يقبل الله توبة العبد ما لم يغرغر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التوبة من ذنب الزنا ثم العودة إليه ثم التوبة هل سيستمر الله فى تقبل التوبة مني عن هذا الذنب كلما أتوب وهل تقبل صلاتي وصيامي رغم أني لازلت على علاقة مع هذا الشخص وكيف أتخلص من تعلقي به، وكلما أعاهد نفسي عن عدم العودة رغما عني أعود إليه فكيف الخلاص أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ارتكاب جريمة الزنا يعتبر كبيرة من أكبر الكبائر وفاحشة من أقبح الفواحش، وقد حذر الله عز وجل في محكم كتابه من مجرد الاقتراب منه فما بالك بالوقوع فيه، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن. قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟ قال: هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها، فإن تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه. وفي رواية للبخاري ومسلم: والتوبة معروضة بعد.
فإذا تاب العبد توبة صادقة بشروطها فإن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أي ما لم يكن في حالة الاحتضار وظهور علامات الموت، وقد رغب الله عز وجل عباده في التوبة والرجوع إليه بقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} .
وشروط قبول التوبة: الندم على ارتكاب الذنب، وعقد العزم الجازم على ألا يعود إليه أبداً، فيما بقي من عمره والشرط الثالث: الإقلاع والابتعاد عن الذنب وأسبابه وكلما يؤدي إليه، فإذا توفرت هذه الشروط فإن التوبة مقبولة إن شاء الله تعالى ولو عاد العبد لضعفه وغلبة هواه ثم تاب توبة نصوحا مستكملة الشروط فإن توبته مقبولة.
أما إذا لم يحصل ندم على ما فات، ولم يقلع عن الذنب ويجزم جزماً قاطعاً على عدم العودة إليه فإنه يعتبر متلاعبا ولا توبة له ما لم تتوفر شروط التوبة كلها، وعلى العبد أن يتذكر بغتة الموت ويبادر بالتوبة النصوح قبل فوات الأوان.
والواجب على هذه السائلة أن تبتعد بالكلية عن هذا الشخص وتقطع كل العلاقات والأسباب التي تؤدي إلى الاتصال به، وتلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتقرب إليه بالفرائض وما استطاعت من أعمال الخير والنوافل لعل الله تعالى يغفر لها ويتقبل منها فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(9/5205)
حصائد الألسن هي من أعظم ما يوقع في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي الغيبة وعدم الصبر مع أني أستمع إلى دروس إسلامية وأذهب إلى مراكز لحفظ القرآن لا أعرف ماذا أفعل؟ ساعدوني من فضلكم.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بتعويد نفسك على الصمت وعدم الكلام بمالم تتأكدي أنه خير، لما في حديث الصحيحين: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. وتذكري أن حصائد الألسن هي أعظم أسباب الوقوع في النار لما في حديث الترمذي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا نبي الله، قال: كف عليك هذا، فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. واعلمي أن الغيبة من أخطر محرمات اللسان وكبائر الذنوب وأشدها خطرا على العباد لما فيها من اقتراف الذنوب وأخذ الغير حسناتك، وقد ثبت في الحديث أنها أخطر من الزنا بأضعاف مضاعفة. ففي الحديث: الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه. رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني. وعالجي نفسك بشغل وقتك وذهنك عن التفكير في الناس والكلام فيهم ببرنامج يفيدك في دنياك وآخرتك، فاحرصى على حفظ القرآن وما تيسر من الأحاديث وتعلمي ما يهمك من فقه دينك وتعلم أحكام ما تزاولين في حياتك اليومية وأكثري من مطالعة كتب الترغيب والترهيب وكتب السير والقصص المفيدة وحدثي زميلاتك وأخواتك بما استفدت منها حتى تصبح مجالسك مجالس ذكر ومدارسة للوحي يستفيد منها من حضرها. وراجعي فيما تقدم وفي بيان مخاطر الغيبة وبعض أحكامها وفي أسباب اكتساب صفة الصبر وبرمجة الوقت فيما يفيد الفتاوى التالية أرقامها: 41016، 48897، 32180، 8601، 9570، 17373، 48063، 45328، 59782، 11465، 6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1426(9/5206)
طاعة الله والإكثار من ذكره دواء لا يقف أمامه داء
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي سوف تدمر حياتي مالم تنقذوني. كذب علي زوجي في أمر ما حتى لا أثور ونتشاجر، ومن وجهة نظره أن هذا من مصلحة الأسرة ومنذ ذلك الحين لا أصدقه حتى وإن كان صادقا، وهو الآن على سفر وعندما يكون معي أصدقه في مشاعره وحبه الشديد لي ولأولاده وعندما يغيب عنا لظروف عمله أفكار كثيرة تجيء إلى رأسي تكاد تدمرني وأقوم بالاتصال به وأحول حياته إلى جحيم وأطلب منه أن يطلقني لأني لا أصدقه ويريحني لفترة من الوقت وأعود كما بدأت حتى أنه ما صار يلتمس لي الأعذار وعندما فاض به الكيل مني لعدم الثقة فيه وافق أن نذهب لإتمام الطلاق ولولا تدخل أخي لكنت الآن مطلقة. أرجو من سيادتكم إيجاد أي حل لأفكاري التي تسول لي أنه إنسان مخادع بالرغم من أنه مصل ويعرف الله ويشهد جميع من يعرفه بالخلق الحسن وخصوصا أنه قد حج هذه السنة وأنا على علم بأن زوجي لا يرتكب الكبائر ولكن هي نفسي.
أفيدوني يرحمكم الله فقد تعبت من البكاء بحرقة على حياتي التي تحولت لجحيم الشك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلاجك الرجوع إلى الله تعالى والاشتغال بطاعته والإكثار من ذكره فهو الدواء الذي لا يقف أمامه داء، والذي تتحطم على أعتابه كل الوساوس والأوهام الشيطانية التي يريد الشيطان أن يفسد بها أسرتك ويحطم بها حياتك، فثقي بالله تعالى، واعلمي أن كذب الزوج على زوجته لإصلاح الحال كذب أباحه الشرع لما يترتب عليه من المصلحة والوئام بين الزوجين، فليس لك البحث والتنقيب عن صدق زوجك من عدمه، فاتقي الله تعالى أيتها الأخت وأحسني الظن بزوجك، وكوني عونا له على طاعة الله تعالى، وتذكري حقه العظيم عليك، فتوبي إلى الله من تلك القسوة التي كنت تقابلينه بها، وافتحي صفحة جديدة ملؤها الحب والاحترام والتقدير له، وستلاحظين إن عملت بما أوصيناك به كيف يتغير حالك بين عشية وضحاها، وفقك الله لما يحب ويرضى، وأعانك على طاعته والتغلب على الوساوس والأوهام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(9/5207)
سعة الرزق وتضييقه.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت أتعامل مع بنك ربوي لفترة إلى أن تاب الله علي وأصبحت كل معاملاتي إسلامية ولكني منذ ذلك الوقت إلى الآن وأنا أمر بظروف مادية صعبة لا أدري لماذا مع أنني أقرأ جميع الأدعية التي تقي من المصائب وحتى أنني أقرأ سورة الواقعة يوميا وأصلي جميع صلواتي بالمسجد. تعبت من المصائب التي تحل علي دائما وتجعلني أصرف كل ما لدي وأقترض أيضا أريد حلا لمشكلتي جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيك بمواصلة التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة والاستعانة بالصلاة، فإن الذنوب هي أخطر المشاكل، وهي أعظم أسباب البلاء، فإذا تاب العبد أحبه الله وحقق له الفلاح؛ كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222}
ومن أحبه الله أعطاه ما طلب وأمنه مما يخاف، فقد روى أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه …. رواه البخاري.
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء.
ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل
واعلم أن الدعاء هو أعظم أسباب رفع البلاء، فقد روى الترمذي عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. والحديث حسنه الألباني
فعليك بالدعاء بدعوة يونس وباسم الله الأعظم، ففي الحديث: دعوة ذي النون التي دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها مسلم في كربة إلا استجاب الله له. رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد وصححه الألباني
وعليك بتحري الدعاء في ثلث الليل الأخير، وفي السجود، فقد أخرج مسلم وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح
وقال صلى الله عليه وسلم في الحض على الدعاء في السجود: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. رواه مسلم.
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يستجيب لك وأن يخلف عليك بخير، وأن يفتح علينا وعليك أبواب فضله ورزقه.
واعلم أن ما عند الله لا ينال بمعصيته، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على شؤم المعاصي، وأنها من أسباب البلايا والرزايا التي تصيب الإنسان في حياته وبعد مماته إذا لم يتب منها. قال الله تعالى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة 21}
واعلم أن التعامل بالربا لا يجوز، ومن فعله فقد فتح عليه باب شر عظيم باقترافه كبيرة من الموبقات، وستمحق بركة ما أخذه من الربا، ويتعرض لإعلان حرب بينه وبين رب العزة جل جلاله، ينال بسببها اللعن وعذاب الدارين، قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة: 276-279}
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية. ورجال الحديث رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع
وقال صلى الله عليه وسلم: الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي
وقد روى البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا، وفيه: أنه عليه السلام مر على أقوام يعذبون ألوانا من العذاب، ومنهم: رجل يسبح في بحر من دم، وعلى حافة النهر رجل بين يديه حجارة، وكلما اقترب الرجل من حافة النهر فغر فاه فألقمه ذاك الرجل حجرا فيرجع، فإذا اقترب من حافة النهر ألقمه الرجل حجرا آخر، وهكذا ... ونسأل الله العافية، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قيل له: هذا آكل الربا.
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء يعني في الإثم.
ثم إن الله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء لحكم يعلمها الله قد يكون من ضمنها امتحان صدق العبد في التوبة وتكفير ذنبه، وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
وقال: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155-156}
وقال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت: 2-3}
فعليك بالرضى بقضاء الله وقدره خير وشره، فهو من أركان الإيمان الستة كما في حديث جبريل: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره رواه مسلم
وعليك بالقناعة والرضى بما قسم الله لك، فإن الرضى والشكر سبب الغنى والمزيد
ففي الحديث: كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وفي لفظ آخر: كن ورعا تكن من أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا، وجاور من جاورت بإحسان تكن مسلما، وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك فساد القلب. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
وعند الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه، ووسعه، وإن لم يرض لم يبارك له، ولم يزد على ما كتب له. والحديث صححه السيوطي والألباني في صحيح الجامع.
ثم إن بسط الرزق وتضييقه من قضاء الله ومشيئته؛ كما قال الله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {العنكبوت:62} .
وقال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {الزمر:52} ، ومعنى "يقدر": يضيق.
وإن من أعظم أسباب سعة الرزق تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2- 3} .
ومن أعظم أسباب ضيق الرزق معصية الله تعالى، ففي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وهناك أسباب أخرى متفرعة عن السببين المتقدمين، منها -مثلا- صلة الرحم، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
ومنها -أيضا- كثرة الإنفاق في سبيل الله والصدقة ابتغاء وجهه تعالى
ولا بد أن ننبه إلى أمر وهو أن سعة الرزق أو ضيقه تعني بالدرجة الأولى ما يجعله الله تعالى من البركة في ما آتاه لعبده، وما يمتعه به من السعادة والطمأنينة به، وشواهد ذلك كثيرة من واقع الناس.
قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {الأعراف: 96}
وقد تكون كثرة المال للعاصي سببا لاستدراجه؛ كما في الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
وراجع في تخريج حديث الواقعة الفتوى رقم 13140
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(9/5208)
نصائح نافعة لاجتناب الوقوع في الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت الحمد لله أصلى وأصوم وإلى حد ما أعرف الحرام والحلال ولكن غلطت غلطة كبيرة....... يعنى غلطة من الكبائر وحاولت أن أبتعد والحمد لله ابتعدت لكن يا ترى ماذا أعمل حتى يسامحنى ربي عن الكبيرة التي عملتها؟ وكيف أبتعد أكثرعن هذا الغلط حتى لا أكرره إن شاء الله تعالى؟ وكيف أعرف أن الله سبحانه وتعالى قد سامحني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكبائر هي عظائم الذنوب، ومنها الموبقات التي توبق صاحبها في نار جهنم، ولا يقدم عليها إلا من قسا قلبه وضعف إيمانه، ولم يستح من ربه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. أي لا يقدم على فعل هذه الكبائر وهو مؤمن كامل الإيمان، وإنما يفعلها وهو ضعيف الإيمان قد خفت في قلبه الوازع الديني.
ومع ذلك، فإن من سعة رحمة رب العالمين أن فتح باب التوبة للعصاة فلا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فإذا أتى العبد ربه مقرا بذنبه منكس الرأس ذليلا نادما عازما على عدم العودة أبدا إلى ما يغضبه سبحانه، فإن الله يفرح بتوبته ويقبلها منه، ويغفر له ذنبه ويمحه من صحيفته، بل ويبدل سيئاته حسنات. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} وقال سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 104} . وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. وقال أيضا: والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة.. رواه البخاري ومسلم.
وانظري لزاما شروط التوبة النصوح في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9694، 5450، 29785.
وتجنبي الوقوع فيما قارفته من الذنوب والزمي الالتجاء إلى الله وسؤاله بإلحاح أن يصرف عنك ما يغضبه وأن يحفظك من شر الشيطان وشر نفسك وأن يعينك على الاستقامة ولزوم طريق الهداية وأن يغفر لك ذنبك السالف.
وكذلك يجب عليك أن تبتعدي عن أساب المعصية فتفارقي رفقة السوء التي تزين للعبد المصائب وتجلب له ما يرديه في الآخرة، فاقطعي علاقتك بهم نهائيا وغيري أرقام هواتفك حتى لا يحاولوا وصل ما انقطع ولا يذكروك بالمعصية.
وفي المقابل اتخذي رفقة مؤمنة من الأخوات الصالحات الفضليات، وهم بحمد الله كثير، ففتتشي عنهن واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واعلمي أن ما افترضه الله على العباد أعم من مجرد الصلاة والصيام، بل افترض عليهم أن يسلموا لشرعه سبحانه ويصدقوا خبره وينقادوا لأمره وينتهوا عما نهاهم عنه، وعلى ذلك فيجب عليك فعل ما افترضه الله عليك، ومن ذلك الحجاب الشرعي السابغ الذي يستر جميع البدن وعدم التهاون في هذا الأمر أبدا.
وكذلك يجب عليك الانتهاء عن المعاصي التي يكتسبها العبد بعينه أو أذنه، فغضي بصرك عن الحرام. قال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ {النور 31} . ولا تسمعي بأذنك ما يغضب الله من الأغاني والمعازف المحرمة.
واجعلي القرآن أنيسك واقرئيه بتدبر، واجعلي لك منه وردا منتظما تقرئيه كل ليلة، واكثري من ذكره على كل حال وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها في كتاب "حصن المسلم" للقحطاني.؟
واحضري دروس العلم واشهدي مجالس الخير، فإن الله يحبها ويغفر لأصحابها وأكثري من استماع الأشرطة الإسلامية، وخصوصا المحاضرات التالية: "توبة صادقة" للشيخ سعد البريك، "جلسة على الرصيف" للشيخ سلمان العودة، "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي "على الطريق" للشيخ علي القرني، وتجدي هذه الأشرطة وغيرها على موقع طريق الإسلام www.islamway.com
ولمزيد من الفائدة طالعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18654، 9394.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1426(9/5209)
بشرى لمن فقدت زوجها قبل زفافها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والد لبنت عمرها 26 سنة, وقد كانت مخطوبة لشاب صاحب خلق ودين وتوفي قبل الزفاف بعدة أشهر وهو شاب في 27 من عمره, وأنا قلبي راض عن ابنتي المصلية قائمة الليل التي تقبل يدي ليلا نهارا, وحينما أراها حزينه قلبي يتمزق ألما عليها, هل من كلمة توجهونها لها لتشد أزرها, مع العلم بأنها عند الصدمة الأولى قالت إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيراً منها في الدنيا والأخرة؟ ولكم الأجر إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-156-157} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم. صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث محمود بن لبيد.
فالمؤمن إذا أصيب بمصيبة فاسترجع وصبر واحتسب فليبشر بحسن العوض عما فقد، وبأن ذلك من رحمة الله تعالى به، ليرفع درجته، أو ليكفر عنه سيئاته، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
فنصيحتنا لها أن تصبر على ما أصابها وتحتسب الأجر عند الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {الشورى:36} .
فلا ينبغي لها أن تترك هذا الأجر العظيم يفوتها، ولعل الله تعالى يبدلها خيراً بذلك، وعليك أنت أيها الوالد الكريم أن تُذكرها بأجر الصابرين، وبأن المؤمن يجب عليه أن يرضى بقضاء الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامة. رواه مسلم، وللمزيد من النصائح راجع الفتوى رقم: 19810، والفتوى رقم: 25111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1426(9/5210)
مفتاح رفع المظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[آية من القرآن الكريم تراودني في كل صلاة وأنا في ضيق شديد ومظلوم في ناحية ما في عملي: هل أتاك حديث الجنود* فرعون وثمود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نتفاءل لك إن كنت مظلومة فعلا ومستقيمة في دينك أن الله يرفع عنك الظلم كما رفع ظلم فرعون وقوم ثمود عن أهل الحق، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وسؤاله أن يعوضك خيرا مما فاتك وبالاستقامة على الأعمال الصالحة فهي مفتاح لتحقيق جميع المصالح ورفع المظالم. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 22409 و 52419 و 54545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1426(9/5211)
كثرة التفكير في الاستمتاع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت عزباء تقريباً كل يوم أتخيل نفسي متزوجة وأمارس الجنس معه ثم أنجب أطفالا كل مرة قصة.. لكن بعض المرات يمكن مرة كل 4 أو 3 أشهر يصل الأمر معي أني أشعر بما تشعر الزوجة مع زوجها من رعشة ثم نزول الماء الأبيض. وهذا يريحني فلا أرجع للأمر إلا مرة واحدة وهذا يجنبي ممارسة العادة السرية حاولت التخلص من هذا الأمر ولكن لم أستطع وهو يجنبني ممارسة الحرام.
أرجو الدعاء لي بالزواج السريع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لا يؤاخذ العبد على مجرد الخواطر والتفكير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
ولكن مع التمادي فيما تفكرين فيه قد تشتد بك الشهوة حتى تفعلين الفاحشة عياذا بالله، فإن الجرائم الكبرى أولها خطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
كما أن هذه الخواطر إنما تتولد مع استحضار الصور في الذهن مما يدفعك إلى النظر إلى الصور المحرمة وعدم غض البصر، وهذا أمر محرم في كتاب الله جل وتعالى، فقد قال سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ {النور: 31}
وعلى ذلك، فإن الواجب عليك الانقطاع عن هذا التفكير سدا للذريعة، ثم اتخذي بعض التدابير المعينة على صرف هذه الخواطر الرديئة عنك، ومنها:
أولا: سؤال الله بذل وإلحاح أن يرزقك العفاف، وتلمسي في ذلك أوقات الإجابة وانظري الفتوى رقم: 57084 وما تفرع عنها من فتاوى.
ثانيا: الإكثار من الصيام، فإن له تأثيرا بالغا في كسر الشهوة، قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه
ثالثا: ذكر الله على كل حال، خاصة الأذكار الموظفة التي تقال عند الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدينها في حصن المسلم للقحطاني.
رابعا: انشغلي بما ينفعك في الدنيا والآخرة، وأعظم ذلك طلب العلم النافع، فإنه يعلي الهمة ويملأ الوقت، وانظري الفتاوى: 59729، 59868، 12767.
خامسا: اصحبي الأخوات الصالحات الفضليات، فإن صحبتهن من خير المعينات على الثبات على طريق الحق.
سادسا: لك أن تعرضي نفسك على أحد الصالحين المرضيين في دينهم وأخلاقهم ليتزوجك، وبإمكانك أن تخبري بعض الأخوات الصالحات بحاجتك تلك وتوسطيهن في إتمام هذا الأمر، وانظري الفتوى رقم: 18430 ورقم: 19196. ولتعلمي أن المرأة إذا اشتدت شهوتها وخرج منيها فإنه يجب عليها الغسل من الجنابة. هذا، ونذكرك بحرمة ارتكاب العادة السرية، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4070، 9195، 15585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(9/5212)
موقف المسلم عند حلول المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[أتعرض للسرقة على فترات متفرقة على الرغم من أنني أتوخى الحلال في رزقي ولا أدري أهو عقوبة أم اختبار، وما السبيل لتحصين أموالي من السرقة، أفيدوني؟ حفظكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشروع للمسلم عند حلول المصائب كالسرقة وغيرها أن يعلم أن الله يكفر بها عن سيئاته ويرفع بها درجاته، فيكون ذلك دافعاً له للصبر عليها، والرضا عن الله تعالى بها، ولا ينبغي له أن يتشاغل هل هي عقوبة أو اختبار، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 19810.
ولا نعلم دعاء خاصا لحفظ المال من السرقة، ولكن أرشد النبي صلى الله عيله وسلم المسلم إلى جملة من الأذكار والأدعية في الصباح والمساء تحفظه من الشر والمكروه بإذن الله، وقد ذكرنا طرفا منها في الفتوى رقم: 27148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(9/5213)
توبة سيد المرسلين إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله أكثر من مائة مرة، سؤالي كيف يتم ذلك وأحسن أوقاته ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرت رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظ أبي داود: إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
وعليه، فطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الإكثار من الاستغفار كما جاء في هذا الحديث في عموم الأوقات وعموم الأحوال، وقد ثبت الترغيب في الاستغفار آخر الليل وهو وقت السحر. قال الإمام القرطبي في تفسيره: الاستغفار مندوب إليه، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها فقال: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الذاريات: 18} . إلى أن قال: وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول: يا رب أمرتني فأطعتك، هذا سحر فاغفر لي، فنظرت فإذا هو ابن مسعود. انتهى.
كما ندب الشارع إلى الاستغفار عقب الصلوات، وينبغي تحري أوقات الإجابة فيكثر فيها الإنسان من طلبه المغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(9/5214)
المرء مسؤول عن حواسه
[السُّؤَالُ]
ـ[موضوع الحواس إسلاميا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسؤول عنه غير واضح، إلا أنا ننبه إلى أن الله أنعم على الإنسان بهذه الحواس، وامتن عليه بها، وتعبده بالشكر واستخدامها فيما يرضي الله وأخبره أنه مسؤول عنها، فقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل:78} . وقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ {البلد:8ـ9} . وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً {الانسان:2} . وقال: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الاسراء: 36} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(9/5215)
ذكر المعاصي عند الاستفتاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين، هل عندما يسأل الإنسان ويقول للشيخ إنني فعلت مثلا زنيت أو دون الزنا هل يعتبرذلك من المجاهرة بالمعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المجاهرة بالمعاصي تعتبر معصية أخرى زيادة على اقترافها، والواجب على من ارتكب شيئاً من الفواحش أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى وأن يستر نفسه ولا يحدث أحداً بشيء من ذلك، فقد روى مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وعلى هذا فذكر المعاصي والحديث عنها لا يجوز لشيخ ولا لغيره، وبإمكان الشخص أن يوري فيقول: مثلا بماذا تفتون من وقع في كذا ... وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 31455.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(9/5216)
بين الطموح وعدم الرضى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الطموح وعدم الرضى بماقسمه الله لنا بمعنى آخر فإن كان رجل عنده عمل فهل يرضى بما قسمه الله له دون أن يحاول أن يطور نفسه علما بأنني دائما كلما وصلت إلى هدفي أحببت أن اضع هدفا اخر لكي اصل اليه مع الرضى بالموجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 55820، 30754
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(9/5217)
هل ينافي الاستمتاع بالطيبات مع القرب من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعيش في الحياة مستمتعاً بكل ما فيها، وفي نفس الوقت أريد أن أكون قريبا من الله وأدخل الجنة كيف يكون ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على العبد في الاستمتاع بما أحل الله من الطيبات في الدنيا، ولكن الأولى إيثار المحتاجين من ذوي الفاقة والأرحام، وأن يقتصر هو على الحاجة، ويدل لهذا قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {الأعراف:32} .
وقد مدح الله الأنصار فقال فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر:9} ، وراجع في أسباب الحصول على القرب من الله ودخول الجنة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29405، 31874، 26534، 47756.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1426(9/5218)
من تمام التوبة أن ينخلع من رفقة السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 29 سنة ضيعتها في المخدرات بيعها وشرائها واستعمالها والآن تبت إلى الله ولا أريد أن أرجع إلى تلك المعصية فأرجوكم ساعدوني كما أن أصحاب الشيطان يدورون علي ويريدوني أن أعود إلى الشيطان..وأنا أريد أن أقضي بقية حياتي في الدعوة إلى الله وحفظ كتابه وسنة نبيه أريد أن أصرف على أبي وأمي وإخواني بالحلال وأريد أن أستر على نفسي وأتزوج بالحلال بدل الحرام وأن يرزقني الذرية الصالحة للإسلام والصحبة الصالحة التي تساعدني على ديني ودنياي أو أن تعرفوني على إخواني من المسلمين الذين يستطيعون مساعدتي في سبيل الله والدعوة في سبيله وجزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة التوبة من قبل أن يدهمك الموت، وحينئذ لاينفع الندم، ونبشرك بأن الله يفرح بتوبة عبده إذا جاءه تائبا نادما، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة104} وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 110} . وقال أيضا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
قالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل إن الله يبدل سيئاته الماضية إلى حسنات. قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70}
هذا، وإن للتوبة النصوح شروطا انظرها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9694، 5450، 29785.
واعلم أن من تمام توبتك أن تنخلع من رفقة السوء وأعوان الشيطان، وأن تفتش عن الشباب الصالحين رواد المساجد، فتنتظم في سلكهم وتعبد الله معهم وأد الفرائض كلها وأهمها الصلاة، ولتكن في جماعة، واقرأ القرآن بتدبر، وليكن لك فيه ورد ثابت يوميا، واذكر الله كثيرا، وحافظ على الأذكار الموظفة، وتجدها في حصن المسلم للقحطاني، وأكثر من سماع الأشرطة الإسلامية، وتجد كثيرا منها على موقع طريق الإسلام: www.islamway.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(9/5219)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم كنت في مكة ووقعت لي حادثة مع ابن أختي البالغ 23 سنة وابن بنتي البالغ 12 سنة، وحاول ابن أختي الاعتداء على ابن بنتي وهو نائم فطردنا ابن أختي ولما رجعنا من العمرة أخبرنا إخوته وجاء معهم واعترف بما فعل فسامحناه بشرط أن لا يدخل بيتنا ولا يحاول الاتصال بنا، وبعد مرور 3 سنوات حاول إخوته أن يصلحوا الأمور بيننا وطلب مني إخوته أن أذهب لأخطب له وتكون بداية الصلح فرفضت لأني بعد الذي فعله لا أستئمنه على نفسي ولا على بيتي، فهل علي ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس من هجر هذا الشاب ومنعه من دخول بيتك اتقاء لشره إن كان لا يزال مصراً على عمله ذلك المشين، فإن كان قد تاب وصلح حاله فلا يجوز هجره لأن له حق الصلة لكونه من الأقارب والرحم الواجب صلتها، ولأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال الله تعالى: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {النساء:16} .
قال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا. أي واللذان يأتيان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وغيرهما: أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك، حتى نسخه الله بالجلد أو الرجم، وقال عكرمة وعطاء والحسن وعبد الله بن كثير: نزلت في الرجل والمرأة إذا زنيا. وقال السدي: نزلت في الفتيان من قبل أن يتزوجوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجلين إذا فعلا -لا يكنى، وكأنه يريد اللواط- والله أعلم، وقد روى أهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
وقوله: فإن تابا وأصلحا أي أقلعا ونزعا عما كانا عليه، وصلحت أعمالهما وحسنت، فأعرضوا عنهما أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إن الله كان توابا رحيماً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(9/5220)
من شروط صحة التوبة من مظالم العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكر لكم التفضل بالإجابة على سؤالي رقم (264127) لكن لم أكن على علم بما تفضلتم به، وقد قال الله تعالى: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ. هل ينطبق هذا على حالتي أو ما العمل أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الندم والتوبة وكذلك الجهل بالحكم لا يُعفي صاحبه من رد حقوق الناس، وقوله تعالى: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ {البقرة:275} ، نزلت في العقود الربوية التي كان يتعامل الناس بها قبل نزول تحريم الربا، فلم يطالبوا بالتخلص من أموالهم التي كسبوها عن طريق العقود الربوية قبل تحريم الربا، وبمعنى آخر أن ما قبض من الأموال في تلك الفترة معفو عنه وما لم يقبض لم يعف عنه.
وأما الاستدلال بالآية على أن من غصب أو سرق أو احتال لأخذ المال المعصوم ثم إذا تاب وندم صار هذا المال حلالاً في حقه، فهذا لم يقل به أحد؛ بل هم مطبقون على أن من شروط صحة التوبة رد الحقوق إلى أهلها إن وجدوا وأمكن الوصول إليهم؛ أو التصدق بها.
جاء في الأداب الشرعية: قال القرطبي في تفسيره حكاية عن العلماء: فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه عيناً كان أو غيره إن كان قادراً عليه، فإن لم يكن قادراً عليه فالعزم أن يؤديه إذا قدر عليه في أعجل وقت وأسرعه، وهذا يدل على الاكتفاء بهذا، وأنه لا عقاب للعذر والعجز. انتهى، وراجع الفتوى رقم: 22156.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(9/5221)
طاعات يحيا بها القلب ويقوى بها العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدى الفاضل منذ وفاة والدي وأنا في حالة خوف دائم هل تعطينى نموذجا بسيطا أو واجبا يوميا أفعله كل يوم فيجعلني مطمئنة نوعا ما إذا مت في ذلك اليوم أرجوك ساعدني فقد قرأت الكثير ولو فعلت ما يوجد فى الكتب لم أجد وقتا لزوجي ولا لابنتي فأرشدنى إلى أعمال بسيطة ثوابها كثير وجزاك الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالإتيان بأفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى وهو الفرائض وأداء الحقوق، لما في حديث البخاري: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه.
فاحرصي على أن يكون لك مصلى في بيتك في أستر مكان منه فصلي فيه الفروض والنوافل، وأيقني أن صلاتك في هذا المكان أفضل من صلاتك في أفضل المساجد خلف أفضل الأئمة.
واحرصي كذلك على القيام بحق زوجك وولدك واستشعري أن إيناس زوجك وإرضاءه وحسن التبعل له من آكد أعمال البر، واحرصي على تربية بنتك تربية إسلامية فإنك مسؤولة عنها ومكلفة بوقايتها من النار، وإن صلاحها يجلب لك سعادة الدنيا إذا كبرت فكانت مستقيمة في دينها مطيعة لربها برة بأبويها، ويجلب لك سعادة الآخرة إذا مت فظلت تدعو لك بالخير وتتصدق وتحج عنك.
ثم احرصي بعد ذلك على الاشتغال بالتعلم والذكر، فبرمجي حفظ آيات من القرآن يوميا، واستخدمي ما تيسر من الوسائل، فحاولي سماع المقطع الذي ستحفظينه عدة مرات من قراءة أحد القراء المتقنين، ثم راجعي بعد ذلك عدة مرات حتى تحفظي المقرر، ثم كرريه في عدة أوقات حتى يثبت ويرسخ في الذاكرة، ويمكنك أن تستعيني بالشريط المعلم بحيث تسمعين آية أو جملة، فإذا سكت القارئ كررتها بعده.
ومن المستحسن أن تبرمجي مع من يساعدك فقد قيل قديما: نبت العلم بين اثنين، فيمكن أن تبرمجي حفظ سورة من القرآن مع زوجك وتقيما حلقة لمدارسة القرآن في البيت، فإما أن تجلسا في وقت واحد حتى تحفظا، وإما أن تصححا المقطع بواسطة الشريط ثم ينفرد كل منكما به حتى يحفظه ثم يسمع كل منكما للثاني، ويمكن أن تفعلي هذا البرنامج مع إحدى أخواتك أو زميلاتك.
واعلمي أنه لا بد من تصحيح القرآن الكريم على الشيوخ المتقنين، فيمكن أن يذهب زوجك إلى الشيوخ فيصحح عليهم، ثم يرجع ويصحح لك أو تقرئين على محارمك أو غيرهم مع الالتزام بالضوابط الشرعية
وروحي عن نفسك في بعض الأوقات بقراءة كتب الحديث والسير والقصص المفيدة.
وواظبي على الأذكار المقيدة والمطلقة والنوافل وغير ذلك من أعمال الخير، فإن الذكر يطرد الشياطين وتطمئن به القلوب. كما قال تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} ويضاف إلى هذا أن تعبه قليل، ففي الصحيحين: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.
وراجعي للزيادة في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 39238، 6659، 35356، 10306، 45944، 52900، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(9/5222)
لا ينسى المسلم أنه عبد لله أينما كان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب ملتزم والحمد لله أريد منكم جزاكم الله خيراً بعض الإرشادات التي تنفعني في هذا الوقت، وخاصة عندي الخدمة الإلزامية في الجيش؟ وجزاكم الله عني وعن الأمة الإسلامية كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم في أي مكان يتواجد فيه لا ينسى أنه عبد لله مكلف بتكاليف شرعية، وليكن لك أسوة بيوسف عليه السلام الذي زج به ظلماً إلى السجن فلم يمنعه ذلك من أداء ما أوجبه الله تعالى عليه من دعوة رفقائه إلى توحيد رب العالمين ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة.
هذا والذي ننصحك به ثلاثة أمور:
الأول: أن تتمسك بالدين في خاصة نفسك، فلا تشغلك الخدمة العسكرية عن الواجبات الشرعية، فتقيم الصلاة وتصوم رمضان، ونحو ذلك من الواجبات، ولا تترك كتاب الله، وأقرأه بتدبر، واذكر الله على كل حال، وحافظ على الأذكار الموظفة التي تقال عند الصباح والمساء والنوم وفي أدبار الصلوات ونحو ذلك.
الأمر الثاني: أن تجتهد بقدر المستطاع في دعوة زملائك المجندين ممن تأنس فيه الخير ومحبة الحق -إلى دين الإسلام، واعلم أن من أهم وسائل دعوة الناس إلى الخير أن يروا منك الصدق والاستقامة وأخلاق الإسلام، وقد قال الشافعي: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً.
الأمر الثالث: فتش عن الصحبة الصالحة من إخوان الصدق، وهؤلاء لا يخلو منهم مكان وإن قلَّوا، وهم من أهم أسباب الثبات فالشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(9/5223)
إثم وجزاء من لا يوفي الأجير أجرته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل شرعيا مع من لا يدفع لي أجر عملي مع أنه مقتدر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المستأجر إذا امتنع عن دفعه أجرة الأجير مع قدرته على ذلك فإنه آثم غاصب يتجه إليه الوعيد الشديد الذي جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، وذكر منهم رجلا استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره.
أما كيف تتصرف حيال ذلك، فثمة أكثر من طريق لأخذ حقك منها التظلم والتشكي إلى من ينصفك منه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 23727.
ومنها ما يعرف بمسألة الظفر، وراجع فيها أيضا الفتوى رقم: 27080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(9/5224)
عقوبة من لا يغض بصره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عقاب الذي لا يغض البصر وكيف يحاسب؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم عقوبة خاصة ولا كيفية حساب خاص بمن لا يغض بصره، إلا أن الله قد توعد من يعصيه ويتعدى حدوده بعذاب النار، قال الله تعالى: وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {النساء:14} ، وقد ثبت في حديث مسلم عد النظر للمحرمات من أنواع الزنى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان وزناهما النظر.
وقد توعد الله الزناة بالعذاب فقال: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، فعلى جميع المسلمين أن يلتزموا بغض النظر الذي أوجبه الله تعالى فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وراجع الفتوى رقم: 5776.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5225)
يغفر الله للتائب ذنوبه الماضية
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الله..ها أنا وبعد سنوات من الغفلة وقد تاب الله علي..أنا شاب عمري 25 سنة قد عشت طوال عمري في المعصية..لا أعرف شيئا عن أحكام الدين وأنا من بيئة صالحة ولكن الشيطان كان يزين لي أعمال السوء..لن أطيل عليكم وأدخل في الموضوع ... أنا الآن بعد إعلان توبتي منذ عام وبدأت أتعرف على أحكام التوبة الصحيحة حتى يرضى الله عني..وبدأت أراجع شريط حياتي بالكامل..وانظر ماذا قدمت يداي..طبعا كثير من الذنوب المتعلقة بالمال وحقوق الناس..والحمد لله حتى الآن أجاهد في تسديدها لأصحابها من كان له حق عندي..وأطلب التحلل من الأشخاص من ذوي الحقوق المنتسبة إلى..وها أنا الحمد لله بدأت في إنهائها تماما..وأنا أعزم الآن على خروجي للحج حتى أتم توبتي وإسلامي لله سبحانه وتعالى..ولكن المشكلة تكمن في أني وأنا أراجع نفسي وجدت ذنبا يهاجمني ليل نهار وأنا الآن حساس تجاه حقوق الله بطريقة غير عادية..يعنى موسوس جدا من خوفي الشديد من الله على العكس كما كنت من قبل..وسوف أحكي الموقف حتى تفيدوني ... منذ 9 سنوات تقريبا ... كنت أستقل سيارة مع أحد الزملاء وكان برفقتنا زملاء آخرون في السيارة..كان عمري حينذاك 17 سنة..وفجأة صدم زميلي هذا شخصا بالسيارة وبعدها أصيب بخوف وزاد من سرعة السيارة وهرب خوفا من المسئولية..أنا وقتها كان ما يدور في رأسي هو الخروج من هذا الموقف العصيب بما أني ليس لدي أية مسئولية ولا شيء وهو المسئول في كل شيء..وكنت خائفا جدا وأريد أن أكون في أمان.ووقتها لم أكن على علم بالدين وما الواجب علي أن افعله.طبعا الواحد لما يكون غير عالم أحكام الله يكون مثل الأعمى ويتصرف على غير علم..وانتهى الموضوع وخرجت من السيارة وذهبت إلى المنزل وأنا ما عندي أية مشكلة لكن كل ما كان يضايقني وقتها كيف أني رأيت شيئا خطأ ولم أعرف ماذا أصنع..قصصت القصة على أخي بعدها بيوم ففاجئني بقوله لازم تبلغ الشرطة وتخلي مسئوليتك أمام الله. قلت له كيف ... قال ابعث جوابا لأقرب قسم شرطة وفعلا ذهبت لبيت زميلي هذا مع العلم أنه ليس صديقا وهو مجرد صاحب واحد صاحبي..وفعلا حاولت جاهدا أنى أحصل على رقم السيارة لكن لم أستطيع لأنها كانت مغطاة وقريبة جدا من المنزل وكنت أخشى تعريتها حتى لا تحدث مشكلة..فقصرت على نفسي وكتبت مواصفات السيارة والبيت ورقمه واسمه وكل حاجة وحكيت في الجواب كل شيء أعرفه وأرسلته..ولا أعرف ماذا حدث بعدها لكن تقريبا لم أسمع بأي أذى لهذا الزميل وبعدها انقطعت أخباره والصلة به وخلاص وانتهى الموضوع ... وها أنا الآن بعد 9 سنوات أراجع نفسى..فأقول كيف هذا؟ ماذا فعلت؟ كيف لم أتصرف صح؟ وقلبي ينزف والله دمعا؟ لقد سئمت من التفكير في هذا الموضوع من معاقبة نفسي على تصرفي الخاطئ الجاهل؟ وأشعر بأني قد أذنبت والله أكثر من هذا الولد!! والموضوع حتى بعد مسائلتي لشيخي الذي يتابعني..لازال يهاجمني هجوما شديدا وأشعر بضيق بأن الله سوف ينتقم منى! أو أن علي كفارة لم أؤدها! أو هذا الشخص المصدوم له حق عندي! الشيطان لا يتركني والوساوس تلاحقني كثيرا حين يذهب تفكيري لهذا الموضوع..أرجوكم وقد أطلت عليكم ساعدوني في ردكم علي ولن أذكر ما قاله شيخي المربي لي..ولكن أريد أن أسمع الإجابة والمساعدة من فضيلتكم..
أود أن أعرف هل التوبة تكفي أم في كفارة أو براءة أو أي شيء من قبيل ذلك..أرجوك أفيدنى حاسس أن في حقا علي لازم أؤديه ولا أدري ما هو..ساعدني جزاك الله خيرا هل علي شيء بعد التوبة لأني حاسس أن إبلاغي كان غلطا وسكوتي عن المنكر كان غلطا..أفيدوني هل علي شيء للرجل هذا بعد التوبة يعنى كتحقيق للشرط الرابع للتوبة التحلل من حقوق الآخرين بما أنى كنت جاهلا يعني والآن أنا قد تبت وعلمت؟ ..أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويثبتنا وإياك على الاستقامة وطريق الخير.
ولتعلم أن العبد إذا أخلص التوبة لله تعالى غفر له ما مضى وبدل سيئاته حسنات، كما قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} .
وبخصوص ما ارتكبه زميلك من عدم إبلاغ الهيئات المختصة فإنه جريمة نكراء ومعصية كبرى، فعليك أن تنصحه إذا كنت تعرفه بأن يتوب إلى الله تعالى التوبة النصوح، ويتوجه فورا إلى الجهات المسؤولة لعمل اللازم وما يترتب على حادثه، والتكتم على هذا النوع يعتبر من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله تعالى عنه في محكم كتابه، والساكت عليه شيطان أخرس.
وفيما يخصك شخصيا فما دمت قد بلغت الشرطة في الوقت المناسب وأعطيتهم كل المعلومات لديك من وصف السيارة وموقع البيت.. فنرجو أن تكون قد أديت الذي عليك، وتعاونت على البر والتقوى الذي أمر الله بالتعاون عليه، وإذا كان الأمر كذلك، فنرجو أن تكون قد برئت ذمتك.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5226)
كلمات التوبة وعباراتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بتزويدي بالألفاظ والعبارت أو الكلمات التي يجب أن أقولها مخاطبا بها الله سبحانه وتعالى في حالة أنني أنوي أتوب توبة نصوحا أرجو أرسلها على إيميلى، ولكم جزيل الشكر الموضوع مهم بالنسبه لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يكفئ من أراد أن يتوب إلى الله تعالى أن يقول بإخلاص رب اغفر لي وارحمني وتب على إنك أنت التواب الرحيم، اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كل ذنب ونحو ذلك، من ألفاظ التوبة ولا تشترط عبارات خاصة ثم إن للتوبة شروطاً، قد ذكرناها في الفتوى رقم: 26255، والفتوى رقم: 5450.
فطالعهما واعلم أن من تاب توبة استكملت فيها شروط التوبة تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5227)
حقيقة الزهد وكيف يكون
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة مشترك في كتاب لحفظ القرءان ومحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها وأذكر الله. وشبه مواظب على أذكار الصباح والمساء ... وأحاول قيام الليل ومحب لمدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومحب لعلماء الأمة ومحب للفقه الإسلامي ومعظم كلامي في اليوم والليلة يكون حول السيرة أو الفقه أو سير بعض الشيوخ وأغض بصري ولست ممن لهم صديقات ولا أسمع الأغاني ولا أتفرج على الأفلام ولست من محبي التشات ...
ولكن مشكلتي هي الاستمناء. والآن تطور الحال وتحول من الاستمناء فقط إلى التفرج على الصور الخليعة والاستمناء. وفي بداية توبتي تركت هده العادة الخبيثة ولا أعرف كيف تركتها لمدة سنة تقريبا وعدت إليها مند أشهر عديدة وكيف عدت إليها لا أعرف.
وحاولت أن أحصن نفسي بذكر الله ولكن فشلت وفي كل مرة أقوم بهده العادة الخبيثة أتوب وأبكي وأصلي صلاة التوبة وأفشل مرة ثانية. وحسب ما رجعت حكم هذه العادة في الإسلام عرفت أنها محرمة وعرفت رأيا أخر وهو أن من يقوم بهده العادة تأتي يده مغلولة يوم القيامة. وليس سؤالي عن حكم هذه العادة.
فسؤالي هل العادة السرية من الكبائر؟ وهل من يكررها دائما يكرهه الله وأنا لا أريد أن يكون الله أهون الناظرين إلي ولا أريد أن أقابل الله وأنا مصر على معصية لا ترضي الله عز وجل؟ والمشكلة الأعظم أن جميع أصدقائي يحبونني لتوبتي وأخلاقي ونصحي فهل أنا من المنافقين؟
والسؤال المهم كيف لنا أن نتخلص من هذه العادة؟ مع أنني حاولت ولكني فشلت وما علي فعله في لحظة رغبة نفسي بالقيام بهذه العادة؟ فأرجو أن توجه شابا يحب الله ورسوله ولا يريد أن يكون من العصاة وأوصني بذكر معين أو دعاء أو أي شيء تراه يساعد حالتي بحكم خبرتك. واعلم يا سيدي أن نصيحتك ليست لي فقط بل للعديد من الشباب الدين أقابلهم.
أما السؤال الثاني وهو تابع للسؤال السابق كيف يمكننا أن نزهد في الدنيا زهدا يقربنا لله ولقلوب الناس وليس تشددا يتعبنا؟؟ ولو تفضلت تذكر لي بعض الكتب المبسطة تعلمنا الزهد؟؟
ولك جزيل الشكر ويشهد الله أني أحبك في الله وأسأل الله لي ولك فتح العارفين بالله.. اللهم آمين
واستشارتي هذه بالنسبة لي ليست للاستفتاء بل أريد حلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك التوبة فورا من الاستمناء والنظر إلى ما حرم الله من الصور الخليعة ونحوها قبل أن يدهمك الموت فتندم ولا ينفع الندم، والأعمال بالخواتيم.
واعلم أن الشأن في المؤمن الانتهاء عما حرم الله دون النظر هل هو من لكبائر أم لا؟ إذ إن ذلك من تعظيم حرمات الله، قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. ثم إن الإصرار على الصغائر يحولها إلى كبائر، قال بعض السلف: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، بل إن المصر على المعصية يخشى عليه من الكفر واستحلال ما حرم الله. قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} .
وانظر بتوسع في الموضوع كتاب: "الداء والدواء" لابن القيم، فإنه نافع لك جدا.
هذا، وليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء معين إذا قلته أقلعت عما تمارسه من محرمات، ولكن ذكر الله عموما مع حضور القلب من أنفع الأدوية، فحافظ على الأذكار الموظفة في جميع الأحوال خاصة أذكار الصباح والمساء والنوم وبعد الصلوات.
وادع الله بذل وإلحاح أن يصرف عنك هذا البلاء، واسأله سبحانه أن يخلصك منه، وأن يشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ويكفيك شر نفسك، والتمس في دعائك أوقات الإجابة، واستوف آداب الدعاء، وانظر في ذلك الفتاوى التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655.
واقرأ القرآن بتدبر، وحافظ على وردك منه، واستشف به فإنه شفاء لجميع أمراض القلوب وعللها. قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82} . وانظر الفتوى رقم: 28309.
هذا، ونوصيك بأن تفتش عن الشباب الصالح المؤمن فتنخرط فيهم، وتعبد الله معهم، وتتعاون معهم على طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وليكن طلبك للعلم بصورة منهجية منتظمة.
هذا، وعلم يا أخي الكريم أن من مهيجات الشهوة الفراغ والاختلاء بالنفس مع التفكير، وكذلك النظر المحرم إلى الشاشات، وإطلاق البصر إلى النساء الاجنبيات وغير ذلك. فاقطع ذلك كله لله، فإذا هاجت شهوتك في لحظة وحدثتك نفسك بارتكاب تلك العادة الخبيثة فاخرج فورا من البيت وتوجه إلى المسجد، أو زر أحد الشباب الصالحين، أو اقرأ القرآن بصوت مرتفع أو اغتسل بماء بارد أو توضأ، أو حتى اتصل بالهاتف بأحد الصالحين، فإن فعلت ذلك مع ذكرك لله فسيزول أثر الشهوة بإذن الله. هذا، ونوصيك بالإكثار من الصيام، فإن له أثرا في كسر حدة الشهوة وفي تهذيب النفوس، واجتهد في طلب الزواج فعسى الله الكريم أن يعفك به.
وأما الزهد في الدنيا فيكون بأن تخرجها من قلبك فتجعلها في يديك، وإن مما يعينك على ذلك ثلاثة أمور:
1- الاطلاع على حقيقة الدنيا وحقارتها، وأنها لم تصف لأحد ولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمل وصف الله لها في القرآن.
2- زيارة القبور والتفكر في أحوال أهلها، لا سيما من ملك منهم الدنيا ثم ماذا؟ ثم تركها إلى هذا المكان الضيق بلا أنيس ولا جليس.
3- قراءة سير الصالحين من العلماء الزهاد والعباد، ومن ذلك صفة الصفوة لابن الجوزي وسير الأعلام والنبلاء للإمام الذهبي.
وأما الكتب التي تحث على الزهد في الدنيا فكثيرة، ومنها الزهد للإمام أحمد بن حنبل والزهد والرقائق للإمام عبد الله بن المبارك وانظر كتاب الرقاق من صحيح البخاري وكتاب الزهد والرقائق من صحيح مسلم، وانظر كذلك كتاب "مختصر منهاج القاصدين" خاصة ربع المهلكات وربع المنجيات، ومن كتب المعاصرين النافعة في هذا الباب كذلك كتاب "البحر الرائق في الزهد والرقائق" للشيخ أحمد فريد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5228)
الفرح بترك المعصية.. رؤية شرعية أخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله لقد من الله علي قرار عدم الاستماع للأغاني وأنا فرحة بذلك، بل أحدث الناس بأني لم أعد أسمع الأغاني، فهل الفخر بترك المعصية حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحُق لك أن تفرحي بترك معصية استماع الغناء، وبإغاظة الشيطان، قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن. رواه الترمذي وأحمد.
وإن في إخبارك الناس بتوبتك اعتزازاً بدينك وثقة به، وانتماء إليه، وفيه مع ذلك دعوة لغيرك ليقتدي بك، ولقد جاء في خبر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه بعد أن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام أراد أن يُعْلِم قريشاً بذلك، وأن لا يستتر بإسلامه كما استتر ضعفاء المسلمين، فقال عمر رضي الله عنه: أيُّ قريش أنقلُ للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فجاءه فأخبره بإسلامه، فمشى إلى المسجد وعمر رضي الله تعالى عنه وراءه، وصرخ: يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر رضي الله عنه من خلفه: (كذب) ولكني أسلمت. فقاموا، فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس وأعيا، فقعد وهم على رأسه، فقال: افعلوا ما بدا لكم، فلو كنا ثلاثمائة نفر تركناها لكم أو تركتموها لنا -يعني مكة-.
ولكن ينبغي لك أن تراعي أموراً منها:
أولاً: أن تنسبي الفضل في هدايتك لله وحده، فهو سبحانه يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم.
ثانياً: أن تحمدي الله على نعمة الهداية، فإن شكر النعم مؤذن بازديادها.
ثالثاً: لا تُدِلِّي على الله بترك تلك المعصية، فإن حقيقة كونك مسلمة أن تستسلمي لأوامره سبحانه فتفعليها ولنواهيه فتجتنبيها، وهذا مقتضى العبودية لله.
رابعاً: عدم التعالي على الفساق عشاق الأغاني المحرمة وعدم احتقار أشخاصهم، بل النظر إليهم نظرة إشفاق مع العمل على إخراجهم من غفلتهم، قال الله تعالى: كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {النساء:94} .
خامساً: اعلمي أن الواجب على ابن آدم ترك كل المحرمات وليس معصية الاستماع للأغاني المحرمة فقط، فاجتهدي في ترك كل محرم، والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5229)
الصحبة الصالحة تعين المؤمن على الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب أبلغ من العمر 25 عاماً , أجد صعوبة في بلدي أن أنضم للإخوة الصالحين والذين يلتزمون المساجد ويتبعون السنن , وأخشى على نفسي وأهلي أن أضر بهم أن حدث ذلك , فماذا أفعل.. هل هذا هاجس شيطاني؟ , علما أن هذا الأمر حقيقي والإخوة محل نظر دائم لدينا وشك وهل تنصحونا للانضمام بإخوة عن طريق الإنترنت؟ علما بأن هذا ليس كالجليس الصالح الحقيقي. أفيدونا فأني أخشى أن ليس لي أصدقاء خير وإنما أصدقاء يعصون الله وأدفعهم إليهم وأخشى أن تزل قدمي , بارك الله تعالى فينا وفيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة الهداية وكفى بها نعمة، والذي نوصيك به هو الانخراط في الشباب المؤمن المتوضئ المتمسك بالدين، فتعبد الله معهم وتطلب معهم العلم النافع، فلا تستسلم لهواجس الشيطان وحيله، فهو يريد أن يصرفك عن الصحبة الصالحة التي تدلك على الخير وتعينك عليه، والتي هي من أعظم أسباب الثبات على دين الله، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يجتمع إخوانه وهو معهم حتى في أشد مراحل الدعوة ضيقا وهي المرحلة المكية، فكانوا يجتمعون على الخير في دار الأرقم، وكانو يصلون جماعة في الشعب، كل ذلك في الوقت الذي كانت قريش تحصي سكناتهم وحركاتهم، وترقب من آمن مع محمد صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الرجل الذي قتل مائة نفس عندما تاب من ذنوبه قال له العالم: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. رواه مسلم. فكان من فقه العالم الذي أفتاه أن أرشده إلى أن يعبد الله مع الصالحين، وأن لا يبقى وحده بعد توبته فيصيده الشيطان.
واحرص على بر والديك واحذر من عقوقهما، فإنهما باباك إلى الجنة، ولا تجعل ارتباطك بإخوانك على حساب قربك من والديك وخدمتك لهما، ولك أن لا تطلعهما على علاقاتك الجديدة التي أنشأتها حتى تضمن عدم وقوفهما في طريقها. هذا، ونفيدك أن الأمر ليس كما تظن، فإن كثيرا من الشباب قد تمسك بالدين واعتصم بالسنة ولم يصبه إلا ما جرت به سنة الله تعالى الكونية، واعلم أن ما وقع ببعض الشباب من الابتلاء قد يكون سببه هو خطأهم واستعجالهم في بعض الأحيان، مما أدى إلى استعداء الجهات التي ضيقت عليهم، وقد يكون ابتلاء من الله تعالى ليميز الصادق من المنافق المرائي. فإذا تمسكت بالدين والتحمت بإخوانك وتجنبت هذه الأخطاء فلن يصيبك مكروه بإذن الله، وإن أصابك شيء من البلاء فاعلم أن الابتلاء هو الذي يصهر النفوس ليميز معادنها النفيسة من الأخرى الرخيصة، قال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ {آل عمران: 179} . وقال أيضا: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ {آل عمران: 154} . وقال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ {محمد: 31} وقال: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {العنكبوت: 2} . وقال: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا {البقرة: 214} إلى غير ذلك من الآيات. وقال صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم.
واعلم أنك إن حافظت على الأذكار حفظك الله من شرهم ومن كل سوء، فداوم على أذكار الصباح والمساء، وكذلك باقي الأذكار الموظفة واتلها بقلب حاضر، ومن أجمع ما كتب في الأذكار الصحيحة كتاب مختصر النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة للشيخ محمد إسماعيل، وحصن المسلم ل لقحطاني.
وادع الله دائما أن يرزقك الثبات، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/5230)
اطلاع الناس على العمل المراد به وجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: أرجو من فضيلتكم الإجابة على سؤال يحيرني وهو كالآتي:
منذ مدة قصيرة بدأت أذهب إلى مركز لمعالجة الأطفال المصابين بأمراض خبيثة لتقديم مساعدتي المعنوية والمادية (ليس بالكثير على قدر دخلي الشهري) ، بدون علم أي شخص حتى أقرب المقربين، فأنا أحب أن أتصدق دون أن يعلم أحد لأن هذه الصدقة أفضل من الصدقة في العلانية، المشكلة هي أن أطفال هذا المركز هم من الطبقة الفقيرة ويحتاجون إلى الكثير من المساعدة وأنا وحدي لن أستطيع، ففكرت بأن أوسع الدائرة وأخبر الأخرين من المقربين بأن يتبرعوا ولو بالقليل من راتبهم الشهري لهؤلاء الأطفال وأنا أتكفل بجمع المال وشراء ما يحتاجون وبالتالي سأضطر لإخبارهم بعملي هذا التطوعي وأضيع أجر صدقة السر وأخاف الناس أن يعتبروني أني أتباهى بهذا العمل وأخاف حتى من نفسي الأمارة بالسوء أن تجعلني أحس بالغرور،
أرجو مساعدتي يا فضيلة الشيخ فأنا في حيرة من أمري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تقومين به من عمل نافع لصالح أولئك الأشخاص المحتاجين أجره عظيم عند الله تعالى، فينبغي لك الصبر عليه ومواصلته، وما دمت لا تقصدين من هذا العمل إلا التقرب من الله ولا تقصدين رياء ولا مباهاة فلا يضرك اطلاع الناس على هذا العمل.
بل إنك تثابين على حث الناس وتنبيههم إلى أهمية التبرع لهذا الغرض النبيل؛ لأنك بذلك تكونين داعية إلى طاعة، فلك أجرها وأجر من عمل بها، وإظهار الصدقة يكون أفضل من الإسرار في بعض الأحيان، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 26758.
وعليك الحذر من مكايد الشيطان فإنه لن يألو جهداً في تثبيطك وسد الطريق أمامك لكي تتركي تلك الطاعة العظيمة فتنبهي لذلك، وراجعي الفتوى رقم: 19247.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(9/5231)
الأمراض التناسلية بين العقوبة والابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمراض التناسلية عقوبة إلهية؟
مع الشرح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الأمراض التناسلية ناشئة عن الزنا أو اللواط أو الشذوذ ونحوه فلا شك أنها عقوبة إلهية من الله الحكم العدل، فقد أخرج ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذي مضوا ... الحديث، وهو حديث حسن حسنه الألباني رحمه الله، وأما إذا كانت تلك الأمراض غير ناشئة عن الزنا ونحوه مما سبق ذكره فهي والحالة هذه ابتلاء من الله للعبد، وقد يكون رفعة لدرجاته أو كفارة لسيئاته، فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1426(9/5232)
من التوبة أن ترد الحقوق إلى أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوج أخي من فتاة ولم يتفقا معا وقد خرجت من بيت الزوجية ورفضت العودة ورفعت قضايا عليه تطالبه بالنفقة وتطالبه بمهرها المعجل (الذهب) حيث كان بحوزته وأنكره عليها لأنها أضرت به معنويا وطلبنا للشهادة فحلفنا يمينا أنها استلمته رغم أنه كان عند أخي ولأنها خسرته وخرجت من بيت الزوجية ما حكم هذا اليمين الذي أقدمنا عليه؟
ملاحظة: بعد سنة من رفع هذه القضايا طلقها أخي وأخذت متأخرها وكانت خلال هذه السنة تأخذ نفقة أيضا وخسرته أضعاف مهرها المعجل (الذهب) .
ما هو الحل بالنسبه لي ولأخي بخصوص حلف اليمين؟ وماذا تشيرون علينا به في هذا الموضوع؟
آملا منكم الاهتمام والرد العاجل وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليكم التوبة إلى الله مما وقعتم فيه من اليمين الغموس التي هي من كبائر الذنوب، وانظر الكلام عن اليمين الغموس في الفتوى رقم: 30557، والفتوى رقم: 7258.
ومن التوبة أن يرد إلى المرأة حقها الذي اقتطع بتلك اليمين قبل أن تقتص من حسناتكم يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(9/5233)
مجاهدة النفس لتحقيق الإخلاص في العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم لله الرحمن الرحيم
أود أن أشكر كل من يساعد على هذا العمل وبعد
وأنا في يوم أتى لي إحساس بأني أعمل الخير وأصلي وأصوم وأقرأ القرءان كل ذلك يأتي لحبي لدنيا وإني أفعل ذلك لدنيا فقط وإني لا أحب لله هذا هو إحساس أتى بي فجأة مع العلم أني أخشع لله وأحبه حبا شديدا لكن هذا الشعور يطاردني أرجو الإجابة على هذا السؤال وجزاكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على العبد أن يجاهد نفسه عند أدائه للعبادات لتقع خالصة لله وحده لا شريك له، وأن تكون نيته عند أدائها التقرب بها لمولاه، فتكون نيته مجردة من إرادة غير الله تعالى من أمور الدنيا كثناء الناس ونحوه، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
واعلم أن للشيطان مداخل على ابن آدم، منها أنه يلبس عليه في نيته فيفتح عليه من النيات الفاسدة ما يوجب حبوط عمله واستحقاقه للإثم.
ومن مداخله أيضا أنه يشككه في أمره فيزين له أن عبادته مدخولة وأنها ليست خالصة، مما يؤدي ببعض ضعاف الإيمان إلى الانقطاع عن العبادة وترك العمل بحجة فقد الإخلاص!!
والواجب على العبد إخلاص القصد لله ومجاهدة النفس لتحقيق ذلك، وما عرض بعد ذلك من الوساوس فلا ينبغي الالتفات إليه.
هذا، واعلم أن المسلم الحق يكون بعد أدائه للعبادات بين الخوف والرجاء، فهو يخاف من عدم قبولها، وفي نفس الوقت يرجو من الله أن يتقبلها منه، وذلك كقوله تعالى: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ {الزمر: 9} .وفي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ {المؤمنون: 60-61} .
قال صلى الله عليه وسلم: ... ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات. رواه الترمذي وابن ماجه.
وانظر مزيد تفصيل في الفتويين التاليتين: 12333، 22445.
فأحسن الظن بربك، وأد العبادات على وجهها، ولا تلتفت إلى ما يلقيه الشيطان، فلن يكون لك ناصحا يوما، واعلم أن الله شاكر عليم، وإنما يناله التقوى منا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(9/5234)
الخوف يدفع للعمل لا للحزن والجزع
[السُّؤَالُ]
ـ[أحس بكثير من الأحيان باقتراب أجلي وفي بعض الأحيان أحس أنني سأموت بتلك اللحظة وأحزن عند ذلك لأمرين؛ الأول: لفراقي عن الدنيا وأهلي وأحبتي والثاني: لقلة أعمالي وحسناتي وكثرة سيئاتي ولوحشة القبر وظلمته ووحدته، فأخبرني ماذا أفعل في تلك اللحظة، وكيف أتخلص من الحزن والجزع مع أنني أحسن الظن بربي عز وجل وفي رحمته الواسعة؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشعور باقتراب الأجل يجلب خشية الله ومراقبته، ويبعث على فعل الخيرات والاستعداد للآخرة والبعد عن المعاصي، ويزهد في الشهوات الفانية، لكن لا ينبغي أن يصل الخوف إلى حد اليأس والانشغال عن الأعمال الأخروية أو الدنيويةالمطلوب تحصيلها، ففي هذه الحالة تجب مجاهدة النفس والجمع بين الخوف والرجاء.
وأفضل ما يعينك على التخلص من الحزن والجزع في تلك الحال تذكرك أن الآجال مغيبة، وأن الإنسان لا يدري متى يأتيه أجله. قال الله تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ {النمل: 65} وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {آل عمران: 145} وقال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان 34} . قال الإمام الطبري: وما تعلم نفس حي ماذا تعمل في غد، وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها. اهـ.
واجعلي خوفك من الله قوة دافعة للعمل لا للحزن والجزع، فإذا أحسست اقتراب الأجل فأكثري من العمل الصالح والتوبة والإنابة ينشرح صدرك ويذهب حزنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة. رواه الترمذي وحسنه. قال ابن القيم في الهدي: فأعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، ومنها العلم، ومنها الإنابة إلى الله ومحبته بكل القلب ودوام ذكره على كل حال وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، ومنها الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا. اهـ. باختصار وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 28929 ورقم: 57104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1426(9/5235)
علاج ميل الرجل إلى الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[نداء لكل من يستطيع من أهل الذكر, أبحث عن جواب يشفي غليلي وأرجوك لا تمل إنها والله ليست بالمسألة الهينة حكاية، إنني ذو فطرة وغريزة غريبة إني والله لا أحس بالمرأة في حياتي وصدقوني إن غريزتي لا تميل إلا للرجال فما أبحث عنه هو كيفية مقاومة هذه الغريزة الملعونة، وأنني أمارس العادة السرية منذ أكثر من 7 سنوات كذالك أبحث عن تفسير للآيات 81 82 83 84 85 من سورة الأعراف هل هذه الآيات تنفي وجود كما فسره بعض الدعاة أم هي تثبت وجود، كما أريد أن أعرف بعض الإجابات عن بعض الأسئلة الحساسة
ـ1هل حلال أم حرام أن أصلي في المسجد خاصة وأنه مليء بالرجال
ـ 2 كيف يمكن لي أن أحس بعدل الرحمان؟
ـ3 كيف يمكن لي أن أجابه الشيطان عندما يوسوس لي ويقول الله ظلمك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يفرج كربك وننصحك بصدق التوجه الى الله تعالى والتضرع اليه لينقذك مما ابتليت به واحرص على البدار بالزواج فانه أنجع الوسائل في التحصين والعفة فلعلك تجد من تسليك وأكثر من صوم النفل حتى تتزوج، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متفق عليه
وحافظ على الصلاة في الجماعة وواظب على الأذكار المقيدة والمطلقة وعلى مطالعة كتب الترغيب والترهيب وأهوال القيامة وسير السلف وقصص التائبين، وابحث عن صحبة صالحة تتواصى معهم بالحق وتتعاون معهم على البر والتقوى
وابتعد عن نظر الرجال الذين يعجبك منظرهم وابتعد عن الخلوة بهم واكثر من التعوذ من الشيطان وحاربه بالصبر عما يزينه من الشهوات وبتعلم العلم حتى تعلم الحق فتصد عنك كيده ووسوسته وتدفع ما يلقيه عليك من الشبهات فقد قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ {الأعراف: 200-202}
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} .
وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وقد قال ابن القيم في جهاد الشيطان:
وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان، إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر. قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ {السجدة: 24} فأخبر أن إمامة الدين، إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
وراجع في الوسائل المساعدة على التخلص من الشذوذ الفتاوى التالية أرقامها: 1087، 2283، 1968، 12919، 24932، 52421، 52466، 58249، 5453
وأما آيات الأعراف
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {الأعراف 80-84}
فقد قال ابن كثير في تفسيرها:
يقول تعالى ولقد أرسلنا لوطاً أو تقديره واذكر لوطاً إذ قال لقومه ولوط هو ابن هاران بن آزر وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله.
قال عمرو بن دينار في قوله ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال: ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط، وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً، ولهذا قال لهم لوط عليه السلام أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضاً.
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
أي ما أجابوا لوطاً إلا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم، فأخرجه الله تعالى سالماً وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين، وقوله تعالى: إنهم أناس يتطهرون قال قتادة: عابوهم بغير عيب، وقال مجاهد: إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء. وروي مثله عن ابن عباس أيضاً.
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
يقول تعالى فأنجينا لوطاً وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين إلا امرأته فإنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم، ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد، ومنهم من يقول: بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم، ولهذا قال ههنا إلا امرأته كانت من الغابرين أي الباقين، وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم، وقوله وأمطرنا عليهم مطراً مفسر بقوله وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ولهذا قال فانظر كيف كان عاقبة المجرمين أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترىء على معاصي الله عز وجل ويكذب رسله.
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصناً أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصناً رجم، وإن لم يكن محصناً جلد مائة جلدة، وهو القول الآخر للشافعي. انتهى كلام ابن كثير
وأما سؤالك عما تثبته الآيات أو تنفيه فإنا لم نفهمه فيمكنك إيضاحه لنا حتى نجيبك عليه بإذن الله
وأما سؤالك عن الصلاة في المسجد فإنا نرى حليتها بل ضروريتها لك فإن المنافع المترتبة على الصلاة فيه أكبر مما تخشاه من الضرر فاحرص على الصلاة في المسجد واستشعر أنك بين يدي الله عز وجل , وهو مطلع عليك وعلي صلاتك كما ينبغي أن تعتقد أنك تناجيه سبحانه وتعالي كما قال صلي الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلي فإنه يناجي ربه) .رواه البخاري.وقال: صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك رواه ابن النجار وحسنه الألباني
واشتغل بتدبر ما تقرأ من القرآن والأدعية والأذكار واحفظ عينك وقلبك عن النظر والتفكير في الرجال وجاهد نفسك في صرف النزوات الشهوانية
وأما إحساسك بعدل الرحمن فإنك إذا تفكرت بعقلك وتذكرت نعم الله عليك فإنك ستحس بتفضله وتكرمه عليك ونعمه التي لاتحصى فقد خلقك في أحسن صورة وجعلك من الآدميين الذين كرمهم وفضلهم وجعلك من خير أمة وانعم عليك بالإسلام
فقد قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ {الانفطار: 6-8}
وقال:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {الإسراء: 70}
وقال:
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً {لقمان: 20}
فأكثر من ذكر النعم وشكرها عملا بقول الله تعالى:
فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف: 69}
وعملا بقوله:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {فاطر: 3}
واعلم أنه لو عاملك الله بعدله وجازاك على معاصيك لأهلكك كما أهلك قوم لوط ولكنه تفضل عليك وأمهلك لعلك تتوب فلا تلتفت إلى ما يقول عدوك الشيطان فإن الله عز وجل عدل لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة، كما قال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {فصلت:46}
وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. {النساء:40}
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1426(9/5236)
مجاهدة النفس لدفع الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي دقيق بأعمال الرياء: فأنا والحمد لله أخفي معظم عبادتي من تطوع صيام وقيام ليل وحفظ قرآن وصدقة ... إلخ، لكن دائما توسوس لي نفسي أو الشيطان لا أدري أي منها لكن لا ألتفت لذلك ولله الحمد
لكن ما يحصل معي أني في جلسة يدور فيها نقاش حام عن موضوع معين مثل موضوع عن القيام لا شعوريا يفلت لساني بأني أقوم الليل ساعتين مثلا وإذا كان الحديث عن قراءة أو حفظ القرآن نفس الشيء يحصل معي وأندم أشد الندم أن أفصحت بهذا لأني لا أحب أن يعلم أحد بذلك، فهل مثل زلات اللسان أثناء النقاش مع الإخوان تعتبر رياء، خاصة أن نفسي كما أسلفت كثيرا ما توسوس لي بشيء من هذا القبيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لك أن تحمد الله تعالى الذي وفقك للقيام بهذه النوافل، وتسأله سبحانه وتعالى أن يزيدك منها ويثبتك عليها، وعليك أن تجاهد نفسك على اجتناب الإعجاب بما تقوم به وحب إظهار ذلك للآخرين ونحو ذلك، فهذا من كيد الشيطان والنفس معا، فجاهدهما على دفع ذلك. واعلم أن مجرد حديث النفس بذلك لا يضرك لأن الله تعالى بمنه وكرمه تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل، وأما ما يفلت منك من ذكر ما تقوم به من قراءة القرآن أو قيام الليل أثناء الحديث والنقاش مع الآخرين فحاول أن تتجنب ذلك قدر استطاعتك، ولا شيء عليك ولا يضرك ما انفلت منك بعد ذلك لأنك كاره لحصوله، ولعل الله يجعل في ذلك خيراً وهو اقتداء السامعين أو بعضهم بما ذكرت، ولأن تحدث الإنسان بنعمة الله عليه وتوفيقه للطاعة وسهولتها على من جاهد نفسه فيها ونحو ذلك- ليقتدي به غيره- ليس رياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1426(9/5237)
من شأن المؤمن أن يكون خائفا راجيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أخاف خوفا شديدا جدا من الموت وكلما ازددت في عمل الطاعات كلما زاد هذا الخوف حتى أني أصبحت أشعر بألم شديد في جسدي بسبب ذلك الخوف فلماذا لا أشعر بالسعادة والراحة عند عمل الطاعات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي على المسلم بعد أن يتقرب إلى الله تعالى بالعبادة أن يكون بين الخوف والرجاء، فيخاف أن يرد الله عليه عبادته ولا يقبلها منه، ويرجو أن يتقبلها منه وأن يرفعه بها.
فأحسن الظن بربك وثق به وارج رحمته، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه، وقال سبحانه في الحديث القدسي أيضا: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. فجعل سبحانه الرجاء شرطا في المغفرة.
فاعمل الصالحات، وارج ثوابها، واستشعر تدوين الملائكة لها في صحائف أعمالك، واستشعر كيف أنها تثقل موازين حسناتك.
وفضل الله واسع، فلم يمنعك منه وهو يحبك، فالله يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب التوابين، ولو لم يكن يحبك لما وفقك لأداء الطاعات.
ثم إن الموت الذي تخاف منه هو الذي ينتظره الصالحون ليروا ربهم الذي طالما عبدوه ولم يروه، والذي ناجوه بالأسحار واستغفروه، فمرحبا بموت يقرب الحبيب من حبيبه!!
ولقد روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته أعاجيب في الشوق إلى ربهم، فعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجود بروحه قالت ابنته فاطمة: وا كرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا كرب على أبيك بعد اليوم. وقال عن نفسه: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده. رواه البخاري.
وهذا بلال عندما كان في النزع كان يقول: غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
فاستبشر بما عند الله، ولا تيأس من روحه، واستقم كما أمرت وأحسن، فلن يقابل الله إحسانك إلا بمثله وأكثر، قال الله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن: 60} . واعلم أن لذة العبادة قد تتأخر امتحانا من الله ليرى صبرك على الطاعة، قال بعض السلف: كابدت العبادة عشرين سنة وتلذذت بها عشرين أخرى!!
فاحذر من تلبيس إبليس وتقنيطه لك من رحمة رب العالمين، ولتقرأ كتابا في شرح أسماء الله الحسنى، فعلى قدر معرفة العبد بها يكون حبه لله وشوقه إلى لقائه، كما ننصحك بقراءة "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح". لابن القيم و"استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس" لابن رجب، وانظر الفتويين: 6603، 29469.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1426(9/5238)
الاكتئاب هو ثمرة البعد عن الله نعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة على قدر كبير من الجمال ومتعلمة ومن أسرة عريقة ولكن لم يحالفني القدر في الاختيار المناسب لشريك حياتى وأسفرت حياتى الزوجية عن طفلة أنا أعتبر أني لم أعش حياة زوجية كما كنت أتمنى حيث الاستقرار والحب والمودة أنا الآن أعانى من يأس وإحباط شديد حيث أريد الأستقرار لي ولابنتي ولكني أدركت أني أبحث عن سراب مما يزيد من إحباطي واكتئابي أنا لا أصلى باستمرار برغم أني أدرك أهمية الصلاة وأنا لست راضية عن نفسي فيما يخص هذه النقطة ولكن إحباطي الشديد ويأسي يزيداني عناداً فأنا أقول دائماَ (عندما أستقر نفسياَ ستتحسن أمورى الدينية) وها أنا ذا تمر بي الأعوام وأنا كما أنا أرجو منك النصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن ما أنت فيه من القلق والاكتئاب وعدم الاستقرار النفسي هو ثمرة للبعد عن الله، فإن الحياة بغير الله سراب!! قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى: 30} .
فسارعي بالتوبة إلى الله من قبل أن يدهمك الموت وأنت مفرطة في جنبه تعالى، قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} .
وأد ما عليك من الواجبات، ومنها الحجاب الشرعي وإقامة الصلاة، واعلمي أن تارك الصلاة تكاسلاً قد اختلف العلماء في حكمه، فمنهم من قال يكفر، ومنهم من قال لا يكفر، ولكنه مرتكب ذنباً من أعظم الذنوب، أفترضين أن يختلف العلماء فيك هل أنت مسلمة أم لا؟ وانظري عقوبة تارك الصلاة في الفتوى رقم: 6061.
فاحذري نفسك الأمارة بالسوء، واجتنبي ما يسخط الله، فإن الموت قريب ويأتي فجأة، وحينئذ لا ينفع الندم، فالتوبة واجبة على الفور باتفاق الفقهاء، وتأخيرها معصية مضافة إلى المعاصي الأولى.
قال الإمام العز بن عبد السلام: والتوبة واجبة على الفور، فمن أخرها زماناً صار عاصياً بتأخيرها، وكذلك يتكرر عصيانه بتكرار الأزمنة المتسعة لها، فيحتاج إلى توبة من تأخيرها، وهذا جار في تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات. اهـ
وانظري شروط التوبة النصوح في الفتاوى رقم: 9694، 5450، 29785.
وتقربي إلى الله بما استطعت من الطاعات والنوافل، ومن ذلك قراءة القرآن بتدبر وحضور قلب، فإنه شفاء لما في صدرك من القلق والاكتئاب، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82} .
وأكثري من ذكر الله في كل وقت وخاصة الأذكار التي تقال في الصباح والمساء، وعند النوم، ودبر الصلوات ونحو ذلك، وتجدينها مجموعة في كتاب: حصن المسلم، ونحوه من كتب الأذكار.
وأسألي الله أن يشرح صدرك، وينور قلبك، ويلهمك رشدك، ويكفيك شر نفسك، وتحيني في دعواتك أوقات الإجابة الشريفة، والتزمي آداب الدعاء. وانظري طائفة من ذلك في الفتاوى: 11571، 2395، 17449، 32655.
وننصحك بصحبة الأخوات الصالحات، ففتشي عنهن، واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثري من سماع الأشرطة الدينية، ومن ذلك (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و (اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و (على الطريق) للشيخ علي القرني، وتجدينها على موقع طريق الإسلام islamway.com على الإنترنت.
واحذري من تقنيط الشيطان لك من رحمة الله، وانظري الفتويين التاليتين: 17160، 57184.
وانظري طائفة من وسائل تقوية الإيمان في الفتويين التاليتين: 10800، 6603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(9/5239)
ثواب من ترك شهوة ابتغاء وجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من ترك شهوة لوجه الله تعالى ما جزاء ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ترك شهوته نظراً لأنها محرمة، فإن الله يجزيه على فعل الواجب واجتناب المحرم، وسيعوضه خيراً منها إن شاء الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إ نك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وأما إن كان ترك الشهوة المباحة تواضعا منه أو إيثاراً لغيره من المحتاجين، فإنه يعطيه الأجر بسب تواضعه أو بسبب إنفاقه مما يحب، وإيثاره المحتاج على نفسه، ففي الحديث: من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 48410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1426(9/5240)
الشيطان يجر الناس إلى الشر خطوة خطوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم , أرغب في أن أطرح عليكم أمري لعلكم تكونوا لي ناصحين,, أنا طالب ثانوي ابن ال17 من العمر , أحببت فتاة , نعم إنني صغير في العمر وصغير على هذه الأمور , لكن حاولت أن أنسى هذا الحب فقد آمنت بأن ما كان مجرد شعور سيزول , وآمنت بأنني صغير وآمنت بأنني سأعصي الله إن قمت بـ\\\"مصاحبة\\\" تلك الفتاة كما يقولونها , لكن هذا لم يكن تفكيري ولم يخطر على بالي أبدا فعظمة الله ويوم الحساب كان يدور في دماغي دائما ,, فإليكم ما قمت به علكم تفيدون وتهدون , قمت بإخبارها بأنني أحبها وأقسمت بأنني سأفعل المستحيل لكي تكون من نصيبي على سنة الله ورسوله , لكنني لم أقم بشيء أكثر , مجرد أنني أخبرتها بذلك ولا أتكلم معها بتاتا إلا أحيانا في وقت الدرس والذي يكون بحضور ووجود بقية الطلاب ويسمعون ما نتحدث فهو يكون حول المادة المدروسة لا غير , وأحيانا أسألها عن حالها وذلك أيضا يكون أمام بعض الزملاء, الأمر لا يعلم به أحد سوانا ولا أتحدث معها عن حبنا بتاتا , مجرد أنني أسألها عن حالها أو أحاول إصلاحها إن أخطأت وذلك بشكل علني أمام الجميع! سؤالي لكم , هل ما أقوم به معصية لله؟ وماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نذكرك بقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33} .
فاحمل أخي نفسك على العفة واستعن بالصوم، وعليك أن تشغل نفسك فتملأ وقتك وطاقتك ببرامج دراسية أو رياضية مباحة نافعة وأكثر من النظر والمطالعة في كتب الترغيب والترهيب، واقرأ عن أهوال القيامة ونعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار. فإن الصوم ومطالعة الترغيب والترهيب واستشعار وتذكر أحوال القيامة من أعظم ما يقمع شهوات الإنسان. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
وفي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
واعلم أن كلام الرجل مع المرأة في غير خلوة ولا خضوع بالقول مباح في الأصل إذا دعت إليه حاجة، ويدخل في ذلك إخباره إياها بنية زواجها.
إلا أن عليك أن تتذكر دائما أن الشيطان يتخذ النساء حبائل لاصطياد الشبان، فلا تدعونك ثقتك بنفسك للاسترسال في الاتصال بهذه الفتاة ومكالمتها ولو بنصحها، فإن الشيطان يجر الناس للشر خطوة خطوة، وقد يوهمهم أن ما يفعلونه خير وهو في الواقع طريق للوقوع في الشر.
فعليك بالبعد عن الاسترسال في الاتصال بهذه الفتاة، وسل نفسك عنها بالاشتغال بما يفيد وابتعد عن التفكير حتى تتمكن من زواجها، والأحسن أن تستعين بأهلك في التبكير بزواجها، فإن من أهم أنواع الاستثمار استثمار الأهل أموالهم في ترويج أبنائهم وتحصينهم من الوقوع في المعاصي.
فحاول أن تستعين بأهلك لخطبتها والزواج بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وراجع في خطورة الاختلاط وفي بعض وسائل العفة ودواء العشق الفتاوى التالية أرقامها: 5310، 15196، 31768، 41016، 9360، 10522.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(9/5241)
وصايا للمسرف على نفسه المقصر في جنب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 22 عاماً أمضيت كل حياتي في المعاصي والإسراف فيها، حيث كنت أصلي بعض الأحيان وأحياناً كثيرة كنت أتركها بسبب الجنابة نتيجة لممارسة الاستمناء كما أني منذ أن بلغت لم أقم بصيام رمضان الكريم، حيث إني قد أكمله أو لا أكمله في بعض الأحيان وعلي قضاء العديد من الشهور التي لم أصمها في الأعوام السابقة، كما أني مدخن، وشهوتي الجنسية عالية جداً ولا أتورع عن النظر في الأفلام أو الصور الإباحية، كما أني منذ طفولتي أحب العمل بشقيه الشريف والممنوع وأحب الاستثمار وتنمية الأموال، إضافة إلى أن حياتي في قرية وأحب الدواجن والأغنام، وقد قمت بسرقة الكثير من أدوات البناء والأخشاب وغيره مما يقدر بآلاف الريالات.
والآن وأنا على أعتاب عام جديد حيث إني أرسل هذه الرسالة في يوم الأربعاء الذي يوافق آخر يوم في عام 1425هـ. أريد منكم النصح حول ما علي من التزامات وواجبات هل علي قضاؤها حيث إني كنت أواظب في الصيام وعمل الخير ثم أترك الصلاة وماذا بخصوص الأموال التي أخذتها بغير حقها حيث لا أعرف كم عددها وما قيمتها لأنها تراكمت على مدى سنين.
وأيضاً أريد منكم نصيحة خاصة بعد أن أعطيت نبذة عن نفسي، كما أني بحمد الله أنهيت دراستي وسأحصل على الوظيفة خلال الأيام القادمة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تبدأ عامك الجديد بتوبة نصوح مع الندم على ما فات والعزم على عدم العودة إليه. فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا {التحريم: 8} . وقال: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات: 11} . وعليك بالبعد عن الإدمان في نظر الحرام ومقارفة الحرام، واستعن على ذلك بالزواج ومطالعة كتب الترغيب وصوم التطوع وملء الأوقات وشغل النفس بما ينفع، وصحبة أهل الخير والمواظبة على الصلاة في المسجد، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن الصوم يعين على التقوى، وإن مطالعة كتب الترغيب والترهيب واستشعار أهوال القيامة تقمع الشهوات، كما أن صحبة أهل الخير تساعد على الاستقامة، وأكثر من الحج والاعتمار والأعمال الصالحة. فقد قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} . وعليك بقضاء ما فاتك من الصوم واحتط حتى تتأكد من براءة ذمتك، وتلزمك كذلك كفارة إطعام مسكين عن كل قضاء أخرته حتى جاء رمضان الموالي.
وأما الصلاة فقد اختلف في وجوب قضائها على من تركها تهاونا وتكاسلا، ويمكنك الاطلاع على كلام العلماء في ذلك عند البحث في موضوع وجوب الصلاة وحكم تاركها في فتاوى الشبكة.
ويلزمك كذلك أن ترد لأهل الأموال أموالهم وتطلب منهم المسامحة، وإذا كان في الأمر حرج عليك تخشى من الافتضاح فاحرص على تسليمها لهم تحت أي غطاء، فيمكن أن توهمهم أنها هدايا أو غير ذلك، وعليك أن تحتاط في الأموال حتى تتأكد من براءة ذمتك. وراجع للتفصيل في هذه الأمور الفتاوى التالية أرقامها: 52421، 512، 856، 30348، 43374، 54535، 6022، 19198، 51348، 54109، 26965.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1426(9/5242)
سر رؤية العصاة القبائح حسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال وهو ـ لماذا يحس بعض المسلمين بالراحة النفسية والاطمئنان لما يقومون به من أعمال وهي منافية لما جاء في الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المخالف للكتاب والسنة لا يشعر بالطمأنينة ألبتة ما دام في قلبه حياة، سواء كانت مخالفته بالمعصية أو بالبدعة. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124} . ولكنه إذا تمادى في المخالفة ولم ينزجر طفئ نور قلبه، ووقع في مكر الله تعالى فيزين له سوء عمله. قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {فاطر: 8} . وقال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ {محمد: 14} . وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَا لًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف: 103-104} . وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكاثر الذنوب تصير صاحبها من الغافلين المتبعين لأهوائهم. قال صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه. رواه مسلم عن حذيفة.
قال بعض السلف: الذنب على الذنب حتى يعمى القلب، فيموت، وبذلك ينسلخ من القلب استقباح المعاصي فتصير له عادة، فلا يزال العبد يرتكب المعاصي حتى تهون عليه وتصغر في قلبه. وقال ابن مسعود: إن المؤمن يرى ذنبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا. رواه الترمذي. وقال أنس: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. وقال ابن القيم في مدارج السالكين: فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبد معه ألبتة، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل. اهـ. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 26549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(9/5243)
نصائح للعصاة ومن ينقض عهده مع ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ارتكب إثماً أخجل أن أبوح به وهو بلا شك باب هلاكي قبل أن أتزوج كنت أشاهد الأفلام والقنوات الإباحية ثم أندم وأتوب إلى الله وبعد مدة أعاود ثم أندم وكنت مرتبطاً بفتاة وأقول دائماً عندما أتزوج سأكف عن هذا الخبث، ولكن بعد ذلك واصلت ارتكاب هذه الرذيلة، والسبب في ذلك أن زوجتي لا تعرف ممارسة الجنس فهي لا تشبع رغباتي، وعندما أحاول أن أفهمها أنك حرث لي أرى علامات الاشمئزاز على وجهها، كما أنها باردة الجنس وأنا عكسها، فأطفئ غريزتي في مشاهدة هذه الأفلام، فكنت دائماً أندم على ذلك إلى أن تيقنت من أن الخلاص من هذا الحرام هو معاهدة الله، فعاهدته على عدم العودة إلى هذا الإثم، وأنا أعلم مدى خطورة عدم الوفاء بعهد الله، ولكن في لحظة ضعف تمكن مني الشيطان وخنت عهدي مع الله، وأنا نادم على ذلك، فهل لي من شيء أفعله حتى يتوب ربي علي ويغفر ذنبي، أنيروني؟ جزاكم الله عني كل الخير، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم غض بصره عما حرم الله النظر إليه، وأن يتقي الله ولا يتعرض لمساخطه، فإن الموت يأتي فجأة، والله سائل كل إنسان عما فعله في الدنيا، قال الله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات:24} ، وانظر حكم النظر إلى المشاهد العارية والأفلام الجنسية في الفتوى رقم: 3605، والفتوى رقم: 1256.
كما يحرم عليه أن تكون بينه وبين امرأة أجنبيه عليه أي علاقة حب أو صداقة سدا لذرائع الفساد وصيانة لأعراض الناس، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1072، 9431، 18062.
فيجب أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9694، 5450، 29785.
وكون زوجتك لا تعفك ولا تشبع رغباتك، فقد يكون ذلك عقوبة من الله على تمتعك بما حرم الله عليك فحرمك اللذة الحلال، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
هذا، وإن الوفاء بالعهد مطلوب لو كان مع خلق الله، فكيف إذا كان هذا العهد مع الخالق؟! فقد ذم الله تعالى قوماً عاهدوه ثم نكثوا عهدهم، قال سبحانه: وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ {التوبة: 75-76-77} ، وانظر حكم نكث العهد مع الله في الفتوى رقم: 10145.
وهذه مجموعة من النصائح والتوجيهات نسديها إليك:
1- إذا حدثتك نفسك بالنظر إلى المحرمات فتذكر أن الله يراك، قيل للجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك.
2- احرص على صحبة الصالحين من الشباب المستقيمين المتمسكين بالدين، فاعبد الله معهم واشهد صلاة الجماعة، وتعاون معهم على طلب العلم النافع، فكلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ومن نظره، وانظر الفتوى رقم: 7007.
3- استمع إلى الأشرطة الدينية النافعة، وخاصة شريط (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و (اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و (على الطريق) للشيخ علي القرني، وتجد هذه الأشرطة على موقع طريق الإسلام ISLAMWAY.COM
4- ادع الله كثيراً واسأله العفاف، وتحين لذلك أوقات الإجابة الفاضلة، والتزم آداب الدعاء، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655.
5- إن كنت قادراً مستطيعاً فتزوج امرأة أخرى مع امرأتك، فمن فضل الله على المسلمين أن أباح لهم تعدد الزوجات، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(9/5244)
التوبة يسيرة على من يسرها الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على مولانا رسول الله أما بعد فسؤالي سؤال صغير وهو عن التوبة لله عز وجل. سؤالي هل التوبة لله سبحانه وتعالى صعبة أم سهلة. أرجو من الله ألا تدعوا رسالتي في سلة المهملات. وأرجو من الله أن تكون الإجابة سريعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة إلى الله تعالى أسهل وأيسر مما يتصور، فما على العبد إلا أن يبادر إليها قبل فوات الأوان.
فإن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويسبط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. كما في الحديث الذي رواه مسلم.
والله عز وجل يحب التوابين من عباده، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} .
ومن فضل الله تعالى وكرمه أن العبد إذا تقرب إليه بالتوبة والذكر والطاعة وأعمال الخير يتقرب إليه سبحانه وتعالى بالمغفرة والثواب.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة.
وعلى هذا، فما على العبد إلا أن يبادر بالتوبة النصوح، فإذا تاب وحسن عمله فليبشر بالذي يسره، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل أكثر من ذلك فسوف يبدل الله تعالى سيئاته حسنات، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70} . وليحذر المسلم من التسويف وتأخير التوبة، فإن ذلك من وساوس الشيطان وعلامات الحرمان وطمس البصيرة.
وليعلم أن المبادرة إلى التوبة واجبة، كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) {النور 31} . والحاصل أن التوبة سهلة ويسيرة على من يسرها الله تعالى عليه وصدقت نيته.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى: 5450، 18059، 21212.
كما نرحب بمواصلتك ومراسلتك ونطمئنك بأنها موضع اهتمام منا واحترام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(9/5245)
الطريق لعلاج داء النظر إلى الصورالمحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأشخاص غير متزوج وهو يشاهد بعض المناظر الخارجة في التلفزيون ويفعله بمعني أن هذه المعصية فقط تقريبا ما يقترفة فما هو العلاج الذي تنصحون به لكي يتخلص من هذه العادة الأثيمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم غض بصره عما حرم النظر إليه، وأن يتقي الله ولا يتعرض لمساخطه، فإن الموت يأتي فجأة، والله سائل كل إنسان عما فعله في الدنيا، قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات: 24} . وقال أيضاً: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93} .
وانظر حكم النظر إلى المشاهد العارية في الفتويين: 3605، 1256.
وعلى ذلك، فإن الواجب على هذا الشخص التوبة إلى الله، والندم على ما فرط في جنبه تعالى، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبداً.
وهناك أسباب كثيرة للعلاج من هذا البلاء، أهمها: الدعاء وسؤال الله العفاف، وكذلك الإسراع بالزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
وينبغي أن ينشغل هذا الشخص بما ينفعه في دينه ودنياه، فيكف نفسه بذلك عن الشهوة الحرام، وليبحث عن الشباب المستقيم المتمسك بالدين فينخرط فيهم، ويعبد الله معهم، ويشهد معهم صلاة الجماعة، ويطلب معهم العلم النافع، كما ننصحه بالاستماع إلى الأشرطة الإسلامية ومنها: (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ومحاضرة (على الطريق) للشيخ علي القرني، وتجد هذه الأشرطة على موقع طريق الإسلام islamway. com على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(9/5246)
طاعة الله قوة للروح والبدن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسفة على كثرة الفتاوي التي قد أكون أزعجكتم بها، مشكلتي هي أنني كما قلت في الأسئلة السابقة، أنني أفقتد الحنان، وعندما أريد ان أدعو الله سبحانه وتعالى، لا أعرف كيف أدعو، أنا أفقتد حنان الأبوين وخاصة الأب، أحيانا أدعو بأن أتزوج رجلا حنونا يعوضني هذا الحرمان العاطفي، ولمن ماذا لو لم أتزوج، وأنا دائما أعاني من مشاكل سببها الجفاف العاطفي، وأحس بأنني أحيانا ناشفة جدا وليس عندي عاطفة أبداً، لأن فاقد الشيء أكيد لا يعطيه، بماذا أدعو وما هو الحل، وعندما أرى حولي في العمل كيف علاقة البنات بآبائهن أبكي فورا، يرجى إفادتي، أنا إنسانة جدا طموحة وذكية، والحمد لله أنني أمتلك الكثير من الصفات التي تجعلني ناجحة، ولكن الشعور بنقص العاطفة يرجعني للوراء دائما، وأنه لا فائدة من أي شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تشكين منه من افتقاد لحنان الأبوين منذ الصغر قد ابتلي به كثير من الناس إما ليتم أصيبوا به وإما لانحراف بعض الآباء عن إشباع حاجات أبنائهم الروحية والنفسية، وذلك بسبب عدم انتهاجهم للتربية النبوية المتوازنة التي تغطي احتياجات الروح والجسد أو بسبب طغيان الحياة المادية عليهم أو غير ذلك من الأسباب. ولكن ليس معنى فقدان هذه الروابط الأسرية والرحمة والحنان في مرحلة من مراحل حياة الإنسان أن يصاب بالخواء الروحي أو الفراغ العاطفي، فإن من قويت صلته بالله خالقه لم يشك من ضعف صلته بالمخلوقين، وإن من أنس بالله استغنى به عما سواه، بل واستوحش من صحبة الناس، وإن من ذاق لذة مناجاة الله بالأسحار قويت روحه وعزت نفسه ولم يفتقر إلى الناس، وقد قال يعقوب لبنيه: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {يوسف: 86} . هذا، وإن كان الإنسان مدنيا بطبعه ويميل إلى الحياة الاجتماعية وإقامة العلاقات مع الناس ـ فإن من فضل الله أنه رتب على هذه العلاقات ثواباً إن كانت مبنية على ما يرضيه سبحانه، وعلى هذا فإن بإمكانك أن تنشئي علاقات مع أخوات لك تتبادلين معهن الحب في الله، وانظري الفتويين: 36998، 52433. وإن العلاقات المبنية على أخوة العقيدة أقوى بكثير. من العلاقات الناتجة عن أخوة الدم والنسب، وإن لك في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فإن أخوتهم ولحمتهم يضرب بها الأمثال، ولم يكن منشؤها روابط الطين الفانية، وانظري الفتوى رقم: 56629. كذلك فإن الإنسان إذا انشغل بما أمره الله به من الطاعات، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعوة الناس إلى الخير بقدر المستطاع، فلن يكون في قلبه أي فراغ، وستمتلئ حياته بالمفيد والنافع، وانظري الفتوى: 57084. وأما سؤالك: بماذا تدعين، فنقول لك: اسألي الله كل خير سأله محمد صلى الله عليه وسلم واستعيذي من كل شر استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتهدي في التزام الأدعية النبوية، ومن جملة ما تسألينه الله اسأليه أن يرزقك الزوج الصالح، وأن يهديك لأحسن الأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(9/5247)
الولي هو المؤمن التقي
[السُّؤَالُ]
ـ[متى نستطيع أن نقول إن فلاناً من الناس ولي من أولياء الله؟ أو أنه رجل مبارك؟ وهل نستطيع أن نخصه بالمعاملة لأنه عرف بصلاحه وخاصة إذا لوحظ أنه يرتاح لذلك فيبتسم أو لا ينكر على من أثنى عليه بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولي هو المؤمن المتقي المستقيم على طاعة الله والبعد عن محارمه، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {يونس: 62-63} .
فمن كان مستقيما على طاعة الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مخلصاً نرجو الله أن يجعله من أوليائه، سواء ظهرت على يديه بركات أو كرامات أو لم تظهر، لأن الكرامات أو الخوارق ليست دليلاً على ولاية الشخص كما أن عدم وجودها ليس علامة على أنه غير ولي.
وأما معاملة هذا الشخص الذي ترجون فيه الصلاح بما هو مشروع من التكريم والإحسان إليه وإجلاله فلا حرج فيها ففي الحديث: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وليس عليه إنكار الثناء عليه بالحق أو عدم التبسم لمن أحسن إليه، فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة على مدحه كحسان وكعب بن زهير.
وأما معاملته بما لا يجوز كالغلو في الثناء عليه أو الانحناء له عند لقائه أو غير ذلك، فإن كل ذلك لا يجوز.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 4445، 5416، 28353، 25852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1426(9/5248)
لا بأس في تذكر ذنب بعينه والاستغفار منه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء وأنظر إلى ما ارتكبته بحق الله أقتبس منه ذنباَ بعينه ثم أستغفر الله وأصلي
وأدعوه أن يغفر لي؟ فهل يجوز اقتباس ذنب بعينه وسؤال الله بالمغفره بالطرق الآتية:
أولاَ: أستغفر الله 100 مرة، ثم أقول أستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة، ثم أصلي ركعتين، ثم أقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك للتوبة من ذنوبك، ونسأله سبحانه أن يثبتك على ذلك حتى الممات؛ لأن في ذلك فلاحك وسعادتك في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} .
والندم على ما حصل منك من الذنوب توبة، كما جاء في مسند أحمد، وسنن ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الندم توبة.
ويكتب لك بهذا الندم أجر وثواب، وبه فسر بعض العلماء قول الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان: 70} .
قالوا: كلما تذكر ذنوبه ندم على فعلها كتب الله له بذلك حسنات، والمطلوب منك أن تستغفر من جميع ذنوبك السالفة، ولكن لو تذكرت ذنباً عظيماً وزدت في الاستغفار منه خاصة فلا حرج في ذلك، وأما كيفية الاستغفار فالأمر فيها واسع، والطريقة التي تستخدمها صحيحة ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/5249)
النهي عن ذكر المعصية للآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[والله إني لأكاد أموت من الخوف أن يحل بي غضب الله وأنا أكتب هذا السؤال لما اقترفته يداي من إثم عظيم في حق الله وحق نفسي فأنا شاب أعزب من بيت كريم لم أقرب الحرام قط ولكن تغلب علي الشيطان ووقعت في الزنا للمرة الأولى في حياتي لم أستطع الزواج بسبب ضعف إمكاناتي المادية واني والله أعيش في كرب عظيم فهل لي من توبة؟ وهل أطبق حد الله علي؟ حتى أرتاح مما أنا فيه ولقد والله فكرت أن أسر لأخي بذنبي الكبير وأطلب منه أن يطبق حد الله علي بالجلد لأننا في بلد لا يطبق شرع الله ولكني آثرت الانتظار على مضض حتى أسمع إجابتكم على سؤالي. فبالله عليكم أن تعجلوا لي بالا جابه قبل أن يعجل الله علي بغضبه وقد أصابني الرعب والقنوط حينما سمعت حديث رسول الله عليه السلام (الزاني يزنى بأهله ولو بعد حين)
أفيدوني أفادكم الله والله إني أكره نفسي وأكاد أقتلها لولا خوفي من لقاء الله فأريحوني من حيرتي ويأسي أراحكم الله ماذا أفعل؟؟ وأنا أشعر بغضب الله يكاد ينزل بي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك ويحصن فرجك ويُكرِّه إليك الكفر والفسوق ويجعلك من الراشدين.
ثم اعلم أخي أن من رحمة الله تعالى بعباده ولطفه بهم أنه لما جبلهم على اقتراف الذنوب والمعاصي وعدهم -ووعده حق- بأنه من تاب منهم ورجع عن ذنبه فإنه يتوب عليه. قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} . وقال سبحانه بشأن التائب من الشرك وقتل النفس والزنا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {68-70} .
وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فبادر أيها الأخ الكريم إلى التوبة النصوح، ومن شروطها: الإقلاع عن الذنب في الحال والندم على ما فات وعقد العزم على عدم العود إليه، فإذا كانت توبتك على هذا النحو فأبشر برحمة الله وفضله.
ولتكثر من الأعمال الصالحة، فإن ربك سبحانه يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا {طه: 82} .
ومن أهم ذلك المحافظة على الصلوات في الجماعة وكثرة ذكر الله عز وجل، ومما يقوي هذه التوبة المسارعة إلى الزواج ومصاحبة أهل الفضل والصلاح ومجانبة أهل الفسق والفجور وترك الأمور التي تثير الشهوة ومن جملتها مشاهدة صور النساء في الجرائد ووسائل الإعلام المرئية من تلفزة وإنترنت وغيرها.
هذا، وننبهك إلى أن ما فعلته من الستر على نفسك وعدم إخبار الغير بما فعلت من معصية هو الصواب، فاستر أخي على نفسك ولا تخبر بما جرى أحدا، لأن الشرع نهى عن المجاهرة بالمعصية، ومن المجاهرة ذكرها للغير كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/5250)
أمور تعين على تحقيق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لى صديقي جاء يشكو إلي شكوى عجيبة وغريبة مختصرها أن له أخا يصغره فى السن عمره حوالي 25 سنة اكتشف صديقي هذا أن أخاه يحب كثيرا أن يرتدى الملابس الداخلية النسائية كما أنه يصاب بحالة غريبة تجعله لا بد أن يضع أي شيء فى شرجه وكأنه امرأة وبعدها يقوم بفعل العادة السرية فى حين أن أخا صديقي هذا مواظب على الصلاة فى المسجد وعلى حلقات حفظ القرآن وعندما تحدث إليه بأنه يعرف المعصية الكبيرة التي يقوم بها أخبره أنه لا يستطيع تركها مثل ما ترك التدخين وأنه مستمر عليها منذ فترة كبيرة ويعرف أن فيها تجرأ على الله ولكنه لا يستطيع الإقلاع عنها ويقول أنه يأتى له إحساس فى شرجه لا يستطيع تحمله إلا بوضع أى شيء فيه ثم فعل العادة السرية كما أخبره أن كل ما يستطيع فعله هو أن يدعو الله بأن يمكنه من الإقلاع عنها نرجو من فضيلتكم تفسير هذه الحالة لنا وبيان السبيل إلى العلاج؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نسأل الله تعالى لهذا الأخ الهداية، ثم ليعلم أن ارتداءه لملابس تخص النساء يعد تشبهاً بهن وممارسته للعادة السرية هو معصية لا يجوز للمسلم فعلها، ويتأكد ذلك في حق من يرتاد المساجد وحلق القرآن الكريم.
ومن هنا نؤكد على هذا الشاب أن يبادر إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة قبل أن يأتيه الأجل وهو مقيم على هذه المعاصي، ومما يعين على تحقيق التوبة اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، ثم المبادرة إلى الزواج فهو وسيلة عظيمة لتحصين المرء من الوقوع في معاص من هذا النوع، كما دل على ذلك الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فلتيزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ومن أسباب تقوية التوبة كذلك مصاحبة الصالحين، والبعد عن أهل الفجور وكل ما يثير الشهوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(9/5251)
الطريق إلى الثبات على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من عصى الله عن طريق البصر وعزم على عدم العودة إلى العصيان ولكنه يعود إليه، أرجو الإجابة على سؤالي هذا دون إحالتي إلى إجابة سؤال آخر أرجوكم لشدة حاجتي للإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عصى الله تعالى ببصره أو غير ذلك من جوارحه فإن عليه أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، فقد قال الله عز وجل: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وشروط قبول التوبة: الإقلاع عن الذنب مباشرة، والندم على ما صدر من مخالفة شرعية، وعقد العزم الجازم على ألا يعود إليها أبدا فيما بقي من عمره.
فالتائب الذي يتذكر عظمة الله تعالى فيستغفره ولا يصر على قبيح فعله هو الذي يصدق فيه قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} .
وإن غلبه هواه مرة أخرى وتاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يغفر له ما لم يصر على المعصية، وأما من يتوب بلسانه وقلبه مازال متعلقاً بالعودة إلى المعصية فإن عليه التوبة من ذلك أيضاً لأنه مستهزئ بالله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ولهذا ننصحك بإخلاص التوبة وتحصيل شروطها والابتعاد عن ما يثير الشهوة ودواعيها والاشتغال بما يزيد الإيمان من العلم والعمل والخشية لله تعالى، فإذا حصلت هذه الأمور فإنك على خير وفي طاعة لله تعالى، ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6402، 7007، 17998، 49074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(9/5252)
التقصير في العبادات بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[مواعيد عملي في الصيف 8 صباحاً حتى 8 مساءا وفي الشتاء 8 صباحاً حتى 5 مساءا أي أن وقتي ضيق ولا وقت لي للقيام بالعبادات على أكمل وجه ولا وقت لصلة رحمي فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك بذل الجهد في سبيل فعل وإتقان ما عليك من حقوق واجبة لله تعالى أو لعباده، ومن آكد هذه الحقوق بعد توحيد الله تعالى إقامة الصلوات الخمس بشروطها وأركانها وواجباتها مع الخشوع فيها، ولا يجوز التهاون في أمرها بتأخيرها عن وقتها لما ثبت في ذلك من الوعيد الشديد، وراجعي الفتوى رقم: 18568، والفتوى رقم: 27851.
والعبادة في الإسلام شاملة لجميع مناحي الحياة حيث يمكن للمسلم تحويل حياته كلها إلى عبادة إذا استصحب النية الصالحة في أعماله العادية، وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 58107.
وصلة الرحم من الواجبات التي على المسلم القيام بها، وللتعرف على أهمية صلتها وما تحصل به راجعي الفتوى رقم: 6719، والفتوى رقم: 7683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(9/5253)
الخاتمة ميراث السوابق
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم على هذا الموقع الطيب وأرجو أن تفيدوني في موضوع حسن وسوء الخاتمة، وسؤالي هو هل سوء الخاتمة يمكن أن يصيب شخصا عبد الله طوال عمره، يعني مثلا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام
والذي معناه أنه يمكن لأحد أن يعمل عمل أهل الجنه ويكون من أهل النار ويمكن لأحد أن يعمل عمل أهل النار ويكون من أهل الجنة هل هذا بشكل عام يعني لا توجد شروط أو علامات معينه تدل على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار وماهي الأعمال التي تؤدي إلى حسن الخاتمة. وبارك الله فيكم وجزاكم كل خير وجعلنا من أصحاب حسن الخاتمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعنى الذي ذكرته ثابت في عدة أحاديث منها حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة. متفق عليه. ومنها حديث ابن مسعود في الصحيحين: فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار.
