكرًا فيسهل له الاستيقاظ للفجر. وتعاوني معه على مجلس علم في البيت تقرآان فيه من أحاديث الترغيب، وحاولي الحصول على بعض الأشرطة المهمة المرغبة في الصلاة في الجماعة وقيام الليل، وحضيه بحكمة وبرفق على سماعها في البيت وفي السيارة، واحرصي -ولو بالتعاون مع بعض صديقاتك من أهل الفضل- على أن يكون له رفقاء صالحون ينشطون للأعمال الصالحة، فالمرء على دين خليله؛ كما في حديث أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وابذلي ما تيسر لك من الوسائل في تحقيق إقامته للصلاة مع الحرص على الحكمة والرفق، فاستعملي الساعة المنبهة أو التليفون، أو افتحي شريطًا. واعلمي أن تنبيهك له وإيقاظه واجب عليك. قال صاحب نظم الكفاف:
تنبيه غافل لما لو انتبه ... لزمه من الأمور الواجبة
وعليك أن تذكِّريه بأن المؤمن لا ينشغل بأي عمل دنيوي عن الصلاة؛ كما قال تعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:37] . وإذا بذلت كل الوسائل المتاحة فلا إثم عليك.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:
4510، 10767، 4034، 5153.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(9/5765)
هل يرافق أصدقاءه القدامى بعد ما من الله عليه بالهداية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أصدقاء منذ كنت طفلاً إلى هذا اليوم وأنا التزمت بدين محمد فهل تجوز مرافقة الأصدقاء القدامى مع أنهم لا يصلون وأنا أحاول أن أصلحهم فهل يجوز مرافقتهم في إصلاحهم أو لا؟
وأنا آسف على الإطالة وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن للصحبة أثرًا بالغاً على الشخص سلبيًّا أو إيجابياً وقديماً قيل: قل لي من صاحبك، أقل لك من أنت، وفي الحديث: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. رواه مسلم.
وهؤلاء الأصدقاء الذين وصفتهم بأنهم لا يصلون لا تنبغي لك صحبتهم ولا مجالستهم، إلا بقصد إصلاحهم ودعوتهم إلى الصلاة، وسبب ذلك أمران:
الأول: أن هؤلاء يجب الإنكار عليهم لارتكابهم هذا المنكر الكبير، وهو ترك الصلاة، ومن صور الإنكار هجرهم، والتباعد عنهم إن كان ذلك مفيداً في دعوتهم، وقد تقدم لنا كلام في هجر أهل الكبائر يراجع في الفتوى رقم: 29790.
السبب الثاني: أن مجالسة مثل هؤلاء سبب لضعف الاستقامة ورجوع القهقرى، ولا ينبغي للمؤمن أن يجعل دينه هدفًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(9/5766)
إيضاح حول مقولة "يجب أن نعطي للدنيا حقها"
[السُّؤَالُ]
ـ[سلام الله عليكم ورحمته
بعض المسلمين يقولون " يجب أن نعطي للدنيا حقها" وهذا يتعلق بتضييع الوقت في مشاهدات المسلسلات وغير ذلك من اللهو ... إلخ
فما هو موقف الإسلام؟ أفيدوني جزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي السائل وفقك الله لكل خير أن الوقت من أغلى ما يملكه الإنسان، وأنه يجب على المؤمن أن يحفظ وقته وأن لا يضيعه في غير فائدة تعود عليه في دنياه وأخراه.
واستمع إلى قول الله عز وجل وهو يوبخ أهل النار لما سألوه أن يعيدهم إلى الدنيا، قال تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير [فاطر: 37] . أي أولم نعمركم دهرا وعمرا يتمكن فيه من أراد التذكر من العمل، متعناكم في الدنيا، وأدررنا عليكم الأرزاق وقضينا لكم أسباب الراحة ومددنا لكم في العمر، فلا يجابون.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه.. الحديث رواه الترمذي عن ابن مسعود وسنده حسن.
وقال صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ. رواه البخاري وغيره عن ابن عباس والمغبون هو الخاسر.
فالوقت أغلى وأشرف من أن يضيع في مسلسلات هابطة وتمثيليات ساقطة وأغاني محرمة.
وصدق من قال:
والوقت أغلى ما أراك ملكته وأراه أسهل ما عليك يضيع
وأما قولهم "يجب أن نعطي للدنيا حقها" فماهو حقها؟ هل حقها أن نقدمها على الآخرة؟! هل حقها أن نضيع فيها أوقاتنا؟! لو علم الناس حقها لما جلسوا على المسلسلات والتمثيليات.
ولمعرفة حكم المسلسلات والتمثيليات نحيل القارئ إلى الفتوى رقم:
19823، 1791.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/5767)
عظه وقل له في نفسه قولا بليغا.
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني التعامل مع المنافق؟ خاصة إذا كان قريبا مني وهو لا ينافق في العمل فقط ولكن أيضا مع الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك تجاه من هذا حاله القيام بما أمر الله تعالى به في حقه من بغض ما هو فيه من معصية الله تعالى وبذل النصح له وتذكيره بالله تعالى وبيان سوء عاقبة من يقوم بهذا النوع من الأفعال والتلطف به في ذلك ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، واللين والرفق في ذلك كله، فلعل الله تعالى أن يوفقه إلى التوبة على يديك، وأن يسوقه إلى الخير بسببك، فإن تاب وأناب فالحمد لله، وإلا، فلا بأس في إغلاظ القول عليه وزجره عما هو فيه عملا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التحريم:9] .
فإن تمادى في غيه وضلاله فاهجره إن كان في هجره مصلحة شرعية.
ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتاوى ذات الأرقام التالية:
19692،
7119، 14139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/5768)
عرفت فالزم
[السُّؤَالُ]
ـ[ارجو مساعدتى إلى طريق الهدى: ما الطرق وما السبل إنني في حاجة إلى مساعدة (مع العلم أني أقرأ قراءة جيدة في أمور الدين ولكن أمتلك شيطاناً قوياً) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي المسلم أنك قد سلكت الطريق الصحيح، وعلامة ذلك شعورك بحاجتك إلى الهداية وكونها هي سبيل سعادتك في الدنيا والآخرة، ثم اعلم أنك تملك ما هو من أهم مقومات سبيل الهداية ألا وهو العلم الشرعي الذي تستبصر به في معرفة ما يحبه الله تعالى ويرضاه، فتمتثله، وما يبغضه الله ويأباه، فتجتنبه، ولمزيد من الفائدة عن أسباب الهداية راجع الفتوى رقم: 1208 والفتوى رقم: 17666 وما ذكرت من وقوعك في حبائل الشيطان فعلاجه أن تكثر من الاستعاذة بالله من وسوسته، وأن تتذكر أن كيده ضعيف، كما أخبر بذلك الرب تبارك وتعالى في كتابه حيث قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء: 76] .
وعليك أن تسلك كل سبيل يمكن أن تتقي به شره، كالاستعاذة التي أشرنا إليها آنفا، ومصاحبة الصالحين، والبعد عن أصدقاء السوء، وغير ذلك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
12928
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/5769)
شروط التوبة وكيفية الثبات عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[التوبة والالتزام والتثبيت عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على هذا السؤال في الفتاوى التالية أرقامها: 4603، 24309، 29785، 1208، 26714، 28748، 15219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1424(9/5770)
توبة الظالم لنفسه والظالم لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلي فضيلة الشيخ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" هل المقصود في هذا الحديث أهل الكبائر الذين ماتوا ولم يتوبوا أو يشمل الذين تابوا أيضا يعني هل يدخل التائب من الكبائر مهما عظمت النار بعد التوبة.
وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقصود في الحديث الصحيح المذكور أهل الكبائر الذين ماتوا ولم يتوبوا، لأن نصوص الكتاب والسنة دالة على أن من تاب إلى الله مستوفيًّا لشروط التوبة تاب الله عليه، مهما عظمت الكبائر، لا يلحقه الوعيد. قال أبو العباس القرطبي - في ما نقله عنه العراقي في طرح التثريب - وابن حجر في الفتح: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعاً. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: والتوبة تكفر الكبائر بغير تردد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: نصوص الوعيد للكفار والفساق مشروطة بعدم التوبة؛ لأن القرآن قد دلّ على أن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب، وهذا متفق عليه بين المسلمين. اهـ
وقال أيضاً في الفتاوى الكبرى: قد علم يقيناً أن كل ذنب فيه وعيد فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبينة لتلك النصوص، كالوعيد في الشرك، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والسحر، وغير ذلك من الذنوب، ومن قال من العلماء توبته غير مقبولة، فحقيقة قوله التي تلائم أصول الشريعة أن يراد بذلك أن التوبة المجردة تسقط حق الله من العقاب، وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة، وهذا حق، ولا فرق في ذلك بين القاتل وسائر الظالمين، فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا، فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلساً. ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا رادّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء. اهـ
وكون الكبائر تُكفَّر بالتوبة الصادقة لا يمنع ذلك التائب من الوجل والخوف من الله تعالى، وطمعه في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرغب إلى الله في أن تناله؛ لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب، ولا قائم لله سبحانه بكل ما افترض عليه، بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص، فهو لذلك يخاف العقاب، ويرجو النجاة، وقال صلى الله عليه وسلم: لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ فقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
لذا كان السلف الصالح يتهمون أعمالهم وتوباتهم ويخافون أن لا يكون قد قُبل منهم ذلك. قال الحسن البصري: أدركت أقواماً لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن؛ لعظم الذنب في نفسه. قال القرطبي: فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عز وجل أن يكونوا خائفين من معاصيهم وجلين، وهم أيضاً لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/5771)
نصائح وإرشادات للتخلص من المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم لي أخ في دبي وهو بعيد كل البعد عن الدين فهل لكم مساعدتي على هدايته؟ وبالذات أنه يشكو لي وضعه في المعاصي فهو وحيد يشتغل لكي يصرف على أهله في الاردن، ساعدوني يا إخوان وعند الله الجزاء. أنتظر الرد بفارغ الصبر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاتخذ في دعوة أخيك وهدايته الأساليب المذكورة في الفتوى رقم: 13288 وينبغي أن ترشد أخاك إلى الأمور التالية:
1-صحبة الصالحين واجتناب رفقاء السوء.
2-الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن.
3-أن يشغل وقته بالنافع حتى لا يجد من الوقت الفارغ ما يشغله الشيطان عليه بالمعصية.
4-أن يتزوج فالزواج خير له.
ويمكنك أن ترسل إليه بالفتوى رقم: 3161 والفتوى رقم:
22382
وإن كنت تعرف من الشباب الصالح من يسكن في نفس المدينة التي هو فيها فأوصهم عليه وحثهم على رعايته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/5772)
الإعداد للحاجة مستحسن شرعا وعقلا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك موضوع يشغلني يتعلق بمسألة طول الأمل. فأنا أرغب في شراء سيارة، ولكني لا أستطيع دفع سعرها نقدا لأني لا أملكه لكن بتوفيق الله تقوم نقابة المهندسين بتمويل شراء سيارات لأعضائها ومن ثم تقسط المبلغ على فترة قد تصل إلى خمس سنوات، وبحمد الله تعتمد النقابة مبدأ المرابحة البعيد عن شبهة الربا. ما يشغلني هو: ألا يتعارض مبدأ شرائي السيارة وتقسيط سعرها لخمس سنوات مع واجبي كمسلم بتجنب طول الأمل المكروه؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من عباده الصالحين، ثم اعلم أخي الكريم أن الله تعالى أنعم على خلقه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن هذه النعم الجليلة ما أنعم الله علينا به في هذا الزمان من تيسير المواصلات، وذلك بوجود هذه السيارات وغيرها من وسائل المواصلات، ولا حرج على المسلم في امتلاكها وشرائها سواء كان ذلك بسعر حال أو مؤجل، وليس في الشراء بالتأجيل بأس، لأن الشرع أباح ذلك، وليس في هذا أمل مذموم، ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.
وفي الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ نفقة سنة.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية بعد ذكره لهذا الحديث قال: وفيه جواز ادخار قوت سنة، ولا يقال هذا من طول الأمل، لأن الإعداد للحاجة مستحسن شرعاً وعقلاً، وقد استأجر شعيب موسى عليهما السلام، وفي هذا رد على جهلة المتزهدين في إخراجهم من يفعل هذا عن التوكل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/5773)
التوبة النصوح تمحو ما اقترف العبد من الآثام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عملت شيئاً وفي آخره مرض وأنا في بدايته لم أعلم بذلك وعندما علمت حاولت أن اتركه فلم أستطع ----- عندما أتوب إلى الله وأنا نادم وعازم على عدم العودة هل يكفيني الله شر هذا المرض أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من سعة رحمة الله تعالى أن جعل التوبة لعباده تمحو ما قد اقترفوه من الآثام. قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
ومن فضله تعالى أنه يبدل سيئات التائبين حسنات إذا صدقوا في التوبة وأحسنوا في الإنابة، قال تعالى: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وأما بخصوص المرض المذكور فإنا لا نستطيع الجزم بأنك ستنجو منه بمجرد التوبة، فأمر ذلك إلى الله. فكل ما في الأمر أن تقوى الله والإنابة إليه والتمسك بدينه سبب في معية الله والسعادة في الدنيا والآخرة، والنجاة من البلايا. قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] ، وقال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17، 18] .
وإن الإعراض عن الله سبب في تعاسة العيش والعذاب يوم القيامة، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] .
يبقى أن ننبهك على أن الشيء المضر يجب عليك تركه، ولا تكون تائبًا من الذنب إلا بتركه، فالتوبة مع الإقامة على فعل المحرم استهزاء بالله، ودعواك أنك لا تستطيع الترك دعوى باطلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/5774)
التوبة من تصديق الدجالين
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا صديقة دجالة وصدقناها وعرفنا بعد فترة أن هذا حرام ومن الكبائر، وقاطعناها ورجعنا إلى الله، فهل تقبل توبتنا؟ وكيف تكون التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب تاب الله عليه مهما عظم الذنب، ومن ذلك تصديق الدجالين، وتكون التوبة بـ:
الإخلاص والإقلاع والعزم على عدم العودة، والندم على ما فات.
وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية:
20976، 8198، 23409، 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(9/5775)
من لطف الله بالتائبين أن يبدل سيئاتهم حسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت ذنباً لا يغفر، وهو إنى عاهدت الله أن لا أزني أو أرتكب الحرام، قلت لربى يارب إذا زنيت زلزل علي الأرض وخذ عيالي وعاقبني أشد العقاب، ثم بعد ذلك أزلني الشيطان وزنيت، والآن أنا فى هم عظيم، استغفرت الله، فهل ربي يغفر لي، وماذا أعمل لكي يغفر لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معاهدتكِ الله أن لا تزني ولا ترتكبي أي محرم هي نذر منكِ، والذي عليه جمهور العلماء أن نذر ترك المحرم لا ينعقد، لأن ترك الحرام واجب، ولا يصح التزام ما هو واجب، وقال شيخ الإسلام إنه يلزم، وانظري ذلك في الفتوى رقم:
15049.
وعليه فالأحوط لكِ أن تخرجي كفارة يمين لأنها هي الواجبة في النذر الذي لم يتم الوفاء به، روى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة يمين. أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد.
وكفارة اليمين جاءت مفصلة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] .
وأما عن غفران الذنب، فالله تعالى واسع المغفرة، وعليكِ بالإسراع في التوبة، روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
بل إن من سعة رحمته ولطفه بالعباد أنه يبدل سيئات المذنبين حسنات إذا أخلصوا في توبتهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
واعلمي أن الشيطان عدو لك فاتخذه عدواً ولا تخضع لغوايته فإنك لا تدري متى يأتيك الموت، وراجع الفتوى رقم: 5646، والفتوى رقم: 1095، والفتوى رقم: 4188.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1424(9/5776)
من تاب من الزنا والربا توبة نصوحا تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الي فضيلة الشيخ، أنا عندي سؤال حيرني: إذاوقع شخص متزوج في الزنا أو تعامل في الربا لمدة طويلة ثم أراد التوبة النصوح الصادقة، هل يغفر له؟ وهل سيناله عذاب البرزخ الذي في الحديث القدسي المعروف؟ أتمنى الإجابة بكل صراحة ووفقكم الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فارتكاب الزنا والتعامل بالربا كلاهما من كبائر الذنوب، ولكن من تاب منهما أو من واحد منهما واستكمل شروط التوبة تاب الله عز وجل عليه وغفر له ذنبه، ولا يعاقبه عليه، لا في البرزخ ولا في غيره إذا مات على التوبة النصوح، وقد سبقت لنا فتاوى في هذا منها فتوى رقم:
15430، وفتوى قم: 2189، وفتوى رقم: 21609
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(9/5777)
مجرد الخواطر بعد التوبة لا أثر لها
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترفت ذنب (تقبيل خطيبتي بشهوة) وتاب الله علينا وعاهدت الله أن لا أعود لمثل ما فعلت لكنني كلما تذكرت ذلك الفعل أحسست بالرغبة والشهوة للعودة إليه وأحسست بنفس اللذة، لكني متمسك بعهدي مع الله فهل أنا قد تبت فعلا، وهل قبل الله مني هذه التوبة؟ ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للتوبة من الذنب شروطاً إذا تحققت هذه الشروط كانت التوبة صحيحة، وهذه الشروط هي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، ثم إن كان في هذا الذنب حق لمخلوق استسمحه منه أو رده إليه.
فعلى هذا.. فإن توافرت هذه الشروط في توبتك فهي توبة صحيحة، ولا يضرك ما ينتابك من خواطر في هذا الأمر، ما دامت هذ الخواطر لم يترتب عليها ارتكاب محرم، وما دمت تقوم بمدافعتها فإن هذا دليل إيمانك فاثبت على ذلك، وسل الله تعالى التوفيق، وأما كون هذه التوبة مقبولة أو لا، فإننا نرجو أن تكون مقبولة، إحساناً للظن بربنا وهو القائل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] ، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 12436، والفتوى رقم: 5646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(9/5778)
من وسائل قهر المغريات الطاغية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتغلب الإنسان على شهوته رغم كل الإغراءات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27977، 24010، 1208، 3293، 106، 12928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(9/5779)
رحمة الله واسعة وفضله عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشخص الذي فعل ذنوباً كثيرة جداً فى حق الله سبحانه وتعالى هل إذا تاب إلى الله يعفو الله عنه ويغفر ذنوبه كلها ولا يبالي، وينجيه من عذاب القبر والآخرة، ويكون من الآمنين فى الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الترمذي من حديث أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. , وروى أحمد والطبراني مثله.
وثبت في البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً ثم خرج يسأل فأتى راهباً، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله فجعل يسأل، فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فَنَاَء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال قيسوا ما بينهما فوُجِد إلى هذه أقرب فغفر له.
فهذا رجل أسرف في القتل حتى بلغ من قتلهم بغير حق مائة نفس، لكن لما صدق في التوبة غفر الله له ومحا ذنوبه العظام، رغم أنه لم يعمل خيراً قط سوى صدق اللجوء إلى الله تعالى، فرحمة الله واسعة وفضله عظيم، وراجع الفتوى رقم:
26255.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(9/5780)
بالصبر على المصائب تنال عالي المراتب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المصائب التي يثاب الإنسان عليها؟ وهل أن يكون الإنسان مظلوماً من الأمور التي يثاب عليها إن صبر واستعان بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المصائب التي تكون في الصبر عليها كفارة للسيئات ورفعة للدرجات تشمل كل مصيبة تصيب المؤمن من همٍّ أو غم أو حزن، في نفسه أو في أهله أو في ماله إذا صبر واحتسب، كما جاءت بذلك النصوص عن الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، ويدخل في ذلك ما يقع على المؤمن من ظلم فإنه يؤجر بصبره عليه، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32418، 2732، 2059.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(9/5781)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فعل شخص شيئاً حراماً وكان لم يعرف أنه حرام إلا بعد فترة فهل يدخل النار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان هذا الشيء المحرم مما يعذر الشخص بجهله فإنه لا يؤاخذ به عند الله تعالى لقوله عز وجل: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [الإسراء:15]
وأما إن كان مما لا يعذر بالجهل به فإنه مستحق للعقوبة الربانية، وانظر في ما يعذر بالجهل به وما لا يعذر الفتوى رقم:
19084
وهذا ما لم يتب، فإن تاب فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في حديث ابن ماجه بسند حسن كما قال ابن حجر في فتح الباري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(9/5782)
الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى جميع الإخوان إنني أستنصركم على عدوي وعدو كل البشرية ذلك هو الشيطان اللعين، يا عالم هل لي من متاب من ذنب أصبته مراراً وتكراراً؟ كل مرة أقطع فيها الأف العهود ألا أعود و (لكن) - ما أشد لؤمي - سرعان ما يغلبني هذا اللعين رغم تلك العهود العظيمة.. ماذا أعمل؟ كيف أتخلص؟ أواجه الإحسان -من الله- بالمعاصي كلما ذهبت إلي الإنترنت، ياللخزي من كثرة انتكاساتي أخشى أن يكون الله قد طبع على قلبي؟ أعوذ بالله من ذلك، أيها الإخوه إنني أعيش صراعا مريرا أهزم فيه كل مره ألا مرتين فقط، كيف أنزجر؟ ماذا أصنع؟
إنني لأرجو منكم الدعاء لعل التواب الرحيم أن يقبلني وأن أتوب ولا أعود إلى هذه المستنقعات القذرة يا إخوان ما يزيد ندمي أنني كنت على خير عظيم؟ ولكنني ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انزلقت بعد الهدى، الدعاء الدعاء لي لعل الله أن يجعلني من جنده في هذا الزمن الذي تنكر فيه (المسلمون) لدينهم، في هذا الزمن الذي تكالبت فيه الأعداء وتخلي أبناء الإسلام عنه إلا من رحم ربي، أشهد الله وأشهدكم أني تبت من الآن.. فاللهم ثبتني وانصرني يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام آمين يا الله، أتمنى منكم نصيحه حول أمري هذا، وأدعوا الله لي بزوجه صالحه لعل الله أن يجعلها مفتاح الاستقامه إنه ولي ذلك والقادر عليه..؟ وجزاكم الله الدرجات العلى في مستقر رحمته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان عدو لنا كما قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
وهو يجري منا مجرى الدم، وقد عزم على إغوائنا وإبعادنا عن الصراط المستقيم حتى نكون في النار، ففي حديث الصحيحين: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [صّ:82] .
ومن الأسباب المعينة على السلامة من شره:
1- الإيمان بالله وعبادته بإخلاص والتوكل عليه والاستعاذة به، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200] ، وقال الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [لنحل:98-99-100] .
وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40] .
فأجابه الله: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:41-42] .
2- الالتزام بالكتاب والسنة والإكثار من تلاوة القرآن ولاسيما البقرة وبالأخص آية الكرسي والآيتين الأخيرتين من السورة.
ففي حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. رواه أحمد والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة: أن الشيطان قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشيطان، قال: صدقك وهو كذوب. رواه البخاري.
وروى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني، وقال الهيثمي رجاله ثقات وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
3- المحافظة على الصلاة في الجماعة والأذان لها وقيام الليل، فقد روى أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة في قرية ولا بدولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذنب القاصية. رواه النسائي وقال: قال السائب -أحد رواة الحديث- يعني بالجماعة جماعة الصلاة، ورواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه. رواه البخاري ومسلم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. رواه البخاري ومسلم.
4- المحافظة على ذكر الله تعالى دائماً، ولا سيما الأذكار المقيدة: صباحاً ومساء عند النوم وعند الدخول والخروج والأكل والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب، ففي حديث الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله. رواه أحمد والترمذي والحاكم وأبو يعلى واللفظ لأبي يعلى وصححه الأرنؤوط والألباني وحسين أسد في تحقيق مسند أبي يعلى.
وراجع كتب الأذكار لتعرف دعاء الدخول والخروج والأكل والشرب والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب وأذكار الصباح والمساء، وراجع الفتوى رقم: 11882.
5- الالتزام بالجماعة، ففي حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
6- البعد عن اتباع خطوات الشيطان ومظان وجوده، كالسوق ومجالس النساء ولا سيما الخلوة والانفراد بهن، ومجالس الغناء، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21] .
وفي الحديث: لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، ففيها باض الشيطان وفرخ. رواه مسلم من حديث سلمان الفارسي موقوفاً ورفعه الطبراني وغيره، وفي رواية: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته. رواها مسلم عن سلمان موقوفة ورواها البزار مرفوعه.
وفي الحديث: ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الحاكم من حديث عمر وصححه ووافقه الذهبي.
وينبغي أن تعلم أن الإنترنت آلة ينبغي الاستفادة من خيرها والبعد عن شرها، ومما يعين على الاستفادة منها أن لا تدخل عليها وحدك، بل اتخذ رفقة صالحة وبرمج معهم برامج مفيدة، ولتكن منها برامج تتابعون فيها دروساً علمية لبعض العلماء، أو تبحثون في كتب نافعة أو تسألون أهل العلم من خلالها عما أشكل عليكم.
وعليك بمراجعة إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان لابن القيم، وتلبيس إبليس لابن الجوزي، ووقاية الإنسان من الجن والشيطان لوحيد عبد السلام بالي، والصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة لمصطفى العدوي والأذكار النووية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12928، 7547، 1568، 6617، 2586، 1208، 31768، 3364، 29324، 30945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(9/5783)
الدنيا والآخرة لكل سعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة طموحة جداً في حياتي ولكن من حولي يقول لي إنني إنسانة تفكر في الدنيا فقط وتريد كل شيء فيها ولكنني والحمد لله أعرف فضل ربي علي وأعرف ما لي وما علي من الواجبات والحقوق، فهل هذا صحيح سيدي الشيخ وأيضا أريد أن أسأل عن كيفية التخلص من مرض النفاق الذي يسيطر على حياتي ولا يجعلني أعيشها بشكل سوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أولاً: ينبغي على الإنسان المسلم أن تكون الآخرة أكبر همه، وأن لا يجعل طموحه في الدنيا هو شغله الشاغل، روى البيهقي بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت مرفوعاً: من كان همه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، ومن كان همه الدنيا فرق الله عليه أمره وجعله فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له.
وهذا لا يعني أن يترك الإنسان مصالحه الدنيوية التي لا بد منها، وأما كونك تعرفين فضل الله عليك وما لك وما عليك من الواجبات والحقوق فهذا حسن، ولكن المعرفة وحدها لا تكفي بل لا بد من العمل بما تقتضيه هذه المعرفة. وأما كيفية التخلص من النفاق الذي يسيطر على حياتك ولا يجعلك تعيشينها بشكل سوي، فأول دواء هو الالتجاء إلى الله ودعاؤه وصدق اللجوء إليه بأن يصرف عنك هذا الداء العضال (النفاق) .
كما أن من أسباب التخلص منه معرفة ما أعد الله عز وجل للمنافقين من العذاب الأليم والنكال العظيم نسأل الله العافية.
وكذلك صحبة الأخوات المستقيمات على طاعة الله عز وجل، وحضور المحاضرات النافعة والأشرطة الإسلامية المفيدة، وكذلك الابتعاد عن رفيقات السوء اللائي يتصفن بصفة النفاق، نسأل الله الهداية للجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1424(9/5784)
أنت بين نعمة وابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أسرة غير متدينة، وقد أرتديت الحجاب منذ فترة قريبة.. ولكني عندما أخرج مع أقاربي فإنهم ينظرون إلي بنظرات غريبة لارتدائي الحجاب وعدم رغبتي في الجلوس مع الفتيان والابتعاد عن الأغاني، أتضايق كثيرا من تصرفاتهم والأسوأ أني كثيرا ما أتراجع إلى السؤال لماذا ارتديت الحجاب.. وإني لا أستطيع أن أنجو من المحرمات إن جلست معهم كسماعي للأغاني ومخالطة الرجال النساء من دون حدود الشرع.. هل الابتعاد عنهم يعتبر قطعاً للرحم؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله عليك أن وفقك إلى معرفة الحق ولزوم طريقه، وقد حُرِمَ ذلك من حُرِمَ من أمثالك من الفتيات، ولا شك أن النعمة تستوجب الشكر، ومن أهم ما يشكر به الرب في هذا المقام هو دوام الطاعة، والاستمرار على هذا النهج، ثم إن من سنن الله الكونية التي لا تتبدل سنة الابتلاء، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] .
والابتلاء دواؤه الصبر، فأنت الآن بين نعمة تستوجب شكراً، وابتلاء يستوجب صبراً، ولعل من أعظم ما يعينك على ذلك علمك أن هذا طريقك إلى الجنة وهو طريق محفوف بالمكاره كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه.
ويعينك على ذلك أيضاً يقينك بأن هذا سبيل أمهات المؤمنين الطاهرات، وغيرهن من الصحابيات المبرورات، فاثبتي على هذا النهج وسلي الله تعالى العون والصبر والثبات كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.
ثم اعلمي أن بإمكانك اجتنابهم وصلتهم في آنٍ واحد، ولا شك أن هذا أولى وأفضل، مع استغلال هذه الصلة في دعوتهم إلى الخير، وحيث خشيت أن يترتب على صلتهم ضرر في دينك، فالأولى الابتعاد عنهم مع صلتهم بوسائل أخرى مثل الاتصال بالهاتف أو السؤال عنهم أو الإهداء إليهم ونحو ذلك، ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتوى رقم:
16620، والفتوى رقم: 17037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(9/5785)
التوبة من الكفر مقبولة بإجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص نصراني دخل في الإسلام هل ينفعه ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى جعل دين الإسلام خاتماً للأديان السماوية وناسخاً لها، فهو الدين المقبول عند الله تعالى؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19] .
فكل من مات على غير دين الإسلام فلا يقبل منه عمل، بالإضافة إلى أنه كافر ضال مخلد في النار، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ، وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي دخل النار. رواه الإمام أحمد في المسند.
وعليه.. فإن العبد لا ينجيه من عذاب الله تعالى ولا ينفعه عند الله تعالى إلا الإسلام والبراءة مما سواه، لكن من فضل الله تعالى وكرمه على عباده أن الإسلام يجبُّ ما قبله، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب، والتوبة من الكفر مقبولة بإجماع، فمن تاب إلى الله تعالى من الكفر واعتنق الإسلام فإن الله تعالى يغفر له ما سلف من ذنوبه؛ كما قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال:38] .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص عندما أراد مبايعته على الإسلام: أو ما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله.
وإن الله يفرح بتوبة عبده إن تاب ويفتح باب التوبة، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 21689، والفتوى رقم: 26235.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1424(9/5786)
انظر إلى عظمة من عصيت
[السُّؤَالُ]
ـ[النظر إلى الأفلام الإباحية في حكم النظر إلى امرأة في الشارع، وهو صغيرة، وهذا ما يدفعني لارتكابه ولا أجد الحل لأتوب عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة عن حكم النظر إلى الأفلام الإباحية في الفتوى رقم: 6617، والفتوى رقم: 2778.
وبناء عليه.. فالواجب عليك الانتهاء عن هذه المعصية والتوبة منها وعدم التساهل في تركها، فهي وإن كانت صغيرة إلا أنها تصير كبيرة بمداومة الإصرار عليها والتكرار لها، كما روي ذلك عن بعض الصحابة، حيث قالوا: لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام في حد الإصرار: هو أن تتكرر منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بدينه.
ومن كلام السلف الصالح رضي الله عنهم: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
ولهذا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من التهاون في محقرات الذنوب فقال: إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن وادٍ فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1424(9/5787)
الخوف والرجاء منهج قرآني نبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[س1: لدينا رجلان يعملان نفس الطاعات والأعمال الصالحة ولكن أحدهما: يعمل هذه الأعمال ابتغاء مرضات الله وحبا له. والآخر: يعمل هذه الأعمال لدخول الجنة والنجاة من النار.
أرجو توضيح الآتي:
1- حكم كل منهما.
2- الأفضلية (من حيث درجة الإخلاص والإتقان والإحسان ... إلخ) .
3- أيهما الأفضل عند الله.
4- علما بأن الإيمان يزيد وينقص، فأيهما إيمانه يزيد عن الآخر.
س2: ماذا تقولون لرجل صلى سنة الفجر في بيته ثم ذهب إلى المسجد، فوجد الصلاة لم تقم بعد
هل يصلى تحية المسجد أم لا (أرجو التوضيح) .
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى في كتابه عن أنبيائه وأكرم أوليائه أنهم كانوا يعبدون الله تعالى ويطيعونه طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه، ذكر ذلك في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] . وقوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16] . وقال عن نبيه عليه الصلاة والسلام: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15] . وقال عن إبراهيم الخليل: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِالنَّعِيمِ [الشعراء:85] . وقال عن أهل الإيمان: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] .
فإذا كان هذا حال هؤلاء، دل ذلك على أنه الكمال، وأنه الهدي الصحيح والمنهج الحق.
فلذا نقول للأخ السائل: إن افتراض رجلين كل على حال مما ذكر في السؤال أمر لا أصل له في الشرع، وأكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم له، كما قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] . وأكثر الناس إيمانا أكثرهم لله طاعة وأبعدهم عنه معصية، وإن من التقوى المسارعة والمسابقة إلى المغفرة والجنة، كما قال سبحانه: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133] . وقال: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْض [الحديد:21] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(9/5788)
آثار التقوى العاجلة والآجلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر الوازع الديني على الشباب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوازع الديني هو الرقيب الداخلي الذي يحمل المرء على امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، وهذا هو عين التقوى. وأثر الوازع الديني على الشباب لا يختلف عن أثره على الإنسان في عمومه إلا في ما يختص به الشباب من قوة في العاطفة وحدة في الانفعال وتذبذب في المواقف وقابلية للتكيف. ولا يكاد يوجد في الدين الإسلامي أثر للوازع الديني يختص بالشاب إلا في كونه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله.... متفق عليه. قال ابن حجر العسقلاني: خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى، فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى. انظر فتح الباري 2/145. وبما أننا لا نتناول الموضوع من المنظار الفلسفي ولا السوسيولوجي، ولا من الجانب السيكولوجي ولا الفيزيولوجي، لأنها مجالات لا تدخل في إطار اختصاصنا، فإننا سوف نتوسع فيه حتى يشمل الآثار والثمرات التي جعلها الله تعالى لعباده المتقين، ونقسم ذلك إلى آثار عاجلة (أي في الحياة الدنيا) وآثار مدخرة لتكون جزاء في الآخرة. - الآثار العاجلة: الأثر الأول: المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] . قال ابن عباس ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ... وقال أبو سعيد الخدري: ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجاً مما كلفه بالمعونه له. الجامع لأحكام القرآن 18/143. الأثر الثاني: السهولة واليسر في الأمور، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] ، قال سيد قطب: واليسر في الأمر غاية ما يرجوه الإنسان، وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور ميسرة لعبد من عباده، فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. في ظلال القرآن 3602. الأثر الثالث: تيسر تعلم العلم النافع، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282] ، قال محمد رشيد رضا: أي اتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وهو يعلمكم ما فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم، فإنكم لولا هدايته لا تعلمون ذلك. انظر كتاب التقوى: الغاية المنشودة والدرة المفقودة ص69. الأثر الرابع: إطلاق نور البصيرة، قال الله تعالى: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29] ،: وإذا علمت أن التقوى عمل يتوقف على العلم، وأن هذا العلم لا بد أن يؤخذ بالتعليم والتلقي، وأن العمل بالعلم من أسباب المزيد فيه وخروجه من مضيق الإبهام والإجمال إلى فضاء الجلال والتفصيل فهمت المراد بالفرقان على عمومه.... من تفسير المنار 3/129. الأثر الخامس: محبة الله والقبول في الأرض، قال الله تعالى: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76] . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل عليه السلام، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. وعن هرم بن حيان قال: ما أقبل العبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقه مودتهم، فقد وعد الله عز وجل عباده ... بهذه المودة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96] . التقوى ص71. الأثر السادس: البشرى وهي الرؤيا الصالحة وثناء الخلق ومحبتهم، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-63-64] . أخرج الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي الرؤيا الصالحة يراها أو تُرى له.، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذهبت النبوة وبقيت المبشرات. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أم حرز الكعبية. الأثر السابع: الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم، قال الله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120] . قال الزمخشري: وإن تصبروا على عداوتهم وتتقوا ما نهيتكم عنه من موالاتهم، أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه، وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله، فلا يضركم كيدهم. الكشاف 1/408. الأثر الثامن: سبب لقبول الأعمال التي بها السعادة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] . الأثر التاسع: سبب في النجاة من عذاب الدنيا، قال الله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:17-18] . الأثر العاشر: الشرف وهيبة الخلق وحلاوة المعرفة والإيمان، قال ابن رجب رحمه الله: مما يرغب في شرف الآخرة وليس هو من قدرة العبد ولكنه من فضل الله ورحمته، ما يعوض الله عباده العارفين به الزاهدين في ما يغني من المال والشرف مما يجعله الله لهم في الدنيا من شرف التقوى وهيبة الخلق لهم في الظاهر، ومن حلاوة المعرفة والإيمان والطاعة في الباطن وهي الحياة الطيبة التي وعدها الله: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] ، وهذه الحياة الطيبة لم يذقها الملوك في الدنيا ولا أهل الرئاسات والحرص على الشرف. التقوى ص80. الأثر الحادي عشر: الثبات في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [ابراهيم:27] . الأثر الثاني عشر: البشارة عند الموت، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:31] . هذه بعض الآثار والثمرات التي يجنيها المؤمن في الدنيا بعبادته وتقواه، ولننتقل إلى الآثار والثمرات المدخرة له في الحياة الآخروية. الآثار الآجلة: الأثر الأول: تكفير السيئات وعظم الأجر، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5] ، قال ابن جرير رحمه الله: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه وأداء فرائضه، يمحو الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله، ويعظم له أجرا، يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر أن يدخله جنته فيخلده فيها. جامع البيان في تفسير القرآن 12/93، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة:65] . الأثر الثاني: ميراث الجنة، قال الله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً [مريم:63] ، وقال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] . وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] . الأثر الثالث: ذهابهم إلى الرحمن ركبانا، قال الله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً [مريم:85] . قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا واتبعوا رسله وصدقوهم في ما أخبروهم، وأطاعوهم في ما أمروهم به، وانتهوا عما زجروهم، أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه والوفد هم القادمون ركباناً. 3/137. الأثر الرابع: حصولهم على أفضل النعيم، قال الله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [النبأ:31] ، وقال: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [صّ:49] ، وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] . الأثر الخامس: عدم تحول الصداقة بينهم عداوة، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ، وقال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:45-46-47] . وصفوة القول: إن أثر الوازع الديني في الدنيا سعة ورزق وسهولة ويسر، وعلم ونفاذ بصيرة، وصحبة وقبول، وبشارة وحفظ، وسعادة ونجاة، وشرف وثبات، وهو في الآخرة: أجور وتكفير سيئات، وجنات ونعيم، وتكريم وخلود....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1424(9/5789)
ليس وراء الخلوة إلا الفاحشة ما لم يعصم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[رجعت إلى الله تعالى بعد معصية دامت قرابة عام بعد أن تعرفت إلى شاب ظننت أنه يريد الزواج مني، فكنت أكلمه يوميا وأخرج معه، إلا أنني امتنعت عن التمادي في الخطأ، ولم أفعل الفاحشة بفضل الله علي، واليوم وبعد رجوعي إلى الله ينتابني خوف من الرجوع إلى المعصية من جديد، فالله وحده أعلم كم أتمنى ألا يلهيني الله بالدنيا عن الآخرة، رجعت إلى ربي راجية رحمته، فكيف أعصم نفسي من العودة إلى المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأنك قد أخطأت عند سماحك لنفسك بمحادثة هذا الشاب والخروج معه، فإن كل واحدة من الخطوات المتقدمة تؤدي غالباً إلى التي بعدها، وآخرها -وهي الخلوة- تؤدي غالباً إلى الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له، حيث قال: لا يخلونّ رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان. أخرجه أحمد في المسند والترمذي في السنن وغيرهما، وإذا كان الثالث هو الشيطان فليس وراء الخلوة إلا الفاحشة ما لم يعصم الله من ذلك، فعليك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة والابتعاد عن أسباب الفتنة، وأكثري من الدعاء من أجل أن يثبتك الله تعالى على الحق، ومن الأدعية المأثورة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على دينك. رواه مسلم.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 3792، والفتوى رقم: 15219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1424(9/5790)
تعلل العصاة بأن الله غفور رحيم حق يراد به باطل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي أصدقاء ملتزمون ولكنهم لا يترددون في فعل المعاصي الكبائر منها والصغائر ... بحجة أن الله غفور رحيم، وحين أنصحهم وأخوفهم بالنار يقولون ((وإن منكم إلا واردها)) فأرجو أن تعينونا على هذا الموضوع وهل هم على حق؟ ... وما حكم الذي يفعلونه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من لا يتردد عن فعل الكبائر ظالم لنفسه مسرف عليها في معاصي الله تعالى، قال الله تعالى: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32] .
قال ابن كثير رحمه الله: "فمنهم ظالم لنفسه" وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، "ومنهم مقتصد" وهو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات، "ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات. انتهى.
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله تعالى، ويقلعوا عن ارتكاب معاصي الله عز وجل الكبائر منها والصغائر.
وأما تعللهم بأن الله غفور رحيم فحق يراد به باطل، فإن الله يقول: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49-50] ، وقال: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165] .
فالله تعالى كما أنه هو الغفور الرحيم الذي يغفر الذنب، فهو كذلك يؤاخذ بالذنب، وكما أنه يعفو عن السيئات، فهو كذلك يعذب المجترئين على حرماته، وفي الحديث: إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله. رواه البخاري. وغيرة الله هنا غضبه على من يأتي محارمه.
وأما استدلالهم بقول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71] فليس كما فهموا، فإن المتقين لا تمسهم النار وإن وردوها؛ كما قال الله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72] ، وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء:101-102] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(9/5791)
سبيل الإنقاذ من الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إنقاذي بأي شكل من الضلال الذي أنا فيه، أتوسل إليكم أنقذوني، فحياتي أصبحت بالحق جحيماً كلها ممارسات حرام في حرام، أنجدوني مما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح السائل الكريم بالمبادرة بالتوجه والإقبال على الله تعالى بالتوبة النصوح والمحافظة على الفرائض، والإكثار من أعمال الخير والنوافل.
ولتعلم أن الذنوب والمعاصي مهلكة للعبد ماحقة للبركة منغصة للحياة، إذا لم يبادر العبد بالتوبة منها إلى الله تعالى، ولا علاج لها إلا بذلك، فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، كما قال الله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذريات:50] .
وطريق الاستقامة بين واضح ميسر لمن أراد السير عليه، ولكن ضعاف النفوس وأتباع الشهوات تجتالهم شياطين الإنس والجن، فعليك بصدق النية وإخلاصها وقوة العزيمة، والنصح في التوبة وصحبة الصالحين، والإكثار من مجالستهم والاستماع إلى أحاديثهم، كما ننصحك بتعلم ما فرض الله عليك من فرض العين، فإن التعلم من أعظم العبادات وأفضل القرب إلى الله تعالى، فبه ترفع الجهل عن نفسك وتتقرب إلى الله تعالى، ومن أهم ما يدفعك إلى ذلك ويعينك عليه استماع النصائح والإرشادات والمحاضرات الدينية.
فإذا سلكت هذا الطريق فابتعد عن أصحاب السوء وشياطين الإنس، فإن صحبتهم موت للقلب وانحراف ونكد على المرء في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ، وقال الله تعالى حكاية عن أصحاب السوء: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29] .
ولتعلم أخي الكريم أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وأن من تاب تاب الله عليه، مهما كانت ذنوبه، كما قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وأن الاستقامة على دين الله هي السبيل الوحيد للسعادة وطمأنينة القلب في الدنيا والآخرة، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(9/5792)
على اليد ما أخذت حتى تؤديه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي رجل وترك ابنتين وأولادا فقامت البنتان بأخذالمال من الخزينة، والآن فإن الصغرى تريد أن تتوب، فماذا تفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على البنت أن تخلص وتصدق في التوبة، وأن تكثر من الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [المائدة:39]
وعليها أن ترد ما ليس حقا لها لأصحابه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الترمذي.
وعليها أن تنصح أختها بفعل مثل ذلك، لما في الحديث: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وينبغي أن تراجع الفتوى رقم:
4603، والفتوى رقم:
5646، في أحكام التوبة وشروطها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(9/5793)
مفاتيح التوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلا م عليكم ورحمه الله وبركاته
ماذا يجب على من يريد التوبة إلى الله؟ مع الدليل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يأمر كافة عباده المؤمنين بالتوبة الصادقة، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً. [التحريم: 8] .
وقد ذكر العلماء للتوبة شروطا لا بد منها:
1- ترك التلبس بالمعصية، بحيث يبتعد الشخص عنها، لأن المقيم على فعل المعاصي لا يمكن أن يصف نفسه بأنه تائب.
2-العزم على عدم الرجوع إلى المعصية.
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. [آل عمران:135] .
فلا بد من عدم الإصرار على الذنب.
3- الندم على فعل الذنب، فإن الذي يرتاح للذنب والوقوع فيه كاذب في توبته.
ويضاف شرط رابع، وهو: إذا كانت المعصية تتعلق بحق آدمي كمالٍ يطالبه به، فعليه أداؤه قبل أن يؤخذ من حسناته في الآخرة، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المفلس، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ". رواه مسلم.
وينبغي للتائب أن يبتعد عن أماكن المعصية التي كان يألفها وينصرف إلى مجالسة أهل الخير، ففي صحيح مسلم في شأن قصة الرجل الذي قتل مائة نفس فدُلَّ على رجل عالم فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع يمكن الرجوع إلى الجوابين التاليين:
7007، 12744،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(9/5794)
مجرد الدعاء لا يعد توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لدي سؤال وهو: هل عندما أدعو الله سبحانه وتعالى بأن يتوب علي تكون توبة؟ وهل للتائب أن يقول للناس أنا تبت، أي يعلن التوبة على الناس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجرد دعائك لله عز وجل لا يعد توبة إلا إذا صاحبت ذلك شروط التوبة النصوح، وهي الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، ورد الحقوق إلى أصحابها إن كانت ثَمَّ حقوق عليك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 4603.
وبخصوص الشق الثاني من السؤال فقد مضى جوابه في الفتوى رقم: 12190.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1424(9/5795)
من حكم البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى البلاء أو الابتلاء لغة واصطلاحاً؟ وما هي الفلسفة أو الغاية منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالابتلاء لغة الاختبار، قال في مختار الصحاح: البلية والبلوى والبلاء واحد والجمع البلايا، وبلاه جربه واختبره. انتهى.
وفي اصطلاح الشرع اختبار الله تعالى لعباده بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى، وذلك كالصحة والمرض والغنى والفقر ... وغيرها، وذلك لحكم عديدة منها رفع الدرجات وتكفير الذنوب والخطايا فعن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله: أي الناس اشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حيث حسن صحيح وحسنه الأرناؤوط.
ومن الحكم كذلك تمحيص المؤمن وتمييزه عن المنافق، قال الله تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:141] .
إلى غير ذلك من الحكم والغايات التي لا يحيط بها إلا الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1424(9/5796)
علاقة المرض في الكبر بحسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المرض الفتاك الذي يصيب الإنسان في كبره يعتبر من حسن الخاتمة دخل الجنة, هل هذا يعني أنه لا يعذب في قبره, وهل المرض الفتاك الذي يصيب الإنسان في كبره يعتبر من حسن الخاتمة, وهل كثرة ذهاب العقل أعني ضعف الذاكرة والنسيان والنجاسة الدائمة تقريبا تعفيه من الصلاة والواجبات الدينية الأخرى, وإذا أراد الإنسان أن يصوم كصدقه عن ميت هل يفيده ذلك, وكيف يفيده تماما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يصيب الإنسان المؤمن الصالح من المصائب يكون تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته، ولكن مجرد إصابة الإنسان في كبره بالأمراض لا يدل على حسن الخاتمة ولا عل ى سوئها، وقد جاء في الأحاديث أن المبطون والغريق وصاحب الهدم شهداء, كما في الفتوى رقم: 26390 , ولكن هذا لا يتقيد بحا ل الكبر. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1424(9/5797)
خير الخطائين التوابون
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة متزوجة حديثا وكانت فى فترة خطبتها تتعامل مع خطيبها الذي هو زوجها الآن وكأنه زوجها - فى كل شيء مع الحفاظ عليها فتاة كما هي- وهما الآن يريدان أن يكفرا عن وزرهما، فبماذا تنصحهما؟ ولكم الأجر والثواب من العلي القدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي -جعلني الله وإياك من التوابين- أن رحمة الله واسعة، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُو اعَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. [الزمر:53] .
وعن أنس بن مالك رضي الل هـ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم خ طاء، وخير الخطائين التوابون. أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي وإذا أخلص العبد عمله لله تعالى وحسنت توبته، كان ذلك س ببا في أن يبدل الله سيئاته حسنات.
قال تعالى: وَالَّذِ ينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي ح َرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُ دْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. [الفرقان:68-69-70] ، وللتوبة شروط مذكورة في الفتوى رقم:
19812 فلتراجعيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1424(9/5798)
يتوب الله على من تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيغفر الله لي؟ أحببت شاباً ووعدني بالزواج إذا قبلت ممارسة الجنس معه عبر الشات وفعلت، وهو أخلف وعده، هل يغفر الله لي ما فعلت، أحس بذنب كبير؟؟ كيف أتوب إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من رحمة الله تعالى أنه فتح باب التوبة على مصراعيه لكل من ع صاه، إن جاءه صادقاً في توبته، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى. [طه:82] .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل ى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو لم تذنب وا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
إذا تقرر هذا فلتسارعي إلى التوبة إذن، ولتخلصي في التوبة بعدم الوقوع في الذنب مرة أخرى، والندم على ما فات والعزم على عدم العودة إليه، ولتستقيم حالك، واعملي صالحاً في ما يستقبل، فإن هذا من أعظم علامات صدق التوبة.
ثم اعلمي أن تقوى الله تعالى من أفضل الأسباب في تيسير الأمور، ف قد وعد الله تعالى بذلك في كتابه حيث قال: وَمَن ْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. [الطلاق:4] .
واعلمي كذلك أن إقامة مثل هذه العلاقات بين الفتيان والفتيات من أكبر أسباب الوقوع في الفواحش الكبرى والمنكرات العظام، فكوني على حذر من ذلك، ولمز يد من الفائدة راجعي الفتوى رقم:
4220 والفتوى رقم:
5707
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1424(9/5799)
ذكريها بخطورة السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا كانت رئيستي فى العمل تسرق وهذا فيه ضرر لي لأنى أتواجد معها فى أماكن كثيرة لمباشرة العمل؟ وما الحكم إذا أخبرت الرئيس الأعلى عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تحققت من أنها تسرق فانهيها وذكريها بخطورة السرقة والتعدي على أموال الناس فإن لم تستجب فبلغي من يستطيع كفها ومحاسبتها على ذلك، فقد قال الن بي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره ب يده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1424(9/5800)
كفى بمحبة الله للتائب غنيمة يرجع بها من توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت جهازاً لبرمجة البطاقات الذكية والذي يتم من خلاله فك شفرة بعض القنوات التلفزيونية المشفرة وأنا أعلم أن هذا العمل غير جائز حيث أقوم بفك الشفرة بواسطة الإنترنت وكنت أحس بالذنب وأنا أقوم بذلك العمل والآن وبعد أن منّ الله عليّ بالهداية تركت هذا الفعل القبيح وأحسست بالندم على ما فرطت في جنب الله وأحاول جاهداً أن أستغل وقت فراغي في طاعة الله والتقرب إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك للتوبة من هذا الإثم، ونبشرك بما وعد الله تعالى به التائبين، كما جاء في سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَ دِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] . فكفى بمحبة الله للتائب غنيمةيرجع بها من توبته.
وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه والبيهقي.
وقال صلى الله عليه وسلم: وأتبع بالحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه أحمد.
ومما يعينك على الاستمرار في هذا الطريق القويم صحب ة الأخيار الصالحين الذين يذكرونك بالطاعة إذا نسيت، ويعينونك عليها إذا ذكرت، ويرد ونك إلى الجادة إذا حدت عنها، كما ننصحك بالبحث عن العلماء الصادقين وحضور دروسهم ومحاضراتهم، واجعل لنفسك وقتاً تحفظ فيه القرآن، وما استطعت من الحديث واقرأ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والتابعين، فإنك تجد فيهم الأسوة الحسنة، والمثل الأعلى. نسأل الله لنا ولك الثبات والرشد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(9/5801)
تغليب جانب الخوف حال الصحة شأن الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أنا مسلمة وألتزم بديني قدر الإمكان والحمد لله، ولا أزكي نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، الموضوع هو أنني متفائلة جدا ولا أستطيع أن أنتظر لنفسي غير الجنة، يمكن حبي لله ولرسوله أوصلني إلى هذا التصور ولكني في نفس الوقت أخاف أن أكون مذنبة أن أحضر نفسي للجنة مع كل التقصير والذنوب التي عندي، أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حسن الظن بالله تعالى مأمور به شرعاً، ومطلوب من المسلم في كل وقت من أوقات حياته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي. وفي رواية: فليظن بي ما شاء. رواه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن لأن التشاؤم من سوء الظن بالله تعالى، وحسن الظن بالله تعالى لا يعني التكاسل عن الطاعات والتهاون بالعبادات اتكالاً على سعة رحمة الله تعالى، فهذا والعياذ بالله تعالى من الأمن لمكر الله المؤدي إلى الخسران، فقد قال الله في من هذا شأنهم: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (الأعراف:99) ، فصلاح المؤمن مرهون باجتماع الخوف والرجاء في قلبه، فينبغي له أن يوازن بينهما في حالة الصحة أو يغلب جانب الخوف، ليكون ذلك أدعى لكثرة العمل الصالح، وأردع عن الأعمال السيئة.
فإذا عجز عن العمل أو أحس بدنو الأجل غلَّب جانب الرجاء ليقوى افتقاره إلى تعالى ويحسن رجاؤه.
هكذا كان شأن السلف الصالح من الصحابة وغيرهم، فكانوا يخافون الله تعالى أشد الخوف، ويراقبون أنفسهم مراقبة الحريص في أدق الأمور.. فإذا تعذرت الأعمال وأحسوا بقرب الآجال كان الرجاء في الله تعالى وحسن الظن به هو أملهم الأول.
وننصح السائلة الكريمة بقراءة حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم، ففيها من الدروس ما لا غنى للمسلم عنه.
وبإمكانها أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم:
8736
نسأل الله لنا ولك الثبات وحسن الظن بالله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/5802)
لا يحل لمسلم أن يلعن نفسه ولا غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم وجزاكم الله خيراً، ما حكم من يلعن نفسه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل للمسلم أن يلعن نفسه ولا غيره لأن اللعن معناه في الشرع الطرد من رحمة الله تعالى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإنسان على نفسه ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير....
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم: واتفق العلماء على تحريم اللعن.
إلا أن الرجل إذا قذف امرأته بالفاحشة ولاعنها فإنه يطلب منه أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، وأن يلعن نفسه في الخامسة إن كان من الكاذبين، وإذا كان فعلاً يعلم كذب نفسه حرم عليه ذلك، وهكذا إذا استدعى الأمر أن يلعن الشخص نفسه، إن كان فعل كذا أو لم يفعله فلا حرج عليه إذا كان صادقاً، وقد جرت عادة بعض الناس بذلك في اليمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/5803)
مدمن الخمر إذا لم يتب حرمها في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذي يزني أو يشرب الخمر تحرم عليه في الجنة؟ وسؤالي للذي لم يتب والذي تاب منهما قبل الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ارتكاب فاحشة الزنا وشرب الخمر من كبائر الذنوب التي توعد الله تعالى صاحبها بالعقاب، ولكن من تاب منهما قبل الموت توبة نصوحاً تاب الله عليه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
وعلى هذا فمن تاب من هذه الذنوب وقبلت توبته فهو من أهل الجنة يتنعم فيها -كغيره- بما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين.
أما من لم يتب من ذلك فإن من عقوبته أن يحرم منها كما جاء في الحديث عن مدمن الخمر، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة.، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 25727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/5804)
البشائر الحتمية بانتصار الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من بشائر خير قريبة في هذا الزمن؟ الذي أعرفه أن المستقبل لهذا الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله أن يرزقنا وإياك حسن الظن به واليقين بوعده ووعيده، فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [فاطر:5] . وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله. رواه أحمد من حديث أبي هريرة وصححه الأرناؤوط والألباني. ثم اعلم أخي أن من بشائر الخير التي تسأل عنها ما وعد الله به المؤمنين من العز والنصر والرفعة والعلو والتمكين في الأرض والغلبة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] وقال الله تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11] ، وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] ، وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173] ، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض فتصلح بهم البلاد وتخضع لهم العباد، وليبدلهم بعد خوفهم أمنا وحكماً، وفي الحديث: بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض. رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقال تعالى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران:55] . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أتباع النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباع الأنبياء حقيقة فهم المؤمنون بالمسيح حقاً. وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56] ، وقال الله تعالى: أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19] . وقد قص الله تعالى قصص الأمم السابقة وتعاملهم مع الأنبياء للتثبيت، قال الله تعالى: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120] ، وقد ذكر الله في قصص الأنبياء أن الناس يسخرون بهم ويستهزئون ويتوعدونهم بالقتل والإبعاد، ثم تكون العاقبة في الأخير لهم وللمتقين المؤمنين بهم، قال الله تعالى: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [الأنبياء:9] . وقال تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [غافر:5] ، وقال بعد الانتهاء من قصص الأنبياء في سورة هود: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] . وقد أخبر الله تعالى أنه يدافع عن المؤمنين وأنه معهم وأنه وليهم، فقال: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38] ، وقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19] ، وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] ، وقال الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257] ، وقال الله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196] . وقد أخبر أن مكر الكفار سيحيق بهم وأنهم سيغلبون، قال الله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر:43] ، وقال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12] . قال ابن كثير في تفسير الآية: ستغلبون في الدنيا وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بعدة بشائر، فقال: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عدي بن حاتم، وصححه الشيخ الألباني. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية. رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وقد تحقق فتح القسطنيطينية بتاريخ 2/7/857هـ الموافق 29/5/1453م. ولتفتحنّ رومية عاصمة إيطاليا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ومن البشائر عودة الخلافة الراشدة، وهذا ما يبشرنا به الحديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبزار والطبراني وصححه العراقي ووافقه الشيخ الألباني. ومنها: تسليط الله المسلمين على اليهود ونصرهم عليهم؛ كما في الحديث: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله. رواه البخاري ومسلم. وهذه البشائر الصادقة والوعود المحققة لأهل الإيمان الذين لا يقتصر الإسلام على وثائقهم الرسمية ولا على مساجدهم وجنائزهم، بل يعيشون حياة الإسلام في مساجدهم وبيوتهم وأخلاقهم ومعاشراتهم ومعاملاتهم ومحاكمهم، وبقدر نقص الإيمان في حياتهم يبتليهم الله بما شاء لعلهم يرجعون ويتوبون، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] . وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود وصححه الألباني. وفي الحديث: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يُعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/5805)
التهاجر من أسباب عدم رفع الأعمال على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترفع أعمال من هجر أخاه المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رابطة الإيمان التي تجمع المؤمنين من أقوى الروابط وأوثقها، لذلك حث الإسلام المؤمنين على أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
فالمطلوب من المسلم أن يسعى في كل ما يجلب المودة إلى قلب أخيه المسلم، وذلك بإفشاء السلام، وبشاشة الوجه عند اللقاء والزيارة المناسبة، وأداء الحقوق المترتبة على الأخوة في الإسلام.
أما هجر المسلم فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، أما ما زاد على ذلك فإنه معصية عظيمة، والمصر عليه على خطر عظيم لأن شؤم هذه المعصية سبب في حرمان صاحبها من مغفرة ذنوبه وعدم عرض أعماله على الله تعالى وعدم رفعها، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
فالحاصل إذن أن المسلمين المتقاطعين لا ترفع أعمالهما ويحرمان من مغفرة ذنوبهما وهذا من أعظم المصائب، وللمزيد من التفصيل في هذا الموضوع يرجع إلى الفتوى رقم: 25074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1424(9/5806)
حقيقة العجب وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعرف إصابة نفوسنا بالعجب أرجو أن توضحوا لنا ذلك مع تفسير القول (بأن من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) ، ولكم مني جزيل الشكر ووفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. أخرجه أحمد والطبراني والحاكم، وصححه على شرطهما من حديث أبي موسى، ورواه الطبراني والحاكم وصححه على شرط الشيخين من حديث أبي أمامة، ذكر ذلك العراقي في تخريجه أحاديث الإحياء.
ومعنى الحديث: أن المؤمن هو الذي تسره الحسنة إذا وقعت منه، وتحزنه السيئة إذا صدرت عنه، لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة، استوت عنده الحسنة والسيئة.
وأما العجب، فحقيقته كما قال العراقي رحمه الله في الإحياء: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم، فإن انضاف إلى ذلك أن غلب على نفسه أن له عند الله حقا، وأنه منه بمكان حتى يتوقع بعمله كرامة في الدنيا، واستبعد أن يجري عليه مكروه استبعادا يزيد على استبعاده ما يجري على الفساق، سمي هذا إدلالا بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة. اهـ.
والعجب لا يكون إلا بنعمة، ووصف كمالي، وله ثلاث حالات ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء، فقال: اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة، وللعالم بكمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان:
إحداهما: أن يكون خائفا على زواله ومشفقا على تكدره أو سلبه من أصله، فهذا ليس بمعجب.
والأخرى أن لا يكون خائفا من زواله، لكن يكون فرحا به من حيث إنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه، وهذا أيضا ليس بمعجب.
وله حالة ثالثة هي: العجب وهي أن يكون غير خائف عليه، بل يكون فرحا به مطمئنا إليه، ويكون فرحه به من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه، فمهما غلب على قلبه أنه نعمة من الله مهما شاء سلبها عنه، زال العجب بذلك عن نفسه.
وقال: اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
وقال: اعلم أن آفات العجب كثيرة، فإن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، كما ذكرناه، فيتولد من العجب الكبر ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى، هذا مع العباد، وأما مع الله تعالى، فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فبعض ذنوبه لا يذكرها ولا يتفقدها، لظنه أنه مستغنٍ عن تفقدها فينساها، وما يتذكره منها فيستصغره ولا يستعظمه، فلا يجتهد في تداركه وتلاقيه، بل يظن أنه يغفر له.
وأما العبادات والأعمال، فإنه يستعظمها ويتبجح بها ويمنُّ على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها، ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها.
ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، فإن الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب، قلما تنفع، وإنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق والخوف دون العجب، المعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه، ويظن أنه عند الله بمكان، وأن له عند الله منة وحقا بأعماله التي هي نعمة من عطاياه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكيها. اهـ.
وانظر الفتوى رقم:
24940.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(9/5807)
الناس مع البلاء بين ناجح موفق وفاشل مخفق
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله قد أنعم علي بالالتزام ولكن بعد هذا الالتزام تعرضت لعداء أقرب الناس إلي وهو أخي الأكبر فإنه يحاربني لأني قد عملت بقول الرسول فأبقيت على لحيتي، ومن المشاكسات التي يفعلها معي أن يستهزىء بي أمام الناس، وكل هذا العداء لأنه يقول بأني أذهب إلى دروس دينية وكل أصدقائي ملتزمون وأني بهذا سوف أذهب إلى السجن لأني مشبوه ويقول إني أيضا أحرجه أمام الناس، أرجو الإفادة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من سنة الله تعالى أن الإنسان يتعرض في هذه الدنيا للابتلاء والاختبار، فيختلف الناس في ذلك ما بين ناجح موفق ومخفق فاشل، فالله تعالى يقول: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الّله الّذينَ صَدَقُوا وَلَيعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [العنكبوت: 2-3] .
فحاول أن تكون من الناجحين في هذا الاختبار، نسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق، فعليك أن تتمسك بما أنت عليه من الاستقامة فإنك على الحق إن شاء الله تعالى، وما تعانيه من السخرية سبق أن تعرض له كثير من السابقين إلى الإسلام، حيث كان المشركون من قريش يضحكون منهم ويستهزئون من دينهم، قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ..... إلى آخر الآيات [المطففين:29-30] ، خاصة أنك في زمن يمكن أن ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. أخرجه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهَرْج كهجرة إلي. أخرجه مسلم وغيره، والهرج: كثرة القتل فإعفاؤك للحيتك هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهودك مجالس الخير وصحبة الصالحين هذه أمور أنعم الله بها عليك ووفقك لها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الجليس بقوله: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة. رواه البخاري وغيره.
أما كونك معرضا للسجن فلست بأول من يدخله بسبب الدِّين فقد تعرض بعض الرسل للسجن، وكذلك العلماء وأهل الخير، لكنهم ثبتوا على دينهم ولم يتراجعوا فعليك أن تعامل أخاك بحكمة وتكثر من نصحه والصبر على ما تلقاه منه مع الثبات على الاستقامة، فإن من يتق الله تعالى يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، وراجع الفتوى رقم:
3198.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(9/5808)
الابتعاد عن الزنا لا يكون إلا على الفور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل الابتعاد عن الزنا تدريجيا أفضل من الانقطاع مرة واحدة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب التي يجب على المسلم أن يبتعد عنها بل يجب عليه البعد عن كل الأمور التي تؤدي إليها من نظر أو اختلاط أو محادثة ونحو ذلك، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] ، فالنهي عن قربانه أبلغ من النهي عنه.
ويجب على من وقع فيه أن يقلع عنه فوراً وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا.
واعلم أن شؤم الزنا يعم الدنيا والآخرة فإياك وإياه، ولعله من المناسب أن ننقل لك شيئا من كلام ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين، حيث قال:
والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.
ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومنها ظلمة القلب وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له.
ومنها الفقر اللازم، وفي أثر يقول الله تعالى أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة.
ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن..
ومنها أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني، ومنها أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة، كما قال الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] .
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث، بل جعلها مأوى الطيبين لا يدخلها إلا طيب، قال الله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] . ومنها الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني تعلو وجهه الوحشة، ومن جالسه استوحش به. انتهى روضة المحبين ص 361، وللأهمية راجع الفتوى رقم: 5871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(9/5809)
خذ من الأسباب ما يؤدي بهم إلى أن يكفوا أذاهم عنك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين فى الكراهية لأهل الزوجة من كثرة الأذى منهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الأكمل للمؤمن أن يقابل الإساءة بالإحسان، ففي ذلك من الأجور ما لا يعلم قدره إلا الله، مع أنه سبب في تحويل الكراهة إلى محبة، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35] .
ومن أسباب حصول المحبة إفشاء السلام بينك وبينهم، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم.
ومن أسبابها كذلك التهادي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. رواه البخاري.
فإذا أخذت بهذه الأسباب كلها كان من المؤمل أن يكفوا عنك أذاهم ويتحول البغض بينكما إلى مودة ورحمة، وإذا لم يقع شيء من ذلك فإن المرء مكلف بما يستطيع، والبغض من عمل القلب، فليس في طاقة الإنسان تغيير ما فيه، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: اللهم هذا قسمي في ما أملك ولا تلمني في ما تملك ولا أملك. قال أبو داود يعني القلب، رواه أحمد وأصحاب السنن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(9/5810)
من محاسن الإسلام حثه على الاعتناء بالنظافة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إعطائي أحاديث عن كيفية الاعتناء بنظافة الجسم قبل الزواج وبعده للجنسين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنظافة في الإسلام لها المكان الأسمى، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الطهور شطر الإيمان أي نصفه، ففي الحديث لصحيح: الطهور شطر الإيمان. رواه مسلم وأما تفاصيل الطهارة فكثيرة جدا، وموضوعها متشعب، ولكن إليك بعض الأحاديث من هذا الباب: ففي الغسل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده. رواه مسلم، ومع الغسل طيب وسواك، ففي مسلم أيضا: غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه.
وقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. رواه ابن ماجه.
وقال: اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر.
وقال ابن عباس: كانت له صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل بها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه. رواه الترمذي.
وفي إزالة ما يكون سببا في القذارة وطريقا موصلا إلى المرض
يقول صلى الله عليه وسلم: خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب. رواه البخاري ومسلم.
وبالنسبة للمرأة يقول صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن صفة غسل الحيض، قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها رواه البخاري. وفي لفظ مسلم خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها.
والفرصة بكسر الفاء وإسكان الراء قطعة من صوف أو قطن من مسك بكسرالميم، الطيب المعروف.
قال النووي: والمقصود باستعمال الطيب دفع الرائحة الكريهة ... فإن فقد المسك استعملت ما يخلفه في طيب الريح. انتهى.
وفي هذا القدر كفاية.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(9/5811)
ماهية العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تذكر دائما في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (من عمل عملاً صالحاً) ما هو نوع العمل الصالح أو ما المقصود بذلك؟ وجزاكم الله خيراً أفيدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعمل الصالح ما جمع أمرين هامين:
الأول: الإخلاص لله.
الثاني: الموافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا لأن أصل دين الإسلام: ألا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، وألا يعبد الله إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا مقتضى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7] ، قال: أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، قال: والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة.، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 14005، والفتوى رقم: 20638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(9/5812)
استتري بستر الله ولا تخبري أحدا بما جرى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا إنسانة متزوجة استغللت جنسيا من طرف رئيسي في العمل رغم أنني لم أكن راضية عن هذا الوضع
وكنت دائما أستحضر أمامي لقاء الله سبحانه وتعالى وأخافه كثيرا إلا أنني لم أقدر على مواجهة هذا الرئيس القذر الذي يستغل ضعف الناس أخيرا أنتقل الوغد وحمدت الله وعدت إلى طاعة الله واستغفرته كثيراً وبكيت وندمت على ضعفي وعدم مواجهتي له ولو اضطرني ذلك إلى فقدان عملي إجمالا أنا إنسانة لا أعرف الكراهية أحب عمل الخير والمساعدة أحب الله كثيراً وأهابه ويؤنبني ضميري وأخاف عذاب القبر والآخرة.
أود أن يشفى غليلي بإجابتكم على سؤالي وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جريمة الزنا من أعظم الذنوب، وأشدها خطراً على الفرد والمجتمع، ولهذا شدد الإسلام في تحريمها، فقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
وغلظ في عقوبتها، فقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] .
هذا إذا كان الشخص بكراً أي لم يتزوج.
أما إذا كان قد تزوج ودخل، فإن عقوبته الرجم بالحجارة حتى يموت.
ومع ذلك، فإن باب التوبة مفتوح لمن أراد الدخول إليه، ورحمة الله الواسعة تشمل العصاة والمذنبين جميعاً مهما كانت ذنوبهم وعظمت جرائمهم، قال الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156] .
بل إن من أخلص عمله لله تعالى وتاب توبة نصوحاً بدّل الله تعالى سيئاته حسنات، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] .
وعلى هذا، فيجب على السائلة الكريمة المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، عسى الله أن يبدل سيئاتها حسنات، ولتنأكد أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وعليها أن تستتر بستر الله تعالى، ولا تخبر أحداً بما جرى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا رواه الحاكم والبيهقي.
نسأل الله تعالى أن يستر عيوبنا، ويتقبل توبتنا إنه هو الغفور الرحيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(9/5813)
قد أفلح من أسلم ورزق كفافا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
فقد كنت فيما مضى أمشي في طريق الضلال ولكن وبحمد الله تعالى قد تبت إلى الله توبة صادقه إن شاء الله، ولكن كانت أموري في السابق وخاصة المادية جيدة ولكن منذ أعلنت توبتي أمام الله سبحانه ضاقت أموري كثيراً، أرجو النصيحه مع أنني مصمم على التوبه إن شاء الله تعالى وأدعو الله دائما أن يفرج همي وجزاكم الله كل الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أن نهنئك على توبتك ونسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق مع التنبيه إلى أن ما كنت فيه من سعة الرزق مع عصيانك لله تعالى إنما هو من الاستدراج، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسوُنَ. رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، فما تجده من ضيق في الحال بعد التوبة لعله ابتلاء لك.. هل أنت صادق في توبتك أم لا؟ وقد يكون مشتملا على خير لك، فوجود الغنى قد يكون سببا للطغيان والتكبر، قال الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأرْضِ
فوجود ما يكفي الإنسان مع قناعته بما آتاه الله تعالى نعمة عظيمة من الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقَنَّعَهُ الله تعالى بما آتاه. رواه مسلم وغيره.
فتراجع الإنسان عن التمسك بدين الله تعالى بسبب عسر حاله من فقر وغيره من صفات المنافقين، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما يلي: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه، فإن أصابته فتنة أو شدة أو ضيق أو اختبار ترك دينه ورجع إلى الكفر. انتهى.
فعليك بتقوى الله تعالى والإكثار من الاستغفار، قال تعالى حكاية عن نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح:10-11] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(9/5814)
معنى: طغيان المعاصي أسلم من طغيان الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بقول ابن القيم: (وطغيان المعاصي أسلم من طغيان الطاعات) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تكلم الإمام ابن القيم عن هذه العبارة كثيرا، وخلاصة القول فيها: أن الطاعة قد تكون سببا للطغيان والإعجاب بالنفس والرياء للخلق واحتقار الغير مما يكون سببا في سخط الله على ذلك الذي قام بالطاعة.
وقد تكون المعصية سببا للندم والخوف من الله واحتقار النفس والإخلاص في العمل والتواضع لله سبحانه، فيكون ذلك سببا لرضا الله تعالى عن العبد.
ويوضح هذا المعنى الذي ذكرناه ما في صحيح الإمام مسلم من حديث جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك. وفي شعب الإيمان للبيهقي من حديث جندب قال: وطئ رجل على عنق رجل وهو يصلي، فقال الرجل: والله لا يغفر الله لك هذا أبدا، فقال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له؟ فقد غفرت له وأحبطت عملك.
فهذا الطائع الساجد قادته الطاعة إلى الاستكبار فحبط عمله، ولذا يقال: كم طاعة أورثت استكبارا، وكم معصية أورثت انكسارا.
ولذا، فعلى الطائعين أن يجمعوا بين الخوف والرجاء.
وليس معنى هذا التهوين من أمر المعصية، بل الواجب على العبد أن يحذر الوقوع في المعاصي لأنها سبب دماره وهلاكه في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1424(9/5815)
الواجب على المسلم أن يذب عن عرض أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم،
قام أحد الأشخاص أثناء تكلمه معي باغتياب شخص مسلم، وقد انزعجت لذلك ولكنني لم أنهه ربما لأنني لا أعرفه جيداً، هل يجب عليّ أن أخبر الشخص المغتاب بذلك، بالرغم من أنني لم أكن أنا الذي اغتابه؟ فقد ذكرتم في إحدى الفتاوى أنه يجب على التائب من الغيبة أن يبرئ ذمته أمام الشخص المغتاب فهل هذا الحكم ينطبق على المستمع للغيبة أيضاً؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الغيبة في الفتوى رقم: 6710، والفتوى رقم: 9570.
والواجب على من حضر مجلس غيبة أن يذب عن عرض أخيه، فإذا كان لا يستطيع فليترك ذلك المجلس.
فإن خالف فلم يذب ولم يترك المجلس فإن عليه التوبة من ذلك، ولا يلزمه أن يتحلل من الشخص المغتاب، لأنه لم يقع هو في الغيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5816)
متى يعود المسلمون إلى دينهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صفات المنافق هي ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان، وأنا أرى تخلف المسلمين بسبب هذه الصفات، متى يكون المسلمون ملتزمين بالدين ويكرهون الكذب ويكونون صادقين مع الله ومع أنفسهم ومع الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن كثيراً من المسلمين ظهرت فيهم صفات النفاق والتلبس بالمعاصي وإهمال الواجبات، وأما متى يكون المسلمون ملتزمين بالدين وصادقين مع الله ومع أنفسهم فهو بجهد الدعاة والمصلحين ورثة الأنبياء الذين يصلحون أنفسهم وغيرهم، ومع هذا فلا نكن خياليين نريد مجتمعاً لا عصاة فيه أبداً، لأن خير القرون قرن النبي صلى الله عليه وسلم ووجد فيه الزاني وشارب الخمر وغير ذلك، ولكن لنطلب السداد والمقاربة حتى لا يعم الفساد والمنكرات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(9/5817)
ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
ولكن ماذا لو أصاب البلاء عبدا فلم يصبر، هل له أجر مقابل البلاء حتى لو لم يصبر أم أن الأجر للصابرين فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصبر على البلاء والمصائب سبب في مضاعفة الأجور كما ورد في الآية الكريمة وغيرها، وجاء في أحاديث أخرى تكفير الذنوب بمجرد حصول البلاء، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
وقال ابن حجر العسقلاني: والأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة، قال القرافي: المصائب كفارات جزماً سواء اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قلّ، كذا قال، والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عُِّوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه..... انتهى فتح الباري ج10ص105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(9/5818)
أذية المسلم بغير حق شرعي حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[جارتي تؤذيننا كثيرا وهي مسيطرة على زوجها لا يستمع إلا لها وزوجي أيضا معها تتهمنا بالحرام وأشياء شنيعة جدا مسيطرة حتى على الأصدقاء والحي كله ماذا أفعل لكي أبتعد عن المشاكل التي أصبحت يوميا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله عز وجل أذية المسلم بغير حق شرعي، كما حرم النيل من عرضه واتهامه بما لا يليق، ورتب الإثم الكبير والعقاب العظيم على من فعل ذلك، فقال جل وعلا: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23] .
ويكون الأمر أشد إذا كان ذلك في حق الجيران والأقربين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه رواه مسلم.
فعليك أن تنصحي هذه المرأة -إن استطعت- أن تكف لسانها وأذيتها عن جيرانها، وعن إخوانها المسلمين عامة.
وإذا لم تستطيعي ووجدت من تثقين به من الإخوان والأصدقاء وأهل العلم من ينصحها ويبين لها خطورة الوقوع في أعراض الناس فبها ونعمت.
وينبغي أن تقابلي إساءتها بالإحسان والصبر، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
فإذا تكرر ذلك منك ولم تعبأي بما تقول وتقابلي ذلك بالصفح والإحسان، فستنقلب عداوتها صداقة إن شاء الله تعالى.
وهذه المرحلة من الصبر وعلو الأخلاق ينبغي للمسلم أن يتحملها، ويجاهد نفسه عليها حتى يكون ممن قال الله تعالى فيهم: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35] .
كما أن عليك أن تنصحي زوجك ومن يركن إليها، ويستمع لما تؤذي به جيرانها أن يتقي الله تعالى، ولا يكون عوناً للظلمة وشريكاً في الإثم.
قال الله تعالى: فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] .
وقال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(9/5819)
فوائد الصلاة وثمراتها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أسأل ما هي فوائد من صلى صلوات الله تعالى؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فوائد الصلاة وثمراتها التي يجنيها المسلم من إقامتها أكثر من أن تحصى، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي عليها بناؤه، وهي الفارق بين المسلم والكافر، فمن تركها فهو كافر في الراجح من أقوال أهل العلم.
وقد ورد أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وغيره.
ومن أراد المزيد من الاطلاع على ثمرة وفائدة الصلاة فليراجع الكتب التي تتكلم عن هذا الموضوع ككتاب الصلاة لابن القيم، ونحوه من الكتب التي عنيت بموضوع الصلاة والترغيب فيها والترهيب من تركها والتهاون في أدائها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1424(9/5820)
سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... أما بعد:
فلدي سؤال أبحث عن الإجابة عليه لديكم وهو أنني وقعت في شراك العادة السرية، والخطير في الموضوع والذي أنا نادم عليه جداً وخائف منه يوم الحساب والذي أخشى أن يفضحني الله عليه في ذاك اليوم هو أنني أثناء ممارستي لهذه العادة أتخيل بعض الفتيات اللاتي أعرفهن وكأنني أداعبهن وأزني معهن، ولكنني توقفت عن ذلك الآن لكي لا يفضحني الله يوم القيامة بفعلي السيء هذا، فهل يا ترى سيسترني الله يوم القيامة لما فعلته أو أنه سيفضحني أمام خلقه وأمام تلك النسوة اللاتي لم يكنَّ على علم بما فعلته، وكيف السبيل لكي يغفر لي ربي ولكي يسترني ولا يفضحني بهذا؟ أرجوكم دلوني على الطريق ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العادة السرية من الممارسات السيئة التي يلزم الابتعاد عنها، وقد ذكر حكمها وطرق التخلص منها في الفتوى رقم: 7170.
وأما التوبة فجاءت شروطها مفصلة في الفتوى رقم: 5450.
ثم عليك بالستر على نفسك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح -وقد ستره الله- فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. أخرجه الإمام أحمد والبيهقي.
وأخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم.
فعليك بالستر على نفسك حتى تنال من هذا الخير، وداوم على الاستعاذة من كيد ووسوسة الشيطان وبادر بالزواج إن استطعت وإلا فعليك بالصوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(9/5821)
المجاهدة في الله طريق للهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
السؤال هو: كنت أصلي قيام الليل وصلاة الفجر جماعة وأثابر عليهما وعلى قراءة القرآن فتركت كل ذلك واتبعت أموراً كثيرة وحاولت أن أرجع فلم أقدر فماذا أفعل ساعدوني من فضلكم فالهوى يغلبني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يردنا وإياك إليه رداً جميلاً.
أخي الكريم اعلم أن قولك حاولت أن أرجع فلم أقدر.... إنما هو من وساوس الشيطان، والمشكلة تريد قليلاً من العزيمة والمجاهدة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
وإذا دعتك نفسك لفعل حرام أو ترك واجب فتذكر الموت والقبر والقيامة ولقاء الله والجنة والنار، تخيل ذلك وكأنك تراه رأي العين، إذا فعلت ذلك بصدق فلن تطيع هواك إن شاء الله، وراجع لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12928، 10800، 1208.
وفي الختام نسأل الله أن يقينا وإياك شرور أنفسنا والشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(9/5822)
أرفع درجة ومرتبة يبلغها المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حد درجات المؤمن؟ وهل تقف عند حد معين؟ وماهو الحد الذي تقف عنده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دل القرآن والسنة على أن من المؤمنين الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وأنهم في الفضل والمنزلة على هذا الترتيب، فأفضل المؤمنين هم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون، فأعلى مرتبة يصل إليها أتباع الأنبياء أن يكونوا صديقين.
قال ابن القيم رحمه الله: فالصديق هو الذي صدق في قوله وفعله، وصدق الحق بقوله وعمله، فقد انجذبت قواه كلها للانقياد لله ولرسوله.
وهاهنا نقطة ينبغي التنبه لها، وهي أن درجات الصديقين تتفاوت، لأن الإيمان ليس له حد ينتهي إليه، بل إنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، فمن ظن أن هناك درجات إيمانية يقف عندها المؤمن صديقاً كان أو صالحاً، فقد أخطأ، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37] .
قال ابن القيم: فإن لم يكن في تقدم فهو في تأخر ولابد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الشريعة أو الطبيعة وقوف البتة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1424(9/5823)
النية شرط في حصول الأجر ولو في الأعمال المباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[من يعمل أي عمل (كتنظيف البيت مثلا) فأنا أفعل ذلك كعادة لكني أتذكر أنه يجب أن تكون النية هي الأجر، لكن المشكلة أني أتذكر ذلك أحيانا وربما أكون قد انتهيت من العمل فهل يحسب لي الأجر أم لا، فأنا أعلم أن الإنسان يحاسب بنيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النية شرط في حصول الأجر في الأعمال المباحة مثل تنظيف البيت ونحو ذلك وكالأكل والشرب، وفي الأمور الواجبة كالنفقات وأداء الديون، فلا يحصل الأجر لفاعلها إلا بنية التقرب بها إلى الله تعالى، وامتثال أمره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه.
ولقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها..... إلى آخر الحديث وهو في الصحيحين، ووجه الاستدلال به أن الواجب والمباح يحصل الأجر لفاعلهما بنية ابتغاء وجه الله تعالى، كما أن الحديث الأول يدل على أن العمل بدون نية لا يثاب فاعله، وأن النية شرط في حصول الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1424(9/5824)
باقات الزهر لاكتساب منزلة الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكون فعلا من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما يعين على اكتساب صفة الصبر استشعار فضائل الصبر، وهي كثيرة منها:
- أنه سبب لتأييد الله تعالى ونصره، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] .
- أنه سبب لمحبة الله، لقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] .
- أنه تنال به الإمامة في الدين، لقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] .
-أن الصابرين بشروا بثناء الله وهدايته ورحمته، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] .
- الجنة؛ كما في قوله تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15] .
ثم ذكر صفات المتقين وذكر منها الصابرين والصادقين والقانتين، إلى غير ذلك من فضائل الصبر الموجودة في الوحي قرآنا وسنة.
وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن مما يعين على الصبر ملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح ولذة الفرج، وتهوين البلاء بتذكر النعم الماضية والحالية، وقد ذكر ابن كثير في التفسير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على النفس والأبدان، والصبر عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5825)
من شروط وتمام توبة بائع الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[التوبة لبائع الخمر مع مواد غدائية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للتوبة شروطاً فصلها العلماء، فانظرها في الفتوى رقم: 5450.
أما التوبة من بيع الخمر مع المواد الغذائية، فإنها لا تكتمل إلا بإخراج الأموال المحرمة عن التجارة، أي ثمن الخمر، بأن يحسب التائب أمواله فينظر إلى نسبة الخمور فيها، فيخرج مقابل ذلك.. يعطيه للفقراء أو يضعه في المصالح العامة للمسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الخمر وعن أكل ثمن الحرام، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5826)
مدى قبول حج التائب من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد السلام
ما حكم من كان يزني لعدة سنوات ثم تاب توبة نصوحاً هل يجب عليه الحد؟ وهل ستقبل حجته؟ وما حكم الذي يزني ويولد له ولد من امرأة متزوجة برجل آخر؟
جزاكم الله خيراً مقدماً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ولا تجب عليه إقامة الحد إلا إذا رفع الأمر للسلطان المسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نُقِمْ عليه كتاب الله. رواه الحاكم والبيهقي.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد قد وجب. رواه النسائي وأبو داود.
وإذا اتقى الله في حجه قبله الله، كما قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] .
وراجع الفتوى رقم: 1095.
أما حكم من ولد له من الزنا بامرأة متزوجة، فقد تقدم تفصيل الكلام فيه في الفتوى رقم: 13390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(9/5827)
الهم بالمعصية مع العزم عليها معصية
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان وقع في مقدمات اللواط ولم يستطع اللواط لعيب في الشخص الملوط فيه فهل يؤاخذ بذنب اللواط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهمَّ بالمعصية مع العزم عليها معصية، وإن كانت دون معصية فعلها، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه صحيح البخاري.
وبناء على ذلك، فإن الأخ السائل لا يؤاخذ مؤاخذة اللائط، لأنه لم يفعل اللواط، لكنه يؤاخذ بمقدماته من نظر ولمس، ونحوها إن كان فعلها، فإن لم يكن فعل شيئاً من المقدمات أيضاً فلا شيء عليه من إثم هذه المعصية، لكنه لا يستوي مع من تركها خوفاً من الله تعالى، إذ الذي يتركها خوفاً من الله تعالى هو الذي تكتب له حسنة كاملة كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذي يتركها لعارض فلا إثم عليه فيها، لكنه يأثم على همه وعزمه.
قال الإمام النووي يرحمه الله: قال القاضي عياض رحمه الله: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة وليست السيئة التي همَّ بها، لكونه لم يعملها، وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية فتكتب معصية، فإذا عملها كتبت معصية ثانية، فإن تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة، كما في الحديث: إنما تركها من جرائي صار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه، فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها، ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم، وذكر بعض المتكلمين خلافاً في ما إذا تركها لغير خوف الله تعالى، بل لخوف الناس هل تكتب حسنة قال: لا، لأنه إنما حمله على تركها الحياء، وهذا ضعيف لا وجه له. هذا آخر كلام القاضي وهو ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقر، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19] . وقوله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] .
وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 22692، 22549، 18521، 3867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(9/5828)
رحمة الله تتسع لجميع التائبين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 25 عاماً أحب الدين الإسلامي جداً من داخل قلبي وأحب الله أكثر وأكثر ولكن أحس أني فاقدة شيئاً أو يوجد حاجز مع الله وهذا ممكن لأنني قبل أعوام كنت أفعل المنكر قبل أن أهتدي وأرتدي الحجاب والسؤال هو أنني أريد أن أصلح نفسي أكثر وأعرف كيف طرق التوبة حيث أنني عاشرت أكثر من شاب ولكن لم تصل لمرحلة الدخول أي أني عذارء ولا أعرف ماذا يقال عن هذه الأحوال هل هو زنا؟ وما طرق التوبة الصيححة؟ أريد طريقة تجعل توبتي صادقة وسريعة لله تعالى.
والحمد لله وأشكركم جداً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك في بداية الطريق الصحيح، والعودة إلى الله تعالى، إذ أن المؤمن مطلوب منه أن يكون خائفاً راجياً، يخاف عقاب الله بسبب ذنوبه، ويرجو رحمة الله ومغفرته، ومن رحمة الله تعالى أنه شرع التوبة لعباده، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقد جعل من أسمائه: التواب، الغفور، الرحيم، غافر الذنب، قابل التوبة.
ليحسن المرء الظن به، وهو عند ظن عبده به، فأحسني الظن بربك.
واعلمي أن ما ألممت به من هذه الذنوب لا يكبر على عفو الله تعالى ومغفرته وسعة رحمته إذا تاب العبد توبة نصوحاً، فثقي بالله، ولا تيأسي من رحمته، وأحسني العمل في ما يستقبل، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وفي ذلك ذكرى للذاكرين، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 5646، 8065، 16907.
وأما سؤالك عن تلك الممارسات هل هي زنا؟ فنقول: إن كان المقصود الزنا الذي يترتب عليه الحد، فهي ليست زنا بهذا الاعتبار، وإنما أطلق عليها في الحديث أنها زنا لكونها من الذرائع، ونعني بالحديث ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
وأما التوبة الصادقة، فهي التي تتوافر فيها شروط التوبة، وهي الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، وإن من أعظم ما يعينك هو البعد عن تلك البيئة السيئة وأصدقاء السوء، والحرص على مصاحبة الأخيار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(9/5829)
على قدر طاعة العبد لربه على قدر ما يكون قريبا منه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أكون قريبا من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبقدر طاعة العبد لربه يكون قربه منه، وكلما ازداد العبد امتثالاً للشرع بطاعة أوامره واجتناب نواهيه، ازداد قرباً من الله تعالى، وذلك لأن الأعمال الصالحة تزيد الإيمان، والمعاصي والذنوب تنقصه، والقرب والبعد من الله تعالى يكون بحسب زيادة الإيمان ونقصانه، قال حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في سلم الوصول:
إيماننا يزيد بالطاعات ... ونقصه يكون بالزلات
وأهله فيه على تفاضل ... هل أنت كالأملاك أو كالرسل
والفاسق الملي ذو العصيان ... لم ينف عنه مطلق الإيمان
لكن بقدر الفسق والمعاصي ... إيمانه مازال في انتقاص
وقد وعد الله تعالى المؤمنين الذين اتصفوا بصفات الإيمان أن يرحمهم ويغفر لهم، فقال الله عز وجل: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] .
وقال الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156] .
والمؤمن لا يزال يترقى في مراتب الدين ومدارج القرب حتى يكون أقرب ما يكون من الله تعالى، ومراتب الدين ثلاث:
1- الإسلام 2- الإيمان 3- الإحسان.
فالإسلام أركانه خمسة وهي معروفة، من استوفاها وقام بها فقد ترقى في مراتب الدين درجة، والإيمان أركانه ستة، من استوفاها ترقى درجة ثانية، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذه هي أعلى مراتب الدين، وأبلغ درجات القرب.
قال حافظ بن أحمد الحكمي في سلم الوصول:
وثالث مرتبة الإحسان ... وتلك أعلاها لدى الرحمن
وهي رسوخ القلب في العرفان ... حتى يكون الغيب كالعيان
ولمعرفة أسباب القرب من الله بمزيد من التفصيل والفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27513، 18073، 4014، 8372، 20879، 24565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/5830)
مدى تعلق النوافل بمحبة الرب للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقليل النوافل يدل على عدم حب الرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء ما افترض سبب في محبة العبد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته أخرجه البخاري وغيره.
ولكن ليس معنى الحديث أن المقلل من النوافل لا يحبه الله، فقد يكون المقلل من النوافل المداوم عليها أحب إلى الله من المكثر الذي لا يداوم عليها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله، قال: أدومها وإن قلَّ، وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/5831)
التائب حبيب الرحمن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد التوبة النصوح وكيف السبيل إليها فقد أخطأت بعبادتي لله سبحانه واقترفت ذنوباً مع شاب قد أحببته وقد وصل الموضوع إلى أن سأل يدي للزواج ولكن لم يشأ الله ذلك والحمد لله على ما قسم ولكني أحس بالذنب الشديد مع العلم بأن معصيتي لم تصل إلى حد الزنا والعياذ بالله ولكن أشياء مقاربة له فكيف لي أن أتوب مع؟ العلم أنني أصلي فروضي وأصوم شهري وأختم القرآن والحمد لله مرضية لوالديّ فهل لي من توبة.
أفيدوني أفادكم الله بدنياكم وآخرتكم إنشاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يحول بينك وبين التوبة شيء مهما بلغت ذنوبك، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156] .
وفي الحديث الصحيح يقول الله عز وجل: ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك، ابن آدم إن تلقني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة. رواه أحمد وغيره.
فأبشري بالمغفرة والقبول، واعلمي أن التائب حبيب الله، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .
المهم أن تكون توبتك نصوحاً، وهي المتضمنه ثلاثة شروط: الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة مع الإقلاع الفوري عن المعصية، وهذا ما حصل في ما ظهر لنا من كلامك فالحمد لله، ونسأل الله لك الثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1424(9/5832)
أقسام الناس في الرخاء والشدة
[السُّؤَالُ]
ـ[من دعا الله في وقت الشدة فقط فبم يسمى هذا الإنسان؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالناس في هذا الباب على أقسام:
الأول: من يعرفون الله في الرخاء والشدة وهؤلاء بأعلى المنازل، جعلنا الله وإياكم منهم.
والثاني: من يعرفون الله في الرخاء ولا يعرفونه في الشدة، قال الله تعالى عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] .
والثالث: من يعرفون الله في الشدة ولا يعرفونه في الرخاء، قال الله تعالى عنهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] .
والرابع: من لا يعرفون الله لا في الرخاء ولا في الشدة نسأل الله العفو والعافية.
ومن يدعو الله في وقت الشدة وقد فرط في وقت الرخاء فقد افتقد شرطاً في قبول الدعاء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة..... رواه الترمذي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(9/5833)
الترغيب في أداء الفجر جماعة والإعانة على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل من دعاء قبل النوم يمكن من الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة إن شاء الله وإن كان هناك ما هو؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم دليلاً يدل بخصوصه على أن هنالك دعاء ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقال من أجل الإعانة على الاستيقاظ لصلاة الفجر، لكن ثمة أموراً تعين على ذلك:
الأمر الأول: النوم المبكر، وقد روى البخاري ومسلم عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنها قال: وكان يستحب -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.
الأمر الثاني: نوم القيلولة، أي وقت الظهيرة، وقد روى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. حسن الألباني إسناده في صحيح الجامع برقم: 4431
الأمر الثالث: استحضار الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي رُتِّبَ على أداء صلاة الفجر في جماعة، ومن ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة.
الأمر الرابع: استحضار خطورة النوم عن صلاة الفجر، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 2444.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(9/5834)
يشعر بتراجع إيماني نتيجة لضغوط كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب جامعي أحسست من فترة أنني ابتعدت عن ديني نتيجة للضغوط الدراسية ولضغوط أخرى مصدرها الواقع الذي نعيش فيه أرجو أن تساعدوني في الرجوع إلى ديني.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والاستقامة على دينه والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
ونوصيك بتقوى الله تعالى والمحافظة على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، والإكثار من دعاء الله تعالى في أوقات الإجابة وفي السجود أن يرزقك الاستقامة والثبات على دينه.
وعليك بصحبة الصالحين والإكثار من مجالستهم، والبعد عن أصدقاء السوء، فإنهم سبب كل بلاء ومصدر كل شقاء، ولا تنس أن تكثر من قول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(9/5835)
كيف تتأكد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة سافر زوجي في العام الماضي لمدة 5 أشهر وخلال هذه الفترة تعرفت على رجل من خلال الإنترنت وتحدثنا طويلاً حتى توثقت العلاقة بيننا وكنا نتكلم في أشياء خاصة جداً جداً كأننا أزواج وأنا الآن تبت إلى الله توبة نصوحاً ولكن أريد أن أؤكد هذه التوبة فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد.
فأكثري من الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله ما استطعت، وأعظم ذلك المحافظة على الفرائض كالصلاة، وارتداء الحجاب الشرعي، وغض البصر، والبعد عن الاختلاط بالرجال.... إلخ، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي:.... وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري.