واعلم أن الخاتمة تكون ميراث السوابق كما سبق بيانه في الفتويين: 56824، 4001. قال الحافظ في الفتح: قال عبد الحق في كتاب العاقبة: إن سوء الخاتمة لا يقع لمن استقام باطنه وصلح ظاهره؛ وإنما يقع لمن في طويته فساد أو ارتياب، ويكثر وقوعه للمصر على الكبائر والجريء على العظائم، فيهجم عليه الموت بغتة فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة فقد يكون سبباً لسوء الخاتمة نسأل الله السلامة، فهذا محمول على الأكثر الأغلب. اهـ.
فمن عبد الله طويلاً وصلحت سريرته يوفق للخير ويختم له بخير في الغالب ـ إن شاء الله ـ قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل:5ـ7} . ولحسن الخاتمة علامات قد سبق ذكرها في الفتوى رقم: 29018، ولكن الخلو من علامات حسن الخاتمة لا يدل على سوئها وراجع الفتوى رقم: 50241، ومن الأعمال التي تقود إلى حسن الخاتمة، الاستقامة على شرع الله وحسن الطوية والإخلاص ودوام التوبة والاستغفار والمواظبة على الأعمال الصالحة. وراجع لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30385، 30035، 29439، 35312.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1425(9/5254)
اتباع الشرع والسنة خير في العاجل والآجل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في 25 من عمري. بعد تخرجي من الجامعة صليت صلاة الاستخارة واستقر قلبي وعقلي أن لا أعمل , مؤمنة أن الأكرم للمرأة ملازمة المنزل إن كان في استطاعتها وهي لا تعول أحدا , وعارضني كل أهلي على ذلك , ثم تقدم لي شاب على خلق ودين وأيضا صليت الآستخارة عدة مرات ومال قلبي له ووجدت الطريق ممهدا بعد صعوبات استمرت سنتين , وقبل الزفاف بشهرين توفي رحمة الله عليه وهو شاب في 29 من عمره. والآن كل من حولي يلومونني على حالي بسبب أني أستخير ربي في كل شيء. وإخوتي يقولون لي إني مخطئة بأني لم أعمل والآن لم أتزوج وكل هذا بسبب أني آمنت بأنه ما ندم من استخار. أرجو بالله عليكم أن تفيدوني برأيكم , هل أنا مخطئة في أني آثرت ملازمة البيت على العمل _ ويشهد الله_ أني فعلت هذا وأنا مؤمنة أن الأكرم لي ملازمة البيت والعبادة والصلاة خصوصا في هذا الزمن والآن بعد فترة من تخرجي من الصعب أن أوظّف؟ , وهل فعلا كما يقول لي اخوتي أن الله عاقبني لأني خالفت والدي أن لا أعمل وألزم البيت بأنه جعلني يكتب كتابي على رجل ذا خلق ودين وتوفي قبل الزفاف بشهرين؟؟ أرجو منكم الرد على ما يجول بخاطري ويقلق نفسي أن أكون أغضبت الله, وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر مما ذكرت أن مافعلت من ترك العمل هو الصواب إذا لم تكوني تحتاجين إلى العمل، أو كان يوجد في العمل محاذير شرعية فإن ذلك هو الأوفق للشرع والأليق بالطبع بالنسبة للمرأة، أما إذا لم يكن في العمل مانع شرعي فإن الإسلام لا يمنع عمل المرأة إذا ضبط بالضوابط الشرعية، ولتفاصيل ذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 28006. وأما ما فعلت من الاستخارة فهو السنة، ففي البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسالك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدرلي الخير حيث كان ثم رضني به. ومن فعل ذلك فلن يضيعه الله تعالى، لأنه اتبع السنة وإذا حدث له شيء ظاهره أنه شر أو مكروه.. فستكون عاقبته خيراً إن شاء الله تعالى. فلا تندمي على اتباع الشرع وفعل السنة فإن ذلك خير لك في العاجل والآجل، ولو كان الظاهر بخلاف ذلك، فلتصبرى وتحتسبي الأجر عند الله تعالى وقولي ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم: قدر وما شاء فعل، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وماشاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان. فما حدث بقضاء الله تعالى وقدره.. وأنت لم تخالفي الشرع في حق أبيك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(9/5255)
خطوات عملية لإصلاح النفس الأمارة بالسوء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
مما تبين لي والله أعلم أن الذنوب قسمان، ذنوب آتية من وسوسة الشيطان وذنوب آتية من النفس وهواها، هل هذا صحيح، فإذا كان كذلك فكيف نفرق بأن هذا الذنب كان من وسوسة الشيطان، أم أنه من النفس وهواها، وما هي الخطوات التي من خلالها إن شاء الله تخمد مضلات النفس وهوها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ألد أعداء الإنسان هما الشيطان ونفسه التي بين جنبيه، قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر:6} ، وقال أيضاً: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {يس:60} ، وقال تعالى: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {النساء:60} ، وقال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ {المائدة:91} ، إلى غير ذلك من آيات كثيرة توضح عداوة الشيطان للإنسان وأنه له بالمرصاد.
وقال عن نفس الإنسان: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {يوسف:53} ، ولعظيم شأن النفس أقسم الله تعالى بها في أكثر من موضع في القرآن، فقال سبحانه: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ {القيامة:2} ، وقال تعالى أيضاً: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {الشمس:7} .
ولقد نهانا الله نهياً شديداً عن اتباع هوى النفس، فقال سبحانه وتعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ {النجم:23} ، وقال أيضاً: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ {ص:26} ، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ {الجاثية:23} ,
واعلم أن النفس الأمارة بالسوء إنما كانت كذلك لاستجابتها لوسوسة الشيطان، قال السعدي رحمه الله عند قوله تعالى (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) قال: أي لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي الفاحشة وسائر الذنوب، فإنها مركب الشيطان ومنها يدخل على الإنسان. انتهى.
وأما الخطوات التي لو اتبعتها تصلح بها نفسك الأمارة بالسوء، فهي أولاً المشارطة: وذلك بأن تشترط عليها أن تقلع عن السوء، وأن تلزم تقوى الله وطاعته وحبذا لو كان ذلك منك في كل صباح حتى تصل إلى ما تريد.
ثانياً: بالمراقبة: بأن تراقب نفسك هل هي فعلاً قد أوفت بما اشترطته عليها أم لا.
ثم ثالثاً: المحاسبة: بأن تحاسبها على الأفعال والأقوال.
ثم رابعاً: المجاهدة بأن تقصرها قصراً على طاعة الله وتلزمها إلزاماً بمخالفة الهوى والشيطان، وراجع تفصيل هذه الخطوات في كتاب (مختصر منهاج القاصدين) ، والكتاب نافع كله، خاصة رُبع (المهلكات) ورُبع (المنجيات) ، ومع اتباع الخطوات الآنف ذكرها أكثر من دعاء الله أن يكفيك شر نفسك، والله نسأل أن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شر نفوسنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(9/5256)
موت الفجأة هل هو راحة للمؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون موت الفجأة راحة للمؤمن؟ أليس في كل ما يصيبه من أذى ويصبر عليه كفارة له؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد في المسند عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر.
وقد اختلف أهل العلم في صحة وضعف هذا الحديث، فقد صححه العراقي في تخريج الإحياء والسخاوي في المقاصد الحسنة، وضعفه الهيثمي في المجمع، فذكر أن في سنده متروكاً، وقد رجح ضعفه الشيخ الأرناؤوط والشيخ الألباني، وورد في حديث أبي داود: موت الفجأة أخذة أسف. صححه النووي والألباني.
وقد وفق أهل العلم بين الأحاديث المفيدة للاستعاذة من موت الفجأة، وبين هذا الحديث والأحاديث المفيدة لشهادة بعض من ماتوا فجأة كصاحب الهدم والحرق والغرق والمفيدة لكونه راحة للمؤمن، فذكروا أن موت الفجأة بالنسبة لأهل مراقبة الله المستعدين للموت فيه تخفيف عليهم، وراحة لهم حيث لا ينالون مرضاً.
وأما أصحاب الغفلة الذين يحتاجون للتوبة واستحلال من له حق عليهم، فإنه يخاف عليهم من أن يكون أخذ أسف، حيث لم يتركوا حتى يتوبوا ويستعدوا للآخرة ولم يمرضوا حتى يكفر المرض بعض ذنوبهم.
وراجع للمزيد في هذا شرح المناوي للجامع الصغير، وشرح النووي للمهذب، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، واعلم أنه لا تعارض بين راحتهم وعدم ابتلائهم بما تكفر به الذنوب، فإنه تعالى قد يغني بعض العباد بأجور الأعمال عن أجور الصبر على البلاء، فقد ذكر ابن السكي أن إبراهيم وداود وسليمان عليهم السلام ماتوا فجأة، وراجع الفتوى رقم: 9220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1425(9/5257)
من يريد السلامة فليسلك مسالكها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة من اليمن، يتيمة الأب، أعيش مع أمي وأخي في بيت أقاربي يشاركنا السكن في هذا البيت شباب من أقاربنا وهذا يسبب لي الكثير من المتاعب وعدم الارتياح، عشت طفولة بائسة مليئة بالآلم والعذاب بعد وفاة أبي، حيث تعرضت لكل أنواع الأذى والإهانة من أقاربنا الذين نعيش معهم، فقد اعتدى علي أكثر من مرة من هؤلاء الشباب، ولكنني بتوفيق من الله كنت أفلت منهم في اللحظة الأخيرة، لم يكن لدي أي خيار، إما العيش في هذا البيت والسكوت على الأذى والإهانة أو أن ألقى أنا وأمي في الشارع، عشت هكذا سنوات طويلة حتى حصلت على قدر من التعليم مكنني أخيراً من الحصول على عمل، حيث حصلت على وظيفة في مؤسسة عسكرية تابعة لوزارة الداخلية، ولكن لسوء حظي صارت هذه الوظيفة كابوساً أحال حياتي إلى جحيم لا يطاق، حيث إنني وللأسف الشديد أعمل مع زملاء أقل ما يقال عنهم أنهم أناس منحطون لا أخلاق لهم، فهم يتحرشون بي ويؤذونني بكلامهم ونظراتهم ويريدون بي الشر وأن أنحدر معهم في مهاوي الرذيلة وطريق الضياع، أنا في حاجة لهذا العمل ولكن أنا بحاجة ماسة للحفاظ على ديني وشرفي، إنني أتعرض من أحد الضباط وهو المسؤول المباشر عني إلى كل أنواع التحرش ويطلب مني أن أنساق معه في طريق شهواته الشيطانية المقيتة وهو يستغل ضعفي وحاجتي للوظيفة، لقد فكرت أن اشتكي به، ولكن سوف أكون أنا الخاسرة حيث إنه ضابط في وزارة الداخلية ولن يصدقني أحد بل سوف أجد نفسي أنا المتهمة وقد يعرضني هذا للوقوع تحت طائلة العقاب من قبله، أنا حائرة هل أصبر على الأذى وأتحمل هذا العذاب في سبيل الحفاظ على الوظيفة، أنا خائفة على نفسي من هؤلاء الأشرار حيث إن بقائي معهم قد يلحق الأذى بي وفي نفس الوقت أخاف إن تركت العمل أن أخسر هذه الوظيفة، أفيدوني بالنصح؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عنك همك ويكشف كربك وأن يثبتك على العفاف والدين، واعلمي أن عاقبة الصبر الفرج، وأن مع العسر يسراً، قال الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح:5-6} ، وفي الحديث: أن النصر مع الصبر، وأن الفرج من الكرب، وأن مع العسر يسرا. رواه أحمد.
وينبغي لمن يريد السلامة أن يسلك مسالكها، وليس من مسالك سلامة الدين والخلق والعفة للمرأة أن تعمل في جو مختلط فاحش كهذا الجو الذي تعملين فيه، وعفتك ودينك خير من الدنيا بأسرها، فلأن تعيشين على الخبز والماء خير من أن تفقدي أعز ما لديك وأغلى ما عندك، فالمتعين عليك إذاً ترك هذه الوظيفة فوراً والبحث عن وظيفة أخرى لا تجر عليك كل هذا البلاء، وثقي بأن الله تعالى إن علم منك صدقاً أنه لن يتركك وسييسر لك عملاً أو زوجاً ينفق عليك ويعوضك عن آلامك ومعاناتك السابقة، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، كما ننصحك بالاستعانة بالخيرات من النساء فإنهن نعمة في الرخاء وعدة في البلاء، فاستشيريهن واعرضي عليهن أمرك، ولن تعدمي في بلد الإيمان والحكمة من يقف معك ويعينك على الخروج من هذه الضائقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(9/5258)
غارق في المعاصي يمارس العادة السرية يشعر بالضياع فما المخرج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب غارق في المعاصي وأمارس العادة السرية وأشعر بالضياع، أريد الخروج مما أنا فيه مع أن صوتي جميل في قراءة القرآن ويحب الناس سماعه فانصحوني ما العمل للخروج مما أنا فيه، وابعثوا لي أسماء محاضرات إسلامية وأسماء كتب لأستفيد منها، أرجوكم ساعدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ارتكاب العادة السرية محرم، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9195، 1087، 52466، 34473.
والواجب عليك المسارعة بالتوبة إلى الله قبل أن يدهمك الموت وأنت مقيم على هذه المعاصي، وحينئذ لا ينفع الندم، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال أيضاً: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة:104} ، واعلم أنك إذا تبت ورجعت إلى الله فإن الله يقبل توبتك ويمحو جميع ذنوبك السالفة، فالله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، بل ويبدل السيئات مع التوبة حسنات، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57184، 16907، 33975.
هذا، وننصحك بأن تفتش عن الشباب الصالحين المتمسكين فتنخرط في صفهم وتعبد الله معهم، كما ننصحك بلزوم الصلاة في جماعة، وانظر الفتوى رقم: 1798، والفتوى رقم: 1415.
كما ننصحك بالزواج إن تيسر لك ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء. رواه مسلم.
وأما الكتب التي ننصحك بها فهي كتاب (الداء والدواء) للإمام ابن القيم، وكتاب (مختصر منهاج القاصدين) ، وكتاب (رياض الصالحين) .
وأما الأشرطة فهي كثيرة ومنها (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و (جلسة على الرصيف) للشيخ سلمان العودة، و (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و (على الطريق) للشيخ على القرني. وهذه الأشرطة تجدها على الموقع islamway.com على الإنترنت، وانظر الفتوى رقم: 12744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(9/5259)
الارتقاء بالنفس.. أسبابها.. ووسائلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 20 سنة.... ومواظب على الصلوات الخمس وأحاول حفظ القرآن الكريم وأحاول تصليح نفسي ولكن مشكلتي أنني في بداية توبتي تركت العادة السرية لشهور عديدة والآن عدت لها ولا أعرف كيف وأصبحت أمارسها ما يقارب ثلاث مرات أسبوعيا وعدت لممارستها منذ حوالي 5شهور وأنا أعلم بأن العلماء قاموا بتحريمها وأعلم أن تلك الفعلة تغضب الله عز وجل وأحاول أن أرتقي بنفسي وأتوب وأصلي صلاة التوبة وفي كل مرة ولكن أفشل في كل مرة فاقترحت على نفسي أن أسمع بعض الدروس لعفو الله وعناوين أخرى مختلفة ولكنني لم أستطع تركها وعندما تهيج شهوتي لا أفكر إلا في ارتكاب تلك العادة.... والآن تطورت الحالة وأصبحت اليوم فقط أتفرج على الصور الإباحية ولكني بعدما تفرجت حذفتها من جهازي وأنا مرة جديدة أحاول التوبة ... علما بأنني لست من المتفرجين على الأفلام ولست من أصحاب الصداقة مع البنات وأغض بصري لأقصى حد.... وأكثر شيء يخوفني أن جميع من أعرف يحبونني ويثقون بي بشأن توبتي ونصحي لهم....ففكرت أن أستعين بحضرات العلماء لأنني محب للعلماء وآرائهم وخاصة حضرتكم وحضرة الدكتور محمد البوطي.
فسؤالي هو هل أنا من أصحاب الكبائر أو من المنافقين حيث الناس تنخدع بي أو من الذين لا يحبهم الله فابتلاهم من خلال التوبة ... ؟
وأرجو منكم أن توضحوا لي حلا لمشكلتي هذه من خلال ذكر أو دعاء معين فأنا أحب الله ولا أريد أن يكون الله أهون الناظرين إلي؟؟ وأرجوا أن توضحوا لنا سبل الارتقاء بالنفس؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك المسارعة بالتوبة إلى الله من العادة السرية، ومن النظر إلى الصور الإباحية من قبل أن يفجأك الموت وأنت مصر على هذه المعاصي، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتاوى: 9694، 5450، 29785.
هذا، وإن كان فعل العادة السرية أو النظر إلى الصور الإباحية ليس من كبائر الذنوب، إلا أن الإصرار على ذلك فيه استهانة بالله العظيم الذي ينظر إليك فتتحول الصغائر بالإصرار عليها إلى كبائر، ولذلك قال بعض السلف: لا صغيرة مع إصرار. وقال بعضهم: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. وانظر الفتويين: 2778، 23243.
هذا، ولا ينبغي أن تظن أن الله ابتلاك بهذه الذنوب لأنه لا يحبك، فقد قال الله جل وتعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {النساء: 27} . وقال أيضا: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ {النساء: 28} . وقال أيضا: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ {الزمر} ولكن أنت الذي تقدم على هذه المعاصي بمحض إرادتك دون أن يدفعك إليها دافع إلا نفسك التي بين جنبيك والتي تأمرك بالسوء.
هذا، ولا يوجد ذكر معين إذا قاله الإنسان ترك المعاصي، وإنما مع المحافظة على الأوراد من الأذكار في الصباح والمساء، ودبر الصلوات، وعند النوم ونحو ذلك من الأذكار الموظفة والتي تجدها في كتاب "حصن المسلم" نرجو أن يتحصن قلبك من الشهوات فلا تعود إلى هذه المعاصي مرة أخرى.
وللارتقاء بالنفس أسباب عدة، ولكنها في الأساس نابعة من الإنسان، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11} وقال أيضا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
كما نوصيك بالانخراط في الشباب الصالح المتمسك بدين الله، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
ومن أسباب الارتقاء بالنفس أداء ما أوجبه الله تعالى عليك، ومنه المحافظة على الصلاة في الجماعة، ثم أداء النوافل بعد الفرائض.
كما ننصحك بطلب العلم النافع وشهود مجالس الخير، وسؤال الله كثيرا كثيرا أن يهدي قلبك، وأن يصرف عنك ما أنت فيه من البلاء.
ولمزيد فائدة ننصحك باستماع الأشرطة التالية، وتجدها على موقع islamway.com على الإنترنت، وهي:
: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي و" جلسة على الرصيف" للشيخ سلمان العودة. و" توبة صادقة" للشيخ سعد البريك. و" على الطريق" للشيخ علي القرني.
وانظر الفتاوى: 1087، 2283، 52466، 9195، 34473، 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(9/5260)
كيفية التخلص من داء (التعلق) بشخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي مشلكة بسيطة وهي أني أحب شابا مع أني شاب أيضا لكني لا أنظر إليه بشهوة وليست لدي نية سيئة اتجاهه ولكني أحبه أسعد لرؤيته وأغار ممن هم حوله حتى أنني أكتئب إذا ما رأيته. فدلوني على ما يساعدني على التخلص من هذا الشعور الذي يضايقني كثيرا مع العلم أني رجل محافظ على فروضي.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي تشكو منه وهو (التعلق) بشخص تحبه ليس مشكلة بسيطة كما تظن، بل إنه داء والواجب عليك الاجتهاد في التخلص منه. فإن الشريعة رغبت في الأخوة في الله ورتبت الثواب على المحبة فيه، وانظر أدلة ذلك في الفتاوى التالية: 52433، 36991، 30426. أما التعلق بشخص معين، فهو أمر آخر غير مجرد المحبة في الله التي تزيد إذا رأيته على طاعة وتقل إذا رأيته على معصية، وإنما التعلق هو قبول الشخص كما هو والأنس به والشوق إليه إذا غاب عنك، والغيرة عليه إذا وجدته مع غيرك، وعدم الرغبة في مفارقته، والتكدر إذا انصرف عنك، بل يصل الأمر بالبعض إلى أن يمرض إذا غاب من يحبه عن ناظريه أو وقع بينهما شيء أفسد العلاقة بينهما. وفي ذلك يقول ابن القيم: من أحب شيئا سوى الله عز وجل فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد، فإنه إن فقده عذب بفواته وتألم على قدر تعلق قلبه، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حصوله له من اللذة:
فما في الأرض أشقى من محب * وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حال * مخافة فرقة، أو لا شتياق
فيبكي إن نأوا، شوقا إليهم * ويبكي إن دنوا، حذر الفراق
فتسخن عينه عند التلاقي * ... وتسخن عينه عند الفراق اهـ.
ولا شك أن هذه العلاقة مذمومة وأنها من مصائد الشيطان التي يصيد بها بني آدم، فلا يبقى في قلب العبد حظ لربه جل وتعالى، بل حتى العبادات المحضة التي يتقرب بها العبد لمولاه يكون فيها قلب ذلك الشخص هائماً مع من يحب. ومن مضار هذا التعلق أنه قد يوقع المرء في الشرك دون أن يدري، ونقصد بالشرك هنا شرك المحبة، فيشرك هذا الشخص حبيبه في عبادة من أهم عبادات القلب التي تصرف لله تعالى وحده!! ولذلك يحرص الشيطان على تزيينها في قلب العبد، ويلبسها لبوس الأخوة في الله وشتان بينهما. ثم إن هذه العلاقة وإن طالت إلا أنها تنقلب إلى عداوة وبغضاء شديدين، ومثلها في ذلك مثل كل غلو فإنه يولد غلوا لكن في الطرف الآخر، ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك فقال: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وهذا الحديث من الطب النبوي للقلوب، وهو من باب الوقاية من الداء الذي ابتليت به. هذا، ونوصيك بأن تقرأ الفتوى رقم: 9360، واجتهد في تطبيق خطواتها بقدر المستطاع، كما نوصيك أن توسع قليلاً من دائرة إخوانك المقربين، بحيث ينافسون صديقك على حيزه في قلبك. ومما يفيدك في علاج ذلك الأمر ـ الانشغال بحفظ كتاب الله بحيث تلقيه على شيخك يومياً. وننصحك بقراءة كتاب "أسماء الله الحسنى الهادية إلى الله والمعرفة به" للعلامة عمر الأشقر، واقرأ كتاباً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن "الرحيق المختوم". فبقراءة هذين الكتابين يزيد حبك جداً لله ورسوله، فإن حبك للشيء يزيد بزيادة معرفتك به. واعلم أن الحال التي تشكوها يقع فيها كثير من الشباب خصوصاً في سن المراهقة، ثم تهدأ الأمور غالباً بعد تجاوز تلك المرحلة. والسبب الغالب في نشوء مثل تلك العلاقات هو الفراغ العاطفي الذي يقع فيه من كان في هذه المرحلة، خصوصاً إذا كانت الجسور شبه مقطوعة مع الوالدين وباقي أفراد الأسرة. وهذه المرحلة تنتهي تلقائياً مع زيادة النضج العقلى للشاب، وبانخراطه في صفوف طلبة العلم المجدين، وبالزواج وإنجاب الأبناء والقيام على تربيتهم. هذا، ونوصيك بتقوى الله ومراقبته واستشعار نظره إليك، واسأله سبحانه أن يقوي قلبك وأن يجعله خالصاً له لا شريك له. واستفد من كتاب "استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس". للحافظ ابن رجب الحنبلي، وكذلك أول اثني عشر باباً من كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" للإمام ابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(9/5261)
البكاء من خشية الله نعمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة وقعت في كثير من المحظورات وأرغب في التوبة فما الذي علي فعله؟ أنا نادمة على ما فعلته ولكني لا أبكي فهل البكاء شرط في التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة التوبة والرجوع إليه من قبل أن يدهمك الموت وأنت قائمة على المعاصي، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10747، 16907، 26255.
واعلمي أن للتوبة النصوح شروطا لا بد من تحققها، انظريها في الفتاوى 9694، 5450، 29785.
أما البكاء من خشية الله فهو نعمة من الله يوتيها من يشاء، وليس شرطاً من شروط التوبة، وقد يبكي الإنسان إذا نظر إلى ذنوبه وتفريطه، وإلى عمله القليل ثم تذكر الله وعظمته وجلاله وإذا تدبر القيامة وأهوالها، فرقة القلب تحتاج إلى رياضة ومران، ومن ذلك إدمان النظر في كتاب الله وتدبر معانيه.
هذا.. ونوصيك بالإكثار من فعل الصالحات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، كما نوصيك بالتفتيش عن الأخوات الصالحات الفضليات والانتظام في سلكهن، فإنهن خير معين بعد الله على الثبات على طريق الهداية.
كما نوصيك بطلب العلم النافع واستماع الأشرطة الدينية، ومن ذلك الاستماع إلى محاضرة بعنوان توبة صادقة للشيخ سعد البريك، وتجدينها على موقع islamway.com على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1425(9/5262)
كيف تجعل حياتك كلها عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بإحدى المؤسسات بالمملكة السعودية ولله الحمد دخلي مرتفع ولكن أعمل من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية عشر ليلا ولا يوجد أيام راحة خلال الأسبوع وعليه فإنى أجد ضيقا لأنه ليس هناك وقت لله في يومي سوى الصلوات الخمس وبالكاد وباقي اليوم عمل في حين أننا خلقنا للعبادة ليس إلا وأخشى على نفسي أن تدخل الدنيا في قلبي لما أحصل عليه من مال وطالبت مراراً من مدرائي بالعمل أن يخفضوا لي عدد ساعات العمل ولكن دون جدوى ماذا عليّ أن أفعل بالله عليكم؟
أفيدونى فأنا أريد أنا يكون معظم يومي لله مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أننا ما خلقنا إلا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، كما قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56} .
ولكن العبادة -بمعناها- الشامل لا تقتصر على أداء الصلاة أو غيرها من الشعائر التعبدية. فالعبادة في الإسلام تشمل جميع مناحي الحياة، وبإمكان المسلم أن يحول حياته كلها إلى عبادة إذا استصحب النية الصالحة في أعماله العادية، فيقصد بعمله الحصول على المال الحلال لينفق على نفسه ويؤدي به ما فرضه الله عليه من الحقوق والواجبات.
كما يقصد بأكله وشربه ونومه وراحته التقوي على طاعة الله تعالى، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وفي بضع أحدكم صدقة ... رواه مسلم.
وصح عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
ولهذا ننصحك باستصحاب النية الصالحة في أعمالك كلها، وخاصة في هذا الدوام الطويل، وأن تحافظ على أداء ما افترض الله تعالى عليك من حقوق لله تعالى ولعباده، ولتكن الدنيا في يدك، كما كان السلف الصالح، ولتحذر من دخولها إلى قلبك.
ثم إننا نوصيك أيضاً بألا تغفل عن ذكر الله، فقد مدح الله قوما فقال: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ {النور: 37} .
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 24782، 4476، 37734.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1425(9/5263)
على المسلم التزام حسن الظن والأدب مع الله في كل أحواله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي كلام كثير أقوله فعذرا لو خانني التعبير عما بداخل نفسي.. سيدي أنا فتاة عمري 25 جميلة ومتعلمة ومن عائلة طيبة.. أحب ديني كثيرا وأحاول بقدر استطاعتي التزود منه لحياتي القادمة.. أنا أحب الله كثيرا لهذا أعمل ما يرضيه وأبتعد بقدر طاقتي عن إغضابه خوفا من عقابه لي.. مررت بفترة شديدة منذ عدة أشهر.. وكنت أحس بأن هذه الشدة بسبب ذنوبي التي كنت أرتكبها في تلك الفترة وبسبب غفلتي عن مرضاة الله (ربما هي ذنوب بسيطة في نظر الآخرين ولكنني كنت أراها كالجبال) .. والحمد لله مرت الأزمة وربما ربي حرمني من نعمة معينة في ذلك الوقت بسبب ذنوبي ولكن من ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة وأنا أستغفر الله يوميا لجميع ذنوبي وأبكي بين يدي رحمته في الليل والنهار خصوصا في شهر رمضان المبارك.. ومن وقتها وأنا أحاول البحث في داخل نفسي عما ارتكبت من ذنوب وأحاول إصلاح نفسي بقدر طاقتي واجتهادي عملا بالآية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ولقد تركت أشياء كثيرة كنت أعملها وأحبها.. تركتها ابتغاء مرضاة الله وإرضاء لوجهه الكريم.. ولقناعتي أن الذنوب هي التي تجلب النقم على الإنسان.. وأنا أدعو الله ليلا ونهارا بأن يتوب علي ويعفو عن ذنوبي وييسر لي أمري ويفك عني كربتي ويجعل لي من عنده مخرجا.. كما أنني ألزم الاستغفار ولساني دائما يلهث بكثرة الاستغفار لله تعالى.. ومع ذلك.. ومع كل ماذكرت أشعر التوتر والحزن في داخلي.. ربما ذنوبي بسيطة جدا مقارنة مع غيري من الفتيات.. ولكنني أجدها كالجبال.. أثق برحمة الله ومغفرته ولكن كلما أذنبت ذنبا ولو كانت مجرد كلمة ربما فيها غيبة أحس بالألم في داخلي وألوم نفسي على كثرة أخطائي وينتابني إحساس أن كل ما بنيته سيذهب هباء وكأن الله تعالى يتربص لأخطائي.. هذا ما ينتابني من شعور في بعض الأحيان مع أنني في الأغلب أثق في رحمة الله تعالى.. شيخي.. ما أصعب الصبر على الابتلاء في هذه الدنيا وأنا أحس نفسي الآن في ابتلاء ولكنني أجد نفسي ضعيفة في بعض الأحيان وغير قادرة على مواجهة الحياة.. أحس بأن نفسي لا تقوى على تحمل كل هذا الألم الذي في داخلي لهذا أدعو الله دائما رب لا تحملني ما لا طاقة لي به.. وأستمر في الدعاء ولي سنوات وأنا مواظبة على الدعاء بجد واجتهاد ربما لا يستطيعه غيري.. ومع هذا أجد الحال هو الحال.. أنتظر الفرج يوما بعد يوم.. وهو إحساس رهيب أن تعد الأيام حتى يأتيك الفرج ولا تجده ولا تجد من الضيق مخرجا.أنظر من حولي وفي محيطي وفي عائلتي أجدهم يعيشون حياتهم براحة دون الإحساس بالذنب لأقل الذنوب دون المداومة على الدعاء.. دون التقرب من الله والحرص على فعل الخيرات أحس بأنهم يفعلون القليل ويحصلون على الكثير وهل أكثر من راحة البال والطمأنينة؟؟ أنا التي أحافظ على ذلك أجد نفسي مقصرة ومضطربة وحزينة لا أدري هل هو خطأ في داخلي هل هذا الشعور ناتج عن تقصير مني أم هو شعور طبيعي لأطمع دائما بالمزيد. أنا كلي ثقة ويقين بأن القدر مكتوب وما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا أثق تماما بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب لنا أخاف من المكتوب أخاف أن يستمر الحال على ما هو عليه ربما سنة أو سنتين أو أربع أو أكثر من يدري كيف سأحتمل كل هذا الألم كيف ستمر علي هذه الأيام وهل سأجد سعادة فيها أحمل هذا الهم وأخاف منه كثيرا ولكنني أرجع وأقول من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا وأنه من يعمل الصالحات سيحييه الله حياة طيبة.. هذا وعد الله لنا والله لا يخلف وعده.. وأنا في كل مراحلي صدقت مع الله وعاهدته على عدم العودة إلى ذنوبي وعدم تكرارها على قدر استطاعتي وأنا مستمرة على وعدي ولكن أين الفرج أين المخرج عذرا شيخي على الإطالة ولكنه ألم كبير في داخلي يمنعني من السعادة وليسامحني الله إن كنت أخطأت دون قصد مني.. أريد ردك يا شيخ أريد ما يطمئن قلبي ويسد أي باب للشيطان لأنني أحس الشيطان يلعب برأسي ويسد الأبواب في وجهي وادعو لي أن يفرج الله كربتي ويفتح لي أبواب رحمته ويجعل لي من كل ضيق فرجا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد الله الذي من عليك بالتوبة قبل الممات، والحمد الله الذي بصرك بعيوب نفسك، فقد تكون الذنوب سبباً في التوبة والندم، فيدخل الإنسان بسبب ذلك الجنة وينال الدرجات العلى. ولكن ظهر لنا من رسالتك أشياء تستحق التعليق عليها، ومن ذلك أنك استبطأت إجابة الله لدعائك، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال: يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ـ مالم يستعجل. قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يُستجب لي، فيستحسر ويدع الدعاء. رواه مسلم. وانظري الفتوى رقم: 2395 وكذلك فإن الفرج الذي تنتظرينه قد يأتيك من الله وقد لا يأتيك لحكمة يعلمها الله تعالى، ومن ذلك أن يدخر الله تعالى لك تلك الدعوة في وقت أحوج ما تكونين إليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نكثر، قال: " الله أكثر!! ". بل قد يكون ما يظنه الإنسان خيراً، يكون شراً له في نفس الأمر إذا أدى لنسيانه مولاه أو غفلته عنه، فينشغل بالنعمة عن المنعم، وقد قال تعالى: وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ!! {الاسراء: 11} . كذلك قد ظهر في رسالتك أنك تقارنين نفسك بمن هو دونك في العبادة أو أكثر منك في المعصية، وهذا من الخطأ، إذ إنه ربما أدى بك إلى العجب والكبر، وإنما ينبغي أن تقارني نفسك بمن هو أكثر منك طاعة وأقل معصية. واعلمي أنك إنما تتقربين له سبحانه وتتذلين لعظمته وكبريائه لتحققي عبوديتك له وليرضى بك أمة من إمائه، وإلا فهو غني عنك وعن عبادتك ـ فاحذري أن تمني عليه بعملك أو تُدلي عليه بعبادتك! ثم هل تيقنت أن الله قبل منك من عبادتك ولو ركعتين، فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي الدرداء أنه قال: لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة: 27} .كذلك يجب عليك أن تعلمي أن الله لا يُسأل عما يفعل، فإذا رأيت الله سبحانه قد أنعم على غيرك بما حرمك منه فلا تعترضي، فإن الملك ملكه، والعبد عبده يرزق من يشاء بغير حساب، قال تعالى مخبراً عن نفسه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الانبياء:23} . ولكن يجب على العبد أنه إذا أُعطي أن يشكر وإذا منع أن يصبر، واعلمي أن كثيراً ممن ظاهرهم منعمون هم في الحقيقة مستدرجون بنعم الله وهم لا يشعرون، ولأن يبقى الإنسان خائفا حتى يدركه الأمن عند الممات خير من أن يأمن حتى يدركه الخوف. وأما قولك: إنك تحسين أنك لا تقوين على تحمل الألم، فهذا قول من لم تر أهل البلاء، فأنت ـ والله ـ في عافية إذا راقبت المبتلين من حولك ممن فقدوا صحتهم أو بعض أعضائهم أو عقولهم أو عائلهم الوحيد، وإن أعظم الناس بلاء هم الذين استلب إيمانهم ونقص في الله يقينهم. وأما قولك: " كأن الله يتربص بأخطائي"، فهذا لا يليق أن يقال على الله جل في علاه، وهو قول من لا يعرف قدره سبحانه، فإنه جل وتعالى يفرح بتوبة العبد، ولا يريد أن يعذبه، قال تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {النساء: 27} . وأخيراً اعلمي أن ما أنت فيه من الحزن والهم إنما هو بسبب فراغ القلب وتعلقه بالدنيا، وإنك لو جعلت شغلك الشاغل وهمك المقعد المقيم هو فكاك نفسك من النار ونجاتها يوم القيامة ـ لما وجد الحزن على الدنيا إلى قلبك سبيلاً، قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ {آل عمران: 185} . وقد قال صلى الله عليه وسلم: من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك. فعلاج الهم هو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله، واليقين بأن الرزق بيده سبحانه، وما على الإنسان إلا أن يأخذ بالأسباب، ويكل ما عدا ذلك إلى مدبر الكون. فإن فعل المؤمن ذلك ثم أصابه شيء من الهم ـ فهو رفعة في درجاته وحط من سيئاته، قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه ـ إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم. فليكن أنسك بالله، واستغني به عما سواه، وراجعي الفتاوى التالية: 57084، 26806، 17591، 25308، 16790، 13393.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(9/5264)
فعل السيئات اتكالا على أنها تذهب بالحسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي التوبة من ذنب النظر إلى المحرمات من الصور والأفلام في التليفزيون والإنترنت والعودة إليها مرة أخرى وهكذا، مع العلم بأني من المحافظين على الصلاة والطاعات الأخرى، دائماً أعذر نفسي بأن الحسنات يذهبن السيئات، أفيدوني ولكم خالص الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك التوبة من النظر إلى ما حرم الله النظر إليه من قبل أن يدهمك الموت فتندم حيث لا ينفع الندم، وإن كون الحسنات يذهبن السيئات لا يبرر العودة إلى فعل المعاصي بحجة فعل بعض الطاعات في مقابلها وأنت لا تدري هل قبلت منك تلك الحسنات أم لم تقبل، ثم إن فعلك الذنب قد يعرضك لعقوبة من الله لا تأمن أن تبغتك في أي ساعة في نفسك أو مالك أو أهلك، قال الله تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ {النحل:45-46-47} .
وقد يختم لك وأنت قائم على تلك المعصية ويمكر الله بك فلا يمكنك من التوبة، وقد ذكر العلماء أن الاسترسال في المعاصي من أسباب سوء الخاتمة، وقال الله تعالى: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99} .
هذا ونحذرك بأن المداومة على الصغائر قد تزين فعل الكبائر ثم الوقوع في الشرك والعياذ بالله، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} .
فتب إلى الله من فورك عازماً على عدم الرجوع لتلك المعاصي، واندم على ما فرطت في جنبه تعالى، ولا تستجب لشيطان يغريك بمعاص تذهب لذتها وتبقى حسرتها، وأسأل الله العفاف، وإن كنت قادراً على الزواج فافعل، فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: با معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وقال سبحانه: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} .
وبعد هذا كله نقول لك أيها الأخ إن المسلم إذا وقع في الذنب فإنه مطالب بالتوبة منه وعليه أن يحذر من أن يوقع الشيطان في قلبه عدم الرغبة في التوبة بحجة أنه قد يواقع الذنب مرة أخرى فاحذر من هذا، واعلم أنه من تاب إلى الله توبة مكتملة الأركان بأن ندم على ما فات وأقلع عن الذنب في الحال وعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، إذا تاب هذه التوبة فإن الله يقبل التوبة عن عباده كما أخبر سبحانه عن نفسه، وإذا وقع العبد في الذنب ثانية فليتب ثانية وهكذا، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33144، 21807، 7007، 1256، 17998، 49074، 5646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(9/5265)
قتنة النساء أمرها عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم ما رأي الدين في امرأة دخلت إلى حياتي من الزمن الغابر حيث كانت تربطني معها علاقة كان قصدي منها الزواج منذ حوالي عشرين عاماً ومنذ ذلك التاريخ لم أرها وتزوج كل منا حسب نصيبه ورزقنا بنين وبنات وأنا بحياتي الزوجية مستقر ولكنها منذ أشهر اقتحمت حياتي وفرضت نفسها رغم محاولاتي بإقناعها بأن ذلك مرفوض دينا وأخلاقا وبدل أن ترتدع أصبحت تلاحقني وتظهر لي بالعمل وتنتظرني صباحاً أمام بوابة منزلي مما ولد لدي الشك بأنها غير سوية أو مجنونة وأنا لأجل احترامي لما كان بيننا سابقا أخجل من طردها وأخبرتها عدة مرات بقطع العلاقة غير المنطقية كونها أما وزوجة أرجو منكم النصح هل أأثم إذا أخبرت زوجها بذلك؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا من أعظم البلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء. رواه البخاري ومسلم. وعند مسلم: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء.
فاحذر هذه المرأة، وفر منها فرارك من الأسد، فإذا كان المسلم مأموراً بأن يفر من المجذوم فراره من الأسد خشية أن يصيبه بعدوى الجذام، وهو مرض يصيب الجلد، فمن باب أولى وأحرى أن يفر ممن يصيبه بمرض في دينه وفي قلبه وفي أخلاقه.
وعليك أن تكون حازماً معها، وأن لا تسمح لها بالدخول إلى حياتك لتعكر عليك صفو حياتك الزوجية المستقرة، ويمكنك تهديدها بإخبار زوجها إن لم تنته عن ملاحقتك، فإن انتهت فاستر عليها، ولا تخبر أحداً بأمرها، فإن الله ستير يحب الستر، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
فإن لم تنته وخشيت على نفسك من الفتنة بها فلا حرج عليك في استخدام وسيلة تمنع بها نفسك منها، وتحول بينها وبين عملها هذا المشين.
ونرى إن احتجت لذلك أن تبدأ بإخبار غير الزوج كالأب والأخ والابن ونحو ذلك.
أما عن المرأة، فإن ما تفعله خيانة لزوجها ودينها، ومغضبة لربها بهذا العمل القبيح، فعليها أن تتوب إلى الله من هذا الذنب، وتعود إلى رشدها وصوابها، نسأل الله أن يجينا وإياكم الفتن، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(9/5266)
محبة الله لعبده
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعرف أن الله يحبنا؟ وأن الله لم يكن يعذبنا بل كان يمتحننا فقط؟ فهل نستطيع أن نشعر بحب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يحب لعباده الاستقامة، ولذلك هيأ لهم سبل الهداية، فأرسل لهم الرسل وأنزل الكتب وشرع لهم من الشرائع ما يكفل لهم السعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ {النساء: 27} .
وقال تعالى: يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا {النساء: 28} .
وقال أيضاً: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ {المائدة: 6} .
وقال سبحانه: مَّا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا {النساء: 147} .
وليس أدل على تحبب الله لعباده من خيره النازل لهم، ومن إجابته لدعائهم ومن قبوله لتوبة العائد منهم، قال صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري.
وانظري الفتوى رقم: 17160.
أما بالنسبة لعبد معين، فلا نستطيع القطع بمحبة الله له بعينه من عدمها، لأن ذلك من الغيب المحجوب عنا، ولكننا نرجو للمحسنين الذين امتثلوا ما يستوجبون به محبة الله لهم، وانظري الفتويين رقم: 20879، 21885.
فإن فيهما بيان الأوصاف والأعمال التي علق الله محبته لعباده على التحلي بها وأدائها، وانظري علامة محبة الله للعبد في الفتويين: 22830، 56202.
وانظري الفرق بين محبة الله للعبد وبين استدراج الله لعبده بالنعم في الفتوى رقم: 40377.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(9/5267)
وسائل معينة للتخفيف من غلواء الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ لي صديقة عزيزة علي تريد أن تستفسر عن حالة تنتابها عندما تفكر وتأتيها شهوة كبيرة فتبدأ بتقبيل الوسادة مثلا وغير ذلك من الحركات وهل يا شيخ بعد هذا تغتسل بنية خروج المني أم بنية الجنابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصي هذه المرأة بتقوى الله تعالى، وأن تشغل نفسها بما يعود عليها بالمصلحة والخير ومن ذلك: أولا تلاوة كتاب الله تعالى وتدبر معانيه. ثانيا: تعلم العلم الواجب عليها من أمر الصلاة والصيام وغيرهما من الواجبات المتحتمات. ثالثا: المطالعة في سير الصحابيات فإن في قصص من مضى من الصالحين والصالحات عبرة وعظة وشحذا للهمم وتقوية للإيمان. رابعا: أن تنظر في حال إخوانها المسلمين والمسلمات الذين يكابدون الويل والجوع والظلم في بلدان كثيرة فتحمد الله تعالى على نعمة الأمن والسلامة، وتشاركهم بقلبها ووجدانها على أقل تقدير فكيف يكون إخواننا فيما ذكرنا، ونحن نعيش في هذه الغفلة والاشتغال بسفاسف الأمور. خامسا: نوصي هذه الأخت الكريمة بأن تبادر بالزواج إن لم تكن متزوجة، وأن تحطم كل العقبات التي تقف أمامه من غلاء المهر أو كثرة الطلبات، ونوصي أيضا بالحرص على صاحب الدين والخلق. وأما بشأن ما تفعله مما ذكر في السؤال فإنه ناتج عن الإغراق في التفكير، وعلاجه بالإعراض هن هذا التفكير وشغل النفس بما ينفع، وحيث وقع ما ذكر فإن كان بحيث وصل إلى فعل الاستمناء فهذا حرام لا يجوز كما أوضحناه في الفتوى رقم: 7170. وحيث حدث إنزال المني وجب الغسل وإن حدث إنزال المذي وجب غسل مكانه من الجسد وما أصاب من الثياب، وتراجع الفتوى رقم: 24765. لما يفعله من لزمه الغسل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(9/5268)
السكوت عن الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من سيادتكم أن تعطوني تقريراً مفصلاً (إذا أمكن) عن السكوت على الحق (التعريف- المظاهر- الأسباب) ؟ وجزاكم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السكوت عن الحق معناه: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة عليهما، ويدخل في ذلك كتمان الشهادة ونحو ذلك.
وأما أسباب ذلك فهي: ضعف الإيمان وقلة الوازع الديني، وعدم الخوف من الله وعدم استشعار مراقبته، وعدم الشفقة على الناس، وانعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة، والحرص الشديد على تحصيل الدنيا والخوف عليها، وغير ذلك.
وأما مظاهره: فشيوع الفواحش والمنكرات بل المكفِّرات في الأمة، وتسلط أئمة الجور وتنحية الشرع وعدم سياسة الدنيا به، وتضييق العيش على الناس، وغير ذلك.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقابُ الصالحَ والطالحَ، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ. وقال تعالى: وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها. انتهى، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4160، 5380، 12916، 24784، 52041.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1425(9/5269)
من وقع في منكرات الأفراح ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة كنت مخطوبة وقد أقمنا حفلة خطبة بسيطة مقتصرة على الأهل وكنت ألبس فستانا عاديا، ولكن عملت شعري عند الكوافيرة ووضعت الماكياج ودخل خطيبي وأنا على هذه الحالة.. ورقصنا سويا ثم دخل المزيد من رجال العائلة وأنا بنفس الحالة ورقصنا جميعا وحصل الاختلاط وتم تصوير ذلك على شريط فيديو وقد أخذ أهل خطيبي نسخة من الشريط حتى يراه أهلهم في بلدهم مع أنني كنت رافضة تماما أن أعطيهم نسخة لأنني ندمت كثيرا على ما فعلت وعلى تهاوني.. ولكنهم أصروا وأهلي وافقوهم كذلك وأخذوا الشريط.. والآن تم فسخ الخطبة ولم أطلب منهم الشريط في وقت الفسخ والآن بعد مرور 4 شهور على فسخ الخطبة لا أقدر على الاتصال بهم وطلب الشريط فذلك غير ممكن الآن وبعد هذه المدة.. كيف أكفر عن هذا الذنب، مع العلم بأنني كنت رافضة للخطبة ولم أكن أرغب بالعريس وفي أثناء الحفلة فعلت ما فعلت من شدة الألم بداخلي فقدت صوابي وتصرفت كأنني أسعد إنسانة في الدنيا مع أنني كنت أتمزق من الداخل والله أعلم كم بكيت قبل الخطبة وأخبرت أهلي أن نؤجل ذلك حتى أتأقلم أكثر مع العريس.. وأنا أرى أن فسخي للخطبة هو نتيجة ما حصل في تلك الليلة من منكرات.. فكيف يبارك الله لي في هذه العلاقة بعد الإثم والمعصية التي قمت بها وأهلي.. علما بأنني ومنذ صغري فتاة محجبة وملتزمة وأحب ديني كثيرا وكنت أتمنى الزوج الذي يعينني على الالتزام أكثر لا على التفريط من أول يوم رأيته فيه.. كما أنني ومن وقت فسخ الخطبة وأنا مداومة على الاستغفار من هذا الذنب وغيره وكنت دائما أجدد توبتي إلى الله وأطلب منه العفو والمغفرة وإن شاء الله ربي كريم وسيغفر لي ذنبي.. بقي موضوع الشريط.. هل توبتي تكفي أم علي استرجاعه.. ولا أدري هل هو معهم أم أنهم تركوه في بلدهم.. ماذا علي في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه قد وقع منك ومن أهلك تفريط كبير، ووقعت في عدة محظورات:
أولها: الظهور أمام الخطيب بما وصفت وهو رجل أجنبي عنك، وإنما يباح له النظر عند الإقدام على الخطبة للحاجة.
ثانياً: الرقص لما فيه من آلات موسيقية في الغالب.
ثالثاً: ما حدث في الحفلة من الاختلاط مع الرجال الأجانب.
رابعاً: تصوير حفلة الخطبة، وقد سبق حكم تصوير مثل هذه الحفلات في الفتوى رقم: 27616.
خامساً: إعطاء أهل الخطيب الشريط لما في ذلك من اطلاع الرجال على من لا تحل لهم من النساء، وسبق عدم جواز احتفاظ الخطيب بصورة المخطوبة في الفتوى رقم: 2761.
وبما أنك تبت من هذه المنكرات وندمت وأقلعت وعزمت على عدم العودة فأبشري فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، والتوبة تجب ما قبلها، فلا يلزمك غير التوبة من هذا الذنب والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الحسنات يذهبن السيئات.
أما الشريط فإن تمكنت من استعادته فافعلي، فإن لم تتمكني فلا شيء عليك لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، ونسأل الله أن يقبل توبتك ويغفر لنا ولك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(9/5270)
عاقبة اتباع الشهوات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي صعب جدا هو أني أحببت زميلا لي وقد وعدني بالزواج وقد وقعنا في الخطيئة وحملت منه طلب مني أن أجهض لكي نتزوج وأخلف وعده لي وتحجج أن والده مريض وحملت للمرة الثانية وطلب أن أجهض وتقدم إلى أهلي بالفعل وذهبت أنا إلى أهله ولكن رجع إلي وقال إن أباه رفض زواجنا ونام معي وحملت لثالث مرة في ذلك اليوم طلب مني أن أجهض ونتزوج من وراء أهله طلبت منه أن نتزوج قبل أن أجهض رفض واتصلت به لكي أتكلم معه سمعت صوت حريم معه فذهبت إليه في كارفور فضربني إلى أن أجهضت في الشارع واتصل أهلي بأهله وحكوا لهم ما حدث فكذب الكل وأنكر كل شيء في يوم خروجي من المستشفى اتصلت بأمه وتكلمت وطلبت أن تراني فقلت لها أهلا بك في بيتي ولم تحضر وطلبت أن أترك البيت لكي أذهب لها وأجلس معها لكي تسمع مني كل شيء وقالت إنها سوف تقف معي إن قلت كل شيء بما يرضي الله وحكيت كل شيء بما يرضي الله وأعطيت لها علامات في جسد ابنها وداخل بيتها وفي شقة ابنها كذبني في كل شيء وأنكر
وأهله لاموني أنا أريد أن اعرف ما حكم الدين على مثل هؤلاء الأهل؟
أريد أحدا أن يتكلم مع هؤلاء الناس لكي لا يظلموني أرجوك الرد علي وما حكم الدين علي وعلى الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وصدق التوبة والإنابة إليه والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} .
وقد ثبت في الحديث أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها. رواه البخاري ومسلم.
وراجعي دواء الكرب في زاد المعاد.
وراجعي في أسباب استجابة الدعاء الفتاوى التالية أرقامها: 32655، 14947، 16946، 33345.
ثم إننا ننبهك إلى أنك أخطأت أولاً في محبة شخص أجنبي وخروجك من بيتك وزيارته وتكرار الزنا معه وإجهاض جنين بريء.
واعلمي أن أهله لهم الحق في رفض زواج ابنهم بمن تزني، لنهي الشارع عن زواج الزانية، وإن كان الأولى بهم في بداية الحب أن يزوجوه ليمنعوه من الوقوع في المعاصي، لما في الحديث: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه. وقال الهيثمي إسناده صحيح.
وقد بينا في الفتوى رقم: 36807 جواز نكاح الزانيين إذا تابا.
ثم إن دعواك أنت عليه لا تثبت شيئا من زناه بك ولا أمره لك بإجهاض، اللهم إلا إذا كان ضربه إياك في الثالثة حصل بحضرة بعض الناس وشهدوا لك بذلك، فيمكن للمحاكم الشرعية أن تعاقبه عقوبة من أجهض حمل امرأة.
وكذلك لا يلزم أهله أن يقفوا معك إلا في حدود ما ثبت لك من الحق شرعا.
هذا، وننصحك بالستر على نفسك والسعي في الهجرة من الحي الذي حصلت لك فيه الفضيحة إلى حي آخر لا يعرفك أهله، وابحثي عن صديقات ملتزمات يساعدنك على الاستقامة والطاعة، وابحثي لك عن زوج صالح، واعرضي نفسك عليه بواسطة أحد محارمك أو إحدى محارمه، واحرصي على الاشتغال بتعلم الوحيين وقراءة سير السلف وقصص التائبين والتأمل في أهوال الآخرة وما يحصل فيها من وعد ووعيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(9/5271)
المؤمن يعتبر بما يواجهه في محطات الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم مركز الفتوى لعناية د/ عبد الله الفقيه حفظه الله تحية طيبه مباركه من عند الله تعقيب على الفتوى رقم 57282 بتاريخ 14 ذو القعدة أريد أن أعرف ما حكم الشرع في تصرفها هذا ونعلم أنها خيانة للعهد وكما قال صلى الله عليه وسلم (من لا عهد له لا دين له) فكنت مخدوعا وهى تعلم أن هذا الزواج لن يتم ولم تصارحني وظلت تراوغ وأسرتها بين راضية وغير راضية تفرض علي الهدايا لوالديها وإخوانها مما يعنى أنها عملية استغلال بغيضة أريد أن أعرف أين موقعها فيما قال الله ورسوله وسبق أن تحدثت بأنها خدعتني وأخذت أموالي التي صرفتها عليها في الدراسة والعلاج والملابس هل في ذلك إثم علي؟ مع العلم بأنني لن أعفو على هذه الخدعة عند الله أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم في المسألة كما بينا لك في الجواب السابق، والذي نود إضافته هنا أنه ينبغي لك احتساب هذا المال وخاصة أن أهل هذه الفتاة هم أقاربك ولا تكثر من الحديث عنه والتعلق به، لئلا تشغل نفسك به فيؤثر ذلك على حياتك، بل اعتبره مثل تجارتك التي خسرتها.
كما أن عليك اعتبار هذا درسا وتجربة لا تدعها تتكرر مرة ثانية، وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1425(9/5272)
دلالة القشعريرة أثناء ذكر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كان يوم الجمعة وكنت أسمع خطبة صلاة الجمعة وأنا في المنزل فعندما بدأ الخطيب بدعاء كنت أقول آمين وفجأة جاءتني رعشة فما سبب هذه الرعشة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكون هذه الحالة من آثار سماع الخطبة والتأثر بما تضمنته من آيات ومواعظ ووعد ووعيد وذكر الله تعالى، فقد قال سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين عندما يسمعون كلام رب العالمين: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه ِ {الزمر: 23} . وقال أيضاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {لأنفال:2} . وقد تكون بسبب الخشوع والسكينة الذين يحصلان أثناء الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، وراجعي الفتوى رقم: 37190. وقد تكون لسبب آخر عادي.
وعلى كل حال فإن كانت نتيجة لأحد السببين المذكورين أولاً فاحمدي الله تعالى واشكريه واحذري أن يدخلك غرور أو عجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1425(9/5273)
لا تدوم علاقة ليست لله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقنع شخصاً لا يحب الصداقة، أريد الجواب بقصص أو بأحاديث نبوية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن أي علاقة بين شخصين ليست لله ـ فإنها لا تدوم، بل تنقلب عداوة يوم القيامة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} .وعلى ذلك فإن العلاقة التي ترضي الله تعالى هي الأخوة فيه، وأن تكون العاطفة بين الإخوان هي: الحب في الله. ولكي تقنع أحد إخوانك بإنشاء هذه العلاقة بينكما ـ عليك أن تطلعه على فضل الحب في الله وثمرته، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 52433. وكذلك الفتاوى المتفرعة عنها، فإن فيها تفصيل ذلك. ولمزيد فائدة طالع الفتاوى: 36991، 30426، 26373، 5707، 3158.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(9/5274)
قبول توبة العبد ما لم يغرغر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ... أريد أن أسأل عن حكم اللحية؟ وأنا كنت قبل أن ألتزم من الذين عند غضبهم يسبون الرب والدين وأنا قد تبت عن هذه الشتائم والحمدلله فهل يقبل الله التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في حكم السب وحلق اللحية الفتاوى التالية أرقامها: 1327، 8927، 24438، 47738، 14055.
واعلم أن الله يقبل توبة الكافر إذا تاب توبة صادقة، ويدل لذلك قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} . وقوله: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى: 25} . وفي الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، فعليك بكثرة الاستغفار والإتيان بما تيسر من الأعمال الصالحة، واحرص على تعلم التوحيد ومصاحبة أهل الخير. قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(9/5275)
أقوال وأفعال تحبط الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن عدم التأدب مع النبي (صلى الله عليه وسلم) وترك صلاة العصر دون عذر يؤديان إلى إحباط العمل فهل هناك أعمال أخرى يحبط الله بها العمل وما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي عند تفسير الآية التي يستدل بها على حبوط عمل من لم يتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقوله: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ. يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض. انتهى
وقال القرطبي: ولا تبطلوا أعمالكم: أي حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن، وقال الزهري: بالكبائر، ابن جريح بالرياء والسمعة ... إلى أن قال: وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات، والمعاصي تخرج عن الإيمان. انتهى
وإحباط العمل بسبب ترك صلاة العصر ورد في صحيح البخاري، حيث قال صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقال في الترمذي: الحبط على قسمين حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات، وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته ... إلى أن قال بعد ذكر بعض التأويلات لمعنى الحديث المذكور: وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد، وظاهره غير مراد. انتهى
ومن محبطات العمل أيضاً التألي على الله، ففي صحيح مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك.
وراجع الفتوى رقم: 41314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(9/5276)
طاعات مرتكب المعاصي تقبل قبولا ناقصا
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل: لي صديق يصوم أيام الاثنين والخميس ولكن المشكلة أنه وهو صائم يشاهد صورا إباحية.
هل صيامه مقبول وهل يعتبر معصية كبيرة
إننا ننصحة أن يبتعد، ولكن لا فائدة هل يحق لي أنا واصدقاؤه أن نبتعد عنه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على خطورة مشاهدة الصور الإباحية، وذلك في الفتوى رقم: 6617، والفتوى رقم: 12087.
ومشاهدة الصور المذكورة بشهوة تعتبر من كبائر الذنوب، كما ذكر ابن حجر الهيتمي، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 26042.
والطاعات التي تصدر ممن يرتكب المعاصي تقبل قبولاً ناقصاً إذا كان فاعلها متصفاً بالإيمان بالله تعالى، ففي تفسير القرطبي عند تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة: 7} .
قال ابن عطية: المراد بالتقوى هنا اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة، عُلم ذلك بإخبار الله تعالى لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلاً. انتهى
وإذا لم يستجب الشخص المذكور للنصح بعد توجيهه إليه، فينبغي تجنبه والإعراض عن صحبته تفادياً للتأثر بما يتصف به من معاصٍ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك، وأما أن تجد ريحاً خبيثة. متفق عليه. وهذا لفظ مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(9/5277)
أسباب تحصيل الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي منذ 10 سنوات وهو يتقدم لطلب وظائف لدى وزارات وشركات ومؤسسات وغيرها ولديه شهادة جامعية عالية والحمد لله، ويتم عمل مقابلة عند البعض ولكن عندما يقوم بالمقابلة لدى الجهة المعنية للوظيفة تتم الأمور على ما يرام في المقابلة ويكونون سعداء منه ومن خبراته ... نتأمل حينها بأنه سيتم توظيفه ولكن ولحد الآن بدون جدوى! عجبنا من الأمر، هنا سؤالي هل يمكن أن يكون أحد عمل له سحرا بعدم تسلمه لوظيفة أوعدم سعة في الرزق وتضييق الكسب عليه؟ أم ماذا وإن كان ذلك ما هي الطريقة لإنهاء السحر وتوسيع الرزق علينا؟؟، اذكرو لي الأدعية التي تجلب الرزق والآيات القرآنية واذكرو لي الأدعية والآيات القرآنية التي تبطل السحر.
أرجوكم أفيدوني بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسحر عمل خبيث يقوم به بعض الناس للإفساد على بعض الناس، وهو طلاسم أو عقد يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين في التأثير على قلوب الناس أو أبدانهم أو أموالهم أو غير ذلك. وهو مذكور في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ولا نعرف ما إذا كان الذي يمنع زوجك من التوظيف هو بسبب تأثير من السحر أو أنه أمر طبيعي. وعلى كل حال فلك أن تستخدمي الرقى الشرعية لذلك، وكنا قد بيناها في فتاوى كثيرة، ولك أن تراجعي فيها الفتوى رقم: 5433. والفتوى رقم: 5856، والفتوى رقم: 5252.
والرزق له أسباب يحصل بها، فمنها: تقوى الله تعالى، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2ـ3} . ومنها: المحافظة على الصلاة وأمر الأهل بها. قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه:132} . ومنها: بذل الأسبابة الممكنة.
وعلى زوجك ألا يقنط من رحمة الله، ولا ما نع من أن يطرق أبواب مجالات أخرى غير التي كان يطرقها؛ كأن يحاول ممارسة التجارة -مثلا- فقد يكون الله جل وعلا مدخرا له ما هو أفضل وأصلح مما كان يسعى هو فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(9/5278)
الاقتصاد في محبة الأصدقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح عليكم سؤالي والذي يقول: لدي صديق حميم أحبه منذ زمن طويل وتربطنا صداقة أخوية قوية، تعرف على شخص آخر فبدا غريباً في تصرفاته وطرأ عليه تغير واضح، وبدأ كأنه يتهرب مني ولا يريد الجلوس معي، فما هي نصيحتكم لي اتجاهه، أدامكم الله لخدمة الشباب المسلم؟ وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل صديقك هذا قد سمع عنك ما جعله يؤثر الابتعاد عنك، فينبغي أن تتقرب إليه وتبحث عن حقيقة الأمر الذي جعله يعدل عن معاملتك، وتترفق به، وإذا لم يفد ذلك في معرفة سبب التغير الذي طرأ عليه، فلا بأس بأن تصارحه وتطلب منه أن يخبرك بما جعله يتغير نحوك، وأنك ستعمل بكل ما في وسعك على إرضائه، فإن لم يفد شيء من ذلك فلا حرج عليك في معاملته بالمثل.
وعليك أن تقتصد في تقدير الأصدقاء ومحبتهم، فإن الصداقة قد تزول لأدنى سبب، ولذلك أرشد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى ما ينبغي في ذلك بقوله: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. رواه الترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/5279)
ذكر الموت يهدم اللذات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني أنا شخص في الخامس عشر من عمري.. وقد راسلتكم في مسألة تخص الشذوذ الجنسي.. وأنا الحمد لله تركت فعل اللواط تماما منذ فترة وصرت والحمد لله محافظا على الصلاة جماعة في المسجد.. ولكن ما زلت أعاني بمسألة الشهوة اتجاه أصدقائي المردان رغم أنه لا أفكر أبدا بفعل اللواط.. ولكن أنتم قلتم إنه علي أن أقاطعهم وهذا أمر صعب جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا بالنسبة لي.. لأنهم من أعز أصدقائي ولا أستطيع هذا..
أفيدوني جزاكم الله خيرا.. فأنا مصاب في هذا الوقت بالغم والهم اتجاه هذا الموضوع.. وهل الإكثار من الدعاء قد يكون علاجا..
وجزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار ابتلاء وعناء، وهي إلى زوال وفناء لا تكتمل فيها لذة، ولا يطيب فيها عيش، والعاقل من شمر عن ساعد الجد وبادر إلى طاعة ربه، وأيقن أن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، وأن العبد يجازى على الصغيرة والكبيرة. قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف: 49} .
وأخبرنا الله عمن يقول يوم القيامة: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {الأنعام: 31} .
وإن من تأمل الجنة وما فيها من نعيم مقيم هان عليه ترك كل محبوب يغضب الله عز وجل، ففي الحديث القدسي-: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقال سبحانه في وصف الجنة: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71} .
وإن من ذكر الموت وشدته، ومفارقة الروح للبدن وغرغرتها، والنزع وألمه ما تلذذ بحرام أبدا، ولأقض ذكر الموت مضجعه، ولما استرسل فيما حرم الله عليه، ولما استصعب تركه ومفارقته، فكل لذات المعاصي تنسى ويبقى عقابها، وكل متاعب الطاعات تنسى ويبقى ثوابها، والخاسر من خسر نفسه في نار الجحيم بلذة يقترفها، ووقع في غضب الله بشهوة يمارسها.
وإن ما ذكرته من عدم قدرتك على قطع العلاقة نهائيا مع أصدقائك المردان دليل على ضعف إيمانك وقلة يقينك، فنذكرك بالله الذي ترتعد فرائص المؤمنين عند ذكره، وتقشعر من كلامه جلودهم، وتوجل القلوب عند استشعار عظمته وقهره واطلاعه على العباد، فخذ نفسك بالشدة والتزم النصائح الواردة في الفتوى: 56002 وما تفرع عنها من فتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/5280)
أعمال الخير التي لاتصاحبها نية التقرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتونا مأجورين ...
أشكلت علي مسألة في قبول أعمال البر والخير والتي لا يصاحبها نية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ وهي أن كثيراً من الناس ممن يقوم بأعمال خير كثيرة إلا أن عمله لا يصاحبه نية التقرب إلى الله بل الدافع إلى ذلك عرف الناس والتقليد والخوف من العيب والملامة؛ مثل إكرام الضيف وغيرها كثير من الأخلاق والأعمال؛ والتي لا يلازمها أبداً ولا يخطر بباله القيام بذلك العمل للتقرب إلى الله؛ بل تجده إذا ذهب إلى مكان يبعد فيه عن الناس الذين يراقبونه! -إذا صح التعبير- في تصرفاته؛ تغير ولم يقم بما كان يفعله عادة؛ هذا إذا لم يفعل عكسه.... فهل تلك الأعمال مقبولة عند الله، مثابٌ عليها العبد وهي من القربات وإن لم تصاحبها نية التقرب إلى الله؟ أتمنى أن يكون سؤالي مفهوماً..
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه، وقصد به التقرب إليه سبحانه، فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا، فإن من علت همته، وأراد أن ينال الأجر والثواب من الله فليفعل الخير، وليحتسب أجر ذلك عنده سبحانه، فإن الله يجزي على الحسنة عشرة أمثالها، ويضاعف الأجر لمن يشاء، وإن من ظلم الإنسان لنفسه أن يعمل وينفق ثم لا يكون عمله هذا في ميزان حسناته.
قال العلامة عمر سليمان الأشقر في أطروحته للدكتوراه (مقاصد المكلفين) ما نصه: الأفعال والأقوال المباحة كثيرة جداً، وإذا لم يقصد بها العبد النية الخيرة فإنها لن تعود عليه بالنفع الأخروي، فإذا أحسن المكلف القصد والتوجه حين القيام بها، فإن هذه الأعمال من المطعم والمشرب والنوم والمتاجرة والصناعة تصبح ثروات عظيمة تنفعنا عندما نقدم على ربنا يوم القيامة، لذلك حث العلماء ورغبوا في استحضار النية عند المباحات والعاديات، ليثاب عليها ثواب العبادات مع أنه لا مشقة علينا في القيام بها، بل هي مألوفة للنفس مستلذة، وهذا من عظيم سعة رحمة الله، وكبير منته، أن أباح لعباده الطيبات التي يشتهيها، ثم مع ذلك يثيبه عليها بحسن نيته.
وقد وضح لنا أهل العلم كيف تكون نياتنا في المباح، فقد ذكر الغزالي ما يمكن أن ينوي بالطيب، فمن الممكن أن ينوي به اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وينوي بذلك أيضاً تعظيم المسجد عند مجاورته بروائحه، وأن يقصد به رفع الروائح الكريهة عن نفسه التي تؤدي إلى إيذاء مخالطيه، وأن يقصد حسم باب الغيبة عن المغتابين إذا اغتابوه بالروائح الكريهة، فيعصون الله بسببه. اهـ
وكل ما سبق متعلق بالعادات ومحاسن الأخلاق، أما العبادات فشأنها عظيم، وأمرها خطير، وإن من يؤدي العبادات المشروعة ابتغاء ثناء الناس فقد وقع في الشرك ولا يقبل الله عمله، بل يرده ويؤاخذه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك. رواه البخاري.
فإخلاص الدين لله هو الدين الذين لا يقبل الله سواه، فهو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به جميع الكتب، وهو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه، وانظر الفتويين: 10992، 52210.
فإن فيهما بيان حقيقة الرياء وأنواعه، وطريقة قلعه من القلب وغرس الإخلاص لله مكانه، واعلم أن من أراد الله بعمله وأخلص في عبادته ولم يرج غيره، ثم أثنى عليه الناس دون أن يقصدهم بعمله، ففرح بثنائهم هذا فلا شيء عليه، بل إن ذلك هو عاجل بشرى المؤمن، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 41236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(9/5281)
وسائل التخلص من الضيق والاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أحيانا تصيبنى نوبة اكئئاب وتسبب لى نوعا من البرود فأقوم بالصلاة وكأنها مجرد واجب فقط وأحيانا أخرى تصيبني حالة تجعلني أبكي على والدي المتوفى وأتخيل نفسي في قبر وأظل أبكي وأخاف من عذاب الله فماذا أفعل؟!
وهل يجوز أن أصلى صلاة توبة كل يوم فهناك أخطاء تكاد تتكرر رغما عنا كالغيبة والنميمة؟ وما هي طريقة صلاه التوبة؟!
كما أنني قمت خلال فترة الخطوبة ببعض التجاوزات بيني وبين خطيبي وأنا الآن متزوجة ولدي طفلة فماذا أفعل حتى بعفر لي؟ وكيف أعرف إن الله راض عني أم لا؟
من فضلك أريد رداً خاصاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بإمكان المسلم أن يتخلص من الاكتئاب بصدق إيمانه وقوة يقينه بالله تبارك وتعالى والاعتماد عليه، وعلمه بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ومن وسائل التخلص من الضيق والاكتئاب كثرة ذكر الله تعالى، فبه تنشرح الصدور وتطمئن القلوب.
ولا أقل من أن يداوم المسلم على أذكار الصباح والمساء، ودخول المنزل والخروج منه، والطعام والخلاء، والنوم والاستيقاظ ...
ومن الأذكار التي تفرج الهم وتكشف الغم دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قال الله تعالى تعقيباً على هذا الدعاء: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ {الأنبياء: 88} .
وأما الخوف من الموت والإكثار من ذكره، فمطلوب إلا أنه لا يجوز أن يكون سبباً في تدهور حياتك، فالخوف المحمود من الموت هو الذي يدفعك إلى الأعمال الصالحة والتنافس في الخيرات، مع حسن الظن بالله ورجاء عفوه وثوابه، وننصحك بشغل وقتك بتلاوة القرآن الكريم، والإكثار من ذكر الله ومجالسة الصالحات والبعد عن المنكرات.
وأما صلاة التوبة، فمستحبة باتفاق الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وأما صفتها فقد بينت في الحديث الذي رواه الترمذي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران: 135} ، وهو حديث حسن.
أي أنه يستحب إذا أذنب المسلم ذنباً وأراد أن يتوب من ذنبه، أن يصلي لله ركعتين، يقدم فيهما التوبة عن ذنبه لله تعالى.
وأما ما قمت به من مخالفات شرعية مع خطيبك، فالواجب عليك التوبة منها والندم على فعلها، واعلمي أن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب حبيب الله وهو كمن لا ذنب له فلا تقلقي، وبادري إلى التوبة وجدديها كل وقت، وعلامة قبول التوبة، ورضى الله عن عبده أن يوفقه إلى عمل صالح عقب العمل الصالح، والتوبة تلو التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/5282)
مصير من يعمل أعمالا صالحة وأخرى سيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي غريب بعض الشيء لكن هذا السؤال دوماً يدور برأسي وأريد أن أسأل عنه. سمعت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هناك أدعيه من قالها أو أفعالا تدخل الجنة مثل قوله صلى الله عليه وسلم\" أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى\" وهناك أقوال وأعمال من قالها أو فعلها تحرم عليه الجنه مثل عقوق الوالدين، طيب سؤالي في حالة شخص ملتزم دوما ويتبع الافعال والأدعية التي تدخله الجنة وفي نفس الوقت قام بفعل أو قول يحرم عليه دخول الجنة فما مصير هذا الإنسان علما أنه كان والحمد لله يصلي ويصوم ويخاف الله في كل شيء ولكن هناك مايقوم به الإنسان دائما من غير علم به أو بدون قصد أو لضرورة الظرف الذي يمر فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم منها الحديث الذي أوردته في سؤالك، ومنها ما أخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة رفعه: أنا أول من يفتح له باب الجنة فإذا امرأة تبادرني، فأقول من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي. وأخرجه أبو داود من حديث عوف بن مالك رفعه: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة: امرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى ماتوا أو بانوا. هذه الأحاديث قد قال أهل العلم إنها صالحة للاحتجاج، ولكنها مقيدة بأن يكون كافل اليتيم مؤمنا متقيا، فغير المؤمن لا حظ له في الجنة. ففي الصحيحين: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. وورد التقييد بالتقوى في رواية لأم سعيد عن الطبراني، قال: معي في الجنة كهاتين إذا اتقى.
وجاء النهي عن عقوق الوالدين وورد فيه وعيد شديد، ففي سنن النسائى ومسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر. وكذا ورد الوعيد في معاصي أخرى، وكل ذلك ليس على إطلاقه، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق.
وعليه؛ فالذي يعمل الأعمال الصالحة مثل كفالة اليتيم ونحوها لا يدخل الجنة إذا لم يكن مؤمنا. وقد يعذب قبل دخول الجنة على أعمال سيئة ارتكبها ثم يدخل الجنة بعد ذلك إن كان مؤمنا. وقد يدخل الجنة بالدرجة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث. والعاق لوالديه والعاصي لربه، قد يتوب من ذنوبه كلها قبل الموت فتغفر كلها، فقد أخرج ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. وقد يغفر الله له دون توبة إذا لم يمت مشركا بالله.
والحاصل أن من يفعل الخيرات والأعمال الصالحة، ويخلط معها الذنوب فإذا لم تبلغ المعاصي التي يمارسها درجة الشرك بالله، فإنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ثم مصيره في النهاية إلى الجنة. وإن أشرك ولم يتب من الشرك فإن ذلك لايغفر. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} .
وما يقوم به الإنسان من غير قصد معفو عنه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه. كما أن ما يفعله اضطرارا معفو أيضا، قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} . واعلمي أنه لايمكن القطع بأن الإنسان من أهل الجنة أو من أهل النار قبل أن تقف الخلائق بين يدي الله. ولا يستثنى من هذا إلا من أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تحديدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/5283)
المصائب والعقوبة والابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال هو: كيف يمكن للمسلم إذا وقعت عليه مصيبة أو فاجعة أن يميز أو يعرف ما إذا كانت ابتلاء لرفع درجاته أو عقوبة له تمهيداً لعقوبة الآخرة، وكيف يكون الصبر الحقيقي عليها؟ وجزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان العبد قائماً بأمر الله، متمسكاً بشرعه، مستقيماً على دينه، فنرجو أن يكون ما أصابه من مصائب رفعة له في الدرجات، ومثقلاً لموازين حسناته.
وأما إن كان العبد مقيماً على معصية الله، مفرطاً في دينه، لاهياً عابثاً، فقد تكون المصائب والآفات التي يبتلى بها تنبيهاً له من الله ليتوب ويرجع قبل فوات الأوان، وقد تكون عقوبة له في الدنيا نظير ظلمه لنفسه. وكل ما سبق لا نقطع به، ولكن نستشرفه من قرائن الأحوال.
هذا، وإن الواجب على العبد أن إذا أصيب بمصيبة أن يقابلها بالصبر الجميل، فلا يسخط ولا يجزع؛ فإنه غانم على جميع الاحتمالات إن هو صبر واحتسب، وانظر أنواع الابتلاء، والحكمة منه، وأسباب كشفه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13270، 19810، 25874.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(9/5284)
التحدث بالنعمة والافتخار بها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للإنسان أن يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى معه دائما في أمور كثيرة في حياته وأن الله تبارك وتعالى يستجيب له إذا دعاه وألح عليه في الدعاء , وأن يذكر ذلك للغير باعتزاز وافتخار تعبيرا عن فرحه بذلك وليقنع الآخرين بأن من يتوكل على الله فهو حسبه فعلا, وأن من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب , وأن من يتق الله يجعل له من أمره يسرا, وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من حديث العبد بنعم الله عليه واستجابته لدعائه وبيان فائدة الاستقامة على الطاعات والتوكل على الله، وعليه أن يدعم ذلك ببيان الأدلة الشرعية والترغيب في الأعمال الصالحة وما تيسر من القصص في استجابة الدعاء. وينبغي أن يفعل ذلك انطلاقا من واجب الدعوة إلى الله وترغيب الناس في الاتصال بالله والتحدث بنعم الله لا من باب الافتخار فإن الفخر مذموم ولا سيما إن لم يكن صاحبه شكورا للنعم كما يدل له قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {لقمان: 18} . قال ابن كثير في تفسيره الآية: مختالا فخورا أي مختالا في نفسه معجبا متكبرا فخورا على الناس يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير، ونقل عن مجاهد أنه فسر الفخور بمن يعد ما أعطى وهو لا يشكر الله، يعني يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه وهو قليل الشكر لله على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(9/5285)
بين اجتناب الكبائر وتكفير السيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، أرجو تقييم هذا الكلام حيث إني وصلت الى نتيجة أريد أن أعرف مدى صحتها وقد بينت ما قلته بعد قولي (قلت) ،
*جمهور أهل السنة أن الذنوب كبائر وصغائر واحتجوا بقول الله تعالى< <إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم >> فنصت الآية الكريمة أن مجرد اجتناب الكبائر يكفر الصغائر
وذهب عامة الأصوليين ومنهم الجويني وهو قول الأشاعرة أن الذنوب كلها كبائر بإضافتها الى الله عزوجل واذا أضيفت إلى بعضها فلا شك أن بعضها أكبر من بعض لكن كلها كبائر
والذي حملهم على هذا أنهم قالوا إننا لو حملنا الآية على ذلك لكان كل من لم يأت بكبيرة وقعت منه الصغائر مغفورة وهذا يؤدي الى إباحة الكثير من أمور الشرع.
كذلك قالوا إن حديث <الصلوات الخمس.....مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر> فاذا كان مجرد اجتناب الكبائر يغفر جميع الذنوب فما الذي تفعله الصلوات الخمس
وغيرها مما ذكر في الحديث؟ ورد بأن من جملة الكبائر المذكورة في الحديث ترك الصلوات والجمعة وصوم رمضان فيكون معنى الحديث أن من ترك الكبائر- ومن ذلك ترك الصلاة - كفرت عنه سيئاته، (قلت) : وقد يقال إن توجيه الحديث بذلك فيه نظر لأن سياق الحديث فيه تأثير الصلوات في غفران الذنوب.
(قلت) : قد يقال إن اجتناب الكبائر يجعل للصلوات الخمس وغيرها تأثير في غفران الذنوب أما إن لم تجتنب الكبائر فسياق الحديث يبين أن الصلوات الخمس لا يكون لها تأثير في غفران الذنوب إلا إذا اجتنبت الكبائر فيكون مدار الأمر كذلك على الكبائر، أما الآية الكريمة فقد يكون معناها أنه إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم بما جعلنا لكم من مكفرات كالصلوات الخمس وغيرها.
وفي هذا التوجيه فوائد:
*الجمع بين الآية والحديث
*عدم إهمال جانب الصغائر حيث تجعل مغفرتها مقرونة بأمرين:
- اجتناب الكبائر
- فعل المكفرات التي بينها الله عزوجل
- عدم إهمال الأدلة الأخرى المبينة أن لمحقرات الذنوب مطلبا من الله تعالى.والله أعلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه المسألة طويلة الذيل، وقد بحثها كثير من أهل العلم منهم ابن حزم وابن عبد البر وابن عطية، ومن أحسن من جمع شتاتها وأحاديثها ابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم) . فراجعه عند شرح حديث: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها.
وراجع تفسير ابن كثير والشوكاني عند تفسير قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ {النساء: 31} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(9/5286)
الشيطان يقنط الناس من رحمة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[. أنا شاب أبلغ من العمر 17 عاما ومشكلتي أني والحمد لله التزمت منذ 3 أشهر ولكني قمت بارتكاب كثير من الكبائر مثل عقوق الوالدين والزنا ولكني الحمد لله تبت إلى الله وأرجو أن يتقبل مني التوبة والذي يشغلني هو أني تنتابني بعض الوساوس بأن الله لن يغفر لي حيث أني أفعل الكثير من المعاصي ثم أنكث توبتي وأنا أعلم أن هذا قنوط من رحمة الله ولكن ماذا أفعل وينتابني أيضا بعض الأفكار السيئة مثل تخيل شكل الله عز وجل والمصيبة أني ذات مرة تخيلت الرسول عليه الصلاة والسلام في أوضاع وهو يجامع زوجاته وأشعر بالشك في دين الإسلام ولكني مطمئن إلى أني مسلم ولكن أريد أن أعرف ردا على تساؤلي وهو أني إذا دارت في نفسي أفكار سيئة ووساوس ولكني لم أؤمن بها هل أحاسب على تلك الأفكار أم لا وماذا أفعل بشأن فعل الكبائر هل أني عندما أتوب وأعمل أعمالا صالحة يتقبلها الله إن شاء؟! وأرجو الإفادة.جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله أن وفقك للتوبة من هذه الكبائر قبل أن يدهمك الموت، وحينئذ لا ينفع الندم.
ونبشرك بأن الله يقبل توبة من جاءه نادما. قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104} . وقال أيضا: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 110} .
فالتوبة تجب ما قبلها، وتمحو الذنوب السالفة. قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن التائب تتبدل سيئاته حسنات. قال تعالى بعد أن توعد مرتكبي الفواحش بالعذاب الأليم قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70} .
فأحسن الظن بربك وارج رحمته، ووازن بين خوفك منه وطمعك في سعة رحمته. قال تعالى عن المؤمنين: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا {السجدة: 16} . وانظر الفتوى رقم: 16907.
وكما عققت والديك من قبل فأحسن إليهما الآن، فإن الحسنات يذهبن السيئات، واجتهد في تحصيل الزوجة الصالحة إن كان ذلك ممكنا لتحصن فرجك وتعف نفسك، فإن لم تستطع فاسرد الصوم، فإن له تأثيرا بالغا في كسر حدة الشهوة. قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
واحذر من القنوط واليأس من رحمة الله. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
واعلم أن الشيطان يقنط الناس من رحمة الله تعالى حتى يزهدوا في التوبة ولا يسارعوا إليها، ولذلك قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} . وقال أيضا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56} .
فإذا وقعت في بعض المعاصي بعد أن تبت منها فجدد التوبة، فإن الله يفرح بتوبة العبد إذا جاء نادما. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر، فقال أي رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، فليفعل ما يشاء.
وقال بعض السلف لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان. وانظر الفتوى: 24031.
واحذر الاسترسال مع ما يقع في قلبك من تخيلات بشأن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو تشكيك في دين الإسلام.
واعلم أن هذه الخواطر الرديئة لا تضرك إذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم وانقطعت ولم تسترسل معها. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم.
واعلم أن كونك ترفض هذه الوساوس وتستقبحها دليل على أن فيك إيمانا وخوفا من الله. وانظر الفتويين: 187، 7950 فإن فيهما بيان ذلك.
كما نوصيك بالبحث عن الشباب الصالحين المتمسكين بالدين فتنخرط فيهم، وتنتظم في سلكهم فتحافظ على الصلاة معهم في جماعة، وتتلو معهم القرآن، وتتعلم معهم العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
كما ننصحك بكثرة الاستماع إلى الأشرطة الإسلامية وبمطالعة كتاب في سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تزداد معرفة به وبأحواله، فيزداد حبك له فتحشر في زمرته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(9/5287)
يعفو الله تعالى عمن تاب وأصلح
[السُّؤَالُ]
ـ[استكمالا للسؤال رقم 56525 والخاص بحكم مشاركة المهندس في بناء يغلب على الظن استعماله في حرام، هذا وقد تبين عدم جواز ذلك ما المخرج الآن وكل معصية تمت وتتم في هذه الأبنية التي قمنا بتصميمها وتنفيذها ولنا فيها نصيب من الأثم، ونزيف مستمر من الأوزار كيف نعفي أنفسنا من هذه المشاركة الآن وقد كان ما كان.
أفيدونا جزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تبت إلى الله توبة نصوحا، لم يلحقك شيء من إثم ما جرى أو يجري في تلك الأبنية، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} . وقال: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} . وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجة، وهذا شامل لكل الذنوب، فمن تاب من شيء منها واستغفر وأصلح عفا الله عنه ما سلف وتاب عليه، وارجع الفتوى: 24916، والفتوى رقم: 17521.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(9/5288)
صحبة الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وصديق لي عملنا اللواط ولقد تبنا مما فعلنا ولكنه قد ابتعد عني وأنا لا أستطيع أن أتركه لأنه علمني أشياء كثيرة إسلامية وليس لي صديق غيره أرجو أن تدلوني على حل لكي لا أفقده وأفقد نفسي لأنه كل شيء بالنسبة لي بعد الله ورسوله وأريد حلولا بسرعة إذا أمكن جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أخي هداك الله لطاعته أن تتوجه إلى بيوت الله تعالى وإلى حلقات العلم فستجد هناك من الإخوة الصالحين وطلاب العلم من يأخذ بيدك إلى الطاعة، ويكون عونا لك على الخير، فإذا رأيت أن إيمانك قد رسخ فانظر إلى صديقك الأول وكن عونا له على الثبات والاستقامة. وفقك الله لطاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(9/5289)
ثمرات الإكثار من ذكر الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج والحمد الله أصلي ولكن أحيانا أتأخر عليها ولكن منذ فترة طويلة وأنا لا أستطيع النوم وأفكر في الموت في كل لحظة وأخاف أن أموت فأستيقظ وأصلي في الليل وكل يوم على هذا الحال فحالتي متدهورة منذ فترة لا أعرف ما العمل لا أعرف معنى الضحك فزوجتي تحاول معي لتغير حياتي ولكن أخاف الله كثيرا حتى في بعض الأوقات أرى التلفاز ثم أتذكر الموت ثم أقوم وأذهب إلى السجادة وأجلس وأقرأ القرآن وأصلي لا أعرف ماذا أفعل إنني أعرف أن الموت حق ولكن كل دقيقة من حياتي أفكر كيف سأموت وأين؟؟
أريد حلا لحالتي أنني أريد أن أدخل الجنة وأبكي كل يوم لا أعرف ماذا أفعل في حياتي أخاف من كل شيء الآن أفكر أن أستلم راتبي في يدي ولا أريد أن يكون عن طريق البنوك؟؟
أريد حلا وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتذكر الموت أمر حسن إذا كان ذلك التذكر باعثا على الاستعداد للقاء الله تعالى، ولا ينبغي للمؤمن أن ينزعج من ذلك إذا كانت تلك هي حاله، بل ينبغي أن يكثر من شكر الله تعالى أن أيقظ قلبه من رقاد الغفلة، في حين كثير من الناس في غفلتهم غارقون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالإكثار من ذكر الموت، لما يترتب على ذكره من المنافع كالزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والعمل لها وملازمة الأعمال الصالحة، إلى غير ذلك، ولكن لما ألف الناس الغفلة ظن بعض من نبهه الله منهم أن حالته غير طبيعية، والحقيقة بخلاف ذلك، ومع هذا، ينبغي أن لا يكون ذكر الموت سببا لتعطيل الحياة والتقصير في القيام بالحقوق، بل لا ينبغي أن يكون سببا للتقصير في عمارة الأرض وإصلاح الدنيا بما يوافق شرع الله عز وجل، فكل ذلك من العمل الذي ينفع صاحبه بعد الموت.
ونبشرك بأن خوفك هذا من الله قد يكون سببا في غفران ذنبك ودخولك الجنة، فإن الله لا يجمع على العبد خوفين، فإن خاف العبد الله في الدنيا أمن يوم القيامة بينما الناس خائفون.
ولكن ينبغي أن تحسن الظن بربك، وأن تضم لهذا الخوف الرجاء في رحمة الله، فتستقيم حياتك وتتوازن شخصيتك، فإن العلماء يقولون الخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، وإن الله امتدح الذين يعبدونه بالخوف والرجاء معا. قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الأنبياء: 90} . وقال أيضا: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا {السجدة: 16} . وقال سبحانه: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ {الزمر: 9} .
فلا تغلب جانب الخوف على جانب الرجاء.
كما لا يحملنك خوفك من الموت على أن تربك حياتك فتسيء عشرة أهلك وتضيع من تعول، فإن لأهلك عليك حقا، والله سائلك عنه.
وإن محمدا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وأعلم الناس بالله وأخوفهم منه كان يؤنس أهله ويضاحكهم ويحسن إليهم.
هذا، وننصحك بأن لا تؤخر الصلاة عن أول وقتها، وأن تجتهد في أدائها مع الجماعة، وانظر الفتويين: 1798، 1415.
وكذلك يجب عليك الإقلاع عن المعاصي، ومن هذه المعاصي النظر إلى ما يحرم النظر إليه في التلفاز من النساء الأجنبيات، وكذلك لا تمكِّن أهلك من النظر إلى الرجال الأجانب، وانظر الفتوى رقم: 6603.
كما نفيدك أنه لا يجوز التعامل مع البنوك الربوية مطلقا، ولو في استلام الراتب، وفي البنوك الإسلامية غنية، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 29433، 16212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(9/5290)
ملء الوقت بالأعمال النافعة دواء الملل والسآمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الثالثة والثلاثين، ولكن أشكو من وحدتي في هذه الدنيا جاء من يخطبني ولكن كان الرفض فالمشكلة الآن أني لست موظفة بل جالسة في البيت وإخواني وزوجاتهم يخرجون دائماً ولكن لم أسمع منهم في يوم أن أخرج معهم للسياحة أو الشراء حيث الآن سيمر علينا العيد ولم أذهب إلى التسوق والآن أحس بضيق في صدري بسبب ما أعانيه، لا أحد يفكر بي لا يفكرون إلا بأنفسهم فقط، ودائماً لا أنام إلا وأنا أصيح كالأطفال من شدة ما بي من أحزان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار بلاء، وهي سجن المؤمن، وهي أيام قليلة وبعدها نلقى الله، وفي الحديث: يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا -من أهل الجنة- فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا؛ والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم، وانظري الفتوى رقم: 51946.
وقد يكون تأخر الزواج أو عدمه أفضل للمرأة من أن تبتلى بزوج لا يتقي الله فيها ويسومها سوء العذاب، وانظري الفتوى رقم: 12767.
ومع ذلك، فلا تيأسي واسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وتحيَّني أوقات الإجابة، فإنه لا يرد مضطراً دعاه، وانظري الفتاوى: 23599، 17449، 32655، 8581. فإن فيها بيان أوقات الإجابة وآداب الدعاء وشروطه، وننصحك أن تكون لك رفقة من الأخوات الصالحات، وأن تتعاوني معهن على طلب العلم النافع والعمل الصالح، والتحقي بدار لتحفيظ القرآن، ولا تجعلي الفراغ يملأ حياتك، فاملئي وقتك بالأعمال النافعة، فإن بدأت بذلك علمت بأن الأوقات لا تكفي.
وننصحك أن لا تسعي للخروج مع إخوانك وزوجاتهم إلى الأسواق، فإن فيها من البلاء والمحرمات ما الله به عليم، واحمدي الله أن جنبك هذا البلاء.
واعلمي أن الأصل أن تقر المرأة في بيتها، قال تعالى مخاطباً المؤمنات: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(9/5291)
علاج اليأس من التخلص من أسر المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي والحمد لله.
لكن هناك ذنب أقوم به ولم أستطع التخلص منه منذ أربع سنوات أو أكثر.
وقد حاولت التخلص من هذا الذنب مرارا وتكرارا وأقوم بالدعاء في صلاة قيام الليل وفي أوقات الدعاء المستجاب وقمت بأداء العمرة والحمد لله وفي خلال شهر رمضان وصيام النوافل وكل ذلك أدعو بصدق أن أتوب ويغفر لي ربي ذنبي.
لقد قمت بالتوبة الصادقة دائما إلا أن شيطاني أقوى مني وأعود مرة أخرى للذنب.
أنصحوني ماذا أفعل؟ إن كنت سأبقى هكذا عاصية لله فأنا أتمنى أن أموت حتى لا تزيد ذنوبي.
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك أن تأخذي نفسك بالشدة وأن تجاهديها أشد المجاهدة من قبل أن يفجأك الموت وأنت مقيمة على هذه المعصية، والله يعين من حرص على رضوانه. قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
فلا تستسلمي لتخذيل الشيطان، فإنه يقنط العبد من رحمة ربه، ويشعره أن التوبة بعيدة المنال.. وأن من تأمل حال التائبين وجد أن أكثرهم قبل التوبة يقولون لا نستطيع التخلص مما نحن فيه، ولكن الله من عليهم بالتوبة لأنهم راجعوا أنفسهم وقوي عندهم إيمانهم لحظة التوبة، ومن هنا فإننا ننصحك بعلاج قلبك حتى يقوى على مقاومة الشهوات.
وعليك أن تستشعري مراقبة الله وأنه أعظم الناظرين إليك، وأنك قد تموتين أثناء قيامك بالمعصية، فتلقين الله وقد ختمت أعمالك بها، فيا لها من ميتة شقية عافاك الله منها.
واستمري في دعاء الله أن يعينك على الإقلاع عن تلك المعصية، وليكن سؤالك له بذل وإلحاح وتضرع..
واتخذي رفقة صالحة من الأخوات الفاضلات وانتظمي في سلكهن، واطلبي العلم معهن، واقرئي القرآن بتدبر واستشفي به، فإنه شفاء ورحمة للمؤمنين.
وتأملي إجابة الفتوى رقم: 56002.
وأما تمني الموت إذا خاف المؤمن على نفسه ضررا في دينه أو فتنة يقع فيها، فإنه غير مكروه، وقد فعله بعض السلف. وانظري الفتوى رقم: 31781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(9/5292)
المتنعم في الدنيا تنقص درجاته عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[استمعت إلى شيخ يقول إن كل نعمة أنعم الله بها على ابن آدم في الدنيا تنقص منه في الآخرة إذا كان من أهل الجنة هل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أثر يفيد أن درجات العبد عند الله تنتقص بما تمتع به من النعيم في الدنيا، والأثر رواه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي الدنيا ونصه قال: لا يصيب أحد من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريما. وقال عنه الألباني وإسناده حسن، وروي عن عائشة مرفوعاً، والموقوف أصح.
ويشهد له ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: وإياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(9/5293)
كيف تشعر بلذة العبادة والمناجاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
وبعد أكرر شكري لكم ولما تقومون به من جهد في خدمة الإسلام والمسلمين.
وسؤالي هو كالتالي.
أنا والحمد لله أحسب نفسي والله حسيبها أنني من الذين لا تفوتهم الصلاة في وقتها لكنني أريد أن أحس باللذة التي يحس بها العابدون لأنني دائما أصلي والناس غافلون عن الصلاة في التلفزيون مثلا أو الاستماع إلى الموسيقى وأريدكم أن تنصحوني بماذا أفعل.
وعندي أيضا هدا السؤال وهو أنني ينتابني شعور أنني عندما أفكر في معصية ما أكون أشد خوفا من أن يراني أحد الناس وأخاف من الفضيحة أمام الناس من الخوف من خالق الناس وخالقي أنا وخالق هذا الكون بأسره.
فأرجو النصح وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك لأداء الصلاة في وقتها، فذلك من علامات الإيمان، ولتحصيل لذة العبادة ينبغي أن تستشعر أن كل عبادة تؤديها تقربك إلى الله، وأن الله ينظر إليك حين أدائك لها، وأنك ربما تموت بعد انتهائك من هذه العبادة، كل ذلك سيدفعك لتحسين العبادة وتجويدها، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
هذا، وننصحك أن لا تؤدي العبادة في مكان فيه قوم لاهون بتلفاز أو موسيقى حتى يجتمع قلبك عليها.
واعلم أن صلاة الجماعة واجبة على الأرجح من قولي العلماء، وأن تاركها بدون عذر آثم، وانظر الفتوى رقم: 1798 والفتوى رقم: 1415.
واحذر أن تخاف من اطلاع الناس عليك حال المعصية ولا تخاف الله، فإن هذه هي حال المنافقين. قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ {النساء: 108} . وقال أيضا: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ {التوبة: 62} .
فاحذر أن يراك الله حيث نهاك، واعلم أن لذات الدنيا فانية، وأن متعها زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن الشهوة تنقضي ويتبعها الألم والحسرة، فلا يفيق العبد إلا وقد دهمه الموت، وقد اسودت صحائف أعماله، فيندم وقت لا ينفع الندم.
هذا، ونوصيك باتخاذ رفقة من الشباب الصالحين، واعبد الله معهم، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(9/5294)
ثمرة الإعراض عن الله مرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرضت في حياتي لعدة فتن لم أقدر على تجاوزها نظرا لصعوبتها وقساوتها ومحدودية إمكانياتي فالحرمان المادي والمعنوي ولدا في نفسي الإحباط والعجز فأصبحت أرى الأشياء متساوية لا أجد الرغبة في اي شيء حتى في الصلاة إذ منعني هذا اليأس من الدخول إلى الإسلام إذ لا أقدر تطبيق اي شيء دون رغبة وحب فكيف امتلكهما رغم أنني التجات إلى الدعاء لكن الفتن (الحرمان) كان اقوى. ارجوكم المسألة ليست سهلة فأحب أن أكون مسلما وألغي الدخول بالترهيب فرغم خوفي من الله لن أقدر دخول الإسلام إلا حبا ورغبة فهذه طريقتي في الحياة فكيف من العجز والإحباط أولد رغبة تدخلني الإسلام ما دام أسلوب الترهيب لم ينفع وقد حاول البعض استعماله معي لأني كما قلت:أحب فأطبق ولا أقدر على غير ذلك فساعدوني كي اقترب من لذة الإسلام وجزاكم الله الخير وأرجو ان تثقوا بانها حالة نفسية اود الخروج منها بمساعدتكم وبإذن الله سبحانه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار بلاء، وهي سجن المؤمن، وقد ابتلي الصالحون وعلى رأسهم سيد ولد آدم نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن ما ابتليت به من الحرمان والتضييق لا يقارن بما ابتلي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمضي عليه الشهر والشهران ولم يوقد في بيته نار لإنضاج الطعام، فكان قوته التمر والماء فقط، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، ثم هو مع ذلك كان راضيا من ربه حامدا له على نعمه الجزيلة.
وكذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا شديدي الفقر، وأكلوا من الجوع ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم، ولما مات مصعب بن عمير لم يجدوا ما يكفنوه به إلا بردة، لو غطوا بها رأسه بدت قدماه، ولو غطوا قدميه بدت رأسه!!
وهكذا أئمة الدين ممن جاء بعدهم، كالإمام أحمد والإمام النووي وغيرهما كانوا فقراء، لكنهم مع فقرهم لم ينسوا الله ولم يحجدوا نعمه، فإن كان منعهم نعمة المال فقد أعطاهم نعمة العقل، بينما أصيب غيرهم بالجنون، وأعطاهم نعمة البصر، بينما أصيب غيرهم بالعمى، ويتحركون بسهولة ويقومون بجميع شؤونهم، بينما أقعد غيرهم الشلل، وتأمل الفتوى رقم: 51946.
ثم إنهم كانوا يعلمون أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن ما عند الله خير للأبرار، وأن غمسة واحدة يغمسها العبد الصالح في الجنة تنسيه كل شقاء مر به في هذه الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط. رواه مسلم. فتب إلى الله واصبر على قضائه وقدره وارض عنه، واعلم أن ما أنت فيه من الهموم والبلاء إنما هو ثمرة الإعراض عن الله. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124} .
فتلفظ بالشهادتين وأد ما افترضه الله عليك وأعظمه الصلاة، وانته عما حرم الله عليك من قبل أن يفجأك الموت، وعندئذ لا ينفع الندم.
وانظر عقوبة تارك الصلاة الدنيوية والأخروية في الفتوى رقم: 6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(9/5295)
حكم ترك المعصية خوفا من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك معصية معينة خوفاً من الله؟ كيف يقضي الإنسان منا فراغه العاطفي بما يوافق رضا الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ترك معصية خوفاً من الله أثابه الله على تعففه عن الحرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة. رواه الإمام مسلم.
والمعاصي لو تركها الإنسان من مخافة الله زاد الله في إيمانه، روى الطبراني في الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه.
ثم إننا نفيدك أن الله لا يحاسب العبد على حديث النفس المجرد، ما لم يتحول إلى عزم على فعل المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم.
وبالنسبة لما تشعرين به من فراغ عاطفي، فنفيدك أن القلب إذا امتلأ بمحبة الله والشوق إليه فلن يشعر بالفراغ، ويتفرع عن حب الله حب من أوصانا الله به كالوالدين والأزواج والأبناء.
ومما يسد الفراغ العاطفي كذلك مرافقة الأخوات الصالحات الفاضلات، وهي مع ذلك مجال لنيل الأجر والثواب من الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم (فيما يرويه عن ربه) : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وانظري ضوابط الحب في الله في الفتوى رقم: 52433.
كما ننصحك بطلب العلم النافع واستماع الأشرطة الإسلامية، واجعلي كتاب الله أنيسك، وأقرئي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحين وأمهات المؤمنين، وشاركي في حمل هموم أمة الإسلام، واجعلي همك المقعد المقيم هو النظر في كيفية خلاصك يوم القيامة وفي تقديم شيء لإنقاذ الغافلين من المسلمين وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم.
إذا قمت بذلك، فسينشغل قلبك وفكرك، ولن يبقى في حياتك أي فراغ، بل ربما شعرت بعكس ما تشعرين به الآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(9/5296)
الفرق بين الابتلاء من الله والعيش الضنك
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي دقيق نوعا ما
كيف يفرق المسلم بين الابتلاء من الله والعيش الضنك في ما أصابه
بحيث إذا قدر عليه رزقه مثلا فهناك من الآيات ما توضح إن قدر الرزق من الله يعد بلاء من الله للمسلم ليختبره الله (والآيات كثيرة بهذا المجال) وبنفس الوقت قد يكون قدر الرزق من الله هو من ضمن المعيشة الضنكة التي وعدها الله لمن اعرض عن ذكره أو لينال المسلم وبال أمره من أمر معين أو جزاء وفاقا لسيئة ارتكبها
فكيف لنا أن نفرق بين الاثنين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن المستقيم على الطاعة يعتبر ما يحصل من ضيق الرزق ابتلاء من الله له، وبصبره عليه يعظم الله أجره ويعطيه الخير الكثير. ففي الحديث: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ * {البقرة: 155-157} .
وأما العاصي، فإنه قد يضيق عليه ويحرم من الرزق بسبب المعاصي، كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وصححه الألباني.
وكما حصل لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد حرموا منها بسبب همهم بحرمان الفقراء منها.
وقد يوسع الله على العاصي استدراجا له، ثم يعاقبه بعد ذلك، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا {الأنعام: 44-45} .
وبهذا نعلم أنه قد يحصل الابتلاء للمؤمن المستقيم بتقليل الأشياء المادية في يده، ولكنه يكون سعيدا مع ذلك، كما يدل له قول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97} . وفي الحديث: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
كما أنه قد يعاقب الفاجر بقلتها في يده، وقد تكثر في يده أيضا استدراجا ويعاقب بالقلق النفسي والأزمات القلبية، نعوذ بالله. ويشهد لهذا قوله تعالى: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {التوبة: 55} . وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 21400، 32533، 47005، 51953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(9/5297)
الرياء في السنن
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يصلي الضحى مثلا أو قيام الليل أي يقوم ببعض السنن التي من فعلها يثاب عليها ومن تركها لا شيء عليه فأحيانا يرائى فيها فقلت له: أن ذلك ليس لك أجر فيه. قال: أعلم. قلت: هذا شيء تمام. وقلت له: إنك تأثم بفعلك. قال: إن الأمر سنة أي ليس فيه شيء قلت له إذا كان الأمر كذلك فإن السنة هنا ليست متعلقة بأنك قمت بالعمل أو لا هذا أمر اختياري الأمر هنا والسوء في الرياء فهو من الشرك. قال: لا فإن العمل من السنة فإن جاء الرياء فيه أعلم أنه يحبط العمل ولكن طالما أنه من السنة لا عقاب في الرياء فيه. وهو يقيس على ذلك النوافل طبعا هو لا يقصد أن يرائى ولكن يدخل عليه الرياء وحديث الناس فلا يرده السؤال: هل المرائي في السنن لا إثم عليه كما في الفرض مع علمي أنه يحبط العمل هذا شيء أنا أعلمه ولكن أريد الإفادة فيما إذا كان حقا يعاقب الله عليه في السنن مثل الفروض أم لا شيء فيه على أساس أن العمل ليس بفرض؟ الرجاء عدم إحالتي إلى فتوى أخرى فإن الأمر مهم.
جزيتم عنا الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرياء في العبادة محرم، سواء كانت العبادة فريضة أو سنة قال الخادمي في بريقة محمودية: (وأما الرياء في العبادة التي كانت مشروعيتها لمجرد تعظيم الله وتحصيل رضاه فحرام كله بجميع أنواعه ... وأما في النفل فلا يكفر، بل لا أجر له وعليه الوزر.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر عن اقتراف الكبائر: (قد شهد بتحريمه -الرياء- الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة. أما الكتاب: فمنه قوله عز قائلاً: الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ {الماعون: 6} .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ {فاطر: 10} .
قال مجاهد: هم أهل الرياء، وقال تعالى: وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف: 110} .
أي: لا يرائي بعمله، ومن ثم نزلت فيمن يطلب الأجر والحمد بعباداته وأعماله، وقال تعالى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا {الإنسان: 9} .
وأما السنة فمنها ما رواه الإمام أحمد: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا انظروا هل تجدون عندهم جزاء ...
وحد الرياء المذموم إرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى، كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وكماله حتى يحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء، إما بإظهار نحول وصفرة ونحو تشعث شعر، وبذاذة هيئة وخفض صوت، وغمض جفن إيهاماً لشدة اجتهاده في العبادة، وحزنه وقلة أكله وعدم مبالاته بأمر نفسه لاشتغاله عنها بالأهم، وتوالي صومه وسهره، وإعراضه عن الدنيا وأهلها، وما درى المخذول أنه حينئذ أقبح من أراذلهم كالمكاسين وقطاع السبيل وأمثالهم، لأنهم معترفون بذنوبهم لا غرور لهم في الدين بخلاف ذلك المخذول الممقوت، وإما بإظهار زي الصالحين كإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة، وإبقاء أثر السجود على الوجه، ولبس الصوف وخشن الثياب وتقصيرها، وغير ذلك إيهاماً أنه من العلماء والسادة الصوفية -رضي الله- عن محقيهم وخذل مبطليهم مع الإفلاس عن حقيقة العلم والتصوف بباطنه، وما درى المخادع أن كل ما وصل إليه لأجل هذا التلبيس حرام عليه قبوله، فإن قبله كان فاسقاً لأكله أموال الناس بالباطل، وإما بالوعظ والتذكير، وإظهار حفظ السنن ولقاء المشايخ وإتقان العلوم وغير ذلك من الطرق الكثيرة، إذ الرياء بالقول كثير وأنواعه لا تنحصر.
وإما بنحو تطويل أركان الصلاة وتحسينها، وإظهار التخشع فيها وكذا الصوم والحج وغيرهما من العبادات.
وأنواع الرياء بالأعمال لا تنحصر، وربما أن المرائي من شدة حرصه على إحكام الرياء، وإتقانه يتألف ذلك بفعله في خلواته ليكون ذلك خلقاً له في الملإ لا للخوف من الله تعالى والحياء منه، وإما بالأصحاب والزائرين والمخالطين كمن يطلب من عالم أو أمير أو صالح أن يأتي إليه لزيارته إيهاماً لرفعته وتبرك الأكابر به، وكمن يذكر أنه لقي شيوخاً كثيرين افتخاراً بهم وترفعاً بذلك على غيره.
فهذه مجامع أبواب الرياء الحامل إيثارها على طلب نحو الجاه والمنزلة واشتهار الصيت حتى تنطلق الألسن بالثناء عليه، ويجلب الحطام من سائر الآفاق إليه.
ومنها: حيث أطلق الرياء على لسان حملة الشرع فالمراد به المذموم الذي مر حده، ثم إن لم يقصد غير الرياء فعبادته باطلة، وليته لم يحصل له من السوء غير ذلك، بل عليه عظيم الإثم وقبيح الذم، كما علم تفصيل ذلك من الآيات والأحاديث السابقة، والمعنى في تحريمه وكونه كبيرة وشركاً -مقتضيا للعن- أن فيه استهزاء بالحق تعالى كما مرت الإشارة إليه في الأحاديث، ومن ثم قال قتادة كما مر: إذا راءى العبد قال الله تعالى: انظروا إليه كيف يستهزئ بي، ويوضحه أن أحد خدام الملك القائمين في خدمته لو كان قاصداً بوقوفه فيها ملاحظة أمة أو أمرد للملك كان ذلك عند كل من له أدنى مسكة من عقل استهزاء بذلك الملك، لأنه لم يقصد تقرباً إليه بوجه مع إيهامه أنه على غاية من التقرب، وحينئذ فأي استحقار واستهزاء يزيد على قصدك -بعبادة ربك- مثلك عاجزاً عن نفسه من سائر الوجوه فضلاً عنك، ومع ذلك فقصدك إياه متبرعاً بعبادتك ينبئ عن اعتقادك فيه أنه أقدر على تحصيل أغراضك من الله، فرفعت العبد الضعيف العاجز على مولاك القوي القادر، ومن ثم كان الرياء من كبائر الكبائر المهلكة، ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشرك الأصغر.
وفيه أيضاً تلبيس على الخلق لإيهامه لهم أنه مخلص مطيع لله تعالى وهو بخلاف ذلك، بل التلبيس في الدنيا حرام أيضاً حتى لو قضى دين إنسان ليخيل إليه أو إلى غيره أنه متبرع حتى يعتقدوا سخاوته أثم به لما فيه من التلبيس وتملك القلوب بالخداع والمكر، فإن قلت: قد تقرر وجه كون الرياء الشرك الأصغر، فما وجه افتراقه من الشرك الأكبر؟ قلت: يتضح ذلك بمثال هو أن المصلي حتى يقول الناس: إنه صالح مثلاً يكون رياؤه سبباً باعثاً له على العمل، لكنه في خلال ذلك العمل تارة يقصد به تعظيم الله تعالى، وتارة لا يقصد به شيئاً، وفي كل منهما لم يصدر منه مكفر بخلاف الشرك الأكبر، فإنه لا يحصل في هذا إلا إذا قصد بالسجود مثلاً تعظيم غير الله تعالى، فعلم أن المرائي إنما نشأ له ذلك الشرك بواسطة أنه عظم قدر المخلوق عنده حتى حمله ذلك التعظيم على أن يركع ويسجد، فكان ذلك المخلوق هو المعظم بالسجود من وجه، وهذا هو عين الشرك الخفي لا الجلي وذلك غاية الجهل، ولا يقدم عليه إلا من خدعه الشيطان وأوهم عنده أن العبد الضعيف العاجز يملك من معايشه ومنافعه أكثر مما يملكه الله تعالى، فلذلك عدل بوجهه وقصده إليهم عن الله تعالى، فأقبل يستميل قلبهم فيكله -تعالى- إليهم في الدينا والآخرة كما مر في الأحاديث: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون فاطلبوا ذلك عندهم.
وهم لا يملكون لأنفسهم شيئاً سيما في الآخرة: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الشعراء: 88-89} . يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ {لقمان: 33} .
وقد يطلق الرياء على أمر مباح وهو طلب نحو الجاه والتوقير بغير عبادة كأن يقصد بزينة لباسه الثناء عليه بالنظافة والجمالة ونحو ذلك، وقس على ذلك ما أشبهه من كل تجمل وتزين وتكرم لأجل الناس، كالإنفاق على الأغنياء لا في معرض العبادة والصدقة، بل ليقال: إنه سخي، ووجه عدم حرمة هذا النوع أنه ليس فيه ما مر في المحرم من التلبيس بالدين والاستهزاء برب العالمين، وقد كان صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الخروج سوى عمامته وشعره ونظر وجهه في المرآة فقالت عائشة رضي الله عنها: أو تفعل ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم إن الله يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم.
نعم هذا منه صلى الله عليه وسلم عبادة متأكدة، لأنه مأمور بدعوة الخلق واستمالة قلوبهم ما أمكنه، إذ لو سقط من أعينهم لأعرضوا عنه فلزمه أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا يزدروه فيعرضوا عنه لامتداد أعين عامة الخلق إلى الظواهر دون السرائر، فهذا قصده صلى الله عليه وسلم وفيه قربة أي قربة، ويجري ذلك في العلماء ونحوهم إذا قصدوا بتحسين هيئاتهم نحو ذلك. انتهى كلام ابن حجر الهيتمي نقلناه بطوله لما فيه من فوائد جمة.
وأما هل الرياء يبطل العمل أو لا؟ ففيه تفصيل بيناه في الفتوى رقم: 49482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1425(9/5298)
الأعمال الفاضلة والمفضولة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم:
ما هوالفاضل والمفضول من الأعمال الصالحة للمسلمة الغير متزوجة والمتزوجة مع ترتيبها حسب الأكثر أجرا إن أمكن ذلك وهذا من باب استغلال العمر في الفاضل لا المفضول؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل الأعمال هو الحفاظ على الفرائض، ويدل لذلك ما في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه. رواه البخاري.
ومن أفضل الأعمال بعد الإيمان الصلاة في وقتها، والجهاد، والحج، وبر الوالدين. وقد سبق بيان ترتيبها في الفتوى رقم: 20102، والفتوى رقم: 9210.
ثم إن النوافل التي يتعدى نفعها إلى الغير كطلب العلم وتعليمه أفضل من العبادات القاصر نفعها على النفس كالأذكار، ففي الحديث: فضل العلم خير من فضل العبادة. رواه الحاكم والطبراني والبزار , وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وكذلك تلاوة القرآن أفضل من الأذكار، وبعض الأذكار أفضل من بعض، ويمكن أن تطلعي على تفصيل ذلك في كتب الفضائل والأذكار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(9/5299)
استحضار النعم وشكرها وتلاوة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عازب وأحب تلاوة القرآن الكريم ولكني أخالف يعني أنني أرتكب بعض المحرمات مثلا الله يقول ويحرم عليهم الخبائث وأنا أدخن السجارة وربنا يحثنا على الصبر وأنا سريع الغضب وبصراحة صبري ضعيف جداً على كل شيء، فأنا مهموم أكثر وقتي ويأتيني الحزن دائماً وأكثر ما يخوفني أنني غير مستشعر لنعم الله الكثيرة علي فمثلاً عندما أرى معاقا جسديا لا أستشعر أنني بكامل صحتي وأقول إن هذا مرتاح أكثر مني أو إذا رأيت مجنونا حسدته على ما هو عليه وأتمنى أن أكون مثله لكي أرتاح من هموم الحياة ومسؤولياتها وغيره وغيره.... سؤالي هو: هل إذا قرأت القرآن وأنا على هذا الحال أني أؤثم ويكون حجة علي أم أنني أؤجر والحسنات يذهبن السيئات، علماً بأنني ولله الحمد متقن لتلاوته وقد حفظت أكثر من نصفه، لكني لم أجد حلاوة لذلك، وكيف أستشعر نعم الله علي، وهل الإنسان الذي يتمنى لنفسه مثل هذه الأمراض يكون مريضاً نفسياً ولا يؤثم على ذلك أفيدوني وقدمو لي النصيحة التي تعيدني إلى الحياة السعيدة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتضح من كلامك أنك على علم بتحريم التدخين وعلى علم بأهمية الصبر وترك الغضب، وأما استشعار النعم فهو أمر ضروري، فقد حض الله على تذكرها وشكرها، فقال: فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69} ، وقال تعالى: وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {النحل:114} ، وقال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}
ومن أعظم ما يعين على استشعار النعم كثرة التأمل فيها والنظر في حال من هم أقل حالا منك، ففي الحديث: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم والترمذي.
وأما تمنيك لنفسك الإصابة بمثل ما أصيب به المصابون فهو خلاف المشروع، فقد شرع للمسلم عند رؤية المصابين أن يحمد الله على العافية، ويدعو الدعاء المأثور ليعافى مما أصيب به المبتلى، ففي حديث الترمذي: من رأى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء.
وأما قراءة القرآن فإنه يؤجر التالي عليها، كما في الحديث: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها. رواه الترمذي.
ويجب على قارئه أن يعمل بما فيه حتى يكون من أهله حقا ويشفع فيه، لما في حديث مسلم: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما.
وإذا حصل من الإنسان تقصير في العمل بالقرآن، فإنه يأثم بقدر تقصيره ومعاصيه، وتجب عليه التوبة، هذا وننصحك بالبعد عن الفراغ والانفراد، وعليك بصحبة الأخيار ومجالستهم، وكثرة النظر في فضائل الأعمال وسير السلف الصالح، وأكثر من الدعاء والصدقات والنوافل، وراجع في حكم التدخين، وعلاج الغضب، وفضل التلاوة، وعلاج الهم والقلق النفسي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2566، 32180، 1819، 3086، 13277، 31447، 17652، 30754، 49523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(9/5300)
من تلبيس إبليس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم \\\" إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق\\\"
حيث إني أعرف شخصا يعتقد أنه إذا لم يفعل المسلم كل شيء صحيح في الدين فلا غبار عليه أن يفعل ما يشاء ... مثلا ... إذا كان يصلي فيجب أن يفعل كل شيء صحيح..أما إذا أراد أن يفعل شيئا يعتبر خطأ في نظر الدين فيجب أن لا يصلي!!....أرجو المشورة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير الحديث قد سبق في الفتوى رقم: 39427.
وأما ما قاله الشخص فإنه باطل في مسألة ترك العاصي لبعض ما قدر عليه من الطاعة، فإن العبد مكلف بامتثال أمر الله في جميع شعب حياته عملا بقول الله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {البقرة: 208} . وبقوله: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ {آل عمران: 119} .
ولكن تقصيره في عمل ما لا يسوغ تقصيره في الأمور الأخرى فهذا الذي قاله هذا الشخص من تلبيس إبليس على الناس، حيث يبعدهم عن الطاعات فيوهمهم بعد ذلك أن الله لا يغفر لهم، وأما التزامه بجميع الطاعات فإنه أمر شرعي يجب التزامه، فلا يليق بمن يصلي أن يقصر في الطاعات ولا أن يقارف المعاصي، بل عليه أن يجتهد في إصلاح صلاته حتى تكون ناهية له عن الفحشاء والمنكر. قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت: 45} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(9/5301)
الرياء وإظهار المرء حفظه للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حفظ القرآن ثم أخفى عن الناس أنه حفظ القرآن ولم يعلم أحدا بهذا يعتبر من إخفاء العلم أم هو على حق لإبعاد الرياء عن قلبه علما بأن طبيعة عمله الذي يرتزق منه بعيدة جدا عن العلم الشرعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأفضل للشخص المذكور إظهار حفظه للقرآن إذا ترتب على ذلك اقتداء غيره به أو تعلمه منه مع السلامة من الرياء. قال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية: وبالجملة الإخفاء في العبادات التي لا يلزم إظهارها ولم يسن كما في بعض النسخ أفضل من الإظهار لخلوه عن احتمال الرياء، ويكون معاملة خاصة بينه وبين مولاه إلا عند التيقن فلا يفيد الظن فضلا عن الشك بقصد التعليم لمن لا يعلم والاقتداء يشمل التعليم لمن يعلم ولكن لا يعمل فالإظهار حينئذ أفضل لأنه عبادة متعدية، وفيه إيقاظ النائمين، وإرشاد الغافلين، وترغيب للخير فلا ينبغي أن يسد باب إظهار العمل. انتهى. وهذا الإخفاء المذكور لا يعتبر من كتمان العلم الذي يترتب عليه الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه سلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. رواه ابن ماجه وأبو داود وصحح الشيخ الألباني هذه الرواية. لأن هذا الوعيد إنما هو في كتمان العلم الذي يجب تعلمه، ففي تحفة الأحوذي: قال السيد هذا في العلم اللازم التعليم كاستعلام كافر عن الإسلام ما هو، وحديث عهد به عن تعليم صلاة حضر وقتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام فإنه يلزم في هذه الأمور الجواب لا نوافل العلوم الغير الضرورية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(9/5302)
المسلم الحقيقي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أصبح مسلما حقيقياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام هو إسلام القلب والوجه لله تعالى، والاستسلام لأحكام الشريعة والانقياد لأوامره سبحانه، قال الأزهري: فالإسلام: إظهار الخضوع والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قصة إبراهيم وإسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، قال تعالى: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {الصافات:103: 105} ، قال الحافظ ابن كثير: أسلما، يعني: استسلما وانقادا، إبراهيم امتثل أمر الله، وإسماعيل طاعة لله ولأبيه، قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن إسحاق وغيرهم. انتهى. ومعنى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: أكبه على وجهه، فلا يشاهده عند ذبحه فيكون أهون عليه، وقال سبحانه وتعالى مادحاً إبراهيم عليه السلام: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {البقرة:131} ، قال الحافظ ابن كثير: أي أمره الله بالإخلاص والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعاً وقدراً. انتهى.
فالمسلم الحقيقي المستقيم على أمر الله، فيعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً، قال تعالى على لسان نبيه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام:162-163} ، والمسلم الحقيقي ينقاد لله، فيمتثل أمره ويجتنب نهيه، ولا يقدم عقله وهواه على ما بلغه من شرع ربه، قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} .
قال الحافظ ابن كثير: وقوله: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. انتهى.
هذا، وإن من أراد السلامة في دينه والنجاة في الآخرة، فعليه أن ينهج نهج أهل السنة والجماعة، وأن يقتفي أثر السلف الصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فإنهم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، وهم الوسط بين سائر فرق الإسلام، وانظر الفتوى رقم: 26056.
كما ننصحك بطلب العلم النافع، والاستماع إلى الأشرطة العلمية، وننصحك كذلك أن تنخرط في صف الشباب المؤمن المتمسك بدينه، وأن تنتظم في سلكهم، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وانظر الفتوى رقم: 12744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(9/5303)
أجر الصابر على الحرمان من الذرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ ست سنوات ولم أنجب والحمد الله على كل شيء، ولكن هل هناك أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الصبر على هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يأجرك ويثيبك على صبرك وتسليمك لقضاء الله وقدره وأن يرزقك الذرية الطيبة التي تقر بها عينك. أما عن الأحاديث في فضيلة الصبر على الحرمان من الذرية فانظر فيها الفتوى رقم: 56479.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(9/5304)
النظر في الوعيد يقمع الأهواء والشهوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب خاطب ابنة عمي ولقد عرضت عليها ارتداء الخمار منذ مدة لأجعل لها الفرصة للاقتناع إلا أنها ترفض إرتداء الخمار حاليا ولكن لا تمانع بارتدائه بعد الزواج وذلك من أجلي وليس خالصا لوجه الله, على الرغم من أني لم أترك وسيلة هداية إلا واستخدمتها معها, ومن الغريب أنها عرضت الفكرة على أهلها ورفضوا, ومن المهم إعلامك يا شيخ أننا في مجتمع فاسد لا يأبه لمحارم الله, فعلى الرغم من أنها ترتدي الجلباب إلا أنها تتعرض للمضايقة من الشباب خاصة وأنها جميلة, أرجوك يا شيخ أن توضح لها أهمية الخمار ببعض القصص أو الوقائع وأن ترد على فئة العلماء الذين لا يجدون سببا لارتداء الخمار, فأنا والله أشعر بنار تخرج من جسمي عندما أراها مكشوفة الوجه أو الكفين, أرجوك أن تخاطبها من القلب إلى القلب عسى كلماتك أن تجد الطريق إلى قلبها, وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كشف الوجه والكفين مسألة اخلتف أهل العلم فيها، ولاشك أن الورع هو الالتزام بسترهما ولا سيما إذا كانت المرأة تخشى الفتنة بها أو عليها، وقد قدمنا فتاوى في ذلك فراجع منها الفتوى رقم: 50794. وإحالاتها. ثم إن على العبد أن يعمل أعماله كلها خالصة لله تعالى لقوله الله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ *أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ {الزمر: 2ـ3} .ولما في الحديث: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. رواه النسائي بسند جيد كما قال المنذري في الترغيب وصححه الألباني. وعليك أنت أيضا أن تخلص لله تعالى في دعوتك إياها، وألا تكون بدافع الغيرة فقط، وأن تسعى في هدايتها لجميع شعب الدين، وأن تحاول إقناعها بالاحتياط في أمر الحجاب والبعد عن الفتن. ثم إن إقناعها بعدم الخروج لأماكن الاختلاط والفتن ضروري جدا لأمر الله للنساء بالقرار في بيوتهن إلا لحاجة يحتجن للخروج لها ولا يجدن من ينوبهن فيها ويدل لهذا قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {الأحزاب: 33} . ولقوله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين لما حج بهن: هذه ثم ظهور الحصر. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني. وأما إذا كانت محتاجة للخروج فإنه لا حرج عليها فيه لما في حديث البخاري: قد آذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن. واعلم أن أعظم ما يرقق قلوب الناس هو وعظهم بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم. فحرضها على الاشتغال بهما تلاوة ومطالعة وسماعا مع التدبر، فإن النظر في الوعيد يقمع الأهواء والشهوات، وراجع الفتوى رقم: 31768، والفتوى رقم: 41016، 48987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1425(9/5305)
العاقل يعمر الوقت بما هو نافع في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل: أثابك الله وبعد: أنا سيدة ملتزمة وزوجي وأولادي منذ فترة ليست بالبعيدة بدأت أشاهد المسلسلات العربية مع أنني حريصة جداً على عدم مشاهدتها وعدم الاكتراث بها وأحرص كذلك على أولادي منها ومن الأغاني طبعاً، وأنا خائفة أن يكون هذا استدراجا لي من الشيطان، حيث إنني قبل هدايتي لم أكن أهتم بها فأتساءل مع نفسي لذلك وأحاسبها كثيراً وأراقبها وأبقى خائفة أن يكون كما ذكرت من خطوات واستدراج الشيطان، أحياناً أبرر لنفسي وأقول ربما من قلة الصحبة والناس هنا في البلد الأوروبي الكئيب وأكثر من ذلك طول مدة الغياب عن الوطن والأهل من عدة سنوات طويلة بسبب ظروف ما فأنا لا أرى سوى زوجي وأولادي وأحياناً صديقة لي تأتي مرة كل أسبوعين وهكذا يا شيخي مع كل ما ذكرت لا أرى تبريراً لمشاهدتي للمسلسلات لأن في رؤيتها تزيد نفسيتي سوءاً حيث إنني لم أكن هكذا أبداً وكل ما يهمني هل علي إثم، وصدقني لا أنتظر الجواب بالإيجاب فليس هذا ما أصبو إليه الذي أسعى إليه هو، هل إذا كانت هذه من خطوات الشيطان ومن الفتن والتي كثرت في هذا الزمن.. هل إذا كان شيء من هذا القبيل كيف أتصرف وأنجو من أمر لا أرى فيه ما يطمئن القلب أو يزيد من إيماني، أسأل الله عز وجل لكم الثبات والسداد ونسألكم الدعاء من قلب صادق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يسلك بنا وبك سبل الهدى والنجاة ويعصمنا وإياك من الزلل، ويحقق لنا ولك الفوز بمرضاة الله تعالى والابتعاد عن معصيته، وراجعي الفتوى رقم: 1791 ليتأكد لك ما هو مستقر عندك من تحريم النظر إلى هذه المسلسلات.
والظاهر من سؤالك أنك لا تريدين معرفة حكم مشاهدة المسلسلات لأنك على علم من ذلك، والذي يبدو أنك تريدينه هو كيف تتصرفين حيال ما ذكرته من الظروف، وكيف تعملين ليطمئن قلبك ويزداد إيمانك.
ونقول لك في هذا إن على العاقل أن يغتنم الفرصة ويعمر الوقت بما هو نافع له في الدنيا والآخرة، وأزكى ما يعمر به الوقت ويزيد الإيمان وتشفى به الصدور قراءة القرآن وتدبر معانيه وذكر الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57} ، وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، ثم عليك بقيام الليل والصيام ما أمكنك الصيام والتضرع بالأسحار، فإن ذلك يصلح القلب وينير البصيرة.
فنسقي مع صديقتك لإعداد برنامج يشمل تلاوة القرآن، وذكر الله، ومطالعة الكتب النافعة، والاستماع إلى الأشرطة المفيدة، واتخذي ذلك بديلاً عن المسلسلات المفسدة، ونسأل الله أن تجدي في هذا بغيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(9/5306)
يقبل الله توبة التائبين الصادقين
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي إني زنيت بخادمة معنا في البيت وذلك لإشباع الرغبة الجنسية مع العلم أني سوف أتزوج بعون الله بعد شهرين, بس هذا ليس أول مرة فمن قبل كنت أزني بخادمة عندنا في البيت والحين أنا نادم كل الندم من العمل. حتى إني أفكر وأجد عواقب الزنا من عصيان الله والحمل وغيرها. بس بعد آخر مرة زنيت ما أقدر آكل شيئا كل وقتي أفكر في الذي سويته. ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك أخطأت خطأ كبيرا واقترفت جرما عظيما بما فعلت من الزنا، فقد قال الله تعالى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} . وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. متفق عليه.
واعلم أن ما ذكرته من عدم القدرة على الأكل وصرف كل الوقت في التفكير في الذي كنت تفعله هو بداية لأثر المعصية، فإن الارتماء في حبائل الشيطان وعدم الاكتراث بأوامر الله يورث تعاسة العيش وضيق الصدر. قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124} .
فعليك أن تبادر إلى التوبة بالندم على ما صدر منك والإقلاع عنه فورا، والعزم أن لا تعود إليه، وإذا فعلت كل ذلك مخلصا فيه لله تعالى فسيغفر لك ذنبك. قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه. وبادر إلى الزواج لتحصن فرجك وتستغني بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1425(9/5307)
من وسائل المحافظة على الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للإنسان أن لا يعصي ربه، لأنني خائف من خاتمتي ومن سوء مستقبلي فيتردد لي في نفسي أني يوما ما أصبح عاصياً لله ويختم لي على هذه الحالة وهل يوجد طريق يحافظ بها الإنسان على إيمان ويختم له بالحسنى، وكيف للمرء أن يفرق بين حديث النفس ووسوسة الشيطان؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام في الصدر نفس يتردد، فينبغي أن يحذر الإنسان من أن يختم له بسوء، وهذا كان حال السلف، ورحم الله أبابكر الصديق حيث قال: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله.
ولكن إذا كان الإنسان يعمل الصالحات ويتوق السيئات، ويحاسب نفسه، فعليه أن يحسن الظن بربه، وأن لا يصغي لوسوسة الشيطان وتقنيطه، بل يكون في توسط بين الخوف والرجاء.
فقد مدح الله عباده الذين يتصفون بذلك، فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الأنبياء:90} ، وقال أيضاً: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {الزمر:9} .
هذا وطريق المحافظة على الإيمان التقلل من المعاصي، والتوبة إلى الله واستغفاره إذا وقع المرء في بعض الذنوب، فبالتوبة والاستغفار يمحو الله الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأخبرنا سبحانه أن من أسباب غفران الذنوب: الدعاء مع رجاء الإجابة وكثرة الاستغفار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وصححه الألباني. وانظر الفتوى رقم: 34468.
ومن وسائل المحافظة على الإيمان وازدياده في القلب: طلب العلم النافع، فإنه يرشد إلى محاب الله من الأعمال الصالحة التي بها زيادته، ومن وسائل المحافظة على الإيمان قراءة القرآن بتدبر وتفكر، وترطيب اللسان بذكر الله بالأذكار المطلقة، كقول لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ونحو ذلك.
وبالمداومة على الأذكار الموظفة كالأذكار التي تقال في الصباح والمساء، ودبر الصلوات وبعد الوضوء، وعند الخروج من المنزل والدخول فيه، ونحو ذلك مما تجده مجموعاً في: حصن المسلم. للقحطاني. أو مختصر النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة. لمحمد إسماعيل.
ومن وسائل المحافظة على الإيمان: الصحبة الصالحة المؤمنة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واعلم أن حديث النفس لا يؤاخذ به الله ما لم يعمل العبد بمقتضاه، والوسوسة إيعاز من الشيطان لفعل الشر، فإن دفعها العبد فلا أثر لها، ولكن المؤاخذة على الانفعال بها والعمل بمقتضاها، وراجع الفتوى رقم: 54808، الفتوى رقم: 8685.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(9/5308)
الصبر على الحرمان من الذرية أجره عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ ما يزيد على 17 سنة ولم يرزقني الله الذرية وأنا الحمد لله صابر على قضاء الله وقدره، سمعت بأن هناك أجراً وجزاء لمن يحرم نعمة الذرية والنسل في الدنيا يوم القيامة، وفي الجنة أرجو التكرم بتزويدي بما لديكم من هذا الأمر وأنا لكم من الشاكرين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على صبرك وتسليمك لقضاء الله وقدره. وحيث إنك مسلم لقضاء الله وقدره وصابر عليه فلا نحتاج أن نبين لك مالله سبحانه على عبده المؤمن من النعمة حتى بالمنع والحرمان، وما في قضائه سبحانه بمنع وحرمان بعض عباده المؤمنين من بعض النعم من خير لهم في الدنيا والآخرة، ولكن نحيلك على الفتوى رقم: 31702، ليطمئن قلبك، وإنما تريد معرفة ما يحصل من الأجر لمن حرم من نعمة الذرية خاصة، فلا شك أن الذرية نعمة وهبة من الوهاب كما قال سبحانه: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً..الآية {الشورى: 49ـ50} .والحرمان من الذرية مصيبة عظيمة والله يقول: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {البقرة:155ـ156} . ويقول تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} . وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 18103، شيئا مما ورد من بشارات قرآنية ونبوية لأهل البلاء والمصائب فنرجو الاطلاع عليها، سائلين الله تعالى أن يأجرك على تلك المصيبة، وأن يجزيك عليها جزاء الصابرين المحتسبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(9/5309)
الصبر على البلوى خير
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت للمرة الثانية بعد فشل زواجي الأول بسبب المخدرات التي دمرت بيتنا، وكلي أمل في بناء أسرة جديدة بدلاً من أسرتي السابقة، ولأني أقدر الحياة الزوجية لم أتوقع أني أفشل أبداً وقد أخبرته بذلك وقلت له أنا هدفي الأسرة والاستقرار وعدم الفشل مرة أخرى وكان كالملاك وأنها أمنيته أيضاً، تم الزواج وبعد ثلاثة أشهر طلب مني أن أتحمل مصاريفي فوافقت لأني موظفة ولا مانع من التكاتف في الحياة، وبعدها بشهرين هجرني واشترط لعودتي أن أتحمل جميع مصاريف البيت واحتياجاته وبعد فراق دام شهرين وافقت لأني لا أريد سوى الستر والعفاف ولا أتخيل أني في كل حين يكون لي رجل واحتسبت ذلك عند الله، ولعله يفتح بصيرته يوما أو يتغير بعد الإنجاب الذي هو حريص عليه من الشهور الأولى لزواجنا، وفعلاً حدث الحمل قبل أن نكمل عامنا الأول بشهر وعندما أصبح عمر الجنين شهرا ونصف طلب مني سلفة بنكية يتجاوز تسديدها سنوات عديدة تجاهلت الموضوع وفي يوم ألح علي قلت لا وأحببت أن أوضح أسبابي فرفض وقال أنت طالق، اليوم وبعد مضي 4 شهور على فراقنا تحرك الطفل في أحشائي وهو لم يحرك ساكناً، علماً بأني حاولت لمدة شهرين أن أعود من أجل ابني لكنه رفض وتركني لمشاعر القهر والظلم التي شغلتني حتى عن العبادة وممارسة حياتي فأنا أحبه حبا عظيماً رغم كل ما فيه من صفات، أنا يئست أن يعود إلي ولكني إلى اليوم أبكيه وتنتابني أعراض جسمانية غريبة فالطب لم يجد لها علاجا ولم أتخلص من مشاعر القهر والظلم هل هذا الرجل ظلمني، هل يجوز أن أدعو عليه لعل الدعاء يشفي غليلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلوذي أختاه بربك ومولاك واسأليه أن يأجرك في مصيبتك وأن يخلف عليك خيراً مما أخذ منك، وعليك بدعاء المصيبة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني (وفي رواية آجرني) في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلمي أن ما مر عليك قد يكون ابتلاء وامتحانا ترفع به الدرجات وتكفر السيئات، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه النسائي.
وعليك بالصبر والرضاء بما قدر الله لك وما ابتلاك به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فما من عبد يبتلى ببلوى أو مصيبة فيصبر عليها إلا كان ذلك خيراً له، كما في الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن! إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم.
ثم إنه لا شك أن نفقة الزوجة تجب على زوجها ولو كانت غنية، وأن مصاريف البيت أيضاً ليست على الزوجة، وبالتالي فإلزامها بشيء من ذلك ظلم لها وأكل لمالها بالباطل، والذي يتخذ من حب زوجته له وطاعتها إياه ذريعة يظلمها بها ويحملها على أمور لا تلزمها شرعاً ولا عادة، أين هو من قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19} ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً. حديث متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
فالرجل إذ فرط في واجبات امرأته أو ألزمها بما لا يلزمها عادة ولا شرعا فقد ظلمها، ولا بأس بالدعاء على الظالم وإن كان العفو أفضل وأكثر أجراً، وتراجع الفتوى رقم: 23857.
وأخيراً ننصح أختنا بأن تتوجه إلى ربها وأن تدعوه بإخلاص وصدق نية أن يفرج همها وييسر أمرها وأن يصرف همها عن هذا الرجل فربما لم يكن لها فيه الخير، فالرجال كثير ورزق الله واسع، وينبغي أن تعلم الأخت بأن الإنسان قد يكره ما هو خير له والله لطيف بعباده، وما يدريك لعل فراق هذا الرجل في وقت مبكر من الزواج خير من البقاء معه أكثر من ذلك، فلا يُدرى ما هي المشكلات التي ستحدث لو استمرت الحياة الزوجية بينكما قليلاً، نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1425(9/5310)
سرور الإنسان بمعرفة طاعاته
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مقولة عن الصيام قيل لي: إنها من أقوال السلف وهي (لا تسأل أخاك عن صيامه فإن كان صائما فرح وإن كان غير ذلك حزن، وكلاهما رياء) ، وأريد أن أعرف هل هذه المقولة صحيحة ومن قائلها، وأتمنى الرد سريعاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطعلنا عليه من المراجع على نسبة القول المذكور لأحد من السلف، وقد تحدث أهل العلم عن الفرح بالطاعة والسرور بها، وقالوا: إن ذلك لا ينافي الإخلاص إذا كان العبد مخلصاً، ولم يتكلف في إظهارها والحديث عنها.
فقد نقل ابن مفلح في الآداب عن ابن عقيل قال: الإعجاب ليس بالفرح، والفرح لا يقدح في الطاعات لأنها مسرة النفس بطاعة الرب عز وجل، ومثل ذلك مما أسر العقلاء، وأبهج الفضلاء، وكذلك روي في الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني كنت أصلي فدخل علي صديق لي فسرني ذلك، فقال: لك أجران: أجر السر وأجر العلانية.
وقال الغزالي في الإحياء: السرور بالطاعة منقسم إلى محمود وإلى مذموم، فالمحمود أربعة أقسام: الأول: أن يكون قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله، ولكن الله لما أطلع عليه الخلق علم أن الله أظهر طاعته وستر معصيته ففرح بستر القبيح وإظهار الجميل، فيكون فرحه بفضل الله لا بحمد الناس، قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس: 58} . فكأنه ظهر له أنه مقبول عند الله تعالى ففرح بذلك.
الثاني: أن يستدل بإظهار الجميل وستر القبيح عليه في الدنيا أنه يكون كذلك في الآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ستر الله على عبد ذنباً في الدنيا إلا ستره عليه في الآخرة. رواه مسلم.
والثالث: أن يظن رغبة المطلعين على الاقتداء به، فيكون له أجر السر والعلانية وأجر اقتداء المقتدين من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً.
الرابع: أن يحمده المطلعون على طاعته، فيحبونه فيفرح بطاعتهم لله بحب أهل الطاعة والإيمان، لأن بعض الناس يرى أهل الطاعة والإيمان فيمقتهم ويحسدهم ويهزأ بهم وينسبهم إلى الرياء ... فهذا فرح بحسن إيمان العباد، وعلامة الإخلاص في هذا النوع أن يكون فرحه بحمده غيره مثل فرحه بحمدهم إياه.
وأما المذموم وهو الخامس: فهو أن يكون فرحه لقيام منزلة له في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بقضاء حوائجه ويقابلوه بالإكرام، فهذا مكروه. والله أعلم.
ومثل هذا المعنى جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح نقلاً عن ابن الجوزي وغيره تحت عنوان فصل في سرور الإنسان بمعرفة طاعته والعجب والرياء والغرور بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1425(9/5311)
وسائل الوقاية من إغواء الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان أعمل في وظيفة طيبة وعمري 35 عاماً ومتزوج ولي أطفال والحمد لله، مشكلتي أنني رغم التزامي الشديد لدي رغبة شديدة في النساء وأشعر بالضعف وأشعر أن الله سبحانه لو وضعني في اختبار مع النساء فإني سوف أرسب في ذلك، إنني لن أشكو من زوجتي أو خلافه فرغم وجود مشاكل تحدث من حين لآخر إلا أنها سرعان ما تنتهي، ولكن لا أدري كيف أتخلص من هذه الظاهرة، تعرفت من عن طريق النت على العديد من الفتيات وقابلت بعضهن ولكن لم يحدث أي شيء معهن والحمد لله، صدقني سيدي أنني أندم وما زلت أندم على ما فعلت، أنا توقفت الآن تماماً عن أي محادثة على النت مع أي فتاة وندمت شديداً على ما فعلت وعندما أجلس مع نفسي كما تنصح ابنك أو أخاك، أن أشعر بأن ما يحدث لي ربما يكون مرضا نفسياً ولكني لا أدري ماذا أفعل، أرجوك أن ترشدني حتى لا أعود إلى هذا الأمر مهما يحدث من مشاكل مع زوجتي، إنني أحب زوجتي وأولادي وأسرتي ولكن لا أدري ماذا أفعل مع نفسي، أرجوك أن تبشرني بالخير إذا تاب الله علي لأن الشيطان دائماً يذكرني بما فعلت من ذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالبعد عن مخالطة النساء، والبعد عن أماكن الفتنة ورفقاء السوء، وغض البصر والاستعانة بالدعاء والصلاة، وكثرة المطالعة في الترغيب والترهيب، وصحبة أهل الخير ومجالستهم، وملء وقتك بما ينفع من علم ونشاط نافع وخدمة المسلمين، وعليك بالحرص على الاستفادة من الإنترنت فيما ينفع من البحوث المفيدة، ومتابعة الدروس العلمية التي تلقى في أطراف العالم، وتنقل عبر المواقع الإسلامية. واحرص على عدم الخلوة عند فتح الإنترنت، وحاول أن تبرمج برنامجا لك ولزوجك وأولادك يشمل برامج تربوية تعليمية وبرامج ترفيهية مباحة حتى تتسلى بها عن السقوط فيما لا يرضي الله.
واعلم أن الله تعالى يتقبل التوبة ممن تاب مخلصا واشتغل بالأعمال الصالحة. ومن أمارات صدق التوبة الندم على ما فات، كما في الحديث: الندم توبة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
كما أن من أمارات توبة الله على العبد اشتغاله بالأعمال الصالحة، قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، ولكن لا يمكن لشخص ما أن يحكم على آخر بقبول توبته فعلاً، فهذا أمر مرده إلى الله، والمهم أن يقلع العبد عن الذنب ويكثر من التوبة والأعمال الصالحة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5874، 32928، 21582، 34932، 9694، 30425، 31768، 50035.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(9/5312)
التائب يبدل الله سيئاته حسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقه عزيزة لديها مشكله تؤرقها وهي أنها خانت زوجها منذ مدة ولكن خيانتها له كانت عن طريق مخالطة الرجال والجلوس معهم وأكثر ما وصل إليه الأمر هو التقبيل.. ولكن لم يحصل بينهم جماع.. ولكنها تابت إلى الله توبة نصوحا.. ولكنها تبيت ليلها ونهارها بالبكاء وتشعر بتأنيب الضمير لما اقترفته في حق زوجها.. ولا تعرف كيف تكفر عن ذنبها وتريد من الله أن يغفر لها.. فهي تسأل.. هل سيغفر الله لها يوما عن ذنبها الذي أذنبته.. وهل ستفضح يوم القيامة أمام الملأ؟؟
وهل توبتها توبة نصوحا؟؟ مع العلم بأنها التزمت التزاما جادا من جميع النواحي وحافظت على صلواتها وتصون زوجها وتتمنى أن تنسى الماضي ولكنها لا تستطيع أرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما فعلته هذه الأخت من اختلاط بالرجال وجلوس معهم وتمكينهم من تقبيلها ذنب وخيانة لله ولزوجها، بيد أن بكاءها ليلا ونهارا وتأنيب ضميرها لها على ما اقترفته من ذنب وخوفها من الله ومن عذابه وخشيتها من أن يفضحها ربها على رؤوس الأشهاد علامة على صدق إيمانها، كما قال سبحانه: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران: 175} . وعلى عدم أمنها من مكر الله عز وجل الذي هو شأن الخاسرين كما قال سبحانه: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف: 99} .
غير أنه ينبغي أن تجمع بين الخوف والرجاء وأن لا يصل بها الخوف إلى حد القنوط من رحمة الله واليأس من عفوه ومغفرته، فإن ذلك ذنب آخر، وعليه، فنقول للأخت: إن من تاب التوبة الصادقة النصوح المستكملة لأركانها بترك المعصية والإقلاع عنها، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليها في المستقبل، من تاب هذه التوبة تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات، وقد قال ذلك سبحانه في حق من أشرك وقتل وزنا، وكل ذلك أعظم مما فعلته الأخت. قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68-71} .
وإذا تاب العبد توبة نصوحا فليحسن الظن بالله أنه لا يرد توبته ولا يضيع عمله، فإنه لا يضيع أجر المحسنين، كل ذلك مع بقاء الخوف في قلبها، فصلاح المؤمن مرهون باجتماع الخوف والرجاء في قلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/5313)
الذنوب والمعاصي من أسباب زوال النعم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطوبة وأحب خطيبي جداً جداً وهو يحبني ومتفقون على أن يبقى هدفنا بعد الزواج حب الله ورسوله وطاعتهما، ولكني غير ملتزمة كما ينبغي، وسمعت أن الله تعالى قد يحرم العبد من بعض ما يتمناه من أجل عدم فعله ما يستحق به هذا الشيء فهل خوفي من أن يحرمني الله من خطيبي فيه خطأ، وإذا أدى بي خوفي هذا إلى زيادة الاقتراب من الله وترك ما يغضبه يكون عملي صوابا ومقبولا عند الله أم لا بد أن يكون ذلك خالصاً لوجه فقط دون أسباب أخرى مما ذكرت، مع أنني بعد الزواج لن أبعد عن الله بل سيزيد قربي من الله لأن هذا ما اتفقت عليه من البداية مع خطيبي أن يعين بعضنا بعضا على الطاعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من دواعي طاعة الله والتمسك بشرعه وأداء ما أوجبه والانتهاء عما حرمه هو الرغبة فيما أعده للمحسنين والرهبة مما توعد به المسيئين المقصرين، قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر:9} .
ولذلك، فإن خوفك من أن تُحرمي من إتمام الزواج بهذا الرجل الديِّن الصالح بسبب المعصية خوف في محله، لأن الذنوب والمعاصي من أسباب زوال النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتقطع الواصل، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سبباً وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها: طاعته، وآفتها المانعة منها: معصيته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال أيضاً: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ {الأنفال:53} .
فأخبر سبحانه أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي تغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّر غُيِّر عليه، جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد.
ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها * فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطْها بطاعة رب العباد * فرب العباد سريع النقم
وقد يبتليك الله بسبب إقامتك على معصيته ببغض خاطبك لك، وانصرافه عنك إلى غيرك، وعلى هذا، فإنا ننصحك بالتوبة إلى الله مما أنت مقيمة عليه من المعاصي والذنوب، والاستعانة على التمسك بالدين والاستجابة لما أمر والكف عما نهى عنه وزجر، وإن ما ذكرتِه من أنك لا تزيدين على الصلاة والصوم فإنه لا يكفي، فما أوجبه الله على بني آدم أكثر من ذلك، ومنه: الحجاب الشرعي، وغض البصر عن الحرام، وكف السمع عن المحرمات ونحو ذلك.
وباب التوبة مفتوح، والله يفرح بتوبة عبده ويبدل سيئاته الماضية إلى حسنات، فلا تؤخري التوبة، فإن الموت يأتي فجأة، وعندها لا ينفع الندم.
هذا، وننبهك هنا إلى أشياء:
أولاً: لا يدفعك حبك لخطيبك إلى نسيان أنه بشر، فإذا بدر منه من الأخطاء ما لم تكوني تتوقعين فلا تصدمي فيه فتسقطينه نهائياً، وهذه عاقبة الغلو في الحب.
ثانياً: ينبغي أن يكون حرص العبد على إصلاح ما بينه وبين الله وإشفاقه وخوفه من فساد العلاقة معه أعظم من حرصه على العلاقة مع الناس، قال بعض الشعراء:
فليتك تحلو والحياة مريرة * وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين * وكل الذي فوق التراب تراب
ثالثاً: هناك حدود للعلاقة بين الخاطب والمخطوبة، انظريها في الفتويين: 1847، 8156.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/5314)
المعيار الذي تعرف به محبة الله تعالى لعبده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل من يبتليه الله بمرض أو خسارة أوعدم التوفيق في الدراسة يحبه أم ماذا
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضابط أو العلامة التي تعرف بها محبة الله تعالى لعبده هي توفيقه إياه لطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتيسير النوافل وأعمال الخير عليه.. وصرفه عن المخالفات الشرعية. كما جاء في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.. الحديث رواه البخاري. فهذا هو المقياس الذي تعرف به محبة الله تعالى لعبده؛ لأن الله تعالى لا يعطي الدين إلا لمن أحبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يعطي الدنيا من أحب ومن لم يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه. رواه الإمام أحمد.
وقد يصاب العبد الذي يحبه الله تعالى بالمصائب ومنغصات الحياة فيكون ذلك كفارة لذنوبه وخطاياه ورفعا لدرجاته عند الله تعالى. ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
وقد يصاب الكافر الفاجر والعاصي بالمصائب والرزايا.. ليتعظ ويعود إلى الله تعالى وليذوق جزاء بسيطا من عقاب الله تعالى في هذه الحياة مع ما ينتظره في الآخرة من العقاب، قال الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} . ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 32418، 31279، 22830.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/5315)
التحدث بالنعم وكتمانها خشية الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[أود توضيح الفرق بين قوله سبحانه وتعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} ، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره.
قال ابن العربي: إذا أصبت خيراً أو علمت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ... فهذا هو الأصل أن يتحدث المسلم بنعم الله تعالى عليه إلا إذا كان يخشى حسداً أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعاً للضرر.
قال العلماء: والأصل في ذلك قوله الله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وإن كان الأصل إظهارها والتحدث بها كما أمر الله تعالى.
وعلى هذا يحمل معنى الحديث، ويمكن أن يكون الكتمان المأمور به في الحديث قبل الحصول على الحاجة المطلوبة لمن يسعى في الحصول عليها، فإذا حصل عليها تحدث بها من باب الشكر لنعم الله تعالى ما لم يترتب على ذلك ضرر كما تقدم.
وننبه السائل الكريم إلى أن لفظ الحديث بالرواية التي صححه بها الألباني في السلسلة وصحيح الجامع: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(9/5316)
من يحول بينك وبين التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من تصله رسالتي هذه التمعن فيها لأنني فعلا محتاجة لمساعدة محتاجة ليد العون أريد من ينقذني من الغرق في بحر المعاصي قصتي باختصار (أنني عشت في بيئة كثيرة المشاكل لأسباب تافهة أو مادية00كنت فتاة هادئة أحب العزلة كنت متفوقة في دراستي إلى أن تخرجت من الثانوية اهتديت وعمري 16 سنة والحمدلله كنت محافظة على صلواتي والأذكار كل همي أن أكون من أهل الجنة والذهاب للعمرة رميت كل شيء المجلات أشرطة الأغاني وبدلتها بالقرآن وبأحاديث والكتب الدينية كنت بسعادة لا يعلمها إلا الله لأنني كنت قريبة منه سبحانه، وبعد فترة وجيزة توظفت فرحت كثيرا ولكن لم أكن أعلم أنني سوف أكون أتعس إنسانة على وجه الأرض فعند عملي اقترحت علي أمي أن أسوق سيارة لأن أبي يدخن ودائما يسب الناس بدون سبب وفعلا قدت السيارة وذهبت لبنك ربوي وأخذت قرضا (أصبح لدي سيارة ومال وكذلك الجوال الخبيث) الذي دمر حياتي بأكملها حققت لهم كل شيء أثثت المنزل لم أجعلهم يحتاجون لشيء أحسست بعدها أني أتخلى عن بعض الصلوات أصبحت أرجع للوراء شيئا فشيئا وبحكم عملي الذي أذهب إليه من الساعة 7 صباحا إلى 3 عصرا وبعد فترة من عملي اتصل لي شخص مخطئ تعرفت عليه وبعد شهر أخبرني أنه متزوج ولديه أطفال ولكن حبي له جعلني أقاوم وخصوصا أنني أعرف أن بينه وبين زوجته مشاكل وشرح لي قصته وتأكدت أكثر من أخته حيث أنها صديقة أختي في المدرسة أحببته بكل جوارحي وهو كذلك لم يطلب رؤيتي ولكن أنا التي طلبت منه ذلك لأن أخلاقه أعجبتي (نعم إنني مغفلة ولأن إهمال أهلي وضعف إيماني وفقدي للعطف والحنان فسخت الحياء) زادت العلاقه بحيث أذهب إليه في بيته وأنام معه وبحكم عملي 24 ساعة ودوامي ثابت فقط الصباح ولكن عندما يصبح عندي ظروف كنت أداوم العصر إلى الليل وأحيانا الجمعة وكنت أخصصه للذهاب إليه ويعاملني وأعامله وكأننا زوجين وفقدت أعز ما أملك ورغم هذا لم أبك أوأشعر بالندم (لاأعرف لماذا رغم أن هذه أكبر فاحشه وهي الزنا) أحس هو بغلطته وجاء لخطبتي ولكن أمي رفضت وذلك بسبب زوجته وسمعتها السيئة (وأمي لا تعرف أنني أنا أسوء منها) وبعد رد أمي أحسست أنني في دوامة لا أعرف ماذ أعمل أو أتصرف فكرت في الانتحار ولكن هذا ليس الحل 00عمري الآن 22سنة أكلت الربا00زنيت00علاقة غير شرعية00هدمت بيتا00لوثت سمعتي وسمعة هلي وخنت ديني وعصيت ربي فعلت وفعلت فهل لي من توبة وهل يغفر الله لي. أرجو منكم مساعدتي وماذا علي أن أفعل هل أترك علاقتي به وكيف أتصرف أنا لا أستطيع أن أخبر أمي أريد أن أعرف بالتفصيل ماذا علي أن أعمل 00وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري. ومن يحول بينك وبين التوبة، والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .وقال أيضاً: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء:17} . ونبشرك بأن الله يقبل توبتك إذا استوفيت شروط قبولها، فإن التوبة تمحو ما قبلها من الخطايا، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل إن التائب يبدل الله سيئاته حسنات، قال تعالى عن صفات عباد الرحمن:.. وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان: 68ـ70} . وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 5450. وعليك بقطع العلاقة فوراً مع هذا الشخص الذي ارتكبت معه الفاحشة وغيري رقم جوالك، ولا تمكنيه من الاتصال بك أبداً. والتزمي بأداء الصلاة في وقتها، واحذري تركها، فإن الله تعالى توعد تاركها بعذاب أليم، وانطري الفتوى: 6061. وتخلصي كذلك من القرض الربوي الذي أخذته لشراء السيارة إن كان ذلك ممكناً وأرجعيه للبنك المقرض، وتوبي إلى الله تعالى من التعاون مع البنك على إثم أكل الربا. واحذري التفكير في الانتحار، فإنه كبيرة من الكبائر، ولقد توعد الله قاتل نفسه بالعذاب الأليم، وانظري الفتاوى: 5671، 10397، 8012.
واسألي الله أن يشرح صدرك لما يحبه ويرضاه، وأن يتوب عليك ويغفر لك، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. وإياك أن تخبري أحدا كائناً من كان بما اقترفت فإن ذلك إثم على إثم، فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله تعالى، من أصاب من هذه القاذروات شيئاً فليستتر بستر الله ... وفتشي عن أخوات صالحات فاضلات، وانتظمي في سلكهن، فإنهن خير معين بعد الله تعالى، ففي الصحيحين وغيرهما: عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قتل تسعة وتسعين رجلا ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فَدُل عليه فسأله: هل من توبة؟ فقال: أبعد تسعة وتسعين تكون لك توبة، فقتله فكمل به مائة، ثم مكث ما شاء الله، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل عليه فسأله هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة ولكن ائت قرية كذا فإن فيها قوما صالحين فاعبد الله معهم، فأدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فبعث الله ملكا يحكم بينهم فأمر أن يقاس فإلى أي القريتين أقرب ألحق به، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة فغفر الله له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/5317)
ثمار الاستغفار وصفات من يجتنيها
[السُّؤَالُ]
ـ[تكرر كثيراً في القرآن والسنة الاستغفار وفضله، فهل يستطيع المسلم أن يستغفر الله من ذنب دون أن يتوب منه أي يستغفر من ذنب وهو لا ينوي الإقلاع عنه ولا هو نادم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستغفار عبادة عظيمة، وإن من يلهج لسانه بالاستغفار يحصل خيراً كثيرا في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-11-12} ، وقال صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 6603، والفتوى رقم: 22293.
ولكن لا ينال ثمرة الاستغفار إلا من استوفى شروطه، وهي الإقلاع عن الذنب، وعقد العزم على عدم العودة إليه، والندم على ما فرط في جنب الله تعالى، أما الذي يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على ما فات منه -فإنه كالمستهزئ بربه- بل إن استغفاره هذا يلزم منه الاستغفار!!
هذا وليُعلم أن التوبة إلى الله واجبة فورا باتفاق الفقهاء، قبل أن يفاجئ المرء الموت فيحال بينه وبين ما يشتهي، فيالها من حسرة، ولات حين مندم، وإن تأخير التوبة معصية مضافة إلى المعاصي الأولى، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: والتوبة واجبة على الفور، فمن أخرها زماناً صار عاصياً بتأخيرها، وكذلك يتكرر عصيانه بتكرار الأزمنة المتسعة لها، فيحتاج إلى توبة من تأخيرها، وهذا جار في تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات. انتهى.
ولتتدبر قوله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الزمر:54: 58} .
فكيف يصر المرء على المعصية وهو يعلم يقيناً أن الله يسمعه ويراه؟ والله إن من يجل الله حق إجلاله لا يطاوعه قلبه لذلك البتة، ثم إن هذا المصر على المعصية ألا يستحي من الله؟ فكيف يكون خير الله نازلاً، والمصر على المعصية قبائحه صاعدة إليه، فملك ينزل بهذا وملك يعرج بهذا، فأقبح بها من مقابلة!! ثم ألا يخشى المصر على المعصية من غضب الله وانتقامه؟ فإن الله تعالى إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، قال الله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج:12} ، وكيف لعاقل أن يبيع إيمانه بشهوة تذهب لذاتها وتبقى تبعاتها؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ...
وإن من يقع في الحرام يفوت على نفسه ما يعوض الله به من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40-41} ، وإن كان الله مع جميع خلقه بعلمه وسمعه وبصره، فإن له معية خاصة لمن تمسك بدينه، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:128} ، فكيف يفرط المذنب المصر على المعصية بمعصية الله الخاصة له؟! فالحذر الحذر من الإصرار على المعاصي، والبدار البدار بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(9/5318)
الإسراع بالتوبة من الكبائرهربا من الوعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أدرس في دولة غربية تعرفت على فتاة من هذه البلاد أحببتها وكانت تبلغ من العمر 16 سنة قبل أن تبلغ سن 17 زنيت بها فحملت قالت لأمها بعد ذلك وكنت أريد أن أتزوجها لكن أمها أصرت أنه إذا أردت الزواج أن أتنصر والعياذ بالله ولكن هذه الفتاة اتفقت معي أن نقوم بتمثيلية أمام أمها في الكنيسة ثم بعد ذلك نذهب إلى مسجد المدينة من ثم إلى محكمة الزواج فذهبت إلى هناك ظنا مني أنني أحمي طفلي من أن يعيش في بيئة نصرانية وأنا أقول لها إن هذا حرام وأنا لا أستطيع، وكنت أقول في نفسي ربما لا يكون هذا كفرا فأنا مغصوب فذهبت أول مرة ولم أطق حيث طلب مني القس تقبيل الصليب فكرهت ذلك وشعرت أن الشيطان أوقع بي وكان ذلك آخر أيام رمضان وبدأت أشرح لهم أن الله هو ربي ورب كل شيء ثم خرجت ولم أفعل شيئاً ولكن الفتاة غضبت وقالت مرة واحدة ثم نذهب للمسجد فذهبت في اليوم التالي وكنت قد دعوت ربي أن يجعل لي مخرجا من الكفر وفي المرة الثانية عندما طلب مني تقبيل هذه الأشياء بدأت أقبل في الهواء ليظنوا أني أقبل أشياءهم وقاموا بعد ذلك بعملية تزويجنا على طريقتهم ثم خرجت بعد ذلك من هناك كارها نفسي والفتاة والجنين وكل شيء لا يحبه الله وبعد يوم عرضت عليها أن تجهض الجنين فرفضت وبدأت ألح عليها وبدأت تبكي فطردتها من البيت هي وأمها وذهبت إلى، وقلت له إني مسلم وأجبرت على القيام بذلك فهدأت نفسي قليلاً بعد ذلك ثم بدأت أبحث عنها لنتزوج في المسجد فرفضت العودة معي لأني طلبت منها أن تجهض وبدأت السهر وشرب الخمر ولم أكن أفعل ذلك من قبل وبعد ذلك أردت أن أتوب فبدأت أصلي وأقرأ القرآن ولكني ما زلت أحب هذه الفتاة ولكنها سافرت مع أمها إلى مدينتهم الأصلية ثم وضعت فتاة وبعد شهرين قتلت أمها فطردها أبوها مدمن الخمر من البيت مع الجنين فذهبت إلى أختها لتعيش معها وأختها فقيرة وهناك تعرفت على آخر فعرض عليها الزواج وهي الآن تعيش معه وهو سيتبنى الطفلة، هل أنا كفرت، ماذا علي أن أفعل، من هي الطفلة بالنسبة لي، ماذا أفعل كي يحبني الله ويغفر لي هذه الذنوب ويستجيب دعائي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد استدرجك الشيطان وأوقع بك مرات ومرات في موبقات ومهلكات أعظمها وأشدها طاعتك له ولها بالذهاب إلى الكنيسة لتبيع دينك بثمن بخس وعرض من الدنيا قليل حتى خرجت أو أوشكت على الخروج من ملة الإسلام والدخول في دين النصارى بأفعال تناقض دينك وتهدم إسلامك وإيمانك، في حين لم تكن مكرها على عملها، وليس لك عذر في فعلها، فتب إلى الله من هذا الفعل الخطير، وتب كذلك من بقية الكبائر الموبقة التي ارتكبتها من زنا ومحاولة إجهاض (قتل) وشرب خمر فإن هذه من كبائر الذنوب بل هي أعظم الكبائر، فقد ثبت في الصحيحين أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُون.
وتوعد من فعل هذه الأعمال بوعيد تكاد تنخلع منه القلوب بقوله في تتمة الآية: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان:69} ، فعليك بالإسراع بالتوبة هربا من هذا الوعيد وطلبا لما وعد به سبحانه من تاب إليه عن هذه الأعمال وأناب بقوله في آخر الآية: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان:70-71} ، وإياك والتسويف في التوبة فإن باب التوبة مفتوح ما دامت الروح في الجسد والموت يأتي بغتة ولا يقبل الله توبة عند الموت، كما قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء:17-18} .
وأما الطفلة من الزنى فتنسب إلى أمها ولا تنسب إليك ولا يترتب عليك أي حقوق تجاهها لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسا، وما دامت الأبوة الشرعية معدومة فكل ما يترتب عليها معدوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(9/5319)
تزيين الشيطان وتلبيسه على الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على الحبيب المصطفي.
ماهي طرق تزيين الشيطان للأعمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذرنا الله من عدونا الشيطان، فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر: 6} . وقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يس: 60} .
وأخبرنا سبحانه بأنه يرانا حيث لا نراه فقال: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ {الأعراف: 27} .
وأمرنا سبحانه أن نأخذ حذرنا منه، وأن ننتبه لمكره وكيده وتلبيسه على بني آدم وتزيينه الكفر والمعاصي.
هذا، ولقد جمع الإمام أبو الفرج ابن الجوزي طائفة من طرقه التي لبس بها على بني آدم حتى اتبعوه، وذلك في كتابه "تلبيس إبليس" وكذلك فعل الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، حيث ذكر بعض الطرق التي يصيد بها الشيطان بني آدم ويغويهم بها، فنحيلك على الكتابين ففيهما بغيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/5320)
أهل الله وخاصته
[السُّؤَالُ]
ـ[كلمات وردت في جميع آيات القرآن بمعنى واحد عدا آية واحدة جاءت هذه الكلمات بمعنى مختلف عدديهم؟
من هم أهل الله وخاصته؟
جزاكم خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الله تعالى وخاصته هم أهل القرآن الكريم. فقد روى النسائي وابن ماجه وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله أهلين من الناس، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. صححه الألباني.
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد إلى أهل مكة فقال: أتدري إلى أين بعثتك؟ بعثتك إلى أهل الله.
وفي سنن البيهقي مرفوعا: إن عمار بيوت الله هم أهل الله عز وجل.
وعلى ذلك، فأهل الله وخاصته هم أهل القرآن خاصة، وتطلق أهل الله على أهل مكة وعلى عمار بيوت الله تعالى، هذا عن جواب الشق الأول.
وأما الشق الثاني، فنعتذر عن الإجابة عليه، لأنه من أسئلة المسابقات أو الألغاز، ونحن لا نجيب على هذا النوع من الأسئلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/5321)
من عمل عملا بنية غير التي بني عليها الثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيخ الفاضل.........
هل يثاب الإنسان على عمل إذا عمله بنيةٍ غير النية التي بني عليها الثواب؟ مثال على ذلك هو قراءة سورة الإخلاص عشر مرات فثوابها هو بناء بيتٍ في الجنة فما قولكم في من يقرؤها في صلاته عدة سنوات دون أن يعلم هذا الثواب؟ فهو يقرؤها لأنها من قصار السور وقراءتها سريعة ولأنه أيضاً لا يحفظ الكثير من القرآن فهل يثاب ببناء بيتٍ له في الجنة؟
وهناك أمثلة غير ذلك لأعمال نعملها دون معرفة ثوابها وأثابكم الله.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه أحمد عن معاذ بن أنس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة. فقال عمر ابن الخطاب: إذن أستكثر يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: الله أكثر وأطيب. حسنه الألباني.
فالظاهر من الحديث أن قراءة سورة الإخلاص بهذا العدد تكون خارج الصلاة، فمن قرأها على هذا النحو حصل على ذلك الثواب. إن شاء الله.
أما قراءة السورة في الصلاة فهي من سنن الصلاة، ولها ثوابها الخاص، ويختلف ثوابها باختلاف نية القارئ، فمن يقرؤها ويواظب عليها لأنها تعدل ثلث القرآن، وفيها صفة الرب تعالى، فثوابه يختلف عمن يقرؤها لأنها من قصار السور وقراءتها سريعة، لأن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه كما قال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه عن عمر بن الخطاب.
وعليه، فمن عمل عملاً بنية غير التي بني عليها الثواب، فإنه لا يثاب على العمل الثواب المحدد له، وإن أُجر من وجه آخر.
أما إن عمل العبد عملاً يريد به وجه الله من غير أن يعلم الثواب المترتب عليه، فإنه يكتب له الأجر إن شاء الله لأنه فضل الله ووعد منه سبحانه فلا يتخلف، قال تعالى: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ {التوبة:111} . وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً {النساء:122} .
وذلك مثل من التزم الأوراد اليومية ابتغاء وجه الله واتباعا للنبي صلى عليه وسلم كتب له الثواب وإن جهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(9/5322)
الخواطر الرديئة في الصلاة ينقص أجرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أطرح عليكم مشكلتي وأفيدونا أثابكم الله؛ مشكلتي هي أنني عندما أصلي تسرح مخيلتي في أشياء محرمة ويبقى تفكيري منشغلا في الحياة الجنسية وأشعر دائما وكأنني أزني في النساء أو أنني أمارس الاستمناء باليد وتسرح بي مخيلتي حتى في أثناء نومي وحلمي في هذه الأشياء التي ذكرتها لكم وأرجوا منكم أن تفيدونا في أقرب وقت ممكن
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود الخواطر الرديئة في الصلاة مما ينقص أجرها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها. رواه الإمام أحمد وصححه الحافظ العراقي، وانظر الفتوى رقم: 3493.
هذا، وإن الاسترسال مع هذه الخواطر الرديئة قد يؤدي إلى العزم على فعل الخطيئة وعقد القلب على ذلك فتأثم، فينبغي قطعها بمجرد ورودها وعدم الاسترسال معها.
والمسلم ينبغي أن تكون همته عالية ومنصرفة إلى ما فيه نفعه في الدنيا والآخرة، ومما يعين على ذلك طلب العلم والدعوة إلى الله، واتخاذ رفقة صالحة تعين على الخير.
كما ننصحك بتعجيل الزواج إن كان ذلك متاحا، وإلا، فعليك بالصوم، فإنه يعدل من الشهوة ويضبطها. قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
ومما ينبغي التنبه له أن فعل العادة السرية محرم في الشريعة المطهرة، وانظر الفتويين 1087، 7170،.
وانظر للفائدة عقوبة الزاني في الفتاوى: 1602، 26511، 16688.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(9/5323)
محبة الأثر المترتب على العمل لا تنافي الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي في الإخلاص لله تعالى وهو هل إذا أراد الإنسان من عمله أشياء يحث عليها الإسلام من صلة رحم أو رضا الوالد أو تحسين صورة المسلمين عند غير المسلم أو إدخال السرور على قلب صديق، فهل في ذلك شرك في نية الإخلاص لله تعالى، وهل إن وجد الإنسان أن نتيجة عمله الخير هي الجحود واللامبالاة فأصابه الهم وصدم في ردود فعل الناس، فهل يكون بذلك غير مخلص في نيته ووضع ضمن من ينتظر الشكر من الناس على الخير، وماذا لو تكررت تلك المواقف وتكررت شكواه من هؤلاء الناس، فهل هو آثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن ينوي عند ابتداء كل عمل صالح مرضاة الله عز وجل ونيل ثوابه وهذا هو الإخلاص الذي يقوم عليه قبول العمل عند الله عز وجل، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء {البينة:5} .
وإذا أحب المسلم الأثر المترتب على هذا العمل الصالح فإن هذا لا ينافي الإخلاص، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في بعض الأعمال الصالحة بذكر آثارها الدنيوية التي تحبها الأنفس مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ في الفتح: ويستفاد منه جواز هذه المحبة خلافاً لمن كرهها. انتهى.
وقولك: (هل إن وجد الإنسان أن نتيجة..... إلخ) جوابه هو: أنه إذا أخلص المسلم العمل لله ابتداءً ثم وجد ضيقاً وهماً إذا قوبل عمله بالجحود فلا حرج عليه إن شاء الله وهذا لا ينافي الإخلاص لأن النفس مجبولة على كراهية الظلم ومن أعظم صنوف الظلم وأبشعها مقابلة الإحسان بالإساءة.
ولكن لا ينبغي لمن قوبل إحسانه بالإساءة وجميله بالنكران، لا ينبغي له أن يقطع الإحسان والمعروف لما رواه مسلم في صحيحه أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل -أي كأنما تطعمهم الرماد الحار- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(9/5324)
التشبه بالصحابة في الخوف على النفس من النفاق والمعاصي أمر محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[يشكو الصحابة رضوان الله عليهم من ذنوبهم عند الموت ويطلبون من الله المغفرة وهم أشد الناس تعظيما لأوامر الله والبعد عن معاصيه فما هي ذنوبهم التي يخافون عقباها على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر بعضهم بالجنة وبعضهم بالصلاح وبعضهم بالنجاة من النار فمن أي شيء يخافون بعد هذا وهل يمكن أن أكون مثلهم إذا التزمت بأوامر الله وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على درجة عالية من المعرفة بالله تعالى والخوف منه والرجاء له والتقوى والورع والحس المرهف.
فكانوا رضوان الله عليهم يخافون من الوقوع في النفاق ويخافون من الوقوع في المعاصي والأعمال التي تحبط العمل.
فهذا ثابت بن قيس الأنصاري – رضي الله عنه- عندما نزل قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول..الآية
جلس في بيته حزيناً منكس الرأس، وكان رضي الله عنه رفيع الصوت فصيح اللسان فخاف أن تكون الآية نزلت فيه فيحبط عمله، فلما فقده النبي صلى الله عليه وسلم سأل عنه أو أرسل إليه فأخبر بخبره فقال صلى الله عليه وسلم " بل هو من أهل الجنة " والقصة في الصحيحين وهذا لفظ مسلم.
وهكذا كان غيره من الصحابة فكانوا كلهم يخافون من أن تحبط أعمالهم أويتخلقوا ببعض صفات المنافقين، فكان الرجل منهم يؤتى به إلى صلاة الجماعة يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف خشية أن تكون فيه صفة من صفات المنافقين وهي التخلف عن صلاة الجماعة.
وقال ابن أبي مليكة التابعي الجليل: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، وقال الحسن عن النفاق: ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق.
فكل ما كان العبد أعرف بالله تعالى وبدينه كان أخوف منه وأتقى له، وأخوف الناس من الله تعالى وأتقاهم له هم الأنبياء، وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى المسلم أن يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم ويسدد ويقارب، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً والمرء مع من أحب كما صح بذلك الحديث المتفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(9/5325)
تدابير معينة على الثبات على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[الشكر الجزيل على هذا الموقع، استفساري هو أنني قمت بمعصية سألت الله أن يغفرها لي، فكرت في ارتداء الحجاب الحقيقي لذلك إن كان أمكن إفادتي بكل ما بوسعه مساعدتي بإذن الله في التقرب إلى الله ويحول دون رجوعي إلى الماضي ولكم مني جزيل الشكر، جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة قبل الممات، ونبشرك بأن التوبة تمحو ما قبلها من الذنوب. قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له حسنه الحافظ ابن حجر، بل إن الله يتفضل على عبده التائب ويبدل سيئاته حسنات.
ولمزيد بيان انظر الفتاوى 16907، 10747، 4603.
وانظري شروط التوبة النصوح في الفتوى 9694.
وللثبات على طريق الهداية عليك أن تسألي الله أن يقوي إيمانك، وأن يثبت قلبك على دينه، والزمي رفقة صالحة من الأخوات الفاضلات الصالحات، فإنك إن نسيت ذكرنك، وإن ذكرت أعنك، وانظري الفتوى 10800.
وأدمني القراءة في المصحف، وتدبري كلام الله، وانشغلي بطلب العلم النافع، واستمعي لدروس العلماء والدعاة عبر الأشرطة المسجلة، وأكثري من فعل الصالحات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولمزيد من التدابير المعينة على الثبات انظري الفتوى رقم 3792.
هذا ولمعرفة صفة الحجاب الشرعي انظري الفتاوى 6745، 4470، 1111..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(9/5326)
من حق المظلوم أن يخبرعن ظلم ظالمه ويدعو عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتعامل مع من يسيء إلينا. فمسؤولي في العمل يظلمني ويحرمني أنا وبعض الزملاء من حقوقنا، وفي المقابل يعامل الباقي بالحسنى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ينبغي لكم فعله تجاه هذا المسئول هو النصيحة والموعظة وتذكيره بالله عز وجل عسى أن يعود إلى جادة الحق، ويحسن إلى من تحت ولايته، ويحكم بينهم بالعدل الذي أمر الله به جميع الناس. قال تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {المائدة: 8} .
فإذا لم يستجب فلكم أن تتظلموا إلى من ينصفكم، وأن تدعوا على من ظلمكم. قال تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء: 148} .
قال البغوي: يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه. ا. هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(9/5327)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 22 لا أصلي وأفعل كل شيء يغضب الله مني مثل الزنا واللواط والمشي مع البنات، وأفعل كل شيء، وأريد أن أتوب توبة نصوحاً لله، كيف أتوب، ويتقبل الله مني التوبة، وهل لو تزوجت ينصلح حالي، أفيدوني أفادكم الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك المسارعة بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، فالموت يأتي بغتة، فاترك الزنا وغيره من الكبائر، وانظر عقوبة الزنا في الفتوى رقم: 26511، والفتوى رقم: 16688، وعقوبة اللواط في الفتوى رقم: 1869.
وأقم الصلاة لوقتها واحذر تركها، وانظر عقوبة تارك الصلاة في الفتوى رقم: 6061، واندم ندماً شديداً على ما فرطت في جنب الله، واعزم عزماً أكيداً على عدم العودة لما كنت فيه من الغي والضلال، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 9694.
هذا، ونبشرك بأن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل إن الله يبدل سيئات التائب حسنات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وانظر الفتوى رقم: 1882، والفتوى رقم: 3184.
وننصحك باستماع محاضرة بعنوان (توبة صادقة) للشيخ/ سعد البريك، تجدها على موقع طريق الإسلام (على الإنترنت) www.islamway.com، هذا ولا شك أن الزواج من أهم الأسباب المعينة على العفاف وحفظ الفرج، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
وعليك باختيار الزوجة الصالحة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته، أو حفظته في نفسها وماله. رواه ابن ماجه.
كما ننصحك أن تتخذ رفقة من الصالحين يعينوك على فعل الخيرات ويذكروك إذا نسيت، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(9/5328)
الخوف على النفس من النفاق من هدي السلف ولكن بغير يأس أوقنوط
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ: من فترة أصبحت أعاني من عدم التركيز والنسيان وعدم التفريق بين ما هو صحيح وخاطئ لدرجة أنني أشعر وكأن هناك فراغا في رأسي لا أستطيع التفكير في أي شيء لا أعرف ما الذي يجب أن أفعله أو لا أفعله، تجدني يوما ذاكرتي قوية، وأياما لا أستطيع تذكر في أي يوم نحن، ثانيا: عندما أقرأ القرآن وخاصة آيات الوعيد والآيات التي تتحدث عن المنافقين والكفار أشعر وكأن هذه الآيات عني أنا أرجو سرعة الرد وأنا في حيرة تامة، أدعو الله أن يغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وسدد الله خطاكم لما في الخير ويرضاه؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح السائلة الكريمة بتقوى الله تعالى والمحافظة على أوامره والابتعاد عن نواهيه، كما نوصيها بالمحافظة على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أذكار الصباح والمساء والخروج والدخول ... ولا بأس أن تستعمل الرقية الشرعية إذا كانت تخشى من أن تكون مصابة بالعين أو السحر.. كما ننصحها بزيارة الأطباء المختصين وعرض ما تشكوه عليهم لاحتمال أن يكون مرضا عضويا أو نفسيا.
وأما عن السؤال الثاني: فإن شأن المسلم إذا قرأ كتاب الله تعالى أن يتدبره وإذا مر بآية رحمة سأل الله تعالى ورجاه.. وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله تعالى وخشي عقابه، وإذا مر بصفات المنافقين والكفار خشي من ذلك واستعاذ الله تعالى منه، وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وكانوا يخافون على أنفسهم من النفاق ... فقد نقل الحافظ في الفتح وغيره عن المعلى بن زياد قال: سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو يخاف من النفاق ... وما أمنه إلا منافق وما خافه إلا مؤمن ...
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ...
وعلى هذا فتدبر آيات القرآن الكريم ومعرفة أوصاف الكفار والمنافقين والخوف منها ... ظاهرة صحية، وصفة محمودة ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، ولكن خوف المسلم يجب أن لا يدعوه أو يوصله إلى حد اليأس والقنوط بل يجب أن يكون متوازناً مع الرجاء، فهما بالنسبة للمسلم كالجناحين للطائر لا يستغني بأحدهما عن الآخر، نسأل الله تعالى لنا ولك القبول والثبات والشفاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1425(9/5329)
أحاديث الصداقة وأحكامها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أحاديث عن الصداقة فأين يمكنني أن أجدها لأنني في المدرسة وطلبت مني المعلمة إحضار بعض الأحاديث النبوية عن الصداقة؟؟!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المراد بالصداقة الصداقة بين الأخوات الطالبات ومحبة بعضهن بعضا في الله فإنه يمكن الحصول على أحاديث في هذا المجال في "رياض الصالحين"، فقد بوب المؤلف فيه على الحب في الله، ومثله "صحيح الترغيب والترهيب"، وكلاهما مطبوع وموجود في الإنترنت.
وقد سبقت لنا فتاوى تتضمن بعض الأحاديث في ذلك، فراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 52433، 36998، 36991، 30426، ويمكن الاطلاع على أحكام الصداقة عموما عند البحث عن كلمة الصداقة في الفتاوى السابقة بمركز الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(9/5330)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على سؤالي هذا: إذا أذنب العبد ذنبا وكان هذا الذنب من الكبائر (السحاق) ثم تاب توبة نصوحة وندم ندما شديداً واستغفر الله ولكن بقيت تراوده المخاوف من عقاب الله وأن توبته غير مقبولة لفداحة الذنب الذي ارتكبه وبقيت تراوده كلمة إن (الله يمهل ولا يهمل) فهل معنى هذا أن الله آجلا أم عاجلا سيعاقب المذنب حتى بعد توبته وأنه مهما أمهله وحقق له أمنياته فسوف يعاقب على ذنبه، وهل صحيح أن العقاب يكون من جنس العمل المرتكب أي من نفس الذنب المرتكب سواء به أو بأي أحد يقرب له حتى بعد التوبة الصادقة؟ أرجو الإجابة، وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يقبل توبة من تاب من الذنوب توبة نصوحا مهما كانت الذنوب إذا استوفيت شروط التوبة، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى:25} ، وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، كما يدل له ما في حديث مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما في حديث الترمذي: أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وعلى التائب أن يبتعد عما يجره للرذيلة من أصدقاء السوء ومن المثيرات وأن يكثر من الأعمال الصالحة، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} ، وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} .
وأما مقولة أن الله يمهل ولا يهمل فهي صحيحة المعنى ولكنها في حق المصر على المعاصي ويدل لصحتها قول الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {إبراهيم:42} ، وقوله تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى {فاطر:45} ، وفي حديث مسلم: أن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته.
ولكن من تاب إلى الله توبة نصوحا فإن المأمول من الله أنه يعفو عنه ويتقبل توبته ويرحمه ويبدل سيئاته حسنات، وأما كون العقاب من جنس الذنب فهذا قد يقع في بعض الذنوب دون بعض وقد لا يقع أصلاً، فقد يبتلى العاق بعقوق أبنائه له وقد يبتلى الزاني بخيانة أهل بيته نعوذ بالله، ولكن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في حديث ابن ماجه وحسنه ابن حجر.
فمن نتائج غفران الله له أن يسلم من العقوبة في الدنيا والآخرة، ويدل لهذا أن الله منع السلطان من التعرض للمحاربين والبغاة إذا تابوا إلى الله تعالى، قال الله تعالى في شأن المحاربين: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:34} ، وقد ذكر أهل العلم أن من مستلزمات العلم بمغفرة الله ورحمته المذكورين في الآية أن لا يعاقب هؤلاء بعد التوبة، وراجعي في حرمة السحاق وفي قبول التوبة وشروطها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9006، 15483، 26965، 29785، 35478، 8424، 21210، 1836، 9024، 19031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(9/5331)
الاستغفار بمجرده لا يكفي لتحقيق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل إن وقع الفرد في الشرك الأصغر هل عليه أن يقوم بالاستغفار فقط أم يجب عليه الغسل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرك الأصغر مثل الحلف بغير الله أو التطير تجب فيه التوبة، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} .
وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود، فهي أخص من الاستغفار المجرد، قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: أما الاستغفار فقط فليس أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصر والتائب ... وحد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم ألا يعود إليه والإقلاع عنه، والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك. انتهى.
أما الاغتسال فلا يجب عليه لأن الشرك الأصغر ليس مخرجاً من الملة، ومن أوجب الغسل للإسلام من الفقهاء كأحمد ومالك وابن المنذر وأبي ثور وابن حزم أوجبوه على المرتد إذا أسلم كما في المغني لابن قدامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/5332)
فضل من انصرف عن امرأة راودته عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أتوب إلى الله كنت قد تغزلت بامرأة، سؤالي هو: لو أنها أتت أو اتصلت بي وراودتني عن نفسي ولو بتلميح الكلام وصددتها، فهل تنطبق علي شروط الرجل الذي يظله الله في ظل العرش؟ جزاكم الله عني خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة قبل الممات، فإن الموت يأتي بغتة، والمرء لا يدري بم يختم له، ونبشرك بأن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وانظر شروط التوبة في الفتوى رقم: 9694.
هذا وإننا لنرجو أن تكون ممن يشملهم حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وانظر الفتوى رقم: 9474.
إلا أنه يجب عليك أن تقطع علاقتك بهذه المرأة، وينبغي أن لا تكلمها، فإن الإنسان خلق ضعيفاً، وقد تزل قدم بعد ثبوتها، وعندئذ لا ينفع الندم، وننبهك إلى أن لفظ الحديث الصحيح هو: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وليس ظل العرش.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/5333)
هل تذكر الذنب بعد التوبة ينقضها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلام والسلام على سيد الغر الميامين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
أود في البداية أن أتقدم بالثناء على هذه المجهودات فجزاكم الله خير ونفع الله بكم الأمة الإسلامية
وأني والله أحبكم في الله وجزاكم عنا ألف خير لما قدمتموه لنا من فتاوى وردود كنا في حيرة وغبطة رغم أن بعضها لم يرد الإجابة عنها فعندي شيخنا الفاضل سؤالان وطلبان:
السؤال الأول: بعد سمعنا فتاوكم بالتوبة من الأخطاء والرجوع إلى الله وهي الإقلاع عن المعصية والندم عليها وعدم العودة إليها ورد المظلمة إلى أهلها ولكن عندما أجلس مع نفسي أجدها تفكر في الماضي وتتخيل بعض المواقف وأجد نفسي أسترجعها وأفكر فيها ولكن أستغفر الله وألجم نفسي وأذكرها بالتوبة فهل في هذا خلل في التوبة أي أن توبتي ليست نصوحة؟ مع العلم والله أنهها. وطلبي الأول بأن تدعو لنا يا شيخنا بالتخصيص وأن لا تنسونا من دعائكم.
وخاصة في إفطاركم في رمضان بأن يتوب الله علينا ويهدينا ويثبتنا ويرزقنا الهداية والإسلام ويجعلنا صالحين ومن ذريتنا أمة مسلمة وأن يجعلنا على الطريق الصحيح ويشد الله من أزرنا ويمنحنا العافية ما حيينا بارك الله فيكم وسدد خطاكم والله أننا محتاجون لدعائكم فهذا طلبنا بالتخصيص في دعائكم
أما سؤالنا الثاني: شخص له مرتب ينزل كل شهر ويتركه في المصرف فهل يزكي عليه الآن سنتان والمرتب 155 دينار يعني بعد سنة 155*12=1860دينارا
والطلب الثاني أنني أود طبع بعض الفتاوى ووضعها في مذكرة وتوزيعها على بعض الطلبة من الجنسين لأني مدرس من باب الدعوة فهل يحق لنا.
ننتظر ردكم بارك الله فيكم
أخوكم الفقير الي الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تذكر الذنب لا ينقض التوبة، لأن الله تعالى تجاوز عن حديث النفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي بما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل. متفق عليه عن أبي هريرة، وقد يحمد إن صحبه انكسار وندم واستغفار.
ولكن احذر، فإن تذكر الذنب بين الفينة والأخرى والتفات القلب إليه قد يجعل الإنسان يحن إلى الذنب، فلابد في هذه الحالة من نسيان الذنب أو تناسيه وقطع الاسترسال في تفكره.
قال ابن الجوزي: إنك إذا اشتبك ثوبك في مسمار رجعت إلى الخلف لتخلصه، وهذا مسمار الذنب قد علق في قلبك أفلا تنزعه ... انزعه ولا تدعه بقلبك يغدو عليك الشيطان ويروح، اقلع الذنب من قلبك. اهـ
قال ابن تيمية: فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب فهذه التوبة النصوح. اهـ من مجموع الفتاوى.
فإذا غلبك تذكر الذنب فاجعله منطلقاً لتصحيح وتجديد التوبة النصوح بالاستغفار والأعمال الصالحة، وهناك بعض الأمور التي تعين المرء على نسيان الذنب منها هجر أماكن المعصية، ومصاحبة الأخيار، والانشغال بالطاعات، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
2/ فإن الراتب ليس فيه زكاة حتى يبلغ النصاب بنفسه أو بما انضم إليه من مال آخر من ذهب أو فضة أو نقود أو عروض تجارة ويحول عليه الحول، وأما مقدار النصاب فهو ما يساوي عشرين مثقالاً من الذهب أي (85 جراماً) و 595 جراماً من الفضة فيزكيه عند تمام الحول منذ تمام النصاب، وما جاء من الرواتب بعد بلوغ النصاب، فقد بينا كيفية إخراج زكاته في الفتوى رقم: 20603. فراجعها.
وننبه السائل إلى أنه يجب عليه عدم التعامل مع المصرف إن كان ربوياً ومحاولة البحث عن مصرف إسلامي، فإن لم يتيسر واضطر إلى وضعه في بنك ربوي فليكن في حساب جار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1425(9/5334)
فاقد العقل إذا أحرق نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[عنيد سؤال قرأت في كتاب اسمه (سراب الحب) قصة حيقيقة عن امرأة تعرفت على رجل وأحبها وطلب منها السماح له بزيارتها فلم تستجب له فعمل لها سحراً فأصيبت في عقلها وكرهها أهلها ولم يتزوجها الرجل الذي تعرف عليها ثم كتبت قصتها في رسالة وأحرقت نفسها فهل تعتبر منتحرة أم لا تعتبر منتحرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه المرأة إن كانت أحرقت نفسها وهي في حالة الوعي، فإنها تعتبر منتحرة.
أما إن كانت فاقدة العقل لا تعي شيئاً، فإنها لا تعتبر منتحرة لأ ن الله رفع القلم عن المعتوه حتى يعقل.
ففي الحديث: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
ثم إنا ننبه إلى أن هذه المرأة قد أفضت إلى ما قدمت، والله حسبيها فيما عملت، وعلينا نحن أن نتعظ من هذه الحادثة ونحرص على تحصين بيوتنا وشبابنا من تعارف وتواصل الأجانب، ولنعلم أن حل مشاكل من ابتلي ليست في الانتحار، وإنما تحل المشاكل بالالتجاء إلى الله، وبالصبر والدعاء والتوبة النصوح والإكثار من الأعمال الصالحة.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10397، 5671، 34261، 578.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(9/5335)
يقبل الله توبة العبد ما لم يغرغر
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد:
هل تقبل التوبة من إنسان مدمن على الخمر حين سمع من طبيبه أنه سيموت بسبب شرب الخمر، فقد خطب خطيب في خطبة الجمعة بهذا، أفيدونا؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة مقبولة إن شاء الله تعلى ممن أتى بها كاملة الشروط قبل معاينته الموت إذا كان مخلصا صادقاً مهما كانت ذنوبه قال الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء:17} ، وقال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى:25} ، وقال صلى الله عليه وسلم: أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وراجع الفتوى رقم: 1882، 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(9/5336)
يقبل الله توبة الزاني إذا صدق وكانت توبته نصوحا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة في الثلاثين من العمر كنت في سن العشرين أثناء الكلية على علاقة بشاب وقد أحببته كثيراً وقد حدثت بيننا خلوه أرتكبت معه ذنبا كبيراً مع العلم أنني لم أفرط في شرفي بمعنى أنني لم أرتكب الزنا كاملا وحافظت عل نفسي بعد ذلك علمت أنه على ارتباط بفتاة أخرى بعد ذلك تزوج بها ولقد عانيت فترة كبيرة حتى أنساه بعد ذلك تقدم لي عريس أخر على خلق ومستوى اجتماعي جيد وقد وافقت عليه وتم الزواج وعشت معه حياة سعيدة وكان هذا الشاب على اتصال بي فقط لكى يطمئن علي ولأنه حاسس بالذنب تجاهي لأنه كان على اتفاق مع الفتاة التي تزوجها ومع أهلها قبل أن يتعرف علي فى الكلية ولكني بعد ارتباطي بهذا العريس تحجبت وألتزمت وتزوجته وأنجبت طفلا وتبت إلى الله وشكرته على كل هذه النعمة وكنت أقيم الصلاة والصيام وتقربت إلى الله وبعد مرورعامين سافر زوجي للعمل في دولة من دول الخليج وطلب مني أن أقيم عند والدتي طوال سفره لمدة عامه الأول على أن يرتب لنا الحياة الكريمة والمسكن وكان هذا الشاب على اتصال بي ولكني لم أخبره عن سفر زوجي حتى لا أضعف وأن يطلب مني أن أقابله وبعد فترة أخبرته لأنه عرف من كلامي أني أخفيت عليه أن زوجي مسافر وطلب مني أن أراه وفعلا قابلته ولكني ضعفت ووقعت معه فى الخطيئة لأن الزنا وأنا متزوجة ذنب كبير عن ما فعلته أثناء الكلية قبل أن أتزوج أنا أعرف أن هذا حرام كبير ولكن أنا لا اعرف ماذا أفعل لأني ضعيفة أمام هذا الشاب ولا أستطيع أن أقول لا أنا أثناء سفر زوجي تعرضت لمواقف للرجال سواء في مجال العمل أو الأسرة أو المنطقة لكي يكونوا معي علاقات آثمه كان وراءها أغراض سيئة وطمع في لأنني متزوجة وزوجي خارج البلد لكني كنت أرفض بعنف وألوم عليهم طلبهم مني لإقامة علاقة آثمه معهم ولقد جاءت علي فترة كرهت فيها نفسي والحياة وبعد مرور10 أشهر من السنة ولقد اقترب موعد وصول زوجي أحسست بذنب كبير تجاهه وأحسست بخجل من الله على ما فعلت من ذنب وندمت وتبت إلى الله توبة نصوحا وطلبت منه العفو والمغفرة لأنني كنت قد تبت قبل ذلك وندمت لأنني رجعت إلى هذا الذنب مرة أخرى وأنا الآن قد سافرت مع زوجي إلى دولة الخليج ولكني غير قادرة على أن أنسى هذا الذنب ولا قادرة أكمل توبتي أمام الله كل ما ألتزم في حياتي أحس انني مذنبة وغير راضية عن نفسى وأحس أنني أخدع زوجي لأنه متمثل في الطهارة والشرف وأنا والله من غير هذا الذنب إنسانه جيدة ملتزمة في ملابسي ومن عائلة كريمة وأقيم الصلاة وعلاقتي بكل الناس جيدة وعمري ما أسأت إلى أحد لولا هذا الذنب ولأنني ضعفت أيضا لأن زوجي سافر لمدة عام كامل ولذلك ضعفت السؤال الآن: وهو ليس بسؤال هى مساعدة إنسانية:
اتمنى أن يهدأ الرد نفسي ويساعدنى على هذه المحنة فأنا دائمة البكاء لعدم الرضا عن النفس وأتمنى الموت لأنني غير قادرة على خداع زوجي أكثر من ذلك وأنا ربنا سترني غير قادرة أن أحكي لأحد لكي يساعدني على أن أرجع لنفس الحياة السعيدة مرة أخرى من فضلكم ساعدونى أنا تائبة إلى الله لكن في أوقات أفكر في الذنب أرجع عن طريق الهداية بعد أن هداني الله وحياتي غير مستقرة لا أدري ماذا أفعل؟
من فضلكم يرجى الرد علي في أسرع وقت حتى أقبل على رمضان بقلب مطمئن.
وجزاكم الله عن مساعدتى خيراً. ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن اختلاءك بهذا الرجل الأجنبي، وممارستكما للزنا من أشنع المحرمات، وأعظمها قبحاً، ويزداد قبح الزنا وتغلظ عقوبته في حق المتزوج أكثر من غيره، لكن نحمد الله واحمديه أن منّ عليك بالتوبة، واعلمي أن من لوازمها قطع الصلة بهذا الشاب أو غيره من الرجال الأجانب، والندم على ما فات، وعقد العزم على عدم العود إلى مثل هذا الذنب، فإن كانت توبتك على هذا النحو فأبشري بفضل الله تعالى حيث إنه وعد التائبين بقبول توبتهم بالغة ذنوبهم ما بلغت، فقال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
وأخرج الترمذي وغيره، وصححه الألباني عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.
ومما يقوي هذه التوبة كثرة الأعمال الصالحة وملازمة مراقبة الله تعالى في السر والعلن وصحبة الخيرات وقراءة سير الصالحين والتأسي بهم والحذر من المعاصي وصحبة أهلها.
هذا وننبهك إلى أمرين مهمين:
1/ أنه لا يجوز لك أن تبوحي بهذا الذنب لأحد، بل عليك أن تستتري بستر الله، لما في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:.... أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله.
2/ أن هذا الفعل، وإن كان شنيعاً إلا أنه لا ينبغي أن يفسد علاقتك بزوجك، وهو لا يؤثر على صحة زواجكما في قول كافة العلماء، كما نص عليه ابن قدامة في المغني بقوله: وإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم يفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(9/5337)
هل يثاب التائب من ترك الصلاة على ما قدم من قربات أثناء تركه لها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله عنا كل خير، أما بعد: أنا للأسف لا أصلي بعض العلماء يقولون بأنني كافر إذا لا أحتاج أن أصوم وأن جميع الأفعال الطيبة لا أجر لها إذا لا أحتاج أن أتصدق وأن أزكي، ولكني ومع ذلك أصوم عسى أن أبدأ أصلي ويبدل الله سيئاتي حسنات، هل إذا تبت هل الأعمال الطيبة التي فعلتها قبل الصلاة هل تحسب لي حسنات، أنا لا أصلي عن كسل أعرف بأن الصلاة عظيمة وهي صلة بين العبد والرب، ولكن لا أعرف ماذا يمنعني هل الكسل، الشيطان، النفس ... أرجوكم أغيثوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم الذنوب وأقبح المعاصي ترك الصلاة التي هي عماد الدين، والتي هي الفارق بين الإيمان والكفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة. رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
وهذا لا يعني أن تارك الصلاة غير مطالب بالصيام والزكاة وبقية أركان الإسلام، بل هو مطالب أولاً بالصلاة وكذلك بالصيام والزكاة تبعاً، فالواجب عليك أيها السائل التوبة إلى الله عز وجل من هذا الذنب العظيم، والإسراع في التوبة قبل حلول الأجل فتكون من الذين قال الله فيهم: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {الأحزاب:66} ، فإذا تبت إلى الله عز وجل توبة صادقة فنرجو أن يكتب الله لك أجر ما عملته من خير قبل صلاتك، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الكافر إذا أسلم ومات على الإسلام فإنه يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم عن حكيم بن حزام أنه قال لرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير.
وبحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل سيئة زلفها.... الحديث. قال النووي ذكره الدارقطني في غريب حديث مالك ورواه عنه من تسع طرق، وانظر الفتوى رقم: 6061 في عقوبة ترك الصلاة واختلاف العلماء فيه، والفتوى رقم: 1145، وانظر كذلك الفتوى رقم: 24955.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1425(9/5338)
يتفاوت الأجر في الطاعات بحسب تفاوت النفقات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أردت أن أعرف من فضيلة الشيخ إذا أراد شخص أن يحج وهو كفيف ويريد مرافقاً له على أن يتكفل بنفقة المرافق له فهل يكون له أجر مضاعف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ينفق في طاعة الله الأجر فيه على قدر النفقة، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرك على قدر نصبك. وفي رواية عند البخاري: على قدر نفقتك أو نصبك. ورواه الحاكم والدارقطني وأبو عوانة بسند صححه الألباني بلفظ: إنما أجرك في عمرتك على قدر نفقتك. قال العيني: ومعناه أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة. انتهى، وقد بينا شروط وجوب الحج على الأعمى في الفتوى رقم: 46530 فلتراجع وما أنفقه الأعمى في الحج فإن أجره على قدر نفقته.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/5339)
يثاب المرء على فعل الحسنات إذا كانت خاصة لوجهه تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو
هل عندما يقوم الإنسان بعبادات لها وظيفة معينة - مثلا صلاة التوبة أدعية لحفظ الإنسان الاستخارة- لا يكون له أجر أو حسنات على ذلك بل فقط يتحقق ما تعبد لأجله - يحفظ من الشياطين يغفر له ... مثلا.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنسان يثاب على فعل الحسنات إذا فعلها ابتغاء وجه الله، وطاعة لله ورسوله، والله تعالى وعد عباده بالثواب الجزيل على جميع الأعمال الصالحة قال تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ {النمل: 89} . وقال تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة: 7} . وقال تعالى: إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {التحريم: 7} . وقال تعالى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف: 49} .
وقال تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا {الأنعام: 160} .
فما دام العمل لله أجر عليه حتى وإن كان من المباحات كالأكل والشرب إذا نوى بهما التقوي على طاعة الله والجماع إذا نوى به إعفاف نفسه عن الحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة. رواه مسلم عن أبي ذر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كان منتهى مقصوده ومراده عبادة الله وحده لا شريك له وهو إلهه الذي يعبد ولا يعبد شيئاً سواه وهو أحب إليه من كل ما سواه، فإن إرادته تنتهي إلى إرادة وجه الله فيثاب على مباحاته التي يقصد الاستعانة بها على الطاعة كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة. وفي الصحيحين: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى اللقمة تدفعها إلى في امرأتك. فمن فعل طاعة يريد بها ثواب الله وما رتبه عليها من منفعة في الدنيا حصل له كل ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/5340)
ترك المشتهيات متى يكون زهدا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماصفةالزهد في الدنيا وهل حرمان النفس من نعم الله يعتبر زهداً مع توفر المال لجلب ماتشتهي النفس مما أحل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فقد تقدم بيان صفة الزهد في الفتوى رقم 20776، والفتوى رقم 50125.
وأما ترك الإنسان بعض ما تشتهيه النفس مع توفر الأموال فإن أراد به توفير الفائض عن حاجته الضرورية ليتصدق به أو ينفقه في مصارف الخير فإن هذا محمود شرعاً وهو داخل في الزهد بل إنه لا يليق بالمسلم أن يظل يجري وراء الكماليات وتحقيق شهوات نفسه وهو يرى الأرامل واليتامى والمرضى في مجتمعه المسلم يئنون تحت وطأة الفقر والحاجة، بل الذي ينبغي هو التصدق عليهم بما زاد عن الحاجيات الأساسية إن لم يؤثرهم على نفسه.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم رواه ابن أبي شيبة والبزار والطبراني وحسنه الألباني، وراجع الفتوى رقم 13698.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(9/5341)
اظفر بذات الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب أصلي وأصوم أحببت فتاة لدرجة كبيرة وكنا نتكلم مع بعض يوميا وتطورت العلاقة بيني وبينها حتى أني رأيتها وهي عاريه تماما وأرتمينا في أحضان بعض وتكررت هذه العلاقة أكثر من مرة ولكن الفتاة مازالت عذراء وعندما طلبت منها تصحيح هذا الوضع وأن نتزوج قالت لي أنها لا تحبني ولكنها دائما تريد أن تراني فأنا أعلم أن ذلك ذنب كبير وأريد التوبة منه وأتمنى الزواج من هذه الفتاة ليغفر لي ربي هذا الذنب مع العلم بأن أهلها موافقون على هذا الزواج فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت حقاً جاداً في إرادة التوبة فاعلم أن شرطها الأول هو الإقلاع عن المعصية نهائياً ثم الندم على ما كان منها ثم النية أن لا تعود إليها مع الإخلاص لله في ذلك.
فاقطع صلتك نهائياً بهذه الفتاة ولا تلتفت إلى رغبتها في رؤيتك دائماً، فإن ذلك ذنب كبير كما ذكرت، واعلم أنك قد ارتكبت حظاً من الزنا بما فعلته.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما السماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
ومن سعة رحمة الله وفضله أن جعل التوبة تمحو كل هذه الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم: 8} .
وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
واعلم أن خير النساء للزوجية هي من كانت ذات دين، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ...
وعليه، فإذا رأيت أن هذه الفتاة يرجى لها أن تتوب مما كانت فيه معك وتحسن توبتها وتستقيم في دينها، فلا بأس بأن تخطبها من أهلها وتتزوجها، وإن رأيت أنها مستمرة في غيها وغير مقلعة عن ذنبها فلا خير لك فيها.
واعلم أنه لا يشترط لصحة توبتك أن تتزوجها، بل إذا تبت توبة صادقة كما وصفنا لك في أول الفتوى تاب الله عليك مهما عظم ذنبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/5342)
رد الحقوق إلى أهلها يسقط المطالبة بها دون الذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان قد حصل على مال من شركة يعمل بها دون وجه حق وأنا أعلم الشركة والمبلغ وقد توفي صديقي هل لو رددت هذا المال لأصحاب عنه تكون قد برئت ذمته رغم وفاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رد الحقوق إلى أهلها يسقط المطالبة بها في الدنيا ويوم القيامة، أما الذنب فهو باق لأن من شروط التوبة إذا كان الذنب متعلقا بحقوق العباد أربعة وهي: الندم والإقلاع والعزم على عدم العود ورد الحقوق. فإذا حصل وردت الحقوق إلى أهلها فقط دون الشروط الأخرى سقطت المطالبة بالحق وبقي الذنب، ويكون صاحبه تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(9/5343)
الإصرار على المعاصي له عقوبات كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عاهدت الله عز وجل على ترك معصية معينة، ولكنني لم أستطع ترك تلك المعصية ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بأن هناك شيئا غريبا على قلبي لأول مرة أشعر به، فهل هذا هو الطبع على القلب فأنا أريد أن أعرف هل الطبع على القلب شيء حسن أرجوكم أن تفيدوني لأنني معذب جداً، ولا أعرف ماذا أفعل فلم أعد أشعر بطعم للطاعة وأشعر بأن الله قد غضب علي، أرجو الرد على سؤالي في أقرب وقت ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا الحكم فيمن قال أعاهد الله على أمر ما وما يلزمه إذا تراجع، في الفتوى رقم: 29746، والفتوى رقم: 15049.
ولا شك أن للمعصية ظلمة في القلب، كما أن للطاعة نوراً فيه، وأن الإصرار على المعاصي يسبب وحشة بين المرء ونفسه وضيقاً في الصدر قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا {طه:124} ، وانظر الفتوى رقم: 8372، والفتوى رقم: 12744.
لكن اعلم أن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فتب إلى الله الآن، ولا تستسلم لتقنيط الشيطان: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} ، فلقد دعا الله عباده جميعاً إلى التوبة، فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، ورغبهم فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وإذا استزلك الشيطان فضعفت بعد توبتك وأذنبت، فجدد لذنبك توبة، ففي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفرلي، فقال: علم عبدي أنه له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً آخر فقال: أي رب أذنبت ذنباً آخر، فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء، قال ذلك في الثالثة أو الرابعة.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم. وقال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(9/5344)
الجمع بين التلاوة والمراجعة والذكر أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الأولى في العمرة إن كنت في الحرم أو المدينة أن أشتغل بقراءة القرآن والتسبيح والاستغفار إن لم يكن موعد صلاة أم يجوز لي أن أراجع مما أحفظ من القرآن وأيهما أفضل المراجعة أم القراءة في الحرم أم يجوز لي الاثنتان والأجر واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يستحب لك الجمع بين ذلك كله بأن تراجع ما تحفظ، وتقرأ المصحف وتأتي ببعض الأذكار الأخرى، فهذا كله خير، وقد سبق في الفتوى رقم: 36593 بيان أنه إذا أمكن الجمع بين زيادة الحفظ من القرآن والختم في المصحف فهو الأفضل، وإن لم يمكن فإن الحفظ أولى، وكذلك الأمر بالنسبة للمراجعة، فإن كانت لقصد التثبيت لما تحفظه فإنها أولى من قراءة ما لا تطمع في حفظه في الوقت الحاضر، وإن كانت المراجعة ليست لأجل التثبيت فلا شك أن الأفضل الختم للقرآن في الحرم، ويتأكد فضل ذلك في قراءة المصحف لزيادة أجر النظر، وبإمكانك الاطلاع على الفتوى رقم: 48099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(9/5345)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أتوب لله، كنت أخرج مع شخص كذلك في رمضان، فيمسك يدي وكنا نقوم بأشياء أخرى، تبت لله وأريد أن أكفر عن ذنبي فماذا أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا كفارة لهذه الذنوب التي كنت ترتكبينها من الخروج مع رجل لا يحل لك الخروج معه مع ما ذكرت أنكما كنتما تعملان مما لا يرضاه الله عز وجل، لا كفارة لهذا كله إلا التوبة النصوح ثم الستر على نفسك وعلى غيرك لإن التائب من الذنب كما لا ذنب له، ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 1732. وإن كان ذلك في نهار رمضان وحصل جماع وإنزال مني مع مقدمات الجماع من قبلة أو ملامسة أو مباشرة، فقد فسد الصوم ويجب القضاء والكفارة بالجماع في نهار رمضان باتفاق أهل العلم، وعند المالكية أيضا يجب القضاء والكفارة بمقدمات الجماع إن حصل إنزال ـ والجمهور على أنه لا يلزم من ذلك إلا القضاء والتوبة إلى الله ـ وبإمكانك الاطلاع على الفتوى رقم: 22962، والفتوى رقم: 40426.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(9/5346)
كيفية التخلص من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الإنحراف الجنسي معصية أم مرض نفسي، وكيف يمكن التخلص من الكبائر نهائياً، التوبة الخالصة والنصوحة والصادقة والالتزام الديني موجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب حفظ الفرج إلا عن الزوجة أو ملك اليمين، وتجاوز ذلك وتعديه محرم في الشرع، وكل من فعله في حال اختياره وتمتعه بفعله فهو آثم معتد، لأنه داخل في عموم العدوان الذي قال الله تعالى فيه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5-7} .
وأما التخلص من الكبائر، فإن من أكبر ما يعين عليه البعد عما يحرك النفوس إليها، ويشمل ذلك صرف الذهن عنها وعدم مصاحبة مرتكبيها والذهاب إلى أماكنها وشغل النفس والوقت والطاقة بما يفيد من تعلم علم أو انتاج دنيوي أو رياضة، ويضاف إلى هذا صحبة أهل الخير ومجالستهم والتناصح معهم، وراجع في التوبة الصادقة الفتوى رقم: 5091.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(9/5347)
لا بأس بتغليب الخوف على الرجاء مع حسن الظن بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أن كنت صغيرة كنت دائما أحلم بيوم القيامة وكنت أخاف ربي كثيرا وأخاطبه بين وجداني؛الرؤى التى أراها تتحقق في الحياة؛أصلى السنة والنوافل،أزكي عن مالي؛أتصدق بقدر استطاعتي؛أحب الخير للناس وأسعى لتحقيقه.لوكان يوجد عندي إحساس عميق داخلي بأنني لم أرض ربي حتى الآن؛اعتمرت مرتين محجبة دائما حزينة وخائفة من يوم الحساب مما يجعلني غير سعيدة بحياتي؛مظلومة منذ كنت صغيرة في أشياء كثيرة ولكني راضية بما كتبه الله لي من حياة وأشكره وأحمده على ذلك؛حظي في الأصدقاء قليل وأيضا الأخوات مما يضطرني بالابتعاد عنهم،ولكن ضميري يؤنبني لقطع صلة الرحم فأعاود الاتصال وتتكرر القيل والقال كالعادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم مطلوب دائماً بأن يعمل الصالحات ويتقرب إلى الله تعالى بها، وبالكف عن المنهيات، ومطلوب كذلك بتغليب جانب الخوف على الرجاء، وخصوصاً وقت صحته وتمكنه من الأعمال، فيكون على خوف دائم من العذاب، ويرى من نفسه التقصير ليحمله ذلك على الزيادة والتقدم في سبيل مرضاة الله، وعليه مع ذلك أن يحسن الظن بالله، ويتفاءل لنفسه بالخير، ففي حديث الشيخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وفي رواية: فليظن بي ما شاء.
وليس من الأدب مع الله أن يرى الإنسان نفسه مظلوماً بما قدره الله عليه من أمور، فالله تعالى: لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس: 44} .
فهوني عليك - أيتها الأخت الكريمة - وابقي على ما أنت فيه من الالتزام، ولكن احذري من قطع الرحم، فإنه لا يحل لمسلم أن يقطع رحمه، وراجعي في موضوع قطع الرحم الفتوى رقم: 13912.
وليس يلزم لمن وصل رحمه أن يدخل في القيل والقال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(9/5348)
يتوب الله على من تاب وإن عظمت ذنوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ارتكبت ذنوباً حيث إني في يوم قمت بحضن ولد من دبره لكن كان يرتدي سرواله وأنا كنت أرتدي سروالي إلى أن استمنيت هل ينطبق علي حد اللواط، هل لي من توبة مع العلم أن شهوتي تغلب علي دائماً، وأنا أريد أن أتوب وارتكبت ذنوباً أخرى هل يقبل الله توبتي إذا تبت وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاللواط شرعاً هو: تغييب الحشفة في دبر الذكر، ذكره صاحب الفواكه الدواني وغيره.