وراجعي للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28748، 26714، 27918، 3792.
واعلمي أن محادثة الرجال عن طريق الإنترنت أو التليفون، أو أي طريق آخر محرمة، وتجر إلى الوقوع في الفاحشة، فاتقي الله ولا تعودي، وانظري إلى الفتوى رقم: 1932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(9/5836)
المخلص لا رياء له
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف الإنسان صدق نيته علماً بأنني أقوم بالاستدامة على التقرب إلى الله بالعبادات والأعمال الصالحة والذكر الدائم لله والخوف من العذاب وغضب الله وكذلك أقوم بمحاولة حث الأصدقاء على قراءة القرآن سويا وأكون سعيدة جداً في مساعدتهم وتقديم المعونات والخدمات لهم ولكن سرعان ما أشعر بأنني يمكن أن أكون غير صادقة فكيف أعرف صدق النية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إخلاص النية لله تعالى أن تكون حركات المرء وسكناته في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء.. لا نفس ولا هوى ولا دنيا، والصدق في النية أن لا يعجب المرء بعمله، ولا يغتر به، ولا يُدِلُّ به على ربه. فشأن الصادق في نيته شأن من قال الله عز وجل فيهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] .
وحال المخلص في نيته حال من قال الله فيهم: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً* إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان:9-10] .
قال أحد العلماء: ويصح أن يقال: الإخلاص تصفية العقل عن ملاحظة الخلق، والصدق التنقي عن مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له.
إذا ثبت هذا؛ فإننا نقول للأخت السائلة: احرصي على الخير، عبادة وذكراً، وإحساناً وبراً، قاصدة رضا الرب الكريم، متواضعة له، شاكرة له على نعمة التوفيق، خائفة من التفريط والتقصير، فإذا كنت على هذا الحال، فداومي عليه وشمري واجتهدي ولا تلتفتي إلى وساوس الشيطان، لأنه يريد لك الانقطاع، ولتعلمي أن ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، هكذا قال أحد السلف وهو الفضيل بن عياض رحمه الله، ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتوى رقم: 10992، والفتوى رقم: 21032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(9/5837)
البعد عن الله.. خوف وهم وقلق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أما بعد:
أنا شاب من فلسطين وأعاني من مشكلة لو ساعدتموني في حلها أنا أعمل عند اليهود وأرى العديد من المحرمات وأخاف أن أقع فيها علماً بأني قد ضعف إيماني وأصبحت أتكاسل عن الصلاة وعن الواجبات وأرى أن الناس يكرهونني وأصبحت أخاف من الحياة ومن الناس ومن أهلي وأصبحت دائما مهموماً الرجاء ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يكفيك بحلاله عن حرامه وبطاعته عن معصيته وأن يذهب ما بك من الهم.
وإذا استطعت أن تستغني عن العمل مع اليهود بأي وسيلة وأن تبتعد عنهم فذلك خير لك، بل واجب في حقك ما دمت تعلم أنه يضعف إيمانك ويسبب لك التقصير في الواجبات والتكاسل عن الصلوات.
وأهم ما يجب عليه أن تحافظ عليه وتهتم به وتعض عليه بالنواجذ هو أداء الصلوات في أوقاتها والمحافظة على ما فرض الله تعالى عليك، وتبتعد عما حرم عليك، فهذا هو رصيدك في هذه الحياة وما سواه زائل.
ولعل ما أصابك من الهم وكره الناس لك والخوف من الحياة ومن الناس هو بسبب البعد عن الله تعالى، فكن على صلة بالله تعالى حتى يذهب عنك ما تجد، وتعرّف على الله في الرخاء يعرفك الله في الشدة، والجأ إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في دعائك، وأكثر من قول: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، وفرِّغ جزءاً من وقتك -ولو قليلاً- لتلاوة القرآن والتدبر في معانيه، فإن الله تعالى يقول: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82] .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم علاج الهم والغم بقوله: ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله؛ ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد.
فإذا استعنت بالله تعالى، واتبعت هذه النصائح والتوجيهات وما أشبهها، فإن الله تعالى سيفرج همك ويشرح صدرك، ولتبتعد أخي الكريم عن حومة المعاصي والذنوب، فإن كثرة الإمساس تفقد الإحساس كما قالوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1424(9/5838)
لا تعارض بين وعد الله بالحياة الطيبة للمؤمنين وبين الابتلاءات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
كيف يوفق المسلم التقي بين ابتلاءات الله له للتمحيص وبين قول الله تعالى للمؤمن: (فلنحيينه حياة طيبة) (يجعل له مخرجا) (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ابتلاء المؤمن بالمصائب لا يتنافى مع تكريم الله له، ولا يتعارض مع ما وعده الله تعالى به من الحياة الطيبة، وكثرة الخير، وذلك لأن ابتلاء الله تعالى لخلقه له حكمة، كما أن إكثار الخير بين أيديهم له حكمة، وحكمة الله لا تتعارض أبداً وإن اختلفت محالُّها، إذ لو حصل تعارض بينها لكان علامة على نفي اسم من أسماء الله تعالى وهو (الحكيم) أو على الأقل اتصافه بالنقص فيه، والله تعالى منزه عن النقص، فقد قال عن نفسه: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60] .
وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] .
وقد مضى بيان الابتلاء مع حكمة الله منه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10454، 12222، 13849، 13270، 17831، 25165، 29463.
كما أن الحياة الطيبة المذكورة في الآية لا تنحصر في الطعام والشراب واللباس ونحوها من الأشياء، بل قال بعض المفسرين: الحياة الطيبة هي حلاوة الطاعة، وقال بعضهم: هي المعرفة بالله.
والصواب من ذلك -والله أعلم- أن الحياة الطيبة هي العيش في طاعة الله، والبعد عن معصيته، لأن ذلك يحقق له السعادة وانشراح الصدر، والحياة لا تكون طيبة بدون سعادة، ولا سعادة إلا في ذلك، قال الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] .
وأمامنا أعظم مثل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكثير من أصحابه كانوا فقراء، فهل كان هذا بسبب عدم طاعتهم وتقاهم؟ أم كان بعدم حب الله لهم؟ والحق أن الأمر ليس كذلك، لأن إغداق النعم ليس دليلاً على التكريم، كما أن منعها ليس دليلاً على الإهانة، قال حافظ الحكمي في السبل السوية في فقه السنن المروية:
لو كان في الفقر ازدراء لم ير ... آلُ النبي والصحاب فقراً
كما أن قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] .
لا يُحَدُّ في الزينة الظاهرة للدنيا، بل يعم النعم الظاهرة والباطنة، قال صديق خان في فتح البيان: والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعم من ذلك من الخيرات والأنعام والأرزاق والأمن والسلامة من الآفات، وجميع ما فيها، وكل ذلك من فضل الله وإحسانه، وأصل البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء. انتهى.
وبهذا القدر نكتفي في بيان المقصود، وبرجوع السائل إلى تفسير الآيات التي ذكر في كتب التفسير المعتمدة يتبين له الأمر أكثر من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(9/5839)
الله تعالى يغفر الذنوب جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ارتكبت ذنباً عظيماً جداً يستحق القتل واصبحت في حالة أسوأ مما يتخيلها عقل هل أقتل نفسي أم أذهب للجهاد تكفيراً للذنب لأن الذنب لا جزاء له في الدنيا إلا القتل حدا؟ قلت في نفسي أبر والدي حتى إذا ماتا أجاهد فأقتل. دلوني يرحمكم الله والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن رحمة الله واسعة ومن سعة رحمته أنه يغفر الذنوب جميعاً، وإن بلغت ما بلغت لمن تاب منها وأناب، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله بأرض فلاة....
فإذا كان هذا الذنب الذي اقترفته بينك وبين الله لا يتعلق بحق الآدميين، فتبت إلى الله توبة صحيحة كما بينا في الفتوى رقم: 5450، قبل الله توبتك وغفر ذنبك، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإن كان هذا الذنب متعلقاً بحق أحد من الآدميين، فإنه يلزمك مع تحقيق الشروط السابقة أن تبرأ من حق صاحبه، فإن كان قصاصاً مكنت أولياء المقتول من استيفائه، فإن اقتصوا منك أو عفوا عن القصاص بدية أو بغير دية فقد تبت إلى الله وكنت مهيئاً بتحقيقك التوبة -أيأ كان الذنب الذي تبت منه- لأن يبدل الله سيئاتك حسنات، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
وانظر للأهمية الفتاوى التالية: 10397، 12744، 10800، 20888، 26357، 26411، 28748.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(9/5840)
لا أزال أغفر لهم ما استغفروني
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم.. ما حكم من يلتزم عدة أشهر ثم يعود مع العلم أنه ليس ملتزما التزاما كاملا بل التزام يخالطه بعض المعصية مثل العادة السرية ويريد أن يرجع لكن لا يستطيع لأنه يخاف أن يرجع إلى المعصية مع العلم أنه كثير التوبة والرجوع إلى المعصية أفدنا جزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك بالإقبال على الله تعالى بالتوكل عليه والاستغاثة به حتى يكفيك من كيد الشيطان، قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل:99)
فالشيطان بيَّن الله تعالى أنه عدو للإنسان يسعى دائماً لإفساد دينه فيوسوس لك بالمعاصي ويبعدك عن التوبة، فعليك بالاستغفار والتوبة الصادقة كلما وقعت في معصية حتى تكون من الذين قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (آل عمران:136) .
ويقول صلى الله عليه وسلم: ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة. رواه أبو داود والترمذي والبزار.
وهذا الحديث وإن قيل في سنده ما قيل فإن معناه صحيح، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له؛ كما يشهد له الحديث الآتي، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: قال إبليس: يا رب وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. رواه أحمد بإسناد حسن.
ومن توبتك أن تترك ما تفعله من العادة السرية فإنها محرمة، لأن فاعلها يعتبر من المعتدين على حرمات الله تعالى، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (المؤمنون:5-7)
ويمكن الرجوع إلى الفتوى رقم:
1909
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(9/5841)
كيف تكتسب نفسا مطمئنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما السبيل للتخلص من لذة الرياء ثم اكتساب نفس مطمئنة أو على الأقل نفس لوامة؟
شكراً وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مطالب بتزكية نفسه وتطهيرها من أمراضها التي تؤدي إلى فسادها وبعدها عن الله تعالى، والعلماء يقسمون النفوس إلى عدة أقسام منها:
- النفس المطمئنة: وهي أكمل هذه النفوس، وأعلاها منزلة في الخير، وقد ذكرت هذه النفس في قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر] .
قال مجاهد: المطمئنة: الساكنة الموقنة التي أيقنت أن الله ربها، الراضية بقضاء الله تعالى، التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها.
وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: قل اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك.
فيمكن اكتساب صفات النفس المطمئنة، وهذه الصفات هي: إخلاص التوحيد لله تعالى، الرضى بقضائه وقدره، التصديق بلقائه، القناعة بما أعطاه.
- ومنها النفس اللوامة: وقد بين معناها الحسن البصري رحمه الله تعالى بقوله: هو المؤمن يلوم نفسه.. ما أردت بكذا، والفاجر لا يعاتب نفسه.
وقال الحافظ ابن كثير: والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر.
فالنفس اللوامة إذن يمكن اكتسابها بمحاسبة المؤمن نفسه على ما تدعوه إليه من الشهوات والمعاصي، وما تقصر فيه من أعمال الطاعات.
أما التخلص من لذة الرياء، فالتفصيل فيها تراجعه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8523، 10992، 10263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1424(9/5842)
المعيار في محبة الله ورضاه
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من الأحيان أشعر بأن الله غير راض عني لا أعلم لماذا هو غاضب علي فأنا كلما ازدت إيمانا وأكثرت من الأدعية وقراءة القرآن تزداد مشاكلي فإن كان علي اختبار لا أتوفق فيه وإن خرجت من البيت واجهت حادثا مروريا كيف أتخلص من غضب الله؟ وخصوصاً أنه عندما أواجه هذه المشاكل أكره بعدها عمل الخير لأني أشعر بأنه مرفوض على كل حال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة الكريمة أن كثرة المصائب والبلايا والمنغصات ليست دليلاً على غضب الله عليك، بل قد تكون علامة رضا وإرادة الخير بك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه. رواه البخاري وأحمد.
فإن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه حتى يلقاه نقياً من ذنوبه، فيدخله جنته ودار كرامته حيث لا نصب ولا وصب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة. رواه الترمذي وأحمد بإسناد حسن.
وليس التوفيق في أمور الدنيا دليلاً على رضا الله تعالى عن عبده؛ لأن الله تعالى: يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه. رواه الإمام أحمد في مسنده.
فالمعيار في محبة الله ورضاه هو التوفيق لطاعته والعمل بمرضاته، فاحرصي على طاعة الله تعالى، وكلما حلت بكِ نازلة فتذكري نعمة الله عليكِ، فلا شك أن ما أعطاكِ أكثر مما أخذ منكِ، وإن المصيبة كل المصيبة أن تصابي في دينك فتيأسي من روح الله: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] .
فثقي بربكِ واشكريه على نعمته عليكِ، واصبري على المصائب التي تعينكِ، عسى أن تكون خيراً لك عند الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(9/5843)
أهلها غير ملتزمين بالدين وتريد أن تتفقه ... كيف تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ابلغ 19 عاما وأعيش في أسرة غير ملتزمة فأبي لا يذهب إلى المساجد ولا يحضر محاضرات دينية وأنا اعلم شيئاً قليلاً عن الإسلام ولدي الرغبة الشديدة في تعلم جميع أمور الدين لا أفهم معظم الشرح في الكتب الدينية كما أني أريد التخاطب مع العلماء لأن سماعي لهم مباشرة يؤثر في نفسي كثيرا فكيف أبدأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً لحرصك على هداية أسرتك، ولحرصك على تعلم أمور دينك، فنسأل الله أن يبارك فيك وأن يثبتنا وإياك حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.
والذي ننصحك به أمور:
الأول: عليك بمجالسة الصالحات وطالبات العلم والداعيات إن وجدن، فذلك مفتاح الطريق إن شاء الله.
الثاني: لا تقرئي من أول الأمر الكتب المطولة وكتب الشروح، وعليك بالكتب المختصرة والكتيبات والأشرطة.
ثالثاً: يمكنك أن تبحثي عن هواتف العلماء في بلدك أو غيرها، ثم تتواصلي معهم، وهم سيدلونك على الطريق إن شاء الله.
رابعاً: اجتهدي في نصح أبيك وأسرتك ولكن بالرفق واللين وبالتي هي أحسن ولا تيأسي من هدايتهم.
خامساً: وقبل ذلك وبعده عليك باللجوء إلى الله والدعاء بأنه سبحانه ييسر أمورك ويصلح حالك ويفقهك في الدين.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه رضاه، وأن يسدد خطانا وإياك، وأن يصلح لك أسرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(9/5844)
الأمانة التي حملنا الله إياها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيرا على هذالموقع وبعد:
ما هي الأمانة التى حملناها؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمانة التي حملنا الله إياها بقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] .
هي الدين كله، قال الإمام القرطبي في تفسيره: والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(9/5845)
المقصود بعدم قبول عبادة شارب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يشرب الخمر وهو يحاول جاهداً أن يبتعد عنه فيقوم بالصيام ولكنه يعود للشرب بعدها وأنا لا أستطيع نصحه لأنه سيغير من معاملته لي بعدها ويعتبرني عاصية لأوامره والسؤال هل تتقبل أعماله وصيامه تلك الفترة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن شرب الخمر من المنكرات الكبيرة والذنوب العظيمة، فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90، 91] .
وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم الخمر وذمها وذم شاربها.
ولهذا يجب على من ابتلي بهذا الذنب العظيم أن يقلع عنه، وأن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يكثر من أنواع الطاعات.
وعليك - أيتها السائلة الكريمة - أن تنصحي أباك برفق ولين، وتسرّبي إليه ما استطعت من المعلومات - ولو بطريق غير مباشر - في ذم الخمر وتحريمها وخطر الإدمان عليها وعقوبة صاحبها في الدنيا والآخرة.
واستعيني عليه بزوجته وأصدقائه من الأقارب لعل الله تعالى أن ينفعه بكلمة من أحدهم فيقلع عن أم الخبائث، وتكوني قد أبرأت ذمتك وأديت واجبك من النصح لأبيك.
وأما قبول عبادة مدمن الخمر فالظاهر أنها لا تقبل منه ما دام مصراً على شرب الخمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله صلاته أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال. أي صديد أهل النار. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.
فإذا كانت صلاته لا تقبل فإن غيرها من العبادات أحرى ألا يُقبل.
قال المناوي: خصت الصلاة لأنها أفضل عبادات البدن، والأربعين لأن الخمر يبقى أثرها في العروق والجسم في تلك المدة.
وقال صاحب تحفة الأحوذي: وقيل: إنما خص الصلاة بالذكر لأنها أفضل عبادات البدن، فإذا لم تقبل فلأن لا يقبل منها عبادة أصلاً كان أولى.
والمقصود بعدم القبول هنا عدم الإثابة عليها وإن كان ملزماً بها، ويأثم على تركها، وإذا أداها سقطت عنه المطالبة بها.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1108.
نسأل الله للجيمع الهداية والتوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5846)
باب التوبة مفتوح لكل أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع أن أتوب بعد أن تر كت صلا تي عدة مرات؟
وتقبلوا مني فائق الاحترام وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى بمنه وكرمه قد وعد التائبين بقبول توبتهم وغفران ذنوبهم مهما عظمت وكبرت، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم في صحيحه.
وعلى هذا نقول للسائل: إن باب التوبة مفتوح، فعليك بالمبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل والاستغفار، واعلم أن من شروط التوبة ترك الذنوب والندم على ما فات منها والعزم الصادق على عدم العودة إليها.
وننبه السائل إلى أن عليه أن يراجع حكم الصلوات الفائتة في الفتوى رقم: 512، والفتوى رقم: 3146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(9/5847)
عظم الجزاء مع عظم البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كثير المرض وفي بعض الأحيان أسب وأشتم المرض كثيراً فما جزاء ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنزول المرض بالشخص قد يكون عقوبة، فتجب على المريض التوبة، وقد يكون ابتلاء واختباراً فالواجب عليه الصبر، فإن صبر ورضي فله الرضا من الله تعالى وجزيل الثواب، ومن سخط ولم يرض فله السخط من الله تعالى وأليم العذاب.
وقد روى الترمذي عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع.
وفي رواية: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين، قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.
ولذا، فالواجب عليك إذا نزل بك المرض أن تصبر ولا تجزع، وأعلم أن صبرك ورضاك يورثانك الثواب وتعجيل الشفاء بإذن الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1424(9/5848)
قلما يسلم من الوقوع في الزنا الأكبر من أتى بمقدماته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يتمتع بفتاة لا تحل له بالضم والتقبيل وغير ذلك دون عمل فاحشة بحجة الخوف من الوقوع في الزنا؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للرجل أن يتمتع بفتاة لا تحل له بحجة الخوف من الوقوع في الزنا، إذ أنه بفعله ذلك قد وقع في نوع من أنواع الزنا، فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
ومن ادعى أنه بفعله ذلك يدفع عنه الوقوع في الفاحشة الكبرى، وأنه واثق من نفسه أنها لن تتعدى ذلك، فدعواه كاذبة، فقلما يسلم من الوقوع في الزنا الأكبر من أتى بمقدماته على نحو ما جاء في السؤال، ومن خاف من الوقوع في الزنا حقاً وصدقاً فعليه أن يبتعد عن كل ما يثير شهوته وغريزته، ومن أعظم ذلك الخلوة بامرأة لا تحل له؛ فضلاً عن أن ينظر إليها.. إلى غير ذلك.
ثم اعلم أن الخوف من الوقوع في الزنا قاسم مشترك بين الناس جميعاً، فالكل مطالب بأن يخاف من الوقوع فيه، فلا يأمن أحد البلاء على نفسه، والمعصوم من عصمه الله، وراجع لمزيد من الفائدة الفتاوى التالية: 14334، 17642، 19260.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5849)
لا خير في لذة تعقبها النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 21 سنة أعيش في القاهرة فعلت ذنوباً كثيرة من قبل حتى أنني زنيت مرات كثيرة والآن تبت إلى الله لكن في كل وقت تأتيني الهواجس وأتذكر ذنوبي التي فعلت من قبل حتى وأنا في الصلاة يا إخواني هل علي ذنب علما بأني كذلك أصوم لله أنتظر إجابتكم إن شاء الله؟ أخوكم يحبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -أخي الحبيب-أن الإنسان ما دام يعيش في هذه الحياة فهو في صراع مع نفسه وشيطانه، قال الله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53] .
وقال جل وعلا حاكياً عن اللعين: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [صّ:83] .
وما يعرض لك من هذه الهواجس فهو من قبل النفس الأمارة أو الشيطان اللعين، أو من كليهما.
أما النفس فإن لها خطراً عظيماً على المرء، إذا لم يستوقفها عند حدها ويلجمها بلجام التقوى والخوف من الله، ويأطرها على الحق أطرا ضلت وجمحت وفسدت أعظم الفساد وقادت صاحبها إلى الهلاك، ولا ينجو المسلم من شر هذه النفس إلا بمجاهدتها على الدوام، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:41] .
وقد بينا سبل ذلك في الفتوى رقم:
18074.
وأما الشيطان فهو دائب السعي لإضلال الإنسان لا يترك في سبيل ذلك طريقاً ممكنا إلا سلكه، قال الله تعالى حاكياً عن اللعين: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17] .
واعلم أن مثال القلب مثال الحصن، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه، وطريقه إلى ذلك إثارة الوساوس والهواجس، فلا تتوصل لحماية قلبك إلا بمجاهدة وساوسه ودفع ما يلقيه، وقد بينا طرفاً من طرق مجاهدة الشيطان في الفتوى رقم: 22629، وننصحك بقراءة كتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" للعلامة ابن قيم الجوزية.
وهذه الهواجس التي تطرأ عليك لا تؤاخذ بها ما لم تتكلم أو تعمل بمقتضاها، وانظر للتفصيل الفتوى رقم: 8685.
واعلم أن ضرر الذنوب والمعاصي عظيم، فكل بلاء الدنيا وعذاب الآخرة إنما سببه الذنوب والمعاصي، تذهب لذات المعاصي وتبقى حسراتها، كما قيل:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
نعم والله لا خير في لذة من بعدها النار، فاحذر من ذلك كل الحذر، ونسأل الله لنا ولك الهداية والثبات، وراجع الفتوى رقم:
18607.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(9/5850)
الطريق الصحيح لتحقيق التوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... أما بعد:
أنا شاب بالغ من العمر 17 عاماً وأمارس العادة السرية وشربت الخمر مرتين فقط وأعيش حياة كلها لهو ومتقطع عن الصلاة وأريد أن أتوب توبة نصوحا.. إن شاء الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله العظيم أن يطهر فؤادك وأن يرزقنا وإياك الصلاح والاستقامة حتى نلقى الله جل وعلا وهو عنا راض.
وأما بشأن العادة السرية فانظر الفتوى رقم: 7170.
وأما بشأن عوامل الهداية والاستقامة والتوبة فانظر الإحالات الموجودة في الفتوى رقم: 25342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(9/5851)
الزاني البكر أو المحصن إن تاب تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل التائبة المتزوجة أو التائب المتزوج الذي وقع في الزنا وتاب وندم وبكى على ما اقترفه وعمل الأعمال الصالحة وجميع الواجبات الدينية هل يعاقب يوم القيامة حتى بعد التوبة؟ وهل تلاقي الزوجة زوجها يوم القيامة مع ذكر الأدلة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب من الزنا تاب الله عليه وغفر ذنبه ولم يؤاخذه به يوم القيامة سواءً كان زناه وهو بكر أو كان وهو محصن، وقد سبق دليل هذا في الفتوى رقم: 22964.
وأما هل تلقى المرأة زوجها يوم القيامة أم لا؟
فالجواب: نعم تلقى المرأة زوجها يوم القيامة كما قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس] .
وبعد ذلك فإن كانا مؤمنين كان مآلهما الجنة، وإن كانا كافرين كان مآلهما النار، وإن كان أحدهما مؤمنا والآخر كافراً دخل المؤمن الجنة والكافر النار، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 2207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(9/5852)
ترك العمل من أجل الناس رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعيش في أمريكا، واختارني الإمام السابق لمسجدنا لأكون إماما في المسجد قبل رحيله، ولكنني دائما عندما أصلي بالناس أحس بأن صلاتي يشوبها شي من الرياء، وكلما حسنت صوتي أو قرأت سورة من السور التي أحفظها اتابني نفس الشعور.. ودائما أتعوذ من الرياء والنفاق، وأنا أعلم أن من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة رجل قرأ القرآن ليقال عنه هو قارئ، ورجل تعلم العلم وعلمه ليقال عنه هو عالم.. وقد قال لي بعض الأشخاص بأنني قارئ، وأنا خائف أن أكون مشمولا في ذلك الوعيد.. فهل يجب علي أن أتوقف عن الإمامة مع العلم بأنني مع كوني الإمام فإنني أحاول دائما تقديم الآخرين ولكن عندما لا يتقدم أحد منهم فإنني أتقدم وأصلي بالناس.. أفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الرياء من أخطر الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه الإمام أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه.
وأن الإخلاص أمره عظيم وشأنه كبير ونعمة من الله سبحانه وتعالى يمن بها على من يشاء من عباده فعلى العبد أن يسعى في تحصيلها، وأن يحذر من الإنزلاق في مصائد الشيطان فإن الشيطان حريص على إفساد عبادة المسلم بكل وسيلة فإذا فاته من جهة المعاصي والشهوات جاء إليه من جهة العبادة والطاعات.
وشكر الناس وثناؤهم على العبد من أجل طاعة أداها أو قربة تقرب بها ... لا يضر إلا إذا حرص العبد على ذلك ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس؟ فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن.
والذي ننصح به السائل الكريم ألا يتوقف عن الإمامة ولا غيرها من أنواع الطاعات.... ولكن عليه أن يستعين بالله تعالى ويكثر من الدعاء "اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه".
وقد قال الفضل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منها. كما في شعب الأيمان، ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نحيل السائل الكريم إلى الفتوى رقم:
10992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(9/5853)
كيف تتغلب على النفس الأمارة بالسوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أفيدونا أثابكم الله في من يرتكب معصية وهو على كل اليقين بأنها معصية مع اختلاف العلماء فيها إلا أنهم أجمعوا على تحريمها ومع ذلك كلما حاول جاهداً الابتعاد عنها ازداد تشبتا بها ومع جهاده لنفسه عليها ازدادت إصراراً، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أراد الإقلاع عن الذنب والتوبة الصادقة إلى الله عز وجل عليه أن يجدّ في عمله ويصدق الله تعالى حتى يعينه على التغلب على هواه وشهواته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن تصدق الله يصدقك..". رواه النسائي في سننه.
فعلى من أرد التوبة إلى الله تعالى بصدق أن يستشعر مراقبة الله تعالى له في السر والعلانية، ويتذكر أنه مطلع على السر وأخفى، وأنه القائل في محكم كتابه: اَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] .
وليتذكر خطورة الذنوب وأضرارها عليه؛ فإن ارتكاب المعاصي يقسي القلب ويحرم من الطاعة ويمحق البركة ويؤدي إلى الوحشة وضيق الصدر والهوان على الله تعالى وعلى الناس، ولا ينظر إلى حجم المعصية وإنما ينظر إلى عظمة من عصى، ويعلم أنه مطلع على سره وعلانيته وقادر على أخذه أخذ عزير مقتدر.
والذي يريد التوبة عليه أن يبتعد عن أمكنة المعاصي وأصحاب السوء..
فإن وجوده في أماكن المعاصي أو مع أصدقاء السوء يؤدي به إلى الانتكاس والرجوع إلى المعصية من جديد وعدم التوبة منها، وعليه أن يتذكر نعيم الجنة وما أعد الله فيها لعباده التائبين.. والنار وما أعد فيها من العقاب للعصاة والمذنبين.
فإذا تذكر العبد هذه الأمور وما أشبهها وصدق الله تعالى فلا شك أنه سيقلع عن الذنوب والمعاصي بإذن الله تعالى. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 18661.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5854)
العقبات المانعة من العبادة والصلاة وسبل دفعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد الصلاة ولا أدري ما الذي يمنعني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للمسلم أعداء يمنعونه من الصلاة وغيرها من الطاعات وهم:
أولاً: نفسه التي بين جنبيه قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53] .
والسلاح في دفع هذا العدو هو جهاده وكبح جماحه، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] .
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله. رواه أحمد.
ثانياً: الجهل وأخطره الجهل بالله تعالى وعظيم رحمته وشدة عذابه ونقمته، والجهل بحقيقة الدنيا وأنها دار زيف وزوال، والآخرة وأنها دار نعيم مقيم أوعذاب أليم، والسلاح الذي يدفع به هذا العدو هو العلم.
ثالثاً: الشيطان، قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
والسلاح الذي يدفع به هذا العدو هو الذكر، والاعتصام بحبل الله تعالى والاستعاذة به من كيد الشيطان، وقد بين الله لنا ضعف كيد الشيطان، فقال الله تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] .
رابعاً: الدنيا، وعلاجها الزهد فيها والإقبال على الآخرة.
خامساً: رفقة السوء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
وانظر في عظيم أمر الصلاة والأسباب المعينة على المحافظة عليها الفتاوى التالية: 15037، 29210، 21081.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5855)
أساس التفاضل بين الناس في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[على أي أساس جعل الله المفاضلة بين الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ميزان التفاضل بين الناس ومقياس الكرامة عند الله تعالى هو التقوى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] .
وقد ذكرت الآية الكريمة ثلاثة أشياء: المساواة بين الناس، فالناس سواسية كأسنان المشط في الأصل والمنشأ فهم جميعاً من أب واحد وأم واحدة، وهم متساوون في الحقوق والواجبات....
واختلاف الألسنة والألوان والمواهب والطباع والاستعدادات..... لا ينبغي أن يكون مدعاة للشقاق والتفاخر.. وإنما هو للتعارف فقط ولا ينبني عليه أي حكم، وليس للون والجنس.. قيمة في ميزان الله تعالى، فالأكرم عند الله تعالى الأرفع منزلة عنده في الدنيا والآخرة هو الأتقى الأصلح في نفسه وللجماعة المسلمة.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاني التي جاءت بها الآية الكريمة في خطبه وأحاديثه ومعاملاته وطبق هذا المعنى في واقع حياة الناس، ومن ذلك ما جاء في خطبته يوم الفتح كما في سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبّية الجاهلية -كبرها وفخرها- وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم صلى وخطبه في حجة الوداع وغيرها لا يتسع المقام لذكرها.
والحاصل أن أساس التفاضل في الإسلام هو تقوى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/5856)
عفو الله لا يتعاظمه ذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا شاب أبلغ من العمر 22 سنة أنا أصلي لكن قمت بعمل عديد من الفواحش فهل الله يغفر لي كل ما فعلته وهل ربي يتقبل مني، أنا فعلت اللواط والزنا وفواحش لا تحصى، ولكن والله أنا خائف من الآخرة ولكن أنا فعلت الفواحش أنا دائما أتوب ولكن عندي رفاق سوء، أنا أريد أن أمحو جميع ذنوبي فكيف؟ أريد أن أمحو ذنوبي وأتوب توبة نصوحاً فأرشدوني هل من فعل اللواط كافر ومن زنا بأخته كافر بارك الله فيكم أرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة من هذه الذنوب العظيمة والفواحش الموبقة، فإن اللواط والزنا من أقبح الجرائم وأشنعها وأقذرها، وأعظم من ذلك الزنا بالمحارم كالأخت والأم، ومع هذا فإن من تاب وأناب إلى الله تعالى تاب الله عليه وغفر له، فعفو الله لا يتعاظمه ذنب ورحمته وسعت كل شيء كما قال عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] .
وفي الحديث يقول الله: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة." رواه الترمذي.
فالواجب عليك التوبة النصوح وهي التوبة الصادقة التي تحققت فيها شروط التوبة وهي:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود إليه مرة أخرى.
ثم أكثر من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، لقول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [مريم:60] .
وقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] .
واعلم أنه لا تدوم لك توبة ولا يصلح لك شأن ما لم تقطع علاقتك برفقتك السيئة التي تدعوك إلى الفاحشة وتزين لك الغواية، فالمرء على دين خليله.
وأما سؤالك هل من فعل اللواط وزنى بأخته يعد كافراً؟ فالجواب: أنه ليس بكافر ولكنه مرتكب لأكبر الكبائر وأقبح الفواحش، نسأل الله الثبات والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(9/5857)
من أسباب زيادة الإيمان وجلب محبة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ...
أنا شاب في الـ 15 من عمري وأصلي وأعبد الله حق عبادتة ولكني لا أشعر بالإيمان ولا يستجاب دعائي كيف آتي بالإيمان ويحبني الله؟ مع أني لم أرتكب أي كبيرة ولست عاقاً لوالدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يشرح صدرك ويقر عينك ويقوي إيمانك، واعلم –وفقك الله- أن لزيادة الإيمان واكتساب محبة الله طرقاً من سلكها أفضت به إلى ذلك، وقد سبق بيان ذلك تحت أرقام الفتاوى التالية: 6342، 18073، 10894، 21885، 9317.
ونضيف هنا الأسباب التي ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله الجالبة لمحبة الله وهي عشرة:
1- قراءة القرآن الكريم.
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
3- دوام ذكر الله على كل حال.
4- إيثار محاب الله على محابك.
5- مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته.
6- مشاهدة بره سبحانه وإحسانه.
7- انكسار القلب بين يدي الله.
8- الخلوة به سبحانه ودعاؤه في أوقات الاستجابة.
9- مجالسة الأخيار.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(9/5858)
البلسم الشافي لداء الوحشة وضيق الصدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي في الله أشعر بالوحشة في هذ الدنيا من جراء ما أقترف من الذنوب والمعاصي وأشعر دوما بالنفاق لأني أحس أني ملتزم في الظاهر أما الباطن فبه الكثير من الأسقام والضعف أسألكم بالله أن تدلوني على ما يزيل تلك الوحشة ويعينني على طاعة الله كما كنت وأن أحس بلذة الطاعة كما كنت أشعر بها من قبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أن نعلم أن طمأنينة القلب وانشراح الصدر وزوال الوحشة لا يمكن أن يتأتى إلا إذا رضي عنا ربنا الذي خلقنا ـسبحانه- وهذا لا يتم أبداً ولا يوجد في النفوس إلا إذا ابتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب واقترب من الله تعالى، فللذنوب أضرار في القلوب كأضرار السموم في الأبدان، وكل ضرر واقع في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب والمعاصي.
ومن آثارها التي تفسد على الإنسان دنياه وآخرته:
ـ حرمان العلم
ـ حرمان الطاعة
ـ حرمان الرزق
ـ وحشة يجدها العاصي
ـ ظلمة في القلب
ـ ابتعاد الملائكة عنه وتسلط الشياطين عليه
ـ رد الدعاء
وغير ذلك من الآثار الكثيرة. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وسأذكر لك بحول الله عدة ينابيع تنفي عنك الوحشة وضيق الصدر:
-إن أول ينبوع ننهل منه فترتوي قلوبنا هو: ينبوع الإيمان بالله، إذ لا سعادة إطلاقاً بدون الإيمان الراسخ بالله -عز وجل- وبالقدر خيره وشره, قال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125] .
-أما الينبوع الثاني فهو: ينبوع التوكل على الله، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ولا تزعجه الحوادث، لعلمه أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيطمئن لوعده، كما أنه يسعد حين يسعى في بذل الخير للناس ويحسن إليهم ولا ينتظر منهم جزاءً ولا شكوراً، بل يرجو ذلك من ربه سبحانه، قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] .
-وثالث هذه الينابيع هو: ينبوع القناعة، حيث إن الذي لا يعرف القناعة لن يعرف السعادة أبداً ولو ملك كنوز الأرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. رواه البخاري وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم
-أما الينبوع الرابع فهو: تلاوة القرآن والاشتغال بذكر الله عن هموم الدنيا، واللجوء إلى الله بالدعاء مع اليقين بأنه -سبحانه- سيجيب دعوتك في الحال، أو يدفع عنك من السوء مثلها، أو يدخرها لك في الآخرة.
واعلم أن ما تخشاه على نفسك من النفاق يدل على أن قلبك حي ومتصل بالله، كما قال الحسن البصري رحمه الله: والله ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.
ومما يعينك على طاعة الله وتحصيل لذة العبادة عدة أمور، منها:
ـ تلقي أوامر الله تعالى بالقبول والامتثال، وعدم معارضتها بشهوة أو رأي.
ـ التخلق بالخصال الثلاث التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه
ـ الحرص على الإخلاص، وإخفاء الأعمال عن الخلق قدر المستطاع، ومطالعة عيوب النفس ونقائص الأعمال ومفسداتها من الكبر والعجب والرياء وضعف الصدق، والتقصير في إكمال العمل وإتمامه.
ـ الإشفاق من رد الأعمال وعدم قبولها.
ـ مشاهدة فضل الله وإحسانه، والحياء منه، لاطلاعه على تفاصيل ما في القلوب, وتذكر الموقف والمقام بين يديه، والخوف منه، وإظهار الضعف والافتقار إليه والتعلق به دون غيره.
ـ ومن أعظم الطرق: معرفة الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.. والعلم النافع وهو: العلم بآيات الله الكونية والشرعية، الذي يربط القلب بالله.
وكذلك الإكثار من ذكر الموت، والجنة والنار، والإكثار من ذكر الله، وطول التأمل وكثرة التدبر، الذي يورث الصلة بالله تعالى، والمسارعة في الطاعات، واستباق الخيرات، ونسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يقر أعيننا بذوق حلاوة طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1424(9/5859)
دلائل قبول توبة العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ذنب يغضب منه الله فلا يسامح الإنسان لمدة طويلة مهما فعل وربما لا يسامحه أبداً مهما فعل؟ كيف نعرف أن الله راضٍ عنا أو غاضبُُ علينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى شرع لعباده التوبة من الذنوب، ووعدهم بمغفرتها، كما في قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
والذنب الوحيد الذي لا يغفره الله عز وجل هو الشرك بالله إذا مات الإنسان عليه ولم يتب منه، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] .
أما الذنوب دون الشرك بالله فيغفرها الله تعالى لمن تاب منها برحمته وفضله مهما عظمت وكثرت، والحمد لله على منِّه وإحسانه: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:71] .
هذا إذا توافرت شروط التوبة وهي:
1- إخلاص التوبة لله.
2- الندم على الذنب.
3- الإقلاع عن الذنب.
4- العزم على عدم العودة.
5- أن يوقع التوبة في وقت القبول -وهي بفضل الله- تقبل في كل وقت إلا في حالتين: إذا بلغت الروح الحلقوم، وإذا طلعت الشمس من مغربها.
6- رد المظالم إن كان الذنب في حق آدمي.
وأما كون الله تعالى لا يسامح ولا يغفر بعض الذنوب -دون الشرك- أبداً! فهذا تحكُّم في الله تعالى وسوء ظن به، فإن الله أمر بالتوبة ووعد بالمغفرة والله لا يخلف الميعاد، وقد قال سبحانه وهو البر الرحيم: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً [النساء:147] .
أما الوقت الذي تقبل فيه التوبة من العبد، فعلمه عند الله، ويظهر أن الله يقبل توبة عبده فور إيقاعها، وقد يؤخر قبولها لحكمة ومدة يعلمها هو سبحانه.
فعلى المرء أن يتوب من ذنوبه جميعاً ويلح على الله في طلب مغفرتها ويحسن ظنه بربه، ويظل بين رجائه مغفرة ربه، وخوفه من عاقبة ذنبه فذلك أدعى لأن يغفر الله له ويرحمه.
أما علامة رضا الله عن عبده أو سخطه عليه فمعيارها التوفيق للطاعة أو عدمه، فمن أطاع الله بفعل ما أمره به، وترك ما نهاه عنه فهو راضٍ عنه، فمن رأى أنه موفق للطاعات وعمل الخيرات وهو مخلص في ذلك لله تعالى فليبشر، فهذا من دلائل رضا الله عنه في تلك الحال ولا يأمن مكر الله بل يسأل الله الثبات وحسن الخاتمة.
ومن رأى من نفسه حب المعاصي والإصرار عليها وعدم التوفيق لكثير من الخير فهذا -عياذاً بالله- من دلائل غضب الله عليه، فليتدارك ذلك بتوبة نصوح لعل الله يوفقه إليها فيختم له بخير.
نسأل الله لنا ولكم وللمسلمين التوفيق لما يحب ربنا ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1424(9/5860)
ضيق الرزق وسعته من أقدار الله على عباده.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أسباب ضيق الرزق وكيفية التوسعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ضيق الرزق وسعته من أقدار الله تعالى على عباده فيبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويضيق على بعض كل ذلك لحكم بالغة، قال الله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت:62] .
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الزمر:52] ، ومعنى "يقدر": يضِّيق.
وإن من أعظم أسباب سعة الرزق تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لايَحْتَسِب [الطلاق: 3] .
ومن أعظم أسباب ضيق الرزق معصية الله تعالى، ففي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وهناك أسباب أخرى متفرعة عن السببين المتقدمين، منها مثلا صلة الرحم، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه.
ومنها أيضاً كثرة الإنفاق في سبيل الله والصدقة ابتغاء وجهه تعالى، ومما يسبب ضيق الرزق ومحق بركته التعامل بالربا قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات [البقرة:276] .
ولا بد أن ننبه إلى أمرمهم وهو أن سعة الرزق أو ضيقه تعني بالدرجة الأولى ما يجعله الله تعالى من البركة في ما آتاه لعبده وما يمتعه به من السعادة والطمأنينة به، وشواهد ذلك كثيرة من واقع الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1424(9/5861)
ذكر الله وتلاوة القرآن بالتدبر والخشوع شفاء لما في الصدور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 20 من عمري أتخيل أشياء غريبة وفي بعض الأحيان أشعر بالاكتئاب والحزن وأحيانا بالخوف والقلق وعندما أناقش هذه المشكلة مع أصدقائي يقولون إنها المراهقة فقط، والحقيقة أن هذه المشكلة ابتدأت لدي منذ 3 سنوات عندما كنت داخلا إلى الإعدادية لما أحسست بقشعريرة في جسدي ودوار في رأسي وألم في صدري منذ ذلك الحين وأنا أعاني الاكتئاب والحزن والخوف والقلق، ساعدوني أعانكم وإياي الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويشرح صدرك ويفرج همك، وعلاج ما ابتليت به هو الالتجاء إلى الله تعالى قبل كل شيء، والتضرع إليه، فهو الذي يجيب دعوة المضطر ويكشف السوء ويفرج الهم والغم سبحانه وتعالى.
ثم عليك بالإكثار من ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه بتدبر وخشوع، ففي ذلك شفاء محقق لما في الصدور وتفريج لغمومها وهمومها وإذهاب لأحزانها واكتئابها.
يقول الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] .
ويقول: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاء [فصلت:44] .
ويقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57] .
ويقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
ولا يفوتنا أن نثلج صدرك بالدلالة على حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي) إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً، فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
ثم إن استمر معك ما تشعر به فلا بأس أن تعرض نفسك على من يوثق بدينه وورعه ممن يعرف الرقية الشرعية.
واحذر كل الحذر من المشعوذين والدجَّالين، فإنهم لا يزيدون المرء إلا خبالاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1423(9/5862)
ذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة دأب الصالحين.
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاءتني وساوس الشياطين يخوفونني من الموت فماذا أفعل ليذهب الخوف عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذكر الموت والخوف منه دأب الصالحين ووصية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم القائل: أكثروا من ذكر هاذم اللذات. يعني الموت. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد.
وذكر الموت والخوف منه يجلب خشية الله ومراقبته ويبعث على فعل الخيرات والاستعداد للآخرة والبعد عن الذنوب والمعاصي، ويزهد في شهوات الدنيا الفانية.
إلا أنه لا يجوز أن يصل هذا الخوف إلى حد اليأس والقنوط من رحمة الله أو الانشغال عن عمل الصالحات وما أمرنا به من الاستخلاف في الحياة، والمؤمن الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، ويحذر العقاب ويرجو الثواب، ويخاف الآخرة ويستعد لها، ويزهد في الدنيا ويستعمرها، والقلق والخوف الذي يأتي الإنسان لا تخرج أسبابه عن ثلاثة أمور: خوف من المستقبل، أو هم لحاضر، أو حزن على ماضٍ.
فعلى المسلم أن يترك المستقبل لما يأتي فلا يدري ما الله صانع فيه، وعليه الاستعداد له بما أمر، وأما الحاضر فهو يومك وسيمضي كما مضى غيره بأتراحه وأفراحه، وأما الماضي فقد ولى ولن يعود، فلا الحزن يرجعه ولا البكاء يعيده، والخلاص من ذلك بالإيمان بالقضاء والقدر والرضا بما يكتبه الله على العبد.
فعليك بذلك وأشغل وقتك بتلاوة القرآن، والإكثار من ذكر الله، ومجالسة الصالحين، والبعد عن المنكرات.
وانظر الفتوى رقم:
21259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/5863)
لا حرج في إظهار الفرح مادام ليس ناتجا عن رياء ولا يؤدي إليه.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فأحياناً أظل فرحا للقيام ببعض الأمور الدينية مخافة أن أكون كارهاً لشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخرج من الملة ولكن أخاف من أن أشرك ففي بعض الأحيان أخاف من أن أفرح بأمر ابتلاني الله به مخافة أن لا أكره شيئاً يخرجني من الملة فبما تنصحونني لتفادي الاثنين معا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرح بالتوفيق لطاعة الله أمر محمود، فالمؤمن من سرته حسنته وساءته سيئته، وقد قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] .
فإذا لم يكن إظهار الفرح بالطاعة ناتجاً عن رياء أو يؤدي للرياء فلا حرج فيه، بل قد يكون مستحباً.
واعلم - أيها الأخ الكريم - أنه أيضاً ليس من شروط العمل الصالح إظهار الفرح به حتى لا يكون المسلم واقعاً في كراهة شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكفر.
وكذلك لا يشترط السرور بالبلاء، فإن المصائب مجلبة للحزن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن عند المصائب كما حزن على عمه حمزة وحزن على ولده إبراهيم وقال: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. متفق عليه.
وإنما يشترط الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم له، وعدم السخط من البلاء.
فعليك بإخلاص النية لله، ومجاهدة نفسك على فعل الطاعات، والصبر على مر القضاء، وأبشر بكل خير إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/5864)
اقوى الوسائل والأسلحة لمحاربة الشيطان الرجيم.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي وسائل محاربة الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان عدو للإنسان كما أخبر الله تعالى في كثير من الآيات منها قوله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
فإذا علم المسلم ذلك وجب عليه بذل وسعه في محاربة الشيطان بكل ما يستطيع، ومن أقوى الوسائل والأسلحة لمحاربة الشيطان:
1- الاستعانة بالله سبحانه، والاستعاذة بالله من الشيطان، فكلما شعر الإنسان بأن الشيطان يريد أن يغويه استعاذ بالله منه، فالله قادر على رد كيده، قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200] .
2- ذكر الله تعالى والمداومة عليه، فكلما أحس الإنسان من نفسه غفلة ذكر الله، فإن الشيطان يوسوس لابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، أي تراجع وتأخر، كما ورد معنى ذلك في عدة آثار عن ابن عباس وغيره، وهو معنى قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:4، 5] .
3- المسارعة إلى فعل الخيرات، والأعمال الصالحات، واجتناب المحرمات، ومجاهدة النفس على ذلك، فإذا جاهد الإنسان نفسه واستعان بالله على شيطانه، وفقه الله ونصره على هواه وعلى شيطانه، وهداه الصراط المستقيم وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
4- المبادرة إلى التوبة إذا وقع الإنسان في ذنب، فهذا يغيظ الشيطان ويهدم عمله، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135، 136] . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201، 202] .
5- عدم مخالطة رفقاء السوء، ومجالس المعصية، كما في الآية السابقة (202 من سورة الأعراف) . مع مجالسة الصالحين، وحضور مجالس العلم والذكر.
6- ملازمة جماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، والشيطان على من فارق الجماعة يركض. رواه النسائي وغيره بإسناد صحيح.
وإذا كان المسلم مع الجماعة المؤمنة كان أبعد من الشيطان، فإذا انفرد برأي أو فهم أو موقف، كان فريسة للشيطان ووساوسه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. رواه الترمذي عن عمر وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الإمام أحمد أيضاً.
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن يسافر وحده في الصحراء: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب. أخرجه أبو داود والترمذي ومالك وأحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/5865)
المؤمن يتقلب في الدنيا من حال إلى حال.
[السُّؤَالُ]
ـ[استقال زوجي من العمل منذ قرابة السنتين ومنذ ذلك لم يوفق في إيجاد وظيفة رغم خبرته الكبيرة والمميزة في مجاله ورغم عشرات الفرص التي تتبخر في آخر لحظة، هل هو ابتلاء من الله أم أنه حسد أم سحر مع العلم أن هناك زميلا توعده بالانتقام بعد أن ضبطه متلبسا في قضايا اختلاس من الشركة التي استقال منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله لا يقدر للإنسان إلا خيرًا، واختيار الله له خير من اختياره لنفسه، ففي صحيح مسلم عن صهيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.
وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمؤمن فيها يتقلب من حال إلى حال ليرى الله منه الصبر عند الابتلاء والشكر عند الرخاء. قال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .
وربنا سبحانه الرحيم الرحمن الكريم الرزاق لن يهلك عبده جوعاً إذا أقبل إليه وسأله الرزق وتضرع بين يديه، فهو سبحانه الذي كفل الأرزاق لعباده ووعدهم بذلك، وعد كريم لا يبخل، وقدير لا يعجز، وعداً أكده وأقسم عليه، قال سبحانه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:22، 23] .
فما عليكم إلا الأخذ بأسباب الرزق والسعي في تحصيله واللجوء إلى الله في ذلك والرضا بما قسم لكم، ولا يضركم ما فاتكم بعد ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أصبح آمناً في سربه، معافاً في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. رواه الترمذي.
ولمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم:
6074.
وأما هل كون ذلك بسبب سحرٍ أو أحسدٍ فانظري ذلك في الفتوى رقم:
10454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/5866)
طريق تحقيق العبد للتقوى هو الصدق.
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتحقق التقوى في السر حتى يخلص العبد لربه، [المقصود] عند سؤال أهل العلم عن طريق الإخلاص يقال اتق الله أو ـالتقوىـ ولكن يمكن لأي مسلم أن يتقي الله في العلن كأن يصلي جماعة في المساجد ويراه الناس ولا يفعل المنكر أمام أعين الناس ولكن إذا ما خلى بنفسه فينسى مراقبة الله له فيعمل عمل أهل السوء وإذا ما اجتمع مع قوم أصبح مرة ثانية أمامهم كأنه متقٍ وهو ـ معاذ الله ـ قد يكون ألف المعصية، أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريق تحقيق العبد للتقوى هو الصدق، فإن الصدق جماع كل خير الصدق في النية والإرادة وذلك يرجع إلى الإخلاص، والصدق في العزم والوفاء به، والصدق في الأعمال وهو أن تستوي سريرته وعلانيته، قال مطرف رحمه الله: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله عز وجل: هذا عبدي حقاً.
والصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء والرضى والحب، فإن هذه مبادئ يطلق عليها الاسم بظهورها، ولها غايات وحقائق فالصادق من قام بحقائقها، ولنضرب مثلاً الخوف فما من عبد يؤمن بالله إلا وهو يخاف من الله خوفاً يصح أن يطلق على صاحبه اسم الخائف لكن ليس كل أحد يبلغ درجة الحقيقة في الخوف، فمن أظهر خوف الله أمام الناس ثم بارزه بالمعصية بعيداً عنهم لم يكن محققاً للصدق، ولا صادقاً في دعواه الخوف من الله.
وهكذا رجع الأمر كله إلى الصدق الموصل إلى الجنة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ... رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/5867)
من أخطر ما يوقع الشيطان فيه العبد هو اليأس من مغفرة الله له.
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني الألتزام بتعاليم الدين الإسلامي بينما أحس أن الله لم يسامحني على كل ما فعلت بالسابق علما بأنني أحاول بكل جهدي أن ألتزم حيث قمت بالصلاة في أوقاتها وأيضا قمت بقراءة القرآن الكريم حيث إنني امتنعت عنه لفترة طويلة ولكن للآن أحس أن الله لم يغفر لي، أرجو إفادتي بشروط التوبة التي تغفر لي بها خطاياي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه، ولكن قبل أن ندلك على الطريق التي تصل بها إلى مطلوبك لا بد أن ننبهك إلى أن من أخطر ما يوقع فيه الشيطان العبد هو القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من مغفرته، لذلك يقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
ويقول حكاية عن العبد الصالح نبي الله يعقوب عليه السلام: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] .
فتب إلى الله تعالى توبة نصوحاً واستغفره من كل ذنب وأسأله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه وأن يرزقك الاستقامة على شرعه، وأيقن أنه سبحانه وتعالى جواد كريم غفور رحيم يجيب دعوة الداعي ويقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
وأما ما يعين على الالتزام فهو أولاً: الالتجاء إلى الله تعالى، ثم ترويض النفس وتعويدها على فعل ما أمر الله به، وحبسها عما نهى الله عنه والاستعانة بالرفقة الصالحة، والابتعاد عن مواطن السوء ورفقاء السوء.
وقد بينا طرفاً من هذا في فتاوى لنا سابقة انظر منها: 1208، 15219، 10800.
وأما شروط التوبة فقد سبقت في فتاوى منها: 5450، 12067، 21763، 4646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1423(9/5868)
أسرف على نفسه بارتكاب معاصي موبقة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو حول أنني شاب ولقد ارتكبت جميع المعاصي ولم أترك معصيه في العالم إلا وارتكبتها ولكني أفقت من غفلتي منذ ما يقارب الخمسة أشهر ولقد التزمت والحمدلله باللحيه وقراءة وحفظ كتاب الله عز وجل ولكني لم أصل ركعتي التوبة ولكني أتوب إلى الله كل يوم بالصلاة في جوف الليل والبكاء والرجاء عسى ربي أن يغفر لي ذنوبي العظيمة وسؤالي هو أنني لم أصم أو أصل طوال السنوات التسع الماضيه فهل علي قضاء وأيضا لقد ارتكبت حادث سير وتوفي في الحادث خمسة أشخاص فهل علي شيء أفيدوني الله يجزاكم الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك القبول والثبات على دينه، واعلم أن التوبة تجبُّ ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأن الحيرة لا تزول والقلب لا يطمئن والنفس لا ترتاح إلا بالإنابة إلى الله والاستغفار والتوبة وصدق الالتجاء إليه.
فعليك بكثرة الاستغفار والطاعات والنوافل والذكر والدعاء وكل الصالحات لتكون ممن تنالك مغفرة الله ورحمته، فهو القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
ولمعرفة ما يعينك على التوبة والثبات على الاستقامة انظر الفتوى رقم: 26714.
ولا يلزم لصحة التوبة أن تصلي ما يسمى بصلاة التوبة لكن تستحب لك صلاتها، كما هو مبين في الفتوى رقم: 7471.
وأما عن كيفية قضاء ما تركته من صلاة وصوم فانظر الفتوى رقم: 3146.
وأما حادث السير فإن كنت أنت الذي تسببت في قتل هذه الأنفس خطأ فليلزمك كفارة على كل نفس، كما هو مبين في الفتوى رقم:
14436، كما تلزم دياتهم عاقلتك إلا إذا كان للذين توفوا فعل مؤثر في موتهم وعجزت عن الاحتراز منه فلا ضمان عليك ولا كفارة، كما هو مبين في الفتوى رقم:
23912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(9/5869)
المستتر بمعصيته أهون جرما من المجاهر بها.
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي عن معنى حديث للنبي صلى الله عليه وسلم والذي فيما معناه (أنه يأتي أقوام يوم القيامة بحسنات كالجبال فيجعلها الله هباءً منثورًا، فقيل: عرفهم لنا يا رسول الله فقال: هم قوم إذا خلوا بمحارم الله اتنهكوها....) وعن معنى حديث آخر وهو (كل أمتي معافاً إلا المجاهرون ... ) , فأنا في
حيرة بين الحديثين , فإذا فعلت معصية وكنت معتاداً عليها في الخفاء وهي لا تفعل إلا في الخفاء ولم أحدث بها فأي الحديثين ينطبق على حالتي؟؟؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم واللفظ لـ البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
فالذي يجاهر بمعصيته أمام الناس، والذي يحدث الناس بما فعله من منكرات يكون قد أضاف إلى ذنبه ذنباً آخر كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قد ارتكب محظورين: إظهار المعصية، وتلبسه بفعل المُجَّان.
ولا يعني ذلك أن من فعل الإثم ولم يجاهر به لم يأثم ولم يعاقب عليه، بل يأثم وقد يعاقب عليه، إلا أن المجاهر أقبح إثماً وأشد عقوبة منه؛ لأنه كما نقل ابن حجر عن ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا. انتهى.
فالعاصي الذي يقع في الذنب نتيجة لقهر النفس أو وسوسة الشيطان أو غلبة الهوى فيستتر بمعصيته خجلاً وحياءً من الله ومن الناس، فلا ريب أنه أهون جرماً من المجاهر.
أما الذي لا يستحي من الله ولا يعظم حدوده وإنما يراقب الناس ويراعي البشر فإن وجد بين الناس أظهر تعظيم الحدود والحرمات والفرائض، فإن خلى بنفسه سرعان ما ينتهكها ويجعل الله أهون الناظرين إليه، وهو الذي توعده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ثوبان والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
فيجب عليك أن تقلع عن كل ذنب وتتوب إلى الله وتراقبه في السر والعلن، فإن من يعظم ملاحظة الناس إليه ويستهين بنظر الله إليه لم يكن من المتقين الأبرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1423(9/5870)
كفى بهذا زاجرا عن التبرج والسفور
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي درجة الحرام في عدم لباس الخمار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التبرج وترك الحجاب من كبائر الذنوب؛ لأنه انتهاك لأمر الله تبارك وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال بعض أهل العلم: إن الذنوب كلها كبائر بالنظر إلى أنها انتهاك لأوامر الله تبارك وتعالى، وإنما قيل لبعضها صغائر بالنسبة إلى ما هو أكبر منها.
وقال: الهيتمي في الزواجر: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
إذا علمنا ذلك فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن التبرج وأمر بالحجاب، فقال جل وعلا: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات. الحديث رواه مسلم.
وكفى بهذا زاجراً عن التبرج والسفور.
ولمزيد من الفائدة عن فرض الحجاب نحيلك إلى الفتوى رقم:
5561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(9/5871)
السعادة كنز ثمين يمكن تملكه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السبيل إلى السعادة أفيدوني جزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسعادة هي تلك الجنة التي ينشدها كل الناس، وقليل منهم من يوفق إلى سلوك طريقها الصحيح، والأكثر يطلبها في غير موضعها، فيزداد شقاء إلى شقائه، وتعاسة إلى تعاسة، فيظن أكثر الناس أن السعادة في الغنى والمال، لكننا وجدنا كثيراً من الأغنياء في شقاء حقيقي، ويظن آخرون أن السعادة في كثرة الأولاد الذين هم زهرة الحياة وزينة الدنيا، ولكننا وجدنا كثيراً من هؤلاء يعاني من أولاده الأمرين.
ويظن البعض أن السعادة في الشهرة والوجاهة والمناصب العالية، ولكننا وجدنا كثيراً من أصحاب الشهرة والمناصب يموتون منتحرين!!
إذاً أين السعادة إذا لم تكن في وفرة المال ولا كثرة الأولاد ولا سطوة الجاه؟ السعادة كما يقول أحد العلماء: شيء معنوي لايرى بالعين ولا يقاس بالكم ولا تحتويه الخزائن ولا يشترى بالدنيا ... ، السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه، ... صفاء نفس وطمأنينة قلب وانشراح صدر وراحة ضمير.
وهذا كله تجده في الإيمان العميق بالله سبحانه وفي ذكره ومراقبته والعمل الصالح ابتغاء وجهه، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
وقال: من عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] .
هذا الإيمان والعمل الصالح هو الذي جعل السلف يقولون: إننا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف. وقالوا: إنه لتمر علينا ساعات نقول فيها لوكان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه إنهم لفي عيش طيب
فالسعادة إذاً شجرة ماؤها وغذاؤها الإيمان الحق بالله وبالدار الآخرة, ومهما أوتي الإنسان من الأسباب المادية فلن يصل إلى السعادة إذا خلا قلبه من الإيمان وعقله من القرآن وهدفه من مرضاة الله، ونحن هنا لا ننكر دور المادة في تحقيق السعادة.. لكننا نقول: إن الإيمان يغني عنها ولكنها لا تغني عن الإيمان، فإن اجتمع للمسلم الإيمان والمال فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وفي الحديث: من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح. رواه أحمد بإسناد صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(9/5872)
كيف تتقرب إلى الجنة وتتباعد عن النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أي الأولويات في الدين أو العبادات مثل: الأكل أو أداء النافله وغيرها مثل هذا وأتمنى لو تجيبوني بالترتيب مثل رقم واحد كذا والثاني كذا إلى آخره رحمكم الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا السؤال لا يمكن إجابته إلا في عدة مجلدات، ولكن نقول: يجب على المرء امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، ويكون ذلك بالمحافظة على الفرائض لأنها أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضتُ عليه. رواه البخاري.
وهي مقدمة على غيرها من النوافل والمندوبات، مع أنها تتفاوت فيما بينها، فأركان الإسلام من الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج ليست كغيرها.
وكذلك المنهيات تتفاوت، فمنها الكبائر الموبقات؛ كالشرك والربا والسحر، ومنها ما هو دون ذلك.
لذا فعلى المسلم أن يبتعد عن كل ما حرم الله تعالى ويحافظ على الفرائض، ويتقرب إلى الله بما استطاع من النوافل، فإن فعل ذلك فقد فاز بمحبة الله ونال رضاه، وقد قدَّم من أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام خطة متكاملة لـ معاذ رضي الله عنه لما سأله عن عمل يدخله الجنة ويبعده من النار، قال: لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وَتَصًومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17] ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(9/5873)
من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابتسام وجه المتوفى دليل على حسن الخاتمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للبعد عمَّا يغضب ربه سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.
ومما يدل على هذا المعنى ما صحَّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله. قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي والحاكم.
ولحسن الخاتمة علامات كثيرة، وقد تتبعها العلماء باستقراء النصوص:
- فمنها: النطق بالشهادة عند الموت.
- ومنها: الموت بعرق الجبين.
- ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها.
- ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال.
إلى آخر ما ذكره العلماء من هذه العلامات، وقد نبه إليها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في كتابه أحكام الجنائز.
وليس - فيما نعلم - نص صحيح صريح بأن التبسم عند الموت من علامات حسن الخاتمة، ولكن هذا يفهم من عدة نصوص، فإن المحتضر - إن كان من أهل السعادة - فإنه يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. رواه أحمد عن البراء رضي الله عنه.
فقد يبتسم المحتضر لذلك، ومما يدل على هذا أيضاً ما رواه أحمد عن طلحة بن عبيد الله عندما زاره عمر وهو ثقيل وفيه: إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما منعني أن أسأل عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته، قال: فقال عمر: إني لأعلم ما هي، قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله إلا الله؟ قال طلحة: صدقت هي والله.
ومحل الشاهد من الحديث قوله: أشرق لها لونه. ولكن هذا مع النطق بالشهادة.
واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من علامات حسن الخاتمة لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه بأنه غير صالح، فهذا كله من الغيب، ونسأل الله لنا ولك حسن الخاتمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(9/5874)
من كانت فترته إلى سنة النبي فقد أفلح
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب الله حبا جما علما بأنني متدينة جداً جداً في السابق ولكن الآن للأسف أشك في ديني مع أنني أصلي وأصوم فرائض وتطوع ونوافل وأقرأ القرآن تقريبا كل شهر أختمه مرة أو كل شهرين مرة وذهبت إلى العمرة هذا العام وأتوب كثيراً ولكن أحس أنني لا يغفر لي والسبب في الشك أن كل ما حولي من مشاهدة التلفاز وخاصة الدش.. والإذاعة وخاصة سماع الأغاني.. الحديث مع الموظفين في العمل أي أن السيئات والخطايا تحيط بي من كل جانب وأحس أكثر بأن الدين لدي ضعف حيث إنني أصبحت عندما أصلي لا أثبت وعندما أقرأ القرآن لا أعرف ماذا قرأت ولا أفهم أي شيء فيه فكيف السبيل والخلاص من مشاغل هذه الدنيا؟ أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله عني وعن كل المسلمين الخير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محبة الله الصادقة نعمة عظيمة مغبون فيها كثير من الناس، ومن تحققت له هذه المحبة فليبشر بخير, فإن الله تعالى لا يضيعه، ولكن محبة الله الصادقة تقتضي محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، واتباعه في كل ما سنَّ وشرع والاقتداء به في أخلاقه ومعاملاته، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه [آل عمران: 31] .
والإنسان في هذه الحياة متقلب ـ بطبيعته ـ بين النشاط والحماس والعمل وبين الفتور والتقصير والكسل، وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم ـ أن نستغل أوقات النشاط وإقبال النفس على الطاعة في الخير ولا ننقطع بالكلية عن العمل وقت الكسل والفتور، فنحافظ على الفرائض التي هي رأس مال المسلم ونبتعد عن ما حرم الله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شرة , ولكل شرة فترة , فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك. رواه أحمد وابن خزيمة.
والذي أنصح به السائلة الكريمة أن تقارب وتحافظ على الفرائض وما استطاعت من النوافل, وإذا وجدت نشاطا تستغله في الاستزادة من الطاعة والنوافل، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: وما تقرب إلي عبدي بشي أحب إلي مما فترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. رواه البخاري.
وتجتنب المنهيات فهذا لابد منه ولاخيار فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه , وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم.
ومما يعين على ذلك مصاحبة الخَيِّرات اللواتي يُعِنَّك على طاعة الله تعالى، وسماع المواعظ والدروس وكثرة الدعاء بالتوفيق والعون، ولمزيد من الفائدة نحيلك إلى الفتوى رقم: 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(9/5875)
الخشوع روح العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[انا إنسان أحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة ولكن لا أحس بأي روحانيه في الصلاة وكأني أعملها كأداء واجب أرجو النصح والإرشاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي ننصح به السائل الكريم هو تقوى الله عز وجل في سره وعلانيته، وأن يحاول أن يحصل ما استطاع من الخشوع في صلاته، فإن الخشوع هو روح الصلاة، وبدونه تكون الصلاة مجرد حركات لا معنى لها.
ومما يساعد على حصول الخشوع في الصلاة إسباغ الوضوء، وإكمال الطهارة، وحضور القلب، وخضوع الجوارح وسكونها أثناء أداء الصلاة، والتأمل فيما يتلفظ به من قراءة وأدعية.
كما ننصحك بأداء ما استطعت من النوافل وخاصة السنن الراتبة وقراءة الأدعية والأذكار المأثورة في الصباح والمساء.
وقبل ذلك وبعده التعلق بالله عز وجل والالتجاء إليه وكثرة التضرع له أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم:
6598.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/5876)
الإحسان سبيل الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أطرح عليكم هذا الموضوع فيما يخص كفالة اليتيم
توفيت خالتي منذ ثلاث سنوات هي وزوجها وأحد أبنائهما وتركت ثلاث بنات وولدين فقام والديّ بكفالة بنتين وولد عمره 10 سنوات، البنت الثالثة الكبرى تعمل في مدينة أخرى لوحدها لا تريد العودة إلى مدينتنا وفي العطلات تأتي عندنا، وأخوهم الأكبر عمره 25 سنة يعيش عند جدتي، المشكلة هي أنهم ليسوا بمطيعين وعصاة لا يصلون ولا يردن أن يتحجبن، والديّ متدينان ولكن هؤلاء البنات لا يسمعن الكلام وأختهن الكبرى هي التي تأمرهن بعدم ارتداء الحجاب وغير ذلك من معاصٍ، هل يتحمل والديّ ذنوب المعاصي التي يعملنها
أمي تقول إذ لم يعودوا إلى الطريق فإنها ستقول لأخيهن لكي يتكفل بهن عندما تتزوج ولديهن مسكن خاص تركه لديهن والدهن رحمه الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام هؤلاء الأطفال دون سن البلوغ، فإنهم لم يصلوا بعد إلى سن التكليف، فليست الصلاة واجبة في حقهم، إلا أن على من يتولى أمرهم أن يرشدهم إلى الصلاة تدريباً لهم على الطاعات، مع التشديد على من بلغ منهم سن العاشرة، لما روى أبو داود والترمذي عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها. واللفظ لـ أبي داود.
فعلى هذا فالذي نراه هو استمرار الإحسان إلى هؤلاء الأيتام مع توجيههم وإرشادهم إلى أداء الفرائض والتحلي بآداب الإسلام، مع الإخلاص في الدعاء لهم بالهداية والتوفيق إلى الخير والصلاح، ولا شك أنه يرجى أن يكون هذا الإحسان مع طيب المعاملة والرفق سببين في استقامتهم وصلاحهم. هذا هو الحكم ماداموا صغاراً.
أما إذا بلغوا سن التكليف، وأصروا بعد النصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة، أصروا على ترك الصلاة أو أصرت البنتان على عدم ارتداء الحجاب، فلا يجوز حينئذ الإحسان إليهم، بل قد يترتب على إبقائهم في هذا البيت التأثير على أبناء هذين الوالدين المحسنين، فيلزم حينئذ إبعادهم عن البيت ليسكنوا في المنزل الخاص بهم، وإنما قلنا بهذا لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة عند جماعة من أهل العلم، ولأن الحجاب افترضه الله على نساء المؤمنين، ولا يحل للمرأة البالغة تركه والتخلي عنه.
هذا كما أن الواجب بذل النصح لتلك الأخت الكبرى مادام هؤلاء الأولاد يقتدون بأمرها، فلعل صلاحها يكون سبباً لصلاحهم.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
5259 - والفتوى رقم: 3350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/5877)
ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[ترك حقوق الله تعالى أسوأ حالاً عند الله من ارتكاب المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه العبارة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه أعلام الموقعين، وهي منقولة عن سهل بن عبد الله التستري قال سهل بن عبد الله: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نُهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أُمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه. انتهى
قال ابن القيم في الفوائد: هذه مسألة عظيمة لها شأن وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجود عديدة:
أحدها: ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس.
الثاني: أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وإن سرق.
الثالث: أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي كما دل على ذلك النصوص، كقوله صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها. وقوله: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله. أخرجه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
قوله: اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وغير ذلك من النصوص>
وترك المناهي عمل فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً [الصف: من الآية4] .
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:19] .
وقوله: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] .
وقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] .
وأما في جانب المناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة، كقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205] ، وقوله: وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] ، وقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276] ، وقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23] ، وقوله: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] ، ونظائره.
وأخبر في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها، كقوله: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [الإسراء:38] ، وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28] .
قال ابن القيم رحمه الله: إذا عرف هذا.. ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يُقَدِّر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد، واتخاذ الشهداء، وحصول التوبة من العبد، والتضرع إليه والاستكانة، وإظهار عدله وعفوه، وانتقامه وعزه، وحصول الموالاة والمعاداة لأجله، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها، وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه، فعلم أن فعل ما يحبه أحب إليه مما يكرهه، ويوضحه الوجه الرابع.
الرابع: أن فعل المأمور مقصود لذاته وترك المنهي مقصود لتكميل فعل المأمور فهو منهي عنه لأجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه، كما نبه سبحانه على ذلك في النهي عن الخمر والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، فالمنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل المأمورات أو عن كمالها، فالنهي عنها من باب المقصود لنفسه، ويوضحه الوجه الخامس.
الخامس: أن فعل المأمورات من باب حفظ قوة الإيمان وبقائها، وترك المنهيات من باب الحمية عما يشوش قوة الإيمان، ويخرجها عن الاعتدال، وحفظ القوة مقدم على الحمية، فإن القوة كلما قويت دفعت المواد الفاسدة، وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة، فالحمية مداد لغيرها، وهو حفظ القوة وزيادتها وبقاؤها، ولهذا كلما قويت قوة الإيمان دفعت المواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتها بحسب القوة وضعفها، وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة، فتأمل هذا الوجه.
السادس: أن فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه، وترك المنهيات بدون ذلك لا يحصل له شيئاً من ذلك، فإنه لو ترك جميع المنهيات ولم يأت بالإيمان والأعمال المأمور بها لم ينفعه ذلك الترك شيئاً وكان خالداً في النار، وهذا يتبين بالوجه السابع.
السابع: أن من فعل المأمورات والمنهيات فهو إما ناجٍ مطلقاً إن غلبت حسناته سيئاته، وإما ناجٍ بعد أن يؤخذ منه الحق، ويعاقب على سيئاته، فمآله إلى النجاة، وذلك بفعل المأمور، ومن ترك المأمورات والمنهيات فهو هالك غير ناجٍ، ولا ينجو إلا بفعل المأمور وهو التوحيد.
الثامن: أن المدعو إلى الإيمان إذا قال: لا أصدق ولا أكذب ولا أحب ولا أبغض ولا أعبده ولا أعبد غيره كان كافراً بمجرد الترك والإعراض، بخلاف ما إذا قال: أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرني ولكن شهوتي وإرادتي وطبعي حاكمة علي لا تدعني أترك ما نهاني عنه، وأنا أعلم أنه قد نهاني وكَره لي فعل المنهي، ولكن لا صبر لي عنه، فهذا لا يعد كافراً بذلك ولا حكمه حكم الأول، فإن هذا مطيع من وجه، وتارك المأمور جملة لا يعد مطيعاً بوجه يوضحه الوجه التاسع.
التاسع: أن الطاعة والمعصية إنما تتعلق بالأمر أصلاً وبالنهي تبعاً، فالمطيع ممتثل المأمور، والعاصي تارك المأمور. قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6] .
وقال موسى لأخيه: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه:92، 93] ، وقال عمرو بن العاص: أنا الذي أمرتني فعصيت؛ ولكن لا إله إلا أنت.، وقال الشاعر:
أمرتك أمراً جازماً فعصيتني
الوجه العاشر: أن امتثال الأمر عبودية وتقرب وخدمة، وتلك العبادة التي خلق لأجلها الخلق كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ، فأخبر سبحانه أنه إنما خلقهم للعبادة، وكذلك إنما أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ليعبدوه، فالعبادة هي: الغاية التي خلقوا لها، ولم يخلقوا لمجرد الترك، فإنه أمر عدمي لا كمال فيه من حيث هو عدم، بخلاف امتثال المأمور فإنه أمر وجودي مطلوب الحصول.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه الفوائد ثلاثاً وعشرين وجهاً، ونقلنا هنا بعضها، وتركنا بقيتها لطولها فيمكن الرجوع إلى الكتاب المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(9/5878)
كيف تستعد للقاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الشروط التي يجب أن تتوافر في المسلم للقاء الله يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يستعد للقاء ربه بالإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107] .
وقال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [العنكبوت:7] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62] .
فمن استعد بالإيمان الذي لا يخالطه شك ولا ريب، وبالتقوى التي هي اجتناب ما نهى الله عز وجل عنه والعمل بطاعته في كل ما أمر، فلا يخاف عند لقاء ربه. قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62 - 64] .
فمن كان مؤمناً تقياً كان لله وليًّا، وعلى المسلم أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وأن يراقبه في كل لحظاته، فإن فعل ذلك فاز برضا ربه سبحانه وتعالى، وأقبل عليه وهو آمن من عذابه.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
26642.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/5879)
مضيع الساعات كم يفوته من الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن أقتني (دش) ولا أتابع عليه إلا كرة القدم للرجال فقط وأقسم بالله على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من ذلك في ظل التقيد بالآداب المذكورة في الفتوى رقم: 24146، والفتوى رقم: 19179 لكن هناك أمران عليك أن تنتبه لهما:
الأول: سؤال نوجهه إليك هل تستطيع أن تملك قلبك من التحول والتقلب فلا ترجع غداً وتقلب طرفك في القنوات الأخرى التي لا تكاد تخلو مما يغضب الله من العري والتفسخ ونحوه؟ والجواب الصحيح: أن تقول لا أستطيع أن أضمن ذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهو يسول له دائماً -بالتعاون مع النفس والهوى- أن يوقعه فيما حرم الله تعالى ويزين ذلك له وخاصة إذا كانت أسباب ذلك سهلة متيسرة للمرء.
فلا يغترن أحد بنفسه ولا يركنن إلى استقامتها على الخير إلا بتوفيق من الله تعالى، والمعصوم من عصمه الله تعالى، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقالوا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! فقال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وغيرهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني.
قال السندي في شرحه: كناية عن سرعة تقلبها، واحتاج في الثبات على الخير إلى الله تعالى على الدوام. انتهى.
وكم من الناس سلك هذا الطريق وأدخل الدش فأفضى به إلى اقتراف الفواحش وارتكاب الزنا وضياع الدين!! فاحذر أخي أن تزل قدمك.
الثاني: عمر الإنسان هو رأس ماله، ولهذا فالعاقل هو الذي يحسن استغلال وقته فيما ينفعه، لا من يضيع الساعات تلو الساعات فيما لا طائل تحته سوى أن الفريق الفلاني فاز على الفريق الفلاني ونحوه، ورحم الله من قال:
نسير إلى الآجال في كل لحظة ... وأيامنا تطوى وهن مراحل
ترحَّل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام وهن قلائل
ورحم الله ابن الجوزي الذي نصح ولده في رسالته القيمة: لفتة الكبد إلى نصيحة الولد: فذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة. فقال معقباً: فانظر يا بني إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل.
وجاء رجل إلى بعض السلف يستأذنه في أن يتوسع في شيء من الحلال فأبى وقال له: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا وإياك رشدنا ويزيدنا علما ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5880)
لوم النفس بين المدح والقدح
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون تأنيب الضمير مذموما ومتي يكون محموداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلمة الضمير تعني لغة: ما ينطوي عليه القلب من خير وشر، وهي من الألفاظ التي شاع استعمالها في عصرنا في المدح والذم، فتراهم يقولون في الذم: فلان لا ضمير له، وتراهم يقولون مدحاً: فلان عنده ضمير.
وترتب على هذا الاستعمال الحادث غياب الكلمات الشرعية التي ينبغي أن تستعمل في مثل هذا، مثل: التقوى، والخشية، والخوف من الله، لذلك من الخطأ أن تستعمل تلك الكلمة هذا الاستعمال الحادث، وينبغي أن تستبدل بالكلمات الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة.
وتأنيب الضمير الذي وقع السؤال عنه أخص من الاستعمال الشائع الذي ذكرت، فالمقصود به هاهنا: ما يلوم عليه المرء نفسه من الخير أو الشر، فعلى هذا إنما يمدح هذا التأنيب أو يذم بحسب متعلقه، فإذا كان التأنيب بسبب التقصير في الطاعات أو التكاسل عن المستحبات أو الوقوع في المحرمات والمكروهات، بحيث يكون دافعاً للتوبة والاستقامة كان ممدوحاً.
قال الحسن: في تفسير قوله تعالى: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:2] : إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمتي ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، ولا أراه إلا يعاتبها. وإن الفاجر يمضي قُدماً لا يعاتب نفسه. أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا كذا في الدر المنثور.
فهذا النوع من التأنيب رائع في هدفه، رائع في مقصده، رائع في منبعه.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات.
وروى أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا.
وانظر إلى هذه الصورة التي سجلها البخاري في صحيحه من الصور الرائعة للوم المرء لنفسه على فوات طاعة من الطاعات: قال أنس: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عن أول قتال قاتلتَ فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتالهم ليرين ما أفعل فقط هكذا يتحسر على عدم حضوره لمعركة بدر، والنتيجة في معركة أحد "فلم تعرفه إلا أخته ببنانه" من كثرة ما مثَّل به المشركون.
فكم هو رائع هذا اللوم والتأنيب المُحفز للعمل.
وأما إن كان التأنيب واللوم بسبب ما فات النفس من حظوظ الدنيا وشهواتها ونحو ذلك فإنه يكون مذمومًا إذا تعدى فيه إلى ما لا يجوز، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس من أحد إلا وهو يحزن، فالفرح والحزن المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز. تفسير القرطبي 17/220.
لأنه ينم عن عدم الرضا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23] .
قال أبو السعود في تفسيره: أي أخبرناكم بذلك لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نعم الدنيا. وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ أي: أعطاكم الله تعالى منها فإن من علم أن الكل مقدر، يفوت ما قدر فواته، ويأتي ما قدر إتيانه لا محالة، لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت.
وهذا النوع من التأنيب مثل ما تعج به حياتنا اليوم من التأسف والتحسر على فوات الدنيا، فنجد التاجر يعتصره الندم على فوات صفقة تجارية كانت سترفع أرصدته، ونجد الموظف يأكله التحسر أكلاً على فوات فرصة وظيفية كان معلقًا عليها آمالاً في تحسين حالته المادية.
وصور وصور أخرى تضج بها حياتنا، والصبغة العامة لها: أنها دنيوية بحتة، فهذا كله مذموم وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره.
أما إذا كان تأنيب النفس على فوات ما هو محرم فإن ذلك يكون دليلاً على الشقاوة والعياذ بالله، ولهذا كان ابن عباس يقول: يا صاحب الذنب لا تأمنن من سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته.
فنسأل الله أن يجنبنا تأنيب أنفسنا التأنيب المذموم، وأن يجعل لنا نصيبا من التأنيب المحمود، لنهب جميعاً لخدمة أمتنا على كافة الصُعُد، قائلين: ليرين الله ما أفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(9/5881)
الجمع بين العبادات النافلة والدراسة ممكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية في السنة الثانية كلية الهندسة والدراسة تحتاج مني الوقت الكثير مما يجعلني في وقت الامتحانات أقصر في واجباتي الدينية مثلا لا أقول أذكار الصباح أو لا أصلي الضحى أو لا أقرأ القرآن فبذلك أحس أن الله غاضب عليّ ماذا عليّ أن أفعل وماذا علي من واجباتي الدينية اليومية علما بأني أصلي الفرائض وملتزمة بالزي الشرعي والحمد لله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما تركتيه من العبادات المذكورة في السؤال انشغالاً بمراجعة مناهج دراستك هي نوافل لا تؤاخذين على تركها، ولكن ننصحك أن تحاولي قدر الإمكان الجمع بين هذه النوافل وبين المراجعة؛ لأن قيامك بالعبادات المذكورة يقربك إلى الله تعالى، ويعينك على الحفظ والفهم في مراجعتك، ونحثك على التوجه إلى الله تعالى بصدق وإخلاص وإلحاح بأن يوفقك لذلك ويسهل عليك القيام بالأمرين معاً، واعلمي أنه لا سهل إلا ما جعله الله سهلاً، وهو سبحانه يجعل العسير إذا شاء سهلاً.
وإذا حصل منك بعد ذلك ترك أو تقصير في النوافل المذكورة أو بعضها بسبب الانشغال بالمراجعة فيمكنك تعويض ذلك بعد انقضاء الاختبارات.
نسأل الله العظيم الكريم أن يكتب لك الأجر والثواب، ويثبتك على الهدى والحق، إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/5882)
أمور تعين على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن أحاول السير على درب التوبة النصوحة أرجو مساعدتي بالنصائح، وهل يمكن أن يكون البدء في حفظ القرآن يساعد على الإقلاع عن المفاسد، لكن لدي مشكلة فأنا ليس لي أعوان في الخير فكيف يمكن معالجة ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن التوبة واجبة على الفور من كل ذنب، فالواجب المبادرة إليها قبل أن يحال بين العبد وبينها، وقد فتح الله تعالى باب التوبة للناس ليدخلوا في رحمته، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وإن ثمة أموراً تعين على التوبة النصوح، من هذه الأمور:
أولاً: استحضار عظمة الرب تبارك وتعالى وأنه المنعم، وأن هذه النعم تستوجب الشكر، ومن أعظم الشكر طاعة الرب تبارك وتعالى، فالإقامة على المعاصي كفر بهذه النعمة، والشكر يكون بالتوبة منها.
ثانياً: تذكر خطورة الذنوب والمعاصي وأنها السبب لسخط الله تعالى، والسبب لكثير من المصائب التي تصيب الإنسان في الدنيا، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
ثالثاً: استحضار أهمية التوبة ووجوب المبادرة إليها قبل أن يباغت الإنسان الموت، فيلقى الله تعالى بصحيفة ملأى بالمعاصي والسيئات.
رابعاً: تيقن المسلم وقوفه بين يدي ربه تعالى فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة قد سجلها الكتبة الحافظون، كما قال سبحانه: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر:53] .
خامساً: لا شك أن حفظ القرآن مما يعين على التوبة والاستقامة إذا أخلص صاحبه النية والقصد، وأتبع الحفظ بالعمل، ومثل ذلك فعل القربات والانشغال بطلب العلم الشرعي.
سادساً: ما من شك في حاجة المؤمن إلى الأخيار الذين يعينونه على الثبات على طريق الحق، فإن وجدهم فالحمد لله، وإن لم يجدهم فليتذكر أن معه على هذا الطريق الصحابة والتابعون والصالحون من المؤمنين، فلا يستوحش وليكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/5883)
ثلاث موبقات منكرة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عندي سؤال لا أعرف أين جوابه، السؤال هو أني أحب فتاة حباً شديداً والاشتراطات التي تديم وتكثر من حبنا هو السجائر والصلاة وأنا لا أستطيع أن أقلع عن السجائر أما الصلاة فالشيطان يبعدني عن ذكر الله فماذا أفعل؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على كل مسلم أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب، قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون [النور] وقد اشتمل سؤال الأخ الكريم على عدد من المخالفات الشرعية التي يجب عليه أن يتوب إلى الله منها:
أولها: كلامه مع فتاة أجنبية عنه بما لا يجوز له شرعاً من كلام الحب والعشق والإفصاح لها بذلك، وهذا مع حرمته في ذاته يؤدي في الغالب إلى ما هو أشنع منه.
ولمعرفة المزيد عن ذلك راجع الفتوى رقم:
4220 - والفتوى رقم: 9158.
ثانيها: تركه للصلاة التي هي عماد الدين، وأقوى الأركان التي يقوم عليها الإسلام بعد الشهادتين، وتاركها كافر عند طائفة كبيرة من أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
6061 - والفتوى رقم: 1145.
ثالثها: شرب الدخان، وهو من الخبائث المحرمة التي جاء نص القرآن بذمها والتنفير منها، ودلت طبائع البشر السليمة وسجاياهم الفطرية على قبحها وخبث رائحتها وما تؤدي إليه من أضرار، فضلاً عمَّا تسببه من أمراض خطيرة كالسرطان ونحوه، وقد سبق بيان حكمها مفصلاً في الفتوى رقم:
1819 - والفتوى رقم: 1671.
والواجب على الأخ السائل الآن الإقلاع عن كل ما ذكرنا، والتوبة منه بالندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، والتقدم لهذه الفتاة بالصورة المشروعة في الإسلام إن كانت مرضية الخلق والدين، وذلك بخطبتها ثم العقد عليها والدخول بها، أما الكلام والخروج معها وغير ذلك فليس من دين الإسلام في شيء، ولمعرفة الكثير حول التوبة وشروطها راجع الفتوى رقم:
5450 - والفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/5884)
أمور جالبة للرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يوجد هناك رقية لممارسة التجارة؟ وكيف كان السلف الصالح يستعينون بالقرآن في التجارة؟
وماهي الأدعية المأثورة لجلب الرزق؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم رقية خاصة تقال للتجارة، ولكن مما يستعان به في ذلك كثرة الاستغفار فإنها سبب عظيم من أسباب الرزق، وقد قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح:10-11-12)
ومن ذلك أيضاً تقوى الله لقوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: من الآية3) ومن ذلك الصدق في التجارة لقوله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " رواه البخاري ومسلم. ومن ذلك دعاء الله أن يحفظ المال ويبارك فيه، ومن ذلك السعي للتجارة في أول النهار، فعن صخر الغامدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم بارك لأمتي في بكورها. وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار. وكان صخر رجلاً تاجراً وكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله " رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.. ومن ذلك أداء حق المال من زكاة ونفقة واجبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(9/5885)
إخلاص الغاية والعبادة يتبعه تحقق اليسر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مسلمة من الصين، عندي سؤال واحد، هل في القرآن الكريم توجد آية أم آيات تشير إلى أن علينا أن نقدم لأنفسنا كما تتقدم الدنيا حتى نعيش فيها بسهولة؟ وجزاكم الله خيراً كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حثَّ الإسلام المسلمين على أن يلتمسوا أسباب القوى، وأن يحرصوا على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15) ، وقال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] .
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. الحديث رواه أحمد ومسلم.
ولا شك أن سعي المسلمين ليتقدموا ماديّاً ليقووا أمام أعدائهم ويمارسوا حياتهم بسهولة أمر مرغب فيه بدلالة هذه الآية وهذا الحديث وغيره، ولكن لابد من التنبه هنا إلى قضية هامة، وهي أن الغاية التي يعيش لها المسلم ليست هي أن يعيش في الدنيا بسهولة كيفما اتفق له ذلك، إنما غايته التي ينشدها قبل كل شيء هي تحقيق عبادة الله ليفوز برضاه وثوابه، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذريات:56]
فإذا أخلص في تحقيق هذه الغاية، فإن اليسر في الحياة يأتي تبعاً، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] .
أما أن يجعل المسلم العيش في الحياة بسهولة هو المقصد والغاية العليا في حياته، فذلك خطأ فادح ينطوي على مفاسد وشرور عظيمة، فقد يتنازل المرء لأجل ذلك عن الفرائض وواجبات دينه، ليتحقق له ما يطمح إليه من يسر الحياة وسهولتها، وقد يجبن عن الجهاد، كما وقع للمنافقين الذين تكاسلوا عن الجهاد وقالوا: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ فرد الله عليهم بقوله: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُون [التوبة: 81] .
وقد يوالي الكافرين كما قال المنافقون: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَة فرد الله عليهم بقوله: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة: 52] .
وبالجملة فهذا ينطوي على بيع الدين بعرض من الدنيا، قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة:86] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/5886)
المصائب كفارة لخطايا المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي كان رجلاً طيباً حافظاً للقرآن كان دائما يعتاد المساجد سافر لقريتنا بمفرده وتوفي في المنزل وحيداً ومكث حوالي يومين.أريد أن أسأل هل ما حصل له يكون تكفيراً لذنوبه ليلقى ربه طاهراً أم ماذا؟ وحياة البرزخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لوالدك، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.
ولتعلم أن عقيدة أهل السنة أنهم لا يقطعون لمسلم بجنة ولا نار، إلا من شهد له النص بذلك كالعشرة المبشرين بالجنة، لكنهم يرجون الجنة لمحسنهم، والمغفرة لمسيئهم، كما أن النصوص الشرعية قد دلت على أن ما يصيب المسلم في هذه الدنيا من آفات وبلايا يكون كفارة لذنوبه، أو رفعاً لدرجته، ففي الحديث الصحيح: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها. رواه البخاري وغيره.
وفي مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصبٍ ولاهمٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها، إلاَّ كفَّر الله من خطاياه. وصححه الأرناؤوط.
أما عن الحياة البرزخية فقد مضى بيان ما فيها في الفتاوى رقم: 2112 -
2576 -
4314 -
25848 -
18488.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/5887)
من علامات قبول العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعرف أن الله قد قبل منا الصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ليس من الممكن معرفة العبد لقبول عمله، إذ الطاعة لا توجب لصاحبها ثوابا على الله تعالى، وإنما يتفضل الله على من شاء من عباده، لحديث البخاري: لن يُدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ...
ويقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: ومذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] .
يعني أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة فقط، ولا يوجب للعبد شيئاً، ثم إن التوفيق للأعمال الصالحة، والهداية للإخلاص فيها وقبولها إنما يكون برحمة من الله وفضل، فإذا أحس العبد أنه يرغب في عمل الخير ويقبل على الطاعة بإخلاص، فليحمد الله على ذلك، ويسأله الثبات والعون على ذلك.
ومع كل ما ذكرنا إلا أن العلماء ذكروا أن من علامات قبول العمل الصالح أن يوفق العبد لعمل صالح بعده، ويستقيم على ذلك في غالب أحواله.
ولتمام الفائدة راجع الفتوى رقم: 13173 - والفتوى رقم: 22830.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/5888)
متى يكون العمل عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث شريف يدل على أن العمل عبادة.. أفيدوني جزاكم الله خيرا وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أن العمل المباح لتحصيل الرزق، متى قصد به طاعة الله تحول إلى قربة وعبادة يثاب عليها صاحبها، من هذه الأحاديث:
ما روى الطبراني في الأوسط (6835) عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخراً فهو في سبيل الشيطان" وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم: 1428.
فقد بين الحديث أن المكلف متى خرج يسعى على ولده صغاراً، أو يسعى على أبوين شيخين كبيرين، أي يسعى على ما يقيم به أودهم فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها أي عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام، فهو أيضاً في سبيل الله وهو مثاب مأجور والخروج فيه كالخروج للجهاد. وإن كان خرج يسعى لا لواجب أو مندوب بل رياء ومفاخرة بين الناس فهو في سبيل الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/5889)
التوبة المقبولة لها شروط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
أنا أهم شي عندي في سؤالي أنه يكون بسريه تامه..أنا إنسانه تعودت على السرقه ولكني ولله الحمد تبت توبة ما فيها ردة.. وأتمنى من الله أن يكون قد غفر لي.. لكن عندي مشكلة إني بعد توبتي واجهتني إحدى رفيقاتي بأنها تشك بي لكنني أنكرت ذلك.. ودعوت أمامها على نفسي بالفضيحة لو كنت كاذبة ... فضيلة الشيخ سؤالي هو: هل تعتقد أن الله تاب علي مع أني فعلا تبت إلى الله وهل تظن بأن الفضيحة التي دعوت بها على نفسي سوف تأتي وأنا لم أدع بذلك إلا لأني كنت خائفة من كشف سيئاتي..؟؟؟ أنا لا أريد أن أخبرها أني أفعل ذلك خوفاً من الفضيحة فبماذا تنصحني؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنرجو من الله تبارك وتعالى أن يتقبل منك توبتك، ويغفر لك ذنبك إنه سبحانه جواد كريم يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.
ثم لتعلمي أيها الأخت أن التوبة لا تكون مقبولة إلا إذا توفرت شروطها، وهي كما قال أهل العلم:
- الإقلاع عن الذنب في الحال.
- الندم على ما فات.
- عقد العزم على عدم العودة إليه مرة ثانية.
هذا إذا تمحض الحق لله تعالى.
أما إذا كان فيه حق للعباد مثل ما ذكرت فيضاف إلى الشروط الثلاثة:
إرجاع الحق إلى صاحبه، فإن كان مالاً رده إليه، وإن كان دماً مكنه من نفسه، فإن سامحه فذاك، وإلا فلا تقبل التوبة إلا بفعل ذلك.
أما بخصوص ما قلته لزميلتك، فإن كان فيه تورية وتريدين الستر على نفسك، فهذا لا حرج فيه، والتورية، كأن تقصدي بقولك مثلاً "ما سرقت" أي -ما سرقت اليوم أو هذا الأسبوع- ونحو هذا.
أما إن تعمدت الكذب، فهذه معصية يجب التوبة منها، ثم بعدها لا تخشين وقوع بأس إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/5890)
يتأكد حفظ الجوارح في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الجوارح الثمانية المأمور بصيانتها في الصيام؟ أشكرك مقدماً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. رواه أحمد والترمذي.
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث طرفا من الجوارح التي يؤمر المسلم بصيانتها، فدخل في الرأس وما وعى ما جمعه من الحواس الظاهرة من السمع والبصر واللسان حتى لا يستعملها إلا فيما يحل، ودخل في البطن وما حوى حفظ القلب عن الإصرار على المحرمات من الشرك والحقد والحسد ونحو ذلك، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] .
كما دخل في حفظ البطن حفظه من دخول الحرام فيه أكلاً أو شربا وحفظ الفرج، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون: 5] .
ومما يلزم المسلم حفظه يده أن تأخذ حراماً أو تمنع حقا، وكذلك قدمه أن تمشي إلى ماحرم الله أو تكسل عما أوجبه الله من حضور الجماعات وصلة الأرحام والحج والجهاد ونحو ذلك من الواجبات.
وحفظ هذه الجوارح لا يختص بالصيام، إنما يؤمر المسلم بحفظ جوارحه على كل حال، وإنما تتأكد في الصيام، لأن عدم حفظها في الصيام يعود على مقصوده بالإبطال، ذلك المقصود الذي بينه الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1423(9/5891)
أماكن نزول العذاب.. والواجب على المار تجاهها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هي المناطق التي أنزل الله فيها العذاب؟ وما هو واجبنا تجاه هذه الأماكن مع الأدلة؟ وجزاكم الله خير الجزاء ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الأماكن التي نزل فيها العذاب كثيرة منها:
الأحقاف بلاد عاد، كما قال الله تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأحقاف:21] إلى قوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:25] .