ومن تعريف اللواط يتبين أن ما فعلته ليس لواطاً بالمعنى الشرعي وهذا لا يعني أنه جائز، بل هو من المحرمات الداخلة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5-6-7} ، وهو كذلك من مقدمات اللواط الذي يعد من أكبر الكبائر التي حرمها الله تعالى، وبين قبحها في القرآن، وذم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلها، وأجمعت الأمة على تحريمها، وفضلا عن حرمتها فهي أمر مناف للفطرة، معاكس للطبيعة، ولذلك قال تعالى منكراً على فاعلها: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ* وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ {الشعراء:165-166} ، ولكن باب التوبة مفتوح أمام العبد ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم، وقوله: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر.
واعلم أن التوبة النصوح هي المشتملة على: الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفا من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، والله تعالى بمنه وكرمه قد وعد التائبين بقبول توبتهم وغفران ذنوبهم مهما عظمت وكثرت، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
بل إن الله تعالى من سعة فضله ومن رحمته بعباده يبدل السيئات التي قد تاب منها العبد إلى حسنات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان: 68-69-70} ، فعليك أن تكثر من الأعمال الصالحة وأن تستتر بستر الله عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1425(9/5349)
الواجب إخلاص النية ومحاربة النفس من التوجه لغير الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توجيهاتكم في أمري هذا حيث إني منذ فترة كلما ذهبت للصلاة أو الوضوء شعرت بأنني أثناء فعل أي شيء في الصلاة أو الوضوء فعلت ذلك الشيء رياء فمثلا إذا كنت أتوضأ ونظر إلى شخص وقمت بتخفيض الماء من الحنفية حدثتني نفسي بأنني فعلت ذلك رياء فأرجع وأعيد الوضوء مرة أخرى وفي بعض الأحيان مرتين لسبب آخر وكذلك في الصلاة إذا رفعت صوتي في الصلاة الجماعة شعرت بأنني قد أضايق الذي بقربي أو أتحرج منه فإذا خفضت صوتي حدثتني نفسي بأنني فعلت ذلك رياء فأعيد الصلاة مرة أخرى
فهل فعلي هذا صحيح؟ أم لا يجب إعادة الصلاة والوضوء حتى ولو حدثتني نفسي ورغم أنني قبل فعل هذه العبادات أتعوذ من الشيطان وأدعواللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه.
كما قرأت في بعض المواقع بأن الإنسان إذا فعل شيئا أثناء العبادة رياء ثم لم يسترسل فيه ودافع عنه فلا يبطل العمل وبعضهم يقول حتى ولو استرسل بعد ذلك لايبطل العمل ولكن ثوابه ناقص خاصة وذلك يحدث في الصلاة ما دام أن أصل نيته في الأول عند عقد الصلاة لم ينو فيها رياء
الرجاء الإفادة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل، وأن يوحده بالقصد والإرادة، وأن يحذر على نفسه من الرياء وما شابه ذلك من المقاصد التي تبطل عمله، وقد تصل به إلى الشرك والعياذ بالله، وليعلم المسلم أن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، موافقاً لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صح في الحديث أن الله عز وجل يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم وغيره.
ولكن على المسلم كذلك أن لا يفتح للشيطان باباً ويجعل له عليه سلطانا فيشككه في نيته وقصده، وربما قاده بعد ذلك إلى ترك العمل بحجة فقد الإخلاص، وهذا مدخل من مداخل الشيطان الخفية التي يجب على العبد التحرز منها، بل الواجب إخلاص القصد لله ومحاربة النفس من التوجه لغيره، وما عرض بعد ذلك من وساوس لا ينبغي الالتفات إليها فإنها من الشيطان، ولا تعيد الطهارة ولا الصلاة، ولمزيد الفائدة عن الوسواس وعلاجه تراجع الفتوى رقم: 51601 وأما ما يتعلق بمخالطة الرياء للعمل هل يفسده أم لا؟ فقد فصلناه في الفتوى رقم: 49482 وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(9/5350)
موقف المؤمن تجاه الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أكتب لكم اليوم بعدما ضاقت بي السبل ولم أجد ما أفعل ولا كيف أتصرف أحاول بكل اختصار أن أضعكم في الصورة حتى تساعدوني. وأخبركم بأنها المرة الثالثة التي أعيد كتابة الرسالة فيها حيث في كل مرة أكتبها لا أوفق في إرسالها ومع ذلك صممت على مراسلتكم لثقتي فيكم وسبق أن راسلتكم بخصوص علاقتي بجاري ونصحتموني بالابتعاد وأنه مجرد ذئب وبالفعل وفقت في ذلك وهاهي مدة تزيد عن 5 أشهر أبعدته عني رغم أنه ما زال لحد اليوم يحاول. طلبت من الله أن يرزقني بالحلال لكن لا يبدو لي أمل لا أكذب عليكم لم أعد أستطيع التحمل ولا أقدر على الحياة لوحدي إني أفكر جديا في الارتباط برجل متزوج وله 5 أطفال ومقتدر طلبني من قبل لكني رفضت على أمل أن أرزق بخير منه واليوم وبعدما بدأت أفقد توازني فبعدما كنت أصلي بانتظام حتى صلاة الفجر وأتضرع لله وأدعوه وأستغفره وأدخل للمواقع الإسلامية لأتعلم وأسال عن أمور ديني وجدت نفسي اليوم ومنذ حوالي أسبوعين أدخل مواقع إباحية وأمارس العادة السيئة وعندما أنتهي أبكي وأستغفر لقد أخذت بنصيحتكم بتسجيل نفسي في مواقع الزواج لكن لم أوفق وقد استخرت الله قبل أن أسجل نفسي لا أدري لماذا لا أحد يريدني زوجة رغم أني جميلة ومؤدبة لا أدري لماذا يحصل معي هذا وكذلك نصحتموني بأن أطلب من أحد الصالحين أو الصالحات أن يجد لي زوجا وهذا أمر مستحيل لم يبق أمامي سوى هذا الرجل إن كان ما يزال يريدني فسأقبل لأنني أخاف على نفسي مما هو أكثر بالفعل أصبحت لا أحترم نفسي وأرى أني انسانة منافقة مع الله تستغفر وتصلي ثم ترتكب الذنوب مشكلتي شيخي الفاضل ليست في هل سيغفر الله لي أم لا فقد قرأت مقالة في موقعكم بعنوان (لو بلغت ذنوبك عنان السماء) المهم هو التوبة الصادقة ومن أين لي بها مأساتي أنني لم أعد أستطيع العيش لوحدي فعمري اليوم اثنان وثلاثون عاما ولا أرى شخصا يريد الارتباط ممن هو في مثل سني سوى إذا كان متزوجا بصراحة فقدت الأمل خاصة بعدما وقعت في الذنوب إني في حالة نفسية مزرية ولا أحد يحس بي أعاني لوحدي أحيانا كثيرة لا أجد إلا الحديث مع الله لكن سرعان ما أحس بأنه عقاب أو ابتلاء لم أوفق فيه إني أتحسر على حالي وأعلم جيدا بما ستنصحونني لكني يائسة فرجائي ياشيخي أن تدعو الله لي أن يهديني ويرزقني بالحلال ويغنيني بحلاله عن حرامه أرجو أن يسع صدركم الكريم لكل ما قلت وأن أكون قد وضعتكم في الصورة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله أن يوفقك للخير، ونذكرك أيتها الأخت الكريمة بأن هذه الدنيا هي دار ابتلاء واختبار يمر فيها الإنسان بأنواع من الاختبارات، فهذا يبتلى بالفقر، وهذا بالمرض، وهذا بموت القريب والحبيب. والعاقل من عرف قيمة الدنيا وأنها دار عبور وممر، ومهما كثرت منغصاتها وعظمت مصائبها فإنها مع ذلك لا تستحق أن يتألم الإنسان من أجلها، وعلى العاقل أن ينظر إلى حال غيره ممن هو أشد بلاء منه، ويحمد الله على حاله. وتذكري حال عروة بن الزبير، فقد ذكر المزي - رحمه الله تعالى- في تهذيب الكمال في ترجمته أنه وقعت الآكلة في رجله، فقيل له: ألا ندعو لك طبيبا، قال: إن شئتم، فجاء الطبيب، فقال: أسقيك شرابا يزول فيه عقلك، فقال: امض لشأنك، ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا ويزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه، قال: فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا له حسا، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. وما ترك حزبه من القراءة تلك الليلة.
فانظري إلى هذا الصبر على البلاء، وتذكر النعم وهو في تلك الحال، وعموما فنقول لك: إن بيدك سلاحا فعالا وإن تأخر أثره ألا وهو الدعاء، فأكثري من الدعاء، وتجنبي الذنوب وتوبي إلى الله منها. وننصحك بأن تقبلي بالزوج الصالح وإن كان متزوجا، فليس الزواج عيبا، ولذا فلا نرى مبررا لرفض الرجل المتزوج، واشغلي أوقاتك بفعل الطاعات وتلاوة القرآن ومطالعة الكتب النافعة ومجالسة النساء المؤمنات التقيات، فإن غفلت ذكرنك، وإن ذكرت كن عونا لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(9/5351)
الزنا بذات الزوج أعظم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد زنيت بامرأة متزوجة منذ خمس سنوات مرة، وسرت في الحياة، واليوم أردت التوبة من ذنوبي كافة، لكن واجهت مشكلة هي: أنني سمعت لو أن الله غفر لي وأردت دخول الجنة سأجد زوج تلك المرأة في باب الجنة ويقول لله عز وجل أريد جميع حسنات هذا وآخذ سيئاته فأصبح من الخاسرين، فإن كان هذا لماذا التوبة، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك أخطأت خطأً كبيراً، فالزنا قد نهى الله عنه واعتبره فاحشة، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وإذا كانت المزني بها ذات زوج، فإن الإثم يكون أعظم والذنب أكبر، قال ابن القيم في الجواب الكافي: فالزاني بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما من التي لا زوج لها، إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه، وغير ذلك من أنواع أذاه ...
وما ذكرته من أنك ستجد زوج تلك المرأة في باب الجنة إلى آخر ما جاء في سؤالك، لم نقف عليه بالكيفية التي ذكرتها، ولكن وردت نصوص تدل على أصل المقاضاة في ذلك الموقف منها ما في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولامتاع، فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
وعليه فواجبك هو أن تكثر من التوبة والاستغفار والعمل الصالح، كفارة لما اقترفته من تجاوز لحدود الله، وتكثر أيضاً من الحسنات استعداد للمقاصة بينك وبين أصحاب الحقوق، واعلم أن أهمية التوبة وقيمتها لصاحبها هي أكثر مما تتصوره بكثير، فالله تعالى يغفر بالتوبة حقوقه، وقد لا يغفر حقوق العباد، وإذا لم يتب العبد، وأدى يوم القيامة ما عليه من الحقوق لأصحابها بالمقاصة التي بينا ولم يبق عليه شيء من حقوق الآدميين، فإنه من الجائز أن يعذب على حقوق الله بسبب عدم توبته منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(9/5352)
مراودة امرأة عن نفسها دليل على ضعف الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ياشيخنا الفاضل أرجوك رجاء خاصا أن تعطيني الجواب الشافي، أنارجل متزوج وعندي أولاد من قبل زواجي وأنا على علاقة من فتاة وهي أيضا متزوجة ومنذ فترة ليست بطويلة أجتمعت معها في بيتي وحدث بيننا خلوة حدث فيها كل شي غير أني لم أقم بعملية الإيلاج أي أنني لم أدخل عضوي الذكري في عضوها الأنثوي كل شيء تم من الخارج السؤال هل أنا زان؟؟؟ ويجب علي الحد، كما أنني أصلي واصوم وأقرا القرآن وقمت بهذه الفعلة مرتين هل يعني أن إيماني ضعيف وأن صلاتي ليست لها فائدة لأنها لم تردني عن هذا؟؟؟ كما أنني قد سمعت حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس منا من خبب امرأة على زوجها (أي الذي يفرق بين الرجل وزوجته) هل هذا يعني انني لم أصبح مسلما؟؟ مع العلم حاولت كثيرا أن اترك هذه الفتاه ولكني لم أستطع أرجوكم اعطوني الحل ياشيخ رغم صلاتي ولكني أحس أني مهموم وأنني اتمنى البكاء وحالتي المادية ليست جيدة ماهو الحل أحس بنفسي أني أغرق.
ادعو لي ياشيخ ادعولي تعبت يا شيخ الله يوفقك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشأن المؤمن أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه، فالواجب على المسلم أن يحفظ أعراض المسلمين كما يحب أن يحفظ له عرضه. فما وقعت فيه مع هذه المرأة منكر وإثم مبين، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنى، وهو وسيلة إلى الزنا الذي يوجب الحد، وراجع الفتوى رقم: 32928، والفتوى رقم: 11038. وأما كون ذلك دليلاً على ضعف الإيمان فلا شك فيه، إذ أن ضعف الإيمان باعث على الوقوع في المعاصي، وكونه دليلاً على أنه لا فائدة من صلاتك بوجه ما فلا يلزم، ولكن قد يفيد كونك بحاجة إلى إحسان صلاتك وأدائها على الوجه المطلوب، إذ من شأن الصلاة أن تنهى أصحابها عن الفحشاء والمنكر، وراجع الفتوى رقم: 1692، والفتوى رقم: 17543. وهذا الفعل الذي صدر عنك مع هذه المرأة لا يعتبر بمجرده إفساداً لها على زوجها للتفريق بينهما، وهذا المقصود بالتخبيب، ولكن إن صدر عنك قول أو فعل يقصد ذلك فإنك تأثم بذلك، وراجع الفتوى رقم: 24376، ولا يلزم من قوله: ليس منا. الكفر بل المقصود ـ والله أعلم ـ ليس على هدينا وسنتنا. وعلى كل حال فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وأن تسد على نفسك أبواب الشيطان بقطع العلاقة مع هذه المرأة، لا سيما وهي ذات زوج، وكن على حذر من أن تجازى بجنس عملك إن لم تتب إلى الله تعالى، وأكثر من الدعاء الصادق مع التوبة النصوح وسيستجيب الله تعالى دعوتك، نسأل أن يصلح حالنا وحالك وأن يجنبنا جميعاً كل الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(9/5353)
قد يوسوس الشيطان لمن تاب ليعيده إلى حبائل المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ
أنا صاحب الفتوي رقم52669 وتاريخها 14 رجب 1425 لقد تزوجت بنت أخي منذ شهر وزيادة وقد استقام حالي والحمد لله ... وفعلت ما دعوتني إليه.. ولكن لدي بعض الوساوس والأوهام وبعض الصور الجنسية التي تراودني في كل لحظه وأخرى بالرغم من التعوذ من الشيطان والذكر.. وكذلك ضيق شديد في صدري لم أرتح منه.. هل هو عقاب من الله لتطهيري من تلك الفاحشة؟؟ أم أنه الشيطان ليذكرني بما فعلت ليغممها علي؟ وأيضا قد تعرض المنزل للبيع الذي ارتكبنا فيه الزنا , ولكن أخاف والدي يرفض ذلك فهو لا يعلم شئيا عن الفاحشة؟ فماذا أفعل؟؟؟ فلم أستطع العيش أو حتي الوقوف في ذلك المنزل؟ فماذا أفعل؟؟ أرشدني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقبل توبتك وأن يردك إليه رداً جميلاً، واعلم رحمك الله أن الإنسان إذا تاب قد يأتيه الشيطان فيقنطه ليسيء الظن بربه وليعود إلى ما كان عليه من الذنوب، فاطرح عنك وساوس الشيطان ولا تسترسل مع الخواطر الرديئة، فقد وُلدت من جديد، لأن التوبة تمحو ما قبلها من الذنوب والمعاصي.
وإذا شعرت بضيق في صدرك، فسارع إلى ذكر الله واستغفاره والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، وننصحك أن تفتش عن رفقة صالحة تُذكّرك بالخير، وتعينك عليه، وتتعاون معها على ما ينفعك، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واعلم أنه لا يجب عليك بيع منزل والدك الذي عصيت الله فيه، ولكن عليك أن تملأه طاعة كما ملأته معصية، وأن تتلذذ فيه بقراءة القرآن والصيام ومناجاة الرحمن في ثلث الليل الآخر كما تلذذت فيه بالشهوة الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(9/5354)
الواجب على المرء أن يحسن الظن بأهله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أخبرني شخص قريب أنه يعرف عن زوجتي أمر سوء شاهدها عليه قبل زواجنا، وأنا أريد التأكد من هذا الكلام فما هو التصرف الإسلامي السليم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشخص الذي أخبرك عن تصرفات زوجك قبل زواجها قد وقع في محظورين:
الأول: الغيبة، وهي ذكره لها بما تكرهه هي، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا {الحجرات: 12} ، وقد عد العلامة ابن حجر الهيتمي الغيبة من كبائر الذنوب، كما في "الزواجر عن اقتراف الكبائر".
والمحظور الثاني: أنه هتك ستر امرأة مسلمة غافلة -إن ثبتت دعواه عليها- وكان الواجب عليه أن يسترها، وأن يقوم بواجب النصح نحوها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
أما أنت، فالواجب عليك إحسان الظن بأهلك، والإعراض عمن جاءك يطعن في أهلك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، فلا تبحث في ماضي أهلك، قال صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا، ولا تحسسوا. رواه البخاري ومسلم، وقال أيضاً: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح، فاطرح عنك وساوس الشيطان واقطع عنك دابره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(9/5355)
هل تغفر الذنوب بمجرد سماع محاضرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يغفر الله للإنسان عند حضوره لمحاضرة إسلامية، فهل يغفر الله لنا إن سمعنا محاضرة مسجلة عبر الإذاعة أيعتبر ذلك وكأننا حضرنا المحاضرة فيغفر الله لنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت أن حضور مجالس الذكر يثيب الله تعالى به عباده بعدة جوائز ومنها غفران الذنوب، ويدل لذلك ما في حديث الصحيحين الطويل في مجالس الذكر، وفيه أن الله تعالى يقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. وقد سبق ذكر هذا الحديث في الفتوى رقم: 46323.
ويدل له كذلك ما في حديث أحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني من رواية أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات. والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.
ونظراً لما يفيده هذان الحديثان من الغفران لأهل مجالس الذكر، فإنا نرجو الله أن يتناول هذا من اجتمعوا لسماع محاضرة في شريط أو إذاعة، وأما من جلس وحده يسمع فلا نرى أنه مثل من حضر مجالس الذكر والعلم كما أنا لا نعلم أن مجرد السماع يسبب الغفران، ولكن فضل الله واسع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(9/5356)
التكفير عن مباشرة فتاة دون الزنا يكون بالتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة وحدث ما كان دون الزنا، وتبت إلى الله ولقد أجبتم عنه، ولكن هل أكون ظلمت أباها، وماذا أفعل للتكفير عن خطئي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كنا أجبناك به في الفتوى السابقة، ورقمها: 53544 يشمل الزنا والمحرمات الأخرى، فالخلوة بالأجنبية، والنظر إلى ما لا يحل النظر إليه منها، وملامسة بدنها، والتلذذ بها على أي وجه كان. فكل ذلك محرم، إلا أن الزنا أشد في التحريم وأبلغ في الإثم، وأنت بما فعلته بالفتاة عاص لله تعالى، وذاك أكبر من خيانة أبي الفتاة، ولاشك أنك أيضاً خائن وظالم للرجل الذي أدخلك بيته واستأمنك على أهله، وقد ذكرنا لك من قبل أنه هو أيضاً مخطئ إذا كان قبل خلوتك بابنته.
وأما التكفير عن خطئك فهو بالتوبة النصوح، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا {التحريم:8} ، وقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وشروط التوبة هي الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم أن لا تعود إلى مثله، مع الإخلاص لله تعالى في كل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(9/5357)
الستر على المعصية واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج منذ 12، في هذا العام تعرفت على فتاة عازبة وأعجبت بها وتوطدت العلاقة بيننا وكنت أخرج معها طوال الوقت وتعلقت بها تعلقاً شديدا،، زوجتي شكت في أمري وفي تصرفاتي وفي يوم من الأيام سألتني زوجتي (هل أنت تخوني أو لا؟) طبعا أجبت بسرعة لا،،، لكنها كان الشك كبيرا في نفسها. فقامت بدعوة الله تعالى وكان هذا في شهر رمضان الماضي. دعت لربها إذا أنت تخون في! إن شاء الله يارب يخليك على فقر ويضيع كل أموالك.. وفعلا الله تعالى استجاب لها وأصبحت لا يوجد عندي المال وكثرت ديوني وأصبحت لغزاً للجميع،، لكنني أنا أعرف الجواب لهذا اللغز..إنني أريد التوبة من الله تعالى والمغفرة منه وإنني تركت تلك البنت أخيرا،، وأتمنى من الله أن يرزقني ويغفر لي.. وإنني لا أستطيع أن أطلب من زوجتي المغفرة لأنه إذا صارحتها بذلك معناها أنني أدمر بيتي وأطفالي,,, أرجو منك سيادة الشيخ توجيهي إلى الطريق الصحيح. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي بارك الله فيك أن باب التوبة مفتوح، وللتوبة شروط منها: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه. وهذا كله لوجه الله تعالى لا للخوف من الزوجة ولا غيرها.
ثم اعلم أنه لا يلزمك أن تخبر زوجتك بالذي كنت تفعل، بل عليك أن تستر نفسك ولا تخبر أحدا بما كنت تفعل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهيقي وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وانظر الفتوى رقم: 1095.
وننصحك أخي بأن تصحب الصالحين الذين يعينونك على الطاعة ويحذرونك المعصية ويدفعونك إلى الخير، وأن تجتنب كل الوسائل التي تذكرك بالمعاصي أو تجرك إليها، فإن فعلت فتيقن أن الله سيصلح حالك وييسر أمرك، وعليك أن تحمد الله تعالى أن نبهك بهذا الأمر الذي أصابك حتى تتوب إليه قبل أن يبغتك الموت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(9/5358)
الأدلة على أن المعاصي لها شؤمها على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف إذا كان هناك حديث أو أثر عن الصحابة الكرام يدل على أن وقوع الإنسان في المعاصي يؤثر ويصيب ماله وعياله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على شؤم المعاصي، وأنها من أسباب البلايا والرزايا التي تصيب الإنسان في حياته وبعد مماته إذا لم يتب منها. قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} ، وقال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا {البقرة: 276} ، وفي سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. والحديث في مسند أحمد أيضا. وفي جامع العلوم والحكم نقلا عن بعض السلف قال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي. وفيه: وإن الله يحفظ العبد بصلاحه وبعد موته في ذريته. كما قيل في قوله تعالى: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً {الكهف: 82} . ولمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 43091 والفتوى رقم: 27524.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(9/5359)
وسائل ناجعة لرد الأخت التي تمارس زنا الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أختي تتحدث في الهاتف مع شاب من بلد آخر، ويمارسان الزنا على الهاتف، لا أعرف كيف!؟ لكنني قرأت في رسائلها ما يدل على ذلك: من كلمات فيها وصف لحركات، وممارسات يفعلها الأزواج، وقد أخبرت والدتي، لكنها لم تفعل شيئا حيال ذلك، ومن الإنصاف أن أذكر أنه جعل أخته تتصل بوالدتي لخطبة أختي، لكن أمي رفضت؛ لاختلاف العادات، وبعد المسافة، فاستمرت العلاقة، مع أن العلاقة كانت موجودة قبل الخطبة! ما حكم ماتفعله؟ وهل تعتبر زانية، وعليها كفارتها؟ ماذا علي أن أفعل حيال ذلك بعد إخبار أمي عدة مرات، ودون فائدة، أرجو الإجابة بأسرع وقت ممكن؛ فقد بدأت أكرهها، ولا أطيق الجلوس معها، مع أنها أختي الكبرى!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في حرمة ما تفعله أختك من الكلام مع أجنبي عنها في موضوعات إباحية عبر الهاتف، وكذلك حرمة تبادلها لرسائل معه تحتوي على موضوعات لا تكون إلا بين الزوج وزوجه، وأن الذي تفعله من زنا الأذن وزنا اللسان، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذرنا من ذلك فقال: كتب على بن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
والله عندما حرم الزنا الحقيقي حرم كذلك أسبابه ومقدماته، ومنها الخضوع بالقول، قال تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ {الأحزاب:32} ، وراجعي الفتاوى: 28288، 30046، 10570، 1932، 3617، 1847.
وكان الواجب على أمك إذ أخبرتها أن تكف أختك عن غيها، فذلك مما يجب على أمك اتجاهها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها ... متفق عليه.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تضييع الأمانة التي أعطاها الله للآباء والأمهات، فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
وإن المسؤولية على والد الفتاة أشد، للأدلة السابقة، ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، هذا وإن الواجب عليك أن تكثري من نصح أختك، وأن تخوفيها بالله، وأنه يراها، وأن عذابه أليم شديد، وأن لذة الدنيا في الحرام تنقلب حسرة وندامة في القبر ويوم القيامة، فإن لم تستجب لنصحك، فارفعي الأمر لأبيك إن كان موجوداً، وإلا فأخبري من ترتدع منه كجدها أو خالها أو عمها.
فإن أصرت على الاستمرار في هذه العلاقة المشينة مع ذلك الشاب، فلك أن تهجريها إن كان هجرك لها يؤلمها ويؤثر فيها، فإن الزجر يكون بالهجر وغيره، كما يجب عليك أن تنكري عليها بقلبك بأن يتمعر وجهك وتستشيطي غضباً لله عندما تجدينها على تلك الحال، ولا تجلسي في مجلس يعصى الله تعالى فيه، فقد قال سبحانه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ {النساء:140} .
ولاشك أن كرهك لها مشروع، فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتركي الدعاء لها أبداً، وتحيني أوقات الإجابة كجوف الليل وأثناء السجود ونحو ذلك، وألحي على الله أن يهدي أختك وأن يشرح صدرها ويريها الحق حقاً ويرزقها اتباعه والباطل باطلاً ويرزقها اجتنابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(9/5360)
بشائر للمظلوم المتقي الصابر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم على هذا الموقع المفيد لأمتنا الإسلامية، وفي البداية عندي مشكلة ليست صغيرة ولا كبيرة، وحبذا تفهموني، عندما كنت أدرس في المرحلة الثانوية حصلت معي مشكلة، وهي لقد ظلموني وأنا لم أفعل إلا كل خير، القصة باختصار هي: أنه عندما كنت أعيش في القسم الداخلي للبنات وأعيش في غرفة والغرف الأخرى ذات سقف واحد وأنا كنت أذهب للدراسة في المساء وأبقى في الغرفة في الصباح وذات يوم أخبرتني فتاة وهي تعيش في الغرفة المجاورة أن هناك فتاة تتواجد في الغرفة عدة مرات وقالت لي أنا لا أقدر أن أظلم أحداً ولكن سوف أراقب هذه الفتاة وأيضاً لم يشتك أحد فقدان شيء، وخلال يوم قالوا إنهن لم يجدن النقود في الحقيبة وقالوا سوف نحلف على المصحف الكريم، ولكن قلت لهم هل المصحف لعبة نحلف، ولقد أخبرتني فتاة أني عندما ذهبت إلى الدرس في المساء اجتمعن وقالوا: إني أخذت النقود وأشياء كثيرة اتهموني بها ولقد أعطيتهم كل ما عندي، ولقد مرت سنوات ولكن عندما أتذكر ذلك أصاب بالألم الشديد إلى درجة البكاء، وملاحظة: لقد أعطاني ربي الكثير وأدعو ربي وكل الناس في القرية التي كنت أعيش فيها علموا وأصبحت لا أخرج كثيراً ولا أعرف النوم وأصبح الناس يتحدثون بهذا الحديث، أريد الكلام الذي يريح النفس والاطمئنان والأذكار التي تقال عندما أرى أحداً من الذين ظلموني يوما وأشكركم أن قرأتم الرسالة جيداً مع التمعن والفهم والرد الذي يريح قلبا لم ينس يوما هذه القضية، والرد السريع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن ما أقدم عليه زميلاتك من اتهامك دون بينة واضحة، ظلم كبير، ولكن لا ينبغي أن يؤثر ذلك عليك إلى الحد الذي ذكرت في رسالتك، بل الذي ينبغي لك هو أن تستعيني بالصبر وتقوى الله، فإن من كان مظلوماً مبغياً عليه وصبر واتقى الله، كان له البشرى من الله، والنصر في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155} ، وقال تعالى في شأن يوسف عليه السلام، لما فعل به إخوته ما فعلوا فصبر واتقى حتى نصره الله ودخلوا عليه وهو في عزه: قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أقسم عليهن، فذكر من الثلاثة: ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا. رواه الترمذي.
وليكن لك أسوة حسنة بهذه المرأة الصالحة، التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين ومسند أحمد واللفظ له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت اللهم اجعل ابني مثل هذا، قال: فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، قال: ثم عاد إلى ثديها يمصه، قال أبو هريرة: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عليَّ صنيع الصبي ووضعه أصبعه في فمه فجعل يمصها. ثم مر بأمة تضرب فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، قال: فترك ثديها وأقبل على أمه، فقال: اللهم اجعلني مثلها يا أماه، قال: فذلك حين تراجعا الحديث، فقالت: حلقى مر الراكب ذو الشارة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومر بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، فقال: يا أماه إن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون زنت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، وهي تقول حسبي الله. فهذه المرأة الصالحة اتهمت بالباطل بالسرقة والزنا، فصبرت واتقت ولم تجزع، وليس هناك أذكار تقال عند رؤيتك لأحد من الذين ظلموك، وإنما هناك أدعية وأذكار لدرء شر العدو الظالم، ذكرناها في الفتوى رقم: 20343.
والذي ننصحك به أن تعفي عمن ظلمك، فإن في ذلك خيراً كثيراً، كما قال الله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} .
وفي صحيح مسلم وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وما ذكرت من أن الناس لا يزالون يتحدثون عن هذا الاتهام الذي اتهمت به بعد مرور عدة سنوات، فالغالب على الظن أنه غير صحيح، وأنه عبارة عن وهم حملك عليه فرط حساسيتك من هذا الموضوع، ولو فرض أنه صحيح، فالمشروع أن تدفعي عن نفسك هذا الاتهام الباطل لا أن تسكتي وتتجرعي آلام هذا الاتهام، فإن هذا لا خير فيه، ونسأل الله أن يفرج همك وأن يشرح صدرك، وأن يقيك نزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وراجعي الفتوى رقم: 16946، والفتوى رقم: 26806، والفتوى رقم: 9573.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(9/5361)
عمارة الوقت والتوبة من الذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين
شيخنا الكريم هل للمؤمن من برنامج يومي يتبعه لينجو من الذنوب صغيرها وكبيرها ... وهل للمسلم من سيطرة على اللمم؟
أسال الله ان يعينكم ويثبت خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل ما يعمر به المؤمن وقته ويومه هو الانشغال بالقيام بالفرائض كالصلوات الخمس والصيام الواجب، وبر الوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسنن والمستحبات كالصلوات الراتبة وقيام الليل والصدقة المستحبة، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ونحو ذلك.
وإن أعظم حاجز ومانع يمنع العبد من الوقوع في الذنوب صغيرها وكبيرها هو مراقبة الله سبحانه وتعالى وتقواه وأن يعلم العبد أن الله مطلع عليه عالم بسريرته وعلانيته، فإن هذا يورث العبد خوفا من الله سبحانه وتعالى واستحياء منه، وكذلك تذكر الموت وشدته، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ {الحج: 1-2} .
ثم إذا ما وقع العبد في الذنوب فمن رحمة الله عز وجل أن جعل له سبلا للتخلص من آثارها وأعظم طريق للنجاة من الذنوب بعد الوقوع فيها هو طريق التوبة، وهي واجبة من كل ذنب. قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى: 25} . وقال صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم.
وكذلك من طرق التخلص من الذنب بعد الوقوع فيه أن يتبعه بعمل صالح. قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114} . وقال صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.0
وإذا فعل العبد الذنب ولم يتب منه أو لم يتبعه بعمل صالح فإنه مستحق ومعرَّض للعذاب، ولكن رحمة الله عز وجل أوسع وأعظم، وقد قال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ {النجم: 32} . وقال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي.
وراجع الفتوى رقم: 20739.
أسأل الله أن يغفر لنا ولك ويعفو عنا وعنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1425(9/5362)
اليأس والقنوط قرينا الكفر والضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع دائمًا صوت أغاني في أذني حتى وأنا أصلي مع أني لا أستمع للأغاني عادة سوى مصادفة من عند الجيران ولأني أسمعها دائمًا وخصوصًا في أذني الشمال حتى عند قراءتي للقرآن وللأذكار اليومية وهي تفسد علي صلاتي وتركيزي في أمور كثيرة ماذا أفعل أنا أشعر أن الشيطان يشاغلني لأن زوجي قطع الصلاة وهو يريدني أن أفعل مثله هو فقط يائس لأننا نمر بظروف اقتصادية صعبة لكن بداخله أنا واثقة من إيمانه وأدعو الله دائمًا له بالهداية لكن لا أدري ماذا أفعل في هذا البلاء.
وشكرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على اهتمامها بدينها، ونسأل الله تعالى أن يجعل لها من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ولعل ما تسمعين هو من تخيلات الشيطان ووساوسه ليشغلك بها عن عبادتك. وعلاج ذلك في كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى والاستعاذة به من شر الشيطان. والمداومة على أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج والنوم والاستيقاظ.... والاكثار من تلاوة المعوذتين. وإذا أحسست به في الصلاة فتعوذي بالله من الشيطان وانفثى عن يسارك ثلاث مرات، فقد روى مسلم في صحيحه أن عثمان ابن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. وما فعله زوجك من قطع الصلاة ودعوتك لذلك خطأ فاحش وغلط بين يجب عليه التوبة منه، فالصلاة أمرها عظيم وتركها خطير، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه كفر أكبر مخرج من الملة وأنه لا حظ في الإسلام لمن تركها. ولعل ما أصابكم من الوساوس وضيق ذات اليد ويأس زوجك.. هو عقوبة من الله تعالى بسبب هذه المعصية الكبرى وترك هذه الفريضة العظمى. وعلى هذا فإننا ننصحك بحث زوجك على أداء الصلاة وعدم اليأس، فإن اليأس والقنوط قرينا الكفر والضلال، كما قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} ، وقال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56} ، وثقي بالله تعالى واستقيمي على طريق الحق وحثي زوجك على ذلك، واعلمي أن الله تعالى جاعل لكم فرجا ومخرجا كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2ـ3} ولمزيد من الفائدة نرجو منك الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 3645، 1406، 3087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(9/5363)
السعي على الأهل والاهتمام بهم من أفضل الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله الف خير عنا وعن سائر المسلمين لما تقومون به من خدمة للمسلمين والإسلام وتنوير طريق المسلمين جعلكم الله ذخرا لنا إن شاء الله.
أما بعد سؤالي هو: ماهو جزاء من أمسي وأصبح وهمه أهله وخوفه عليهم والدعاء لهم كل يوم بالثبات والهدايه والستر عليهم من فتن الدنيا ومصائبها وثبات قلوبهم علي الإيمان والطاعه وإلى آخره؟ هل يعتبر مثل ما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وبأهلك فـ جاهد؟
وشكراً.
وجزاكم الله ألف خير عنا وعن سائر المسلمين.
ملاحظه.. أرجو إرسال نسخه من الفتوي إلى بريدي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن السعي على الأهل والاهتمام بهم والقيام على أمورهم وإصلاح حالهم بالتربية والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فقد مدح الله تعالى أنبياءه بأنهم كانوا يأمرون أهلهم بالصلاة والزكاة، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {مريم:54-55} ، وقال تعالى مخاطباً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه:132} .
ومع ذلك فينبغي ألا يكون ذلك عائقاً للمسلم عن الاهتمام بأمر المسلمين عامة وتقديم ما يستطيع من المساعدة لهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول ... رواه البخاري ومسلم.
وأما ما قاله السائل الكريم "وبأهلك فجاهد" فلم نطلع عليه مرفوعاً، ولعل السائل يقصد ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 38059.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(9/5364)
توبة من وزع أحاديث موضوعة على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت إليكم من قبل لأسألكم عن حوار إبليس مع الرسول وكنت قد أخذته من مسجد حيث كانوا يوزعونه ولكن كانت الطباعة سيئة فقمت بإعادة طباعتها مرة أخرى ونشرها والآن علمت أنها كذب فماذا أفعل؟ حيث إنني قد وزعتها على الكثير ممن لا أعرفهم. أريد أيضاً أن أعرف الكثير عن أسماء الله الحسنى ومن أين أستطيع أن أحملها على الكمبيوتر.
جزاكم الله خيرا على ما أفدتمونني به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قمت به من توزيع للحديث الموضوع وأنت لا تعلمين أنه موضوع لا شيء فيه، ولكن يجب عليك مستقبلاً التثبت والسؤال عن صحة ما تفعلين، قال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5} ، قال ابن كثير: فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه. انتهى.
وقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286} ، وثبت في صحيح مسلم عند تفسير الآية: أن الله تعالى قال: قد فعلت. وإنما الإثم على من تعمد الباطل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه، ثم إن من تمام التوبة السعي في سحب ما وزعته من أماكن التوزيع مع بيان أن الحديث موضوع وهذا كله بحسب الطاقة، وراجعي القتوى رقم: 25575، والفتوى رقم: 17521.
ولمعرفة المزيد عن الأسماء الحسنى فراجعي الفتوى رقم: 30452، والفتوى رقم: 12383، ويمكن أن تعرف المزيد عن أسماء الله الحسنى بالدخول على الموقع التالي وعنوانه هو: WWW.deentimes.COM
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(9/5365)
من حكم الامتحان بالابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من حضرتكم الاستفتاء في أمر ما، حيث إنه قبل يومين حصل أن أمي كانت ذاهبة إلى إمارة عجمان وكان إخواني معها، فطلب أخي منها الوقوف عند الجامع لقضاء حاجة، وكانت أمي غير منتبهة على أن الراديو كان مفتوحاً على الأغاني بصوت غير عال، وفجأة وحيث إن أمي كانت جالسة لوحدها في السيارة أحست بارتطام أشبه بارتطام سيارة لها من الخلف، فأمي أغلقت الراديو ونظرت إلى الخلف لكن كان لا يوجد أثر لأي شيء، ولم يكن هناك أناس حتى، فهل يمكن أن يكون هذا من فعل الملائكة لتنبيه أمي بأن هذا حرام، وهل الملائكة تنزعج، لأنه على ما اعتقد أن الملائكة تؤدي فرائض الصلاة ككافة البشر، وللعلم أمي متأكدة أنه لا يوجد هناك خلل في السيارة، فما تفسيركم في هذا الشأن، وهل يمكن للملائكة أن تؤذي؟ ولكم جزي الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
لا شك أن الغناء المصحوب بالمعازف محرم، وراجع فتوى الشبكة رقم: 669.
وقد يعاقب الله العبد على ارتكاب المحرم في الدنيا رحمة منه سبحانه لينتهي الإنسان ويعود إلى ربه، قال الله تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {الأنعام:42} ، قال الطبري: أي امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إليّ ويخلصوا لي العبادة ويفردوا رغبتهم إليّ دون غيري بالتذلل ليّ بالطاعة، والاستكانة منهم إليّ بالإنابة.
لكن ما تذكره أمكم أمر غيبي لا نستطيع تفسيره بالتحديد، ولكن المهم أن يعلم أن ما حرم الله تعالى يجب تجنبه والتوبة مما وقع فيه المكلف منه وعدم العود إليه في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(9/5366)
غرتهم نعمتهم، فلا تغتروا بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل الخير عما تقومون به من خدمة الناس.
سؤالي يقول:
كثير من أصدقائي عندما يوفقون في يوم عملهم سواء أكان بإنجاز أكبر عمل أو تحصيل مبلغ من المال يكونون بهذا سعداء فيتم طرح سؤالي عليهم بقولي: إنك -على سبيل المثال- صليت الفجر في جماعة اليوم؟ ولكن للأسف أسمع إجابة غير متوقعة ألا وهي أنني غير طاهر أي جنب. نعم كثير من الناس من يهوى أن يكون في مثل هذا الشيء بحجة أنه سيوفق في هذا اليوم ولا بأس من ذلك لأنني سأقضي كل صلواتي آخر النهار؟ فما حل هذه المشكلة وخصوصا أنها تزداد بين عنصر الشباب؟ وماهو السر في هذا التوفيق؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المشكلة ناتجة عن فساد في التصور عند هؤلاء الشباب - هداهم الله- وهي كباقي المشكلات تحتاج أولاً لتصحيح المفاهيم عن العقيدة الإسلامية، وصدق التوبة والأوبة إلى الله تعالى، والأخذ بأسباب النجاة، والالتزام بالصلوات في أوقاتها المخصوصة، فإن إخراج الصلاة عن وقتها كفر في مذهب أكثر السلف من الصحابة والتابعين، كما ذكره ابن تيمية.
فيجب عليك أن تنصحهم وترشدهم إلى بعض الدعاة ليصحح لهم المفاهيم الخاطئة، ولو استطعت أن تحضر لهم بعض الأشرطة والكتيبات التي تتحدث عن التوبة والتخويف من أن يموتوا على تلك الحال فافعل.
وإن لم يستجيبوا وجب عليك هجرهم حتى يعودوا إلى ربهم حفاظاً على قلبك، فالطبائع سراقة، وإظهاراً لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما سر توفيقهم مع معصية الله تعالى، فهو في الحقيقة استدراج من الله لهم، فقد صح عند أحمد في المسند عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [سورة الأنعام: 44] .
وقال الله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة هود: 15-16] .
وقال تعالى: وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الزخرف: 33-35] .
وقال تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [سورة الإسراء: 18] .
قال الحسن البصري: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قُتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم تلا: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ.... الآية. قال: مُكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا، وما أخذ الله قوماً إلا عند سكرتهم، غرتهم نعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. اهـ
فلعلك أدركت بعد هذا البيان الفارق بين التوفيق والمكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(9/5367)
الدنيا دار ابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أغيثوني، الإخوة الكرام في الشبكة الإسلامية، جزاكم الله خير الجزاء:
أرجو من حضراتكم أن تقدموا لي النصيحة في سبيل الله عز وجل فأنتم أهل والله لذلك، لأني والله أتخبط وضاقت بي الدنيا وأرجو أن لا تؤاخذني إن أطلت عليكم، فلقد ابتليت منذ صغر سني بتشوهات في قوامي (ظهري وأكتافي) ، ولم أنتبه لنفسي فقد كنت صغيراً ولم أجد من يهتم بي أيضاً وأنا الآن قد أنهيت دراستي الجامعية وأعمل منذ فترة طويلة في إحدى المؤسسات ولكني أعيش حياة صعبة لا يعلمها إلا الله، ولا أدري ما الذي جعلني أصل إلى أقصى درجات اليأس في مرحلة متقدمة من العمر، خاصة أني أصبحت أبحث عبر الإنترنت عن حالات مشابهة تم علاجها لكني تعبت ولم أجد، فأنا والله دائم الهم والتفكير وشارد الذهن وأعيش حالة شديدة من الاكتئاب عندما أنظر للناس الأصحاء من حولي وأشعر بحرج دائم، مع أني والله مؤمن كل الإيمان بقضاء الله وقدره وأنا محافظ على الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء إلى الله أن يشفيني مما ألم بي فكما تعلمون أن الدعاء لا ينافي الإيمان بالقدر فربنا عز وجل يقول: \"وإذا مرضت فهو يشفين\"، ونبي الله أيوب دعا ربه فقال: \"رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين\"، ودائماً ما أحاول الهروب من حالة الاكتئاب التي أعيشها بالصلاة وتلاوة القرآن ولكني مع ذلك ما إن أبدأ حتى أهم بالبكاء، ولقد أصبح دعائي في الآونة الأخيرة، \"رب اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى\" فهل أنا بهذا الدعاء يائس من رحمة الله (والعياذ بالله) اعتقد أني يائس من حياتي ليس أكثر ... ماذا علي أن أفعل كرجل مسلم ومؤمن بالله الذي خلق لكل داء دواء، أغيثوني بارك الله فيكم فحياتي جحيم لا يطاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم رحمك الله أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وهذا الابتلاء لا ينجو منه أحد حتى من اصطفاهم الله من عباده وهم الأنبياء، وأكثرهم بلاء في هذه الدنيا نبيناً محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك هو أرفعهم درجة وأعلاهم درجة والابتلاء كما يكون في أمور الدنيا من فقد مال أو موت ولد أو تأخر في الزواج أو مرض أو غير ذلك، فإنه أيضاً يكون في الدين، فهناك من يبتلى بفعل الكبائر أو ترك الصلاة أو نحو ذلك.
فاحمد لله أن جعل مصيبتك في أمر من أمور الدنيا ولم يجعل مصيبتك في دينك، واعلم أن من ابتلاه الله في الدنيا فصبر فسيعوضه الله في الآخرة، والآخرة خير وأبقى، والآخرة خير من الأولى، وما عند الله خير للأبرار، فإذا صبرت على قدر الله فلك من الله أجر عظيم، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10} .
ومن يتصبر يصبره الله حتى يتكيف مع ما ابتلاه الله به، ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: وجدنا خير عيشنا بالصبر.
والدنيا ساعة أو ساعات معدودة محدودة، ثم نلقى الله، وغمسة واحدة يغمسها المؤمن في الجنة تنسيه كل شقائه في الدنيا، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب!!! ما مرّ بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط!!. رواه مسلم.
ولمعرفة ثمرات الابتلاء وفوائده راجع الفتوى رقم: 16766، والفتوى رقم: 13270 ثم إن البلاء البدني الذي ابتليت به لا ينبغي أن يمنعك عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية، بل عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره رضا حقيقياً ظاهراً وباطناً ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة والراحة والطمأنينة ولذة الحياة التامة وامتثل وصية الناصح الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
فهناك من ابتلي في بدنه بلاء لا يستطيع معه النوم، وهناك من تعطلت كليتاه فيحتاج إلى الغسيل الكلوي دورياً، وهناك من شُلَّت قدماه ويداه فلا يستطيع الحركة إلا بمساعد وهناك من أصيب بالعمى وهناك من أصيب بالجذام وتساقط لحمه وقذره الناس وفروا منه حتى لا تصيبهم العدوى، وهناك من جُنَّ وضحك منه الصبيان وطاردوه في الشوارع ورموه بالحجارة، فأين أنت من هؤلاء؟ والله أنت في نعمة وسيزيد شعورك بها إذا قارنت نفسك بمن هو أشد بلاء منك وبمن هو أدون منك في أمور الدنيا.
فلا تستسلم لإحزان الشيطان لك، وثق بالله، وأر الله منك صبراً جميلاً واشكره على ما أنت فيه، واحمده حمداً كثيراً، ولا تتمن الموت فإن في حياتك شاكراً صابراً محتسباً رفعا لدرجاتك وتكفيرا لسيئاتك وفي موتك قطعا لذلك كله، ولا تغفل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه.
وهذا الدعاء أولى بك من الدعاء الذي ذكرت أنك تدعو به، وحذار من اليأس من رحمة الله، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقال تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} .
وإن كان لهذه التشوهات علاج، فالتمسه، ولقد تقدم الطب الطبيعي والعلاج عن طريق التمرينات وجلسات الكهرباء وما أشبه ذلك، والتزم الدعاء خاصة في الأوقات الشريفة التي ترجى فيها الإجابة كالأسحار وبين الأذان والإقامة وآخر ساعة من العصر يوم الجمعة وفي السجود وبعد الآذان ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(9/5368)
أغواهما الشيطان فكادا أن يزنيا ثم ندما وتابا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اسمي أحمد وسني 23 سنة وكنت شخصاً طيباً طوال هذه السنين، أصلي وأصوم وأؤدي سنن الصلاة، وأحياناً أصلي في الجماعة وأنا من أسرة محترمة، وقد أنهيت دراستي الجامعية بتفوق ولازلت كذلك بفضل الله حتى تعرفت على فتاة على الإنترنت، ومضيت معها في علاقة غرامية وكنت أنوي أن أتقدم لأهلها لأتزوجها، وكنت دائماً أدعوها لقراءة القرآن وهي أحيانا كانت تحثنى على ذلك، وعلى فعل الأعمال الصالحة، وذات مرة سافرت تلك الفتاة إلى المصيف فأخذت إجازة من عملي وسافرت إليها وكنا نلتقي كل يوم مرة حتى وقعنا في الحرام كلانا، فهي شجعتني لثقتها بي وأنا لم أدر ماذا أفعل، لم أتخيل أنني قد أفعل هذا يوماًما ولكن هذا ما حدث، وأنا أبكي وأشعر بالندم على كل ما فعلت فهل ما كان بيننا وهو تقبيل الفرج ومصه يعتبر كالجماع، فأنا لم أعاشرها ولكن فقط التقبيل والمص لفرجي من جانبها ومباشرتها باليد من ناحيتي من غير جماع، إنني أعلم أن هذا حرام ومن الكبائر ولكن هل له نفس حكم الزنا ونفس العقوبة؟ إنني أحس بأنني قد دمرت حياتي وآخرتي ولا أستطيع أن أواجه الدنيا مرة أخرى، ونادم أشد الندم ولا أستطيع أن أواجه ربي ولا نفسي ولا أي إنسان، أفتوني من فضلكم ما الذي يجب أن أعمله الآن فالفتاة نادمة جداً، وأنا لا أعرف هل ينبغي أن أتقدم لخطبتها أم أنساها، إنها طيبة ومن أسرة طيبة مثلي ولكني أخطأت معها فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما وقع منكما أمر محرم شرعاً يستوجب التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، وقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى من خطوات الشيطان التي يستدرج بها العبد شيئاً فشيئاً حتى يوقعه في الفاحشة والعياذ بالله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21} .
وإن من خطوات الشيطان أن يقيم الإنسان علاقة مع فتاة خارج نطاق الزواج الشرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء. رواه البخاري، وقال أيضاً: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري.
كل ذلك قطعاً لخطوات الشيطان، فالواجب عليكما التوبة إلى الله عز وجل، واعلم أن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد إذا كانت صادقة مهما عظمت ذنوبه، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
وقال تعالى في الحديث القدسي: يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي.
وبما أنك ندمت على ما فعلته فإنا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يغفر لك ويقبل توبتك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه. وانظر الفتوى رقم: 19812 لمعرفة شروط التوبة.
وقول السائل: هل له نفس حكم الزنا ونفس العقوبة؟ فالجواب: أن الزنا درجات وقد قال صلى الله عليه وسلم: كتب على بن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش -أي اللمس- والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وما فعلتماه هذا من الزنا لكنه لا يصل إلى حد الزنا الذي يوجب لأن الزنا الذي يوجب الحد هو إيلاج الذكر في الفرج، وأخيراً ننصحك أن تقطع هذه العلاقة المحرمة بهذه الفتاة فوراً بل يجب عليك ذلك، وإذا كانت الفتاة نادمة وعلمت من حالها الاستقامة فلا مانع من أن تتقدم لخطبتها إذا كانت متصفة بالخلق والدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1425(9/5369)
المصائب كفارات للخطايا
[السُّؤَالُ]
ـ[في موضوع يحيرني كثيرا لا أعلم إذا كان عن خطأ ارتكبته أو هذا حظي ألا وهو:أني كل ما أحاول جمع مبلغ من المال لا أستطيع ويضيع مني المال في مصيبة أو مشكلة أو يذهب إلى شخص قريب أو عزيز لي وأريد منكم أن تساعدوني بإرشادكم لي إذا كان هذا يحصل عن ذنب ارتكبته لكي أتوب منه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يتوب من كل ذنب، وأن يجدد التوبة كل حين، فالله تعالى: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} ، كما جاء في الكتاب العزيز. ومما لاشك فيه أن للذنوب أثرا كبيرا فيما يصيب العبد من نكبات، قال جل من قائل: ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} . وفي الحديث الشريف: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه الإمام أحمد. ومن فضل الله تعالى أن هذه المصائب التي تصيب المرء في نفسه أو أهله أو ماله تكون كفارة لذنوبه، روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولاحزن ولا أذى ولاغم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وعليك أن تتفقد نفسك وتحاسبها، إذ قد يكون عندك من الذنوب ما كان سببا فيما ذكرته. ومع ذلك فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وهذا ما لا يصح إيمان المرء دون اعتقاده، ثم إن عليك أن لا تقنط من رحمة الله وأن تكثر من دعائه وراجع الجواب: 14836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1425(9/5370)
سبيل التخلص من كره النفس والتسخط على رب العالمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم من فضيلتكم بالإجابة على سؤالي الذي أقلقني كثيراً، وهو: أعاني منذ فترة من كره شديد لنفسي حيث إنني أم لطفلين وحامل في الشهر التاسع وقد تعبت ويعلم الله من هذه الحياة وأتعبني الحمل كثيراً وأنا تعبانه من زوجي كذلك لأنه أغلب الأحيان بارد وأنا أحب الخروج من البيت معه وخصوصاً الحدائق أو على الأقل أي مكان المهم نغير الجو قليلاً، ولكنه يرفض بحجة أنه تعبان، علما بأنه إذا اتصلت به إحدى أخواته وطلبت منه أن يوصلها فعلى الفور يوافق وعندما أغضب منه وأقول له أنا أولى منها فيقول أنا لا أوصلها إلا من أجل أبوي حتى لا تغضب، وأبوه كبير في السن يعني تقريباً 60 سنة، وما شاء الله يستطيع أن يذهب ويجيء على الأقل ما يتعب مثل زوجي، ولكن زوجي يبدو أنه يخاف من أخواته أو خايف لا يخسرهم، والله أنا في هم دائماً منه ومن أولادي الله يحفظهم ... وأيضا أعاني من العصبية فمثلاً عندما يطيح أولادي أتألم أنا على طول أقول (علشان مسلمين فلازم نتعذب مضبوط) ، وأحيانا أتعصب على رب العالمين وكأنني في غنى عنه صدقوني أنا عقلي صاير متلخبط فأنا ما كنت كهذا أبدا بالعكس كنت قوية الإيمان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر والآن أنا تغيرت وأخاف أن أموت وأنا في هذه الحالة ما أدري ماذا أفعل، صدقوني لا أعرف ماذا حصل لي فلا محافظة على الصلوات فقط أهم شيء أصلي ولا أفكر في الخشوع ربما لتعبي الدائم، عندما أرى أو أسمع من بعض المشايخ عن سعة رحمة الله أبكي على حالي والله العظيم وبعد فترة وجيزة ترجع الحالة مرة ثانية هل هذا طبيعي أم أنني ممن قلب الله قلوبهم وصرفهم عن جادة الصواب أحس أنني من أهل النار لا فائدة مني، أرجو من فضيلتكم الإجابة على سؤالي، وكيف الخلاص من هذه الدوامة وخصوصاً حتى اسم الله لا أنظر إليه أو بالأصح أصرف بصري عنه لا أدري لماذا أحسه عدوي استغفر الله العظيم، أنا حقيقة صرت كالمجنونة، أرجوكم ساعدوني, وهل ستذهب هذه الحالة أم ماذا؟ ولكم مني الشكر، وسامحوني على صراحتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يجب أن يعلم أن رحمة الله واسعة ودليل هذا وعده سبحانه للعصاة بالعفو والمغفرة من ذنوبهم إذا هم تابوا مهما بلغت ذنوبهم كثرة، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة، فقال: لا فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة.... الحديث.
فعلى المسلم أن يغتنم هذا الكرم من ربه جل وعلا ويبادر إلى التوبة فيسعد في دنياه بالطمأنينة وتيسير الأمور، وفي آخرته بالفوز بالجنة، أما من أصر على اقتراف المعاصي فإنه على خطر عظيم لما للمعاصي من شؤم على صاحبها في تكدير حياته وإصابته بالمصائب والبلايا النفسية والجسدية هذا فضلاً عن العقوبة في الآخرة ومصداق هذا قول الحق سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} ، وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} .
ومن هنا نقول لهذه السائلة أنه ربما كان سبب ما أنت فيه عدم المحافظة على الصلاة وقد ينضاف إلى ذلك عامل الحمل فقد دل القرآن على أن الحامل تلقى جهداً شديداً خلال فترته، فقال سبحانه: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ {لقمان:14} ، وقال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15} .
والسبيل لعلاج هذه الأمور هو مجاهدة النفس بالمحافظة على الصلاة والتقرب إلى الله سبحانه بالأعمال الصالحة وترك المعاصي ثم الصبر على مشقة الحمل وتربية الأولاد، واعلمي أن ربك سبحانه منحك نعمة حرمها كثيرات فكم من امرأة متزوجة حرمت نعمة الحمل والولد فاحمدي ربك واشكريه ولا تقابلي نعمه بالتسخط، هذا وندعو زوجك إلى أن يكون عونا لك على التخلص من هذا القلق بمداومة النصح والإرشاد والاستجابة إلى ما تطلبين منه في حدود الشرع والعرف بما في ذلك الخروج إلى الحدائق والمتنزهات العامة التي لا يوجد فيها اختلاط.
ولتحذري من التسخط على أقدار الله تعالى، فما أشرت إليه من ألفاظ توحي بذلك يجب عليك الكف عنها والتوبة والاستغفار مما سبق منها والرضى بقضاء الله تعالى وقدره، فذلك السبيل للطمأنينة وانشراح الصدر والسعادة في الدنيا والآخرة، واجعلي دائماً نصب عينيك فقرك التام إلى الله تعالى وغناه المطلق عنك وجميع مخلوقاته، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {فاطر:15} ، فهو غني عنا وعن أمثالنا، فعباده سوانا كثير، ولكن لا رب لنا سواه.
نحن الذين نحتاجه، نحن الذين يجب علينا أن نحذر سخطه ونرجو رحمته ونخشى عذابه، تذكري دائماً افتقارك إليه واحتياجك الشديد له، وتذكري عظمته وجبروته، ثم تذكري حلمه مع قدرته علينا، فلو شاء (والله) لخسف بنا، فالأرض جميعاً قبضته، وجميع المخلوقات جنوده، والملك ملكه، والعبد عبده!! أفيقي مما أنت فيه، ففري منه إليه!!
ليس الله عدوك، إنما عدوك الشيطان ونفسك التي بين جنبيك، توبي إلى الله وارجعي إليه، فوالله لهو أشد فرحاً برجوعك من امرأة فقدت رضيعاً لها ثم وجدته.
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل!!
وسعت رحمته كل شيء، لكن هل تعرضت لها؟! هل نستحق أن يرحمنا وأن ينظر لنا؟
أكثري من الاستغفار في اليوم والليلة، وأدمني النظر في القرآن واستمعي لتلاوته، وأقبلي على الله في صلاتك ولا تتركيها أبداً، فإن من تركها متهاوناً بها ومتكاسلاً عنها فقد حكم كثير من أهل العلم بكفره، ويكفي ذلك رادعاً وقومي لله في الأسحار، وأنسي به، ومدي يديك سائلة متضرعة ملحة ذليلة، فسيقبلك، فقد وعدنا ذلك!!
وفتشي عن الفتيات المؤمنات، واصحبيهن واقبلي نصحهن، فالدنيا ساعة، ثم نلقى الله، عسى الله أن يشرح صدرك وينور قلبك ويلهمك رشدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1425(9/5371)
الأمر بالتقوى يقبل من أي مصدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المعذرة في سؤالي هذا ماذا يقال عندما يقول شخص \"اتق الله\" للشخص الآخر، أريد التأكد من صحة القول \"اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم\" وجدتها في كتاب الأذكار تحت عنوان (الخوف من الشرك) وهل يجوز أن يقولها الشخص دائماً خاصة الذي لديه وسوسة منها وخائف؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على من أمر بتقوى الله أن يقبل النصيحة ممن نصحه لأن تقوى الله فرض على كل أحد، وأن يبتعد عن خلق من تأخذهم العزة بالإثم حيث يُنصحون بالتقى، وليس هناك لفظ مأثور يقوله المنصوح، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً بها فقال له: اتق الله حيثما كنت ... كما في حديث الترمذي، ولم يثبت أن معاذا قال له شيئاً.
وأما الدعاء بقولك: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك إلخ، فهو دعاء ثابت ويجوز قوله دائماً كل يوم كما قال المناوي في فيض القدير، وقد سبق تخريجه والكلام عليه في الفتوى رقم: 30750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1425(9/5372)
شروط تكفير الصغائر بالأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح عندما أعمل معصية يجب أن أتبعها بحسنة لكي تمحو السيئة، مثلا لو فعلت سيئة مثل العادة السرية ثم قمت واستغفرت الله على فعلتي هذه وصليت ركعتين لله هل تمحى السيئة؟ وهل الصلاة إلى الصلاة تمحو ما بينهما؟ وهل الجمعة إلى الجمعة تمحو ما بينهما؟ وهل عندما أشاهد سيئة بالعين، وعند قراءتي للقرآن تمحو؟
أنا شاب أعزب ولم أتزوج وأنا أقوم بالعادة السرية خوفا من الوقوع في المحرم (الزنا) ولولا هذه العادة لوقعت في الزنا وأشياء أكبر من الزنا وكل شيء مسهل عندي ولكن خوفي من الوقوع في الزنا أقوم بهذه العادة التي تريحني من شدة الشهوة التي عندي وليس لدي القدرة على الزواج، وإني أحاول بقدر استطاعتي أن أترك هذه العادة إلى أن أتزوج بإذن الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بمراجعة الفتوى رقم: 7170 والفتوى رقم: 23868 فيما يتعلق بالعادة السرية وكيفية الخلاص منها.
وأما سؤالك عن الصلاة، وهل تكفر الذنب؟
فالجواب: أن كبائر الذنوب كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك لا تكفرها إلا التوبة بشروطها، وهي ثلاثة فيما كان بين العبد وربه:
1- الندم على الذنب. 2- الإقلاع عن الذنب. 3- العزم على عدم العودة.
ويزاد شرط رابع إذا كان لها تعلق بحقوق المخلوقين، وهو:
4- رد الحقوق إلى أهلها.
وأما الصغائر فيكفرها ما يفعله المرء من الأعمال الصالحة كالصلاة والوضوء والحج والعمرة، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، قال العز بن عبد السلام: فإن قيل: قد جعلتم الإصرار على الصغيرة بمثابة ارتكاب الكبيرة، فما حد الإصرار؟ أيثبت بمرتين؟ أم بأكثر من ذلك؟ قلنا: إذا تكررت منه الصغيرة تكررا يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ردت شهادته وروايته بذلك، وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر أصغر الكبائر.انتهى.
وقال البدر الزركشي: والإصرار يكون باعتبارين، أحدهما: حكمي، وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها, فهذا حكمه حكم من كررها فعلاً, بخلاف التائب منها, فلو ذهل من ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة والجمعة والصيام، كما دل عليه الأحاديث. إلى أن قال: والثاني: الإصرار بالفعل.انتهى.
وعليه؛ فالمداومة على الصغيرة دون توبة منها يجعلها كبيرة لا تكفرها الصلاة، بل لا بد من التوبة منها بشروطها السابقة.
وأما الاستغفار من الذنب فهو توبة إذا استكملت شروطها يكفر الكبير والصغير.
وأما قراءة القرآن فإنها من الأعمال الصالحة التي قد يكفر الله بها السيئات. ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 3000 والفتوى رقم: 27004 وكذلك الفتاوى المتعلقة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(9/5373)
يشعر بضيق لوفوع الظلم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة وأنني ظلمت كثيراً ورغم أنني أعرف أن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، وأصلي وأسأل الله أن يرفع عني هذا الظلم ولكنني أحياناً أشعر بالضيق، أرجو أن تفيدوني ما سبب هذا الضيق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الظلم حينما يقع على المرء يسبب له نوعاً من الضيق، فقد قال الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] ، وقال تعالى: وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُون َ [النحل:127] .
وغير ذلك من الآيات الدالة على حصول ذلك في صدر المرء إذا ما أوذي بغير حق، لكن المؤمن المتوكل على الله تعالى العالم بحكمته وحسن تدبيره وجميل فعله يحتسب كل ذلك، ويستفيد منه ما يقربه إلى ربه، فيقابل ظلم الغير بالصبر الجميل، قال تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين َ [البقرة:153] ، وقال: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] .
ولعل هذا الظلم يكون سبباً في رجوع المظلوم إلى ربه عز وجل، فبوقوع الظلم عليه يتذكر ما قدمت يداه من الذنوب، فيتوب إلى الله عز وجل منها، ويعلم عندها حقيقة قول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30] .
ولرفع هذا الضيق عن الصدر ينبغي للمرء أن يُكثر من ذكر ربه والصلاة على نبيه، قال عز وجل: أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ، روى أحمد في المسند عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك. وحسنه الأرناؤوط.
ومما ينفع في هذا الباب أيضاً الإكثار من الصلاة، فقد قال عز وجل: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] ، ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك الظلم وأن يحفظك ويرعاك، وراجع الفتوى رقم: 4188.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(9/5374)
الذنوب أسباب مباشرة لنزول المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق لي يقول إنه فقد حاسة العطس ويظن أن الله حرمه منها بعد أن ارتكب كبيرة من الكبائر. هل هناك مستند شرعي لما يقول.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد يعاقب بعض الناس فيحرمه من نعمة ما بسبب ذنوبه، كما حصل لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد حرمهم الله منها بسبب عزمهم على حرمان الفقراء منها، ويدل له كذلك الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد والحاكم وابن ماجه، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
ولكن لا نعلم هل ما حصل للشخص بسبب هذا الذنب أم بسبب آخر؟ والذي نعلمه جزما هو أن الذنوب أسباب مباشرة لنزول المصائب، ويتعين على العبد أن يتوب إلى الله من ذنوبه، وأن يعلم أن الابتلاءات في الآخرة على من لم يتب ولم يصب في الدنيا قد تكون أعظم وأشق، كما قال تعالى في قصة أصحاب الجنة: [كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (القلم: 33) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/5375)
الابتلاء من سنن الله في خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل من علماء الشبكة الإسلامية، وبعد: هو ليس بسؤال ولكن قد لازمني عدم التوفيق وعدم الكسب في أي عمل أعمله مهما كان بسيطاً ومضمون النجاح لكن يفشل دون أي سبب ظاهر بعض الناس قالوا (عين) ، يعني حسد وقد قرأت على نفسي وقرأ علي شيوخ أجلاء وعلماء دون فائدة وقد رأيت رؤيا منذ 4 سنوات وهي الآن تتحقق بحذافيرها عن عدم التوفيق هذا أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار بلاء، قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] ، وقال سبحانه: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-2-3] .
ولو كانت الدنيا تصفو لأحد لصفاها الله لنبيه، ولكنه -وهو خليل الرحمن- كانت حياته مليئة بالمشقة والشدة والبلاء، والذي يطالع سيرته صلى الله عليه وسلم يعلم تفاصيل ذلك، ولقد صبر نبينا صلى الله عليه وسلم على ما ابتلي به من الجوع والإخراج من بلده والفقر وغير ذلك رغبة فيما عند الله، لأنه يعلم أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وراجع الفتوى رقم: 13849 ففيها مزيد بيان.
وقد يكون سبب ما أنت فيه من فشل راجع إلى أسباب غير السبب الذي ذكرته، ولذا فالواجب عليك أن تراجع تفريطك في جنب الله سبحانه فلعل ذلك هو السبب الرئيسي في ذلك، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30] ، وقال صلى الله عليه وسلم:.... وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. وراجع لزاماً الفتوى رقم: 4188.
وعليك أن تجتهد في تحصيل أسباب سعة الرزق، ومن ذلك التوكل على الله والبكور في العمل وغير ذلك، وراجع الفتوى رقم: 29607، والفتوى رقم: 6121 ففيهما أسباب سعة الرزق.
وأما بالنسبة للعين والإصابة بها، فراجع الفتوى رقم: 39136 والفتاوى الملحقة بها، ففيها أسباب الوقاية من العين.
والحذر كل الحذر من اتباع خطوات الشيطان، والاستسلام لإحزانه لك، فلا تقعن في التشاؤم ولا يضعفن توكلك على الله، واعلم أن رضاك عن الله سبب لرضاه عنك، قال تعالى في صفة المؤمنين: رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119] ، وإن من أهم ما يريح قلبك ويرضيك عن ربك إيمانك أن كل ما يكون في هذا الكون إنما هو بقضاء الله وقدره، وما عليك إلا الأخذ الجاد بالأسباب، ثم الله المرجو أن يأخذ بيدك ويقيل عثرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/5376)
هل ثواب أعمال البر للعاصي كثوابها للمتقي
[السُّؤَالُ]
ـ[من صفات الله العدل وعدم النسيان، وسؤالي هو: هل يثاب قارئ القرآن الذي يفرط أحياناً في مواقيت الصلاة فتارة يفرط وتارة يلتزم بمواعيدها، وهل من هذه حالته يكسب نفس مقدار حسنات القارئ الذي يلتزم بالصلاة، أفيدوني رعاكم الله وأبقاكم لنا ذخراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين، وهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم، وقد ثبت الوعيد الشديد في حق مضيعها، قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59] ، وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] ، وفي تفسير ابن كثير عن بعض السلف الصالح أن من إضاعتها تأخيرها عن وقتها وعدم الخشوع فيها وعدم إتقان أركانها وشروطها.
فالواجب على تارك الصلاة أو المتهاون بها المبادرة بالتوبة الصادقة والإكثار من الاستغفار، والمحافظة على الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها وغير ذلك مع أدائها في المسجد.
وتلاوة القرآن من أفضل الطاعات التي يعظم ثوابها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.
وهذه الطاعة وغيرها من أعمال البر إذا فعلها المؤمن العاصي يثاب عليها وتقبل منه قبولاً ناقصاً لا يرقى إلى الثواب والقبول بالنسبة للمؤمن المستقيم على شرع الله تعالى المتصف بالتقوى، قال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين َ: قال ابن عطية المراد بالتقوى هنا: اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي الشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة. انتهى.
وفي تفسير ابن عاشور المسمى بالتحرير والتنوير: وأفاد قول ابن آدم حصر القبول في أعمال المتقين، فإذا كان المراد من المتقين معناه المعروف شرعاً المحكي بلفظه الدال عليه مراد ابن آدم كان مفاد الحصر أن عمل غير المتقي لا يقبل، فيحتمل أن هذا كان في شريعتهم ثم نسخ في الإسلام بقبول الحسنات من المؤمن وإن لم يكن متقيا في سائر أحواله، ويحتمل أن يراد بالمتقين المخلصون في العمل فيكون عدم القبول أمارة على عدم الإخلاص وفيه إخراج لفظ التقوى عن المتعارف، ويحتمل أن يريد بالتقبل تقبلاً خاصاً وهو التقبل التام الدال عليه احتراق القربان. انتهى.
وعليه؛ فننصح الشخص المذكور بالمحافظة على الصلاة التي هي عمود الدين، ونلفت نظره إلى أهميتها، وأن يبتعد عن المعاصي، ويتصف بالتقوى حتى يكون من المتقين الذين يحظون بالقبول التام من الله تعالى لما يؤدونه من أعمال البر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/5377)
توضيح مقولة \"ويل لمن غلبت آحاده عشراته\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا
س- ما مضمون هذه المقولة
(( (ويل لمن غلبت آحاده عشراته)) )
وهل معنى ذالك بأن الوزن الحسنات والسيئات بالعدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ثبت أن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها، وأن السيئة لا تضاعف.
قال الله تعالى: [مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا] (الأنعام: 160) .
وفي حديث الصحيحين: فمن هم بحسنة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.
وبهذا يتضح معنى المقولة وهو أن الويل والهلاك واردان على من كثرت سيئاته حتى غلبت حسناته المضاعفة، ويدل لهذه المقولة ما في الحديث: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا، فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة. رواه الترمذي وابن حبان وصححاه.
تنبيه: المائة والخمسون حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسة، أي في الصلوات الخمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/5378)
لا ينبغي أن يوقع الخوف من الله تعالى في اليأس
[السُّؤَالُ]
ـ[السوال: لدي سؤال مهم جدا وأرجو الإجابة عليه بأسرع وقت ممكن إذا سمحتم؟
عرفت من صديقة لي أن أختها كانت لديها علاقة جنسية مع فتاة أخرى وقد استمرت هذه العلاقة أربع سنوات ولكن شقيقة صديقتي قد تابت توبة صادقة وعرفت خطأها وهي الآن شديدة الندم ولا تعلم ماذا تفعل كي تكفر عن معصيتها مع العلم بأنها قد بدأت تؤدي الفرائض كلها وتقوم بالصدقة ولكنها تشعر بخوف وألم شديدين من عقاب الله عز وجل وقامت بالابتعاد عن هذه الفتاة إلا أنها ما تزال خائفة من أن تفضحها وتشوه سمعتها خاصة أنها قد خطبت ولا تعلم هل تخبر خطيبها أم تستر على نفسها وتريد أن تعلم حكم الشرع في هذا الموضوع وما هو الحل بالنسبة لها؟ هل سيقبل الله توبتها؟ هل تهمل أمر هذه الفتاة؟ هل تترك خطيبها؟ أرجوكم أجيبوني كي
أطمئنها مع خالص شكري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يقع من العشق بين فتاة وأخرى وما يترتب على ذلك من مفاسد أمر لا يجوز، ومنكر من المنكرات، وقد سبق حكمه في الفتوى رقم: 8424.
وقد أحسنت هذه الفتاة في المبادرة إلى التوبة، فلتحسن فيما يستقبل، ولتجتنب كل الذرائع التي قد تؤدي بها إلى العودة لمثل هذا الذنب، ولتحرص على مصاحبة الخيرات الصالحات، وحضور الندوات والمحاضرات التي تعقد بالجمعيات والمراكز الإسلامية، وينبغي أن تعلم هذه الأخت أن رحمة الله واسعة لا يتعاظمها ذنب، فهو القائل سبحانه: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر: 53) فلتحسن الظن بالله تعالى، وليكن خوفها من الله تعالى دافعا لها لاجتناب معاصيه، ولا تجعله سببا في وقوعها في ذنب آخر ألا وهو اليأس من رحمة الله، والواجب عليها أن تستر على نفسها ولا تخبر بما كانت عليه قبل التوبة أحدا من الناس خطيبا أو غيره، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين. رواه البخاري ومسلم.
وفي المستدرك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى.
وأما تخوفها من أن تفضح تلك الفتاة أمرها فينبغي أن تدفع تلك الوساوس والأوهام ما دام ذلك لم يقع بالفعل، ثم إن وقع فيمكنها أن تستخدم بعض المعاريض في القول لتدفع ذلك عن نفسها، كأن تقول مثلا: إن هذا أمر غير معقول وإن الحسد كثير، ولا تترك خطيبها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1425(9/5379)
لا يجور للعاصي أن يبوح بمعصيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطوبة لشاب عاش فترة من عمره في بلد أوربي واعترف لي أنه قد أقام علاقة جنسية محرمة مع فتاة أجنبية هناك وأن هذه الفتاة قد عودته على ممارسات خاطئة ولكنه أقسم لي أنه يريد أن يتوب فهل له من توبة وكيف؟ وهل هناك وسيلة للتخلص من الاعتياد على تلك الممارسات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أصاب ذنبا يجب عليه أن يستر على نفسه ويتوب إلى الله تعالى توبة صادقة ولا يعترف لأحد بذلك، وليس من حق الخطيبة عليه أن يبوح لها بذلك ففي الحديث " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله " رواه الحاكم والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي
وأما التوبة فإن بابها مفتوح حتى طلوع الشمس من مغربها، كما في الحديث " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " رواه مسلم.
ثم إنا ننبهك إلى أن حديثك مع خطيبك قبل العقد في الممارسات الجنسية لا يجوز؛ كما سبق في الفتوى رقم: 15127 والفتوى رقم: 19340
وراجعي في كيفية التوبة ووسائل التخلص من الإدمان على الحرام وحكم بعض الممارسات الخاطئة الفتاوى التالية أرقامها: 34932، 22413، 25369، 20880، 1882، 47133، 5450، 2146، 8130.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(9/5380)
الأسباب التي بها تمحى الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني في حيرة من المقولة التي تقول بأن العبد المؤمن الذي يرتكب الذنوب لا محالة أنه سيمكث في النار على القدر المحدد لهذا الذنب من عقوبة أي أن كلا منا ارتكب ذنبا لا محالة مار على النار وهذا القول يدخل في النفس شيئا من اليأس بأن مسألة الغفران والعفو هذه كيف تكون إذا كان المسلم لا بد أن يتشوى بنار جهنم ولو ساعة واحدة، أرجو الإفادة رغم أنني أطلت عليكم وجزاك الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لا نعرف أحدا من أهل السنة المنسوبين إلى العلم يذكر عنه هذا القول، والله تعالى أخبر عن نفسه بأنه "غافر الذنب" واسمه تعالى: "الغفار".
وقال سبحانه: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ] (النساء: 116) .
ولا شك أن الذنوب والمعاصي توجب سخط الله وعقابه، ولكن دلت نصوص الكتاب وانسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:
السبب الأول: التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين.
قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ] (الزمر: 53-54) ، وقال تعالى: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] (التوبة: 104) . وقال سبحانه: [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ] (الشورى: 25) .
ولمعرفة شروط التوبة النصوح راجع الفتوى رقم: 1909.
السبب الثاني: الاستغفار، كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر الله لهم.
السبب الثالث: الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، كما قال تعالى: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ] (هود: 114) . وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. وقال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.
السبب الرابع الدافع لعقاب الله: دعاء المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته، فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه. وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه. رواهما مسلم.
السبب الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع به بنصوص الكتاب والسنة الصحيحة واتفاق الأئمة، وكذلك العتق والحج، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. وثبت مثل ذلك في الصحيح من صوم النذر من وجوه أخرى.
السبب السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة.
السبب السابع: المصائب، وهي كل ما يؤلم من هم أوحزن أو أذى في مال أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد، وهذه المصائب يكفر الله بها في الدنيا، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. ولما نزل قوله تعالى: [مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ] (النساء: 123) . قال أبو بكر: يا رسول الله: قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟! فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر: ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك ما تجزون به.
السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما تكفر به الخطايا.
السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد، فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سبحانه.
وما تقدم من مكفرات الذنوب متعلق بالذنوب المطلقة، ولكن هناك كفارات أخرى مقدرة، وهي الهدي والعتق والصدقة وصيام، كما يكفر المجامع في رمضان والمظاهر والمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته أو قاتل الصيد.
ولمزيد بيان راجع كتاب "معرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة" للإمام الحافظ ابن حجر.
وعلى هذا فلا تيأس، فإن اليأس ليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: [إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ] (يوسف: 87) . وقال سبحانه: [وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ] (الحجر: 56) .
وأنصحك أن لا تأخذ العلم عامة والعقيدة خاصة إلا على أعلام أهل السنة والجماعة، وهناك كتاب مختصر وشامل للدكتور محمد نعيم ياسين اسمه: "الإيمان أركانه وحقيقته ونواقضه" فيه خير كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(9/5381)
أصيبت بفتور وتقصيرفي العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي مشكلة كبيرة فأرجو المساعدة على إيجاد الحل السريع لها
إنني امرأة متزوجة منذ عامين وقد تحجبت بعد الزواج مباشرة مشكلتي هي رغم كوني لم أكن متحجبة من قبل إلا أنني كنت ملتزمة إلى حد كبير بأمور الدين من صلاة وعبادة وطاعة وحضور مجالس دينية هذا قبل الزواج أما الآن وبالرغم من أنني تحجبت إلا أنني وجدت نفسي بعيدة كل البعد عن ديني فالصلاة أصبحت لا أصليها دوما وهذه أكبر المصائب رغم أن هذا الشيء يتعبني كثيرا إلا أنني لا أدري ما يحصل لي حتى مجالس الدين التي أصبحت متوفرة لي أكثر وزوجي يحثني أن اذهب إليها أكثر لم أعد أذهب إليها طبعا قد تستغربون وربما تكرهونني ولكن أود أن تقرأوا رسالتي كأنها رسالة من ابنتكم أو أختكم التي تبذلون كل ما بوسعكم لمساعدتها
أرجو أن تفيدوني بأسرع وقت ممكن وتعينوني على أن أكون قريبة أكثر من ديني وربي وقرآني الذي كلما أتيت لأقرأ فيه أشعر أنني أقرؤه مجبرة أو ربما لا أجد الخشوع والله إن نفسي متعبة وحزينة لأجل ذلك ساعدوني أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نشكرك على حرصك على طاعة الله سبحانه وتعالى، وحزنك على فوات بعض الطاعات في الوقت الذي يحزن فيه الناس على الدنيا وما يفوتهم فيها من متاعها الفاني. ولتعلمي أن ما أنت فيه من مظاهر ضعف الإيمان ونقصانه، وإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقد تكونين أذنبت ذنباً أو أحدثت بدعة فابتلاك الله بما أنت فيه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى:30) ، فالله يعاقب عبده العاصي بعقوبات قدرية كعدم المسارعة إلى فعل الطاعات أو الزهد في أدائها وتركها بالكلية، وكعدم الرغبة في صحبة الصالحين، أو يعاقبه فيحرمه لذة قراءة القرآن، أو يحرمه صياماً كان يصومه، أو يذهب من قلبه الشوق إلى السحر ليقوم لله فيه، قال رجل لبعض السلف: إني لا أستطيع قيام الليل، فقال له: قيدتك ذنوبك.
وعلى ذلك فالواجب عليك التوبة إلى الله من ذنوبك، وإن من أقبح الذنوب التي تورث قسوة القلب: عقوق الوالدين وأكل الحرام ومجالسة فاعلي المنكرات دون إنكار عليهم، وكذلك النظر الحرام والاستماع إلى الموسيقى والغناء ونحو ذلك، فتوبي إلى الله من جميع الذنوب، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: من الآية31) ، فالمعاصي خطرها وبيل، ومن شؤمها أنها يجر بعضها بعضاً وكذلك من شؤمها الإدمان عليها حتى يطبع الله على قلب صاحبها ثم لا يبالي به في أي واد هلك.
ولمعرفة شروط التوبة النصوح راجعي الفتوى رقم: 1909.
وأكثري من الاستغفار وكذلك تضرعي إلى الله أن يقبلك ويقيل عثرتك ويشرح صدرك واقرئي الفتوى رقم: 3830، فإن فيها ما يرغبك في أداء الصلاة ويرهبك من تركها.
والفتوى رقم: 43151، والفتوى رقم: 29628 وما يلحق بهما من الفتاوى فأن فيهما نصائح وإرشادات نافعة جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(9/5382)
الميزان الصحيح للدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة يتيمة الأب والأم دللني والدي وعمتي أهوى رفقة الشبان بشكل كبير ربما لأني أشعر بالوحدة ونقص في الحنان زوجوني لابن عمي في 17 من عمري لكنه كان محكوم لذويه حاولت أن أغير ما به لكن لا جدوى بقينا مخطوبين عامين هو يحبني بجنون وأنا أحببته فالوقت يجعل هنالك نوعاً من الألفة والمودة لكن رغم حالته المادية الممتازة كان بخيلا بسبب أهله أقسم أني حاولت أن أغير ما به لكن دون جدوى فخنته وأصبحت عادة وعند يوم الزفاف حدث شجار بين أهلنا بقيت في منزله 17 يوما لكن رغم معاشرتنا كأزواج بقيت بنتا عذراء لم أقل لأهلي أنه لم يحدث بل وأعادوني إليه فاعتبر أني رخيصه فاذلني وضربني واتصل بأهلي وقال لهم إني ضربتها دون سبب وها أنا إلى الآن في منزل أهلي رفعت عليه قضية ولكن دون جدوى فأهلي يرفضون أن أقول للقاضي أني ما زلت عذراء لأن في هذا إشهار لابن عمي بدأت أتمادى في الخطأ وأنا أعي أنه خطأ هنالك شاب أحبني وأنا كذلك لكن كيف لي أن أكف عن الحرام وأنا لا أقدر أن أطول الحلال وللعلم الشاب الذي أحبه متدين لقد قطع علاقته بي إلى أن أترك زوجي أو يبتعد عني للأبد وهذا جعلني أسخط على الدنيا وأرتكب بحق نفسي أبشع الخطايا لا أدري أرغب بالتوبة لكن لا أقدر ماذا أفعل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب نريد أن ننبه إلى أمر مهم ألا وهو الميزان الذي يزن به المسلم هذه الدنيا، فكم من الناس حسبوا أن هذه الدنيا دار القرار وأنها كل شيء، ولذا فهم يتنافسون فيها على قضاء شهواتهم والاستمتاع بما فيها من المتاع الزائل الزائف، ولو أدى بهم ذلك إلى انتهاك المحرمات وغضب الله تعالى دون أدنى روية أو تفكير، بل يسيرون في هذه الدنيا سيرة البهائم فهم كما قال الله تعالى: يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ (محمد: من الآية12) .
أما العقلاء فوزنوا هذه الدنيا بالميزان الصحيح الذي قرره خالق الدنيا والآخرة، وعلموا أن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأنها دار ممر يمر منها الإنسان إلى الآخرة ليجد عند ذلك ما قدم من عمل، ولذا تجد هذا الصنف من الناس لا يقيمون للدنيا قيمة، فلا يبالون ولا يهتمون لو فاتتهم لذات الدنيا كلها إن كانوا قد حصلوا على لذة القرب من الله، بل يزهدون في متاع الدنيا إن كان فيه أدنى شبهة.
ولذا فعليك أيتها الأخت أن تتقي الله تعالى وأن تراقبيه في أفعالك، واعلمي أن ما قمت به من الأفعال يجب عليك التوبة منه قبل أن تفارقي الدنيا للوقوف بين يدي ربك تعالى فتندمين حيث لا ينفع الندم، وراجعي لزاما الفتوى رقم: 26714.
وأما بشأن حال ابن عمك وعجزه عن المعاشرة فمن حقك شرعاً أن ترفعي أمرك للقاضي، وليس لهم أن يمنعوك من ذلك، فإذا أرادوا إقناع ابن عمك بالتطليق دون رفع ذلك للقضاء فلا بأس، ولمعرفة بعض أحكام العجز عن الجماع الذي يعرف عند الفقهاء بالعِنَّة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 48190.
ونذكرك ثانية بأنه يجب عليك أن تقطعي كل علاقة لا يرضاها الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(9/5383)
تريد التخلص من مشاهدة الأفلام والمسلسلات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتخلص من مشاهدة الأفلام والمسلسلات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما كونك تشاهدين الأفلام والمسلسلات والتي لا تخلو من المحرمات فإننا ننصحك أن تُعدَّي للسؤال جواباً من الآن فإن الله سائلك عن عمرك فيم أفنيته؟ وعن شبابك فيم أبليته؟
قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.. ومنها وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن عمره فيم أفناه. رواه الترمذي
فالعبد يسأل عن عمره عامة وعن شبابه خاصة، فهل إذا سألك مولاك عن ذلك هل ستجرئين أن تقولي: كنت أشاهد الأفلام والمسلسلات يومياً.
هذا فضلاً عن استماع الأغاني والموسيقى المصاحبة لهذه الأفلام والمسلسلات وكذلك النظر المحرم، فإن مشاهدتك لهذه الأفلام والمسلسلات يلزم منها النظر إلى الرجال الذين يمثلون فيها، وهذا النظر حرمه الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}
(النور: 31) ، أم أنك لا تريدين أن تلتزمي بما أمر الله به المؤمنات؟!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1425(9/5384)
من حكم ابتلاء بعض العباد بالفقر وضيق ذات اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 27 عام عربي ليبي الجنسية أحمل بكالوريس حاسوب تخصص برمجة ولم أعثر على أي وظيفة في بلدي والحياة صعبة والظروف قاسية والمتطالبات كثيرة والإيمان ضعيف فساعدوني حتى ولو بنصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لك من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، وأن يوسع عليك أبواب الرزق الحلال، وأن يعينك على الشكر.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة قد يبتلي بعض عباده بالفقر وضيق ذات اليد ليمتحن صبرهم، فالواجب على العبد الصبر واحتساب ذلك عند الله عز وجل. قال تعالى: [وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ] (البقرة: 177) .
قال المفسرون: البأساء الفقر والشدة، قاله ابن مسعود رضي الله عنه.
فعليك أخي بالصبر ولا تيأس؛ بل اطرق الأبواب لعل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك عملا يكفيك به حاجتك. كما عليك أن تتقي الله سبحانه وتعالى، فإن التقوى سبب كل خير في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] الطلاق: 2- 3 وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (الطلاق: 4- 5) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1425(9/5385)
الإنسان المستقيم محبوب عند الله مقبول عند الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الناس يكرهوني وأنا أحبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم إذا وجد من الناس كراهية له ونفوراً منه ... أن يراجع نفسه، فلعل سبب ذلك تضييع بعض الفرائض أو ارتكاب بعض النواهي أو التقصير في النوافل أو عدم التحلي بأخلاق الإسلام الفاضلة التي تجذب أصحاب الفطر السليمة على محبة من تحلى بها.
فالإنسان المستقيم الذي يتقن عمله ويحسن إلى الناس محبوب عند الله ومقبول عند الناس، فإذا وجد أنه بهذه الصفات فليحمد الله تعالى على ذلك، وليسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره، وفي هذه الحالة لابد أن يحبه بعض الناس ويرضى عنه، لأن الله تعالى يضع القبول في الأرض لهذا النوع من الناس، فلا يأسف بعد ذلك على من كرهه أو لم يرض عنه، فهؤلاء الدعاة والعلماء والمصلحون والمحسنون، بل والأنبياء قبلهم لم يرض عنهم كل الناس وهم القدوة لنا والأسوة الحسنة.
ولهذا ننصح السائل الكريم بالإحسان في عمله والإحسان إلى الناس ما استطاع، وقبل ذلك وبعده المحافظة على فرائض الله تعالى وما استطاع من النوافل، ولمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتويين التالية أرقامها: 31447، 22970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1425(9/5386)
وسائل التعلق بحبل النجاة والبعد عن مسالك الهلاك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن موجودة في مصر للنزهة وسأقيم فيها لمدة شهرين ولدي هنا سكن خاص أود أن أسأل عن القصر والجمع في الصلاة متى وكيف يتم؟؟
أهلي مصممون على أن الصلاة يمكن أن تجمع دون قصر طوال مدة إقامتنا بحكم أننا في سفر؟؟ أنا محتارة ومرة خايفة، إذا كان كلامهم صحيحا فالحمدلله،، لكن لوكان غلطا كيف أواجههم،
أرجو سرعة الإجابة لإني في حيرة من أمري
للعلم أنا أحفظ القرآن كاملا ولكن مجبرة من قبل أهلي على كثير من الأمور التي تغضب ربي أعينوني لأكون على صواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رخص الشارع الحكيم للمسافر ـ سفراً مباحاً ـ مسافة قصر وهي ما تقدر بـ: 83 كيلو متراً أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير، ويقصر الرباعية إلى ركعتين، وسواء كان في حالة سيره إلى البلدة التي يقصدها أو بعد وصوله إليها، ما لم ينو الإقامة فيها أربعة أيام فأكثر.
فإن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فقد انقطع سفره ولم يجز له جمع الصلاة ولا قصرها. على الراجح من أقوال أهل العلم.
وحيث قد نويتم الإقامة فوق أربعة أيام فليس لكم الأخذ برخص السفر من الجمع والقصر، وعليكم تأدية الصلاة في وقتها، وتجدين تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 6215. وإن الواجب على المسلم أو المسلمة الالتزام بفرائض الله تعالى وترك محرماته، ليفوز في الدنيا والآخرة ويسعد فيهما، وليسلم من عذاب الله، كما قال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 13 ـ14)
وإذا كان الأمر واجباً على المسلم يتعلق به نجاته أو هلاكه، فلا يجوز له حينئذ المجاملة فيه لقريب أو صديق، ومن المقرر شرعاً أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح.
فالواجب على المسلم طاعة ربه مولاه، وليستحضر دائما الحديث الذي رواه الترمذي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أرضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضى الله كفاه الله مؤونة الناس.
وننصحك بأمور إذا التزمت بها فستكونين إن شاء الله على صواب وهدى ورشاد وهي:
1ـ القرب من الأجواء الإيمانية، من حضور مجالس الذكر، ومجالسة الصالحات، يقول الحسن البصري: إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة.
2ـ التأسي والتشبه بالقدوة الصالحة، وفي رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لكل مؤمن، وفي الصحابيات رضي الله عنهن قدوة حسنة لكل فتاة وامرأة مسلمة، ويكون ذلك بقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه رجالا ونساء.
3ـ تجنب أهل الفسق والفجور، فإن قربهم ومخالطتهم من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.
4ـ عدم الانشغال الشديد بأمور الدنيا، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه حاله وعده عبداً للدنيا، فقال: " تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ". رواه البخاري.
5ـ قصر الأمل قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (الحجر:3)
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
6ـ عدم الإفراط في المباحات من أكل، وشرب، ونوم، وكلام، وخلطة، فكثرة الأكل تبلد الذهن، وتثقل البدن عن طاعة الله، وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان، حتى قيل: من أكل كثيراً شرب كثيراً، فخسر أجراً كثيراً.
والإفراط في الكلام يقسي القلب، والإفرط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها، وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب فيموت لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ". رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.
ولابد أن يصحب ذلك كله الدعاء بالثبات، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر منه: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". رواه أحمد. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا
ومع هذا كله نوصيك بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأولى الناس بذلك منك أهلك الذين تخالطينهم وتعاشرينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1425(9/5387)
لا يستوي من دعي إلى فاحشة فعف مع من خطا إليها ثم عف
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان منذ أيام في سفر مع أصحابه السيئين إلى الشاطئ ومع الأسف قد جهزوا الأمر واصطحبوه معهم ودخلوا البيت على الفتيات، وباشروا بالأعمال القذرة وقد شاركهم في الترتيب للعملية في الأول لكنه تفاجأ بأن وصل الأمر بهم إلى دعوته لممارسة الفاحشة، وقال لي إنه لم يعد يشعر بشيء حوله في تلك اللحظة سوى أنه يريد الخروج من هذا المكان بعد أن كان بينه وبينها خطوة واحدة، وهو الآن يعتقد بأن ما فعله قد أكسبه حسنات كثيرة ورفع مقامه كثيراً عند الله (مع العلم بأنه لا يصلي أغلب الأوقات) ، وحتى الآن لا يعتبر أن ما فعله يستحق توبة لأنه انسحب قبل المباشرة ولا يريد أن يبتعد عن رفاقه، ولكنه لن يذهب معهم مرة أخرى، قال لي إنها لو حدث ما طلب منه سوف ينجم عنه كم جلدة وينتهي الأمر، فهل ينتهي الحساب بالجلد أم هناك حساب بالآخرة، أرجو منكم التفصيل قدر الإمكان والإجابة عن كل الأسئله، وجزاكم الله كل خير مع ذكر الفرق بين هذه الحالة والحالة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أصاب فاحشة وعوقب عليها في الدنيا بالحد الشرعي فإن إقامة الحد تكفر الذنب، كما قال ابن حجر في الفتح، وأما الابتعاد عن الفاحشة فهو دليل على وجود الخير عند هذا الرجل ونرجو الله أن يأجره عليه إذا كان مخلصاً في ذلك لأن الكف عمل يثاب عليه العبد، كما قال الأصوليون، ولكن لا يستوي من دعته امرأة إلى الفاحشة وقد كان خالي القلب من التفكير في ذلك فعف وقال إني أخاف الله، مع من ذهب إلى أوكار الشر مع أصدقاء السوء فإن هذا الأخير قد اتبع بعض خطوات الشيطان ولكن الله سلمه، فإن إتيان أوكار الشر برفقة أصحاب السوء ذنب يحتاج للتوبة منه ولترك رفاق السوء، وراجع في خطورة ترك الصلاة وخطورة الزنى ومصاحبة أهل الشر، وفي الوسائل المساعدة على البعد عن الفاحشة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6061، 24857، 26237، 32647، 1840، 1195، 34932، 30425، 2016، 7320، 8028، 43373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(9/5388)
من شروط صحة توبة الظالم لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال أرجو من سماحتكم شرحه لي، حيث إنني أفهم أنه سيكون يوم القيامة اغترام ما بين العباد، يأخذ الله بموجبه من حسنات الظالم للمظلوم، فأفهم من ذلك أنها كالديون يوفيها سبحانه وتعالى من عباده لعباده، فإن كان ذلك كذلك، فماذا عن الظالم الذي تاب في الدنيا فكفر الله عنه ذنوبه، كيف يكون وفاء ما للمظلومين من هذا العبد في ظلمه، هل تزيد حسناتهم، هل يوفون في الدنيا أم في الآخرة، أم ماذا يحدث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظالم لنفسه أو للغير إذا تاب من الذنوب توبة نصوحاً مستوفية لشروطها تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان: 70] .
ومن شروط صحة التوبة وقبولها رد المظالم وأداء حقوق الناس، فلا بد من رد حقوق الناس إليهم إذا لم يسامحوا بها أو يتنازلوا عنها، فإذا لم يؤديها العبد في هذه الدنيا، فإن الله تعالى العدل الحكم يأخذها لهم منه يوم القيامة من حسناته إذا كانت له حسنات، وبذلك تزيد حسناتهم وتنقص حسناته.
وإذا لم يكن له حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، وبذلك تنقص سيئاتهم وتزداد سيئاته، فيكون أقرب إلى الهلاك ويكونون أقرب إلى النجاة، فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة.. ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
فحقوق العباد لا بد من أدائها، ولهذا قال أهل العلم حق الله تعالى مبني على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(9/5389)
قد يبطل الذنب ثواب الأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[نفعنا بعلمكم، وجزاكم الله خير الجزاء، وسؤالي هو: كيف أوفق إلى أن أعرف طريقة الجزاء يوم القيامة لأعمالي بالدنيا، هل هو الأمر نسبي بحت، أي عندما ترجح كفة حسناتي على سيئاتي لن أعذب ولن تمسني النار، هكذا أفهم الآية، وهل ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها على الدوام مع قضائها والمحافظة على الصلوات الباقية جماعة سيئة سأبقى أحاسب عليها يوم القيامة، مع العلم بأنه لمجرد قراءة القرآن في اليوم كجزء أو جزءين سأكون مليونيراً بالحسنات، فهل يعقل أني أعمل مليون سيئة باليوم، لا طبعاً ولكن أرجوكم دلوني أين ذهبت ملايين حسناتي بقراءة القرآن أمام قضاء صلاة الفجر وتركها لوقتها، أريد الحقيقة أرجوكم ردوا علي أنا محتار وآسف للإطالة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين الله جل وعلا في عدة آيات من كتابه الكريم أن من ثقلت موازينه فهو من المفلحين ومن خفت موازينه فهو من الهالكين، قال الله تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون َ [الأعراف: 8-9] .
وقال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
والمسلم مطالب حينما يفعل الحسنات أن يرجو الثواب عليها من الله ويخاف من عدم قبولها، لأن الله إنما يتقبل من المتقين، كما قال سبحانه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] .
ولذا فليحذر المسلم من الاغترار بالعمل والاعتماد عليه وليتذكر دائماً قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر: 47] .
وقوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104] .
ولذلك قال عبد الله بن عمر: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلي من الموت إنما يتقبل الله من المتقين.
وقد يقوم بالإنسان ذنب يمنع من إثابته على أعماله الصالحة وهو لا يشعر وتكون يوم القيامة هباء منثوراً، كمن ترك صلاة العصر، ففي صحيح البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله.، وصلاة الفجر لا تقل أهمية عن صلاة العصر، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن صلاة الفجر أعظم من صلاة العصر فتأخيرها حتى يخرج وقتها بدون عذر شرعي ذنب عظيم تجب التوبة منه ويعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها متعمداً أنه يكفر.
ومن ذلك كراهية شيء مما أنزل الله، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9] .
فالحاصل أنه قد يقوم الإنسان بكثير من الطاعات ولا تقبل منه لكونه مقارفاً ما يبطلها مما سبق ذكره من الأعمال المحبطة لها ونحو ذلك، وعليه فلا يغتر الإنسان بأعماله ويمن بها ويستهين بمعاصيه وليعلم أن دخول الجنة بمحض فضل الله تعالى لا بمجرد الأعمال الصالحة، فإنها مهما كثرت لا تساوي نعمة واحدة من نعم الله التي امتن بها عليه في الدنيا فكيف تكون ثمناً للجنة، ولكن هي سبب ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة. متفق عليه.
قال العراقي في طرح التثريب: فيه حجة لمذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء من الأشياء لا ثواب ولا غيره بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو بفضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، لكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلاً منه، فمن نجا ودخل الجنة فليس بعمله، لأنه لا يستحق على الله تعالى بعمله شيئاً وإنما هو برحمة الله وفضله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(9/5390)
توبة المقترض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا شاب متدين والحمد لله ,ذنبي هو أنني اقترضت مالا من البنك من أجل الزواج بفتاة أحببتها طمعا في الحلال وهروبا من المعصية, لأن متطللبات أبيها كانت كثيرة, تم الزواج والحمد لله, والآن أود إرجاع المال بالأرباح وذلك يتطلب خمس سنوات وهذا نوع من الربا. لم أكن أعلم بخطورة الأمر في السابق والآن لست أدري ماذا يمكنني أن أفعله ليغفر لي ربي وتكون دعوتي مستجابة (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) .حيرني هذا الأمر فالتجأت إلى حضرتكم علني أجد عندكم مخرجا من هذه الورطة ويغفر لي ربي وجزاكم الله خيرا.
العبد المذنب محمد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحرصك على الزواج لتعف نفسك عن الحرام أمر حسن، ولكن لجوءك إلى الربا لتلك الغاية خطأ كبير، فالربا من أشنع الآثام وكبائر الذنوب وهو إحدى الموبقات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث الشيخين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا.... الحديث.
ومن وسائل العفة لمن لم يستطع الزواج الصوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. ومنها غض البصر، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [سورة النور: 30] . ومنها الابتعاد عن أماكن السفه والفجور، ومصاحبة الصالحين والأبرار ونحو ذلك.
وما دام الأمر قد انقضى وفات فإن استطعت أن لا تقضي البنك أكثر من المال الذي اقترضت منه فافعل لأنه في الحقيقة لا يستحق عليك أكثر من ذلك، قال تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [سورة البقرة:279] .
وإن أكرهوك على تسديد الفوائد الربوية، فلا عليك ما دمت ندمت على الفعل وتبت توبة خالصة عازما أن لا تعود إلى مثله، ففي سنن ابن ماجة أن: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [سورة طه:82] .
وحري بذنبك هذا أن يغفر وتستجاب دعوتك ما دمت ارتكبت هذا الإثم عن جهل لما فيه من الإثم والسوء وبادرت إلى التوبة منه، قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً [سورة النساء: 17] . ومن تاب الله عليه فإنه سيكون أهلا لأن تستجاب دعوته فلا داعي إلى القلق ما دامت التوبة قد حصلت فالتائب حبيب الله، والله جل وعلا لن يضيع أحباءه، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [سورة البقرة: 222] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(9/5391)
مسائل حول الإخلاص وحب مدح الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة لكل القائمين على هذا الحصن الإسلامي المنيع حقيقة إني أعاني من سيطرة بعض الهواجس على فكري، مما يسبب لي العجز والخمول في كل شيء، كيف نفرق بين الرياء وحب نيل المديح والتميز وهل حب إبراز النفس والتفوق حرام أم حلال، كيف يمكن للإنسان أن يجعل عمله لوجه الله هل يقول هذا العمل لوجه الله فقط أو يكفي أن يكون هذا العمل فيه خير لنفسه وللناس فيكون بذلك عمل لوجه الله، هل يؤجر الإنسان على العمل الذي تقتصر منفعته على نفسه هذه الأسئلة أربكتني عن العمل حيث إنني كنت أقضي وقت فراغي كله في الأعمال اليدوية واختراعات بسيطة وجمع معلومات من جميع المجالات لاستخدامها في حياتي وتعلم فنون الحرب الشرقية، حيث أجد في هذه الأعمال سعادتي وراحتي فهل يؤجر الإنسان على هذه الأعمال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز ويحذر منه، فقد كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. رواه البخاري ومسلم.
وكان يقول: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم.
ثم إن حب الإنسان لأن يمدح بما فيه من خصال الخير والصفات الحميدة لا بأس به إذا كانت الصفات جبلية أو عادية أو تعبدية وقد عملها مخلصاً فيها، وأما فعل العبادة طلباً لمدح الناس، فإنه من الرياء المذموم.
وأما حب التفوق على الآخرين فلا حرج فيه إن لم يؤد للكبر أو العجب فقد حض الله على المسابقة في الخير فقال: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [المائدة:48] ، وكان عمر يحب التفوق على أبي بكر رضي الله عنهما في الإنفاق في سبيل الله، وأما نيل الأجر على الأعمال الدنيوية فإنه يرجى حصوله لمن احتسب فيه الأجر عند الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وروى كعب بن عجرة أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان. رواه الطبراني وقال المنذري والهيثمي رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية في أمور الإخلاص ومدح الناس: 11255، 7515، 49482، 10396، 41236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1425(9/5392)
نصائح لمن تعلق قلبه بامرأة أجنبية لا يطيق البعد عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[رقم الفتوى: 46960
عنوان الفتوى: ثمار العلاقة بين الجنسين مذاقها مرٌّ
تاريخ الفتوى: 23 صفر 1425
هذا سؤالي الذي أجبتموني عنه وجزاكم الله كل الخير
حاولت أن أنفذ ما قلتموه لي لكن دون جدوى أريد الزواج منها اليوم قبل الغد أصبح فكري منشغلا بها أكثر من ذي قبل والله لا أستطيع العيش من دونها أفكر فيها في كل وقت قلبي يؤلمني بالابتعاد عنها أصبحت مغرما بها لدرجة لا تتصور فراحتي أن تكون بجانبي العمر كله والله الذي لا إله الا هو لا أستطيع العيش من دونها
أفيدوني جزاكم الله خير وأستسمحكم عذرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإجابة الشبكة على سؤالك وإحالتها للأسئلة التي تتعلق بنفس الموضوع كافية وشافية بإذن الله تعالى إذا أخذت بها، وليس لدينا جواب أكثر مما أجبنا به سابقا إلا نصحيتنا لك بأن تبتعد عن هذه الفتاة مادمت لست قادراً على الزواج منها وذلك لأنك قد وقعت في المحظور الشرعي ألا وهو العشق المحرم الذي ملك فكرك وملأ قلبك وصرت منشغلاً به كل وقتك، وهذا النوع من الحب والعشق الذي وقعت فيه قد يوصلك إلى المحبة الشركية التي يسوي فيها المحب بين حب الله وحب محبوبه أو يحب محبوبه أكثر من حب الله، واستمع إلى المولى عز وجل وهو يحذر عباده المؤمنين من الوقوع في هذا الحب الشركي، قال تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ] (البقرة: 165)
قال ابن تيمية في كتابه الا ستقامة في تفسير هذه الآية:
" فالمؤمنون أشد حباً لله من المشركين الذين يحبون الأنداد كما يحبون الله، فمن أحب شيئاً غير الله كما يحب الله فهو من المشركين لا من المؤمنين.
قال تعالى عن أهل النار: [تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ] (الشعراء:98) ، قال بعض المفسرين: " والله ماساووهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، ولكن ساووهم في المحبة والاجلال والتعظيم ".
والعلاج من هذا المرض العضال الذي شغل فكرك وبالك وجعلك تتعذب وتبحث عن الخلاص منه هو الاتي:
أولا: إخلاص العمل ومنه حبك لله عز وجل فلا تصرف منه شيئاً لغير الله.
ثانياً: أن تتضرع إلى الله وتلجأ إليه أن يصرف عنك هذا التعلق الذي لا فائدة فيه ولا جدوى وأن تسأل الله عز وجل أن يرزقك حبه كما جاء في الحديث: " أسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك. أخرجه الترمذي، وهو صحيح.