والحجر بلاد ثمود، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [الحجر:80] إلى قوله تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ [الحجر:83] .
وأرض قوم لوط، كما قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:160] ، إلى قوله تعالى: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [الشعراء:172-173] .
وبلاد مدين قوم شعيب، قال الله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [العنكبوت:36-37] .
وأرض الجنة التي بقرب صنعاء القائل فيها المولى عز وجل في سورة القلم: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم:19] .
وكذلك قبور الظالمين والكافرين، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين: فقال إنهما ليعذبان. وفي صحيح مسلم عن زيد بن ثابت قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خسمة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، فقال فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر الذي أسمع منه. الحديث.
والواجب تجاه الأمكنة التي نزل فيها العذاب:
- عدم دخول هذه الأمكنة إلا مع البكاء والخشية، أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا على هؤلاء القوم -أصحاب الحجر- إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
- الاتعاظ والتفكر والاعتبار بما جرى لهم والحذر من سلوك سبيلهم، وقد بوب الإمام النووي في الأذكار على الحديث السابق، باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك.
- عدم الشرب والعجن من آبارها، فعن ابن عمر قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم بإهراق القدور, وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة. رواه أحمد.
- الإسراع في المرور بأمكنتهم إذا اضطر الإنسان إلى المرور بها مع تغطية الرأس: كما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي.
وانظر الفتوى رقم:
7761 - والفتوى رقم: 21901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/5892)
يجوز الذهاب إلى أماكن المعصية لغرض وحيد فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة مخطوبة لشاب متدين والحمد لله وبحكم عمله يسافر كثيراً إلى دول أوربية وعربية وهو يحب الذهاب إلى البحر أو حمامات السباحة وأنتم تعلمون ما بها من عري وأنا أريد إقناعه أن الذهاب إلى مثل هذه الأماكن التي بها العري حرام لكنه يقول إنه يغض بصره ولكن كيف وهو كلما أدار وجهه من ناحية وجدهم من الأخرى وبعد ذلك يتهمني بعدم الثقة فيه ولكني والله خوفا من الله ... أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن القيام بالنصيحة من المسلم لأخيه المسلم أمر واجب فقد روى مسلم في صحيحه عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين نصيحة، ثلاثا.
ولا ريب أن الذهاب إلى أماكن المعصية لايجوز إلا بقصد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , إذ أن الذهاب إلى هذه الأماكن دون قصد الإنكار يشعر بالرضى والإقرار لتلك المنكرات , وقد يترتب على ذلك عموم العذاب لكل من وجد بذلك المكان ولوكان صالحا, روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر, وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه. وهو حديث صحيح، ورواه الترمذي أيضا عن جابر رضي الله عنه.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم, قالت: قلت: يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم. قال الحافظ في الفتح: إنها استشكلت وقوع العذاب على من لا إرادة له في القتال الذي هو سبب العقوبة, فوقع الجواب بأن العذاب يقع
عاما لحضور آجالهم، ويبعثون بعد ذلك على نياتهم.
فنصيحتنا لهذا لأخ أن يجتنب مثل هذه الأماكن ليسلم له دينه, ويأمن الفتن
وكذا أن يحذر السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورة ووفق الضوابط الشرعية، لما يترتب على ذلك من الفتنة في الدين، وقد سبق ذلك في الفتوى رقم:
5045.
وعليك أنت أن تطلعيه على هذه الفتوى سينتفع بها إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(9/5893)
فتاوى حول الثبات على الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم جميعاً
بالله عليكم دلوني على طريقة أتخلص بها من الفتور الذي يصيبني دائما فكنت ملتزما جدا وملتحيا ولا أترك فرضا في مسجد ولكن الآن حلقت وبدأت أترك الفجر وأنسى القرآن ولكني ندمان على ذلك فدلوني على محاضرة أوكتاب يخلصني من ذلك الفتور وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك الثبات والاستقامة على الإيمان، واعلم أن من أعظم
الوسائل التى تعين العبد على الاستقامة الصحبة الصالحة، ومجالسة أهل العلم, وحضور مجالس الذكر.
وقد تقدمت فتاوى حول الاستقامة ووسائلها، والفتور وعلاجه ونبذ الخمول والكسل تحت الأرقام التالية:
15219 -
1208 -
10943 -
1891 -
15715 -
17666.
واعلم أنه لا يجوز ترك صلاة الفجر ولا تأخيرها عن وقتها كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم:
1840 - والفتوى رقم: 13561.
كما لا يجوز لك أن تحلق لحيتك كما تقدم في الفتوى رقم:
2711 - والفتوى رقم: 14055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/5894)
لا تطلق زوجتك إذا كانت ندمت على ما فعلت وتابت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج ولدي 4 أطفال قامت الزوجة بخيانتي مع شخص آخر حيث قامت بمقابلته في السيارة مرة واحدة فقط وعندما اكتشفت الأمر اعترفت بما جرى ولكنها أقسمت بالله أنها لم تقم بملامسة الشخص أو النوم معه وتريدني أن أسامحها وأنها طلبت التوبة النصوحة من الله عز وجل وبما أن بيننا أطفال أبرياء لا ذنب لهم وحرمانهم من أمهم هل أسامحها على هذا الأمر أم أطلقها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما فعلته زوجتك من العلاقة برجل أجنبي أمر منكر وقبيح وعظيم لا يحل لها شرعاً، وبما أنها قد ندمت على ذلك وتابت منه توبة نصوحاً فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة الصادقة من عباده المخلصين.
وقد حث الله تعالى عباده المؤمنين على التوبة النصوح ووعدهم بقبولها بل وتبديل سيئاتهم حسنات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم:8] .
وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
فإذا علمت صدق توبتها ورجوعها إلى رشدها، فإنه لا ينبغي لك أن تطلقها، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق. رواه أبو داود وابن ماجه.
وننبه السائل الكريم إلى أن التعبير بالخيانة الزوجية من المصطلحات الفاسدة التي أدخلها أعداء الإسلام إلى لغتنا، فلا ينبغي للمسلم أن يستعملها لأنها تشمل عندهم ارتكاب فاحشة الزنا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، كما تشمل عندهم أي علاقة غير شرعية من أحد الزوجين بطرف أجنبي، والأدهى من ذلك أنهم يعبرون بها عما أحل الله تعالى كتعدد الزوجات مثلاً.
ومعنى هذا أن جريمة الزنا إذا وقعت من شخص غير متزوج فلا يعتبر ذلك عندهم خيانة ... ولا يخفى ما في ذلك.
والحاصل أنه لا ينبغي لك أن تطلق زوجتك إذا كانت ندمت على ما فعلت وتابت توبة نصوحا. وأنه لا ينبغي للمسلم أن يستعمل مصطلحات أهل الباطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(9/5895)
كيف تصل حبالك بحبال الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتسنى للعبد إعادة علاقته بالخالق وتصل درجة الشفافية إلى أقصى درجة؟
واذا كان هناك عبد ارتكب جميع الفواحش من سرقة وزنا ونميمة وعدم صلاة ولكنه يندم فهل من الممكن أن يعود عن طريق الشيطان ويسير في طريق الإيمان وما هي الوسيلة التي يتبعها لكي يغفر له الله ما اتكبه من معاصي وهل من الممكن أن يغفر الله له كل معاصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإعادة العلاقة مع الله جل وعلا تكون بالتوبة، والإنابة إليه، والإكثار من الاستغفار، والدعاء، والحرص على الطاعات من صلاة وصيام وصدقة إلخ.. والابتعاد عن كل ما نهى الله عنه.
أما من ارتكب فواحش كثيرة فإنا نذكره بقول الله جل وعلا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
وبقوله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: من الآية48) وما عليه إلا أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً مستوفية لشروط التوبة، وهي موضحة في الفتوى رقم 5450
فإذا علم الله صدق توبة العبد فإنه يبدل سيئاته حسنات كما قال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:70) .
وأنظر الفتوى رقم 1106 ورقم 3051 4510 12700
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5896)
بقدر ما تجاهد نفسك بقدر ما تخشع في صلاتك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ابتليت بعدم الخشوع في الصلاة حاولت لدرجة أنني أتوقع أنها غير مقبولة حتى إنني أتأثر نفسياً إذا سمعت المصلين يبكون ويخشعون وأنا لا يهتز فيّ شيء، فقلت أنها بسبب فعل المعاصي وقسوة القلب فتركت المعاصي قصرت الثوب أطلقت اللحية تركت الأغاني وعزمت على عدم العودة لجميع المعاصي، أصلى الصلوات في وقتها والحمد لله وأقوم الليل والحمد لله وقرأت القرآن، أتدبر آياته، وأجاهد نفسي لكي أخشع لكن دون جدوي.
السؤال: هل تقبل صلاتي وقيامي بدون الخشوع مع أنني أجاهد نفسي لذلك، وماهي الوسيلة لذلك؟
ولا تنسوني بالدعاء بأن يرزقني الله الخشوع؟....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مع المجاهدة في الله يحصل المرء على المطلوب، ويبلغ المأمول لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
ويوفق الشخص إلى مطلوبه ويُهدى إليه بحسب مجاهدته لنفسه، وقدر تلك المجاهدة، فمن كانت مجاهدته ضعيفة فلا ينال من الهداية إلى الخير إلا بقدرها، ومن كانت مجاهدته قوية بلغ من الهداية بحسبها.
فالخشوع منزلته من الصلاة كمنزلة الروح من الجسد فصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وينال الشخص من الأجر والثواب بقدر حضور قلبه فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود من حديث عمار ابن ياسر: إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها. حسنه الألباني.
والذي ننصحك به أن تستمر في مجاهدتك ولا تيأس، وقد قال أحد السلف جاهدت نفسي على الخشوع عشرين سنة ثم وجدت حلاوة ذلك عشرين سنة.
وعليك بالإكثار من الطاعات، واتخاذ الأسباب المعينة على الخشوع، وأما حكم الصلاة بدون الخشوع فراجعه في الفتوى رقم:
6598.
ولمعرفة الأسباب المعينة على الخشوع انظر الفتوى رقم:
3087 - والفتوى رقم: 6525.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/5897)
من رقائق الأدعيةالجالبة للتوبة والثبات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد من ربي المغفرة والرحمة وأن أمكن ذكر لي بعض الأدعية والآيات التي تبعد عني لذة الدنيا وشهواتها لأتها أظلتني كثيراً أرجو إفادتي لأني ظلمت نفسي كثيراً؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك بإخلاص النية لله، والعزم على التوبة، والمبادرة إليها، وسوف تجد ربك غفوراً رحيماً، قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110] .
وقال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:53-55] .
واقرأ الآيات بعدها في أهمية المبادرة إلى التوبة قبل أن يأتي الإنسان أجله فيندم على تفريطه في جنب الله حين لا ينفعه الندم.
وإليك بعض الأدعية التي تعينك -إن شاء الله- على ما أردت:
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
- رب آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
- اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي.
- اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب والأبصار اصرف قلبي إلى طاعتك.
وعليك أن تكثر من الاستغفار مع استحضار التوبة النصوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(9/5898)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال التي من الممكن أن يقوم بها المسلم أسبوعيا وشهريا وسنويا مع الدليل الشرعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم:
فلعل السائل يريد العبادات التي يقوم بها المسلم أسبوعياً وشهرياً وسنوياً، والكلام عن تفصيل ذلك يطلب في مظانه، ولكن لا بأس بذكر شيء من ذلك:
فمن العبادات الأسبوعية:
- الجمعة، وما يتبعها من الغسل، والنظافة، وقراءة سورة الكهف، وغير ذلك.
- وصيام الاثنين والخميس.
- وصلاة التسابيح.
ومن العبادات الشهرية:
- صيام الثلاث البيض.
- دعاء رؤية الهلال.
- صلاة التسابيح أيضاً.
ومن العبادات السنوية:
الزكاة بالنسبة لمن عنده مال زكوي يبلغ النصاب.
- صيام رمضان، وزكاة الفطر، واعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
- حج بيت الله الحرام.
- والعمرة في رمضان.
- وصلاة العيدين.
- وصلاة التسابيح أيضاً.
وهذا الجواب إنما ذكرنا ما فيه بناء على ما فهمناه من السؤال، فإذا كان السائل يريد شيئاً آخر، فليبينه لنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1423(9/5899)
وصايا وباقات للتائب من الزنا وترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زنيت كثيراً وما كنت أصلي صلواتي ولا أصوم لكن الحمد الله صرت أصلي وأصوم، ولكن عندي مشكلة الزنى فأنا أحب أن أتزوج ولست قادراً على الزواج فلذلك أمارس العادة السرية لكي أحفظ نفسي من الزنى فما الحل؟ وكيف أقضي صلواتي الماضية التي لا أعرف عددها فلقد كنت بعيدا عن الإسلام ل 10 سنين لكن الحمد الله ربنا هداني أريد أعرف كيف الاستغفار؟ وكيف أمنع نفسي من الزنى؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أيها السائل أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى من فعل المحرمات والتقصير في الواجبات، قبل أن يفاجئك الموت وأنت على حال لا يرضى عنها الله تعالى، وإن من أعظم ما يعينك على ترك العادة السرية غض البصر، وكف الفكر عن الأمور المحرمة، والانشغال بالطاعات، ونوافل العبادات خصوصاً نافلة الصوم، وعليك بصحبة الأخيار، واعلم أن العادة السرية من الأمور المحرمة شرعاً، المستقبحة طبعاً، الضارة ضرراً بليغاً بالبدن والعقل معاً، ولمعرفة أحكامها راجع الجواب رقم: 4536 ورقم: 23008 ولمعرفة كيفية التخلص منها راجع الأجوبة التالية أرقامها: 22083 21807 23231 ولمعرفة كيفية التوبة بشروطها راجع الجواب رقم: 3150 والجواب رقم: 5450
أما بالنسبة للصلوات التي فاتتك فالواجب عليك قضاؤها، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، مع المحافظة على الصلاة في المستقبل والإكثار من الاستغفار والندم على ما كان في الماضي، والعزم على حسن التعبد لله تعالى في المستقبل، وذهب جماعة من أهل العلم إلى من ترك الصلاة متعمداً أنه لا يجب عليه قضاؤها، لا سيما مع القول بكفره أثناء تركها، فإنه إذا تاب وأناب فقد دخل الإسلام، والإسلام يجب ما قبله.
وانظر في ذلك الفتوى رقم: 12700 والفتوى رقم:
21894
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1423(9/5900)
دلالات التوبة والتعبير عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف دعوات التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوبة إلى الله من الذنوب والآثام واجبة لقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] .
وسواء في ذلك الكفار والمسلمون العاصون، فقد قال الله تعالى بعد ذكر عقيدة اليهود والنصارى: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74] .
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى فقال: يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وعن ابن عمر أنه كان قاعداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم، حتى عدَّ العادُّ بيده مائة مرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وغير ذلك من الأحاديث التي تحث على التوبة وتحض عليها، وقد سبق بيان شروط التوبة وما يعين عليها في الفتاوى التالية أرقامها:
5450 -
22293 -
20246 -
22206.
ومن هذه الأجوبة يتبين لك أيها السائل أن التوبة ليست مجرد أذكار تقال أو أدعية يُدعى بها، بل لا بد من أن تتوفر فيها ثلاثة شروط: -
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على فعله في الماضي.
3- العزم على عدم العودة إليه في المستقبل.
أما الأذكار والأدعية فهي تعبير عنها وإفصاح بها، ولذلك فإن بعض العلماء فرق بين الاستغفار والتوبة، بأن الاستغفار لا يكون توبة إلا إذا اشتمل على معانيها التي ذكرناها، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: وأما من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته، فهذا ليس باستغفار مطلق، ولهذا لا يمنع العذاب. انتهى
فإذا علمت ذلك، فليكن همك هو تحقيق التوبة بشروطها، مع ملازمة ذكر الله تعالى واستغفاره، ومما يمكنك أن تدعو به تعبيراً عن توبتك ومحواً لذنبك ما يأتي:
1-: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. رواه البخاري عن أبي هريرة.
2- وفي صحيح البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر.
3- وفي صحيح البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة.
ويمكنك معرفة المزيد من هذه الأدعية، بالرجوع إلى كتب الأدعية والأذكار، والله تعالى يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(9/5901)
فئات لا ينظر الله إليهم يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السبع أشياء الي لا ينظر الله لفاعلها يوم القيامة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى لا ينظر يوم القيامة إلى سبعة ولا يزكيهم.. وهؤلاء السبعة هم:
الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وناكح المرأة وبنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره.
هؤلاء السبعة ذكروا في حديث واحد أورده المتقي الهندي في كنز العمال، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ولفظه:
سبعة لا ينظر الله -عز وجل - إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين.. الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وناكح المرأة وبنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه ".
وهذا الحديث، وإن كان ضعفه بعض أهل العلم فإن الأشياء المذكورة فيه محرمة شرعاً، ولهذا ورد في بعضها أحاديث صحيحة.
كما وردت أحاديث أخرى صحيحة في بعض المعاصي وأن الله تعالى لا ينظر إلى أصحابها، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم.. وفي رواية: ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر. "
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1423(9/5902)
الفرق شاسع بين الابتلاء والمصيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التوفيق بين الآية الكريمة
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)
وبين الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ...
فأنا تصيبني المصائب ولست بعاص ومجاهر مع أنه لدي من المعاصي ما يعلم به الله فهل ما أنا فيه هو بلاء نسبة للمقربين من الله أم أنه كما ذكرت الآية الشريفة بما كسبت أيدينا وكيف التوفيق بين الأمرين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض بين الآية والحديث المذكورين حتى يُوَفَق بينهما، فكلاهما سيق لمعنى غير المعنى الذي سيق له الآخر، ويتضح ذلك بتفسير كل منهما على حدة.
فقد قال المفسرون في تفسير الآية الكريمة: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]
ما يحل بكم من مصائب الدنيا فإنما تصابون به عقوبة لكم على ما اجترحتم من السيئات والذنوب والآثام، وما عفا الله عنه في الدنيا، أو أخذ به فإنه لا يعاقب عليه في الآخرة، ولذلك فإن الله تعالى اتصف بالرحمة وتنزه عن الظلم.
وقال ابن عطية في تفسيره: روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى أكرم من أن يُثَنِّيَ على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه. رواه أحمد وقال: وقال الحسن: معنى الآية في الحدود: أي ما أصابكم من حد من حدود الله تعالى.. فإنما هي بكسب أيديكم، ويعفو الله سبحانه وتعالى عن كثير، فيستره على العبد حتى لا يحد عليه.
وأما الحديث: فهو حديث صحيح، قال البخاري في صحيحه: باب: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه ...
والابتلاء معناه الاختبار والامتحان كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] فالأنبياء هم أكثر ابتلاء واختباراً، وذلك لعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم ورفعة مستواهم..
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: لأنهم يتلذذون بالابتلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء، ولأنهم لو لم يبتلوا لَتُوُهِّم فيهم الألوهية، ولِيُتَوَّهَنَ (يضعف) على الأمة الصبر على البلية، لأن من كان أشد بلاء، كان أشد تضرعاً والتجاء إلى الله تعالى.
وعلى هذا؛ فلا تعارض بين الآية والحديث، لأن معنى الآية أن من ارتكب ذنباً فعوقب عليه في الدنيا بإقامة الحد عليه أو مصيبة تصيبه، فهذا من كسب يده، أي بسببه هو، ولن يعاقب عليه مرة أخرى في الآخرة، لأنه نال جزاءه في الدنيا.
وأما ما أصاب الأنبياء فهو للابتلاء وزيادة الأجر، ولتأُسي المؤمنين بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(9/5903)
اعمل ما شئت فقد غفرت لك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أقع في أخطاء كثيرة ومحرمات وعندما أحس أن ذنبي كبير أندم كثيرا وأتوب الى الله بالدعاء وقيام الليل وأعاهد الله تعالى على أن لا أعود الذنب مرة أخرى فأشعر بارتياح على توبتي ولكن بعد فترة أقع في نفس الذنب وأتوب مرة أخرى فسؤالي هو: هل توبتي هذه مقبولة؟ وهل عندما أعاهد الله على عدم تكرار المعصية والعودة إليها مرة أخرى من دون قصد هو تطاول عليه لا سمح الله؟
أرجو إفادتي جزاكم الله خيرا (وأعتذر عن الأسلوب) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة إذا تحققت شروطها، فإنها تقع صحيحة، وشروط التوبة: هي الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، وإن كان الذنب يتعلق بحق لمخلوق، فيجب استحلاله منه.
أما العودة إلى الذنب بعد التوبة، فإنه لا يعني عدم صحة التوبة السالفة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ".
وقد ترجم على هذا الحديث باب (قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب) .
وهنا أمر يجب التنبه له وهو الحذر من توبة الأماني والغرور، والتي يتوب صاحبها دون الإقلاع عن الذنب أو مع نية العودة إلى فعله، فهذه أشبه بتوبة المستهزيء بربه سبحانه.
وكذا ننبه السائل إلى أن التوبة من المعاصي أمر واجب ولو لم يعاهد العبد ربه، فإذا عاهد الله تعالى تأكد الوجوب، وعظم الذنب بنقض العهد والعودة إلى الذنب مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(9/5904)
التوبة النصوح وسيلة فاعلة لمحق الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[لبست الحجاب في وقت متأخر ولكن عن اقتناع تام فهل هناك وسيلة أكفر بها عن عدم لبسي له في الموعد المناسب الذي حدده الشرع؟ وكذلك ما نقص من صلاة لم أؤدها هل يوجد ما يمكن التكفير به عنها؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الحجاب فريضة واجبة على المرأة المسلمة دل على ذلك الكتاب والسنة، وأجمعت عليه الأمة، وتركه كبيرة من الكبائر، ومعصية عظيمة، فمن تابت من هذا الذنب وأنابت، فإن الله تعالى يقبل توبتها، بل يبدل سيئاتها إلى حسنات، كما قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] .
وقال تعالى عقب آية الأمر بالحجاب: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] .
فالمتبرجة إذا تابت توبة نصوحاً وهي المشتملة على ثلاثة أشياء: الندم على المعصية، والإقلاع عنها، والعزم على عدم العود إليها، أفلحت ونجت بنص الآية، فالتوبة النصوح هي الوسيلة الفاعلة في تكفير هذا الذنب.
وأما من ترك الصلاة زمناً، ثم تاب وأناب فهل يقضي ما ترك أم لا؟ ينظر جوابه في الفتوى رقم: 512، والفتوى رقم: 12700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(9/5905)
التوبة الصادقة من الزنا مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زنى وعمره 16 ثم تاب ولم يجهر بها بعد توبته؟ وما حكم العادة السرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا محرم تحريماً قطعياً، وتحريمه معلوم من الدين بالضرورة، لقوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32] .
ولقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ... ) [النور:2] .
فالزاني مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب مستحق إقامة الحد عليه؛ لكن إن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً تاب الله عليه، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-70] .
وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
وعليه أن يستتر بستر الله تعالى عليه، ولا يطلع أحداً على ما فعله، وليعلم أن التوبة لابد أن تكون صادقة، وذلك بأن يقلع عن الذنب، وأن يندم على ما فعله، وأن يعزم على أن لا يعود.
والعادة السرية محرمة أيضاً، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:7] .
فأباح الأزواج وما ملكت الأيمان، وما عدا ذلك محرم وفاعله متعد لحدود الله.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بالزواج عند القدرة عليه، فإن لم يقدروا أرشدهم إلى الصيام، ولم يرشدهم إلى العادة السرية، ولو كانت جائزة لأرشد إليها، لأنها أخف من الصيام وأجدى في إفراغ الشهوة، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه.
وتراجع الفتوى رقم: 5450، والفتوى رقم: 3150، والفتوى رقم: 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(9/5906)
المعاصي سبب لدفع الرزق ومحق البركة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك شيء يسمى بالكاشحة أو طاردة الرزق؟ وما هو علاجها؟.
الرجاء الرد في أقرب وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نعثر على ما يسمى بالكاشحة أو طاردة الرزق في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن روى أحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصبحة تمنع الرزق" والصبحة هي: النوم أول النهار.
وفي إسناده ضعف، كما قال الألباني رحمه الله، والشيخ شعيب الأرناؤوط.
وينبغي أن يعلم الشخص أن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وترك الواجبات سبب لمحق الرزق وقلة البركة، وأن القيام بالواجبات الشرعية، والابتعاد عن المحرمات سبب لجلب الرزق، ورخاء العيش، قال الله تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) [الجن:16] .
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ... ) [المائدة:66] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الاستقامة على شرع الله سبب للحصول على الرزق ورغد العيش، وأن المعاصي والذنوب سبب لدفع الرزق عن العبد، ومحق بركة ما يحصل عليه منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(9/5907)
المحبة.. أقسامها.. والأسباب الجالبة والموجبة لمحبة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أقسام المحبة ... اذكرها؟ وما هي الأسباب التي تجلب محبة الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمحبة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: محبةُ عبادةٍ وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يتمثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة فهو مشرك شركاً أكبر. ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة.
القسم الثاني: محبة ليست بعبادة في ذاتها وهذه أنواع:
النوع الأول: المحبة لله وفي الله: وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله أي كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص كالأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين، أو أعمال كالصلاة والزكاة وأعمال الخير.
النوع الثاني: محبة إشفاق ورحمة وذلك كمحبة الولد والصغار والضعفاء والمرضى.
النوع الثالث: محبة إجلال وتعظيم لا عبادة كمحبة الإنسان لوالده ولمعلمه والكبير من أهل الخير.
النوع الرابع: محبة طبيعية كمحبة الطعام والشراب والملبس والمركب والمسكن.
وأشرف هذه الأنواع النوع الأول، والبقية من قسم المباح؛ إلا إذا اقترن بها نية صالحة فتصير عبادة كمحبة الولد شفقة إذا اقترن بها الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في محبة الأولاد ورحمتهم.
والأكل والشرب إذا قصد به الاستعانة على عبادة الله صار عبادة.
وأما الأسباب التي تجلب محبة الله تعالى، فيقول عنها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها عشرة:
أحدهما: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثار محاب الله على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
السابع: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى. قال ابن القيم: وهو من أعجبها.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم يختم لك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
العاشر: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1423(9/5908)
أينما فطرت صائما كان لك أجره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد التحية
أيهما أفضل التصدق في المساجد على الطرق الرئيسية أو في المساجد بالقرى حيث أنني أتصدق بإفطار الصائمين
أرجو منكم الرد على سؤالي وبارك الله فيكم يا إخوتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إفطار الصائم من أفضل الأعمال، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: من فطر صائماً كان له أو كتب له مثل أجر الصائم. رواه أحمد.
وأينما فطرت صائماً كان لك أجره إلا أنه كلما كان المفطرون أكثر كلما كان ذلك أفضل وأعظم أجراً؛ إلا أن يكون الأقل عدداً هم الأكثر بؤسا وحاجة للطعام فقد يكون التصدق عليهم أفضل من غيرهم، وإن كانوا أقل عدداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1423(9/5909)
الإثم يترتب على بلوغ سن التكليف
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أسألكم فتاة عمرها 17 وشاب عمره 14 سنة فإذا حصل بينهما الزنا فهل يكتب الإثم على الشاب أم على الفتاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن وقع في الزنا ممن تحققت فيه شروط التكليف، فإنه آثم مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب -رجلاً كان أو امرأة- والمقصود بشروط التكليف العقل والعلم بالحكم والاختيار إلى الفعل وعدم وجود الشبهة، والبلوغ ويكون بعلامة من علاماته المبينة في الفتوى رقم:
10024.
أما إذا انتفى شرط من هذه الشروط فلا يترتب الإثم على الفاعل حينئذ سواء كان رجلاً أو امرأة، فلا يأثم المجنون ولا الصبي الذي لم يبلغ الحلم ولا المكره، دليل ذلك ما روى أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه.
وروى ابن ماجه في سننه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
ومن وقع في الزنا وهو مكلف فيجب عليه التوبة إلى الله تعالى، وانظر الفتوى رقم:
10637 - والفتوى رقم: 11447 - والفتوى رقم: 15941.
وينبغي على من وقع في ذلك أن يستتر، وانظر الفتوى رقم:
1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1423(9/5910)
استشعر عظمة من تناجي تخشع في صلاتك
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول أمر ينتابني في الصلاة بحيث أنني كلما دخلت في صلاة أجدني وكأنني ألتفت ببالي رغما عني دون أن أريد ذلك، أحاول أن لا ألتفت فأمسك ثم رغما عني ألتفت دون أن أحرك لا عيني ولا رأسي، مثل ذلك أجده في صلاة الجماعة، ليس ذلك في كل الصلاة ولكن في بعضها ولكن في كل الصلاة، أرجو منكم جواباً سريعاً لأن ذلك يفسد علي صلاتي. شكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك ألا تستسلم للوساوس بل يجب عليك علاجه ودفعه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
10356.
وعلىالمسلم إذا أقبل على الصلاة أن يجمع لها عقله وقلبه ويستشعر عظمة من يناجي، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6598، ومما يعين على الخشوع في الصلاة الأخذ بأسبابه المبينة في الفتوى رقم:
9525 - والفتوى رقم: 3087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1423(9/5911)
من أسباب الحصول على الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مغربي الجنسية موظف في التعليم منذ 20 سنة،متزوج، تمكنت أخيرا من اقتناء بقعة أرضية وأريد أن أقيم عليها بيتا،لكن الفوائد البنكية جد مرتفعة فهل عندكم من حل؟ وجزاكم الله خير الجزاء.والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلتعلم أخي السائل أن الأرزاق بيد الله تعالى، فهو مالك خزائن السماوات والأرض، كما قال سبحانه وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم [الحجر: 21] وقد جعل الله تعالى للرزق أسباباً شرعية يحصل الإنسان من خلالها على الرزق فعليه أن يقوم بهذه الأسباب متوكلاً على الله تعالى.
ومن تلك الأسباب: طاعة الله تعالى وتقواه، كما قال سبحانه ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا يحتسب (الطلاق: 2-3) ومن أجلِّ الطاعات التي تعين على ذلك فريضة الصلاة والمحافظة عليها وتربية الزوجة والأولاد عليها، كما قال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (طه:132)
ومن هذه الأسباب أيضاً: البعد عن المعاصي والآثام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته. رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو صحيح.
ومن أعظم السبل خطورة، وأشدها حرمة القروض ذات الفوائد الربوية، إذ أنها هي الربا الصريح فهي محاربة لله، فيجب على المسلم الحذر منها، وليس لكونها مرتفعة الفائدة؛ وإنما لنهي الشارع عنها، وكونها سبباً لغضب الرب تبارك وتعالى.
وبإمكان السائل التعامل مع المصارف الإسلامية إن كانت موجودة ببلده، لأن الغالب أن تقوم معاملاتها على الشريعة الإسلامية وتقوم بالإشراف عليها لجنة للرقابة الشرعية، وإنما قمنا بإرشاده إلى هذه المصارف الإسلامية لأنها تتعامل بنظام المرابحة، وهو أقرب الطرق لحصول السائل على بغيته من طريق شرعي صحيح، فإن تعذر وجود مصرف إسلامي أو سبيل آخر شرعي فليتق الله ويصبر حتى ييسر الله له فرجاً ومخرجاً، سائلين الله تعالى أن ييسر له أمره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(9/5912)
لا بأس بالتمدد في القبر للاعتبار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وبعض الأصدقاء نقوم بعد صلاة العصر بالذهاب إلى المقبرة وإذا وجدنا قبر ليس فيه أحد نقوم بالنوم فيه لدقائق للموعظة وتذكر هادم اللذات فما الحكم؟
يستركم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بأس عليكم في ذلك بل هو من وسائل تذكر الموت والآخرة، وقد كان بعض السلف يفعل ذلك، نسأل الله حسن الختام للجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1423(9/5913)
القرآن حجة لك أو عليك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون القرآن حجة لي وليس حجة علي يوم القيامة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن يكون حجة للمسلم إذا آمن به وعمل بأوامره واجتنب نواهيه وصدق أخباره، ويكون حجة عليه إذا هجره أو أعرض عن العمل بما فيه. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم 630
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(9/5914)
المبادرة بالتوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[مررت بفترة يأس وأنا في حالة سحر عانيت منها حوالي سنتين من امرأة كنت أحبها إلى حد الجنون وبعدها تركتني بدون سبب وأنا أشك أن السحر من أمها وبعدها سافرت إلى بلاد عربية (زنيت بفتاة بدعوى أني سأرتاح من المرأة التي كنت أحبها) وأنا أعيش في حالة السحر فلما شفيت وهداني الله ندمت على ما فعلت وتبت إلى الله. أريد منكم ما حكم ما فعلت والله المستعان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعلته من التوبة بعد الذنب هو الصواب، ونرجو الله تعالى لك الاستقامة على الدين والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى الحرام.
ثم اعلم أخي الكريم أن من دواعي الاستقامة، وعدم العودة إلى تلك المعصية أن تبادر إلى الزواج، فإنه أنفع الوسائل لإعفاف النفس من الوقوع في الزنا، فإذا لم تكن مستطيعاً فعليك بالصوم ومزاولة الأعمال المجهدة للبدن ثم مصاحبة الصالحين، ومجانبة السوء وأهله، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(9/5915)
الصبر: جبر للمصيبة وحسن للعاقبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ابتلاني الله بالبلاء الشديد ولله الحمد, أعينوني على احتماله فبماذا تنصحوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الدنيا دار امتحان واختبار وابتلاء، والمؤمن فيها متقلب بين حال وحال، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] . وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .
وروى الشيخان في صحيحيهما عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل الخامة (النبتة أو القصبة اللينة) في الزرع تفيئها (تقلبها) الريح، تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج (تيبس) ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
وهذا كله خير للمؤمن يؤجر عليه عاجلاً وآجلاً، وترفع به درجته عند الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر. متفق عليه عن ابن سعيد وأبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم عن أبي سعيد.
والله تعالى يقول لنا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-] .
قال المفسرون: لنختبرنكم ونمتحننكم.. وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن هذه الدنيا دار محنة وبلاء، وأن علاج ذلك هو الصبر، وإذا صبر العبد جبر الله مصيبته، وأحسن عاقبته، وجعل له خلفا من مصيبته.
وقال سعيد بن جبير: لم تكن هذه الكلمة إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عند الأنبياء والأمم السابقة، ولو عرفها يعقوب عليه السلام لقالها ولم يقل: يا أسفى على يوسف. وقال ابن عطية: انطفأ مصباح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل له: أمصيبة! قال: نعم. كل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة.
هكذا ينبغي أن نكون..أن نحتسب كل ما يصيبنا عند الله تعالى مهما كانت قيمته، وأشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل ثم الأمثل والأتقياء مرزءون.
وإذا أردت معرفة نعمة الله عليك فانظر إلى من هو أدنى منك، ولا تنظر إلى من هو أعلى منك.
والحاصل: أن على السائل الكريم أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. فهو رابح في كلا الحالتين ...
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(9/5916)
فتاوى حول مجاهدة النفس ومعاملة الوالدين بالحسنى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع التغلب على نفسي الأمارة بالسوء لا أريد الوقوع في الآثام، أجاهد نفسي قدر المستطاع لكني وجدت نفسي يوما أقع في كبيرة ندمت لكن لا ينفع الندم أريد حلا عمليا، ولكم جزيل الشكر، أيضا أعاني من مشكلة أخرى والدي يظلمانني ويسيئان الظن بي ولا أستطيع السكوت وهذا سبب رئيسي لكل الخلافات في البيت لا أريد أن أكون عاقا ولا أرضى بالظلم ما الحل؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتغلب على النفس الأمارة بالسوء يكون بمجاهدتها كما هو مبين في الفتوى رقم: 18074 وقد بينا عوامل الثبات على الدين القويم في الجواب رقم: 15219 وسبيل الاستقامة على طاعة الله في الجواب رقم: 1208 وعلاج الكسل والخمول من أداء العبادات في الجواب رقم: 10943 وكيفية التوبة وعلامات قبولها في الجواب رقم: 5450
واعلم أن الإصرار على المعاصي له سببان أحدهما: الغفلة، وثانيهما: الشهوة، ولكل واحد منها علاج قد سبق بيانه في الجواب رقم: 7007
وأما بالنسبة للوالدين الكريمين والتعامل معهما فاعلم أن الإحسان إليهما سبب رضا الله تعالى، والسعادة التامة في الدنيا والآخرة.
ولعل ما أنت فيه من سوء حال هو بسبب عدم مراعاة ذلك الجانب العظيم الذي أوجبه الله تعالى على كل مكلف، وراجع الجواب رقم: 2894
وعلى فرض ثبوت ظلمهما لك فلا يسوغ لك عدم الإحسان إليهما، وليس هنالك تعارض بين بيان الحق وإظهاره، وعدم السكوت على خلافه، وبين معاملة الوالدين بالحسنى، وراجع الجواب رقم:
13288 لترى كيف كان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتعامل مع والده بكل لطف وحسن عبارة مع أنه مشرك، ليبين له الحق الذي لا خلاف فيه، فاتق الله عز وجل في نفسك، وأصلح ما بينك وبين ربك، وأحسن إلى أبيك وأمك، ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأن يطهر قلوبنا.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1423(9/5917)
أسباب البلاء، وأدعية كشفه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن يكون البلاء غضبا وعقابا من الله؟ وهل من الممكن رفع البلاء بالدعاء والتقرب من الله وما هي الأدعية والعبادات التي من الممكن التقرب بها إلى الله ورفع البلاء إن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .
وقال: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] .
وعلى المؤمن أن يصبر على قضاء الله ولا يسخط، فما من عبد يبتلى ببلوى أو مصيبة فيصبر عليها إلا كان ذلك خيراً له.
والبلاء تارة يكون:
1- لتكفير الخطايا، ومحو السيئات: كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
2- وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات.. كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري. وقال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم ويقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.
3- وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] ، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
4- وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
ورفع البلاء يكون باللجوء إلى الله والتضرع إليه ودعائه، كما هو مبين في الفتوى رقم:
20967، وكذلك يكون بالتوبة الصادقة، فما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة، والإكثار من فعل القربات والطاعات وذكر الله ومن ذلك قول: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقول: "حسبي الله ونعم الوكيل" ففي سنن أبي دواد عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال: المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم والوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل.
وقول: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً رواه ابن السني، وصححه ابن حجر، وقول "رب أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" وغيرها من أدعية كشف البلاء والكرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(9/5918)
نعمة التوبة تستحق شكر الله بالليل والنهار
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت شاباً ولي بعض العلاقات مع بنات ولكن دون زنا ولكني تبت إلى الله سبحانه وتعالى وتزوجت والحمدلله فهل ينطبق علي أنه كما تدين تدان أم توبتي إلى الله محت ما كنت أصنع ولا يقتص مني في أهلي. وشكراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهنيئاً لك توبة الله عز وجل عليك، وأنْ بَصَّرك طريق الهداية والاستقامة، وأكرم بها من نعمة تستحق شكر الله تعالى بالليل والنهار، وإذا كان كرام الناس فيما بينهم يقبلون عذر من أخطأ عليهم، فما ظنك بالله الكريم الجواد، القائل عن نفسه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
والقائل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] .
واعلم أنه إن صدقت توبتك وتوفرت فيها شروط القبول فنسأل الله تعالى ألا تواخذ على ذنبك لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولمعرفة شروط التوبة، انظر الفتاوى التالية أرقامها:
5450 -
16633.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(9/5919)
مصير العصاة يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[مامصير المسلم العاصي يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن المعاصي نوعان: صغائر وكبائر، قال الدكتور وهبة الزحيلي في التفسير المنير: اتفق جمهور العلماء على أن الذنوب نوعان: كبائر وصغائر، والكبائر: هي كل معصية اقترنت بالوعيد الشديد أو أوجبت الحد. وقيل: إنها سبع، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وماهن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
ورويت روايات أخرى تجعل من الكبائر عقوق الوالدين، وشهادة الزور، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكر في كل مقام ما يناسبه، وليس ذلك للحصر، وقيل: تسع، وقيل: عشر، وقيل: أكثر، فقد روى عبد الرازق عن ابن عباس: أنه قيل له: هل الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب.
وروى سعيد بن جبير أنه قال: إلى السبعمائة أقرب.
أما الصغائر أو السيئات فهي: التي لم تقترن بوعيد شديد أو بحد، كالنظر إلى المرأة الأجنبية والقبلة، وتصبح الصغائر مع الإصرار والاستهتار كبائر، واجتناب الكبائر يكفر الصغائر بشرطين:
أولاً: إذا كان الاجتناب مع القدرة والإرادة، كمن يأبى معاشرة امرأة دعته إلى نفسها خوفاً من الله لا لشيء آخر.
وثانيا: مع إقامة الفرائض روى مسلم عن أبي هريرة قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. انتهى
وأما الكبائر فقد جاء فيها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك. رواه البخاري، والحديث يدل على أن مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد كان كفارة له حتى ولو لم يتب قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور. انتهى
وأما إذا تاب وصدقت توبته فإن الله يقبلها منه، قال ابن حجر في فتح الباري: وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أم لا. انتهى
ومن فوائد الحديث أن من مات وكان مرتكباً للكبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله فإن شاء غفر له برحمته وإن شاء عذبه بعدله.
والحاصل أن المسلم العاصي إذا مات وكانت معاصيه صغائر وكان مؤدياً للفرائض مجتنباً للكبائر مع قدرته عليها فهذا يغفر الله له ذنوبه ويدخله الجنة بإذنه، كما قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] .
وأما إن كانت ذنوبه كبائر فإن تاب منها تاب الله عليه، وإن أقيم عليه الحد فهو كفارة له وإن لم يتب، وإن لم يقم عليه الحد ومات بغير توبة فهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ونسأل الله تعالى أن يسعدنا وإياك في الدنيا بطاعته، ويوم القيامة بالجنة ورحمته، وانظر الفتوى رقم: 14491 - والفتوى رقم: 9115.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(9/5920)
التوبة الصادقة المستجمعة للشروط مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنني شاب أبلغ ال"22" من العمر وبقدر المستطاع، لدي التزام بالدين لكنني ومنذ تقريبا أكثر من 4 سنوات وأنا أمارس العادة السرية وبعد كل عملية أكره نفسي وأتوب ... لكنني لا أستطيع تركها، فأسأل هل يقبل الله مني توبتي في كل مرة..التي أحيانا" لا يبقي لي أمل في قبول التوبة مني وأظن أن الرحمن لا يستجيب دعواتي وقد يراودني الشك بأنني مطرود من رحمة الله؟ فأفتوني إلى متى أتوب؟؟ وهل يقبل الله توبتي كل مرة أتوب؟ مع العلم أنني في كل مرة أعد الله عدم الرجوع إلى تلك الفعلة.. مع تقديراتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعادة السرية محرمة، ولا يجوز تعاطيها، ولها أضرار على دين المرء وبدنه، وللتعرف على ذلك تراجع الفتوى رقم: 7170.
وأما قبول التوبة فالله تعالى يقبل توبة من تاب إليه توبة صادقة، وليعلم أن التوبة الصادقة هي المستجمعة لشروط أربعة وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على أن لا يعود إليه، وإرجاع الحقوق إلى أهلها إن كان الذنب متعلقاً بالخلق، فإن تخلف شرط من هذه الشروط فالتوبة غير نصوح، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] .
وعلى المسلم أن يجاهد نفسه، ويكرر التوبة كلما أذنب، ويستعين بالله تعالى على نفسه والشيطان الداعيين إلى كل سوء. فمع المجاهدة والاستعانة بالله تعالى يحصل المقصود، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. أخرجه مسلم.
والله يقبل توبة عبده إذا صدق فيها فهو سبحانه القائل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]
أما أن يتوب وهو عازم على الرجوع إلى الذنب ولم يندم على ما فعل فهذا متلاعب بأحكام الشرع مصر على الذنب سائر في سبيل هلكة؛ إلا أن يتداركه الله برحمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(9/5921)
الذنوب قد تغلظ لاعتبارات عدة
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي هل الحاج إذا ارتكب الخطيئة بعد رجوعه من الحج تحسب له خطيئتان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى لا يظلم عباده.. فهو لا يكتب على عبده الخطيئة خطيئتين بحال.. فهو العدل الذي يحاسب عبده على خطيئته دون مضاعفتها.. وهو الكريم الذي يثيب عبده على حسناته ويضاعفها له أضعافاً كثيرة.
لكن الذنوب قد تغلظ في الشرع ولا تضاعف، تغلظ باعتبار الأشخاص والأحوال والأزمنه والأمكنه، فخطيئة نساء النبي -مثلاً- ليست كخطيئة غيرهم من النساء، ومن يعص الله في الأشهر الحرم ليس كمن يعصيه في غيرها ومن يقترف ذنباً بحرم الله ليس كمن يقترف ذنباً في غيره، لكن لم يرد دليل على أن ذنب من قد حج يغلظ فوق ذنب من لم يحج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1423(9/5922)
يحلف على ترك المعصية ثم يعود إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم من يحلف بالله العظيم على أن لا يفعل شيئاً ما وهذا الشيء (دخان ,خمرة, الذهاب إلى أماكن معصية.....) ثم يحنث باليمين ويفعل هذا الفعل مع دفع الكفارة ويتكرر ذلك أكثر من مرة ويحلف اليمين لكرهه للمعاصي ومع ذلك يحنث باليمين ويقع بالمعصية مرات متكررة؟
وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل يمين حنثت فيها فعليك كفارتها، وراجع الفتوى رقم: 3840
واعلم أخي السائل أن العبد إذا أراد أن يترك الذنب فليس السبيل أن يحلف ألا يفعله، لا سيما إن كان يَكْثُر منه بعد ذلك الرجوع إليه، وكانت ذنوبه كثيرة.. لأن ذلك سيؤدي به حتماً إلى كثرة الحلف، وهو منهي عنه، قال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم [البقرة:224] قال القرطبي رحمه الله في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن": وقيل: المعنى لا تستكثروا من اليمين بالله فإنه أهيب للقلوب، ولهذا قال تعالى: واحفظوا أيمانكم وذم من كَثَّر اليمين فقال تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين والعرب تمتدح بقلة الأيمان، حتى قال قائلهم:
قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن صدرت منه الألية برت
وعلى هذا أن تبروا معناه: أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى، فإن الإكثار يكون معه الحنث، وقلة رعي لحق الله تعالى، وهذا تأويل حسن.. انتهى.
إذا تقرر لك ذلك أخي السائل فاعلم أن السبيل الأمثل لترك الذنوب هو التوبة الصادقة النصوح، وشروطها ثلاثة هي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما مضى، والعزيمة الصادقة على ألا تعود إلى ما عملت من خطايا وسيئات، فإن صدقت توبتك فسيقبلها الله تعالى، ولن تعود إلى الذنب بإذنه مرة أخرى، لكن مع ذلك فإن عدت إلى الذنب فلا تيأس، وجدد التوبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً أذنب ذنباً فقال: رب إني أذنبت ذنباً أو قال عملت عملاً ذنباً فاغفره، فقال عز وجل: عبدي عمل ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر، أو أذنب ذنباً آخر، فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره، فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر، أو أذنب ذنباً آخر، فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفره، فقال: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. رواه أحمد والبخاري ومسلم واللفظ لأحمد.
قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: ولو تكررت مائة مرة بل ألفاً وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. انتهى.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى توبة نصوح لا تنكثها أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(9/5923)
الحج والعمرة يكفران الكبائر في حالة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تسقط عن الإنسان الكبائر بالحج والعمرة والتوبة النصوح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يُخلِّص الإنسان من كبائر الذنوب إلا التوبة المستوفية لشروطها، فالتوبة هي وحدها تجبُّ ما قبلها من الذنوب.. من صغائر الذنوب وكبائرها حتى الشرك بالله الذي هو أكبر الكبائر على الإطلاق، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
وقال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
لكن يشترط في التوبة أن تكون نصوحاً، ولا تكون نصوحاً إلا إذا توفرت فيها ثلاثة شروط:
الأول: أن يقلع المذنب عن الذنب، والثاني: أن يندم على فعله، والثالث: أن يعزم على أن لا يعود، ويزاد شرط رابع: إذا كان الذنب فيما يتعلق بحقوق المخلوقين فلا بد من إرجاعه إن كان عينياً، أو الاستبراء منه إذا كان معنوياً كالغيبة والنميمة وما شابهها.
وأما الحج أو العمرة فلا يسقطان الكبائر إلا إن اعتمر أو حج تائباً من جميع الكبائر، فيكفر عنه ما تاب منه ولو كان كبيراً، لما روى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
فإذا كانت الصلاة وهي أعظم شأناً في الإسلام من الحج لا تكفر الصغائر إلا باجتناب الكبائر والتوبة منها فمن باب أولى الحج أو العمرة، وتراجع الفتوى رقم:
3000 - والفتوى رقم: 23953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1423(9/5924)
تقبل طاعة وإن كان مرتكبا لبعض الذنوب.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله:
أنا شاب حاصل على ليسانس الآثار بتقدير مرتفع، وظللت أبحث عن عمل لمدة عامين وأعاني من البطالة التي تضرب بجذورها في كل مصر ومنذ خمسة أعوام عملت في شركة انتاج وتوزيع شرائط الكاسيت (أغاني - قرآن) ومنذ عامين هداني الله إلى المواظبة على الصلاة بانتظام إلا أنني فوجئت بأحد الأشخاص يخبرني بأن صلاتي ودعائي إلى الله وقراءتي للقرآن وصومي وزكاتي غير مقبولة من الله ما مدى صحة هذا الكلام وفقنا الله وإياكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نهنئك بتوبة الله عز وجل عليك، وبمواظبتك على الصلاة، فإن نعمة الهداية لا تجاريها نعمة، والصلاة عمود الدين فإذا ضيعها المسلم فقد ضيع دينه، وإذا أقامها وحفظها حفظه الله تعالى ويسر له سبل الخير.
وكلام هذا الشخص الذي أخبرك بأن صلاتك ودعاءك وأعمالك غير مقبولة كلام غير صحيح؛ بل من تقرب إلى الله تعالى بطاعة من الطاعات بإخلاص لله ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل الله منه طاعته وإن كان مرتكباً لبعض الذنوب.
ولكننا ننصحك بأن تبحث عن عمل آخر مباح غير هذا العمل الذي يشمل بيع أشرطة الأغاني، لأن الأغاني محرمة شرعاً لما فيها من آلات الطرب والكلام المنكر والصد عن طاعة الله تعالى ومعاونة الفساق على فسقهم، والله تعالى هو الرزاق الكريم فمن ابتغى الحلال واجتنب الحرام خوفاً من الله تعالى يسر الله له رزقه وأكرمه بفضله، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] .
وانظر في حكم استماع الغناء الفتاوى التالية أرقامها: 4588 -
5282 -
25738.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1423(9/5925)
خطوات عملية تبين بوضوح كيفية التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ولدي طفلان وعمري الآن 27 سنة لم أقم بحق ربي طول هذا العمر لم أصم صياماً كاملاً زنيت فتنت بين الأهل لم أصل إلا صلوات متقطعة وأريد أتوب ويغفر لي ربي كيف وماذا أفعل علشان الصيام؟ وجزاكم الله ألف خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
فالله أفرح بتوبة عبده من رجل سقط على راحلته وقد أضلها بأرض فلاة، وإذا صدقت مع الله في التوبة فأبشرى بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات، قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
ولكن لأن أمر التوبة عظيم فلها شروط أولها: الإقلاع عن الذنب فوراً، وثانيها: الندم على ما فات، وثالثها: العزم على عدم العودة، ورابعها: إرجاع حقوق من ظلمتهم، أو طلب البراءة منهم، فإن كان لا يمكن فاجتهدي في الدعاء والاستغفار لهم.
وسنذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى:
1- عليك بالمراقبة لله في السر والعلانية: وهو القائل جل جلاله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4] .
فلا يليق بالعبد أن يقابل نعم ربه عليه بأن يعصيه وربه ناظر إليه مراقب لحركاته وسكناته.
2- معرفة ضرر الذنوب: فاعلمي أن أثر الذنوب على العبد أشد ضرراً من أثر السموم في الأبدان، وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعدين عن الذنوب بالكلية، وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء أضراراً كثيرة للذنوب منها: الوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - واعتياد الذنوب- وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس..... إلخ، فأنصحك بمراجعة هذا الكتاب القيم، فهو كتاب مليء بالفوائد والعظات.
3- ذكر الموت: كم سيعيش الإنسان؟ سبعين سنة.... مائة سنة.... ألف سنة.... ثم ماذا.... ثم يموت!!! ثم قبر!!! إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
4- البعد عن أمكنة المعاصي وأربابها: فعليك أن تفارقي موضع المعصية لأن وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى، وأن تفارقي من أعانك على المعصية، والله يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] .
وعليك بإتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل: المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة فينبغي إتلافها هذه كلها أو إحراقها.
5- تذكر الجنة والنار: فكيف يلهو ويغفل من هو بين الجنة والنار، ولا يدري إلى أيهما يصير؟
أما النار: فلو لم يكن فيها إلا قوله سبحانه: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون:104] .
لكفى، فكيف وهي: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24] .
ولو سيرت فيها جبال الدنيا لذابت من شدة حرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم، كما في مستدرك الحاكم وحسنه الألباني عن أبي موسى الأشعري: إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم جرت، وإنهم ليبكون الدم.
وأما الجنة: فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فما ظنك بدار ملأها الله من كرامته، وجعلها مستقراً لأحبابه وأوليائه، أرضها وتربتها المسك والزعفران، سقفها عرش الرحمن، بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، والله لا يحرمها إلا محروم.
6- صحبة الصالحات: احرصي على أن تختاري رفقة من الصالحات ممن يعينَّك على نفسك وتتأسين بهن، قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والترمذي.
7- احرصي على فعل الواجبات وترك المحرمات، فحافظي على الصلاة في أوقاتها، واحرصي على لبس الحجاب واحذري من التبرج، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار.. فذكر منهم: نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم.
واحفظي صيامك، عما يذهب بثمرته ويضيع ثوابه من ارتكاب المعاصي، أو رؤية المنكرات، قال صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. رواه البخاري.
فإذا فعلت ذلك فأنت على خير، وتسيرين إلى خير إن شاء الله، وأكثري من نوافل الصلاة والصيام، ولا يلزمك قضاء ما فاتك من ذلك.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى وأن يتوب علينا أجمعين إنه هو التواب الرحيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1423(9/5926)
العقوبة الغليظة لمن استدان بنية عدم السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
زوجي اقترض مني مبلغ 25 ألف جنيه على أن يردها لي من عام 93 وللآن رفض ردها وقال لي لم آخذ منك شيئا حيث أني لم أكتب ورقة بالمبلغ الذي أخذته وكان المبلغ بضمان وديعة وأصبح الآن بفوائده 44 ألف جنيه والبنك يطالبني برد المبلغ الجديد النهائي ولكني لم أستطيع فماذا أفعل لأسترد المبلغ بالحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الزوج أن يرد المبلغ الذي أخذه من زوجته قرضاً، وإلا فهو آكل للحرام فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله.
وخرج ابن ماجه في السنن عن أبي حذيفة عن أم المؤمنين ميمونة قالَ: كَانَتْ تَدَّانُ دَيْنَاً. فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَهْلِهَا: لاَ تَفْعَلِي. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ فَقَالَتْ: بَلَى. إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيِّ وَخَلِيلي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدَّانُ دَيْنَاً، يَعْلَمُ اللهُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيْدُ أَدَاءهُ، إِلاَّ أَدَّاهُ اللهُ عَنْهُ فِي الْدُّنْيَا.
وأخرج أحمد في المسند عن صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل أصدق امرأة صداقاً والله يعلم أنه لا يريد أداءه إليها فغرَّها بالله واستحل فرجها بالباطل لقي الله يوم يلقاه وهو زان، وأيما رجل أدان من رجل دينا والله يعلم أنه لا يريد أداءه إليه فغرَّه بالله واستحل ماله بالباطل لقي الله عز وجل يوم يلقاه وهو سارق.
فهذه الأحاديث تحذر من أخذ مال الغير بنية عدم إرجاعه، سواء كانت الزوجة أو غيرها. ولا يجوز أخذ مال امرئٍ مسلم إلا بطيبة من نفسه.
وعلى هذا؛ فعليك أن تذكري زوجك بذلك وتخوفيه بالله، فإن أدى ما عليه؛ وإلا فإن لك الحق أن ترفعي عليه دعوى قضائية ليرد الحق إلى أهله.
ولتعلمي أن تعاملك مع هذا البنك الذي يأخذ فوائد ربوية من الربا المحرم الذي لا يجوز لك فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى توبة نصوحاً، وأن لا تعودي لمثل ذلك، ولعل ما صنع زوجك عقوبة من الله لك لتحذري من مثل هذا التصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5927)
المؤمن يستحضر الموت في كل لحظة
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأشخاص هذا السؤال ولكني عجزت عن الإجابة عليه فورا وهو: لو علمت أنه سيبقى أسبوع واحد في حياتك ماذا ستفعل فيه؟
وجزاكم لله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلو قدر أن شخصاً علم أنه بقي في حياته مدة معينة أسبوع أو أقل أو أكثر فعليه أن يحسن الظن بربه، وأن يجتهد في العبادة والطاعة، وأن يجتنب المحرم، ويتحلل من مظالم العباد.. سواء كانت مظالم في النفس أو في المال أو في العرض.
وعليه أن يسارع في الخيرات والنوافل، ويكثر من ذكر الله ودعائه حتى يختم له على خير.
لكن المؤمن ينبغي عليه أن يقوم بذلك دائماً في كل لحظة من حياته، ويستحضر أن الموت قد يأتيه بعد لحظات لا أيام، كما جاء في الأثر: اعمل عمل امرئ يظن أنه لن يموت أبداً، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غداً. وفي لفظ: واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
وقد رويا مرفوعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق ضعيفة.
وقد كان السلف الصالح على خشية دائمة وعمل للآخرة لا ينقطع، بحيث لو قيل لأحدهم إنك ستموت غداً لما ازداد شيئاً من العمل.
وفي الحلية لأبي نعيم وغيرهما عن عبد الرحمن بن مهدي قال: لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً.
وفي تاريخ واسط عن شعيب بن حرب قال: لو قيل لمنصور بن زاذان: إنك تموت غداً ما كان عنده مزيد. وهكذا ينبغي لكل مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1423(9/5928)
الأقوام الذين تشدخ رؤوسهم بالصخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أتى النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء. فمن هؤلاء القوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن يرضخ رأسه بالصخر هو رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، وهذا عذابه في البرزخ إلى يوم القيامة كما ثبت ذلك في الحديث الطويل الذي رواه البخاري عن سمرة بن جندب: إن جبريل وميكائيل أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وانطلقا به ومما قال:.. فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة يشدخ به رأسه فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه.... إلى أن قال...... والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار يفعل به إلى يوم القيامة. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1423(9/5929)
توبة من اختلس النظر إلى أخته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندما كنت في السابعة عشرة كنت أختلس النظر لأختي بينما هي تستحم أو تغير ملابسها من النافذة وتبت إلى الله وأنا الآن ملتزم ولكن عندما أراها الآن أتذكرها وهي عارية فما أفعل وما الحكم علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ارتكبته من تلك الفعلة الشنيعة من النظر إلى أختك يستوجب التوبة النصوح المشتملة على الإقلاع عن الذنب والندم على ما فات والعزم الصادق على ألا تعود إليه أبداً.
فالنظر إلى العورات محرم؛ كما قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] .
وهو أشد تحريماً في حق المحارم بل هو من كبائر الذنوب والمعاصي، وما دمت قد تبت فعسى الله أن يتقبل توبتك، ويغفر ذنبك، ومن مقتضيات التوبة أن لا تسترسل مع تلك الأفكار التي تجول في ذهنك فتتذكر ما كنت تفعله، بل ينبغي عليك قطع ذلك التفكير والاشتغال بذكر الله وتلاوة كتابه كلما خطر ذلك الخاطر، وعليك أن تدعو الله بأن يذهب عنك ذلك.
كما ينبغي عليك أن تتجنب الخلوة بأختك إن خشيت على نفسك الفتنة حتى لا يوسوس إليك الشيطان بوساوسه ويوقعك في الحرام، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1423(9/5930)
الله يمهل ولا يهمل
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلك زوجي أدمن امرأة يعيش معها في الحرام ولقد حاولت استرداده بكافة الطرق فأبى وطلقت مرتين ومعي 4 أبناء منه وباقي طلقة وأنا أخشى الطلاق مخافة على أبنائي وأهلي يقولون لي ظل راجل والرجل متيم بالمرأة في الحرام وأنا متضررة بدنيا ومعنويا ولا أعرف ماذا أفعل ولماذا لا يعذبهم الله بأفعالهم كي يرتدع الناس عن الحرام لاسيما وأن عقوبة الزنى لا تطبق وأصبحت حرية شخصية ماذا أفعل لقد اختلطت علي الأمور وأوشكت على عدم الثقة في أي شيء أنا أتدمر وهما يعيشان في نعيم دون ضمير ولا خوف من الله أريحوني بردكم وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يمهل من عصاه، ويملي له، فإن تاب إلى ربه ورجع وآب كان ذلك رحمة من الله تعالى عليه، وإن استمر في طغيانه كان ذلك استدراجاً من الله تعالى، ولكن الله تعالى لا يهمله، وقد خرج الترمذي من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تبارك وتعالى يملي -وربما قال يمهل- للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته." ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) [هود:102] قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وما دام الزوج على هذه الحال مجاهراً بالمعاصي والفسق، فلا يجوز لك البقاء معه وفراقك منه خير لك في دينك ودنياك، وسيخلف الله تعالى عليك بمن هو خير منه، وكم من امرأة أقامت مع زوج فاسد فأفسد عليها دينها، وخرب عليها دنياها، وما تجدينه من الأضرار البدنية والمعنوية هو مثال على ذلك.
وأما الأولاد فإن الزوج ملزم بالإنفاق عليهم والاهتمام بهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه، وليس على الزوجة شيء من ذلك.
ولا يصح أن يقال عن أهل المعصية إنهم يعيشون في نعيم، بل ما هم فيه هو عين العذاب والمقت، وما يصيبهم من الهم والضيق والوحشة والظلمة في قلوبهم أعظم بكثير مما قد يصيب أهل الطاعة من الابتلاء، لكن لسكرة المعصية لا يشعرون بأن ما أصابهم بسبب ذنوبهم، وقد يمدحون حال أنفسهم كبراً وعناداً.
والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1423(9/5931)
البلسم الشافي للواقع في بعض المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لماذا يكون هناك ساعات يعصي الملتزم فيها ربه وهو يعلم بهذه المعاصي ويدعو الناس إلى تركها 00 وقد يكون مدمنا لأحد هذه المعاصي وغير قادر على تركها 00 يتوب ويرجع00 والمصيبة تكمن في أنه لا يفعلها إلا عندما يختلي بنفسه ولا يراه إلا الله 00كما أنه مبتلى بأنواع المصائب والبلايا أشكال وألوان00 أنا أحد هؤلاء الشباب الملتزمين ولكني مدمن على مطالعة المواد الإباحية منذ الصغر وقبل الالتزام أفيدوني جزاكم الله خيرا قبل أن أصاب بانهيار نفسي أو عصبي00؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإنسان قد يقع في المعصية والذنب استسلاماً لقهر الهوى أو لنزعة النفس أو لغلبة الشيطان.. والمؤمن مطالب بمقاومة ذلك كله، والله سبحانه وتعالى ما كلفنا البعد عن المعاصي والمحرمات إلا وذلك في مقدورنا ووسعنا، لقوله سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .
والمسلم لا يقع فيما حرم الله إلا عند ضعف مراقبته لله، وإنما تضعف مراقبة في قلب العبد إذا لم يوقر الله ولم يعظمه كما يجب له، ولذا قيل: من راقب الله في خواطره عصمه الله في جوارحه.
فعلى المسلم إذا حدثته نفسه بمعصية أن يتقي الله، وأن يشعر أن الله ينظر إليه، ويطلع على حاله، فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه، وكيف يستحي من الناس ولا يستحي من الله؟ ويخشى الناس ولا يخاف من الله؟!
وعلى المسلم أن يوافق بين فعله وقوله، وأن يكون أسرع الناس إلى تطبيق ما يدعو إليه، وأبعدهم عن اقتراف ما ينهى عنه، وقد عاب الله سبحانه وتعالى ووبخ من يأمر الناس بما لا يفعل، فقال الله سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] .
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3] .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيد من يأمر بالمعروف ولا يأتيه أو ينهى عن منكر ويأتيه، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
فعليك بتقوى الله والتوبة إليه والإقلاع عن كل ذنب والبعد عن مواطن الفتن وأسباب الشر ودواعي المعصية وإشغال النفس بالصالح والمفيد من أمور الدنيا والآخرة واختيار الرفقة الصالحة.
واعلم أن الإدمان على النظر إلى الصور المحرمة يظلم القلب، ويطمس البصيرة، ويهدم الفضيلة وينشر الرذيلة ويثيرالغريزة، ولربما قاد إلى الزنا أو اللواط والعياذ بالله، فاتق الله في نفسك وفي دينك، وراقب الله في خلواتك، وعظم حرماته قبل أن تندم ولا ت حين مندم، وانظر الفتوى رقم:
23243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1423(9/5932)
سؤال لا يصدر ممن يستشعر عظمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[مشاهدة الصور والأفلام الخلعية عبرالإنترنت أو الكومبيوتر أو شاشات التلفزيون ولاسيما عن طريق الفضائيات يعتبر في حكم الإسلام حراما ولكن ما نود السؤال عنه هو عن درجة الحرمة هل تبلغ درجة الكبائر والتي تتطلب من فاعلها التوبة أرجو أن تفيدونا أفادكم الله وكيف لنا أن نتخلص من هذا الداء وكلما أردت أن أنهى نفسي عن ذلك أجد نفسي أعود إلى هذه المعصية000 وفقكم الله؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا شك أن مشاهدة الأفلام والصور الخليعة من المحرمات لما تتضمنه من صور عارية تفسد الإنسان وتثير شهوته وتكدر قلبه، وقد تجره إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله، لأن النظر من أسباب الزنى وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .
والزنى من الكبائر وقد نهى الله تعالى عنه بصيغه تتضمنه وما يؤدي إليه، وذلك بقوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
ومما هو معلوم لدى الجميع أن النظر بريد الزنى وسبب للفجور والآثام فعليك يا أخي الكريم أن تتوب إلى الله عز وجل توبه نصوحاً، ولتعلم أن من أهم شروط التوبة الإقلاع عن المعصية والكف عنها، أما من يتوب وهو مصر على فعل ما تاب منه فتوبته غير مقبولة بل هي استهزاء بالله عز وجل، ويمكن أن تطلع على أسباب الإصرار على المعصية، وعلاج ذلك في الفتوى رقم:
7007.
أما سؤالك هل هذا كبيرة أم لا؟ فالجواب: أن هذه المسألة لا تنبغي لمن يعلم أن الله حرم هذا وأنه مطلع عليه ويستشعر عظمة الله -نقول- لا ينبغي له أن يقف عند هذا الأمر كثيراً.. هل هو كبيرة أم لا. وراجع الفتوى رقم:
19684 - والفتوى رقم: 22267 - والفتوى رقم: 25756.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(9/5933)
كيف يرجع إلى الله مدمن المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله:ـ أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جداً أنا محتاج إلى الله فقير إليه، ولكن كثرة ذنوبي من ممارسة العادة السرية إلى ترك الصلاة، إلى النفاق، والأدهى والأمر رؤية الأفلام الخليعة، وكلما تبت أعود إلى الذنب مجددا ولي إلى الآن مايقرب الخمس سنوات أو الست وأنا على هذه الحالة فهل لي توبة يا الله سامحني يالله سامحني ياالله سامحني. إخواني أنا شاب أبلغ من العمر 25 سنة والذي يزيدني ألما أن الناس يظنون بي الخير لحسن أخلاقي مع الناس ولكني مناقق بهذه الصورة أرضي الناس ولا أخاف الله الله الكبير يا إخواني أنا فشلت في الزواج مرتين، وهذا بسبب رفض الفتيات لي ولا أعرف السبب، ولكني أريد أن أتوب وحسب ادعوا لي ادعو لي أسألكم بالله أن تدعوا لي. ... اللهم سامحني. الفقير إلى ربه الجريح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك وأن يغفر لك، وأن ييسر لك سبيل الرجوع إليه، فالله تعالى إذا أراد بعبد خيراً استعمله في طاعته، والواجب عليك أيها السائل أن تعود إلى الله أولاً بفعل أوامره والمواظبة عليها، وعلى رأس تلك الأوامر الصلاة، وبقدر محافظتك على بقية الواجبات يمنُّ الله عليك بترك المحرمات، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] .
والواجب عليك كذلك لاتقاء المحرمات أن تبتعد عما يثيرها ويقويها كالأفلام المذكورة في السؤال التي فيها من النظر المحرم الممقوت ما تأنف النفوس المسلمة من السماع عنه فضلا عن رؤيته.
وإننا لنحذر الأخ السائل من المداومة على مثل هذه الأمور، لأن الموت يأتي بغتة والعمر يمر سريعاً، فليكن في طاعة الله، والتقرب منه بدلاً من ضياعه سدى، وذهابه هباءً، ولتعلم أن الله تعالى يمن على العبد بالهداية والتوفيق بقدر رغبته في الخير وحبه له، ونفوره من الشر وبعده عنه، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-11] .
وإن مما يساعدك على التخلص من هذه الأوبئة والأمراض، صحبة الصالحين ولزوم الجماعة التي تعبد الله في المساجد، وحضور حلق العلم، ومتابعة البرامج الدينية في الراديو وسماع الأشرطة الوعظية وغير ذلك، ولمعرفة حكم تارك الصلاة راجع الفتوى رقم: 1145 - والفتوى رقم: 1195، ولمعرفة حكم العادة السرية مع كيفية الوقاية منها راجع الفتاوى التالية أرقامها: 5524 -
23806 -
22083 -
12596.
ولمعرفة كيفية التوبة من مشاهدة الأفلام الخليعة وما يعين عن غض البصر راجع الفتوى رقم: 10803 - والفتوى رقم: 21807.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(9/5934)
مظالم العباد لا يكفرها الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد علمنا أن من يذهب للحج يرجع كما ولدته أمه وقد غفر الله له وهذا فيما اقترفه فى حق الله فهل يأتي يوم القيامة وللعباد عنده حق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحج يكفر به الله الذنوب التي بينه وبين عبده، وأما حقوق العباد فإن ذمة العبد لا تبرأ إلا بردها لهم أو عفوهم عنها، فإن لم يعلمهم تصدق بها عنهم، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 13780.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1423(9/5935)
ومن يحول بينك وبين التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنا كنت مدمناً على المخدرات وأذنبت كثيراً من المعاصي وأصبحت نادماً وتبت إلى الله والناس عندما يرونني أصلى ينعتونني بالمنافق ولا أحد يثق بي وأصبحت وحيداً فهل يتقبل الله توبتي وتمحى تلك الذنوب هذا هو سؤالي شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب عليك هو أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً وهي التي استوفت الشروط من إقلاع عن المعصية، وندم على فعلها، وعزم صادق على عدم العودة إليها، فإن فعلت فالله سبحانه وتعالى سيتوب عليك لأنه وعد بذلك، ووعده غير مخلوف، قال الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:17] .
وقال أيضاً: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وعليك أخي الكريم أن تواصل المشوار وتكثر من الطاعات والنوافل والقربات وتختار صحبة صالحة من أهل العلم والتقوى يذكرونك ويعينونك ويوجهونك، وأما ما يقول الناس فلا تلتفت إليه لأنك تتعامل مع الله جل وعلا وهو يعلم السر وأخفى، ومن ذكرتهم سيغيرون نظرتهم إليك إن رأوا توبتك الصادقة واستقامتك عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(9/5936)
أربعة أدوية نافعة لعلاج قسوة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا أبكي مع أن خوف الله في قلبي دائما، وعند سماع أهوال يوم القيامة يكاد قلبي أن يخرج من مكانه ولكن لا أبكي أريد البكاء لكي تكون عيوني معصومة من نار جهنم أعاذنا الله منها لكن لا أستطيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جمود العين عن البكاء من خشية الله تعالى عند الاستماع إلى القرآن والمواعظ، هو من قسوة القلب، وعلاجها -كما ذكر ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان- يكون بأربعة أمور:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما انطوت عليه من الشرك، ودنس الكفر، وما فيها من أمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم الحق وعمل به، كما أنه رحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57] .
وقال جل وعلا: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] .
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، ويكون ذلك بالإيمان وبالعمل الصالح، ولزوم أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وتكون باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، ويتم ذلك بالتوبة والاستغفار.
وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح والعمل بما يرضيه تعالى إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1423(9/5937)
الله يقبل التوبة عن عباده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الجزائر عمري 25سنة هل الله يغفر لي ذنوبي الكبائر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء:48]
وقد وعد الله تعالى من تاب إليه توبة نصوحاً أن يقبلها منه، ويعفو عن سيئاته، قال الله تعالى: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) [التوبة:104] والتوبة النصوح هي التي استوفت شروط التوبة المعروفة، وهي الإقلاع عن المعصية حياء من الله لا من الناس، والندم على فعلها في الماضي، والعزيمة على ألا يعود إليها أبداً، والبراءة من حق صاحبها إن كان فيها حق لآدمي.
ولتعلم أيها الأخ الكريم أنه مهما عظمت ذنوبك وكثرت آثامك وخطيئاتك فما عليك إلا أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً مستوفية للشروط التي قدمنا، والله تعالى بفضله ومنه وكرمه سيتجاوز عن تلك السيئات، ويمحو تلك الخطيئات، كما وعد، لأنه لا يخلف الميعاد.
قال ابن عطية رحمه الله: إذا فرضنا أن رجلاً تاب إلى الله توبة نصوحاً تامة الشروط يقطع على الله بقبول توبته كما أخبر عن نفسه جل وعز. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(9/5938)
بعض الحكم التي تصاحب تقدير المكروه على العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوميا قبل الاستيقاظ من النوم أشعر وكأن أحد المردة أو الشياطين يمسك بي أو يجثو فوق صدري أو يقيد حركتي على الرغم من قراءتي شبه الدائمة للقرآن ومحافظتي علي الصلاة في أوقاتها قدر المستطاع فهل هذا يدل علي أنني بعيد عن الله ومذنب أم يدل على أنني قريب من الله أم يدل علي شيء ثالث أجهله؟ جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنوصي الأخ السائل بالمحافظة على الصلوات في الجماعة، والإكثار من حضور مجالس العلم والذكر، والمداومة على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم بما في ذلك التعاويذ الشرعية الواردة فيها، فإنها من أسباب الحفظ من الجن بإذن الله تعالى.
وينبغي للأخ أن يستعين بكتب الأذكار التي اعتنى أصحابها باختيار ما صح من الأحاديث النبوية مثل: صحيح الكلم الطيب للألباني، ومثل الكتيب المشهور باسم حصن المسلم ونحو ذلك من الكتب النافعة.
هذا كله من أسباب اتقاء المكروه، وقد يفعله المسلم ثم يقدر الله تعالى عليه ما يكره ليس لبغضه له ولكن امتحاناً واختباراً.. إما ليبلغ درجة ما كان له أن يبلغها بعمله، وإما ليكفر الله عز وجل عنه سيئاته إلى غير ذلك من الحكم التي تصاحب تقدير المكروه على العبد، والنبي صل الله عليه وسلم يقول: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم. رواه ابن حبان وغيره وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5939)
العود إلى المعصية لا يقطع طريق العودة إلى التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في العطلة الصيفية الماضية ذهبت إلى مكة المكرمة وأخذت عمرة وعند الدعاء والمناجاة لربي عاهدت الله تعالى على ألا أزني وبعد عودتي من مكة حصلت لي سفرة إلى أحد الدول الخليعة وكتب الله لي أن أزني بنية أنني سأتوب مرة أخرى ولكن قلبي غير مطمئن لقد استغفرت الله أكثر من مرة أرجو التكرم لي بالنصيحة الثالجة لصدري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الزنا من الكبائر العظام، سماه الباري فاحشة فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
وقد قرنه بالشرك وقتل النفس كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] .
فمن اقترف هذه الفاحشة فيجب عليه التوبة إلى ربه فإذا تاب صادقاً وأناب، فإن الله تعالى يقبل توبته ويغسل حوبته، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
فإن تكرر منه الذنب، وجب عليه أن يتوب منه مرة أخرى، ولا ييأس من روح الله مهما بلغت ذنوبه، فالله يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
فالعود إلى المعصية والإسراف فيها لا يقطع طريق العودة إلى التوبة من جديد فبابها مفتوح حتى تبلغ الروح الحلقوم، أو تطلع الشمس من مغربها.
ومما يعينك على التوبة عن الزنا البعد عن دواعيه وأسبابه واجتناب مواطنه وأهله، ولا شك أن السفر إلى الدول الإباحية باب عظيم من أبواب الوقوع في الزنا، فاحذر من السفر إليها، وعليك بصحبة الصالحين ومخالطتهم، كما جاء في حديث الذي أراد أن يتوب من القتل: فقال له العالم: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. رواه مسلم.
نسأل الله لنا ولك الهداية والمغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1423(9/5940)
تتحقق التوبة بتحقيق شروطها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة على خلق ودين وقد تحجبت والحمد لله مؤخراً وأريد أن أكفر عن السنوات التي مضت من عمري ولم أكن محجبة فأرجو إرشادي بما سأفعله لكي أتوب من هذا الذنب وأكفر عنه؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لك الثبات على دينه والصون والعفة، واعلمي أن من تاب من ذنبه وأناب وأقلع عن معصيته، فإن الله سبحانه يحبه ويقبله ويغفر له. قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .
وقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
وحيث إنك أقلعت عن ذنبك، وندمت على فعله، وعزمت على عدم العودة إليه، والتزمت الطاعة خوفاً من عذاب الله ورجاء ثوابه، فإنك قد حققت التوبة المطلوبة منك فأبشري واستقيمي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(9/5941)
التبتل ... معناه وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو التبتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأصل التبتل الانقطاع، وهو على قسمين:
أولهما: تبتل محمود، أمر الله تعالى به، وهو الانقطاع إلى الله تعالى مع إخلاص العبادة له بعد قضاء ما يحتاجه الإنسان. قال الله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً [المزمل:8] .
وقال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] .
والثاني: تبتل مذموم، وهو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح، والترهب في الصوامع، وترك أكل ما لذ كاللحم، أو التشديد على النفس في العبادة على خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم كصوم الدهر، وقيام الليل كله دائما، ونحو ذلك. وقد نهى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا التبتل والرهبانية، فقال سبحانه وتعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] .
والواجب على المسلم أن يسلك سبيل خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أتقى الناس، وأخشاهم، ولا يرغب عن هديه وسنته.
ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل، قال: ولو أذن له لاختصينا وفي صحيح مسلم أيضاً عن أنس أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش! فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا؛ ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه أقوام، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية. فدلت هذه الأحاديث أن التبتل المحمود، والانقطاع على عبادة الله تعالى لا يتنافى مع فعل ما ذكر من النكاح وأكل اللحم والنوم على الفراش ونحو ذلك؛ لأن سيد العابدين والمتبتلين وأتقى الأولين والآخرين لله رب العالمين قد فعل ذلك، فالرغبة عما فعل سفه وسوء فهم للعبادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1423(9/5942)
نصيحة لمن يملأ عينه وقلبه مما حرم الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 17 سنة أحب النساء وأتمنى الزواج وأنا في مرحلة حساسة في الثانوية العامة فماذا أفعل وأتعمد النظر؟ وشكراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله جل وعلا يقول في كتابه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بين إسرائيل كانت في النساء. أخرجه مسلم والترمذي.
وواجب المسلم أن يمتثل أمر الله تعالى، وأمر رسوله ليفوز براحة الدنيا، ونعيم الجنة، فهذا الذي ذكرت أنك مقيم عليه أمر محرم، وقد يجرك إلى ما هو أسوأ منه ما لم تتدارك نفسك، وتقلع قبل فوات الآوان، فقد ذكرت أنك تملأ قلبك وعينك بما حرم الله عليك، وتواظب على هذا، ألا تستحي من الله الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذك بما اقترفت، وهو القائل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] .
ألا تخشى بأسه وتنكيله، وهو القائل: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً [النساء:84] .
فاتق الله تعالى، وعد إليه، وأخلص التوبة والانابة، وأسأله العفاف، وإن كنت قادراً على الزواج فافعل لتتخلص في الحرام، ففي الحديث الصحيح الحث على الزواج، وذكر فيه مخاطبة الشباب، وفيه أن الصوم هو البديل في حق العاجز عن تبعاته، وقال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] .
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] .
وقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] .
وعليك بقراءة القرآن والإكثار من الصلاة والاستغفار، وللمزيد نحيلك على أرقام الفتاوى التالية:
24453 -
17794 -
13051.
وفقنا الله وإياك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1423(9/5943)
قطوف من حال نبينا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب الأعمال إلى الله في رمضان بعد الصوم والصلاة وزكاة الفطر حيث إنني أحب أن يرفع عملي كاملا إن شاء الله تعالى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أردت معرفة أحب الأعمال إلى الله في رمضان، فتأمل في حال الرسول صلى الله عليه وسلم، وحال أصحابه والتابعين في هذا الشهر المبارك، فإنك لن تجد أفضل عند الله تعالى ولا أحب إليه من أعمالهم، فأما حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فقد كان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، ويكثر فيه من أنواع العبادات فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم إذا لقيه جبريل يكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف.
أما السلف الصالح فقد عرفوا قيمة هذا الشهر، فشمروا فيه عن ساعد الجد، واجتهدوا في العمل الصالح، فقاموا الليل إلا قليلاً، وكانوا يحرصون على الزيادة في الإنفاق في هذا الشهر المبارك، فيطعمون الطعام، ويفطرون الصائمين، حتى كان أحدهم يؤثر غيره بفطوره وهو صائم، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وكان الحسن البصري وابن المبارك يطعمان إخوانهما الطعام، ويقومان على خدمتهم، وأما حالهم مع القرآن فكانوا يكثرون من قراءة القرآن في هذا الشهر، وربما تركوا مدارسة العلم ليتفرغوا للقرآن، فكان عثمان يختم القرآن كل يوم مرة، وبعضهم في ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وكان للشافعي ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على قراءة القرآن، وكانوا مع ذلك كله أحرص ما يكونون على إخفاء أعمالهم، وتحري الإخلاص فيها، خوفاً على أنفسهم من الرياء.
وبعد هذا نقول لك أيها الأخ السائل: فهذه قطوف وشذرات من حال نبينا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح في شهر رمضان، فاحرص على أن تعيش رمضان كما عاش نبيك، وسلف الأمة من بعده، الذين قدروا هذا الشهر حق قدره، واغتنموا أيامه ولياليه فيما يقربهم إلى ربهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(9/5944)
زيادة الوزر كزيادة الأجر في الأزمنة والأمكنة المعظمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جزاء الذنب مضاعف في رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نص العلماء رضي الله عنهم على أن الأعمال الصالحة يتضاعف ثوابها لشرف الزمان، أو شرف المكان، أو بهما معاً، وكذا المعصية يتضاعف وزرها في الأماكن المفضلة كمكة شرفها الله تعالى، وفي الأزمنة المفضلة كرمضان وغيره.
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية 3/431: فصل: زيادة الوزر كزيادة الأجر في الأزمنة والأمكنة المعظمة، وقال الشيخ تقي الدين: المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان. انتهى كلامه وهو معنى كلام ابن الجوزي وغيره. ا. هـ
فينبغي للمسلم أن يتقي الله تعالى في شهر الصيام، وأن يكثر من الأعمال الصالحات، وليحذر من اقترافه السيئات في هذا الشهر العظيم، قال صلى الله عليه وسلم عن شهر رمضان: "وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كله ليلة".
نسأل الله تعالى أن يعتق رقابنا من النار، وأن يصلح أحوالنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(9/5945)
كيفية المحافظة على الاستقامة على الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا نويت إن شاء الله الصلاة نويت أن أكون من أبناء المساجد لو ممكن ما بدي أمشي مع الناس الفاسدة والأصحاب السوء كيف يمكن بسرعة الجواب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أن تنفذ هذه النية والعزيمة وتؤدي الصلاة لأن تارك الصلاة والعياذ بالله على خطر عظيم، وراجع الفتوى رقم 6061
ويجب عليك تجنب قرناء السوء فإنهم يفسدون عليك توبتك ونيتك التي عقدتها في المحافظة على الصلاة، وقد سبقت لنا فتوى برقم 9163 فيها بيان الخطوات المعينة لتجنب رفقاء السوء.
وفتوى برقم 23498 فيها إحالات على فتاوى تعين على الاستقامة والثبات عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(9/5946)
البلاء أسبابه وكيف يكشف عن العبد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما نصيحتكم لمن ابتلي ابتلاء شديدا في هذه الدنيا. أفيدونا جزاكم الله كل الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .
وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فالإيمان بقضاء الله تعالى -خيراً كان أو شراً- هو أحد أركان الإيمان وأسسه، فالإنسان قبل أن يؤمن به ويستسلم له لا يعد من المؤمنين، ولا يدخل في زمرتهم، وعندما يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ويستسلم له، مع إيمانه بباقي الأركان يصير من المؤمنين.
والله تبارك وتعالى عندما يجري على العبد قضاءه بما لا يرضاه العبد مثل: أن يحرمه من الولد، أو يبتليه بالفقر، أو الأمراض والآفات، فلا يعني ذلك أنه تعالى ساخط على ذلك العبد المبتلى، بل قد يكون ذلك لتكفير ومحو الذنوب التي لا ينفك عنها الإنسان غالباً.
قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
كما أنه أيضاً يكون ابتلاء وامتحاناً من أجل إظهار صدق الصادقين في إيمانهم، وتبينه في واقع الأمر، وكشف كذب الكاذبين الذين يدعون الإيمان بالله تعالى وهم كافرون به.
قال تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] .
وهذا استفهام استنكاري ومعناه: أن الله تعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وليعلم المسلم أن البلاء قد يكون:
1- لتكفير الخطايا، ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
2- وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم ليقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.
3- وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] .
فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
4- وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والسيوطي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
فعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فالمؤمن الذي تصيبه السراء والنعمة فيشكر ربه يحصل الخير، وذلك لأن الله يحب الشاكرين، ويزيدهم من نعمه، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم [إبراهيم:7] .
والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين، كما قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من يصبر على فقد (موت) ولده ولا يجزع، بل يسترجع، ويحمد الله، أن الله يبني له بيتاً في الجنة جزاء على صبره وشكره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ومعنى استرجع: قال "إنا لله وإنا إليه راجعون" فعلى المؤمن أن يقول ذلك إذا أصابته مصيبة من المصائب، وعليه أن يرجع إلى الله، وأن يكثر من ذكره ومن الصلاة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر يفزع إلى الصلاة. ومعنى حزبه: نزل به أمر مهم.
ومن الأمور التي تهون المصائب: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتلاوة القرآن الكريم، وتوثيق الصلة بالله سبحانه، والتوبة من كبائر الذنوب....ألخ
وأخيراً على المبتلى أن يلجأ إلى الله في كربته، وأن يتضرع بين يديه لكشف بلواه، فالدعاء هو السلاح الذي يدفع به الضر والبلاء، ويواجه به ما لا قبل له به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
وقد لجأ إليه أيوب عليه السلام في بلواه وضره فكشفه الله عنه سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء] . انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(9/5947)
عذاب أكلة ألربا وأموال اليتامى
[السُّؤَالُ]
ـ[مرالرسول صلى الله عليه وسلم بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل فتفتح أفواههم فيلقمون من ذلك الجمر ثم يخرج من أسافلهم، فسمعهم رسول الله يضجون إلى الله. فمن هؤلاء القوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القوم المعنيين بالحديث هم: أكلة أموال اليتامى، فقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وفيه: ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر، وأن جبريل قال له هم: آكلوا الربا. وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون حجرًا فيخرج من أسافلهم، وأن جبريل قال له هؤلاء: أكلة أموال اليتامى.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير، رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسفله، ولهم جوار وصراخ، قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذي يأكلون أموال اليتامى ظلمًا يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرً. ذكره ابن كثير في تفسيره.
وننبه السائل إلى أن الصيغة التي ذكرها لم نجدها بلفظها في حديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(9/5948)
كيف تحصل لذة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لا أشعر بلذة الإيمان فماذا أفعل أجيبوني بسرعة أكرمكم الله؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أولاً أن النفس لها إقبال وإدبار، فتارة تكون في سُموٍ وإشراق مما يكون معها العبد في لذة وطمأنينة، وأحيانًا يقل هذا الإشراق ويضعف هذا النشاط. وهذه حال البشر قلما ترى شخصًا على وتيرة واحدة، فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، فعلى العبد أن يسعى في تحصيل لذة الإيمان والعبادة، وذلك بالعلم بالله وبأسمائه وصفاته، فإن الله يقول: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] .
فلما كان العلماء هم أعلم الناس بالله كانوا أشدهم خشية لله تعالى، والعلم بالنبي وسيرته وشمائله وعبادته حتى يحبه عن علم واختيار.
والذي يريد أن يذوق طعم الإيمان ولذته لا بد أن يرضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وأن يحب أهل الإيمان ويكره أهل الكفر، ففي الحديث: ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاَّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولاً. رواه مسلم.
والذي يريد أن يذوق طعم الإيمان يحافظ على الفرائض ثم يكثر من النوافل والطاعات، كما في الحديث: ما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ... فإذا اتصف العبد بهذه الصفات وتقرب إلى الله تعالى بالطاعات فلا شك أنه سيجد حلاوة الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1423(9/5949)
كيف تؤدي زكاة الجسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي زكاة الجسد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زكاة الجسد هي صيانته من أسباب عذاب الله تعالى، وتطهيره من الشرك والآثام، ولا يطهر الجسد ويزكو إلا بطهارة النفس من شوائب الشرك بالله تعالى وانقيادها ظاهرًا وباطنًا لما شرع، والسعي المتواصل به في الأخذ بالأسباب التي تقربه من الله تعالى، في المسارعة إلى أعمال الطاعة والبعد عن أسباب الرذيلة، وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام مسلم في معرض الزكاة: حينما سئل صلى الله عليه وسلم عن زكاة الحمر قال: ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] .
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة. وهذا لفظ البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(9/5950)
المفهوم الشامل لطاعة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوالمفهوم الشامل لطاعة الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمفهوم طاعة الله تعالى الشاملة الكاملة هي: التزام ما أمر به في كتابه وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته أمر ندب أو أمر إيجاب في الاعتقاد والقول والعمل والأخلاق والمعاملة حسب القدرة.
واجتناب ما نهى عنه في كتابه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته نهي تحريم أو نهي كراهة في الاعتقاد والقول والعمل والأخلاق والمعاملة، وتصديق ما أخبر به في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأمور الماضية كبدء الخلق، وأخبار الأمم الماضية، والأمور اللاحقة كأشراط الساعة والحشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(9/5951)
الصغائر إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
أما بعد:
أنا أسأل على إن كان التدخين يعتبر من الكبائر، فأنا أدخن فقط وأصلي ولا أقوم بالكبائر ولكني مضطرب إزاء هذا التدخين هل يعني أنني أقوم بمعصيه أجيبوني جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التدخين حرام، وقد سبق بيان ذلك بالأدلة في الفتوى رقم: 1671 فليرجع إليها.
ولا ينبغي للمسلم التساهل بالذنب بحجة أنه ليس من الكبائر، فإن الصغائر إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته كما أن الذنب وإن كان صغيرًا إذا صاحبه إصرار عليه أصبح كبيرًا، ولذلك يقول العلماء: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة مَنْ عصيت.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وجاء ذا بعودٍ حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه الإمام أحمد في مسنده.
وعلى هذا فننصح - الأخ السائل - بالمبادرة بالتوبة من التدخين وأن يجاهد نفسه لله حتى تطاوعه على تركه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(9/5952)
السبيل الأقوم للسلوك في زمرة المتقين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصبح المسلم من الأتقياء ويكون كثير الدمعة عند سماع القرآن ومآسي المسلمين وكيف يصبح المسلم كثير التفكير بألاء الله وكيف يكون التفكر وماهو التفكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التقوى صفة عظيمة ومنزلة رفيعة بها ينجو العبد من عذاب ربه، وبها ينال الدرجات العلى في الجنة، وبها ييسر الله تعالى شأن صاحبها ويجعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
والتقوى هي أن تطيع الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، فكلما كان الإنسان أكثر طاعة لربه وأشد امتثالاً لأمره وأبعد عن محارمه كانت التقوى بحسب ذلك الامتثال للأمر والاجتناب للنهي، فافعل ما أمرك الله به واجتنب جميع ما نهاك الله عنه، عند ذلك ترتقي سُلَّم الأتقياء وتكون وليًّا من أولياء الله تعالى، القائل: إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ [الأنفال: 34] .
والقائل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62، 63] .
فبالتقوى يلين القلب ويخشع، وإذا خشع القلب دمعت العين خوفًا من الله تعالى ورجاء ما عنده، وهنالك أمور تلين القلب ويجعله خاشعًا:
أولاً: تلاوة القرآن بالتدبر والتأمل في آياته والاتعاظ بمواعظه والاعتبار بعبره، إذ هي الغاية من إنزاله، قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ [ص:29] .
وقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] .
ثانيًا: الإكثار من ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] .
وقال سبحانه: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] .
ثالثًا: التفكر في آيات الله الكونية، ومعنى التفكر: التأمل وإمعان النظر، فالتفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين، قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190، 191] .
فليتأمل في السماء كيف رفعت، وفي الأرض كيف سطحت، والجبال كيف نصبت، وإلى البحر العظيم وما فيه من مخلوقات الله الباهرة العظيمة، وهكذا التأمل في آلاء الله ونعمه وما سخره الله تعالى لعباده في هذا الكون من نعم وآلاء، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:13] .
وقال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] .
رابعًا: كثرة الدعاء، فإن الله تعالى قريب ممن دعاه، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] .
وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] .
وقال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل: 62] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(9/5953)
توجيهات لمن تبدل حالهم إلى الضراء من بعد السراء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أخت مسلمة من الجزائر. أراسلكم نيابة عن عائلتي التي تحييكم وتشكركم على مشوراتكم القيمة.
لأروي لكم مشكلتنا علنا نجد لديكم نصيحة أو حلا.
نحن عائلة متكونة من أب وأم 5 بنات و2 ذكور كنا نعيش حياة سعيدة تملؤها البهجة والسرور. كنا من المتفوقين في دراستنا يضرب بنا المثل. حالتنا المادية جيدة وفجاة تغير كل شيء دراستنا أصبحت ضعيفة. حالتنا المادية الحمد لله مع كل هذا أبي لا يأبه. لا يحاول العمل. وكلما نحاول محاورته لا نستطيع يتشاجر معنا. بالرغم من أنه عليه ديون كثيرة لكنه لا يأبه يشبع رغباته في الأكل. وفي كل ما يريده. كثير الشجار معنا لأبسط الأشياء خاصة مع أخوي. أما عن دراستنا فنحن نعمل المستحيل. لكن لاتوجد نتيجة تذكر نتمنى أن نجد لديكم نصيحة أو حلا تفيدوننا به، جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر - والعلم عند الله تعالى - أنكم قد ابتليتم بالفقر بعد ما كنتم في رغدٍ من العيش، فلم تصبروا، فأما أنتِ وأخواتك فقد أهملتم في دراستكم، وبالتالي فقد تبدل حالكم من تفوق سابق إلى تخلف حاضر، وأما أبوكم فقد تراكمت عليه الديون، وكأنه قد أيس من الوفاء بما عليه فأصابته حالة من عدم المبالاة فأصبح يهتم بإشباع رغباته دون النظر إلى العواقب، ومن لوازم الحالة التي يعانيها أنه لا يطيق الحوار والمناقشة، لا سيما إن كانت تتعلق بلب القضية، وكل ما حدث لكم بعد ما تعرضتم لتلك الهزة المالية ليس ببدع؛ لأن الواقع يشهد بأن كثيرًا من الناس ممن كانوا يعيشون على مستوى مالي ما إذا عجزوا لظرف طارئ عن الوصول إلى ما كانوا عليه فإنهم لا يطيقون التأقلم مع الوضع الجديد، وبالتالي تتأثر حياتهم سلبًا فيحدث مثل ما حدث لكم، بل ربما أكثر، وطريق العلاج لمشكلتكم أن تلجأوا إلى ربكم، وأن تسألوه تعالى أن يكشف ما بكم من كربة، وأن تكثروا من الاستغفار وهو له أثر مادي وروحي عظيم على العبد، قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10 - 12] .