ثالثاً: عليك أن تشتغل بما ينفعك في دينك ودنياك، لعل الله ينسيكها، ويبدلك بهافتاة خيرا منها. أوييسر لك الزواج منها، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.
رابعاً: لتعلم أن قولك إنك لا تستطيع أن تعيش من دونها، تلبيس عليك من الشيطان (أعاذنا الله وإياك منه) ودليل على ضعف عزيمتك واعلم أنك لو تزوجتها فإنك ستفارقها في يوم ما كما جاء في الحديث (وأحبب من شئت فإنك مفارقه) رواه الطبراني.
خامساً: اعلم أنك خلقت لعبادة الله وحده لا شريك له ولا ينبغي أن يصرفك عن عبادة الله أي شاغل كان امرأة أو غيرها، واعلم أن هذا الحب والعشق إذا لم تتخلص منه فقد يوصلك إلى مالا تحمد عقباه أو يصل بك إلى ما وصل إليه من جنوا بسبب هذا النوع من العشق.
سادساً: عليك أن تملأ فراغك بطاعة الله عز وجل وتلاوة كتابه وتعلم العلم الشرعي حتى تفوز برضى الله عز وجل فعساه سبحانه وتعالى أن يخلصك مما أنت فيه فهو نعم المجيب وبالاجابة جدير.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(9/5393)
ليس من شأن المطيع أن يفعل ما يغضب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[-ما هو حكم من يقرأ القرآن ويذكره ويصوم التطوع ثم يقوم بما يغضب الله جل جلاله.?
-هل يغفر الله لمن أراد أن يرتكب فاحشة مع أخته-والعياذ بالله- ولكنه تاب ثم عاد..وفي الأخير ندم وقرر أن لا يعود لهذه الفكرة.?
-ما هو حكم عدم الصلاة مع الجماعة بدون عذر.?
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلاوة القرآن وذكر الله والصيام خصال طيبة تقرب العبد من الله، ويكثر له بها الثواب، ولا يناسب من يقوم بمثل هذه الخصال والأفعال الحسنة أن يرتكب ما يغضب الله، لأن غضب الله يسبب سخطه على العبد وحرمانه من الثواب وعقابه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 5871، والفتوى رقم: 10108.
- وارتكاب الفاحشة مع الأخت ذنب عظيم. روى الحاكم في المستدرك وفي المسند والسنن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. ومن سعة فضل الله تعالى ورحمته أن من أراد المعصية ثم عدل عنها خوفا من الله فإن الله يكتبها له حسنة كاملة. روى الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة.
وإذا ترك العبد المعصية وندم عليها وعزم أن لا يعود إليها فإن الله يغفرها له. روى ابن ماجه من حديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
- والصلاة في الجماعة واجبة على الرجل الذي ليس له عذر في تركها، وكنا قد بينا ذلك من قبل فراجع فيه الفتوى رقم: 5153.
وبناء عليه، فالذي يتخلف عن الجماعة من غير عذر آثم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(9/5394)
هل يلحق الضرر بأولاد الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع من يقول إن الرجل الظالم يريه الله العقاب أحياناً في أولاده، فإن كان ذلك صحيحاً فما الحكمة وما ذنب الأطفال في ظلم أبيهم ولا أعترض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر يوثق به في أن الرجل الظالم يريه الله العقاب أحياناً في أولاده إلا كلاماً منسوباً لوهب بن منبه.
قال في حلية الأولياء: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان أبو بلال الأشعري حدثنا أبو هشام الصنعاني حدثنا عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يعتب به بني إسرائيل: إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركته نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، وإن اللعنة تبلغ مني الولد السابع.
ولا يخفى على أحد أن أخبار وهب من الإسرائيليات وإن لم يصرح بذلك، فما بالك إذا صرح! وقد أمرنا ألا نصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم.
وعلى تقدير صحة هذا الخبر فلا غرابة في الموضوع، لأن الله تعالى هو الفعال لما يريد المتصرف في خلقه كما يشاء، ولا معقب لحكمه، فمن شاء هدايته اهتدى، ومن أراد إضلاله ضل وغوى، قال تعالى: مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] .
ولا يلزم أن تتضح لنا الحكمة في أفعال الله تعالى، ولكن لحوق الضرر بأولاد الإنسان وإيلامه برؤيتهم يتألمون فيه من العقاب له على ظلمه ما لا يخفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(9/5395)
القلب الحي والقلب الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أخشى أي شيء في العالم، لماذا؟.هل القلب مات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان السائل يقصد أنه لا يخشى في الله لومة لائم بمعنى أنه لا يخشى إلا الله جل جلاله فيمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ـ وهذا ما نتمنى أن يكون هو حال السائل ـ فلا شك أن هذا هو وصف أنبياء الله تعالى وأصفيائه من خلقه، قال تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه [سورة الأحزاب: 39] .
بل إن الخوف ـ أعني ما يسمى بخوف الشيء- من أجلِّ العبادات ويجب أن يكون من الله وحده، وقد سبق أن ذكرنا حكمه، وشيئا من التفصيل في الخوف في الفتوى رقم: 2649.
ومن كان هكذا فلا يوصف بموت القلب ولا بقساوته بل يوصف بحياة القلب وبسلامته من الآفات، قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [سورة الشعراء: 89،88] . قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقال مجاهد والحسن وغيرهما بقلب سليم يعني من الشرك، وقال سعيد بن المسيب هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال تعالى: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ [سورة البقرة:10] .
وبهذا يتبين للسائل أنه إذا كانت خشيته وخوفه من الله فقط كما نتمنى فإن قلبه حي بل صحيح سليم.
أما من لم يخف الله تعالى وتمرد على أوامره وتجرأ على نواهيه غير مبال، يقول ابن القيم عليه رحمة الله بعد أن ذكر القلب الصحيح: والقلب الثاني ضد هذا وهو القلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه؛ بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه.... إلى آخر كلامه. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الخوف والخشية منه وحده سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(9/5396)
عدم تطبيق الشريعة لا يسقط التكاليف عن الأفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: جميعنا نعلم ما هو حلال وحرام ولكن نحن في مجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية وزماننا يتمثل في الاختلاط في الدراسة والعمل والاجتماع مع الأقارب، فهل هذا الطابع من الحياة إذا اجتمع معه الأدب والاحتشام والمسؤولية، أستطيع أن أقول إننا نحيى بما يرضي الله عز وجل؟. وهل وأنا أعيش هذا المنهاج من الحياة تبطل صلاتي وعباداتي الخالصة لله، وما هو حجم الذنب الذي قد يرد صلاتي علي؟ ولا تقبل. شكرا جزيلا على توضيحكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن واجب المسلمين فرادى وجماعات ودولا وشعوبا أن يطبقوا شرع الله في كافة أمور حياتهم،
قال الله تعالى: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون َ] (المائدة: 44)
وإذا كان المجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية فإن ذلك لايسقط التكاليف عن الأفراد ولايبيح المحرمات.
والاختلاط بين الجنسين على الوضع الشائع في الدراسة وفي العمل أو بين الأقارب لايجوز، وإذا احتاج المرء إلى اختلاط فعليه أن يتقيد بضوابط الشرع في ذلك، وقد بيناها من قبل فراجعي فيها الفتاوى ذات الأرقام:
2523، 1734، 4031،.
وإذا قلنا بأن الاختلاط بين الأجانب على الوضع الشائع الآن محرم فليس معنى ذلك أن الصلاة أو العبادات الأخرى تبطل بسببه،
والذنب الذي يبطل العبادة إنما هو الكفر أوما يقوم مقامه من أسباب الردة.
قال تعالى: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] (الزمر: 65)
ومثل ذلك ترك الصلاة عند من يرى تركها كفرا.
وراجعي فيه الفتوى رقم: 512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/5397)
من تعاطى سبب الانتحار بغير قصده لا يعد منتحرا
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
أشكركم كثيرا على سعة صدركم والإجابة على سؤالي بالفتوى رقم 49784، إلا أنه يبدو أن السؤال أبهم عليكم قليلا، فأنا كنت أعني بذلك زوجتي أنه بعد مشاجرة بيننا ولتخويفي وتهديدي حاولت إشعال النار في نفسها لتخويفي أنا إلا أن النار اشتعلت فيها وأطفأتها وبقيت في المستشفى شهرا كاملا واستغفرت الله جل وعلا وندمت أشد الندم على فعلتها والحادث أصيبت به وهي لا تزال نفساء وتوفيت عندما كان عمر طفلتنا 76 يوما فقط وزوجتي كان عمرها 23 سنة.
فهل هي في حكم الشرع منتحرة أم تأثم فقط على إلحاق الضرر والسوء بنفسها وبي أنا وابنتها من بعدها؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد فرق كبير بين ما كنا أجبناك عنه في سؤالك الأول وبين ما أرسلته الآن توضح به ما كنت أبهمته في السؤال.
ففي كلا السؤالين لم يكن الفاعل يقصد الانتحار وإنما كان يريد التخويف، وقد أجبناك بأنه لا يعد منتحرا ما دام قصده هو مجرد التخويف وليس الانتحار، فالمنتحر هو من أراد قتل نفسه بأحد الأسباب القاتلة، وأما الذي تعاطى السبب بلا قصد الانتحار فإنه لا يعد منتحرا ولكنه آثم بارتكابه أمرا منهيا عنه في الشرع.
وعليه؛ فالذي نراه في أمر زوجتك هذه هو أنها غير منتحرة، ولكنها قد ارتكبت إثما كبيرا فيما فعلته وعسى الله أن يتجاوز عنها بما أظهرت من الندم والاستغفار.
وننصحك بالابتعاد عن المشاجرات مع الأهل مما يكون له مثل هذه النتيجة، ونرجو الله أن يحسن عزاءك في زوجتك ويخلفك خيرا منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(9/5398)
أذنب في حق أخيه ذنبا ثم تاب فهل يخبره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالاطلاع على عورة أخ لي دون علمه من باب الفضول وليس لشهوة، سؤالي هو: هل يجب علي إخباره لتقبل توبتي أم لا، أفيدوني يرحمكم الله، فأنا في عذاب منذ مدة، نحن نحب بعضنا في الله كثيراً منذ سنتين ونعمل في الدعوة في بلاد الغرب، وأخاف إن أخبرته أن يتأثر كثيراً، وتنتهي أخوتنا وهو ما لا أريده، أفيدوني، كيف التوبة من هذه الزلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله تعالى النظر إلى العورات، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] .
وعليه، فإنك ارتكبت إثماً فعليك بالمبادرة إلى التوبة بالإقلاع عن مثل هذا الفعل والندم عليه والعزم أن لا تعود إليه، فهذه هي شروط التوبة، ومن فعلها مخلصاً لله تعالى، فإنها ستكون مقبولة إن شاء الله، ففي الحديث الشريف: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه من حديث أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه مرفوعاً.
وأما إخبارك له عن هذا الفعل الذي قمت به، فإنه لا يشترط لقبول توبتك، فلا تفعله إذا، ويتأكد نهيك عن إخباره إذا كنت تعلم أن الإخبار قد يؤدي إلى انتهاء الأخوة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/5399)
الطريق إلى رقة القلب بعد قسوته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يوقظ القلب للطاعة مع معرفتى بالسنة ولا أعمل بها حيث أنى أشعر بوقوعى فى النفاق حيث أأمر بالمعروف ولا أأتيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العلم مقدم على العمل، كما قال تعالى: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ] (محمد: 19) .
وبوب البخاري لذلك بابا فقال: العلم قبل القول والعمل.
فاحمد الله أن عرفك بالسنة وأتبع العلم العمل، فإن كلا منهما يأخذ بحجز الآخر.
وننصحك بقراءة كتاب: "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي.
وإن كان لنا في هذا المقام من نصيحة نقدمها لك فنقول: إن رقة القلب وخشية الله تعالى ثمرة لمجاهدة مستمرة لنزعات النفس ونزغات الشيطان. كما قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] (العنكبوت: 69) .
فجاهد في سبيل تخلية قلبك من المعاصي والآثام، ثم تحليته بالطاعات والقرب يرق قلبك وتسمو نفسك، وتكون وقافا عند حدود الله وآياته.
نسأل الله لنا ولك الرشد والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(9/5400)
عاقبة التبذير وعدم تقدير الرزق والنعمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخوكم المسلم أتوجه إليكم بالشكر والامتنان على وضوح وصراحة إجاباتكم على الأسئلة المتعددة، وجزاكم الله خيرا أما بعد؛
فإن بي مشكلة عويصة حطمت طموحاتي ألا وهي؛
_ لي 23 سنة وأشتغل بشركة أجنبية منذ ثلاث سنوات بميدان الإعلامية وأتقاضى مرتبا محترما ولكني لم أحصل حتى الآن فلسا واحدا مع أني متقي ولا أمارس أي نوع من الفساد،
فإني حائر في أمري ونادم أشد الندم على ما ضيعت من أموال رزقنيها الله ولم أنتفع بها ولم أعمل أي حساب ليوم عسير.
إني خائف جدا من الله الذي يرزق العباد ولكنهم ظالمون أنفسهم، لقد من الله علي برزق وافر ولم أحافظ عليه وأهدرته في ما لا يعني.
إخواني اني ألتمس منكم إرشادي الى الطريق الصواب الذي ينقذني من الضياع ومن غضب الله تعالى ومدي بالموعظة والإرشاد بما يرضي الله.
كذلك ألتمس منكم مدي بأدعية تكفر من ذنوبي لعدم حفاظي على الأمانة التي أمدنيها ربي ألا وهي المال الذي هو ملك الله تعالى ونحن خلفاؤه في الحياة الدنيا الغرارة.
وجزاكم الله خيرا وأرجو أن تكون هذه المسألة عبرة للآخرين ...
أرجو أن تعطوها عنوان \"الرزق والأمانة\"
__1 -هل ينزع الله الرزق ممن لا يحسن الحفاظ عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى استخلف الناس على الأموال التي بأيديهم؛ كما قال جل وعلا: [وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ] (الحديد: 7) .
قال القرطبي في تفسير الآية: فيه دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله فيثيبه على ذلك بالجنة. اهـ.
وحرم الله عليهم إضاعتها وتبذيرها، فقال: [وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا] (النساء: 5) أي قوام عيشكم الذي تعيشون به، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله كره لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. رواه البخاري.
وأمر الله عباده بالتوسط في الإنفاق، وحذرهم عاقبة ترك التوسط.
قال تعالى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا] (الإسراء: 29) .
يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: ولا تبسطها بالعطية كل البسط فتبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك. "فتقعد ملوما محسورا" يقول: فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه محسورا. اهـ.
فعلم مما تقدم أن من رزقه الله رزقا حسنا فبذر ولم يحسن التصرف فيه أن مآله إلى الفقر وذهاب ما بين يده جزاء عدم شكره للنعمة التي استخلفه الله عليها.
وأما ما سألت عنه من أدعية بهذا الخصوص فنوصيك بالدعاء الوارد وهو ما رواه ابن أبي شيبة وغيره مرفوعا: اللهم إني أسألك كلمة الإخلاص في الغضب والرضى، والقصد في الغنى والفقر.
وكذلك الدعاء الذي رواه مسلم في صحيحه وهو: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1425(9/5401)
من عصى الله فمات ابنه لا يعتبر قاتلا له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القتل الغير متعمد يشترط فيه أن يكون هناك احتكاك أو اصطدام مع المقتول؟؟ أقصد بسؤالي هذا لو أن هناك شخصا توفي عليه أحد أولاده ويرى أن ما حصل هو بسبب معاصي وذنوب اقترفها فهل هذا يعتبر بمثابة القتل الغير متعمد؟؟ وهل عليه كفارة؟؟ علما بأن هذا الشخص تاب الى الله من تلك المعاصي وندم على ذلك أشد الندم أرجوكم أعطوني الإجابة بسرعة فأنا محتار في هذا الأمر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يصيب العباد من المصائب والمكاره بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وتقصيرهم في طاعة الله تعالى. قال الله تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍٍ] (الشورى: 30) حتى قال بعض السلف: إن شؤم المعصية يظهر على الدابة والولد والزوجة.
وليس معنى ذلك أن من ارتكب معصية فأصيب بموت ولده أنه يعتبر قاتلا له ويترتب عليه ما يترتب على القتل العمد أوالخطأ.
فالقتل العمد أن يقصد القاتل قتل المقتول، وأما القتل الخطأ فإن القاتل لا يقصد قتل المقتول، وإنما يفعل فعلا يباح له فعله، فيكون ذلك الفعل سببا في موت المقتول كأن يرمي هدفا فيصيب إنسانا، وصاحب المعصية لم يفعل شيئا من ذلك، بل زلت قدمه وعصى ربه فعاقبه الله تعالى بتلك العقوبة الدنيوية تنبيها له حتى يرجع إلى الله تعالى وتذكيرا له بقدرته عليه.
وربما كانت المصيبة سببا في توبته ورفع درجاته وقربه من الله تعالى، وإذا كان هذا الشخص قد تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا مستوفية الشروط، فإن الله تعالى يقبل توبته ويبدل سيئاته حسنات.
قال الله تعالى: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] (الفرقان: 70) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(9/5402)
لا يلزم في الوعظ أن يكون واردا في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال حول كلمة استحضروا عظمة الله في الصدور يقولون هذه الكلمة بدعة والأصل نقول استحضروا عظمة الله في القلوب والسبب أنها لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
ما هي البدعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق في المعنى بين القائل: "استحضروا عظمة الله في قلوبكم"، وبين قوله: "في صدوركم" لأن القلوب في الصدور؛ كما قال الله تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: من الآية46) .
ولا وجه للقول ببدعية هذه الكلمة ولو لم يرد هذا اللفظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الوعظ لا يلزم أن يكون بما ورد، بل بكل ما يرقق القلوب ولا يخالف الكتاب والسنة، وقد كان السلف رحمهم الله كالحسن البصري وغيره يعظون الناس بكلام حسن لم يرد في الكتاب ولا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر بعضهم على بعض في ذلك، وقد سبق تعريف البدعة في الفتوى رقم: 631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(9/5403)
من تاب من ذنب، وبقي أثره وفساده
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت كثيراً ما أدخل للشبكة العنكبوتية وأقوم بالدخول لمواقع مشينة وأكتب وأضع صوراً ووووو، ولكني تبت الآن إلى الله فكيف لي أن أتوب حقاً مع أن هذه الصور ما تزال موجودة ولا أدري كيف أمسحها ... أعيش في دوامة من هذا الأمر فهل سيغفر الله لي ذنبي، مع العلم بأنني قد تبت إلى الله توبة نصوحة لا عودة فيها بإذن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تاب من المنكر يجب عليه السعي في إزالة جميع آثاره، فإذا نشر فسادا يجب عليه أن يمحوه، وأن يقنع الناس بخلافه، وأن يدعو الناس للخير ليكفر ما نشره من الشر والفساد.
فعليك أن تسعى في الاتصال بمسؤولي هذه المواقع التي نشرت فيها الشر من خلالها، وأن تحرص على إقناعهم بمحو ما كتبت وما وضعت من الصور، فإن لم يقبلوا ولم تمكنك وسيلة أخرى، فما عليك إلا أن تخلص وتصدق في التوبة، فقد نص أهل العلم على أن من تاب من ذنب، وبقي أثره تقبل توبته ومثلوا لذلك بمن نشر بدعة ثم تاب منها.
قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع * عن بث بدعة عليها يتبع
هذا؛ ونوصيك بالنشاط في الدعوة إلى الله من خلال الانترنت، فاحرص على نشر ما استطعت من الخير من خلالها، وراجع الفتوى رقم: 33822، والفتوى رقم: 18206، والفتوى رقم: 6617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(9/5404)
تعريف الزهد وكيفية التزهد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الزهد: ما هو تعريفه، كيف بإمكاننا أن نطبقه في وقتنا الحاضر، وما هي الكتب التي تنصحونني بقراءتها في هذا الموضوع؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن القيم في المدارج عدة تعريفات للزهد، وذكر أن أحسنها تعريف شيخ الإسلام له بقوله: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وعرفه بعضهم بتفريغ القلب من الدنيا، ويمكن للإنسان أن يزهد في الدنيا ويترك التعلق بها ويشتغل بما ينفع في الآخرة إذا أكثر من المطالعة في نصوص الوحي التي تبين قلة أهمية الدنيا وفناء جميع ما فيها وعظمة الجزاء في الجنات وبقاءه وخلود الإنسان فيه واستشعار الإنسان أهمية التصدق بما فضل عن ضرورياته على المحتاجين.
فعليك بالإكثار من مطالعة القرآن وكتابي رياض الصالحين والترغيب والترهيب وهما موجودان على شبكة الإنترنت وأكثري من قراءة أحوال الزهاد وكلامهم، ومن أحسن الكتب في ذلك مدارج السالكين، وراجعي الفتوى رقم: 18551، والفتوى رقم: 20776.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(9/5405)
نظر إلى صورة زوجة صديقه ويريد أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[النظر إلى صورة أجنبية
بسم الله الرحمن الرحيم
فإني أسأل المولى عز وجل أن يوفقني وإياكم لعمل كل ما يحب ويرضى من الخيرات وأن يثبتنا على القول الثابت. إليكم موضوعي فهو الآن مطروحً أمامي وأود إطلاعكم عليه فهو الآن أصبح في غاية الأهمية بالنسبة إلي، وذلك لما قد وقعت فيه بسبب ذلة شيطان أعاذنا الله من شره. فسأكتب الموضوع وهو أني قد وقع نظري على صورة لزوجة أحد أصدقائي الأعزاء بل هو في مقام أخ لي.ليتني لم أنظر لتلك الصورة فقد نظرت إليها بشكل موسع قليلاً مع إنها لم تكن واضحة بشكل طبيعي إلا أنني سايرت الشيطان اللعين ونظرت ودققت في الصورة ومع هذا كله لم أشأ أني أقوم بإنهاء هذه الغلطة بالسكوت فقد أخبرت صديقي بالحقيقة والتي لم يتوقعها مني بتاتاً.. لكن الشيطان هو من أوقعني في هذه المصيبة. سؤالي أكرمكم الله هو ماذا يترتب علي في هذه الحالة، وكيف أتصرف لكي أنهي غلطة كهذه قد اقترفتها في حقي قبل أن أقترفها في حق صديقي وأخي في صورة زوجته. أتمنى من الله عز وجل أن أجد عندكم الحل السليم والحكم في هذه الحالة وما هي عقوبتي ليرتاح ضميري؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن نظرك لزوجة صديقك حرام، لأنها أجنبية عنك، وقد قال الله تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ] (النور: 30) والواجب عليك التوبة إلى الله والندم على ما فرطت في جنبه وعقد العزم على عدم العودة لمثل هذا الذنب، وعليك أن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولا تيأس من روح الله، فقد قال الله تعالى: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] (طه: 82) . وقال: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ] (التوبة: 104) . وقال سبحانه: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر: 53) .
ولقد أخطأت عندما صارحت صديقك بمعصيتك، وكان الواجب عليك أن تستر على نفسك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله. رواه مالك. وإن ما ابتلي به الناس من النظر لصور الأجنبيات هو بسبب تساهل الناس في التقاط الصور الفوتوغرافية بغير حاجة، ولمعرفة حكم الصور والاحتفاظ بها راجع الفتوى رقم: 1935 والفتوى رقم: 10888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(9/5406)
لا ترفع يديها إلى السماء للدعاء حياء من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[فسؤالي هو أنني أشعر بالخجل الشديد في أن أطلب من ربي في أن أدعوه وأحياناً عندما أصلي، فإنني لا أرفع يدي إلى السماء بل أنزل رأسي خجلاً من جلاله وعزته، وأطلب منه وأنا خجلة، إن كان هذا العمل جيدا، وإن لم يكن كذلك فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدعاء الله تعالى واللجوء إليه من أعظم العبادات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة، َقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] . رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
كما قال صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر فقال: الله أكثر. رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
ومن أسباب استجابة الدعاء رفع اليدين فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً. رواه أبو داوود والترمذي، وصححه الشيخ الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: أن يردهما صفراً أي خاليتين خائبتين من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرماً، ويفعل ما يفعله تفضلاً فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله، فإذا رفع عبده يديه متذللاً مفتقراً حاضر القلب موقناً بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم: فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام، يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول.
إلى أن قال: وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك، قال ابن حجر: وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلاً لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط، وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة. انتهى
وعليه، فينبغي لك الإكثار من دعاء الله تعالى مع اليقين بالإجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
مع التنبيه إلى أن رفع اليدين أثناء الدعاء من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة وراجعي الفتوى رقم: 23599.
وإذا كان ذلك الخجل والحياء سببه الذل والانكسار والخضوع لله تعالى وامتلاء القلب هيبة وتعظيماً له جل وعلا، فهذا مقام رفيع ومشهد كريم وقد سماه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: مشهد الذل والإنكسار حيث قال: المشهد الثاني عشر وهو مشهد الذل والإنكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله فيشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة وافتقاراً تاماً إلى ربه ووليه ومن بيده صلاحه وفلاحه وهداه وسعادته، وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة حقيقتها، وإنما تدرك بالحصول فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء.
إلى أن قال: فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه وما أنفع هذا المشهد وأجداه وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم وأحب القلوب إلى الله سبحانه قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لا يرفع رأسه إليه حياء وخجلاً من الله، قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(9/5407)
موت الولد ثوابه كبير إذا احتسبه العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[السيد المحترم
بعدالتحية،،
... الرجاء من حضرتكم عرض سؤالى على أحد المشايخ الفضلاء للحصول على إجابة. ويتلخص سؤالى فى التالى:
منذ بضعة أشهر فقدت بمشيئة الله طفلا كان عمره 14 شهرا وهوآخر العنقود وقد بكته أمه كثيرا وأخذت تخرج صوره
يوميا وتبكى عليها ومنذ شهرتقريبا اختفت الصورمن البيت وبسؤالنا عنها لجميع أفراد الأسرة لم يذكر لنا أحدا أنها رآها أو لمسها وبلغ من الأم أن طلبت منهم الحلف وقد حلفوا.
وللعلم فان الطفل كان حسن المظهر وبوزن فوق العادى
وهادئ الطباع وقد توفاه الله كما ذكرت يوم الأول من رمضان الماضى.
الرجاء الإجابة ولكم الأجر والثواب.
... ... ... ... ... ... والد الطفل/ خليفة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أولا بالصبر كما نوصي بذلك زوجتك، واعلم أن موت الأولاد مع أنه شاق جدا على الإنسان لكن ثوابه إذا احتسبه المرء كثير جدا عند الله تعالى، فقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم: فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. وراجع في موضع الصبر عند موت الأولاد فتوانا رقم: 14321.
- والبكاء على الميت لا ينافي الصبر إذا كان بغير صوت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فاضت عيناه بالدموع عند ما توفي ولده إبراهم، وكذا حين رفع إليه ابن ابنته كأنه شن وقد صح كل ذلك في الحديث، أما المحرم من البكاء فهو ما كان فيه نوح أو ندب ونحو ذلك، وراجع في هذا فتوانا رقم: 25255.
- واعلم أن الصور التي ذكرت إذا كانت فوتوغرافية، فإن أهل العلم قد اختلفوا فيها بين التحريم والإباحة، والأولى للمسلم والأحوط لدينه أن يتجنبها مطلقا، وراجع فيها الفتوى رقم: 19818.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1425(9/5408)
الميزان الصحيح للدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة يتيمة الأب والأم دللني والدي وعمتي أهوى رفقة الشبان بشكل كبير ربما لأني أشعر بالوحدة ونقص في الحنان زوجوني لابن عمي في 17 من عمري لكنه كان محكوم لذويه حاولت أن أغير ما به لكن لا جدوى بقينا مخطوبين عامين هو يحبني بجنون وأنا أحببته فالوقت يجعل هنالك نوعاً من الألفة والمودة لكن رغم حالته المادية الممتازة كان بخيلا بسبب أهله أقسم أني حاولت أن أغير ما به لكن دون جدوى فخنته وأصبحت عادة وعند يوم الزفاف حدث شجار بين أهلنا بقيت في منزله 17 يوما لكن رغم معاشرتنا كأزواج بقيت بنتا عذراء لم أقل لأهلي أنه لم يحدث بل وأعادوني إليه فاعتبر أني رخيصه فاذلني وضربني واتصل بأهلي وقال لهم إني ضربتها دون سبب وها أنا إلى الآن في منزل أهلي رفعت عليه قضية ولكن دون جدوى فأهلي يرفضون أن أقول للقاضي أني ما زلت عذراء لأن في هذا إشهار لابن عمي بدأت أتمادى في الخطأ وأنا أعي أنه خطأ هنالك شاب أحبني وأنا كذلك لكن كيف لي أن أكف عن الحرام وأنا لا أقدر أن أطول الحلال وللعلم الشاب الذي أحبه متدين لقد قطع علاقته بي إلى أن أترك زوجي أو يبتعد عني للأبد وهذا جعلني أسخط على الدنيا وأرتكب بحق نفسي أبشع الخطايا لا أدري أرغب بالتوبة لكن لا أقدر ماذا أفعل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب نريد أن ننبه إلى أمر مهم ألا وهو الميزان الذي يزن به المسلم هذه الدنيا، فكم من الناس حسبوا أن هذه الدنيا دار القرار وأنها كل شيء، ولذا فهم يتنافسون فيها على قضاء شهواتهم والاستمتاع بما فيها من المتاع الزائل الزائف، ولو أدى بهم ذلك إلى انتهاك المحرمات وغضب الله تعالى دون أدنى روية أو تفكير، بل يسيرون في هذه الدنيا سيرة البهائم فهم كما قال الله تعالى: يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ (محمد: من الآية12) .
أما العقلاء فوزنوا هذه الدنيا بالميزان الصحيح الذي قرره خالق الدنيا والآخرة، وعلموا أن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأنها دار ممر يمر منها الإنسان إلى الآخرة ليجد عند ذلك ما قدم من عمل، ولذا تجد هذا الصنف من الناس لا يقيمون للدنيا قيمة، فلا يبالون ولا يهتمون لو فاتتهم لذات الدنيا كلها إن كانوا قد حصلوا على لذة القرب من الله، بل يزهدون في متاع الدنيا إن كان فيه أدنى شبهة.
ولذا فعليك أيتها الأخت أن تتقي الله تعالى وأن تراقبيه في أفعالك، واعلمي أن ما قمت به من الأفعال يجب عليك التوبة منه قبل أن تفارقي الدنيا للوقوف بين يدي ربك تعالى فتندمين حيث لا ينفع الندم، وراجعي لزاما الفتوى رقم: 26714.
وأما بشأن حال ابن عمك وعجزه عن المعاشرة فمن حقك شرعاً أن ترفعي أمرك للقاضي، وليس لهم أن يمنعوك من ذلك، فإذا أرادوا إقناع ابن عمك بالتطليق دون رفع ذلك للقضاء فلا بأس، ولمعرفة بعض أحكام العجز عن الجماع الذي يعرف عند الفقهاء بالعِنَّة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 48190.
ونذكرك ثانية بأنه يجب عليك أن تقطعي كل علاقة لا يرضاها الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1425(9/5409)
تريد التخلص من مشاهدة الأفلام والمسلسلات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتخلص من مشاهدة الأفلام والمسلسلات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما كونك تشاهدين الأفلام والمسلسلات والتي لا تخلو من المحرمات فإننا ننصحك أن تُعدَّي للسؤال جواباً من الآن فإن الله سائلك عن عمرك فيم أفنيته؟ وعن شبابك فيم أبليته؟
قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع.. ومنها وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن عمره فيم أفناه. رواه الترمذي
فالعبد يسأل عن عمره عامة وعن شبابه خاصة، فهل إذا سألك مولاك عن ذلك هل ستجرئين أن تقولي: كنت أشاهد الأفلام والمسلسلات يومياً.
هذا فضلاً عن استماع الأغاني والموسيقى المصاحبة لهذه الأفلام والمسلسلات وكذلك النظر المحرم، فإن مشاهدتك لهذه الأفلام والمسلسلات يلزم منها النظر إلى الرجال الذين يمثلون فيها، وهذا النظر حرمه الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}
(النور: 31) ، أم أنك لا تريدين أن تلتزمي بما أمر الله به المؤمنات؟!
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1425(9/5410)
من حكم ابتلاء بعض العباد بالفقر وضيق ذات اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 27 عام عربي ليبي الجنسية أحمل بكالوريس حاسوب تخصص برمجة ولم أعثر على أي وظيفة في بلدي والحياة صعبة والظروف قاسية والمتطالبات كثيرة والإيمان ضعيف فساعدوني حتى ولو بنصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لك من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، وأن يوسع عليك أبواب الرزق الحلال، وأن يعينك على الشكر.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة قد يبتلي بعض عباده بالفقر وضيق ذات اليد ليمتحن صبرهم، فالواجب على العبد الصبر واحتساب ذلك عند الله عز وجل. قال تعالى: [وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ] (البقرة: 177) .
قال المفسرون: البأساء الفقر والشدة، قاله ابن مسعود رضي الله عنه.
فعليك أخي بالصبر ولا تيأس؛ بل اطرق الأبواب لعل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك عملا يكفيك به حاجتك. كما عليك أن تتقي الله سبحانه وتعالى، فإن التقوى سبب كل خير في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] الطلاق: 2- 3 وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (الطلاق: 4- 5) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1425(9/5411)
الإنسان المستقيم محبوب عند الله مقبول عند الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الناس يكرهوني وأنا أحبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم إذا وجد من الناس كراهية له ونفوراً منه ... أن يراجع نفسه، فلعل سبب ذلك تضييع بعض الفرائض أو ارتكاب بعض النواهي أو التقصير في النوافل أو عدم التحلي بأخلاق الإسلام الفاضلة التي تجذب أصحاب الفطر السليمة على محبة من تحلى بها.
فالإنسان المستقيم الذي يتقن عمله ويحسن إلى الناس محبوب عند الله ومقبول عند الناس، فإذا وجد أنه بهذه الصفات فليحمد الله تعالى على ذلك، وليسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره، وفي هذه الحالة لابد أن يحبه بعض الناس ويرضى عنه، لأن الله تعالى يضع القبول في الأرض لهذا النوع من الناس، فلا يأسف بعد ذلك على من كرهه أو لم يرض عنه، فهؤلاء الدعاة والعلماء والمصلحون والمحسنون، بل والأنبياء قبلهم لم يرض عنهم كل الناس وهم القدوة لنا والأسوة الحسنة.
ولهذا ننصح السائل الكريم بالإحسان في عمله والإحسان إلى الناس ما استطاع، وقبل ذلك وبعده المحافظة على فرائض الله تعالى وما استطاع من النوافل، ولمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتويين التالية أرقامها: 31447، 22970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1425(9/5412)
وسائل التعلق بحبل النجاة والبعد عن مسالك الهلاك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن موجودة في مصر للنزهة وسأقيم فيها لمدة شهرين ولدي هنا سكن خاص أود أن أسأل عن القصر والجمع في الصلاة متى وكيف يتم؟؟
أهلي مصممون على أن الصلاة يمكن أن تجمع دون قصر طوال مدة إقامتنا بحكم أننا في سفر؟؟ أنا محتارة ومرة خايفة، إذا كان كلامهم صحيحا فالحمدلله،، لكن لوكان غلطا كيف أواجههم،
أرجو سرعة الإجابة لإني في حيرة من أمري
للعلم أنا أحفظ القرآن كاملا ولكن مجبرة من قبل أهلي على كثير من الأمور التي تغضب ربي أعينوني لأكون على صواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رخص الشارع الحكيم للمسافر ـ سفراً مباحاً ـ مسافة قصر وهي ما تقدر بـ: 83 كيلو متراً أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو جمع تأخير، ويقصر الرباعية إلى ركعتين، وسواء كان في حالة سيره إلى البلدة التي يقصدها أو بعد وصوله إليها، ما لم ينو الإقامة فيها أربعة أيام فأكثر.
فإن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فقد انقطع سفره ولم يجز له جمع الصلاة ولا قصرها. على الراجح من أقوال أهل العلم.
وحيث قد نويتم الإقامة فوق أربعة أيام فليس لكم الأخذ برخص السفر من الجمع والقصر، وعليكم تأدية الصلاة في وقتها، وتجدين تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 6215. وإن الواجب على المسلم أو المسلمة الالتزام بفرائض الله تعالى وترك محرماته، ليفوز في الدنيا والآخرة ويسعد فيهما، وليسلم من عذاب الله، كما قال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 13 ـ14)
وإذا كان الأمر واجباً على المسلم يتعلق به نجاته أو هلاكه، فلا يجوز له حينئذ المجاملة فيه لقريب أو صديق، ومن المقرر شرعاً أنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح.
فالواجب على المسلم طاعة ربه مولاه، وليستحضر دائما الحديث الذي رواه الترمذي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أرضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضى الله كفاه الله مؤونة الناس.
وننصحك بأمور إذا التزمت بها فستكونين إن شاء الله على صواب وهدى ورشاد وهي:
1ـ القرب من الأجواء الإيمانية، من حضور مجالس الذكر، ومجالسة الصالحات، يقول الحسن البصري: إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة.
2ـ التأسي والتشبه بالقدوة الصالحة، وفي رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لكل مؤمن، وفي الصحابيات رضي الله عنهن قدوة حسنة لكل فتاة وامرأة مسلمة، ويكون ذلك بقراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه رجالا ونساء.
3ـ تجنب أهل الفسق والفجور، فإن قربهم ومخالطتهم من أعظم الأسباب التي تورث قسوة القلب.
4ـ عدم الانشغال الشديد بأمور الدنيا، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه حاله وعده عبداً للدنيا، فقال: " تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ". رواه البخاري.
5ـ قصر الأمل قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (الحجر:3)
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
6ـ عدم الإفراط في المباحات من أكل، وشرب، ونوم، وكلام، وخلطة، فكثرة الأكل تبلد الذهن، وتثقل البدن عن طاعة الله، وتغذي مجاري الشيطان في الإنسان، حتى قيل: من أكل كثيراً شرب كثيراً، فخسر أجراً كثيراً.
والإفراط في الكلام يقسي القلب، والإفرط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها، وكثرة الضحك تقضي على مادة الحياة في القلب فيموت لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ". رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.
ولابد أن يصحب ذلك كله الدعاء بالثبات، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر منه: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". رواه أحمد. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا
ومع هذا كله نوصيك بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأولى الناس بذلك منك أهلك الذين تخالطينهم وتعاشرينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1425(9/5413)
لا يستوي من دعي إلى فاحشة فعف مع من خطا إليها ثم عف
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان منذ أيام في سفر مع أصحابه السيئين إلى الشاطئ ومع الأسف قد جهزوا الأمر واصطحبوه معهم ودخلوا البيت على الفتيات، وباشروا بالأعمال القذرة وقد شاركهم في الترتيب للعملية في الأول لكنه تفاجأ بأن وصل الأمر بهم إلى دعوته لممارسة الفاحشة، وقال لي إنه لم يعد يشعر بشيء حوله في تلك اللحظة سوى أنه يريد الخروج من هذا المكان بعد أن كان بينه وبينها خطوة واحدة، وهو الآن يعتقد بأن ما فعله قد أكسبه حسنات كثيرة ورفع مقامه كثيراً عند الله (مع العلم بأنه لا يصلي أغلب الأوقات) ، وحتى الآن لا يعتبر أن ما فعله يستحق توبة لأنه انسحب قبل المباشرة ولا يريد أن يبتعد عن رفاقه، ولكنه لن يذهب معهم مرة أخرى، قال لي إنها لو حدث ما طلب منه سوف ينجم عنه كم جلدة وينتهي الأمر، فهل ينتهي الحساب بالجلد أم هناك حساب بالآخرة، أرجو منكم التفصيل قدر الإمكان والإجابة عن كل الأسئله، وجزاكم الله كل خير مع ذكر الفرق بين هذه الحالة والحالة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أصاب فاحشة وعوقب عليها في الدنيا بالحد الشرعي فإن إقامة الحد تكفر الذنب، كما قال ابن حجر في الفتح، وأما الابتعاد عن الفاحشة فهو دليل على وجود الخير عند هذا الرجل ونرجو الله أن يأجره عليه إذا كان مخلصاً في ذلك لأن الكف عمل يثاب عليه العبد، كما قال الأصوليون، ولكن لا يستوي من دعته امرأة إلى الفاحشة وقد كان خالي القلب من التفكير في ذلك فعف وقال إني أخاف الله، مع من ذهب إلى أوكار الشر مع أصدقاء السوء فإن هذا الأخير قد اتبع بعض خطوات الشيطان ولكن الله سلمه، فإن إتيان أوكار الشر برفقة أصحاب السوء ذنب يحتاج للتوبة منه ولترك رفاق السوء، وراجع في خطورة ترك الصلاة وخطورة الزنى ومصاحبة أهل الشر، وفي الوسائل المساعدة على البعد عن الفاحشة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6061، 24857، 26237، 32647، 1840، 1195، 34932، 30425، 2016، 7320، 8028، 43373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(9/5414)
من شروط صحة توبة الظالم لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال أرجو من سماحتكم شرحه لي، حيث إنني أفهم أنه سيكون يوم القيامة اغترام ما بين العباد، يأخذ الله بموجبه من حسنات الظالم للمظلوم، فأفهم من ذلك أنها كالديون يوفيها سبحانه وتعالى من عباده لعباده، فإن كان ذلك كذلك، فماذا عن الظالم الذي تاب في الدنيا فكفر الله عنه ذنوبه، كيف يكون وفاء ما للمظلومين من هذا العبد في ظلمه، هل تزيد حسناتهم، هل يوفون في الدنيا أم في الآخرة، أم ماذا يحدث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظالم لنفسه أو للغير إذا تاب من الذنوب توبة نصوحاً مستوفية لشروطها تاب الله عليه وبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان: 70] .
ومن شروط صحة التوبة وقبولها رد المظالم وأداء حقوق الناس، فلا بد من رد حقوق الناس إليهم إذا لم يسامحوا بها أو يتنازلوا عنها، فإذا لم يؤديها العبد في هذه الدنيا، فإن الله تعالى العدل الحكم يأخذها لهم منه يوم القيامة من حسناته إذا كانت له حسنات، وبذلك تزيد حسناتهم وتنقص حسناته.
وإذا لم يكن له حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، وبذلك تنقص سيئاتهم وتزداد سيئاته، فيكون أقرب إلى الهلاك ويكونون أقرب إلى النجاة، فقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة.. ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
فحقوق العباد لا بد من أدائها، ولهذا قال أهل العلم حق الله تعالى مبني على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(9/5415)
قد يبطل الذنب ثواب الأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[نفعنا بعلمكم، وجزاكم الله خير الجزاء، وسؤالي هو: كيف أوفق إلى أن أعرف طريقة الجزاء يوم القيامة لأعمالي بالدنيا، هل هو الأمر نسبي بحت، أي عندما ترجح كفة حسناتي على سيئاتي لن أعذب ولن تمسني النار، هكذا أفهم الآية، وهل ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها على الدوام مع قضائها والمحافظة على الصلوات الباقية جماعة سيئة سأبقى أحاسب عليها يوم القيامة، مع العلم بأنه لمجرد قراءة القرآن في اليوم كجزء أو جزءين سأكون مليونيراً بالحسنات، فهل يعقل أني أعمل مليون سيئة باليوم، لا طبعاً ولكن أرجوكم دلوني أين ذهبت ملايين حسناتي بقراءة القرآن أمام قضاء صلاة الفجر وتركها لوقتها، أريد الحقيقة أرجوكم ردوا علي أنا محتار وآسف للإطالة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين الله جل وعلا في عدة آيات من كتابه الكريم أن من ثقلت موازينه فهو من المفلحين ومن خفت موازينه فهو من الهالكين، قال الله تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون َ [الأعراف: 8-9] .
وقال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
والمسلم مطالب حينما يفعل الحسنات أن يرجو الثواب عليها من الله ويخاف من عدم قبولها، لأن الله إنما يتقبل من المتقين، كما قال سبحانه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] .
ولذا فليحذر المسلم من الاغترار بالعمل والاعتماد عليه وليتذكر دائماً قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر: 47] .
وقوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104] .
ولذلك قال عبد الله بن عمر: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلي من الموت إنما يتقبل الله من المتقين.
وقد يقوم بالإنسان ذنب يمنع من إثابته على أعماله الصالحة وهو لا يشعر وتكون يوم القيامة هباء منثوراً، كمن ترك صلاة العصر، ففي صحيح البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله.، وصلاة الفجر لا تقل أهمية عن صلاة العصر، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن صلاة الفجر أعظم من صلاة العصر فتأخيرها حتى يخرج وقتها بدون عذر شرعي ذنب عظيم تجب التوبة منه ويعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها متعمداً أنه يكفر.
ومن ذلك كراهية شيء مما أنزل الله، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9] .
فالحاصل أنه قد يقوم الإنسان بكثير من الطاعات ولا تقبل منه لكونه مقارفاً ما يبطلها مما سبق ذكره من الأعمال المحبطة لها ونحو ذلك، وعليه فلا يغتر الإنسان بأعماله ويمن بها ويستهين بمعاصيه وليعلم أن دخول الجنة بمحض فضل الله تعالى لا بمجرد الأعمال الصالحة، فإنها مهما كثرت لا تساوي نعمة واحدة من نعم الله التي امتن بها عليه في الدنيا فكيف تكون ثمناً للجنة، ولكن هي سبب ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة. متفق عليه.
قال العراقي في طرح التثريب: فيه حجة لمذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء من الأشياء لا ثواب ولا غيره بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو بفضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، لكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلاً منه، فمن نجا ودخل الجنة فليس بعمله، لأنه لا يستحق على الله تعالى بعمله شيئاً وإنما هو برحمة الله وفضله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(9/5416)
توبة المقترض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا شاب متدين والحمد لله ,ذنبي هو أنني اقترضت مالا من البنك من أجل الزواج بفتاة أحببتها طمعا في الحلال وهروبا من المعصية, لأن متطللبات أبيها كانت كثيرة, تم الزواج والحمد لله, والآن أود إرجاع المال بالأرباح وذلك يتطلب خمس سنوات وهذا نوع من الربا. لم أكن أعلم بخطورة الأمر في السابق والآن لست أدري ماذا يمكنني أن أفعله ليغفر لي ربي وتكون دعوتي مستجابة (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) .حيرني هذا الأمر فالتجأت إلى حضرتكم علني أجد عندكم مخرجا من هذه الورطة ويغفر لي ربي وجزاكم الله خيرا.
العبد المذنب محمد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحرصك على الزواج لتعف نفسك عن الحرام أمر حسن، ولكن لجوءك إلى الربا لتلك الغاية خطأ كبير، فالربا من أشنع الآثام وكبائر الذنوب وهو إحدى الموبقات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث الشيخين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا.... الحديث.
ومن وسائل العفة لمن لم يستطع الزواج الصوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. ومنها غض البصر، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [سورة النور: 30] . ومنها الابتعاد عن أماكن السفه والفجور، ومصاحبة الصالحين والأبرار ونحو ذلك.
وما دام الأمر قد انقضى وفات فإن استطعت أن لا تقضي البنك أكثر من المال الذي اقترضت منه فافعل لأنه في الحقيقة لا يستحق عليك أكثر من ذلك، قال تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [سورة البقرة:279] .
وإن أكرهوك على تسديد الفوائد الربوية، فلا عليك ما دمت ندمت على الفعل وتبت توبة خالصة عازما أن لا تعود إلى مثله، ففي سنن ابن ماجة أن: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [سورة طه:82] .
وحري بذنبك هذا أن يغفر وتستجاب دعوتك ما دمت ارتكبت هذا الإثم عن جهل لما فيه من الإثم والسوء وبادرت إلى التوبة منه، قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً [سورة النساء: 17] . ومن تاب الله عليه فإنه سيكون أهلا لأن تستجاب دعوته فلا داعي إلى القلق ما دامت التوبة قد حصلت فالتائب حبيب الله، والله جل وعلا لن يضيع أحباءه، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [سورة البقرة: 222] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(9/5417)
مسائل حول الإخلاص وحب مدح الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة لكل القائمين على هذا الحصن الإسلامي المنيع حقيقة إني أعاني من سيطرة بعض الهواجس على فكري، مما يسبب لي العجز والخمول في كل شيء، كيف نفرق بين الرياء وحب نيل المديح والتميز وهل حب إبراز النفس والتفوق حرام أم حلال، كيف يمكن للإنسان أن يجعل عمله لوجه الله هل يقول هذا العمل لوجه الله فقط أو يكفي أن يكون هذا العمل فيه خير لنفسه وللناس فيكون بذلك عمل لوجه الله، هل يؤجر الإنسان على العمل الذي تقتصر منفعته على نفسه هذه الأسئلة أربكتني عن العمل حيث إنني كنت أقضي وقت فراغي كله في الأعمال اليدوية واختراعات بسيطة وجمع معلومات من جميع المجالات لاستخدامها في حياتي وتعلم فنون الحرب الشرقية، حيث أجد في هذه الأعمال سعادتي وراحتي فهل يؤجر الإنسان على هذه الأعمال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من العجز ويحذر منه، فقد كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. رواه البخاري ومسلم.
وكان يقول: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم.
ثم إن حب الإنسان لأن يمدح بما فيه من خصال الخير والصفات الحميدة لا بأس به إذا كانت الصفات جبلية أو عادية أو تعبدية وقد عملها مخلصاً فيها، وأما فعل العبادة طلباً لمدح الناس، فإنه من الرياء المذموم.
وأما حب التفوق على الآخرين فلا حرج فيه إن لم يؤد للكبر أو العجب فقد حض الله على المسابقة في الخير فقال: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [المائدة:48] ، وكان عمر يحب التفوق على أبي بكر رضي الله عنهما في الإنفاق في سبيل الله، وأما نيل الأجر على الأعمال الدنيوية فإنه يرجى حصوله لمن احتسب فيه الأجر عند الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وروى كعب بن عجرة أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان. رواه الطبراني وقال المنذري والهيثمي رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية في أمور الإخلاص ومدح الناس: 11255، 7515، 49482، 10396، 41236.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1425(9/5418)
نصائح لمن تعلق قلبه بامرأة أجنبية لا يطيق البعد عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[رقم الفتوى: 46960
عنوان الفتوى: ثمار العلاقة بين الجنسين مذاقها مرٌّ
تاريخ الفتوى: 23 صفر 1425
هذا سؤالي الذي أجبتموني عنه وجزاكم الله كل الخير
حاولت أن أنفذ ما قلتموه لي لكن دون جدوى أريد الزواج منها اليوم قبل الغد أصبح فكري منشغلا بها أكثر من ذي قبل والله لا أستطيع العيش من دونها أفكر فيها في كل وقت قلبي يؤلمني بالابتعاد عنها أصبحت مغرما بها لدرجة لا تتصور فراحتي أن تكون بجانبي العمر كله والله الذي لا إله الا هو لا أستطيع العيش من دونها
أفيدوني جزاكم الله خير وأستسمحكم عذرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإجابة الشبكة على سؤالك وإحالتها للأسئلة التي تتعلق بنفس الموضوع كافية وشافية بإذن الله تعالى إذا أخذت بها، وليس لدينا جواب أكثر مما أجبنا به سابقا إلا نصحيتنا لك بأن تبتعد عن هذه الفتاة مادمت لست قادراً على الزواج منها وذلك لأنك قد وقعت في المحظور الشرعي ألا وهو العشق المحرم الذي ملك فكرك وملأ قلبك وصرت منشغلاً به كل وقتك، وهذا النوع من الحب والعشق الذي وقعت فيه قد يوصلك إلى المحبة الشركية التي يسوي فيها المحب بين حب الله وحب محبوبه أو يحب محبوبه أكثر من حب الله، واستمع إلى المولى عز وجل وهو يحذر عباده المؤمنين من الوقوع في هذا الحب الشركي، قال تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ] (البقرة: 165)
قال ابن تيمية في كتابه الا ستقامة في تفسير هذه الآية:
" فالمؤمنون أشد حباً لله من المشركين الذين يحبون الأنداد كما يحبون الله، فمن أحب شيئاً غير الله كما يحب الله فهو من المشركين لا من المؤمنين.
قال تعالى عن أهل النار: [تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ] (الشعراء:98) ، قال بعض المفسرين: " والله ماساووهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، ولكن ساووهم في المحبة والاجلال والتعظيم ".
والعلاج من هذا المرض العضال الذي شغل فكرك وبالك وجعلك تتعذب وتبحث عن الخلاص منه هو الاتي:
أولا: إخلاص العمل ومنه حبك لله عز وجل فلا تصرف منه شيئاً لغير الله.
ثانياً: أن تتضرع إلى الله وتلجأ إليه أن يصرف عنك هذا التعلق الذي لا فائدة فيه ولا جدوى وأن تسأل الله عز وجل أن يرزقك حبه كما جاء في الحديث: " أسالك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك. أخرجه الترمذي، وهو صحيح.
ثالثاً: عليك أن تشتغل بما ينفعك في دينك ودنياك، لعل الله ينسيكها، ويبدلك بهافتاة خيرا منها. أوييسر لك الزواج منها، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه.
رابعاً: لتعلم أن قولك إنك لا تستطيع أن تعيش من دونها، تلبيس عليك من الشيطان (أعاذنا الله وإياك منه) ودليل على ضعف عزيمتك واعلم أنك لو تزوجتها فإنك ستفارقها في يوم ما كما جاء في الحديث (وأحبب من شئت فإنك مفارقه) رواه الطبراني.
خامساً: اعلم أنك خلقت لعبادة الله وحده لا شريك له ولا ينبغي أن يصرفك عن عبادة الله أي شاغل كان امرأة أو غيرها، واعلم أن هذا الحب والعشق إذا لم تتخلص منه فقد يوصلك إلى مالا تحمد عقباه أو يصل بك إلى ما وصل إليه من جنوا بسبب هذا النوع من العشق.
سادساً: عليك أن تملأ فراغك بطاعة الله عز وجل وتلاوة كتابه وتعلم العلم الشرعي حتى تفوز برضى الله عز وجل فعساه سبحانه وتعالى أن يخلصك مما أنت فيه فهو نعم المجيب وبالاجابة جدير.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(9/5419)
ليس من شأن المطيع أن يفعل ما يغضب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[-ما هو حكم من يقرأ القرآن ويذكره ويصوم التطوع ثم يقوم بما يغضب الله جل جلاله.?
-هل يغفر الله لمن أراد أن يرتكب فاحشة مع أخته-والعياذ بالله- ولكنه تاب ثم عاد..وفي الأخير ندم وقرر أن لا يعود لهذه الفكرة.?
-ما هو حكم عدم الصلاة مع الجماعة بدون عذر.?
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلاوة القرآن وذكر الله والصيام خصال طيبة تقرب العبد من الله، ويكثر له بها الثواب، ولا يناسب من يقوم بمثل هذه الخصال والأفعال الحسنة أن يرتكب ما يغضب الله، لأن غضب الله يسبب سخطه على العبد وحرمانه من الثواب وعقابه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 5871، والفتوى رقم: 10108.
- وارتكاب الفاحشة مع الأخت ذنب عظيم. روى الحاكم في المستدرك وفي المسند والسنن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. ومن سعة فضل الله تعالى ورحمته أن من أراد المعصية ثم عدل عنها خوفا من الله فإن الله يكتبها له حسنة كاملة. روى الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة.
وإذا ترك العبد المعصية وندم عليها وعزم أن لا يعود إليها فإن الله يغفرها له. روى ابن ماجه من حديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
- والصلاة في الجماعة واجبة على الرجل الذي ليس له عذر في تركها، وكنا قد بينا ذلك من قبل فراجع فيه الفتوى رقم: 5153.
وبناء عليه، فالذي يتخلف عن الجماعة من غير عذر آثم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(9/5420)
هل يلحق الضرر بأولاد الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع من يقول إن الرجل الظالم يريه الله العقاب أحياناً في أولاده، فإن كان ذلك صحيحاً فما الحكمة وما ذنب الأطفال في ظلم أبيهم ولا أعترض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر يوثق به في أن الرجل الظالم يريه الله العقاب أحياناً في أولاده إلا كلاماً منسوباً لوهب بن منبه.
قال في حلية الأولياء: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان أبو بلال الأشعري حدثنا أبو هشام الصنعاني حدثنا عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يعتب به بني إسرائيل: إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركته نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، وإن اللعنة تبلغ مني الولد السابع.
ولا يخفى على أحد أن أخبار وهب من الإسرائيليات وإن لم يصرح بذلك، فما بالك إذا صرح! وقد أمرنا ألا نصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم.
وعلى تقدير صحة هذا الخبر فلا غرابة في الموضوع، لأن الله تعالى هو الفعال لما يريد المتصرف في خلقه كما يشاء، ولا معقب لحكمه، فمن شاء هدايته اهتدى، ومن أراد إضلاله ضل وغوى، قال تعالى: مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] .
ولا يلزم أن تتضح لنا الحكمة في أفعال الله تعالى، ولكن لحوق الضرر بأولاد الإنسان وإيلامه برؤيتهم يتألمون فيه من العقاب له على ظلمه ما لا يخفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(9/5421)
القلب الحي والقلب الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أخشى أي شيء في العالم، لماذا؟.هل القلب مات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان السائل يقصد أنه لا يخشى في الله لومة لائم بمعنى أنه لا يخشى إلا الله جل جلاله فيمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ـ وهذا ما نتمنى أن يكون هو حال السائل ـ فلا شك أن هذا هو وصف أنبياء الله تعالى وأصفيائه من خلقه، قال تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه [سورة الأحزاب: 39] .
بل إن الخوف ـ أعني ما يسمى بخوف الشيء- من أجلِّ العبادات ويجب أن يكون من الله وحده، وقد سبق أن ذكرنا حكمه، وشيئا من التفصيل في الخوف في الفتوى رقم: 2649.
ومن كان هكذا فلا يوصف بموت القلب ولا بقساوته بل يوصف بحياة القلب وبسلامته من الآفات، قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [سورة الشعراء: 89،88] . قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقال مجاهد والحسن وغيرهما بقلب سليم يعني من الشرك، وقال سعيد بن المسيب هو القلب الصحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال تعالى: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ [سورة البقرة:10] .
وبهذا يتبين للسائل أنه إذا كانت خشيته وخوفه من الله فقط كما نتمنى فإن قلبه حي بل صحيح سليم.
أما من لم يخف الله تعالى وتمرد على أوامره وتجرأ على نواهيه غير مبال، يقول ابن القيم عليه رحمة الله بعد أن ذكر القلب الصحيح: والقلب الثاني ضد هذا وهو القلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه؛ بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه.... إلى آخر كلامه. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الخوف والخشية منه وحده سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(9/5422)
عدم تطبيق الشريعة لا يسقط التكاليف عن الأفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: جميعنا نعلم ما هو حلال وحرام ولكن نحن في مجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية وزماننا يتمثل في الاختلاط في الدراسة والعمل والاجتماع مع الأقارب، فهل هذا الطابع من الحياة إذا اجتمع معه الأدب والاحتشام والمسؤولية، أستطيع أن أقول إننا نحيى بما يرضي الله عز وجل؟. وهل وأنا أعيش هذا المنهاج من الحياة تبطل صلاتي وعباداتي الخالصة لله، وما هو حجم الذنب الذي قد يرد صلاتي علي؟ ولا تقبل. شكرا جزيلا على توضيحكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن واجب المسلمين فرادى وجماعات ودولا وشعوبا أن يطبقوا شرع الله في كافة أمور حياتهم،
قال الله تعالى: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون َ] (المائدة: 44)
وإذا كان المجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية فإن ذلك لايسقط التكاليف عن الأفراد ولايبيح المحرمات.
والاختلاط بين الجنسين على الوضع الشائع في الدراسة وفي العمل أو بين الأقارب لايجوز، وإذا احتاج المرء إلى اختلاط فعليه أن يتقيد بضوابط الشرع في ذلك، وقد بيناها من قبل فراجعي فيها الفتاوى ذات الأرقام:
2523، 1734، 4031،.
وإذا قلنا بأن الاختلاط بين الأجانب على الوضع الشائع الآن محرم فليس معنى ذلك أن الصلاة أو العبادات الأخرى تبطل بسببه،
والذنب الذي يبطل العبادة إنما هو الكفر أوما يقوم مقامه من أسباب الردة.
قال تعالى: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] (الزمر: 65)
ومثل ذلك ترك الصلاة عند من يرى تركها كفرا.
وراجعي فيه الفتوى رقم: 512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/5423)
من تعاطى سبب الانتحار بغير قصده لا يعد منتحرا
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
أشكركم كثيرا على سعة صدركم والإجابة على سؤالي بالفتوى رقم 49784، إلا أنه يبدو أن السؤال أبهم عليكم قليلا، فأنا كنت أعني بذلك زوجتي أنه بعد مشاجرة بيننا ولتخويفي وتهديدي حاولت إشعال النار في نفسها لتخويفي أنا إلا أن النار اشتعلت فيها وأطفأتها وبقيت في المستشفى شهرا كاملا واستغفرت الله جل وعلا وندمت أشد الندم على فعلتها والحادث أصيبت به وهي لا تزال نفساء وتوفيت عندما كان عمر طفلتنا 76 يوما فقط وزوجتي كان عمرها 23 سنة.
فهل هي في حكم الشرع منتحرة أم تأثم فقط على إلحاق الضرر والسوء بنفسها وبي أنا وابنتها من بعدها؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد فرق كبير بين ما كنا أجبناك عنه في سؤالك الأول وبين ما أرسلته الآن توضح به ما كنت أبهمته في السؤال.
ففي كلا السؤالين لم يكن الفاعل يقصد الانتحار وإنما كان يريد التخويف، وقد أجبناك بأنه لا يعد منتحرا ما دام قصده هو مجرد التخويف وليس الانتحار، فالمنتحر هو من أراد قتل نفسه بأحد الأسباب القاتلة، وأما الذي تعاطى السبب بلا قصد الانتحار فإنه لا يعد منتحرا ولكنه آثم بارتكابه أمرا منهيا عنه في الشرع.
وعليه؛ فالذي نراه في أمر زوجتك هذه هو أنها غير منتحرة، ولكنها قد ارتكبت إثما كبيرا فيما فعلته وعسى الله أن يتجاوز عنها بما أظهرت من الندم والاستغفار.
وننصحك بالابتعاد عن المشاجرات مع الأهل مما يكون له مثل هذه النتيجة، ونرجو الله أن يحسن عزاءك في زوجتك ويخلفك خيرا منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(9/5424)
أذنب في حق أخيه ذنبا ثم تاب فهل يخبره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالاطلاع على عورة أخ لي دون علمه من باب الفضول وليس لشهوة، سؤالي هو: هل يجب علي إخباره لتقبل توبتي أم لا، أفيدوني يرحمكم الله، فأنا في عذاب منذ مدة، نحن نحب بعضنا في الله كثيراً منذ سنتين ونعمل في الدعوة في بلاد الغرب، وأخاف إن أخبرته أن يتأثر كثيراً، وتنتهي أخوتنا وهو ما لا أريده، أفيدوني، كيف التوبة من هذه الزلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله تعالى النظر إلى العورات، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] .
وعليه، فإنك ارتكبت إثماً فعليك بالمبادرة إلى التوبة بالإقلاع عن مثل هذا الفعل والندم عليه والعزم أن لا تعود إليه، فهذه هي شروط التوبة، ومن فعلها مخلصاً لله تعالى، فإنها ستكون مقبولة إن شاء الله، ففي الحديث الشريف: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه من حديث أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه مرفوعاً.
وأما إخبارك له عن هذا الفعل الذي قمت به، فإنه لا يشترط لقبول توبتك، فلا تفعله إذا، ويتأكد نهيك عن إخباره إذا كنت تعلم أن الإخبار قد يؤدي إلى انتهاء الأخوة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/5425)
الطريق إلى رقة القلب بعد قسوته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يوقظ القلب للطاعة مع معرفتى بالسنة ولا أعمل بها حيث أنى أشعر بوقوعى فى النفاق حيث أأمر بالمعروف ولا أأتيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العلم مقدم على العمل، كما قال تعالى: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ] (محمد: 19) .
وبوب البخاري لذلك بابا فقال: العلم قبل القول والعمل.
فاحمد الله أن عرفك بالسنة وأتبع العلم العمل، فإن كلا منهما يأخذ بحجز الآخر.
وننصحك بقراءة كتاب: "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي.
وإن كان لنا في هذا المقام من نصيحة نقدمها لك فنقول: إن رقة القلب وخشية الله تعالى ثمرة لمجاهدة مستمرة لنزعات النفس ونزغات الشيطان. كما قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] (العنكبوت: 69) .
فجاهد في سبيل تخلية قلبك من المعاصي والآثام، ثم تحليته بالطاعات والقرب يرق قلبك وتسمو نفسك، وتكون وقافا عند حدود الله وآياته.
نسأل الله لنا ولك الرشد والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(9/5426)
عاقبة التبذير وعدم تقدير الرزق والنعمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخوكم المسلم أتوجه إليكم بالشكر والامتنان على وضوح وصراحة إجاباتكم على الأسئلة المتعددة، وجزاكم الله خيرا أما بعد؛
فإن بي مشكلة عويصة حطمت طموحاتي ألا وهي؛
_ لي 23 سنة وأشتغل بشركة أجنبية منذ ثلاث سنوات بميدان الإعلامية وأتقاضى مرتبا محترما ولكني لم أحصل حتى الآن فلسا واحدا مع أني متقي ولا أمارس أي نوع من الفساد،
فإني حائر في أمري ونادم أشد الندم على ما ضيعت من أموال رزقنيها الله ولم أنتفع بها ولم أعمل أي حساب ليوم عسير.
إني خائف جدا من الله الذي يرزق العباد ولكنهم ظالمون أنفسهم، لقد من الله علي برزق وافر ولم أحافظ عليه وأهدرته في ما لا يعني.
إخواني اني ألتمس منكم إرشادي الى الطريق الصواب الذي ينقذني من الضياع ومن غضب الله تعالى ومدي بالموعظة والإرشاد بما يرضي الله.
كذلك ألتمس منكم مدي بأدعية تكفر من ذنوبي لعدم حفاظي على الأمانة التي أمدنيها ربي ألا وهي المال الذي هو ملك الله تعالى ونحن خلفاؤه في الحياة الدنيا الغرارة.
وجزاكم الله خيرا وأرجو أن تكون هذه المسألة عبرة للآخرين ...
أرجو أن تعطوها عنوان \"الرزق والأمانة\"
__1 -هل ينزع الله الرزق ممن لا يحسن الحفاظ عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى استخلف الناس على الأموال التي بأيديهم؛ كما قال جل وعلا: [وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ] (الحديد: 7) .
قال القرطبي في تفسير الآية: فيه دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله فيثيبه على ذلك بالجنة. اهـ.
وحرم الله عليهم إضاعتها وتبذيرها، فقال: [وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا] (النساء: 5) أي قوام عيشكم الذي تعيشون به، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله كره لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. رواه البخاري.
وأمر الله عباده بالتوسط في الإنفاق، وحذرهم عاقبة ترك التوسط.
قال تعالى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا] (الإسراء: 29) .
يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: ولا تبسطها بالعطية كل البسط فتبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك. "فتقعد ملوما محسورا" يقول: فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه محسورا. اهـ.
فعلم مما تقدم أن من رزقه الله رزقا حسنا فبذر ولم يحسن التصرف فيه أن مآله إلى الفقر وذهاب ما بين يده جزاء عدم شكره للنعمة التي استخلفه الله عليها.
وأما ما سألت عنه من أدعية بهذا الخصوص فنوصيك بالدعاء الوارد وهو ما رواه ابن أبي شيبة وغيره مرفوعا: اللهم إني أسألك كلمة الإخلاص في الغضب والرضى، والقصد في الغنى والفقر.
وكذلك الدعاء الذي رواه مسلم في صحيحه وهو: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1425(9/5427)
من عصى الله فمات ابنه لا يعتبر قاتلا له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القتل الغير متعمد يشترط فيه أن يكون هناك احتكاك أو اصطدام مع المقتول؟؟ أقصد بسؤالي هذا لو أن هناك شخصا توفي عليه أحد أولاده ويرى أن ما حصل هو بسبب معاصي وذنوب اقترفها فهل هذا يعتبر بمثابة القتل الغير متعمد؟؟ وهل عليه كفارة؟؟ علما بأن هذا الشخص تاب الى الله من تلك المعاصي وندم على ذلك أشد الندم أرجوكم أعطوني الإجابة بسرعة فأنا محتار في هذا الأمر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يصيب العباد من المصائب والمكاره بسبب ذنوبهم ومعاصيهم وتقصيرهم في طاعة الله تعالى. قال الله تعالى: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍٍ] (الشورى: 30) حتى قال بعض السلف: إن شؤم المعصية يظهر على الدابة والولد والزوجة.
وليس معنى ذلك أن من ارتكب معصية فأصيب بموت ولده أنه يعتبر قاتلا له ويترتب عليه ما يترتب على القتل العمد أوالخطأ.
فالقتل العمد أن يقصد القاتل قتل المقتول، وأما القتل الخطأ فإن القاتل لا يقصد قتل المقتول، وإنما يفعل فعلا يباح له فعله، فيكون ذلك الفعل سببا في موت المقتول كأن يرمي هدفا فيصيب إنسانا، وصاحب المعصية لم يفعل شيئا من ذلك، بل زلت قدمه وعصى ربه فعاقبه الله تعالى بتلك العقوبة الدنيوية تنبيها له حتى يرجع إلى الله تعالى وتذكيرا له بقدرته عليه.
وربما كانت المصيبة سببا في توبته ورفع درجاته وقربه من الله تعالى، وإذا كان هذا الشخص قد تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا مستوفية الشروط، فإن الله تعالى يقبل توبته ويبدل سيئاته حسنات.
قال الله تعالى: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] (الفرقان: 70) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(9/5428)
لا يلزم في الوعظ أن يكون واردا في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال حول كلمة استحضروا عظمة الله في الصدور يقولون هذه الكلمة بدعة والأصل نقول استحضروا عظمة الله في القلوب والسبب أنها لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم
ما هي البدعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا فرق في المعنى بين القائل: "استحضروا عظمة الله في قلوبكم"، وبين قوله: "في صدوركم" لأن القلوب في الصدور؛ كما قال الله تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: من الآية46) .
ولا وجه للقول ببدعية هذه الكلمة ولو لم يرد هذا اللفظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الوعظ لا يلزم أن يكون بما ورد، بل بكل ما يرقق القلوب ولا يخالف الكتاب والسنة، وقد كان السلف رحمهم الله كالحسن البصري وغيره يعظون الناس بكلام حسن لم يرد في الكتاب ولا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر بعضهم على بعض في ذلك، وقد سبق تعريف البدعة في الفتوى رقم: 631.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(9/5429)
من تاب من ذنب، وبقي أثره وفساده
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت كثيراً ما أدخل للشبكة العنكبوتية وأقوم بالدخول لمواقع مشينة وأكتب وأضع صوراً ووووو، ولكني تبت الآن إلى الله فكيف لي أن أتوب حقاً مع أن هذه الصور ما تزال موجودة ولا أدري كيف أمسحها ... أعيش في دوامة من هذا الأمر فهل سيغفر الله لي ذنبي، مع العلم بأنني قد تبت إلى الله توبة نصوحة لا عودة فيها بإذن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تاب من المنكر يجب عليه السعي في إزالة جميع آثاره، فإذا نشر فسادا يجب عليه أن يمحوه، وأن يقنع الناس بخلافه، وأن يدعو الناس للخير ليكفر ما نشره من الشر والفساد.
فعليك أن تسعى في الاتصال بمسؤولي هذه المواقع التي نشرت فيها الشر من خلالها، وأن تحرص على إقناعهم بمحو ما كتبت وما وضعت من الصور، فإن لم يقبلوا ولم تمكنك وسيلة أخرى، فما عليك إلا أن تخلص وتصدق في التوبة، فقد نص أهل العلم على أن من تاب من ذنب، وبقي أثره تقبل توبته ومثلوا لذلك بمن نشر بدعة ثم تاب منها.
قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع * عن بث بدعة عليها يتبع
هذا؛ ونوصيك بالنشاط في الدعوة إلى الله من خلال الانترنت، فاحرص على نشر ما استطعت من الخير من خلالها، وراجع الفتوى رقم: 33822، والفتوى رقم: 18206، والفتوى رقم: 6617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(9/5430)
تعريف الزهد وكيفية التزهد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الزهد: ما هو تعريفه، كيف بإمكاننا أن نطبقه في وقتنا الحاضر، وما هي الكتب التي تنصحونني بقراءتها في هذا الموضوع؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن القيم في المدارج عدة تعريفات للزهد، وذكر أن أحسنها تعريف شيخ الإسلام له بقوله: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وعرفه بعضهم بتفريغ القلب من الدنيا، ويمكن للإنسان أن يزهد في الدنيا ويترك التعلق بها ويشتغل بما ينفع في الآخرة إذا أكثر من المطالعة في نصوص الوحي التي تبين قلة أهمية الدنيا وفناء جميع ما فيها وعظمة الجزاء في الجنات وبقاءه وخلود الإنسان فيه واستشعار الإنسان أهمية التصدق بما فضل عن ضرورياته على المحتاجين.
فعليك بالإكثار من مطالعة القرآن وكتابي رياض الصالحين والترغيب والترهيب وهما موجودان على شبكة الإنترنت وأكثري من قراءة أحوال الزهاد وكلامهم، ومن أحسن الكتب في ذلك مدارج السالكين، وراجعي الفتوى رقم: 18551، والفتوى رقم: 20776.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(9/5431)
نظر إلى صورة زوجة صديقه ويريد أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[النظر إلى صورة أجنبية
بسم الله الرحمن الرحيم
فإني أسأل المولى عز وجل أن يوفقني وإياكم لعمل كل ما يحب ويرضى من الخيرات وأن يثبتنا على القول الثابت. إليكم موضوعي فهو الآن مطروحً أمامي وأود إطلاعكم عليه فهو الآن أصبح في غاية الأهمية بالنسبة إلي، وذلك لما قد وقعت فيه بسبب ذلة شيطان أعاذنا الله من شره. فسأكتب الموضوع وهو أني قد وقع نظري على صورة لزوجة أحد أصدقائي الأعزاء بل هو في مقام أخ لي.ليتني لم أنظر لتلك الصورة فقد نظرت إليها بشكل موسع قليلاً مع إنها لم تكن واضحة بشكل طبيعي إلا أنني سايرت الشيطان اللعين ونظرت ودققت في الصورة ومع هذا كله لم أشأ أني أقوم بإنهاء هذه الغلطة بالسكوت فقد أخبرت صديقي بالحقيقة والتي لم يتوقعها مني بتاتاً.. لكن الشيطان هو من أوقعني في هذه المصيبة. سؤالي أكرمكم الله هو ماذا يترتب علي في هذه الحالة، وكيف أتصرف لكي أنهي غلطة كهذه قد اقترفتها في حقي قبل أن أقترفها في حق صديقي وأخي في صورة زوجته. أتمنى من الله عز وجل أن أجد عندكم الحل السليم والحكم في هذه الحالة وما هي عقوبتي ليرتاح ضميري؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن نظرك لزوجة صديقك حرام، لأنها أجنبية عنك، وقد قال الله تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ] (النور: 30) والواجب عليك التوبة إلى الله والندم على ما فرطت في جنبه وعقد العزم على عدم العودة لمثل هذا الذنب، وعليك أن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولا تيأس من روح الله، فقد قال الله تعالى: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] (طه: 82) . وقال: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ] (التوبة: 104) . وقال سبحانه: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر: 53) .
ولقد أخطأت عندما صارحت صديقك بمعصيتك، وكان الواجب عليك أن تستر على نفسك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله. رواه مالك. وإن ما ابتلي به الناس من النظر لصور الأجنبيات هو بسبب تساهل الناس في التقاط الصور الفوتوغرافية بغير حاجة، ولمعرفة حكم الصور والاحتفاظ بها راجع الفتوى رقم: 1935 والفتوى رقم: 10888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(9/5432)
لا ترفع يديها إلى السماء للدعاء حياء من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[فسؤالي هو أنني أشعر بالخجل الشديد في أن أطلب من ربي في أن أدعوه وأحياناً عندما أصلي، فإنني لا أرفع يدي إلى السماء بل أنزل رأسي خجلاً من جلاله وعزته، وأطلب منه وأنا خجلة، إن كان هذا العمل جيدا، وإن لم يكن كذلك فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدعاء الله تعالى واللجوء إليه من أعظم العبادات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة، َقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] . رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
كما قال صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر فقال: الله أكثر. رواه الترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
ومن أسباب استجابة الدعاء رفع اليدين فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً. رواه أبو داوود والترمذي، وصححه الشيخ الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: أن يردهما صفراً أي خاليتين خائبتين من عطائه لكرمه والكريم يدع ما يدعه تكرماً، ويفعل ما يفعله تفضلاً فيعطي من لا يستحق ويدع عقوبة المستوجب والكريم المطلق هو الله، فإذا رفع عبده يديه متذللاً مفتقراً حاضر القلب موقناً بالإجابة حلال المطعم والمشرب كما يفيده قوله في خبر مسلم: فأنى يستجاب له ومطعمه حرام ومشربه حرام، يكره حرمانه وإن لم يستوجب المسؤول.
إلى أن قال: وفيه ندب رفع اليدين في الدعاء ورد على مالك حيث كره ذلك، قال ابن حجر: وقد ورد في رفع اليدين أخبار صحيحة صريحة لا تقبل تأويلاً لكن عدم الرد لا يتوقف على الرفع إذا توفرت الشروط، وإنما قيد به لأنه حال السائل المتذلل المضطر عادة. انتهى
وعليه، فينبغي لك الإكثار من دعاء الله تعالى مع اليقين بالإجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
مع التنبيه إلى أن رفع اليدين أثناء الدعاء من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة وراجعي الفتوى رقم: 23599.
وإذا كان ذلك الخجل والحياء سببه الذل والانكسار والخضوع لله تعالى وامتلاء القلب هيبة وتعظيماً له جل وعلا، فهذا مقام رفيع ومشهد كريم وقد سماه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: مشهد الذل والإنكسار حيث قال: المشهد الثاني عشر وهو مشهد الذل والإنكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله فيشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة وافتقاراً تاماً إلى ربه ووليه ومن بيده صلاحه وفلاحه وهداه وسعادته، وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة حقيقتها، وإنما تدرك بالحصول فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء.
إلى أن قال: فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه وما أنفع هذا المشهد وأجداه وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم وأحب القلوب إلى الله سبحانه قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لا يرفع رأسه إليه حياء وخجلاً من الله، قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(9/5433)
الخطايا التي يمحوها الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الوضوء يمحو الذنوب مثل إيش؟ جزكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب.
وهذه الذنوب التي تكفر بالوضوء هي صغائر الذنوب كالنظر إلى النساء غير المحارم، قال الإمام النووي رحمه الله: والمراد بالخطايا: الصغائر دون الكبائر كما تقدم بيانه، وكما في الحديث الآخر: ما لم تغش الكبائر.
قال القاضي: والمراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها، لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(9/5434)
لا تتم التوبة إلا برد المسروق إلى صاحبه أو استحلاله منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في الحقيقة سرقت جوال أعز أصحابي ولا أدري كيف فعلت هذا وأنا نادم أشد الندم والله على ما أقول شهيد أرجو إفادتي كيف أتعامل معه وكيف أخبره وهل إذا أخبرته سوف يزعل مني هل سوف يثق في مرة أخرى هل سيسامحني لا أدري ماذا أفعل والله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرقة من أقبح المحرمات، ويمكنك أن تراجع في حكمها فتوانا رقم: 17344، وللتوبة منها كأي ذنب آخر لا بد من الإقلاع عن تلك الممارسة المشينة، والندم على فعلها في الماضي، والعزم على تجنبها في المستقبل، وبالنسبة لما كان فيه حق للغير فلا تتم التوبة فيه إلا برد الحق لصاحبه أو استحلاله منه.
وعليه، فلا بد من رد هذا الجوال إلى صاحبه بالطريقة التي تراها مناسبة، وليس يلزم أن تخبره بالموضوع لأن المرء مطالب بحفظ عرضه، وراجع الفتوى رقم: 28159، والفتوى رقم: 6022.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(9/5435)
إذا أقبلت فخذوها بالنوافل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة في علاقتي مع ربي، أتوجه إلى الله عندما أكون في مشكلة وعندما تنتهي أعود كما كنت إذا كانت أموري تماماً أصلي بشكل جيد، أما إذا تعسرت أصلي الفرض فقط، مترددة أخاف أن أكون من الجماعة التي تعبد الله على حرف إذا رزقهم آمنوا وإذا منعهم فسقوا، أحاول التوبة من الذنوب دون فائدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من طبيعة الإنسان المركوزة فيه الالتجاء إلى خالقه والإقبال عليه في حال الضيق النازل والكرب المُلمِّ، والإعراض عنه سبحانه وتعالى عندما تزول تلك الشدة، هذه طبيعة الإنسان إلا من عصمه الله، قال الله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [يونس:12] ، قال القرطبي في تفسيره: فالآية تعم الكافر وغيره.
أما المؤمن حقا فهو الذي يطيع ربه ويقبل عليه في جميع أحواله، ففي صحيح مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له. هذا هو ما يتميز به المؤمن حقا من غيره.
ثم إن إقبال المسلم على العبادة وإكثاره من نوافل الطاعات مرة وتقصيره مرة أخرى عن النافلة، واقتصاره على الفرائض حسب نشاطه وكسله أمر طبيعي في الإنسان، ولا يدخل في الآية التي ذكرتها السائلة ولا في الآية التي ذكرناها نحن، ما دام صاحبه ملتزما بالواجبات، ففي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك. قال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ...
وعن عمر رضي الله عنه قال: إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها بالفرائض. نسأل الله الثبات لنا ولك وللمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(9/5436)
قبول التوبة ليس مرتبطا بمدة زمنية
[السُّؤَالُ]
ـ[تبت منذ أسبوع من الزنى والكبائر ولكن هل تكفي مدة أسبوع لمحو الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنى كبيرة من الكبائر العظيمة، سماها الله تعالى فاحشة، قال تعالى: [وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً] (الإسراء:32) . وقد قرن الكلام عن الزنى بالكلام عن الشرك وقتل النفس، وذلك في وصف عباد الرحمن. قال تعالى: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان: 68-70)
فتب إلى مولاك توبة نصوحا من تلك الكبيرة العظيمة واندم على فعلها، ومن تاب تاب الله عليه.
قال تعالى: [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] (التوبة:104) .
وقال سبحانه: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر:53) .
والذي يحفظ المؤمن من الوقوع في الحرام أن يسد على الشيطان مجاريه ويقطع عليه حبائله. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] (النور: 21) .
وعليك بغض البصر، فإن البصر بريد الزنى، وعدم الخلوة، إلا بمحارمك، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، فاثبت على توبتك، فإن التوبة تجب ما قبلها إذا توفرت شروطها وليس العبرة بالمدة، وشروط التوبة يمكنك الاطلاع عليها في الفتوى رقم: 29785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(9/5437)
فتاوى حول اكتساب السعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصل الإنسان إلى السعادة الحقيقية في حياته في هذه الدنيا التي هي تعب وهمّ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في أسباب الحصول على السعادة الفتاوى التالية أرقامها: 6074، 29172، 18941، 41347.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1425(9/5438)
كيف تكتسب لذة الطاعة وطمأنينة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ,
أنا والحمد لله رب العالمين ملتزم منذ 3 سنوات , فأصلي جميع الصلوات في المسجد مع الجماعة والحمد لله , أقوم الليل بعض الأحيان , أقرأ العديد العديد من كتب الفقه والعقيدة والرقائق لأهل السلف الثقات , لا أسمع الأغاني أو أي شيء من المحرمات , بدلت أصدقائي القدامى بأصحاب ملتزمين من أهل المسجد , ملتزم بأذكار الصباح والمساء وأبتعد عن مواطن الفساد قدر الإمكان ,أختم القرآن كل شهرين مرة مع حفظي له وقرأت تفسيره , مطلق اللحية..... ولكن للأسف أقول لكم لم أشعر بلذة الإيمان التي أسمعها من الملتزمين بالإضافة إلى العصبية الغريبة التي تبدر مني دائماً وكأني أشعر بضيق الصدر دائما فهل ينطبق عليّّ قوله تعالى \" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا....\" فأرجو المساعدة لأجد الحلول , شعوري بالتقصير الدائم وبعض الأحيان أقول بنفسي لو لم التزم وأفعل ما يفعل الأصدقاء القدامى من سماع أغاني وسهر؟ لا أعرف ماذا يحصل معي صدقاً وأقول لو يعلم أصحابي الملتزمون بحقيقتي لابتعدوا عني بدل احترامهم لي أتمنى أن أعمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان: صبر وسماحة\" أو كما قال وكذلك وصيته للصحابي: لا تغضب 3 مرات. ولكن لا أستطيع حتى أهل بيتي يلاحظون أن عصبيتي زادت بعد التزامي , والعكس هو المفروض أن يحصل؟؟ وهل يجوز ضرب الزوجة إذا شتمت زوجها؟؟؟؟ آسف للإطالة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح السائل الكريم بكثرة ذكر الله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بثبات القلب على دين الله تعالى، فقد سئلت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ، فتلا معاذ (أحد رواة الحديث) " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " رواه الترمذي وأحمد.
فبذكر الله تعالى والأنس به وكثرة دعائه يطمئن قلبك ويزداد إيمانك وتجد لذة العبادة، كما ننصحك بصحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير غضبك من الكلام والمواقف والمجالس والأشخاص.. وإذا حدث أن غضبت فلتمسك عليك لسانك ولتغير حالتك التي كنت عليها، وإن استطعت أن تتوضأ فذلك أفضل.
ولتعلم أخانا الكريم أن البر حسن الخلق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خياركم أحاسنكم أخلاقا. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.
فالذي يضرب أهله ويؤذيهم ويظلمهم ليس من خيار هذه الأمة، ولا يجوز ضرب الزوجة إلا بشروط أشار إليها الله في قوله تعالى: [وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً] (النساء: 34) .
ولتفاصيل ذلك نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 69 والفتوى رقم: 6897، كما نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 24082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(9/5439)
من اقترفت ذنبا وتابت لا يخرجها من كونها ذات دين وخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم وبعد وقبل أن أدخل في السؤال أرجو أن أعتذر عن طول السؤال لأنه يحتاج لبعض التوضيح وهو:
لي صديق خطب قريبته لمدة تزيد عن السنتين ثم دخلت الجامعة وفي الجامعة أقامت علاقة مع شخص آخر (العلاقة ليست بغرض أن تتركه وتتزوج غيره إنما بغرض تزجية الوقت) مع العلم بأنه حذرها - خطيبها- من هذا الشاب وأخبرها بأن أخلاقه غير سوية ومع ذلك استمرت بدون علمه ووصلت العلاقة بأن سمحت له بلمس جسدها وفعل ذلك معها كذا مرة وبرضاها (لم تصل لمرحلة الزنا إنما لمس للجسد مثل القبل وكذا) وهي تركت هذا الموضوع زمنا ولم تخبره ولكنه بالصدفة اكتشف كل ذلك مؤخرا واعترفت بأنها فعلت ذلك وهي نادمة أشد الندم على ما فعلت وما قامت به هو من عمل الشيطان وتفاجأت بأنه علم بالموضوع وانهارت , ما حدث هو أنه تزوجها لأسباب:
1. أنها قريبته وواجب سترتها.
2. تركها يسبب انشقاق في الأسرة ومشاكل لا يعلم مداها إلا الله.
3. ماذا يقول لأهلها في سبب تركها.
4. اقترح عليها بأن تخبر أهلها بأنه غير سوي وغير مؤهل لها لكي تتزوجه حتى يكون الرفض من جانبها فرفضت رفضا باتا.
وبعد الزواج بعدة أشهر _ لهما الآن حوالي الأربعة اشهر_ ساءت حاله ودخل هو في دوامة نفسيات شديدة لأنه لم يستطيع نسيان الموضوع وهو الآن يفكر في طلاقها ومتردد لأن ذلك سوف يثير الشكوك حولها وهو الآن حيران ويسأل هل زواجه باطل من وجهة نظر شرعية لأنه لم يختر امرأة ذات دين وهل ما فعلته يخرجها من أنها ذات دين
والشق الثاني المهم في الموضوع هو أنه يعرف هذا الشخص وهو اعتدى على عرضه فماذا يفعل معه هو لا يستطيع أن يشتكيه المحكمة , ليس لديه دليل ثم يتنافى مع مبدإ السترة الذي يؤمن به, يضربه مع إمكانه فعل ذلك لكن يرى أنه هو لم يغصب قريبته هذه وهي فعلت ما فعلت بإرادتها.
هو الآن حيران وأظلمت الحياة في وجهه مع العلم بأنه لا يرى أي مبرر لما حصل غير أن قريبته هذه لا أخلاق لها وهو كان يعتقد بأن الزواج ينسيه ولكن هو الآن في حال لا يحسد عليها ويخشى من أن يقول لامرأته كلمة جميلة لأنها في نظره لا تستحق ولا يقبل منها كلمة جميلة لأنه يعتقد أنها كاذبة
هو محتار والمشكلة أنه لا يستطيع أن يحكي لأي شخص هذه المشكلة بالتفصيل وحكاها لي لأسباب خاصة جدا وأنا أبحث معه على حل وأنت الحل من بعد عون الله تعالى فهلا أخرجتنا من هذه المحنة وأرجو أن أتلقى ردكم ولا أظنكم تبخلون بذلك مع أنني أدري أن وقتكم ثمين وغال لكن قدر هذه المحنة ولكم الثواب عند الله تعالى بإذنه والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذه الفتاة التوبة والاستغفار من تلك العلاقة الآثمة، وقد كان الأولى بها الستر على نفسها وعدم الإخبار بما فعلت من خطايا ولو طلب منها ذلك خطيبها، لأن التصريح بالذنب بعد فعله معصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.
وإذا كانت هذه الفتاة قد تابت من ذنبها وندمت منه كما هو مبين في السؤال، فلا داعي لطلاقها، لأن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب عليه، وكونها قد اقترفت ذنبا وتابت منه لا يخرجها ذلك من أن تكون امرأة صالحة ذات دين وخلق، لأن السلامة من الذنوب أمر عسير التحقق على بني آدم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه الألباني.
وعلى هذا، فندعو هذا الرجل إلى الاستمساك بزوجته وليصرف عن ذهنه ما بدر منها من تصرفات ماضية ما دام أنها أصبحت مستقيمة، وليحذر من ذكر ذلك للغير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. متفق عليه. وكذا الحال مع الشاب الذي كان يقيم معها تلك العلاقة، خاصة أن في التعرض له مضار كثيرة أقلها شأنا فضح زوجته وقريبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(9/5440)
العذاب يوم القيامة يكون بالدرجة والكيفية التي أرادها الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون هذه المعاداة للذين يعملون السيئة مثلها؟
وكيف يكون عذاب نار جهنم أضعافا مضاعفة ولم ير مثله أحد في الدن يا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حساب الحسنات والسيئات أمر إلهي وليس يعرف منه إلا أن الإنسان لا يظلم فيه شيئا، والله تعالى يضاعف له الثواب في فعل الطاعات تفضلا منه، ويجزيه بالسيئة سيئة عدلا منه تعالى.
ومعنى هذا أن من فعل الحسنة فإن له أضعافها عند وزن الأعمال عشرة أمثال إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثرة، وأما الذي يفعل السيئة فإنما توضع له عند الحساب سيئة واحدة، وهكذا فإذا رجحت حسناته كان مثابا مكرما عند الله، مستحقا لما أعده الله له من النعيم في دار الخلود، وذلك إنما هو تفضل من الله فقط، لأن الله تعالى ليس له أي انتفاع بما جاء به الإنسان من الطاعات، وإن رجحت سيئاته كان مستحقا للعذاب الذي أعده الله للعصاة من خلقه والمماثلة بين السيئة التي ارتكبها العبد والتي عند الجزاء هو من باب العد والقياس لا من باب العقاب والعذاب. والعقاب والعذاب إنما يكونان بالدرجة والكيفية التي أرادها الله واعتبرها مناسبة لدرجة عصيان العبد.
قال تعالى: [إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (الطور: 16) .
وقال: [فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (يّس:54)
وقال: [هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] (النمل: 90) .
واعلمي أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا إلا من باب التقريب للأذهان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(9/5441)
ما يعين على الطاعة وزيادة الإيمان والبعد عن المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه أبلغ من العمر الثانية والعشرين الحمدلله أنهيت دراستي الجامعية.. أنا لم أكن ملتزمة أو لم أكن أحافظ على صلاتي سابقا ولكن الحمد لله هداني وأصبحت من المواظبين عليها وإذا لم أؤد صلاتي أشعر وكأنني ينقصني شيء وأحمد الله على هذا الشعور فهو يعينني على أداء الصلوات وأيضا أحاول أن أستمر في قراءة القرآن يوميا.. في حياتي السابقه كنت قد أذنبت ذنبا وتبت إلى ربي ولكني الآن قد بدأت أعود إلى الذنب وأجاهد نفسي على عدم الرجوع إليه وأعلم أني أعود إلى هذا الذنب بسبب فراغي الدائم والذي لا أعرف كيف أشغله فأنا لست من اللواتي يحببن الخروج من البيت دوما فحياتي غالبا ما تكون في المنزل لا أخرج ولا أعمل وقد قلت سابقا إني أنهيت دراستي وأنا واثقة كل الثقه أني إن أنا أشغلت وقت فراغي بالعمل لن أعود إلى هذا الذنب وأنا لا أريد العودة إليه سواء أكنت أعمل أم لا فما الحل أعينوني وأفيدوني جزاكم الله خيرا فقد مللت من روتين حياتي وأعرف أن لكل إنسان اهتمام أو هواية أو أي شيء يخصه عن باقي أقرانه ولكني لا أستطيع تحديد اهتماماتي وأريد أن أعرف ما الشيء الذي خصني الله به لأفيد غيري وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تشغلي نفسك بالتفكير فيما ينفعك ويزيد إيمانك، وتستغلي أوقات الفراغ في أعمال تعود عليك بالنفع في دينك، وفي دنياك من مطالعة الكتب النافعة وتلاوة القرآن الكريم والأعمال اليدوية.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. رواه البخاري.
قال الحافظ في الفتح: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعت وغلب عليه الكسل.. فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة.. فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله تعالى فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله تعالى فهو المغبون.
ومما يعينك على الطاعة وزيادة الإيمان والبعد عن المعاصي والذنوب، صحبة الصالحات من أمثالك والاشتراك معهن في أعمال نافعة، وقد تكتشفين من خلال ذلك مواهبك واهتماماتك الخاصة التي تبدعين فيها فتنفعين بذلك نفسك ومجتمعك.
وقبل ذلك وبعده ننصحك بالمحافظة على الفرائض وخاصة الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ... كما ننصحك بالبعد عن المحرمات، وخاصة الأغاني والصور الخليعة التي تثير الشهوة، وتدفع إلى الذنوب.
وعليك بما استطعت من صوم النافلة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(9/5442)
الصبر الذي يؤجر عليه العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[2- ماهو الصبر الذي يجزى عليه الإنسان، مثلا إذا كان شخص ما يتعلم فنون الحرب أو الرياضة بصفة عامة وصبر على مشاقتها، فهل هذا الصبر يجزى عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصبر الذي يؤجر عليه العبد ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر على بلاء الله وما يصيب العبد من مصائب في نفسه وأهله وماله.
الثاني: الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى.
الثالث: الصبر عن معصية الله عز وجل.
وعليه فالصبر على فنون الحرب والرياضة إذا احتسب الشخص الأجر بأن كان مقصوده هو الإعداد الذي حث عليه الشرع بقوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60] ، فإنه مأجور على ذلك بإذن الله، أما إذا كان مقصوده مجرد اللياقة البدنية وغير ذلك من الأغراض الدنيوية فإن له ما نوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(9/5443)
من سن سنة سيئة لحقه إثم من عمل بها من بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: \"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.....\"، فهل إذا عمل ابن آدم عمل سوء وكان بعد موته مستمراً مثل حانة خمر أو مرقص، فهل بعد موته يأثم على ما يحصل في العمل الذي أقامه قبل موته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من فتح حانة خمر أو أنشأ مرقصاً أو نحوهما مما تمارس فيه الآثام، فإنه إذا مات لحقه الإثم الذي يمارس بعده فيه، روى مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:.... ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء. وراجع في هذا الموضوع كلاً من الفتوى رقم: 33822، والفتوى رقم: 14246.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(9/5444)
سبب حجب الله التوبة عن إبليس
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يمنح الله إبليس فرصة للتوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سبب كفر إبليس هو الكبر والحسد كما قال تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: من الآية34) ، وقال تعالى عنه: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ (لأعراف: من الآية12) ، أي من آدم، فكتب الله عليه الشقاء الأبدي لعلمه بأنه يستحق ذلك، ولا يظلم ربك أحداً وفي شقائه الأبدي ووسوسته لبني آدم وعداوته لهم حكمة عظيمة لا بتلاء بني آدم واختبارهم وغير لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(9/5445)
الحب في الله يشمل الرجال والنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم، المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء فهل هذه الآية خاصة بالحب بين نفس الجنس أم حب رجل لامرأة قبل الزواج أو بعده بالطبع مع اتقاء الله أي حب في الله؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبه إلى أن هذه الجملة حديث قدسي، وليست آية.
ثم إن الحب في الله ليس خاصاً بنفس الجنس، بل يجوز أن تحب امرأة رجلاً في الله، ويدل لذلك أن الله تعبدنا بحب الأنصار وذلك في الحديث: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق. رواه البخاري ومسلم.
وهذا الحب يشمل رجالهم ونساءهم.
وفي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.... الحديث. رواه البخاري ومسلم.
ومن المعلوم أن هذا الحب يشمل الرجال والنساء.
وراجعي الفتوى رقم: 5714، والفتوى رقم: 17747.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(9/5446)
لا يقطع لشخص معين بجنة ولا بنار
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في القرآن إن من لم يرض بالإسلام فلن يقبل منه في الآخرة فهل معنى هذا أن كل النصارى واليهود وباقي العالم سيذهبون إلى النار حتى وإن كان فيهم أخيار؟ وماذا عن مصير شهيدة بطلة مثل ناشطة السلام الأمريكية (رايتشل كوري) التي استشهدت وهي تقف أمام جرافة إسرائيلية تحاول هدم بيت فلسطيني فدهستها الجرافة، هل هي أيضاً في النار؟
وشكراً جزيلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليهود والنصارى وكل من لم يقبل دين الإسلام ويدين به فهو كافر خالد مخلد في النار، وهذا من المعلوم من الدين الضرورة، وراجع الفتوى رقم: 2924،والفتوى رقم: 5750، والفتوى رقم: 38266.
وأما عن المرأة المذكورة فإنها نصرانية كافرة، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنها في النار لأن من عقيدة المسلمين أنه لا يقطع لشخص معين بجنة ولا بنار بل أمرها إلى ربها، قال الصنعاني في رفع الأستار بعد ذكره لأثر ابن عباس وهو قوله: لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا ناراً، مراده لا يحكم على معين أنه من أهل الجنة ولا أنه من أهل النار، وكانه يريد غير من حكم الله ورسوله عليه بأحد الدارين؛ كإخباره صلى الله عليه وسلم أن العشرة من الصحابة من أهل الجنة، وكإخبار الله أن أبا لهب سيصلى ناراً ذات لهب. ا. هـ
وهذا كله فيمن لم يعلم موته على الكفر، أما من علم منه الموت على الكفر فهو في النار قطعاً.
وإذا كان الكافر من ذوي الأعمال الصالحة فإن الله يجازيه عليها في الدنيا، أما في الآخرة فلا، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (الفرقان:23) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(9/5447)
رد الحقوق إلى أهلها يسقط المطالبة ولا يسقط الذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ظلم المسلم أخاه المسلم وخان الأمانة في ماله ثم توفي وسامحه المظلوم فيغفر الله ذنبه الذي بين العبد للعبد، السؤال هو: هل يحاسب الله المسلم لما بينه وبين ربه من الظلم والخيانة أم يغفر ذنبه بمجرد سماح المظلوم له، وهل إبراء الذمة من مال المتوفي هو الحل للتخلص من الذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شرط التوبة من الذنب إذا كان الذنب متعلقاً بحقوق العباد أربعة وهي: الندم، والإقلاع، والعزم على عدم العود، ورد الحقوق إلى أهلها، فإذا حصل رد الحقوق إلى أهلها فقط دون الشروط الأخرى فالتوبة غير مقبولة، ومثل ذلك إذا عفى صاحب الحق عن حقه أو رد الورثة تلك الحقوق فإن الذي يسقط إنما هو مطالبة المظلوم بحقه يوم القيامة.
أما الذنب فهو باق لم يمح لأن شروط التوبة لم تتحقق فيكون بعد ذلك كبقية الذنوب الراجعة إلى مشيئة الله، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48] ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 28159، والفتوى رقم: 41444.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(9/5448)
من أسباب سخط الله تعالى على العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسباب غضب الله تبارك وتعالى على الشخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أسباب غضب الله تعالى على الشخص كثيرة جداً، وجماع هذه الأسباب يرجع إلى أمرين:
الأول: فعل الذنوب والآثام.
الثاني: ترك الواجبات والفرائض.
وكل أمر منهما يجمع ما لا حصر له من الأمثلة نسأل الله العفو والعافية ونعوذ بالله من سخط الله، وراجع الفتوى رقم: 38453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(9/5449)
الشبهات.. حكمها.. ومراتبها
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله: إني كنت قد سألت عن مسألة في بلدي وعندكم وقد أجابني المفتي من بلدي بجواز العمل الذي كنت سأقدم عليه. أما جوابكم فكان يشير إلى أن في المسألة شبهة فسألت أكثر ووجدت أن أكثر من سألتهم قالوا بالشبهة. ولكنني أقدمت على العمل محدثا نفسي بحاجتي إلى ذلك. وأنا الآن أشعر بالضيق الشديد والبكاء عند تذكري ذلك. فهل علي إثم عظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكنا نود من الأخ السائل أن يذكر لنا المسألة التي قلنا فيها إنها مشتبهة، وعلى كل حال، فإن الورع عن الشبهات أصل عظيم من أصول الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. رواه مسلم.
والشبهات لها مثارات منها: الاشتباه في الدليل الدال على التحريم أو التحليل أو تعارض الحجج.
وقد اختلف العلماء في حكم الشبهات، فقيل بالتحريم وهو مردود، وقيل بالكراهة، وقيل بالوقف.
ومع اختلافهم في الحكم عليها، إلا أنهم متفقون على أن المؤمن كامل الإيمان وقاف عند الشبهات، للحديث: فمن اتقى الشبهات.
واعلم أن اجتناب الشبهات على مراتب:
الأولى: ما ينبغي اجتنابه، لأن ارتكابه قد يستلزم ارتكاب الحرام، كمن أراد أن يتزوج امرأة يشك في رضاعها معه.
الثانية: ما أصله الإباحة، كمن له زوجة وشك هل طلقها أم لا؟ فالأصل هنا بقاؤها في عصمته، فلا يلتفت إلى الشبه إلا بيقين.
الثالثة: ما تردد أصله بين الحلال والحرام، فالأولى تركه.
الرابعة: ما يندب اجتنابه، كمعاملة شخص يختلط ماله بالحرام.
الخامسة: ما يكره اجتنابه، كاجتناب الرخص الشرعية على وجه التنطع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/5450)
أسباب قسوة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن كثرة أكل اللحم تقسي القلوب
جزاكم الله عنا خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ثبت أنه يقسي القلب أمور منها:
1-كثرة الكلام بغير ذكر الله، ففي سنن الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب.... الحديث.
2-كثرة المزاح، قال النووي: اعلم أن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ...
3-المعاصي بمخلتف أنواعها وراجع فيها الفتوى رقم: 5679.
وأما اللحم فلم نعثر على أن الإكثار منه يورث قسوة القلب، اللهم إلا أن يكون ذلك بلغ درجة الإسراف المذموم، فقال قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: من الآية31) ، فتكون حينئذ قسوة القلب بسبب الإسراف لا بسبب اللحم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/5451)
ارتكبت معصية فشهر بها زملاؤها مع توبتها فكيف تعاملهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت مسلمة ملتزمة بدين الله محترمة في محيطي لا أسمح لأحد بتجاوز حدود الاحترام معي, حدث أنني في فترة من فترات ضعف الإيمان فتحت بعض المواقع الإباحية على الإنترنت, الله سبحانه وتعالى عليم بقدر ندمي وحسرتي وبصدق توبتي, مع الأسف لقد كنت مراقبة من بعض الزملاء في العمل, فما كان منهم إلا أن شهروا بي وتغيرت معاملتهم لي, كيف يمكن صدهم علما بأنهم أناس متفسخون لا يفهمون معنى التوبة أو غيره هل تحمل أذاهم فيه مغفرة لذنبي أم أن عدم التصدي لهم سيجعلهم يطمعون اكثر؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن النظر إلى المحرمات والمواقع الإباحية لا يجوز شرعا، وأن من أدمن على ذلك قسا قلبه وفسد مزاجه وانطفأ نوره وجره إلى ما لا تحمد عقباه.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى التالية أرقامها: 6617، 26620، 28814.
ولكن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ومن تاب توبة صادقة تاب الله عليه، ولا يجوز لأحد بعد ذلك أن يعيره أو يعيب عليه أو يشهر به حتى ولو كان ذلك على سبيل التعريض.
فلا يجوز للمسلم أن ينال من عرض أخيه المسلم وخاصة بعد ما يتوب من الذنب، فقد روى أبو داود أن رجلا من الصحابة ارتكب معصية فتاب منها توبة صادقة وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عليه الحد. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلان من أصحابه يتكلمان فيه فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان، يا رسول الله، قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا نبي الله: من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكلٍ منه. وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته. رواه أبو يعلى في مسنده، والبيهقي في الشعب.
فعليك أن تنصحي زملاءك وتبيني لهم الحقيقة وأن الواجب عليهم هو الستر على من صدر منه خطأ وتاب منه، وأن من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة وخاصة إذا كان الشخص صالحا وصدرت منه هفوة أوعثرة.
ولا شك أن ما يصيبك من أذاهم والصبر على ذلك ستنالين به الثواب والأجر عند الله تعالى، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم..حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وفي رواية: إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة.
ولمزيد من الفائدة عن حكم عمل المرأة تراجع الفتوى رقم: 8360، والفتوى رقم: 7550.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/5452)
الترغيب في الصلاة والترهيب من تركها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تزويدي ببعض الأحاديث في الترغيب في الصلاة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام، فهي الركن الثاني بعد الشهادتين، والأحاديث الدالة على الترغيب فيها كثيرة، نقتصر منها على ما يلي:
1- ... ... في سنن أبي داود من حديث علي رضي الله عنه قال: كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم. صححه الشيخ الألباني، ومعناه في سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد.
2- ... ... في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: يا معاذ: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة.
3- ... ... في سنن الترمذي وسنن النسائي بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.
4- ... ... في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة.
5- ... ... في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر أنه ذكر الصلاة يوما فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف. حسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط.
والحديث أيضا في سنن الدارمي، وحسن إسناده الشيخ حسين أسد.
أما الترهيب من تركها أو التهاون في أدائها فيكفي منه قول الله عز وجل:
[فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (الماعون: 4-5) وقوله: [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] (مريم: 59) .
وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 28664.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/5453)
يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الكلام
ورد في بعض الآثار أنَّ الله عز وجل أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة من الناس
فلما أتاها ملك الموت ليقبض روحها وجدها وحيدة مع رضيع لها ترضعه وهما في صحراء قاحلة ليس حولهما أحد،
عندما رأى ملك الموت مشهدها ومعها رضيعها وليس حولهما أحد وهو قد أتى لقبض روحها،
هنا لم يتمالك نفسه فدمعت عيناه من ذلك المشهد رحمة بذلك الرضيع،
غير أنه مأمور للمضي لما أرسل له،
فقبض روح الأم ومضى ;كما أمره ربه: لايعصون الله ماأمرهم. ويفعلون مايؤمرون
بعد هذا الموقف- لملك الموت - بسنوات طويلة أرسله الله ليقبض روح رجل من الناس،
فلما أتى ملك الموت إلى الرجل المأمور بقبض روحه وجده شيخاً طاعناً في السن متوكئاً على عصاه عند حداد ويطلب من الحداد أن يصنع له قاعدة من الحديد يضعها في أسفل العصى حتى لاتحته الأرض ويوصي الحداد بأن تكون قوية لتبقى عصاه سنين طويلة.
عند ذلك لم يتمالك ملك الموت نفسه ضاحكاً ومتعجباً من شدة تمسك وحرص هذا الشيخ وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد، ولم يعلم بأنه لم يتبق من عمره إلاَّ لحظات.
فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً: فبعزتي وجلالي إنَّ الذي أبكاك هو الذي أضحكك.
!!!!!!!!!!!!!! سبحانك ربي ما أحكمك سبحانك ربي ماأعدلك سبحانك ربي ماأرحمك!!!!!!!!!!!!!!!!!!
نعم!! ذلك الرضيع الذي بكى ملك الموت عندما قبض روح أمه هو ذلك الشيخ الذي ضحك ملك الموت من شدة حرصه وطول أمله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذه القصة فيما بين أيدينا من الكتب، وأما معناها فصحيح، إذ فيها عناية الله عز وجل بخلقه، وفيها طول أمل الإنسان كلما طال عمره، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال، وطول الأمل.
وفي البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: في حب الدنيا وطول الأمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/5454)
المعاصي تحرم المرء الخير، وتوقعه في الشر
[السُّؤَالُ]
ـ[كل ما سأحكيه لك يا فضيلة الشيخ صحيح فأنا من صغري وأنا أحس أنا إنسان غير أي إنسان فقد كان عقلي أكبر بكثير من سني حتى إني كنت أفرق بين العورة وغيرها وقد كان لدي شهوة زائدة تجاه النساء حتى ابنة خالي البالغة من العمر 9 سنوات رأيت عورتها وكنت أتحسسها بيدي لم أكن أعرف لماذا ولكنه كان شعور داخلي كل هذا وأنا أخاف أن أنام لوحدي في حجرة أو أطفئ النور وقد كنت أرى في الحلم كأن كلبا أسود يجري ورائي وحينما أستيقظ أراه كأنه يحاول أن يعقرني فأجري منه وحينما يستيقظ أبي أرى الكلب يختفي والله هذا كله حصل حتى أصبحت في أولى ثانوي وبدأت أن أبتعد عن الشهوات وصرت أنام لوحدي وأصبحت والله أجاهد نفسي ضد الشيطان ولطالما أغراني وأصبحت في السنة الثانية كلية وبدأ طريق الإنترنت معي ومشاهدة المواقع الإباحية وأصبحت أفعل العادة السرية أتركها أوقات وأفعلها أوقات وما زلت أجاهد والله نفسي في تركها وقد رسبت في العام الماضي ولكن كان تقديري بعد الامتحان جيد جدا وأنا الآن أذاكر وأحس بأن الله غضبان علي وأن ما أذاكره ليس فيه بركة وأحس بأنه لا توبة لي مهما فعلت علما بأن زملائي كانوا يذاكرون أقل مني ومع ذلك كان تقديرهم أكبر مني والله يا فضيلة الشيخ إني لأحس بندم شديد علي ما فعلته وأخاف ألا يوفقني الله في هذه السنة فصرت محطما أهيم في الدنيا كالحيوان فأفتني أيها الشيخ الفاضل فيما كنت أراه في المنام أهو عذاب من الله وهل تنفع لي توبة علي ما فعلت علما بأن ما فعلته من هتك الأعراض كان قبل بلوغي استحلفك بالله يا شيخي الفاضل أن تقرأ رسالتي كلها وتفتيني فيها حتى تطمئن نفسي تجاه الله سبحانه وتعالى]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرء يتقلب بين الطاعة والمعصية تبعا لزيادة إيمانه ونقصانه، والواجب على المرء أن يرعى إيمانه، إذ برعايته تتم له الحياة، وتنجو من الذبول أو النقصان، وقد علمنا من شرع الله تعالى أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فعلى المرء أن يحافظ على ما فرض الله عليه، وأن يجتنب ما حرم عليه ليحفظ هذا الإيمان ويقويه، وليعلم الأخ السائل أن المعصية تحرم المرء الخير، وتوقعه في الشر، قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
وقد فتح الله تعالى لعباده أبواب التوبة إذا أخطأوا، وجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى.
ولمعرفة شروط التوبة، راجع الفتوى رقم: 5450.
وعلى الأخ السائل أن يجتهد في مذاكرته، ويتوكل على الله تعالى ويؤمن بقدره، فالأمور كلها بيده، ولعل التوبة من هذا الذنب تكون سببا في تغيير مسار حياتك إلى الأحسن والأفضل، ولمعرفة حكم العادة السرية وخطرها وعلاجها، راجع الفتوى رقم: 7170، وعليك أن تداوم على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وآداب قضاء الحاجة لتحصن نفسك من الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/5455)
لا تصح التوبة إلا بتوفر شروطها كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب التوبة من المعاصي بشروطها الثلاث معصية معصية أو يكفي توبة واحدة عن كل المعاصي؟ وفي بعض الأحيان يتوفر لدي شرطان فقط والثالث ألا وهو الندامة لم يتحقق فما علي فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الشخص مقارفا لمجموعة من المعاصي وتاب منها جميعا، بمعنى أنه أقلع عنها جميعا وعزم على عدم العودة إليها وندم على فعلها، فإنه يعتبر تائبا، وتوبته صحيحة مقبولة، ولا يلزمه تذكر كل معصية بعينها وإحداث توبة لها ثم استعراض الأخرى وإحداث توبة لها، وهكذا، بل تكفيه التوبة عنها جميعها دون استعراضها على ذهنه واحدة واحدة.
وإذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة التي أشرنا إليها سابقا وهي: ترك المعصية، والعزم على عدم العود إليها، والندم على فعلها، فالتوبة غير صحيحة، وكذلك إذا كانت المعصية فيها حق للعباد فإنه يشترط رده أو استحلالهم منه إن أمكن، فإن لم يمكن، بمعنى أنه ليس عنده ما يرده إليهم، فإنه يعزم على رده متى استطاع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5456)
هدي السلف في تحصيل الثواب للأحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كفالة يتيم عن شخص على قيد الحياة حيث أنه هو من يأخذ الأجر والثواب وأنا من أكفل اليتيم من دون علم هذا الشخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إهداء ثواب العمل الصالح للأحياء جائز كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 40586، والفتوى رقم: 27233.
ولكن الأولى للإنسان أن يعمل لنفسه ويستفيد من الثواب المذكور في حديث مسلم: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة.
وذلك لأن إهداء الثواب للأحياء غير معروف في عهد السلف، والمعروف من هدي السلف في تحصيل الثواب للأحياء دعوتهم إلى الخير والدعاء لهم والتواصي معهم بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/5457)
الفرق بين الورع والتشدد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الورع والتشدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالورع في الأصل هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس. وفي تعريفات الجرجاني هو اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات.
وأما التشدد فهو تحريم الحلال أو تركه تعبداً أو التعبد بما ليس بعبادة، فالأول أي تحريم الحلال: كقصة الثلاثة الذين قال أحدهم لا أتزوج النساء، وقال الآخر لا آكل اللحم، وقال الثالث: لا أنام على فراش، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوا قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. والحديث متفق عليه.
والثاني: كقصة أبي إسرائيل التي رواها البخاري عن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه. ففيه أنه أمره بإتمام المشروع وهو الصوم ونهاه عن الباقي لأنه ليس بعبادة، وفيه تعذيب النفس بغير فائدة، وهذا هو التشدد.
أما ترك بعض المباحات أو التقليل منها لتهذيب النفس وكسر شهوتها، وخوفاً من الانجراف إلى الإكثار من المباحات بحيث تجر إلى ما فيه شبهة فلا شيء في ذلك، ولا تشدد في هذا، بل هو نوع من علاج النفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5458)
لا يصح التنازل عن القيم الإسلامية لأجل الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علينا وضع القيم والمبادىء الإسلامية جانبا لنيل مبتغانا. وكيف يكون المجتمع مستقبلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز التنازل عن القيم والمبادئ الإسلامية لنيل الأغراض والغايات المادية الشخصية مهما بلغ الأمر بالشخص، إلا أن يصل إلى حد الضرورة، بحيث إذا لم يفعل الحرام لهلك أو قارب، وراجع الفتاوى التالية: 245، 44142، 6121.
وأما السؤال كيف يكون المجتمع مستقبلا؟ فهذا غيب لا يعلمه إلا الله، إلا أن أملنا بالله كبير، وقد ظهرت كثير من المبشرات التي تدل على أن الإسلام سينتصر وينتشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5459)
هل يستسمح ممن تعدى على عرضها أم يكتفي بالدعاء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لي ابنة عمة يتيمة وقبل توبتي بسنتين أو ثلاث حاولت استمالتها وتجرأت على لمسها وعبطها وضمها أكثر من مرة بدون موافقتها وكنت مثلا أضمها بسرعة وهي ترفض وهكذا أو ألمس صدرها او جزء من جسمها وهي ترفض وبعدها تركت هذا الأمر وبعد فترة تبت إلى الله توبة نصوحا وتذكرت هذا الأمر والآن الفتاة قد خطبت ولأنها يتيمة خشيت أن يبقى ذنبها في ذمتي فهل يجب علي أن أطلب منها السماح عما بدر مني أم لا أفتح معها الموضوع بتاتا كي لا أجرحها وأذكرها بالموضوع أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة، وعلى المرء أن يعلم أن التوبة محبوبة إلى الله تعالى لقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: من الآية222) ، وأنها سبب للفلاح؛ لقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: من الآية31) ، وأنها واجبة على كل مسلم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم: من الآية8) .
واعلم أن التوبة النصوح هي المشتملة على: الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، مع رد المظالم إن كان عند التائب مظالم للناس من دم أو مال أو عرض، واستحلالهم منها، أي طلب المسامحة منهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.
فعليك أن تتحلل من هذه الفتاة إن أمكن مع الأمن من الفتنة أي تطلب منها المسامحة من تعديك على عرضها اليوم، أي في الدنيا قبل أن لا يكون دينار ولا درهم يوم القيامة، فإن حقوق العباد إن لم يأخذوها الآن فسوف يأخذونها يوم القيامة حسنات أو تخلصاً من سيئات كما في الحديث السابق، لكن إن خشيت إن أخبرتها أن يحدث ما هو أكبر من الضرر وأن تجرح كرامتها فلا تخبرها، ويكفيك أن تدعو لها وتستغفر لها، وتحسن إليها في مقابل إساءتك إليها، وعليك أن تكثر من الحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5460)
آيات وأحاديث فيمن يحبهم الله ويبغضهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمفروض على المرأة المسلمة فعله لتحقيق حب الله تعالى أريد أن أعمل أي شيء لله يكون خالص له سبحانه؟ أرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفروض على من أراد محبة الله أن يتعلم ما أراد الله منه، وأن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وليكن في امتثاله واجتنابه مخلصا لله تعالى متابعا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة ما يحب الله من العباد فعله وما يحب تركه.
فقد ثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى يحب التوابين، والمتطهرين، والمتقين، والمحسنين، والمقسطين، والمتوكلين، والصابرين، والذين، يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بينان مرصوص، والذين يتبعون الرسول، والأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين.
وثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى لا يحب الكافرين، والظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والمستكبرين، والخائنين، والمسرفين، والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالا فخورا، ولا خوانا أثيما.
وقد كثر في الأحاديث بعض الأعمال التي يحبها الله تعالى والتي يبغضها، فنذكر بعضها على سبيل المثال:
ففي الحديث: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي. رواه مسلم.
وفي الحديث: أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وفي الحديث: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. رواه مسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. رواه الحاكم وصححه الألباني.
وفي الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا ... رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة. رواه البيهقي في السنن وصححه الألباني.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع، ينبغي أن تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 20879، 22296، 4014، 24565، 27513.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(9/5461)
دلالة الشعور بعدم رضا الله عن العبد بعد أداء العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة لا أعمل متفرغة لعمل البيت وعبادة الله فقط
سؤالي هو أنني أقوم للصلاة عند الساعة الثالثة ليلا وأبقى أصلي حتى أذان الفجر وبعدها أقوم بصلاة الفجر وأنام ولكن المشكلة هي أنني عند النوم لا أشعر أن الله راض عني وأنه لم يتقبل مني صلاتي وهذا هو ما يزعجني.
أحب أن أخبركم أنني على اتصال دائم بالهاتف مع شخص أميل إليه كثيرا. مع العلم أن جميع المواضيع التي نتناقش فيها مواضيع عادية.
أرجو منك الرد بخصوص هذا الإحساس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك قد تضمن أمرين:
الأمر الأول: ما يتعلق بشعورك بعدم رضا الله عنك، وأنه لم يتقبل صلاتك وانزعاجك من ذلك، والجواب عن ذلك: أن هذا الشعور هو المطلوب من العبد بعد قيامه بالعمل الصالح قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون:60) ، فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
ولكن ينبغي أن يكون هناك في المقابل رجاء ورغبة إلى الله في أن يقبل هذا العمل، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، وراجعي الفتوى رقم: 12333، والفتوى رقم: 22445.
وأما عن الاتصال بالشخص الذي تميلين إليه عبر الهاتف أو غيره فإنه من استدراج الشيطان، حيث إن للشيطان خطوات إلى الحرام، والله تعالى يقول: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة: من الآية168) ، وكما قيل: نظرة فابتسامة فكلام فسلام فموعد فلقاء!!! فالواجب عليك قطع هذه العلاقة فوراً، وإذا أرادك هذا الشخص بالحلال فليتقدم لخطبتك وزواجك.
وراجعي الفتاوى التالية: 1932 / 7396 / 22074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(9/5462)
منهج الاستمرار في طريق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد برنامجا تفصيليا ومكثفا يساعدني على الاستمرار في طريق التوبة لقد كنت عاصيا وفعلت من الذنوب مالا يخطر بالبال فأعينوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يتوب علينا وعليك، واعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين، [فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ] (المائدة: 39) . وما دمت في بداية الطريق إلى الله، فنبشرك ونهنئك بتوبة الله عليك إن صدقت في التوبة بشرائطها المعروفة، ونحيلك على الفتوى رقم: 5450 لمعرفة أحكام التوبة.
وأما منهج أو برنامج الاستقامة، فيبدأ بالإنابة والالتجاء إلى الله، فهو الذي يهب الاستقامة ويثبت بالقول الثابت من شاء من عباده، فالزم بابه واطرح في جنابه، وأكثر من قول يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
2- ثم العمل بمقتضى الكتاب والسنة واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- ثم مصاحبة أهل الخير الذين يدلون على الطاعة ويرغبون فيها.
4- والبعد عن قرناء السوء المنحرفين عن الحق المتبعين للهوى، ومن يتصبر يصبره الله، وراجع الفتويين التاليتين: 1208، 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(9/5463)
دواء من يشعر بالندم لعدم اقترافه المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الندم على فوات الذنب وعدم القيام به أشد عند الله من الذنب، وقد أكرمني الله باجتناب معصية ولله الحمد غير أنني كلما تذكرتها شعرت بالندم على عدم قيامي بها، أرجو مساعدتي بأي شيء يزيل عني هذا الشعور حال تذكر الذنب كي لا أرتكب معصية أشد وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتك على التوبة من هذه المعصية، فإن حلاوة ترك المعصية أعظم من حلاوة اقترافها أو تذكرها.
والذي ينبغي لك أن تفعله هو تذكر عاقبتها وأنها سبب الوحشة بينك وبين الخالق والمخلوقين والبعد من الله والقرب من أعدائك، وهي تحرمك من رزقك وقد تدخلك النار والعياذ بالله، إلى آخر ذلك من عواقب المعاصي، وكلما تذكرتها تذكّر هذه العواقب، ولعل هذا ابتلاء من الله ليعلم صدق توبتك أو هو من الشيطان ليعيدك إليها وإليه.
فعليك بالدعاء أن يصرف الله عنك هذا الشعور والاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه، وعليك بالصحبة الصالحة والأعمال الصالحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5464)
زوجها ينكر عليها تدينها ويعرض عن نصائحها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير عن الإسلام والمسلمين.. أنا سيدة متزوجة منذ 5 سنوات وأم لطفلة عمرها ثلاث سنوات.. مشلكتي في زوجي.. فأنا متدينة والحمد لله لكني أقسم بالله الذي لا إله إلا هو لست منغلقة أبدا.. لا أشاهد إلا البرامج الهادفة على التلفاز.. قاطعت الأغاني وأحب سماع القرآن بدلها.. أغض الطرف قدر المستطاع.. أقوم بواجباتي الزوجية على أكمل صورة.. أهتم ببيتي وأحفظه في غياب زوجي.. الحمد لله أشعر أني لست مقصرة في واجباتي وزوجي يوافقني الرأي.. مشلكتي هي احتقاره لدرجة تديني مع أني والله العظيم لست \"معقدة\" كما يحلو له أن ينعتني.. يتهمني بالإسراف في أخذ أمور الدين.. يقول إن من حقه كإنسان أن يعيش بحرية وذلك بأن يشاهد ما يحلو له كالأغاني لأنها لا حرج فيها.. ومشاهدة القنوات الإباحية لأنها ليست زنا ما دام يشاهدها في بيته وبمفرده.. صدقني أنا أعيش معه في بحر من التجريح والحط من قيمتي باعتباري متدينة بدل أن يحمد الله على ذلك.. أدعو الله له بالهداية ونصحته كثيرا فلم أفلح.. مرة ينعتني بابتداع ما أقول عن الدين وأنه لا يمت للدين بصلة ويضرب لي مثلا بعامة الناس في عصرنا عصر الضلال بأنهم يعيشون حياة الحرية لا الانغلاق في إطار الدين؟؟؟؟.. ومرة يلعن اليوم الذي ولد فيه وارتبط بي.. ومرة يقول إنه يفضل أن يفارقني لولا طفلتنا.. أكد وأبحث في الكتب وفي مواقع الإنترنت عن كل ما له علاقة بالنقاط التي أناقشه فيها وآتيه بالأدلة من الكتاب والسنة فلا يزيده ذلك إلا إصرار أوعنادا وتمسكا برأيه المخالف للدين وينهي الكلام بالقول إنه هكذا فلأقبل به أو أنتحر وإني لا ولن أستطيع تغييره وأنه يعرف أكثر مما أعرف قبل أن أولد.. لكن أين هو التطبيق؟ أرجوكم دلوني على الطريق الذي يمكنني أن أسلكه ليكون زوجي أكثر تدينا وحبا لله ورسوله الكريم.. للإشارة فهو طيب للغاية لكن طيبته هذه تتبخر في ثوان إن كان الأمر يخص الدين.. وسؤال آخر: هل أكون آثمة إن غضب علي أثناء مناقشاتنا وما أكثرها؟؟..
أكرر شكري لكم.. وآسفة جدا للإطالة.. أدام الله عزكم ونصر بكم الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالهداية والاستقامة ونسأله سبحانه وتعالى أن يمن بذلك على زوجك، ويجعل بيتكما مليئاً بالطاعة والسعادة ويرزقكما الذرية الطيبة، والذي ننصحك به هو:
1-مواصلة الدعاء والنصح بالرفق والحكمة لزوجك.
2-الاستعانة على هدايته بالصالحين من أهل البلد بطريقة مناسبة.
3-جلب الأشرطة والكتيبات والمقالات التي تعالج الأشياء المحرمة التي يقع فيها.
4-تذكيره بعقوبة الله للعاصين في الدنيا والآخرة، وجلب بعض القصص التي فيها بيان سعادة التائبين، وإهلاك المصرين على الحرام.
5-طاعته في المعروف وإظهار الحب له والشفقة عليه.
وأما غضبه عليك عند نصحه ومناقشته في بعض الأمور فلا إثم عليك بذلك، لأنه أثر أمر بمعروف ونهي عن منكر أنت مأمورة بهما من الله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5465)
تعلق القلب بما لا يجوز هو بداية الطريق إلى الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب متزوج وشابة متزوجة، كانا متحابين قبل الزواج وكانت بينهما علاقة حب كادت أن تنتهي بالزنا، ولكن لم يحصل، وبعد 11 سنة من الزواج تقابلا بالصدفة واكتشفا أن الحب الذي كان بينهما لم يمت، وكان بإمكانهما أن يقوما بعلاقة حتى تصل إلى الزنا، ولكنهما لوجه الله عز وجل قررا أن لا يقعا في هذه المصيبة لأنهما أصبحا متدينين، ولكنهما قررا أن يدعوا ربهما أن يجمعهما بالحلال كزوج وزوجة، فما حكم هذا الاتفاق وما جزاؤهما بترك هذه العلاقة التي من المؤكد أنها كانت ستنتهي بالزنا، فقط لوجه الله علماً بأن اعتمادهما على أن من يترك معصية لوجه الله الله سيعوضه خيراً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن هذان في تجنبهما الوقوع في الزنا، فهو من المعاصي الشنيعة، وخاصة بين شخصين محصنين، مما يستوجب استحقاقهما القتل بالرجم لو اطلع عليهما، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5132.
ونسأل الله أن يثيبهما أحسن الثواب على الابتعاد عن الفاحشة ابتغاء وجه الله، وعليهما أن يبتعدا عن أية علاقة لا تحل، وعن تعلق قلب أي منهما بالآخر، فإن تعلق القلب بما لا يجوز لا يجوز، لأنه بداية الطريق إلى الحرام؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوي ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرج ويكذبه.
فواجبهما إذا أن يصرفا قلبيهما عن ما حرم الله، ويتوبا إلى الله مما كانا قد فعلاه، ويتركا الدعاء بأن يجمعهما الله زوجين لأنه إما أن يكون دعاء على زوجها بالموت أو بأن يطلقها، وكل ذلك دعاء بالإثم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وليتذكر هذا الأخ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أي أفسدها عليه. وليثق كل واحد منهما بأنهما إذا امتثلا أمر الله عز وجل بصرف قلبيهما عما لا يحل لهما من هذه العلاقة المحرمة، فإن الله عز وجل سيعوضهما خيرًا من ذلك، ومن ذلك العوض رضى كل واحد منهما بما هو فيه من الحلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(9/5466)
لذة لحظة أورثت حزنا طويلا
[السُّؤَالُ]
ـ[سني 52 سنة لقد اشتغلت في الغرب 10 سنوات ثم رجعت إلى وطني تونس وواصلت العمل في المدن السياحية ارتكبت كثيرا من المعاصي وأثناء عملي أصبت بمرض عضلي وراثي وأنا أستعمل حاليا الكرسي المتحرك منذ 10 سنوات حياتي الماضية جعلتني أحب إرضاء شهواتي في الخمر والزنا ولكن منذ سنة تمكنت من الكف عن شرب الخمر بصعوبة كبيرة وأصبحت أصلي وأقرأ كثيرا عن الأمور الدينية ونظرا إلى كوني غير متزوج والأمر صعب للغاية فمن هي المرأة التي ترضى برجل مقعد وليس له سوى جراية عجز هذه الوضعية لم تتركني أتخلص من جريمة الزنا أتمنى أن يرزقني الله بزوجة ولكن طال صبري ومرضي ولم أجد حلا أريد منكم نصيحة وجزاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهنئك بالإقلاع عن شرب الخمر، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويحصن فرجك ويرزقك زوجة صالحة تسعد بها في حياتك، ثم اعلم أخي هداك الله تعالى أن الذنوب سبب في نقص الإيمان والأرزاق وتوالي المصائب، قال سبحانه: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30)
ولا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر، وهو من جملة الذنوب التي توعد الله صاحبها بالعذاب الأليم والمضاعف إذا لم يتب، قال سبحانه: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ] (الفرقان: 68-70) .
وفي هذه الآية دليل على شناعة هذه الفاحشة، حيث جعلها الله قرينة الشرك وقتل النفس، وفي هذا ردع لكل مسلم عن اقتراف هذه المعصية التي حرم الله كل الطرق المؤدية إليها كالنظر والخلوة بالأجنبية وملامسة بشرتها، فقال سبحانه: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ] (النور: 30- 31) .
والحق أن كل عاقل يسمع هذا النهي وذلك الوعيد من العزيز الجبار جل جلاله، عليه أن يخاف الله تعالى ويتدارك نفسه بالتوبة، قبل أن يأتيه الأجل وهو مصر على هذه المعصية، فيكون بذلك قد حرم نفسه من النعيم الأبدي في لذة لحظة يعاقب عليها دهورا.
ومن لطف الله بعباده أنه جعل باب التوبة مفتوحا ما دام الإنسان لم يصل إلى حد الاحتضار، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فبادر أيها الأخ الكريم بالإنابة إلى ربك، وأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فإن ربك الكريم يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82)
ويقول: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً] (الزمر: 53) .
واصبر على ما أصابك من بلية، فربما كان ذلك سببا في تكفير خطاياك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم.
وننصحك بالبحث عن امرأة دينة وصاحبة خلق تحفظ بها جوارحك عن الوقوع في الحرام، وقبل أن ييسر الله ذلك عليك بالصوم ومصاحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير غريزة الشهوة ويجر إلى ارتكاب الفاحشة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5467)
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا دمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأت عليه الآية: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين الإمام القرطبي الحكمة من بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماعه للآية المذكورة، حيث قال في تفسيره: قال علماؤنا: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر، إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدا. انتهى.
ولا غرو أن يبكي النبي صلى الله عليه وسلم إذا تذكر يوم القيامة وأهواله والمحشر والعرض والحساب وأحوال الناس يومئذ، فهو الذي يقول بأبي هو وأمي * شيبتني هود وأخواتها*
وراجع الجواب: 10452، والجواب: 13140.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(9/5468)
صلاح الدنيا والآخرة في تقوى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أقوم بفروضي الدينية لكن أبواي لا يريدان ذلك، لأنهم يدعون أن ذاك هو التخلف، ماذا أفعل علماً بأنني أتعرض لضغوطات عدة من قبلهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمة يجب عليها الالتزام بما فرض الله عليها، ولا يحل لها موافقة والديها في خلاف ذلك لقول الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:15] ، ولما في حديث الصحيحين: لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف.
هذا؛ ونوصيك بالصبر على دينك وعلى ما تلقينه في سبيل ذلك من مضايقات، وأكثري من الدعاء في الصلاة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] ، وعليك بالإكثار من الأذكار المأثورة ففيها حفظ ووقاية من شر كل ذي شر، واعلمي علم اليقين أن التقدم وصلاح أحوال الدنيا والآخرة في تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] ، وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5469)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فتاة متحجبة ارتكبت أخطاء في حق ربها سبحانه وتعالى وفي حق نفسها مما حرم الله ثم قررت التوبة ما حكم الشرع في أخطاء هذه المتحجبة......... وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وما دامت هذه الفتاة قد تابت، فإن الله تعالى يقبل توبتها ويغفر ذنبها إذا توفرت شروط التوبة التي بيناها في الفتوى رقم: 5450، فإذا استكملت الشروط، فإن الله يقول: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى] (طه:82)
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5470)
حكم ارتكاب الذنب وهو ينوي أن يتوب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يذنب ذنبا وهو ينوي أن يتوب عنه بعد أن يفعله
كما حدث بقصة سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا السلام فقد قام إخوته بإلقائه بالبئر وبنيتهم التوبة بعد أن يكملوا جرمهم؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم لا يعرف متى يحين أجله، وواجبه أن يكون ذاكراً للموت في كل حين، مجتهداً في العمل الصالح، مجتنبا التسويف وتأخير التوبة، صحيح أن التوبة تمحو ما قبلها، لكن ذلك لا يسوغ الإقدام على الذنب فمن يضمن لمن أقدم على الذنب مع نية التوبة منه أنه سيبقى حياً حتى يتوب.
وما ذكره السائل الكريم من الاستدلال بأن إخوة يوسف أضمروا نية قتله أو إبعاده ثم التوبة بعد ذلك فهذا صحيح، قال تعالى حكاية عنهم إنهم قالوا: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (يوسف:9) ، قال ابن كثير في تفسيره: فأضمروا التوبة قبل الذنب، وقال القرطبي: يعني أنهم يتوبون من قتل يوسف وذنبهم الذي يرتكبون فيه. وقال الطبري: يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف.
لكن هذا الاستدلال فيه خطأ من ناحيتين:
الأولى أنهم كانوا مخطئين في فعلهم ولو مع إضمار التوبة، وقد اعترفوا بخطئهم في قولهم ليوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (يوسف: من الآية91) ، وفي قولهم لأبيهم: قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (يوسف:97) ، وما داموا مخطئين في فعلهم ذلك فلا حاجة إذاً لمن يقلدهم فيه.
والخطأ الثاني: في الاستدلال أنه على تقدير صحة فعل الذنب مع إضمار التوبة بعد بالنسبة لهم، فإن شرع من قبلنا إذا خالف شرعنا فإنه لا يؤخذ به اتفاقاً، ولا أحد في شرعنا يقول بجواز ارتكاب الذنب مع نية التوبة منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5471)
أجر المصيبة.. لا أجر الصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً عنا وعن المسلمين جميعاً، سؤالي إليكم وفقكم الله في الإفادة:
فقدت زوجتي وأنا معها في الحج الماضي مبلغاً كبيراً من المال وقع منها بين الصفا والمروة، هل هذا المال المفقود يحسب لي صدقة أم زكاة لي عليه أجر أم لا يحسب لي فيه شيء، أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أن المسلم لا يصيبه شيء من مصائب الدنيا في نفسه أو ماله فيحتسبه عند الله تعالى إلا كان له به أجر، وكفر عنه من الخطايا، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
ولا شك أن الذي يفقد ماله أو ما يشق عليه فقدانه قد يحصل له أكثر هذه الأمور، والمال شقيق النفس وعصب الحياة كما يقولون، أما كونه يحسب لك صدقة أو زكاة تجزئك عن الصدقة أو زكاة المال إذا كان لك مال فيه النصاب فإنه لا يجزئ عنك، ولا بد من إخراج الزكاة من المال الموجود عند حلولها، ولكن يحصل لك به أجر المصيبة إن احتسبته عند الله تعالى كما أشرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5472)
توبة الزاني بحليلة جاره
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت إجابة بهذا الموقع خاصة بحقوق العباد
بشأن الزنا في حليلة الجار وكانت الإجابة أن الله لا يغفر ذلك الذنب ما هو الحل للمغفرة
علما بأني عرضت هذه الإجابة على بعض ممن أعلن التوبة والمغفرة
فما كان رد فعله إلا الضد......
فترك الصلاة وانحرف انحرافا تاما وكان أسوأ مما كان
أفيدونا حتى يمكن إصلاح حال هذا الشخص بعد أن أغلقتم جميع الأبواب في وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ارتكب ذنباً من الذنوب وتاب منه إلى ربه توبة نصوحاً بأن أقلع عن الذنب وندم على فعله، وعقد العزم على عدم العود إليه، فإن الله تعالى يقبل توبته، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (التحريم: من الآية8) ، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، هذا إن كان الذنب في حق المولى جل جلاله، أما إن كان في حق العباد فإنه يزاد على ذلك برد المظالم إلى أصحابها، لكن على التفصيل التالي: فإن كان الحق مالاً أخذه أو دماً سفكه، وجب رده إلى أهله، وتمكين المظلوم أو أوليائه من القصاص، وإلا كانت التوبة ناقصة، وإن كانت انتهاك عرض للغير كغيبته والزنا بزوجته، فهذا إن أمكن استسماح صاحب الحق من غير التصريح له بالذنب، وجب ذلك، وذلك لأن الشرع منع المجاهرة بالذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
وعلى كلٍ؛ فإن على صاحب الذنب التوبة والإكثار من الطاعة لقول الحق سبحانه: إ ِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (هود: من الآية114) ، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طه:82) .
وعلى هذا؛ فندعو الشخص إلى التوبة وعمل الطاعات، ولا يلزمه طلب الصفح من صاحبه إن كان في ذلك ما يؤدي إلى حرج، وانظري الفتوى رقم: 18343، والفتوى رقم: 34218، علماً بأننا لم نكتب في موقعنا أن الله لا يغفر لمن زنا بحليلة جاره إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، بل إن الذي كتبناه هو أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وانظري الفتوى رقم: 16907، والفتوى رقم: 27620.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5473)
وضع جدول لمحاسبة النفس أمر محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع جدول لمحاسبة النفس يومياً، مثلا أن أعطي نقاطاً لنفسي مثلاً، هل قرأت القرآن إذا كان نعم أضع نقطة ثم مثل هل غضضت بصري، وهل لم أغتب نقطة...... إلخ، أجمع كل النقاط فلو وجدت مثلاً فوق 16 نقطة جيد وتحت 16 ناقص ... إلخ، علما بأن هدفي هو ضبط النفس وإرضاء الله وليس الغرور بالعلامة، وهل هذه الطريقة بدعة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محاسبة النفس أمر مشروع ويدل لذلك ما في الحديث: الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت. رواه الترمذي والحاكم والبيهقي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وتعقب بأن في سنده مقالاً، قال الترمذي: ومعنى قوله" دان نفسه " يقول: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة، ويروى عن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنه يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا.
ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه؟.
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب عن مسروق أنه قال: المرء حقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر الله فيها.
هذا من ناحية الحث على محاسبة النفس عموماً، وأما طريقة الجدولة فإنما هي وسيلة لتحقيق المحاسبة ولا تعتبر بدعة لأنها مجرد وسيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1425(9/5474)
الابتلاء يكون تارة بالخير وتارة بالشر
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة غير متزوجة وتعيش مع عائلتها والوالدين لا يطبقان الشريعة الإسلامية، والفتاة تحاول خلق البيئة الإسلامية للعيش، والأخطر هو بوجود إخوة هذه الفتاة والذين يقومون بعمل المعاصي بشكل متكرر وغير محدود. مما سبب التفكك الأسري الواضح وعدم الالتزام والظلم المتفشي بين أفراد الأسرة.
ما السبيل لهذه الفتاة بأن تنجو بنفسها والعيش بما يرضي الله، (غير الزواج) لأن الزواج نصيب من عند الله، ولم يكتب الله لها نصيبا لليوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ولتعلمي أن هذه الحياة دار ابتلاء واختبار، فتارة يكون الابتلاء بالخير، وتارة يكون بالشر، كما قال الله سبحانه وتعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] (الانبياء:35)
وعلى المسلم أن يصبر فيها ويصابر ويتقي الله تعالى، حتى يجعل الله له مخرجا، كما قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً] (الطلاق: 2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
ولتعلمي أن دوام الحال من المحال، فلا بد أن يأتي يوم يتغير فيه الحال وتنفرج الأمور، وعليك أن تنصحي أبويك بالرفق واللين، وتذكريهما بالله والدار الآخرة، وأن عليهما أن يتقيا الله تعالى في أنفسهما وفي بيتهما وأولادهما، وأن عليهما أن يوجها أولادهما إلى الخير، ويربيانهم على الاستقامة والطاعة، وأن في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها في الدنيا والآخرة، لعل الله تعالى يشرح صدورهما للخير ويهديهما على يديك.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 12767.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5475)
من تكررت منه المعصية هل تنزع منه محبة الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف كيف الجمع بين قول الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي كان يكثر من شرب الخمر (أنه يحب الله ورسوله) ؟ ,فإن كثرة مخالفته في مسألة شرب الخمر قد يعتبره البعض دليل على عدم أو ضعف حبه لله ولرسوله حيث أن دليل الحب الاتباع.
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم درجات، وشرب الخمر ونحوه ينافي كمال الحب لا أصل الحب، فلا تعارض بين الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ] (آل عمران: 31) . وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر: فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلب المرتكب، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5476)
هل يحرم من زنا من رؤية الحور العين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان مؤمناً حقاً، لقد كان يحافظ على الصلوات الخمس ويحفظ القرآن، فاجأني يوماً وأعلمني أنه زنا مع فتاة خمس مرات، وندم وعاد إلى الله تعالى مرة أخرى. فهل يقبل الله توبته، وهل تضيع عليه حور العين يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب توعد الله عز وجل أصحابه الذين لم يتوبوا منه بالعذاب الشديد، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان: 68- 70) ، وقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الاسراء:32) ، ومع أن الزنا ذنب عظيم فإن من تاب إلى الله فإن الله يتوب عليه، ويقبل توبته، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ولا نعلم حديثاً صحيحاً ورد فيه حرمان الزاني من الحور العين في الجنة إن دخلها، والذي ورد في ذلك هو في الخمر والحرير.
فمن تاب من الزنا توبة صادقة ودخل الجنة فإنه سيتزوج الحور العين بإذن الله، ومما يؤكد هنا أن شارب الخمر في الدنيا توعد بالحرمان منها في الجنة إلا إذا تاب، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5477)
الرياء أخفى من دبيب النمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أنا فتاة والحمد لله ملتزمة ولكن منذ فترة قصيرة تقدم لخطبتي أحد أقاربي والحمد لله هو إنسان ملتزم إلى حد كبير ولكن دون أن أشعر بدأ بيننا حب غير عادي لدرجة أننا لا نطيق غيابنا عن بعض ولكن لا نفعل والحمد لله ما يغضب الله ولكننا اتفقنا من البداية أن نعين بعضنا على طاعة الله فاتفقنا على أن نجتهد في حفظ القرآن وقيام الليل والصيام والاجتهاد في طلب العلم وبدأنا فعلا بفضل الله ولكنى يا سيدي كنت أفعل هذا كله من قبل أن أرتبط به لأني أريد رضا الله وأريد أن أقترب من ربي أما الآن أشعر بأنني أفعل هذا من أجله هو وكأن إخلاصي لله 000000
ويهمس الشيطان أكثر فأشعر بأنني أفعل كل هذا رياء
فماذا علي أن أفعل سيدي أخاف من سوء الخاتمة
وجزاكم الله عني خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد على الطاعة، ولتعلمي أنه لا يجوز للخطيب أن يخلو بخطيبته أو أن ينظر إليها أو يتحدث معها إلا في بداية الأمر عند الخطبة، فإذا رضيته ورضي بها فعليهما أن يكفا عن الاتصال ببعضهما حتى يتم العقد.
ولا مانع أن يتفقا على إنجاز عمل ما قبل الزواج أو حفظ القرآن.. وأن يوصي كل منهما صاحبه بتقوى الله وفعل الطاعة.. ولكن لا تجوز لهما الخلوة ولو كان ذلك على العبادة، فإن الخطيب أجنبي قبل العقد لا تجوز الخلوة به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه أحمد وأصحاب السنن.
ولمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع، نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 313، 21243، 23725.
وبخصوص الرياء وعدم الإخلاص، فلا شك أن الرياء أخطر الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وتكمن خطورة الرياء في أنه أخفى من دبيب النمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد.
وننصح السائلة الكريمة بأن تكثر الدعاء المذكور، ومن الأعمال الصالحة، وتجاهد نفسها على الإخلاص،
ولعل ما تجده هو من وساوس الشيطان لتترك العمل الصالح.
وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(9/5478)
المعاصي من أسباب حرمان الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرفت على فتاة وتعلقت بها واتفقنا على الزواج ولكن الفتاة كان بها بعض الملاحظات على شخصيتها كانت تدخن حاولت تغييرها لكن للأسف وخلال ذلك نتج حمل وذلك دون أن يكون إيلاج وتم إجراء عملية تنظيف لها وكان الحمل في الشهر الأول بداية الثاني وهنا طلبت منها أن نتزوج ويكون الزواج سريا ولكن بمعرفة بعض الأصدقاء وشخص من أقربائها ثم نعلن الزواج ولكنها رفضت الفكرة مع العلم بأنني متزوج، ولقد أخبرت زوجتي بنيتي بالزواج من الفتاة رفضت وطلبت الطلاق وتأزمت الأمور بيننا وبسبب ذلك فقدت وظيفتي وتعرضت لمشاكل كثيرة ومازلت أعاني منها حتى الآن مع العلم بمرور سنة على الموضوع.
وفي النهاية تركت الفتاة لخوفي على أسرتي وتبت إلى الله، وأيضا الفتاة ذهبت للحج ومع ذلك ما زالت تبعث لي مع شخص قريب لنا رسائل تريد أن أصحح الخطأ وهي ضد فكرة الزواج السري في الوقت الحاضر.
ماذا أعمل وهي تريد أن تلتقي بزوجتي لكي تخبرها بالموضوع وأخبرتها أن الله سترنا فهل تريدين الفضيحة الآن أتمنى من الله أن يقبل توبتي وسؤالي هو هل دعاؤها علي سبب ما أنا فيه من مشاكل.
مع العلم بأنها تعيش لوحدها خارج بلدها وأهلها في دولة أخرى.
أرجوكم إفادتي ولكم الخير
... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دل القرآن والسنة الصحيحة على أن الذنوب سبب في مصائب العبد وحرمانه من الرزق، قال سبحانه: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30) . وفي مسند أبي يعلى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه وصححه السيوطي.
وبهذا تعلم أن سبب ما أنت فيه من شدة قد يكون مرده إلى هذه الذنوب التي اقترفتها، والآن وبعد أن من الله عليك بالتوبة، فنرجو أن يصلح الله تعالى حالك ويكشف عنك هذا الضيق فالتزم التوبة وكثرة الطاعة فإن ربنا الكريم يقول: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى] (طه:82) .
ومن لوازم التوبة قطع الصلة بتلك المرأة، إلا إذا تأكدت من صدق توبتها، فلا مانع من الزواج بها، وانظر الفتوى رقم: 14494.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5479)
الحق درجات والباطل دركات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي سمات الدين الحق والباطل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين الحق يتميز بالعقيدة الصحيحة الصافية من أدران الشرك والجاهلية، وبانتهاج المنهج الرباني الخاضع للتشريعات الإلهية، والابتعاد عن رجس الذنوب والمعاصي، وبالموازنة بين الاستجابة إلى حاجات الجسد من الطاقة والغذاء والمتعة، وبين تهذيب الغرائز وضبطها بالضوابط الشرعية دون إخلال بشيء من الحقوق، كما بين الصحابي الجليل سلمان الفارسي لأخيه أبي الدرداء رضي الله عنهما يقول له: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. أخرجه البخاري وغيره.
فإذا صحح المسلم اعتقاده والتزم بتعاليم شرعه ممتثلا أوامر الله ومبتعدا عن معاصيه، ومخلصا لله في كل ذلك أمكن أن نطلق عليه إنه اتسم بسمات الدين الحق.
وأما الباطل، فلا حصر له، فكل ما جانب الحق فهو باطل، وكما أن الحق درجات فإن الباطل دركات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5480)
تذكر الموت مطلوب من المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن في وساوس ظلت تراودني قبل أن أتوب وحتى بعد أن تبت وأصبحت أصلي، تكمن هذه الوساوس في إحساسي في معظم الأحيان أنني على وشك الموت، وأحياناً أخرى أنني على وشك الجنون، وذلك منذ مدة 4 أشهر، أرجو منكم مساعدتي للتغلب على هذه الوساوس التي أصبحت كوابيس بالنسبة إلي والتي أصبحت تلاحقني دائماً، أرجو الرد بسرعة من فضلكم فأنا في حيرة من أمري، وأخيراً تقبلوا مني بالغ احترامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار كل ذلك مطلوب شرعاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هادم اللذات، يعني الموت. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة. التذكرة.
وقال السدي في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] أي أكثركم للموت ذكراً وله أحسن استعداداً ومنه أشد خوفاً وحذراً، وقال القائل:
صاح شمر ولا تزل ذاكر ... ... الموت فنسيانه ضلال مبين
وعلى هذا فالمطلوب من المسلم أن يكون ذاكر للموت مجتهداً في العمل الصالح، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9] ، لكن ليس للدرجة التي تصل إلى القنوط أو اليأس من رحمة الله، نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر:49-50] .
وأما الخوف من الجنون فلعله من وساوس الشيطان وكذا المبالغة في الخوف من الموت، قال ابن القيم رحمه الله: فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره فإن رأى فيه داعية للبدعة وإعراضاً عن كمال الانقياد للحسنة أخرجه عن الاعتصام بها وإن رأى فيه حرصاً على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلاً له: إن هذا خير وطاعة والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها فيخرج عن حدها كما أن الأول خارج عن هذا الحد فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر.
فالواجب عليك أخي العزيز نسأل الله لك التثبيت والتوفيق والعافية في الدنيا والآخرة ألا تستسلم لكيد الشيطان ووساوسه وعليك بالالتجاء إلى الله تعالى والاستمرار على طاعته وهو بفضله سينقذك مما أنت فيه، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11500، 15026، 22947، 22458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5481)
من الوسائل التي تجنب الفتنة بالفتيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب في الولايات المتحدة الأمريكية وكما تعلم فضيلة الشيخ أن أمريكا بلد المعاصي فأنا لي صديقات من أمريكا وبعض الأحيان توسوس لي أفكار سيئة من ما أراه هنا، لكن والحمد لله أستطيع أن أسيطر على لذاتي وشهواتي فكيف لي أن أصادقهن وأنا مغرم بهن وأيضاً هن مغرمات بي وأنا بعض الأحيان المسهن وأنا لا أريد أن أدخل في المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 11945 حكم مصادقة الفتيات.
وبينا في الفتوى رقم: 36423 وسائل تجنب فتنة الفتيات فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(9/5482)
غفرت لك ولا أبالي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا منافقة وبدأ هذا الموضوع معي منذ ما يقرب من عامين واستمر معي ولا زال معي هل تستطيع أن تدعو لي أن يحييني الله إذا كانت الحياة خيراً ويميتني إذا كانت الوفاة خيراً وإلا فقل لي أي حل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أعاذنا الله وإياك من النفاق، وهدانا جميعاً إلى صراطه المستقيم.
ثم اعلمي أيتها الأخت أن الإنسان إذا كان قد صدر منه فعل فيه مخالفة للشرع مهما كان هذا الفعل، فما عليه إلا أن يبادر إلى التوبة، وذلك لأن الله تعالى بمنه وكرمه وعد التائبين بغفران الذنوب مهما كانت ذنوبهم، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد والترمذي، وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.
ثم عليك بمداومة سؤال الله تعالى الهداية.
هذا وقد ذكر أهل العلم أسباباً للهداية بينا بعضها منها في الفتوى رقم: 30758، فراجعيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(9/5483)
الفرق بين الورع والتشدد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الورع والتشدد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالورع في الأصل هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس. وفي تعريفات الجرجاني هو اجتناب الشبهات خوفاً من الوقوع في المحرمات.
وأما التشدد فهو تحريم الحلال أو تركه تعبداً أو التعبد بما ليس بعبادة، فالأول أي تحريم الحلال: كقصة الثلاثة الذين قال أحدهم لا أتزوج النساء، وقال الآخر لا آكل اللحم، وقال الثالث: لا أنام على فراش، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوا قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. والحديث متفق عليه.
والثاني: كقصة أبي إسرائيل التي رواها البخاري عن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه. ففيه أنه أمره بإتمام المشروع وهو الصوم ونهاه عن الباقي لأنه ليس بعبادة، وفيه تعذيب النفس بغير فائدة، وهذا هو التشدد.
أما ترك بعض المباحات أو التقليل منها لتهذيب النفس وكسر شهوتها، وخوفاً من الانجراف إلى الإكثار من المباحات بحيث تجر إلى ما فيه شبهة فلا شيء في ذلك، ولا تشدد في هذا، بل هو نوع من علاج النفس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5484)
لا يصح التنازل عن القيم الإسلامية لأجل الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علينا وضع القيم والمبادىء الإسلامية جانبا لنيل مبتغانا. وكيف يكون المجتمع مستقبلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز التنازل عن القيم والمبادئ الإسلامية لنيل الأغراض والغايات المادية الشخصية مهما بلغ الأمر بالشخص، إلا أن يصل إلى حد الضرورة، بحيث إذا لم يفعل الحرام لهلك أو قارب، وراجع الفتاوى التالية: 245، 44142، 6121.
وأما السؤال كيف يكون المجتمع مستقبلا؟ فهذا غيب لا يعلمه إلا الله، إلا أن أملنا بالله كبير، وقد ظهرت كثير من المبشرات التي تدل على أن الإسلام سينتصر وينتشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5485)
هل يستسمح ممن تعدى على عرضها أم يكتفي بالدعاء لها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لي ابنة عمة يتيمة وقبل توبتي بسنتين أو ثلاث حاولت استمالتها وتجرأت على لمسها وعبطها وضمها أكثر من مرة بدون موافقتها وكنت مثلا أضمها بسرعة وهي ترفض وهكذا أو ألمس صدرها او جزء من جسمها وهي ترفض وبعدها تركت هذا الأمر وبعد فترة تبت إلى الله توبة نصوحا وتذكرت هذا الأمر والآن الفتاة قد خطبت ولأنها يتيمة خشيت أن يبقى ذنبها في ذمتي فهل يجب علي أن أطلب منها السماح عما بدر مني أم لا أفتح معها الموضوع بتاتا كي لا أجرحها وأذكرها بالموضوع أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة، وعلى المرء أن يعلم أن التوبة محبوبة إلى الله تعالى لقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: من الآية222) ، وأنها سبب للفلاح؛ لقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: من الآية31) ، وأنها واجبة على كل مسلم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم: من الآية8) .
واعلم أن التوبة النصوح هي المشتملة على: الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، مع رد المظالم إن كان عند التائب مظالم للناس من دم أو مال أو عرض، واستحلالهم منها، أي طلب المسامحة منهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.
فعليك أن تتحلل من هذه الفتاة إن أمكن مع الأمن من الفتنة أي تطلب منها المسامحة من تعديك على عرضها اليوم، أي في الدنيا قبل أن لا يكون دينار ولا درهم يوم القيامة، فإن حقوق العباد إن لم يأخذوها الآن فسوف يأخذونها يوم القيامة حسنات أو تخلصاً من سيئات كما في الحديث السابق، لكن إن خشيت إن أخبرتها أن يحدث ما هو أكبر من الضرر وأن تجرح كرامتها فلا تخبرها، ويكفيك أن تدعو لها وتستغفر لها، وتحسن إليها في مقابل إساءتك إليها، وعليك أن تكثر من الحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1425(9/5486)
آيات وأحاديث فيمن يحبهم الله ويبغضهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماالمفروض على المرأة المسلمة فعله لتحقيق حب الله تعالى أريد أن أعمل أي شيء لله يكون خالص له سبحانه؟ أرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفروض على من أراد محبة الله أن يتعلم ما أراد الله منه، وأن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وليكن في امتثاله واجتنابه مخلصا لله تعالى متابعا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة ما يحب الله من العباد فعله وما يحب تركه.
فقد ثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى يحب التوابين، والمتطهرين، والمتقين، والمحسنين، والمقسطين، والمتوكلين، والصابرين، والذين، يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بينان مرصوص، والذين يتبعون الرسول، والأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين.
وثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى لا يحب الكافرين، والظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والمستكبرين، والخائنين، والمسرفين، والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالا فخورا، ولا خوانا أثيما.
وقد كثر في الأحاديث بعض الأعمال التي يحبها الله تعالى والتي يبغضها، فنذكر بعضها على سبيل المثال:
ففي الحديث: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي. رواه مسلم.
وفي الحديث: أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وفي الحديث: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء. رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. رواه مسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. رواه الحاكم وصححه الألباني.
وفي الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا ... رواه الطبراني وحسنه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة. رواه البيهقي في السنن وصححه الألباني.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع، ينبغي أن تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 20879، 22296، 4014، 24565، 27513.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(9/5487)
دلالة الشعور بعدم رضا الله عن العبد بعد أداء العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة لا أعمل متفرغة لعمل البيت وعبادة الله فقط
سؤالي هو أنني أقوم للصلاة عند الساعة الثالثة ليلا وأبقى أصلي حتى أذان الفجر وبعدها أقوم بصلاة الفجر وأنام ولكن المشكلة هي أنني عند النوم لا أشعر أن الله راض عني وأنه لم يتقبل مني صلاتي وهذا هو ما يزعجني.
أحب أن أخبركم أنني على اتصال دائم بالهاتف مع شخص أميل إليه كثيرا. مع العلم أن جميع المواضيع التي نتناقش فيها مواضيع عادية.
أرجو منك الرد بخصوص هذا الإحساس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك قد تضمن أمرين:
الأمر الأول: ما يتعلق بشعورك بعدم رضا الله عنك، وأنه لم يتقبل صلاتك وانزعاجك من ذلك، والجواب عن ذلك: أن هذا الشعور هو المطلوب من العبد بعد قيامه بالعمل الصالح قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون:60) ، فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
ولكن ينبغي أن يكون هناك في المقابل رجاء ورغبة إلى الله في أن يقبل هذا العمل، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، وراجعي الفتوى رقم: 12333، والفتوى رقم: 22445.
وأما عن الاتصال بالشخص الذي تميلين إليه عبر الهاتف أو غيره فإنه من استدراج الشيطان، حيث إن للشيطان خطوات إلى الحرام، والله تعالى يقول: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة: من الآية168) ، وكما قيل: نظرة فابتسامة فكلام فسلام فموعد فلقاء!!! فالواجب عليك قطع هذه العلاقة فوراً، وإذا أرادك هذا الشخص بالحلال فليتقدم لخطبتك وزواجك.
وراجعي الفتاوى التالية: 1932 / 7396 / 22074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(9/5488)
منهج الاستمرار في طريق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد برنامجا تفصيليا ومكثفا يساعدني على الاستمرار في طريق التوبة لقد كنت عاصيا وفعلت من الذنوب مالا يخطر بالبال فأعينوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يتوب علينا وعليك، واعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين، [فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ] (المائدة: 39) . وما دمت في بداية الطريق إلى الله، فنبشرك ونهنئك بتوبة الله عليك إن صدقت في التوبة بشرائطها المعروفة، ونحيلك على الفتوى رقم: 5450 لمعرفة أحكام التوبة.
وأما منهج أو برنامج الاستقامة، فيبدأ بالإنابة والالتجاء إلى الله، فهو الذي يهب الاستقامة ويثبت بالقول الثابت من شاء من عباده، فالزم بابه واطرح في جنابه، وأكثر من قول يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
2- ثم العمل بمقتضى الكتاب والسنة واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- ثم مصاحبة أهل الخير الذين يدلون على الطاعة ويرغبون فيها.
4- والبعد عن قرناء السوء المنحرفين عن الحق المتبعين للهوى، ومن يتصبر يصبره الله، وراجع الفتويين التاليتين: 1208، 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(9/5489)
دواء من يشعر بالندم لعدم اقترافه المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الندم على فوات الذنب وعدم القيام به أشد عند الله من الذنب، وقد أكرمني الله باجتناب معصية ولله الحمد غير أنني كلما تذكرتها شعرت بالندم على عدم قيامي بها، أرجو مساعدتي بأي شيء يزيل عني هذا الشعور حال تذكر الذنب كي لا أرتكب معصية أشد وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتك على التوبة من هذه المعصية، فإن حلاوة ترك المعصية أعظم من حلاوة اقترافها أو تذكرها.
والذي ينبغي لك أن تفعله هو تذكر عاقبتها وأنها سبب الوحشة بينك وبين الخالق والمخلوقين والبعد من الله والقرب من أعدائك، وهي تحرمك من رزقك وقد تدخلك النار والعياذ بالله، إلى آخر ذلك من عواقب المعاصي، وكلما تذكرتها تذكّر هذه العواقب، ولعل هذا ابتلاء من الله ليعلم صدق توبتك أو هو من الشيطان ليعيدك إليها وإليه.
فعليك بالدعاء أن يصرف الله عنك هذا الشعور والاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه، وعليك بالصحبة الصالحة والأعمال الصالحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5490)
زوجها ينكر عليها تدينها ويعرض عن نصائحها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير عن الإسلام والمسلمين.. أنا سيدة متزوجة منذ 5 سنوات وأم لطفلة عمرها ثلاث سنوات.. مشلكتي في زوجي.. فأنا متدينة والحمد لله لكني أقسم بالله الذي لا إله إلا هو لست منغلقة أبدا.. لا أشاهد إلا البرامج الهادفة على التلفاز.. قاطعت الأغاني وأحب سماع القرآن بدلها.. أغض الطرف قدر المستطاع.. أقوم بواجباتي الزوجية على أكمل صورة.. أهتم ببيتي وأحفظه في غياب زوجي.. الحمد لله أشعر أني لست مقصرة في واجباتي وزوجي يوافقني الرأي.. مشلكتي هي احتقاره لدرجة تديني مع أني والله العظيم لست \"معقدة\" كما يحلو له أن ينعتني.. يتهمني بالإسراف في أخذ أمور الدين.. يقول إن من حقه كإنسان أن يعيش بحرية وذلك بأن يشاهد ما يحلو له كالأغاني لأنها لا حرج فيها.. ومشاهدة القنوات الإباحية لأنها ليست زنا ما دام يشاهدها في بيته وبمفرده.. صدقني أنا أعيش معه في بحر من التجريح والحط من قيمتي باعتباري متدينة بدل أن يحمد الله على ذلك.. أدعو الله له بالهداية ونصحته كثيرا فلم أفلح.. مرة ينعتني بابتداع ما أقول عن الدين وأنه لا يمت للدين بصلة ويضرب لي مثلا بعامة الناس في عصرنا عصر الضلال بأنهم يعيشون حياة الحرية لا الانغلاق في إطار الدين؟؟؟؟.. ومرة يلعن اليوم الذي ولد فيه وارتبط بي.. ومرة يقول إنه يفضل أن يفارقني لولا طفلتنا.. أكد وأبحث في الكتب وفي مواقع الإنترنت عن كل ما له علاقة بالنقاط التي أناقشه فيها وآتيه بالأدلة من الكتاب والسنة فلا يزيده ذلك إلا إصرار أوعنادا وتمسكا برأيه المخالف للدين وينهي الكلام بالقول إنه هكذا فلأقبل به أو أنتحر وإني لا ولن أستطيع تغييره وأنه يعرف أكثر مما أعرف قبل أن أولد.. لكن أين هو التطبيق؟ أرجوكم دلوني على الطريق الذي يمكنني أن أسلكه ليكون زوجي أكثر تدينا وحبا لله ورسوله الكريم.. للإشارة فهو طيب للغاية لكن طيبته هذه تتبخر في ثوان إن كان الأمر يخص الدين.. وسؤال آخر: هل أكون آثمة إن غضب علي أثناء مناقشاتنا وما أكثرها؟؟..
أكرر شكري لكم.. وآسفة جدا للإطالة.. أدام الله عزكم ونصر بكم الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالهداية والاستقامة ونسأله سبحانه وتعالى أن يمن بذلك على زوجك، ويجعل بيتكما مليئاً بالطاعة والسعادة ويرزقكما الذرية الطيبة، والذي ننصحك به هو:
1-مواصلة الدعاء والنصح بالرفق والحكمة لزوجك.
2-الاستعانة على هدايته بالصالحين من أهل البلد بطريقة مناسبة.
3-جلب الأشرطة والكتيبات والمقالات التي تعالج الأشياء المحرمة التي يقع فيها.
4-تذكيره بعقوبة الله للعاصين في الدنيا والآخرة، وجلب بعض القصص التي فيها بيان سعادة التائبين، وإهلاك المصرين على الحرام.
5-طاعته في المعروف وإظهار الحب له والشفقة عليه.
وأما غضبه عليك عند نصحه ومناقشته في بعض الأمور فلا إثم عليك بذلك، لأنه أثر أمر بمعروف ونهي عن منكر أنت مأمورة بهما من الله جل وعلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5491)
تعلق القلب بما لا يجوز هو بداية الطريق إلى الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب متزوج وشابة متزوجة، كانا متحابين قبل الزواج وكانت بينهما علاقة حب كادت أن تنتهي بالزنا، ولكن لم يحصل، وبعد 11 سنة من الزواج تقابلا بالصدفة واكتشفا أن الحب الذي كان بينهما لم يمت، وكان بإمكانهما أن يقوما بعلاقة حتى تصل إلى الزنا، ولكنهما لوجه الله عز وجل قررا أن لا يقعا في هذه المصيبة لأنهما أصبحا متدينين، ولكنهما قررا أن يدعوا ربهما أن يجمعهما بالحلال كزوج وزوجة، فما حكم هذا الاتفاق وما جزاؤهما بترك هذه العلاقة التي من المؤكد أنها كانت ستنتهي بالزنا، فقط لوجه الله علماً بأن اعتمادهما على أن من يترك معصية لوجه الله الله سيعوضه خيراً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن هذان في تجنبهما الوقوع في الزنا، فهو من المعاصي الشنيعة، وخاصة بين شخصين محصنين، مما يستوجب استحقاقهما القتل بالرجم لو اطلع عليهما، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5132.
ونسأل الله أن يثيبهما أحسن الثواب على الابتعاد عن الفاحشة ابتغاء وجه الله، وعليهما أن يبتعدا عن أية علاقة لا تحل، وعن تعلق قلب أي منهما بالآخر، فإن تعلق القلب بما لا يجوز لا يجوز، لأنه بداية الطريق إلى الحرام؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوي ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرج ويكذبه.
فواجبهما إذا أن يصرفا قلبيهما عن ما حرم الله، ويتوبا إلى الله مما كانا قد فعلاه، ويتركا الدعاء بأن يجمعهما الله زوجين لأنه إما أن يكون دعاء على زوجها بالموت أو بأن يطلقها، وكل ذلك دعاء بالإثم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وليتذكر هذا الأخ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أي أفسدها عليه. وليثق كل واحد منهما بأنهما إذا امتثلا أمر الله عز وجل بصرف قلبيهما عما لا يحل لهما من هذه العلاقة المحرمة، فإن الله عز وجل سيعوضهما خيرًا من ذلك، ومن ذلك العوض رضى كل واحد منهما بما هو فيه من الحلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(9/5492)
لذة لحظة أورثت حزنا طويلا
[السُّؤَالُ]
ـ[سني 52 سنة لقد اشتغلت في الغرب 10 سنوات ثم رجعت إلى وطني تونس وواصلت العمل في المدن السياحية ارتكبت كثيرا من المعاصي وأثناء عملي أصبت بمرض عضلي وراثي وأنا أستعمل حاليا الكرسي المتحرك منذ 10 سنوات حياتي الماضية جعلتني أحب إرضاء شهواتي في الخمر والزنا ولكن منذ سنة تمكنت من الكف عن شرب الخمر بصعوبة كبيرة وأصبحت أصلي وأقرأ كثيرا عن الأمور الدينية ونظرا إلى كوني غير متزوج والأمر صعب للغاية فمن هي المرأة التي ترضى برجل مقعد وليس له سوى جراية عجز هذه الوضعية لم تتركني أتخلص من جريمة الزنا أتمنى أن يرزقني الله بزوجة ولكن طال صبري ومرضي ولم أجد حلا أريد منكم نصيحة وجزاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهنئك بالإقلاع عن شرب الخمر، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويحصن فرجك ويرزقك زوجة صالحة تسعد بها في حياتك، ثم اعلم أخي هداك الله تعالى أن الذنوب سبب في نقص الإيمان والأرزاق وتوالي المصائب، قال سبحانه: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30)
ولا شك أن الزنا كبيرة من الكبائر، وهو من جملة الذنوب التي توعد الله صاحبها بالعذاب الأليم والمضاعف إذا لم يتب، قال سبحانه: [وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ] (الفرقان: 68-70) .
وفي هذه الآية دليل على شناعة هذه الفاحشة، حيث جعلها الله قرينة الشرك وقتل النفس، وفي هذا ردع لكل مسلم عن اقتراف هذه المعصية التي حرم الله كل الطرق المؤدية إليها كالنظر والخلوة بالأجنبية وملامسة بشرتها، فقال سبحانه: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ] (النور: 30- 31) .
والحق أن كل عاقل يسمع هذا النهي وذلك الوعيد من العزيز الجبار جل جلاله، عليه أن يخاف الله تعالى ويتدارك نفسه بالتوبة، قبل أن يأتيه الأجل وهو مصر على هذه المعصية، فيكون بذلك قد حرم نفسه من النعيم الأبدي في لذة لحظة يعاقب عليها دهورا.
ومن لطف الله بعباده أنه جعل باب التوبة مفتوحا ما دام الإنسان لم يصل إلى حد الاحتضار، وما لم تطلع الشمس من مغربها، فبادر أيها الأخ الكريم بالإنابة إلى ربك، وأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة، فإن ربك الكريم يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طه:82)
ويقول: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً] (الزمر: 53) .
واصبر على ما أصابك من بلية، فربما كان ذلك سببا في تكفير خطاياك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. رواه مسلم.
وننصحك بالبحث عن امرأة دينة وصاحبة خلق تحفظ بها جوارحك عن الوقوع في الحرام، وقبل أن ييسر الله ذلك عليك بالصوم ومصاحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير غريزة الشهوة ويجر إلى ارتكاب الفاحشة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5493)
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا دمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأت عليه الآية: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بين الإمام القرطبي الحكمة من بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند سماعه للآية المذكورة، حيث قال في تفسيره: قال علماؤنا: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر، إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدا. انتهى.
ولا غرو أن يبكي النبي صلى الله عليه وسلم إذا تذكر يوم القيامة وأهواله والمحشر والعرض والحساب وأحوال الناس يومئذ، فهو الذي يقول بأبي هو وأمي * شيبتني هود وأخواتها*
وراجع الجواب: 10452، والجواب: 13140.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(9/5494)
صلاح الدنيا والآخرة في تقوى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أقوم بفروضي الدينية لكن أبواي لا يريدان ذلك، لأنهم يدعون أن ذاك هو التخلف، ماذا أفعل علماً بأنني أتعرض لضغوطات عدة من قبلهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمة يجب عليها الالتزام بما فرض الله عليها، ولا يحل لها موافقة والديها في خلاف ذلك لقول الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:15] ، ولما في حديث الصحيحين: لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف.
هذا؛ ونوصيك بالصبر على دينك وعلى ما تلقينه في سبيل ذلك من مضايقات، وأكثري من الدعاء في الصلاة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] ، وعليك بالإكثار من الأذكار المأثورة ففيها حفظ ووقاية من شر كل ذي شر، واعلمي علم اليقين أن التقدم وصلاح أحوال الدنيا والآخرة في تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] ، وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/5495)
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فتاة متحجبة ارتكبت أخطاء في حق ربها سبحانه وتعالى وفي حق نفسها مما حرم الله ثم قررت التوبة ما حكم الشرع في أخطاء هذه المتحجبة......... وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وما دامت هذه الفتاة قد تابت، فإن الله تعالى يقبل توبتها ويغفر ذنبها إذا توفرت شروط التوبة التي بيناها في الفتوى رقم: 5450، فإذا استكملت الشروط، فإن الله يقول: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى] (طه:82)
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5496)
حكم ارتكاب الذنب وهو ينوي أن يتوب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يذنب ذنبا وهو ينوي أن يتوب عنه بعد أن يفعله
كما حدث بقصة سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا السلام فقد قام إخوته بإلقائه بالبئر وبنيتهم التوبة بعد أن يكملوا جرمهم؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم لا يعرف متى يحين أجله، وواجبه أن يكون ذاكراً للموت في كل حين، مجتهداً في العمل الصالح، مجتنبا التسويف وتأخير التوبة، صحيح أن التوبة تمحو ما قبلها، لكن ذلك لا يسوغ الإقدام على الذنب فمن يضمن لمن أقدم على الذنب مع نية التوبة منه أنه سيبقى حياً حتى يتوب.
وما ذكره السائل الكريم من الاستدلال بأن إخوة يوسف أضمروا نية قتله أو إبعاده ثم التوبة بعد ذلك فهذا صحيح، قال تعالى حكاية عنهم إنهم قالوا: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (يوسف:9) ، قال ابن كثير في تفسيره: فأضمروا التوبة قبل الذنب، وقال القرطبي: يعني أنهم يتوبون من قتل يوسف وذنبهم الذي يرتكبون فيه. وقال الطبري: يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف.
لكن هذا الاستدلال فيه خطأ من ناحيتين:
الأولى أنهم كانوا مخطئين في فعلهم ولو مع إضمار التوبة، وقد اعترفوا بخطئهم في قولهم ليوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (يوسف: من الآية91) ، وفي قولهم لأبيهم: قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (يوسف:97) ، وما داموا مخطئين في فعلهم ذلك فلا حاجة إذاً لمن يقلدهم فيه.
والخطأ الثاني: في الاستدلال أنه على تقدير صحة فعل الذنب مع إضمار التوبة بعد بالنسبة لهم، فإن شرع من قبلنا إذا خالف شرعنا فإنه لا يؤخذ به اتفاقاً، ولا أحد في شرعنا يقول بجواز ارتكاب الذنب مع نية التوبة منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5497)
أجر المصيبة.. لا أجر الصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً عنا وعن المسلمين جميعاً، سؤالي إليكم وفقكم الله في الإفادة:
فقدت زوجتي وأنا معها في الحج الماضي مبلغاً كبيراً من المال وقع منها بين الصفا والمروة، هل هذا المال المفقود يحسب لي صدقة أم زكاة لي عليه أجر أم لا يحسب لي فيه شيء، أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أن المسلم لا يصيبه شيء من مصائب الدنيا في نفسه أو ماله فيحتسبه عند الله تعالى إلا كان له به أجر، وكفر عنه من الخطايا، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
ولا شك أن الذي يفقد ماله أو ما يشق عليه فقدانه قد يحصل له أكثر هذه الأمور، والمال شقيق النفس وعصب الحياة كما يقولون، أما كونه يحسب لك صدقة أو زكاة تجزئك عن الصدقة أو زكاة المال إذا كان لك مال فيه النصاب فإنه لا يجزئ عنك، ولا بد من إخراج الزكاة من المال الموجود عند حلولها، ولكن يحصل لك به أجر المصيبة إن احتسبته عند الله تعالى كما أشرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5498)
توبة الزاني بحليلة جاره
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت إجابة بهذا الموقع خاصة بحقوق العباد
بشأن الزنا في حليلة الجار وكانت الإجابة أن الله لا يغفر ذلك الذنب ما هو الحل للمغفرة
علما بأني عرضت هذه الإجابة على بعض ممن أعلن التوبة والمغفرة
فما كان رد فعله إلا الضد......
فترك الصلاة وانحرف انحرافا تاما وكان أسوأ مما كان
أفيدونا حتى يمكن إصلاح حال هذا الشخص بعد أن أغلقتم جميع الأبواب في وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ارتكب ذنباً من الذنوب وتاب منه إلى ربه توبة نصوحاً بأن أقلع عن الذنب وندم على فعله، وعقد العزم على عدم العود إليه، فإن الله تعالى يقبل توبته، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (التحريم: من الآية8) ، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، هذا إن كان الذنب في حق المولى جل جلاله، أما إن كان في حق العباد فإنه يزاد على ذلك برد المظالم إلى أصحابها، لكن على التفصيل التالي: فإن كان الحق مالاً أخذه أو دماً سفكه، وجب رده إلى أهله، وتمكين المظلوم أو أوليائه من القصاص، وإلا كانت التوبة ناقصة، وإن كانت انتهاك عرض للغير كغيبته والزنا بزوجته، فهذا إن أمكن استسماح صاحب الحق من غير التصريح له بالذنب، وجب ذلك، وذلك لأن الشرع منع المجاهرة بالذنب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
وعلى كلٍ؛ فإن على صاحب الذنب التوبة والإكثار من الطاعة لقول الحق سبحانه: إ ِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (هود: من الآية114) ، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (طه:82) .
وعلى هذا؛ فندعو الشخص إلى التوبة وعمل الطاعات، ولا يلزمه طلب الصفح من صاحبه إن كان في ذلك ما يؤدي إلى حرج، وانظري الفتوى رقم: 18343، والفتوى رقم: 34218، علماً بأننا لم نكتب في موقعنا أن الله لا يغفر لمن زنا بحليلة جاره إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، بل إن الذي كتبناه هو أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وانظري الفتوى رقم: 16907، والفتوى رقم: 27620.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1425(9/5499)
وضع جدول لمحاسبة النفس أمر محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع جدول لمحاسبة النفس يومياً، مثلا أن أعطي نقاطاً لنفسي مثلاً، هل قرأت القرآن إذا كان نعم أضع نقطة ثم مثل هل غضضت بصري، وهل لم أغتب نقطة...... إلخ، أجمع كل النقاط فلو وجدت مثلاً فوق 16 نقطة جيد وتحت 16 ناقص ... إلخ، علما بأن هدفي هو ضبط النفس وإرضاء الله وليس الغرور بالعلامة، وهل هذه الطريقة بدعة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محاسبة النفس أمر مشروع ويدل لذلك ما في الحديث: الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت. رواه الترمذي والحاكم والبيهقي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وتعقب بأن في سنده مقالاً، قال الترمذي: ومعنى قوله" دان نفسه " يقول: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة، ويروى عن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنه يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا.
ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه؟.
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في الشعب عن مسروق أنه قال: المرء حقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر الله فيها.
هذا من ناحية الحث على محاسبة النفس عموماً، وأما طريقة الجدولة فإنما هي وسيلة لتحقيق المحاسبة ولا تعتبر بدعة لأنها مجرد وسيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1425(9/5500)
الابتلاء يكون تارة بالخير وتارة بالشر
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة غير متزوجة وتعيش مع عائلتها والوالدين لا يطبقان الشريعة الإسلامية، والفتاة تحاول خلق البيئة الإسلامية للعيش، والأخطر هو بوجود إخوة هذه الفتاة والذين يقومون بعمل المعاصي بشكل متكرر وغير محدود. مما سبب التفكك الأسري الواضح وعدم الالتزام والظلم المتفشي بين أفراد الأسرة.
ما السبيل لهذه الفتاة بأن تنجو بنفسها والعيش بما يرضي الله، (غير الزواج) لأن الزواج نصيب من عند الله، ولم يكتب الله لها نصيبا لليوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ولتعلمي أن هذه الحياة دار ابتلاء واختبار، فتارة يكون الابتلاء بالخير، وتارة يكون بالشر، كما قال الله سبحانه وتعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] (الانبياء:35)
وعلى المسلم أن يصبر فيها ويصابر ويتقي الله تعالى، حتى يجعل الله له مخرجا، كما قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً] (الطلاق: 2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
ولتعلمي أن دوام الحال من المحال، فلا بد أن يأتي يوم يتغير فيه الحال وتنفرج الأمور، وعليك أن تنصحي أبويك بالرفق واللين، وتذكريهما بالله والدار الآخرة، وأن عليهما أن يتقيا الله تعالى في أنفسهما وفي بيتهما وأولادهما، وأن عليهما أن يوجها أولادهما إلى الخير، ويربيانهم على الاستقامة والطاعة، وأن في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها في الدنيا والآخرة، لعل الله تعالى يشرح صدورهما للخير ويهديهما على يديك.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 12767.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5501)
من تكررت منه المعصية هل تنزع منه محبة الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف كيف الجمع بين قول الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي كان يكثر من شرب الخمر (أنه يحب الله ورسوله) ؟ ,فإن كثرة مخالفته في مسألة شرب الخمر قد يعتبره البعض دليل على عدم أو ضعف حبه لله ولرسوله حيث أن دليل الحب الاتباع.
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم درجات، وشرب الخمر ونحوه ينافي كمال الحب لا أصل الحب، فلا تعارض بين الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ] (آل عمران: 31) . وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر: فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قلب المرتكب، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5502)
هل يحرم من زنا من رؤية الحور العين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان مؤمناً حقاً، لقد كان يحافظ على الصلوات الخمس ويحفظ القرآن، فاجأني يوماً وأعلمني أنه زنا مع فتاة خمس مرات، وندم وعاد إلى الله تعالى مرة أخرى. فهل يقبل الله توبته، وهل تضيع عليه حور العين يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب توعد الله عز وجل أصحابه الذين لم يتوبوا منه بالعذاب الشديد، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان: 68- 70) ، وقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الاسراء:32) ، ومع أن الزنا ذنب عظيم فإن من تاب إلى الله فإن الله يتوب عليه، ويقبل توبته، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ولا نعلم حديثاً صحيحاً ورد فيه حرمان الزاني من الحور العين في الجنة إن دخلها، والذي ورد في ذلك هو في الخمر والحرير.
فمن تاب من الزنا توبة صادقة ودخل الجنة فإنه سيتزوج الحور العين بإذن الله، ومما يؤكد هنا أن شارب الخمر في الدنيا توعد بالحرمان منها في الجنة إلا إذا تاب، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/5503)
الرياء أخفى من دبيب النمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أنا فتاة والحمد لله ملتزمة ولكن منذ فترة قصيرة تقدم لخطبتي أحد أقاربي والحمد لله هو إنسان ملتزم إلى حد كبير ولكن دون أن أشعر بدأ بيننا حب غير عادي لدرجة أننا لا نطيق غيابنا عن بعض ولكن لا نفعل والحمد لله ما يغضب الله ولكننا اتفقنا من البداية أن نعين بعضنا على طاعة الله فاتفقنا على أن نجتهد في حفظ القرآن وقيام الليل والصيام والاجتهاد في طلب العلم وبدأنا فعلا بفضل الله ولكنى يا سيدي كنت أفعل هذا كله من قبل أن أرتبط به لأني أريد رضا الله وأريد أن أقترب من ربي أما الآن أشعر بأنني أفعل هذا من أجله هو وكأن إخلاصي لله 000000
ويهمس الشيطان أكثر فأشعر بأنني أفعل كل هذا رياء
فماذا علي أن أفعل سيدي أخاف من سوء الخاتمة
وجزاكم الله عني خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد على الطاعة، ولتعلمي أنه لا يجوز للخطيب أن يخلو بخطيبته أو أن ينظر إليها أو يتحدث معها إلا في بداية الأمر عند الخطبة، فإذا رضيته ورضي بها فعليهما أن يكفا عن الاتصال ببعضهما حتى يتم العقد.
ولا مانع أن يتفقا على إنجاز عمل ما قبل الزواج أو حفظ القرآن.. وأن يوصي كل منهما صاحبه بتقوى الله وفعل الطاعة.. ولكن لا تجوز لهما الخلوة ولو كان ذلك على العبادة، فإن الخطيب أجنبي قبل العقد لا تجوز الخلوة به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه أحمد وأصحاب السنن.
ولمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع، نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 313، 21243، 23725.
وبخصوص الرياء وعدم الإخلاص، فلا شك أن الرياء أخطر الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وتكمن خطورة الرياء في أنه أخفى من دبيب النمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد.
وننصح السائلة الكريمة بأن تكثر الدعاء المذكور، ومن الأعمال الصالحة، وتجاهد نفسها على الإخلاص،
ولعل ما تجده هو من وساوس الشيطان لتترك العمل الصالح.
وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(9/5504)
المعاصي من أسباب حرمان الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرفت على فتاة وتعلقت بها واتفقنا على الزواج ولكن الفتاة كان بها بعض الملاحظات على شخصيتها كانت تدخن حاولت تغييرها لكن للأسف وخلال ذلك نتج حمل وذلك دون أن يكون إيلاج وتم إجراء عملية تنظيف لها وكان الحمل في الشهر الأول بداية الثاني وهنا طلبت منها أن نتزوج ويكون الزواج سريا ولكن بمعرفة بعض الأصدقاء وشخص من أقربائها ثم نعلن الزواج ولكنها رفضت الفكرة مع العلم بأنني متزوج، ولقد أخبرت زوجتي بنيتي بالزواج من الفتاة رفضت وطلبت الطلاق وتأزمت الأمور بيننا وبسبب ذلك فقدت وظيفتي وتعرضت لمشاكل كثيرة ومازلت أعاني منها حتى الآن مع العلم بمرور سنة على الموضوع.
وفي النهاية تركت الفتاة لخوفي على أسرتي وتبت إلى الله، وأيضا الفتاة ذهبت للحج ومع ذلك ما زالت تبعث لي مع شخص قريب لنا رسائل تريد أن أصحح الخطأ وهي ضد فكرة الزواج السري في الوقت الحاضر.
ماذا أعمل وهي تريد أن تلتقي بزوجتي لكي تخبرها بالموضوع وأخبرتها أن الله سترنا فهل تريدين الفضيحة الآن أتمنى من الله أن يقبل توبتي وسؤالي هو هل دعاؤها علي سبب ما أنا فيه من مشاكل.
مع العلم بأنها تعيش لوحدها خارج بلدها وأهلها في دولة أخرى.
أرجوكم إفادتي ولكم الخير
... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دل القرآن والسنة الصحيحة على أن الذنوب سبب في مصائب العبد وحرمانه من الرزق، قال سبحانه: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] (الشورى:30) . وفي مسند أبي يعلى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه وصححه السيوطي.
وبهذا تعلم أن سبب ما أنت فيه من شدة قد يكون مرده إلى هذه الذنوب التي اقترفتها، والآن وبعد أن من الله عليك بالتوبة، فنرجو أن يصلح الله تعالى حالك ويكشف عنك هذا الضيق فالتزم التوبة وكثرة الطاعة فإن ربنا الكريم يقول: [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى] (طه:82) .
ومن لوازم التوبة قطع الصلة بتلك المرأة، إلا إذا تأكدت من صدق توبتها، فلا مانع من الزواج بها، وانظر الفتوى رقم: 14494.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5505)
الحق درجات والباطل دركات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي سمات الدين الحق والباطل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين الحق يتميز بالعقيدة الصحيحة الصافية من أدران الشرك والجاهلية، وبانتهاج المنهج الرباني الخاضع للتشريعات الإلهية، والابتعاد عن رجس الذنوب والمعاصي، وبالموازنة بين الاستجابة إلى حاجات الجسد من الطاقة والغذاء والمتعة، وبين تهذيب الغرائز وضبطها بالضوابط الشرعية دون إخلال بشيء من الحقوق، كما بين الصحابي الجليل سلمان الفارسي لأخيه أبي الدرداء رضي الله عنهما يقول له: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. أخرجه البخاري وغيره.
فإذا صحح المسلم اعتقاده والتزم بتعاليم شرعه ممتثلا أوامر الله ومبتعدا عن معاصيه، ومخلصا لله في كل ذلك أمكن أن نطلق عليه إنه اتسم بسمات الدين الحق.
وأما الباطل، فلا حصر له، فكل ما جانب الحق فهو باطل، وكما أن الحق درجات فإن الباطل دركات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5506)
تذكر الموت مطلوب من المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تكمن في وساوس ظلت تراودني قبل أن أتوب وحتى بعد أن تبت وأصبحت أصلي، تكمن هذه الوساوس في إحساسي في معظم الأحيان أنني على وشك الموت، وأحياناً أخرى أنني على وشك الجنون، وذلك منذ مدة 4 أشهر، أرجو منكم مساعدتي للتغلب على هذه الوساوس التي أصبحت كوابيس بالنسبة إلي والتي أصبحت تلاحقني دائماً، أرجو الرد بسرعة من فضلكم فأنا في حيرة من أمري، وأخيراً تقبلوا مني بالغ احترامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار كل ذلك مطلوب شرعاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هادم اللذات، يعني الموت. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل في العبادة. التذكرة.
وقال السدي في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] أي أكثركم للموت ذكراً وله أحسن استعداداً ومنه أشد خوفاً وحذراً، وقال القائل:
صاح شمر ولا تزل ذاكر ... ... الموت فنسيانه ضلال مبين
وعلى هذا فالمطلوب من المسلم أن يكون ذاكر للموت مجتهداً في العمل الصالح، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9] ، لكن ليس للدرجة التي تصل إلى القنوط أو اليأس من رحمة الله، نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر:49-50] .
وأما الخوف من الجنون فلعله من وساوس الشيطان وكذا المبالغة في الخوف من الموت، قال ابن القيم رحمه الله: فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره فإن رأى فيه داعية للبدعة وإعراضاً عن كمال الانقياد للحسنة أخرجه عن الاعتصام بها وإن رأى فيه حرصاً على السنة وشدة طلب لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاقتصاد فيها قائلاً له: إن هذا خير وطاعة والزيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها فيخرج عن حدها كما أن الأول خارج عن هذا الحد فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر.
فالواجب عليك أخي العزيز نسأل الله لك التثبيت والتوفيق والعافية في الدنيا والآخرة ألا تستسلم لكيد الشيطان ووساوسه وعليك بالالتجاء إلى الله تعالى والاستمرار على طاعته وهو بفضله سينقذك مما أنت فيه، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11500، 15026، 22947، 22458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1425(9/5507)
من الوسائل التي تجنب الفتنة بالفتيات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب في الولايات المتحدة الأمريكية وكما تعلم فضيلة الشيخ أن أمريكا بلد المعاصي فأنا لي صديقات من أمريكا وبعض الأحيان توسوس لي أفكار سيئة من ما أراه هنا، لكن والحمد لله أستطيع أن أسيطر على لذاتي وشهواتي فكيف لي أن أصادقهن وأنا مغرم بهن وأيضاً هن مغرمات بي وأنا بعض الأحيان المسهن وأنا لا أريد أن أدخل في المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 11945 حكم مصادقة الفتيات.
وبينا في الفتوى رقم: 36423 وسائل تجنب فتنة الفتيات فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(9/5508)
غفرت لك ولا أبالي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا منافقة وبدأ هذا الموضوع معي منذ ما يقرب من عامين واستمر معي ولا زال معي هل تستطيع أن تدعو لي أن يحييني الله إذا كانت الحياة خيراً ويميتني إذا كانت الوفاة خيراً وإلا فقل لي أي حل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أعاذنا الله وإياك من النفاق، وهدانا جميعاً إلى صراطه المستقيم.
ثم اعلمي أيتها الأخت أن الإنسان إذا كان قد صدر منه فعل فيه مخالفة للشرع مهما كان هذا الفعل، فما عليه إلا أن يبادر إلى التوبة، وذلك لأن الله تعالى بمنه وكرمه وعد التائبين بغفران الذنوب مهما كانت ذنوبهم، فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53) ، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد والترمذي، وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.
ثم عليك بمداومة سؤال الله تعالى الهداية.
هذا وقد ذكر أهل العلم أسباباً للهداية بينا بعضها منها في الفتوى رقم: 30758، فراجعيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(9/5509)
الزواج من الأسباب التي تعين الشباب على تجنب الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[لو تفضلتم فإني لي سؤال حول الزواج وغض البصر ,وأن الحياء إنما ذلك من الرجولة ما رأيكم في أن من مقتضيات الجهاد الشجاعة والرجولة وأن الحياء والعفة وغض البصر والزواج يزيدون الرجولة،وهل من مكر الشيطان تعرية النساء لينقص كل ذلك فتنة الرجال الشهوات حتى لا يبقى من الرجولة شيء ويقل الجهاد ومحاربة جنود الشيطان،وإن الدراسة والعقليات السائدة والصعوبات لتمنعني عن الزواج،وكيف يتم الزواج وشروطه وإن أجهل أحكام الشرع وفي مجتمعي لا تطبق السنة الشريفة إلا قليلا، وإني لا أجد تشجيعا من أهلي، إني أعيش في تونس والحال مزر وخطير فلا تكاد تخلو الشوارع من الكاسيات العاريات. أرجو الإجابة في أسرع وقت وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالك وأن يسهل أمرك وأن يحصن فرجك وأن يختار لنا ولك ما فيه الخير، واعلم أن أعداء الله وحزب الشيطان قد حرصوا كل الحرص على إفساد الشباب المسلم وإغراقه في الشهوات والملذات حتى يضعفوا الإسلام والمسلمين، وتكون لهم القوة والعزة والغلبة.
فالواجب على المسلمين أن يجتهدوا في إعادة الأمة إلى رشدها والنهي عن هذه المنكرات.
ومما يعين الشباب على تجنب الفتن التي يراها في المجتمع هو الزواج فليحاول الشاب أن يجتهد في تحصيل أسباب الزواج، وليعجل بذلك، فإن لم يستطع فعليه بالصوم واجتناب أسباب إثارة الشهوة ما استطاع، مع مواصلة الاجتهاد في تحصيل أسباب الزواج. ولمزيد فائدة، راجع الفتاوى التالية: 1766، 43214، 38696، 17982، 31226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5510)
مدى مسؤولية العبد عن أعماله السيئة قبل الجنون
[السُّؤَالُ]
ـ[لو هناك إنسان غارق في المعاصي وكل ومعظم أعماله سيئة واستمر في ذلك حتى بلغ من العمر ثلاثين عاما وبعدها أصيب هذا الشخص بالجنون هل يحاسب على أعماله السيئة التي فعلها قبل مرضه
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأفعال العباد إن كانت لا تبلغ درجة الشرك بالله فإن المحاسبة عليها هي مما يتعلق بمشيئة الله، وأما الشرك فالإنسان مؤاخذ به إذا لم يتب منه. قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ] (النساء: 48) .
والمجنون قبل جنونه هو كسائر الناس، وإنما يرفع عنه القلم حال الجنون. أخرج أصحاب السنن وأحمد من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق.
وعليه، فإذا لم يتب المجنون قبل الجنون فإنه مؤاخذ بالشرك، ثم سائر أفعاله الأخرى داخلة في مشيئة الله، ولكن الله بمنه وفضله جعل المصائب والأمراض التي تصيب المرء مكفرات لذنوبه، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. فلا مانع –إذاً- من أن يكون جنون هذا الشخص كفارة لما كان ارتكبه أو لبعض ما كان ارتكبه من الخطايا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(9/5511)
مسالك التحلل من حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة
هذا الدعاء يقال لمن سببت فهل يعني هذا أنه اخذ حقه مني أم أنه يقتص مني يوم القيامة
فسروا لي طريقة هذا الدعاء وهل هناك أدعية أخرى تسقط اقتصاص الناس مني يوم القيامة وجزاكم الله الجنة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة. ورواه البخاري بلفظ: اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة لك إلى يوم القيامة.
وقد ذكر الفقهاء أن التحلل من حقوق العباد، يختلف الحكم فيه بين ما إذا كان هذا الحق مالا، فيجب رده واستحلاله منه، وبين ما إذا كان في عرضه، وخشي أن يترتب ضرر أكبر في إخباره، فيكتفي بالدعاء له، وقد تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 18180 والفتوى رقم: 4603 وأما صيغة الدعاء فلو دعا المرء بمثل ما ورد في هذا الحديث فهو حسن، وله أن يدعو بما يتيسر له من الدعاء، ثم إنه لو دعا بهذا الدعاء وتقبل الله عز وجل دعاءه، فيرجى أن تكون ذمته قد برئت من تبعات ذلك الفعل ولا يؤاخذ به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5512)
الأصل أن يحمل أمر المسلم على الحمل الحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع الذي أعتبره أكبر موسوعة للفتوى والاستفتاء على شبكة الإنترنت. أرجو منك فضيلة الشيخ الإفادة بالنصيحة في موقف تعرضت له مع أحد الإخوة حينما تواجدت قدرا في منزل أحد الإخوة الذين أعتبرهم أنا وكثير من الإخوة من أهل العلم والفتوى وتربى على يده كثير من الإخوة وكان تواجدنا لظروف معينة ولم يكن هو متواجدا في البيت وأثناء جلوسنا على جهاز الكمبيوتر الخاص به فوجئنا بوجود العديد من الصور الإباحية والأفلام الجنسية على الجهاز مع العلم بأن هذا الجهاز لا يستطيع لأحد فتحه إلا عن طريق كلمة مرور لا يعلمها إلا هو ونحن الآن لا نعرف ما العمل وماذا يجب علينا أن نفعل هل نحذر منه الإخوة أو نكلمه نحن مع العلم بأنه هناك فارق كبير في السن ودرجة العلم ولكن نحن لم نتأكد بشكل يقيني أنه هو المسئول عن هذه الصور والأفلام نرجو النصيحة والإفادة وجزاكم الله خير ا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يحمل أمر المسلم على المحمل الحسن، لا سيما إن كان ممن عرف بالعلم والفضل، ولعل ما يوجد من شيء ينكر عليه قد وضعه من يتربص به للكيد له، ولعله من المناسب هنا استحضار قول عمر رضي الله عنه: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا، هذا في القول، والفعل مثله.
ولا شك أن هذا الموقف يتطلب الكثير من الحكمة، ويختلف الحكم فيه باختلاف الحال، فإن علم عنه أو غلب على الظن أن لا يترتب محذور على مصارحته بما حدث، فالأولى حينئذ مصارحته، وإخباره بواقع الحال، بشرط أن يتخذ في ذلك أحسن الأساليب، ويبدأ له بتوطئة يبين فيها فضله ومكانته وحسن الظن به، وإن علم أو غلب على الظن تأثير ذلك عليه وحدوث أمر محذور، فالأولى في هذه الحالة التلميح بذكر قصة مشابهة يفهم منها المقصود.
وننبه إلى أنه لا يجوز التصرف في حق الغير إلا بإذن منه، سواء كان الإذن صريحا أم عرفيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5513)
تنشغل كثيرا عن القرآن والذكر فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تدينت منذ سنين والحمد لله ابنتي الشابة متدينة ولكننا ننشغل كثيراً عن قراءة القرآن والأذكار بسبب الدراسة وأنا بأعمال البيت، ولكني أريد أن أصبح من أهل القرآن، ومن حفظته، وأتمنى أن يصبح لساني رطباً بذكر الله، كل هذا أنويه عندما أنام، ولكن يمر النهار دون تنفيذه، وهكذا تمر الأيام وأتمنى أن أتغير، أرشدوني، ماذا أفعل فأنا وابنتي لا نستمع للأغاني ولا الأعراس المختلطة، ونعرف الكثير من أمور الدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الله أن يتقبل منك ومن ابنتك تدينكما، وأن يبلغكما أمنيتكما، والذي ننصحك به هو أن تعزمي على ما هممت به، ولا تستسلمي للمعوقات والعراقيل الكثيرة، ونظمي وقتك حسبما يليق بك، فخصصي منه جزء للحفظ وآخر لاستظهار ما كان محفوظاً وثالثا للمطالعة وهكذا ...
ولك أن تراجعي في ذلك الفتويين رقم: 3913، ورقم: 5549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5514)
المعاصي بريد الأزمات النفسية والتفكير في الانتحار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بالثانوية العامة لم أدخل الامتحان السنة الماضية، لأني لم أجد نفسي مستعداً له، المهم أنا رسبت على الرغم من أنني لم أرسب طوال عمري، وكنت من المتفوقين حتى الصف الأول الثانوي، وأنا الآن سأعيد الثاني الثانوي، هذا كله (أمارس العادة السرية منذ الثاني الإعدادي، الأمر الذي أدى إلى كره نفسي والغضب منها جداً، وهذا الإحساس أن الله يغضب علي، حيث أنني كنت في أمس الحاجة لرضى الله على الحصول على المجموع الذي يؤهلني لدخول كلية الإعلام قسم الصحافة، بسبب هذه العادة لم أصل غير القليل جداً، وكرهت الدنيا بما فيها حتى وصلت بي الدرجة لكره الله عز وجل شاعراً أن هذا ظلم منه لي لأن هناك الكثير الذين يمارسون العادة السرية ولم يعاقبهم -استغفر الله-، لم أذاكر إلا القليل طوال العام الماضي والآن ليس لدي أي رغبة في المذاكرة، كنت وما زلت أشدد في ممارستها كي أهرب من الواقع الدراسي، وحاولت مراراً وتكراراً أن أمنعها ولم أقدر، لا أصلي كسلا من التطهر المستمر طوال اليوم، أنا مخنوق جداً وخائف أرسب هذه السنة وأخرج من التعليم، أنا شاطر جدا وعندي هواية الصحافة والقراءة في السياسة وأفكر في الكون وكيفية خلقه وأجد من يصدوني بكلماتهم الغليظة لي، وقليلا كتب الفقه المختصة في كيفية النكاح والزواج، وأنا الآن أقرأ في الدين وعندي رغبة شديدة في التوبة ولكن لا أعرف كيف، أنا الآن منذ شهر يوليو 2002 وأنا مريض نفسياً وأتعالج وآخذ دواء، وأكسر الحاجات وأتشنج كثيراً، ومكتئب جداً جداً، وكثيرا ما حاولت الانتحار، أفكر كثيراً في الموت وخائف أموت بهذه الصورة، عندي اثنين من أصدقائي ماتوا واحد في حادثة قطار والآخر في حادث بسيط من الدراجة في عامي 1998، 2001 وأثروا علي جداً، الآن أنا سمين جداً، ولكن أحاول التأقلم مع الظروف، أريد أن أتوب عن العادة السرية، وأتركها وأتخلص من حالة الاكتئاب هذه، نفسي أخدم الإسلام والعالم العربي، ونفسي أنجح وأدخل كلية الإعلام أو الحقوق كي أحقق العدل بين الناس، والله لا أكذب في أنني أحاول أطبق العدل في حياتي أملا في تحقيقه عبر الوظيفة أريد من سيادتكم إرشادي إلى حل عملي ولاسيما أن الامتحان في 10/6/2004، أنا حاصل على 89% في الإعدادي وأولى ثانوي 87%) وشكراً لكم سدد الله تبارك وتعالى خطاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما العادة السرية وترك الصلاة والانتحار فقد تكلمنا عنهم في فتاوى كثيرة، ولك أن تراجع أحكامها في كل من الفتوى رقم: 7170، والفتوى رقم: 1145، والفتوى رقم: 10397.
ثم إن كرهك لله وشعورك أن فعله فيه ظلم -حاشاه من ذلك- هو من أكبر الآثام، وأشد المعاصي، وأقبح الكفر، وفيه تكذيب لقول الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] ، وقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44] ، وقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت:46] ، ثم كيف تدعي أنك في أمس الحاجة إلى رضا الله، وأنت لا تطيعه في أداء الصلاة أو ترك ما حرم عليك من العادة السرية، ثم ما فائدة تأهيلك لدخول كلية الإعلام، إن كان الله ساخطاً عليك.
فاعلم أخي أن الذي أنت فيه من أزمات نفسية وقلق وتفكير في الانتحار وغير ذلك إنما هو بسبب عصيانك لله تعالى، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] ، فبادر إلى التوبة ولا تقنط من رحمة الله، فإن التوبة تسبب حب الله للعبد، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] ، واحرص على أن لا تموت على الكيفية التي أنت بها، وأعلم أن الموت مباغت لا يعرف له وقت، ويدلك على ذلك موت الفجأة الذي وقع لصديقيك، فشد العزم للطهارة وأداء الصلاة وذكر الله وترك العادة السرية وفعل الخيرات كلها، وستلاحظ أنك صرت شخصاً آخر، وستشرق لك الدينا بعد ما كانت مظلمة عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5515)
يعتبر المرء بحال زوجته لا بماضيها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على بنت عن طريق الجيران قصد الزواج وقد بحثت كثيرا لأعرف إن كانت لها أية علاقة عاطفية من قبل فلم أعثر على شيء ضدها وبما أنني بطبعي إنسان شكاك فقد أعطيتها المصحف الكريم لتقسم بالله أنه لم يسبق لها أية علاقة من قبل. وبعد عقد القران والدخلة بأيام أردت أن أستدرجها في الكلام وقلت لها من وحي خيالي إني قد تعرفت على صديق وقال إنه يعرف أنك كنت على علاقة بأحد زملائك في المدرسة, فأنكرت في بادئ الأمر وتشبثت بكلامي فاعترفت وقالت إن تلك العلاقة لم تتجاوز قبلة واحدة على امتداد تلك العلاقة التي دامت بينهما حوالي السنة. فسامحتها على أساس ألا تعاود الكذب وأن تصارحني بكل شيء فقالت هذا كل ما هنالك وأقسمت بعد دلك بنفس الطريقة الأولى. وبعد أسبوع أردت اتباع نفس الحيلة الأولى وقلت لها بأني سمعت قصة أخرى بأنهما كانا يداومان على القبلات الحارة ويحتضنها وكذلك أرادت الإنكار ثم اعترفت, عندئد أردت تطليقها ولكنها بكت وأقسمت أن علاقتهما لم تصل حد الجنس وأقسمت أنها لم يعد لديها أي أسرار تخبئها عني في حياتها قبل الزواج وقالت (إني أكون قد كفرت بدين محمد إذا كانت علاقتي معه إلى حد الجنس) وسامحتها مرة أخرى، وجاءت المرة الثالثة لأقول لها إن أحد الأشخاص قد ادعى أنه أعطى صاحبك القديم الشقة لكي تمارسا فيها الجنس وحاولت الإنكار وتمسكت بكلامي فاعترفت أنها دخلت معه الشقة بحيلة منه ولكن لم يمارسا الجنس ولكن فقط القبلات الحارة وما شابه ذلك. وما أدراني أنه لم يكن هنا جنس فيكفي أنها دخلت معه الشقة. لذلك أردت أن أطلقها وسألتني أن اعطيها فرصة أخيرة, ولا أنكر أنها نعم الزوجة هي، بدينها وصلاتها وخلقها وتحبني حبا كثيرا إلى درجة أنها قد تقتل نفسها إذا طلبت منها ذلك وأنا كذلك أحبها ومع ذلك أريد تطليقها لأني كنت دائما أفكر بزوجة يكون ماضيها خال من أي علاقة كانت. هي الآن تصلي واحتجبت وتكثر من قراءة القرآن وتظن أني قد أسامحها ولكني متشبث برأيي وكنت قريبا من تطليقها وفجأة تدكرت قول العزيز الكريم:
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا.
وهي كما توضح الآية الكريمة لم تأت بفاحشة وهي على عصمتي, ولكن مع ذلك أريد تطليقها حيث إن كرامتي لا تسمح لي أن أعيش مع امرأة من هذا النوع ولكني أخاف أن أقع في المحظور مع الله تعالى إذا طلقتها. وهي تحاول أن تقنعني أنها لم تخبئ ذلك عني إلا لأنها لم تكن تريدني أن أتركها إذا علمت بذلك وأنها فور سماعها لكلمة طلاق سيجعلها تقتل نفسها لأنها لا تستطيع أن تعيش بدوني.
ولهذا فأرجوا أن تفتوني بما أفعله في أقرب وقت ممكن كي أحدد مسار حياتي وحياتها.
وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أقدمت عليه من استدراجها حتى قالت ما قالت يعد خطأ منك لأن الواجب في مثل هذه الأشياء هو الستر، وإذا كنت قد اخترت ذات دين وخلق فلا يهمك كيف كان ماضيها، والذي ننصحك به الآن هو أن تمسكها إن علمت صدق توبتها، وهو الظاهر من السؤال حيث ذكرت أنها محافظة على صلاتها وقراءة القرآن والحجاب، وغير ذلك مما يدل على صلاح الحال.
كما ننصحك بألا تقدم على مثل هذا الأمر في المستقبل، وأن تضبط غيرتك، وأن تعتبر بحال زوجتك الآن لا بماضيها، فإن الصحابة رضي الله عنهم كان ماضيهم كفراً وجاهلية، ولم يضرهم ذلك لأن الإسلام يجبُّ ما قبله، والتوبة تجبُّ ما قبلها، ونريد في الختام أن ننبه إلى أمرين:
الأول: أن زوجتك قد حلفت على المصحف كذباً، وقالت: "كفرت بدين محمد.." وهذان الأمران مما لا يجوز الإقدام عليهما، فعليها أن تتوب إلى الله من ذلك، ومن تاب تاب الله عليه.
الثاني: أن تحمد الله على أن وجدت امرأة تحبها وتحبك إلى الدرجة التي ذكرت، مع صلاح في الدين وحسن خلق، فهو نعمة تحتاج إلى محافظة.
ونسأل الله أن يصلح حالك وأهلك وأن يصلح ذات بينكم وأن يبعد عنا وعنكم نزغات الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(9/5516)
طريق العودة إلى الله تعالى سهل ميسر
[السُّؤَالُ]
ـ[إني في مشكلة كبيرة، لقد كنت ملتزماً أما الآن فقد تهت في الشهوات، وفي مغريات الحياة في بلاد الكفر، أما الآن فإني أريد أن أعود لما كنت عليه، لكني لا أستطيع، فماذا أفعل، وأما المشكلة الثانية فهي أنه لا توجد هنا كتب دينية للمطالعة والقراءة فإني تهت إني أرجو منكم مدي بحلول ونصائح عملية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ما حصل لك هو بسبب الحياة في البلاد التي تنتشر فيها الفواحش والمنكرات وقرناء السوء، وعلاج ذلك أن تنتقل من هذه البلاد فوراً متى ما أمكنك ذلك، ولتتجنب قرناء السوء وتستبدلهم بالأخيار الصالحين، الذين يدلونك على طاعة الله تعالى ويعينونك عليها، ويحذرونك من طرق الشيطان ويحولون بينك وبينها، وهم موجودون بحمد الله تعالى في كل مكان وما عليك إلا أن تبحث عنهم.
وطريق العودة إلى الله تعالى سهل ميسر، وما عليك إلا أن تصدق الله تعالى فيصدقك، وتبادر إلى التوبة النصوح، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، يقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وكيف لا تستطيع المبادرة بالتوبة! ومن يمنعك من العودة إلى الله تعالى! والله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة عبده، فالواجب عليك أن تبادر بالتوبة النصوح والعودة إلى الله، فبذلك تجد السعادة وطمأنية القلب وانشراح الصدر، ولا يمنعك من ذلك عدم وجود الكتب الدينية، التي بإمكانك أن تحصل عليها بشتى الوسائل، أو تعوضها بزيارة المواقع الدينية على الإنترنت مثل الشبكة الإسلامية وغيرها، نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 38352.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(9/5517)
المطلوب من المسلم أن يكون مصلحا لا صالحا فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وجزاكم الله عنا خيراً ... وبعد:
لا أخفيكم سرا أن حال المجتمع الذي نعيش فيه بات لا يبشر بخير، فهو من سيء إلى أسوأ وكل يوم أرى ما يجد من هذا السوء الذي هو على علم من أهله، وغفلة عن سوء العاقبة سواء وجدنا ذلك في سلوك المجتمع أو طغيان وفساد الأجهزة المسؤولة أو من سيرة الأمة والنهش من أعدائها والذي استعرت وطأته، وما أظنها إلا البداية، السؤال: هل هذا مرتبط بقول الحق تبارك وتعالى \"عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذ اهتديتم\"، وما الواجب على المسلم نحو أهله ومجتمعه وبلده وأمته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من تدهور أحوال المسلمين وبعدهم عن دينهم وتسلط أعدائهم عليهم صحيح، ولكن واجب المسلم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي للتغيير والإصلاح، لا اعتزال الناس وترك المنكرات تفشو وتزيد، وقد أشار إلى هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له ووصححه.