وعليك أنتِ وإخونك أن تتواصوا فيما بينكم بالجد والاجتهاد في دروسكم حتى تعودوا إلى سابق عهدكم من التفوق في دراستكم، وعليكم جميعًا أن تصبروا على والدكم، وأن تجتهدوا في التقرب منه، والاستزادة من البِرِّ له حتى يتجاوز هذه المحنة التي يمر بها، ولا بأس بأن تستعينوا بأمكم أو بذوي الرأي من أقاربكم حتى ينصحوه ويذكروه بألاَّ يستكين لما أصابه، بل يعلم أن لكل جواد كبوة، وأنه بإذن الله قادر على تجاوز هذه المحنة إذا استعان بالله تعالى وأحسن اللجوء إليه سبحانه، وأخذ بأسباب النجاح، ولا بأس كذلك بل هو الأفضل إن كان في إخوانك الذكور من عنده قدرة على التكسب والعمل أن يهبوا لمساعدة أبيهم.
هذا؛ وقد يكون ما أصابكم بسبب العين، وعليكم والحالة هذه أن تفزعوا إلى القرآن وأن تتحصنوا بالرقى الشرعية من كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بأس بأن تستعينوا براقٍ ذي خبرة ودين يرقي لكم بالرقى الشرعية الثابتة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(9/5954)
آيات في نعمتي الشمس والقمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أهميه الشمس والقمر من القرآن والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكلام عن هذا طويل، ولكن لا بأس في ذكر بعض الآيات الدالة على ذلك:
- قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يونس:5] .
- وقال سبحانه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ [القصص:71، 72] .
- وقال سبحانه: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمَّى [فاطر:13] .
- وقال سبحانه: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم:33] .
- وقال سبحانه: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً [نوح:16] .
والآيات في هذا كثيرة جدًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1423(9/5955)
فضيلة التعفف عن الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في إحدى الأيام في أحد الدول العربية مع أحد أصدقائي وسكنا بفندق مشبوه ولم نكن ندري.
في الليل خرجنا من الغرفة ورأينا فاسقة راودتني عن نفسي قبل صديقي وأنا رفضت وكان الذي كان ...
السؤال/ هل أكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله لرفضي عرضها؟
وتقبلوا فائق شكري....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يثبتك على الخير والهدى وأن يجعلك من عباده الصالحين.
واعلم أخي أنك إن صدقت النية وقصدت وجه الله بذلك الفعل فأنت من ذلك الصنف إن شاء الله فهنيئاً لك، وانظر الفتوى رقم:
17692 - والفتوى رقم:
16898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(9/5956)
من دعا إلى معصية وتاب وبقي فسادها ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيكم بتحية الإسلام فلكم مني أطيب سلام ... وبعد:
باختصار شديد ... قبل بلوغي كنت أمارس العادة السرية وقد علمتها لصديقتي ثم انقطعت علاقتي بها والتزمت أنا وتركت تلك العادة المشئومة ولم أعرف شيئا عن صديقتي إلا مؤخراً ... أنها قد فعلت الفاحشة والأمر قد عرف ... أخشى ما أخشاه أن أكون قد أخذت مثل ذنوبها لأني أول من علمتها شيئا كهذا ومع العلم أني قد كنت نسيتها تماما ولم تحن لي فرصة لأسألها إن كانت مستمرة على تلك العادة أم لا ... أفيدوني أفادكم الله ... فذلك الموضع يزيل النوم من أجفاني ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت قد فعلت ما فعلت قبل بلوغك فلا شيء عليك إن شاء الله لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ: وعن الصبي حتى يحتلم (أي يبلغ) وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد وغيره.
وإن كنت فعلت ذلك بعد بلوغك فقد اقترفت إثماً عظيماً، ولربما كان تعليمك لصديقتك ذلك الفعل القبيح سبباً في وقوعها بعد ذلك في الفاحشة الكبرى ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكل من دعا غيره إلى إثم أو ضلالة كان عليه مثل وزر من عمل بها في كل مرة، وكذا ورز من اقتفى أثر من عمل بها.
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً.
ومع ذلك فإذا اعترف العبد بذنبه وأقبل على الله بصدق وتاب إليه خوفاً منه وتعظيماً له ورجاء عفوه فإن الله يفرح بتوبة عبده ويغفر له، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار [التحريم:8] .
والحاصل أنك بتوبتك النصوح تكونين قد أتيت بما وجب عليك ولو بقيت من دعوتيها إلى هذا المنكر ممارسة له أو داعية إليه.
قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا ... فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع ... عن بث بدعة عليها يتبع.
وأما صديقتك تلك فعيك بزيارتها ومناصحتها برفق ووعظها وترغيبها في التوبة وتخويفها من عذاب الله وإرشادها إلى الطريق السوي وربطها بكتاب الله وكوني خير معين لها على ذلك ولك الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(9/5957)
من مارس الحب قبل الزواح تلزمه التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في المرأة مارست الحب مع زوجها لكن قبل الزواج وقبل الخطبة وكيف تكفر عن ذنبها وما هو ذنبها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يسمى بممارسة الحب مع أي أجنبي ولو كان خطيباً أمر لا يجوز شرعاً وهو من المنكرات التي يجب القضاء عليها، لكن من فضل الله تعالى ولطفه بعباده أنه يقبل توبة من تاب إليه وأناب، ولو كانت معصيته الشرك بالله تعالى، لذا فننصح السائلة بالتوبة والاستغفار مما سبق والعزم على عدم العودة إلى مثله أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(9/5958)
إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي زميل في العمل طرح علي سؤالا، أنا شاب ملتزم لكن في يوم من الأيام وفي حالة ضعف الإيمان وقعت في الزنا وبعد ذلك تبت إلى الله توبة نصوحاً لكن الشيطان ظل يوسوس لي بأنني من أصحاب النار، فبماذا سوف أجيبه وشهر رمضان على الأبواب، وحالتي النفسية متدهورة؟ وجزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب التي رتب الله عليها العقوبة في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68، 69] .
وغير ذلك من الآيات في وعيد الله تعالى لمرتكب هذه الفاحشة.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الرؤيا الطويل: ... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة ... فقلت من هذا.. إلى أن أخبروه قائلين: فإنهم الزناة والزواني ... رواه البخاري.
وغير ذلك من الأحاديث في بيان وعيد الله تعالى في الزناة والزواني.
لكن الذي ينبغي أن يُعلم أن هذا الوعيد لا يلحق التائب، وهذا واضح في قوله تعالى: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:68- 70] .
وقال تعالى:: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] .
وقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] .
فالوعيد ينتفي عن الشخص إما بتوبة وإما بحسنات يفعلها تكافئ سيئاته، وإما بمصائب يكفِّر الله بها خطاياه كما في الحديث: ما يصيب المؤمن من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا غمٍ ولا حزنٍ ولا أذىً حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه. رواه البخاري ومسلم.
فالمقصود أن العبد إذا أذنب ثم تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه وغفر له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: ... وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. رواه البخاري.
فلا مجال بعد هذا الذي نقلناه من نصوص الكتاب والسنة لليأس والقنوط، ليستبشر التائب بهذا الترحاب الغامر والأمل الواسع الأكيد، وليدع عنه وساوس الشيطان، فإنه إما أن يقنطه من رحمة الله أو يأمنه من مكر الله، وكلا الأمرين يحرمان العبد من الوصول إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(9/5959)
عوامل الاستقامة على الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أبلغ من العمر 32 سنة ولم أتزوج بعد لقد كنت مذنبة كثيرا وعاقة لوالدي وهو قد توفي الآن أريد أن أتوب توبة نصوحا وأن يغفر الله لي ذنوبي وأن يرزقني الزوج الصالح والذرية الصالحة أريد أن أغير حياتي لكن لا أستطع ذلك فماذا يجب أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطاعة الوالدين من أعظم القربات، وهما بابان إلى الجنة وكفارة ما فعلت التوبة والاستغفار والندم وكثرة الطاعات وفعل القربات وبذل الصدقات، لعل الله أن يتوب عليك.
وانظر الفتوى رقم: 11287.
وأما عوامل الاستقامة وأسباب الهداية فمذكورة في الفتاوى التالية أرقامها: 16976، 22198، 23498، 15219، 21743.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(9/5960)
كن سببا في هداية من أضللت كما كنا سببا في غوايته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم مساعدتي أنا فتاة لم أكن ملتزمة من قبل ولكن الله هداني إلى الحق فله الحمد ولكن كنت قبل التزامي على علاقة بشاب من أقاربي ولكني لم أفقد بكارتي ولكن المشكلة أني أنا السبب في انحراف ذلك الشاب وأشعر بالذنب لذلك فماذا أفعل لاتبرأ من ذنبي؟ حيث أنك تعلم يا فضيلةالشيخ أنه من دل على إثم فله مثل أجره فما هي نصيحتك لي ولذلك الشاب؟
وأشكر لك رحابة صدرك لقراءة رسالتي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتك عليها.
وأما ذلك الشاب الذي كنتِ سبباً في انحرافه فينبغي عليك الآن أن تكوني سبباً في هدايته، وذلك بحثِّه على التوبة والرجوع إلى الله تعالى بالوسيلة، والأسلوب المناسب بأن تسلطي عليه أهل الصلاح بواسطة محارمك من الرجال أو بواسطة أزواج صديقاتك.
وإياك ثم إياك أن يكون لك أي اتصال مباشر به، فإن ذلك ربما أعادكما إلى سابق العهد وأجواء الإثم، ثم إذا بذلت الوسع في هدايته على وفق ما ذكرنا فقد أتيت بما عليك، فإن تاب إلى الله فلنفسه ولك أجر هدايته، وإن أبى فقد أتيت بما عليك ولا شيء عليك؛ لأنك قد فعلت ما في وسعك ولست مكلفة بإلزامه بالهداية، وقد قال الله تعالى لرسوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(9/5961)
ولوج باب التوبة ميسور
[السُّؤَالُ]
ـ[انا لا أستطيع أن أتوب إلى الله بسهولة مع أني متدين ومنتمي إلى جماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والهداية والاستقامة على طريق الخير، ولتعلم أن باب التوبة مفتوح، ومن الذي يمنعك من التوبة أو يجعلك لا تستطيعها، والله تعالى يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
فما عليك إلا أن تتجه بقلبك إلى الله عز وجل مخلصاً نادماً على ما فات، وترطب لسانك بذكر الله تعالى والاستغفار.
ومما يعينك على ذلك الالتجاء إلى الله تعالى بكثرة الدعاء له، وخاصة في أوقات الإجابة، وكذلك المحافظة على أداء ما افترضه الله تعالى عليك، وكذلك مصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى، والحذر من قرناء السوء والبعد عنهم، فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
ولتعلم أن التوبة ليست نافلة من النوافل إن شاء العبد فعلها وإن شاء تركها، بل هي فرض على كل مسلم، أمر الله تعالى بها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة. رواه مسلم
وعليك ألاَّ تغتر بكونك متديناً أو منتميّاً إلى جماعة، فكل ذلك لا ينفعك إلا إذا تبت إلى الله تعالى، وأخلصت له العمل، واتبعت سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1423(9/5962)
الخوف من الله ... معناه وأثره وكيفية اكتسابه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الخوف من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معنى الخوف من الله تعالى هو: استشعار عظمته والوقوف بين يديه، وأنه يعلم سر العبد وجهره، قال تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:13، 14] .
وقال تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] .
فإذا علم المؤمن أن الأنفاس تعد عليه، وأن الحفظة الكاتبين يراقبون أعماله، وأنه حيثما حلَّ متابع، وأن طريق الهروب من الله مسدود، ولا حيلة له إلا الاستسلام والانقياد والإقبال على طاعة الله، والاستفادة من المهلة الممنوحة له، إذ لا يدري متى يتخطفه الموت، ويصير إلى ما قدم.
إذا علم كل ذلك تحصل عنده خوف الله وعاش معنى الخوف، وكان من الخاشعين الموقنين، الذين لا يرى الشك إلى قلوبهم سبيلاً، ولا تنتهي عزائمهم ولا تفتر قواهم، ولا تكسل جوارحهم؛ لأن تفكيرهم منصب على كسب الخير، وجمع ما يمكن من أسباب العبور إلى دار الكرامة، وهم منشغلون بأهوال موقف الحساب وعرض الأعمال، وترقب نتائج أعمالهم في الدنيا، فهم فيها غرباء يمشون بأجسادهم وأنظارهم مقبلة على الآخرة، لا يستكثرون أعمال البر، ولا يحتقرون المعاصي؛ لأنهم لا يأمنون مكر الله تعالى، قال عز من قائل: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] .
جعلنا الله وإياك من الذين يرجون رحمته ويخافون عذابه.. آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1423(9/5963)
لا بأس بالذهاب إلى الأماكن التي حرق فيها النازيون اليهود للاعتبار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في النرويج وعندي 15 سنة، قريباً سأطلع رحلة مع المدرسة إلى ألمانيا وهناك نشوف أماكن التي هدف فيها النازيون اليهود هل يجوز ذلك أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تجوز الإقامة في بلاد الكفار إلا لضرورة أو حاجة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2007.
كما لا يجوز التنقل في بلاد الكفار بغرض النزهة والسياحة ونحوهما لما فيه من التعرض للفتن.
وأما الذهاب إلى الأماكن التي حرق فيها النازيون اليهود، فلا بأس به، لا سيما إذا كان ذلك على سبيل التفكر والاعتبار، وتذكر نهاية الظالمين والمفسدين كما في الفتوى رقم: 21666 ما لم يترتب على الذهاب إلى تلك الأماكن مصلحة لليهود، وكسب تعاطف معهم ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(9/5964)
الصبر على البلاء غنم للمؤمن والرقية الشرعية جائزة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم:
مررت بتجربة زواج مريرة سابقا ثم خلصني الله منها بدون إنجاب أطفال والآن منَّ الله علي برجل طيب وكريم ومرت سنتان على زواجنا وخلال هذه الفترة حملت ثلاث مرات ثم أسقط الجنين منذ بداية الحمل أو في بداية الشهر الثاني وقال لي بعض الناس ممن لهم علم بذلك والله أعلم أنه ربما يكون عين أوسحر أو مس شيطاني أو ربما يأتي الجن ويسرق مني الجنين أو ربما يكون أحدهم قد عمل لي عملاً أي سحراً بهذا الخصوص لوجود عداوة علي مع آخرين مع العلم أنني عملت جميع التحاليل الطبية وجميعها سليم وأنا لا أجهد نفسي أبداً بل أبقى في السرير والحمد لله فأنا أصلي وأقرأ القرآن على الدوام ومؤمنة بالله تعالى فحتى لا أتوه مع المشايخ وغيرهم أرجو مساعدتي بالحل والسبب المتوقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نذكر -الأخت- أولاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم وغيره.
فكل ما يصيب هذا المسلم في الدنيا من المصائب والرزايا بما فيها الحرمان من الذرية أو موتها كلها يعوضه الله تعالى للمسلم بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب، هذا بالإضافة إلى أن المسلم مطلوب منه التسليم لقضاء الله تعالى والرضا بقضائه.
فإذا ما أصيب بمصيبة أو ابتلي فعليه أن يصبر لله تعالى، ويتوكل عليه، وهذا لا ينافي الأخذ بالوسائل التي قد تكون سبباً بإذن الله تعالى في رفع البلاء وعلاج الداء، من رقية شرعية أو علاج مادي، ومن هذا المنطلق نقول للسائلة: لا حرج عليك إذا كنت تظنين أنك مصابة بسحرٍ أو نحوه أن تسترقي عند من عرف بالصلاح والورع.
وقد سبق أن أجبنا عن ضوابط الرقية الشرعية في الفتوى رقم:
4310.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(9/5965)
ما تخشاه على أهلك لا مبرر له بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كان لي في الماضي نزوات نسائية والآن الحمد لله تبت ولكني أخشى على أهل بيتي مما كنت أفعل حيث الحديث "افعل ما شئت كما تدين تدان"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك وأن يعصمك من الزلل ويحفظ أهلك مما تكره، وحيث إنك قد تبت وندمت على ماضيك واستقمت على أمر الله، فإن الله سبحانه يقبلك ويتوب عليك وهو الكريم التواب الغفار، قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
بل يبدل الله سيئاتك حسنات، قال سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68 -70] .
وإذا تاب الله عليك قبلك، وما تخشاه على أهلك فلا مبرر له بعد التوبة، ولا يلزم وقوعه، ولكن قد يأخذ من له حق عندك حقه يوم القيامة من حسناتك إذا لم يسامحك، فعليك بالإكثار من الصالحات حتى إذا ما أخذ منك يوم القيامة من حسناتك لمن ظلمتهم في عرضهم لم تنقص حسناتك إلى أن يخف ميزانك، والحديث الذي ذكرته حديث ضعيف كما هو مبين في الفتوى رقم:
19031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1423(9/5966)
الصيام والتصدق لتحصيل عرض الدنيا.. حكمه، وأحواله.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من يصوم ويتصدق حتى يقضي الله له أمراً في نفسه وهل هذا جائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن صام أو تصدق يريد بذلك وجه الله وتحصيل غرض من أغراض الدنيا، فإن عمله صحيح ويثاب على قدر ما أخلص من عمله إذا كان الباعث الأصلي على العمل هو إرادة وجه الله.
وأما من عمل عملاً لا يريد بذلك إلا حظاً من الدنيا فليس له إلا ما نوى، قال تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون*أؤلئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ... ) روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:: من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا يقول الله أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمل التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.
ويقول صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد نقلاً عن محمد بن عبد الوهاب: فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس، وترك ظلم ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصاً لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته أو حفظه أهله وعياله أو إدامة النعم عليهم، ولا همة له في طلب الجنة، والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب، وهذا النوع ذكره ابن عباس رضي الله عنهما. ا. هـ
ولعله يشير إلى ما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ذكرناه قبل، وهذا كلام شاف كاف في بيان أن من لم يرد بعبادته إلا حظاً من الدنيا ولم يكن له همٌّ في الآخرة أو طلب الجنة أو رضى الله سبحانه أنه ليس له في الآخرة نصيب من أجر على هذا العمل، فإن كانت له أعمال أخرى جوزي بها، وإلا كان من الخاسرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1423(9/5967)
استخراج كنوز الأرض يتحقق في غير ما ذكر السائل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال هل يمكن أن تستخرج كنوز من تحت الأرض بواسطة قراءة القرآن وكيف يتم ذلك حيث أن هناك أناساً فعلوا ذلك وشكراً حفظكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلنا الله تعالى على ما يفتح لنا كنوز الأرض وبركات السماء، فقال عز وجل: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وقال تعالى عن أهل الكتاب: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) وقال صلى الله عليه وسلم: " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً." رواه الترمذي وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني والأرناؤوط.
وقال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً* يرسل السماء عليكم مدراراً*ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) [نوح:10-12]
فالتقوى والعمل بالكتاب والسنة والتوكل على الله تعالى والاستغفار من أهم مفاتيح كنوز الخير في الدنيا والآخرة.
ومجرد تلاوة آيات من القرآن يطمع المرء من ورائها خروج كنز يراه بعينه ليس من شرع الله في شيء، وما هو إلا داعية من دواعي الكسل، وترك الأخذ بأسباب الرزق الحقيقية، وإننا لننصح السائل وإخواننا المسلمين بعدم السير خلف هذه الأمور لما في ذلك من الخطر الكبير على عقيدة المسلم والمجتمع من حوله، بل على من سمع ذلك أن ينفيه ويطوي ذكره عن الناس، والله تعالى يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1423(9/5968)
الحكمة من الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما سبب ابتلاء المؤمن في الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى لا يخلق شيئاً في الكون إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى، قال عز وجل (والله خلقكم وما تعملون) كما أن ما ينزل على العباد من بلاء مخلوق لله، ولا يقضي ولا يشاء عبثاً، بل كل ذلك لحكمة بالغة، فهو سبحانه العليم الحكيم، وقد سبق بيان الحكمة من الابتلاء في الجواب رقم 13270
كما سبق بيان ما يعين على تجاوزها بالصبر عليها في الجواب رقم 19002 والجواب رقم 5249
ولمعرفة ثواب الصابرين على الابتلاء راجع الجواب رقم 3499 والجواب رقم 10454
ولمزيد من الفوائد راجع الفتاوى التالية أرقامها: 9803 19686 22830
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1423(9/5969)
الذنوب من حيث المغفرة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر الله عز وجل الذنوب جميعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذنوب على قسمين:
الأول: ما تاب منه العبد، وهذا يغفره الله جميعاً إذا صدقت التوبة.
والثاني: ما لم يتب منه العبد، وهو قسمان:
الأول: الكفر وهذا لا يغفره الله تعالى، قال سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به.
والثاني: ما دون الكفر، وهذا تحت مشيئة الله إن شاء غفره وإن شاء لم يغفره، قال سبحانه:.....ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية أرقامها:
16907 2969 5646
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1424(9/5970)
الخوف والرجاء في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء مساعدتي في الحصول على الآيات التي تتحدث عن الخوف من الله والرجاء في الله
ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف من الله عز وجل عبادة عظيمة وهي من أنفع العبادات للقلب، وقد فرضها الله عز وجل على عباده في آيات كثيرة من القرآن، قال الله سبحانه وتعالى: (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) [آل عمران:175] وقال سبحانه: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) [النحل: 51]
وقال سبحانه: (فلا تخشوا الناس واخشون) [المائدة:3] ومدح سبحانه أهل الخوف في آيات عديدة فقال سبحانه: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) وقال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
ووصف الأنبياء بأنهم أصحاب خوف فقال عنهم: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا وكانوا لنا خاشعين)
والآيات في الخوف كثيرة، ولمعرفتها يمكن الرجوع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي في المواد: خوف -خشية-رهب- وجل، وقد تكلم العلماء رحمهم الله عن الخوف من الله عز وجل ومنزلته من الدين بكلام نافع جميل مثل ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، فقد أفرد الخوف من الله بفصل خاص من فصول الكتاب، وعنون له بقوله: فصل: منزلة الخوف.
فليرجع، إليه فإنه كلام كثير النفع عظيم الفائدة.
وأما آيات الرجاء فكثيرة أيضاً منها قوله سبحانه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم)
وقوله سبحانه: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان:70]
والآيات في هذا المعنى كثيرة، يمكن جمعها بواسطة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن في المواد: توب-غفر-رحم-رجو، فليرجع إليه.
ومن الكتب المهمة التي ينبغي قراءتها لفهم موضوع الرجاء كما ينبغي كتاب الجواب الكافي لابن القيم رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1424(9/5971)
اتباع السنة في زماننا يعد من جهاد النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة هل اتباع السنة في وقتنا الحالي من كل ما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة يمكن اعتباره جهاداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ذلك من الجهاد لقوله صلى الله عليه وسلم: المجاهد من جاهد نفسه لله أو قال: في الله عز وجل. رواه أحمد.
وانظر الفتوى رقم:
17168 - والفتوى رقم:
22382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(9/5972)
من تاب من الذنب فكأنه لم يرتكبه
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد ذنوب تحبط الأعمال فهل التوبة ترجع تلك الأعمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة تجب ما قبلها كائناً ما كان، ويشمل ذلك ما كان من الذنوب فيه إحباط للأعمال، كشرب الخمر، والردة.
وعليه، فمن تاب من ذنب يترتب عليه إحباط للعمل، فإن عمله المحبط يرجع إليه إن شاء الله، ومما يدل على ذلك:
- قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] .
فإذا كانت السيئات تنقلب إلى حسنات، فمن باب أولى أن ترجع الحسنات إلى حسنات.
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب، كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه، وحسنه ابن حجر.
وهو عام، فمن تاب من الذنب فكأنه لم يرتكبه أصلاً، بل ينقلب إلى حسنة، وراجع الفتوى رقم: 12276.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(9/5973)
الاستغفار ... فضيلته وثمرته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بما يشاء المسلم في الجلوس بين السجدتين؟ وهل فضل الدعاء بعد الركوع وأجره كما يفعل الأئمة أكبر من أجره بين السجدتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمشروع بعد الاعتدال من القيام هو الذكر والثناء على الله سبحانه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 21115، والمشروع في الجلوس بين السجدتين هو الدعاء والسؤال، كما هو مبين في الفتوى رقم: 4713.
كما يشرع له في القيام قراءة القرآن، وتتفاوت فيما بينها أجناس هذه المذكورات تتفاوت في الفضل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الأذكار، كما أن جنس الأذكار أفضل من جنس الدعاء. انتهى
فأفضل الذكر بعد قراءة القراء ما كان ثناء على الله سبحانه، وهذا مقدم على سؤال العبد وطلبه لنفسه، لحديث: "من شغله ذكري عن مسأتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين".
ولأن الثناء يتضمن مقصود الدعاء، والثناء يستلزم الإيمان بالله وتوحيده بخلاف الدعاء، فقد لا يستلزمه، فالكفار يسألون الله، فيعطيهم كما أخبر الله عنهم في للقرآن في غير موضع، فدعاؤهم لم يستلزم توحيدهم بخلاف ثناء المؤمن على ربه، وهذا الذي ذكرناه من التفاوت في الفضل هو الأصل، وقد يخرج عنه.
يقول شيخ الإسلام: العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من ذلك. انتهى
وذلك مثل أن يقترن المفضول بزمان أو مكان أو عمل أفضل، ففي حال الركوع والسجود يفضل الذكر والدعاء على قراءة القرآن، فقد جاء النهي عن قراءة القرآن في هذين الموطنين.
فأفضل عمل أثناء الصلاة أن يأتي الإنسان بالقراءة في موطنها، والذكر في موطنه والدعاء في موطنه.
قال شيخ الإسلام: وأفضل العبادات البدنية الصلاة، وفيها القراءة والذكر، والدعاء وكل واحد في موطنه مأمور به. انتهى
والحاصل أنه يجوز لك أن تدعو بما شئت أثناء القيام أو الركوع أو بين السجدتين، ولكن الأفضل لك أن تأتي في كل موطن من مواطن الصلاة بما هو مأثور فيه من الذكر نوعاً ولفظاً.
قال شيخ الإسلام: ويجوز الدعاء في القيام أيضاً وفي الركوع، وإن كان جنس القراءة والذكر أفضل، فالمقصود أن سؤال العبد لربه السؤال المشروع حسن مأمور به. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(9/5974)
يوم التوبة خير يوم يمر على التائب
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا شاب تبت إلى الله بعد أن ارتكبت الكثير من المعاصي فقد تركت الصلاة بحيث أصلي فرضا وأترك ألفا وأفطرت شهوراً من نهار رمضان وأجامع زوجتي في نهار رمضان ومارست الزنا وأحلف بالطلاق على زوجتي على أن تقوم ببعض الأشياء وهي لا تنفذ هذا الطلاق أحيانا وأنا لا أقصد الطلاق لها إنما الردع وقد أخذت أموال الناس ولا أدري كيف أرجع الأموال فبعضهم قد انتقل إلى ربه وآخرون لا أستطيع إخبارهم أني أخذت من أموالهم فضيلة الشيخ أنا حيران جداً فلا أدري ماذا أعمل بعد كل ما فعلت فلا أدري كم صلاة تركت ولا كم شهرا أفطرت ولا كم أياما جامعت وهل امراتي بانت مني أم لا أرجو الرد علي سريعا والدعاء لي بالثبات على الاستقامه على دين الحق ولكم الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -أخي الكريم- أن التوبة تَجُبّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتائب حبيب الله، فيوم توبتك هو خير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فأبشر بالراحة والسعادة والطمأنينة، وإياك والقنوط واليأس والحيرة، ونحو ذلك، فإن كل ذلك من الشيطان ليفسد عليك توبتك. إلا أن هناك بعض الواجبات يجب عليك القيام بها بعد توبتك وهي:
أولاً: قضاء ما تركته من الصلوات.
ثانيًا: قضاء ما أفطرته من رمضان، وما دمت لا تجزم بتحديد عدد الصلوات التي تركتها والأيام التي أفطرتها فاجتهد وتحرَّ بقدر الاستطاعة واقضِ ما تظن أن ذمتك تبرأ به عند الله تعالى، ولا تؤاخذ بما لم تفعله بعد ذلك إن بقي عليك شيء منهما؛ لأنك قد فعلت ما في وسعك.
وأما جماعك لزوجتك في نهار رمضان أو مقارفة الزنى فيه فهو على قسمين:
أولهما: أن تفعل ذلك وأنت صائم فالواجب عليك قضاء الأيام وكفارة لكل يوم جامعت فيه وأنت صائم، والكفارة هي عتق رقبة، وهي غير موجودة في هذه الأيام، ولذا فصم شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكينًا.
والثاني: أن تفعل ذلك وأنت مفطر، فالواجب عليك قضاء الأيام فقط دون الكفارة.
وأما حلفك على زوجتك بالطلاق معلقًا على فعلها لشيء أو تركه ولا تنفذ ما علقت طلاقها عليه فالراجح من أقوال العلماء أنها تطلق سواء قصدت الطلاق أو لم تقصده، ولذا فإن كنت قد حلفت بطلاقها واحدة في المرة الأولى ولم تراجعها حتى انقضت عدتها فإنها تبين منك بينونة صغرى، والواجب عليك الآن إن أردتها أن تبقى زوجة لك أن تذهب إلى وليها فيجدد لك العقد بحضور شاهدي عدل ومهرٍ جديد.
وإن كنت حلفت بطلاقها ثلاثًا في المرة الأولى فإنها تبين منك بينونة كبرى، ولا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك بشرط عدم تواطئك معه على تحليلها لك.
وأما الأموال التي أخذتها من أصحابها فمن علمته منهم وجب عليك رد ماله إليه إن كان حيًّا أو إلى ورثته إن كان ميتًا إما بطريق مباشر إن استطعت، وإما بطريق غير مباشر بأن يكون ذلك بوضعه في ظرف وكتابة رسالة معه ووضعه في مكان خاص بصاحبه وتكون هذه الرسالة فيها بيان أن هذا المال له وأنه أعاده إليه تائب إلى الله يرجو براءة ذمته، والستر على نفسه أو أعطه شخصًا أمينًا يعطيه إياه ولا يخبره باسمك ويطلب منه العفو والسماح.
وأما الأموال التي لا تعرف أصحابها ولا أمل لك في العثور عليهم، فتصدق بها عنهم وعليك بالدعاء والاستغفار ومجالسة الصالحين، وأهل العلم فإنهم خير معين لك على الثبات على التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1423(9/5975)
هل تسبح الله جوارح الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جوارح الكافر تسبح؟ علما بأن المسلم جوارحه تسبح، لقول الرسول
- صلى الله عليه وسلم - (ما من يوماً يصبح العبد فيه إلا والجوارح تكفر
اللسان وتقول اتق الله فينا فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا)
صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... أفتونا جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر من قوله تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44) أن أعضاء بدن الكافر تسبح الله تعالى وتسجد له، لدخولها تحت عموم قوله تعالى (ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فكل شيء يسبح الله تعالى بطريقته ولغته، كما قال تعالى (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (النور: من الآية41) أما الحديث الوارد في السؤال فهو في الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول له: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " والحديث حسنه الألباني
ومعنى قوله " تكفر اللسان" أي تتذلل وتتواضع له.
والحديث عام في بني آدم وليس فيه ما يدل على أنه خاص بالمسلم، وكذلك ليس ظاهره ما يدل على أن الأعضاء تسبح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(9/5976)
التقوى معناها وحقيقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي التقوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال ابن كثير رحمه الله: وأصل التقوى التوقي مما يكره، لأن أصلها وقوى من الوقاية. انتهى
وحقيقة التقوى فعل المأمورات واجتناب المنهيات.
قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى. قالوا: يا أبا علي: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك. قال: بلى. قال: فما عملت. قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى، وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال: خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى، واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى، لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى. انتهى
ولمزيد فائدة راجع الفتويين التاليتين:
11844
23957.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1423(9/5977)
التوبة الخالصة والندم ورد الحقوق تذهب بالسيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[اضطررت إلى ارتكاب معصية من أجل الوقوف بجانب أهلي فلم يكن لي خيار في ذلك علما بأنني أخشى الخالق جل وعلا لكبر الوازع الديني عندي ولكني أحس الآن بكبر الذنب الذي ارتكبته ولكن الظروف لم ترحمني وخاصة أنني كنت أحاول مساعدة والدي وهذا ما دفعني لارتكاب ما فعلت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى من كل معصية وذنب يقترفه، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (التحريم: من الآية8) (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: من الآية31) وإن كان قد ترتب على معصيتك إلحاق ضرر بآخرين أو تفويت حق لهم، فالواجب عليك أن تتحلل منهم وأن ترد الحق إليهم، وهذا شرط لا تصح التوبة بدونه حيث كان الذنب متعلقاً بالغير، ولمعرفة شروط التوبة، انظر الفتوى رقم 5450
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1423(9/5978)
ما يحول العادات إلى عبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجعل الإنسان من أعماله اليومية عبادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يحول الأعمال العادية إلى أعمال يؤجر المرء عليها وتبقى في صحيفة أعماله هو النية الصالحة، كأن ينوي بأكله وشربه التقوي على طاعة الله أو يزواجه إعفاف نفسه وإعفاف زوجته عن الزنى، وينوي طلب الولد الصالح الذي يعبد الله، ويدعو إلى الله لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة " رواه البخاري وفي البخاري أن معاذاً قال لأبي موسى: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي، وفي رواية: أحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي.
قال الحافظ: وحاصله أنه يرجو الأجر من ترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط عند القيام وفي الحديث من الفوائد..
أن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما الفتح 12/364.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1423(9/5979)
ترك الصلاة والعبادة انتكاس خطير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عربي أحب الاسلام وأغار عليه وكنت منذ الصغر أقوم بما يرضي ربي لكن في الفترة الأخيرة تغيرت حياتي كثيراً وأصبحت عصبياً وأتاثر بعوامل كثيرة تدور حولي بمعنى آخر تركت الصلاة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنفس البشرية لها إقبال وإدبار، فتارة تنشط وتارة تفتر، لكن المسلم إذا فتر من طاعة فإلى طاعة أخرى لا إلى المعصية وترك الواجب، لأن هذا ليس فتوراً هو انتكاس. فعليك بمعالجة ما حصل لك بما هو مبين في الفتوى رقم 17666 ويلزمك سلوك طريق الاستقامة بالطرق المبينة في الفتوى رقم 1208
والفتوى رقم 21743
ويجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من ترك الصلاة واستشعار عظم هذا الذنب الذي قد يكون كفراً مخرجاً من الملة كما هو مبين في الفتوى رقم 6061
واضرع إلى الله بالدعاء أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته فهو نعم المعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1423(9/5980)
ثواب من عفا وصفح عن زلات إخوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[* إذا أخطأ أحدهم في حقي وسامحته، فما فضل ذلك؟ وهل ذلك يحرمني من الحصول على حسنات من ذلك الشخص يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من عفا وصفح عن زلات إخوانه، فإن الله تعالى وعده بالعفو والصفح عنه وإثابته والإحسان إليه.
قال الله عز وجل: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النور: 22] وقال: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:40] وقال: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:43]
وقال في صفات المتقين: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134] .
وجاء في فضل العفو قوله صلى الله عليه وسلم: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " رواه مسلم.
وإذا عفا العبد وأسقط حقه في الاقتصاص من المسيء إليه لم يكن له أن يأخذ من حسناته يوم القيامة، لكن ما يناله من الله على عفوه أعظم من ذلك وأوفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1423(9/5981)
الموقف حيال أصحاب المعاصي بين الشفقة والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد معرفة رأي الإسلام بالساقطات من النساء في هذا العالم ومن نساء المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي أن يكون موقف المسلم من أصحاب المعاصي عموماً، ومن الساقطات هو الشفقة عليهم والرحمة بهم، والدعاء لهم بالهداية، ودعوتهم إلى الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق عليه.
ومن جهة أخرى يكرههم لأجل ما ارتكبوا من المحرمات، وما انتهكوا من حدود الله تعالى.
ومن أجل ذلك يقاومهم ويبين جرائمهم وخطورتهم على المجتمع حتى لا يغتر بهم الأغرار وضعفاء العقول.
على أن يكون ذلك بالحكمة والرفق، كماهو هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه" رواه البخاري ومسلم.
هذا من ناحية الأفراد وعموم الناس.
أما أولياء الأمر، فيجب عليهم أن يأخذوا على أيدي الظلمة ... وأن يقيموا حدود الله على كل من انتهك حداً من حدود الله، فقد روى الترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس إذا رأوا ظالماً ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1423(9/5982)
تلازم الإيمان والعمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآيات التي تقرن الايمان والعمل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآيات القرآنية التي تقرن بين الإيمان والعمل الصالح كثيرة جداً، منها قوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ... ) وقوله تعالى في آخر سورة الكهف (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (الكهف:107)
إلى غير ذلك من الآيات التي يجدها القارئ لكتاب الله تعالى واضحة جلية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1423(9/5983)
لا فضل لمن ولد من أبوين مسلمين على غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما فضل من ولد من أبوين مسلمين على من ولد من أبوين غير مسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على نص من نصوص الشريعة يفضل مسلماً ولد من أبوين مسلمين على مسلم ولد من أبوين غير مسلمين.
بل إن ما يفهم من نصوص القرآن والسنة هو أن التفاضل في الإسلام هو بالعمل والتقوى فقط، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)
ولا شك أن للتربية والبيئة التي ينشأ بها الإنسان أثراً عظيماً وتوجيهاً واضحاً في معتقداته وسلوكه وأخلاقه..
مع أن كل مولود يولد على فطرة الإسلام.
ولهذا حكم العلماء بإسلام كل مولود يولد من أبوين مسلمين أو أحدهما أو في بيئة مسلمة ولا يعرف له أب ولا أم، وأوجبوا صلاة الميت على كل مولود استهل صارخاً ولو كان ولد زنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(9/5984)
هل تتحقق التوبة من المعاصي بالتدريج
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يمارس جميع الفواحش ولكنه بدأ يصلي، سؤالي هل ينقطع عنها مرة واحدة أم يتركها بالتدرج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة واجبة على جميع المؤمنين، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) [التحريم:8]
والتوبة لا تتم إلا بثلاثة أمور:
الأول: الإقلاع عن الذنب، لأن الإقامة على الذنب تنافي معنى التوبة.
الثاني: الندم على ما سبق منه من ذنوب.
الثالث: العزم على عدم العودة إليه أبداً.
وبناءً على ذلك، فإن التوبة لا تتحقق بالتدريج في ترك الذنب حتى يتركه المرء كله، وللتدرج المذكور خطورة كبيرة، فالقلب يتعلق بما بقي من المعصية، ويزداد بها تمسكاً، وعليها إقبالاً، ثم من الذي يضمن لك أن الله يمهلك حتى تقلع عنها بالكلية، فالأجل أقرب إلى المرء من شراك نعله، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208]
وليُعلم أنه متى اتضح للمرء ما هو عليه من معصية، وجب عليه أن يتركه فوراً، ولا يتبع أماني الشيطان، فإنه للإنسان عدو مبين، يسوف له فعل القربات، وترك المنكرات، قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة..) .
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية:
1208 5646 5450
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(9/5985)
كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القبلة بين رجل أجنبي وامرأة والمداعبة بينهما تعتبر زنا؟؟؟ وهل يجوز لرجل أن يتزوج بامرأة فعل معها هذا دون أن يلج بها أو يمس بكارتها بشيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمداعبة امرأة أجنبية عنك، وتقبيلها من المعاصي والآثام التي لا يجوز لمسلم الوقوع فيها، وهي وإن كانت لا تعتبر زنا يوجب الحد إلا أنها من الزنا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقول: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه". رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
ومن فعل ذلك، فيجب عليه التوبة من هذا المنكر الفظيع، والإكثار من الاستغفار، والتقرب إلى الله بالطاعات لعل الله يمن عليه بالمغفرة، وانظر الفتوى رقم:
5779
ولا حرج عليه أن يتزوجها، بل ربما كان ذلك أولى لهما إذا كانا قد أحسنا التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(9/5986)
الاستقامة والعلم في سن الطلب سبيل كل خير
[السُّؤَالُ]
ـ[قد سمعت في حديث للنبي أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة (شاب نشأ في طاعة الله) فكيف أستطيع أن أصل الي تلك المرتبة وأناعمري 16.5سنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الطريق إلى ذلك هو الاستقامة على هذا الدين، وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، ولا يتم ذلك إلا بتعلم العلم الشرعي، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" رواه البخاري ومسلم.
وذلك لأن العلم هو سبيل لتقوى الله وخشيته، قال الحق سبحانه: (أنما يخشى الله من عباده العلماء) .
وقد بوب الإمام البخاري في كتابه الجامع الصحيح، فقال: باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: (فاعلم ... )
وأخرج مسلم في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة".
وعلى هذا، فنصيحتنا لك هي أن تقبل على العلم وأنت في هذه الفترة المبكرة من العمر، فلعل الله يفتح عليك، وتكون من العلماء الذي ينفع الله بهم العباد.
واعلم أن هذا هو أفضل وسيلة للحصول على بغيتك، ونوصيك بمرافقة الصالحين، والبعد عن قرناء السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1423(9/5987)
من أسباب محبة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أجعل حب الله هدفي الأساسي في حياتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حب الله تعالى هدف أساسي يسعى إليه كل مؤمن يرجو رضى الله والجنة، ويخاف سخطه والنار.
والمسلم الذي يريد أن يجعل هدفه محبة الله تعالى لابد أن يسعى في تحصيل وسائل تقوية الإيمان، ويبتعد عن الأمور التي تكون سبباً في ضعف إيمانه وبعده عن الله تعالى.
ومن أهم هذه الوسائل أداء الفرائض، والمواظبة على النوافل.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" رواه البخاري.
ومن أسباب محبة الله تعالى: كثرة التوبة، والمحافظة على الطهارة: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222] .
ومنها: محبة المؤمنين والصالحين والتواضع لهم، قال تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... ) [المائدة:54] .
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
10800
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1423(9/5988)
وصية لمن ابتلي بحب النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أخطات خطأ عظيما وأتمنى أن يغفر الله لي ولكم جميعا، أحب النساء وأحب مداعبتهن ولكن أخاف الله وأنا حائر بين شهوتي وبين ديني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله غفور رحيم مهما بلغ الذنب وعظم، فمن تاب تاب الله عليه، وراجع لزاماً الفتوى رقم 5450 فما عليك الآن إلا أن تصدق التوبة وتبتعد عن أي موطن تختلط فيه بالنساء أو ترى فيه النساء المتبرجات، ونوصيك بالزواج إن لم تكن متزوجاً، وبالتعدد إن كنت متزوجاً، واعلم أن النفس لا بد لها من مجاهدة وصبر ومصابرة حتى تستقيم على أمر الله، قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) واعلم أن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فكم من شهوة عاجلة حرمت الإنسان خيرالدنيا والآخرة، وكم من صبر عن المعصية أورثت العبد سعادة الدنيا والآخرة.
واقرأ سورة يوسف، نسأل الله أن يغفر لنا، ولك وأن يصلح حالنا وحالك وراجع الفتوى رقم 16276 والفتوى 13495 رقم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1423(9/5989)
الحج يكفر الكبائر بشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حججت عن شخص متوفى هل بإذن الله تغفر ذنوبه أم يحاسب عليها؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجمهور العلماء على أن الحج يكفر الصغائر دون الكبائر، ومنهم من ذهب إلى أن الحج يكفر الصغائر والكبائر، كما نقله الرملي في فتاويه وابن رجب في لطائف المعارف عن ابن المنذر. وقال الحصكفي في الدر المختار: هل يكفر الحج الكبائر؟ قيل: نعم؛ كحربي أسلم. انتهى.
وفصل بعض العلماء في ذلك فقالوا: يكفر الحج الكبائر التي هي حقوق لله تعالى دون حقوق العباد، وتكفير حقوق الله تعالى لا يعني سقوطها عنه بذاتها، بل المقصود سقوط إثم التقصير فيها والإهمال لها.
قال الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: الحج المبرور يكفر ما عدا تبعات الآدميين، كما حكى بعضهم الإجماع على هذا الاستثناء. ا. هـ
وقال البهوتي في كشاف القناع: فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوه من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه، لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر. ا. هـ
وقال ابن نجيم: والصحيح أن الحج لا يكفر الكبائر، وليس مراد القائل بأنه يكفرها أنه يسقط عنه قضاء ما لزمه من العبادات وتركه، والمظالم والدين، وإنما مراده أنه يكفر إثم تأخير ذلك، فإذا فرغ منه طولب بقضاء ما لزمه، فإن لم يفعل مع قدرته، فقد ارتكب الآن الكبيرة الأخرى، والمسألة ظنية، فلا يقع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى، فضلاً عن حقوق العباد. انتهى.
ولعل القول الذي فصل في المسألة هو الأولى بالقبول، لورود الأحاديث الدالة على أن الحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لكن استثني من ذلك حقوق العبادة لورود الأدلة بعدم سقوطها إلا باستحلال أهلها، لكن إذا عجز المرء عن استحلال صاحب الحق، أو تعذر عليه الأداء مع بذل الجهد في ذلك، فهو مرجو المغفرة، قال في تحفة المحتاج: قال الزيادي: والحج يكفر الكبائر والصغائر حتى التبعات على المعتمد إن مات في حجه أو بعده وقبل تمكنه من أدائها. انتهى.
وهذا كله في الحج المبرور الذي وُعد صاحبه بمغفرة ذنوبه.
ولهذا ينبغي أن تجتهد في أداء الحج كما أمر الله تعالى، مجانباً للغو والرفث، رجاء أن يتقبله الله تعالى، وأن تُكفر به ذنوب من حججت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1423(9/5990)
زنت وسرقت وقتلت ... وتريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة اقترفت عدة معاصي زنى قتل رضيع سرقة وأريد التوبة فكيف أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما أقدمت عليه الأخت السائلة يعد من عظائم الذنوب وكبائر الفواحش، إلا أن الله غفور رحيم، فمن تاب تاب الله عليه وغفر له مهما كان الذنب، ومهما عظم، ولتراجع الأخت السائلة لزاماً الفتاوى التالية: 5450، 16907، 5523، 1095، 5876، 3051، 10808.
والواجب عليها الآن هو صدق التوبة مما فعلت، ومن شروط التوبة رد الحقوق إلى أهلها، فعليها أن ترد المال المسروق إلى أهله، وعلى عاقلتها أداء الدية إلى أولياء القتيل إذا كان القتل قد تم خطأ أو شبه عمد، وعليها هي كفارة القتل. أما إذا كان عمداً فإن عليها أن تسلم نفسها للقصاص، إلا أن يعفو أولياء الدم، أو يكون المقتول ولداً لها.
ولتراجع الفتوى رقم: 11470.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1423(9/5991)
ترد القيمة إن تعذر رد المثل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أسكن مع مجموعة من الأسخاص وعند خروجي من عندهم وجدت بعض
أغراضهم معي فخفت أن أرجعها فيقولون إنني أخذتهم متعمداً علما بأني تصدقت بهذه الأغراض افيدوني وجزاكم الله خيراً علماً بأن قيمتها لاتتعدى 100 ريال ارجو عدم ذكر الاسم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قمت به يعد خطأ، وكان الواجب عليك أن ترد إليهم أغراضهم ولو بطريقة غير مباشرة، أما وقد حصل ما ذكرت، فالواجب عليك الآن هو أن تتوب إلى الله مما فعلت وترد الحق إلى أهله، فترد مثل هذه الأغراض إلى أهلها فإن تعذر المثل رددت القيمة، أو تطلب السماح من أصحابها، وكون المأخوذ شيئاً يسيراً لا يعني أنه لا يجب رده. وراجع التفاصيل لزاماً في الفتوى التالية: 23596 9206 6022 14889
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1423(9/5992)
الذخيرة المطلوبة ليوم الحساب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأ عمال الصالحة التي تدخرها ليوم الحساب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن يوم الحساب هو اليوم الذي يجب أن نجعله نصب أعيننا ونستعد له في كل لحظة من حياتنا، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالاستعداد لذلك اليوم والحذر منه قال سبحانه (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة:281)
وأفضل ما ينجي يوم الحساب من الأعمال هو القيام بالفرائض وأدائها، والابتعاد عن المحرمات واجتنابها، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه " رواه البخاري عن أبي هريرة
فبعد القيام بالواجبات يسارع الإنسان في فعل النوافل المتنوعة بحسب استطاعته مما يقدر عليه من ذلك، فإن كان صاحب مال فليكثر من الصدقات، وإن كان صاحب علم فليشمر في تعليم الناس ودعوتهم، وإن كان صاحب بأس وقوة فليجاهد في سبيل الله، وإن كان ذا جاه فليصرفه في مصالح المسلمين، وهكذا مع تحقيق الإخلاص في هذه الأعمال لله رب العالمين، والتزام سنة سيد المرسلين محمد عليه صلاة الله وسلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(9/5993)
دلالة قبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما تتعد مرات التوبة, هل تقبل في كل مرة؟؟
هل صحيح ما يقال ان عند التوبة الصادقة تظهر
نقط سوداء على اليد اليسرى؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على العبد، التوبة إلى الله تعالى في كل حين، وأن يحدث لكل ذنب توبة، فإن ذلك من تمام الاعتراف لله تعالى بالربوبية، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12067 21763 5450 1909
أما ما ذكره الأخ السائل من ظهور نقطة سوداء فلا أصل له في الشرع، وإنما علامة قبول التوبة الاستمرار على طاعة الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(9/5994)
التوبة الصادقة تغسل دنس المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرفت على شاب وقابلته مرة في إحدى الأماكن العامة فقبلني ولم يكن أحد يرانا طبعا غير الله سبحانه الله وتعالى كان يرانا ولكن بعد فترة وجيزة من الزمن ابتعدت عن هذا الشاب وذهبت إلى العمرة فطلبت من الله المغفرة والتوبة له فهل أعيش وأنا مطمئنة النفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما حصل يعد من الذنوب والمعاصي التي تجب التوبة منها والاستغفار.
فاحمدي الله أن هداك وألهمك التوبة والبعد عن هذا الشاب، وذهابك للعمرة عسى الله أن يجعله كفارة لما حصل، فقد قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) [هود:114] وقال صلى الله عليه وسلم: " ... أتبع السيئة الحسنة تمحها...." رواه الترمذي، واعلمي أن الله غفور رحيم مهما عظم الذنب، فمن تاب تاب الله عليه، وراجعي الفتوى رقم: 5450.
نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(9/5995)
لأتيتك بقرابها مغفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتكبت معصية ثم تبت الي الله عز وجل ثم رجعت إلى الإثم مرة أخرى رغما عني ثم ندمت وتبت ثم أذنبت فضاق بي صدري وأردت أن أعود إلى ربي وأعمل صالحا فهل يقبلني ربي بالرغم من أنني لم أحافظ على وعدي له في المرات السابقة
اللهم رحمتك أرجو فهل تقبلني
ارجو من سيادتكم سرعة الاجابة لشدة ما أنا فيه من كرب وحزن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن عبداً أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين " وفي رواية لمسلم " قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء " يعني: مادام على هذا الحال كلما أذنب استغفر فإني قد غفرت له؟
وروى الحاكم عن جابر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: واذنوباه مرتين أو ثلاثا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي. فقالها، ثم قال له عد: فعاد، ثم قال له: عد فعاد، ثم قال له قم: قد غفر الله لك "
وقد قال القائل:
رب وإن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
فمن أذنب ثم تاب توبة صادقة، وندم على ما فعل وأقلع عن الذنب، وصمم العزم على أن لا يعود فإن الله سيغفر له ولو عاد إلى الذنب مرة ثانية ثم تاب توبة كالأولى غفر الله له ورحمه.
فعن أَنَسِ بنِ مالِكٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى: يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً". رواه الترمذي وقال: حسن.
وبعد هذا الترحاب الغامر من العزيز الغفار أنى لليأس أن يجد طريقاً إلى قلب المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1423(9/5996)
فتاوى حول التوبة المقبولة وشروطها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الإفادة؟
ما قولكم يا شيوخنا في إنسان يفعل الذنوب ثم يتوب بعدها مباشرة ويندم ندما شديدا على الذي فعله ثم يعاود القيام به ويعاود الندم والاستغفار كما أن هناك بعض الذنوب التي يستحيل القيام بها مثل سماع الموسيقى؟
ولكن جو البيت والمحيط الذى حوله لا يكفون عن القيام بها فهو يسمعها بغير إرادته إلى أن تعود عليها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن التوبة وعمن يتوب ثم يعود ... وهكذا، وذلك في الفتاوى التالية: 1909، 12744، 12067، 12488، 5646 فراجعها لزاماً.
وتقدم الكلام عمن يستمع إلى الغناء وهو كاره له في الفتوى رقم: 13083.
الله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(9/5997)
طريق التقرب إلى الله والخشوع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
أنا أريد أن أعرف كيف يستطيع الإنسان أن يتقرب إلى الله وهو لا يقدر أن يخشع في الصلاة
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أعظم وسيلة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل بعد توحيده هي الصلاة المفروضة، ثم أداء باقي الفرائض التي افترض الله تعالى عليه، ثم الإكثار من النوافل التي شرعها ليتقرب بها العباد إليه، وليرتفعوا بها إلى أعلى الدرجات.
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه "
والصلاة بلا خشوع جسم بلا روح، وحركات لا معنى لها، ومما يعين على تحصيل الخشوع، وحضور القلب في الصلاة:
-الاستعداد لها قبل الدخول فيها، واستحضار أهميتها، وذلك بإتقان الطهارة، وإسباغ الوضوء.
ثم عند الإحرام يتأمل معنى قوله: الله أكبر.. وهكذا كل ما يقرؤه من قرآن وأدعية وأذكار، وليستحضر دائماً أنه يخاطب ربه خطاب الحاضر السامع، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: "الرحمن الرحيم" قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: " مالك يوم الدين " قال: مجدني عبدي، فإذا قال: " إياك نعبد وإياك نستعين" قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا استشعر المسلم عظمة موقفه بين يدي الله تعالى، وتأمل في هذه المعاني، فلا شك أن ذلك سيساعده على حصول الخشوع بإذن الله تعالى، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم 9525
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(9/5998)
وسائل الثبات على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا. أما بعد:
فأود أن أعرف أفضل طريقة للثبات على الحق. فقد تعرضت لصدمة عاطفية قوية ومنذ ذلك الوقت تغيرت حالتي ولم أعد أصلي ويئست من كل شيء.الآن تجاوزت هذه المحنة نوعا ما إلا أنني كلما أنوي أن أعود إلى الصلاة أقضي بعض الفروض لكن ما ألبث أن أتوقف وتأتيني وساوس بأنني مظلوم وأن ما من شيء سيتغير. فكيف السبيل إلى العودة الكاملة وكيف أطرد هذه الوساوس واني أخاف أن أكون منافقا مع العلم أني على اطلاع ممتاز على الدين وأحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أكثر من نفسي فكيف السبيل؟ وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالثبات على دين الله تعالى من أوجب ما يكون، لأنه به يبقى الإنسان في دائرة الإسلام، وبعدمه يخرج من الإسلام إما كلياً وإما جزئياً، وكلاهما خطير، وأخطرهما أولهما، وثانيهما سبيل موصول إلى أولهما، لا سيما إذا كان التهاون في أمر الصلاة التي هي عماد الدين، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد سبقت لنا فتاوى فيها بيان الوسائل المعينة على الثبات على الحق، وعدم التكاسل عن أداء العبادات، وخصوصاً الصلاة، وهي بالأرقام التالية: 1208 10943 1195
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(9/5999)
توبة نصوح وعودة للذنوب هل من مغفرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شاب وقع في الزنا ثم تاب ثم عاد مرة أخرى ثم تاب وعمل ثلاث عمرات ثم وقع مرة أخرى في الزنا المشكلة كلما يفعل هذه الفاحشة بعدها مباشرة يندم أشد الندم ويصمم على التوبة ثم بعد فترة يعود أخشى أن يكون ذلك استهزاء بالله كما سمعت لا أعرف ماذا أفعل حتى تكون توبتي توبة نصوحة إلى الله وبدون رجعة وهل يقبل الله التوبة من الذين يعملون السوء بعلم وليس بجهالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك التوبة والإنابة كلما وقعت في الذنب، وإياك والاصرار على فعل المعصية، فإن ذلك هو الهلاك، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] .
وكون الشخص يقع في الذنب ثم يتوب ثم يقع في الذنب ثم يتوب ليس استهزاء بالله تعالى، بل دليل على حبه لله والتوبة، وكراهته للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفاً وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: "اعمل ما شئت" معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله.
وعلى الشخص أن يتوب توبة نصوحاً، وهي أن يتوب ويعزم العزم المصمم على ألا يعود، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8] .
قال العلماء التوبة النصوح ما توفر فيها أربعة أشياء:
1- الكف عن الذنب.
2- الندم على فعله.
3- العزم على عدم العودة إليه.
وهذه الثلاثة إذا كان الذنب فيما بين العبد وربه، ويزيد رابعاً إذا كان حق للآخرين وهو أنه يجب إرجاع الحق إلى أهله.
واعلم أن الموت قد يأتيك في أي لحظة، فربما جاءك، وأنت على الذنب، وربما جرك فعل الذنب إلى ذنب آخر، وحيل بينك وبين التوبة، فتكون من أهل النار، فبادر أخي الكريم بالتوبة النصوح.
وقولك "هل يتقبل الله التوبة من الذين يعملون السوء بعلم وليس بجهالة" فالجواب عنه: نعم. والمقصود بالجهالة في قول الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:17] .
فعل الذنب وصاحبه يعلم أنه ذنب. فكل من أذنب فهو جاهل، وليس المقصود أنه فعل ذنباً وهو لا يعلم أنه ذنب لأن هذا غير مؤاخذ، ولا إثم عليه أصلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(9/6000)
نصائح لمن خشي على نفسه الوقوع في العنت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:
أنا طالب جامعي في العشرين ربيعا وقد وهبني الله وجها جميلا جداً وهي نعمة أحمده عليها لكنني أكاد أقع في الفتن خاصة مع الجنس الآخر وكدت أن أبتلى كما ابتلي سيدنا يوسف عليه السلام فأسألكم كيف يمكنني أن أقاوم الإغراءات في الزنا مع العلم أنني تعرضت ذات مرة إلى سبعةإغراءات في يوم واحد ووالله ما أكذب فأغيثوني أغاثكم الله؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخ بأمور:
1- أن يتقي الله سبحانه وتعالى ويراقبه.
2- إذا كان الله أنعم عليه -كما يقول- بوجه جميل، فليحمد الله، وليسأله أن يرزقه حسن الخُلق كما رزقه حسن الخَلق حتى لا يسلب هذه النعمة.
3- وعليه أن يبتعد من أماكن الفتن والشهوات حتى لا يتعرض لسخط الله وغضبه، ومن ذلك البعد عن أماكن الاختلاط بالنساء، وغض البصر عن الحرام.
4- وعليه أن يتذكر أن يوسف عليه السلام إنما عصمه الله من الفتن لأنه اعتصم بالله، وأخلص دينه لله عز وجل.
5- وننصح -الأخ- أن يبادر بالزواج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه
نسأل الله لنا ولك العافية من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(9/6001)
لا بديل للمؤمن عن الصبر والاحتساب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله ابدا 0
أنا سيدة ولي أاطفال زوجي متوفى منذ 9 شهور أعاني من الحزن الشديد
وهناك مشكلة كلام الناس عني مع أني محتشمة وأخاف الله ولا أذهب الى أي مكان إلا معي أطفالي حتى أتجنب كلام الناس ومن هم الناس؟ هم أهلي أبناء العم وأم زوجي وبناتها
ولكن ماذا أفعل اتخذت كل الطرق معهم ولكن دون جدوى أنا سيدة أقول الحق صغيرا أو كبيرا لربما هذا ما يزعجهم مني ولكن ماذا أفعل لا أحب السكوت عن الحق أمي وأبي متوفيان من مدة
ولكم الشكر على مساعدتي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، وسيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً وسيبدلك زوجاً خيراً من المفقود، فإن خزائن السماوات والأرض بيد الله تعالى، ولا تبالي بكلام الناس ما دمت ملتزمة بطاعة الله، ومحتشمة عند خروجك من بيتك، لأنه لا أحد يسلم من كلام الناس، فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله طعن في عرضها، ولما صبرت، وقالت ما قاله نبي الله يعقوب (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه) (يوسف:86) برأها الله تعالى وكذب الطاعنين في عرضها، وهكذا كل مؤمن ومؤمنة يصدق الله، ويعتصم به لا يضيعه الله بل تكون العاقبة له، كما قال تعالى (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128) نسأل الله جل وعلا أن يبدلك مكان غمك وهمك فرجاً وسروراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(9/6002)
أول خطوة على الطريق التقوى ومسلتزماتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت الكثير من المعاصي والذنوب وأكثرها هو كبيرة الزنا واللواط والسرقة والكذب ولكني تبت إلى الله وبعد فترة ضعف إيماني مرة أخرى وبدأت العودة إلى بعض هذه الذنوب مثل السرقة والكذب والعادة السرية علما بأني غير متزوج وأنا في حيرة من أمري حيث إنني لا أستطيع الزواج لعدم قدرتي المادية وعمري يتجاوزالثلاثين عاماً ولا أدري ماذا أفعل لكي أتزوج وأستقيم على الطريق الصحيح. أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن لأنني أعيش في حالة من القلق والألم؟ وجزاكم الله عنا كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد وضعت أيها الأخ الكريم أصبعك على موضع الداء وذلك عندما قلت في سؤالك: وبعد فترة ضعف إيماني مرة أخرى، وبدأت العودة إلى بعض هذه الذنوب، إذاً فسرُّ الانتكاسة هو ضعف الإيمان، فاعمد أخي إلى إيمانك فقوة، بمعرفة الله حق معرفته فإن من عرف الله اتقاه، ولذا كان العلماء يقولون: أخشى الخلق لله أعرفهم به.
فمن عرف أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، لم يقنط من رحمة الله مهما بلغت ذنوبه، ومن عرف أن الله على كل شيء قدير، وأن له ملك السماوات والأرض، وأنه عزيز ذو انتقام لم يأمن عذابه، وبقي على خوف منه ووجل، وفي الحديث: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكتيم كثيراً. رواه البخاري.
فبالجمع بين الخوف والرجاء تسلم من خطرين عظيمين: خطر القنوط من رحمة الله، وخطر التفريط في جنب الله، ومما يفيد في تقوية الإيمان تلاوة كتاب الله العزيز، وتدبره، والاجتهاد في العمل به، وقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وسير الصالحين، والتائبين، ومصاحبتهم في الواقع، وترك الرفقة السيئة التي تغري بالذنب، وتدعو إليه، وهجر مثل هذه الرفقة في غاية الأهمية، فالتخلي قبل التحلي.
ثم اعلم أن العجز عن الزواج ليس نهاية الدنيا، ولا هو مسوغ للانحراف، فإن الله تعالى يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] .
فاستعفف يا أخي، واعلم أن الله لن يضيعك: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] .
المهم أن تحقق التقوى وأبشر بوعد الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(9/6003)
من فوائد التقوى وثمارها في الدارين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي فوائد تقوى الله عز وجل في الدنيا والآخرة؟ جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للتقوى فوائد وثمارًا كثيرة في الدنيا والآخرة، ومنها:
- تفريج الكروب وسعة الرزق، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3] .
- الفرقان بين الحق والباطل، وتكفير السيئات وغفران الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29] .
- العلم النافع، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] .
- الأجر العظيم، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5] .
- الحفظ من كيد الكفار، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] .
- جنات النعيم، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45] .
- النجاة من النار، قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72] .
وغير ذلك كثير لا يتسع المقام لذكره، جعلنا الله وإياكم من المتقين..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(9/6004)
الحج هل يكفر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحج يمحو كل الذنوب حتى عدم الصوم في رمضان وحتى الكبائر؟ وإن كان يمحو الكبائر هل هذا يعني أن الحد يسقط عن المذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختلف العلماء هل الحج يكفر الكبائر أم لابد من توبة؟ ففي الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي من الشافعية سئل عن مطلق الحج المبرور هل يكفر الكبائر كالإسلام؟
فأجاب: الحج المبرور يكفر ما عدا تبعات الآدميين، كما حكى بعضهم الإجماع على هذا الاستثناء.
والحديث المقتضي لتكفير التبعات أيضاً ضعيف، فقول بعضهم يقضيته وَهْم وتكفير ذلك لا ينافي وجوب التوبة منه ... "
وفي رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين الحنفي مطلب: هل الحج يكفر الكبائر؟ قيل: نعم كحربي أسلم، وقيل: غير المتعلقة بالآدمي كذمي أسلم، وقال عياض: أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، ولا يصح هذا الإجماع.
وهذه المسألة من المسائل الظنية، فلا يقطع بتكفير الحج للكبائر من حقوق الله فضلاً عن حقوق الآدمي كما انتهى إلى ذلك ابن نجيم وابن عابدين وغيرهما في هذه المسألة.
وينبغي التنبه إلى أن المقصود بقول من قال بتكفير الحج للكبائر ليس إسقاط الحقوق عن الحاج، فلا يطالب بما لزمه من قضاء ونحوه، بل المراد أنه تكفير عنه إثم تأخير ذلك، فإذا فرغ من الحج طولب بقضاء ما لزمه، فإن لم يفعل مع قدرته، فقد ارتكب كبيرة أخرى.
أما الشق الثاني من السؤال فجوابه أن من لزمه حد لله تعالى فتاب قبل أن يرفع إلى الإمام فإن التوبة تسقط ذلك الحد عنه، وينبغي لمن ابتلي بارتكاب شيء من المحرمات التي لا حق فيها للعباد أن لا يطلع أحداً على ذلك، وأن يستتر بستر الله، وما كان من حق للعباد فإنه لا يسقط بالتوبة، ولا بد من تمكينهم من استيفائه كالقصاص ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1423(9/6005)
معنى: شقي ... سعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى شقي أو سعيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشقاء ضد السعادة.. ذكره ابن منظور، والسعادة خلاف الشقاوة، ذكره ابن منظور أيضاً.
وقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهذا لفظ البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له اكتب علمه ورزقه وأجله وشقي أو سعيد.... إلخ.
قال ابن حجر في الفتح: ومعنى قوله "شقي أو سعيد" أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب -مثلاً- أجل هذا الجنين كذا، ورزقه كذا، وعمله كذا، وهو شقي باعتبار ما يختم له، وسعيد باعتبار ما يختم له، كما دل عليه بقية الخبر. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/6006)
من شؤم المعصية أنها قد تتجاوز الشخص إلى أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء دراستي بالمدرسة وفي آخر يوم من أيام الاختبارات كتبت على جدار المدرسة كلمة وأسأت فيها إلى المعلمات.. استدعوني من البيت ولم أحضر وفي يوم سفرنا حصل لي حادث مروري لم يتأذ أحد من السيارة سوى أنا والوالدة فقط هل سبب تعبي أنا والولدة بسبب الكلمة..لأن والدتي يوم استدعائي من البيت أنكرت لهم وجودي....... وهل عدم توفيقي في دراستي بالجامعة بسبب دعائهم علي * ومالواجب فعله ... لأني لا أستطيع الذهاب والاعتذار لهن لأنهن سوف يمنعوا دخولي لهن وهذا شيء محتمل يصدر من معلماتي إذا أتيت لهن وماهو جزائي في الآخره بفعلتي هذه ... أو أنه لا ذنب لي ... لأني أخذت جزائي بالدنيا لتعرضي لحادث مفجع........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن للذنوب أثرًا كبيرًا فيما يصيب العبد من نكبات، قال جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. [الشورى:30] .
بل إن العبد يحرم الرزق بسبب معاصيه، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.
وقد ذكر أهل العلم أن من شؤم المعصية أنها قد تتجاوز الشخص إلى أولاده، قال ابن كثير في تفسيره نقلاً عن أبي البلاد قال: قلت: للعلاء بن بدر: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وقد ذهب بصري وأنا غلام؟ قال فبذنوب والديك. وبهذا تعلم السائلة خطورة المعاصي، وأثرها على الإنسان.
إلا أن الله تعالى بفضله وكرمه يكفر بهذه المصائب الذنوب، حتى يبقى العبد وليس عليه ذنب. أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذىً، ولا غمٍ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه.
ولا يخفى ما في هذا الحديث الحكيم من البشارة لمن تصبيه المصائب من العصاة بشرط أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله، ومع ذلك فلا بد من التوبة النصوح، وهي الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم على ما فات، وعقد العزم على عدم العودة إليه ثانية. هذا إن تعلق الأمر بحق الله فقط.
أما إن تعلق بحق العباد فبالإضافة إلى الشروط الثلاثة السابقة لا بد من إرجاع ذلك الحق إلى صاحبه.. إن كان مالاً رده إليه أو استحله منه، وإن كان عِرضًا طلب المسامحة فيه منه.
ومن العلماء من قال: إنه يكفي في الغيبة وما شابهها الاستغفار لصاحبها، وذكر محاسنه في المجالس التي اغتيب فيها، وبذلك تتم التوبة، والراجح الأول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(9/6007)
وسائل معينة على الاستيقاظ لصلاة الفجر ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من شباب أحد المساجد في فلسطين حيث يتكون مسجدنا من أكثر من 60 شاباً مسلماً من الملتزمين ولكن المشكلة أن صلاة الفجر لا يأتي عليها سوى 15 فقط والباقي يتقطعون عنها فحاولت لكوني أميرهم عقد مسابقات ثقافية لجلبهم وتشجيعهم ولكن لم تستمر فحاولنا بشتى الطرق ولكن منهم من يعمل ويعود متأخراً من عمله فلا يستطيع النهوض لصلاة الفجر ومنهم من يغلبه النوم لأن لا أحد يوقظه من نومه فأفيدونا بطريقة عملية حتى نجمع فيها الشباب جميعا لصلاة الفجر وإذا استطعتم أن تخبرونا بشريط كاسيت مهم يحث على صلاة الفجر فنشكر لكم جهودكم ودمتم ذخرا للإسلام والمسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتوى في بيان بعض الأسباب التي تعين على الاستيقاظ لصلاة الفجر برقم:
2444 فلتراجع.
ومما ينبغي أن يعلم أن المرء لكي يستيقظ لصلاة الفجر يحتاج إلى منبه داخلي قبل أن يحتاج إلى منبه خارجي، هذا المنبه الداخلي إنما يوجد إذا وجد الإيمان وتقوى الرحمن، ولهذا فنصيحتنا لكم أن تجتهدوا في تذكيرهم بالله، وبأهمية صلاة الفجر ومنزلتها عند الله، ولا يتم ذلك بالشريط وحده ولكن عليكم أن تنوعوا الأساليب من خلال الدروس في المسجد أو خطبة الجمعة أو عن طريق الكتيبات أو ملصقات توضع في المسجد أو نشرات توزع، ويمكنكم أن تجندوا من بينكم مجموعة تكون مهمتهم إيقاظ النائمين سواء من خلال الهاتف أو بالمرور عليهم في منازلهم أو بأي وسيلة أخرى متاحة، ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
19151، والفتوى رقم:
17018.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(9/6008)
من مقومات الهداية والثبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الصلاة والرجوع إلى الله لكن لا أدري مايمنعني الكسل وغير ذلك من أسباب النوم والتفكير في المستقبل وخصوصاً أنا على مشارف الزواج أريد مايقربني من الله وقبول توبتي،،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق لكل خير، واعلم أخي أنه قد سبق لنا أجوبة فيها بيان أسباب الهداية، ومقومات الثبات، وعلاج الفتور، وهي بالأرقام التالية: 10943 1208 22960 17666
ولا ينبغي لك أن تكثر التفكير في شأن الزواج فما قدره الله سيكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(9/6009)
حكم من أخذ ما ليس له فنسي مكانه
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ زمن أخذت قفازا ليس لي ولم أرده ورحلنا عن تلك البلد والآن نسيت أين هو؟ فماذا يجب علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يأخذ ما لا يحل له ولو كان عودا من أراك، سواء كان ذلك بالتعدي أو السرقة أو الاختلاس أو الغضب...... لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا.......... رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة.
وعليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن ترد ما أخذت إلى مالكه، فإن لم تجد عينه رددت قيمته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي. رواه الترمذي عن سمرة رضي الله عنه.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
3051
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1423(9/6010)
وسائل الإعانة على الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ماهي الأمور التي تساعد على الالتزام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاستقامة على الدين، والالتزام به مطلب شرعي، قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)
وفي مسلم وغيره أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله مرني في الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك فقال: " قل آمنت بالله ثم استقم ".
ولقد ذكرنا في الجواب رقم 1208 والجواب رقم 10943 جملة من الأمور تساعد على الاستقامة فانظرها.
ومن أهم ما يعين الإنسان على طاعة ربه: الاستقامة على دعائه تعالى، والالتجاء إليه، ومصاحبة أهل الخير والصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1423(9/6011)
التكفير والقذف بغير حجة معصيتان عظيمتان
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الرمي بالزنا أشد من الرمي بالكفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن كلاً من القذف بلا بينة، والتكفير بلا حجة واضحة أمر عظيم وإثم كبير، لما في كل منهما من اتهام الأبرياء بما ليس فيهم، فقد ورد في التحذير من القذف والترهيب منه قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23] .
ومما ورد في التحذير من تكفير المرء بغير حجة ما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما.
لذا فإن على العاقل أن لا يقدم على أحدهما دون بينة واضحة، أو حجة صحيحة.
أما كون رمي الشخص بالزنا أشد من رميه بالكفر، فلم نعثر عليه، وإذا كان السائل فهم ذلك من كون من رمى غيره بالزنا يجلد بخلاف من رماه بالكفر فهو فهم خاطئ، إذ الجلد وغيره من سائر العقوبات الدنيوية أهون بكثير من احتمال الكفر الذي إن لم يتصف به من رمي به باء به هو، كما في حديث مسلم المتقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(9/6012)
لا أثر للمعصية على صحة العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني شاب في الثلاثين من العمر متزوج وعندي بنتان وقد أنعم الله علي وأديت فريضة الحج هذا العام والحمد لله ونشأت نشأة متدينة من الصغر غير أنني أحيانا تدفعني نفسي إلى ارتكاب بعض المحرمات وخصوصا النظر إلى النساء أو التلصص لرؤية عوراتهن وإني أتوب وأسترجع ولكني أعود مرة ثانية مما دفعني الى الشعور بعدم قبول حجتي وعبادتي أعينوني على أمري أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الذي يذنب ثم يتوب ثم يعود وهكذا، في الفتوى رقم 1909
أما بالنسبة للحج وسائر العبادات فإنها مقبولة إن شاء الله إذا كانت صحيحة، ولا يؤثر عليها وقوعك في الذنب ثم التوبة ثم العودة وهكذا، وراجع لزاماً الفتاوى التالية: 12928 5776 1984 19075
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(9/6013)
كيف يتوب من ظلم شخصا مات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
كان لي ذنب مع شخص فارق الحياة وأنا في صراع نفسي وقلق من أمري ِفكيف يمكن لي أن أكّفر عن ذنبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك التوبة المستكملة لأركانها وذلك بالندم على الذنب والإقلاع عنه في الحال، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، ورد المظالم إن كانت هناك مظلمة لأحد من العباد.
وهذا الشخص الذي توفي إن كنت قد ظلمته مظلمة مالية، فالواجب رد هذه المظلمة إلى الورثة إن عُلِموا، وإلا فتصدق بها بنية وصول الثواب إلى صاحبها.
وإن كانت المظلمة غير مالية، فعليك أن تكثر من الأعمال الصالحة حتى تقدم على الله عز وجل، وعندك من الحسنات ما قد يقابل تلك المظلمة.
كما ينبغي لك أن تكثر من الدعاء لهذا الشخص، والاستغفار له لعله يعفو عنك يوم الحساب أو يعطيه الله عز وجل ما يرضى به ويعفو عنك.
والمهم أن إسقاط حق المطالبة في الآخرة لا سبيل إليه فينبغي أن تجتهد في الاستعداد لذلك الموقف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1423(9/6014)
الاعتراف بالذنب ... ما يجوز منه وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شرعا الآتي:
* قررنا توكيل إرادتنا وحياتنا لله على (قدر فهم كل منا له) .
*اعترفنا لله ولأنفسنا ولشخص آخر بأخطائنا.
القصد من السؤال لأننا نقوم بترجمة لكتاب في برنامج للمساعدة في الاقلاع عن الكحول وغيره (الإدمان) .
الرجاء الإفادة جزاكم الله خيراً.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يوجد إشكال في العبارتين الواردتين في السؤال، فالعبارة الأولى معناها تفويض أمر الحياة والمشيئة إلى الله تعالى، والله تعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] .
ويقول: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] .
وأما العبارة الثانية فمعناها الاعتراف والإقرار بين يدي الله تعالى بارتكاب الخطأ والزلل، وفي هذا يقول الله تعالى: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] .
وفي الحديث: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت. رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي "أي أعترف" فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
وقولك "لأنفسنا ولشخص آخر" نقول فيه أما الاعتراف للنفس فضرورة، فالشعور بالمشكلة أول خطوة لحلها، أما الاعتراف لشخص آخر، فالأصل أن على المسلم إذا ارتكب شيئاً مما حرم الله أن يستر على نفسه ولا يفضحها، وفي الحديث: لو سترت على نفسك........... رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
لكن إن كان في الاعتراف لشخص آخر، مصلحة تعود على المعترف أو الناس فجائز وفي الحديث: أن رجلاً قتل تسعه وتسعين نفساً فجعل يسأل هل له من توبة.................... رواه مسلم.
فكان اعترافه سبباً لتوبته.
ومازال العلماء يذكرون قصص التائبين إما بأسمائهم وأعيانهم أو بدونها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(9/6015)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان الشاب قد فعل ذنبا مثل الاستمناء وبعد ذلك تاب منه بعد أن قرأ عدداً من المواضيع المتعلقة بهذا الموضوع في هذه الشبكة. أريد أن أعرف هل اذا تاب الله على من هذا الذنب هل أحاسب على مافعلته سابقا يوم القيامة أو في القبر وهل إذا تاب الله عليّ هل يساويني يوم القيامة بمن لم يفعله قط?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب توبة صادقة مستوفية لشروطها وأركانها وذلك بالندم على ما فات والإقلاع عن الذنب والعزم على أن لا يرجع إليه في المستقبل، فمن فعل هذا فقد وعده الله عز وجل بقبول التوبة وتبديل السيئات حسنات.
قال الله سبحانه:
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان:70)
وقد روى ابن ماجه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " وحسنه الألباني.
فعلى الأخ السائل أن يصدق الله عز وجل في توبته حتى يظفر بهذا الوعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(9/6016)
العبادة البصيرة مع التوبة تكفير للسيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتوب ونجعل نفسنا لا تفكر إلا في الله وحده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من طبيعة الإنسان أنه كثير الخطايا والذنوب إلا من عصمه الله تعالى، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون رواه الدارمي عن أنس رضي الله عنه.
ومن رحمة الله بعباده ولطفه بهم أنه فتح لهم باب التوبة والاستغفار من الذنوب، فقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] .
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم.
وإذا تقرر أن الإنسان كثير الخطايا فإن عليه أن يداوم على طاعة الله تعالى ويعبده على بصيرة، وإذا صدرت منه هفوة أو خطيئة فليبادر إلى التوبة والاستغفار، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] . ولمزيد للفائدة راجع الفتوى رقم:
5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(9/6017)
ماهية توبة من تصرف في مال اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن لشخص أن يكفر عن معصية ارتكبها وهو نادم على ما فعل وتاب إلى الله واستغفر له كثيرا والمعصية التي ارتكبها هي أكل مال أيتام اؤتمن عليه فصرف جزءا منه فكيف يكفر عن ذنبه أفيدونا أعزكم الله وهو على استعداد ليفعل أي شيء ليكفر عن ذنبه وهو الآن في حالة تأنيب ضمير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى الأخ السائل أن يكثر من حمد الله تعالى على توفيقه له وهدايته للتوبة قبل حلول الأجل ومجيء الموت، والتوبة لا تقبل إلا إذا اجتمعت فيها أمور:
الأول: الندم على فعل الذنب.
الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الثالث: العزم على أن لا يعود إليه في المستقبل.
والرابع: رد المظالم إلى أهلها.
فالواجب على الأخ السائل أن يرد هذه الأموال التي أخذها إلى أصحابها إن كانوا أحياءً، أو إلى ورثتهم إن كانوا قد ماتوا.. إن كان قد أخذها بغير حق.
هذا، وننبه الأخ السائل إلى أن والي اليتيم إن كان فقيراً محتاجاً جاز له أن يأخذ من مال اليتيم بقدر قيامه عليه، لقول الله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف [النساء:6] .
واختلف العلماء.. هل يجب عليه أن يرد ما أخذ إذا أيسر بعد ذلك؟ فأوجبه بعضهم ولم يوجبه آخرون، والأحوط الأبرأ للذمة رده إليهم إذا أيسر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(9/6018)
لا يلزم من حب الله للعبد أن يحبه الخلق كلهم
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتكت لي إحدى قريباتي من أنها دائما لا تجد قبولا من الأخريات أوتوافقا معهن وما أن تنشأ علاقة مع إحدى صديقاتها إلا سرعان ماتحصل نفرة بينهن وتنقطع العلاقة أو تفتر رغم ما تشتهر به هذه المرأة من حسن خلق وأدب جم وعفة وعدم إكثار الكلام فى الأمور التافهة وهي الآن قلقة جدا لهذا الشأن وتعتبر أن هذا دليل على عدم حب الله تعالى لها لأن حب الله يقتضي أن يوضع القبول للعبد فى الأرض فيحبه الناس كذلك ورد لأن المؤمن يألف ويؤلف. فما هو موقف هذه المراة من الآخرين وماهو وضعها وموقفها من هذا الأمر. افيدونا رحمكم الله فالمرأة تعيش حالة تتألم فيها بسبب خوفها من غضب الله عليها وعدم قبولها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ليس من اللازم إذا أحب الله عبداً أن يحبه كل الناس، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جلُّ أهل مكة يكرهونه.
ولو نظرنا إلى التاريخ لرأينا أناساً كثيرين أوذوا، وكان أهل عصرهم يكرهونهم مع أنهم من أهل الحق والخير والصلاح، وذلك بسبب الجهل أو الغفلة أو التعصب أو الشهوات أو الشبهات أو غير ذلك.
لكن على هذه الأخت أن تراجع نفسها، وتنظر في أسباب ذلك فقد يكون سببه أسلوبها مع الآخرين، وطباعها في التعامل معهم.
ونسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وراجعي الفتوى رقم والفتوى رقم 20634 17279
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1423(9/6019)
كيف يستدل العبد على محبة الله له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر دائماً أن الله يحبني ويحميني كيف لي أن أتأكد من ذلك؟ علماً أنني سيدة مؤمنة بالله ومحافظة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشعورك أن الله تعالى يحبك ويحميك نعمة عظيمة يجب عليك المحافظة عليها وشكرها، وعدم إفسادها بوساوس الشيطان ومكايده الخبيثة.
وعلامة محبة الله للعبد هي توفيقه إياه لطاعته، وصرفه عن معصيته، وإجابة دعائه، وتثبيته عند ابتلائه. إلا أن بعض الناس يظن أن الله تعالى إذا لم يوسع عليه في الرزق، ويمنحه الصحة والعافية ونحو ذلك، فإن ذلك دليل على أنه لا يحبه، وهذا اعتقاد باطل، وقد تولى الله الرد على أصحابه، فقال: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا....... [الفجر] .
أي ليس الأمر كما زعم، بل إن الله تبارك وتعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم روى الترمذي وحسنه:.....وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
ولذلك كان "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه" فقد روى الترمذي وصححه، وصححه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة.
ولذلك ينبغي لنا أن نستشعر محبة الله تعالى لنا إذا وقفنا لطاعته وثبتنا عند بلائه، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش به ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته.
ومعنى الحديث: أن الله إذا أحب عبده وفقه في هذه الأعضاء فاستعملها في طاعته.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الإمام الخطابي قوله: هذه أمثال.. والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله. انتهى
ويدل على هذا رواية: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي. قال الحافظ ابن كثير: فمعنى الحديث: أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل.. فلا يسمع إلا لله ولا يبصر إلا لله أي ما شرعه الله له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل مستعيناً بالله في ذلك كله.
ولهذا جاء في بعض رواية الحديث الصحيح بعد قوله: ورجله التي يمشي بها: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي....
وليس في هذا الحديث دليل لعقيدة وحدة الوجود كما زعم ذلك هؤلاء الغلاة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ليس المراد أني كنت نفس هذه الأعضاء والقوى كما يظنه أعداء الله أهل الوحدة، وأن ذات العبد هي ذات الرب تعالى الله عن قول إخوان النصارى علواً كبيراً، ولو كان كما يظنون لم يكن فرق بين هذا العبد وغيره، ولا بين حالتي تقربه إلى ربه بالنوافل وتمقته إليه بالمعاصي، بل لم يكن هناك متقرب ومتقرب إليه، ولا عبد ولا معبود ولا محب ولا محبوب.. فالحديث كله مكذب لدعواهم الباطلة من نحو ثلاثين وجهاً تعرف بالتأمل الظاهر، وقد فسر المراد منه قوله: كنت سمعه وبصره ويده ورجله ... بقوله: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي.....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1423(9/6020)
التوبة واجبة مدى العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أفعل الصغائر عادة ثم أعلن توبتي لله وأبكي ليغفر لي ثم أعود للذنب مرة إخرى في لحظة ضعف وهذا الأمر يؤرقني كثيرا مع العلم أني مداوم على الصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن والصيام ثلاثة من كل شهر وهذا يؤلمني أكثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده التوبة وأمرهم بها فقال جلا وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة. رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه.
وبالجملة فإن التوبة واجبة على المسلم من جميع الذنوب صغائرها وكبائرها، ومن وفقه الله تعالى لاجتناب الكبائر والتوبة من الصغائر فهذه نعمة عظيمة ينبغي للمسلم أن يحمد الله عليها، وليسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
وقال السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، وانظر إلى عظمة من عصيت.
ومن علامات قبول التوبة أن يستمر العبد على الاستقامة على دين الله تعالى.
والحاصل أن عليك أن تلازم التوبة والاستعغفار كلما صدر منك ما لا يرضي الله تبارك وتعالى وتندم على ذلك، وتنوي ألا تعود إليه فيما بقي من العمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1423(9/6021)
هل تسقط التوبة الواجبات والحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الذي يمشي مع الجنازة وهو القاتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قتل نفساً معصومة الدم عمداً وجبت عليه التوبة وتسليم نفسه لأولياء الدم فإما أن يقتصوا منه، وإما أن يعفو عنه بدية أو بغير دية، ولا يكفيه مجرد التوبة، فإن التوبة يرجى لها أن تسقط الذنوب، ولكنها لا تسقط الواجبات والحقوق، وهذا أمر معلوم، وكلام أهل العلم فيه لا يخفى، ومن قتل نفساً خطأ فعليه الكفارة، وهي تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وتلزم عاقلته الدية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(9/6022)
هوان المسلمين ... قل هو من عند أنفسكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أين كرامة الإسلام في هذا الوقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام في ذاته دين كريم، لا يتخلف عنه هذا الوصف في أي حال من الأحوال، وفي أي زمن من الأزمنة.. ذلك لأنه الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس جميعاً، ولا يقبل من الناس ديناً سواه، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ [آل عمران:19] .
وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] .
ولعل مقصود السائل ما عليه المسلمون اليوم من ذل وهوان، وضعف وتخلف، وازدراء واحتقار من دول الكفر، فإن هذا إنما هو بسبب تهاون المسلمين في التمسك بدينهم وضعف الإيمان في القلوب، ولا علاج له إلا بالعودة إلى هذا الدين والتمسك به عقيدة وعملاً، روى أبو دواد في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. إسناده صحيح ورواه أحمد بألفاظ مقاربة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1423(9/6023)
من هم بحسنة فلم يعملها تكتب حسنة كاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[معروف أن من هم بعمل ولم يعمله كتبت له حسنة
سؤالي:
إذا أراد الشخص قيام الليل ووضع المنبه عند قيامه (تكاسل) وعاد ونام هل تكتب له حسنة أم لا
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ لمسلم، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ: "إِنّ الله كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ. ثُمّ بَيّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عَزّ وَجَلّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ... وَإِنْ هَمّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا الله سَيّئَةً وَاحِدَةً"
فهذا الحديث الشريف يفيد أن من عزم على فعل طاعة وعقد قلبه على ذلك كتبها الله تعالى حسنة كاملة، قال ابن حجر في الفتح: قال الطوفي: إنما كتبت الحسنة لمجرد الإرادة، لأن إرادة الخير سبب إلى العمل، وإرادة الخير خير، لأن إرادة الخير من عمل القلب. ا. هـ
والمقصود بالهم هنا: العزم المؤكد والحرص على الفعل، كما ورد في الحديث الذي رواه أحمد عن خريم بن فاتك، قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن هم بحسنة حتى يشعرها قلبه، ويعلم الله -عز وجل - ذلك منه كتبت له حسنة ... الحديث" وحسنه الأرناؤوط.
وسواء كان تركه لفعل ما هم به لمانع أو لغير مانع، فإنه يثاب على عزمه على الفعل ما لم يقصد تركه والإعراض عنه كلية، قال المناوي في فيض القدير: سواء كان الترك لمانع أم لا، قيل: ما لم يقصد الإعراض عنه جملة، وإلا لم تكتب. ا. هـ لكن يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع، فإن كان المانع خارجياً كان الأجر أعظم. كما أفاده ابن حجر في الفتح.
وبناء على ما سبق، فإنه يكتب للسائل ما نواه وهم به على الوجه المذكور في السؤال، وإن لم يفعل، ما لم يعرض عنه جملة، بقطع النية وتحويلها إلى نقيضها.
وليعلم أن الثواب الذي يكتب هنا لا يساوي الثواب المكتوب مع فعلها، لأن الفاعل يجمع له ثواب الهم مع ثواب الفعل، والهام يكتب له ثواب الهم وحده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1423(9/6024)
وصية ذهبية من الله ورسوله للذين لا يجدون النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
1-هل قدما المرأة عورة؟
2-أخ يحب فتاة ملتزمةً وعمره 25سنة وحالته المادية مزرية لا يستطيع طلبها للزواج فما هو الحل
أرجو الإفادة؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في فتوى سابقة برقم:
8116 بيان أن قدم المرأة عورة يجب ستره عن غير المحارم كما يجب ستره في الصلاة. فليرجع إلى الفتوى المذكورة.
وأما الشاب الذي لا يستطيع الزواج لإعساره فنوصيه بما أوصى الله عز وجل هذا الصنف من الناس، فقال سبحانه وتعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] .
فهذا أمر من الله عز وجل لمن لم يجد تزويجاً بالتعفف عن الحرام، وعن كل ما قد يوصله إلى الحرام، فيتعفف عن النظر إلى غير المحارم من النساء، وعن ربط علاقات مع الفتيات، وليعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وننصح الأخ السائل بحفظ بصره، وصرف قلبه عن هذه الفتاة طالما أنه لا يستطيع أن يتقدم لزواجها، وعليه أن يشتغل بما هو نافع له من أمور الدنيا والآخرة حتى يجعل الله له فرجاً، وسيجد حينها فتيات ملتزمات كثيرات يردن الزواج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(9/6025)
شعور العبد بالتقصير في حق الله خير له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم الحمد لله أنا أصلي وأصوم وأزكي ولا أزني ولا أشرب الخمر ولكن أشعر بأنني مقصر في حق الله ولا أدري كيف السبيل لإزالة هذا الإحساس]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد مهما فعل من الأعمال فإنه لن يوفي الله عز وجل حقه.
فلا بد من الشعور بالتقصير، ولربما كان هذا الشعور خيراً للعبد من بعض الأعمال الصالحة التي يقوم بها.
كما أن هذا الشعور بالتقصير يكون دافعاً إلى الاستغفار والتوبة والخوف من عقاب الله، والشعور بالحاجة له والفقر إليه، والتذلل له والمسكنة بين يديه.
وكل هذه عبادات جليلة يحرم منها العبد يوم أن يشعر بأنه قد وفى الله عز وجل حقه، وقام بما له عليه.
وأنت تقرأ في القرآن قول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ *وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:57- 60) .
وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا، يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات. وروى ابن ماجه قريباً منه.
والإنسان لا يزال بخير مادام يشعر بأنه مفرط مذنب ليكون ذلك دافعاً إلى الاستزادة من الصالحات، والإكثار من الاستغفار، ولعله بعد ذلك أن يحظى بالقبول عند الله تعالى. نسأل الله أن يتقبلنا جميعاً في عباده الصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(9/6026)
كيف تتحلل من مظالم العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشادة كلاميه بين اثنتين من النساء في السوق وقامت إحداهن بصفع الأخرى على وجهها لأنها سبتها ثم ندمت على ذلك وهى تريد التكفير عن هذا الذنب علما بأنها لن ترى هذه المرأة مرة أخرى حتى تطلب منها العفو ... أفيدونا أفادكم الله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذه المرأة التوبة إلى الله عز وجل من المظلمة التي وقعت فيها، وللتوبة أركان لا تصح إلا بها وهي أربعة: الندم على مافات، وترك الذنب في الحال، والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، والتحلل من مظالم العباد.
ومن لم يجد المظلوم ليتحلل منه وكانت مظلمته غير مالية فليكثر من الاستغفار له والدعاء وينوي إن وجده أن يتحلل منه ولو في الآخرة، قال العلامة المرداوي رحمه الله في كتابه الإنصاف: فأما إن كان المظلمة لميت في مال رده إلى ذريته، فإن لم يكن له وارث فإلى بيت المال، وإن كانت للميت في عرضه كسَبِّه وقذفة فينوي استحلاله إن قدر في الآخرة، أو يستغفر له حتى يرضيه عنه. انتهى 12/ 58.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(9/6027)
الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أجبر نفسي على المداومة على الصلاة في جماعة وغير الجماعة؟؟؟ وكيف أمنع نفسي من فعل الفواحش من نظر للأجانب وغيرها من تبعاتها المهلكة؟ ولكم جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسعيك إلى الارتقاء بنفسك في مدارج الصلاح ومجاهدتها على الخير أمر عظيم، وهو دليل على أنك قد وضعت رجلك على طريق الهداية إن شاء الله، فالله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله. رواه أحمد والترمذي.
وقد قال القائل:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ولمعرفة الوسائل المعينة على فعل الطاعة والثبات عليها، انظر الفتاوى التالية أرقامها:
17666
1891
10943
9195
16976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6028)
التوبة النصوح رجعة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تاب أحد وخاف الله فكيف يرجع إلى الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه ففي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وللتوبة شروط مبينة في الفتوى رقم:
5450.
فإن كان قد اقترف من العمل ما يخرجه من دائرة الإسلام فيجب عليه أن ينطق بالشهادتين، وليس له أن يغتسل، وانظر الفتوى رقم:
11140.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1423(9/6029)
الذين آمنوا أشد حبا لله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيدنا وحبيبنا محمد عليه وعلى آله السلام
أنا طالبة أبلغ من العمر 19 سنه كيف أعشق الله عز وجل؟ أي كيف أجعل حب الله سبحانه وتعالى أعمق من حبي لأهلي ونفسي وكل شيء في الوجود....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حب الله عز وجل أصل عظيم من أصول الإيمان، ومصدر السعادة للإنسان في دنياه وأخراه، فبه تتحقق حلاوة الإيمان، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما....... الحديث.
هذه هي منزلة حب الله تعالى، أما كيف يتم تحقيقها، وجعلها مقدمة على حب كل شيء؟ فإن ذلك يتم بعدة أمور منها:
أولاً: يقين المرء بأن الله تعالى هو الذي أوجده من العدم، وأسبغ عليه الظاهر والباطن من النعم، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:18] .
ثانياً: التفكر في ملكوت السموات والأرض، وفي عظيم مخلوقاته التي تدل على عظمة خالقها، وبديع صنعه فيها.
ثالثاً: تدبر أسمائه وصفاته التي تدل على رحمته وإحسانه، وعلمه وحلمه، ولطفه بعباده، فإن تدبر هذه الصفات يورث القلب محبة وإجلالاً لله سبحانه.
رابعاً: العلم بأن ما في هذه الدنيا من محبوب من نفس أو أهل أو مال، إنما هو من إكرام المنعم العظيم سبحانه وتعالى، فمحبته أولى بأن تقدم على محبة كل محبوب.
خامساً: اليقين التام بأنه لا يكمل الإيمان إلا بتقديم محبته سبحانه وتعالى على محبة كل شيء في هذه الدنيا.
سادساً: دعاء الله تعالى أن يرزقك حبه، وأن يجعل حبك له مقدماً على حب كل شيء، وقد روي عن داود عليه السلام أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي وأهلي ومن الماء البارد". وهذا الدعاء وإن كان ورد بإسناد ضعيف أخرجه الترمذي؛ إلا أنه لا بأس بالدعاء به.
نسأل الله تعالى أن يحقق مبتغاك، وأن يصدق رغبتك.
وننبه الأخت السائلة في ختام هذا الجواب إلى أنه لا ينبغي إطلاق لفظ العشق في حق الله عز وجل، لأنه لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة، بل لم يرد عن أحد من السلف الصالح من هذه الأمة.
ولما قد يشتمل عليه من مدلول غير شرعي، لذا فالواجب الاقتصار على ما ورد به الشرع وهو لفظ "حب الله تعالى أو محبته".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1423(9/6030)
كيف يحقق الإنسان الندم على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت في ذنب عظيم لكني لا أجد من نفسي ندما حقيقيا فماذا أفعل كي أندم حقا؟ وهل تأخير التوبة ذنب يحتاج إلى توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة من الذنب واجبة على الفور باتفاق العلماء ولا يجوز تأخيرها، بل يصبح تأخيرها معصية أخرى تحتاج إلى توبة.
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: والتوبة واجبة على الفور، فمن أخرها زماناً صار عاصياً بتأخيرها، وكذلك يتكرر عصيانه بتكرار الأزمنة المتسعة لها، فيحتاج إلى توبة من تأخيرها، وهذا جار في تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات.
إذا تقرر هذا، فإن الواجب عليك المبادرة إلى التوبة من هذا الذنب، وإن من شروط التوبة الندم على الذنب الذي اقترفته، ولكي يتحقق هذا الندم عليك أن تتبع الآتي:
أولاً: أن تتذكر عظمة من عصيت، فهو المنعم عليك بشتى النعم، فكيف تقابل نعمه بالعصيان؟! فإن جزاء الإحسان الإحسان لا الإساءة، وإذا كان هذا لا يليق بين الخلق، فكيف يليق فعله مع الخالق سبحانه؟!.
ثانياً: أن تعلم أن هذه المعصية قد تكون سبباً في سخط الله عز وجل عليك، خاصة مع عدم الندم على فعلها، فيكتب عليك سخطه إلى أن تلقاه.
ثالثاً: أن تتذكر أن هذه المعصية قد تكون سبباً في إصابتك بالبلاء والفتن، فكم من الأمم أو الأفراد قد ابتلوا بالمصائب والهلاك بسبب ذنوبهم.
رابعاً: ألا يغيب عن ذهنك أنك ربما إذا مت على هذا الحال دون الندم على ذنب قد فعلته أنك سوف تجده مكتوباً في صحيفة أعمالك يوم القيامة، فتندم حين لا ينفع الندم.
وفي الختام فلتتدبر قول الله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:54-58] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1423(9/6031)
من أسباب الحرمان من الذرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي الكبيرة تدخن الشيشة (الكدو) وسبب ذكري لأنها لم تنجب الذرية من 8 سنوات فما الحل أولا؟ والحكم ثانيا؟ أفيدونا رعاكم الله وسدد خطاكم وجعل الجنة مأواكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن أجبنا على شرب الشيشة في الجواب رقم 1671 فليراجع ففيه حكم شرب الشيشة مفصلاً.
أما حكم حل مشكلة الأخت المذكورة فهو في تقوى الله عز وجل وامتثال أوامره وترك نواهيه، والتوبة إلى الله عز وجل مما مضى من ارتكاب المعاصي وكثرة الاستغفار، فإن الاستغفار من أقوى أسباب الرزق والأولاد، كما قال تعالى حكاية عن نوح عليه الصلاة والسلام (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح:10-12) وفي مسند الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " فعلى الأخت أن تتقي الله عز وجل، وأن تلجئي إليه، وتكثري من الاستغفار والصدقة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1423(9/6032)
مهمل الصلاة ... ضيق في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[معرفة نص الحديث الشريف الدال على أن الله لا يبارك لا في الوقت ولا في العمل الذي يسبب الجمع في الصلاة أو تأخيرها إلى ما بعد وقتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نجد حديثاً يدل على ما ذكرت بلفظه فيما اطلعنا عليه من كتب السنة، لكن دلت عموم نصوص الشريعة على الضيق الذي يكون فيه المهمل لصلاته المفرط في طاعة ربه في الدنيا والآخرة، منها قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه: 124- 125- 126] .
ومعلوم أن هدف الصلاة هو ذكر الله تعالى، كما قال عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] .
وقال سبحانه وتعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
وقال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء [الأنعام:125] .
ولا شك أن الرزق لا ينحصر في الماديات كالمال والبنين والعز والسلطان، بل يتعدى ذلك إلى الراحة النفسية، وانشراح الصدر، والإقبال على فعل الخير، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فعل المعاصي يحرم الرزق، كما روى الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. وحسنه الأرناؤوط.
وإهمال الصلاة بتأخيرها حتى يخرج وقتها ذنب كبير لا يقدم عليه إلا من رق دينه، وضعف إيمانه، وبعد عن ربه، إذ المؤمن الصادق الإيمان هو الموصوف بقوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:2-3] .
وقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1423(9/6033)
خطة مقترحة للحفاظ على الوقت بالنافع
[السُّؤَالُ]
ـ[في معظم أوقات الدراسة اجد عندي حماساً شديداً ورغبة في قضاء الإجازة في طاعة الله ولكن عندالإجازة لا أجد هذا الحماس ويعتريني حزن شديد داخلي فكيف أقاوم إغراءت الإجازة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم:
1208 والفتوى رقم:
6496 وسائل الاستقامة والثبات.
ومما يعينك على حفظ وقتك وشغله بالطاعة أن تجعل لنفسك مشروعاً علمياً ودعوياً وتربوياً تقضيه أثناء هذه الإجازة كإتمام كتاب في الفقه على يد عالم، أو الاطلاع على كتاب من كتب التراجم والسير التي تشد الإنسان إلى سير الأعلام والاقتداء بهم، ومن أحسن هذه الكتب كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله.
وجالس العلماء وأكثر من زيارتهم، واتخذ صحبة صالحة تدلك على الخير وتعينك عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1423(9/6034)
التوبة من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج وزنيت بامرأة ومتألم جداً، ولا أنام في الليل وأكاد أقتل نفسي.... وأريد أن أفعل كل ما يمكنني من الخير حتى يغفر الله لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن الله فتح للمذنبين باباً اسمه التوبة، ومن تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا شك أن جريمة الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الذنوب، وتوبتك تتم بالإقلاع عنها، والعزم على أن لا تعود إلى هذا الذنب أبداً مع الندم على فعل ذلك، وأكثر من الخيرات والصدقات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وانظر الفتوى رقم:
5646 والفتوى رقم:
8065 والفتوى رقم:
17021 والفتوى رقم:
1602.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(9/6035)
معنى إطلاق الفقهاء عبارة (لا توبة له)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
من هم الذين لا توبة لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في من تاب توبة نصوحاً مستوفياً شروطها أن توبته مقبولة عند الله تعالى بإذنه، كما وعد بذلك في كتابه في قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
هذا فيما يتعلق بقبول التوبة في الباطن أي بالنسبة لله تعالى.
أما عن قبول التوبة في الظاهر فقد يطلق الفقهاء على بعض أصناف الخلق أنهم لا توبة لهم، كقولهم: لا توبة للزنديق وهو المنافق، وكقولهم: في بعض الجرائم المتعلقة بالحدود كالسرقة -مثلاً- أنها إذا رفعت إلى الإمام لا توبة لصاحبها، فإنهم يطلقون هذه العبارة يريدون بذلك أنه لا تقبل توبته بحيث يخلى بلا عقوبة، بل يعاقب، إما لأن توبته غير متيقنة بل يظن به الكذب كما هو الحال في الزنديق، أو لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم، وسد باب العقوبة على الجرائم كما هو الحال في بعض جرائم الحدود التي تبلغ السلطان، وقد ذكر مضمون هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 18/189.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(9/6036)
قصاص يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
سؤالي هو: هل سيحاسب الإنسان على ما فعل بإنسان آخر في الدنيا كأن ضربه مثلا وتسبب له بالمرض نتيجة معاناة من مرض نفسي ولم يقصد أذيته وندم على ما فعل ويندم يوميا في كل صلاة لأن الشخص عزيز عليه جدا جدا جداً ولم يعلم أحد سوى هذين الشخصين. فهل يوم القيامة يفضح هذا الإنسان أمام البشر عن ما فعل في هذه الدنيا الفانية أم سيستر الله عليه في الدنيا والآخرة ويكون الحساب بينه وبين الله سبحانه وتعالى فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد وردت النصوص الشرعية الكثيرة بإثبات المقاصة بين العباد يوم القيامة فيما كان بينهم من المظالم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ". رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة. رواه البخاري.
فهذه النصوص وأمثالها كثير تدل على أن المظلوم يلقى ظالمه، ويأخذ منه حقه لا محالة، فعلى المسلم أن يتحرز أشد التحرز من حقوق العباد، فإن الله عز وجل يقول: وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً [طه:111] .
ومن وقع في شيء من ذلك في الدنيا، ثم من الله عز وجل عليه بالهداية إلى التوبة، فعليه أن يعلم أن شروط توبته رد المظالم والتحلل منها، فمن ضرب مسلماً بغير حق وأراد أن يتوب، فعليه أن يمكن المضروب من نفسه ليقتص لنفسه أو يعفو، فإذا حصل أحد هذين الأمرين، فقد تحلل من هذه المظلمة، وبقي عليه أن يستوفي باقي شروط التوبة، وهي الندم على ما فات، وترك الذنب في الحال، والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(9/6037)
عدم التوفيق ... الداء والدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما علاج عدم التوفيق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أكبر سبب لعدم التوفيق هو ارتكاب الذنوب والمعاصي نسأل الله العافية، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وقال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] .
والعلاج يكون بأمور منها:
1- البعد عن الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها.
2- المحافظة التامة على الواجبات وبذل الوسع في سبيل الإكثار من المستحبات.
3- اللجوء إلى الله تعالى.
4- التوبة والندم عند حصول الذنوب.
5- ارتياد مجالس الخير والبركة، والبعد عن مجالس الشر والمقت.
6- لابد من عدم إغفال العمل بالأسباب.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والثبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(9/6038)
إن مع العسر يسرا
[السُّؤَالُ]
ـ[-أنا شاب جزائري. جديدالتدين، ورغم أني محافظ على الصلاة فإن الحظ لا يحالفني فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التزام العبد بدينه، وطاعته لربه سبب للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: من الآية97] .
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] .
وقال تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] .
وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:12] .
إلا أن بعض الناس ينظر إلى هذه النصوص مجردة عن بقية نصوص الكتاب والسنة، ويريد لأنه استقام وصلح حاله مع الله أن يتبدل حاله بين عشية وضحاها، وهذا ما لم يتحقق لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أكل هو وأصحابه أوراق الشجر، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] .
وأفعال الله تعالى كلها على مقتضى الحكمة، فمن أعطاه ووسع عليه فلحكمة، ومن ضيق عليه فلحكمة، والخير للمؤمن فيما فعله الله به، وانظر الفتوى رقم:
17831 والفتوى رقم: 17416.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(9/6039)
العاقل من يعد الزاد لما بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
أبلغ من العمر 20عاماً. وطوال عمري أتوب وأصلي ثم أرجع إلى أن قررت الاستقامه والحمد لله استقمت ولكني ظللت أنتكس وأتوب وفي كل مرة كنت أصحح شيئاً في توبتي إلى أن استقمت تماما وظللت مستقيما لمدة 6 أشهر ولكني لم أشعر بأي راحة نفسية ولا بحلاوة الإيمان وكنت أقف مع نفسي في كل شيء وكنت أدعو بالإخلاص وتذوق حلاوة الايمان. والآن قد انتكست انتكاسه كبيرة ولا أصلي ولا أشعر بأي فرق ولكني أخاف الموت على هذا الحال وأريد أن أرجع وأريد أن أشعر بنتيجة ولا أعرف ماذا أفعل
ملحوظة:
قرأت شكوى مشابهة وأجابها الشعراوي بأن الشيطان قد أفسد العبادة فكيف هذا. أرجو الإجابة بسرعة وبالتفصيل الشديد لإنقاذ مسلم.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان في هذه الدنيا مبتلى، وهو محاط بأعدائه، من النفس والشيطان والهوى، وأصدقاء السوء، والمؤمن العاقل، من يتيقن أن الجنة هي الوطن والمستقر، وأن الدنيا دار معبر، فليشمر بالجد والاجتهاد، وليتقوَّ بسلاح العلم والإيمان ليدحر جند الشيطان ويكسب رضا الرحمن.
وليتيقن السائل أن حلاوة الإيمان في الاستقامة تتأتى إذا فرغ القلب أولاً من رجس الشيطان وصدق في التوبة، وابتعد عن رفقاء السوء، وجالس رفقاء الخير، فليجدد التوبة، خاصة من ترك الصلاة، لأنه أمر عظيم ومن كبائر الذنوب، ولا يزال يرجى له الخير ما دام يذكر الموت، فليعد لهذا اليوم عدته بالإيمان والعمل الصالح.
ولمزيد الفائدة فلتراجع الفتاوى تحت الأرقام التالية:
12744 1909 6061
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1423(9/6040)
إلا أن تكونوا باكين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث على كراهية زيارة مواطن الذين ظلموا أنفسهم مثل:البحر الميت مدائن صالح. بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي المسلم عن الدخول إلى مواطن العذاب والمرور بها؛ إلا أن يكون المار باكياً خاشعاً.
فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم.
وكان هذا النهي منه صلى الله عليه وسلم لما مر مع أصحابه بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك.
وقد ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإلقاء العجين وإهراق الماء الذي استقوه من تلك الأرض؛ إلا ما استقوه من بئر الناقة. كما هو مبين في الفتوى رقم:
7761.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب.
فإذا أراد الإنسان الدخول أو المرور بديار العذاب فليكن على حالة من الخوف والبكاء عند دخوله وأثناء تواجده فيها، وإلا فلا يدخل.
قال الحافظ ابن حجر: قوله: إلا أن تكونوا باكين ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائماً عند كل جزء من الدخول، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية ... ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه امرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وأمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمة بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك.
والتفكر وأيضاً في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل مثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم. انتهى
لكن هل البحر الميت ومواطنه هو من مواطن العذاب حتى يشمله الحكم؟ انظر في ذلك الفتوى رقم:
8646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/6041)
علامات ودلائل حب الله لعبده
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف العبد أن الله يحبه بعد ما يفعل الأسباب التي تنال بها محبة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من علامات حب الله تعالى لعبده المؤمن أنه يحس أنه يحب الله ورسوله، وأن يكونا أحب إليه مما سواهما، ومن نفسه التي بين جنبيه، وأن يكون مستقيماً على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، مواليا للمؤمنين ومحباً لهم ومتواضعا معهم ... مبغضاً للكافرين وغير موال لهم.
فمن توفرت فيه هذه الصفات فهو من أولياء الله وأحبائه.
فقد كانت هذه صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود [الفتح:29] .
وقال تعالى: فسَوْف يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54] .
ومن صفات أحباب الله ورسوله ما رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي.
والقرآن الكريم والسنة المطهرة مليئان بصفاتٍ من اتصف بها أحبه الله ومنها: التوبة والطهارة، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم:
4014 والفتوى رقم:
20551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1423(9/6042)
ثواب الحمل والوضع والرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه ورد عن النبي أن الأم إذا وضعت مولوداً كفرت عنها جميع خطاياها؟
أرجو الإجابة بسرعة والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد عدة أحاديث في فضل الحمل والوضع والرضاع ومنها:
ما رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه، أن حاضنة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم: قالت: يا رسول الله تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء.... فقال: أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر في سبيل الله، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين، فإذا أرضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها ولم يمص منها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة، فإن أسهرها ليلة، كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله....
قال الهيثمي في المجمع 4/305: فيه عمار بن نصير وثقة ابن حبان، وصالح جزرة ضعفه ابن معين وغيره وبقية الرجال ثقات.
وما روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة في حملها إلى وضعها إلى قضائها كالمرابط في سبيل الله فإذا ماتت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد.
قال الهيتمي في المجمع 4/305: فيه قيس بن الربيع وثقة شعبة الثوري وضعفه غيرهما، وإسحاق بن إبراهيم الصيبي لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. انتهى
أما اللفظ الذي ذكرته السائلة فإننا لم نقف عليه، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
9924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1423(9/6043)
عدد كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو عدد الكبائر؟ وهل من الممكن أن تخبروني بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في عدد الكبائر، حتى أوصلها بعضهم إلى السبعين، بل إلى أكثر من ذلك، إلا أن العلماء قد ذكروا لها ضابطاً عاماً، يمكنك مراجعته في الفتوى رقم 4978 ومما صنف فيها: كتاب الكبائر، للإمام الذهبي، والزواجر عن اقتراف الكبائر. لابن حجر الهيتمي، فيمكنك مراجعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(9/6044)
قد غفرت لعبدي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله يجزاكم الخير على الموقع الجيد والمفيد
سؤالي / عملت عملاً محرماً وداومت عليه بعدها حلفت ألا أعمله. وجلست فترة وعملت وصمت 3 أيام كفارة
بعدها عملت وحلفت أيضا لعلي أجنب نفسي لكن خالفت الحلف وعملت. وأديت الكفارة بإطعام مساكين
وعملتها ثالثة وحلفت الآن وأحمد الله أني لا زلت بعيداً عن الحرام.
ما نصيحتكم لي وتعليقكم على فعلي؟
والله لا يحرمكم الأجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من شروط التوبة: الندم على ما فات من التفريط وعمل المعصية، ثم النية الجازمة ألا يعود الشخص إلى الذنب ما بقي من عمره أبداً.
والثالث: أن يتخلى العبد حال توبته ويقلع عن المعصية، ويقطع كل علاقة بما له صلة بها.
فإذا تاب الشخص من الذنب بهذه الشروط فإن توبته صحيحة ومقبولة إن شاء الله تعالى، قال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) [طه:82] وإذا صدر منه ذنب بعد ذلك بعد التوبة النصوح ثم تاب منه كذلك صحت توبته، لما في الصحيحين عن سلمان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تبارك وتعالى قال: " أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء "
فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
ونلاحظ أنك في المرة الأولى صمت ثلاثة أيام كفارة اليمين، وننبهك إلى أن الصيام لا يجوز إلا بعد العجز عن الإطعام والكسوة والعتق، والإطعام هو أفضلها لتقديمه في الآية الكريمة. قال تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [المائدة:89]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(9/6045)
كيف تستقيم على دين الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أتألم لما أصابني في هذه الدنيا، فالقابض على دينه كالقابض على الجمر، كنت من القابضين وأصبحت من المنتكسين، أرجو منك يا شيخ أن تعينني على السير إلى دين الله.... وإلا كنت من حطب جهنم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي ننصح به السائل الكريم هو تقوى الله تعالى، والإكثار من ذكره، ومراقبته في السر والعلانية، والتوبة إليه والإنابة، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] . وقال تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [الزمر:54] .
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا أخلص العبد التوبة لله تعالى غفرت ذنوبه مهما بلغت، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
بل سيحصل ما هو أفضل من ذلك، وهو أن يبدّل الله ما عمل من سيئات إلى حسنات، قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] .
والذي يعينك على الاستقامة، والسير في طريقها هو: الاستعانة بالله تعالى دائماً، وصحبة الأخيار والصالحين، والابتعاد عن الأشرار والفاسدين، فإن البيئة لها تأثير عظيم.
وعليك بحضور الدروس المفيدة، والاستماع إلى المواعظ النافعة، فكل ذلك مما يعينك على طاعة الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/6046)
تناول العلاج لا ينافي الصبر وثبوت الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله كل الخير على هذا العمل العظيم
أنا أمرأة متزوجة ولم أحمل ودائما أدعو الله بأن يرزقني الذرية الصالحة ولكني الآن بدأت بالعلاج بعد مرور زمن مع أني أريد أن أحصل على أجر البلاء لما له من عظيم الأجر فهل يا شيخ لو ذهبت للعلاج أكون غير صابرة على ما ألم بي وجزاك الله كل الخير على مساعدتك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
في البداية نسأل الله لك الذرية الصالحة، ثم لتعلمي أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى مع التوكل والصبر فهذه مريم بنت عمران كان يأتيها رزقها..أمرها الله تعالى بعد أن وضعت عيسى عليه السلام بقوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً [مريم:25] .
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل.
فدل هذا على أن العبد مأمور بالصبر على البلاء وعدم الجزع، ومأمور كذلك بأخذ الأسباب التي تحقق له المنافع وتكشف عنه المضار، ولهذا شرع الله تعالى لعباده الدواء والبحث عنه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء، إلا داء واحدا. قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: الهرم. رواه أصحاب السنن.
وعليه، فإن نصيحتنا للأخت هي أن تتوكل على الله وتلجاً إليه سبحانه بالدعاء ليرزقها الله بالذرية، ثم لا حرج عليها بالأخذ بالأسباب التي تفيد في الحصول على المراد، ولا تشتمل على محرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(9/6047)
الهدي النبوي لدى المرور بديار المعذبين
[السُّؤَالُ]
ـ[مأ حكم من شد الرحال لزيارة مدائن صالح لغرِض استلهام العبر؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ظاهر القرآن يدعو إلى السير في الأرض والتأمل في أماكن المعذبين، حيث تحدث سبحانه في كتابه العزيز عنها في أكثر من آية.. ومن جملتها قوله جل وعلا: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [فاطر:44] .
وقوله سبحانه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10] .
إلا أنه على الإنسان في حالة ذهابه إلى هذه الأماكن ألا يدخلها مسروراً ولا فرحاً، كما يفعل بعض من يذهبوا لتلك الأماكن بقصد النزهة والترفيه، وإنما عليه أن يأتيها للاعتبار بما حل بأصحابها من العذاب لمخالفتهم أمر الله عز وجل لينصرف عنها سريعاً مظهرا الحزن والبكاء، لما ثبت في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم.
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث الحث على المراقبة والزجر عن السكن في ديار المعذبين والإسراع عند المرور بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(9/6048)
الرجاء بالله كبير بقبول توبة مقترفي الفواحش
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمدلله والصلاة والسلام على رسولنا الحبيب محمد صلىالله عليه وسلم......
إذا زنا رجل وامرأة وأسفر هذا الزنا عن حدوث حمل ولذلك فإنهما قد تزوجا فهل يحاسبان يوم القيامة محاسبة الزناه؟ وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه والصلاة والسلام علي سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا وقع الإنسان في معصية الزنا فالواجب عليه المبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل، فإذا ما صدق العبد في توبته فإن الله أخبر في كتابه أنه سبحانه بمنه وكرمه سيبدل سيئات التائب حسنات، حيث قال جل ثناؤه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] .
ومن الآيات التي فيها رجاء كبير بقبول توبة أهل المعاصي قوله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
هذا في حق من تاب من المعصية.
أما المصر عليها والمداوم على فعلها ففي الآية السابقة أن الله توعده بالعذاب الإليم إذا لم يتدارك نفسه بالتوبة.
أما فيما يتعلق بحكم زواجك من هذه المرأة، وحكم الولد الذي جاءت به منك من الزنا، فراجع فيه فتوى سابقة تحت الرقم: 6012.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1423(9/6049)
هل يمكن أن يغفر الله للمنتحر
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لدي أخ وقد انتحر وهو شاب 21سنة وأريد أن أسأل ماذا أفعل لكي يغفر الله له مع العلم أنه كان محسناً ومؤدباً جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الانتحار جريمة عظيمة من كبائر الذنوب والآثام، كما هو مبين في الفتوى رقم:
5671، لكن أخوك هذا إن كانت له أعمال صالحة وقربات وطاعات فلعل الله يغفر له بها، فقد أخرج مسلم عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسِيَّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لكَ في حصنٍ حصينٍ ومنعةٍ؟ قال: حِصنٌ كان لدوسٍ في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجلٌ من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقِصَ له فقطع بها براجمَه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئتُهُ حسنةٌ، ورآه مُغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربُك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لِي أراك مُغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نُصلح منك ما أفسدت. فقصَّها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليَدَيْهِ فاغْفِرْ.
فأكْثِرْ له من الدعاء والاستغفار والصدقة، فإن ذلك ينفعه إن شاء الله، ونسأل الله أن يغفر له ذنبه، وأن يدخله الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(9/6050)
من لم يخف الله أخافه من كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل في الثلاثين من عمري أدرس علم الحاسب الآلي في دولة أوروبية، درست وعلمت نفسي بنفسي وصرفت على دراستي بنفسي، وفي أحد الامتحانات فقدت الثقة في نفسي بعد تحضير طال أكثر من ثلاثة أشهر وظننت أنني لا أستطيع إكمال دراستي، وظننت أنني إنسان غبي، فدب في قلبي الرعب الشديد والفزع والخوف والندم وأصبت بالإحباط الشديد، وظننت أنني سأموت. ولكني صممت على تقديم الامتحان والحمد لله أنني نجحت بتقدير جيد جداً وكنت على اقتناع أنني سوف أموت بعد تقديم هذا الامتحان، ومن يومها وأنا أحاول كسب الثقة في نفسي، أحياناً يأتيني الخوف من العمل وأحيناً أتشجع ولكن الخوف أقوى، وبعدها تكلمت مع أطباء نفسيين ومتخصصين في هذه الحالات، وطلبت من الله سبحانه الرحمة بي وشعرت بالقرب من الله سبحانه وتعالى وخفت من هذا القرب وشعرت أنني عملت كثيراً من المحرمات التي تجعلني أحاول الابتعاد عن ديني والنظر إلى الحياة حتى أنسى ما حصل بي من الندم والإحباط في لحظة فقدت كل طموحاتي وأهدافي، أحياناً تأتيني حالات خوف أثناء النوم لدرجة أن دقات قلبي كانت تتغير، وأشعر بالندم الشديد، والخوف من عقاب الله سبحانه وتعالى بسبب إسقاط الجنين من أمه، سؤالي ما هو تفسير وحكم القرآن الكريم في هذه الحالة، ما هو التفسير الإسلامي النفسي لهذه الحالة؟ وبارك الله فيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف والقلق في أحيان كثيرة يكون سببه الذنب والمعصية، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم الجواب الكافي: ومن عقوباتها -يعني المعاصي- ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أماناً، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيراً بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصداً إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء.
بذا قضى الله بين الخلق مذ خلقوا ... أن المخاوف والأجرام في قرن انتهى كلامه رحمه الله.
فننصح الأخ السائل بالتوبة الصادقة المستوفية لشروطها وأركانها، وذلك بأن يندم على ما فات من الذنوب، ويتركها في الحال، ويعزم على أن لا يعود إليها في المستقبل، فإن فعل هذا وعمل صالحاً وأناب إلى ربه فإنه سيشعر بالأمن والطمأنينة، فإن الله عز وجل يقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]
وحين يصلح الإنسان ما بينه وبين الله عز وجل فإنه لا يخاف من مجيء الموت، بل ربما يستبشر ويفرح إحساناً للظن بالله عز وجل، أن ينقله إلى النعيم المقيم.
وإذا انتبه الإنسان من غفلته علم أن هذه الحياة مرحلة من مراحل سفر طويل، فلا ينبغي أن تنال فوق حقها من الهم والعناية، بل هي مزرعة للآخرة، فيزرع هنا ليحصد هناك، وسيزول عنه اليأس والإحباط إن شاء الله، لأنه يعلم أن ثمار عمله سيجدها أمامه، وأن كل عمل نافع للمسلم ولأمته هو من أبواب الخير التي سيجازى عليها العبد في الآخرة.
والخلاصة أننا ننصح الأخ بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل، وإحسان الظن به، فإنه يتوب على من تاب؛ بل يفرح بتوبة عبده إذا تاب ليكرمه ويعطيه.
كما ننصحه بقراءة هذا الكتاب الذي سميناه له في أول الجواب، وهو كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وعنوانه:
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
وأما ما أشار إليه الأخ في سؤاله من إسقاط جنين من بطن أمه لم يبين لنا مراده حتى نجيبه، ولكن قد سبقت لنا أجوبة عن إسقاط الجنين، فلتراجع الأرقام:
2143 9332 14953
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(9/6051)
أجمع آية للخير والشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآية التي أمر الله بها بجميع الفضائل ونهى عن جميع الرذائل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن أجمع آية في القرآن بخير وشر قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. [النحل:90]
وهذا قول ظاهر الصحة، فإنه ما من خير إلاَّ وهو داخل تحت العدل والإحسان، وما من شرٍ إلاَّ ويشمله قوله سبحانه: الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ.
فكانت هذه الآية كما قال عنها هذا الصحابي الجليل أجمع آية للخير والشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(9/6052)
رب معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الحادية والعشرين..أحفظ القرآن الكريم كاملاً.. ووالدي من علماء الشريعة.
عصيت الله معصية عظيمة بأن دخلت على مواقع الجنس على الشبكة ولمدة تزيد عن ساعتين..
رأيت ما يكفي أن يجعلني أستمني.. وعندما أفقت من هذه النزوة أحسست بالخزي والألم
والذل واضطراب في عقلي وقلبي..هو إحساس مؤلم لا تصفه الكلمات..
حاولت في هذه الليلة أن اقوم الليل لعل هذا يقلل من الوزر..ولكني لم أستطع الوقوف أمام الله
تعالى أصلي وأنا مدنس بهذه الفاحشة.. لا أدري ماذا أفعل وكيف أتوب إلى الله.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن استخدام شبكة الإنترنت إذا لم يتم وفقاً للضوابط الشرعية قد يؤدي إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه من أنواع الانحرافات.
وإن ما وقعت فيه لا شك أنه إثم عظيم، خاصة من مثلك، إذا أنك ابن عالم من علماء المسلمين، وتحفظ القرآن كاملاً.
وعلى كلٍ، فالواجب عليك التوبة، بالإقلاع عن مثل هذا الفعل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، واعلم أن الله تواب رحيم واسع المغفرة، ولا يتعاظمه ذنب مهما بلغ، فالجأ إليه، وانطرح بين يديه، ولا تلتفت لوساوس الشيطان، فربَّ معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها بسبب ما أحدثه بعدها من التوبة، والانكسار، وزيادة الذل والخضوع لله رب العالمين.
والذي ننصحك به في هذا المقام هو اجتناب الدخول على الشبكة، وإن كان لابد فلا تكن وحدك في حالة خلوة، بل فليكن ذلك مع إخوانك من أهل الخير للاطلاع على مواقع الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(9/6053)
أجر من أسقطت جنينا واحتسبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدت طفلة في الشهر الثامن ولكنها توفيت في بطني قبل الولادة فهل أثاب على ذلك بأن تأخذ بيدي إلى الجنة كما جاء في الحديث القدسي " قبضتم ولد عبدي....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنص الحديث القدسي المشار إليه، هو ما رواه الترمذي وأحمد بسند حسن عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع!! فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه: بيت الحمد.
وهذا بعمومه يشمل السقط وغيره، لكن جاء في أجر احتساب السقط نص خاص، وهو ما رواه ابن ماجه وأحمد بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، إن السقط ليجر أمه بسَرَرِهِ إلى الجنة إذا احتسبته.
والسقط: الولد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه.
وقوله "بسرره" هو ما تقطعه القابلة، وهو السُّر، وأما السرة فهي ما يبقى بعد القطع.
ونسأل الله أن يخلف عليك خيراً، وأن يكرمك بهذا الأجر الوارد في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(9/6054)
المتحلي حقا بالخصال الحميدة يأنف من كل ذميم وقبيح
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم حلق اللحية ... وشرب الدخان ... والإسبال لغير التكبر.. مع العلم أنني محافظ على الصلاة في المسجد جماعة وأحاول حفظ القرآن وقذ بدأت في ذلك مؤخرا.. وأيضا ولله الحمد قد تجنبت سماع الأغاني..
ماهي النصيحة التي توجهونها إلي في شرب الدخان وحلق اللحية..
جزاكم الله كل خير ونفع بعلمكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من كانت فيه هذه الخصال العظيمة المحمودة عند الله تعالى كالمحافظة على الصلاة التي هي عمود الإسلام والناهية عن الفحشاء والمنكر.
وكارتياد المساجد بيوت الله التي لا يرتادها ويعمرها إلا المؤمنون، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. [التوبة:18] .
وكحفظ القرآن الذي هو من أفضل القربات وأعظم الطاعات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. أخرجه البخاري، وقال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا. [فاطر:32] .
وكاجتناب سماع مزامير الباطل، وما يتلى فيها من وحي الشيطان، استغناء واكتفاء بتلاوة وحي الله تعالى، والتغني به وتدبره.
إلى غير ذلك من الخصال المحمودة التي نتخيل أنها لابد أن تكون موجودة في أمثالك.
نقول: من كانت فيه الخصال المحمودة لا يتناسب مع حاله أن يصر على مثل هذه الخصال المذمومة والمعاصي التافهة المذكورة في السؤال.
بل يجب أن تنهاه صلاته وقرآنه عن كل ما نهاه عنه ربه جل جلاله، وأن يدفعه ما يتلوه من آيات الله البينات إلى التوبة إلى الله تعالى، توبة نصوحاً من جميع الذنوب والمعاصي، صغيرها وكبيرها، يقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [النور:31] ، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً. [التحريم:8] .
وعليك أيها الأخ الكريم أن تطلع على حكم حلق اللحية في الفتاوى التالية أرقامها:
3707
10895
2135
4451.
وحكم التدخين في الفتاوى:
7472
18761.
وحكم الإسبال في الفتاوى:
3900
5943.
ثم بعد كل هذا عليك أن تعلم أن الله جل وعلا قد يسلب من العبد الهداية إلى الحق والاستقامة عليه إذا تمادى في فعل المنكرات واقتحام المنهيات، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. [الأعراف:176] .
وقد نزلت هذه الآيات لبيان حال أحد عباد بني إسرائيل، فتنبه أيها الأخ!!
وقال تعالى عن ثمود: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. [فصلت:17] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/6055)
الحكمة من العبادات غير معقولة المعنى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا عدد ركعات الظهر 4 وليس 3 مثل المغرب إلى بقية الصلوات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عدد الصلوات، واختلاف أعداد ركعاتها من صلاة لأخرى، وعدد الجمار التي تُرمى في أيام النحر، وغير ذلك، هو من الأمور التعبدية غير معقولة المعنى بالنسبة للعباد. ولعل الحكمة في هذا النوع من التكليف هو الابتلاء والاختبار لمطلق التسليم لأمر الله تعالى، الذي هو من لوازم الإسلام، وليعلم أن هذا النوع من التكليف ليس هو الغالب في شريعة الإسلام، بل إن الكثير من الأحكام الشرعية معقول المعنى، سواء ظهر أنه معقول بالشرع كالصلاة، فقد قال تعالى في بيان حكمتها: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت:45] وكذلك الطواف ورمي الجمار، لما روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله عز وجل " أو ظهرت باستنباط العلماء لها، كقولهم في حكمة الإفطار في السفر إنها دفع المشقة، وبفهم القاعدة التي ذكرناها، يُزَال من الفهم كل ما يشوش على عقيدة المسلم من هذا الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1423(9/6056)
وصايا وتذكرة ونصائح ... تنفع المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد نصيحة نافعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وسنختصر للأخ السائل بعض النصائح منها:
أولاً: الوصية:
تقوى الله تعالى وصيته للأولين والآخرين، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131] .
وفي سنن الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
ثانياً: هذا سبيل محبة الله، ومحبة الناس، روى ابن ماجه في سننه عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك".
ثالثاً: اطلب العفة تنل الشرف، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
رابعاً: العلم النافع جماع ذلك كله، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة".
وفقك الله، وسدد على الخير خطاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/6057)
الممدوحون والمذمومون حال نزول الضر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم عندما تعترضني بعض المشاكل أجدُّ في العبادة واجتهد أكثر من السابق وأدعو الله مخلصاً بصدق طمعا في الاستجابة وحبا لرب العالمين فهل هذا فيه شيء من النفاق؟ لأني أخشى ذلك.
أعينوني أعانكم الله وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والتضرع إليه عند نزول البأس أو وقوع الضر لا يعد نفاقاً، بل يذم ترك ذلك، لأنه من الخير الذي جاء الشرع يحث الإنسان عليه، بل جعل الله المصائب والبلايا امتحاناً لعباده، وسبباً لإنابتهم وتضرعهم إليه، فقال سبحانه: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف:168] .
قال ابن تيمية أي: امتحناهم واختبرناهم بالسراء والضراء.
وقال سبحانه: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42] . وقال سبحانه: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43] .
قال ابن تيمية أي: هلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا فحقهم عند مجيء البأس التضرع.
وعاب الله على الذين لا يرجعون ولا يتضرعون إليه سبحانه عند نزول العذاب، فقال عز وجل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76] .
لكن المذموم هو من يتضرع إلى ربه في حال الشدة والضر، فإذا كشف عنه ذلك تنكر لنعم الله، قال تعالى -في هذا وأمثاله-: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس:12] .
وقال سبحانه: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً) [الإسراء:83] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والإنسان إنما يجأر إذا أصابه الضر، وأما في حال النعمة فهو ساكن إما شاكراً وإما كفوراً (ثُمَّ إِذَا مَسَكم الضُّرَّ فإليَه تجأرون) . (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) . ... إلى أن قال: فذم الله سبحانه حزبين: حزباً لا يدعونه في الضراء ولا يتوبون إليه، وحزباً يدعونه ويتضرعون إليه ويتوبون إليه، فإذا كشف الضر عنهم أعرضوا عنه وأشركوا به ما اتخذوهم من الأنداد من دونه ... إلى أن قال: والممدوح هو القسم الثالث وهم: الذين يدعونه ويتوبون إليه، ويثبتون على عبادته، والتوبة إليه في حال السراء، فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء، وهم أهل الصبر والشكر. انتهى.
فعلى المؤمن أن يلجأ إلى ربه، ويتضرع إليه في كل حاجة، وفي كل أمر من أموره، فالله وحده هو الذي يكفي عبده في إزالة الشر وفي إنالة الخير، قال سبحانه: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:36] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(9/6058)
باب التواب مفتوح لأصناف المذنبين من كفار ومنافقين وعصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسرف في ذنوبه ثم تاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، مستوفية شروطها، فإن الله تعالى يقبل توبته مهما عظمت ذنوبه، إذ أن رحمة الله تعالى لا يتعاظمها شيء، وقد قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. [الزمر:53] .
وقد دعا سبحانه وتعالى أصناف المذنبين إلى التوبة من كفار ومشركين ومنافقين وعصاة، فقال سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ. [الأنفال:38] .
وقال للنصارى: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [المائدة:74] .
وقال عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. [النساء:145، 146] .
ومن هنا فلا يجوز لأحد أن يقنط من رحمة الله أو يقنِّط الناس منها، فإن القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب، قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. [يوسف:87] ، وقال عن إبراهيم: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ. [الحجر:56] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/6059)
كيف تقاوم المعصية وتنجو من الهاوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب 17 عاما والحمد لله التحقت بالجامعة تعرفت في بادئ الأمر على أصدقاء سوء وأخذت أستمع لللأغاني وأشاهد الأفلام المخلة والعياذ بالله ولكني تعرفت في نهاية العام على أصدقاء الخير فالحمد لله قد أنصلح حالي كثيرا ولكن عندما بعدت عنهم في الإجازة الصيفية بدأ حالي يتدهور وبدأت أجد صعوبة شديدة في مقاومة المعاصي ... وخاصة أنني أمتلك الحاسب وشبكة الإنترنت وبدأت يداي تقترف المعاصي حتى ولو قليلا وأيضا بدأت أجد صعوبة شديدة في الخشوع في الصلاة وفي القيام للفجر وأيضا في حفظ القرآن الكريم ... أرجوكم أنقذوني ثانية أنا تائه وحيران ومتوتر دائما ولا أدري ماذا أفعل وأصدقائي الخيرون بعيدون عني ولا أجد إلا أصدقاء السوء.... وحتى الخطب على الحاسوب لا أجد نفسي محباً لسماعها ... أرجوكم دلوني على الطريق الصواب أنا أتجه للهاوية....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معرفة الداء وأسبابه هي نصف العلاج، لذا فإننا من هذا المنطلق نرى أن علاج مشكلتك يتمثل فيما يلي:
أولاً: اجتناب رفقاء السوء، والبعد عنهم تماماً، إذ لا يخفى عليك خطر الصحبة السيئة.
ثانياً: التخلص من هذه الوسائل من الحاسب الآلي والاشتراك في شبكة الإنترنت، ما دامت هذه الأشياء عوناً لك على المعصية.
ثالثاً: الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك.
رابعاً: الالتحاق بحلقات العلم وتحفيظ القرآن، والصبر عليها، وكذا التعلق بالمسجد.
خامساً: تذكر سوء عاقبة المعصية، وما ستكون عليه العاقبة إذا أدركك الموت وأنت على هذا الحال.
فإنك إذا اتبعت هذه الأمور صلح حالك إن شاء الله، وسترى أثر ذلك من طمأنينة النفس، والخشوع في الصلاة، والنشاط في الطاعة وفقك الله وسدد على الخير خطاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/6060)
إظهار المعصية ذنب آخر وهتك لستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب زنا ثم تاب إذا أراد الزواج هل يجب عليه إخبار زوجته بما قد فعل لأن من شروط النكاح رضى الزوجين ولأنه يمكن أنه إذا أخبرها بهذا الشيء أن ترفضه ولكنه يخشى أن إذا قال لها هذا الشيء من الفضيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، قال تعالى: إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والتوبة النصوح هي التي استوفت شروطها، وشروطها: الندم على الفعل، والعزم الجازم ألا تعود إليه أبدا فيما بقي من عمر، وإلاقلاع عن الذنب وتركه نهائياً إن كانت له صلة به في الحال.
ولا يجوز للمسلم أن يخبر بذنبه الذي ارتكبه سواء كان يريد الزواج أو لا يريده.... فمن فعل ذلك فقد ارتكب ذنباً آخر، وهتك ستر الله تعالى الذي ستره به.
قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وإخبار الزوج زوجته بما فعل سابقاً من المعاصي أو إخبارها هي له بذلك لا يجوز شرعاً ... ولا يقبل طبعاً لأنه معصية بين العبد وربه، وقد ستره الله تعالى والإخبار بذلك كشف لستر الله، وتهوين من المعصية حتى يتجرأ عليها الآخرون، ونوع من إشاعة الفحشاء.
وقد أراد رجل من أهل المدينة أن يزوج موليته، وقد سبق لها أن زنت ولكنها تابت توبة نصوحاً وقرأت القرآن، فخاف لورعه أن يكون مدلسا إذا لم يخبر بذلك، فنهاه عمر رضي الله عنه وقال له: لو أفشيت عليها لعاقبتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(9/6061)
الحريص على محبة الله يتتبع مواطن محبته
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
سؤالي هو أنني دائمة على الذكر وقرأت القرآن وعلى الطاعات ولكن كيف أعلم ماهي قيمتي عند الله عز وجل وما قدر حبه لي وإذا فعلا يحبني أم لا؟ جزاكم الله خيرا على استماعكم لأسئلتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محبة الله عز وجل للعبد غيب لا نقدر على معرفته في هذه الدار، ولكن الله عز وجل علق محبته في كتابه وسنة رسوله بأوصاف وأعمال، فمن قام به هذه الأوصاف وتحلى بها وعمل تلك الأعمال رجاء مثوبة الله جل وعلا وابتغاء وجهه الكريم فإنه يرجى له أن يحظى بمحبة الله عز وجل, ومن تلك الأوصاف والأعمال قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195] .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .
وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76] .
وقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] .
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159] .
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42] .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4] .
وأخبرنا سبحانه في الحديث القدسي عن الطريق الموصلة إلى حبه، فقال: وما يتقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه....... الحديث رواه البخاري.
وفي المقابل أخبرنا سبحانه عن أوصاف لا يحبها، ولا يحب المتصفين بها وعلى العبد أن يحذر تلك الأعمال والأوصاف ما استطاع، ومن ذلك قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [لأنفال:58] .
وقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل:23] .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء:36] .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء:107] .
وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة:64] .
وقال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] .
وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] .
وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276] .
وأمثال ذلك من الآيات كثير، فمن كان حريصاً على الوصول إلى محبة الله عز وجل، فليقرأ القرآن متدبراً، وليتتبع مواطن محبة الله عز وجل، ومواطن سخطه، وعليه بعد ذلك أن يحسن الظن بالله عز وجل، وأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/6062)
يبقى المر مقصرا في جناب ربه مهما قدم من طاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
سؤالي لكم فضيلة الشيخ عن اغتنام الوقت فأنا أحفظ كل يوم جزءاً من القرآن وأقرأ بكتاب للشيخ الطنطاوي رحمه الله حيث لا أملك غيره ومن الصعب الحصول على كتب وأسبح الله فأجد أن هذا لا يكفي.
مع الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الوقت نعمة من الله تعالى على عباده، وقد أقسم الله به في القرآن الكريم، فقال سبحانه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر] .
قال ابن كثير في تفسيره: العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر.
وإن اغتنام الوقت في الخير من صفات المؤمن، ولا شك أن ما تقوم به في برنامجك اليومي من حفظ للقرآن، وقراءة في بعض الكتب الشرعية، والمداومة على ذكر الله كل هذا أمر طيب، مع شعورك بالتقصير وأن هذا لا يكفي، فهذا من التواضع لله عز وجل، وهو واجب على المؤمن، إذ أن الإنسان لو قضى حياته كلها في الطاعة فإنه مقصر في حق ربه سبحانه.
ففي مسند أحمد عن عتبة بن عبدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله تعالى لحقره يوم القيامة".
والسبيل للحصول على كتب شرعية ميسر -إن شاء الله- فإن هناك جهات خيرية متعددة تقوم بتوزيع الكتب.
ونصيحتنا الخاتمة لك أن تسعى في طلب العلم الشرعي على يد أهل العلم إن كان ذلك متيسراً لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(9/6063)
التوبة واجبة على العبد من كل ذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم في بداية أمري ثم ما إن لبثت حتى عدت إلى اقتراف الذنوب والمعاصي والذي يقلقني هو أني قد استعملت بعض الأمور الغيرمباحة مثل الغش في الامتحانات وتزوير الشهادات وغيرها وليس هذا فحسب بل صرت أقترف المعاصي تلو الأخرى ... ونفسي تقلقني فهل من نصيحة وبارك الله فيكم
وهل التوبة.. تنفع في حالة الوقوع في الأمور التي نعرفها ولكن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. ..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى السائل الكريم أن يحمد الله تعالى الذي وفقه للتوبة والندم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من تاب تاب الله عليه " رواه مسلم عن أبي هريرة.
قال العلماء: التوبة واجبة على العبد من كل ذنب، سواء كان ذلك الذنب مخالفة شرعية بين العبد وربه، أو كان الذنب معصية تتعلق بها حقوق العباد، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وشروط التوبة باختصار: هي الندم على ما فات، والنية ألا يعود إلى الذنب فيما بقي من عمره، وأن يقلع عن الذنب حالاً إن كان متلبساً به، وإن كان الذنب له تعلق بحقوق العباد ردها إليهم أو تحللهم منها.
فمن تاب إلى الله تعالى التوبة النصوح فلا شك أن الله تعالى يقبل توبته، تواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة مهما كان عظم هذا الذنب ولو كان الشرك بالله تعالى.
قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] بل أكثر من ذلك: فإذا تاب العبد توبة صادقة بدل الله سيئاته حسنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70]
وعلى الأخ الكريم أن يبتعد عن رفقاء السوء فإن البيئة لها تأثيرها، ولعل هذا سبب عودتك بعد التوبة إلى اقتراف الذنوب والمعاصي، فعليك بصحبة الأخيار والصالحين فإن صحبتهم دواء للقلب وعلاج للقلق، وعليك بمجالس العلم والذكر ففيها ينال العبد الصادق مبتغاه، ويأنس بها عن كل ما لا يرضي الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(9/6064)
الفرق بين الزهد والورع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الزهد والورع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال ابن القيم -رحمه الله- سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها. انتهى كلامه رحمه الله.
وحقيقة الزهد هي خلو القلب من التعلق بما لا ينفع في الآخرة وهو على مراتب:
الأولى: ترك الحرام والشبهة.
الثانية: ترك الفضول من الحلال.
الثالثة: ترك ما يشغل عن الله تعالى.
هكذا قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-
وحقيقة الورع توقي الحرام والشبهة وما يضر أقصى ما يمكن.
وعلى هذا، فالورع داخل في الزهد وهو جزء منه. ولذا قال بعض العلماء: الورع أول الزهد كما أن القناعة أول الرضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(9/6065)
مجاهدة النفس تنير القلب وتطرد الظلام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
إخواني إني أسمع إلى الأذان ولا أصلي في وقتها وكلما أسمع القرآن أنفر منه، ولا أستطيع أن أشغل الراديو لسماعه أعينوني يرحكم الله فأنا بحاجة إلى نصائحكم وجازاكم الله خيراً وبورك فيكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المعاصي ظلمة في القلب، فإذا أظلم القلب نفر من كل خير، بل قد يصل به الحال إلى الاشمئزاز فيما لو ذكر الله عز وجل بجانبه، كما قال الله عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] فنحن ننصح الأخ بما يلي:
أولاً: الإقلاع عن الذنوب التي هو عليها ومن أعظمها ترك الصلاة.
وعليه أن يجاهد نفسه ويغالبها، ويقهرها في الله، فإذا فعل ذلك وصدق مع الله فإن الله عز وجل قد وعد -ووعده صدق- بأنه سيهدي من جاهد فيه ومن أجله، قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]
ثانياً: محاولة أن يعيش في بيئة غير البيئة التي ألفها وألف معها المعاصي والتضييع.
ثالثاً: إذا رأى من نفسه نفوراً بعد هذا من سماع القرآن وفراراً منه فعليه أن يعرض نفسه على بعض أهل الصلاح من القراء ليرقيه ويقرأ عليه، فلعل فيه مساً من الشيطان، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6066)
نعم.. للقلب سجود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للقلب سجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر العلماء أن للقلب سجوداً، ولكنه ليس حسياً مشاهداً، بل هو معنوي، وهو عبارة عن الذل والانكسار الذي يحصل للعبد حينما يستكثر نعمة الله على نفسه، ويرى أنه ليس لها أهلاً لكثرة ذنوبه، وقلة عمله الصالح، وممن ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، فقال: المشهد الثاني عشر، وهو مشهد الذل، والانكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله، فيشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة، وافتقاراً تاماً إلى ربه ووليه، ومن بيده صلاحه وفلاحه وهداه وسعادته، وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة حقيقتها، وإنما تدرك بالحصول، فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء، بحيث يرى نفسه كالإناء المرضوض تحت الأرجل الذي لا شيء فيه ولا به ولا منه، ولا فيه منفعة، ولا يرغب في مثله، وأنه لا يصلح للانتفاع إلا بجبر جديد من صانعه وقيمه، فحينئذ يستكثر في هذا المشهد ما منَّ ربه إليه من الخير، ويرى أنه لا يستحق قليلاً منه، ولا كثيراً، فأي خير ناله من الله استكثره على نفسه، وعلم أن قدره دونه، وأن رحمة ربه هي التي اقتضت ذكره به، وسياقته إليه، واستقل ما من نفسه من الطاعات لربه، ورآها ولو ساوت طاعات الثقلين من أقل ما ينبغي لربه عليه، واستكثر قليل معاصيه وذنوبه، فإن الكسرة التي حصلت لقلبه أوجبت له هذا كله، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه، وما أنفع هذا المشهد له وأجداه عليه، وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم، وأحب القلوب إلى الله سبحانه قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة، فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لا يرفع رأسه إليه حياءً وخجلاً من الله.
قيل لبعض العارفين أيسجد القلب؟ قال: نعم، يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء، فهذا سجود القلب، فقلب لا تباشره هذه الكسرة فهو غير ساجد السجود المراد منه إذا سجد القلب لله هذه السجدة العظمى سجدت معه جميع الجوارح، وعنا الوجه حينئذ للحي القيوم، وخشع الصوت والجوارح كلها، وذل العبد وخضع واستكان، ووضع خده على عتبة العبودية ناظراً بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم، فلا يُرى إلا متملقاً لربه خاضعاً له ذليلاً مستعطفاً له يسأله عطفه ورحمته، فهو يترضى به كما يترضى المحب الكامل المحبة محبوبه المالك له الذي لا غنى له عنه، ولابد له منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(9/6067)
الأعمال التي يستجلب بها رضى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستطيع الإنسان الحصول على رضى الله ومحبته وكيف يتم زرع اليقين بالله تعالى بالقلب؟ ماهي الطرق؟ وجزاكم الله كل خير.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رضى الله تعالى يطلب بالمسارعة إلى فعل الطاعات عموماً واجتناب كل ما نهى عنه والإكثار من قراءة القرآن وذكر الله تعالى والإكثار من نوافل الصلاة خاصة فإنها من أفضل القربات التي تجلب رضى الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري.
ومما يجلب رضى الله تعالى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] .
أما فيما يتعلق بكيفية زرع اليقين في القلب والطرق التي تساعد على ذلك فانظر الفتوى رقم:
6342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(9/6068)
أكبر الذنوب لا يستحيل على المغفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ذنوب أو آثام أو لا يقبل تائبها كما قال بعض العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد إذا تاب إلى الله عز وجل توبة نصوحا فإن الله بفضله ومنِّه يقبل توبته ويغفر زلته ولو كان ذلك الذنب الشرك بالله تعالى، لقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
ولقوله أيضاً: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(9/6069)
علامات حب الله ورضاه عن العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي علامات رضاء الله عز وجل على عبده في الحياة الدنيا؟ جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قد ثبت بدلالة الكتاب العزيز أن الله تعالى، يرضى عن عباده المؤمنين، ويحب أولياءه وأصفياءه، قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا [المائدة:119] . وقال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة:54] . وإن للرضا والمحبة علامات منها:
أولاً: التوفيق إلى الزيادة في الخير، قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] .
ثانياً: توبة الله تعالى على عبده، فيوفقه إلى التوبة، قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة:222] . قال الغزالي: معناه أنه إذا أحبه الله تاب عليه قبل الموت.
ثالثاً: حفظه لعبده في جوارحه وتوفيقه لكل خير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. الحديث رواه البخاري.
رابعاً: يجعل محبته في قلوب أوليائه، ويكسبه رضا الخلق عنه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
إلى غير ذلك من علامات رضا الله على عبده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1423(9/6070)
نصحية للراغبين الخروج من مستنقع الرذيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري ماذا أقول لأنني أعرف أنني مخطئة ولكنني أود أن أعود إلى الله فلا تتخلو عني. يحبني شخص متزوج وأنا أحبه ولكن بوازع آخر غير الذي تكنه أي امرأة لأي رجل لكن المشكلة أنه في بعض المرات يتودد إلي وأقع معه في الخطأ ولا أدري كيف مع أنني في كل مرة أندم وأقول هي الأخيرة فما العمل من فضلكم.
أرجوكم ساعدوني للعودة إلى الله ونفسي.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد وضع ضوابط للتعامل بين الرجل والمرأة سداً لذريعة الوقوع في الفتنة، ومن ذلك أنه حرم الخلوة بالأجنبية وسفرها بدون محرم، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم.
ولهذا إنما تقع الفواحش، والفتنة بين الرجال والنساء بالتفريط في هذا الجانب، فالواجب عليك تقوى الله تعالى، والابتعاد عن هذا الرجل، والتوبة الصادقة، وأن لا يغيب عن بالك أن رب العزة مطلع عليك، وأن كل صغير وكبير مستطر، ولا تيأسي من رحمة الله، فإنه سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(9/6071)
التوبة من الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم ما هو حكم من أحب ثم تاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب منه ما هو مشروع، ومنه ما هو ممقوت مذموم، فمن الحب المشروع حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك حب الرجل لزوجته وأولاده ونحو ذلك.
وأما الحب المذموم، فهو العلاقات العاطفية التي تنشأ بين الشباب والشابات، والذي هو أصل كثير من البلايا والمصائب، والذي يترتب عليه كثير من المقدمات إلى الفاحشة المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. متفق عليه.
فلا شك أن التوبة من مثل هذا واجبة، ومن وفق إليها فقد هدي إلى صرط المستقيم، وليسأل الله تعالى الثبات، وليهنأ بتوبة الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(9/6072)
مسهم طائف من الشيطان تذكروا فأقلعوا فاستغفروا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أعرف من فضيلتكم جزاكم الله عن المسلمين خيراً كيف يقع المؤمن وهو مؤمن ويعلم كثيراً حدود الله ويقرأ القرآن ويحفظه ويتبع السنة النبوية الشريفة في كل شيء وبرغم ذلك يقع في الكبائر وخاصة الزنا؟ أعاذنا الله وإياكم وبرغم التمسك بالدين إلا أنه يقع فيه؟ وكيف يتوب من وقع في هذه الكبيرة؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن المؤمن مع إيمانه بالله واليوم الآخر، ومع معرفته بأن معصية الله تؤدي إلى سخطه وعقوبته، إلا أنه يقع منه الذنب، وتبدر منه المعصية على حين غفلة عن الله تعالى، وفي ساعة ضعف في إيمانه، كما في الحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" قيل: يرتفع إيمانه في تلك الساعة، أو يضعف إيمانه فلا يقوى على مدافعة الشيطان فيغلبه الشيطان وينال منه، لكن سرعان ما يعود المؤمن فيحاسب نفسه، ويوقفها عند حدود الله، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201] . وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135] .
فقوله جل ذكره: (ذَكَرُوا اللَّهَ) كأنهم كانوا حال معصيتهم ناسين لله تعالى، ثم انتبهوا إلى أن عين الله ترقبهم فأقلعوا عن المعصية ولهجوا بالاستغفار، وهؤلاء الذين يضعف إيمانهم، وتخور قواهم، وتغلبهم اللذة الحاضرة، وتهبط بهم دواعي الجسد أحياناً إلى درك الفاحشة، هؤلاء جعلهم الله تعالى في سلك المتقين، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّه) [آل عمران: 135] .
يقول سيد قطب: إن هذا الدين ليدرك ضعف المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحياناً إلى درك الفاحشة، وتهيج به فورة اللحم والدم، فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة، وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله.. في حمى الاندفاع يدرك ضعفه، فلا يقسو عليه، ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه حين يرتكب الفاحشة (المعصية الكبرى) ، وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفئ، وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل، وأنه يعرف أنه عبد يخطئ، وأن له رباً يغفر ما دام يدوام يذكر الله، ولا ينساه، ويقر بالعبودية له، ولا يتبجح بمعصية. فأما الذين يستهترون ويصدون، فهم هناك خارج الأسوار، موصدة في وجوههم الأبواب. في ظلال القرآن 1/477.
وبهذا تعرف طريق التوبة من كل ذنب، الزنى وغيره، وهي الندم، والاستغفار، والعزم على عدم العودة إليه، وترك الإصرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(9/6073)
شعب الإ يمان
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى فضيلة الشيخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي أريد معرفة شعب الإيمان 72 ما هي التي نص عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الايمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى فما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلفت روايات هذا الحديث في تعداد شعب الإيمان، ففي رواية البخاري بضع وستون شعبة.
ورواية مسلم الشك: بضع وستون أو بضع وسبعون.
ورواية أصحاب السنن: بضع وسبعون شعبة.
وقد رجح الحافظ ابن حجر رواية البخاري بقوله: لكن يرجح بأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه.
ولعل من أحسن ما جاء في بيان شعب الإيمان ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال: ولم يتفق من عدّ الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو:
أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن:
فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء، واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشره، والإيمان باليوم الآخر، ويدخل فيه مسألة القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته، والإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع، ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب.
وأعمال اللسان وتشتمل على سبع خصال:
التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم، وتعليمه. والدعاء، والذكر ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو.
وأعمال البدن، وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة: التطهير حساً وحكماً، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة والصلاة فرضاً ونفلاً والزكاة كذلك. وفك الرقاب والجود ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف والصيام فرضاً ونفلاً، والحج والعمرة كذلك، والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر، والفرار بالدين ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان وأداء الكفارات.
ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خصال:
التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادة والرفق بالعبيد.
ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشر خصلة:
القيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة، وطاعة ولي الأمر والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس، والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله وإنفاق المال في حقه ومنه ترك التبذير والإسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق، فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر.
فبهذا الكلام الحسن والتصنيف البديع يتبين المراد بشعب الإيمان فيما يظهر، والعلم عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(9/6074)
حكم من نوى التوبة قبل اقتراف المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط التوبة لمن فاخذ امراة ولم يزنِ بها؟ مع العلم أنه نوى التوبة قبل المفاخذة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما صدر عنك من فعل تجاه هذه المرأة، إثم عظيم، وجرم كبير، واعتداء على أعراض الناس، وشروط التوبة من هذا الذنب هي شروط التوبة المعروفة وهي:
1- الإقلاع عن الذنب ... 2- الندم على ما فات.
3- العزم على عدم العودة إليه أبداً.
ولتعلم أن رحمة الله واسعة، فالصدق في التوبة، سبب في إتيان الرحمة، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] . قال الرجل: إلي هذه؟ قال: لمن عمل بها من أمتي..
وأما نيتك التوبة قبل فعل المعصية، فما يدريك أن تعيش بعد فعل المعصية، أو أن تموت في أثنائها، فيختم لك بذلك، وما يدريك إن عشت أن التوبة قد تقبل منك، ولعل المعصية أن تكون سبباً في سخط الله تعالى وغضبه عليك فيختم على قلبك، فيفتتن بحب مقارفتها، والله المستعان.
وقد ذكرنا في شروط التوبة أن الشرط الأول هو الإقلاع عن الذنب، إذا كان متلبسا به.
وعليه، فإن نيتك التوبة قبل ارتكاب المعصية تعد من الإصرار الذي يجب منه التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(9/6075)
حكم تعمد إضحاك المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم على من يتعمد إضحاك المصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للصلاة منزلة عظيمة لا تعدلها أية عبادة أخرى، إذ هي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال صلى الله عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله. رواه الترمذي وغيره.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، أخرج الطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة.
ولقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر والأمن والخوف، قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ*فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً [البقرة:239] .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إلا أن كلكم مناج ربه فلا يوذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض بالقراءة. رواه أبو داود.
وعلى هذا، فلا شك أن الذي يتعمد إضحاك الآخرين في الصلاة لم يراع حرمة لهذه العبادة الجليلة التي نص الحديث أن المصلي فيها يناجي ربه عز وجل، وإذا كان قد ورد النهي عن رفع الصوت بالقرآن، والأذكار الشرعية، والوعيد الشديد على من يمر أمام المصلي مخافة التشويش عليه، فمن باب الأولى النهي عمن يفعل ذلك بغير القرآن لقصد التشويش على المصلي وإبطال صلاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1423(9/6076)
حذار من المعصية وشبكة الشيطان وإغوائه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإني أحبتي في الله أشكو من البعد عن الله لمدة زادت عما كنت أتصور: صرت أبيح لنفسي ترك الصلاة ليوم أو حتى يومين كاملين رغم أني كنت أحافظ عليها وعلى تلاوة القرآن الكريم وعلى القيام ... أرجو سماحتكم أن تفيدوني وأن تنقذوني من هذه الحالة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يتوب عليك، ويردك إليه رداً جميلاً، وأن يشرح صدرك، وينور قلبك، ويصلح قولك وعملك إنه على كل شيء قدير.
واعلم أخي الكريم أن ما أصابك من التكاسل عن الصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك بعد أن كنت مثابراً على ذلك هو من الشيطان عليه لعنة الله، فإنه يبدأ في إضلال المسلم شيئاً فشيئاً، وخطوة خطوة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21] .
وفي هذه الآية بين الله أن للشيطان في إغواء العبد خطوات، وحذره من خطواته التي تدعو إلى الفحشاء والمنكر، ولذلك قال بعض السلف: من شؤم المعصية المعصية بعدها، ومن بركة الطاعة الطاعة بعدها.
ما أحسن ما قاله عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وإذا تتابعت السيئات على العبد أظلم قلبه، واسود وجهه، وضاق صدره، وحينها يهلك.
فاتق الله أخي الفاضل، ولا تستسلم للشيطان وضلالاته، وتدارك نفسك قبل فوات الأوان، وقد سبقت لنا فتاوى فيها إعانة لك على الثبات على الحق وهي بالأرقام التالية: 15219، 12744، 16610.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(9/6077)
من تمام التوبة قطع كل ما له علاقة بينكما
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت بنتاً ولكن اهتدينا وعرفنا الصواب وتركنا ما كنا فيه حين يريد الله ولكن أريد أن أطمئن عليها فقط برسائل الموبيل فهذا حرام شرعآ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحاً ومما تتم به التوبة النصوح أن تقطع كل علاقة بينك وبين تلك البنت، لئلا يستدرجكما الشيطان وتنكثا توبتكما وتعودا إلى سالف عهدكما الأثيم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 7396
7965
10522.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(9/6078)
تجملي على الابتلاء بالصبر والتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب ديني وأحاول أن أرضي الله ولكن أهلي يمنعونني من ذلك فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أو المسلمة الالتزام بفرائض الله تعالى وترك محرماته، كما قال سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء: 13-14] .
وإذا كان الأمر واجباً على المسلم يتعلق به نجاته أو هلاكه، فلا يجوز له حينئذ المجاملة فيه لقريب أو صديق، ومن المقرر شرعاً أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح.
فالواجب على المسلم الصبر على الابتلاء، وليستحضر دائماً الحديث الذي رواه الترمذي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أرضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(9/6079)
كيف يستدل على التوبة من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير الآية الثالثة من سورة النور: (الزاني لا ينكح إلا زانية ... إلى آخر الآية) ؟ وهل يجوز الزواج من زانية تائبة؟ وكيف نتأكد من توبتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق تفسير هذه الآية الكريمة في الفتوى رقم: 5662.
وتعلم توبة الزانية بإقلاعها عن الزنى، وبعدها عن مواطن الشبه، والاختلاط أو الخلوة بالرجال الأجانب، وخصوصاً من عرف منهم بممارسة هذه الفاحشة، وكذا بالسؤال عنها، ونحو ذلك مما يستطيع معه الشخص معرفة توبة من قارفت الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(9/6080)
الصيام.. وإلا فترك هذا البلد واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوج وأعمل في بلد غير بلدي وزوجتي بعيدة عني ولا أستطيع إحضارها لعندي نظراً لعدم استطاعتي كفالتها لدخلي المحدود حسب قانون البلد التي أعمل فيها وأشعر بالضيق نظراً لكثرة النساء الكاسيات العاريات حيث الزنا سهل جداً وأخشى على نفسي الفتنة هل أترك عملي وأعود لبلدي وأبحث عن عمل وأعف نفسي وأهلي والرزق على الله؟
أرجو الرد في أسرع وقت ممكن لأهمية الموضوع وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى شرع الزواج لمقاصد عظيمة، وأهداف جليلة، ومن هذه الأهداف: إحصان كلٍ من الرجل والمرأة عن الوقوع فيما يغضب الله تعالى، كالنظر المحرم وما يجر إليه من فواحش وكبائر، قال تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه.
فقد دلت هذه النصوص على فائدة عظيمة من فوائد النكاح: وهي السكن وغض البصر وحفظ الفرج، ودلتنا كذلك على علاج من لم يستطع الزواج وهو الصوم، فالصوم يكسر الشهوة، ويقوي على الصبر عن معصية الله.
ولذلك فإننا نوصي الأخ بذلك أولاً، مع البعد قدر الإمكان عن مثيرات الشهوات والمغريات التي تفتح على الإنسان باب الفتنة، وتوقعه في شرك الشيطان.
فإن لم تنكف نفسه عن التفكير في الحرام بعد الأخذ بهذه الأسباب، فإقامته في هذا البلد حرام، لأنه يؤدي إلى حرام.
قال عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام: وما أدى إلى الحرام، فهو حرام. ا. هـ.
ويجب عليه ترك هذا البلد، والعودة إلى بلد زوجته طلباً للإحصان، لأن ترك الحرام واجب. ا. هـ ذكرها القرافي في الفروق.
وليعلم أنه لا يجوز للزوج أن يغيب عن زوجته أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 10254، والفتوى رقم: 9035.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 12919، 3659، 9062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/6081)
كفارة جميع الذنوب والخطايا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة الوقوع في الزنا الغير كامل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما السماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
وكفارة ذلك جميعاً هي التوبة النصوح إلى الله تعالى، والاستغفار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار [التحريم:8] .
والتوبة النصوح هي التوبة الصادقة التي تحققت فيه شروط التوبة.
وأولها: الإقلاع عن الذنب، وترك المعصية حالا إن كان الشخص متلبسا بها، وأن يندم على ما صدر منه، وأن يعزم عزما صادقا وينوي نية خالصة ألا يعود إلى الذنب فيما بقي من عمره.
ويشترط لقبول التوبة أن تكون قبل الغرغرة.. أي قبل ظهور علامات الموت، وأن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها.
وينبغي أن تتبع بالأعمال الصالحة فإن ذلك يزيل أثرها ويطهر العبد من أدرانها ويبدلها حسنات، كما قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات [هود:114] . وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] . وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.
هذه هي كفارة جميع الذنوب مع الإكثار من أعمال البر والنوافل، وفيما يخص الحد الوارد في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] .
فإن ذلك على من ارتكب جريمة الزنا المغلظة، أما مقدمات الزنا فإن فيها التعزير حسب اجتهاد الحاكم، وقال بعضهم إذا حصلت خلوة ولم يحصل زنا فيجلدان عشرة أسواط، وقيل غير ذلك.
والحاصل: أن كفارة هذه الأمور هي التوبة النصوح والإكثار من أعمال الخير وننصح السائل الكريم بالزواج، وصحبة أهل الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(9/6082)
المصائب للمؤمن رحمة سواء كانت عقوبة أو رفعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن السخط والعياذ بالله من الله على العبد بارتكابه المعاصي والابتلاء هما في الواقع قريبان من بعضهماالبعض، كما في حديث إن الله إذا أحب عبدا أو أحب قوما ابتلاهم كي يمتحن إيمانهم، فكيف يفرق الإنسان بين السخط والابتلاء لأنهما متشابهان. أوضحوا لنا هذه المسائل وأفيدونا جزاكم الله كل خير وأرجوا الاهتمام.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ينزل بالعبد من مصائب وآلام وأحزان، مما يكفر به من سيئاته، فهي رحمة من الله تعالى به، سواء كانت عقوبة على ذنب، أو كانت ابتلاء لرفع الدرجات، فقد روى أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة. وللحديث قصة مثبتة في رواية أحمد عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: أن رجلاً لقي امرأة بغياً في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت المرأة: مه، فإن الله عز وجل قد ذهب بالشرك، -وفي رواية ذهب بالجاهلية- وجاءنا بالإسلام، فولى الرجل، فأصاب وجهه الحائط فشجه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أنت عبد أراد الله بك خيراً، إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً.....الحديث.
ومجيء المصيبة عقب الذنب دليل على أنها عقوبة، كما في الحديث السابق.
لكن ما أكثر الذنوب التي يقترفها العبد وهو لا يشعر بخطرها وشناعتها، ومن هذا الذي لا ينفك عن ذنب ظاهراً أو باطناً، سراً أو علانية، كبيراً أو صغيراً؟
ولا ينبغي للعبد أن يحسن الظن بنفسه، فيراها نقية من الذنوب، ثم يتوهم أن ما نزل به هو بلاء لم يترتب على ذنب، وليس من فائدة تعود على الإنسان إذا ميز بين العقوبة والابتلاء، فهو مأمور بالصبر في الحالين، مع تكفير سيئاته وكونه ممن أراد الله بهم الخير أيضاً.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(9/6083)
الاعتصام بالله وسنة نبيه وهدي السلف هو الحل الوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[كان الناس في عهد الرسول عليه السلام إذا زل أحدهم أو ضل الطريق يجد من يعاونه على الرجوع إلى الطريق المستقيم أما نحن فلا نجد ذلك الآن وخاصة النساء لأن الأزواج تلهيهم دنياهم وقد تضل المرأة الطريق وتريد من يعينها ولا تجد فهل هذا هو قدرنا أننا لم نوجد في عهد الرسول وما هو الحل خاصة إذا احتاجت المرأة لمن يعينها أين تذهب؟ هل تضل الطريق أم ماذا؟
أرجوكم الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلئن غابت عنا شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم فإن سنته وهديه وآدابه لا تزال بحمد الله موجودة بين أيدينا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله". رواه مسلم. ولما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن. رواه مسلم. وعلى هذا فلا شك أن الذي يتمسك بدينه في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والأهواء أن له أجراً عظيماً عند الله تعالى، وذلك كما قلت لعدم وجود المعين الصالح وكثرة المغريات وإثارة الشبهات مما يضعف الوازع الديني، ولهذا فقد جاءت البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم للمعتصمين بدينهم في زمان هذا حاله، فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي ثعلبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم اليوم" وفي رواية قيل يا رسول الله: أجر خمسين منا أو منهم قال: "بل أجر خمسين منكم".
وعليه فنقول للسائلة: إن الحل هو الاعتصام بكتاب الله تعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطريق السلف الصالح من هذه الأمة، ولتكن قدوتك أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين إذ بهذا تسعدين في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(9/6084)
وصايا للأزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه ونفع بكم الإسلام والمسلمين
سؤالي هو:
أطلب منكم مساعدتي حيث إن زواجي بعد أسبوعين واستفدت كثيرا من موقعكم والذي أحتاجه هو ما يساعدني على التطبيق وهو قصص وخبرات لأناس في أيام زواجهم الأولى وعدد من المواقف والأبيات الأدبية وحبذا لو دللتموني على عدد من المواقع أو الكتب التي فيها ما يهم حالتي هذه
فأغلب ما في موقعكم هو كالتأصيل النظري ونحتاج لمواقف وقصص تساعدنا على التطبيق
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ثمة وصايا للأزواج وردت عن السلف تعين الزوجين في حياتهما الزوجية منها:
1-وصية من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما لابنته: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء.
2-قال أبو الدرداء لامرأته: "إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبت رضيتك"
3-قال أحد الأزواج لزوجته:
خذي العفو مني تستديمي مودتي *ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرك الدف مرة *فإنك لا تدرين كيف المغيًّب
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى *وإياك قلبي والقلوب تقلب
فإني رأيت الحب في القلب والأذى *إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
ونوصي السائل بقراءة كتاب: "تحفة العروس" فإن فيه أدق دقائق الحياة الزوجية وقصصاً ووصايا، وكذلك كتاب آداب الزفاف للشيخ الألباني رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(9/6085)
البيان النبوي عن خير الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم خير الرجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن بُسرٍ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان فقال: أحدهما من خير الرجال يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: من طال عمره وحسن عمله، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فَبَابٌ نتمسك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/6086)
تعمد فعل المعصية خطأ وإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من علم بتحريم أمر من الأمور وهو يعمل خلافه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من علم تحريم أمر من الأمور وعمل بخلافه تكاسلاً منه واتباعاً لهواه، فهو خاطئ آثم، ما لم يكن هناك مانع شرعي حال بينه وبين الامتثال، لأن الواجب على المسلم أن يتبع العلم بالعمل، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء:66] .
وقد وصف الله تعالى اليهود بأنهم مغضوب عليهم، فقال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة:6-7] . وذلك لأن اليهود علموا ولم يعملوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(9/6087)
العبادة تشمل الحياة كلها وكيان الإنسان كله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتقرب إلى الله أكثر بالعبادات والأعمال فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا عرفت معنى العبادة في الإسلام أمكنك معرفة الجواب، فالعبادة -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.. فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة.. وأمثال ذلك من العبادة. العبودية صـ32.
فها أنت ترى أن العبادة دائرة واسعة وأفق رحب، تشمل الفرائض والأركان والنوافل والمعاملات والأخلاق. وبالجملة تشمل الحياة كلها كما تشمل كيان الإنسان كله. فالمسلم يعبد الله بالفكر وبالقلب وباللسان وبالسمع والبصر وسائر الحواس، ويعبده بالبدن وبالمال وبالنفس، وما تقرب العبد إلى الله تعالى بعد أدائه للفرائض بمثل النوافل، وهي موزعة على الصلاة والصيام والصدقة والذكر والتلاوة والإحسان إلى الغير، كما مرت في كلام شيخ الإسلام، وقد جمع الله هذا في أجزل لفظ وأوجزه، حيث قال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] .
فاضرب في كل غنيمة بسهم وأخلص في نيتك تكن حياتك كلها عبادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/6088)
كيف تحقق فضيلة كفالة اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كفالة اليتيم في الملجأ أفضل؟ أم كفالته في منزلي؟ علما بأن الله عز وجل قد رزقني بولدين ويمكن أن ننجب ثانية وما العمل لو أنني تبنيت أنثى؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من يكفل يتيماً، ويحسن إليه ينال أجراً عظيماً، كما هو مبين في الفتوى رقم: 3152
وهذا الأجر يناله كافل اليتيم ولو لم يكفله في بيته، فإن من ينفق على اليتامى، ويكفلهم في الملاجئ والجهات الخيرية الأخرى هو الكافل الحقيقي لهم، إذ الكفالة لليتيم تقوم على أمرين هما:
- الإنفاق عليه.
- والرعاية له.
فمن جمع بينهما، فقد حاز الأجر الأعظم، والثواب الأكمل، ومن قام بالجانب المادي، فقد قام بالأهم في كفالته، فلا يحرم أجر كفالة اليتيم.
وأما تبنيك لبنت يتيمة، فإن كان قصدك بالتبني الكفالة لها، فهذا خير عظيم كما ذكرنا، وإن كنت تقصد إلحاقها بك نسباً، فإن هذا التبني محرم في الإسلام، كما هو مبين في الفتوى رقم: 5036.
فإن أرضعتها زوجتك أو إحدى أخواتك أو نحوهما خمس رضعات مشبعات قبل أن تكمل الحولين، فإن هذه المكفولة يثبت لها منك ما يثبت لابنتك النسبية من الحرمة والمحرمية، لأنها ابنتك من الرضاع، ولكنها لا تنسب إليك، ولا ترث منك.
وإذا لم ترضعها زوجتك أو أمك أو إحدى أخواتك أو إحدى بناتهن أو بنات إخواتك، فلا يجوز لك أن تختلي بهذه البنت إذا بلغت سن المحيض، ولا أن تنظر إليها، لأنها أجنبية عنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/6089)
فضل السعي في حاجات الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[من القائل (من أحبه الله جعل حاجة الناس بيده) أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لم نعثر على القائل لهذا الأثر، ولكن نذكر من مآثر الصالحين ما يؤكد الحث على السعي في حاجة الناس.
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
2- كان أبو بكر رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قيل: الآن لا تحلبها، قال: بلى، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.
3- وكان عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل فيستقي لهم الماء في الليل، ورآه طلحة داخلاً ليلاً بيت امرأة فدخل عليها نهاراً، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فقال: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: منذ كذا وكذا يتعاهدني بما يقوم بي من البر، وما يصلح لي شأني، ويخرج عني الأذى، ويقمُّ لي بيتي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/6090)
أحل الحلال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان أبغض الحلال الطلاق فما أحل الحلال يا فضيلة الشيخ الجليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليعلم السائل أولاً أن حديث: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" حديث ضعيف رواه أبو داود والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وانظر لتخريجه كتاب إرواء الغليل (7/106-108) الحديث رقم: 2040.
ثانياً: على فرض صحته، فإنه لا يلزم من معرفة أبغض الحلال أن يعرف أحل الحلال.. والحلال البين كله حلال طيب، ولعل أحل الحلال ما كان أبعد عن الشبهات، مثل ما كان من عمل اليد.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده" رواه ابن ماجه.
وقال: "ما أكل الرجل طعاماً قط أحل من عمل يديه" ذكره الحافظ ابن حجر وعزاه لابن المنذر.
وفي النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(9/6091)
حكم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يخلطون العمل الطيب بالمعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه أهل السنة والجماعة هو أن أهل القبلة لا يخرجون عن الإسلام بأي معصية ارتكبوها ما لم تكن كفراً بالله تعالى.
وعليه، فالمسلم الذي يأتي بالأعمال الصالحة والأعمال السيئة يعتبر مؤمناً بإيمانه فاسقاً بمعصيته، وسيجازى على أعماله الصالحة ويعاقب على أعمال السيئة، لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] .
هذا إذا لم يتب من معاصيه، فإن وفقه الله تعالى للتوبة فإن الله تعالى يتوب عليه ويغفر له ويكفر سيئاته.
على أن المعاصي التي لا تصل إلى حد الكبيرة يكفرها الله عز وجل باجتناب الكبائر وامتثال الأوامر. قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء: 31] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(9/6092)
آكل الربا جاهلا بحرمته آثم حيث لم يتعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أحبيت أن أسأل عن آكل الربا ما هو عقابه يوم القيامة ولكن إذا كان هذا الشخص غير متعلم وغير مثقف
ولكنه محافظ على صلاته ويدعو أهل بيته للمحافظة على الصلاة وقد ذهب للحج مرة وللعمرة مرة فهل يعاقب هذا الإنسان؟
جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 18979 بيان عقوبة آكل الربا، ويستوي في ذلك أن يكون هذا الآكل متعلماً أو مثقفاً أو غير ذلك، إلا أن يكون جاهلاً بالتحريم، فمن أكله جاهلاً بالتحريم، فالراجح أنه لا إثم عليه في أكله، وإن كان آثماً في تفريطه في تعلم ما يجب أن يتعلمه من دينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(9/6093)
من ستره الله في الدنيا يستره في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من توبة لفتاة قبلها شاب وتخشى صدمة أبيها في الآخرة لما يعلم ما فعلت؟ رغم أن الشاب بمثابة خطيبها أفيدوني وأجركم على الله وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى هذه الفتاة المسارعة بالتوبة، والإكثار من الحسنات، فإن الله عز وجل يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود:114] .
وعليها أن تشكر الله عز وجل على أن سترها، وهداها للتوبة قبل أن تندم وقت لا ينفع الندم، ومن خطب المرأة، ولم يعقد عليها، فإنه أجنبي عنها يجب عليها أن تحتجب عنه.
وأما عن الآخرة، فإن الله عز وجل وعد بأنه من ستره الله في الدنيا سيستره في الآخرة، وقد صحت بذلك أحاديث كثيرة في صحيح مسلم وغيره، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(9/6094)
مساعدة المريض بأي وسيلة مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أعطي جميع زكاتى لأخى المريض الذي لا يعمل وليس له عائد مادي علما بأنه مريض بمرض فيروس الكبد سى وله وقعة كل ثلاث شهور يدخل على إثرها المستشفى وتكلفه المرة 3 آلاف جنيها نقوم أنا وأخوتى بالسداد وهل يجوز أن أستميل ذوي القلوب الرحيمة وفاعلي الخير فى المساعدة لإجراء زراعة كبد له حيث إنها عمليه مكلفة جدا لا أستطيع أنا وأخوتى عليها وهل لديكم من يريد فعل هذا الخير رجاءا أفيدونى وساعدونى لإجتياز محنة أخى البالغ من العمر 52 سنه متزوج وليس له أولاد جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم إعطاء الزكاة للأخ في الفتاوى التالية:
866
9892
12203.
وتقدم حكم زراعة الأعضاء في الفتوى رقم:
1500.
أما بالنسبة لاستعطاف أهل الخير لمساعدة أخيك المريض المحتاج فإنه لا بأس به بل هو من الدلالة على الخير والدال على الخير كفاعله.
ونرشدك إلى التقدم للجمعيات الخيرية التي تقوم على مثل هذه المشاريع سواء كانت في بلدك أو في غيرها، ويمكنك التواصل معهم عبر مواقعهم على الإنترنت أو عبر صناديق البريد أو عبر الهاتف.
ونحن بدورنا نناشد أهل الخير بأن يتعاونوا مع هذا الرجل ونذكرهم بقول الله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32] .
نسأل الله أن يشفي أخاك وأن يسهل أمره وإن يعظم له ولكم الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(9/6095)
توبة الكافر يقبلها الله فكيف لا يتوب على مسلم عصاه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر الله للإنسان الذي قد رأى صور نساء ورجال عراة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل يغفر للإنسان الذي رأى صوراً لنساء ورجال عراة، إذا كان قد تاب توبة نصوحاً، وهي التي اجتمعت فيها شروط التوبة من: الندم على الذنب، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على عدم العودة إليه.
وليعلم السائل أن الله تعالى هو التواب وهو الغفور وهو غافر الذنب، وهو القائل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
وهو الذي قد فتح باب التوبة للكفار والمشركين والمنافقين واليهود والنصارى، فيكف لا يغفر لمسلم عصاه ثم تاب إليه وأناب.
ولتحرص على المحافظة على توبتك هذه بملازمة المساجد، ومصاحبة الأخيار، والمحافظة على الأذكار، ودعاء الله تعالى بالثبات على الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(9/6096)
استشعار نظر الله وذهاب الحسنات يوم القيامة خير رادع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع وأود منكم مساندتي للتخلص من حالة دائما تعتريني
... أنا طالبه في الجامعة بقسم القانون والشريعة ... من عائلة محافظة جدا ولكن مشكلتي هي أني عند نقص المال عني تمتد يدي على محفظة أمي وأبي وإخوتي ... وحتى صديقاتي في الجامعة ... حاولت أن أتخلص من هذه الصفة ولكني لم أستطع أنا في حاجة لكم ساعدوني ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أن تستشعري عظم المنكر الذي تفعلينه، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. متفق عليه.
ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. متفق عليه.
ويقول أيضاً: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد وأبو داود.
ويقول أيضاً: من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان. رواه أحمد.
ويقول أيضاً: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. رواه البخاري ومسلم.
فتدبري هذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة، واعلمي أنك بفعلك المذكور تقتحمين الحرام، وتعتدين على حقوق الآخرين مما يوجب لك غضب الله، ويلحق بك لعنة رسول الله، وينفي عنك كمال الإيمان والإسلام.
فعليك أن تتقي الله، وأن تتوبي توبة صادقة إلى ربك، وعندما تسول لك نفسك مثل هذا الأمر تذكري نظر الله إليك ومحاسبته لك يوم الدين، ومن صدق التوبة أن ترجعي الحقوق إلى أصحابها، أو أن تتحللي منهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال أيضاً: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذت من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
وإن كنت تخشين الفضيحة فعليك أن تحتالي بطريق ما لإيصال الحقوق إلى أهلها، كأن ترسليها إليهم بحوالات بريدية أو مصرفية دون أن تذكري اسم المرسل الصحيح كأن تقولي: أم فلان -مثلاً- ونحو ذلك من الحيل التي تتوصل بها إلى رد الحقوق لأهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(9/6097)
القلب السليم ... حقيقته، والطريقة المثلى لاغتنامه
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت لدي مشكلة نفسانية شديدة فطلبت الحل من أحد الأشخاص وقيل لي أنه ينقصني قلب سليم فكيف يمكن أن أكتسب قلباً سليماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقلب السليم الذي ينجو صاحبه من عذاب الله، كما قال تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] .
هو القلب الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله.
والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر، فسلم من كل آفة تبعده عن الله، ولا يتم له سلامته مطلقاً حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد.
فهذا القلب السليم صاحبه في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم الميعاد. أفاد ذلك ابن القيم -رحمه الله-
وطريق تحصيل هذا القلب هي:
أولاً: الاستعانة بالله تعالى ودعائه والتضرع إليه أن يرزقك قلباً سليماً.
ثانياً: دوام مجاهدة النفس، فإنها صعبة المراس كثيرة التمرد، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] .
ثالثاً: محاسبة النفس على الدوام والنظر في الأعمال هل تصلح للقدوم على الله بها؟: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] .
رابعاً: الجدية في الالتزام وأخذ أوامر الشرع بالعزيمة: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] .
خامساً: مصاحبة الأخيار الجادين والصالحين المشمرين.
سادساً: تذكر الموت والحساب والجزاء، يقول سعيد بن جبير: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد عليَّ قلبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6098)
أكمل الصبر ما كان عند الصدمة الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجت أنا وزوجي ثم رجعت فوجدت باب شقتي مكسوراً وكل ذهبي مسروقا فكانت صدمة فأخذت أصرخ وأسب اللص وبعد حوالي 10 دقائق بدات أسترجع وأقول دعاء المصيبة فهل أضعت ثواب الصبر عند الصدمة وأرجوإفادتي بحجم ذنب اللص كي أقر عينا لأني في حسرة شديدة على الذهب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يأجرك في مصيبتك وأن يخلف عليك خيراً مما أخذ منك، وقد أحسنت في استرجاعك ودعائك بدعاء المصيبة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني (وفي رواية آجرني) في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يضرك كون دعائك لم يقع عند الصدمة الأولى، فإن فضل الله واسع، ولا شك أن أكمل الصبر، ما كان عند الصدمة الأولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الصبر عند الصدمة الأولى. متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفي رواية: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. قال النووي -رحمه الله-: معناه الصبر الكامل الذي يترتب على الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم: الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة. انتهى
وأما اللص فقد ارتكب إثماً عظيماً وجرماً كبيراً، فالسرقة كبيرة من كبائر الذنوب، والسارق ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين: لعن الله السارق. وما سرقه مأخوذ منه إما عاجلاً وإما آجلاً، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
ولعل في هذا الابتلاء خيِر كثيِر لك من أجر الصبر عليه، ثم استرداده في الدنيا، أو الحصول على ما هو أعظم من ذلك في الآخرة حين لا يكون درهم ولا دينار، وإنما هي حسنات أو سيئات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ". رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6099)
لن يغلب عسر يسرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العادة السرية في الدين الإسلامي؟ مع العلم أني أمارس العادة السرية أكثر من 5 سنوات لأن الظروف الاجتماعية لا تسمح بالزواج أرجو أن تنيروني فأنا شاب يكاد يغرق في الحياة ومن شدة يأسي والظروف الاجتماعية أتمنى الموت مع أني شاب في مقتبل العمر.
أتمنى أن تنيروني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم الاستمناء (العادة السرية) في فتوى سابقة برقم: 7170 فلتراجع.
ونوصي الأخ السائل بالصبر وعدم اليأس من تفريج الله عز وجل للأمور، وعليه أن يحسن الظن بالله عز وجل، فإنه سبحانه عند ظن العبد به.
وقد قال سبحانه وتعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:33] .
ففضله واسع، ولكن لا بد من الصبر على الابتلاء، والعسر يعقبه اليسر، فقد قال الله عز وجل: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:6-7] .
ولا ينبغي أن يتمنى الموت لما أصابه من ابتلاء بالفقر أو غيره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به، فإنه كان لا بد متمنياً للموت، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" رواه البخاري.
وعمر الإنسان لا يزيده إلا خيراً، إما محسناً يزداد إحساناً، وإما مسيئاً فيتوب ويصلح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(9/6100)
الوعيد لا يلزم أن يقع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: سؤالي هو قول الرسول عليه الصلاة والسلام "كما تدين تدان" فالذي يزني هل يُزْنَى بأهله حتى ولو تاب الفاعل وحج ومن هم الأهل المقصود بهم؟ ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعلم أولاً: أن حديث: كما تدين تدان. حديث ضعيف، ذكره العجلوني في كشف الخفاء، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم4274.
ثانياً: أن قاعدة الجزاء من جنس العمل، قاعدة ثابته بنصوص من القرآن والسنة، كقوله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.. الحديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة.
ثالثاً: أن الوعيد لا يلزم أن يقع، فإن الله تعالى قد يعفو ويصفح عمن فعل الفاحشة فلا يعاجله بالعقوبة، خاصة إذا كان قد تاب من فعل الفواحش واستقام أمره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6101)
حقيقة الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لدي العديد من الأسئله لأني في بلد ليس فيها من يفتيك ولكني سوف أكتفي بواحد كما قلتم والسؤال هوأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا متحجبه ولكني في بعض الأحيان ينتابني شك وهو أن أخلع الجوارب لأنني مرات بلبسها لأن الناس تعودوا علي أن يروني هكذا فلا أدري هل هذا رياء أم إبليس هو الذي دعاني أفكر هكذا أرجوا إفادتي بأسرع ما يمكن لأني في أشد الحيرة في هذه البلد التي لا نجد من يفتينا وهي رومانيا وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحقيقة الرياء هو طلب ما في الدنيا من جلب منافع أو دفع ضرر أو تعظيم أو إجلال بالعبادات، فما دمت قصدت بتحجبك وجه الله تعالى وامتثال أمره الذي أمرك به، بقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] .
فلا تضرك هذه الوساوس التي يلقيها الشيطان عليك، فإنما يريد أن يصدك عن ما أنت عليه من الطاعة لله والاستمساك بحجابك، نسأل الله أن يثبتك وأن يعصم قلبك، وأن يصرف عنا وعنك شر كيد كل كائد، وشر حسد كل حاسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6102)
رفع قلم التكليف مرفوع عن غير البالغ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه عمري 23 ... أنا أتذكر أنه عندما كنت في الثامنه من عمري، كانت أختي الأكبر تطلب مني أن أعمل معها أشياء تعمل بين الزوج وزوجته ... وأنا كنت ألبي أمرها ولا أعلم ماذا يعني ... أما الآن فأنا أتذكر ما كان.. ولا أعلم إن كان هناك ذنب علي أم لا؟ وماذا أفعل لأطهر ذنبي؟؟؟؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك فيما فعلتيه قبل بلوغك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثه: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يعقل. رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح، ومعنى: رفع القلم هنا.. رفع قلم التكليف إيجاباً وتحريماً فهو مرفوع عن الصبي قبل بلوغه بالإجماع، وإذا رأيت من أختك ما يدل على أنها لم تقلع عن هذا العمل بعد فبادري بنصحها وبيني لها مخاطره وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة. وراجعي الفتوى رقم:
9006
16204
8424
7486
8547.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6103)
كفارة من أخطأ في حق أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطئ في حق شخص فيكف أصحح خطئي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الخطأ إذا كان بأخذ مال منه أو سب أو شتم أو أي شيء في عرضه قد بلغه، فلا بد من رد المال إليه، واستحلاله فيما يتعلق بالعرض، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم".
أما إذا كان الخطأ في عرضه بغيبة أو نميمة أو غير ذلك في أمور لم تبلغه، ففي هذه الحالة تستغفر له، وتدعو له بخير في المجالس التي اغتبته فيها، ولا تبلغه إذ يُخْشى إن أنت أبلغته أن يُحْدث ذلك بينك وبينه توتراً وجفوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/6104)
من أسباب الجفاف ومنع القطر
[السُّؤَالُ]
ـ[أصابنا جفاف منذ مدة، فما هو السبب؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك عدة أسباب للجدب والقحط الذي يصيب الناس أهمها:
1- عدم تحقيق الإيمان والتقوى، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] . وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] .
2- ظلم العباد بعضهم لبعض وعدم التراحم فيما بينهم، لما رواه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
3- قطيعة الأرحام، لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
4- منع الزكاة ونقص المكيال والميزان، لما رواه ابن ماجه وحسنه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ...
5- انتشار الفساد، كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] . وفساد البر والبحر هو قلة خيراتهما وما فيهما من أسباب الرزق والمعيشة، وسبب فسادهما هو فساد العباد وسوء أعمالهم، إلى غير ذلك من الأسباب المانعة من الرحمة وبركات الأرض والسماء.
وينبغي التنبيه هنا إلى أمر يثيره بعض الناس وهو أن في بلاد الكفار تكثر الأمطار وتسهل أسباب المعيشة، وتتعسر في كثير من بلاد المسلمين؟ والجواب على هذا هو أن الله تعالى عجل لهؤلاء متعتهم في الدنيا ليفتنهم بها، كما قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:131] .
وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، وكان -أي رسول الله- متكئاً فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟!! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. انتهى.
مع العلم أن هؤلاء وإن ملكوا القصور العالية والمراكب الفارهة وغير ذلك فقلوبهم في ضيق ونكد، كما قال الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(9/6105)
العقوبة الأليمة لآكل الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد توضيحاً كاملاً عن الربا وآيات التحريم؟ وما هي العقوبة الربانية عليه؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم ذكر بعض الآيات والأحاديث المتعلقة بالربا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4471 3116 1120.
أما عن العقوبة المترتبة على الربا، فإنها محق البركة في الدنيا وأليم العذاب في الآخرة، قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276] .
وقال تعالى عمن لم يتب في الدنيا: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:279] .
وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً طويلاً، وفيه: أنه عليه السلام مر على أقوام يعذبون ألواناً من العذاب، ومنهم: رجل يسبح في بحر من دم، وعلى حافة النهر رجل بين يديه حجارة، وكلما اقترب الرجل من حافة النهر فغر فاه فألقمه ذاك الرجل حجراً فيرجع، فإذا اقترب من حافة النهر ألقمه الرجل حجراً آخر، وهكذا ... ونسأل الله العافية، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك? قيل له: هذا آكل الربا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(9/6106)
السعادة الدنيوية والأخروية تكمن في الدين الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
معظم الشباب بل معظم الناس يعتقدون أن البهجة والانبساط تكمن فقط في الأفعال التي قد تغضب الله هل لي أن تدلوني على بعض الأشياء التي تسعد الناس دونما يكون فيها معصية لله وكيف لنا أن نستمتع بعبادتنا ونحس فيها بالسعادة وكيف لنا أن نوطن النفوس ونجعلها تستكين وتحس في عبادتها لله بكل سعادة، افيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كثيراً من الشباب اليوم -لفرط جهلهم وقلة فهمهم- يعتقدون أن كل من تمسك بهذا الدين يجب أن يكون له شكل معين.