وعليه فالواجب على المسلم نحو أهله ومجتمعه هو الإصلاح، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170] ، فالمطلوب من المسلم أن يكون مصلحاً لا صالحاً فقط، وفي قصة أصحاب السبت عبرة للمعتبرين، فقد قال الله جل وعلا: واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف] ، ففي هذه الآيات أثنى الله جل وعلا على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ونص على نجاتهم، وسكت عن المتخلين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقيل أهلكهم مع المعتدين، وقيل نجاهم ولكنه أغفله احتقاراً لهم وكفاهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً، ولا يزال المسلم اليوم ولله الحمد يجد له على الخير أعواناً، فليسع كل واحد منا إلى إصلاح نفسه وأهله، وليذكر الآخرين بدينهم بقدر وسعه، وسيجعل الله من ذلك خيراً بإذنه تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/5518)
العودة للمعاصي هل تبطل التوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[أصاب شخص حدا فأغمه وأحزنه فهرب إلى الله طالبا السترة ولجأ إلى الصلاة وكان يدعو فيقول اللهم استرني دفعا للنقمة التي جلبها الحد الذي أصابه كما نذر في دعائه صوما وصدقة مالية وتوبة نصوحا فوفى بالصوم والصدقة وأشكلت عليه التوبة النصوح فهل هي الإقلاع عما أصاب من الحد أم تشمل معنى الاستقامة ولزوم الطاعة في كل باب حتى إنه إذا زل لسانه أو زاغت عينه أو مشت رجله في غير ما يقصد وكل هذا خلاف لما ارتكبه من حد لزم عليه كفارة النذر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة النصوح هي التي استوفت شروطها في زمن الإمكان، وشروط التوبة هي: الإقلاع عن المعصية مباشرة، والندم على فعلها أصلا، ثم النية الجازمة ألا يعود إليها أبدا فيما بقي من عمره.
فإذا تاب العبد من الذنب بهذه الشروط قبل الله تعالى توبته ولو كان الذنب الذي فعله يوجب إقامة الحد ولم يقم عليه الحد، فتوبته صحيحه مقبولة إن شاء الله تعالى، وعلى المسلم أن يستر نفسه إذا وقع في حد من حدود الله تعالى ويبادر بالتوبة النصوح من ذلك الذنب.
والاستقامة على طاعة الله تعالى هي علامة قبول التوبة، وثمرة من ثمارها.
فإذا عاد العبد بعد ذلك إلى ارتكاب معصية مّا، فإن ذلك لا يبطل توبته الأولى التي استوفت شروطها، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة النصوح كلما صدر منه ذنب بعد ذلك، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5091.
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبة التائبين، ويغفر ذنب المذنبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(9/5519)
هل يغفر الله الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ أن الله يغفر الذنوب ما لم تؤت الكبائر وهي كثيرة فهل الله يغفر الكبائر أو لا وهل هي ناسخة وما هو الراجح في ذلك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وأما هل يغفر الله الكبائر، فقد سبق الإجابة على هذا السؤال في الفتاوى التالية: 37539 43447 41238
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(9/5520)
التحدث بالمعصية ذنب ينضاف إلى فعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أول شيء أحب أهنئ كل العاملين في هذا الموقع الرائع الذي فيه خير المسلمين، ونسأل الله تعالى أن يثيبنا وإياهم على ما قدموه من فائدة، السؤال: رجل عمره أكثر من 70 سنة يتفاخر بمعاصيه في الماضي وحاولت أن أجعله لا يفاخر بالسوء ولكنه في كل مرة يكرر ما فعله في الماضي من كلام وأفعال يقشعر لها البدن، كيف أجعله يبتعد عن هذه العادة خاصة أنه يهمني جداً، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التحدث بالمعصية بعد فعلها ذنب خطير ينضاف إلى فعل المعصية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 28218.
وعلى هذا فالواجب على هذا الرجل أن يتقي الله تعالى ويقلع عن المعاصي والمجاهرة بفعلها، خاصة أنه قد تجاوز عمرا أعذر الله إلى أصحابه، قال الله سبحانه: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة. رواه البخاري.
قال ابن حجر في الفتح نقلا عن ابن بطال: إنما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار لطفا من الله تعالى بعباده.
وليتذكر هذا الرجل قول النبي صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
أما أنت أيها الأخ الفاضل فإياك أن تدع نصح هذا الرجل وإرشاده إلى الحق، بل داوم على موعظته وتخويفه من عقاب الله تعالى إذا لم يتب، واستعن على ذلك بسؤال الله تعالى ثم بالأشرطة والكتيبات وبمن تراه مؤثراً من أهل الخير والصلاح، فالأمر خطير جداً، ونسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليه بالهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(9/5521)
السيئة لا تحبط الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم\" وأتبع السيئة الحسنة تمحها\"
ولكن هل العكس صحيح؟
يعني إذا فعلت حسنة ثم ارتكبت سيئة هل تمحو السيئةُ الحسنةَ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فالحسنة تمحو السيئة كما في الحديث، وكما هو نص القرآن: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ] (هود: 114) .
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الصلوات: يمحو الله بهن الخطايا.
وقوله: كفارات لما بينهن. رواه مسلم. إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على أن الحسنة تمحو السيئة، لكن لم يرد أن السيئة تمحو الحسنة، إلا ما ورد في بعض الأعمال التي تحبط عمل الإنسان كالموت على الشرك. قال تعالى: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] (الزمر: 65) . وقوله صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. رواه البخاري. إلى غير ذلك من الأعمال، ولمعرفة هذه الأعمال، راجع الفتوى رقم: 41314.
وأما في غير هذه الأعمال فالسيئة لا تمحو الحسنة. قال في تحفة الأحوذي: قال القاري: ولأجل كمال الثواب وأعلى مراتب القبول، لأن السيئة لا تحبط الحسنة، بل الحسنة تذهب السيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(9/5522)
حقوق العباد.. والوعد بالمغفرة للتائب
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في البرامج التليفزيونية عن الشيخ صقر
إن الله لا يغفر الذنوب جميعها حتى لو تم الوقوف على
جبل عرفات.
والخاصة بحقوق العباد مثلا الزنا في حليلة الجار
هل هذا صحيح طالما كانت النية سليمة في التوبة
وعدم الرجوع إلى المعصية مرة أخرى
وهل هذا مخالف لنص القرآني فيما معناه
إن الله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك بالله
وفقكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ورد من النصوص بالوعد بالمغفرة لمن تاب وأناب فهي مختصة بما كان من الذنوب بين العبد وربه، وأما ما تعلق بحقوق العباد، فلا تشمله تلك النصوص، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في المغفرة للشهيد: إلا الدين: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إلا الدين: ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى. انتهى.
ونرجو مراجعة الفتوى رقم: 3184 والفتوى رقم: 34800 لمزيد من الفائدة.
وبخصوص الزنا بحليلة الجار، فهو من أعظم المنكرات، واعتداء على حق الجار بانتهاك عرضه، ولا شك أن له تعلقا بحق المخلوق، وتراجع فيه الفتوى رقم: 35700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1425(9/5523)
العاجز إن صدقت توبته تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لكم: هل للعاجز توبة وكيف تكون، علماً بأن هذا العاجز لم يكن يصلي قبل عجزه، وربما ارتكب بعض الفواحش، ولكنه تاب وندم صار يصلي ويقرأ القرآن، فهل يقبل الله منه، أفيدوني؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحسن تنبيهك إلى عدة أمور:
أولاً: توبة الشخص المذكور دليل على أن الله تعالى أراد به الخير ووفقه للتوبة، وبالتالي فإن الله تعالى يتقبل منه هذه التوبة ويفرح بها، فقد قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] ، وقال تعالى أيضاً: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ، وفي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. وراجع الفتوى رقم: 30031.
ثانياً: ترك الصلاة من أقبح المعاصي وأشدها عقوبة فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فتاركها جاحداً لوجوبها كافر بإجماع أهل العلم، وإن كان تركها كسلاً فقد اختلف أهل العلم هل يحكم بكفره أم لا.
ثالثاً: يجب على الشخص المذكور قضاء ما تركه من صلوات وذلك يكون بحسب استطاعته، وما يناسب حاله حتى يغلب على ظنه براءة ذمته من جميع الفوائت وإن استطاع في كل يوم قضاء صلاة واحدة أو أكثر حسب قدرته فليفعل، ويرجع إلى الفتوى رقم: 512.
رابعاً: أداء الصلاة يكون بحسب قدرة الشخص فالواجب أداؤها في حال القيام مستقلا ثم مستندا ثم يصلي جالساً بدون استناد أو معه إن احتاج له، فإن عجز فعلى جنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. رواه البخاري، وراجع الفتوى رقم: 22545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(9/5524)
محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 28 سنة مصاب بالشيزوفرينيا منذ سن 12 عاما تقريباً، وقد ابتدأت بأخذ العلاج منذ 14 إلى الآن عانيت ما يعادل أكثر من سرطان هذا باعتراف الأطباء، وحسب اعتقاد الأطباء فإن الشفاء ميؤوس منه والله أعلم، والحمد لله الذي من علي بهذا المرض لأنه حلمي الأول والأخر بأن أكون من المقربين في الجنة، لكن كيف مع كثرة ذنوبي أعني بالنسبة لمن يريد هذه المنزلة العالية وربما أقل إذا عجزت عن ترك ذنوبي الثلاثة الإفراط في التدخين وسماع المعازف ومشاهدة الأفلام الأجنبية كل يوم تقريباً مع أني بعت التلفاز لأسيطر على ما أشاهد من أي مجون وأحب القرآن وكتب الشرع، وأنا هنا مريض وحيد عاجز عن العمل لا أريد الموت إلا مقرباً، وما عدت احتمل الدنيا أريد الحياة الحقيقية مقرباً في الجنة اليوم قبل الغد ما عدت أطيق فراق الحور والقصور، فليتني الآن في المدينة والدجال واقف فأخرج له هل لي أمل أن أدخل الجنة من المقربين قريباً جداً، إذا سألت الله سبحانه مع كل هذه الذنوب هل أنتظر شفاعة معاناتي أم هذا اعتداء في الدعاء ثم يأس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعجل لك بالشفاء والعافية، واعلم أنه ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله، ومن الدواء استعمال الرقية الشرعية والأذكار المأثورة والإلحاح على الله بالدعاء، موقناً بالإجابة معتصماً بالله متوكلاً عليه متبرئاً من كل حول وقوة لغيره، وأبشر بحسن العاقبة، وننصح في هذا الصدد بالكتابة إلى قسم الاستشارات بالشبكة وستجد عندهم إن شاء الله تعالى ما تنتفع به.
وأما ما ذكرت من الذنوب فاعلم أن الذنوب سبب لكل بلاء وشر في الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى كثيرة، كقوله تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40] ، وقوله تعالى: فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6] ، وقوله تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا [نوح:25] .
فعليك بالمبادرة إلى التوبة النصوح والإقلاع عن الذنوب إن أردت النجاة يوم القيامة، فضلاً عن أن تكون من المقربين.
وأما معاناتك للمرض فهي سبب لتكفير الذنوب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
ولكن لا تغتر بذلك، فإن الذنوب إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه أحمد.
وقال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت.
وليس في سؤالك لله الجنة مع صدور الذنوب منك اعتداء في الدعاء، ولكن تجب عليك التوبة كما قدمنا ولا تيأس من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون، وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30129، 26230، 27224، 28748، 26549، 29853، 32068.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(9/5525)
التسامح أصل أصيل في دين الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[فتوى في التسامح بين الشعوب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم سمات دين الإسلام أنه دين جاء لهداية الخلق إلى أقوم الطرق، وأهدى السبل، وجعل الله عز وجل فيه مقومات الرحمة والعدل مع الإنسان، ليتحقق ذلك الهدف، فالتسامح أصل أصيل فيه، وقاعدة من قواعده، يتمثل ذلك في ما ورد في بعض آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنورد بعضاً من ذلك:
أولاً: قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (الممتحنة:8) .
ثانياً: وقال سبحانه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (لأنفال:61) .
ثالثاً: روى البخاري عن أبي حميد رضي الله عنه قال: وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه برداً.
وروى البخاري أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها.
وقد بوب البخاري على هذا: باب قبول هدية المشركين.
رابعاً: وروى أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند رجل من يهود، على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله.
إلى غير ذلك من النصوص التي تؤكد معنى المسامحة والعدل والإحسان في دين الإسلام، لمن سالم المسلمين، ورضي بالعيش معهم في أمان، ولمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 29786، والفتوى رقم: 3308.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(9/5526)
شروط التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[- ما هي شروط التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
4- وأما شروط التوبة، فقد بيناها في الفتوى رقم: 29785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(9/5527)
حادثت رجلا بالماسينجر ثم تابت
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أفيدوني لأنني أموت من الحزن لما فعلته، لقد كنت أكلم شخصاً عن طريق الماسنجر لمدة ليست بقصيرة، كنا نتكلم فقط الكلام العادي وليست المسائل التي تخدش الحياء، وقد تركت هذا الشخص منذ مدة طويلة لأنني كنت أخاف مما أفعله، والذي أخافني أكثر أنني كنت أخفي شيئاً عن أمي وأكذب عليها، وكل يوم أريد أن أقول لها، وإنني آسفة لما فعلته وتبت لوجه الله، ولكنني خائفة أن تظن بي ظن السوء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في تركك محادثة هذا الرجل عبر الإنترنت، إذ لا يجوز للمرأة إقامة أي علاقة مع رجل أجنبي عليها، لما قد يترتب على ذلك من الفتنة في الدين، ومن تتبع نصوص الشرع الحكيم وجد أنه قد جعل حاجزاً منيعاً بين الرجل والمرأة الأجنبية، سداً للذريعة، ومنعاً للفتنة، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 1072.
ثم إنه ما من شك في أن كذبك على أمك منكر عظيم، ونوع من العقوق، فهنيئاً لك التوبة الصادقة إلى الله تعالى، واعلمي أن شروط التوبة بالإضافة إلى ترك المعصية، الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة في المستقبل، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8] ، وننصحك بأن تكثري من الدعاء لأمك وأن تعزمي على الصدق معها في الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/5528)
من الأسباب المعينة على الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لقد قرأت منذ قليل عن شخص فاجر تحول إلى داعية وذلك بفضل دعاء الصالحين، أرجو من حضرتك تدعولي كثيراً ولا تنساني من الدعاء، وذلك لأني مثله، ادع الله لي أن يهديني ويجعلني مسلماً، وينقذني من الفجور الذي أنا فيه بارك الله فيك، وأرجو أن تدعو لي في جوف الليل وأنت قائم وأن تتذكرني بالدعاء دائماً وشكراً أن تعطيني الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهديك إلى صراطه المستقيم، ثم اعلم أخي أنك إن طرقت سبل الهداية وجاهدت نفسك على ذلك -وهي بحمد الله سهلة وميسرة- فإن الله تعالى بمنه وكرمه وعد كل من جاهد في سبيله بالهداية فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت: من الآية69) ، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 21750، جملة من الأسباب التي تعين على طريق الهداية فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/5529)
الرياء من أخطر أمراض القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد استفتاءكم في أمر وهو أنني شاب في العشرين من عمري وأصلي بالناس صلاة القيام فقط ولست إماما راتبا وعرض علي في الفترة السابقة أن أسجل أشرطة كاسيت قرآن كريم بصوتي ولكن بعض أصدقائي من المشايخ قال لي إنك مازلت مبتدءا في طلب العلم ولم تصل مرحلة طالب العلم بعد ومن الممكن أن تصاب بالعجب والرياء إذا ظهرت أشرطتك في الأسواق، فما رأيكم؟ هل أترك هدا الأمر لله أم أقدم عليه بارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم –وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى- أن الرياء من أخطر أمراض القلوب، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أبابكر رضي الله عنه، حيث قال: الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه الترمذي الحكيم وصححه الألباني.
وفي رواية ابن عباس: الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا. ثم إن ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، كما قال الفضيل بن عياض، وبناء على هذا، فإذا كنت تعرف من نفسك الإخلاص وأنك لا تعبأ بما يقوله الناس فيك، وأن مدحهم لك في شأن العبادة والقراءة لا أثر له في قلبك ولا في الزيادة أو النقص فيما كنت تعمله، فامض لما هممت به.
وإن كنت لا تقوى على ذلك، فالأفضل أن تخفى عبادتك وقراءتك لتأمن شر الرياء والعجب، قال في تحفة الأحوذي: قال الطيبي: جاء آثار بفضيلة الجهر بالقرآن، وآثار بفضيلة الإسرار به، والجمع بأن يقال: الإسرار أفضل لمن يخاف الرياء، والجهر أفضل لمن لا يخافه.
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتوى رقم: 10992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/5530)
كان متفوقا صالحا ثم تبدل حاله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان متفوقاً ولظروف كانت له يد بها لم يستمر في ذلك التفوق وأصبح فاسدا ولكني أجد به الخير ولو قليلا كما أن أسرته محترمة وطلبت مني أمه أن أساعده وأنا أحاول ولكن دون فائدة فما الحل؟
جزاكم الله خيرا
(الرجاء أن تأكدوا لي إجابتكم من الكتاب والسنة النبوية الشريفة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تقترب من هذا الشاب وتنصحه وتذكره بالله جل وعلا، وأنه انتقل من النور إلى الظلمات، ومن الرفعة والشرف إلى السفل والنذالة ومقت الآخرين له، وينبغي أن تتخذ الوسائل المناسبة وتتحين الأوقات المناسبة لنصحه، واستعن بالله على ذلك ثم بأهل الصلاح والخير، وإذا استطعت أن تقدم له مطوية أو كتيباً أو شريطاً يعالج الانحراف الذي هو فيه فهو أمر حسن، وعلى كل فالهداية الحقيقية هي بيد الله جل وعلا، قال الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص:56) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/5531)
ليس هناك كذب أبيض
[السُّؤَالُ]
ـ[أسعدكم الله وبارك خطاكم وأنعم عليكم من الخيرات على قدر طاعتكم له ... لا أريد الإطالة في الخطاب ولا أن تملوا منه بل أردت أن أسأل سؤالين:
1- أريد أن أعرف ما حكم الزاني، بالنسبة لشخص ما زنا قرابة 9 سنين، والله أعلم، ولكنه نادم على ما فات ولم يعد يمارسه، وكان يشرب الخمر الحشيش والحين يشرب البيرة بكحول (ستيلا) وايضاً السجائر، أريد معرفة عقوبة الزنا وكيف يكفر عنها، وما الطريقة لنصحه والسبيل لجعله يتقرب أكثر من رب العالمين، مع العلم بأنه ضابط شرطة وقد تفوته بعض الفروض بالنسبة للصلاة، أريد معرفة كل شيء عن هذا الموضوع التي قد تريحني وتريحه وأجعله بأمر الله صالحاً لرب العالمين؟
2- أريد أيضاً معرفة كيف أجعله يتوقف عن الحلف باسم الله الدائم وقد يكون صادقاً أو كاذباً، مع العلم بأنه يدعي أن كذبته بيضاء وللإصلاح فقط، وللعلم فإنها لإصلاح أمور تافهة؟ وجزاكم الله خيراً، وأكثر الله من أمثالكم، أتمنى الرد على هذه الرسالة لأنه أمر ضروري جداً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا وتناول الحشيش والبيرة التي فيها كحول والسجائر والتفريط في الصلاة كلها محرمات، والواجب على من وقع فيها أو في واحدة منها التوبة إلى الله عز وجل منها، ومن تاب تاب الله عليه وغفر له، ولا يشترط في تكفير ذنب الزنا والمسكر إقامة الحد إلا إذا بلغ الحاكم فإنه تجب عليه إقامته، ولكن الأفضل لمن وقع في ذلك الستر على نفسه، لما رواه الحاكم والبيهقي وصححه السيوطي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا.
وأما حلفه على الكذب فحرام والواجب عليه التوبة من ذلك وكفارة يمين عند طائفة من أهل العلم، وليس هناك كذب أبيض بل الكذب كله أسود قبيح ملعون قائله، كما قال الله تعالى: فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] ، وهو من علامات النفاق إلا أنه يباح في مواطن بضوابط معينة، بيناها في الفتوى رقم: 7432.
هذا من حيث الحكم، أما من حيث الطريقة لإصلاح هذا الشخص فننصحك بالآتي:
1- تقديم النصيحة له وأن تبين له أن ما يقوم به محرم وأن وصفه الكذب بأنه أبيض مغالطة والله عز وجل يعلم كل شيء.
2- إعطاؤه نشرة أو كتيباً أو شريطاً يعالج مثل هذه القضايا.
3- الاستعانة ببعض الصالحين في توجيهه وإرشاده.
4- الدعاء له بالهداية والتوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/5532)
زوجها يقيم علاقات نسائية عبر النت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أعرف ما أقول، أنا متزوجة منذ تقريباً 14 عاماً لا يوجد أولاد والسبب زوجي، ولكن رضيت بما قسم الله لي ولكن المشكلة أن زوجي لا يصفو بسرعة أو تقريباً قلبه غليظ وهو عندما تحدث أي مشكلة بيني وبينه يستخدم المعاصي أي ينسى ربه أعوذ بالله، وتعرف على نساء وبنات على النت وتحاور معهن وطلب منه الكاميرا وعصى رب العالمين ونظر إليهن وهو حتى في الشارع ينظر باستمرار للنساء لا أعرف ماذا أعمل عندما تحصل هذه المشكلة يفعل ذلك بحجة أنه مرغوب فيه هل هذا صحيح، ويظن أني أفعل ذلك لأجل الإنجاب، إفيدوني أفادكم الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في صبرك وبقائك مع هذا الزوج الذي لا ينجب، إلا أن ما يفعله زوجك من معصية الله وإقامة علاقات مع النساء عبر النت والنظر إليهن والحديث معهن معصية عظيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. رواه مسلم.
فهذا العمل الذي يعمله يصدق عليه أنه زنا، ولكنه زنا مجازي، كما فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 25437.
وننصحك -وفقك الله- بأن تجتهدي في نصح هذا الزوج وبيان الحق له، وأن رغبة النساء فيه لا تبرر له معصية الله معهن وأنك بعيدة عما يجول في خاطره تجاهك، واستعيني على ذلك بالله تعالى ثم بأهل الصلاح، ونقول لهذا الزوج اتق الله فإنك ستسأل بين يدي الله عن جوارحك هل استعملتها في طاعة الله أم في معصيته؟ قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ، ولتعلم أن هذه الجوارح سوف تشهد عليك يوم القيامة، وقال الله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] ، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [فصلت:20] ، فانظر كيف يكون حال العاصي يومئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/5533)
أمور تعين على تحقيق الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أدعو الله سبحانه وتعالى لجميع الإخوة بكل الخير، سؤالي هو: إنني والحمد لله ملتزم منذ فترة طويلة ولله الحمد، وأحب تقوى الله وعمل الخيرات، وقد أنعم الله علي من فضله بكثير من النعم والحمد لله، ولكن هناك شيء أشعر به في صدري عندما أعمل خيراً من صدقة أو صلاة أو أي شيء أجد نفسي تحدثني بالنفاق، وأنني أنافق ولا أدري كيف أبعد عني هذه الوساوس، خاصة أنني في بعض الأحيان أرى أشياء غير موجودة كأنني أرى رجلاً أو امرأة أو شيئاً يتحرك ليلاً وعندما أمعن النظر لا أجد شيئاً ... أفتونا أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً عنا وعن الأمة الإسلامية كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجاهد نفسك على تحصيل الإخلاص في عملك ومما يعينك على ذلك استشعار عظمة الله سبحانه، وأنه مطلع على ما يدور في صدرك وأنه الذي بيده أمرك كله، فكل حاجة لك إنما تطلب منه سبحانه، وأن من يراك من الناس وأنت على العبادة لا يملك لك ضراً ولا نفعاً، فلماذا إذا يصرف الإنسان أعماله وعبادته لطلب عبد مثله، وانظر الفتوى رقم: 44958، فقد ذكرنا فيها وفي الإحالات ما هو علاج الرياء.
وكذا لا يصح ترك العمل من أجل الناس، وانظر الفتوى رقم: 30366، وعموماً فنصيحتنا لك أن تعمل وأن تجاهد نفسك على الإخلاص لا أن تترك العمل خشية الرياء.
وأما بشأن ما ترى في الليل فلا يهولنّك ذلك لأن أمر المخلوقات من أنس وجن وغيرها بيد الله، وكيف تخاف من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن أن يضرك أنت أو ينفعك، ومن استشعر عظمة الله ومعيته استحيى أن يخاف من غيره، وعلاج ذلك أيضاً المحافظة على ذكر الله تعالى وأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، والله نسأل أن يحفظك وأن يوفقك إلى كل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/5534)
الأولى أي يقيم المرء في المكان الذي ينفع فيه أكثر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ببلدي وأؤدي خدمة طبية ودينية (دعوة) بفضل الله وحمده، هل خروجي للعمل بالسعودية حبا في تربية أولادي في جو بعيد عن البدع وطلب للقرب من الأماكن المقدسة مما سيسهل لي الحج والعمرة هل في ذلك إثم وهل فيه تبديل للنعمة حيث إنني سعيد وناجح وميسور في بلدي بفضل الله عز وجل والحمد لله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مهنة الطب عدها العلماء من فروض الكفاية، وكذا الدعوة إلى الله، وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن البقية، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع بتركه.
وأما الحج والعمرة، فهما فرضان عينيان، يلزمان كل من استطاع إليهما سبيلا.
قال تعالى: [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً] (آل عمران: 97) .
وقال: [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ] (البقرة: 196) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبهما على الفور، ثم إن تربية الأولاد تربية صحيحة ومستقيمة، والبعد عن أماكن البدع إذا تعين طريقا لإصلاح أحوالهم، هو من الفروض أيضا.
وبناء على هذه المقارنة، فإن خروجك إلى السعودية ليس فيه إثم ولا تبديل للنعمة، بل هو واجب عليك لأداء الحج والعمرة إن لم تكن قد أديتهما من قبل، وبعد أداء الواجب، ينبغي أن تقارن بين منفعة الناس بك في الوضعين، فحيث كنت أنفع، فالمقام فيه أحسن، وإن لم يكن واجبا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(9/5535)
طريقة التمييز بين الحلال والحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أعرف الحلال والحرام وكيف أكفر عن الخطأ الذي ارتكبته بصراحة أكثر لقد قمت بتقبيل إنسان محرم علي وتكلمت معه في كلام خارج كلي وجزئي الرجاء إرسال الرد قبل أن أموت من كثرة التفكير وقبل أن أتوه في هذه الدنيا أكثر من ذلك
الرجاء أن تدلني ماذا أفعل لكي لا أغضب الله ثانية وأن أكون عبدة مطيعة لله وقريبة منه
... ... ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطريق معرفة الحلال من الحرام التفقه في دين الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إ ن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
قال الإمام النووي: فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بين واضح لا يخفى حله كالخبز والفواكه والزيت والعسل، وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك، وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب. انتهى باختصار.
وعليه؛ فبإمكانك التعرف على تمييز الحلال من الحرام بتعلم أحكام شرع الله تعالى، فإنما العلم بالتعلم، ثم ما أشكل عليك من أمر فلتسألي عنه أهل العلم حتى يتضح حكمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما شفاء العي السؤال، رواه أبو داود وحسنه الشيخ الألباني.
أما بالنسبة لما صدر منك من معصية عن طريق لقاء الشخص المذكور، وما دار بينكما فالواجب عليك المبادرة بالتوبة الصادقة من حصول العزم على عدم فعل تلك المعصية والندم على فعلها، والإكثار من الاستغفار والطاعات فإن الحسنات يذهبن السيئات، فإذا حصلت التوبة بشروطها فإن الله تعالى يتقبلها لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى:25) وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان:70) ، وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه في سننه وحسنه الشيخ الألباني.
وعلى كلٍ؛ فالواجب عليك مجاهدة نفسك على الاستقامة على أوامر الله تعالى، والبعد عما يؤدي إلى سخطه إضافة إلى الحرص على التوبة النصوح، فإن الله يتقبل توبة التائبين ويفرح بها.
وعليك بالحذر من كثرة الوساوس والأوهام التي هي من كيد الشيطان لإدخال الحزن إلى قلبك.
وكوني على يقين أنك إذا أخلصت التوبة إلى الله تعالى فإن الله سيقبل توبتك ويمحو ما سلف من ذنوبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(9/5536)
الابتلاء بين رفعة الدرجات والعقوبة وتكفير السيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أرجو منكم توجيهي في مسألة تخصني، شاركت جماعة من الناس من أصحاب الإدارة في ميدان الهندسة المعمارية والعمران، فأصبحت تابعاً لهم دون إرادتي، ورغم أن مكتب الدراسات يحمل اسمي لم تكن له أية قدرة على التسيير، فاستعملوني في المهمات الصعبة، علماً بأن المشاريع التي تحصلت عليها وهم شركائي بالكلمة فقط تفوق قيمتها المادية الملايين من الدينارات، ولما طلبت منهم حقي وأجر تعبي الذي لم يقيموه حاصروني وضايقوني وشتموني وهددوني بالقتل، ورفعوا دعاوى قضائية ضدي (7 قضايا) فشلوا فيها كلها، رغم أنهم بددوا في لذلك الأموال الطائلة ومنحوا وأعطوا لإيذائي واتهموني بتبديد الأموال، رغم أنهم على علم بعوزي، والحمد لله فشلوا في كل ضروبهم، ورفضت التعامل معهم لتيقني من بطلان ما صنعوا، سؤالي فضيلة الشيخ هو: هل أنا في ابتلاء من عند الله سبحانه وتعالى، إذ ابتلائي بنقص في المال، إذ أعاني الفقر حتى أنه ولدت لدي بنت أحببتها كثيراً، لم أستطع أن أعق عنها، وهم يتمتعون ويفرحون ... أم ما حدث لي من نقص في المال ولمدة ثلاث سنوات لمعصية اقترفتها ولا أعلمها.. الحمد لله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالابتلاء منه ما يكون رفعة للدرجات ومنه ما يكون عقوبة على بعض المعاصي، وما كان عقوبة على بعض المعاصي فهو تكفير للسيئات أيضاً، فاصبر واحتسب.
وعموماً فنصيحتنا لك مذكورة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10454، 6074، 29463.
وكن مجدداً للتوبة والاستغفار دائماً، وأما عن العقيقة فإنها سنة لمن قدر عليها وليست واجبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(9/5537)
الإيمان والعبادة رأس مال العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضرتك الدعاء لي بأن يرزقني الله العقيدة وأن يهديني ويشرح صدري للإسلام أنا أحمل اسم المسلمين فقط وأرجو الدعاء لي كثيرا لأني أكثرت من المعاصي والكبائر، ومحتاج الدعاء لي بالهداية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحفظك من كيد الشيطان وأن يجعلك من عباده المؤمنين وأن يرزقك إيماناً صادقاً ويقيناً ثابتاً، واعلم أخي: أن إيمان المؤمن بربه وعبادته له رأس ماله الذي يقدم به على الله تعالى، فمن جاء بالإيمان أفلح وأنجح، ومن جاء بغير إيمان كان من حطب جهنم.
وقد حشد الله كتابه المسطور (وهو القرآن) وكتابه المنظور (وهو الكون) بالحجج الواضحات والآيات البينات الدالة على ربوبيته وألوهيته، فَتَعلُّم هذه الحجج من المهمات التي ينبغي الحرص عليها والسعي إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(9/5538)
الفرق بين ابتلاء التمحيص وابتلاء العقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نميز بين الابتلاء والعقاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبلاء تارة يكون عقاباً، وتارة يكون تمحيصاً واختباراً، كما بينا في الفتوى رقم: 13270.
ويمكن لمن نزل به البلاء أن يميز بينهما بالنظر إلى حاله، فإن كان صحيح الإيمان مستقيماً متحرياً للخير فإن هذا البلاء للتمحيص، وإن كان حاله بخلاف ما ذكرنا فإن هذا البلاء قد يكون عقوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(9/5539)
من عاود الذنب فليعاود التوبة ولا ضير
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أرتكب الذنب بدون تفكير لكن بعد الانتهاء منة أتضايق وألوم نفسي على ما فعلت وأقول لماذا وتبا لي وتريد أن يسامحك الله وأستغفر ربي كثيرا وعلى العلم أني إنسان محافظ على صلاتي وأغلب صلواتي في المسجد وأقرأ القرأن ودائما أذكر الله ولان يأتي الشيطان ويخرب كل ما افعلة فماذا افعل ارجوكم لا تهملوا رسالتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتضايقك من فعل الذنب ولومك نفسك وتوبيخها وندمك واستغفارك دليل على صدق التوبة وقبولها بإذن الله.
واعلم أن العبد يحتاج إلى مجاهدة النفس والشيطان حتى لا يقع في الذنب، فإذا حصل أن ضعف ووقع في الذنب، فإنه يتوب ويندم ويستغفر، وإن عاود ذلك فليعاود التوبة، فإذا كان هذا حاله، فهو على خير إن شاء الله.
وراجع التفاصيل في الفتويين التاليين: 4403، 7427.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(9/5540)
يحسن بالعبد كلما تذكر ذنبه أن يستغفر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ارتكبت أشياء كثيرة تخرج من الملة والعياذ بالله، ولقد تبت والحمد لله ولكني في كل مرة أتذكر شيئاً من هذه الأفعال، فهل علي أن أغتسل وأشهد الشهادتين من جديد وأنا غير متأكد من أن توبتي صحيحة، وإذا لم تقبل توبتي ومت سأموت على الكفر والعياذ بالله، وهل علي إعادة ما تركته من صلاة وصيام في تلك الفترة؟ وجزاكم الله خيراً، وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مما فعلت أمور تقضي بردتك عن الإسلام وخروجك منه ثم أسلمت ونطقت الشهادتين، فلا يلزمك عند ذكر تلك الذنوب فيما بعد تجديد الإسلام مرة أخرى ولا الاغتسال، ولكن يحسن بالعبد كلما تذكر ذنبه أن يندم عليه وأن يستغفر منه، وقد جاء في تفسير الطبري لقوله تعالى: فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا، عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال في الأواب: الذي يتذكر ذنوبه فيستغفر الله لها.
ولا تترك للشيطان مدخلاً ليوقعك في اليأس والقنوط بل اجعل ظنك بالله حسناً، وانظر الفتوى رقم: 21894، والفتوى رقم: 25606.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(9/5541)
من أعظم الشكر على نعمة التوبة المحافظة عليها بدوام الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت أحب مشاهدة الأفلام الجنسية وغيرها في مختلف الوسائل لكن في رمضان التزمت والحمد لله وتبت إلى الله توبة نصوحاً بعد رمضان، ومع مرور الأيام بدأت تلك الصور الخليعة تأتيني وتؤثر علي كما أصبحت أتخيل الفتيات عرايا وفي وضع جنسي، وتعدى ذلك إلى أفراد عائلتي علماً بأنني أحاول أن أقاوم ولكن بلا فائدة أحياناً هل أنا آثم لهذه التخيلات، وماذا أفعل لتزول وتذهب عني ذلك، علماً بأني أحب أن أتمسك بديني وأخاف أن أعود إلى ما كنت عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنك بتوبتك من مشاهدة هذه الأفلام قد سلكت سبيل الجادة ولزمت طريق الصواب، وهذه نعمة تستوجب شكر الله تعالى عليها، ومن أعظم الشكر على هذه النعمة محافظتك عليها بدوام الاستقامة، وعدم الوقوع في الردى بعد سلوك سبيل الهدى، ولا ريب أن هذا مما يغيظ الشيطان، فأراد أن يفسد عليك توبتك ودينك بمثل هذه الخواطر، والتي إذا قمت بمدافعتها وعدم التأثر بها، فإنها لا تضرك، روى أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء، لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. وأما إذا استقرت هذه الخواطر في القلب واستلذت بها نفسك، فإنك تؤاخذ بها، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سولم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. فكن يا أخي على حذر من هذه الخواطر، وجدد التوبة، واتخذ الوسائل التي تعينك على الثبات على الحق من لزوم المساجد، وتلاوة القرآن، ومصاحبة الأخيار، وتذكر العاقبة والمآل، والوقوف أمام العزيز الجبار، نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 7007، والفتوى رقم: 15558.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1425(9/5542)
الداعي إلى معصية الله على خطر عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة على رسول الله
مشكلة مع والدة وهي كالتالي أخو زوج أختي جاء عندنا وطلبت أمي من زوجتي أن تسلم على أخي زوج أختي فرفضت ومن هدا اليوم بدأت أمي لا تكلمني ولا تحب أن تراني
أفتوني مأجورين إن شاء الله
وفي الأخير قدموا نصيحة لأمي حتى تقتنع بهذا التصرف وما هو العمل الواجب مني القيام به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تصافح رجلا أجنبيا عنها، ولا يجوز للرجل المسلم أن يصافح امرأة أجنبية عنه، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 43299.
وعلى هذا، فما فعلته زوجتك هو الواجب عليها، ولا يجوز لوالدتك أن تغضب من تصرف زوجتك، فإن الغضب من تصرفها يعني الغضب من طاعة الله، ونصيحتنا للوالدة الكريمة –وفقها الله إلى طاعته- أن تفرح باستقامة زوجة ابنها وأن تعينها على طاعة الله، لا أن تدعوها إلى معصية الله، فإن الدعوة إلى معصية الله من أكبر المحرمات، وصاحبها على خطر عظيم، ولذا، فيجب عليها أن تتوب إلى الله وتدع هجر ابنها وزوجته، والواجب عليك أن تدعم موقف زوجتك، وأن تترفق في بيان الحق لوالدتك، واستعن على ذلك بالله ثم ببعض أهل الخير والصلاح ممن تحترمهم الوالدة، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(9/5543)
بعيد عن الإيمان ويريد أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب من حضرتك الدعاء لي بشدة لأني محتاج إلى الدعاء لأن يجعلني الله من المسلمين وأن أسير على طريقة السلف علما بأني غير موفق بأي طاعة وكثير المعاصي والكبائر وأرجو أن تدعو لي كثيرا لاأني لا أعرف أعمل لنفسي حاجة والوقت بيمر بسرعة وكلما أسمع القرآن أتحسر على نفسي ولا أعمل حاجة فادعو لي لعل الله يستجيب منك وأهتدي وينقذني من الضلال ويصلحني وينقذني من الغفلة التي أنا فيها ادعو لي كثيرا وجزاكم الله خيرا
علما لحضرتك أنني لم أحمل من الإسلام غير اسمه فقط وليس لدي عقيدة
فأرجو أن تدعو لي بالإيمان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهديك ويشرح صدرك، وأن يتوب عليك وأن يرزقك إيماناً كاملاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وراجع للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 2205 / 10800 / 6342 / 43151 / 41594.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(9/5544)
ثناء الناس لا يؤثر في الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أنوي عمل شيء معين بقصد الأجر والثواب من الله حتى نثاب على أعمالنا كلها ولا تذهب حياتنا سدى أشعر في نفس التوقيت بوجود نية أخرى، مثال ذلك عندما أتودد إلى أهل زوجي بالهدايا بغرض أن أنال رضاه ومن قبله رضا الله تعالى في حسن تبعله تخطر ببالي فكرة أن أظهر بمظهر أحسن منهم، وأستعيذ بالله من هذه الأفكار، ولكني أحس أن عملي أحبط، وهكذا في أمور كثيرة حتى الصلاة والكلام مع الآخرين عن الدين بغرض التعلم أو الإرشاد أحس بداخلي أنني أتحدث بغرض أن أظهر بمظهر المتدين، ولكن ضميري يؤنبني على ذلك، ويعلم الله إنني أريد رضاه، ولكن يتدخل الشيطان بعقلي حتى أحسست أن كل أعمالي لا تقبل بسبب الرياء والنفاق، مع العلم بأن ذلك لا يجعلني أتوقف ولكن يشعرني بالإحباط وأقول إنني مهما فعلت فلن يقبله الله مني، ولكني سوف أفعل وليفعل الله ما يشاء، أحس بضيق كبير بسبب هذا حتى علاقتي وبري بأهلي مع حبي لهم الشديد، وتكون نيتي في البداية هي صلة الرحم ولكن يخطر ببالي أنني عندما أفعل ذلك ستحسن سيرتي بين أهلي الأمر الذي يقتلني من داخلي، أفيدوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب عليك عند ابتداء أي عمل صالح حسن القصد والنية الصالحة، لأن الإخلاص من أهم الأسس التي يقوم عليها قبول العمل، فإذا أحسنت القصد ابتداء، وطرأت عليك بعض الخواطر، لتفسد عليك نيتك فاعلمي أن هذا مدخل للشيطان ليقطعك عن هذا العمل، فالواجب عليك مدافعة هذه الخواطر، وحينئذ فإنها لا تضرك، وراجعي لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 30366، والفتوى رقم: 18265.
واعلمي أن ما يقع من حب الناس لك أو ثنائهم عليك لا يؤثر على الإخلاص، ما دام أصل النية قصد وجه الله تعالى، بل إن هذا الحب والثناء علامة خير لك، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن. واعلمي كذلك أن من صفات المؤمنين أنهم يعملون الأعمال الصالحة، ويخافون أن لا تقبل منهم، روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون: من الآية60) ، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات.
وقد أحسنت بارك الله فيك في الاستمرار في العمل وعدم تركه بسبب هذه الوساوس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(9/5545)
الفرق بين التوبة والتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين التوبة والتوبة النصوح؟ وهل إذا أخطأت وتبت وثم عاودت الخطأ،هل هذا لا يعتبر توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة عموماً هي ما توافرت فيها الشروط المذكورة في الفتوى رقم: 29785، وأما عن معاودة الذنب بعد التوبة فقد تقدم الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 1909.
وأما عن التوبة النصوح فيقول القرطبي في تفسيره: 18/197: اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاث وعشرين قولاً، فقيل هي التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه، ويستغفر منه إذا ذكره، وقيل هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها، وقيل هي التي لا يحتاج معها إلى توبة، وقال الكلبي التوبة النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإقلاع عن الذنب والاطمئنان على أن لا يعود، وقال سعيد بن جبير هي التوبة المقبولة ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط: خوف ألا تقبل ورجاء أن تقبل وإدمان الطاعات، وقال سعيد بن المسيب: توبة تنصحون بها أنفسكم، وقال القرظي يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الخلان، وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة، القلة والعلة والذلة والغربة، وقال الفضيل بن عياض: هو أن يكون الذنب بين عينيه فلا يزال كأنه ينظر إليه، ونحوه عن ابن السماك أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك، وقال أبو بكر الوراق هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت وتضيق عليك نفسك كالثلاثة الذي خلفوا، وقال أبوبكر الواسطي هي توبة لا لفقد عوض لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلباً لرفاهيتها في الآخرة فتوبته على حفظ نفسه لا لله، وقال أبو بكر الدقاق المصري: التوبة النصوح هي رد المظالم واستحلال الخصوم وإدمان الطاعات، وقال رويم هو أن تكون لله وجهاً بلا قفاً كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه، وقال ذو النون علامة التوبة النصوح ثلاث قلة الكلام وقلة الطعام وقلة المنام، وقال شقيق: هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندامة لينجو من آفاتها بالسلامة، وقال سري السقطي: لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين، لأن من صحب توبته أحب أن يكون الناس مثله، وقال الجنيد: التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبداً لأن من صحت توبته صار محباً لله، ومن أحب الله نسي ما دون الله، وقال ذو الأذنين هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح وقلب عن المعاصي جموح، وقال فتح الموصلي علامتها ثلاث: مخالفة الهوى وكثرة البكاء ومكابدة الجوع والظمأ، وقال سهل بن عبد الله التستري هي التوبة لأهل السنة والجماعة، لأن المبتدع لا توبة له بدليل قوله صلى الله عليه وسلم حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب. ا. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(9/5546)
يندب للإنسان أن يأتي من السنن حسب قدرته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دليل (حديث) أنه إذا استخدم أحد المسلمين شيئاً من السنة مثلا (السواك) فعليه أن يفعل كل الأشياء الباقية من السنة (تطويل الشعر) .......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيندب للإنسان الإتيان بالسنن كلها حسب قدرته لأنه يثاب عليها وترفع بها درجاته، ولم نقف على دليل يدل على أن من أتى ببعض السنن فعليه الإتيان بالسنن الأخرى، وأما تطويل الشعر ففيه تفصيل، فمن الشعور ما أمر الشخص بتركه كشعر اللحية، ومنها ما أمر بإزالته كشعر الشارب والإبط، ومنها ما حرمت إزالته كشعر الحاجب، ومنها ما هو مباح كشعر الرأس، ولو تركه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم أثيب على ذلك، ولا يُقال إن تطويله سنة شرعية، وإنما هو من سنن العادات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/5547)
أنواع البلاء وأسبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يعرف المسلم أن ضيق العيش ابتلاء من الله للمؤمن أم غضب عليه؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] .
والبلاء تارة يكون لمحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا وصب ولا نصب ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
ويكون لرفع الدرجات كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، كما في الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
ويكون تارة لتمييز المؤمنين عن المنافقين، قال الله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] .
ويكون عقابا للمؤمن على بعض ما ارتكبه من الذنوب، روى ابن ماجه وأحمد من حديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.
فالمسلم الحاذق الفطن الذي سخر نفسه لطاعة الله يمكن أن يدرك سبب ما يصيبه من البلاء، لأنه إما أن يأتيه بعد اقتراف شيء مما نهى الله عنه، أو تفريط فيما أمر به، أولا يكون له سبب من ذلك فهو إذاً لرفع درجاته. وأما المنغمسون في المعاصي، دون توبة فإن الله قد يعجل لهم العقوبة في الدنيا غضبا عليهم وسخطا، ثم إذا ماتوا على المعصية كانوا في مشيئته يعاقبهم أو يعفو عنهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/5548)
يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن الإنسان يجب أن لا يضمن قبول صلاته، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام فهي الركن الثاني منه فليس قبلها إلا الشهادتان، فالواجب الاجتهاد في فعلها مكتملة الشروط تامة الأركان والواجبات، إضافة إلى الإتيان بسننها ومندوباتها مع الخشوع فيها وحضور القلب، والابتعاد عما يؤدي إلى بطلانها.
فإذا حصل هذا كله فلا يمكن للإنسان الجزم بأن الله تعالى قد تقبلها منه، بل عليه أن يفوض ذلك إلى الله تعالى، فقبول العمل إنما يتم بتوفيق من الله تعالى وتفضل منه، إضافة إلى أن العمل في حد ذاته لا يكون سبباً في دخول الإنسان الجنة، فلا تدخل الجنة إلا بالتكرم من الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا. متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
وقد ذكر الله تعالى أن من صفات عباده المتقين كونهم يخشون أن لا يتقبل الله تعالى منهم ما يفعلونه من الطاعات، حيث قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] ، وفي تفسير ابن كثير: أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل، قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات. انتهى، وراجعي الفتوى رقم: 28592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/5549)
من تمام التوبة قضاء الصلاة والصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود التوبة إلى الله بأسرع وقت ممكن. لقد كنت فيما مضى في غفلة عن ديني فلم أكن أصلي، وكنت أرتكب العديد من المعاصي والكبائر، حتى إن بعض أيام رمضان كنت أفطرها عمداً ليس بالطعام أو الشراب ولكن ببعض المعاصي والكبائر التي تفسد الصيام دون علمي بأنها تفسده. وقد أقلعت عن هذا منذ ثلاث سنوات وانتظمت على الصلاة والصوم وأقلعت عن كثير من المعاصي والكبائر.
هل كنت أعتبر في هذه الفترة الماضية كافرة وعندما عدت لله فقد أمنت وسقطت عني هذه الذنوب عني أم لا؟
وإن كان لا فأريد أن أعرف كيف أكفر عما فعلته فيما مضى؟
وكيف أؤدي الفروض التي تركتها وأنا لا أذكرها؟
وأرجو منكم الاستغفار لي والدعاء بالرحمة والمغفرة والهداية إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى مما فرطت فيه، ولا يتم ذلك إلا بالندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه أبدا واستدراك ما يمكن استدراكه، ومما يمكن استدراكه قضاء الأيام التي أفطرتها في رمضان إن كنت قد فعلت ما يفسد الصوم، ولمعرفة ما يفسد الصوم راجعي الفتوى رقم: 7619، ويجب حساب الأيام التي يراد قضاؤها بالتحديد، فإن لم يمكن التحديد فلتحسبي الأيام بغلبة الظن، ويجب قضاء الصلوات الفائتة في الأرجح من أقوال الفقهاء، ولتراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26142، 25606، 12700.
ولتعلمي أن المسلم لا يكفر بكل المعاصي، بل أكثر المعاصي لا يكفر فاعلها إلا إذا استحلها، وبناء على ذلك، فالواجب عليك هو ما ذكرناه في صدر الجواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/5550)
عدم غفران ذنوب المتشاحنين ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أقارب (أهل والدتي) كنا والحمدلله متفاهمين ومتحابين وكان والدي يساعدهم بإعطائهم المال لأن منهم فقراء والبقية ميسرو الحال. وصارت لنا سالفة سوء تفاهم فقط بين والدتي وأختها وعندئذ ذهبنا إليهم وأردنا أن نحل المشكلة فلم يستجيبوا لنا فبدؤوا بضربنا أنا ووالدي وأخي وبعدها أدى ذلك إلى أن قطعنا صلتنا بهذه العائلة كلها لأن العائلة اتفقت على أننا اعتدينا عليهم وحاولنا أن نبين أن هذا مجرد كلام نساء لكن دون جدوى فقطعونا وقطعناهم جميعاً علماً بأنهم غلطوا علينا بالسب والشتم والضرب ونحن لم نفعل لهم شيئاً والله شاهد على ما أقول إلى هذا وصلت بنا الإهانة منهم بعد أن صرف والدي عليهم مبالغ كثيرة وما قصرعليهم في شيء
فماذا نفعل الآن بعد أن قطعونا ونحن كل عيد لا نجتمع مع أحد كلنا جالسون في بيتنا لا أحد يأتينا ويعلم الله أننا محتسبو الأجر عند الله عز وجل ونحن والحمدلله لم نغلط عليهم ولم نتكلم فيهم
هل صحيح أن عملنا لا يقبل إلا إذا رجعنا إليهم علما بأن والدي ووالدتي تبرءا منهم
ماذا نفعل الآن.... أفيدونا جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم مقاصد الشرع وقوع الألفة والمودة والمحبة بين المؤمنين، ولاسيما من كانت بينهم رحم، فإن الواجب عليهم وصلها، ويحرم عليه قطعها، وقد وردت بشأن الرحم نصوص عظيمة في الكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (محمد:22-23) ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال للرحم: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد أحسنتم في سعيكم إلى توضيح الأمر لهم، ونرى أن تستمروا في المحاولة، فإن الصلح خير، واستعينوا في سبيل تحقيقه بأهل العلم والرأي عندكم، وبكل من ترجون أن يكون لقوله تأثير عليهم، فلعل الله تعالى يجعل عاقبة هذه المساعي خيراً، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية: 2352 / 4417 / 16726.
وأما عدم غفران الذنوب للإخوة المتشاحنين والذي ورد به الحديث، فلا يشملكم ما دمتم قد بادرتم بطلب الصلح وكان الرفض من قبلهم هم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1425(9/5551)
التحدث بالمعصية على سبيل الرضا بها لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف كيف الجمع بين ذم النبي صلى الله عليه للمجاهرين بالمعصية وبين فعل الصحابة من الحديث عن أمور الجاهلية ويضحكون والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المجاهرة بالمعصية والتحدث بها أمر محرم، لما روى البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ... الحديث.
والحق أنه ليس في هذا تعارض مع ما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة وفيه: وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم صلى الله عليه وسلم، ووجه ذلك أن المجاهر من غير الصحابة يذكر ذلك على سبيل الرضا بالمعصية والتعلق بها، بل قد يصل بعض العصاة إلى اعتبار فعل ذلك شرفاً يستدعي منه التصريح به ليرى السامع أنه فعل ما لم يفعله غيره، ومن كان هذا حاله فإنه يتوجه إليه الوعيد الوارد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أما تحدث الصحابة بأمر الجاهلية، وكذا من في حكمهم ممن يدخل في الإسلام فيكون على سبيل ذكر نعمة الإسلام عليهم، حيث أخرجهم الله به من الضلالة إلى الهدى، ومن العمل بأعمال تخالف العقل والفطرة كالسجود لأصنام لا تنفع ولا تضر، ويتضح هذا جلياً من قولهم، قال صاحب تحفة الأحوذي: ومن جملة ما يتحدثون به أنه قال واحد ما نفع أحدا صنمه مثل ما نفعني؟ قالوا كيف هذا؟ قال صنعته من الحيس فجاء القحط فكنت آكله يوماً فيوما، وقال آخر: رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس صنم لي وبالا عليه، فقلت: أرب يبول الثعلبان برأسه، فجئتك يا رسول الله وأسلمت.
ومن هذا يتضح عدم التعارض بين الأمرين والحمد لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(9/5552)
لا طمأنينة للعبد ولا سعادة إلا في الإيمان والعمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبرماته
أنا بنت عمري24 سنه مررت بحياة مليئة بالمشاكل منذ وعيت على الدنيا وأذكرها بالتفصيل منذ كان عمري سنة تقريبا ومن نتائجها أنه أنا وعائلتي نعاني من ضغوط وأمراض نفسية غير الشتات الذي نعيشه حاولت بكل الطرق أن أجد حلا لمشاكلي كل الطرق مسكرة بوجهي ما عندي أهل يسمعوني لا أب ولا أم ولا إخوة وحيدة بهذه الدنيا وأبغي أحدا ينصحني لأنه عندي مشاكل تشيب الرأس مثل ما يقولون عنها مشاكل الدنيا والدين..مع العلم بأني أقرا القرآن ومحافظة على صلاتي وعلى قراءة الأذكار وكثرة الاستغفار..الحمد لله على كل حال لكني أحس محتاجة لأحد يدلني أين الصواب؟ مشاكلي محتاجة لطبيب نفسي ولشيخ دين ومصلح اجتماعي..ويمكن إذا ما لقيت أحدا يقدم لي الحل أموت من قهرتي على أهلي أرجوكم دلوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن ينور قلبك ويشرح صدرك ويصلح أهلك ويجمع شملكم على طاعته، والحل للمشاكل التي تعانون منها هو العودة إلى الله تعالى والابتعاد عن معاصيه، فلا سعادة ولا طمأنينة للعبد إلا في الإيمان والعمل الصالح.
قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل:97) وقال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (طه:124) ...
فما يصيب الشخص من ضيق وكرب وتفاقم المشاكل ونحو ذلك فبسبب ذنوبه ومعاصيه، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى:30) والنصوص في هذا كثيرة.
وعليه.. فأول خطوة هي أن تصلحي ما بينك وبين الله وتجتهدي في إصلاح أهلك، والخطوة الثانية أن تستعيني ببعض الصالحين في حل مشكلتك بعد تعريفه بكل ملابسات المشكلة ولا حرج أن تتقدمي بطرح المشكلة مفصلة في قسم الاستشارات في الشبكة الإسلامية.
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(9/5553)
كثرة الاستغفار مظنة إنجاب الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أغضبت الله وأنا في سن المراهقة ثم تبت إلى الله وتزوجت رجلا فاضلا ولكن لم أنجب مع أنني متزوجة منذ أربع سنوات فهل هذا عقاب من الله على ما اقترفته من ذنب وماذا أفعل ليعفو عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الذنوب سبب للحرمان من الرزق، كما ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من رحمة الله بعباده أن فتح باب التوبة.
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (الزمر:53-54) .
أما عن الربط بين معصيتك وعدم الإنجاب، فليس لأحد أن يقول ذلك لأن هذا من علم الغيب، ونقول للسائلة عليك بالصبر والاستغفار، قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارا ً (نوح:10-12) .
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتويان رقم: 22213، و 25874.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(9/5554)
صوم عرفة وعاشوراء هل يكفر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صيام يوم عرفة أو عاشوراء يكفر الكبائر كالزنا مثلا؟ أرجو إفادتي..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية. قال النووي رحمه الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث: معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، فإن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجاته.
ومما يدل على كون هذا خاصاً بالصغائر دون الكبائر شيئان أحدهما ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مفكرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
والثاني أن الكبائر لا بد لها من توبة، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 34468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/5555)
وسائل الاتصال الحديثة.. بين شكرها وكفرها
[السُّؤَالُ]
ـ[كثرت في هذه الأيام رسائل الحب والغرام (رسائل جوال)
فأريد أن أبين فضل الرسائل الإسلامية والدعوية وأريد أيضا أن أعرف عن رسائل الحب والغرام ماذا تفعل بصاحبها، فأريد منكم إجابة مقنعة حتى أستطيع أن أقنع من حولي بها
وأحاول نشرها في كل مكان فأرجو أن تكون الإجابة شافية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم نعم الله تعالى على خلقه أن يسر لهم سبل الاتصال بوجود هذه الأجهزة من هاتف محمول أو شبكة الإنترنت وغيرهما، وشكر كل نعمة بحسبها، فشكر مثل هذه النعم يكون بتسخيرها في طاعة الله تعالى، والدعوة إلى منهج الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذا أمر متيسر، وعاقبته الخير، قال الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران:104) ، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ... الحديث، فحري بالمسلم أن يشكر ربه على هذه النعمة ليبارك له فيها، وليزيده من فضله، قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (ابراهيم: من الآية7) .
وإن من كفران هذه النعمة تسخيرها في معصية الله تعالى، بمثل ما ذكر السائل من رسائل الحب والغرام التي هي من فتح باب الشر على شباب وشابات المسلمين، وقد توعد الله تعالى من يسعى إلى نشر الفاحشة في مجتمع المسلمين بقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (النور: من الآية19) ، فليتق الله من اتخذ هذا النهج سبيلاً، وليعلم أن عاقبة ذلك الندم، وزوال النعم، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (النحل:112) .
ونرجو مراجعة الفتاوى: 5707 / 9360 / 5219. لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/5556)
التوبة من حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[أتقدم لسيادتكم بسؤال يكاد يهدم حياتي وهو أني أخطأت كثيرا في حق الله وحق العباد وأعلم أني عندما أتوب إلى الله وأعمل عملا صالحا مع الصدق يغفر لي الله ولكن ما هو الحال مع العباد فهو لا يرفع إلا بعفو العبد وأنا لا أستطيع رد المظالم إلى أهلها وأناأخاف من الله ومن عذاب يوم القيامة ومن ضمة القبر ما هو الطريق الذي أتأكد منه أن الله سامحني وتاب علي وما هو حال التوبة مع الكبائر هل يوجد ما يتأكد منه الإنسان أن الله تاب عليه إني أريدأان أقابل الله بريئا من الذنوب هل لي ذلك أفيدوني وأنقذوني والله إني أتوب إلي الله وأندم وأبكي ثم أعود
بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن التائب حبيب الله عز وجل، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين َ (البقرة: 222) .
فاصدق الله يصدقك، واستعن به ولا تعجز ولا تقنط، فليس من خلق المسلم القنوط.
قال تعالى: لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون َ (يوسف: 87) .
وما جنيته من عظائم وكبائر حقير في جانب عفو الله عز وجل، فإن عفو الله من ذنبك أعظم، وإذا كانت رحمته وسعت كل شيء كما قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ٍ (الأعراف: 156) . أفلا تسعك؟!
وأما ما يتعلق بحقوق العباد، فما كان منها حقوقا مادية وجب ردها إلى أصحابها أو طلب العفو منهم، فإن لم يسامحوا وعجزت تماما عن رد حقوقهم، فقد فعلت ما تقدر عليه ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن: 16) . وإذا علم الله صدقك في رد تلك الحقوق، ردها عنك وتكفل لك بأصحابها يوم القيامة، وأما إن كانت هذه الحقوق مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب وغير ذلك، فقال مالك والشافعي: يجب أن يبرأ من أصحابها، بينما ذهب غيرهما إلى أنه يكفي منها الاستغفار والدعاء لهم، وهذا هو الراجح، كما بيناه في الفتوى رقم: 18180.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(9/5557)
من الأفضل للمرء عدم قطع ما اعتاده من فعل الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل وأخصص مبلغا من مرتبي لبعض الأقارب على سبيل كفالة أيتام ولكني علمت لاحقا أنهم يأخذون معاشا أرى أنه من الممكن أن يكفيهم ذل السؤال، ثم تركت العمل فهل انقطاعي عن إعطائهم المبلغ المعتاد من المال يعد إثما وهل هم يعتبرون من الذين يستحقون الكفالة؟
أرجو إفادتي حيث أن هذا الموضوع يشكل عبئا نفسيا كبيرا علي. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفالة اليتيم من القربات التي يعظم ثوابها عند الله تعالى، فقد ثبت الترغيب في فعلها في الحديث المتفق عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئاً.
فإذا كنتِ قد تطوعت بذلك المبلغ فهذا عمل طيب تثابين عليه إن شاء الله تعالى، ولا يجب عليك الاستمرار فيه سواء كان الأيتام المذكورون يحصلون على مكافأة أم لا؟
والمكافأة التي يتقاضاها أولئك الأيتام إن كانت تكفي لتوفير جميع حاجاتهم الضرورية فتعتبر كفالة لهم، ولكن من الأفضل في حقك والأكثر ثواباً عند الله تعالى عدم قطع ما اعتدتِ عليه من فعل الخير خاصة إذا كان ما يحصل لهؤلاء اليتامى لا يكفي لسد حاجاتهم الأساسية، وتذكري قول الله تعالى: وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم.
وقوله تعالى أيضاً: وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1424(9/5558)
كثرة التوبة من الأمور المحمودة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم التائب لعدة مرات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كثرة التوبة من الأمور المحمودة عند الله، روى الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. والمنهي عنه إنما هو الإصرار على الذنب، أما الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ويتوب ويتكرر ذلك منه، فإن فعله ذلك محمود، بل التوبة واجبة عليه كلما أذنب ولو تكرر ذلك. ويمكنك أن تراجع الفتوى رقم: 24031، فإن فيها تفصيلا جيدا لحكم التائب الذي يعود للذنب كل مرة ثم يتوب منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(9/5559)
من شؤم الذنب أن يحرم صاحبه الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما لايكون معي نقود أكون عصبي المزاج وأبتعد عن الصلاة كذلك حين يتيسر الحال أبتعد عنها وأنا من محدودي الدخل وأحتاج إلى من يشدني إلى الطريق الصحيح ولكني لا أجد الوقت الكافي لأنني أعمل في وظيفتين صباحا ومساء فهل ترشدني إلى الصواب إبراهيم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ترك الصلاة أمره خطير، لأنه كبيرة من أكبر الكبائر قد تصل بصاحبها إلى حد الكفر والعياذ بالله تعالى، وقد بسطنا القول في عقوبة تارك الصلاة في الفتوى رقم: 6061، والفتوى رقم: 11207.
وعليه؛ فالواجب عليك المبادرة إلى إقامة الصلاة في مستقبل أيامك، والتوبة إلى الله تعالى مما حصل منك من تقصير في ترك هذا الركن العظيم.
ثم إنه ينبغي أن تعلم أن من أسباب التيسير في الأمور وجلب الرزق تقوى الله تعالى، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يتَوكلْ علَى اللهِ فَهُو حسْبُه (الطلاق:2-3) بخلاف المعصية فإنها سبب في ضيق الحال والمصائب، قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى:30) ، ومن شؤم الذنب أنه يحرم صاحبه الرزق، روى ابن ماجه وقال في الزوائد إسناده حسن وصححه السيوطي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. وذكر عن الفضيل بن عياض أنه قال: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(9/5560)
حكم جمع الطوابع البريدية والبطاقات وتبادلها مع الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاسلام في هواية جمع وتبادل بعض الهوايات كالطوابع البريدية والبطاقات البريدية ,علما بأنني أتبادلها مع أشخاص مسلمين وغير مسلمين من مختلف دول العالم ... مع العلم بأنني أنفق بعض الأموال في هذا الأمر. من فضلكم أرجو إجابة مفصلة للموضوع جزاكم الله خيرا ووفقكم لخدمة الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمع الطوابع والبطاقات البريدية وتبادلها مع الناس ينظر فيه، فإن كانت تحتوي على صور محرمة أو رموز لأهل الشرك، أو كانت فيها موسيقى، فإنه لا يجوز جمعها ولا تبادلها مع الناس، وإن كانت سالمة من ذلك فلا حرج في جمعها، ولا تبادلها مع الناس، إلا أنه يجدر التنبيه على بعض الأمور:
1-أن المسلم يجب عليه المحافظة على ماله ووقته، فلا يجوز له أن يضيعهما في ما لا يجوز وما لا تترتب عليه فائدة، وذلك لما في الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. روه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال. رواه البخاري.
2-أن المسلم لا تجوز له مصادقة من لا تزيد مصادقته قرباً إلى الله، لما في الحديث: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
3-أنه لا يحق لمؤمن بالله واليوم الآخر يرى حال الأمة الآن وما تعيشه من جهل وضعف، أن يضيع وقتاً أو طاقة إلا في تعلم علم تحتاجه أمته أو كسب مال يعين به ملهوفاً أو يساعد مكروباً، أو يكفل يتيماً أو أرملة.
4-أن بعض الجهات المشبوهة تبذل جهوداً مضنية في سبيل شغل أوقات المسلمين، وصرف طاقاتهم في التوافه من مسموعات أو مرئيات أو اهتمامات دنيئة عن واجباتهم الكبرى تجاه أمتهم وشعوبهم، فعلينا أن نتنبه لذلك، وأن لا نضيع أموالنا ولا أوقاتنا في ما لا يفيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(9/5561)
الصحبة في بلاد الغربة
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام بارك الله فيكم على كل ما تبذلونه من جهد في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين في شتى أقطار المعمورة، وقد استفدنا كثيراً من كل ما تقدمونه لنا خصوصا ونحن في بلاد الغربة، ولكن هناك سؤال يراودني دائما وهو:
أنا شاب ملتزم ولله الحمد أدرس في بلد أجنبي وينقصني كثرة الأصدقاء المسلمين إذ أننا هنا طلاب قلائل لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، ولكن للأسف الشديد معظم هؤلاء الشباب هواياته الشات والتحدث مع البنات والخروج معهن والمجاهرة بالفواحش دون أي حرج، فهل يجب علي قطع علاقتي معهم وما حكم الشرع في ذلك، علما بأنني هنا في بلاد الغربة ويصعب علي العيش وحيداً دون صديق أتكلم معه، أفيدونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22005، 9163، 23215، 24857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(9/5562)
التوبة تغسل الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد غسل عن السرقه؟ مع ذكر دليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نعلم دليلاً صحيحاً يوجب على السارق غسلاً حسياً، ولكن يجب على السارق أن يغسل هذا الذنب بالتوبة إلى الله عز وجل ويرجع الحق إلى أهله, والدليل على أن التوبة تغسل الذنوب وتطهرها قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(9/5563)
الرضا عن الله تعالى من أعظم المقامات
[السُّؤَالُ]
ـ[الرضا عن جميع المخلوقات
الرضا عن الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا المراد من هذا الكلام، ولكن على وجه العموم فإن الرضا عن الله تعالى مقام عظيم، ومن أحب أعمال القلوب إلى علام الغيوب، وقد أثنى الله تعالى به على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (التوبة: من الآية100) ، ويحكى عن داود الطائي أنه قال: الزاهد في الدنيا لا يحب البقاء فيها، وأفضل الأعمال الرضا عن الله.
ومن أهم أسباب حلول هذا الرضا بالقلب استشعار العبد نعم الله عليه، قال الطبري في تفسيره عند الآية المذكورة آنفاً: ورضي عنه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه، وإيمانهم به وبنبيه عليه السلام. انتهى.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم إني أسالك الرضا بعد القضاء. رواه أحمد، وقال الألباني في ظلال الجنة: صحيح لغيره، وهذا المقام وهو الرضا بالمقدور لا يتم إلا لمن عرف الله تعالى حق معرفته، هذا في ما يتعلق بالرضا عن الله.
وأما الرضا عن المخلوق فلا ندري مقصودك به، فنرجو توضيحه حتى يجاب عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(9/5564)
لا يجب على السارق غسل أو وضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد غسل عن السرقة؟ مع ذكر دليل شرعي إن وجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرقة كبيرة من كبائر الذنوب توجب الحد الذي هو قطع اليد، كما قال سبحانه: والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم.
وعلى من اقترفها أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد الحق إلى أهله، ولا يجب على السارق غسل أو وضوء لأجل سرقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(9/5565)
من الخير أن يوفق العبد إلى حفظ القرآن والتفقه في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن ألتزم بسنة الرسول وأحفظ القرآن وأتفقه فى الدين، ولكن أجد صعوبه مع أهلي من الصبح إلى الليل والتلفزيون والمسجل يعمل على موسيقى وعلى أفلام، كيف أغض البصر ولا أسمع ذلك، وأمى لا تريد إعفاء اللحية ولا الإزار، وقد أتأخر عن صلاة الفجر بسبب السهر هل أشاهد وأسمع ولا أبالى أم الأحسن أن أرحل من البيت؟ ... ... ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي الفاضل أن الله تبارك وتعالى أراد بك الخير فألهمك حب حفظ القرآن والتفقه في الدين، فاحمد الله تعالى وأقبل على ذلك بجد ونشاط، واسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك ويسددك.
وأما ما ذكرته من مضايقات في البيت من قبل الأم وأصوات آلات اللهو ونحو ذلك، فنوصيك بالابتعاد عن ذلك والصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وحاول برفق وحكمة أن تغير هذا المنكر شيئاً فشيئاً فكم من بيوت كانت تعج بالمنكرات، وبفضل الله ثم بفضل بعض الشباب الذين هداهم الله غيروا هذه المنكرات، وأصبحت بيوتهم عامرة بتلاوة القرآن والصلاة وغير ذلك من الطاعات، فنسأل الله جل وعلا أن يصلح بيتكم بسببك إنه على كل شيء قدير، وأخيراً نوصيك بالتواصل مع المشايخ والصالحين في بلدكم ليعينوك ببعض الأمور التي بها إن شاء الله تفلح في إصلاح أهلك وبيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(9/5566)
تجديد التوبة ونسيان المعاصي السالفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أصنع للتخلص من الذكريات القديمة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أنك تقصد تذكرك لما فعلت من معاص في سالف الزمان بعد توبتك منها، أو تذكرك لأمور قد تعين على فعل المعصية، فإن كان الأمر كذلك، فنقول: إن المؤمن عليه أن يشغل نفسه بطاعة الله تعالى، وأن يكثر من ذكره وتلاوة كتابه، فلا يجعل للشيطان على نفسه سبيلا ليوقعها في المعصية، وليستعذ بالله تعالى من شره، كما قال سبحانه: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأعراف:200)
ثم ليحرص على مصاحبة الصالحين، لأنهم يذكرونه بالله تعالى إذا نسي، ويعينونه إذا تذكر.
وننبه إلى أن المسلم إذا تاب من معصيته ثم تذكرها دون أن تلتذ نفسه بذلك، فإن ذلك لا يضره، قال الهيثمي في كتابه "الزواجر عن اقتراف الكبائر" في معرض كلامه عن تجديد التوبة عن المعصية كلما ذكرها صاحبها بعد التوبة، وهل يجب تجديدها: وقال إمام الحرمين: لا يجب ذلك لكنه يستحب، قال الأذرعي في توسطه: ويشبه أن يقال إن كان حين تذكره للذنب تنفر نفسه فما اختاره الإمام ظاهر، وإن كانت لا تنفر منه، وتلتذ بذكره، فذلك معصية جديدة تجب التوبة منها. انتهى.
وقد ذكر بعد ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون، ويبتسم صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1424(9/5567)
ارتكب ذنوبا كثيرة ويريد أن يتوب منها
[السُّؤَالُ]
ـ[تبت إلى الله ولكن لي ذنوب كثيرة ولا أعرف كيف أكفرها:
1) الصلوات التي لم أؤدها (أكثر من 20 سنة)
2) بعض أيام رمضان التي لم أصمها (لا أعلم عددها على وجه التحديد)
3) اتهام إحدى الفتيات بإتيان فعل لم تفعله (أنها وضعت يدها في جيب شخص ما لتستثيره)
4) الكذب
5) إخلاف بعض مواعيد العمل نظرا لإرهاقي من كثرة العمل (20 ساعة يوميا) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب علينا وعليك، وأن يغفر لنا ولك وأن يتجاوز عنا وعنك، واعلم أن الله يقبل التوبة عن عباده، ويتوب على من تاب مهما بلغ الذنب، ومهما عظم، فرحمة الله واسعة، وراجع الفتوى رقم: 33975.
وأما عن الذنوب التي ذكرتها:
-فإنه يلزمك قضاء الصلوات التي تركتها حسب استطاعتك، فإن مت ولم تتم القضاء وقد بذلت وسعك فلا شيء عليك إن شاء الله، وراجع الفتوى رقم: 25606.
-وأما عن الصيام فإنه يلزمك قضاء ما أفطرت من رمضان، وإذا شككت في العدد فاعتبر العدد الذي تطمئن النفس إلى أنه هو الفائت، فمثلاً إذا شككت هل هي خمسون يوماً أم ستون فاجعلها ستين، وهكذا، وراجع الفتوى رقم: 25855، والفتوى رقم: 2231، وأما عن اتهامك لتلك الفتاة فإنه لا بد من طلب السماح منها، وإخبار من أخبرتهم بالخبر الأول أنه كذب.
وأما عن إخلالك بمواعيد العمل فإنه يلزمك طلب السماح من جهة العمل، أو رد مقابل ما أخللت به لهم، وراجع الفتوى رقم: 6326.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(9/5568)
حرمة أكل أموال الناس بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت والدتي وأنا في سن 17 سنة وكانت أمي هي المتكفلة بمصاريفنا لأن أبي كان بخيلا ولما توفيت قامت خالتي بتربيتنا أنا وأخي وأختاي الاثنتين، مع العلم بأني وأخي كنا نعمل لديها وأختاي كانتا لا تعملان وتربيهما وتتكفل بمصاريفهما أما أنا وأخي فكنا نصرف على أنفسنا من مرتبنا لدى خالتي وتوفي والدي وأنا في سن 22 سنة تاركا مكافأة نهاية خدمة نصيبي منها 10000 جنيه وكنت أعلم أن هذا هو كل ما تركه فقمت بعمل توكيل عام لخالتي وأختي للتصرف في صرف الفلوس وحفظها لي حتى أتخرج من الجامعة ولكن بعد خمس سنوات حدث خلاف بين أختي وخالتي واكتشفت أن نصيبي من ميراث والدي عبارة عن 27000 جنيه ومعاشا شهريا 400 جنيه كل شهر لمدة خمس سنوات بإجمالي حوالي 50000 جنيه وكنت كل الذي أعلمه هو مبلغ 10000 جنيه كما قالتا لي حيث كانت أختي تصرف أموالي بالتوكيل وتعطيها لخالتي لتصرفها عليهم وعلى أبنائها وعلى بيتها ولم أعلم بالمبلغ إلا عندما حدث بينهما خلاف.
ما حكم الدين في ما فعلته خالتي وأختي بالنسبه لأموالي وأموال أخي حيث أن له نفس القصة وهل هما آكلتان لمال اليتيم أم لا.. رجاء الإفادة ورزقنا الله وإياكم السداد في الرأي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكل أموال الناس بالباطل من المحرمات القبيحة والأمور الشنيعة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (النساء: من الآية29) ، وقال صلى الله عليه وسلم: يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به. رواه أحمد، وصححه الحاكم والذهبي، وروى الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به.
وأكل أموال الناس محرم، سواء كانوا أيتاماً أم غيرهم، إلا أن أكل أموال اليتامى أشد تحريما والمقصود باليتيم من لم يبلغ.
ولك المطالبة بحقك، والعفو والصفح أفضل وأحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1424(9/5569)
أثر المعصية يختلف من شخص لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تناسي المعصية حتى وإن كانت قريبة من الكبيرة كي لا يستشعر الشخص لذتها فيحن لها..
هل تناسيها في هذه الحالة يعد لا مبالاة واستصغارا للذنب؟؟ أم ماذا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أثر المعصية على الأفراد يختلف من شخص لآخر، فرب معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها بسبب ما يحدث له بعدها من الانكسار والتوبة وزيادة الذل والخضوع لله رب العالمين.
ورب معصية نأت بصاحبها عن الجادة والصراط المستقيم.
وعليه، فإن تناسي المعصية من أجل الابتعاد عنها ونسيان لذتها والفرار من أن يجلب شؤمها معاصي أخرى وانقيادا إلى غواية الشيطان لا يعد استصغارا للذنب، وإنما هو مستحسن لهذا الصنف من الناس، وأما الذين تؤدي بهم المعصية إلى الانكسار وزيادة الخشوع والإخلاص في التوبة، فالأحسن أن لا يتناسوها لكي يستمروا في توبتهم وانكسارهم وانقيادهم لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(9/5570)
كيف يواجه المسلم الفتن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نبقى على دين الإسلام مع كل هذه الفتن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على مثل سؤالك في الفتوى رقم: 15219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1424(9/5571)
الفتور المؤدي إلى ترك الواجبات وفعل المحرمات خطير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص كنت ملتزماً بشكل مستقيم ولمدة سنتين أحافظ على جميع الطاعات بل تعدى الأمر ذلك فأصبحت أواظب على النوافل من صيام وتهجد وعمرة وحضور الدروس العلمية والمحاضرت ولكن بعد فترة أحسست بفتور ثم تدرج الأمر إلى أن انجرفت خلف المواقع الساقطة في الإنترنت وأجد الآن صعوبة في العودة لما كنت عليه علما بأنني بدأت الآن بترك حتى الفرائض الواجبة، أرجو التوجيه حفظكم الله00]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يردنا وإياك إليه رداً جميلاً، وأن يثبتنا وإياك على الهدى حتى نلقاه، واعلم أن الفتور بعد النشاط أمر طبيعي، قال صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. رواه أحمد وغيره، لكن هذا الفتور قد يصل إلى ترك المستحبات أو الوقوع في المكروهات، أما إذا وصل إلى ترك الواجبات وفعل المحرمات فالأمر خطير، قال صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث السابق: فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك، ولذا فإن عليك أن تقف مع نفسك وقفة جادة فتحاسبها قبل يوم الحساب، وتتذكر وقوفك بين يدي الله، فبماذا ستجيبه إذا سألك عن أفعالك هذه، كما ينبغي لك أن تتذكر هجوم الموت عليك في أي لحظة، وأنت تقوم بهذا العمل المشين، فهل تحب أن تقابل الله بذلك.
وعليك أن تراجع لزاماً الفتاوى التالية: 22382 / 30224 / 34831 / 6617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5572)
الصابر عن المعصية أجره عند الله عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حساب المتزوجة يوم القيامة مثل حساب غير المتزوجة، مثلا وجود فتاة متزوجة متدينة تغض البصر وتلتزم بشرع الله وفتاة غير متزوجة تغض بصرها وتحفظ نفسها وتلتزم بشرع الله، مع أن الأولى لها حلالها الذي تشبع به رغباتها والأخرى تقاوم كل شهوة بتصبير نفسها، وإن كان الحسابان مختلفين، فهل يوجد حديث على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن من اشتدت دواعي المعصية في نفسه فجاهدها حتى امتنع عن المعصية، أكثر ثواباً ممن ضعفت دواعي المعصية في نفسه وسهل عليه ترك المعصية، ولذلك كان التمسك بالدين وقت الفتن أعظم أجراً من التمسك به في غيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عبادة في الهرج كهجرة إليّ. رواه مسلم، ومعنى الهرج -أي الفتن واختلال الأمور- وفي مستدرك الحاكم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فإن من ورائكم أيام الصبر، صبر فيهن كقبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين يعملون مثل عمله. صححه الذهبي في التلخيص.
وروى أحمد في كتاب الزهد عن مجاهد قال: كتب إلي عمر: يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها، فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجرعظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5573)
ترغيب الشرع بالفأل الحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة غير متزوجة وتتمنى أن يكون لها زوج وأطفال مرة وهي على نافذتها رأت أباً وابنته في الشارع يلاعبها فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون, فما لبثت أن سمعته يناديها \"غيثة\" وعندما قرأت حديث الفأل تذكرت هذه القصة فاعتبرت أن ذلك وعد من رب العالمين أن يرزقها زوجاً وذرية, لكن مع كثرة وسوستنا
لها بأنها على خطأ أصبحت تستطيل الأمر خصوصا وأنه قد مرت على هذه القصة حوالي 8 أشهر,
فهل هي صائبة في اعتقادها وهل كنا خاطئين في ثنيها عن ذلك
أفتونا جزاكم الله عنا كل خير والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه الفأل الحسن، وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 28954، وإنما كان يعجبه ذلك لما فيه من حسن الظن بالله تعالى، وهو أمر مرغب فيه شرعاً، إذا ثبت هذا فإن ما فعلته هذه المرأة من الفأل أمر حسن، وعليها أن تستمر في رجائها وحسن ظنها بربها، وألا تعجل، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. وما كان ينبغي صرفها عن هذا الفأل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5574)
من مات مصر على الكبيرة فهو تحت المشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مغفرة الله للكبائر مع ذلك تستوجب العقوبة في الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم الموحد صاحب الكبائر إن مات بدون توبة فهو تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له وأدخله الجنة بلا سابق عذاب وإن شاء عذبه ثم مآله إلى الجنة، وراجع في هذه المسألة بالتفصيل الفتوى رقم: 36835، والفتوى رقم: 5087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5575)
أهله ليسوا ملتزمين وهو يريد الالتزام
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد ... أنا أعيش مع أهلي وأجد صعوبة فى التفاهم معهم أنهم لا يصلون ولا يؤمنون إلا قليلا وعادتهم مثل الأجانب الأوربيين والأمريكان، يسمعون الموسيقى والأفلام وغيرها من المشاكل فى البيت، وأنا أريد أن ألتزم بسنة الرسول وأريد أن أحفظ القرآن وأن أفعل الإزار واللحية، ولكن لا أستطيع فى هذا البيت ولا أستطع أن أغض البصر ولا أسمع فإن التلفزيون والمسجل أمامي
من الصبح إلى الليل حتى صلاة الفجر تفوت، هل أحاسب على هذا؟ هل أهجر البيت ... ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نسأل الله لك الثبات والاستقامة وهداية أهلك بك، وننصحك بالحرص على البعد عن الجلوس في الغرفة التي تكون بها مرئيات أو مسموعات محرمة، وأن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفاظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم ومتابعة ما يبث منها عبر وسائل الإعلام.
كما ننصحك بالجد في هداية أهلك وعدم اليأس منهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
ويمكن أن تستعين عليهم باستزارة من له خبرة في الدعوة حتى يكلمهم، ووفر في البيت ما استطعت من النشرات والكتب والأشرطة المؤثرة فإنها نافعة بإذن الله، واحرص على الإكثار من الدعاء لهم بظهر الغيب ولا تهجرهم كلياً ولكن لا تشاركهم فيما هم فيه من الأخطاء، وقد سبقت لنا بعض التوجيهات النافعة لك ولهم، فراجع الفتويين التاليتين للاستفادة من ذلك: 41016، 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5576)
وسائل للتغلب على الشياطين
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيخ سوف أحكي لك عن قصتي كاملة وأنت تعطيني الحل أو الفتوى في ذلك، وجزاك الله الفردوس الأعلى، أيها الشيخ.. أنا شاب أبلغ من العمر21 عاما أحب الالتزام وأحب أن أكون من حفظة القرآن الكريم، وأحب أن أكون داعية إلى الله، فكنت منذ الطفولة بين الحلقات القرآنية، وفجأة انحرفت ومن ثم التزمت وجالست الرفقاء الصالحين ومشايخ العلم وأحبهم كثيرا ومن ثم دخلت جامعة الإيمان فدرست فيها ما يقارب الستة أشهر وكنت قدوة لمن كنت أجالسهم من التزام وعبادات ومحاضرات بين المساجد والمجالس ولا أزكي نفسي، ولكن فجأة اغتررت بالعمل الدنيوي ولكن هذا ليس بيدي حيث وأنا في الجامعة كنت أمر بظروف قاسية جداً جداً من الناحية المادية، حيث إن أبي لم يقدر على النفقة علي لأن معي من الإخوان والأخوات 13 فرداً والظروف قاسية، فقام أحد الطيبين بتوظيفي بقطاع خاص فعملت، ولكن أنا منذ خروجي من الجامعة إلى الآن وأنا في ظروف مؤلمة ساعة في طاعة وساعة في معصية، حيث وإني أريد الرجوع إلى الجامعة أي جامعة الإيمان لأني في قلق وهم شديد وتندم وحسرات على نفسي، ولكن الظرف المادية لا تسمح بذلك، فأرجو أن تفيدوني في ذلك؟ ولكم خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدينا وإياك سبل السلام، وأن يعصمنا وإياك من الزلل، وأن يثبتنا وإياك على الهدى حتى نلقاه.
واعلم أن الشيطان حريص على إفساد دين المرء ودنياه، وهناك وسائل كثيرة للتغلب على الشيطان والتخلص من حبائله، وللثبات على الاستقامة والبعد عن الذنوب والآثام، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في ذلك، فراجع على سبيل المثال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1208، 12928، 30224، 1275، 10800.
ولعلك تجتهد في البحث عن عمل في المساء لتتمكن من الدراسة صباحاً، ونسأل الله أن يصلح حالك وأن يسهل أمرك، وأن يفتح علينا وعليك أبواب فضله ورزقه، وأن يرزقنا وإياك العلم والعمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5577)
من تاب من الزنا يرجى له السلامة من العقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بشّر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي يزني بالفقر وكذلك بأن يزنى بأهله، فهل ذلك الجزاء يكون له دوما سواء أتاب واستغفرأم لم يتب أم أنّه إذا تاب انتفى عنه ذلك الجزاء؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأدلة على تحريم الزنا وأنه من أشنع الذنوب شرعاً وطبعاً أمر معلوم مستفيض، أما كون صاحبه يعاقب بالفقر وأن يفعل بأهله مثل ما فعل للغير من الزنا، فلم يثبت فيه شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل فإن من ابتلي بالزنا أو غيره من المعاصي وتاب توبة نصوحاً فإنه يرجى له أن يسلم من عقوبة ذلك في الآخرة ومن آثار ذلك في الدنيا، لأن المعاصي كما هو معلوم لها آثار سيئة على الإنسان لقول الحق سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وقال الله تعالى في شأن التائب من الزنا: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(9/5578)
الابتلاء دليل الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أصوم وأصلي وأقرأ القرآن وأذكر الله قياما وقعودا وفي السراء والضراء ولكن كل ما يجري معي في الحياة الدنيا سلبا حتى أصبحت لدي عقدة جعلتني دائم التفكير ولم اعد اطيق ذلك
* تقدمت لامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) وسلط علي جماعة لا تخاف الله فاتهموني بالسرقة وبقيت في السجن ما يقارب الأسبوع على ذمة التحقيق وبعد ذلك تم الدوام على حضور جلسات القاضي لمدة شهرين فالمستقبل أمامي ضاع في سبيل إثبات براءتي وتمت البراءة بحمد الله
* تقدمت لكليات المجتمع ولمدة عامين ولم يحالفني الحظ على الرغم من قبول من هو دوني في المعدل
تقدمت للعمل في المصانع ولم يتم قبولي وقبل من هو دوني مؤهلات
أرجو منكم الإفادة ولا أريد أن أثقل عليكم فالأمور التالية كالسابقة والله الموفق وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح حالك وأن يسهل أمرك وأن يختار لك ما فيه الخير.
واعلم أن الله سبحانه يبتلي العبد ليعلم صدق إيمانه، فمن رضي وصبر، كان البلاء كفارة له، ورفعه في الدرجات وسيعقبه خير بإذن الله، ومن سخط وجزع كان البلاء وبالا عليه وعقابا له، ولا يمنع البلاء ولا يرفعه، ولذا، فإننا ننصحك أخانا الكريم بأن تصبر وتحتسب وتحمد الله وتلجأ إليه وتتضرع إليه ولا تيأس، بل اعمل بالسبب ثم كِلِ الأمر لله وارض بما يقسمه لك، واعلم أن البلاء دليل حب الله للعبد بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم. رواه الترمذي.
وراجع الفتاوى التالية: 13270، 13849، 25165، 35559، 10454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(9/5579)
المطلوب إقامة الصلاة ظاهرا وباطنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أحضر درجة الماجستير وحالتي والحمد لله ميسورة وأصلي وأقوم بواجباتي الدينية، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت منغمسة في الدراسة، وعندما أصلي وأنهي الصلاة أحس أنني غير راضية على صلاتي، وكل همي في الدراسة حتى في الصلاة تجدني أفكر ماذا سأفعل بعد قليل حتى تنتهي الصلاة وأجد في نفسي كأن الدراسة أهم من الصلاة، أنا مهمومة وحزينة، علماً بأنني أدرس خارج بلادي، وأعيش لوحدي ماذأ أفعل حيث أدعو ربي ولا تجعل الدنيا أكبر همي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل أمر بإقامة الصلاة فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (البقرة: من الآية43) ، ومعنى إقامتها هو إقامتها ظاهراً وباطناً.
فإقامتها ظاهراً بإتمام شروطها وأركانها وواجباتها.
وإقامتها باطناً بالخشوع واستحضار القلب فيها، فالخشوع هو لُبُّ الصلاة وروحها، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عَقِلَ منها.
قال ابن القيم: وهذا بإجماع السلف أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضره بقلبه. ا. هـ من بدائع الفوائد.
وإن مما يعين على استحضار القلب والخشوع، أن يستشعر الإنسان بقلبه أن الله أكبر من كل ما يخطر بالبال، فإذا استشعر ذلك استحيى أن يُشغل قلبه في الصلاة بغيره.
وقد سبق لنا أصدرنا فتويين في بيان ما يعين على الخشوع في الصلاة، فنحيل السائلة إليهما، وهما برقم: 9525، ورقم: 3087.
ونلفت نظر السائلة إلى أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر وحدها بدون محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري من حديث ابن عباس.
وقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان مخاطر السفر بدون محرم فنحيل السائلة إليها، وهي برقم: 9017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(9/5580)
من الأدوية النافعة لقسوة القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ21 سنة أشعر بدنو أجلي ولكن أجد قسوة في قلبي وقلة التركيز في كل شيء وخاصة تلاوة القرآن مهما أعدت قراءته، وأيضا للأسف في الصلاة وكل شيء ولا أجد في نفسي أي علو للهمة، مع أني أحب ربي وإرضاءه فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما تشتكي منه الأخت السائلة أمر يتعرض له غالب الناس خلال فترة حياتهم، سواء في طلب الدنيا أو في طلب الدين، وما من داء إلا وقد جعل الله له دواء، وليس المطلوب من المرء أن يعرف داءه فحسب، بل لا بد أن يطلب العلاج ويسعى إليه ويعمل به، ومن أهم ما يعين على طلب العلاج، التزام أهل العلم والسعي إلى مجالسهم، ومعرفة فضائل الأعمال المقربة إلى الله، ومن الكتب المختصرة في ذلك رياض الصالحين للإمام النووي، وقد بينا علاج قسوة القلب في الفتوى رقم: 26309، كما بينا علاج الكسل والتواني وضعف الهمة في الفتوى رقم: 10943، والفتوى رقم: 26195.
ولمعرفة وسائل تقوية الإيمان راجعي الفتوى رقم: 10800، وإضافة إلى ذلك ينبغي للأخت السائلة أن تلتزم آداب قراءة القرآن وتطبق أحكام الصلاة، وتكثر من ذكر الله على كل حين، فإن ضعف التركيز من الوسوسة، والوسوسة من الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(9/5581)
يتوب الله على العبد وإن عاد للمرة الرابعة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثاً من أحد الشيوخ وهو أن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد مرة واثنتين وثلاثاً ولكن لن يتوب عليه في الرابعة (ما هي صحة هذا الحديث) .فهل ترفض توبة العبد في المرة الرابعة وإن كانت نصوحة وان رفضت فهل هو كافر ولا يقبل منه عمله، ولكن هذا يتعارض مع الرجل الزي قيل له (بعد أن قال إنه يتوب ثم يعود للمعصية) ثم تب ثم تب ثم تب حتى يمل الشيطان ويتركك. أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لا نعلم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن الله لا يتوب على العبد إذا تاب من الذنب في المرة الرابعة، بل إن الأحاديث الصحيحة بخلاف ذلك، كما هو مبين في الفتوى رقم: 24031، والفتوى رقم: 1909.
نعم ورد في شارب الخمر عند الترمذي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه ... فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال. قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، وقوله فإن تاب لم يتب الله عليه ليست على ظاهرها، بل المراد بها المبالغة في الزجر، قال صاحب تفحة الأحوذي: هذا مبالغة في الوعيد والزجر الشديد، وإلا فقد ورد ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة رواه أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ا. هـ
على أن أكثر الروايات ليس فيها فإن تاب لم يتب الله عليه، وفي رواية البزار لم تقبل له توبة أربعين صباحاً.
وقد أورد الشوكاني في الفوائد المجموعة حديث: إذا قال العبد أستغفر الله وأتوب إليه ثم عاد ثم قالها، ثم عاد ثم قالها، ثم عاد ثم قالها ثم عاد ثم قالها كتبه الله في الرابعة من الكاذبين.
قال الشوكاني: في إسناده الفضل بن عيسى كذاب. اهـ
وأما عن الحديث الذي ذكره السائل في آخر سؤاله، فهو أثر عن علي وليس مرفوعاً، وقد رواه هناد بن السري عن خالد بن أبي عزة أن عليا أتاه رجل فقال: ما نقول في رجل أذنب ذنباً فقال: يستغفر الله ويتوب إليه، فقال له في الرابعة فقد فعل ثم عاد، فقال: يستغفر الله ويتوب إليه ولا يمل حتى يكون الشيطان هو المحسور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(9/5582)
أبواب التوبة مشرعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم أنا شاب أبلغ من العمر23 عاماً وقد ارتكبت حدا من حدود الله وهو الزنا ببعض البهائم وكنت أسرق الأحذية من المساجد، والآن أعاني من مرض خطير فهل لي من توبة أدركوني فاأنا حائر وأكاد أجن وجزاكم الله خيراً مع العلم بأني فقير جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حائل بينك وبين التوبة فأبوابها مشرعة، لا تغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وانظر الفتوى رقم: 18654، والفتوى رقم: 33975.
وننبهك إلى أن من شروط التوبة رد المظالم، فإن علمت صاحب الحق فأرجع إليه حقه، فإن لم تقدر على رده فاستسمحه، وإلا فرده إليه حيثما يسر الله لك المال.
وإذا لم تعرف صاحبه فتصدق بثمن ما أخذت، وانْوِ في ذلك الصدقة عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(9/5583)
قتل النفس التي لم يأذن الله بقتلها كبيرة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي قتل أخته بتهمة السحر ولكن بدون دليل مادي ما حكمه؟ وهل يخلد في النار وهو يؤدي الفرائض؟ شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قتل النفس التي حرم الله عمدا كبيرة من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الاسراء: 33] .
وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فلا شك أن ما أقدم عليه أبوك من قتل أخته كبيرة من كبائر الذنوب، لأنه قتل لنفس لم يأذن الله بقتلها، ولأنها مشتملة على قطيعة الرحم التي أُمِر بوصلها، والقتل بمجرد الظن لا يجوز الإقدام عليه، بل حتى لو ثبت يقينا أنها ساحرة، لم يجز له قتلها، لأن الحدود يتولاها ولي الأمر وليس عامة الناس، ولو فتح الباب لعامة الناس لانتشرت الفوضى والقتل.
وقول السائل: هل يخَلَّد في النار؟ فالجواب عنه: أنه قد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار إذا ماتوا وهم موحدون.
قال الإمام أبوجعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موَحدون وإن لم يكونوا تائبين وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم، كما ذكر عز وجل في كتابه "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. اهـ.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في حكم قتل النفس وبيان الحقوق المتعلقة بالقاتل، وهل للقاتل توبة، فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 36858، 1940، 10808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(9/5584)
قد يبتلى العاصي بضنك المعيشة عقوبة له
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد لقد كنت كثير الندخين وسماع الموسيقى فزادت بلوتي في ظهور أعراض الإرهاق النفسي، فمنَّ الله علي بالتوبة والتزمت فزادني الإرهاق العصبي هماً على هم حتى صرت أتعاطى الحبوب النفسية وكلما زدت التزما زادت حالتي النفسية تدهورا وإني لأحب الله ورسوله أفتوني وأفيدوني في أمري هذا وأرجو منكم الدعاء والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العاصي قد يبتلى ببعض الأمراض لعله يتوب إلى الله تعالى، وقد يبتلى بضنك المعيشة عقوبة له، ويدل لذلك قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه: 124] .
وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة:21] .
وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عن جماعة من السلف أن معنى العذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها.
واعلم أن علاج ما يحصل من الابتلاءات بالتوبة الصادقة وصدق اللجأ إلى الله، والإكثار من الأعمال الصالحة، وصحبة أهل الإيمان والتقوى والحفاظ على تعهد المساجد وحضور الصلاة فيها ومجالس العلم، ثم إن المواد المنبهة قد يصاب تاركها عادة بشيء من القلق النفسي والتوتر العصبي، ولكن من صبر واستعان بالله، سينقطع ذلك عنه بإذن الله.
وننصحك بوضع برنامج يعمر وقتك ويشغل ذهنك، ولتكن فيه دراسة في القرآن ومحاولة لحفظه وتدبره، ودراسة في الحديث النبوي وقصص الأنبياء وسير السلف، ولا بأس بمراجعة الطبيب النفساني، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19229، 26816، 5249، 5531، 16790، 16319، 16383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(9/5585)
الشيطان يسول له ليمارس فاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب بلغت الثلاثين من عمري ولم أتزوج لظروف ما، وأتيحت لي فرصة الزنا والشيطان يسول لي هذا الأمر ويقول لي افعل ثم تب، فما هو العلاج لدفعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولا: عليك أن تكثر من الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل لكي يصرف قلبك عن هذه المعصية.
ثانيا: الابتعاد عن الأجواء التي تعين على المنكر والفساد.
ثالثا: أن تتخذ رفقة صالحة يعينونك على الخير ويذكرونك إذا نسيت.
رابعا: الاستماع إلى أشرطة المحاضرات النافعة والمواعظ لعل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنك هذا البلاء.
خامسا: المسارعة إلى الأخذ بأسباب الزواج قدر الاستطاعة وطلب المعونة من الله عز وجل على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(9/5586)
يتوب من الزنا لكنه يعود
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن للشخص أن يكره الزنا ومقدماته، لأن لي صاحبا لا يستطيع ترك الزنا مهما تاب من الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، لا عودة بعدها إلى هذه المعصية الخطيرة، والكبيرة المحرمة التي حرم الله تعالى كل أسبابها، فقال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور: من الآية30) ، وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني، وصححه الألباني.
ومن هذا يعلم هذا الأخ عظم هذه المعصية، حيث إنه إذا كان هذا جزاء اللامس فقط، فما بالك بمن يقترف الزنا، نسأل الله العافية، لا شك أن عذابه أكبر وأكثر ألماً إذا لم يتب، وهذا وعد من الله له بذلك، فقال الحق سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إلا من تاب (الفرقان:68-70) .
وحري بعاقل إذا سمع هذا أن يرتدع وينزجر، ولا يورد نفسه هذه المهالك، بل ينفر منها، خصوصاً أن من رحمة الله بعباده أنه ما حرم شيئاً إلا وأباح أشياء، فإن كان قد حرم الزنا فقد أباح النكاح، فإن كان المسلم غير قادر عليه فليصبّر نفسه، وليأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
وانظر الفتوى رقم: 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(9/5587)
عاهدا الله على أمر ولم ينفذاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب قد تم عقدي الشرعي على فتاة وفي أحد الأبام التقينا وحدث بيني وبينها نوع من تبادل اللمسات والقبلات إلى أني بعد ما أتيت وطريأاحسسنا بالدنب تجاه والديها وهذا لأنه لم يتم الدخول بعد فعاهدنا الله (اعاهد الله) ولعدة مرات أن لا نعود لهذا العمل حتى يتم الدخول وقد عاهدت إنسانا لاأعرفه بأن لا أعود لما فعلت لكن حدث هذا مرة أخرى وندمت كثيرا
فلمادا هدا الإحساس بالدنب إن كان الأمر جائزا؟
وما الدي يجب فعله بعد أن خالفت العهد تجاه الله ثم تجاه دلك الإنسان؟
أجيبوني من فضلكم فنحن في حيرة من أمرنا
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 42890
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(9/5588)
تذكر الموت والقبر والجنة والنار دأب الأنبياء والصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن المخاوف التي تراودني في بعض الأحيان عن عذاب القبر وعن الجنة والنار، وفي بعض الأحيان أتساءل عن أفعال قمت بها وهي أخطاء عادية، ثم أتحسر على فعلها، وأتساءل أحيانا هل سأدخل النار أم الجنة؟!
ملاحظة: (أنا قد حججت السنة الفائتة مع أمي وجدتي) ويراودني شعور هل الأفعال التي أقوم بها خطأ أم صواب أبدأ بمحاسبة نفسي وأخاف أن أقصر في صلاتي أوعبادة من العبادات المفروضة، فهل هذه المخاوف ومحاسبة النفس من الحرص على التمسك بالدين ومن الإيمان بالله ورسوله؟ أم هي وساوس من الشيطان تجعل هذا الخوف الذي يراودني دائما في نفسي؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أصل تذكر الموت والقبر والجنة ونعيمها والنار وجحيمها من الأمور المحمودة، فهو دأب الأنبياء والصالحين، فقد قال الله عز وجل عن سيد المرسلين: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأنعام:15] .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار من تذكر الموت، فقد روى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات، يعني الموت، وكذا من الأمور المحمودة محاسبة النفس، وهذه الأشياء إنما يكون تذكرها محمودا إذا أثمر نشاطا في طاعة الله، وبعدا عن معصية الله، وهو بهذا الاعتبار يُثمر راحة للنفس وطمأنينة للقلب وأنسا بالله عز وجل.
فإن أثمر قلقا واضطرابا، فهو مجرد وساوس وأوهام قد تترتب عليها أمور لا تحمد عقباها من تكاسل في الطاعات وجرأة على المعصية ويأس وقنوط من رحمة الله تعالى، وفي هذا اتباع لخطوات الشيطان، وقد حذر الله تعالى من ذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21] .
إذا ثبت ما ذكرناه، فلتجعل من هذه الأشياء التي تحس بها سبيلا لطاعة ربك وسعادتك ودخول جنة ربك، وأغلق على الشيطان منافذه حتى لا يقودك إلى المهالك، وراجع لمزيد من الفائدة الفتويين: 22445، 28804.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(9/5589)
زنا ويريد أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف من أين أبدأ بالكتابة
إخواتي الكرام مشكلتي بدأت من هذا اليوم المشؤوم 8-1-2004
حصل معي الآتي:
كنت في العمل أنا وصديقي فذهبنا لكي نستريح في مجمع فيه مطاعم وكل شيء، المهم خلال جلوسنا أنا وصديقي كنا نتكلم وإذ بفتاة تأتي إلينا وتطلب مني سيجارة للتدخين فأعطيتها، وطلبت منا الجلوس معنا فلم نمانع فجلست وبدأت بالحديث عن حياتها الشخصية وعمرها ومشاكلها مع أهلها، وقالت بأنها تحتاج للمال وأنها تركت أهلها وتبحث عن العمل، فقلت لها سأعطيك قليلا من المال فوافقت، وقالت أريد إن نخرج كلنا للتحدث خارج المجمع خائفة من أحد أن يراها كما ادعت، فخرجنا إلى السيارة وبيدي المال لكي أعطيه لها، وعندما ركبت السيارة أرادت أن نوصلها إلى البلد الذي تعيش فيه حالياً، ولكن صديقي رفض ذلك وبينما نحن في سيارة صديقي قالت لنا هل لديكم اشخاص يناموا معي من أجل الحصول على المال، فقال صديقي نعم فلان مستعد لكي ينام معك، فلم أكن أحس بهذه اللحظة الذي قالها صديقي وبدأت الغريزة تلعب بجسمي، وقلت لها نعم أنا مستعد أن أعطيك المال مقابل أن أنام معك، وقالت بشرط أن نكون في السيارة وصديقي يكون موجوداً وفعلا حصل الذي لم أكن أتمنى أن يحصل وصديقي جالس في المقعد الأمامي يتفرج علينا، وبعد كل هذا الكلام قال لي صديقي: أنا كنت أعلم بأنها فتاة عاهرة، والمشكلة هي بأنني أصلي ولم أكن مواظباً كثيراً عليها، ولكن بعد وصولي للبيت نويت التوبة النصوحة وصليت الظهر وركعتين استغفاراً وأكبر من ذلك أنني متزوج وعندي طفلان، ما هو حكم الدين في ما فعلت، وما هو حكم صديقي في هذه الحالة، وسمعت قولا ًأن الزاني يزنى فيه ولو في عقر دارة، فما هو تفسير ذلك وهل هذا صحيح وكيف أتجنبه؟
ربي اغفر لي وارحم شباب الإسلام يا رب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبئس ما صنعت وبئس ما أقدمت عليه والله تعالى يقول: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32] .
أفلا تذكرت قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام لما عرض عليه الأمر: قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23] .
أفلا تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله ... متفق عليه.
فكان الواجب عليك هو زجرها ونهرها ونهيها وتذكيرها بالله واليوم الآخر والوقوف بين يدي الله، كما كان عليك أن تزجر هذا الصديق الطالح الذي يظن فيك السوء ويسهل لك الوقوع في الحرام، أما الآن وقد وقعت في هذه المصيبة العظيمة فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً من الزنا ومن التقصير في الصلاة ومن الدخان، وإذا صدقت في توبتك فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وعليك أن تستر على نفسك ولا تخبر أحداً بما صنعت.
وأما عن مقولة "من زنى يزنى فيه...." فإنها -إن صحت- فهي يرجى ألا تلحق من تاب وأناب ورجع إلى الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1424(9/5590)
لا تجعل الخوف يوقعك في الوسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسال عن المخاوف التي تراودني في بعض الأحيان عن عذاب القبر وعن الجنه والنار وفي بعض الأحيان أتساءل عن أفعال قمت بها وهي أخطاء عادية ثم أتحسر على فعلها وأتساءل أحيانا هل سأدخل النار أم الجنة ملاحظة (أنا قد حججت السنة الفائتة مع أمى وجدتي) ويراودني شعور هل الأفعال التي أقوم بها خطأ أم الصواب أن أبدأ بمحاسبة نفسي وأخاف أن أقصر في صلاتي أوعبادة من العبادات المفروضة فاهل هده المخاوف ومحاسبة النفس من الحرص على التمسك بالدين ومن الإيمان بالله ورسولة أم هي وساوس من الشيطان تجعل هذا الخوف يراودني دائما في نفسي؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسنأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه رضاه، وأن يغفر لنا ولك وأن يجيرنا وإياك من عذاب القبر وعذاب النار.
واعلم أن ما ذكرته دليل على صدق الدين والتمسك به وخشية الله سبحانه وتعالى.
ولكن لا بد من التنبيه إلى أمرين:
الأول: أنه لا بد أن تجمع في سيرك إلى الله بين الخوف والرجاء، فالخوف يمنعك من القعود، والرجاء يمنعك من القنوط، وراجع الفتوى رقم: 32984.
والثاني: ألا يتجاوز الأمر حده فيصل إلى الوسوسة والمرض النفسي، والفرق بين الخوف المشروع والوسوسة، أن الخوف يدعو إلى العمل، والوسوسة تقعد بالإنسان وتشغله عن العمل، وراجع الفتوى رقم: 6603، والفتوى رقم: 29469.