ولم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتميزون عن الناس بشيء، وإنما كانوا جزءا من مجتمعهم يعيشون معه الأفراح والأتراح، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخالطاً للناس يداعبهم ويضحك معهم، وينشد معهم الأناشيد ثبت ذلك كله في السنة.
وكان صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة أنظف الناس ثياباً وأطيبهم ريحا، يقول أنس رضي الله عنه، خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.. فما رأيت أنظف منه ثياباً ولا أطيب ريحا.
فهذه هي تعاليم الإسلام ونبينا صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] . ويقول تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] .
فهذا الدين ملائم لفطرة الإنسان يلبي كل رغباته المادية والروحية، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه....
وفي صحيح ملسم عن حنظلة بن ربعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال له ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
فهذا التوازن الذي يضع كل شيء في محله ويعطي كل ذي حق حقه، لا يوجد إلا في دين الله الذي لم يحرف ولم يبدل.. وهو دين الإسلام.
ولهذا نلاحظ طغيان الجانب الروحي على الديانة المسيحية المحرفة مما جعلهم يرفضونها، ويتمردون عليها لأنها تصطدم بالفطرة الإنسانية، ونرى الفلسفة المادية الغربية تهمل الجانب الروحي مما أدى بكثير منهم إلى الفرار منها لإشباع خوائهم الروحي ... بل ربما أدى بهم ذلك إلى الانتحار -والعياذ بالله- وذلك للتخلص من الهموم.
فالذي يسعد الناس في هذه الحياة وبعد الممات هو التوازن الطبيعي الذي فطر الله عليه الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه بحيث لا يطغى جانب على جانب.
والذي يجعل المسلم يسعد بعبادة ربه هو الإيمان العميق والحب لله ولرسوله ودينه، فبذلك يطمئن قلبه ويسعد بعبادته.
: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ*الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد: 28-29] .
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ويقول: جعلت قرة عيني في الصلاة. ويقول: أرحنا بها يا بلال.
وكان الصحابي يذهب إلى أخيه ليحدثه عن الإيمان فيقول له:اجلس بنا نؤمن ساعة.. لأنه يجد السعادة والمتعة في العبادة والحديث عن الدين.
وأخطر شيء على قلب المسلم هو البعد عن الله وكثرة المعاصي ومخالطة أهل الغفلة، وطول الأمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(9/6107)
التائب بصدق ولو وقع مرة أخرى لا يدخل في زمرة المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا وقعت في ما هو عظيم، لقد نقضت عهدي مع الله كنت أمارس العادة السرية وفي يوم من الأيام عاهدت الله على أني لن اعود إلى ممارستها مرة أخرى فمضى أكثر من 4 شهور تقريبا وأنا لم أمارس العادة بالأمس أغواني الشيطان ومارست العادة فماذا أفعل وكيف أتوب؟ وهل أنا الآن من المنافقين كما ذكر في الآية "أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم"؟
أفيدونا جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ممارسة العادة السرية أمر ممنوع شرعاً، بدلالة كتاب الله عز وجل حيث قال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:5-7] .
فإن الإمام الشافعي رحمه الله استدل بهذه الآية على تحريم الاستمناء، كما أفاد ابن كثير في تفسيره.
وإذا كانت هذه العادة محرمة بأصل الشرع، فإن العهد لا يزيد ذلك إلا تأكيداً، وقد سبق أن أجبنا على حكم من عاهد الله على أمر برقم: 10145.
ولكن باب التوبة مفتوح، ولو رجعت إلى الذنب ما دامت التوبة قد تحققت شرائطها وهي: الإقلاع، والندم، والعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى.
أما دخولك في زمرة المنافقين بذلك، فنرجو أن لا يكون، إذ أن المنافق توبته توبة المستهزئ بربه الذي يسبق توبته الإصرار على فعل المعصية، وأنت لست كذلك إن شاء الله.
ولكن نصيحتنا لك أن تلزم طاعة ربك، وعليك بمصاحبة الأخيار، فإنهم خير معين لك على اجتناب المعاصي، وأن تتذكر أن الله تعالى مطلع عليك، ووكل بك حفظاء على أعمالك: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [قّ:18] .
وننبه السائل إلى أن الآية التي ذكرها وردت بخصوص اليهود، والنص الصحيح للآية: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100] .
أما الآية التي وردت بخصوص المنافقين، فهي قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [التوبة:75] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(9/6108)
لو دخل العسر جحرا لتبعه اليسر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاما تخرجت من كلية الهندسة ولا أجد عملاً مما أصابني بالإحباط وجعلني أضيع وقتي في ما لا يفيد فأسألكم النصح والدعاء وإن وفرتم لي أي فرصة عمل أعصم بها نفسي جزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبر كاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإحباط واليأس ليسا من صفات المؤمن، فالمؤمن لا ييأس أبداً ولا يقنط من رحمة ربه مهما ضاقت عليه الدنيا وتقطعت به الأسباب، وإنما اليأس سبيل الكافرين، قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] . وقال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] .
وكيف يتسرب اليأس إلى قلب المؤمن وهو يقرأ قوله تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق:7] . وقوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6]
يقول ابن مسعود: لو دخل العسر جحراً لتبعه اليسر حيث كان.
فاتق الله أيها الأخ ولاتفقد الأمل واعلم أن الله تعالى يداول الأيام بين الناس وأن الدهر قلب، ولعل هذا ابتلاء من الله ليمتحن إيمانك ثم يعقب ذلك بالفرج
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ... ... ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... ... ... فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وعليك أن تراجع نفسك وتقف معها وقفات محاسبة وتصحح مسيرتها، فالله تعالى يقول: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] .
واعلم أنه ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة، فنسأل الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يعصمك من الزلل وأن يوفقك لما يحب ويرضى، إنه سميع قريب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(9/6109)
يجبر الله مصيبة العبد لو احتسب
[السُّؤَالُ]
ـ[رغم أنني قريب من الله تعالى لكن أجد نفسي كل ما تقدمت خطوة الى الأمام إلا ورجعت خطوات إلى الوراء لست أدري لماذا مع العلم أنني أب متزوج ولي ستة أطفال بنتان وأربعة أولاد المشكلة أن الحظ ليس حليفاً في جميع مواقف حياتي حتى إن اشتريت شيئاً وزدته في البيت إلا وخسرت أشياء.
انصحوني جزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الدنيا دار امتحان واختبار وابتلاء، والمؤمن فيها متقلب بين حال وحال، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] . وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .
وروى الشيخان في صحيحيهما عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل الخامة (النبتة أو القصبة اللينة) في الزرع تفيئها (تقلبها) الريح، تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج (تيبس) ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
وهذا كله خير للمؤمن يؤجر عليه عاجلاً وآجلاً، وترفع به درجته عند الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر. متفق عليه عن ابن سعيد وأبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم عن أبي سعيد.
والله تعالى يقول لنا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-] .
قال المفسرون: لنختبرنكم ونمتحننكم.. وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن هذه الدنيا دار محنة وبلاء، وأن علاج ذلك هو الصبر، وإذا صبر العبد جبر الله مصيبته، وأحسن عاقبته، وجعل له خلفا من مصيبته.
وقال سعيد بن جبير: لم تكن هذه الكلمة إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عند الأنبياء والأمم السابقة، ولو عرفها يعقوب عليه السلام لقالها ولم يقل: يا أسفى على يوسف. وقال ابن عطية: انطفأ مصباح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل له: أمصيبة! قال: نعم كل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة.
هكذا ينبغي أن نكون أن نحتسب كل ما يصيبنا عند الله تعالى مهما كانت قيمته، وأشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل ثم الأمثل والأتقياء مرزءون.
ولكني أنبه السائل الكريم على أن هذه العبارة لا تنبغي "رغم أني قريب من الله" فكأنه لا يستحق هذا ... وفيها كذلك نوع من تزكية النفس التي نهينا عنها قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32] .
وإذا أردت معرفة نعمة الله عليك فانظر إلى من هو أدنى منك، ولا تنظر إلى من هو أعلى منك.
والحاصل: أن على السائل الكريم أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. فهو رابح في كلا الحالتين ...
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(9/6110)
الحكمة في النهي عن الإسراف في البناء
[السُّؤَالُ]
ـ[الحكمة من النهي عن بناء القبب داخل المنازل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الله تعالى عباده بالاعتدال والقصد في أمورهم كلها، فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] وقال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء:26-27] .
فلما أمر الله بالإنفاق والأكل والشرب نهى عن الإسراف والتبذير، وأمر بأن يلزم الإنسان فيهما وسطا، كما قال في آية أخرى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان:67] .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة" رواه البخاري.
ومن الإسراف الذي نهى الله عنه الإسراف في البناء والتطاول فيه لغير حاجة أو منفعة، ولما فيه من الترف وإهدار المال فيما لا ينفع، وتعلق القلب به وصرف الأوقات في تزويقه وزخرفته، وهذا مفض إلى نسيان الآخرة مستلزم للإكثار من طلب الدنيا والاطمئنان إلى لذاتها، وهذا ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وشدد عليهم فيه، فقال فيما رواه أبو داود وصححه الألباني عن أنس بن مالك: "أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا،إلا ما لا. يعني: ما لا بد منه".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب - أو قال: البناء" رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" رواه مسلم.
فأمة الإسلام أمة وسط كما أراد لها الله، والمسلم عدل متوسط في كل شئونه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(9/6111)
العود للذنب مرة أخرى ضعفا هل يعتبر إصرارا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد منح الله المسلمين نعما كثيرة فقد وعدهم أن يكفر عنهم صغائر الذنوب إن اجتنبوا الكبائر وكما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن الصغائر تغفر ما بين الصلاة والصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان وأيضا هناك العديد من الأحاديث تبين أن الله سبحانه وتعالى وهوالكريم يغفر للمسلم صغائر الذنب إذا اجتنب الكبائر وسؤالي هو: هل الإصرار على واحدة من هذه الصغائر يعد كبيرة؟ وما الدليل على ذلك؟ وما معنى الإصرار؟ وإذا كان الإنسان يفعل ذنباً ويندم بصدق عليه ويستغفر ويرجو من قرارة قلبه ألا يعود إليه ولكن لشدة الفتنة وضعفه يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى فيستغفر مرة أخرى؟
أرجو الإيضاح وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإصرار هو الاستقرار على فعل الشيء. والعودة إلى الذنب بعد التوبة منه لضعف الإرادة لا تعتبر إصراراً على الذنب، ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ".
والإصرار على الذنب معصية في حد ذاته، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أثراً عن سعيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر: أسبع هن؟ قال: هن إلى السبعمائة أقرب، إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
وعلى السائل الكريم أن ينتبه لأمور:
الأول: أن للعبد المؤمن يستشعر دائماً مراقبة الله له واطلاعه عليه، ومن كان على هذه الحال دائماً عليه اجتناب الوقوع فيما حرم الله.
الثاني: أنه على المؤمن ألا ينظر إلى حجم الذنب، بل عيه أن ينظر إلى عظمة من نهى عن الذنب.
الثالث: أن من عاجل عقاب الذنب أن تسهل لصاحبه ذنوب أخرى ويمنع التوفيق في عمل طاعات كانت ميسرة له قبل الوقوع في الذنب.
وعلى كل حال فنذكر أخانا بقول بعض السلف: لا تكن على حال تكره أن يأتيك الموت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(9/6112)
نصائح لمن تاب وأناب لتجنب النكسة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
شاب كان يعيش في فترة المراهقة وبدأ يعي قضايا دينه وما زالت به بقايا تلك الفترة المظلمة بماذا تنصحونه؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخ الكريم بالابتعاد عن أصدقاء السوء، فهؤلاء أشد تأثيراً من الأبوين، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما مستدلاً بقول الله تعالى: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء:100-101] .
كما ننصحه بالاقتراب من أهل الخير ومصاحبتهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] .
وقال تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم ولنا من بعده: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف: من الآية28] .
والبيئة لها تأثيرها ولا شك، ولهذا جاء في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: أن رجلاً ممن قبلنا قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل هل له من توبة؟ فدل على راهب فسأله: هل له من توبة وقد قتل تسعة وتسعين نفساً؟ فقال له: لا، فقتله وأكمل به المائة، ثم سأل فدل على عالم، فسأله هل له من توبة وقد قتل مائة نفس؟ فقال له: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ اذهب إلى بلد كذا، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم.
فهذا العالم دل هذا التائب على البيئة الصالحة وحذره من البيئة الفاسدة، وهذا هو الدواء الناجع.
كما ننصح الأخ الكريم بحضور الدروس والمحاضرات ومجالس العلم، والاستماع إلى المفيد النافع، وشغل وقت فراغه بما يفيده في دينه ودنياه، لأن النفس إذا لم تشغلها بالمفيد النافع شغلتك بالأشياء التافهة التي ربما تؤدي إلى الانتكاس والرجوع إلى الماضي السيء. ونسأل الله العافية.
والخلاصة: أن على أخينا الكريم أن يصحب أهل الخير، ويبتعد عن أصدقاء السوء، وأن يشغل نفسه بطلب العلم أو الحِرَف المفيدة النافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(9/6113)
تربية الأولاد والإنفاق عليهم وتكثير الأمة مما يرجى به الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ عام وأريد أن أدخل به الجنة فالرجاء تقديم كل الإرشادات حتى يتم لي ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما قمت به من التزويج هو من أعمال الخير التي يرجى عليها الثواب من الله تعالى، لما في النكاح من فوائد عظيمة من مثل غض البصر وإعفاف النفس وتحصين الفرج عن الحرام، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ولهذا المقصد جعل الإسلام مضاجعة الرجل زوجته والإنفاق عليها وعلى العيال من الصدقات، أخرج مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا، يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيت لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر. وفي صحيح مسلم عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن نفقتك على عيالك صدقة، وإنما تأكل امرأتك من مالك صدقة. هذا إضافة إلى تحقيق مطلب تكثير هذه الأمة ورجاء ولد صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وراجعي الفتوى رقم:
8083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(9/6114)
التحلي بالصبر لجام للغضب وشبهه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذتني العزة بالإثم فقط. نادمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أن تتوبي مما وقعت فيه من الذنب وأن تتحلي بالصبر فهو من أفضل ما يعطاه العبد، ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر.
وتجنبي أسباب الغضب، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم من استوصاه فقال له: لا تغضب. رواه البخاري.
واعلمي أيتها الأخت الكريمة أن الله تعالى ذم قوماً من المنافقين وذكر من صفاتهم أنهم تأخذهم العزة بالإثم قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(9/6115)
مقابلة الإساءة بالصبر والصفح يقلب العداء محبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لي عمة لديها ابنة وهذه الابنة لها سلوك يعيب عليه الكل (مثلا ألفاظها مخجلة جدا) , فهناك من قاطعني من الفتيات الملتزمات لأنهن علمن أنها ابنة عمتي وقالوا لو أن ابنة عمتي هكذا أصبح أنا مثلها , وهي تسمع عني أفظع الكلام من الشبان الذين تعرفهم وتضحك (يعيبون في شكلي لأني رفيعة جدا) وتأتي تحكي لي ثم تنكر أمام الأهل هذا الكلام وعمتي لا تفعل شيئاً بل لقد طردت عمتي أمها من البيت (جدتي) لأن ابنتها لا تحبها وتشتمها, وأنا لا أكلمهم من سنة لأن ابنة عمتي قالت عني أنني أنا التي أكذب عليهم وأشوه سمعتها. مع أن سمعتي أنا التي انهارت بسببها وأنا إنسانة ملتزمة وأخاف الله. فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم عن أبي هريرة. ...
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يجتني سواكاً من الأراك وكان دقيق الساق، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد!!. أخرجه الطيالسي وحسنه الألباني في غاية المرام.
فهذه النصوص وأمثالها تدل على أن الميزان الذي يجب أن يوزن به البشر هو الإيمان والتقوى لا الأموال ولا الأنساب ولا الألوان، لأن كل ذلك لا ينجي من النار ولا يدخل الجنة بذاته.
وقد نهى الله تعالى عن السخرية من الآخرين، وبين أن من يسخر منه قد يكون خيراً من الساخر، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] .
ونحن ننصح الأخت السائلة بالصبر على الأذى الذي لحقها من ابنة عمتها ولها على ذلك عظيم الثواب والأجر، قال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] ، وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] . وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 43] . وقال تعالى في صفات أولي الألباب: وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22] .
وينبغي عليك أن تنبهي ابنة عمتك على سوء فعلها وأن تقابلي خطأها بالنصح والتوجيه والإرشاد لما فيه نجاتها من عذاب الله تعالى، ولا بد أن يكون ذلك بأسلوب هادء وهادف ولين، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] .
وأفضل النصح ما كان مشفوعاً بكلام الله وكلام رسوله، إذ فيهما الدواء النافع والعلاج الناجع لكل ذي سقم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1423(9/6116)
يعظم أجر العبادة إذا مازجتها المشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الأجر على قدر المشقة، فهل هذا يعني أن من يصوم في السعودية مثلا (كمنطقة حارة) له أجر أعظم ممن يصوم في كندا (كمنطقة باردة) إذ يشعر بالعطش أكثر في المنطقة الحارة؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبادة لا يقصد بها المشقة -أصلاً- لذاتها لكن إذا حصلت المشقة كان الأجر أعظم بلا شك، ومما يدل على ذلك قول الله تعالى لأصحاب اليمين: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] .
ونجد ذلك في مختلف العبادات، فأفضل أوقات العبادة والذكر والدعاء والاستغفار هو الثلث الأخير من الليل حيث يشق القيام في ذلك، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره ...
والمراد هو إتمام الوضوء في وقت البرد الشديد.
وكذلك في الصدقة في جهد المُقِل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبق درهم مائة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به. رواه النسائي وابن خزيمة والحاكم.
وهكذا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. رواه أبو داود والترمذي.
والحاصل أن العبادة إذا كانت فيها مشقة فإن أجرها يعظم عند الله تعالى، أما إذا قصدت المشقة لذاتها فهذا ليس فيه زيادة أجر بل هو منهي عنه شرعاً، فقد روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم! فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6117)
خير وسائل الدفاع لدرء أعاصير الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أما بعد:
لا يخفى عليكم مايتعرض له المسلمون وبخاصة الشباب من فتن عقائدية وأكاذيب تشوش على من لم يحصنوا أنفسهم بالعلم الكافي لدرء هذه الفتن حيث أن شيخ الاسلام ابن تيمية كان يضع يديه على أذنيه خشية الفتن فما هي المراجع أو الركائز الأساسية التي يرجع إليها المسلمون الغير متحصنين بالعلم الشرعي لدرء هذه الفتن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
ولطلب العلم أصوله التي يجب على طالبيه السير عليها والاهتمام بها، ومن أهمها وأولاها بالاهتمام تقوى الله عز وجل والخوف منه، ويتحقق ذلك بالإكثار من التعبد بفعل الطاعات، والإقلاع عن المعاصي والمحرمات.
ولابد من السير على المنهج الصحيح لطلب العلم باختيار عالم رباني يرشد الطالب ويوجهه ويؤدبه، فقد قيل قديماً: من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه.
وقيل: من دخل في العلم وحده خرج وحده. أي: من طلبه بلا شيخ خرج بلا علم، وقد نظم أحد العلماء في ذلك شعراً فقال:
يظن الغمر أن الكتب تهدي ... أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيرت عقل الفهيم ...
إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصير أضل من توما الحكيم
ومن الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الشيخ ما نقله الإمام الذهبي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحدث به. ا. هـ من سير أعلام النبلاء.
فإذا كان طالب العلم يريد العصمة لنفسه من الزلل والخطأ، فعليه أن يلزم شيخاً تقيا عالماً، أما من لم يكن للتوسع في طلب العلم أهلاً أو كان عنه منشغلاً، فلا أقل من أن يعرف أحكام دينه التي لا يسعه جهلها كمعرفة توحيد الله تعالى، ومعرفة أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والحج، فما لا يدرك كله لا يترك كله، ولا يلزمه معرفة ذلك بدليله، بل يكفيه أن يسأل أهل العلم الموثوقين، فقد قال تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] . لأنه يتعذر أن يكون كل واحدٍ مجتهداً في الدين، فكان لابد أن يوجد مفتٍ ومستفتٍ، ولكي تحصل العصمة لهذا الذي لا يقوى على طلب العلم، فيجب عليه أن يحسن اختيار من يفتيه، لاسيما إذا كثرت الفتن وتشعبت الأهواء وكثر الأدعياء، وقد بيَّن العلماء يرحمهم الله الشروط التي يجب أن يتصف بها المفتي، وهي ثلاثة:
الأول: الدين، وهو أن يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي.
الثاني: العلم.
الثالث: الورع، وهو أن يترك الشبهات وبعض المباحات خوفاً من الوقوع في المحرمات، ومنه الخروج من الخلاف.
إذ لا ثقة بمن عدمت فيه واحدة منها، ويعرف حصولها بالإخبار عنه بذلك من الثقات، وانتصابه واشتهاره في الفتوى، والناس راضون بذلك، وقد نظمها صاحب مراقي السعود في قوله:
وليس في فتواه مفتٍ يتبع ... إن لم يضف للدين والعلم الورع
من لم يكن بالعلم والعدل اشتهر ... أو حصل القطع فالاستفتا انحظر
وراجع الفتوى رقم: 4174، والفتوى رقم: 4378، والفتوى رقم: 7677، والفتوى رقم: 8563.
والخلاصة: أن تقوى الله تعالى والتسلح بالعلم الشرعي هما أقوى ركن يأوى إليه المسلم، ويتهيأ به لمقاومة أمواج الفتن.
نسأل الله عز وجل أن يقينا وجميع المسلمين شرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(9/6118)
قضاء الصلوات المتروكة والتوبة تغسل الذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تبلغ من العمر 33 ولم تتنبه إلى الصلاة إلا في وقت متأخر وهي الآن تشعر بالذنب وتعتقد أن الله لن يغفر لها وهي تريد أن تعرف كيف يمكنها تعويض ما فاتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذه الفتاة قضاء الصلوات التي تركتها، فإن لم تكن عالمة بعددها فعليها بالاجتهاد والتحري وقضاء ما ترى أن ذمتها تبرأ به عند الله تعالى. ولمزيد الفائدة عن أحكام القضاء تراجع الفتوى رقم:
12700.
وعليها أن تستغفر الله وتتوب إليه وتندم على ما فعلت وتعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى، وبذلك يغفر الله ذنبها، فإن التوبة تجب ما قبلها. ولمزيد الفائدة حول هذا تراجع الفتوى رقم:
1882 والفتوى رقم:
2969.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(9/6119)
توجيه نزعة الخوف الوجهة الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ابناؤنا يخافون من اختبارات الدنيا ولا يخافون من اختبار الآخرة وكيف نزرع في قلوبهم الخوف من اختبار الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخوف الإنسان من عدم نجاحه في امتحانات دراسته أو أي أمر من أموره مما يقع عند كثير من الناس يرجع إلى الخوف الجبلي الخارج عن إرادة الإنسان، ومثل هذا لا يذم شرعاً، فقد ذكر الله عن نبيه موسى أنه خاف من المخلوقين، فقال سبحانه: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) [الشعراء:21] .
لكن الاستسلام والاسترسال لمثل هذا الخوف حتى يصبح هاجساً يسيطر على ذهن الإنسان مما ينافي كمال الرضا والتسليم، والخوف النافع للإنسان هو ما حمله على الجدّ والسعي، واتخاذ الأسباب المناسبة لاتقاء المخوف، وما زاد على ذلك فهو مرض وسلبية، وما نقص فهو نوع تفريط قد يلام عليه المرء، وهذا التوازن مطلوب في شئون الدنيا وفي أمور الآخرة.
فينبغي علينا أن نوجه أبناءنا كما أنهم يستعدون لاختبارات الدنيا، فليستعدوا للاختبار الأعظم يوم القيامة، ويكون توجيههم عملياً بالتربية المتوازنة وتعظيم ما عظم الله ورسوله من حرمات الله وأوامره، فإن فعل الأوامر واجتناب المناهي هو الاستعداد الحقيقي لاختبار الآخرة، هذا الاختبار الذي يجب عليهم أن يخافوا منه، وأن يستعدوا لنتيجته التي تنتظرهم (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7] .
فلا يجوز لمؤمن أن يخاف من مخلوق أو أمر من أمور الدنيا ولا يخاف من خالقه ولا يستعد للقائه؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(9/6120)
الذم والوعيد الوارد في الحديث للسافرة والمقر لها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أفتى لي أحد العلماء بأن المرأة المسلمة غير المحجبة تكون زانية ويكون زوجها ديوثا الرجاء إفادتي بصحة هذه الفتوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلفظ "زانية" ورد في حق المرأة التي تخرج من بيتها متعطرة، وذلك في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية.
أما المرأة غير المحجبة فورد في شأنها حديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
أما الديوث من الرجال فهو الذي يرى الفاحشة في أهله ولا يغار على عرضه، لذا فمن يقر امرأته على التبرج أمام الأجانب فهو ديوث، وقد ورد في الديوث قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد من حديث ابن عمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(9/6121)
شروط توبة المغتاب وأشباهه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على من افترى على مسلم كذبا ثم أراد أن يتوب من ذلك أن يخبر من ذكر لهم هذا الافترء أنه كان كاذباً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوبة من المعصية التي تتعلق بحق آدمي يشترط فيها مع شروط التوبة المعروفة شرط رابع وهو أن يبرأ من حق صاحبها، سواء كانت مما يستوفى كالمال ونحوه، أو مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب وغير ذلك.
وهذا هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك كما في كتاب (التوبة) لابن القيم، واستدلوا على ذلك بعموم النصوص الواردة في هذه المسألة، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فيتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه". رواه البخاري.
وذهب آخرون إلى أن الحق إذا كان مما يستوفى كمالٍ ونحوه يرده إلى صاحبه، وإن كان مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار وذكره بخير، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله.
واحتجوا بما يلي:
1- أن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى بعد أن كان مستريحاً قبل سماعه.
2- أن هناك فرقاً بين الحقوق المالية وغيرها، لأن الحقوق المالية ينتفع بها إذا رجعت إليه بخلاف الكذب والغيبة والنميمة، ولأنه إذا أخبره بها لم تؤذه، بل تزيده فرحاً وسروراً.
وهذا القول الثاني هو الأقوى والأرجح، فعلى هذا لا يجب عليك الإخبار بأنك كذبت، ولكن عليك أن تستغفر لمن افتريت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(9/6122)
سبيل التوبة من الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي شرعا بيع نفسي كعبد مملوك حتى أنقذ نفسي من مصيبة وقعت بها وهي تكاد تقتلني وليس لي حل مصيبتي حيث إنني استدنت من بنك ربوي لذا فإنني أعتقد أن العبودية في الدنيا والإذلال فيها أهون من غضب الله وعقابه في الآخرة فهل يجوز لي ذلك؟
والله يحفظكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يتقي الله في كل عمل يقدم عليه، وحالة اليأس التي وصلت إليها نتيجة التفريط في أمر خطير يكاد يكون من الأمور المعلوم من الدين بالضرورة تحريمها، ولتهنأ بحرصك على التوبة، وتذكر قول الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] .
وتفكيرك في بيع نفسك عبداً من معالجة الخطأ بالخطأ، وهو أمر لا يجوز الإقدام عليه، لأن العبودية أمر شرعي، والاسترقاق في أصله لا يكون شرعاً إلا لكافر قد أسر في الحرب، وإذا كان الإسلام يرغب في تحرير الأرقاء، فكيف يقدم مسلم على استرقاق نفسه.
وعليك باللجوء إلى الله تعالى، واسأله بلسان صادق وقلب مخلص، وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض، وهو القائل سبحانه: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر:21] . والقائل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3] .
ثم إن التوبة من الربا لا تستدعي هذا اليأس كله وهذا الضيق، فالله تبارك وتعالى قال: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279] .
فهذه هي صفة التوبة من الربا مع الإضافة إلى شروط التوبة المعروفة، لذا نقول لك: إذا كان عندك رأس مال المرابي فرده إليه، وإن لم يكن عندك فليس عليك إلا الندم والعزم على عدم العودة في المستقبل، ورأس مال المرابي دين عليك إن أيسرت فرده إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/6123)
السرقة قبل البلوغ ترفع الإثم دون الضمان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هناك رجل سرق وهو ما بين عمر 10-14 والآن يريد أن يتوب فماذا يفعل؟ علماً بأنه الآن في عمر 20 عاماً. نرجو من فضيلتكم الإجابة بأسرع وقت ممكن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أخذ حق غيره وأراد التوبة فيلزمه بعد التوبة والندم على فعله والعزم على أن لا يعود إرجاع الحق إلى أصحابه.
ومن سرق قبل البلوغ لم يكن عليه إثم، لعدم التكليف في حقه، ولكن لا يعفيه ذلك من إرجاع الحق إلى أصحابه، لأن الشرع رفع عنه الإثم، ولم يرفع عنه ضمان ما أتلف أو غصب أو سرق.
وانظر الفتوى رقم: 3051، والفتوى رقم: 6022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(9/6124)
لا تقع في محقرات الذنوب عمدا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يخاف الله في كل الأيام ويخاف من الآخرة وما ينتظره وهو يصلي الصلاة في وقتها ومن حين إلى آخر يسهو ويرتكب بعض الهفوات أو الذنوب الصغيرة ويندم عن ذلك؟
جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فابن آدم عرضة للوقوع في الخطأ بين لحظة وأخرى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عيه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، والواجب على المؤمن أن لا يستهين بالذنب، فيقدم عليه على عمدٍ، فإنه لا يدري أيغفره الله أم لا؟ ولا يدري أيوفق للتوبة منه أم لا؟.
فالواجب الحذر من الذنوب صغيرها وكبيرها، ولكن إذا وقع في الذنب، فعليه أن يعلم أن باب التوبة مفتوح، وأن الله عز وجل غافر الذنب، فيستغفر ويتوب بدون إمهال، فإنه لا يدري متى يفاجأه الموت؟
وقد أرشدنا الله عز وجل إلى فعل الحسنات بعد السيئات، فقال سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114] .
والذنوب قسمان:
صغائر وكبائر، فالصغائر لها مكفرات كثيرة منها: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، ومنها الخطوات إلى المساجد، ومنها الصدقات.
وأما الكبائر، فلابد من التوبة منها توبة مستوفية لشروطها من الندم على ما فات، والعزم على أن لا يعود، والإقلاع عن الذنب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(9/6125)
ما يفعل من لم يفتح عليه في الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[الأباء العلماء السلام عليكم ورحمه الله وبراكاته وبعد:
لي سوال وهو: أني طالب عربي مغترب في دولة أجنبيه والحمد لله ملتزم بكل ما يجب على المسلم ولكن لي فترة لم أستطع أن أذاكر ولا أدري ما هو السبب ولم أدر ما الذي تغير في حياتي تمر علي الأيام ولكن دون فائدة كل يوم أعتقد أني سوف أتخلص من هذه الحالة التي أنا فيها في اليوم التالي ولكن لم يتغير شيء فالحال هو الحال فهل لديكم حل فعلي للمسألة؟
وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية والتوفيق لكل خير، وننصحك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع فهو وحده الذي يكشف مابك، ويعينك على الدراسة والمذاكرة، قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62] .
وعليك أن تجاهد نفسك على طلب العلم، ولا بأس أن ترقي نفسك بالقرآن والأدعية المأثورة خاصة المعوذات (الإخلاص والفلق والناس) وسورة الفاتحة، وننصحك بقراءة الأذكار والأدعية لا سيما من كتاب (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(9/6126)
بشارات قرآنية ونبوية لأهل البلاء والمصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو كتابة آيات وأحاديث عن المعوقين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمعوقون من أهل المصائب، وما يقال لأهل المصائب يقال لهم، فمن ذلك قول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157] .
وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35] .
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42] .
وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفرَّ الله بها من خطاياه" رواه البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضته منهما الجنة" رواه البخاري.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي وابن ماجه.
ويقول أيضاً: "لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب" رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(9/6127)
سبيل تحقيق الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الهداية أريد الهداية أريد الهداية إني أخاف الله خوفاً شديداً ولكن الشيطان لعنه الله يصدني عن ذكر الله أريد الهداية والنصيحة والثبات على طريق النجاة من النار أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيراً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والسداد والثبات، وجزاك الله خيراً لحرصك على الهداية، ولكن اعلم أن الهداية كالرزق ينالها من يسعى لها ويطلبها بإذن الله تعالى، فإذا أردت الهداية فاسلك سبيلها، واترك ما ينافيها، وجاهد نفسك والشيطان، وستجد الهداية إن شاء الله، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7] . وقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] . ولمعرفة كيف تواجه الشيطان وكيده راجع لزاماً الفتوى رقم:
12928 ففيها إن شاء الله ما يكفيك في هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(9/6128)
الخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا رجل أسكن في الجزائر حافظ من كتاب الله وأحب أن ألتزم ولكن أصبحت لي عادة في البارابول أتوب إلى الله وأعزم على ألا أعود ولكن الشيطان والنفس تتغلب علي أود أن تعطوني حلا لهذه المشكلة؟ يرحمكم الله....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي أن علاج الإصرار على المعصية هو مجاهدة النفس والهوى والدنيا. قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] يقول الإمام ابن القيم: علقَّ الله سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد. الفوائد /78
ومن مجاهدة النفس تخويفها من الله كما قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:41]
وتخويفها مما سيحدث من العقوبات الدنيوية والأخروية، فإذا أشتد خوفه مما سيحصل له من وراء الذنب تباعد عنه، وفرَّ منه، فالخوف من الله ومن عقوباته في الدنيا والآخرة هو الأساس في ترك الذنب، يقول سيد قطب رحمه الله: الخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة، وقلَّ أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى. الظلال 6/3818
ومن مجاهدة النفس مكابدتها ورفض الخضوع لطلباتها وشهواتها، يقول أحد السلف الأوزاعي: عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي.
ولن يصل أحد إلى الجنة إلا بالمكابدة فإن الجنة كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجبت أو حفت بالمكاره. رواه البخاري.
ومن علاج الإصرار على المعصية إيجاد البدائل الحلال، كما هي عادة الشرع يحرم باباً من الحرام ويفتح باباً من الحلال، يُحًّرم الزنى ويبيح الزواج، ويحرم الخمر ويبيح الطيبات....
ومن العلاج أن لا يأمن على نفسه الموت وهو مقيم على المعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(9/6129)
أبواب السماء مشرعة في كل وقت وحين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم:
هل يمكنني التوبه والرجوع إلى طاعة الله لأنني لم أصل من مدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.
فباب التوبة مفتوح للعبد ما لم تبلغ روحه الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، فعند ذلك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فيجب عليك أيها الأخ التوبة فوراً، واحذر من التسويف فيها واعلم أن التائب حبيب الله، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] . وأن التوبة تجب ما قبلها أي تهدم وتمحو ما قبلها من الذنوب، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألم تعلم أن التوبة تجبُّ ما قبلها.
ونُبشرك إن صحت التوبة وأخلصت فيها، بقول الله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(9/6130)
إلزام النفس الطاعة والدعاء بضراعة خير معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بأنني بدأت أزيغ عن الطريق السوي الذي اعتدت على السير به، فأصبحت أهمل في صلاتي ولا أتقبل البلاء من الله تعالى، فماذا أفعل لأعود إلى رشدي؟ علما بأنني كنت على صلة وثيقة بالله (أو كما أعتقد) فقد سبق أن رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي. شكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيا أخي الكريم عليك أن تعلم أن المسلم الحقيقي هو من يستقيم على طاعة الله تعالى
وأداء فرائضه من صلاة وصوم وغير ذلك، ويصبر على ما قدر الله عليه من البلاء ولا يتسخط من أمر الله، فإن لله التصرف المطلق في خلقه وله القدرة الكاملة على كل شيء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فلتراجع رشدك ولتلزم صلاتك وطاعة ربك، ولتسأل الله تعالى الثبات على الإيمان، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي وابن ماجه. واعلم أن الفرائض من الصلوات والصيام وغيرهما هي رأس المال فمن فرط فيها فقد فرط في دينه، ومن حافظ عليها فقد حافظ على دينه.
واعلم أنه لا إيمان لمن لا صلاة له، فإن كنت تريد أن تكون على صلة بربك فحافظ على صلاتك فهي الصلة بين العبد وربه وهي أفضل الأعمال، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال؟ الجهاد في سبيل الله.
ثم عليك بالصبر فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
ولتسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وتسأله الثبات على أمره والتوفيق لطاعته. والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1423(9/6131)
الخشوع في الصلاة فلاح للمؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكننا أن نتأكد من أننا خاشعون أثناء الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جعل الله تعالى الخشوع في الصلاة من أسباب فلاح المؤمنين، فقال عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2] وهذا يدل على أهمية الخشوع، وأثره العظيم في علو المنزلة عند الله تعالى.
وللخشوع أسبابه التي توصل إليه وتعين عليه، قد ذكرناها مفصلة في الفتوى رقم: 9525، والفتوى رقم: 3087.
فإذا أخذ العبد بهذه الأسباب وحرص عليها، فإنه بعون الله تعالى يظفر بالخشوع المطلوب ويحصل عليه، وتتحقق له ثمرته، ويزداد خشوع العبد وينقص بقدر أخذه بهذه الأسباب أو تركها.
ولمعرفة المزيد عن أحكام الخشوع في الصلاة راجع الفتوى رقم: 4215، والفتوى رقم: 6598.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(9/6132)
أدوية للحد من الوقوع في الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف التوقف عن تكرار الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً بالاستعانة بالله سبحانه على التوبة النصوح، وإكثار الدعاء بالهداية والاستقامة.
ثانياً: حقق شروط التوبة وهي:
الإقلاع عن الذنوب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها أبداً، وإن كانت متعلقة بحق آدمي رددته إليه، والعزم مهم جداً على عدم تكرار الذنب.
والمؤمن إذا وقع في الذنب تذكر عظمة الله واطلاعه عليه وقدرته عليه فترك الذنب وتاب منه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136] .
ثالثاً: اجتنب الأسباب التي توقعك في المعصية، فمثلاً الذي يقع في الفاحشة، فسبب ذلك النظر المحرم والخلوة ونحو ذلك، فلابد من الابتعاد عن كل الأسباب التي توقع في الذنب.
رابعاً: عليك بالابتعاد عن البيئة التي فعلت فيها المعصية، وأقوى ذلك الرفقة السيئة فلابد من مفارقتها ومصاحبة الأخيار، والجلوس في مجالس الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1423(9/6133)
كيف تنصح امرأة غير محجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود الاستفسار عن كيفية نصح أخت غير محجبة أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى، واستشعري ثواب من اهتدى على يده إنسان. قال صلى الله عليه وسلم: فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه عن ابن عباس
واقرئي جيداً عن الحجاب حتى يكون عندك علم بهذه المسألة لعلك تحتاجين لمناقشة تلك المرأة.
واعرفي لماذا هي غير محجبة؟ لأن معرفة دافعها يجعلك تتعاملين معها بصورة أفضل.
واختاري الوسيلة المناسبة والوقت المناسب، إما بالكلام معها مباشرة، أو إهدائها شريطاً أو كتاباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(9/6134)
من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن لرحيم
إخوتي بالله السلام عليكم.
في الحقيقة عندما كان عمري 15سنة كنت فعلا أشعر نفسي دائما مع ربي في كل وقت وشاهدت رسول الله في نومي عدة مرات وأنا لا أترك فريضة ومتحجبة وألبس المانطو ولا أضع على وجهي أياً من الماكياج،ولكن الآن عمري أصبح اثين وعشرين عاما ومن حوالي السنة أصبحت أشعر بأنني أبتعد شيئا فشيئا عن عبادة الله فلم أعد مرتدية للمانطو وإنما أرتدي ملابس عادية ولكنها محتشمة وكذلك أصبحت أضع على وجهي ماكياجا خفيفاً جدا وغير واضح وها أنا الآن تذهب عني صلاة العصر وأحيانا المغرب أثناء وقت العمل على علم بأنني أعمل ولا أؤديها لاحقا. أفيدوني كيف لي أن أعود كما كنت في السابق وماذا عن الصلوات التي تذهب مني أثناء وقت دوامي في العمل، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأننا ننصح السائلة الكريمة بالبحث عن السبب الذي جعلها تستبدل الذي هو أدنى بالذي خير، فإذا عرف الدّاء سهل الدواء.
فإذا كان سبب ذلك هو الانهماك في العمل والانشغال بالدنيا فهذا العمل لاخير فيه، ولا بارك الله في عمل يشغل عن الصلاة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الموطأ والصحيحين عن ابن عمر من فاتته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله. ومن فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله.
وفي صحيح مسلم مرفوعا لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. يعني الفجر والعصر. وفيه من صلى البردين دخل الجنة. والبردان الفجر والعصر. ومفهوم المخالفة يقتضي أن من لم يصلهما قد لا يدخل الجنة، ومن لا يدخل الجنة دخل النار. والعياذ بالله-.
ونقول للسائلة الكريمة: لا ينبغي أن يكون هنالك تعارض بين العمل وبين الصلاة، فالمسلم إذا كان مطالباً بأداء الصلاة والمحافظة عليها فإنه مطالب كذلك بالعمل والإنتاج، ولكن العبادة هي الأصل الذي من أجله خلق الإنسان، وهي رأس ماله ورصيده الأخروي، والصلاة هي عماد الدين كما قال صلى الله عليه وسلم رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة.... رواه الترمذي عن معاذ. والله تعالى يقول وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77] .
فهذا الدين دين الفطرة ملائم للإنسان أينما كان، وكيفما كان، عاملا أو عاطلا.
أما الصلوات التي ضاعت منك - نسأل الله العافية - فقد اختلف أهل العلم في حكمها:
فبعضهم عد من ترك الصلاة متعمداً كافراً - والعياذ بالله - وقد حبط عمله الأول كله فلا ينتفع بصلاة ولا صيام ولا حج سابق، لقوله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين [الزمر:65] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم عن جابر. والقول الآخر هو أنه كافر كفرا أصغر لا يخرج من الملة. وعلى ذلك، فإن ما ضاع من الصلوات يجب قضاؤه مع كثرة الاستغفار والتوبة والعمل الصالح.
وعليه، فإن على السائلة الكريمة أن تبادر إلى التوبة النصوح وأن تنوي ألا تعود إلى ترك الصلاة أبدا ما بقي من عمرها، وأن تقضي هذه الصلوات التي فاتتها لعل الله تعالى أن يتقبل منها.
وأخيرا ننصح الأخت الكريمة أن تتقي الله تعالى وتبتعد عن أصدقاء السوء فإنهم مصدر كل بلاء، ويمكن أن يكونوا هم السبب فيما أصابها. وما أصاب هذه الأخت يعد مصيبة من أعظم المصائب فقد آل بها الأمر إلى ارتكاب المحرمات، والتهاون في الواجبات، أفبعدما ذاقت طعم الإيمان ولذة العبادة تنتكس على عقبيها إلى هذا الحد؟!
ومن أنفع الأدوية لها أن تصحب أهل الخير وتحضر مجالسهم وتستمع إلى المواعظ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. والحمد الله أنها انتبهت لما أصابها، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياها للتوبة النصوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(9/6135)
البكاء تأثرا بالموعظة دأب الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أما بعد:
فقد رأيت في إحدى القنوات الفضائية شيخا فاضلا بل وهو من العلماء الأفاضل وكان يتحدث عن موضوع محبة الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم وقد اقشعرت جلود الحاضرين من حوله بل وذرفت أعينهم الدموع منهم من يبكي متأثرا بالقصة ومنهم من يبكي ببكاء الشيخ وعندما انتهى رفع يديه وقرأ الفاتحة. هل هذا أمر مشروع وهل فعله أحد من السلف؟ أجيبونا ولكم من الشكر أجزله ومن الدعاء أخلصه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فرفع اليدين وقراءة الفاتحة من المتحدث والحاضرين في نهاية الحديث، سواء كان في محاضرة علمية أو غير ذلك أو بعد الدعاء، كل ذلك لا أصل ولم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام، فلا يشرع بل هو بدعة كما قرر أهل العلم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "أي مردود عليه".
أما تأثر السامعين بالقصة وبكاؤهم لذلك أو لبكاء الشيخ فلا حرج فيه -إن شاء الله- فقد بكى الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لبكاء أم أيمن رضي الله عنها، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله يزورها. قال: فلما أنتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم! ... إلى أن قال: فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. -فالشاهد هو تأثر الشيخين من بكاء أم أيمن وبكاؤهما لذلك.
والخلاصة أن قراءة الفاتحة بعد المحاضرة أو الدرس ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من القرون الخيرة، لهذا فلا ينبغي فعله، أما البكاء عند سماع الوعظ والقصص فلا إثم فيه؛ بل كان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم البكاء والتأثر عند سماع أو قراءة آيات الوعيد والتخويف ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(9/6136)
تفاوت الناس في الأرزاق والنعم وراءه حكم جليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيفية العدل في الرزق وغيرها من الأشياء بين الناس وأن كل الناس في النهاية متساوون حتى يطمئن قلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي حفظك الله ووفقك، وصرف عنك كيد الشيطان وشبهاته أن الله تعالى هو الذي خلق هذا الإنسان وأوجده من العدم، وأسبغ عليه النعم ظاهرة وباطنة، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18]
ولو تأمل الإنسان في نعم الله لعلم وأيقن أن الفضل كله بيد الله ومن الله، ونمثل ببعض النعم التي أذهب الإلف الإحساس بها:
فنعمة اللسان من النعم العظيمة فبه يذوق الإنسان، وبه يقلب الطعام، وبه يتكلم. وقد امتن الله بنعمة اللسان ونعمة البيان، أما نعمة اللسان فقال الله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) [البلد:8-9] . وأما نعمة البيان فيقول الله تعالى: (خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:4] .
ولو نظر العبد نظر تأمل لوجد الحيوانات من حوله تملك ألسنة أكبر وأضخم من لسانه، ولكنها لا تملك البيان، فمن أعطاك القدرة على البيان ولم يعطها لغيرك؟!.
وأما نعمة العقل فما أعظمها من نعمة، فالعقل به يفكر الإنسان ويزن الأمور، ويدرك الأحداث ويخترع ويبتكر، وما الحضارة التي يعيشها الناس اليوم إلا ثمرة واحدة من ثمار نعمة العقل، والحيوانات التي هي سابقة للإنسان من حيث الوجود على سطح هذه الأرض ما زالت تعيش حياتها كما وجدت أول مرة، فالطائر ينسج عشه، والضب يدخل جحره وهكذا، والإنسان بنى العمارات وناطحات السحاب، وصنع الطائرات والسفن وغير ذلك مما هو مشاهد معلوم، فهل رجع الإنسان إلى نفسه وشكر ربه على هذه النعم؟!!.
والعجب أن هذا الإنسان الذي لا يملك من أمر نفسه قليلاً ولا كثيراً، بل هو مملوك لله تعالى ينصرف عن شكر هذه النعم، ثم يحتج على الله بأنه لم يعطه كذا، فهل يجب على الله ذلك؟!!.
وللجواب عن هذا نضرب مثلاً بسيطاً، ولله المثل الأعلى:
لو أن رجلاً غنياً كريما أعطى هذا الفقير مالاً، وأعطى الآخر سيارة، وأعطى الثالث بيتاً، فهل يقول عاقل بأن الغني تلزمه التسوية بين الناس؛ وإلا كان ظالماً؟.
فالله جل وعلا تفضل على عباده بنعم لا تحصى، ثم فاوت بينهم في الرزق لحكم عظيمة، جهلها كثير ممن لم تتنور بصائرهم بنور الوحي، ومن هذه الحكم ما يلي:
أولاً: لو كان الناس على مستوى واحد في رزقهم وإمكاناتهم لما قامت الحياة ودار دولابها، ولتعطلت كثير من الأعمال، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32] .
قال السدي وابن زيد: يسخر الأغنياء الفقراء فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض.
ثانياً: الابتلاء والاختبار، ليظهر الشاكر من الكافر، والصادق من الكاذب، فالغني مبتلى بالغنى، والفقير مبتلى بالفقر. أما الغني فهل يؤدي شكر نعمة الله عليه وينفق المال وفق أمر الله له؟ وأما الفقير فهل يصبر ويحمد الله على ما هو فيه دون حسد لغيره وتضجر من قدر الله وحكمته؟ وبذلك ترفع درجتهما إن صبرا، ويعذب من سخط منهما ولم يرض بقسمة الله.
ثالثاً: أن الله تعالى يعطي ويمنع بما يصلح عباده، قال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27] .
وقد استشهد الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية بالحديث الذي أخرجه الطبراني والديلمي في الفردوس وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس وعمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا القلة ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر"، والحديث وإن كان ضعيفاً وأورده ابن الجوزي في العلل إلا أن معناه صحيح، ولذا أورده الإمام ابن كثير ولم يعلق عليه، وكذا أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته المسماة بقاعدة في المحبة.
ومن لم يفهم هذه الحقائق فلِأَمَرَيْن:
الأول: اعتبار أن الغنى من إكرام الله للعبد والفقر من إهانة الله للعبد، وقد رد الله هذا الظن الخاطئ بقوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) [الفجر:15-16] ، وقال تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) [سبأ:37] .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم المعيار الصحيح للمفاضلة عند الله بقوله: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" رواه أحمد.
وكم من صاحب مهنة دنيئة متصف بالإيمان والتقوى أرفع وأحب وأعز عند الله من صاحب جاه وسلطان ومال وهو معرض عن الله تعالى.
الثاني: أنه نظر إلى الدنيا مفصولة عن الآخرة فنظر إلى الظالم ولم ينظر إلى الاقتصاص منه، ونظر إلى المظلوم ولم ينظر إلى الاقتصاص له، وهكذا.
ولو أيقن بيوم القيامة ودار الجزاء لعاين الحق وظهر الأمر. قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الجاثية:21-22] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(9/6137)
ميزان الاعتدال: يرجون رحمته ويخافون عذابه.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الاخ الشيخ/ أبعث لك بسؤالي راجية من فضيلتكم أن توليه اهتمامك لحاجتي الشديده للإجابه عنه يجول في خاطري أفكار وخواطر كثيرة لا قدرة لي على دفعها مهما حاولت وهي تدور حول: الإيمان ما وقر بالقلب وصدقه العمل.. فإني أسمعها كثيراً في دروس الدين وقد التزمت ولله الحمد بكل ما يفرض على المؤمن من فرائض ونوافل وسنن في كل شيء من الصلاة والصوم والزكاة والقرآن بكل العبادات ولكن أحس أن هذا كله عمل الجوارح والقلب ليس داخلاً بها فأحس أني طبقت العمل ولم أطبق ما وقر بالقلب وهذا يزيدني ألماً وخوفاً أني لم أطبق الايمان كما يجب فهل يقبل مني الله عز وجل ذلك إني خائفة وحائرة هل هو وسواس من الشيطان والنفس أم أني مقصرة في شيء ولذلك يحصل لي ذلك أجبني وأعني أعانك الله يا شيخ.وجزاك الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزى الله خيراً السائلة على مدى حرصها على الفرائض والنوافل من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، وهذا يدل على أنها تحمل بين ضلوعها قلباً حياً ينبض بالإيمان ولا نزكيها على الله تعالى.
ثم إن خوفها وألمها أن لا يكون للقلب نصيب من هذه الأعمال.. خير من ناحية وشر من ناحية أخرى:
أما خيره فلأنه يدفعها دائماً إلى مزيد من الحب والاجتهاد في مواصلة العبادة، والعمل على إتقان وإحسان ما تقوم به من فرائض ونوافل.
وأما شره فلأنه قد يدفعها هذا إلى اليأس والقنوط، الأمر الذي قد يقودها أخيراً إلى الانقطاع عن العبادة. والشيطان ذو حيل ومكر وخداع!.
فعلى الأخت السائلة أن تعبد ربها بجناحي الخوف والرجاء، وأن لا يغلب أحدهما الآخر، فيؤدي كل ذلك إما إلى الإفراط، وأما التفريط.
ولتعلم أن الشيطان يريد أن يفسد عليها عبادتها ودينها، فيأتيها من جانب الخوف فتيأس وتترك الذي تؤديه من فرائض ونوافل.
فاجتهدي ما استطعت في دفع هذه الوساوس الشيطانية، وعليك بأذكار الصباح والمساء، وكثرة الذكر ومجالسة الصالحين، وسؤال أهل الذكر لتكوني دائماً على بينه من أمر دينك. وإياك والقنوط من رحمة الله تعالى فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الخاسرون.
ومما يعينك على قوة الرجاء في الله أن تلاحظي أنه جل وعلا أكرم وأرحم من أن ييسر لك هذه الأعمال ثم يحرمك الحصول على ثمرتها وثوابها، وقد قال جل من قائل: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران:115] . وقال: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] . فواصلي مسيرك على ذلك الطريق واطلبي العلم الشرعي فإنه - بعون الله - عصمة من كثير من مزالق الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(9/6138)
وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون التوبة من النميمة والغيبة وسب الناس في غيابهم عندما لا أستطيع رد حقوقهم أو الاعتراف بسبب الخوف من الفتنة والمشاكل والزعل وهل ربي يغفر لمن يسبح له مائة تسبيحه باليوم؟؟ أفيدوني أفادكم الله؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
لكن هذا الأجر العظيم لا يكون إلا لمن اجتنب الكبائر ولم يصر على المعاصي وانتهاك حرمات الله، قال ابن حجر في الفتح: وذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلاحق بالأفاضل المطهرين في ذلك ويشهد له قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21] .
والحاصل أن من تاب إلى الله توبة نصوحاً من جميع ذنوبه ثم أتى بالذكر المذكور ونحوه، فالذي يرجى له من الله جل وعلا هو أن يقبل أوبته ويغفر زلته ويلحقه بالأفاضل المطهرين، قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] .
وأما عن التوبة من النميمة والغيبة وكيفية الاستحلال ممن اغتابهم المغتاب أو نمَّ بينهم وبين غيرهم فانظر الفتوى رقم:
4603 ... والفتوى رقم: 5976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(9/6139)
ماهية توبة (المكاس) المقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتوب صاحب المكس (جامع الضرائب الذي يتقاضى الرشوة من خلال عمله) كيف يتوب مع عدم استطاعته رد ما عليه من الحقوق لأصحابها وقد تفرقوا في الأمصار ومات منهم من مات وغاب منهم من غاب؟ وهل يجوز لقريب له صاحب مال أن يدفع عنه من المال ما يكون سببا في براءة ذمته ولمن يدفع هذا المال وفي أي وجه؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المكس من كبائر الذنوب، والمكاس إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً غفر له كسائر أصحاب الذنوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق المرأة الغامدية التي زنت: "إنها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" رواه مسلم عن بريدة بن الحصيب، وهذا الحديث يدل على خطورة المكس، وأنه من أكبر الكبائر، ولكنه يفيد أن توبة صاحبه مقبولة، فمن تاب تاب الله عليه.
وشروط التوبة: الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة له مع إخلاص التوبة لله سبحانه، وإن كان الذنب في حق آدمي رده إليه إن كان مالاً، وإلا تحلل منه إن كان غيبة ونحوها، أو دعا له وذكره بالخير إن خشي المفسدة إن هو أخبره.
ولهذا فالواجب على صاحب المكس الذي كان يباشر أخذ أموال الناس منهم ظلماً أن يرد الحقوق إلى أهلها أو إلى ورثتهم إن استطاع، وإن تولى دفع الحقوق عنه شخص آخر برئ هو، إذ المقصود رد الحقوق إلى أهلها، فإن لم يستطيع فعليه أن يتحلل منهم إن كان يعرفهم، وإلا فعليه أن يكثر من الحسنات وفعل الطاعات، لعل الله تعالى يكفر عنه بذلك بعض السيئات ويثقل موازينه بالحسنات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(9/6140)
المعنى: إن وقع في الذنب وتاب وأناب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم فضيلة الشيخ
وفقكم الله وأعانكم والله لا يضيع اجر من احسن عملا.
سؤالي "
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله) الحديث، فهل هذا يعني أن هذا الشاب لا يخطئ أبدا، أم أنه قد يذنب ولكن يعود إلى الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي الكريم وفقنا الله وإياك لكل خير أنه ما من أحد إلا ويقع في الخطأ، ولكن الموفق من يلهمه الله التوبة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطا وخير الخطائين التوابون. رواه ابن ماجه من حديث أنس. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم وأحمد، وهذا الصنف من الشباب الذين أكرمهم الله بأن يظلهم في ظل عرشه يوم القيامة هم الذين استقاموا على أمر الله وهديه، وتقربوا إلى الله بما أمر، وتركوا ما نهى عنه وزجر، وإن وقعوا في الذنوب تابوا وأنابوا واستغفروا، وانظر الفتوى رقم:
12518
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(9/6141)
يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد: أريد أن اطرح عليكم سؤالا حيرني وحير أعز أقربائي إلى قلبي وهي ابنتي.. لقد تزوجت ابنتي على سنة الله ورسوله وهي فرحانة بهذا الزواج وراضية بزوجها في بادئ الامر وبعد مدة من الزواج بدأت تعرف عنه بأنه من شاربي الخمر، فطلبت منه أن يدع أم الخبائث فعنفها ورفض حينها بدأت حياتها الزوجية تتحول إلى جحيم ومما زاد الأمور سوءا حينما أنجبت منه طفلة فثارت ثائرته فضربها لأنها أنجبت أنثى ثم طردها من المنزل إلى بيت أبويها.... سؤالي هو ماحكم الشريعة في ذلك وبما تنصح ابنتي. وأجركم على الله. ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى ولي هذه المرأة أن يناصح الزوج ويبين له حرمة الخمر ويحذره من غضب الله وعقابه، وأنه على خطر عظيم، وأن الموت قد ينزل به وهو في هذه الحالة الشنيعة.
فإن تاب وأقلع رجعت له زوجته، وإن لم يقلع عن معاقرة الخمر فالذي ننصح به هو أن تطلب هذه المرأة الطلاق لأن البقاء مع زوج هذا وصفه فيه ضرر عظيم على المرأة في دينها ودنياها، وانظر الفتاوى التالية أرقامها:
11530
10714
6500 فإن فيها بياناً لكيفية تصرف المرأة في مثل هذا الأمر.
وعلى الزوج أن يعلم أن الأمر بيد الله سبحانه قال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ*أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50] ، فعلى المسلم أن يرضى بقدر الله تعالى، فكيف يعاقب زوجته على أمر ليس لها فيه ناقة ولا جمل وعلى الزوج أن يعلم أيضاً أن التذكير والتأنيث يكون بسببه هو لأن الحيوانات المنوية للرجل هي التي تحمل الذكورة والأنوثة، أما المرأة فلا علاقة لها بذلك فهي كالأرض تنبت ما زرع فيها. وهذا مصداق قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(9/6142)
إغراء وفتنة الفتيات ... وصفات لتجنب المصيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحلول لتجنب الفتيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحل لتجنب الفتيات والتعلق بهن ونحو ذلك يكون بالآتي:
1- الزواج، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
2- غض البصر، لقول الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30] .
3- الاستعانة بالصوم لمن لم يكن قادراً على تكاليف الزواج، ودليل هذا الحديث السابق.
4- الابتعاد عن مخالطة الفتيات والحديث معهن وتجنب أماكن تواجدهن ونحو ذلك.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 17288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(9/6143)
مراقبة الله وخشيته تغني عن النذر
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأيام نذرت على نفسي على ترك شرب المعسل وقلت إذا شربت فعلي صيام 3أيام وبالفعل شربت وصمت ثم نذرت مرة أخرى على أن أشرب رأساً واحداً في اليوم ولكن رجعت مرة وشربت ثم نذرت على ألا أدخل المقاهي مرة أخرى وإلا فعلي ذبح شاة على ذلك فدخلت المقاهي وشربت المعسل مرة أخرى ولكن لم أذبح في ذلك ماحكم نذري هذا هل هو صحيح؟ وهل يمنعني من الجلوس في المقاهي حتى لوكان للجلوس مع الأصدقاء ومشاهدة المباريات؟ أفيدوني بسرعة جزاكم الله الف خيراً0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا ننصح السائل أولاً بأن يتقي الله تعالى وأن يتذكر دائما عاقبة العصاة الذين يخالفون أوامر الله عز وجل، وما أعد لهم، حتى إذا همَّ بمعصية وتاقت نفسه إليها كان خوفه من الله رادعاً له عنها، فلا يحتاج حينئذ إلى النذر وإلزام نفسه بما ليس لازما له في الأصل، ولربما عجز عنه فيتعرض لمحذور آخر.
ثم إن هذا الذي صدر منك يسمى نذر اللجاح. ((وهو ما يكون المقصود منه الحث على فعل أمر أو الامتناع عنه. وقد بين حكمه في الجواب رقم:
13349،كما سبق حكم من حلف على ترك معصية في الجواب رقم: 9302
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1423(9/6144)
يبتلى العبد حتى يبلغ المنزلة التي كتبها الله له
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الدنيا ضاقت علي بما رحبت لأن كل شيء ينقلب عكس حتى عندما تدينت انقلب العكس ما أدري ما الحل إذا انتحرت تعذبت في نار جهنم وإذا عشت أعيش في الهم والغم حتى من كثر ما أنا ضائقة بي الدنيا مللت من الجنة هذا إذا دخلتها وأريد أن الله يمحوني نهائيا من الدنيا والآخرة وعلى فكرة أنا محافظ جداً ولم أقع في معصية خطيرة ومع ذلك هذا الضيق في حياتي وأنا لا اعترض على قضاء الله أو أشكو الله للناس ولكن من الضيق الذي أنا فيه وعلى فكرة هل الإنسان ينتقم منه لأجل يعاقب الله ولديه على شيء هم فعلوه وهذا الولد ضحية عمل ما فما الحل برأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم عليك الاستسلام لمثل هذه الوساوس الشيطانية الخبيثة التي يريد أن يفسد بها عليك استقامتك وحياتك وآخرتك.
وعليك أن تستغفر الله من قولك: إنك مللت من كل شيء حتى من الجنة إن دخلتها، لأن في هذا الكلام استهانة بنعيم الله ودار ثوابه، ولا يقول ذلك مؤمن بالله وبما جاء من عنده.
وكونك تحب الانتهاء من الدنيا والآخرة مناف لقولك: إنك لا تعترض على قضاء الله وقدره، إذ كيف يجتمع هذا الإيمان مع اليأس والقنوط الذي يسيطر عليك والذي هو من صفات الكافرين، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87] .
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت لأجل ضرر دنيوي يمس الإنسان، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُل: ْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي".
قال ابن حجر: لأن في التمني المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء. انتهى
فلا تستسلم لهذه الخواطر، وعليك بمجاهدتها والتحصن منها بتفويض كل أمورك إلى الله، والقرب منه بالطاعة، وقراءة كتابه، والإكثار من ذكره، فبذلك ينشرح صدرك، ويطمئن قلبك، فالله جل وعلا يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] .
واعلم أن الله سبحانه لا يظلم أحداً، ولا ينتقم من ولد بوالده، فهو القائل: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الزمر:7] .
لكن الله جل وعلا قد يبتلي الإنسان بأهله أو ولده لحكمة قدرها سبحانه، وقد ينال بها المنزلة الرفيعة، فعند أبي داود وأحمد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم يصبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه".
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 1691، 2386، 10397، 10119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1423(9/6145)
التسابق في العبادة مطلوب على الدوام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المشروع عند غيظي من أحد أن أحاول أن اجتهد في العبادة أكثر لأكون أحسن منه وهل ممكن أن أصب جام غضبي في داخلي وأقول ما أشاء بيني وبين نفسي حتى أهدأ حتى ألقاه وأنا هادئة نوعا ما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اجتهاد المسلم في العبادة ليحصل على أكبر قدر ممكن من الثواب والأجر عند الله تعالى لا حرج فيه، بل هو أمر مطلوب شرعاً، فقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء عندما طلبوا منه أن يدلهم على باب من الطاعة يتميزون به عن غيرهم من أهل الأموال، ويعوضون به نقص العبادة المالية من أجل فقرهم وقلة ذات يدهم، والحديث كما في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثورمن الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ... إلى أن قال لهم صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.
وهذا من باب التنافس في العبادة والاستكثار من الأجر.
لذا فنقول للسائلة: لا حرج عليك في التوجه إلى الله تعالى بالعبادة من أجل أن تكوني أحسن حالاً من غيرك، سواء كان ذلك بسبب غضب على ذلك الغير أو لا.
وأما قولك ما تشائين في حالة الغضب من سب أو شتم من غضبت عليه، فلا يجوز لأن عرض المسلم حرام كحرمة دمه. وعليك أن تهدئي غضبك بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن الوضوء عند الغضب، ففي سنن أبي داود وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
وجاء في صحيح البخاري عن سليمان بن صرد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستَبَّان فأحدهما أحمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب ما يجد.... إلى آخر الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1423(9/6146)
آثار العلاقة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا دائماً أشعر بضيق في صدري لا أدري ما هو السبب هل لأني أفعل المعاصي وهي أنني على علاقة مع شخص وأخرج معه دائماً وأنا بصراحة أريد أن أتركه لكن لا أقدر وأحس أن روحي متعلقة به أريد أي شيء تنصحوني به من أجل تركه؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلاقتك بشخص أجنبي عنك وخروجك معه وتعلقك به من أعظم المنكرات التي حرمها الإسلام، لما فيها من إثم مبين، وتدمير لعفتك وشرفك وحياتك. ومن تأمل حال الشباب الذين يفعلون ذلك يجد أنهم أبعد الناس رغبة في الزواج، وإنما هو التسلية وإشباع غرائزهم باستدراج الفتيات إلى الفاحشة، وبعد حدوث ما لا تحمد عقباه يقطعون كل صلة لهم بتلك الفتيات بحجة أن من خانت أهلها ستخون زوجها وصدقوا،! فكم من فتاة ضاع شرفها وتلطخت سمعتها وافتضح أهلها وعاشت منبوذة من أهلها ومجتمعها بسبب علاقاتها المحرمة مع الرجال؟!
فعليك أن تتقي الله في نفسك وأهلك، وأن تقطعي علاقتك بهذا الرجل، وتتوبي إلى الله توبة نصوحاً، وإذا كان هذا الشخص صادقاً ويريد الزواج بك، فعليه بالتوبة إلى الله ليكون رجلاً صالحاً، ثم بعد ذلك يأتي الأمر من بابه، ويتقدم إلى أهلك لخطبتك والزواج منك على سنة الله ورسوله.
وما تجدينه من ضيق في صدرك، فإنه ضيق المعصية والبعد عن الله، والارتماء في حبائل الشيطان، فالله جل وعلا يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124] .
فعليك باستشعار خطر ما تفعلين قبل أن تندمي في وقت لا ينفعك فيه الندم، واستعيني على قطع علاقتك المحرمة بدعاء الله واللجوء إليه، مع الإكثار من الطاعات والقربات، واختيار الرفقة الصالحة من النساء، وتذكري دائماً وقوفك بين يدي الله تعالى، وما يجره عليك هذا الصنيع المشين من عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1423(9/6147)
من مات وهو لا ينوي قضاء الدين يؤخذ من حسناته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سرقت كثيراً وأكلت حراماً كثيراً وزنيت أكثر من مرة ولكني والحمد لله قد اهتديت وأحاول بكل طاقتي ألا أغضب ربي ولكن لا أقدر على سداد الديون التى سرقتها لأنها كثيرة ولأني لا أعلم بعض أصحابها وكلما سمعت أنَّ الله لا يغفر الذنوب إلا بعد سداد الديون لأصحابها أحس بأن كل صلاتي لا قيمة لها بالله عليك ماذا أفعل؟
أرجو ألا تتأخر علي في الإجابة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل أخبرنا في كتابه العزيز أنه يغفر الذنوب جميعاً، ولو بلغت ما بلغت من الكثرة والشناعة، فيقول عز من قائل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] .
ويقول: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:3] .
ويقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
فهذه الآيات تثبت أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها توبة صادقة، حتى الشرك بالله تعالى فإنه يغفره، كما قال في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان:68-70] ، فتأمل أخي الكريم في رحمة الله بعباده وسعة فضله عليهم حيث أن لم يقف عند مغفرة ذنب التائب والتجاوز عنه، بل تعدى ذلك إلى أن أبدل عمله السيئ بالحسنات.
لذا، فنقول للسائل: ما عليك إلا أن تخلص التوبة إلى الله تعالى وتستقيم عليها وتثق بما عنده، ثم إن توبتك من الزنا وأمثاله من الذنوب التي لا تتعلق بحقوق العباد تكون بالاستغفار والندم والترك والعزم على عدم العودة إليها أبداً.
أما حقوق العباد، فلابد من إرجاعها إليهم أو رثتهم الشرعيين إذا علمتهم واستطعت الوصول إليهم، وكانت لك القدرة المادية على إرجاعها، فإن لم تستطع الوصول إليهم أو كانوا مجهولين لا يمكن أن تعرفهم، فإنه يجزئك أن تتصدق بها عنهم، فإن وجدتهم بعد ذلك خيرتهم بين الرضى بالتصدق عنهم أو أخذ أموالهم، فإن اختاروا أخذ أموالهم دفعتها إليهم، وتكون الصدقة الأولى لك، فإن لم تستطع السداد ولكنك نويت ذلك وعزمت عليه، فقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم من كان هذا حاله، أنه لا إثم عليه، وذلك فيما رواه الطبراني في معجمه الكبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين دينان: فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته، ليس يؤمئذ دينار ولا درهم". صححه الألباني بمجموع طرقه في أحكام الجنائز.
وبالنسبة لأعمالك الأخرى كالصلاة والزكاة والحج وغيرها، فإنها لا تُرد بسبب الدين، لعدم وجود دليل على ذلك مع قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص:84] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(9/6148)
الصلاة مصدر إعانة لا إعاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[الصلاة عماد الدين وهي عبادة والعمل عبادة كيف للمسلم أن يوفق بين هذا وذاك مع العلم أن العمل دائم من 9 صباحاً إلى العاشرة ليلاً؟ وهل يجوز قضاؤها كل يوم من الصبح إلى العشاء؟ وفي بعض الأحيان أكون متعبا فأتركها إلى الصبح ما حكم ذلك؟
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله خلق هذا الإنسان، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، ولو تأمل الإنسان في نفسه وسمعه وبصره وعقله وبقية جوارحه، ولو قلب بصره في نعم الله من حوله فأرضه وسماؤه وهواؤه وماؤه كل ذلك ملك لله تعالى، فهو الذي وهبها وهو الذي يأخذها إن شاء، قال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام:46] .
وأراد الله بحكمته البالغة أن يختبر عباده بطاعته، فأمرهم ونهاهم وكلفهم من الشرع ما يطيقون، فانقسم الناس إلى قسمين:
قسم عقلاء: عرفوا حقيقة الدنيا، وأنها دار ابتلاء وامتحان، وأنها دار ممر لا مقر، وأدرك هؤلاء العقلاء أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وفهموا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" رواه مسلم.
وهؤلاء العقلاء لا يقدمون راحة ساعة في الدنيا وتكون نتيجتها نارا تلظى في الآخرة، ولا يقدمون عمل الدنيا الفانية على عمل الآخرة الباقية.
والعمل والسعي في طلب الرزق عبادة إن أعان على طاعة الله، وإلا فهو طاغوت يعبد من دون الله، وكم من الناس يعبدون وظائفهم فيقدمونها على أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، يقدمونها على الصلاة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تعس عبد الدنيار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش" رواه البخاري، وانظر الفتوى رقم: 3249.
وقسم: جهلوا حقيقة الدنيا فعظمت في نفوسهم وبذلوا لها أوقاتهم وأنفسهم، وقدموا عملها على عمل الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء". رواه البخاري، والمرماة: ما بين ظلفي الشاة من اللحم.
فكن أخي الحبيب من القسم الأول، كن عبداً لله، فقدم أمره وطاعته، ولا تكن عبداً لنفسك وشهوتك ودنياك، وكيف تنام عن الصلاة بحجة التعب والإرهاق، أما تخشى من الإرهاق في نار الجحيم، أما تذكر قوله تعالى: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر:17] . أما تخاف أن تكون من أهل سقر الذين قالوا: إن ترك الصلاة هو أول سبب لورودهم جهنم، قال تعالى: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر:39-43] .
ووالله لأن تخسر الدنيا بحذافيرها أهون من أن تضيع منك صلاة واحدة، وخذ نفسك بالعزائم، واحذر كيد الشيطان ومكره.
واعلم أن تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر معصيته عظيمة وذنب كبير، وانظر في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 1648، 7409، 1490، 10767.
وإن فاتتك صلاة أو صلوات، فيجب عليك قضاؤها في أول وقت أمكنك القضاء، قبل أن تندم في يوم لا ينفع الندم، وانظر الفتوى رقم: 7960، والفتوى رقم: 6061، والفتوى رقم: 15037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1423(9/6149)
ثواب الممتثلة للحجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة محجبة ولقد ارتديت النقاب منذ فترة قصيرة وقد قال الكثير لي إنه ليس فرضاً ولقد ارتديته بعد أن علمت أنني سأنال على درجة أعلى عند الله هل هذا صحيح وما ماهية هذه الدرجة هل هي درجة في الجنة أم زيادة في الثواب وجزاكم الله كل خير على فتواكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم الحجاب برقم:
5224 والفتوى رقم:
42.
أما الثواب المرتب على الحجاب والستر وغير ذلك من الأوامر الشرعية فهو ثواب المتقين الممتثلين لأوامر الله تعالى المجتنبين لنواهيه، وقد قال الله عز وجل في شأنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس:62-64] .
: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29] .
إلى غير ذلك مما أعد الله للمتقين. نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وجميع المسلمين منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/6150)
بمقدار ما يقوى إيمانك تبتعد عن غواية الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص لا أستطيع أن أعبد الله كما ينبغي حيث إن الشيطان يستطيع أن يغلبني فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول للسائل الكريم: إن الله تعالى ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، وإن شفاءك مما أنت فيه يكمن في التوبة والتوجه إلى الله تعالى بقلب خالص، والانشغال بقراءة كتاب الله وتدبر معانيه، قال جل ثناؤه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء:82] ثم لتكثر من الاستغفار والذكر والدعاء والخضوع والانكسار أمام الله، حتى يطمئن القلب ويتذوق حلاوة الإيمان: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] .
ثم عليك بحضور الجماعة في جميع الصلوات، والإكثار من نوافل الليل والنهار، ثم استعن على ذلك كله بمصاحبة أهل الورع والتقوى والصلاح، ولتحذر من مرافقة أهل الفسوق والعصيان.
ثم اعلم أنه لا بد من تعلم العلم الشرعي إذ به تحصل الخشية، قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:28] فإذا حصلت الخشية بطل كيد الشيطان واندحر: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء:76] .
وعلى كل، فإن الإنسان كلما قوي الإيمان فيه استعصى على الشيطان، وكلما ضعف إيمانه تسلط عليه الشيطان.
نسأل الله السلامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1423(9/6151)
رحمة الله وسعت كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اذا تاب العبد الى الله تعالى.ولكن لا يزال يشعر بالذنب والكآبة لاعتقاده بأن ما فعله لن يغفره الله له فما هو الحل أرجو منكم النصيحه وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تبارك وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وإذا تأملت بتمعن المعاني التي دلت عليها هذه الآية فإن ما بنفسك سيزول وسينشرح صدرك ويطمئن قلبك لأنك قد تخلصت من الذنوب، بل إنك بهذه التوبة ستحصل على أكثر من ذلك، فإن التوبة النصوح يبدل الله تعالى بسببها سيئات صاحبها حسنات.
قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة.
ويقول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك.... الترمذي.
فلتبشرأخي الكريم بمغفرة الله ورحمته ... ولتحذر من وساوس الشيطان ومكائده ... فإنه يريد أن يجرك إلى اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى. وهذا أمر خطير يجب الحذر منه والتنبه له لأنه من صفات الكافرين والضالين. قال تعالى: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] وقال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56] .
والله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسي النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، ورحمته وسعت كل شيء.
أسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا ويذهب غيظ قلوبنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(9/6152)
أربع أدوية لعلاج أمراض القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هو علاج:
1/ قسوة القلب
2/ اتباع الهوى
3/ تغلف القلب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قسوة القلب وما يترتب عليها من سهولة الوقوع في المعاصي ومطاوعة الهوى وتحكمه، مرض من أخطر الأمراض. نسأل الله العافية.
فمن أنفع علاجها ما ذكره ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان قائلا: يكون ذلك بأمور أربعة:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك، ودنس الكفر، وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل. أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:122] .
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، وذلك يكون بالإيمان، والعمل الصالح، وعمل أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وذلك باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، وذلك بالتوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1423(9/6153)
كفارة من قبل امرأة بشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ماحكم من قبل زوجة عمه وهو في السادسة عشر من عمره وذلك لغرض الشهوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كان عمره ست عشرة سنة فهو رجل بالغ مكلف يجري عليه قلم الحسنات والسيئات، فإذا قبل امرأة لا تحل له كزوجة عمه فقد أثم بذلك، وعليه أن يبادر بالتوبة النصوح والتي مقتضاها الإقلاع عن الذنب والندم على ما مضى والعزيمة الصادقة على ألا يعود إلى ما اقترف من معاصي وسيئات. وعليه أن يتقرب إلى الله بطاعات وحسنات فإنها تمحو بإذن الله المعاصي والسيئات، كما روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فقال الرجل يا رسول الله ألي هذا؟ قال: لجميع أمتي كلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/6154)
وصفة للتوبة النصوح وللتحصن من الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كثير المعصية كثير التوبة أريد أن أتوب توبة نصوحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق والسلامة من الذنوب، وعليك بتجديد التوبة كل ما وقعت في ذنب أو معصية، والتوبة مقبولة -إن شاء الله- إذا استكملت شروطها المعروفة والمبينة في الفتوى رقم: 5091.
فما دمت تذنب وتستغفر وتتوب توبة نصوحاً، فإن الله يغفر لك قال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلَاثًا- فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ".
وفي الحديث بيان لرحمة الله ومغفرته بعبده، وليس فيه حث للعبد على المعصية، بل فيه زجر له عنها، إذ أن الرب الغفور الرحيم الذي أسبغ علينا النعم الظاهرة والباطنة، وستر عيوبنا عن الخلق -ونرجو أن يغفرها لنا يوم القيامة- يستحق منا الطاعة والعبادة لا المبارزة بالذنوب والمعاصي، كما أن الذنوب جراح، ورب جرح وقع في مقتل فتموت على ذنبك ومعصيتك دون أن تدرك التوبة، هذا بالإضافة إلى أن الذنوب إذا كثرت على القلب أفسدته وقسته، وجعلت بينه وبين التوبة حجاباً كثيفاً، فقد تطلبها في وقت فلا تجدها.
فاحرص -هداك الله- على العزم الحازم على ترك الذنوب.
ومما يحصنك منها مجالس الذكر، والرفقة الصالحة، والإكثار من الطاعات، واللجوء إلى الله أن يطهرك من المعاصي ويباعد بينك وبينها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/6155)
دلالات حب الله للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مظاهر حب الله للعبد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مظاهر حب الله للعبد كثيرة، وسنذكر طرفاً منها بعون الله وتوفيقه، فمنها ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته. وفي رواية: "فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً".
وقد اشتمل هذا الحديث على جملة من مظاهر حب الله تعالى لعبده وهي:
1- التوفيق إلى الطاعات والعصمة من السيئات.
2- إجابة دعائه وإعاذته مما يستعيذ.
3- كراهة مساءته بالموت.
4- معية العبد وتأييده.
5- ومن مظاهر حب الله للعبد: محبة أهل السماء له، ووضع القبول له في الأرض، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عيه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1423(9/6156)
الرضا بالمعصية معصية
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي قام بالسرقه , والمسروق جلبه إلى بيتي
وأنا لست راضيا بهذا العمل ومتوتر أيضاً فماذا عساي أن أفعل؟ وهل أنا مذنب أم لست مذنبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم صحبة أصحاب المعاصي المصرين عليها لما في ذلك من الرضا بما يفعلون، والرضا بالمعصية معصية، كما نص عليه أهل العلم. وقال الله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113] وقال جل ثناؤه حكاية عن موسى عليه السلام: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17]
وبهذا يتضح لك أخي السائل أن صحبة هذا النوع من المجرمين يجب التوقف عنها.
وعليه، فإننا ننصحك بالتوبة إلى الله تعالى والابتعاد عن رفقاء السوء، والبحث عن صحبة صالحة أهلها أهل دين وخلق، ثم إنه ينبغي لك أن تنصح صاحبك وتخوفه من عذاب الله إذا لم يتب من معصيته، ويرد جميع المسروقات إلى أصحابها، وإلا فعليك أن تقطع الصلة بينك وبينه.
وفيما يخص المسروقات فإن كان بإمكانك أن تردها إلى صاحبها ولا يلحقك من ذلك شيء فهذا حسن، وإلا فلا يجوز لك السكوت على هذه السرقة والتغطية عليها، بل يجب عليك إخبار الجهات المسؤولة بما حصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/6157)
لا تقنطوا من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أعرف عندما يرجع العبد إلى ربه مهما عمل من أشياء لا ترضي الله رب العالمين وتاب توبة نصوحا واستغفر وطلب الله بأن لا يرجع إلى حاله الذي كان عليه هل يقبل الله توبته لأنني وبصراحة أفكر باستمرار وأخاف ودائما أقول بأن الله لن يغفر لي ولن يستجيب لدعائي وسوف أعود إلى حالي مرة أخرى. فهل تنصحوني. بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ، ويقول جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] .
ويقول صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري.
وإذا قرأت هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح، وتعتقد جازما أن الله تعالى سيقبل توبتك؛ بل إنه سبحانه وتعالى يفرح بتوبتك ورجوعك إليه مهما عملت من الذنوب والمعاصي فإن رحمة الله تعالى أوسع وعفوه أعظم.
وهو القائل في الحديث القدسي: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. رواه الترمذي.
وأنصحك -أخي الكريم- أن تبعد عن نفسك الوساوس والهواجس والهموم فإنها من الشيطان يريد أن يبعدك عن الله تعالى ويثبطك عن التوبة،: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] .
فلتبادر أخي الكريم إلى التوبة ولا تسوف، فإن السيئات سيبدلها الله لك حسنات قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(9/6158)
بعض ما رآه النبي ليلة الإسراء بشأن النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني الحصول على التفاصيل التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج وما شاهده من تعذيب النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج كثيرة ولا يتسع المقام هنا لذكرها كلها، فمن أراد الاطلاع عليها كلها فليراجع لها كتب التفسير عند بداية سورة الإسراء وعند تفسير سورة النجم، وكتب الحديث عند الكلام على حادثة الإسراء والمعراج.
ومن جملة ما رآى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بخصوص النساء نساء معلقات بثديهن! وعندما سأل صلى الله عليه وسلم عنهن قال له جبريل: هؤلاء الزناة، -وفي بعض الروايات أنه قال له-: هؤلاء اللواتي تقتلن أولادهن، -وفي بعضها أيضا- أنهن الغمازات النمازات.. إلى غير ذلك مما جاء في الروايات المختلفة.
ومن ما ورد أيضاً في شأن النساء خاصة من ما اطلع عليه ليلة الإسراء ما أخبر عنه بقوله لهن: يا معشر النساء، تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار ... إلى آخر الحديث وهو في صحيح البخاري وهذه الرواية كانت ليلة الإسراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1423(9/6159)
النظر أول سهام الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أول خطوات الشيطان إلى الفاحشة ماهي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول خطوات الشيطان إلى الفاحشة هو النظر، ولذا أمر الله نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، قال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30-31] .
قال ابن القيم: ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر، ثم تكون نظرة ثم تكون خطرة ثم تكون خطوة ثم خطيئة. ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه، اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات. فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها، فمنها يدخل العدو فيجوس خلال الديار انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(9/6160)
علاج من لا يشعر بعظمة الله بالبراهين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من لا يشعر بعظمة الله ولا يحس بوحوده مع العلم أنه كاره لهذا وما العلاج]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أعتقد أن الأخ السائل يقصد بسؤاله الوسوسة التي يجدها المسلم -أحياناً- ويتعاظم أن يبوح بها، وإذا كان هذا هو المقصود فإنه قد وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إِنّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلّمَ بِهِ. قَالَ: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَان. وفي رواية "ذلك محض الإيمان".
قال النووي: "معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلاً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً.... " انتهى. ...
فهناك ثلاثة أمور الأول: الإعلان الصريح بالإيمان وجهة الوسوسة (فليقل آمنت بالله) .
الثاني: الاستعاذة بالله والاعتصام به وطلب الثبات منه والإلحاح بدعاء "اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك".
الثالث: قطع الوسوسة والانشغال عنها، فإن الوسوسة لا ينفع معها الجدل، بل كلما تمادى بها الشخص كلما زادت حتى تفضي به إلى المهالك.
وما ذكرناه ينفع إذا بقي الأمر في حيز الوسوسة، أمَّا إذا تجاوز ذلك فيجب علاجه، وعلاجه في زيادة اليقين المورث خشية الله واستشعار عظمته وقُربه ومعيته. وزيادة اليقين تكون من ثلاث جهات، من جهة وسيلته وهي الأدلة فكلما تكاثرت الأدلة والبراهين على عظمة الله ووجوده وعلمه كلما كان اليقين أشد رسوخاً وأعمق أثراً في القلب، فلا تزلزله الشبهات ولاتمحوه الشهوات.
والجهة الثانية: ما يتعلق باليقين وهي القضايا المصُدًّق بها، فكلما كان اطلاع الشخص على تفاصيلها أكثر كان إيمانه بها أعظم، خذ مثلاً عظمة الله التي وردت في السؤال، من يقف على تفاصيل هذه العظمة ويتأمل فيها ليس كمن يؤمن بها إجمالاً، ولذلك كان رسولنا صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية لله لما يعلمه من عظمة الله، وهو يشير إلى ذلك بقوله: والله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية. فبدأ بالعلم بالله، وقال صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.
وفي الحديث القدسي: أن الله يسأل الملائكة - وهو أعلم - ما يقول عبادي؟ فتقول الملائكة يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويُمجدونك، فيقول هل رأوني؟ فيقولون: لا ولله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. متفق عليه
ونحن لم نر الله عياناً في الدنيا، ولكننا نرى أثر قدرته في الليل إذا سجى، وفي النهار إذا تجلى، وفي النجم إذا هوى، وفي الرعد إذا قصف، وفي البرق إذا خطف، وفي القمر إذا خسف، في الحيَّ يخرج من الميت وفي الميت يخرج من الحي: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:19] ، وقال تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] .
وكيف لا نحس بوجوده؟ وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد آخذ بناصيته مصدق لسمعه وبصره مقلب لحركات قلبه وخطرات نفسه مدبر غذاء روحه وجسده: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ*وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ*وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ*وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء،78-81] .
إذاً بقدر ما تتأمل في عظمة ملك الله الكبير العظيم، تتمثل عظمة ذاته وصفاته، فينعكس هذا التعظيم والعرفان على علاقتك معه.
فوا عجبا كيف يُعصى الإله ... ... ... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... ... ... تدل على أنه الواحد
أما الجهة الثالثة لزيادة اليقين: فهي جهة ثمرة هذه البراهين والأدلة والاطلاع على تفاصيلها ودقائقها، وثمرة ذلك العمل الذي هو مقتضى العلم، والله تعالى عندما ذكر التفكر في قوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ إلى إن قال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا إلى أن قال: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ فذكر ربنا الاستجابة لصوت الإيمان، وأنه يجازي على العمل، فالفكرة النظرية تظل عديمة الفائدة ضعيفة الأثر ما لم تتحول إلى عمل، وكلما تكرر العمل بها كلما ازدادت قوة في النفس وثباتاً في العقل: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66]
وعلى ذلك نقول: كلما ازداد العبد طاعة لله كلما زاد إيمانه ويقينه، وكلما كثرت مخالفاته لأوامر الله كلما قل يقينه وضعف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(9/6161)
توضع البركة في العمر والرزق بطاعة الله.
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل سنتين أخذت قرضاً ربوياً بضمان الراتب صرفته في سفر للخارج والآن تبت إلى الله وأنا ملزم بتسديد القرض لمدة خمس سنوات فهل أموالي التي تأتيني بالحلال ليست فيها بركة علما بأني لا أستطيع أن أسدد المبلغ مرة واحدة وأنا أخاف على نفسي بعد التوبة من عذاب الله في الدنيا والآخرة وماذا علي أن أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعامل بالربا من كبائر الذنوب، والمرابي محارب لله ورسوله، ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وقع في هذا الذنب فإن عليه أن يبادر بالتوبة، والأخ السائل عليه أن يحمد الله عز وجل أن هداه للتوبة قبل أن يفاجئه الموت وهو على المعصية، وعليه أن يكثر الاستغفار والأعمال الصالحة، ويتضرع إلى الله عز وجل بقبول توبته، ثم يحسن الظن بالله عز وجل، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخلف الميعاد، وقد وعد سبحانه بقول توبة التائبين. نسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.
وأما بالنسبة لتسديد الدين فإن من التوبة أن ترد المال إن كان موجوداً أو بدله إن كان مفقوداً وترده بدون زيادة، لأن الزيادة رباً لا حق للمقرض فيها، وتذكر المقرض بقول الله تعالى: (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) [البقرة:279] فإن أجبرت على دفع الزيادة فلا حرج عليك حينها في دفعها، والإثم على المقرض، وأما أموالك المكتسبة من الحلال فإن الله عز وجل يضع فيها البركة بقدر طاعتك وصلاحك، فإن الطاعة سبب للبركة في الأعمار والأرزاق، كما قال سبحانه وتعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف:96] والمعصية تمحق بركة العمر وبركة الرزق، فإن كنت تريد وضع البركة في عمرك ورزقك فعليك بطاعة المولى سبحانه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1423(9/6162)
حفظ العرض لا يقاس بمال الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سكرتيرة في شركة نفط في بعض الأحيان المدير يتحرش بي ولا أستطيع ردعه عن ذلك أخاف أن أسبب لنفسي فضيحة مع أنني معروفة بحسن الأخلاق أحياناً يمسكني من يدى أو يقبلني وأنا أعيل نفسي وأهلي وقد أخدت سلفة من الشركة وحتى الآن لم أوف الأقساط بعد أرجو منكم حل مشكلتي وبسرعة فإني لا أعرف ماذا أفعل أخاف السكوت عن هذا الشيء وأخاف عواقب من الله أولاً..أشكركم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام الأمر كما ذكرت وهو أن هذا المدير الخبيث يخلو بك ويمسك بيدك تارة ويقبلك أخرى، فإنه يجب عليك ترك هذا العمل فوراً والبحث عن عمل آخر، وهو سهل ميسور بإذن الله تعالى إذا خفت الله تعالى واتقيته وصدقت في اللجوء إليه وتركت هذا العمل المحرم طمعاً في نيل رضاه، وخوفاً من عقابه، فحفظ شرفك وعرضك، وتعظيم ربك لا يقاس ولا يعدل بدريهمات قليلة، يبدلك الله خيراً منها وأعظم.
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم:
7768
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1423(9/6163)
من أسباب انحباس المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[سبب عدم نزول المطر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
المطر نعمة من الله على عباده، والنعم زيادتها مرتبطة بأسباب، وكذلك توقفها أو نقصانها، فمن أسباب عدم نزول المطر:
1- الذنوب والمعاصي: قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] .
2- الامتناع عن إخراج الزكاة، كما ورد في الحديث الذي رواه البيهقي والحاكم في المستدرك بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر المهاجرين، خمس خصال إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن........ وذكر منها: "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1423(9/6164)
هل تعرض الأعمال لو تاب العبد منها يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعرض الأعمال على الله تعالى في يوم القيامة حتى التي غفرها الله تعالى وهل من قام بمعصية ولكن لحظتها نسي كل الآيات التي حفظها في لحظة شيطانية وبعد الانتهاء من الأمر أي المعصية بكى بسبب غضب الله وخوفه منه ولكن لم يتذكر ذلك في المعصيه أي تذكره بعد الانتهاء من المعصيه مع العلم أن هذا الانسان متدين وقد رأى الرسول ولكن في لحظة غفله منه ارتكب المعصية ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فإن الأعمال تعرض على الله تعالى كل يوم وليلة، وكذلك كل اثنين وخميس، وقد ثبت ذلك بالدليل، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنّ الله عَزّ وَجَلّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النّهَارِ. وَعَمَلُ النّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللّيْلِ. حِجَابُهُ النّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا.
ففي الحديث الأول بيان أن الأعمال ترفع إلى الله، وهذا الرفع يحتمل أن يكون معه غفران الله تعالى لما فيها من الذنوب، وقبوله الأعمال الصالحة، ويحتمل تأجيل كلا الأمرين إلى يوم القيامة.
وأما الحديث الثاني فصريح في المجازاة على الحسنات ومغفرة السيئات بالشرط المذكور.
والله جل وعلا يعرض على المؤمن أعماله يوم القيامة ثم يغفرها له، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ وَقَالَ هِشَامٌ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا يَقُولُ أَعْرِفُ يَقُولُ رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ فَيَقُولُ سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ أَوْ الْكُفَّارُ فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
وبهذا يتبين لنا أن الأعمال كلها تعرض يوم القيامة، وهو العرض النهائي، وأما العرض الذي قبله فهو عرض خاص، تقوم به الملائكة طاعة لله تعالى، قال المناوي: قال البيهقي: والأشبه أن توكيل ملائكة الليل والنهار بأعمال بني آدم عبادة تعبدوا بها، وسر عرضهم خروجهم من عهدةالتكليف، ثم قد يظهر الله لهم ما يريد فعله بمن عرض عمله. انتهى
2- فإن الغفلة عن الله تعالى تنتاب أكثر المسلمين، لأن النسيان من صفات الإنسان، وكذلك الخطأ، كما في الحديث الصحيح كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطآئين التوابون. رواه احمد والترمذي.
وإذا كان كل من الخطأ والمعصية أمر ملازم لكل البشرية؟! إلا من عصمهم الله تعالى، فإن التوبة واجبة عليهم، وذلك لقول الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
ولتعلم أن ما ينتابك من ندم وحزن على فعل الذنوب، من التوبة التي أمرنا الله بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة رواه الحاكم وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وفي شعب الإيمان للبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب: الندم والاستغفار.
ولمعرفة أحكام التوبة وشروطها، راجع الفتوى رقم:
5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1423(9/6165)
قل آمنت بالله ثم استقم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أريد أن التزم وأرجو أن ترشدوني كيف أثبت على ذلك وهل هناك أشياء تساعدني على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب عليك أن تستقيمي على طاعة الله عز وجل كما أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين، فقال: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112] ، وقد سبق بيان وجوب الاستقامة مفصلاً في الفتوى رقم:
1208 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ، وقد سبق بيان الوسائل المعينة على الثبات على الاستقامة في الفتوى رقم: href="ShowFatwa.php?lang=A&Option=FatwaId&Id=16610 ">16610 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(9/6166)
أنجع طريق للابتعاد عن الحرام والمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أبتعد عن الحرام بقناعة وأن يهديني الله حيث أنني على علاقه بشخص وأنا أريد أن أتركه ولكنني لا أستطيع فأرشدوني لطريق الصلاح جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسبيل للابتعاد عن الحرام هو أن توقني أن الحرام لذة ساعة، والعذاب دهر، وأنه خزي وعار وفضيحة في الدنيا والآخرة؛ إلا أن يمنَّ الله على صاحبه بالتوبة والهداية.
ولو أحسست لذة الطاعة والعفاف لعلمت أنك كنت في ضيق وعذاب ونكد، قال الله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124] ، ولكن من استهوته نفسه والشيطان يظن أن فعل المعاصي والفواحش لذة، وليس الأمر كذلك في الحقيقة.
وقد سبقت لنا فتاوى في بيان طريق الاستقامة والثبات عليها واللذة والنعيم لمن دخل فيها وتمسك بها. وهذه الفتاوى بالأرقام التالية:
1208 10800 12744 16610.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1423(9/6167)
لا يقضي الله للمؤمن أمرا إلا كان خيرا له
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
توفيت والدتي بمرض السرطان عافانا وعافاكم الله حيث إنها أصيبت أول ما أصيبت به في ثديها ثم انتشر الى العظم ثم إلى الكبد ثم إلى الرئة ثم توفيت وهي تتصارع وهذا المرض حوالي سنتين سؤالي جزاكم الله خيرا هل يعتبر الموت بمرض السرطان شهادة أي أن المتوفى في حكم الشهيد.
وبارك الله فيكم وجزاكم الله عنا كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما أصناف الشهداء فمذكورة في الفتوى رقم:
3397، والمسلم مأجور على كل ما يصيبه إن احتسب ذلك بالنية الصالحة. ودليل ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له! وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً للمؤمن! لايقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
فنسأل الله لوالدتك ولنا وللمسلمين الرحمة والمغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(9/6168)
التوبة النصوح تمحو أثر كل الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) كلمة جميعا تدل على كل الذنوب. هل يغفرها الله كلها حتى الذنوب العظيمة مثل عقوق الوالدين والامتناع عن الزكاة والزنا مثلا؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] . ويقول تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) [الرعد:6] .
فالله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً إذا يشاء، سواء كانت زنا أو غيره من الكبائر التي هي دون الشرك، ومغفرة الذنوب والتجاوز عنها يتحقق على القول الصحيح بالتوبة منها، لأن من تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا مات صاحب الكبائر ولم يتب منها، فإنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، هذا في جميع الذنوب إلا الشرك، فإن من مات مشركاً بالله فإنه مخلد في النار باتفاق المسلمين، والعياذ بالله تعالى.
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق ... ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(9/6169)
جزاء من يصون نفسه عن الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان الشاذ جنسياً بالفطرة (دون تدخل أحد) والذي يصون نفسه ولا يمارس الجنس يدخل الجنة، وماذا قال (صلى الله عليه وسلم) عنه، وهل عليه واجبات معينة؟ وهل يمكن علاجه؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصبر على ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر على قضاء الله، وصبر عن معصية الله. ولكل واحد من هذه الأنواع أجر يتناسب مع مقداره، فكلما كان الأمر أقوى كلما كان أجر الصبر عليه أو عنه أكبر، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم وعد من أعرض عن ارتكاب الفاحشة مع امرأة ذات منصب وجمال دعته إلى نفسها، بأنه يكون في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، فقال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم" رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله.." رواه البخاري ومسلم. وما كان هذا الثواب العظيم إلا جزاءً لأمر عظيم، وقد وعد الله الصابرين عموماً بأجر لا حدود له، كما في قوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر:10] ويجب عليك أيها الأخ الكريم المداومة على العفة، وأخذ النفس بقوة الإيمان، ولمعرفة علاج ما أنت فيه، راجع الفتوى رقم:
179 والفتوى رقم: 4543
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1423(9/6170)
الحل الإسلامي لمشاكل المراهقين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الإسلامي المتميز وأتمنى لكم دوام التقدم والنجاح.
سؤالي هو:
ماهي أهم المشاكل التي يتعرض لها المراهقون والشبان في هذه الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمرحلة المراهقة تعتبر مرحلة تغير ونقلة من ضعف إلى قوة، فيشعر المراهق فيها بالقوة والحيوية والحماس، وحب إظهار الشخصية والتميز، ومحاولة الاختراع والإبداع، ويبذل جهداً في الانتصار لما يعتقد، والاستماتة في تحقيقه، ولم يعد يتحمل ما كان يتحمله في صغره من ضرب وتأنيب خصوصاً أمام الآخرين، لأنه يشعر بالقدرة على التدبير والاستقلالية وحماية النفس والدفاع، ولذلك يبدأ يحاول الانتقام ممن أساء إليه أو سفهه.
هذه الطاقات في الشاب المراهق إما أن يسخرها في طاعة الله عز وجل، وإما أن يسخرها في سبيل الهوى والشيطان وفي اللهو واللعب وقضاء الشهوة ونحو ذلك. ولذلك ينبغي للآباء والمعلمين والمربين والمصلحين أن يهتموا بتربية النشأ على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحب الانتصار لدين الله سبحانه وتعالى.
وحينما نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجدها مليئة بالصور المشرقة في الاهتمام بتربية الأطفال على العقيدة الصافية والأخلاق الكريمة لينشئوا نشأة طيبة، فإذا وصلوا إلى مرحلة الشباب كانت عندهم عقائد ومبادئ إيمانية يصرفون طاقتهم في نصرها.
كما أن كثيراً من الشباب المراهق الغارق في اللهو والشهوات والفتن المنتشرة في هذه الأزمان يحتاجون إلى دعوة بالحكمة ومعاملة بالحسنى، فيتوب الكثير منهم وينيبون إلى الله تبارك وتعالى ويصبحون أناساً مصلحين.
نسأل الله لنا ولهم التوفيق والرشاد.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 16541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/6171)
إرشادات لمن يهمل أمر الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي عمره 18 سنة تقريبا وهو غير محافظ على الصلاة بل كان لا يصلي غير صلاة الجمعة ولكن بمتابعة مني وبإلحاح شديد قرر أن يصلي ولكن يجب أن أذكره عند كل فرض ولكنه يخرج كثيرا ولا أستطيع أن أذكره بالصلاة إلا عبر الهاتف فيخترع أعذاراً مثل أنه لا يوجد مسجد قريب أو عندما أرجع سأصلي وفي يوم لم يصل صلاة العصر والمغرب وعندما رجع صلى صلاة العشاء ولكن بعد عناء وإلحاح شديد مني وقال إنه سيصلي الباقي غدا والآن أنا خائفة عليه وأتمنى أن يهديه الله ودائما أدعو له بالهداية وما أرجوه منكم هو إرشادي إلى الطريق السليم كي أساعده على الاهتمام بالصلاة ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً وأحسن مثوبتك على اهتمامك بإصلاح أخيك، وحثه على المحافظة على الصلاة التي هي عمود الإسلام، وتذكيره بها عند وقتها، ودعائك له بالهداية. ونسأل الله تعالى أن يهدي أخاك، وأن يكثر في النساء من مثيلاتك، وينبغي لك أن تضيفي إلى ما سبق:
1- أن تعلمي أخاك إن ترك الصلاة كفر وجريمة تعرض صاحبها للنار وبئس القرار. نسأل الله السلامة والعافية.
2- أن تجلبي له كتيباً فيه بيان حكم تارك الصلاة، ككتاب الشيخ محمد صالح بن عثيمين حكم تارك الصلاة أو غيره، وأن تجلبي له أشرطة نافعة في الموضوع وهي كثيرة ومتوفرة بحمد الله.
3- أن تحثيه على الارتباط بصحبة أناس صالحين، فهم خير معين له على ذلك.
4- أن تتصلي بأحد الصالحين وتعلميه بحال أخيك، وتوصيه بأن يربطه بأناس صالحين أو دروس علمية مفيدة ونحو ذلك.
5- أظهري له أنك حريصة عليه وتحبين له الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، عسى الله أن يهديه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/6172)
المفلس من أمة محمد عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله،، أحييكم ونشكركم على الفتاوى التي من خلالها عرفنا الكثير.
السؤال:
هل له صلاة من يقوم بقطع الطريق ويسلب حقوق الناس، علما بأنه لحظة أخذه لحقوق الناس عنوة يحدث فيها قتل صاحب الحق.
فهل له صلاة أم لا؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاعتداء على أموال الناس وأنفسهم بالسلب والقتل بغير وجه حق من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر التي حرمها الشرع، وتوعد صاحبها بالعذاب الأليم، ولا يليق بمسلم يقيم الصلاة ويحافظ عليها أن يمارس مثل هذه الجرائم، ولا أن تكون خلقا له، فإن إقامة الصلاة على وجهها الكامل يجب أن تمنع صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فالله يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] .
والفاسق مهما كان مقترفاً من الكبائر فلا يجوز لنا بحال أمره بترك الصلاة أو القول بعدم نفعها له، وإنما يجب علينا نصحه ونهيه عما يعمله من الحرام، وتذكيره بأن الصلاة وجميع طاعاته قد لا تنفعه يوم القيامة إذا جاء مثقلاً بحقوق الناس، لأن العبرة بكثرة الحسنات ورجحانها في الميزان على السيئات.
فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ أَنّ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ".
وعلى السائل إذا علم عن شخص أنه يقطع الطريق لأخذ أموال الناس وسفك دمائهم أن يبلغ الجهات المختصة بالأمر لتقيم عليه كتاب الله.
فقد قال الله عن هذا وأمثاله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ [المائدة:33] ، فلا يجوز لأحد علم من شخص أنه قاطع طريق أن يسكت ولا يبلغ الجهات التي تستطيع كف شره عن الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/6173)
ثمرات الابتلاءات والمصائب وفوائدها
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمدالله والسلام عليكم ورحمةالله وبركاته
أنا عندي عيب خلقي منذ الصغر (أعرج) فهل هذا يعتبر بلاء من عند الله تبارك وتعالى وهل هذا يخفف الحساب يوم القيامة علي؟
وجزاك الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
الوصب: المرض.
فكل ما يصيب المسلم في هذه الدنيا كفارة لذنوبه إذا هو قابل ذلك بالصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1423(9/6174)
استحضار عذاب أصحاب الزنا واللواط رادع لمن كان له قلب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن التخلص من الجنس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجنس المحرم وغيره من المعاصي يتخلص المسلم منه باستشعاره الوعيد الأكيد والتهديد الشديد الذي توعد الله به العصاة، واستحضاره لما أعد الله لهم وخصوصاً أصحاب الزنا واللواط.. فقد ورد في شأن مرتكبي هذا النوع من المعاصي من العواقب الوخيمة والجزاء الذي لا يطاق ما لو استشعره الشخص لكف عنه وسعى في تخليص نفسه من ذلك الخطر الجسيم الذي ينتظره في ذلك الموقف العظيم.
وليست عقوبة الزنا محصورة في الآخرة بل قد يجعل الله لأهل الزنا في الدنيا لونا من ألوان العقوبة، ففي سنن أبن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا تفشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ...
وهذا هو حال أكثر البلاد الآن فقد ظهر فيها السيدا بشكل وبائي وهو مرض لم يكن معروفاً من قبل، ثم أننا نذكر السائل بقصة الشاب الذي طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في الزنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم ... إلى آخر الحديث الذي رواه الإمام أحمد.
والحاصل أن استحضار المسلم للوعيد الوارد في شأن هذه المعصية وأنه كما لا يحب أن يعتدى عليه ولا أن ينتهك عرضه لا ينبغي له أن يعتدي هو على غيره ولا أن ينتهك أعراضهم، أقول: لو استحضر الشخص هذه الأمور لما أقدم على هذه الممارسات السيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(9/6175)
الخطأ غير المقصود ... نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على استفساري الذي يعذبني ولا أستطيع البوح به ولكم جزيل الشكر. حيث أنه في مرة من المرات كنت أتحدث إلى خطيبي في الهاتف وكنت مشتاقه له وأعبر له عن مشاعري وأستغفر الله أثناء حديثي معه وأنا في شدة اللهفة والشوق قلت له أنا أعبدك وفورا استدركت ما قلت واستغفرت الله وجاءتني حاله من الذعر حتى أن خطيبي هدأني وقال لي أنت لم تقصدي ذلك ولكن من يومها وأنا أتعذب وأستغفر ربي على هذه الزلة الفظيعة التي لا أدري كيف خرجت من فمي أرجوكم ماذا أفعل غير الاستغفار؟؟؟ افيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيبدو من روايتك -أيتها السائلة- أنك لم تقصدي حقيقة هذه الكلمة العظيمة، وأنها جرت على لسانك خطأ، والله تبارك وتعالى يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] .
وعلى كل حال حيث إنك قد تبت إلى الله تعالى من ما صدر منك، فاعلمي أن الله تعالى قد نبأنا عن نفسه أنه غفور رحيم، وأنه يقبل توبة التائبين. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وها هنا أمر هام وهو أنه لا يجوز لك أن تهاتفي خطيبك إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لأنكما ما زلتما أجنبيين عن بعضكما، ويخشى عليك الوقوع في الخضوع بالقول وقد وقع منك ذلك بالفعل، والله تعالى يقول: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] ، هذا ولك فوق توبتك واستغفارك أن تخرجي من مالك صدقة، فقد أخرج الترمذي من حديث كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال والصدقة تطفيء الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، ولك كذلك أن تفزعي إلى الصلاة، فإن الله تعالى قال في كتابه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] .
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي بكر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136] .
وبالجملة فإن كثرةالطاعات سبب في تكفير السيئات، وثقي بموعود الله من توبته على من تاب وأناب، يذهب الله تعالى ما في قلبك. والله الموفق، وراجعي الفتوى رقم:
3672 1473 5859 6796 6826.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1423(9/6176)
زيارة بيت الله تعين على الخشوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مذنبة وغير مواظبة على الصلاة للأسف وعندما أرجع الى الصلاة لا أشعر بخشوع للأسف ولا أعرف ماذا أفعل هل أزور بيت الله الحرام ليخشع قلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يحبب إليك الطاعة، وأن يجعلك من عباده الصالحين، واعلمي - أختاه - أن الصلاة أمرها عظيم وخطبها جسيم، وهي عمود الدين من أقامها أقام الدين ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وهي صلة بين العبد وربه، من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليه لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف كما في الحديث الذي رواه أحمد وابن حبان.
وقد بينا أهمية الصلاة والأسباب المعينة على أدائها وأسباب الخشوع فيها في الفتاوى التالية أرقامها:
6061 3830 9525.
ولا شك أن زيارة بيت الله الحرام للحج أو العمرة من أعظم القربات التي تكفر الذنوب، وتقرب إلى الله علام الغيوب، والحجاج والعمار هم وفد الله إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، فإن تمكنت من زيارة البيت الحرام فلا تتأخري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1423(9/6177)
الفرق بين من يستغفر وبين من يمني نفسه بالمغفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نفرق بين: بأن الله يقبل التوبة عن عباده وله الحمد (إذا طبعا استوفت شروط التوبة الكاملة) ويغفر الذنب ويعفو وبين أن لا تأخذنا الأماني بالله؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الله تعالى من أسمائه الغفور والغفار والتواب والرحيم والرحمن.... فمن رحمته وفضله على عباده أنه يقبل توبة من تاب، ويغفر ذنب من أناب، قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى:25] وقال سبحانه (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] .
كل هذا ليبقى باب الأمل مفتوحاً أمام المذنبين من الكفار والمشركين والمنافقين والعصاة من المسلمين، فيقبل التوبة من قلب مخلص منيب قد حقق صاحبه التوبة بشروطها، وهذا أمر يجب أن نكون موقنين به.
أما الأماني المنهي عنها فإنما تكون ممن يمنِّي نفسه بالمغفرة ودخول الجنات والقرب من رب الأرض والسموات وهو مقيم على كفره أو ذنوبه أو معاصيه لا يتوب منها، كما قال تعالى (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:111] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1423(9/6178)
الكذاب ... هل يخرج من دائرة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 11 سنة وأنا كذاب وصرت لا أكذب هل هذا يعني أني مسلم أو كافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله على توبتك وأنت والحمد لله من المسلمين، ونسأل الله لك وللمسلمين الهداية والثبات على الحق والصدق.
وغاية ما جرى منك معصية لله تعالى، وقد تبت واستغفرت الله منها والله تعالى غفور رحيم، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً*وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) [الفرقان:68-71] .
والأحاديث في سعة رحمة الله تعالى كثيرة وفيرة، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم.
هذا إذا كنت بلغت، أما إذا كنت لا تزال صبيا فلا ذنب عليك في الماضي، ولكن عليك بالصدق والاستقامة في المستقبل. وعلى المسلم -عموماً- أن يحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى؛ ولو كثرت ذنوبه وخطاياه.
وإذا تاب العبد من ذنب فعليه أن يكثر من الطاعة التي تضاد ذلك الذنب، والذي يضاد الكذب هو الصدق، وترطيب اللسان بذكر الله، وقراءة القرآن، ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(9/6179)
الهداية نعمة تستوجب عدة أمور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على خاتم الأنبياء:
أرجو من سيادتكم إفادتي كيف يمكن لي أن أحافظ على التزامي مع العلم أنني جديدة في الالتزام.
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك للالتزام بدينه، ونسأله سبحانه وتعالى أن يزيدنا وإياك من فضله ونعمه إنه على كل شيء قدير.
وينبغي لك إذا أردت المحافظة على هذا الالتزام أن تفعلي الآتي:
1- حمد الله وشكره على هذه النعمة لأن شكرها يزيدها، كما قال الله تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) [إبراهيم:7] وقال تعالى عن عباده الصالحين: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) [الأعراف:43] فحمدوا الله وردوا الفضل له سبحانه، وهكذا ينبغي أن تكون حال كل مهتد.
2- دعاء الله تبارك وتعالى بالثبات على هذا الالتزام حتى الممات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعوا بذلك فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء" رواه الترمذي وحسنه.
3-المحافظة على أداء الواجبات والابتعاد عن مقارفة المحرمات.
4-اختيار الرفقة الصالحة الناصحة والبعد عن رفقاء السوءK فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أحمد وأبو دود والترمذي
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافح الكير، فحامل المسك: إما ان يحذيك -يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"
5-الإكثار من قراءة القرآن، وقراءة الكتيبات النافعة، وسماع الأشرطة المفيدة، وحضور مجالس العلم والمحاضرات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(9/6180)
هل تقبل صلاة المصر على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله الصلاة من عاص مصر على معصية معينة وسائر العبادات؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصلاة العاصي المصر على معصيته مقبولة ما لم تكن معصية مكفرة، أو مما نص الشارع على أن من فعلها لا تقبل صلاته، كالذي يأتي كاهناً أو يشرب خمراً فلا تقبل له صلاة أربعين ليلة، وكذا العبد الآبق -الهارب من سيده- ومن أمَّ قوماً وهم له كارهون، وغير ذلك مما ورد به الدليل الشرعي، وهؤلاء مطالبون بالصلاة، وإذا فعلوها يسقط عنهم طلبها إلا أنهم لا يثابون عليها، ولا تشرع لهم إعادتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(9/6181)
نيل الثواب على ترك الذنوب مترتب على إخلاص النية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ... سؤالي هو:
أنا بخيل، ولم أستطع التخلص من البخل، وأخيراً وجدت طريقة للاستفادة من بخلي وهي كتابة قائمة بجميع المعاصي والذنوب التي تبت منها، فنذرت نذراً وكتبته على ورقة فيها أنني إذا ارتكبت ذنباً منها أتصدق بمبلغ 5 دولارات
فأصبح دافعي الآن للإقلاع عن الذنوب هو خوفي من دفع مبلغ 5 دولارات عن كل ذنب وليس الدافع هو الخوف من الله سبحانه وتعالى فهل أنا على حق وهل هذه الطريقة مشروعة علماً بأن هذه الطريقة حفظتني من ارتكاب ذنوب كثيرة كنت أرتكبها من قبل. أفيدوني أفادكم الله.
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتارك الحرام له حالان:
الحالة الأولى: أن يترك الحرام امتثالاً لنهي الله عز وجل عنه، وهذا يظفر بشيئين:
الأول - السلامة من الذنب، والأمن من العقاب المرتب عليه.
الثاني - أجر ترك الحرام لأنه قد نوى التقرب إلى الله عز وجل بهذا الترك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى" رواه البخاري ومسلم.
والحالة الثانية من حالتي ترك الحرام: أن يترك الحرام تركاً مجرداً عن نية الامتثال لنهي الله عز وجل عنه، وهذا يظفر بالسلامة من الذنب والأمن من العقاب المرتب عليه، ولكنه لا يثاب على هذا الترك لأنه لم ينو بذلك التقرب إلى الله عز وجل.
وعليه، فنقول للأخ السائل: إن تركك الذنوب مفيد لك على كل حال، ولكن الأجر والثواب على هذا الترك مرتبط بصلاح النية، والذي فهمنا من سؤالك أن الباعث الأصلي لك على كل ما قمت به من نذر هو الابتعاد عن الحرام وعلى هذا فتكون قد حصلت الخلال الثلاث: السلامة من الذنب، والأمن من العقاب، وامتثال النهي، فتكون مأجورا إن شاء الله، وعليك أن تعلم أن أمر هذا النوع من النذر عظيم عند الله تعالى والوفاء به أكيد جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1423(9/6182)
رقائق دينية تربوية للمراهقين والمراهقات
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة سؤالي هو عن الشباب كما أحسب نفسي منهم؟ عن المراهقين مابين 12إلى 19 سنة الذي يريد امتلاك قلوب الناس كلهم بأن يجعلهم يحبونة ودائما هو يسعى لذلك ولكن بطرق مختلفة وبعضها يكون سلبيا وبشتى الطرق؟ أريد منكم نصيحة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية والثبات والسداد، وجزاك الله كل خير لصراحتك وحرصك على معرفة الخير.
أخي الكريم:
اعلم أن مرحلة المراهقة هي أخطر مرحلة يمر بها الإنسان حيث إن للإنسان فيها تغيرات جسمية وعقلية وعاطفية وجنسية، والشيطان حريص على إغوائه في هذه المرحلة.
ونحب أن نوجه بعض النصائح لك ولمن هم مثلك علَّ الله أن ينفع بها.
أولاً: احرص على فعل الطاعات من: واجبات ومستحبات، واحرص على البعد عن المحرمات والمشتبهات والمكروهات.
ثانياً: احرص على جلساء الخير وابتعد عن جلساء السوء، فإن الصاحب ساحب. وكما قيل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.
ثالثاً: عليك بشغل الوقت بالنافع والمفيد من أمور الدين والدنيا، وإياك والفراغ فإنه من أعظم المفسدات في هذه المرحلة.
رابعاً: إذا أردت أن تملك قلوب الناس فأحسن معاملتهم وحسَّن أخلاقك معهم، وتعاون معهم واقض حوائجهم، فإنك بذلك تملك قلوبهم، وأوكد هنا على الإحسان إلى الوالدين والأقربين فإنهم أحق من تحسن إليهم وأحق من تملك قلوبهم، ولا بد من الصبر على ما قد يصدر من الوالدين من نظرة إليك على أنك مازلت طفلاً، لأنك مهما كبرت فلن تزال في أعين والديك صغيراً.
خامساً: عليك بكثرة اللجوء إلى الله بأن يسهل أمرك ويصلح حالك ويعينك على ما ينفعك في الدنيا والآخرة.
سادساً: نرجو منك مراجعة الفتوى رقم:
12928
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1423(9/6183)
موعظة مخلصة لمقترفي المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يحلق المسلم لحيته وهو يعلم بحكم التحريم لكنه رغم هذا فهو مطمئن النفس ما هي النصيحة التي يمكن أن تساعده في دينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم حلق اللحية في جواب سابق برقم 263 فليراجع، ومن حلق لحيته فهو آثم معرض لعقوبة الله سبحانه وتعالى، وعلى الناصح له أن يذكره بالعقاب، وأن كل عمل يعمله العبد -صغيراً أو كبيراً- سيجده أمامه يوم الحساب، كما قال الله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة:8] .
وحينها يقول العبد كما قال الله: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) [الكهف:49] .
وما أحوج الإنسان في تلك اللحظات إلى حسنة واحدة تثقل موازين الحسنات ليسلم من اقتحام النار. نسأل الله أن يعافينا جميعا منها.
وعلى هذا الأخ الذي يقدم على المعصية راضيا مختارا أن يتذكر عظمة الرب الكريم الذي يعصيه فهو خالقه ورازقه ومحييه ومميته، وإليه المرجع والمآب، وسيكلمه ربه يوم الحساب ليس بينهما ترجمان، فماذا سيقول وبماذا سيجيب نسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1423(9/6184)
مراعاة التفريق في معاملة العصاة حسب تنوع الطباع له اعتباره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نظرا لانتشارالفساد في مجتمعنا في البلاد فبعضهم رغم إقرارهم بالله والرسول لم يصلوا ولم يحضروا المسجد لصلاة الجمعة وبعض الآخر يشربون الخمر ويلعبون القمار ونحن نشعر بالحزن فقمنا بوضع النظام لحماية الدين في مجتمعنا فأجبرنا على كل واحد من مجتمعنا لمدوامة الصلاة وعدم ترك صلاة الجمعة ثلاثة مرات متتاليات من دون عذر وعدم ارتكاب المعاصي وإن لم يصل ويرتكب المعاصي فسنقوم بدورنا لاستتبابه الى الله فإن لم يسمعوا النصيحة فسنطبق عليهم العقوبة بعدم المشاركة سواء حفلات الفرح اوالمأتم وإن ماتوا فلن يحضرعليهم إلا ثلاثة أشخاص فقط لتجهيزالميت والصلاة عليهم السؤال ماهو الحكم الشرعي للنظام المذكور هل هو يتعارض مع الدين الاسلامي وهل يجوز لنا المقاطعة عند موتهم أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعلم أخي الكريم أنه لا يخلو مجتمع من وجود المعاصي والمنكرات، فالواجب عليك وعلى من معك من إخوانك أن تكونوا دعاة إلى الخير والصلاح بقدر ما تستطيعون، حريصين على هداية الناس إلى الحق بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الطيبة في أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم، وأن تشعروا غيركم أنكم حريصون على هدايتهم وتمسكهم بالدين، وينبغي أن تتخذوا من الوسائل والأساليب المتنوعة ما يفي بمتطلبات جميع الحالات، ولا تسووا بين الناس في دعوتكم وفرض العقوبة عليهم، فبعض الناس تنفع معه الكلمة الطيبة والإعانة له على شيء ما من أموره والهدية المتواضعة ونحو ذلك، ومنهم من تنفع معه الشدة والهجر والمقاطعة ونحو ذلك.
كما يجب عليكم أن تفرقوا بين من معصيته مكفرة كتارك الصلاة وبين من معصيته مفسقة كشارب الخمر، فالأول: لا ينكح ولا يورث ولا يوالى ولا يغسل إذا مات ولا يدعى له..... إلى غير ذلك، والثاني: لا ينكح أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولكنه يوالى على قدر ما عنده من الإيمان ويدعى له ويغسل ويكفن ويصلى عليه إذا مات ونحو ذلك، وقبل أن نختم الجواب نود أن ننبه على أمرين وردا في السؤال أولهما: قولك " وأجبرنا كل واحد من مجتمعنا لمداومة الصلاة وعدم ترك صلاة الجمعة أكثر من ثلاث مرات متتاليات " وهذا خطأ بين إذ يجب عليكم إجباره -إذا قدرتم- على حضور كل صلاة جمعة، ولا تنتظروه إلى أن يترك ثلاث جمع ثم تلزموه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
والثاني: قولك " عدم المشاركة سواء في حفلات الفرح أو المأتم " وحفلات المأتم بدعة يجب تغييرها. وقد سبقت لنا فتوى فيها تفصيل ذلك وهي برقم:
5010
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1423(9/6185)
حاسب نفسك لو قد رأيت الناس آذوك
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من أصدقائي (المسلمين وغيرهم) آذوني وعاملوني معاملة سيئة مع أنني قد ساعدتهم مرات عديدة، عندما احتاجوا لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام دين جاء بمكارم الأخلاق حاثاً أتباعه على التخلق بها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن" رواه الترمذي وغيره.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذي والدرامي وغيرهما.
وآيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى كثيرة جداً، فما قد يحدث من بعض المسلمين من إساءة خلق، فإن ذلك لا يعني أن دينهم هو الباعث على ذلك.
ولكن الإسلام جاء بشيء من التفريق في المعاملة بين المسلم وغير المسلم، فأمرنا أن لا نبدأ غير المسلمين بالسلام إظهاراً لعزة الإسلام الذي هو دين الله الحق، وما سواه من الأديان باطل.
كما نهانا أن نظهر الخضوع أو اللين أمام الكافر، لأنه ليس أهلاً لذلك، فإذا أسلم أصبح أخاً لنا له ما لنا، وعليه ما علينا.
ونحن بهذا نريد أن ننبه السائل إلى أنه إن كان غير مسلم ووجد شيئاً من هذا التعامل، فلا يلومن إلاَّ نفسه، فمن لم يعرف لله عز وجل قدره فكفر به وعادى رسله وكذب خاتمهم وآخرهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا كيف يريد أن يقابله المسلمون بالبشر والفرح والترحاب؟!! فهذا لا يكون.
وأما إن كان المقصود شيء آخر من الإيذاء الذي لا مسوغ له، فالإسلام لا يأمر بذلك، بل أمر بعكسه، فقد قال سبحانه: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) [الرحمن:60] .
ويقول عن علاقتنا بالكفار غير المحاربين لنا: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8] .
أما إن كان السائل مسلماً ثم وجد من بعض إخوانه المسلمين معاملة قاسية كهجره وترك كلامه والسلام عليه وما شابه ذلك، فربما كان ذلك بسبب ذنوب ارتكبها، فعمدوا إلى ذلك لتأديبه امتثالاً لتعاليم الدين في معاملة العاصي حتى يرجع ويتوب، هذا إذا كانوا من أهل التدين والاستقامة.
وإن كانوا غير ذلك، فخير ما نوصي به السائل هو: الصبر على أذى الناس، واحتمال ما يأتيه عنهم، والله لا يضيع أجر الصابرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(9/6186)
لا إثم على من لم تعلم أن من طهرت وقت العشاء يلزمها صلاة المغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت من الحيض بعد صلاة العشاء فإنني عادة أصلي العشاء فقط ولكنني سمعت من بعض الأخوات أن الواجب هو صلاة المغرب والعشاء حيث يقولون إن عند الطهر في وقت العشاء تجب عليك صلاة العشاء والمغرب لأنهم يجمعون وكذلك الحال عند الطهر في وقت العصر تجب صلاة الظهر والعصر فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً هل عليّ إثم إذا لم ألتزم به سابقاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا إثم عليك في ترك الصلوات السابقة، لأنك جاهلة بالحكم، وهو مما يخفى على العوام، وعليك قضاء ما تركت من الصلوات في الماضي، فإنه أبرأ لذمتك وأحوط لدينك، فإن لم يمكنك حصر عدد هذه الصلوات بكاملها فاقضي حتى يغلب على ظنك الإتيان بها، ولمعرفة أحكام الطهر من الحيض أثناء وقت الصلاتين المجموعتين راجعي الجواب رقم: 1074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1423(9/6187)
سبيل ووسائل نجاة البشرية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنقذوا شبابنا فقد ضاع دلوني على طريق للنجاة في هذه الدنيا لا يوجد عندنا شيء يسر شكرا؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طريق النجاة البشرية كلها شبابها وشيبها وذكورها وإناثها في دنياها وفي أخراها هي الطريق التي ارتضاها لها ربها وخالقها، ودلها عليها على لسان رسله، وأنزل بها كتبه. وهذه الطريقة تتلخص في الالتزام بطاعته التامة في أمره ونهيه، والثبات على ذلك حتى الممات، ولا يتأتى ذلك الالتزام والثبات إلا بتوفيق الله تعالى أولاً، ثم الإيمان الصادق القوي.
وقد بينا هذه المسألة وطريقة تحصليها في الفتوتين: 1208 10800 فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1423(9/6188)
أسلوب نصح من على علاقة محرمة بامرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب تعرف على فتاة عن طريق الإنترنت ومنذ أن تعرف عليها أخذ يسافر بها رغم بعد المسافة. ويكذب على أهله ويقول أنا مسافر إلى عمل أو للنزهة حتى كشف الله كذبه وعرفت زوجته وأقرباؤه وحاولت زوجته أن ترده عن هذا لكنه يضربها وحاول أقرباؤه أن يردوه لكنه لم يحترمهم ويوقرهم ولم يهتم لأحد وكأنها سحرته..وحتى أنه لا يحترم من ينصحه ولا يوقره بل يتلفظ عليه بألفاظ سيئة..
السؤال ماذا أفعل معه هل أبلغ الهيئة؟؟ وهل يكون إبلاغي للهيئة من باب الفضيحة؟ (هل فيه خطأ لو أبلغ الهيئة)
أتمنى أن ترسلوا لي الحل علماً أن زوجته أختي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز إساءة الظن بالمسلم، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ....) [الحجرات:12] ، وقال صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" متفق عليه.
ولا يجوز بناء الأحكام على الظنون والأوهام، لذا فإذا تيقنتم أنه يسافر لأجل هذه الفتاة وكذلك تأكدتم أن علاقته بها غير شرعية يعني أنه لم يتزوجها، إذا كان الأمر كذلك فعليكم أولاً بنصحه ووعظه وتذكيره بالله سبحانه واليوم الآخر والجنة والنارالوقوف بين يدي الله، وأعطوه الكتيبات والأشرطة التي تتحدث حول هذا الموضوع، فإن لم يرجع فوسطوا له من يتكلم معه من المشايخ والدعاة، أو من أصدقائه الذين لهم كلمة عليه، فإن لم ينفع كل ذلك فهو من المجاهرين. ولا بأس عليكم في إخبار الهيئة بأمره حتى يحولوا بيه وبين هذا المنكر بالقوة، ونسأل الله لنا وله الهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(9/6189)
دموع الندم تغسل أوضار المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أطيع الله في كل أوامره ولا أعصيه أبدا ولكني أرتكبت كبيرة من الكبائر زنى لا أدرى كيف حدث هذا واستغفرت ربي لكني منذ أن حدث هذا وأنا لا أسامح نفسي أبدا بل كرهتها كرها شديدا ولا أستطيع تحمل مجرد التفكير في هذا الموضوع ومنذ ذلك الموضوع وأنا أعذب نفسي وألومها لوما شديدا كلما تذكرت الموضوع أستمر في تعذيبها وأظل أبكي حتى تنهك قواي من كثرة البكاء وأصبحت أخاف من الموت بسبب هذه الكبيرة ولا أستطيع مسامحة نفسي إلى أن أموت لا أريد سوى رضى الله عني ولا أستطيع أن أذهب للحج الآن أحس أني ملعونة ماذا أفعل بالله عليك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأيتها الفتاة النادمة على ما حصل منك لا تيأسي من رحمة الله تعالى إن كنت صادقة في توبتك محقة في ندمك، فما عليك إلا أن تجددي توبتك كل حين وتكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة، وابتعدي عن رفقاء السوء وكل ما يجر إلى ما حرم الله، والزمي الرفقة الصالحة التي تعينك على الخير، وتدلك عليه، ولا تقنطي من رحمة الله الواسعة التي وعد بها التائبين الصادقين.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:
5450 14450 1095 3150
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(9/6190)
مطل الغني ظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرضت أحد أصدقائي مبلغاً من المال قرضاً حسناً والآن أصبح يملك مالاً لسداده ولكنه يماطل في سداد مالي ولم آخذ منه سندا من باب الثقة والأمانة ألا يعتبر أنه آثم عاص لله بفعله هذا؟ وهل من كلمة له؟ مأجورين إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرض الحسن -وهو الذي خلا من اشتراط فائدة، ولم يمنَّ به صاحبه على المدين- من أفضل القربات، وأوضح العلامات على قوة الصلات بين المؤمنين، فجزاك الله خيراً على إحسانك إلى صديقك وحسن ظنك به.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن حسن الظن لا يمنع من التوثقة والإشهاد على الدين ونحوها، كما أرشد الله تبارك وتعالى إلى ذلك، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) [البقرة:282] .
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق صديقك لمقابلة الإحسان بالإحسان، ورد حقوق الآخرين إليهم عند الاستغناء عنها، لأن تأخيرها بغير عذر ظلم، لما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم" وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".
ونذكره بوقوفه بين يدي الله تبارك وتعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم يطلب منه أن يؤدي حقوق الآخرين فلا يستطيع، فيأخذ الله من حسناته فتعطى لهم، فإذا فنيت حسناته وبقيت عليه حقوق أخذ الله من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم ألقي به في النار وبئس القرار.
نسأل الله تعالى له التوبة، وأداء الحق لأهله قبل الممات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(9/6191)
الخوف والخشية لفظان متقاربان لا مترادفان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الخوف والخشية في قوله تعالى: (يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخوف والخشية لفظان متقاربان لا مترادفان، ومن تعاريف الخوف التي ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.
والخشية: خوف مقرون بمعرفة، ولذلك وصف الله تعالى العلماء بالخشية، فقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:28] .
وذلك لأنهم إذا خافوا ربهم سكنوا إليه، فكان الخوف هروباً من المخوف، والخشية هي السكون بعده، هذا بوجه عام.
أما الفرق بينهما في الآية، فهو أن أولي الألباب الذين وصفهم الله تعالى في هذه الآية بعدة أوصف منها: (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي في جميع المعاصي، فيحافظون على حدود الله ويبتعدون عن محارمه، (وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) أي الاستقصاء في الحساب والمناقشة يوم القيامة، لأن من نوقش الحساب عذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(9/6192)
اجتماع سببين لمحبة الله وسبب لبغضه فالأمر للغالب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة المقولة: السخي حبيب الله ولو كان فاجرا. والعياذ بالله من جزئها الأخير, لماذا دونت في بعض الكتب وما مصدرها إن كانت غير صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله كريم يحب الكرم " رواه الحاكم في المستدرك، فالله سبحانه يحب معالي الأمور، والتخلق بالأخلاق الحميدة، ويثيب على ذلك، إما عاجلاً وإما آجلاً، ومن اجتمع فيه السخاء والكرم مع الفجور والعصيان فقد اجتمع فيه سببان سبب لمحبة الله وسبب لبغضه، والأمر للغالب منهما، ورحمة الله واسعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(9/6193)
لا يعظم على الله ذنب أن يغفره
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال إذا كان الإنسان لم يصل ولم يصم وكان يشرب الخمر فمرض مرضاً شديداً هل يقبل الله توبته وهو مريضو يصلي وهو جالس ونام في المستشفى ولا يرجى شفاؤه من قبل الدكاترة ويحمد الله، وهل يكفر الله سيئاته بعدأن أصابه الله بهذا المرض الخبيث أم لا تقبل توبته أفتوني بهذا جزاكم الله عنا خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....أما بعد:
فقد سبق بيان حكم التوبة في جواب سابق برقم:
1882 فليراجع، وبينا هناك أن من تاب التوبة المستكملة للشروط تاب الله عليه مهما عظم ذنبه، فإن الله عز وجل يتوب على الكافر إذا تاب وأسلم، فكيف بما دون الكفر؟!! قال سبحانه: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: من الآية38]
وعلى التائب أن يحسن في ما بقي من حياته ويكثر من نوافل الطاعات، وأما الفرائض التي فاتته من صلاة وصيام فعليه أن يتحرى حصرها ثم يقضيها إن استطاع، وعلى المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى خاصة عند الاقتراب من الموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يموتن أحدكم إلاَّ وهو يحسن بالله الظن " رواه مسلم.
والله عز وجل قد أخبر عن نفسه أنه الغفور الرحيم الرحمن قابل التوب واسع المغفرة، فينبغي للعبد أن يتعبد لله عز وجل بمقتضى هذه الأسماء والأوصاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(9/6194)
من شروط التوبة رد الحقوق لأصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب حكومي وكنت أتصرف بصورة غير شرعية (أرتشي) وقمت ببناء بيوت من تلك الأموال والآن أدركت أنني أخطأت وأن هذا الفعل غير إسلامي وتبت إلى الله تعالى، والآن كلفني نفس المكتب من أجل برنامج الماجستير وعلي أن أباشر العمل في نفس المكتب بعد ذلك ولا أريد أن أفعل الآن ما كنت أفعله من قبل، فهل تدلني على طريق ليغفر الله لي ويعصمني من هذا الخطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك أن ترد جميع ما أخذت من الأموال العامة التي تشرف الدولة على حفظها وتنميتها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ولابد أن تندم على ما فعلت، وتستغفر الله منه، وتعزم على عدم العودة إليه أبداً، ولا تتم توبتك إلا بذلك، فإن كنت تخاف من الفضيحة عند رد المال مباشرة إلى المكتب، فعليك أن تحتال بطريقة ما لرد هذا المال، كأن ترسله لهم بحوالة دون أن تذكر اسمك، فإن تعذر ذلك، فأنفقه في الصالح العام، لأن جميع أموال الحكومة مرصودة للصالح العام، فيكون إنفاق المال فيه كرده إليهم، بل إن صرفه في الصالح العام متعين إذا كان هنالك تسيب في المؤسسات الحكومية في تسيير المال العام، لأنه إذا أعيد إلى المؤسسة فقد يعتدي عليه بعض القائمين عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1423(9/6195)
مواعظ مساعدة للحفظ من الفتن والمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعزب أقوم بفرائضي الدينية، مهندس وأنا بصدد مواصلة دراستي العليا. مشكلتي أني أعيش في تونس ... في مجتمع قد تناسى دينه وأصله وثقافته، فكأني أعيش في مجتمع غربي بسفوره وعريه ولهوه ورقصه وخمره وملاهيه الليلية ... وقد خلق الإنسان ضعيفا وأحوالي المادية والدراسية لا تسمح لي بالزواج للآن ولا بعد 3 أو 4 سنوات ولا أظن أن الحل يتمثل في العادة السرية. أفيدوني وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ... أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الثبات على دينه والتمسك بشرعه، ونسأله سبحانه أن يغنيك من فضله وأن يعصمك من كل فتنة. وعليك بالصبر والإكثار من الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه.
واشغل نفسك ووقتك بتحصيل دراستك والإكثار من الطاعات مع الابتعاد عن مواطن الفتنة والإثارة، والزم رفقة صالحة طيبة تقضي معهم أكثر قدر ممكن من الوقت إذ الخلوة من أسباب التفكير في المعصية لمن كان في مثل حالك، ثم إذا تيسر لك العمل أو الدراسة في بلد هو أقل فتناً من بلدك الذي أنت فيه فلم لا تقدم على الانتقال إليه مستعينا بالله، فدين المرء هو رأس ماله، والموت قد يأتي بغير مقدمات، وإذا خرج المرء من هذه الحياة بدين سليم فقد ربح كل شيء، وإذا انعكس الحال فقد خسر كل شيء (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) [الزمر: 15] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(9/6196)
نية إشراك الغير في القربات تنفع صاحبها ومن نواه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فأحب أن أسألكم هل يجوز التبرع بالصدقة وهو ينوي أن تكون عنه وعن أشخاص يسميهم كأن يقول: هذه الصدقة عني، وعن المؤمنين والمؤمنات.
وجزاكم الله خيرا على هذا المشروع الرائد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للشخص أن يشرك غيره بالنية في ثواب صدقته، لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: "يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به".
قال ابن عابدين: والأفضل لمن يتصدق نفلاً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء. ا. هـ
وقال ابن قدامة: أي قربة فعلها الإنسان، وجعل ثوابها للميت نفعه ذلك إن شاء الله تعالى، كالدعاء، والاستغفار، والصدقة، والواجبات التي تدخلها النيابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1423(9/6197)
درجة المطيع على الدوام والعاصي التائب..هل تتفاوتان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هوالفرق في الآخرة بين شخص لم يزن ولم يختلس من الأموال العامة ولم يرتش وبين شخص آخر فعل كل ذلك وأكثر وكوَّن أموالاً طائلة له ولعقبه ثم تاب توبة نصوحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر هو أن المسلم الذي لم يقارف السيئات -المذكورة في السؤال ولا غيرها- إلا على سبيل الندرة، ويعقب ذلك بالتوبة والاستغفار وملتزم بما أوجب الله تعالى عليه أرفع درجة وأعلى منزلة ممن قارف تلك السيئات وأكثر منها، ولو تاب قبل موته.
ومع كل ذلك، فإنه لا يستطيع أحد تحديد منازل الناس في الجنة إلا الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الفردوس الأعلى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(9/6198)
إن الحسنات يذهبن السيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت منذ عام على أحد أصدقاء السوء للأسف وقد أخذني إلى أحد مقاهي الإنترنت وشاهدت بعض الصور المخلة بالآداب. ثم أصبحت شبه منتظم على مشاهدة هذه الأفلام صوتاً وصورة خلال مقاهي الإنترنت. وأنا الآن أريد أن أتوب وأندم على ما فعلت وشاهدت فكيف أكفر عن خطئي في حق ربي ونفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم النظر إلى الأفلام الإباحية في أجوبة سابقة برقم:
2778 3605 فلتراجع، كما تقدم أيضاً بيان حكم النظر إلى الصور العارية في جواب سابق برقم: 2862 وعلى الأخ السائل أن يحمد الله عز وجل على هدايته له، وتفضله عليه بالتوبة، وليعلم أن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، بل ويفرح سبحانه بتوبة عبده مع غناه عنه، ولكن لعظيم جوده وكرمه سبحانه يريد من العبد أن يتسبب في وصول إحسان الله إليه.
والتوبة تتحقق بأمور ثلاثة:
الأول: الندم على ما فات.
الثاني: ترك المعصية في الحال.
الثالث: العزم المؤكد على أن لا يرجع إليها في المستقبل.
فمن صدق الله عز وجل في توبته، وحقق هذه الأمور الثلاثة، فليعلم بأن الله عز وجل يتوب على من تاب، وينبغي للأخ السائل أن يكثر من الأعمال الصالحة، فإن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) [هود:114]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1423(9/6199)
شروط قبول التوبة من الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي اقترض من البنك فوائد ربوية فأصبح تاجرا معروفا ثم انقطع عن الفوائد الربوية وتاب ولكن لم يعرف كيف ينقي أمواله من الربا علما أن لديه مزارع فهل يتركها؟ وما حكم أن أعمل لديه؟ علماً أن العمل بدون قروض ربوية، وعلماً أنه عوقب من الله حيث خسرت تجارته وبقي القليل منها مثل المزارع والأغنام.
وما هي الطريقة التي تحلل بها أموال أبي حيث إني أصبحت وكيلاً شرعياً في إدارة اعماله وأنا شاب ملتزم ما هو الحل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المتعامل بالربا إذا تاب إلى الله عز وجل، وأقلع عن التعامل بالربا، فإن الله تعالى يتوب عليه بمنه وكرمه، فليس هنالك ذنب أعظم من أن يغفره الله تعالى ويتجاوز عنه إذا تاب صاحبه منه وندم، ومن شروط صحة توبة المقترض بالفوائد الربوية هو أن يتخلص من المعاملة الربوية ما دام المال المقترض موجوداً، فإذا غابت عين هذا المال رد مثله بدون فائدة إن استطاع ذلك.
وما اشتراه بالمال الربوي الذي رد مثله إلى المقرض، فإنه يملكه شرعاً إذ لا يلزم من تاب من الربا إلا أن يرد رأس المال الذي أخذه، لقوله تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279] . أي: لا تظلمون المقترض بأخذ ما زاد على رأس المال الذي أخذه، ولا تظلمون أنتم بنقص رؤوس أموالكم على رأس المال الذي أخذه المقرض ظلماً.
وعلى هذا فنقول للسائل: إذا كان والدك رد رأس المال الذي اقترضه من طريق ربوي ثم تاب وندم، فلا شيء عليه إلا الاستمرار في التوبة، والإكثار من الحسنات، كما لا شيء أيضاً على ولده الوكيل بطريق الأولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/6200)
الوالد مسؤول عن تسببه في وقوع المنكر من أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أملك أرضا بمنطقة تعتمد على زراعة الكيف (مادة مخدرة) أولادي يصرون على زراعتها هل أقسم بينهم التركة وأكون بريئاً أم أبقى أنا المسؤول رغم أني استنكر ذلك....أفيدوني يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.... أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم زراعة وبيع الحشيشة والمواد المسكرة في جواب سابق برقم:
8645 رواه أبو داود.
والخمر ما خامر العقل، أي غطاه، فلعن النبي صلى الله عليه وسلم كل من أعان عليها.
كما أن المسلم مطالب بالنهي عن المنكر في حدود استطاعته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.
والأولاد يدخلون تحت سلطان الوالد، فهو مطالب بتغيير المنكر إن وجد منهم بيده.
فكيف يجوز أن يكون هو المتسبب في وقوعهم في المنكر؟!! وعلى الأخ السائل أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته " رواه البخاري، كما عليه أن يتذكر قول الله عز وجل: (ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) [التغابن: 14] ، فليحذر من وقوع الأولاد فيما حرم الله.
وأما عن تقسيم التركة بين الأولاد حال الحياة فقد سبق بيان حكم ذلك في جواب سابق رقم: 12549، فليراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1423(9/6201)
مجاهدة الشيطان تورث طمأنينة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحس بضيق عند الصلاة أو الوضوء فما هو رأيكم بهذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصلاة والوضوء سبب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب وليسا سبباً للضيق، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد:28] والصلاة من أعظم الذكر، وما تجده من ضيق فإنه من الشيطان يريد أن ينفرك من الطاعة، ولكن عليك بمجاهدته، والتحصن منه بقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار، وسيذهب عنك ما تجده بإذن الله، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [العنكبوت:69]
واحرص على الخشوع في الصلاة، وتدبر ما تقول أثناءها حتى تخف عليك وتحبها وتصير قرة عينيك، قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين*الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) [البقرة:45-46]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(9/6202)
ليس للميت مال يضاف إليه بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[الصدقة للميت، الأفضل أن تكون بأموال الميت أو أموال أبنائه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ... أما بعد:
فإنا نقول للسائل: ليس للإنسان مال يضاف إليه إضافة ملك بعد موته، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " يقول ابن: آدم مالي مالي!! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ ". رواه مسلم وغيره.
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم: " أيكم مال وراثه أحب إليه من ماله؟! " قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر" رواه البخاري، قال الحافظ في الفتح: فإن كل شيء يخلفه المورث يصير ملكاً للوارث، فإن عمل فيه بطاعة الله اختص بثواب ذلك، وكان ذلك (يعني الميت) الذي تعب في جمعه ومنعه وإن عمل فيه بمعصية الله فذاك أبعد لمالكه الأول من الانتفاع به إن سلم من تبعته)
فإذا تقرر أن الميت ليس له مال علم أن له حالة من حالتين، الحالة الأولى: أن يكون أوصى بالصدقة في ماله، ففي هذه الحالة يجب أن تنفذ تلك الوصية بما أوصى به ما لم يزد على الثلث، وفي هذه الحالة نقول: الصدقة الموصَى بها يجب إخراجها من ثلث ماله وليس هنالك خيار آخر، أما الحالة الثانية: وهي ما إذا لم يوص الشخص، فنقول: لا يجوز التصدق مما ترك إلا إذا اتفق جميع الورثة الذين لهم حق التبرع على ذلك، ولا فرق بين إخراجهم للصدقة من المال الذي تركه مورثهم والصدقة عنه من أموالهم الخاصة، لأن الكل مال لهم، أما من كان قاصراً، أو لم يوافق فيجب إخراج حقه له من التركة كاملاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(9/6203)
التحلي بالإخلاص وإيصال الخير لنفسك وأمتك..أسمى ما تنويه بدراستك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي النيات الصالحة التي ينويها طالب الدكتوراه في الهندسة في أثناء دراسته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لطالب الدكتوراة في الهندسة أن ينوي بتعلمه كسب المهارة والخبرة في هذا الجانب لينفع نفسه وأهله بالعمل، والكسب الحلال، وألا يكون عالة على غيره، وينوي أيضاً نفع إخوانه المسلمين وأمته بتحصيل ما يحتاجونه في هذا المجال بإتقان وأمانة بعيداً عن الغش والخداع ونحو ذلك، ومن المعلوم أن المسلمين يحتاجون إلى المتخصصين الأمناء والأقوياء في كل جوانب الحياة، فهم كالجسد الواحد يكمل بعضهم بعضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1423(9/6204)
عوامل الثبات على الدين القويم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبحث عن كتاب يتكلم عن الالتزام وعوامل الثبات عليه فهل أجد من قبلكم المساعدة على هذا الكتاب أو يتم إحالة السؤل لأي أحد من المشايخ ليتكلم عن هذا الموضوع؟ وجزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الثبات على دين الله، والاستقامة على شرعه مطلب كل مسلم صادق يريد رضا الله والجنة، ويخشى عذابه والنار، ومما يعينك على ذلك الإقبال على قراءة القرآن، فالله يقول: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان:32] .
ومما يعين على ذلك الإكثار من الأعمال الصالحة، والابتعاد عن المعاصي والذنوب، فالله يقول: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27] .
وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء:66] .
وعيك بقراءة قصص الأنبياء والصحابة والصالحين، فالله يقول: (وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود:120] .
وعليك باللجوء إلى الله والتضرع إليه أن يثبتك على دينه، وأن يزيدك استقامة وصلاحاً، فهذا مسلك المؤمنين، كما حكى عنهم القرآن. قال سبحانه: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8] .
وقال تعالى: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) [البقرة:250] .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي عن أنس.
هذا مع الحرص على الصحبة الصالحة والرفقة المؤمنة، فهي مما يشد أزر المسلم في التزامه ويعينه على التمسك بدينه، فالنبي صلى عليه وسلم يقول: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود.
وهناك أشرطة وكتيبات كثيرة في الموضوع تزخر بها المكتبات الإسلامية، فاحرص على سماعها وقراءتها، واستعن في معرفتها بمن حولك من الدعاة وطلبة العلم وأهل الصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(9/6205)
صور من عذاب القبر كما قصها عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن هناك حديثاً لرسول الله عليه السلام يقول (هل رأى أحد منكم من رؤيا) فيقص عليه من شاء الله أن يقص وأنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان (وأريد أن أسال هل الرسول عليه السلام يتكلم عن صور من عذاب البرزخ وما هي تلك العذابات؟ وجزاكم الله خيرا
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قد ثبت في أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن صور من عذاب البرزخ، ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري عن سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة، أقبل علينا بوجهه، فقال: (من رأى منكم الليلة رؤي؟) . قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول: (ما شاء الله) . فسألنا يوما فقال: (هل رأى أحد منكم رؤيا؟) . قلنا: لا، قال: (لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس، ورجل قائم، بيده كلوب من حديد) قال بعض أصحابنا عن موسى: (إنه يدخل ذلك الكَلُّوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر، أو صخرة، فيشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا، حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر - قال يزيد ووهب ابن جرير، عن جرير بن حازم - وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا، حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة، بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ، وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب، قلت: طوفتماني الليلة، فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم، أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة، والذي رأيته يشدخ رأسه، فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة، والذي رأيته في الثقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر آكلوا الربا، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، فقلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك. "
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(9/6206)
إذا أحب الله عبدا ابتلاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من كثرة الغازات ولا أنتهي من الوضوء إلا وينتقض وأبقى ذاهبا وراجعا إلى الميضئة حتى أنه يفوتني وقت الصلاة ويأتي وقت صلاة أخرى وما بيدي حيلة إلا الغضب والدعاء على نفسي والبكاء وهكذا كل فرض وإذا استطعت الصلاة فإني أعاني أيضا من الوساوس في ما إذا ما انتقض وضوئي أو سجدت أوركعت؟ ماذا أفعل؟ فأنا لا أستطيع أن أصلي الجماعة افتوني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم من يخرج منه الريح أو غيرها من نواقض الوضوء باستمرار في الجواب:
8777 ثم إننا ننبه السائل إلى أن ما يصيب الإنسان وما يمر به من المصائب والبلايا هو من قدر الله تعالى وقضائه، فيجب عليه أن لا يجزع منه، وأن لا يسخط ففي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " أي من رضي بما ابتلاه الله به فله الرضا منه تعالى، وجزيل الثواب. ومن سخط أي: كره بلاء الله وجزع ولم يرض بقضائه فله السخط منه تعالى وأليم العذاب.
والمقصود من هذا: الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه، فكل ما يدل على الجزع وعدم الرضا بالقضاء فهو منهي عنه، وفي الحديث الذي يرويه البخاري وغيره " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وليقل: " اللهم … إلى آخره " أي لا يتمنين الموت بسبب ضرر مالي أو بدني نزل به، وذلك لأن تمني الموت يدل على عدم الرضا بالقضاء، وعلى الجزع في البلاء. فعليك أخي بالصبر والالتجاء إلى الله تعالى والتضرع إليه ليذهب عنك الوساوس والتخيلات الشيطانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(9/6207)
أسباب بعد المسلمين عن كتاب ربهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسباب بعدنا عن كتاب الله؟ وما هي الطرق التي ترون أنها تساعد إلى العودة إلى كتاب الله؟ وما هو أفضل شريط سمع في هذا المجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللبعد عن كتاب الله تعالى أسباب كثيرة، منها: كثرة المعاصي، ومنها ضعف تعظيم الله في قلب العبد، ومنها الإقبال على الدنيا والرغبة فيها والتمسك بها، والزهد في الآخرة والتفريط فيما ينفع فيها، ومنها: الجهل بفضائل تلاوة القرآن وتدبره وتعليمه وتعلمه، والجهل بمكانة صاحبه في الدنيا والآخرة.
وأما عن الطرق التي تُساعد على العودة إلى القرآن الكريم، فهي تلافي الأمور التي ذكرناها سابقاً، بأن يترك العبد المعاصي، وأن يعظم ربه، وأن يُقبل على عمل الآخرة، وأن يعرف فضائل القرآن، ونحن نذكر لك - على سبيل المثال - بعض هذه الفضائل، فمنها:
- ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران".
- ومنها ما رواه أبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا! ".
- وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وغير ذلك من الأحاديث، ونحن ننصح السائل بالرجوع إلى كتاب التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي يرحمه الله لمعرفة المزيد عن فضائل القرآن، وكذلك كتاب الإتقان للإمام السيوطي رحمه الله تعالى، وكذلك عليك بالذهاب إلى المكتبات الصوتية التي تبيع الأشرطة الإسلامية فسوف تجد فيها الكثير الذي تستفيد منه في هذا المجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(9/6208)
تخير الأصحاب خير من الاعتزال
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة وأعيش بمفردي، وقد فعلت من معاصي الدنيا ما يغضب الله مني، ولكن حدث فجأة أن وجدتني أبتعد عن الناس وأنفرد بنفسي حتى إنني قد أغلقت هاتفي المحمول ولا أجيب على هاتف المنزل وبدأت أصلي وأقرأ القرآن وأستمع إلى الخطب الدينية وأحسست أن الله بدأ يرضى عني.
المشكلة أنني أخاف أن أضل عن طريق الله لأنني أحببت هذا الطريق وأحسست أن البعد عن الناس غنيمة وأنا الآن مضطر إلى العودة إليهم لكني خائف أن أعصي الله ثانياً.
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى الأخ السائل أن يقدر نعمة الله عليه بأن هداه بعد الضلالة، فيشكر هذه النعمة بالقول والعمل.
وعليه أن يعلم أن الإنسان مدني بطبعه، كما قال ابن خلدون: أي لا يستطيع أن يعيش منفرداً، بل يميل إلى مخالطة الناس بطبعه.
ومن ثم، فعليه أن يتخير من الأصحاب من يعينونه على طاعة الله عز وجل، وسيجدهم في المساجد ومجالس العلم والذكر، وقد سبق الجواب عن أهمية الرفقة الصالحة، وكيفية اكتسابها في جواب سابق برقم: 9163، فليراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1423(9/6209)
ثواب الصدقة لصاحبها ولمن أعانه عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مازلت طالبة في المدرسة وآخذ مصروفي من أبي فهل إذا تبرعت منه أو تصدقت حسب الأجر والثواب لي أم لأبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المال الذي يعطيه لك والدك من النفقة الواجبة أو مستلزماتها أو لغير ذلك، يعتبر ملكاً لك بمجرد حيازتك له، تتصرفين فيه تصرف المالك في ملكه، بشرط أن تكوني من أهل التبرع. وبناء على ذلك، فإن الصدقة من هذا المال يكون ثوابها لك، لأنك أنت التي باشرت التبرع، وهذا لا يمنع أن يكون لوالدك أجر من طريق آخر، وهو أجر المال الذي أعطاه لك، سواء كان نفقة واجبة، أو صدقة تصدق بها عليك، أو هبة وهبها لك.
لأن أقل أحواله أن يكون أعانك على فعل الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(9/6210)
نقض العهد مع الله على ترك محرم يحتاج إلى شيئين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وعدت الله بأن لا أدخل بالغيبه لكن سرعان ما عدت إليها ... هل علي كفارة أو ماذا علي جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة كبيرة من الكبائر التي ورد النص القرآني بالنهي عنها في قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً) [الحجرات: 12] والنهي يقتضي تحريم الفعل ووجوب الترك، وجمهور أهل العلم يرون أن النذر لا ينعقد في واجب، لأن النذر التزام قربة غير لازمة، والواجب لازم، ولا يصح التزام ما هو لازم.
وعليه، فلا كفارة على السائلة لأنها عاهدت الله على ترك محرم يلزم تركه، والوعد بمثابة النذر، وذهب ابن تيمية في الاختيارات إلى وجوب الكفارة، قال في كشاف القناع: (قال في الاختيارات: "ما وجب بالشرع إذا نذره العبد أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو الإمام أو تحالف عليه جماعة، فإن هذه العقود والمواثيق تقتضي له وجوباً ثانياً، غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فيكون واجباً من وجهين، ويكون تركه موجب الترك الواجب بالشرع والواجب بالنذر، وهذا هو التحقيق، وهو رواية عن أحمد، وقاله طائفة من العلماء" ا. هـ.
وما قاله شيخ الإسلام له حظ كبير من النظر. وإن ذهب أكثر أهل العلم إلى القول بخلافه، فإن الأخذ بمقتضاه أحوط وأبرأ للذمة.
وعلى كل فتجب التوبة إلى الله تعالى من الغيبة، وإخلاف الوعد مع الله تعالى، والله تعالى يتوب على التائبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(9/6211)
التائب من ترك الصلاة تقبل صلاته وطاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من لم يصل حتى سن 16 هل تقبل صلاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ترك الصلاة والتهاون بها من عظائم الذنوب والعياذ بالله، وقد قال عمر رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. رواه البخاري.
وراجع الفتوى رقم: 1846.
والواجب على من ترك الصلاة فلم يصل حتى بلغ سن السادسة عشر هو التوبة النصوح، وقضاء ما فاته منذ البلوغ، وما صلى من صلاة مقبول - إن شاء الله - لقول الله جل وعلا: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [آل عمران:115] .
وراجع الجواب رقم: 1270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1423(9/6212)
لا تستسلم للشيطان، واسلك مدارج الصلاح مع الدعاء والعزيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 19 من العمر أدرس في السنة الثالثة بكلية الطب ومنذ أن دخلتها انخفض مستواي العلمي بسبب مشكلتين خطيرتين هما أني وقعت في بحر التمني والثانية أني أصبحت كثير النسيان جدا وللعلم حصلت في الثانوية العامة على %96.5 وكذلك في بقية الصفوف فلم أقل عن %95 في أيّ منها ولكن الآن حصلت على جيد جدا ثم جيد ثم مقبول أو أقل فلم تظهر النتيجة ولكني أعلم ماذا فعلت في الا متحانات وللعلم أنا متدين ولكن الشيطان أفسد علي تديّني بل وحياتي بهاتين المشكلتين وأنا لا أعلم ولا أقدر على شيء أفعله أرجوك أعني على إصلاح ما أفسده الشيطان من قلبي وحسبك من الشكر ثواب الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيا أخي الكريم حفظك الله ورعاك، ومن كيد الشيطان ومكره حماك ووقاك، اعلم أن الدنيا سريعة الزوال، دائمة التقلب لا تدوم على حال، والعاقل هو الذي أخذ منها زاده للآخرة، والخاسر من غرته الدنيا وغره بالله الغرور، فهو في كل واد يهيم، لا يزدجر ولا يرعوي حتى يأتيه الموت، وهو مقيم على الذنوب والمعاصي، واعلم أن رأس مال الإنسان دينه، فإن خسره خسر كل شيء، قال تعالى: (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين*لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) [الزمر:16] واعلم أنك مع الشيطان في معركة، فلا تستسلم لوساوسه وكيده، وعليك بمجاهدة نفسك على سلوك سبيل الهدى والفلاح، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [العنكبوت:69] وارق بنفسك نحو المعالي واسلك بها مدارج الصلاح والكمال، ومن جد وجد، ومن سار على الدرب وصل، وإياك والتسويف، واحذر ليت ولعل وسوف ولو أني، ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، وما بلغ من بلغ إلا بالجد والعمل، لا بالتسويف والكسل.
والتقوى باب من العلم وإلى العلم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم) [الأنفال:29] فرتب الله على التقوى خيري الدنيا والآخرة، وبين تعالى أن من ثمار التقوى الفرقان، وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، والصواب وغير الصواب.
وانظر يا أخي الكريم إلى الأسباب التي أضعفتك وحاول أن تتخلص منها، وارفع يديك إلى ربك الكريم الذي بيده أمرك كله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه إليه أن يردهما صِفراً خائبتين " رواه أبو داود وقال حديث حسن، ونرشدك أخي الكريم أن تطالع الفتوى التالية لعل الله ينفعك بها، وتجد فيها بغيتك، وهي برقم:
9525
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1423(9/6213)
لا مقارنة بين مغريات الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة محجبة أعمل بشركة للخدمات البترولية تبعد عن منزلي نحو 45 ك وأصل إليها عن طريق المواصلات العادية والمشكلة هي أنني الفتاة الوحيدة في هذه الشركة وكل العاملين الآخرين من الشباب وعلاقتي بهم محترمة. مع العلم أن أخي يعمل معي في نفس الشركة ولكن عمله ليس يوميا وقد قرأت في العديد من الفتاوى أن العمل المختلط حرام وإنني مقتنعة بذلك ولكن مغريات هذه الوظيفة كثيرة والعديد ممن حولي يحثونني على البقاء في العمل فما رأيكم في ذلك؟
أرجو أن تجيبوني بسرعة لأنني في أشد الحاجة إلى رأيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم عمل المرأة وضوابطه في جواب سابق برقم: 3859 فليراجع.
ونزيد هنا فنقول للأخت السائلة: إن ما عند الله عز وجل خير وأبقى، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) [الضحى:4] .
ولئن كانت المغريات في البقاء في هذا العمل كثيرة - كما تقول السائلة - فإن المغريات في امتثال أوامر الله عز وجل أكثر، بل لا مقارنة بين الأمرين، فإن الله عز وجل يقول: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء:13] .
وما قُدِّر للإنسان في هذه الحياة سيأتيه لا محالة، والواجب عليه أن يتقي الله سبحانه، ويحسن الطلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" صححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(9/6214)
لا يجب سوى أداء الحق لصاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص عليه حق مالي (هو يقدر قيمته) وصاحب الحق لا يعلم بشيء عنه هل يجب إعلام صاحب الحق بما أخذ منه وطلب السماح منه؟ أو أقدر القيمة (تقديرا مني) وأرسلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من شروط التوبة النصوح إرجاع الحق إلى صاحبه ما دام يعلمه، وعلى المسلم أن لا يتردد لحظة واحدة في ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه الترمذي وأبو داود.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام إلى آخر الحديث". وهو في الصحيحين.
وإن حصلت زيادة في هذا المال أو منفعة، فإنها ترد حيث يرد الأصل.
فعليك -أخي السائل- بالمبادرة بإرجاع الحق إلى صاحبه، وإن كنت تخشى الفضيحة أو إثارة مشكلة معه فلك أن تحتال بطريقة ما لإيصال حقه إليه، كأن ترسله بحوالة باسمه دون أن تذكر له اسمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(9/6215)
شرح قول علي رضي الله عنه: (اعمل لدنياك كأنك ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء شرح مقولة سيدنا علي: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح في معنى هذا القول -والله أعلم- أن الإنسان يخطط لأمور الدنيا تخطيطاً بعيد النظر، فلا يقدم الحلول لمشاكله في الدنيا لمجرد التخلص منها في هذا اليوم، وإنما يفعل ذلك لسنين عديدة، وآماد بعيدة، لأن التخطيط الوقتي سرعان ما يحتاج إلى التغيير مرة أخرى، وهكذا.
وأمور الآخرة تكون في قلب العبد حاضرة، فيداوم عليها ويسارع في أدائها في أوقاتها، لأنه يخشى أن يموت قريباً فيلقى الله بالتقصير والتفريط، وقد عبر عن قرب الموت بكلمة (غدا) كما عبر الله عن يوم القيامة كذلك، فقال: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) .
وكأنه يريد أن يقول: السعي للدنيا لا ينافي السعي للآخرة، بشرط أن يعرف المرء حد كل واحدة منهما ولا يُطغي واحدة على واحدة، وأن العبد مطلوب منه الاجتهاد وعدم التواني، فهو إما في أمر الآخرة، وإما في أمر الدنيا، ولا يكن كالبطالين الذين هم ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولا يكن من أهل الدنيا فقط لأن أهل الدنيا فقط ليس لهم في الآخرة من نصيب، وهذه هي نظرة الإسلام الوسطية للدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1423(9/6216)
الابتلاء على اختلاف أنواعه خير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب مسلم أعمل على تحسين وضعي الاجتماعي وعندما أقوم بأي مشروع أو أي عمل تغلق كل الأبواب عليّ ومنذ سنوات كل مشاريعي أخفقت ولم أنجح فيها على غرار أصدقائي حتى أصبحت أشك في أنني مسحور أو شيء من هذا النوع لست أدري هل هذا ابتلاء أم عقاب من الله؟.
أرجوكم أنصحوني ماذا أفعل وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن كل شيء بقضاء وقدر، فما عليك إلا أن تعمل بالأسباب ثم ارض بما قضاه الله، ومن رضي فله الرضاء، ومن سخط فله السخط، ولا تيأس من فضل الله تعالى وفتحه، فالله تعالى يقول: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:6] .
واعلم أن الله يبتلي عباده لينظر صدق إيمانهم وتوكلهم عليه، وليختبر إيمانهم بالقضاء والقدر وصدق ألتجائهم إليه عند الشدائد والكرب.
كما يجب عليك أن تتفقد نفسك وتحاسبها، فلعل عندك من الذنوب ما سبب لك هذا.
وعلى العموم، فسواء كان ابتلاءً أو كان عقاباً، فإن في كلٍ خير لأن فيه تكفيراً للذنوب والسيئات لمن صبر ورضي.
ولا تدخل نفسك في أوهام السحر، وعليك بتحصين نفسك بقراءة القرآن، وذكر الله في المناسبات كالصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، والدخول والخروج، واجعل لسانك رطباً بذكر الله، وألح عليه في الدعاء ليفرج كربتك، فما فتح لعبد باب دعاء إلا فتح له باب إجابة، وإياك ثم إياك من القنوط من رحمة الله، فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الخاسرون.
فنسأل الله أن يصلح حالنا وحالك، وأن يفتح علينا وعليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(9/6217)
قصة المرأة التي أغوت العابد فشرب الخمر......
[السُّؤَالُ]
ـ[من راوي قصة المرأة التي خيرت العابد اليهودي إما أن يزني معها أو يقتل الطفل الذي معها أو يشرب الخمر، ففضل شرب الخمر فشربها، فقتل الطفل، وزنى بالمرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى هذه القصة النسائي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه قال: سمعت عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإنّهَا أُمّ الْخَبَائِث! ِ إنّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمّنْ خَلاَ قَبْلَكُمْ تَعْبّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَه: ُ إنّا نَدْعُوكَ لِلشّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلّمَا دَخَلَ بَابا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتّى أَفْضَى إلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلاَمٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إنّي وَاللهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيّ أَوْ تَشْرَبِ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةَ كَأْسا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلاَمَ. قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسا فَسَقَتْهُ كَأْسا. قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَل النّفْسَ. فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإنّهَا وَاللهِ لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإدْمَانُ الْخَمْرِ إلاّ لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1423(9/6218)
لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من فتاة يتيمة الأبوين وأنا مقتدر ماديا مع العلم أني متزوج من الزوجة الأولى مند أكثر من 18 سنة ولدي أولاد وبناتي الكبرى في الجامعة حيث إنني في خضم من الأرق والتوتر وعدم الاستقرار الفكري نتيجة لزواجي الثاني حيث أن الزوجة الأولى طلبت مني أن أطلق الزوجة الثانية حيث أنني موجود مع الأولى وليس هناك مشكلة بيننا إلا أنها مصرة على طلاقي من الأولى بات هذا الأمر يؤرق مضجعي حتى إنني تمنيت أن أرجع إلى حالتي الأولى وفكرت بطلاق الثانية ولكن هو الظلم الذي لا أطيقه حتى على نفسي الزوجة الثانية لم أر منها شيئا علما بأن كل زوجة في بيت مستقل
أرجو إفادة بفتوى في أمري
وان كانت الفتوى بعدم الطلاق
أرجومنكم توجيه فتوى أو موعظه شرعية إلى زوجتي الأولى حتى تكون حجة شرعيه لعدم طلاقي من الثانية
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزواج الرجل بأكثر من زوجة إلى أربع أمر مشروع، ولا ضرر فيه على الزوجة الأولى، ولو كان به بأس لما أمر الله به، ولذا فننصحك بإمساك زوجتك الثانية مع العدل بينها وبين الأولى بالمعروف، وعليك بنصح الأولى وتذكيرها بالله، وأنه لا يجوز لها شرعاً أن تطلب طلاق ضرتها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" ففي الحديث نهي المرأة أن تسأل طلاق ضرتها، وأن لا تدع غيرتها الفطرية تحملها على الحرام والظلم، ولترض بما قسم الله لها، ولن يكون إلا خيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1423(9/6219)
إيذاء الناس احتمال للإثم المبين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين الإسلامي في المسؤول الجبان الذي يورط العمال الذين ينشطون تحت رعايته ويؤذيهم للهلاك والبهدلة لإنقاذ نفسه من ردود فعل النقابات التي يتعامل معها. وقد يمكنه أن يأخذ قرارات ضد مصلحة الإدارة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إيذاء الناس عموماً لا يجوز، وإيذاء المؤمنين والصالحين منهم خصوصاً أشد من إيذاء غيرهم، وقد قال الله تعالى في ذلك: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58] وعن عبد الله بن عمر بن العاصي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " رواه البخاري. والعبد الذي يتجرأ على إيذاء خلق الله تعالى غافل عن الله، لأن حقوق العباد الذين يؤذيهم تتعلق بذمته إلى أن يلقى الله تعالى ويوفيهم إياها من حسناته، فإنها هي الجزاء الوحيد في الآخرة، إذا جمع الله العباد ليقتص لبعضهم من بعض، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه عبديه، أنهما يخونانه ويعصيانه ويكذبانه، وهو يعاقبهما على ذلك بالضرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً، لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم، كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل، أما تقرأ كتاب الله: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47] رواه أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها. فعلى من يؤذي الناس أن ينتهي عن ذلك لأن عاقبته وخيمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1423(9/6220)
من ستره الله فليستتر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة من 3 أشهرقال لي زوجي في شجار معي منذ بضعة أيام إني أحرم عليه كزوجة لو لم أقل له كل العلاقات التي كانت في حياتي من قبله, يا سيدي لقد تزوجني عذراء ولكني في الماضي كانت لي بعض الأخطاء مع شخص كنت أحبه ولكني استغفرت الله وتبت توبة نصوحا ولقد سترني الله بستره, فماذا أفعل مع يمين زوجي الذي يكرره كلما لمسني!! هل أفضح نفسي مع العلم أنني تبت ماذا أفعل دلوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قدره الله تعالى على العبد من الذنوب وما يزينه له الشيطان من المعاصي يجب عليه أن لا يذكره للناس وأن يكتمه عنهم، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".
وإنما وجب كتم المعاصي ووجب التسترعليها لما في سترها من السلامة من الاستخفاف بحق الله تعالى، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حداً. ومن هذا المنطلق نقول للسائلة: لا تخبري هذا الرجل بما سبق من تجاوزات ومخالفات على التفصيل بحيث تصرحين باسم الشخص الأول، أو نوع المخالفة، لكن لا حرج في قولك له: قد كانت مخالفات وأمور سبق أن صارت، لكني تبت لله تعالى منها، ولا يجوز لي أن أصرح بها، ونرجو الله أن يغفرها لي، هذا الذي عليك فعله، ثم بعد ذلك ينظر إلى نية الرجل في حلفه، هل يقصد بيمينه أن يخبر بما قد جرى تفصيلاً، وحينئذ يكون مظاهراً على ما رجحناه في الفتوى رقم:
12979 لأنه حنث في يمينه، إذ لم يخبر بما أراد. أما إذا لم يرد التفصيل والإخبار بكل شيء، فلا حنث ولا ظهار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1423(9/6221)
زادت الطين بلة بتعمد الحمل!!!
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة تعاشر رجلا لمدة تفوق الست سنوات وكانت تأمل أن يتزوجها وبعد كل هذه المدة تبين لها أنّه لا يفكّر في هذا الموضوع تماما فخطر لها أن تحمل منه عسى أن يدفعه ذلك الى تغيير فكرته وفعلا حملت منه ولكنّه أصرّ على الرفض وطلب منها إسقاطه إلاّ أنّها رفضت ذلك وتمسكت بالجنين خصوصا وأنّ فترة الحمل تعدّت الخمسة أشهر فما هو حكم الشرع في ذلك وما هو الحل الذي تنصحون به هذه الفتاة
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) [الإسراء:32] فما أقبح الزنى! وما أقبح نتائجه في الدنيا من العار والشنار والذلة والخزي! وفي الآخرة من العذاب الأليم في نار الجحيم. وصدق سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان" فلا يجتمع الإيمان وهذه الكبيرة الشنعاء أثناء مقارفتها، وكيف هان على هذه الفتاة أمر ربها الذي خلقها، وهو مطلع عليها، ويعلم سرها وجهرها، وبيده أمرها كله، تتجرأ على الله عز وجل بارتكاب هذه الكبيرة، ثم تسأل في تمهل وبرودة عن المخرج منها في الدنيا؟!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
بادري أيتها السائلة بالتوبة والإنابة والندم على ما فعلت في هذه السنوات المتتابعة، وسبق ذكر شروط التوبة، وعلامات قبولها في الفتوى رقم:
4603 وعليك أن تفكري كثيراً كيف تلقين الله بهذه المعصية قبل أن تفكري كيف تخرجين من أزمتها في الدنيا؟
وعلى كل حال، فلا يجوز الاعتداء على الجنين لأنه قتل نفس بغير حق، ولا يبرر إسقاطه ولا قتله كونه من طريق غير مشروع، بل الواجب هو المحافظة عليه جنيناً، وبعد الولادة يربى مثل تربية غيره من أبناء المسلمين. وبينا ذلك في الفتوى رقم:
9093
وحكم زواج الزاني بالزانية بيناه في الفتوى رقم: 1677
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1423(9/6222)
رد شبهة ... حول من يموت جوعا مع أن الله هو الرزاق
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل تقبيل الرجل لزوجته ينقض الوضؤ, ومانوع ومكان التقبيل المنقض للوضوء إذا كان ناقضاً.
2-إن الله هو الرزاق وكما نعلم كمسلمين ولكن هناك من يموت من الجوع في نفس الوقت أرجو من فضيلتكم شرح هذه الشبهة لدي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1- فقد سبق برقم 17175 ورقم 637 حكم تقبيل الزوجة وذكرنا الخلاف الوارد فيه.
2- فإن الله سبحانه هو الرزاق لكل خلقه، ولا رازق سواه، كما قال تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذاريات:58] ولكن الله يبسط الرزق لبعض عباده ويضيق على آخرين لحكم يعلمها، فيبتلي سبحانه بعض الناس بالغنى لينظر هل يشكر، ويبتلي بعضهم بالفقر لينظر هل يصبر، قال سبحانه: (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) [الشورى:12] وقد يموت بعض الناس من الجوع، وهذا لا يعني أن الله ليس هو الرزاق، وإنما هذا الإنسان قد استوفى رزقه وأجله وأن الله قد أراد قبض روحه، وقد جاء في الحديث: "لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها" رواه ابن حبان في صحيحه.
ثم إن من ابتلي بقلة الرزق في الدنيا فصبر فإن الله يخلف عليه في جنات النعيم ما ينسى به ما حصل له في الدنيا، بل إنه بالغمسة الواحدة في الجنة ينسى الإنسان كل نصب الدنيا وتعبها، وإن كان أشد الناس بؤساً في الدنيا، فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1423(9/6223)
دلالة قبول الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[- كيف أعرف أن الله سبحانه وتعالى قد قبل حجتي أم لا؟
جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبالنسبة لقبول الحج وعلامة ذلك، يقول الجمل في حاشيته على منهج الطلاب -نقلاً عن الإمام النووي - رحمهما الله تعالى: (أن يكون بعد رجوعه خيراً مما كان، فهذا من علامات قبول الحج، وأن يكون خيره مستمراً في ازدياد)
والله تعالى أعلى وأعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/6224)
التهاون في الصلاة وسماع الغناء يؤدي لقسوة القلب والقلق
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أنا أصلي بتقطع. أعاني من القلق..والخوف..وأكره بشدة ,هل ترك الصلاه يؤثر؟
هل يمكن للأغاني أن تؤثر؟..
ساعدوني أرجوكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قد تقدم حكم ترك الصلاة والتهاون بها في الفتاوى ذات الأرقام:
6061 1195 3830 وتقدم حكم استماع الغناء في الفتوى رقم:
9776 ومما لا شك فيه أن التهاون بالصلاة والاستماع إلى الغناء يؤدي إلى قسوة القلب والقلق والخوف والضيق والحياة التعيسة، قال الله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه:124] فمن أراد السعادة والحياة الطيبة فعليه بالتزام الطاعات والبعد عن الذنوب والآثام، وإذا حصل الذنب فليبادر بالتوبة، وقد قال الله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل:97] وراجع الفتوى رقم: 5679 نسأل الله لنا ولك صلاح الحال في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1423(9/6225)
الجهل المقبول عذرا وغير المقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[-ما هو الفرق بين القيام بالمعصية+العلم بها أوبدون العلم بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة الصحيحة على أن الجهل عذر يرفع المؤاخذة في الجملة، ومن ذلك قوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم) [الأحزاب:5] وقوله: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) [التوبة:115] وقوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء:15] وكما في حديث المسيء صلاته وحديث معاوية بن الحكم في كلامه في الصلاة جهلاً، وحديث بول الأعرابي في المسجد، وغير ذلك من النصوص الدالة على عذر الجاهل، ورفع المؤاخذة عنه.
إلا أن هذا مقيد عند أهل العلم بمن جهل أمراً خفياً لم ينتشر علمه وبيانه، أو كان جهله بسبب حداثة إسلامه، أو نشوئه في مكان لا يتوفر فيه العلم.
أما من عاش بين المسلمين في بلد ينتشر فيه العلم، وارتكب معصية قد شاع وذاع أمر تحريمها، فهذا لا يقبل منه دعوى الجهل.
بل لو قدر كونه جاهلاً، فهذا آثم لتفريطه في أمر التعلم، والقاعدة أن الإثم لا يبرر الإثم.
وينبغي التنبه إلى أن الجهل إنما يكون عذراً في أحكام التكليف، أما ما كان من باب أحكام الوضع فلا تأثير للجهل فيه، كمن أتلف مال غيره جاهلاً، فإنه يلزمه قضاؤه، وإن رُفع الإثم عنه لجهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1423(9/6226)
توبة الله على العبد مترتبة على ماهية التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يسامح الله الإنسان على كل ما قدمه من سيئات مهما كان حكمها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يرتكبه الشخص من المعاصي تختلف العقوبة عليه بحسبه، وذلك لأن منه الشرك بالله تعالى وهو أعظم الذنوب ولا يغفر لصاحبه إن مات عليه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] والذنوب غير الشرك قسمان: كبائر وصغائر: فالكبائر لا يكفرها إلا التوبة، والصغائر يكفرها الله تعالى بسبب اجتناب الكبائر، قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] ويكفرها كذلك فعل الإنسان للحسنات الماضية من وضوء وصلاة وحج وعمرة وغير ذلك.
وللفرق بين الكبائر والصغائر وكون الكبائر لا يكفرها العمل الصالح تراجع
الفتوى رقم
4978 ورقم 3000
أما من مات وهو مصر على المعاصي -كبائر أو صغائر- فهو في مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه بقدر معصيته، ثم أدخله الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6227)
لا يعظم ذنب على مغفرة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا كنت نصرانياً ودخلت الإسلام وزنيت هل لي توبة أم لا؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من رحمة الله تعالى على عباده أن فتح لهم باب التوبة على مصراعيه حتى تطلع الشمس من مغربها، وهو سبحانه وتعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
وما من ذنب يعظم على الله تعالى أن يغفره لمن استغفره منه، وما من مسرف على نفسه إلا وقد وجه الله له دعوة رحمة خاصة له، حيث يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
ومن تمام رحمة الله سبحانه وتعالى بهم أيضاً أنه لم يجعل بينه وبينهم وسائط يتوسطون بها إليه، ولا شفعاء يتشفعون إليه، وإنما يجب على العبد فقط أن يخلص التوبة النصوح لله تعالى ويستغفره ويعمل صالحاً يرضاه ربه سبحانه وتعالى.
إذا عرفت هذه الحقيقة فاعلم أن الواجب عليك المبادرة إلى التوبة النصوح.
وراجع الأجوبة التالية أرقامها: 1106، 5871، 10108، 12840.
واحمد الله تعالى أن هداك لهذا الدين الحق السمح الذي يجعل بين العبد وبين ربه الغفور الرحيم علاقة مباشرة دون حاجة إلى وسطاء أو شفعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1423(9/6228)
حكم من أقدم على قتل نفسه فلم يمت مباشرة وتاب ثم مات
[السُّؤَالُ]
ـ[1-نوى رجل أن ينتحر بشرب السم، ولم يمت مباشرة، وأثناء المرض تاب إلى الله ثم مات بعد أيام، هل يعتبر موته انتحاراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب تاب الله عليه مهما كانت ذنوبه، قال الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر:53] وقال سبحانه: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-70]
فمن تاب من الكفر تاب الله عليه، فمن باب أولى ما هو دونه، ومن ذلك الإقدام على قتل النفس.
فنرجو أن يكون الله قد غفر لهذا الشخص وتاب عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1423(9/6229)
تفطر القدمين من طول القيام ليس مشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-جاءت جملة من الأحاديث تذكر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي حتى تتورم رجلاه، وتورم الرجل ضرر معتد به لدى العقلاء ولدى العرف والسؤال ماهي حدود الضرر المبطل للعمل العبادي أي الذي يجعل عبادة الشخص باطلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمشقة التي توجب الترخيص هي التي تبلغ حد الخطر على النفس أو الأطراف أو منافعها، لأن حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات يفوت بها أمثالها، فإذا كان استعمال الماء في الوضوء والاغتسال من الجنابة فيه خطر على النفس أو عضو أو منفعته وجب التيمم.
وبهذا يتبين أن التفطر والتشقق في القدمين بسبب طول القيام بين يدي الله، أو بسبب استعمال الماء، ليس من المشقة التي توجب الترخص لأنه لا يؤدي إلى تلف النفس ولا يؤدي إلى تلف القدمين ولا منفعتهما.
ومما لا شك فيه أن في العبادات نوعاً من المشقة لا تنفك عنه -غالباً- وفي فعلها، رفعة للعبد وتعظيم لحسناته.
وفي الأخير ننبه السائل إلى أن القول بأن تحمل الضرورة المعتبرة شرعاً وعدم الترخص بها يبطل العبادة هو قول مرجوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1422(9/6230)
علاج الخوف من الوقوع في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثامنة عشرة من عمري، لدي مشكلة وهي أني شديد الشهوة وأخشى أن أقع في الزنا أو اللواط والعياذ بالله تعالى مع أنني أصوم وأقرأ القرآن لكن ما زالت المشكلة قائمة فماذا أفعل؟ علما بأنني كنت أمارس العادة السرية لكنني تركتها وتبت إلى الله تعالى؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يطهر قلبك، وأن يحصن فرجك، وأن يعيذك من الفتن.
وللتغلب على ما تعاني منه ننصحك بأمور:
أولاً: أن تسعى للزواج، فهو الحصن والعلاج لك ولغيرك، فمهما قدرت على الزواج فبادر به دون تأخير.
ثانياً: الزم طاعة الله تعالى وعبادته بأداء الفرائض والمواظبة على النوافل، فإن عباد الله المخلصين لا سبيل للشيطان عليهم، كما قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:42] .
ومن أحبه الله وقربه واصطفاه حماه من ارتكاب هذه القاذورات، كما قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24] .
ثالثاً: احرص على مصاحبة الأخيار، وتجنب الوحدة والخلوة، فإنها باب شر لمن كان في مثل حالك، والأخيار هم الذين يدلونك على الله، فيذكرونك إذا غفلت، ويعينونك إذا ذكرت.
رابعاً: اشغل نفسك بالعمل المباح، أو الدراسة النافعة، واحذر أن تكون فارغاً، فإن الفراغ مدعاة لتسلط الوساوس وحلول الخواطر، وجولان الفكر فيما حرم الله.
خامساً: إذا جاءتك خواطر السوء فادفعها بذكر الله تعالى، والفزع إلى الصلاة، وقراءة القرآن، واعلم أنك مأجور بصبرك وعفتك، وأن الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1422(9/6231)
ثواب من مات له أولاد صغار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ عام 1996 ولد لي طفلان وبنت وتوفوا جميعاً، الأول توفي بعد 22 يوما، أما الثاني (بنت) بعد 3 أيام من ولادتها والأطباء يقولون هذا ناتج عن صلة القرابة لكن التحاليل أثبتت غير هذا ونفس الشيء للطفل الثالث وهل هذا راجع للعين؟ أم ذنب أذنبناه فلذا الله يعذبنا به؟
أريد إجابة عاجلة من فضلكم وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فوصيتنا لكما بالصبر، والرضا بقضاء الله وقدره، ونسأل الله أن يعوضكما خيراً مما فقدتما، وأن يثيبكما على ذلك ثواب الشاكرين الصابرين المحتسبين، فقد وعد الله الصابر على فقد ولده بالجنة، كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه، إلا الجنة"، ووعده ببيت في الجنة، كما في رواية الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: "قبضتم ولد عبدي؟ " فيقولون: نعم، فيقول: "قبضتم ثمرة فؤاده؟ " فيقولون: نعم. فيقول: "ماذا قال عبدي؟ " فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: "ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد".
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل من مات له أولاد صغار، وصبر على ذلك، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار" فقالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واثنين" رواه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" رواه ابن ماجه ... إلخ الأحاديث الواردة في ذلك.
وبناء على ما تقدم، فإياكم والجزع والتسخط على قضاء الله وقدره.
وأما بخصوص مسألة الزواج من الأقارب وأنه ربما كان سبباً فيما حصل لك، فنقول: لا تلتفت إلى هذا الكلام، خاصة وأن الأطباء أنفسهم لم يصلوا في تحاليلهم إلى نتائج حاسمة، وإنما هي مجرد احتمالات لا تستند إلى دليل.
ولمزيد الفائدة يمكنك الرجوع إلى الفتوى رقم: 8019، ورقم: 600، ففيهما خلاصة مناسبة، مع ملاحظة أن هذين الرقمين يمكنك الوصول إليهما عن طريق بنك الفتوى.
وأخيراً: بالنسبة لموضوع (القطع) فإن كان من يقوم به يعتمد على الرقية الشرعية الصحيحة، وكان ثقة مأموناً معروفاً بالتقى والصلاح، فلا حرج في الذهاب إليه مع مراعاة الضوابط الشرعية من لزوم الستر والحجاب، وعدم انكشاف العورات، وعدم الخلوة ... إلخ.
وإن كان من يقوم به لا يلتزم بالرقية الشرعية، كمن يستعمل الجنّ أو السحر أو الطلاسم في عمله، فلا يجوز لكما الذهاب إليه بحال، وقد تقدم بيان حكم الذهاب إلى السحرة والكهنة في الفتوى رقم: 1743.
وانظر في الرقية الشرعية الفتاوى التالية أرقامها:
4310، 1815، 8631.
وربما كان ما أصابكما بسبب الحسد والعين، فعليكما بالرقية من ذلك.
انظر الفتوى رقم: 3273.
نسأل الله لكما التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1422(9/6232)
أعظم الفرى أن يري المرء عينيه ما لم تر
[السُّؤَالُ]
ـ[- ماهو حكم الذي يقول إنه حلم بشيء ما وهو لم يحلم به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن قال رأيت في المنام كذا وهو لم ير ذلك، فإن هذا من أعظم الكذب، وهو من أغلظ المحرمات وأشنعها، وقد روى البخاري عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل".
وفي رواية أحمد وابن حبان والحاكم: "أن يفتري الرجل على عينيه فيقول: رأيت، ولم ير في المنام شيئاً".
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْن". رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1422(9/6233)
وسائل الإفلات من حبائل الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
ماهي الوسيلة المفيدة لتجنب المعاصي والوقوع
في المنهيات بعد اتباع هوى النفس ليحافظ المسلم على دينه ويتجنب بذلك فخ الشيطان وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان حريص على إغواء العبد، وقد أقسم بعزة الله على ذلك، قال الله تعالى حاكياً عنه: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين*إلا عبادك منهم المخلصين) [الحجر:82،83] والعبد المسلم لا بد أن يعلم أن الشيطان هو أعدى أعدائه، ولا بد أن يعامله معاملة العدو، (إن الشيطان لكم عدواً فاتخذوه عدواً) [فاطر:6] والوسائل التي تنجي من الوقوع في حبائل الشيطان وتبعد العبد عن معصية الله كثيرة منها:
أولاً: مراقبة الله واستحضار عظمته وخصوصاً عند الخلوة، قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقال الآخر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
ثانيا: عدم الإنسياق وراء خطوات الشيطان، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوت الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) [النور:21] فخطوات الشيطان كالسلسلة من انساق وراءها لم تنته.
وكل خطوة أعظم من التي قبلها، إلا أن يتدارك الإنسان نفسه بالإقلاع والتوبة.
ثالثاً: التوبة من كل ذنب، فالذنب قد يحصل من المسلم، ولكن الواجب عند ذلك هو الإقلاع والتوبة، وليس الاستمرار والإصرار، قال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) [آل عمران: 135] وقال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي.
رابعاً: تذكر الموت ولقاء الله، فإن من تذكر أن الموت يأتي بغتة، وأنه سيلقى الله وسيسأله عن عمله، فإنه سيرتدع عن الذنب.
خامساً: اللجوء إلى الله بالدعاء بأن يوفقه لفعل الطاعات، وترك المنكرات، والله لن يخيب من دعاه، قال سبحانه: (إني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..) [البقرة:186]
سادساً: الإكثار من النوافل بعد المحافظة على الفرائض فإن من أكثر من النوافل وفقه الله وسدد خطاه، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"
سابعاً: مجالسة الصالحين، وترك جلساء السوء، فإن جلساء السوء يجرون المرء إلى المعاصي، أما جلساء الخير فإنهم يرشدون المرء إلى الطاعات، وترك المنكرات بأقوالهم وأفعالهم.
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1422(9/6234)
الصوم يكسر الشهوة ويبعث على العفة
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته آبائي العلماء أما بعد فأنا طالب في الصين وأريد الزواج هروبا من الظروف التي تحيط بي ولم أجد بداً من الزواج ولا وسيلة في ذلك حيث أني من اليمن والظروف لا تسمح بذلك ولا أستطيع الصبر على الظروف التي أنا فيها حيث عجزت عندي كل الوسائل في ذلك أرجو منكم أن تقولو لي ما هو الحل وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أخي الكريم أن تتقي الله تعالى، وأن تحافظ على دينك، وتستقيم على التزامك، نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.
ثم إن من كانت حالته على نحو ما ذكرت، فإن الحل لمشكلته قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام، فإنه له وجاء" متفق عليه.
فحل مشكلتك إذن أيها السائل ما دمت لا تستطيع الزواج بحال من الأحوال هو أن تصوم، فإن الصوم يكسر من الشهوة، ويقوي على الصبر، وعليك أيضاً أن تبتعد قدر الإمكان عن مثيرات الشهوة، والمغريات التي قد تفتح للإنسان باب الفتنة، وتوقعه في شرك الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1422(9/6235)
جدد التوبة واستشعر الوقوف بين يدي الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 24 سنة وفي شهر رمضان الفائت ارتكبت {أكبر إثم في حيا تي} وأنا نادم على ذلك وتائب إالى الله والإثم الذي ارتكبته هو أني عملت العادة السرية وأنا صائم في النهار بعد ما دخلت إلى موقع إباحي وعملت هذا يومين. وهكذا فات مني صوم يومين. وأنا أعلم أن إخراج المني عمدا يفسد به الصوم والسؤال هو ماذا أفعل لهذين الصومين الفائتين؟ هل يكفي مجرد صوم يومين؟ وهل علي أية كفارة؟ وما هي؟. علما بأنني أقلعت عن مشاهدة مثل تلك الأشياء بعد ما شعرت بالذنب ووعدت على ألا أشاهد اي شيء اباحي وانا مسحت كل الصور والاشياء كهذا من الكمبيوتر وانا واثق من نفسي انني لن اشاهد اي شيء اباحي في حياتي ان شاء الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عليك أيها السائل الكريم أن تجدد التوبة النصوح في كل حين وتكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، وعليك أن تصحب الأخيار الأبرار الذين يدلونك على طاعة الله ويحذرونك من معصيته، ومن اتباع خطوات الشيطان.
وعليك أن تبتعد عن قرناء السوء وسماسرة الرذيلة فإنهم أعدى من الجرب، وأضر من كل ضار مضر.
وعليك أن تقلع ولا تعد أبداً إلى تلك المصائد العفنة التي ذكرت، فإن العاقل ذا الفطرة السوية يأنف من دخولها، فما بالك بالمؤمن الذي يعلم أن ربه مطلع عليه في سره وعلنه، وفي خلوته وجلوته، وأنه سيقف بين يديه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وراجع الأجوبة التالية أرقامها 2778 3605 6617، فإن فيها بيان حكم مشاهدة تلك المواقع الإباحية وما شابهها، وما يترتب عليها من ضرر، وكيف التخلص منها؟.
وأما ما يتعلق بالصيام فراجع له الجوابين. 842 7828
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(9/6236)
من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات المسلم العاقل البالغ دون أن يلقن الشهادتين عند موته، فهل في ذلك دلالة على أي شيء؟ مع العلم بأن الميت يشار إليه في دنياه أنه من الأخيار الصالحين بشهادة الجميع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيندب تلقين المحتضر الشهادة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
وذلك لتكون الشهادة آخر كلامه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود والترمذي.
ولكن إذا مات المسلم ولم يلقن الشهادة، فلا شيء في هذا، ولا يدل على أنه ليس من أهل الخير، فمن كان في حياته مستقيما على دين الله وشرعه، ومات على ذلك يرجى له الخير، ويظن به ذلك إن شاء الله تعالى، وخصوصاً إذا كان مشهودا له بالخير من قبل الجميع، فالنبي صلى الله عليه وسلم: "عندما مرت عليه جنازة وأثنى الناس عليها خيرا قال: "من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة" الحديث متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(9/6237)
نصائح لمن ترغب الزواج ولا تجده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متدينه والحمد لله أصوم السنن وأصلي النوافل ولا أشاهد التلفاز وألبس الحجاب الإسلامي عند الخروج ولا أكشف على غير المحارم وأسارع دائما بأعمال الخير والدعوة أصلي الليل وأختم القرآن مرتين في شهر تقريبا ولله الحمد مشكلتي التعلق الشديد بالرجال أريد الزواج حتى أحصن نفسي لكن أهلي أضاعوا فرص الزواج مني والآن عمري ثلاثون سنة وأنا بحاجه للزواج وبناء أسرة سعيده في ظل الدين الإسلامى، أنا دائما أجاهد نفسى من الوقوع في معصية لكن لا أستطيع التغلب على نفسي جربت كل الطرق دون جدوى وأخاف على نفسي من غضب الله والحل الوحيد لمشكلتي الزواج لكن كبرت الآن في السن وفرص الزواج جد قليلة أو شبه معدومة الرجاء مساعدتي ولكم بإذن الله الأجر والثواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنا وعن الأخت السائلة كل كرب، وأن يقضي حاجاتنا إنه جواد كريم.
هذا ونوصي الأخت بأمور:
الأول: شكر نعمة الله عز وجل عليها إذ هداها للإيمان ومنَّ عليها بالاستقامة، وهي أعظم نعمة تستحق الشكر، يغفل عنه كثير من الناس.
الثاني: عدم اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل، فإن الله عز وجل على ما يشاء قادر، ولما جاءت الملائكة إبراهيم تبشره بالولد قال لهم: (أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون* قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين* قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [الحجر:54،56]
بل عليها أن تحسن الظن بالله وتجتهد في دعائه سبحانه والتقرب إليه بأنواع الصالحات، فلربما جاء الفرج على حين قنوط من العبد ويأس، كما قال الشاعر:
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج.
الثالث: الصبر على الابتلاء والامتحان، فإن الله عز وجل يبتلي العبد ليرى صبره، وربما كان الابتلاء بالإصابة بمكروه، وربما كان بفوات محبوب، وعلى العبد الصبر في الحالين، والله مع الصابرين، وهذه المعية تقتضي المحبة لهم والإعانة والتأييد، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وأختنا هذه الصبر، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما أعطي أحد عطاء خيراً له وأوسع من الصبر"
الرابع: على الأخت أن تعلم بأن الدنيا كلها بما فيها من بؤس أو نعيم لا تساوي لحظة من لحظات الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا وهو من أهل النار، فيغمس في النار غمسة، فيقول الله له: يا عبدي هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب ما مر بي نعيم قط.
ويؤتى بأبأس أهل الدنيا وهو من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقول الله له: يا عبدي هل مرَّ بك بؤس قط؟ فيقول: لا يا رب، ما مر بي بؤس قط.
وعلى الأخت أن تتذكر هذه اللحظات وتحذر من استغواء الشيطان لها، وتتقي أن تقع في معصية الله عز وجل، وربما كان الموت قريباً، فإن كان الإنسان محسناً ذهبت الدنيا بآلامها، وانتقل إلى نعيم الآخرة الدائم بلا انقطاع، نسأل الله أن يبلغنا ذلك.
الخامس: على الأخت أن تشغل أوقاتها بما ينفعها في دنياها وآخرتها حتى لا تنقطع لحديث النفس ووساوس الشيطان، ولقد قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجَدة مفسدة للمرء أي مفسدة
هذا ما نستطيع أن نقوله للأخت، ولا نملك لها إلا الدعاء فنسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياها، وأن يتم لنا أمورنا، وأن يصلح لنا الدين والدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1422(9/6238)
نصيحة غالية ... للاستمرار في التوبة وطريق الهدى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إني أريد فتواكم ليس في سؤال إنما لهداية نفسي إني أغضب الله كثيرا وكلما أنوي التوبة أرجع لما كنت عليه من فسق لكن الله يعلم كم أنا أخاف الله في أمور كثيرة لكن الشيطان يغلبني عمري 19سنة وأدعوكم لهدايتي بإذن الله أريد أن أكون مسلماً ملتزماً.
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يهدي قلبك، ويشرح صدرك، وينور بصيرتك، ويأخذ بناصيتك للبر والتقوى، ويوفقنا وإياك لحياة السعداء، وموت الشهداء، ومرافقة الأنبياء في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أخي الكريم: أسعد ما في هذه الدنيا وألذ ما فيها أن يمتلأ القلب بالإيمان، ويرطب اللسان بالذكر وتلاوة القرآن، وتخضع بالطاعة الجوارح والأركان.
أخي الكريم: تعال لنقف مع آيات الغفور الرحمن، آيات تهز المشاعر، وتحرك الوجدان، آيات تحيي القلوب، وتنير الأبصار، يقول الله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:123-126] .
ويقول عز وجل: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر:22] .
ويقول عز وجل: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:125] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمداً رسولاً" رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
هذا الذوق والحلاوة عبر عنهما بعض السلف بقوله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
وقال الآخر: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله وهو في السجن: ما يفعل بي أعدائي؟! أنا جنتي في صدري، إن قتلي شهادة، وطردي سياحة، وسجني خلوة. وكان يقول: المحبوس من حبس قلبه عن الله، والمأسور من أسره هواه.
أخي الكريم: إن جنة المؤمن في الدنيا في صدره، وإن عاش فقيراً سجيناً، وفي الآخرة جنته في روحه وبدنه.
وإن نار الكافر في الدنيا في قلبه، وإن عاش في نعيم المال والسلطان، وسائر متع الدنيا، وفي الآخرة ناره في روحه وبدنه.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَىَ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدّنْيَا، مِنْ أَهْلِ النّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُصْبَغُ فِي النّارِ صَبْغَةً: ثُمّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطّ؟ هَلْ مَرّ بِكَ نَعِيمٌ قَطّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. وَاللهِ يَا رَبّ وَيُؤْتَىَ بِأَشَدّ النّاسِ بُؤْساً فِي الدّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنّةِ. فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطّ؟ هَلْ مَرّ بِكَ شِدّةٌ قَطّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. وَاللهِ يَا رَبّ مَا مَرّ بِي بُؤْسٌ قَطّ. وَلاَ رَأَيْتُ شِدّة قط" رواه مسلم.
وقال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20] .
أخي الكريم: لذة الدنيا وشهواتها فانية، يسبقها تعب وجهد في تحصيلها، ويعقبها ألم وحسرة وضيق بعد المتعة بها.
أخي الكريم: إذا سول لك الشيطان المعصية، فتذكر أنه عدوك اللدود يدعوك إلى النار، ودار البوار (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] .
والخلاص أن تستعيذ بالله منه: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99] .
أخي: تذكر نظر الله إليك وقدرته عليك، واعلم أنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102] .
أخيراً: ما ذكرته لك إنما هو غيض من فيض، وقطرة من مطر، فأدعوك إلى التوبة الصادقة، فالتائب حبيب الله، كما قال الله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك حينما أنزل الله توبته: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ أن ولدتك أمك" متفق عليه، فالتوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وفقنا الله جميعاً لهداه، وجعل عملنا في رضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1422(9/6239)
المعاصي في الحرم تغلظ ولا تضاعف
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل تضاعف سيئة من ارتكب ذنباً بعد الانتهاء من مناسك الحج أو العمرة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما من ارتكب معصية بعد انتهائه من الحج أو العمرة، فإن المعصية لا تضاعف، وإنما عليه معصية كما هي، لكن إذا كان ارتكبها في الحرم، فإنها تغلظ ولا تضاعف، لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25] .
قال ابن القيم في زاد المعاد: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها السيئة، لكن سيئة كبيرة، وجزاؤها مثلها. وصغيرة: وجزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه. انتهى.
فالمعاصي إذن في حرم الله تغلظ ولا تضاعف بعدل الله، كما أن الحسنات فيه تضاعف بفضل الله وكرمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(9/6240)
ستر العورة واجب في كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا أنصح صديقا لي يخرج إلى الشارع عارياً الساعة 12 ظهراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلك أن تنصح صديقك بأن يتقي الله عز وجل، ولا يخرج عارياً أبداً في وقت من الأوقات، ويلبس الثياب لستر سوأته وللتزين بها، فهي نعمة أنعم الله بها على الإنسان لهذه الأغراض، كما قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [لأعراف:26] .
فذكر تعالى نوعين من اللباس:
أحدهما: ضروري يواري العورة، والثاني: كمالي، وهو الريش، وهو لباس الزينة، فعلى المسلم أن يلبس هذه الثياب، ويشكر نعم الله تعالى، ويتزود بالتقوى فهي خير الزاد، كما قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197] .
والتقوى: هي امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، ومن ذلك ستر العورة المغلظة في كل حال، وستر ما زاد على ذلك بحسب العرف، والحال التي يكون الشخص عليها.
فانصح صديقك بهذا، ووجهه بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل:125] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(9/6241)
كفارة الإعانة على الحرام التوبة والندم
[السُّؤَالُ]
ـ[1-علمت حرمة القروض بالفائدة ومع شدة حاجتي للزواج لم أقترض ولكن ضمنت أحد الاصدقاء لعلمي بشدة حاجة (اشترى شقة من البنك وكادت تضيع منه لو لم يقترض وكنت لا أعلم شدة حرمته) وحزنت كثيرا" بعد علمي بحرمته أريد أن أتوب ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عليك أن تتوب توبة نصوحاً، والتوبة النصوح هي أن يقلع الشخص عن الذنب فوراً، ويعقد العزم على عدم الرجوع إليه مطلقاً، ويندم على ما صدر منه، ويستغفر الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) [النساء:48]
وقال صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي والحاكم. وراجع الجواب 5450
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1422(9/6242)
لا ثواب لصلاة شارب الخمر أربعين صباحا
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد،،،
بخصوص شرب الخمر هل مايقال صحيح بأن الخمر يبقى في بطن الشخص 45 يوماً. فهل ورد في الشرع ما يؤيد ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبخصوص شرب الخمر، فقد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن شاربها لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، ومنها ما رواه الترمذي في جامعه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال" قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار. انظر تحفة الأحوذي /5/600 حديث رقم: 1924 وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 6312 والمقصود بعدم التوبة عليه في المرة الرابعة المبالغة في الوعيد والزجر الشديد، كما ذكره المباركفوري في شرح الترمذي: 5/601 لأن العبد إذا تاب تاب الله عليه، مهما تكرر منه الذنب إذا كانت التوبة في كل مرة صادقة.
قال المباركفوري: والمعنى لم يكن له ثواب، وإن برئت ذمته، وسقط القضاء بأداء أركانه مع شرائطه، كذا قالوا، وقال النووي: إن لكل طاعة اعتبارين: أحدهما: سقوط القضاء عن المؤدي، وثانيهما: ترتيب حصول الثواب، فعبر عن عدم ترتيب الثواب بعدم قبول الصلاة. انتهى 5/601
وأما عن بقائها في معدته مدة معينة، فلم يرد بذلك حديث يُعتمد عليه -فيما نعلم- ولكن قال المناوي في فيض القدير/6/204: وخص الأربعين لأن الخمر يبقى في جوف الشارب وعروقه وأعصابه، تلك المدة فلا تزول بالكلية غالباً.
ففي قوله (غالباً) دليل على أنها عرفت بطريق الخبرة والعلم الدنيوي، لا الدليل الشرعي، وعلى كل فلا أثر لهذا البقاء على صحة الصلاة، فالصلاة صحيحة بإجماع أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(9/6243)
الوصول إلى درجة الصديقين لا يعني بالضرورة عدم الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع الإنسان أن يخرج من حالته ليصبح كاملا أو بدون ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يمكن للإنسان أن يصير كاملاً خالياً من الذنوب إلا بعصمة الله، ولم يعصم الله إلا الأنبياء والملائكة، وقد عصم الملائكة من الصغائر والكبائر إجماعاً، وعصم الأنبياء من الكبائر إجماعاً أيضاً، مع وقوع الخلاف في عصمتهم من الصغائر. وإذا تقرر هذا فيمكن للمؤمن أن يصل إلى درجة الصديقين، وأن يكون من السابقين بالخيرات الذين ذكرهم الله بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر:32] .
فالسابقون بالخيرات هم الذين يأتون بالواجبات والمندوبات، ويجتنبون المحرمات والمكروهات، ومن وقع منهم في مخالفة بادر بالتوبة، وأتبع السيئة بالحسنة لتمحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(9/6244)
كون الناس خطاؤون يقتضي التوبة والإنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الناس مذنبون أو خطاؤون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالناس يصيبون ويخطئون، ويحسنون ويسيئون، ويذنبون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". رواه أحمد والترمذي.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
لكن يجب أن لا يتخذ بعض الناس ذلك مبرراً للمعصية ومخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل المطلوب من المذنب أن يتوب، ومن المسيء أن يحسن. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم:8] .
وقال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود:90] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
كما حذرنا الله سبحانه من القنوط واليأس من رحمته، فقال: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87] .
وقال: محبباً إلينا التوبة ومرغباً فيها ومحذراً من اليأس والقنوط: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(9/6245)
تكرار الفاحشة والتوبة ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم من زنا بأختين في وقت واحد؟
2- ما حكم من زنا ثم نوى التوبة ثم زنا فنوى التوبة ثم زنا وكل ما ينوي التوبة يقع في المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب وأقبحها قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32] .
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-70] .
ويشتد الإثم ويعظم الجرم حينما تصبح مزاولة هذه الجريمة علنية على الوضع المذكور في السؤال، فالواجب على من فعل هذا أن يتقي الله تعالى، ويكف عن هذه الفاحشة وليتذكر عقاب الله وسخطه في الآخرة، وليخش الفضيحة في الدنيا، وما قد يصيبه من الأمراض والأسقام كالإيدز وغيره.
ومن يقع في الزنى ثم يتوب، ثم يقع فيه، ثم يتوب، لا يزال يرجى له الخير ما دام إذا عصى تاب، ولم يقنط من رحمة الله، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن عبداً أصاب ذنباً، وربما قال: أذنب ذنباً، فقال: ربي أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي فقال ربه: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً، فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً، وربما قال: أصاب ذنباً، قال: رب أصبت أو قال: أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به، غفرت لعبدي ثلاثاً، فليفعل ما شاء" أي ما دام يذنب، ثم يتوب، إذ لولا توبته هذه لهلك.
وراجع الجواب رقم: 1095.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1422(9/6246)
أد العبادات على الوجه المطلوب، واطلب من الله القبول
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
أود أن أسأل حضرتكم عن موضوع يخصني وهو:
عندما أقوم بالعبادات كالصلاة.....الخ ينتابني شعور بأنها غير مقبولة من طرف الله عز وجل وهذا ما يخيفني حقاً فهل هذا من الوسواس عليه لعنة الله؟ وأود أن تدلوني كيف الخلاص منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول لك: إن هذا الخوف الذي يصيبك عند قيامك بالعبادات يعتبر من دلائل الخير إن شاء الله، فهو قلق صحي لا يصيب إلا من أراد الله بهم الخير، نص الله سبحانه وتعالى على ذلك في قوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:60-61] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟. قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات" رواه الترمذي وابن ماجه.
وقال الحسن البصري: لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
وقال: المؤمن جمع إحساناً وشفقة (خوفاً) ، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
فعليك يا أخي أن تؤدي عباداتك، وتجتهد في إتقانها، وترجو من الله القبول، وأبشر بخير من عند الله، فإن الله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(9/6247)
أعمال تعلي درجة صاحبها في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال الصالحة التي تعلي منزلة المؤمن في الجنة ... وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من امتثل أوامر الله واجتنب نواهيه، وكان مخلصاً لله تعالى كان أهلاً لأن يدخله الله جنته، ويرفع درجته فيها، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من حصل الإيمان والعلم يرفع درجات، قال جل وعلا: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11] .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فيه فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة".
وعنه أيضاً رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط" رواه مسلم.
ولا شك أن من علت درجته عند الله سبحانه وتعالى، فسيعلى منزلته في الجنة. نسأل الله سبحانه وتعالى علو الدرجة والمنزلة عنده إنه جواد كريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(9/6248)
لا تنافي بين عدم قبول عبادة شارب الخمر وبين مغفرة الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد طلابي هذا السؤال أثناء محاضرة عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بعنوان "إشارات قرآنية للطبيعة الأرضية":
إذا كانت الصلاة والأعمال لا تقبل لمدة 40 يوما، إذا فعلت الفواحش، فما الداعي للقيام بها؟ وهل يتنافى ذلك مع قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا.......".
رجاء الإفادة ولكم جزيل الشكر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نفي قبول العبادة في نصوص الشارع قد يراد به فسادها، وعدم إجزائها، وقد يراد به عدم ترتب الثواب والدرجات عليها مع صحتها وبراءة الذمة منها، فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة بغير طهور". وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليهما.
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة" وما ورد في شارب الخمر، والعبد الآبق من أن صلاتهما لا تقبل. وعلى كل حال فهذا الاستشكال غير وارد، وذلك لأن نفي العبادة إذا كان بالمعنى الأول الذي هو الفساد وعدم الإجزاء، فإنه يستلزم إعادتها مرة أخرى، لأن وقوعها فاسدة كلا شيء.
أما إذا كانت نفي القبول بالمعنى الثاني - وهذا هو مراد السائل على ما نعتقد - فإن القيام بها في هذه الحالة يأتي امتثالاً لأمر الله تعالى، وإبراء للذمة منها، فكون الإنسان شارب خمر مثلاً أو نحو ذلك لا يسقط عنه وجوب أداء الصلاة التي أمر الله تعالى بها كل مكلف كما لا يبرر تركه لها كونها غير مقبولة بمعنى أن لا ثواب فيها، أو أن ثوابها ناقص، وإنما يجب عليه هو أن يتقي الله تعالى ويطهر نفسه حتى تكون عبادته وطاعته مثمرة متقبلة عند الله تعالى، فالله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27] .
ثم إن عدم قبول طاعة شارب الخمر ونحوه، وحرمانه من الأجر الكثير مقيد بما إذا لم يتب إلى الله تعالى. أما إذا تاب وصار من المتقين، فإن الله تعالى يقبل توبته ويغفر ذنبه ويتقبل طاعته، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه وغيره.
وبهذا يعلم أن لا تنافي بين عدم قبول عبادة شارب الخمر وبين مغفرة الذنوب جميعاً الذي تضمنته الآية الكريمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(9/6249)
إعلان التوبة أم إخفاؤها أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأصح أن أخبر من حولي وأعلن أنني بدأت طريق الهداية، أم الأفضل أن يكون ذلك سرا مع نفسي خصوصا وأن أغلب عباداتي من صلاة وغيرها تكون سرا بحيث لايراني أحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في المسلم إذا منّ الله عليه بالتوبة والهداية أن يظهر عليه أثر ذلك من سلوكه وعمله وعباداته المختلفة، ولا يلزم أن يخبر من حوله بسلوكه طريق الهداية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يدعى إلى معصية، فلا بأس بأن يذكر نفسه وداعي السوء بأنه يخاف الله ولا يريد أن يعصيه، كما جاء في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة ومنهم: ... ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله" هذا بصفة عامة.
لكن لو كان يلحقه ضرر في الجهر بتوبته وبعباداته، فله أن يسر بذلك حتى يزول عنه الضرر، مع العلم بأن الرجل يختلف عن المرأة في بعض الأمور، حيث يجب على الرجل حضور صلاة الجماعة في المسجد، وشهود الجمعة والعيدين مع المسلمين ... إلخ. بخلاف المرأة حيث لا يجب عليها ذلك، لكن يلزمها المحافظة على الستر والحجاب، واللباس الشرعي الخاص بالمرأة المسلمة ... إلخ.
ومن هنا يعلم أن الأفضل في حق كل امرئ من حيث الإعلان بالهداية والتوبة يتوقف على الظروف المحيطة به، فقد يكون المرء في مجتمع يكثر فيه الصالحون فبمجرد إعلانه ذلك يعينونه ويؤيدونه فيزداد ثباتاً، وقد يكون في بيئة سيئة لا تعينه على التمسك بالدين، فيحتاج إلى بعض الوقت حتى يتمكن من الإلمام بما يلزمه للثبات على طريقه، ثم يجهر بعد ذلك بتوبته وعبادته.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(9/6250)
أفضل ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال التي يوصي ويحرص عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يوصي أحداً من أصحابه أوصاه بتقوى الله، وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله عز وجل: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) [النساء:131] وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة؛ وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم ير اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل فقال له: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وبالجملة فالأعمال التي يوصي بها النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص عليها هي تقوى الله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في الجواب رقم:
12178
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(9/6251)
مشروعية الوعظ عند الدفن
[السُّؤَالُ]
ـ[1- اعتاد الناس في بعض المناطق بعد دفن الموتى أن يلقي الإمام موعظة يخاطب فيها الحاضرين ويدعوهم إلى الاتعاظ فهل لهذا العمل أصل في الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإلقاء موعظة عند الدفن لتذكير الحاضرين بالموت وما بعده أمر مشروع وردت به السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فقد روى أبو داود وأحمد وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً" ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة.." إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل بين فيه صلى الله عليه وسلم ما يلقاه العبد عند الموت وبعده.
واستدل به أهل العلم على مشروعية التذكير عند الدفن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1422(9/6252)
إن الحسنات يذهبن السيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري22 أغراني أحد الشباب بالزواج وقد قام بتقبيلي مع الموافقة مني. أنا الآن تائبة إلى الله وأسال الله أن يغفر لي ذنبي ولكن أريد أن أعرف ما هي الكفارة الوجب علي أداؤها؟
جزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، وأن لا تعودي لما فعلت حتى تفوزي برضا ربك، وسلامة دينك، وحفظ عرضك وسمعتك.
وأما عن الكفارة، فلا كفارة محددة لهذا الفعل، إلا أنه من جملة الذنوب التي تكفر بفعل الصالحات، كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(9/6253)
لا تقنط من رحمة الله وغفران الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-إذا كان المرء قد قام بالتوبة فهل يمكنه أن يتوب مرة ثانية؟ وما أحكامه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى بمنه ورحمته يغفر للعبد ويقبل توبته ما دام يذنب ويستغفر، ويأتي بالتوبة بشروطها في وقتها، ولو تكرر ذلك منه مراراً وتكراراً. فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره "أن عبداً أصاب ذنباً -وربما قال أذنب ذنباً- فقال: رب أذنبت -وربما قال: أصبت- فاغفر لي، فقال ربه: أَعَلِمَ عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنباً، أو أذنب ذنباً، فقال: رب أذنبت -أو أصبت- آخر فاغفره، فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً -وربما قال: أصاب ذنباً- قال: قال رب أصبت -أو قال: أذنبت- آخر فاغفره لي، فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثاً، فليعمل ما شاء: قال العلماء: فليعمل ما شاء: معناه ما دام يذنب فيتوب فإن الله يغفر له. ولهذا نقول للسائل الواجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى توبة مستكملة الشروط عند كل ذنب ارتكبه، ولا ييأس من المغفرة، ولا تحمله كثرة ذنوبه على ترك الاستغفار منها والتوبة، فالله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(9/6254)
نصيحة لمن وقع في الكبائر في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[1-بسم الله الرحمن الرحيم
نحن جماعه من الشباب العرب قدمنا إلى الصين للدراسة ولكن مع الاسف تفرقنا وبدأ كل واحد منا بالبحث عن صديقه بحجة تعلم اللغه فعلنا المعاصي والكبائر وكل مايخطر ببالكم نرجو منكم إرشادنا ومساعدتنا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبما أنكم تدركون خطورة الأمر الذي ارتكبتم، وأنه من كبائر الذنوب -كما ذكرتم- فليس عندنا إلا أن نحذركم من مغبة الإصرار عليها، وننبهكم على وجوب التوبة منها فوراً، فكبائر الذنوب لا تكفر إلا بالتوبة النصوح، وهي المشتملة على الإقلاع عن المعصية في الحال والندم عليها في الماضي والعزم الجازم على عدم العود لها في المستقبل، فإذا وفق الإنسان إلى هذه التوبة النصوح فالله تبارك وتعالى بمنه وفضله يقبل توبته ويغفر زلته ولو بلغت ذنوبه ما بلغت، ثم إن عليكم أن تعلموا أنه إذا كان وجودكم في تلك البلاد يلزم عليه وقوعكم في الحرام فإنه يجب عليكم أن تغادروها، ولا يجوز لكم البقاء فيها تحت أي ظرف من الظروف، فدين المرء رأس ماله، ومن خسر نفسه فقد خسر خسراناً مبيناً (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) [الزمر:15]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1422(9/6255)
الحكمة من الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما الحكمة من صيام شهر رمضان المبارك؟ علاوة على أنه أمر من الله تعالى؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فرض الله سبحانه وتعالى علينا صيام شهر رمضان لحكمة عظيمة، ألا وهي تقوى الله سبحانه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183] .
وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) معناه: لتحصل التقوى لكم.
قال الإمام ابن كثير: لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان.. إلخ.
ومعنى التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وعرفها ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
وعرفها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنها: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
ومن العلماء من فسر التقوى بأنها الخشية من الله حق الخشية، ومؤدى هذه التعريفات واحد، ولكي يؤتي الصوم النتيجة المرجوة منه، فلابد للصائم أن يلتزم بآداب الصوم، وأن يتجنب ما يخدش فيه، قال صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة، فإذا صام أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن امرؤ سابه أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم" رواه البخاري ومسلم.
ومعنى جنة: وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار.
والرفث يطلق على الجماع ومقدماته، وما إلى ذلك مما يختص بأمور النساء.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك، ويوم فطرك سواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1422(9/6256)
زيادة التقوى بزيادة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم كيف أكون تقية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وعقابه وقاية، وذلك بفعل المأمورات وترك المحظورات، فكل من فعل ما أمره الله به وانزجر عما نهاه الله عنه فقد اتقى ربه، والناس يتفاوتون في التقوى بحسب التزامهم بذلك، فكلما زاد إيمان الشخص زاد تقواه، وكلما ضعف إيمانه ضعف تقواه، والإيمان يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي.
ولمعرفة ما يزيل ضعف الإيمان انظر الجواب رقم:
10800
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1422(9/6257)
نصائح لترقيق القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سوالي هو أني أقرأ القرآن وأحافظ على الصلاة ولله الحمد ولكن لا أستطيع أن أبكي فإني أتمنى أن أقوم لصلاة الليل وأبكي ولكن لا أستطيع البكاء وأستمع لدروس من الشبكة الإسلامية، ولكن دون جدوى فهل هذا من قسوة قلبي فادع الله يافضيلة الشيخ أن يزيل هذا من قلبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك رقة القلب وخشيته، وننصحك بكثرة الدعاء والتضرع إلى الله أن يجدد الإيمان في قلبك، فقد روى الحاكم والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم".
وعليك بالبعد عن المحرمات والمعاصي، فإن ذلك أساس صلاح القلب ورقته، فالله سبحانه وتعالى ربط في كتابه العزيز بين زكاة القلب والنهي عن عدد من الذنوب، كالنظر، والزنا، وهتك عورات المسلمين، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30] .
وقال: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [النور:28] .
واعلم أن قراءة القرآن بتدبر معانيه، والعمل بأحكامه كفيلة بشفاء قلبك بإذن الله.
قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57] .
وكذلك ذكر الله سبحانه، فإن الله يقول: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] .
واستزد من قيام الليل، وصوم النهار، والتضرع بالأسحار، ومجالسة الصالحين، فكل ذلك يصلح قلبك، وينير بصيرتك، ويصفي سريرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1422(9/6258)
حدود مسؤوليتك عن إخوتك المفرطين
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل أنا مسؤول يوم القيامة عن إخوتي "لم لم يكونوا يصلون أو لم لم أعلمهم الدين وما ينفعهم منه" وخاصة أنهم لا يريدون الصلاة. وإذا صلوا لا يصلون في المسجد "وبالتالي لا يتعلمون بعض أمور الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت أنت القائم على إخوانك، والراعي لهم، فأنت المسؤول عنهم بالدرجة الأولى يوم القيامة، إذا فرطت في رعايتهم وتربيتهم وحثهم على التمسك بأوامر الشرع وآدابه، وتعليمهم ما يجب عليهم تعلمه. يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم:6] وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.." فإذا قمت بما أوجب الله عليك ولم يستجيبوا لك برئت من المسؤولية أمام الله تعالى، كما برئ نوح من ابنه وزوجه، ولوط من امرأته، وإبراهيم من أبيه.
وأما إذا لم تكن أنت القائم عليهم فإن لك عليهم نوع مسؤولية تقتضيها أخوة الإسلام وأخوة النسب، فينبغي لك أن تكثر من نصحهم وإرشادهم، فهم أحق الناس بدعوتك، فإن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بدعوة عشيرته فقال: (وأنذر عشيرتك الأقربين) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6259)
نصائح للصائمين
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ماحكم المشاهدة للتلفزيون في شهر رمضان أو غيره وهل المشاهدة للقنوات الخليعةأو شبهها وبكثرة يبطل الصوم
2-نصيحتكم للشباب في رمضان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخير ما نوصي به إخواننا الشباب في رمضان هو تقوى الله تعالى، فإنها وصية الأولين والآخرين، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131] .
والتقوى هي الثمرة المرجوة من وراء الصوم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183] .
وإنما تتحقق التقوى بفعل المأمورات، وترك المنهيات، فليحرص الشباب في هذه الأيام المباركة على الإكثار من كل طاعة تقربهم إلى الله تعالى، صلاة وصياماً وقياماً وقراءة للقرآن، وصدقة وإنفاقاً ومساعدة للمحتاجين.
كما أن عليهم أن يتجنبوا كل ما يغضب الله تعالى من الأقوال والأفعال، لا سيما الغيبة والنميمة، ومشاهدة ما حرم الله من صور النساء والأفلام والمسلسلات المشتملة على السفور والاختلاط.
وبالجملة، فينبغي أن يعلم الصائم أن الصوم ليس مقصوراً على ترك الطعام والشراب والجماع، وإنما الصوم الحقيقي صوم الجوارح عما حرم الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، وليكن عليك السكينة والوقار، ودع أذية الجار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1422(9/6260)
إثم المعصية قبل الحج وبعده سواء
[السُّؤَالُ]
ـ[الذنب بعد أداء فريضة الحج يقدر بذنب أو بأكثر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يجنبنا وإياك الذنوب، فإن خطرها عظيم على الفرد والمجتمع، ومخالفة أمر الله ورسوله سبب للفتنة، والعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63] .
ولا فرق بين إثم الذنب قبل الحج وإثم الذنب بعده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1422(9/6261)
اغتنم فراغك قبل شغلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد:
إخواني نلاحظ وبكثرة في المجلات المحلية بما يسمى الأبراج رغم مافيها من تنويع حياة الشخص
وغيرها المطلوب معرفة حكمها وأريد من سماحتكم نصيحة حول فراغ الشاب المسلم وأين يقضيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكنك الرجوع إلى الفتوى رقم:
4311 والفتوى رقم: 5827 بشأن موضوع الأبراج.
وأما بالنسبة للفراغ لدى الشباب المسلم وكيف يمكن أن يشغل فيما يعود بالنفع فنقول وبالله التوفيق:
لا بد أن يعلم الشاب المسلم أن الفراغ نعمة عظيمة سيسأل عنها يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ." رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وذكر منها: عن عمره فيم أفناه" رواه الترمذي، وفي رواية: "وعن شبابه فيم أبلاه" وقال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها: فراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك" رواه الحاكم، وقال صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة، وذكر منهم: شاب نشأَ في عبادة الله " رواه البخاري ومسلم.
ويجب أن يعلم الشاب المسلم أن الوقت هو رأس ماله وأنه إن لم يستغله بما ينفعه فسيندم يوم لا ينفع الندم.
ولا ينبغي للشاب المسلم أن يوجد في حياته شيء اسمه الفراغ بل ينبغي له أن يستغل أوقاته بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:
1-حفظ القرآن وحضور حلقات التحفيظ.
2-حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
3-طلب العلم الشرعي.
4-زيارة العلماء والصالحين والأخيار.
5-الاستفادة من المجلات الإسلامية.
6-الاستفادة من الأشرطة الإسلامية.
7-المشاركة في البرامج والأنشطة الدعوية كالمراكز الصيفية، والمخيمات، والرحلات وغيرها.
وينبغي للشاب أن ينظم وقته ويعمل لنفسه برنامجاً يسير عليه، وننصح بقراءة كتاب: (حتى لا تكون كَلاً) للدكتور عوض القرني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1422(9/6262)
الوقوع في حب الفتيات ... مخاطره وطريق دفعه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مسألة تؤرقني كثيراً:
أنا أصلي وأقرأ القرآن وأفعل الخير ... أنا جد ملتزم.
ولكنني أجببت فتاة والتقيت بها وفي بعض المرات قبلتها.
كيف أتوقف عن التفكير في هذا الفعل الشنيع؟ وهل لا يجوز لي التفكير فيه؟ يعني هل هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المؤمن المصلي القارئ للقرآن الفاعل للخير لا يليق به أبداً أن يتعلق قلبه بغير الله تعالى، أو أن يفكر في معصية الله عز وجل، ناهيك أن يفعلها، أو يقترب منها.
وذلك أن إيمانه بالله تعالى يستلزم اليقين أنه سبحانه وتعالى هو المنعم المتفضل بجميع النعم الظاهرة والباطنة التي يتقلب فيها العبد، وأنه مطلع عليه في كل أحواله، علاَّم بمتقلبه ومثواه، قادر عليه، فيقتضي ذلك استحياؤه من الله تعالى أن يراه حيث نهاه، وأن يصرف نعمه التي أعطاه في غير ما يرضاه، وأن يعلق قلبه بما سواه سبحانه وتعالى.
كما يقتضي ذلك أيضاً خوفه من الله تعالى أن ينتقم منه في الدنيا بزوال نعمة عنه، وفي الآخرة بعذابه الأليم.
وصلاة المصلي يجب أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45] .
وكذلك تلاوته للقرآن يجب أن تكون مدعاة له للعمل بما فيه من أمر ونهي، مع التصديق بما فيه من وعد وعيد، فهو كلام الله تعالى ورسالته الخالدة إلى البشر جميعاً.
وعلى ذلك فنقول لك أيها الأخ الكريم: إن حل مشكلتك واقتلاعها من جذورها هو في المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى توبة نصوحاً، والمحافظة على الصلوات، وعلى إقامتها كما أمرك ربك، والإكثار من الأعمال الصالحة عموماً، ومن تلاوة كتاب الله تعالى خصوصاً، مع تدبر ما تضمنه من أسماء الله تعالى وصفاته وعجائب قدرته الدالة على عظمته وجلاله سبحانه وتعالى، والاعتبار بعبره وقصصه، والانتفاع بمواعظه وحكمه.
وعليك أن تعمر وقتك الذي هو رأس مالك وأغلى ما عندك بما ينفعك من أمر دنياك وآخرتك من تعلم علم نافع، أو فعل عمل صالح، أو اكتساب مال من حله.
وعليك أن لا تستسلم للأفكار والوساوس التي لا فائدة فيها إلا تحريك الشهوة وإثارتها، مما يؤدي إلى الاندفاع إلى الفاحشة والوقوع في مصائد الشيطان.
وعليك أن تختار رفقة صالحة تصاحبهم وتقضي معهم أوقات فراغك يدلونك على الخير، ويبعدونك عن الشر.
وعليك أن تبادر إلى الزواج إن كنت غير متزوج، واختر ذات الدين لتكون عوناً لك على طاعة الله تعالى.
وإن كانت هذه الفتاة قد تابت إلى الله تعالى مما قد حدث في الماضي، والتزمت بشرع الله، فلا حرج في أن تتزوج بها.
وعليك أن تبتعد عن صحبة الفساق ومجالستهم، وعن مواطن الفتن، وأسباب الإثارة.
فإنك إن فعلت ما ذكرناه لك انحلت مشكلتك، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك - إن شاء الله تعالى - وتخلصت من التفكير في ذلك الفعل الشنيع.
واعلم أن التفكير في هذا الفعل المحرم، والاسترسال فيه محرم هو الآخر، وهو من جملة الزنا، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1422(9/6263)
توبة الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرأة التي زنت وبعد ذلك تزوجت من شخص آخر وذهبت إلى العمرة والحج وتابت إلى الله واستغفرته؟ هل يغفر لها الله في يوم القيامة أم تظل عاصية ويجب أن تعاقب عقاباً آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من أكبر كبائر الذنوب، وفاحشة من أبشع الفواحش، نهى الله عز وجل عنه في محكم كتابه، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في الزجر عنه أن عقوبته الدنيوية قد تصل إلى قتل النفس، فيرجم الزاني المحصن حتى الموت، لكن الله بفضله وسعة مغفرته ورحمته فتح باب التوبة للعصاة من خلقه، ودعاهم إليها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من تاب قبل غلق باب التوبة تاب الله عليه، فقال كما في صحيح مسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه".
فأي ذنب ارتكبه العبد ولو كان الشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب وأخطرها، فإنه إذا تاب منه توبة نصوحاً، فإن الله تعالى تفضلا منه وتكرماً يتقبلها منه، ويغفر له ما ارتكب من المعاصي.
أما بخصوص زواجها فهو صحيح إذا كانت قد حاضت ولو حيضة واحدة بعد زناها، أو وضعت حملها إن كانت حملت من الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/6264)
حكم لبس الساعة في اليد اليسرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس ساعة اليد في اليد اليسرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس بلبس الساعة في اليد اليسرى، وإن كان لبسها في اليمنى أولى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في طهوره، وتنعله، وترجله، وفي شأنه كله.
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1422(9/6265)
الصلاة الحقيقة تنأى بصاحبها عن تعاطي المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يصلي ويتعاطى المخدرات بعد صلاة العشاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يليق بالمسلم الذي رفع الله مكانته بين المخلوقات وأعلى شأنه بين الكائنات وأعطاه عقلاً، وأناط به التكليف أن يتسبب في ذهاب عقله وتغييب وعيه وفقدان شعوره، فإن فعل فهو بذلك ينكص على عقبيه، ويبدل نعمة الله كفراً، وكيف تجتمع الصلاة التي قال الله عنها (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45] .
مع تعاطي هذه المنكرات القبيحة الشنيعة. وعلى العبد أن يتذكر يوماً تنشر فيه الصحف، وتبلى فيه السرائر، ويشيب فيه الولدان. فنسأل الله لنا ولكم العافية، وأن يعيننا على ما يرضيه.
وأما حكم المخدرات فسبق في الفتوى رقم: 8001 ورقم 1994
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1422(9/6266)
على المسلم أن يرتقي بأسرته نحو المعالي
[السُّؤَالُ]
ـ[أخواتي وأمي وأبي غير ملتزمين بكثير من تعاليم الدين نرجو النصيحة أحيانا تطلب مني أمي أن أطلب لها فلوسا من أبي وتقول إنها قد صرفتها وأخشى أن تكون كاذبة أحيانا، أخواتي يطلبن مني اقتراض مبلغ وأخشى أن يذهب هذا المبلغ في محرم، إذا أعطتني أمي فاتورة أعطيها لأبي اشترت بها شيئاً غير شرعي ماذا أفعل معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يرتقي بأسرته نحو المعالي، ويصعد بهم في مدارج الصلاح عبر النصيحة المستمرة، والتذكير الدائم، والترغيب والترهيب، منوها لهم بحقارة الدنيا، وسرعة زوالها، وأن الإنسان وما حوله من النعم بيد الله يتصرف فيها كيف يشاء، ولا يملك الإنسان منها مثقال ذرة، فأرضه وسماؤه وهواؤه وماؤه بل وأعضاؤه ملك لله تعالى، قال الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام:46] .
وقال تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) [نوح:13-18] .
ولا يعدم الداعية الصادق الوسيلة النافعة في دعوة أسرته إلى الخير عن طريق الشريط الإسلامي، والكتاب النافع، والمحاضرة المؤثرة، وقبل هذا وبعده يجب أن يكون قدوة صالحة في البيت وخارجه، حتى يكتب له القبول والتأثير.
أما بشأن ما يحدث بين أفراد الأسرة في المعاملات، فالضابط لها هو قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمن لم يطع الله" رواه أحمد عن أنس.
فإن علمت من حال أمك وأخواتك أنهن يصرفن ما تأخذ لهن من أبيك فيما لا يحل، فلا يجوز لك إعانتهن على غرضهن الفاسد.
وكن رفيقاً، فما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1422(9/6267)
الصلاة رياضة روحية بدنية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقصد بأن الصلاة رياضة بدنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصلاة عبادة لله سبحانه يجب أداؤها؛ وإن قصرت عقولنا عن إدراك الحكمة منها، ومما بينه العلماء من حكمتها أن فيها رياضة للبدن تقويه وتنشطه، وهذا ما يقصد به من قولهم: الصلاة رياضة بدنية. قال ابن القيم - رحمه الله- في الطب النبوي:" الصلاة رياضة النفس والبدن جميعاً إذ كانت تشتمل على حركات وأوضاع مختلفة من الانتصاب والركوع والسجود والتورك والانتقالات، وغيرها من الأوضاع التي يتحرك معها أكثر المفاصل، فينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة، كالمعدة والأمعاء وسائر آلات النفس والغذاء، فما ينكر أن في هذه الحركة تقوية وتحليلاً للمواد، ولا سيما بواسطة قوة النفس وانشراحها في الصلاة فتقوى الطبيعة فيندفع الألم) . انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1422(9/6268)
توبتك مقبولة، ولا تقنط من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد سلام الله عليكم ورحمته
أشعر وأن نفسي تعذب كل لحظة وأحس كما لو أن الدنيا كلها ضيقة في نظري والكآبة لا تتركني أبداً فحاولت أن أصارح نفسي وأفسر عما أنا فيه من ضيق وكرب في روحي ورزقي فوجدت ذنوبا أتيتها من قبل هي التي تقف أمامي ومع علمي الشديد بأن الله غفور رحيم إلا أن نفسي لا تستمتع بالغفران علما بأن رد المظالم لا يمكن إذ أنها مظالم معنوية لا أثر مادي لها يمكن للمرء أن يرد المظلمة مع العلم بأنني شديد الحساسية لأي رد فعل وخجول للغاية مما يضعف من عزيمتي في مقاومة هذه الأفكار وأعلم أن الله موجود وأنه غفار للذنب وقابل للتوب شديد العقاب ذي الطول ومع ذلك لا أدري ما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دامت الذنوب التي اقترفتها ليست فيها حقوق مادية لآدميين، وقد تبت إلى الله عز وجل منها، وندمت على فعلها، وعلمت أنها كانت سبب نكد عيشك، وضيق صدرك، فأبشر بكل خير، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها، فكل الذنوب التي عملتها يغفرها الله مهما كثرت وفحشت.
وعليك أن تعلم أن الأمر أكبر من هذا وأعظم، ألا وهو: أن الله عز وجل يقلبها إلى حسنات، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:68-70] .
فانظر رعاك الله كيف أن الله بدل أعظم الذنوب وهو الشرك به، وقتل النفس، والزنى إلى حسنات، واعلم أن ما تحسه من يأس وقنوط من الشيطان، يريد أن يقنطك من رحمة الله، والله يقول في كتابه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] ، وقال الله تعالى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56] ، واعلم أخي أنك غدوت بعد توبتك حبيب الله تعالى، ومن المقربين إليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222] .
فاصدق في توبتك، وأخلص نيتك بصدقك فيما وعدك، واحذر من كيد الشيطان، والجأ إلى الله عز وجل، وافرح بنعمة الله عليك، فالله يقول: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58] .
والتوبة من أعظم النعم على العبد.
وإذا كانت الذنوب التي اقترفتها لها تعلق بالعباد مثل اغتيابهم وشتمهم وما إلى ذلك، فينبغي استسماحهم، وطلب العفو منهم إذا أمكن ذلك ولم يترتب عليه مفسدة أعظم منه، وإلا فعليك بالإكثار من الاستغفار لهؤلاء الذين لهم عليك حقوق، وبذكرهم بالخير في الأماكن التي ذكرتهم فيها بسوء، وعليك أيضاً بكثرة الطاعات، والأعمال الصالحة التي تزيد في حسناتك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1422(9/6269)
وسائل تقوية الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحس الإنسان أن إيمانه بدأ يقل ما أول شيء يبادر إلى فعله ليقوي إيمانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فضعف الإيمان مرض يعتري القلوب المؤمنة، وهو من أخطر أمراضها، لما ينشأ عنه من الوقوع في المعاصي، والتهاون في الواجبات، وقسوة القلب، وضيق الصدر، وتغير المزاج، وعدم التأثر بقراءة القرآن، والغفلة عن ذكر الله عز وجل.. إلى غير ذلك. ولا طريق للتخلص من هذا المرض إلا بالسعي في ما يقوي الإيمان، ويكون ذلك بدفع الأسباب الموجبة لضعفه، وهي:
1- البعد عن الأجواء الإيمانية، من حضور مجالس الذكر، والصلاة في جماعة، ومجالسة الصالحين، يقول الحسن البصري: "إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة".
2- فقدان القدوة الصالحة، لذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وووري التراب قال الصحابة رضي الله عنهم:"فأنكرنا قلوبنا" رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
3-الاختلاط بأهل الفسق والفجور من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.
4-الانشغال الشديد بأمور الدنيا، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه حاله، وعده عبداً للدنيا، فقال: "تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار.." رواه البخاري.
5-الانشغال بشؤون الأولاد والأهل عن طاعة الله عز وجل، قال تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) [التغابن:15]
6-طول الأمل قال تعالى: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) [الحجر:3] وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
7-الإفراط في المباحات من أكل، وشرب، ونوم، وكلام، وخلطة، فكثرة الأكل تبلد الذهن، وتثقل البدن عن طاعة الله، وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان، حتى قيل: من أكل كثيراً شرب كثيراً، فنام كثيراً، فخسر أجراً كثيراً.
والإفراط في الكلام يقسي القلب، والإفراط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها، والنظر في تدبير أمرها، وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب فيموت لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب" رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.
فهذه بعض أسباب ضعف الإيمان، وبدفعها والعمل بضدها يقوى إيمان المسلم، وعلى قدر اجتهاد المرء في الطاعة يقوى إيمانه، وعلى قدر انغماسه في المعصية يضعف إيمانه، إذ الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد ذكر ابن القيم أن افضل علاج لمثل هذه الحال هو: (أن تنقل قلبك من الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها، وتدبرها، وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، واختر نصيبك من كل آياته، وتنزلها على داء قلبك، فإذا نزلت هذه الآية على داء القلب برئ القلب بإذن الله) . انتهى.
ولا بد أن يصحب ذلك كله الدعاء بالثبات، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر منه: " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه أحمد.
والدعاء بأن يجدد الله إيمانك، فقد روى الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/6270)
بادر بالتوبة والعمل الصالح ولا تيأس من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وقعت في أعمال محرمة شربت وسرقت من المساجد ومن البيوت وأدخن ووالدي غاضبان علي وكانوا يدفعون لي رسوم الجامعة وأصرفها وأعمل العادة السرية وقد أفسدت كثيرا فما العمل؟
ملاحظه: كنت من رواد المساجد وملتزماً وكنت أحفظ13جزءا من القرآن. اللهم اغفر لنا ولكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نوصيك بتقوى الله سبحانه وتعالى والتوبة النصوح وعدم اليأس من رحمة الله، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]
فدلت هذه الآية على وجوب التوبة النصوح الصادقة (المشتملة على شروطها) .
كما نذكرك بأن الله سبحانه يفرح بتوبة عبده كما جاء في الحديث:" لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم وقد أضل راحلته بأرض فلاة".
وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا أبن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: (إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي) يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره) ومما يكفر الذنوب الإكثار من الأعمال الصالحة كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود:114) .
وقال صلى الله عليه وسلم: " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
وأهم هذه الأعمال: المحافظة على الفرائض من الصلاة والصوم…إلخ واجتناب الكبائر والمحرمات كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة…إلخ ومما يعين على ذلك تغيير البيئة والمكان والانتقال إلى بيئة صالحة واتخاذ رفقة صالحة تدلك على الخير وتعينك عليه، ولا يخفى أثر الرفقة على الفرد والمجتمع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل أو من يصاحب".
فحافظ على المسجد كما كنت سابقاً، وراجع حفظك للقرآن الكريم، وتعلم العلم الشرعي النافع، وبادر بالتوبة قبل حلول الأجل، وأخلص النية في ذلك نسأل الله لك التوفيق، وقد سبقت أجوبة مفصلة عن العادة السرية، وعن التوبة نحليك على بعضها للفائدة وعدم التكرار، راجع رقم: 7170 4603
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1422(9/6271)
الابتلاء تكفير للسيئات ورفع للدرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنني امرأة متزوجة ولي أولاد ومنذ فترة تحدث لي ولعائلتي في البيت أمور لانجد لها تفسيراً، مثال: أمراض متتالية أو حوادث لزوجي وأولادي وسرقة أشياء من منزلنا وعدم توفيق زوجي في أي عمل يقدم عليه، ماتفسير هذه الأمور وإن المحيطين بنا يقولون ربما يكون سحرا أو عين حاسد،
نرجوا إفادتنا بهذا الموضوع وهل هناك آيات قرآنية محددة لمثل هذه الأمور جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الأمور التي تحل بكم هي ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وقد يكون الابتلاء لرفع الدرجات وتكفير السيئات، وقد يكون عقوبة على أشياء قد اقترفتموها، ولابد من الرضا بقضاء الله وقدره في جميع الأحوال، مع تجنب الأسباب المؤدية إلى هذه المصائب -إن أمكن ذلك- ومن هنا فإننا ننصح بأمرين:
الأول: المحافظة على طاعة الله سبحانه وتعالى، وخاصة الفرائض من صلاة، وزكاة، وصوم… إلخ مع ترك الكبائر واجتنابها، فربما تلحقكم هذه المصائب بسبب وجود منكرات في المنزل، أو مداومة أفراد الأسرة على منكر من ترك أو منع زكاة، أو ارتكاب فواحش، أو غير ذلك، وبمعنى آخر عليكم بتحسين الصلة بالله.
ثانياً: ربما كان ذلك بسبب سحر، أو حسد. وعلاج ذلك يكون بالرقية الشرعية، وقد تقدمت أجوبة مفصلة بخصوص السحر والعين وعلاجهما، وبخصوص الرقية الشرعية وصفتها، نحيلك عليها رغبة في الاختصار وعدم التكرار، وهي تحت الأرقام التالية:
5433 5531 10012 4310
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1422(9/6272)
التوبة الصادقة من الذنب مطلوبة مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد دخلت على موقع للدردشة الكتابية الخبيثة وخرجت منها واستغفرت بعد بضعة دقائق.
ما الحكم الشرعي في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلاشك أن الدخول على المواقع الخبيثة عبر الإنترنت لا يجوز، وعلى من يفعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً صادقة تتوفر فيها شروط التوبة، وهي:
1/ الإقلاع عن الذنب، وتركه تماماً.
2/ الندم على ما فات.
3/ العزم على أن لا يعود.
فالمهم أن لا تعود إلى ذلك مرة أخرى، وقد ذكرت أنك استغفرت، وهذا مطلوب، ونسأل الله أن لا تعود إلى ذلك الدخول مرة أخرى.
وننصحك بأن تشغل نفسك بطاعة الله تعالى: من تلاوة القرآن، وتعلم العلم النافع، والزواج إن لم تكن متزوجاً، والانشغال بزوجك فحسب إن كنت متزوجاً، وعليك بمرافقة الصالحين الذين يدلونك على الخير، ويعينونك عليه، والبعد عن رفقاء السوء، كما ننصح بالمحافظة على الفرائض، لا سيما مع جماعة المسجد، مع الإكثار من الطاعات المتنوعة.. وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1422(9/6273)
من ترك الخمر عن توبة تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من شرب الخمر فتره ثم تركها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن شرب الخمر فترة، ثم أقلع عنها توبة إلى الله تعالى، وندماً على ما فعل، فإن الله جل وعلا يغفر له ذنبه، ويمحو عنه خطيئته.
قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:17] .
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا لي: "كل من عصى الله، فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت، فقد تاب من قريب".
بل إن من سعة رحمة الله أنه يبدل السيئة التي تاب منها العبد حسنة.
قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان:70] .
ولمسلم أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1422(9/6274)
الصبر على أذى الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم تحياتي ودعائي لكم بالتوفيق والفوز بالدنيا والآخر.
إن ما أريد أن أسألكم عنه هو أن أمي كثيرة الدعاء علي وعلى أخواتي وكثيرة السب واللعن علما بأننا خمسة أخوات لم نتزوج وقد وصل عمرنا إلى الثلاثينات ونحن مظلومات والله وحقوقنا مهضومة وأمي ليست اجتماعية وهي لا تطيع أبي وكثيرة الخلاف والجدل معه وتسببت في مرضه وهي لا تطيعه وتخالف ما يأمرها علما بأن كل الناس يعاتبونها فما هي نصيحتكم لنا ولها علما بأنني سوف أوصل لها هذه الرسالة بطريقة غير مباشرة فقط أريدكم بأن تعرفوها بالجزاء فقط وأريد أيضا أن أعرف هل دعاؤها علينا مجاب وأنا متأكدة والله أن لا حق لها في الدعاء علينا
وهل يستجاب لها دعاء علما أنها تدعو من دون سبب يذكرأو من دون سبب يستحق الدعاء على الولد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نصيحتنا لكنَّ أن تتقين الله تعالى، وأن تصبرن على ما تلقين من والدتكن، وأن تقدمن لها ما في وسعكن من النصيحة بلين وعطف، ولا تخالفن أمرها في غير معصية، وأبشركن أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وسيجعل بعد عسر يسراً، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً وأما ما تمارسه هي من الإساءة والسب والشتم واللعن فهو إثم عظيم وذنب جليل، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" متفق عليه. وثبت عنه أيضاً "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" رواه الترمذي. فالواجب عليها المسارعة إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى، والاعتذار عما فرط منها في حقكن وفي حق زوجها الذي تجادله ولا تطيع أوامره، وعليها أن تعلم أن طاعتها لزوجها من أعظم الأعمال التي تقربها من الله تعالى والفوز برضوانه، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة " أخرجه الترمذي وحسنه، وقال -أيضاً- صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" أخرجه الترمذي بإسناد حسن. أما استجابة دعوة الوالد على ولده فقد سبقت الإجابة عنها برقم 6807
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1422(9/6275)
ما يعين على الخشوع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما اصلي أنشغل بهموم الدنيا فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت عندما تصلي تنشغل بهموم الدنيا، فعليك أن تستحضر قبيل دخولك في الصلاة عظمة الله سبحانه، وأنك تقف بين يديه، وأنه لا يليق بك أن تنشغل بأمور الدنيا عن الله، وتذكر وأنت تقول: الله أكبر أن الله أكبر من كل شيء، واستعذ بالله من الشيطان، واقرأ الفاتحة وما بعدها بتأمل وتدبر وتفكر، ولا تتعجل ولا تتسرع في قراءتها، فتضيع على نفسك حلاوة الخشوع، هذا إن كنت تصلي منفرداً، وعليك بالإنصات للإمام مع التدبر والتأمل لما يقرأ إن كنت مأموماً، كما نوصيك بالأخذ بأسباب الخشوع في الصلاة، ومن أهمها إضافة لما تقدم:
1/ البعد عن كبائر الذنوب، فإنها تورث ظلمة القلب، وغفلته عن الله، كما تشوش على الذهن، وتشغل الفكر، وخاصة التعلق بالشهوات المحرمات.
2/ مجالسة الصالحين ومرافقتهم، والتعاون معهم على الخير، والبعد عن رفقاء السوء، وأرباب المنكرات، فإن صحبتهم تعود على المرء بالوبال، وسوء المآل.
3/ الإكثار من ذكر الله، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تلين القلب، وتورث الخشية فيه، وتجلب الخشوع.
4/ الإكثار من الالتجاء إلى الله أن يصرف عنك حب الدنيا، وأن يجعل الآخرة أحب إليك من الدنيا، وأن يجعلك من الخاشعين الذين قال الله فيهم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2] .
5/ التأمل في هذه الدنيا وقيمتها، ومعرفة أنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، مما يعين على الزهد فيها، والرغبة في الآخرة التي تدعوك للخشوع.
إلى غير ذلك من الأسباب، وقد سبق جواب بخصوص الخشوع في الصلاة نحيلك عليه للفائدة. انظر رقم: 6598
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1422(9/6276)
ظل الرحمن.. أم امرأة ذات منصب وجمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صاحب كان على علاقة بواحدة ورحل بها إلى البيت لكن لم يزني بها لكنه تاب وبعد ذلك طلبت منه أن يأتي لها ثانية لكنه رفض خوفا من الله فقلت له أنت من السبعة الذين سيظلهم الله مارأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سبعة يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله" وفيه: " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله" … الحديث، أخرجه البخاري ومسلم، ومقصود الحديث ما اختص به أصحاب تلك الخصال، فإذا كان هذا الرجل قد انطبق عليه الوصف الذي في الحديث، بأن دعته امرأة إلى نفسها، وهي موصوفة بتلك الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة فيها، وقال: إني أخاف الله، سواء قال ذلك بلسانه أو قلبه، فقد دخل فيمن وعدهم الله بظله يوم القيامة، والله لا يخلف الميعاد. قال القرطبي، إنما يصدر ذلك عند شدة خوف من الله، ومتين تقوى وحياء.
وقال ابن علان: إن الصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكبر المراتب، لكثرة الرغبة في مثلها، وعسر تحصيلها، سيما وقد أغنت عن مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1422(9/6277)
يشعر بأن الله لم يتقبل صلاته وتوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا إنسان لدي ذنوب لا يعلمها إلا الله.. والآن أنا نادم على ما اقترفته من ذنوب، وأصلي ولا تفوتني أي صلاة (الحمد الله) .. ولكن أشعر في بعض الأحيان أن الله لم يتقبل مني عملي هذا من صلاة وأعمال خير بسبب أني كنت في الماضي أعمل الموبقات.. سؤالي هل هذا الإحساس والشعور في محله أم أنه من الشيطان والعياذ بالله.. أفيدوني جزاكم الله خيرا.. ولا تنسوا أن تدعوا لي بالثبات.
والسلام عليكم ورحمةالله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم إذا تاب إلى الله توبة صحيحة مما صدر منه من المعاصي، فإن التوبة تجبُّ ما قبلها، حتى الكافر إذا تاب إلى الله توبة صحيحة، فإن توبته تجب ما قبلها من الكفر، قال تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [لأنفال:38] .
والله جل وعلا يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، واستشعار التائب بعظم الذنب، إن كان يحمله على حسن العمل، والفرار من الذنوب، ويدعوه إلى صدق اللجوء إلى الله، طمعا في سعة رحمته، وخوفا من قوته وشدة أخذه لمن خالف وعصى أمره، فهذا شعور إيجابي نافع للعبد، ورب ذنب قاد إلى الجنة.
وإن كان الشعور بالذنوب السابقة داعياً إلى القلق واليأس، قاعداً بصاحبه عن عمل الصالحات، بحجة أنه يخاف ألا تقبل توبته، فهذا من كيد الشيطان ومكره، فإنه لما أفلت منه العبد بالتوبة أراد أن يقطع عليه طريق إتمامها والاستمرار عليها.
وإلا فمن يحول بين العبد وربه أن يتوب عليه مهما بلغت ذنوبه؟ ولو كان سبحانه لا يقبل توبة عباده فلم دعاهم إلى التوبة إذن ورغبهم فيها؟!! ألم يخبر عن نفسه أنه يحب التوابين ويجب المتطهرين: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] .
وكيف يثق الإنسان من نفسه بأنه تاب وأناب إلى الله، ثم لا يثق بوعد الله أنه يتوب على من تاب إليه؟
فالواجب على العبد التوبة الصادقة، وأن يثق بوعد الله وخبره، وأن يمضي في طريق العمل الصالح، وألا يلتفت إلى وساوس الشيطان، وقد أنقذه الله من حبائله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1422(9/6278)
الاطمئنان إلى هوى النفس من تزيين الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون على حق إذا طلبت من زوجي أن يبتعد عن أصدقاء السوء ممن لا يصلون ويزنون ويشربون الخمر ولا يقيمون أي ركن من أركان الإسلام وما هي الطريقة المثلى لطلب ذلك لأنه يبرر أمره بأنه لن يفعل الخطأ حتى في هذا الوسط وأن الاسلام لم يمنع من ذلك.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك على حق في نصحك لزوجك أن يبتعد عن قرناء السوء، بل إن ذلك من جملة ما يجب له عليك، فإن مصاحبة أصدقاء السوء خطيرة خطراً عظيماً، قد لا يتصور المرء عاقبتها حتى توقعه في مزالق ومهالك ما كانت تخطر له ببال، فكم من صاحب سوء جر من كان معروفاً بالالتزام والاستقامة إلى مهاوي الردى، والقصص في هذا الباب مشهورة ومرعبة، بدءاً بارتكاب الفواحش، وانتهاء بالإدمان على المخدرات، والوقوع فريسة لداء فقدان المناعة المكتسبة الإيدز لذلك رغب الشرع في مصاحبة الأخيار الأبرار، وحذر من مصاحبة الفجار الأشرار. قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28]
وقال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" أخرجه البخاري ومسلم. فعلى هذا الزوج أن يبتعد عن هؤلاء الأصدقاء كل البعد فإنهم أعدى من الجرب ولا يغتر بثقته من نفسه، وهنالك خطوات عملية تعين المرء على الابتعاد عن قرناء السوء وقد ذكرناها في الفتوى رقم 9163
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1422(9/6279)
علامات حب الله تعالى للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علامات حب الله للعبد؟
وماذا يفعل المرء حتى يبلغ أقصى درجات حب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أبرز علامات حب الله تعالى للعبد أن يوفقه لاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31] .
كما أن العبد يترقى في درجات حب الله تعالى حسب التزامه بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قاصداً بذلك وجه الله والدار الآخرة، وتحقيقه للهدف الذي خلق من أجله: ألا وهو عبادة ربه سبحانه وتعالى قال الله تعالى. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]
وراجع الجواب رقم 3161
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1422(9/6280)
مراتب الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مراتب الصبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر شيخ الإسلام الهروي: أن الصبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: الصبر عن المعصية بمطالعة الوعيد إبقاء على الإيمان، وحذراً من الحرام، وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء.
والدرجة الثانية: الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواماً، وبرعايتها إخلاصاً، وبتحسينها علماً.
الدرجة الثالثة: الصبر في البلاء.
وقال ابن القيم: إن الصبر على ثلاثة أنواع:
صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.
فالأول: صبر الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المصبرّ، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) [النحل:127] .
يعني: إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه، لا لإظهار قوة النفس.
والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه، ومع أحكامه الدينية، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها.
ومنزلة الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خير عيش أدركناه بالصبر. وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: "والصبر ضياء"، وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" أخرجه البخاري ومسلم.
وذكر ابن القيم في مدارج السالكين: أن الصبر مذكور على ستة عشر نوعاً، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعاً، وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان.
جعلنا الله وإياكم من الصابرين الشاكرين. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1422(9/6281)
الاستغفار والاستسماح يكفر آفات اللسان
[السُّؤَالُ]
ـ[قديكون المرء في خلال حياته قد قال كلمه تهوي به في نار جهنم سبعين خريفا. فماذا يفعل من
وقع في ذلك أويخاف من ذلك سواء في ما مضى من حياته أو مستقبله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن اللسان من أشد جوارح الإنسان جناية عليه، ومن أصعبها ضبطا عن الوقوع في الحرام. يقول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ما حجٌ ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في غم شديد.
وفي مسند الإمام أحمد مرفوعاً: "إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيتكلم بالكلمة فيتباعد منها أبعد من صنعاء".
وعليه، فيجب على الإنسان أن يمسك لسانه عن كل ما لا خير فيه، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت ... إلى آخره" وأن يتوب إلى الله تعالى من ما بدر منه في الماضي، وأن يستسمح كلَّ من اغتابه أو سبه أو قذفه أو نال من عرضه، حتى تكون توبته خالصة مقبولة عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(9/6282)
أداء الحقوق إلى أصحابها هو الأصل
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن من شرط التوبة رد المظالم إلى أهلها، وقد مددت يدي إلى حقيبة إنسانة أعرفها
وأخذت منها مبلغا بدون علمها، ولكني ندمت فاستغفرت وبعد مدة من الزمن أخرجت قيمة المبلغ أو مايزيد عنه قليلا، وجعلته صدقة عنها فهل هذا يكفي أو الواجب علي فعل شيء آخر. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دمت تعرفين صاحبة الحق فلا بد من إيصاله لها، ولا يكفي في التخلص منه التصدق عنها به، لما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" ومن أراد معرفة شروط التوبة وكيفية التخلص من الحقوق، فليرجع إلى الفتوى رقم 3051 4603
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(9/6283)
الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن طريق ما تبعدني عن مصاحبة أصدقاء السوء ومن عملهم؟ حيث يحصل ندم كثير على قضاء وقت معهم. لكن بعد وقت أعود إليهم حتى ظننت أنني مسحور أو مسكون. وبالله التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن مصاحبة أصدقاء السوء خطر عظيم وبلاء مبين يعرض المرء للمفاسد والمخاطر المختلفة في الدنيا والآخرة، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من جليس السوء بقوله: " مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشتم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة" رواه البخاري ومسلم. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، ومن يصاحب".
ومن ثم فالواجب على المسلم الحذر من أصدقاء السوء والبعد عنهم، ولتحقيق ذلك يمكن اتباع الآتي:
أولا: تغيير البيئة والانتقال من المكان الذي يجتمع فيه أصدقاء السوء، أو ترك المدينة بأكملها أو الحي أو الشارع الذي يسكن فيه من يريد التخلص من شرهم.
ثانياً: البحث عن رفقة صالحة تعين على الحق والهدى، لأن المؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
ثالثا: الإكثار من الطاعات والابتعاد عن الكبائر والموبقات، فإذا أكثر المرء من الطاعات والخيرات أحبها وأحب أهلها، وأبغض الكفر والفسوق والعصيان بإذن الله.
ربعاً: الانشغال بتعليم العلم النافع وتلاوة القرآن الكريم وتعلمه، وملء أوقات الفراغ بالطاعات، فهذا من أنفع الوسائل للتخلص من الرفقة السيئة.
خامساً: التأمل في المفاسد التي تعود على المرء من مخالطته للرفقة السيئة، يعينه على التخلص منها، ومن ذلك أن أصدقاء المعصية ورفقاء المصالح الدنيوية أول من يتخلون عن صديقهم يوم القيامة، كما قال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]
إضافة إلى أن المسلم الملتزم أومن يرجى له الخير إذا خالط الفسقة فإنه يصنف تبعاً لهم، ويلحق بهم، ويحسب عليهم حتى ولو كان لا يرضى صنيعهم، كما أن مرافقتهم تجر إلى المعصية.
سادساً وأخيراً نوصيك أخي السائل الكريم بالتوبة مما سبق والعزم الجاد على تغيير حالك إلى الأحسن، مع الإكثار من دعاء الله سبحانه أن يوفقك لرفقة صالحة تدلك على الخير وتعينك عليه، وأن يصرف عنك السوء وأهله، واعلم أن الأهم من كل هذه الأسباب الآنفة الذكر: هو استشعار المرء لمراقبة الله جل وعلا له، واطلاعه عليه في كل الأحوال وفي جميع الأوقات، فمن استشعر ذلك الأمر حق الاستشعار سهل عليه الابتعاد عن الشر وأهله، واشتغل بما يعلم أنه يرضي الله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1422(9/6284)
أقسام المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو عذاب كل عاصي (مثال: جزاء من يزني يقامر....) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم أن الذنوب إذا أفضى صاحبها إلى ربه من غير توبة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ذنب لا يغفره الله عز وجل وهو الشرك، فصاحبه محكوم عليه بالعذاب الأبدي، والخلود السرمدي في جهنم وبئس المصير، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48] .
القسم الثاني: ذنب صاحبه تحت المشيئة والعفو إليه أقرب، وهو ما كان بين العبد وربه من حقوق الله تعالى، وذلك كحقوق الوالدين وقطع الرحم، وشرب الخمر، وما إلى ذلك.
القسم الثالث: ذنب لا يترك، وهي المظالم التي تكون بين العباد، فهذا القسم يحتاج إلى الترادّ إما في الدنيا بالاستحلال، أو ردّ المظالم، وإما في الآخرة برد ثواب بعض أو كل عمل الظالم إلى المظلوم حسب نوع الظلم، فإن لم يبق للظالم حسنات أخذ من سيئات المظلوم، ثم جعلت عليه، وهذا مالم يُرض الله المظلوم بفضله ولطفه وكرمه، أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1422(9/6285)
الرجوع إلى الله بعد التفريط في جنبه من أعظم المبشرات
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم.. ماهي نصيحتك لزوجة تخشى الله لدرجة أنني لا أنام الليل وأنا افكر بعذاب جهنم وما ضيعته في شبابي في طريق الشيطان.. فلقد كنت أحمل الخير في قلبي ولم أقم بفاحشة ولكن ما فعلته أكبر من الفاحشة وهو أنني كنت لا أصلي ولا أصوم إلا في أوقات ولم يحثني أحد في المنزل على الصلاة إلا نادرا وها أنا الآن في ندم كبير ولا أترك صلاني ليفرح بها الشيطان وأتمنى أشياء كثيرة وهي أن أكون من أهل الجنة الخالدين وأن أموت وأنا شهيدة وأن يرضى علي الجبار الكريم.. شيخنا دموعي لاتتوقف من الحزن وأنا أكتب لك فالندم في قلبي كبير وأماني في دخول الجنة والخلود فيها أكبر.. أرح قلبي من هموم الآخرة فلولا زوجي وابني لاعتكفت لله في غرفتي لعبادته وحده.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن التوبة الصادقة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وما ذكر من الخوف الشديد من الله، والندم على ما فات والبكاء من خشية الله، وتمني الشهادة والخلود في الجنة أمور حسنة إذا أتبعت بفعل الحسنات، وترك السيئات، وعدم اليأس من رحمة الله. قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] وحذرنا الله من اليأس فقال: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87] فالمسلم الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فيرجو رحمة الله ويخشى عذابه، كما قال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]
ومن هنا فإننا ننصح الأخت الكريمة بالإكثار من ذكر الله فبذكره تطمئن القلوب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] كما أنه يذهب الهم والغم والكرب ويؤنس في الوحشة، إلى غير ذلك من فضائل الذكر. كما ننصح بتأمل سعة رحمة الله، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه سبحانه غفور رحيم لا يرد التائبين، سبحانه ما أحلمه! وما أكرمه! حليم كريم يتجاوز عن المسيء مهما عظم دنبه إذا تاب وأناب، قال سبحانه في الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: " إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء" رواه ابن حبان فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته. وفي صحيح الحاكم، عن جابر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: واذنوباه واذنوباه! مرتين أو ثلاثاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" قل" اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي"، فقالها، ثم قال له: "عد" فعاد، ثم قال له: " عد" فعاد، فقال له: "قم" فقد غفر الله لك". وفي هذا يقول بعضهم:
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر، أعظم الأشياء في جنب عفو الله يصغر!. (جامع العلوم والحكم 2/46) .
وأخيراً: نقول للأخت الكريمة طاعتك لزوجك وتربيتك لأبنك التربية الحسنة طاعتان عظيمتان لله سبحانه لا يتعارضان مع التعبد لله سبحانه بأي وجه من الوجوه، فاحتسبي ذلك عند الله. نسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(9/6286)
طلب الهداية والثبات من الله يعصم من الفتن والمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إنه لمن العجب والمحزن والمبكي في بعض رسائل الناس تجد التهاون في ارتكاب المعصية والفاحشة كلمة زنا ولواط وارتكاب المحرمات دون خشية أصبحت سهلة النطق، مما جعلني أفقد الثقة حتى في نفسي، فهل المعصية سهلة إلى هذا الحد فرجاء ياشيخنا الكريم أن تفيدني وتفيد غيري في كيفية المحافظة على ديننا وإيماننا على أنفسنا؟ هل يمكن للإنسان أن يكفر بين يوم وليلة؟ وكيف التوبة لمن أذنبوا فإن الله غفور رحيم؟ الله يهدينا أجمعين في زمن كثرت فيه المفاسد فأنا فعلًا خائف على نفسي وعلى أجيالنا من الضياع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا قرأت مثل هذا الرسائل فينبغي أن تحمد الله على العافية وأن تسأله الثبات على الهداية حتى الممات.
ومن ابتلي بشيء من هذه المعاصي فليسارع بالتوبة والندم قبل أن يفجأه الموت، ومن تاب تاب الله عليه.
وقد تقدم بيان حقيقة التوبة الصادقة وشروطها تحت الأرقام: 5668، 5976، 4603، 1909، 5646
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1422(9/6287)
قيمة الإنسان بما يقدمه من أعمال صالحة لنفسه ومجتمعه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال فضيلة الشيخ:
إذا أردت أن يكون لي مكانتي المرموقة بين أفراد أسرتي كيف أجعلهم يتذكرونني في الفرح والحزن (بعيد عنا وعنكم)
وجزيل شكري لكم، وكثرالله من أمثالكم.
مع تحياتي لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقيمة المرء في مجتمعه إنما هي بعمله الذي يعمله، وأسرة المرء هي مجتمعه الأصغر، فانظر كيف أنت لهم، وستعلم بذلك مكانتك عندهم، فكن آمراً لهم بالمعروف، ناهياً لهم عن المنكر، قدوة فيما تنهى عنه وتأمر به، وكن معواناً لهم في أعمالهم، حلاّلاً لمشاكلهم، حاضراً في أزماتهم، تحترم كبيرهم، وترحم صغيرهم.
إذا توفرت فيك هذه الصفات، تبوأت المكانة العليا في النفوس، وليكن همك من وراء كل ذلك رضا الله عز وجل، فإنه غاية كل عاقل، ومنتهى أمل كل آمل، وما عداه جولة باطل، وزيف زائل، ولقد صدق الشاعر حيث يقول:
فما نفعت أعماله المرء راجياً ... جزاءً عليها من سوى من له الأمر
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1422(9/6288)
الفشل في الانتحار نعمة والمطلوب تجديد الحياة على منهج الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أسأل عن حكم الإسلام في شاب في السادسة عشرة من عمره أكل دواء بنية الانتحار "قتل نفسه" إلا أنه لم يمت ونجى وكان جاهلاً بحكم الإسلام في ما كان ينوي فعله فهل له من توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قتل الإنسان نفسه من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب عند الله تعالى، وهو سبب في الخلود في نار جهنم والعياذ بالله تعالى.
ففي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً".
ولكن من حاول شيئاً من ذلك ثم نجا فعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ويشكر الله تعالى أن أنجاه من هذا الهلاك العاجل الآجل الأبدي، وعليه أن يكثر من الأعمال الصالحة. وعليه أن يصحب أهل الخير والصلاح الذين يزهدون في الدنيا، ويرغبون في الآخرة، ويحذرون من نزغات الشيطان، ومهلكات الهوى.
ومن تاب بصدق وإخلاص تاب الله تعالى عليه، ووسعه برحمته، وشمله بعفوه، فما من ذنب -وإن عظم- إلا وباب التوبة منه مفتوح على مصراعيه، فضلاً من الله ورحمة، حتى أكبر الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله تعالى قتلها، والزنا. قال الله تعالى.
(والذين لا يدعون مع الله آلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً* ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً) [الفرقان:68،69،70،71] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1422(9/6289)
يعتقد أن البحر الميت هو من بقايا مدينة قوم لوط عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل منطقة البحر الميت أوالغور في الأردن هي موقع قوم لوط وهل هناك دليل قطعي على ذلك؟
وهل يجوز أن نذهب ونجلس في مثل هذه المواقع وكذلك نستطيع أن نصلي فيها؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله كل خير ومع جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسل الله جل وعلا لوطاً عليه السلام إلى قومه، وكانوا يسكنون سدوم وعمورة. قال تعالى: (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات:133-138] .
وقال تعالى: (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) [الحجر:67] .
جاء في تفسير الجلالين، وأهل مدينة سدوم هم قوم لوط.
وقال ابن كثير: فبعثه الله إلى أهل سدوم، وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم، والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم أحد من بني آدم، ولا غيرهم. أ. هـ.
قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) [هود: 82] .
قال ابن كثير وغيره (جعلنا عاليها) وهي سدوم (سافلها) ، وقال في تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) [الحجر:76] .
أي وإن قرية سدوم التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري، والمعنوي، والقذف بالحجارة حتى صارت بحيرة منتنة خبيثة بطريق مَهْيَع مسالكه مستمرة إلى اليوم.
ومن هنا قال من قال: إن البحر الميت هو مكان خسف قرى قوم لوط، وكما تواطأت كتب التفسير والتاريخ الإسلامي على أن البحر الميت هو مكان الخسف بقرى قوم لوط، فقد نصت على ذلك الكتب التي بأيدي أهل الكتاب، جاء في صحيفة الصنداي تايمز اللندنية في العدد الصادر في نوفمبر عام 1999: إن مدينة سدوم - أكثر المدن إثما في نظر الكتب المقدسة - على وشك أن تستقبل أول زائر لها منذ رحل عنها النبي لوط بسرعة قبل أن تدمر بنيران شديدة منذ 4 آلاف سنة، سيقوم باحث بريطاني في غواصة صغيرة هذا الأسبوع بمغامرة في قاع البحر الميت حيث يعتقد أن بقايا مدينة سدوم ترقد هناك.
وهذه المنطقة، كما هو معروف أكثر منطقة على وجه الأرض انخفاضاً، بل ذكر بعض الباحثين أن الانخفاض فيها يزداد على مر السنين، مما دعا بعض الخبراء إلى الدعوة لإنفاذ البحر الميت عن طريق ضخ مياه البحر الأحمر إليه عبر قناة تسمى بقناة البحرين.
يقول الباحث إلياس سلامة وهو: أستاذ للجيولوجيا بالجامعة الأردنية: إنه في بداية الستينات كان منسوب المياه في البحر الميت 392 متراً تحت سطح البحر، واليوم يبلغ منسوبة 412 متراً تحت سطح البحر.
وبيئة البحر الميت بيئة فريدة تجعل من الصعب أن تعيش فيه كائنات حية إذ ترتفع فيه درجة الملوحة بشدة، حتى إن اللتر الواحد يحتوي على 300 جرام من الملح مقابل 35 في المتوسط من البحار الأخرى.
فإن ثبت قطعاً أن البحر الميت هو مكان خسف قرى قوم لوط، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول على المعذبين ومساكنهم، فضلاً عن الجلوس والصلاة في تلك الأماكن، إلا أن يكون الرجل باكياً، فإن لم يكن باكياً، فلا يدخل عليهم، ولا يمر بديارهم. وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم" وقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك في ديار ثمود قوم صالح، ويلحق بهم كل قوم أهلكوا بعذاب من عند الله، ومنهم قوم لوط، هذا إذا ثبت أن البحر الميت هو مكان عذاب قوم لوط، ولكننا إلى الآن لم نجد ما يشهد لثبوت ذلك، بل الغالب على الظن أن كل ما ورد مما يتصل بهذا الموضوع قد أخذ عن أهل الكتاب، وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم فيما ليس في شريعتنا ما يشهد بصدقه أو كذبه.
وما دام الأمر كذلك، فإن مثل ذلك لا يثبت به حكم شرعي، بحيث يأخذ البحر الميت حكم ديار ثمود، إلا أن الأورع للمرء أن يبتعد عن الانتفاع بمنتوجات هذا البحر، وعن زيارته، وذلك اتقاءً لمواطن الشبهات. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1422(9/6290)
مقارنة الصلاة بالرياضة جهل فاضح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الصلاة والرياضات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصلاة فرض من الخالق جل جلاله، والرياضات شيء من وضع المخلوق، قال تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) [لقمان: 11] .
فالصلاة أمر رباني لا تستطيع العقول أن تأتي بمثله - مهما بلغت درجة ذكائها - ولا دخل للأنبياء في إيجادها، فهي أمر توقيفي، أمرنا أن نتعبد الله به.
والصلاة صلة دائمة بين العبد وربه، وفيها يكون العبد بين يدي الله مناجياً بلغة المخاطب الحاضر (إياك) ، ولذلك لا ينفك وجوبها عن الإنسان في حال من أحواله ما دام عقله عنده، ولأهميتها لم تفرض في الأرض مثل باقي الفروض، ولا نزل بأمرها ملك، بل استدعي لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم فتخطى السموات السبع، حتى فرضت عليه الصلاة، وهي عمود الدين الذي لا يقوم إلا به، فقد روى الترمذي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة"، وهي العهد بين الله وبين عباده، روى ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث بريدة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، ولهذا كانت أول ما يُسال عنه العبد يوم القيامة، وعليها مدار صلاح أمره.
والصلاة ليست حركات جوفاء فتقارنها بالحركات الرياضية، إنما الصلاة حضور الإنسان كله: بجسده، وعقله، وقلبه، خاشعاً بين يدي ربه، والحركات فيها تعبر عن خضوع الإنسان واستسلامه وذله لخالقه سبحانه، وما فيها من القيام، والركوع، والسجود لا يخرج عن هذا المعنى، وهي ذكر وتلاوة وثناء وتقديس باللسان لله عز وجل، وفيها يحيي العبد ربه بلسان العابد الخاشع المؤمن حين يقول: "التحيات لله.."، فكل التحيات لا تكون حقيقة إلا له سبحانه، وأداء المؤمن للصلاة ولاء منه لمولاه تعالى، وتركها ولاء للشيطان، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة: 257] .
وبأداء الصلاة - كما أمر الله - تنمحي الذنوب، فقد روى أحمد وابن ماجه من حديث عثمان رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس تذهب الذنوب، كما يذهب الماء الدرن"، ورواه الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والصلاة تنهى المسلم عن فعل المنكرات، قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ... ) [العنكبوت: 45] .
فهل بعد هذا كله - وغيره كثير جداً - يمكن أن تعقد مقارنة بين صلاة هي صلة وهداية، وحكمة وعبادة، وبين رياضات العبيد الجوفاء التي هي هوى ولهو ولعب؟!
فما ينبغي للإنسان إذا كان مسلماً حقاً إلا أن يسلم لأمر خالقه - سبحانه - بقلبه وعقله، وينفذه بجوارحه ليفوز برضا الله وجنته، قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) [الكهف: 110] .
ومن تكبر واتبع هواه، واستحسن زبالة أفكار شيطانية ملحدة، لم ينل إلا سخط ربه وغضبه وعذابه خالداً مخلداً فيه، قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) [طه: 124-125-126] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(9/6291)
ثواب الصابرين وأجرهم كبير غير محدود
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا بعد الصبر على البلاء والمصائب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس بعد الصبر على البلاء إلا أن يستبشر المؤمن بثواب الله عز وجل، إن كان صبره احتساباً للأجر، وابتغاءً لوجه الله، فقد قال تعالى: (وبشر الصابرين) [البقرة: 155] ، وقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر: 10] .
فثواب الصبر مطلق غير محدود، وأجر الله تعالى لعباده الصابرين عظيم، فقد روى الترمذي بسند حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" والآثار في ذلك كثيرة.
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصابرين في السراء والضراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(9/6292)
التوبة تمحو السيئات والبعد عن صديقات السوء خير معين على الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة أحببتها حبا تحول إلى حب جنسي، أمارس معها فيه الجنس كنت أقبل صدرها، وأمصه، وكانت تبادلني نفس المشاعر فق دتكرر أكثر من مرة صراحة كنت جاهلة بالأمر وصديقتي تعلم أن هذا لايجوز وبعد علمي أن هذا نوع من السحاق ندمت وتغيرت علاقتي مع صديقتي وأصبحت المشاكل مستمرة على أتفه الأسباب تبت إلى الله تعالى ولكن المشكلة عندما أراها أتذكر ماحصل وأيضا عندما أكون لوحدي أستغفر الله كثيرا أشعر بالخوف من العذاب يوم جهنم. مالعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما قمت به مع تلك الفتاة ذنب كبير، وهو باب شر عظيم فتحه عليكما الشيطان وشهوة النفس الجامحة، في غفلة منكما عن التقوى، وانسياق وراء دعوة خادعة من الجسد، والشيطان، والنفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله تعالى، ومن رحمته سبحانه عليك، ومن فضله أنه هداك للصواب، وهداك جل وعلا للتوبة والندم والاستغفار والإقلاع عن تلك الجريمة.
ولقد وفقت للخير، وعالجت الأمر بفضل الله تعالى، وما عليك إلا أن تستمري على الاستغفار والندم والخوف من الله مع عدم القنوط من رحمته التي وسعت كل شيء، وعليك بهجر تلك الفتاة، وعدم ملاقاتها والاتصال بها، ثم الزمي طريق الطاعة والعبادة وأداء الصلوات، والصوم، وقراءة القرآن، وكثرة السجود، والبكاء على الذنوب. واتركي كل صديقات السوء، ورافقي الفتيات الصالحات، ولا تنشغلي بالملاهي المحرمة، مثل التلفزيون والفيديو والانترنت،
وإن الله تعالى يقبل منك التوبة - إن كنت صادقة فيها- ويبدل سيئاتك حسنات، واعقدي العزم على أن لا تعودي لمثل ما فعلت من إثم، قال تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان:70]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1422(9/6293)
الرياء وقسوة القلب ... خطرهما وعلاجهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أفضل وسيلة للتخلص من الرياء
وماهي أفضل وسيلة للتخلص من قساوة القلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرياء محبط للأعمال، وسبب للمقت عند الله تعالى، وهو من كبائر الذنوب، فإذا كان هذا وصفه، فلا بد من إزالته ولو بالمجاهدة، وتحمل المشاق.
وقد ذكر الغزالي أن التخلص من الرياء يكون بأمرين:
أحدهما: قلع عروقه وأصوله التي منها انشعابه.
الثاني: دفع ما يخطر منه في الحال.
وذكر أن أصله حب المنزلة والجاه، وإذا فضل رجع إلى لذة المحمدة، والفرار من ألم الذم، والطمع فيما في أيدي الناس، ويشهد لما قاله هنا ما روى أبو موسى: أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل حمية، ومعناه أنه يأنف أن يقهر، ويذم بأنه مقهور، وقال: والرجل يقاتل ليرى مكانه - وهذا هو طلب لذة الجاه، والقدر في القلوب - والرجل يقاتل للذكر - وهذا هو الحمد باللسان، فقال صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله" متفق عليه.
وأما دفع ما يخطر منه في الحال، فيكون بمجاهدة النفس، وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة، وقطع الطمع، وإسقاط نفسه من أعين المخلوقين، واستحقار ذم المخلوقين ومدحهم.
وأما علاج قسوة القلب، فقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أنها تكون بأربعة أمور:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك، ودنس الكفر، وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدىً لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، (أو من كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) [الأنعام: 122] .
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، وذلك يكون بالإيمان، والعمل بالصالح، وعمل أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وذلك باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، وذلك بالتوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1422(9/6294)
اقتراف المحرمات قد يذهب ثواب الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي ولكن أفعل بعض المحرمات مثل عدم غض البصر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وهي أول ما يحاسب عليه العبد، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكرات، لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، وتكفر ما بينها من الذنوب إذا أديت بحقها، وكانت مع استحضار عظمة الله وبأسه.
وبما أن المسلم مطلوب منه أداء الواجبات، ومنهي عن فعل المحرمات، فلابد أن يكون قائماً بدينه كله، فلا يبني من جانب، كأدائه الصلاة، ويهدم من جانب، كفعل المحرمات، بل لابد للعبد من فعل الأمرين، وإلا كان ممن يؤمن ببعض أوامر الشرع ويكذب ببعض، والتكذيب إما بلسان الحال، أو بلسان المقال، ومما يعين على غض البصر الإكثار من فعل الطاعات، والابتعاد عن المثيرات، كالصور والأفلام الجنسية والأغاني، والاشتغال بما يملأ الوقت من مطالعة، أو مهنة نافعة مباحة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(9/6295)
الختم على القلب.. علاماته.. وعلاجه.. وأنواع القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لمن قسى قلبه أو ران على قلبه أو لمن ختم الله على قلبه من توبة؟ أم أن الله لا يوفقه إلى التوبة؟
وما هى الأسباب المؤدية الى ذلك؟
وما هى علامت ذلك؟
أريد أن أعرف جميع أنواع القلوب وصفات كل منها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قبول الله للتوبة وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهراً أو باطناً لا خلاف فيه، فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ولو كافراً تاب من كفره وأسلم أو منافقاً تاب من نفاقه. قال تعالى في شأن المنافقين (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) [النساء: 146]
والتوبة تأتي على كل ذنب بالغاً ما بلغ، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) . [الزمر:53]
وبالجملة فليست هناك معصية إلا ويقبل الله التوبة منها بفضله وإحسانه، كما وعد في كتابه المجيد بقوله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات) . [الشورى:25]
وأما الأسباب المؤدية إلى الختم على القلب والطبع عليه فهي كل ما لا يرضي الله تعالى من الخطايا والمعاصي، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتب في قلبه نكتتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قبله، وإن زيد عاد فيها حتى تعلوا قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) "رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وأما علامات الختم على القلب فهي عدم استجابة الأوامر لله سبحانه وتعالى، فالقلب المختوم عليه هو الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره ونهيه، بل هو دائر مع شهوات صاحبه ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أن أنواع القلوب ثلاثة:
قلب سليم: وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم) . [الشعراء: 88-89]
والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالجملة فالقلب السليم الصحيح هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبادته لله: إرادة وتوكلاً ومحبة وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء.
(وقلب ميت) وهو المتعبد لغير الله حباً وخوفاً ورجاء ورضاً وسخطاً: إن أبغض أبغض لهواه، وإن أحب أحب لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه.
(وقلب مريض) وهو الذي له حياة وبه علة، فله مادتان: تمده هذه مرة، وهذه مرة أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها ما هو مادة هلاكه وعطبه.
وأهم علاج للقلوب قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك ودنس الكفر وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب
العاجل والآجل: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) . [الأنعام:122]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1422(9/6296)
أوضار القلب القاسي تغسلها التوبة والاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لمن قسى قلبه أو ران على قلبه أو لمن ختم الله على قلبه من توبة؟ أم أن الله لا يوفقه إلى التوبة؟
وما هى الأسباب المؤدية الى ذلك؟
وما هى علامت ذلك؟
أريد أن أعرف جميع أنواع القلوب وصفات كل منها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قبول الله للتوبة وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهراً أو باطناً لا خلاف فيه، فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ولو كافراً تاب من كفره وأسلم أو منافقاً تاب من نفاقه. قال تعالى في شأن المنافقين (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) [النساء: 146]
والتوبة تأتي على كل ذنب بالغاً ما بلغ، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) . [الزمر:53]
وبالجملة فليست هناك معصية إلا ويقبل الله التوبة منها بفضله وإحسانه، كما وعد في كتابه المجيد بقوله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات) . [الشورى:25]
وأما الأسباب المؤدية إلى الختم على القلب والطبع عليه فهي كل ما لا يرضي الله تعالى من الخطايا والمعاصي، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتب في قلبه نكتتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قبله، وإن زيد عاد فيها حتى تعلوا قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) "رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وأما علامات الختم على القلب فهي عدم استجابة الأوامر لله سبحانه وتعالى، فالقلب المختوم عليه هو الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره ونهيه، بل هو دائر مع شهوات صاحبه ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أن أنواع القلوب ثلاثة:
قلب سليم: وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم) . [الشعراء: 88-89]
والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالجملة فالقلب السليم الصحيح هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما بل قد خلصت عبادته لله: إرادة وتوكلاً ومحبة وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء.
(وقلب ميت) وهو المتعبد لغير الله حباً وخوفاً ورجاء ورضاً وسخطاً: إن أبغض أبغض لهواه، وإن أحب أحب لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه.
(وقلب مريض) وهو الذي له حياة وبه علة، فله مادتان: تمده هذه مرة، وهذه مرة أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها ما هو مادة هلاكه وعطبه.
وأهم علاج للقلوب قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك ودنس الكفر وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب
العاجل والآجل: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) . [الأنعام:122]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1422(9/6297)
كره البنات لأجل تبرج البعض منهن مسلك خاطئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبحت لا أحب البنات فهن سبب ضياع الشباب عن طريق الخروج من المنزل والتبرج كتبرج الجاهلية الأولى وهذا سبب في ضياع الأمة فما حكم من يكرههن بسبب مصائبهن وأذكرك بأن المتحجبات
أصبحن يفعلن كالمتبرجات فلهذا أنا أكرههم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من حكمة الله تعالى في خلق البشر أن جعلهم ذكوراً وإناثاً، وركب فيهم الغرائز والشهوات، وفطرهم على ذلك. قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [الحجرات: 13] .
وقال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) [آل عمران: 14] .
ومن المعلوم - قطعاً - أن الخلق جميعاً مختلفون في الطباع والأخلاق والاستقامة، كاختلافهم في ألوانهم وألسنتهم، ومن كان منهم على صفة من الصفات، فإنه يكون على درجة متفاوتة مع غيره ممن يتصف بمثل هذه الصفة، أو نقيضها.
فالصالح متفاوت في صلاحه، وكذا الفاسد متفاوت في فساده.
والفساد وردائ الأخلاق المرجع الأساس فيه إلى تأثر الشخص بالمجتمع، وبيئته التي نشأ فيها، مع ميل فطري في الإنسان إلى التفلت.
فمن منَّ الله تعالى عليه بالهداية والاستقامة، وأرشده إلى طريق الخير والفلاح، ورأى غيره يتخبط في الغواية، ويكون سبباً لإضلال غيره من الناس، فلا ينبغي أن يكون موقف الصالح منه هو موقف الناقم على العاصي الكاره له في شخصه، مما قد يحمله على التعميم على بني جنسه، بل يكون موقفه موقف الداعية الهادي المرشد غيره إلى الخير الذي يكره المعصية ويبغضها، وفي الوقت نفسه ينظر إلى فاعلها بعين الرحمة والشفقة، فقد يكون فيه من الخير الشيء الكثير، ولكنه يحتاج إلى من يبصره بعيوبه.
وفي مصنف عبد الرزاق عن محمد بن يعقوب قال: قال عيسى بن مريم: "لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم، فإنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".
والعافية هي: عافية الدين والخلق والبدن، كما أن البلاء هو بلاء البدن والمعصية.
ولا تعدم أبداً أن تكون من الفتيات ملتزمات قانتات متقيات لله تعالى، بل هنَّ كثير والحمد لله، ولكن قلة خروجهن - كما أمرهن الشرع بذلك - يخيل إليك أن المتبرجات السافرات أكثر، والذنب ليس ذنبهن وحدهن، بل هن أضعف حلقة في المجتمع، فالعتب يكون على من زين لهن الخروج من باب أولى، إذن فمبدأ التعميم الذي يصاب به بعض الناس عندما يرى كثرة الفساد مبدأ غير سليم.
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك - مسلك التعميم - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" رواه مسلم.
قال أبو إسحاق: لا أدري أهلكهم بالنصب، أو أهلكهم بالرفع؟ (أي: فتح كاف أهلكهم، أو ضمها) ، فأهلكهم بالفتح: أي يكون هو سبب هلاكهم بكلمته تلك، لأن منبعها السخط والقنوط واليأس من صلاحهم، فيترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهلكهم بالرفع: أي يكون هو أكثرهم هلاكاً، لأن منبى ذلك على العجب، وعلى كلا القراءتين فمبدأ التعميم مرفوض مذموم شرعاً.
قال مالك في هذا الحديث: إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس، يعني في أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي ينهى عنه.
وإذا كان منبع ذلك الحزن الذي وصل إليه أرباب المعاصي، فالواجب عليه أن يسعى في إزالة أسباب هذا الحزن بالنصح والإرشاد والتغيير إلى الأصلح في محيطه قدر استطاعته، وبكل وسيلة مشروعة متاحة، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التفلت والفساد، ومن ثم معالجته بحكمة. قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1422(9/6298)