وأما ما يراودك حول الحج، فلا عبرة به ما لم تتعين من وقوعك في الخطأ ولا عبرة بالشك بعد الانتهاء من العبادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1424(9/5591)
سبيل الثبات على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ابتليت بإرهاق عصببي فالتزمت وتبت من المعاصي فزادت الوساوس والانهيار النفسي وحاليا أتعالج بالدواء وأريد اتباع الصراط المستقيم للنجاة من عذاب الله وغضبه، أفتوني وأفيدوني وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاحمد الله أن وفقك وأخذ بيدك فتبت وأنبت، فهذا والله خير لك من الدنيا وما فيها، وما بعده من المتاعب والمصاعب هين، فإن خير يوم تطلع عليك فيه الشمس يوم تكون فيه أقرب إلى الله عز وجل، وما يغني عنك العالم كله إذا قلاك ربك وأبعدك، واعلم أن طريق التوبة يحتاج منك إلى مجاهدة نفسك حتى تستقيم وتنقاد، ثم أبشر. قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] أفلا تحب أن يكون الله معك؟.
وسبيل ثباتك على التوبة بإذن الله أن تتضرع إلى من القلوب بيده أن يثبت قلبك على دينه، وأن يصرفه إلى طاعته، ثم اتخذ الأسباب إلى هذا الثبات، ومنها مع ما تقدم كثرة الطاعات من صلاة وصيام وقراءة قرآن، وصدقة، ونحو ذلك.
ثم صحبة الأخيار، فإنهم نعمة في الرخاء وعدة في البلاء، ومجانبة أهل الزيغ والضلال، فإن صحبتهم شر، ومخالطتهم هلاك، وادفع ما يعرض لك من الوساوس بالاستعاذة بالله عز وجل ومجالسة أهل الإيمان، والتفكر في مخلوقات الله عز وجل، فإن ذلك سيردها عنك بإذن الله.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1424(9/5592)
نصائح للطلاب بمناسبة الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً جزاكم الله عني خير الجزاء ... وبعد:
سؤالي يا شيخي الفاضل عن الامتحانات، السؤال الأول: هل يوجد دعاء أو صلاة يستحب للطالب قوله أوعمله في يوم الامتحان؟
السوال الثاني: إذا استصعب السؤال على الطالب ماذا يقول أو ماذا يفعل؟
السؤال الثالث: هل من نصيحة توجهها لأبنائك الطلاب في يوم الامتحان؟ وجزاكم الله ألف خير على ما تبذلونه من جهود للأمة الإسلامية من خير.]ـ
[الفَتْوَى]
فلا نعلم دعاءاً أو صلاة أو ذكراً أو عملاً خاصاً بما يتعلق بالامتحان ولكن ينبغي الدعاء بما يفي بالغرض، وراجع الفتوى رقم: 18172.
وإذا استصعب عليك شيء في الإمتحان فقل: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً" كما هو مبين في الفتوى المشار إليها.
وأما عن النصيحة للطلاب بمناسبة الامتحانات فإننا ننصحهم، بالجد والاجتهاد والتوكل على الله والمحافظة على الطاعات والبعد عن الذنوب ومنها الغش، وينبغي أن نتذكر أننا في هذه الدنيا في امتحان وأن النتائج بين يدي الله يوم القيامة، نسأل الله أن يصلح أحوالنا في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1424(9/5593)
لا يمنع موت الجنين قبل ولادته من ثبوت الأجر لوالدته
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي الجنين في بطني في اليوم 13 من الشهر التاسع للحمل، هل لي ثواب حمله، وهل فعلا هو شفيع يوم الدين، وهل تشمل شفاعته غير الوالدين؟ وهل لي جزاء على الحزن علما بأنه الجنين الأول وهو حزن وليس اعتراضاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ثواب حملك لهذا الجنين في بطنك يكتب لك عند الله تعالى -بإذنه سبحانه- ولا يمنع موته قبل ولادته من ثبوت الأجر لوالدته، وأما الحزن فلا حرج فيه إن شاء الله إن لم يصحبه شيء من النياحة والتسخط، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -أشار إلى لسانه- أو يرحم. رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما. وبخصوص شفاعته لوالديه، فقد وردت بها أحاديث غير صحيحة، وراجعي تفصيل القول في ذلك في الفتوى رقم: 7135، وأما الشفاعة لغيرهما فلا نعلم فيها دليلاً صحيحاً أو غير صحيح. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5594)
قصص عاقبة أهل العصيان تذكرة للغافل
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن خالتي سافر إلى فرنسا، ولما عاد منها تغير سلوكه تماما، وأصبح لا يحافظ على صلاته، حتى إن مفاهيم الإسلام اختلطت لديه.
فماذا أفعل معه؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه نتيجة ارتكاب ما نهى عنه الشرع، حيث نهى عن سفر المسلم إلى بلاد الكفر والإقامة بين أظهرهم من غير ضرورة، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 20063، والفتوى رقم: 1818.
والآن وقد حصل ما حصل، فالواجب على هذا الشاب أن يتوب إلى الله تعالى من هذه المعاصي وخاصة تهاونه بشأن الصلاة، لأن أمرها خطير، فالراجح من أقوال أهل العلم أن تركها كفر، للأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم، وليراجع الفتوى رقم: 1846.
وعلى أهله أن يجتهدوا في نصحه وتخويفه من عقوبة الله تعالى إذا لم يتب، وننصح بالصبر وعدم اليأس من دعوته حتى يعود إلى الحق، وليكن ذلك بالرفق واللين، ولا بأس بالاستعانة في ذلك بأهل العلم والصلاح، وذكر قصص عاقبة أهل العصيان، لأن في ذكرها تأثيرا كبيرا.
هذا، وننبه السائلة إلى أن ابن خالتها إن كان غير محرم لها لا يجوز لها الاختلاط به ولا الخلوة معه، فليتول نصحه وتوجيهه غيرها.
هذا ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياه وجميع المسلمين إلى الحق والاستقامة عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(9/5595)
أنجبت ولدين من الزنا وتريد أن تتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فاعل خير قصدتني فتاة وهذا سؤالها:
لقد تعرفت على فتى فأخطأت معه وحملت منه فأنجبت
وأنا يتيمة الأم والأب فعشت مع هذا الفتى بدون
زواج وأنجبت منه مرة ثانية، والآن أريد أن أتوب ويغفر الله لي، فماذا أفعل؟ وما الحكم الشرعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة والابتعاد عن هذا الشخص، وعليك العزم على الابتعاد عن هذا العمل وعدم العودة إليه، وأبشري بمحبة الله ومغفرته، فإن التائب حبيب الله، والتوبة تجب ما قبلها، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفضل الله ورحمته واسعان يغفر لعبده التائب مهما عظمت ذنوبه ويبدلها حسنات.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70] .
واعلمي أن خير يوم مر عليك هو يوم توبتك، فقد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك حينما أنزل الله توبته، فاحمدي الله واشكريه واعلمي أنه هو الذي وفقك وهداك، قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات: 7] . نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على التوبة حتى الممات، فإذا تبت توبة صادقة وتاب هو كذلك، فلا حرج أن يعقد عليك عقدا شرعيا صحيحا.
وأما ولداك من الزنا، فلا ينسبان إلى الزاني، وعليك أن تقومي عليهما وتحسني تربيتهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/5596)
جماع الوصول إلى الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكيفية الصحيحة للوصول إلى الإخلاص في العبادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإخلاص مطلب عزيز، لا يصل إليه إلا عباد الله الصالحين، ومعالجة النية لتمام الإخلاص أمر أجهد العبّاد وأعيا الصالحين، فتصفية القلب من غير الله تحتاج إلى ملاحظة تامة للأعمال ومقاصدها، إضافة إلى المتابعة الجادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجماع الوصول إلى الإخلاص هو أن لا يلاحظ المرء في أعماله إلا الله، وأن يسقط الخلق من موازين حسابه، وقد بينا طرفا من سبل الوصول إلى الإخلاص في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31449، 10396، 30366.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/5597)
تصر على المعصية وتزعم أن الله سيغفر لها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة مقصرة في العبادات مثل تأخير الصلاة وسماع الأغاني ,وأنا قمت بنصحها أكثر من مرة ولكنها تصر على أن الله سيغفر لها ,وقد قاطعتها ,فهل أنا على خطأ؟ أم سأحمل اٍثما؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإننا نشكر السائلة أولاً على قيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرصها على هداية الناس في وقت قل فيه من يقوم بذلك. وكون صاحبتك تصر على المعصية، وتصر على أن الله سيغفر لها، فإن هذا من الاغترار، قال تعالى: ولا يغرنكم بالله الغرور. قال سعيد بن جبير: هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة. ورحم الله أبا العتاهية إذ يقول: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس وأما عن مقاطعتك لها، فإننا ننصحك بالاستمرار في نصحها بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، وبإعطائها الأشرطة النافعة، وعلى من له علاقة بها أن يبذل لها النصح بالتي هي أحسن لعلها تؤوب وترجع. وأما هجرك لها فأمر تابع للمصلحة، فإن غلب على ظنك أن هجرك لها يكون رادعاً لها فافعلي. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/5598)
ظلم صديقه ثم مات فكيف يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق يعز على جداً وكان بيني وبينه بعض الخصومة وأحس بداخلى أننى كنت له ظالماً، ثم مات فكيف أكفر عن ذلك، حتى تبرأ ساحتى أمام الله يوم القيامة، أفيدونا أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولك، وأن ينزع ما في صدورنا من غل، ولتعلم أن الظلم الذي تحس به تجاه صديقك يجب عليك البراءة منه، برد الحق إليه، وبما أنه مات، فالواجب عليك رده إلى ورثته، هذا إذا كان الحق ماديا، أما إذا كان الحق معنوياً، فالواجب على المرء التوبة إلى الله منه بالندم عليه، والعزم على عدم العودة إلى مثله، وإذا كنت نويت أداء الحق إليه، وطلب التحلل منه، وتعذر عليك ذلك بموته، فالمرجو أن تدخل تحت معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ من أموال الناس يُريد أداءه أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري.
قال الحافظ في الفتح: فيه الترغيب في تحسين النية، والترهيب من ضد ذلك، وأن مدار الأعمال عليها. ا. هـ
ولمعرفة ما قد يكون سبباً في تكفير حقوق العباد راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
24433 / 4603 3944 22086 / 34800
ونوصيك بأن تكثر من الدعاء له، والتصدق عنه، فإن ذلك مما يصله ثوابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/5599)
الفقر ليس دليلا على عدم التقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي كالتالي: يقول الله عز وجل: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب"
فأنا شاب ملتزم، وأحاول جدا التقرب إلى الله تعالى، وهذه الآية ترهقني كثيرا، حيث إنني أعاني من عدة مشاكل، ولم أتمكن من الحصول على عمل دائم، وهذه الآية القرآنية تعني أني لست من المتقين، ولهذا السبب أعاني من هذه المشاكل ... فما رأيكم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن وعد الله في هذه الآية حق لا شك فيه، ولكن لا ينبغي أن تجعل ما أنت عليه من الفقر مقياسا لتقواك لله تعالى من عدمه، وذلك أن الله تعالى قد يحرمك الغنى لحكمة يعلمها هو، فقد يكون ذلك ابتلاء وامتحانا ترفع به الدرجات وتكفر السيئات، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فشدة البلاء لا تنافي التقوى والصلاح، ولك في رسول الله أسوة حسنة، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. وهو أتقى الناس، وقد يكون هذا الفقر لكونه هو الأصلح، فقد يحرم الله عز وجل المرء من الغنى لأن الغنى يطغيه، فيكون الفقر أصلح له وأحفظ لدينه، وقد روى بهذا المعنى حديث ضعف بعض أهل العلم إسناده، وهو عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد: ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لكفر ... الحديث، انظر الحديث رقم: 75 في ضعيف الجامع الصغير.
فابذل الأسباب وتوكل على الله تعالى ييسر الله تعالى لك ما كتب لك من رزق، ولا تيأسنّ، واحذر الشيطان ووساوسه لئلا يقودك إلى ما تكون عاقبته الندامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/5600)
الصفات الأخلاقية للمتقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الصفات الأخلاقية للمتقين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جماع صفات المتقين وأخلاقهم امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن أحسن ما قيل في تعريف التقوى قول طلق بن حبيب رحمه الله، فقد سئل عن التقوى؟ فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وقد شرح بعض أهل العلم كلام طلق هذا فقال: إنه يستلزم العلم بأوامر الله ونواهيه والعلم بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب حتى يكون عمله واجتنابه على نور من الله، موافقا لشرع الله، وحتى يكون الدافع للامتثال والاجتناب رجاء ما عند الله من الثواب، والخشية مما عنده من العقاب.
وقد وصف الله تعالى المتقين بمجموعة من الصفات نذكر جلها:
1- الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويدخل في الإيمان بالله الإيمان بالقدر.
2- إقام الصلاة.
3- إيتاء الزكاة الواجبة والإنفاق والصدقات التطوعية.
4- الوفاء بالعهد.
5- الصدق.
6- الصبر.
7- الدعاء.
8- الاستغفار عند السحر وعند اقتراف الذنوب.
9- التوبة.
10- الإحسان.
11- القنوت.
12- الحلم وكظم الغيظ والعفو عمن أساء.
13- خشية الله بالغيب والخوف من أهوال الآخرة.
14- قيام الليل.
15- العدل.
16- تعظيم شعائر الله.
قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:1-4] .
وقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] .
وقال تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:15-17] .
وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:133-135] .
وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] .
وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:48-49] .
وقال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:15-18] .
وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] .
وراجع للزيادة في الموضوع كتب التفسير وكتب الحديث وكتب التزكية والأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(9/5601)
الرضا بالقدر وتناول الأسباب المشروعة لجلب الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعمل الإنسان إذا ضاقت به الأرض من غير عمل رغم أنه بحث عن عمل ولم يجده، مع العلم بأن معه شهادة رغم ذلك كره الدنيا وما فيها وجزاكم الله عنا ألف خير ودمتم لنا عوناً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حلالاً واسعاً، ثم اعلم أخي أن أغلى رزق يرزقه المسلم في هذه الدنيا هو هذا الإيمان الذي منَّ الله علينا به، ومن جملته الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، فإن كان خيراً استوجب ذلك الحمد والشكر لله عز وجل، وإن كان غير ذلك لزم الصبر والاحتساب وعدم السخط، لما أخرج أحمد في مسنده عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبت للمسلم إذا أصابه خير حمد الله وشكر، وإذا أصابته مصيبة احتسب وصبر، المؤمن يؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه.
وليس معنى هذا أننا ندعو الإنسان إلى الكسل وعدم السعي في طلب الرزق، كلا، بل إن على الإنسان أن يتوكل على الله عز وجل ويأخذ بالأسباب المشروعة لجلب الرزق وهي كثيرة بحمد الله، منها:
1- التوجه إلى الله تعالى بالسؤال في ذلك؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، حيث قال: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
2- تقوى الله تعالى لقوله سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا يحتسب
3- البعد عن المعاصي فإنها تمنع الرزق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
4- طرق جميع أنواع الأعمال المباحة كالتجارة وغيرها من الحرف الأخرى، وإذا لم يوفق في عمل منها انتقل إلى غيره، وهكذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(9/5602)
شروط التوبة بين العبد وربه وبين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة، ما هو التكفير عن الذنب الملازم لي في منامي من ذنب كنت فعلته وتبت وندمت وعزمت على عدم العودة له، وكذلك كنت قد أخذت مبلغاً بدون وجه حق واتصلت به وسامحني، فهل لي كفارة؟ وبارك الله لكما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من شروط التوبة من الذنب إذا كان بين العبد وربه أن يندم على فعل الذنب، وأن يقلع فوراً عنه وأن يعزم على عدم العودة إليه مرة ثانية، فإذا تحقق ذلك منه فقد أتى بما يجب عليه، ونرجو من الله أن يتقبل توبته، وفي الحديث: من تاب تاب الله عليه. رواه مسلم.
وإذا كان الذنب بينه وبين الناس فيجب عليه هذه الأشياء الثلاثة، مع رد المظالم إلى أهلها أو طلب المسامحة منهم، فإذا كنت أيها الأخ الكريم تبت إلى الله توبة نصوحاً -وهو ظاهر سؤالك- فلا سبيل إلى القنوط من رحمة الله تعالى فإن رحمته واسعة، وأنت وأمثالك من التائبين أحباء الله عز وجل، فإن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] .
وننصحك بمراجعة الفتوى رقم: 4603، والفتوى رقم: 6022.
وما تراه في منامك مما لا يسر، هو من الشيطان ليحزن الذين آمنوا، فلا تلتفت لذلك ولا تخبر به أحداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1424(9/5603)
التوبة لازمة من العلاقة الآثمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في رجل ليس بالزوج في فض غشاء بكارة امرأة لا تحل له؟
ملاحظة: هذا الرجل كان مرتبطا بها سبع سنين، وفي السنة الرابعة فض بكارتها وقال لها بأنه لن يعرف غيرها، لذا أعطته ذلك الشيء ثم تزوج بغيرها
وهي لم تعرف أحدا سواه أبدا فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المرأة والرجل موضوع السؤال ارتكبا إثما عظيما وجرما كبيرا بإقامة علاقة آثمة محرمة بينهما وهما أجنبيان عن بعضهما، وانتهت هذه العلاقة بنتيجة طبيعية مزرية، وهي الزنا، وصدق الله عز وجل عند ما حذرنا من اتباع خطوات الشيطان بقوله: لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21] .
ومن العجب أن يتوجه السؤال عن حكم الشرع في الرجل الفاجر ولا يُسأل عن المرأة التي أجابته إلى فجوره وطاوعته على الفاحشة، وكأن هذه العلاقة لو انتهت بالزواج كانت علاقة جائزة، وهذه لعمر الله قاصمة الظهر، كيف يصل جهل المسلمين بدينهم إلى أن يعتقدوا جواز مثل هذه الموبقات؟! أما وقد حدث ما حدث، فليس أمام هذه المرأة إلا أن تتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة نصوحا، بأن تندم على ما اقترفته، وأن تعزم على عدم العود لمثله مع أي رجل كان، وأن تكثر من الاستغفار والطاعات، عسى الله أن يتوب عليها، وهو التواب الرحيم، ولمزيد في الموضوع تراجع الفتوى رقم: 37410، والفتوى رقم: 26384.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(9/5604)
ثواب المرض لا يمنع منه وقوع بعض الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا والحمد لله كثير التوبة وللأسف كثير المعاصي، ليست المعاصي الكبيرة مثل الزنا والعياذ بالله لكن مثل مشاهدة المناظر الإباحية على الإنترنت، لكن سرعان ما أتوب ولكن بعد أسبوع أرجع، أفيدوني أرجوكم وأنا لست متزوجاً، وللعلم ابتلاني الله بمرض والآن أتعالج، فهل لي ثواب هذا المرض أم أني أعصي وليس لي ثواب، وأخيراً أرجو أن تدعو لي بالشفاء والمغفرة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يمن عليك بالشفاء ويكتب لك أجر المرض الذي أصابك، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتك على التوبة حتى الممات، ويطهر قلبك ويشرح صدرك ويحصن فرجك، إنه على كل شيء قدير.
وقد ذكرنا الوسائل التي تعين على تجنب التعلق بالنساء وصورهن في الفتوى رقم: 36423، والفتوى رقم: 29324 فراجعهما.
وأما ثواب المرض الذي أصابك فالأصل أنه حاصل، ولا يمنع منه وقوع بعض الذنوب والمعاصي، فأحسن الظن بالله تعالى فالله عند حسن ظن عبده به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(9/5605)
اطلبي النجاة لنفسك، واسعي في رضا ربك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحببت شاباً وهو يحبني، ولكني لما أخبره بأن يتقدم إلى أهلي لخطبتي يتعلل ويخبرني بأنه مرتبط خاطب ابنة خاله، مع أني أعلم ذلك ولا أستطيع الصبر عنه، وأنا دائمة الطلعات معه ونعمل عملاً يغضب الله، ولما نفترق كل واحد يندم، فما قولكم في هذا، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي أنه لا يجوز شرعاً أن تكون هنالك علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه على غير أساس شرعي بالعقد عليها، إذا ثبت ما قلناه، فالواجب عليك اجتناب هذا الرجل والتوبة إلى الله تعالى، وإلا فقد تكون عاقبة هذا الفعل الندم في الدنيا والعقوبة المؤلمة في الآخرة، واذكري الموت وسكرته والقبر وضمته، والصراط ومزلقته، واطلبي النجاة لنفسك، واسعي في رضا ربك.
ثم إننا ننصحك بمصاحبة النساء الصالحات اللائي يكنّ لك خير عون في سبيل الاستقامة بالذكرى عند النسيان، والإعانة عند الذكر، واسألي ربك أن ييسر لك زوجاً صالحاً تسعدين به في دنياك وأخراك، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31560، 23005، 32135.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(9/5606)
من الأمور التي تجنب المرء فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتى في الرابعة عشرة من العمر، والحمد لله أحافظ على صلواتي الخمس، ومشكلتي هي أنني لدي انجذاب كبير نحو الفتيات حتى عندما أنظر إلى التلفاز، فماذا أفعل في هذه الحالات لتفادي الصور الخليعة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النظر إلى الصور العارية والمناظر الخليعة في التلفاز أو غيره من أكبر معاول هدم المجتمع وضعف الإيمان وسوء الأخلاق وانتشار الرذيلة، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 36423 الوسائل التي تجنب المرء فتنة النساء والتعلق بهن وبصورهن، فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(9/5607)
أقوى الأدلة على محبة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ناشئ على طاعة الله، وأحب الله كثيرا وأتوق لرؤيته، ولكن مع هذا أخاف أن أذوق طعم النار على ما سبق من فعل مني.؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نهنئك على ما أنعم الله به عليك، ونبشرك بقوله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. متفق عليه.
واعلم أن أقوى الأدلة على محبة الله تعالى اتباع سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31] .
فعليك بالتمسك بنهج الله تعالى والاستقامة على شرعه حتى تكون من السعداء الذين قال تعالى فيهم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] .
ثم عليك بالمبادرة إلى التوبة النصوح عسى الله تعالى أن يمحو عنك ما سلف من معاصي وآثام، وللتفصيل في هذا الموضوع، يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 1909.
ولمكانة الجمع بين الخوف والرجاء في حياة المسلم في الدنيا، نحيلك إلى الجوابين التاليين: 21032، 25324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1424(9/5608)
أنواع القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أنواع القلوب التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث له، وما هو الحديث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل يقصد حديث حذيفة بن اليمان الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسيلم قال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً، عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتي يصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما مادمت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، فيبين هذا الحديث أن القلوب تصير إلى قسمين وذلك بعد أن تمر عليها الفتن، قلب أبيض وقلب أسود.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد ذكره للحديث المتقدم ((وقد قسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوب إلى أربعة، كما صح عن حذيفة بن اليمان القلوب أربعة:
قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن.
وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر.
وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي.
وقلب تمده مادتان، مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما)) .
انتهى من إغاثة اللهفان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1424(9/5609)
أثر الذنوب على العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينزل عليّ عقاب من الله بذنب في الدنيا كنت مصراً عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الصحيح أن للذنب أثراً بالغا في ما يصيب المرء من نكبات، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
كما أن الإعراض عن ذكر الله سبب في تعاسة الحياة، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] .
وقد يحرم المرء من الرزق بسبب ذنب أصابه، روى الإمام أحمد من حديث ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
ومع ذلك فقد لا يحصل عقاب عاجل من الله للعبد مع ملازمته المعصية وإصراره عليها، حتى إذا كثر ذلك أخذه الله فلم يمهله، أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
نسأل الله تعالى أن يقينا جميعاً شر المعصية وشؤم الذنب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(9/5610)
الذنوب دليل على ضعف في الإيمان ولا بد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي 18 عام ومن الممكن أن يكون سؤالي مثل سؤال سأله فتى قبل ذلك ولكنني ألتمس الإجابة مرة ثانية، ولكن بالنسبة لحالتي، فأنا أحب الله كثيرا وأصوم وأصلي، ولكن سؤالي: كيف أفعل هذه المعصية وأنا أحب الله كل هذا الحب وبإيماني الشديد له سبحانه، وكيف كلما جاهدت نفسي وتركت هذه المعصية رجعت إليها مرة أخرى، وأنا فعلا أحتقر نفسي كلما رجعت لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يهديك وأن يعيذك من نزغات الشيطان، واعلمي أن الوقوع في المعاصي والذنوب دليل على ضعف في الإيمان ولا بد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد. رواه مسلم.
فعليك بتقوية إيمانك، وهناك وسائل متعددة لتقوية الإيمان منها:
- المحافظة التامة على الفرائض، كالصلاة في وقتها، وارتداء الحجاب الشرعي.
- ومنها قراءة القرآن بتدبر وتفكر.
- والإكثار من ذكر الله تعالى.
- ومنها اختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن الرفقة السيئة.
- وحضور مجالس العلم والمحاضرات الوعظية، والدعاء والتضرع إلى الله، وراجعي للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 29982، 36116، 39609، 9195، 22083، 11509.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(9/5611)
من وسائل الثبات على الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي ولكن كيف أتصرف لكي لا أتوقف؟
شكرا جزيلا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدمت لنا عدة فتاوى فيها ذكر العوامل والوسائل التي تعين المرء على الثبات على العبادات والطاعات، والبعد عن الذنوب والسيئات، والسلامة من كيد الشياطين، فتراجع مثلا الفتاوى التالية: 12928، 24082، 15219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(9/5612)
مهما تعاظم الذنب فهو في جناب عفو الله غير عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله التوبة من جميع الذنوب ويغفرها دون أن يعاقب عليها يوم القيامة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين الله تعالى في القرآن سعة رحمته، ودلنا رسوله صلى الله عليه وسلم على المسارعة إليها والمبادرة بها، فقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
ووعد التائبين إليه بأن يتوب عليهم، فقال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104] ، وقال الله تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118] ، وقال الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها قبل منه. رواه أحمد وهو صحيح، وراجع في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22413، 35144، 11013، 29966، 19812.
ولتعلم يا أخي الكريم أن الذنب مهما تعاظم فهو في جناب عفو الله غير عظيم، قال الشاعر:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وقد وعد الله تعالى بأن يغفر كل ذنب تاب منه المرء ولو كان الشرك بالله، أما إذا لم يتب فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه، ويستثنى من ذلك أمران:
الأول: الشرك بالله تعالى، فقد قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] .
الثاني: ترك الصلاة، فالراجح أن تاركها كافر، فيدخل في الحكم الأول (أي الكفر) ، وراجع في هذا الفتوى رقم: 3275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(9/5613)
السعادة تحصل بالعيش في طاعة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي السعادة التي يشعر بها المرء بعد التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة إذا كانت صادقة فإنها لا بد أن تحمل على الرجوع إلى الله تعالى، والإقبال على الطاعة والتجافي عن المعصية.
ولا معنى للتوبة إن لم يجد صاحبها تلك الحرقة، وذلك الندم الذي يحمل على فعل الخيرات، والابتعاد عن المنكرات، وبالتالي يزداد بها الإيمان.
وعلى هذا فالسعادة التي يشعر بها المرء بعد التوبة هي تلك الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده الذين يعملون الصالحات، قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. [النحل: 97]
والحياة الطيبة فسرها بعض المفسرين بأنها حلاوة الطاعة، وقال بعضهم: هي المعرفة بالله، والصواب من ذلك -والله أعلم- أن الحياة الطيبة هي العيش في طاعة الله والبعد عن معصيته، لأن ذلك يحقق له السعادة وانشراح الصدر، والحياة لا تكون طيبة بدون سعادة، ولا سعادة إلا في ذلك، قال الله عز وجل: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى [طه: 124] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(9/5614)
توبة الشخص المعين لا يجزم بقبولها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ,
إذا كان الله تعالى يقبل التوبة النصوح يقينا لإخباره جل شأنه بذلك، فلم قلتم إنه ينبغي على العبد التائب أن يجمع بين الرجاء والخوف، ألا يقبل الله تعالى توبته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة من تاب وصدق في توبته يقيناً، هذا على الإجمال، أما توبة فلان بالخصوص فإنه لا سبيل إلى الجزم بقبولها لعدم الجزم بتحقق شروط التوبة كما أرادها الله، ولذا فإن العبد يبقى بين الخوف والرجاء، فهو يخاف ألا يقبل الله توبته ويرجو منه سبحانه القبول، والخوف والرجاء للعبد كالجناحين للطائر، فالرجاء يدفع عنه القنوط، والخوف يدفع عنه القعود، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 21032، والفتوى رقم: 30385، والفتوى رقم: 34952، والفتوى رقم: 29785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(9/5615)
من السيئات اللواتي يذهبن الحسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم قال الله تعالى \"إن الحسنات يذهبن السيئات\"، فأريد أن أعرف هل السيئات يذهبن الحسنات أو يؤثّرن عليهن؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن السيئات يؤثرن على الحسنات، أما عن إذهابهن للحسنات فمن السيئات ما يذهب الحسنات ومنها ما ليس كذلك، فمن السيئات اللواتي يذهبن الحسنات: 1- الكفر والشرك والردة، قال الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ، وقال الله سبحانه: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] . 2- ترك صلاة العصر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. متفق عليه، واللفظ للبخاري، وقد ألحق بعض العلماء باقي الصلوات الخمس بالعصر في ذلك. 3- إتيان العرافين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. رواه مسلم. 4- ظلم الآخرين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس....... رواه مسلم. 5- اقتناء الكلب غير المأذون فيه شرعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط؛ إلا كلب غنم أو حرث أو صيد. متفق عليه. 6- شرب الخمر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه. رواه الترمذي وأحمد والنسائي. 7- انتهاك حرمات الله في الخلوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثوراً.... إلى أن قال: ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. رواه ابن ماجه. 8- المنُّ في الصدقة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(9/5616)
التائب من الظلم معفو عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
أبي مطلق أمي منذ زمان، ولا يعدل بيننا وبين أولاده الآخرين، وعانينا الكثير من العذاب، ونحن طبعا مسامحون لأبينا، فهل إذا سامحناه نحن يسمح له الله سبحانه وتعالى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العفو والصفح عن المسيء من مكارم الأخلاق، وقد رغب الإسلام فيه على العموم، ولا شك أن أولى الناس بذلك الأبوان، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 23257.
وعلى هذا فلو كان هذا الأب قد ارتكب في حقكم ما لا يجوز، فلا ينبغي لكم أن تقابلوا ذلك بمثله، بل عليكم أن تبروه وتحسنوا إليه وتسامحوه، ولكم في ذلك عند الله عظيم الأجر إن شاء الله تعالى.
أما السؤال هل يعفو الله عن أبيكم؟ فالجواب: نعم إذا تاب إلى الله تعالى من ذلك العمل وصفحتم أنتم عنه لأنكم أصحاب الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/5617)
الله رحيم بعباده يقبل توبة التائبين
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت شاباً وكنت أتبادل معه كلام الحب والهيام، والآن عدت لله وتبت فهل تقبل توبتي، أحاول أن أكفر عن خطيئتي مع أنه لم يرني إلا صورة فقط ونحن من بلدين مختلفين، أحس بالذنب ولا أعرف ماذا أفعل مع أني تركته منذ سبعة أشهر ولكني حتى الآن خائفة من عقوبة الله أو أن توبتي لا تقبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإننا أولاً نحمد الله عز وجل ونهنئك بتوبتك، وأبشري فإن الله عز وجل رحيم بعباده يقبل توبة التائبين. قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25] . وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] . وقال الله تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه. وننصحك بالاستمرار في هذه التوبة وقطع كل الصلات بهذا الشاب، واعلمي أنما هو خطوة من خطوات الشيطان التي يقود بها المسلمة إلى الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله، وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في هذا الموضوع، فانظريها تحت الأرقام التالية: 1932، 1072، 1759. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/5618)
لا مؤاخذة على التفكير في المعصية بغير عزم
[السُّؤَالُ]
ـ[ (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) مع أنني أعلم أن الله تجاوز عن ما في نفوس أمة محمد
فأتمنى أن توضحوا لي هذه الآية ومقارنتها مع الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الآية التي سألت عنها منسوخة بقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .
وتوضيح هذا في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى، حيث قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] .
ورواه مسلم منفرداً به من حديث يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكر مثله، ولفظه: فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] ، قال: نعم. انتهى.
أما الحديث فهو في صحيح البخاري ومسلم ولفظ البخاري: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.، قال قتادة: إذا طلق في نفسه فليس بشيء.
وخلاصة الأمر أن الآية المسؤول عنها منسوخة بقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا، وبالتالي يحصل الاتفاق بين معناها ومعنى الحديث السابق في رفع الحرج وعدم المؤاخذة في ما يدور في نفس الإنسان من التفكير في المعصية من غير عزم ولا توطين للنفس على ذلك، وراجع الفتوى رقم: 10756، والفتوى رقم: 30754.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/5619)
شروط التوبة المجمع عليها والمختلف فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل شروط التوبة مجمع عليها؟ أم أن هناك خلاف؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن شروط التوبة، وذلك في الفتوى رقم: 29785.
وهذه الشروط لا نعلم فيها خلافاً، إلا كيفية التحلل من الحقوق المعنوية المتعلقة بالآخرين كالغيبة مثلاً، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك، في الفتوى رقم: 18180.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/5620)
رب معصية انقلبت إلى نعمة بالتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله أما بعد:
كنت السبب في معرفة شاب بفتاة ولكن لم تكن نيتي في ذلك سوءا، ولكن هما قد وقعا في الفاحشة، وذلك عدة مرات ليس مرة أو اثنتين، فهل لحق بي إثم من ذلك؟ علما بأني نادم على ذلك، وليل نهار أدعو الله أن يعفو حيث إني لم -ولله الحمد- أقع بالزنا، فهل بما فعلت أكون قد شاركت في الزنا؟
أرجو الإفادة ولكم جزيل التقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] . وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] ، وقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وبما أنك نادم على ما فعلت أشد الندم وتدعو بالمغفرة ليل نهار، فعسى الله أن يتجاوز عنك، ولكن اعلم أن الذي وقعت فيه معصية وإثم، ولا يمكن أن تبرره بأن نيتك لم تكن سوءا، فأي سوء أشد من أن يسعى المرء في إنشاء علاقة آثمة بين شابين لا يخشيان عاقبة؟! وأي نتيجة يمكن أن تحدث غير الذي وقع؟! إن مجرد الخلوة بين الأجنبي وبين الأجنبية معصية، وأي نظرة من أحدهما إلى محاسن الآخر، وأي ملامسة بينهما، وأي لذة تحصل عن ذلك كلها آثام ومعاص.
وكان الأولى بك أن تخشى الله وتخشى عواقب ما اقترفته أنت على نفسك، لا أن تزيد ذنوب الآخرين إلى ذنوبك، وكان الواجب عليك أن تنتهي عن المنكر استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. كما رواه مسلم وغيره، لا أن تدعو إلى المنكر، وأما الآن، فاثبت على توبتك، فرب معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها بسبب ما أحدثه بعدها من التوبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/5621)
الإكثار من النوافل مجلبة لخيري الدارين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أجاهد نفسي حتى أصلي السنن ولكني أواظب فترة ثم أرجع وأتركها، لو سمحت أرشدني على الطريق الصحيح؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تارك السنن يفوته خير كثير، ويوشك تارك السنن أن يفرط في الواجبات، واعلم وفقنا الله وإياك لطاعته واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أن الإكثار من النوافل سبب في محبة الله تعالى للعبد ولاستجابة دعائه، روى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه..
والسنن تكمل ما نقص يوم القيامة من الفرائض، روى أصحاب السنن وأحمد عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك.
فإذا أردت -أخي العزيز- المثابرة على السنن فاستحضر هذه الأجور وهذه الخيرات المذكورة في الأحاديث، واحضر مجالس الذكر، وصلِّ في الجماعة وجالس الصالحين وباعد أهل الفسق والفجور، وقلل من حب الدنيا والانشغال بها والإسراف في المباحات، ونحو ذلك من الأمور التي تقوى الإيمان، فإنه بقوة الإيمان ينشط الجسم على العبادة ويلتذ بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(9/5622)
نصائح هامة للشباب حين تموج الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي نصيحتكم لشباب اليمن الذي يعيش اليوم فتنة بين علمائه من أهل السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح إخواننا من الشباب من أهل اليمن ومن غيرهم في ظل الفتنة بين علماء أهل السنة بالنصائح التالية:
1- تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن وفي القول والعمل.
2- الانشغال بطلب العلم النافع ونشره بين الناس، فالشاب يحتاج للعلم في نفسه ليصحح به معتقده ويقيم به عباداته، ويقوّم به أخلاقه وسلوكه، ويحتاج للعلم لنشره بين الناس ودعوتهم إلى الله، به قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] .
3- حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة وخصوصاً الخوض في أعراض العلماء وأتباعهم من المخالفين، فإن الجميع -إن شاء الله- على خير عظيم فهم حملة لواء التوحيد وحماة السنة، والاختلاف في الفروع وأمور الاجتهاد وموارده وارد، ولا ينبغي أن يحمل المختلفين على وقوع بعضهم في بعض ومدابرتهم وبغضهم.
4- حب المشايخ والعلماء والدعاة وطلاب العلم على قدم المساواة، مع النصح لمن يرى أنه على خطأ، وبيان وجه الصواب له وذلك بالحسنى واللين والرفق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
5- الحرص على جمع الكلمة وتوحيد الصف، فإن ذلك من أعظم ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية.
والله نسأل لنا ولكم الصلاح والتوفيق لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1424(9/5623)
سبل غرس الخوف من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: أنا أؤم الناس ولكني مسرف على نفسي في الخلوة، ووالله إني نادم على كل ما أفعله من إثم ثم أصلي بالناس ونفسي تقول لي إن كل أعمالي محبطة فما السبيل إلى الخوف من الله والبعد عن الآثام، أرجوكم أفيدوني؟ ولكم الثواب أخوكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1208، 10800، 12744، 16610، 7007، 33659، 2586، 10263، 9268، 29331.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(9/5624)
العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لدي أخت تصلي ومتحجبة إلا أنها لا تضع الحجاب على رأسها إلا عند خروجها من المنزل، وتكشف شعرها أمام أزواج أخواتي وغيرهم، بالإضافة إلى تبرجها داخل وخارج المنزل ومواظبتها على سماع الأغاني وحفظها إلى جانب حفظ صور بعض المغنين، ماذا عساي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً....
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] .
وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
هذا؛ وننصحك بعمل برنامج يومي لأهل بيتك تعلمهم فيه أحكام دينهم، وتسمعهم من الترغيب في الأعمال الصالحة والترهيب من المعاصي، واجمع ما تيسر من الأشرطة المؤثرة والمطويات والرسائل القصيرة فهي نافعة في هذا المجال.
واحرص على توفير صحبة صالحة لأهلك وأبعدهم عن الصحبة السيئة، وراجع أحكام الحجاب عموماً والتحجب عن أزواج الأخوات خصوصاً، أحكام السماع والصور، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19493، 6226، 17037، 27921، 987، 1455، 6110، 32703، 1317، 1935، 29711، 5679، 18119، 6675، 6745.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(9/5625)
من أعظم أسباب التفريط في التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما سبب عدم الندم على المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن التوبة من المعاصي واجبة على الفور، فقد أمر الله تعالى بها في كتابه، حيث قال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31] .
ثم اعلم أن من أعظم أسباب التفريط في التوبة الغفلة عن الله تعالى وذكره وتلاوة كتابه، والتي تترتب عليها قسوة القلب، وإلفه للمعصية.
قال تعالى في صفات عباده المتقين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران: 135] .
فكان الاستغفار بعد الذكر.
وإن من أعظم ما يعينك على التوبة من ذنوبك والإنابة إلى ربك ما يلي:
أولا: تذكرك لعظمة ربك وجلاله وكبريائه، فلا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، فهو قادر على الانتقام منك بسبب ذنوبك كما جرى للأمم السابقة.
قال تعالى: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40] .
ثانيا: تذكرك للموت والوقوف بين يدي الله تعالى، فكيف يكون حالك إذا أعطيت كتابك بشمالك، وهو كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؟!.
ثالثا: استحضارك لسوء عاقبة الذنوب على صاحبها في الدنيا والآخرة، فكم من المصائب سببها الذنوب والمعاصي، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
رابعا: ابتعادك عن أماكن السوء وقرناء السوء، وحرصك على أماكن الخير، ورفقاء الخير، فإن المرء يحشر مع من أحب.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوبة والإنابة، وعند الله القبول والإجابة.
وراجع الفتوى رقم: 36116 لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(9/5626)
من زنا ثم تاب توبة نصوحا قبل الله توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ... وقد زنيت مع فتاة وبعد ذلك تبت إلى الله تعالى، ما هو جزائي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحد الزاني المحصن هو الرجم حتى الموت، ومن أقيم عليه الحد في الدنيا عوفي من العقاب في الآخرة عليه، ومن ابتلي بهذه الكبيرة في الدنيا ثم ستره الله، فالأولى أن يستتر بستر الله عليه ولا يخبر بذلك أحداً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، فالله يقبل توبة التائبين، قال الله تعالى بعد ذكر الزنا ونحوه من المعاصي: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وقد بينا ذلك مع كثير من الفوائد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22413، 29175، 1106، 39210، 17050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1424(9/5627)
كراهية الموت منها ما هو مذموم ومنها غير ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أنفذ ما أمربه الله من عبادات وأزيد لكن المشكلة أنني لا أحب أن أستشهد فيتأذى جسدي وأنا أكره أن يتأذى جسدي وأنفر جدا من منظر الدماء وهذا ما يؤلمني ويقلقني جدا ويبكيني كثيرا كيف أنني مؤمنة ولا أحب أن أستشهد مع ما ذكر من أحاديث وآيات قرآنية في فضل الشهادة فهل هذا ضعف إيمان أم ماذا أفيدوني جزاكم الله عني خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كراهية الموت نوعان: فمنها الكراهية الجبلية التي أودعها الله بين جنبي كل امرئ من خلقه، وهذه ليست مذمومة لأنها لا تدخل في باب التكليف، وهي التي وردت في كلام عائشة رضي الله عنها لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر ... الحديث في صحيح مسلم وغيره.
وأما النوع المذموم من كراهية الموت وهو الذي يدل على ضعف الإيمان فهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوهن في الحديث الذي أخرجه أبو داود وأحمد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت. وكراهية الموت من هذه الناحية تعني أن الإنسان يسرف في الملذات ويسعى لإشباع الشهوات، وكل ذلك بجهله لحقيقة الدنيا واغتراره بمظاهرها، فينفر من الموت نفوراً زائداً لأنه لا يرى بعده إلا الشقاء والبؤس.
والله نسأل أن يجعلنا وإياك من الذين يحبون لقاء الله فيحب الله لقاءهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1424(9/5628)
الاشتغال بالكسب أم الاشتغال بالعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي متزوجة وزوجها قادر على الكسب، ولكنه لا يلتزم بعمل معين لأنه يخرج بين الحين والآخر مع جماعة الدعوة، مما يؤدي إلى عدم وجود دخل معين لهم، وبالتالي يكونون دائما محتاجين، فهل يجب علي أن أعطيها من الزكاة، وأظن ذلك قد لا يجبر زوجها على الاجتهاد في طلب الرزق؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت أختك محتاجة وزوجها لا يعطيها من النفقة ما يكفيها، فلا مانع من أن تعطيها من زكاة مالك، بل إن إعطاءها حينئذ أولى من إعطاء غيرها، والزكاة عليها صدقة وصلة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون زوجها قادراً على الكسب، إنما يمنعه هو من استحقاق الزكاة عند الحنابلة والشافعية، خلافاً للمالكية والأحناف، قال خليل المالكي: وجاز لمولاهم وقادر على الكسب ومالك نصاب ...
والمرجح الأول، ولكن سقوط حق الزوج من الزكاة لا يستلزم سقوط حق زوجته إن كانت فقيرة ولم تجد منه ما يسد خلتها.
ثم إننا ننصح هذا الرجل بالاشتغال بالتكسب ما دام قادراً عليه ليعف نفسه وعياله عن المسألة، فذلك أفضل له من الخروج مع جماعة الدعوة، قال المرداوي في الإنصاف: فائدة: لو قدر على الكسب ولكن أراد الاشتغال بالعبادة لم يعط من الزكاة قولاً واحداً، قلت: والاشتغال بالكسب والحالة هذه أفضل من العبادات. 3/218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(9/5629)
لا يحاسب الله من تمنى الحرام ما لم يعزم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يتمنى الحرام سرا ولا يقوم به..... وبعد ذلك يستغفر الله؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر مجرد أماني ولم يصل إلى حد العزم، فإن الله لا يؤاخذ بذلك، بل ولو وصل إلى حد العزم ثم استغفر الله من ذلك، فإن الله يكتبها حسنة.
وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية:
28477 / 36046 / 8685
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(9/5630)
السارق مطالب بالمسارعة إلى التوبة ورد المال إلى أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السارق بعد توبته وندمه سيحاسب على فعلته؟ وما شروط التوبة؟ وهل إذا لم يستطع رد المبلغ الذي سرقه من قبل.. فما يفعل حيث إن ضميره يعذبه على ما فعل؟
وهل صلاته مقبولة؟
وهل عليه كفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوبة كما قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين": حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وأما شروطها، فإن كانت لا تتعلق بحق آدمي فثلاثة:
1- أن يقلع عن المعصية.
2- والندم على فعلها.
3- والعزم على أن لا يعود لمثلها.
وإن تعلقت بحق آدمي، فيزاد شرط رابع وهو: أن يخرج التائب إليه منه، إما بأدائه، وإما باستحلاله منه بعد إعلامه به، وإن كان حقا ماليا أو جناية على بدنه أو بدن موروثه، لقوله عليه السلام: من كان عنده لأخيه مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات.
والسرقة من الكبائر التي لا كفارة فيها، بل يجب فيها الحد، ولا تنفع السارق توبته إلا إذا رد المال المسروق على مالكه أو تحلله من صاحب المال إن كان مفلسا، من غير خلاف بين أهل العلم، واختلفوا فيمن أقيم عليه الحد.
وفي حال عدم معرفة السارق صاحب المال، أو خشي مفسدة عند إعادته للمال المسروق، فيجوز له التصدق به عن صاحبه، أو يحتال لإعادته بطريقة يراها مناسبة، تبرئة للذمة، وتحقيقا للتوبة النصوح.
وإذا عجز السارق عن رد المال بقي دينا عليه حتى يؤديه.
أما ما يتعلق بقبول صلاة السارق مع بقاء مال الغير في حوزته، فإنه ينبغي التفريق بين صحة الصلاة وبين قبولها، فصلاته صحيحة حال قيامه بشروطها، أما قبولها، فهو إلى الله تعالى، وعلى السارق أن يكثر من الندم والاستغفار والاجتهاد في رد المال في أسرع وقت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(9/5631)
السيئة ليست عذرا في الامتناع عن فعل الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استماع الغناء وما عقوبة مستمعه؟
وأعرف أناسا عندما أقول لهم لماذا ما تقرأون القرآن يقولون إذا تقرأ القرآن وتسمع الأغاني فإن الآيات تلعنك وتبدل حسنات الآيات التي قرأتها إلى سيئات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حكم الأغاني والاستماع إليها، فقد تقدم في الفتوى رقم: 15404.
هذا، واستماع الأغاني المحرمة وإن كان سيئة، إلا أنه لا يصلح أن يكون عذرا لصاحبه في الامتناع عن فعل الطاعات، فإن الله تعالى يقول: إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ هود: 114] .
ويقول صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي وغيره.
بل إن صاحب المعاصي أحوج الناس إلى فعل الطاعات والإكثار منها علّ الله عز وجل يغفر له ويتجاوز عنه بذلك، يقول الغزالي رحمه الله في الإحياء: بيان ما ينبغي أن يبادر إليه التائب إن جرى عليه ذنب إما عن قصد وشهوة غالبة أو عن إلمام.
اعلم أن الواجب عليه التوبة والندم والاشتغال بالتفكر بحسنة تضاده كما ذكرنا طريقه فإن لم تساعده النفس على العزم على الترك لغلبة الشهوة فقد عجز عن أحد الواجبين فلا ينبغي أن يترك الواجب الثاني، وهو أن يدرأ بالحسنة السيئة ليمحوها فيكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا.
فالمقصود أن امتناع هؤلاء عن قراءة القرآن بحجة استماعهم للأغاني حجة باطلة، بل الواجب عليهم ترك استماع ما حرم الله وفعل ما أمر الله تعالى به، وليس صحيحا أن حسناتهم تبدل سيئات، فإنه لا يحبط عمل المؤمن إلا الشرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(9/5632)
أسباب ضعف الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ من العمر 29 أنا كل ما أقرب إلى الله أبعد أكثر، ماذا أفعل، أنا تعبان من هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي أنت مصاب به هو ضعف الإيمان، فاعمد إلى إيمانك فقوه بمعرفة الله حق المعرفة، فإن من عرف الله اتقاه، وكان العلماء يقولون: أخشى الخلق لله أعرفهم به.
ولضعف إيمان العبد أسباب سبق أن فصلناها في الفتوى رقم: 10800 فراجعها، ولعلك بذلك تتقي هذه الأسباب.
وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن والدعاء، روى الحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فأسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيراً، ويقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(9/5633)
من أكره على فعل معصية فلا إثم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الفتيات والنساء اللاتي يردن لبس النقاب لكن ولي الأمر يعارض ولا حل لهن؟ مع العلم بأنهن تعرضن للضرب وسوء المعاملة ويخرجن بدون نقاب بالإكراه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يعينهن وأن يثبتهن وأن يزيدهن هدى، ولا إثم عليهن في ترك ستر وجوههن لأجل الإكراه، فإن من أكره على فعل معصية فلا إثم عليه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 35101.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن محل ذلك أن يكن مضطرات أو محتاجات للخروج من البيت، فإن لم يكن شيء من ذلك فيجب عليهن البقاء في البيت حتى لا يكرهن على كشف وجوههن، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 30646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(9/5634)
من تاب توبة نصوحا تاب الله عليه مهما بلغت ذنوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم لقد ارتكبت دنوباً كثيرة في صغري أي في سنوات 17 من عمري، ومن بينها أني كنت أمارس الزنا مع الحيوانات فهل لي من توبة جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإتيان البهائم حرام شرعاً قبيح عرفاً ممقوت طبعاً، كما هو مبين في الفتوى رقم:
39982
وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله، ومن تاب تاب الله عليه مهما بلغ الذنب وعظم، فالله غفور رحيم يقبل توبة من تاب، بل ويبدل السيئات حسنات.
وراجع لزاماً الجوابين التاليين: 31560 / 35755
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1424(9/5635)
من أسباب فقدان السعادة فعل الذنوب والمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يجد الإنسان السعادة إذا بحث عنها بعيداً عن الله؟ وهل القرب من الله يحقق الراحة والسكينة والسعادة؟ كيف يتعلق قلبي بالله ورسوله وقرآنه؟
كيف يغسل التعلق بالله القلب من همومه؟
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن السعادة هي أساس الحياة وطعمها، فإذا فقدت كان الإنسان يتقلب في جحيم ولو ملك الدنيا بأسرها، ولا وسيلة لتحقيقها إلا بالفرار إلى الله عز وجل والقرب منه واتباع شرعه، قال الله سبحانه: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] .
والمؤمن الحق يدرك هذه النعمة العظيمة من ربه فيسعى دائما إلى رضا ربه والسير على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم فتراه بذلك مطمئن القلب، منشرح الصدر، أما غيره، فلا يعرف السعادة ولن يعرفها أبدا ما دام لا يعرف ربه سبحانه، وذلك لأن الذنوب والمعاصي تحدث بالقلوب أضرارا خطيرة من جملتها فقدان السعادة، ولمعرفة ما يجلب السعادة وما يفقدها، نحيل على الفتوى رقم: 29853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1424(9/5636)
تؤجر الأم بفقدان جنينها إذا احتسبته عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا سيدة متزوجة مند أربع سنوات حدث لي الإجهاض مرتين، في الأولى كان في الشهر الثاني، وفي الثانية كان في الشهر الثالث، هل أؤجر على هذا؟ وهل أجد أبنائي -أجنة- في الآخرة؟
في الأخير أطلب منكم أن تدعوا الله لي إن استطعتم أن يرزقني الذرية الطيبة في صلاة الجمعة، فإنني أشتاق لإنجاب الذرية الطيبة
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففقدان الجنين في أي مرحلة من مراحل نموه مما تؤجر عليه أمه إذا احتسبت في مصيبتها هذه، وذلك لعموم الأدلة الدالة على أن ما يصيب المؤمن من مصيبة وهم وحزن يؤجر عليه، جاء في صحيح مسلم: باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو خوف أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ثم روى حديث ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.
وأيضا ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة.
ولا شك أن ما يصيب المسلمة عند الإسقاط من نصب وحزن أعظم وأشد من الشوكة تشاكها، أما حال هذا السقط في الآخرة، فلا نعلم في ذلك شيئا صحيحا، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة، إنه على ما يشاء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1424(9/5637)
البكاء عند سماع القرآن لا يغتي عن صاحب المعاصي شيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عقاب من فعل الكبائر وترك الصلاة، ولكن حين يسمع (تجويد) القرآن يبكي؟!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم الابتعاد عن المعاصي وخصوصاً الكبائر منها، إذ الانغماس في المعاصي والإصرار عليها سبب عظيم لسوء الخاتمة، نسأل الله تعالى العافية، لقول الله سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] .
وعلى من ابتلي بشيء من المعاصي أن يبادر إلى التوبة والاستغفار فإن مات مصراً على معاصيه، فمذهب أهل السنة والجماعة أنه يدخل في مشيئة الله تعالى، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه ورحمه، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ، ولا يخلد في النار مادام موحداً، وانظر الفتوى رقم: 14491.
هذا إذا كانت المعصية غير الشرك بالله تعالى، كما بينا في الفتوى السابقة أو تكن تركاً للصلاة بالكلية، لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة بالكلية كافر، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 1846.
وبخصوص بكاء صاحب المعاصي عند سماع القرآن، فلا يفيد شيئاً ما دام لا يثنيه ذلك عن معصية الله تعالى وأداء فرائضه، لأن العبرة بالتطبيق وليس بهذا النوع من التأثر فقط، لأن هذا يحدث مع أشد أعداء الإسلام، وذلك لما للقرآن من وقع على النفوس، لكن النفس غير المؤمنة سرعان ما تتناسى ذلك أو ترفضه تكبراً وعناداً، كما هو حال كثير من أهل الكفر والعصيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شوال 1424(9/5638)
من الأمور المعينة على ترك المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غلبتني نفسي على فعل فاحشة مع أني أصلي ومؤمنة بالله فى السراء والضراء وإنني أتوب وأرجع للمعصية، فكيف أفعل وأدعو الله أن يهديني مع أنني كنت ملتزمة بصلاتي وقراءة القرآن والتسبيح، أرجوكم ساعدوني للرجوع إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أعظم ما يعينك على ترك هذه المعصية إزالة الأسباب التي قد تقودك إلى الوقوع فيها، من بيئة غير صالحة أو صديقات سوء أو غير ذلك من أسباب، يضاف إلى ذلك تذكرك عاقبة هذه المعصية إذا أدركك الموت وأنت عليها، أو بلا توبة صادقة، وكذا مجالسة أخواتك المؤمنات الصالحات اللائي إذا نسيت ذكرنك وإذا ذكرت أعنّك، وتذكري قول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] .
إذ أن العبادات لا سيما الصلاة إن قام بها المرء على وجهها مخلصاً فيها، قذف الله في قلبه نور الإيمان، الذي يكون أعظم عوناً له على دفع خواطر الشيطان ونزغاته.
ثم إننا ننبهك إلى أن تبادري إلى التوبة الصادقة ولو تكرر الذنب، ولا تجعلي للشيطان سبيلاً إلى نفسك ليوقعك في اليأس من رحمة الله تعالى، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37359، 22368، 21763.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1424(9/5639)
وسائل الاستقامة على الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقاوم مغريات العالم الغربي الفاسد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا وسائل الاستقامة في الفتوى رقم: 1208، والفتوى رقم: 13135.
وذكرنا حكم الإقامة ببلاد الكفار في الفتوى رقم: 12829.
فانظر إلى حالك، فإن عجزت عن إقامة شعائر دينك أو غلب على ظنك الوقوع في المحرمات، فتجب عليك الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1424(9/5640)
الهجر جائز إذا كان لمصلحة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب (عمي) وطبعا له علي حق صلة الرحم، ولكن له زوجة للأسف سيئة السمعة، نصحه باقي أعمامي ووالدي بأن يطلقها ولكنه رفض ذلك بحجة أنه لا يريد أن يهدم الأسرة، فقرروا جميعهم أن لا يذهبوا لزيارته طالما هو ممسك عليها وأصبحنا جميعا لا نزوره، وللأسف قد تأثر أولاد عمي هذا بسلوك أمهم ففسدوا فما حكم الشرع فى هذه القطيعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهجر جائز إذا كان لمصلحة شرعية كزجر المجاهر بفسوقه، ولكنه منوط بتقدير المصلحة، فإن غلب على الظن أن المصلحة منه متحققة راجحة جاز، وإن كان الهجر لا يصلح شيئاً بل يزيد في معصيته فلا يجوز، والذي نراه أن هجركم لعمكم هذا لم يؤد للمصلحة المرجوة منه، خاصة بعد ظهور الفساد على أولاده بسبب أمهم، فالأولى بكم مراجعة صلته ومناصحته، بل والنصح لهذه المرأة لعلها تتوب وتصلح حالها، أو يقتنع هو فيفارقها، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 20400، والفتوى رقم: 24833.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1424(9/5641)
صحبة المؤمنات تعين على طاعة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عاماً كنت في ضلال فهداني الله عز وجل إلى صراط مستقيم، لقد كنت في علاقة مع شاب وقد كان لا يصلي، فبدأت أحثه على الصلاة فكان يرفض ثم شيئا فشيئا بدأ يصلي بعدها بدأ يهتم بأمور الدين وأصبح متدينا، الآن قطعت علاقتي به لما علمت أنه حرام، ما رأيكم فيما فعلت؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أحسنت في توبتك إلى الله تعالى وقطعك لهذه العلاقة غير الشرعية مع هذا الشاب، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذ التوبة وأن يثبتك على الصراط المستقيم، واحرصي على مصاحبة المؤمنات الصالحات حتى يكنّ عوناً لك على طاعة الله تعالى.
وما قمت به من دعوة هذا الشاب إلى أداء فريضة الصلاة نرجو أن يكتب الله تعالى لك به الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(9/5642)
كل نفس كتب الله عليها الموت والفناء
[السُّؤَالُ]
ـ[االسلام عليكم
أرجو العلم بأني دائما أفكر بوالدي الكبيرين في العمر، بحيث أتعب من التفكير فيهما وأخاف عليهما من الموت، علما بأني أعرف بأن هذه الأفكار خاطئة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله عليها الموت والفناء.،
قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27] .
وقال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ*ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31] .
فوالداك سيموتان لا محالة، فلا بد أن تستحضر هذه الحقيقة، حتى إذا حضر أحدهما الموت أو كليهما، فعليك حينئذ أن تلتزم بالصبر والتسليم بالقضاء، وإن كان والداك صالحين فاسأل الله أن يجمعك بهما في الجنة، فإن المرء مع من أحب يوم القيامة، وتمسك بالتقوى والصلاح، فإن الله تعالى قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور: 21] .
وإن كانا غير صالحين، فاجتهد في نصحهما بالمعروف، دون الإخلال بواجب برهما، وفي جميع الأحوال عليك أن تخلص الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما.
قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الاسراء:23-24] .
ولمزيد من الفائدة، راجع الفتوى رقم: 6603، 22159،، والله نسأل أن يوفقك لبرهما والإحسان إليهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(9/5643)
توبة من تركت الصلاة والصوم ولم تقض لسنوات عديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال بخصوص الأكل في رمضان:
منذ سنين كثيرة (22 سنة) كنت في بلاد الغربة للدراسة، واهتز إيماني بالله ولم يكن قوياً آنذاك وشجعتني الظروف هناك على أرتكاب الخطيئة، فكان من أمري أن تركت الصلاة ولم أصم رمضان (شهراً كاملاً) وأخطر من ذلك أذنبت كثيراً في حق نفسي، وبعدما تبت إلى الله تعالى توبة نصوحاً وتزوجت وندمت على ما فات، فكيف أكفر عن ذنوبي، وكيف أتدارك ما ضاع مني.
فهذه الأشياء تؤلمني كلما تذكرتها وأملي الوحيد أن يغفر لي ربي، لقوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا....) ؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن ترك الصلاة والصوم بلا عذر شرعي جرم عظيم وخطر جسيم، ومن فعل ذلك فقد توعد بالعذاب الشديد، كما قال عز وجل: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60] .
ولكن هذا الوعيد الشديد في حق من أصر على الترك، أما من تاب وأناب فإن الله يتوب عليه ويغفر له، بل يبدل سيئاته حسنات، كما قال الله عز وجل في آخر الآية الآنفة، وقال أيضاً في سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله، وعليك أيتها الأخت الكريمة أن تقضي ما فاتك من الصلاة والصوم، فتقضي عدد الأيام التي أفطرتها مع كفارة عن كل يوم منها بسبب تأخير الصوم حتى دخول رمضان آخر، والكفارة هي إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته من رمضان.
وأما الصلاة المتروكة عمداً فيجب قضاؤها عند جمهور العلماء بمن فيهم الأئمة الأربعة، وعلى هذا القول فإذا جهلت عدد الصلوات المتروكة، فإنك تعملين بغالب ظنك، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب قضاء هذه الصلاة، لأنها تركت بغير عذر شرعي وستصلي في غير وقتها، وأن على صاحبها الاستعاضة عن ذلك بكثرة النوافل والأعمال الصالحة وهذا يكفيه، ومذهب الجمهور هو الأرجح والأولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/5644)
رفع المؤاخذة عند أكل الميتة اضطرارا ثابت بالكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت أمس عن عشرة أشياء إذا فعلناها لا يعاقبنا الله على ذلك، ولا أدري ما هي، حاولت أن أكتب بالعربية فما استطعت، وبإمكانكم أن ترسلوا لي الإجابة بالعربية، كنت أفكر أن أكل الميتة للمضطر وتغيير الوصية بقصد الإصلاح قد يكونان ضمن هذه الأشياء العشرة.
آمل الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يتيسر لنا الاطلاع على دليل يبين هذه الأشياء العشرة، ولم نقف على كلام لأحد من أهل العلم في ذلك، وأما رفع المؤاخذة عمن أكل الميتة مضطرا، فثابت بكتاب الله تعالى في قوله سبحانه: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173] .
وكذلك قد ورد في قوله تعالى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:182] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/5645)
من مات مصرا على الكبائر فهو تحت مشيئة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يوجد عبد يوم القيامة يستوجب دخول النار وذلك لكثرة ذنوبه كبائر وصغائر ومات عليها ولكن ينجومن النار بسبب ماله عند الناس من مال أو غيبة اغتابوه فيها أو أي شيء آخر وجزاك الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعتقد أهل السنة والجماعة أن من مات مصرا على الكبائر، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: من الآية48] .
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت وذكر فيه بعض كبائر الذنوب كالسرقة والقتل، وقال في آخره: ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله، فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه.
ومن الأسباب التي تفيد مرتكب الكبائر ما له عند الناس من حقوق، فإنه يؤخذ له من حسناتهم مقابل ما ظلموه به من مال، أو غيبة، أو غير ذلك، فإن لم تكن لهم حسنات، أخذ من سيئاته وطرحت عليهم.
ولمزيد من الفائدة، تراجع الفتوى رقم: 22086، والفتوى رقم: 34468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(9/5646)
كيفية التخلص من الأحزان والهموم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد:
أولاً: أنا أشكركم على هذا الموقع الطيب الرائع
سؤالي هو: كيف نتخلص من الحزن والهموم، أنا شاب عمري 22 عاماً لم أجد يوماً فيه سعادة، وأنا عمري 10 سنوات دائماً في حزن وهموم ومشاكل، أنا شاب مسلم؟ وكل عام وأنتم بخير، وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 16946، والفتوى رقم: 29559.
علاج المرض الذي سألت عنه، فراجعهما تجد بغيتك إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربك، وأن يذهب همك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1424(9/5647)
من أهم واجبات المرأة بعد الصلاة التستر والحشمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا بنت وعمري 16 سنة، دائماً أقع في الذنب ثم أتوب ثم أرجع إلى المعاصي، ماذا أفعل؟ إنني أصلي وأقرأ القرآن ولكنني لا أرتدي الحجاب رغم أن لباسي محترم!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يجتنب الذنوب والمعاصي، وأن يقبل على طاعة الله، بأداء الفرائض وإن من أهم الفرائض بالنسبة للمرأة المسلمة بعد الصلاة هو التستر والحشمة، لتكف أذاها عن الناس، وتكون قدوة لغيرها، وصورة حسنة للإسلام لاسيما في بلاد الكفر، وذلك لما في التبرج من خطر على الفرد والمجتمع، ولتراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16465
، 17037
، 29204
، 5413.
والواجب عليك أيتها الأخت الآن أن تتوبي إلى الله تعالى، وأن ترتدي الحجاب، وتبتعدي عن الذنوب والمعاصي والآثام، وليكن رائدك في ذلك هو الخوف من الله تعالى، ولتراجعي الفتوى رقم: 18074، والفتوى رقم: 22721.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/5648)
لا يلزم التائب من الزنا أن يبني مسجدا
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد السلام.. كنت على علاقة مع شاب، وارتكبنا الفاحشة سوياً، ولكننا ندمنا أشد الندم، وخفنا أشد الخوف من عذاب الله..ولكن بحمد الله وستره تم زواجنا.. ولكننا نريد أن نعلم هل علينا بناء مسجد أنا وهو؟ لأننا كما سمعنا أن من زنا ببكر، فكأنه هدم بيتا من بيوت الله، وهل يغفر الله لنا سوءات ما فعلنا وارتكبنا من فاحشة؟ أريحونا أراحكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ارتكاب فاحشة الزنا من أعظم الكبائر وأشنعها، ولهذا حرم المولى سبحانه كل الطرق المؤدية إليه، كالنظر والمخالطة.
قال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: من الآية30] .
وعلى هذا، فالواجب عليكما المبادرة إلى التوبة من هذا الذنب الخطير، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم: 8] .
والتوبة النصوح هي الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم على ما فات، وعقد العزم على عدم العودة إليه ثانية. فإن حققتما التوبة على هذا النحو، فاعلما أن الله تعالى بمنه وكرمه وعد التائبين بالعفو والمغفرة فقال جل ذكره: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
ثم إننا ندعوكما إلى الإكثار من الأعمال الصالحة، كنوافل الصلاة والصوم، والصدقة وغيرها، لعل الله تعالى يكفر بها عنكما تلك الخطيئة.
قال سبحانه: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] .
وفي الحديث: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه حمد والترمذي.
وهذا الذي ذكرناه، هو السبيل إلى غفران ذنبكما.
أما بخصوص ما ذكرته السائلة من وجوب بناء المسجد تكفيرا عن هذه الفاحشة، فليس بصحيح، اللهم إلا أن يكون القصد منه هو ما ذكرنا من عموم الإكثار من أعمال الخير على سبيل الترغيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/5649)
التوبة سبيل من أخلف وعده مع الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من وعد وعدا (بألا يعود إلى ارتكاب معصية ثم عاد) ثم أخلفه, ما هو سبيله في حاله هذه للنجاة من النار , ودخول الجنة ونيل رضا الله عز وجل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، وإخلافه من صفات المنافقين، وعلى من وعد أن يفي بوعده، وخاصة إذا كان الوعد لله عز وجل، فهو سبحانه أحق بالوفاء.
والواجب عليك الآن، أن تبادري بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل، وتعقدي العزم على ألا تعودي إلى ارتكاب المعصية فيما بقي من عمرك، فهذا هو سبيل النجاة والطريق إلى رضا الله عز وجل، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/5650)
إذا تعلق الذنب بحق آدمي فلا بد من استعفائه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في مسألة الحدود بالستر والتوبة، فهل معنى ذلك أن الله تعالى يقبل التوبة من تلك المعاصي مهما كانت وطال زمن العصيان، وأيضاً هل يصح للقاتل أن يستر على نفسه؟ ولكم الشكر الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد إذا تاب من الذنب مهما كان تاب الله عليه، لقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
هذا إذا كان الذنب بينه وبين الله، ولم يتعلق بآدمي، فإن تعلق بحق آدمي كقتل نفس أو أخذ مال، فلا بد من استعفاء صاحبه، وفي حالة القتل يسلم نفسه لأولياء المقتول أو الحاكم، فإما أن يعفو الأولياء وإما أن يقتصوا وإما أن يأخذوا الدية، على تفصيل في عقوبة القتل وأنواعه، ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17547، 25609، 23376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/5651)
وعد لله التائب بالعفو والمغفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بالله عليكم أعينوني على التوبة فإن ذنبي عظيم ماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله، إن نفسي غافلة وأقضي الأيام بدون أي هدف في الحياة، إنني أصلي ولكني لا أشعر بالصلاة ولا أستطيع الخشوع فيها، فأنقذوني بالله عليكم فأنا من الهالكين، أرجو الاهتمام برسالتي بالله عليكم أريد أن أستيقظ من غفلتي وأخشى الرجوع لها مرة أخرى، أتوسل إليكم ساعدوني فإن الشيطان متملكني بشدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الهداية والاستقامة على الدين، ثم اعلمي أختي أن الذنوب مهما عظمت وكبرت، فإن الله تعالى بمنه وكرمه وعد التائب منها بالعفو والمغفرة، قال الله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
لكن يشترط لهذه التوبة أن تكون مستوفية لأركانها، وهي: الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم على ما فات منه، وعقد العزم على عدم العود إليه، وإن كان يتعلق به حقوق للعباد وجب التحلل منها، إن كان مالاً رده أو عرضاً استحل من صاحبه أو نحو هذا.
ونرشدك إلى الإكثار من الأعمال الصالحة بما فيها نوافل الصلاة والصوم ومداومة ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم بتدبر، ثم عليك بمصاحبة الصالحات والنظر في سيرة أمهات المؤمنين، فهذه أمور كلها تدعو إلى تقوية الإيمان وزيادته ليؤدي ذلك في النهاية إلى أن تجدي لحياتك معنى، بحيث تشعرين بالسعادة والطمأنينة، وانظري الفتوى رقم: 17308.
ولمعرفة الأسباب المعينة على الخشوع في الصلاة نحيلك على الفتويين التاليتين: 9525، 36116.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(9/5652)
طلب الهداية للمتبرجات ليس معصية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل طلب الهداية للمتبرجات معصية بما أنه مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلب الهداية للمتبرجات أو لغيرهن من العصاة ليس معصية، بل إن ذلك قربة يؤجر عليها فاعلها إن شاء الله تعالى، سواء كانت الهداية بمعنى الإرشاد والتوجيه والنصح وبيان الحق ... والتحذير من المعاصي.. أو بمعنى الدعاء لهن وسؤال الله سبحانه وتعالى هدايتهن ...
ولا يجوز لعن واحدة أو مجموعة بعينها، فقد قال أهل العلم: لا يجوز لعن المعين وإنما يجوز لعن الجنس، وقد نظم ذلك بعد الفضلاء فقال: ولا يجوز لعن شخص عيناً * وجاز لعن الجنس عند الفطنا.
ولا يشكل عليك هذا مع ما رواه الإمام أحمد مرفوعاً: العنوهن، فإنهن ملعونات.... الحديث ضعفه الأرناؤوط، وصححه الألباني.
فهذا من لعن الجنس الذي ورد في كتاب الله عز وجل، فقد لعن الله عز وجل جنس الظالمين وجنس الكافرين والكاذبين.
فقال تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] ، وقال تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(9/5653)
لا دخل لولد الزنا في جريمة أبويه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل هذا الحديث صحيح: (حرمت الجنة على أبناء الزنا) وما ذنبهم في هذا الحرمان، وهل ورد حديث يقول فيما معناه أن إسرائيل سوف تحتل فلسطين ثم العراق والشام ثم مصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشار إليه ذكر أهل العلم أنه موضوع، أي مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دخل لولد الزنا في جريمة أبويه وارتكابهما للفاحشة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ،: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم:39-40] .
وولد الزنا داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه. رواه البخاري ومسلم، ولمزيد من التفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6940.
أما بخصوص الجزء الثاني من السؤال فلم نقف على حديث يذكر أن اليهود سيحتلون البلدان المذكورة، مع العلم بأنهم يقولون "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى النخيل".
وقد استنبط بعض الدعاة في هذا العصر من عدة أحاديث -منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف- أن اليهود لن يتمدودا أكثر مما هم عليه اليوم، ولن يحتلوا من بلاد المسلمين أكثر من فلسطين، حتى تقع المعركة الفاصلة بيننا وبينهم إن شاء الله تعالى.
ومن هذه الاحاديث ما رواه مسلم مرفوعاً: لتقاتلُنّ اليهود فلتقتُلُنَّهم، حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله.، وفي رواية: ورائي.
ومنها ما رواه الطبراني، وضعفه الألباني: ... لتقاتلُنّ المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه.
فيستفاد من هذا أنهم لن يتجاوزوا نهر الأردن وأن المعركة ستقع وهم غربيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(9/5654)
ترك الهوى سبيل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ماهو هوى النفس هل المقصود به شهوات الدنيا من مال ومن أغانٍ وسفور.... وما حكم التخيل أي استخدام الخيال بشتى أنواعه التي لو كانت حقيقة لم تكن حراماً كمن تتخيل أنها ربة منزل؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هوى النفس معناه ما تميل إليه وتشتهيه، قال الله تعالى مبينا حال الكافرين: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [لنجم:23] ، أي تميل إليه كما قال الإمام القرطبي في تفسيره، وما تميل إليه النفس يكون غالباً مخالفاً للشرع الكريم، ويدخل في ذلك الاستماع إلى الأغاني والتبرج وشهوة المال بقصد صرفه في ما لا يجوز شرعاً.
وكبح جماح النفس عن مثل هذا سبب لسعادتها عند الله تعالى كما قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] .
قال الإمام القرطبي: زجرها عن المعاصي والمحارم، وقال سهل: ترك الهوى مفتاح الجنة، لقوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. انتهى.
وكثيراً ما ورد في الكتاب والسنة ذم اتباع الهوى وبيان أنه سبب لدفع الحق وعدم اتباعه، فقد قال تعالى مخاطباً رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] ، وقال الله تعالى أيضاً مخاطباً نبيه داود عليه الصلاة والسلام: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [صّ:26] .
كما أن اتباع الهوى سبب من أسباب الهلاك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وثلاث مهلكات: هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه.، حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وبالمقابل توجد بعض النفوس الزكية التي استقامت على أوامر الله تعالى فصار هواها مربوطاً بالشرع، وهذا دليل على كمال الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به.
وهذا الحديث في إسناده ضعف، لكن قال الإمام النووي في الأربعين النووية هذا حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
وأما تمني بعض الأمور المباحة فهو جائز، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن عطية يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير، أي مما يباح وعلى هذا فالنهي عن التمني بخصوص ما يكون داعية إلى الحسد والتباغض، وعلى هذا محصل قول الشافعي: لولا أنَّا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا، ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم. انتهى، وللمزيد عن هذا الموضوع راجعي الفتوى رقم: 28477.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(9/5655)
ثواب العانس العفيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو ثواب العانس في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يُعدد أنواع الشهداء: والمرأة تموت بجُمع شهيدة. رواه أبو داود، وصححه الألباني، قال في عون المعبود نقلاً عن النهاية لابن الأثير: أي تموت وفي بطنها ولد، وقيل: التي تموت بكراً. انتهى.
وقال: والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة. انتهى.
كما أن العانس التي تصبر على قضاء الله بما حصل لها تنال ثواب الصابرين على ذلك مع عفتها وعدم ميلها للحرام، والاحتفاظ بالحياء، والاستقامة على الدين مع كثرة الفتن ودواعي الفساد، والله نسأل أن يزوج بنات المسلمين، وأن يرزقهن العفة والحياء إنه على كل شيء قدير، ولتراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9924، 26627، 2369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(9/5656)
من ساءته وأحزنته سيئته فذلكم المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذي يصلي ويقرأ القرآن ويقوم الليل ويسمع القرآن ويبكي خشوعا منه ولكن يذنب ذنوبا تؤلمه وتجعله يحس بضيق منافق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما تحس به من ألم وضيق بسبب الذنوب دليل على الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن. رواه الترمذي وأحمد.
وهذا على العكس من حال المنافق الذي لا يبالي بما يقع منه من ذنوب، قال صاحب تحفة الأحوذي في شرحه للحديث المتقدم: من سرته حسنته. أي إذا وقعت منه، وساءته سيئته. أي أحزنته إذا صدرت عنه فذلكم المؤمن. أي الكامل، لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة. انتهى.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 18073، والفتوى رقم: 29853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(9/5657)
الصبر خير عطاء يعطاه المرء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عتيكم وبعد
أنا متزوج مند تقريبا 8 سنوات رزقت فيها بثلاثة أطفال توفوا كلهم،
الأول توفي 22 يوما بعد ولادته،
أما الثاني 3 أيام بعد الولادة
والثالث كذلك.
وقد قمت بتحاليل طبية في الجزائر، حيث أظهرت سلامتي وزوجتي من أي خلل، علما بأننا أبناء الخالة والمطلوب هو: بماذا تنصحوننا؟ وماذا عسانا فعله؟ شكرا مقدما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به، هو الصبر والاحتساب واللجوء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يرفع عنك هذا البلاء، ويرزقك الذرية الطيبة الصالحة، واعلم أخي الكريم أن بعد العسر يسرا، وأن بعد الضيق والكرب الفرج، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر.
وأخيرا، نذكرك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخلهما بفضل رحمته وإياهم الجنة، قال: فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم. رواه النسائي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(9/5658)
صفات المتقين مذكورة في مواضع عديدة من القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف صفات المتقين كما وردت في القرآن الكريم فما هي الكتب التي تنصحونني بقراءتها أو الموقع الذي يتحدث في هذا الموضوع؟ وبارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الله تعالى صفات المتقين في عدة مواضع من القرآن ومن ذلك فواتح سورة البقرة عند قوله سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:2-4] .
وكذا في سورة آل عمران عند قوله سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134] .
وغيرها من الآيات، ويمكنك حصرها بسهولة من خلال المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم أو غيره ومراجعة الكتب الميسرة في التفسير ككتاب "أيسر التفاسير" للجزائري، وكتاب "تيسير الكريم الرحمن" للشيخ السعدي، وراجع الفتوى رقم: 25692 لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(9/5659)
من خالف حكم الله جاهلا فعليه أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
لقد قمتم بالرد علي سؤالي رقم الفتوى38735، وقد كان ما حصل بسبب الجهل حتى أن أهلي لم يكونوايعرفون ذلك أو جاهلين بذلك رغم أنهم يفترض بهم معرفة مثل هذه الأمور، وسؤالي الآن: هل يترتب علي إثم وماذا يجب علي فعله؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقيامك بختن هذا السقط وهو ميت خطأ كما بين ذلك في الفتوى التي أشرت إليها، وهو ناتج عن جهلك بهذا الحكم فيلزمك التوبة والاستغفار من إقدامك على فعل أمر لا تعلم حكم الله تعالى فيه، وعسى الله أن يتجاوز عنك كما يلزمك بيان هذا الحكم لأهلك، وأخبر من شارك معك بأن عليه التوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(9/5660)
من تناول المسكر لا تقبل له صلاة أربعون ليلة.. فهل الصيام كذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا أن شارب الخمر لا تقبل له صلاة أربعون ليلة، فهل شارب الحشيش لا تقبل له صلاة أربعون ليلة؟ وماذا لو شربها قبل رمضان بثلاثين يوما، هل يقبل منه صيام رمضان؟ أفيدونا رحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تناول المسكر المسمى بالحشيش، ينطبق عليه الوعيد المترتب على شرب الخمر، لأنه نوع من أنواع الخمر، وراجع التفصيل في هذا الموضوع في الجوابين التاليين: 12543، 1108.
أما صيام رمضان، فإذا صامه المسلم مخلصا لله تعالى، محتسبا له، مع سلامته مما يفسده من المبطلات، فإن الله تعالى يتقبله إن شاء، تفضلا منه تعالى.
لكن هذا القبول أمر خفي لا يستطيع الإنسان التحقق منه، وإنما عليه أن يبذل جهده في إتقان الفريضة التي أوجب الله تعالى عليه، مع الإخلاص في فعلها لله تعالى.
وعليه، فإن شرب الخمر لم يثبت أنه سبب لبطلان ثواب صوم رمضان، ولكن على من صدرت منه هذه الكبيرة الشنيعة أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، مع الإقلاع عنها والعزم على عدم العودة إليها، بالإضافة إلى الندم على ارتكاب الفعل المذكور.
وعلى هذا الشخص أن يستغل فرصة الشهر الكريم، فيجتهد في أن يكون من الصائمين القائمين، ويبتهل إلى الله تعالى بالدعاء أن يتوب عليه، وأن يوفقه لسلوك الطريق المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(9/5661)
النظرة بريد الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أشتغل في السوق وعندما أرى النساء لا أستطيع أن أغض بصري وعندما أعود إلى البيت أستغفر الله وأعاهد الله على أن لا أعاود هذا مرة أخرى، ولكن أعود له مرة أخرى قل لي ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك أخي الكريم أن تتقي الله تعالى وتجاهد نفسك على غض البصر عن النساء الأجنبيات، لأن النظر سهم من سهام إبليس وبريد إلى الزنا، وسبب للحسرة الدنيوية والأخروية، وعليك كلما وقعت في الذنب أن تتذكر نظر الله إليك واطلاعه عليك، واحذر التمادي على الذنب واليأس من التوبة، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ*وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (الزمر:53-55) ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 19812 والفتوى رقم:
6402
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(9/5662)
من ألم بذنب فليستتر
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوجة وتعرفت على رجل آخر غير زوجي، لم يحدث بيننا سوى كلام (عاطفى) عن طريق الإنترنت ومقابلتين فقط بين الناس ليس بخلوة.. أنا نادمة على ذلك أشد الندم وتبت إلى الله، هل أعترف لزوجي حتى يرتاح ضميري ويسامحني، أم يعتبر ذلك مجاهرة بالذنب.. وعفا الله عما سلف بالتوبة والاستغفار ومكفرات الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما أقدمت عليه يعد ذنباً وخيانة، وتجب عليك التوبة من ذلك والندم والاستغفار، ولا يلزمك أن تخبري زوجك بما فعلت بل عليك أن تستتري بستر الله، وراجعي لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32540، 33669، 31457.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1424(9/5663)
منهج عملي لاستغلال شهر المرابح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في رمضان من الصباح وحتى الظهر، ومن بعد صلاة التراويح حتى الساعة 12 مساء، وبذلك تضيع مني الأوقات الثمينة في هذا الشهر المبارك، فأرجو منكم وضع برنامج أقدر من خلاله على استغلال هذا الشهر والتوفيق بين ذلك وعملي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رمضان هو أفضل الشهور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر الناس به ويحضهم على عمل الخير فيه، فيقول: قد جاءكم رمضان شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم. رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني، وفي حديث آخر: أنه ينادي فيه ملك: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه الألباني.
فعلى المسلم أن يحرص على الاستفادة من رمضان ويوظف الأوقات فيه في العمل الصالح، فاعمل يا أخي لنفسك برنامجاً مع القرآن ومدارسته وحفظ ما تيسر منه إن لم تكن حافظاً، واحرص على حضور صلاة التراويح مع الإمام وحاول قراءة الجزء الذي يقرؤه الأمام قبل أن تسمعه منه في الصلاة وتدبر معانيه، وتعرف على ما يشكل عليك من الكلمات أو المعاني، وحاول المواظبة على الأذكار المقيدة لعلك تتمرن عليها طيلة السنة، ويمكنك الحصول عليها من بعض الكتيبات مثل حصن المسلم، واتخذ برنامجاً لدراسة الحديث والسيرة وأخبار السلف والرقائق.
ويستحسن أن يكون عندك مجلس علم مع زملائك ومجلس علم مع أهل بيتك، تتدارسون فيه فقه الصيام والتفقه في أمور دينكم كلها، وحاول أن تكثر من الأعمال في العشر الأواخر من الشهر، واحرص على تحري ليلة القدر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر، كما في حديث مسلم.
واجتهد في الاعتمار في رمضان لما في حديث الصحيحين من أن العمرة تعدل حجة وأكثر من الدعاء للمسلمين عموماً عند وقت الإفطار وفي السحر، فإن الدعاء حينئذ مستجاب، وطالع الكتب التالية: "وظائف العشر الأواخر من رمضان" للدكتور عبد الله الجعين، و"رمضان شهر التجارة مع الله" و"حال السلف في رمضان".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(9/5664)
الحج المبرور.. وفاحشة الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شخص وقع في العديد من المعاصي ومنها فاحشة الزنا، ثم تاب إلى الله عز وجل، وهو ينوي الذهاب إلى الحج، فالسؤال هو: هل يرجع بعد الحج كما ولدته أمه بلا ذنوب بما في ذلك جريمة الزنا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحج المبرور يكفر الذنوب ومنها الزنا، وتستثنى حقوق الآدميين، وانظري الفتوى رقم: 24433، والفتوى رقم: 13780، والفتوى رقم: 4019، والفتوى رقم: 35785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/5665)
اتباع القرآن له أثر عظيم على المرء في دنياه وأخراه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر القرآن الكريم في أقوال وأفعال المسلم وفوز من اتبع أحكامه، وما ورد فيه من أوامر وأفعال نواه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم إذا كان متبعاً لكتاب الله عز وجل كان لذلك أعظم الأثر في أقواله وأفعاله ومآله في الآخرة.
وذلك أن الله سبحانه وتعالى وصف هذا القرآن بأنه يهدي للتي هي أقوم، كما قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] .
أي أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع الأمور، فلا يقول إلا الأحسن من الأقوال ويترك ما حرم الله عز وجل من الغيبة والنميمة والفحش في القول والكذب وغير ذلك من الحصاد الخبيث للألسن.
ولا يعمل إلا الأحسن من الأعمال ويترك ما حرم الله عز وجل، من الأعمال السيئة والمكروهة، ولا يعتقد بقلبه إلا الحق ويبغض ويكفر بالباطل من العقائد المنحرفة.
وهكذا يصير كاملاً في أقواله وأفعاله وعقائده، فلا يقول إلا الحق، ولا يعمل إلا الحق ولا يعتقد إلا الحق.
وهذا الأثر في الدنيا تترتب عليه آثار أخرى في الدنيا الآخرة، قال الله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38] .
وقال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] .
فرتب سبحانه وتعالى على اتباع هداه أربعة أمور:
نفي الخوف والحزن، والفرق بينهما أن المكروه إذا كان قد مضى أحدث الحزن، وإذا كان منتظراً أحدث الخوف.
وإذا نفيا عن المتبع للهدى حصل له ضدهما وهو الأمن والسعادة، فالهدى لقول الله تعالى "فلا يضل"، وكذلك الراحة والسعادة لقوله "ولا يشقى"، ونفي الخوف والحزن والضلال وإثبات السعادة والأمن، هذا كله في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(9/5666)
حكم المبادرة إلى رفع ما فيه ذكر الله من الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا وجدت ورقة مكتوبا عليها اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى وقد أبصرتها من بعيد، فهل أهرول ناحيتها وآخدها لأحرقها؟ أم أمشي مشيتي الطبيعية؟ وعندما أصل لها آخذها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكرك على تعظيم حرمات الله تعالى والحرص على ذلك، وعليك المبادرة إلى رفع الورقة التي تشتمل على اسم من أسماء الله تعالى.
قال الدردير في شرحه على مختصر خليل في بيان أمور الردة: (كإلقاء مصحف بقذر) ولو طاهرا، كبصاق، أو تلطيخه به، والمراد بالمصحف: ما فيه قرآن ولو كلمة، ومثل ذلك تركه به، أي عدم رفعه إن وجده به، لأن الدوام كالابتداء.. ومثل القرآن أسماء الله وأسماء الأنبياء، وكذا الحديث، كما هو ظاهر. انتهى.
ولم نقف على كلام للفقهاء في لزوم الهرولة إلى ذلك، ولكن تنبغي المسارعة إلى ذلك، فذلك من تعظيم شعائر الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/5667)
منزلة الاستغفار والآثار المترتبة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي فوائد الاستغفار؟ لا يوجد بالموقع أستغفرالله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهي ستر الذنوب والتجاوز عنها.
وهو أفضل العبادات وأنفعها للعباد، وقد أمر الله عز وجل به في آيات كثيرة، فقال تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم (المزمل:20) وقال تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (هود:90) ، وقد أمر عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم -وفي ضمن ذلك أمر لأمته- فقال عز وجل: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (النصر:3) ، وقال عز وجل: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء:106)
وقال أيضاً: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ (غافر:55) ، ولما عصى آدم ربه عز وجل وأكل من الشجرة قال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف:23) ، واستغفر نوح ربه عز وجل فقال: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (هود: 47) ، واستغفر ذو النون في بطن الحوت فقال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء: 87) .
وهذا اعتراف بالذنب وهو متضمن لطلب المغفرة.
وأمر هود قومه بالاستغفار فقال: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (هود:90) ، وأمر به نوح قومه أيضاً فقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (نوح: من الآية10) ، وهكذا ترى أن أفضل البشر وسادات الأنبياء يستغفرون الله ويأمرون قومهم بالاستغفار، ويذكرون الآثار المترتبة على الاستغفار، كل ذلك لعظم منزلته في الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. وكان يقول: اللهم اغفر لي خطئي وعمدي ... ا. هـ
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الاستغفار وفضله ومنزلته كثيرة جداً، وفوائد الاستغفار أيضاً كثيرة جداً منها:
أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب ورفع العقوبة، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء:110) .
ومنها: أن الاستغفار سبب في جلب النعم ودفع النقم.
قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (نوح:10-12) .
ومنها: أنه سبب لانشراح الصدر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله مائة مرة. رواه أحمد وإسناده صحيح.
ومنها أنه سبب لحسن الخلق والسهولة مع الخلق، وقد قال حذيفة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: كان في لساني ذرب على أهلي -أي حدة- فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أين أنت من الاستغفار يا حذيفة". رواه أحمد وابن ماجه بسند ضعيف. وفوائده كثيرة جداً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكثرة الاستغفار، وأن يغفر لنا، وأما قول السائل: "لا يوجد بالموقع أستغفر الله" فهذا غير صحيح، راجع الفتوى رقم: 678 وهي في كيفية الاستغفار، والفتوى رقم: 766
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/5668)
سبل استجلاب قوة الإيمان لمواجهة المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله رب العالمين
أحب توبتي وإقدامي على ديني، ولكن ما أخاف منه رياء القلب أريد سبلا أزيد بها من قوة إيماني في مواجهة المصائب التي تلاحقني
وكيف لي أن أكون أبعد ما يكون عن الغضب والعصبية المفرطة دون أن أفرط في حقوقي
اختصارا، أريد أن أصل إلى لب الإيمان وصفاء القلب وإخلاص العمل. أختكم السائلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرياء داء خطير، والواجب على كل مسلم الخوف والحذر منه، وقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى بَيَّنا فيها السبل الكفيلة بدفع الرياء، وهي برقم: 10396، فنحيل السائلة إليها.
وأما استجلاب قوة الإيمان لمواجهة المصائب، فيكون بأمور:
منها: طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقد قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء: 66] .
ومنها: أن يعلم المسلم أن الأقدار بيد الله عز وجل، فهو المتصرف بهذا الكون، فما شاء الله عز وجل كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن مشيئة الله عز وجل تابعة لحكمته وعلمه، كما قال عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [الانسان:30] .
ومنها أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فإذا علم العبد ذلك، استراح قلبه، لأنه يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله عز وجل، الذي هو أرحم الراحمين.
ومنها: الصبر ومعرفة ثوابه، فإن ذلك من أعظم ما يعين العبد في مواجهة المصائب.
وقد قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] .
زقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155] .
وأما الغضب والعصبية، فقد سبق لنا عدة فتاوى في سبيل دفعه وعلاجه، ومنها الفتوى رقم: 8038، والفتوى: 15906، والفتوى رقم 18270 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/5669)
الابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين العبد الذي يقوم بجميع العبادات، ولكنه يعيش عيشة صعبة وبين العبد الذي يقوم بجميع العبادات ولكنه يعيش عيشة هانئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن عبد ربه سبحانه وتعالى وأخلص له الدين موعود من الله رب العالمين بجنات عرضها السماوات والأرض، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً* خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:108] .
هذا بالنسبة للآخرة، أما الدنيا، فإن الله تعالى يبتلي فيها العباد، والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر، قال الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الانبياء:35] .
ولا يمكن لنا نحن كبشر أن ندرك كل الحكمة من هذا الابتلاء، من حيث تنوعه إلى ابتلاء بالخير وابتلاء بالشر، والله وحده هو الذي يعلم تمام الحكمة من ذلك، قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220] .
وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ [الشورى:27] .
وقال الله تعالى: وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152] .
فها هي الآيات تدل على أن سعة الرزق وبسطه أحياناً تكون سبباً في طغيان صاحبها، فيكون الفقر خيرا له في دينه، وكذلك العكس، ولتعلم أيها الأخ الكريم أن القبض والبسط من الله تعالى يجب أن يقابل من العباد بالصبر والشكر، فمن شكر الله على نعمة فاز، ومن صبر على ابتلائه نال الدرجات العلى، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] .
ومن المعلوم أنه لا يوجد بشر خلقه الله أحب إليه من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنه كان أفضل العابدين، ومع هذا اختار صلى الله عليه وسلم أن يحيا حياة الفقر، ولذا قال الشاعر:
لو كان في الفقر ازدراء لم ير ... آل النبي الصحاب فقرا
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27585، 27048، 27468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(9/5670)
الاهتمام بأمور المسلمين ليس له سن محددة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا فتاة مولعة بالسياسة والبرامج السياسية على صغر سني، وهذا بدأ من الحرب الأخيرة على العراق وأنا في بلاد الغربة، ولا أحد يفهم شعوري، وأشعر بوجود فجوة بيني وبين قريناتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاهتمام بما يحدث في بلاد المسلمين يدل على علو النفس، وقوة العقل، وليست لذلك سن محددة، بل يختلف فيه الأشخاص بحسب قدراتهم العقلية والنفسية، وقد يسبق بعض الناس في هذا المجال أقرانه، كما أنهم يسبقونه في اهتمامات أخرى، ففي الوقت الذي كان يلعب فيه الصبيان ويلهون، كان كثير من صبيان الصحابة يستمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحفظون منه، ومن أمثال هؤلاء عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعمر بن سلمة، ومحمود بن الربيع الذي قال: عقلت مجة من النبي صلى الله عليه وسلم، مجها في وجهي -وأنا ابن خمس سنين- من دلو. رواه البخاري.
وعلى المرء الذي يجد فرقاً بينه وبين أقرانه في الفكر والعقل أن يبحث عن أصدقاء يكونون على شاكلته، بحيث يزداد بالجلوس معهم علماً وخبرة وبحثاً، فإن لم يجد صاحب الكبار، وجالسهم في أوقات جده وعمله، وترك مخالطة أقرانه إلا في أوقات الترفيه والترويح، وإننا لنحذر الأخت السائلة من العجب أو الكبر، فإنهما مرضان خطيران يعطلان عن العلم ويوقعان في الإثم، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية والرشاد والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(9/5671)
الأسقام والأمراض مكفرة للسيئات رافعة للدرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أعاني من ألم كبير في أسناني وأصبر عليه فهل هذا يجعل في ميزان حسناتي؟ مع العلم بأني أهمل تنظيف الأسنان أحياناً، أجيبوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كل ما يصيب المسلم في هذه الحياة إذا احتسبه عند الله تعالى نال به أجراً، أو حُط عنه به ورز.
ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
والأخذ بالأسباب وطلب العلاج وتناول الدواء، لا يتنافى مع الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدواء والأخذ بالأسباب، وأخبر أنه لا يُنافي التوكل.
ولتفصيل ذلك وأدلته نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 21720
وأما إهمال السواك وعدم تنظيف الأسنان أو غيرها، فهذا يتنافى مع السنة، ومع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة. متفق عليه.
وعلى هذا فننصح السائل الكريم بأن يحافظ على النظافة عموماً، وخاصة نظافة الأسنان اقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالسواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وهو من خصال الفطرة التي أمر بها الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(9/5672)
الستر أولا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على من يتستر على من يأخذ أموالا ليست من حقه بل هي ملك للناس أو ملك للهيئة التي يعمل بها ذنب؟ علما بأنه حاول أن ينصح هذا الشخص أكثر من مرة، وعلما بأنه لو بلغ عنه سيتعرض هذا الشخص للمساءلة القانونية، وعليه سيظلم أهله وأولاده معه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه ينبغي للمسلم الستر على أخيه المسلم إذا رآه يرتكب معصية ما، بما في ذلك السرقة، هذا من حيث العموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري
لكن مع ذلك، يلزم الساتر نصح صاحب هذه المعصية وتخويفه من عقوبة الله تعالى، فإن تاب فبها ونعمت، وإلا، جاز رفع أمره إلى المسؤولين لردعه عن هذا الأمر.
قال ابن حجر في الفتح: عند الحديث المتقدم: والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم.
وعلى هذا، فنقول للسائل: عليك أن تقوم بنصح صاحبك هذا بالتوبة إلى الله تعالى، وبالرجوع عن هذا الفعل المشين ورد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفد ذلك وتمادى، فلا حرج في رفع أمره إلى السلطات لكفه عن ذلك، بل هذا هو الواجب في حقك، وهذ مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذون فوق يديه. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(9/5673)
اترك التخين وحافظ على الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثابكم الله: رجل يصلي ويذكر الله وأتمنى أن أصبح من المستقيمين وقد خالطت بعض الإخوة المستقيمين ولكن إلى الآن أواجه مشكلة التدخين فأنا لا أحب أن أدخن أمامهم فهل أعتبر منافقاً ولم أصدق الله في الغيب وأكون ممن تسعر وجوههم في النار؟ الرجاء الإجابه على سؤالي أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق للشبكة الإسلامية أن أصدرت فتاوى في حرمة التدخين فنحيل السائل إليها، وهي برقم: 1671 ورقم: 20739 ورقم: 28797 ورقم:
28953
وأما قول السائل: (فأنا لا أحب أن أدخن أمامهم فهل أعتبر منافقاً) ، فالجواب: الواجب عليك أن تترك التدخين نهائياً، فإن كنت مصراً على التدخين فيحرم عليك أن تدخن أمام الناس، لأن هذا مجاهرة بالمعصية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فالواجب عليك أن تستر نفسك وأن لا تجاهر بهذه المعصية لعل الله عز وجل أن يتوب عليك ويعافيك.
كما ننصح السائل ببذل الجهد في ترك هذا السم القاتل، والإكثار من الدعاء وبذل الأسباب المعينة على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(9/5674)
عندك من الغفلة ما يكفي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة الروايات لغرض التسلية في أوقات الفراغ؟ وما حكم قراءة روايات الرعب؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أولاً أخي السائل: أن المسلم لا ينبغي أن يكون له وقت فراغ، وإنما هو مطالب باستغلال الفراغ فيما ينفعه ويقربه من الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. رواه البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري عن ابن الجوزي رحمه الله قوله: ... وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم، كما قيل:
يسر الفتى طول السلامة والبقا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل
وقد جاء رجل إلى بعض السلف يسأله عن التوسع في شيء من المباحات فقال له: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها. انتهى.
ولهذا، فالأولى بك يا أخي الكريم أن تشغل وقتك ما استطعت في عبادة، كذكر الله أو تلاوة القرآن أو مطالعة كتاب نافع، أو حضور مجالس العلم ... الخ.
أما بالنسبة للروايات، فإذا كانت خالية من المخالفات الشرعية، مشتملة على مقصد حسن، فلا بأس بقراءتها.
ولمزيد من الفائدة نوصيك بمراجعة الفتوى رقم: 13278، والفتوى رقم:
17400.
أما بخصوص روايات الرعب، فالأولى الإعراض عن قراءتها، وإن كانت خالية من المخالفات الشرعية، لعدم اشتمالها على ما فيه نفع لقارئها، بل قد يكون لها مردود سيئ في نفس قارئها، لا سيما إن كانت نفسه ضعيفة، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(9/5675)
الجهر بالمعصية إثم مستقل عن إثم المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أسمع الأغاني لكن لا أشتريها إذا صادفتني أسمعها وإذا كنت وحدي أطرب بها، وحين يقام حفل غنائي في البلد لا أذهب لمشاهدته لعلمي بأنه لا يجوز سماع الأغاني، ولكن أحسست في نفسي أني مراءٍ أمام الناس، أن أسمع الأغاني لوحدي ولا أحضر الحفلات، مع العلم بأن الذنب واحد، فما حكم هذا، هل نفسي مرائية، أم أن الشيطان يزين لي هذا كي يدفع بي إلى الحفلة، أفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فعل المعاصي موجب لغضب الله وسخطه، ومعرض فاعلها للعقاب سواء فعلها خالياً أم فعلها مجاهراً، لكن فعلها جهراً أشد إثماً من فعلها سراً، لأن الجهر بالمعصية إثم في ذاته يضاف إلى إثم المعصية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... رواه البخاري وغيره.
فإذا امتنع المرء عن فعل المعصية جهراً حياءً من الله تعالى، أن يكون سبباً في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، فليس عليه إلا إثم المعصية التي وقع فيها، أما إن ترك فعلها جهراً خوفاً من الناس، بقصد الرياء فعليه إثم المعصية وإثم قصد الرياء، قال الله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [النساء:108] .
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. ذكره النووي في المجموع.
ولمعرفة حكم الأغاني وعقوبة فاعلها والتوبة منها، راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5679، 9776، 20951، 24183، 11485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(9/5676)
هل يصارح المريض بخطورة مرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي شيخ متقدم في السن (80 سنة) ، وهو مريض بمرض السرطان، مع العلم بأنه لا يعلم بمرضه،
وهو لا يصلي أو كان يصلي ثم توقف، وحالته في تدهور حسب الطبيب، هل يجوز إعلامه بمرضه حتى يعود إلى صلاته ويؤدي دينه إن كان له دين أو وصية يوصي بها
أفيدوني أفادكم، الله والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تذكر الموت والتذكير به ضروري لكل مسلم صحيحاً أو مريضاً شاباً أو شيخاً، لما في الحديث: أكثروا من ذكر هاذم اللذات.
رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه الأرناؤط والألباني.
وعليه؛ فإذا كان إعلام الوالد بمرضه يسبب له حالة نفسية، فليس من الضروري مصارحته بذلك إلا إذا تعين ذلك سبباً لتوبته.
وينبغي إسماعه بعض الأشرطة أو الرسائل التي تذكر بالموت، وتحض على التوبة والقيام بالصلاة العبادات وأداء الحقوق، كما يستحسن أن تطلبوا من أحد الصالحين أن يزوره ويذكره وينصحه.
وعليكم بترغيبه في الصلاة دائماً، لأنها لا تسقط بسبب المرض ما دام الإنسان عاقلاً، كما سبق في الفتوى رقم:
35803
ومن الكتب المهمة في الترغيب في الصلاة كتاب: رياض الصالحين، وصحيح الترغيب والترهيب، وهما موجودان في موقع الدرر السنية، فحبذا لو قرأتم له منهما دائماً، وعليكم بالرفق به والتلطف معه دائما، ولا تنسوا قول الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [الإسراء: 23-24]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(9/5677)
التقصير في حقوق الله ذنب عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أود أن أعرف حكم الإسلام في من لا يراعي حقوق الله، وهو يعرف أنه مقصر في حق الله كالصلاة، ووالله إنني لأخاف الله جداً؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتقصير في حقوق الله كالصلاة ذنب عظيم، ويجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولمعرفة الوسائل الباعثة على الخوف من الله والبعد عن معصيته، عليه أن يراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12928، 18074، 21081، 25324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(9/5678)
يريد أن يقتل تخلصا من المشاكل والزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حرم الله القتل، وتوجد سيدة تهددني أن تجعلني فى مشاكل، وتريد مقابل ذلك (الزنا) ، مما جعلني أفكر فى قتلها، فالرجاء الإجابة فى أسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن فاحشة الزنا من أقبح الذنوب وأعظم المعاصي، وقد حذر الله عز وجل في محكم كتابه من مجرد الاقتراب منه فقال جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] .
وسد كل الطرق والوسائل التي تؤدي إليه، كالخلوة والتبرج والنظرة المحرمة.
فقال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا.... [النور:31] .
وعلى هذا فيجب على المسلم أن يجعل بينه وبين الزنا ومقدماته حاجزاً يمنعه من الاقتراب منه، وكون هذه المرأة تهددك بالوقوع في المشاكل فهذا لا يبرر الوقوع في فاحشة الزنا، وبإمكانك أن تتخلص منها بوسيلة أخرى، أو ترفع أمرها إلى السلطات المسؤولة..
وأما التفكير في التخلص منها بالقتل، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال، فإن قتل النفس من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93] .
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان] .
وعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وتكثر من دعائه حتى يخلصك من الوقوع في المشاكل، أو ارتكاب الموبقات والكبائر، كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام، قال الله تعالى حكاية عنه عليه السلام: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:34] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(9/5679)
الحسنات والسيئات في تدافع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت في صغري منضبطاً في أداء واجباتي الدينية، لكن الآن كثرت ذنوبي، فهل تلك الحسنات ذهبت مني بفعل الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت نصوص القرآن والسنة أن الحسنات والسيئات في تدافع، فالكفر المخرج من الملة محبط لجميع الأعمال، وأما الذنوب دون الكفر فإنها لا تحبط جميع الأعمال وإن كانت محبطة لبعضها، كما قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264] .
وفي سنن ابن ماجه وغيرها: من فاتته صلاة العصر حبط عمله.
فيجب على المسلم التحرز من الذنوب، والإكثار من الصالحات والمبادرة بالتوبة، فإن من صدق الله عز وجل في التوبة موعود بأن يبدل الله سيئاته حسنات، كما أخبر الله سبحانه في آخر سورة الفرقان، فننصح الأخ بالمبادرة بالتوبة والإكثار من الصالحات، وليحسن الظن بالله عز وجل فإنه سبحانه عند ظن عبده به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(9/5680)
مجالس النساء إذا اشتملت على الرقص
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تذهب إلى مجالس للنساء يتحدثون فيها، وفي بعض الأحيان يرقصون ويصرون أن ترقص أمي معهم، فأرجو أن تكتب لي حكم ذلك، وأن تكتب نصيحة لأمي وأن تدعو لها بالهداية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجالس النساء إن سلمت من الكلام المحرم كالغيبة والنميمة ونحوهما، فالغالب عليها اللغو والهذر وتضييع الوقت، وينبغي للمسلم الإعراض عن ذلك لعدة أمور:
1-أن ما يصدر عنه من أقوال وأفعال سيجده مكتوباً في صحيفة أعماله، وسيحاسب عليه، قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كراما كاتبين*يعلمون ما تفعلون) (الانفطار:10-13)
2-أن الله تعالى بين أن من صفات المتقين الإعراض عن اللغو، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) ، وقال تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان: 72) .
3-أن مجالس اللغو تعود بالندامة والحسرة على أصحابها، فقد أخرج أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة".
أما الرقص فإذا كان بحضور النساء وحدهن مع ستر العورات وخلوه من كلام قبيح يدعو للرذيلة فهو مباح، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 5659
ويحسن أن نهنئ السائل على حرصه على استقامة أمه، ونسأل الله تعالى أن يوفقها إلى طريق الحق.
ثم ننصح هذه الأم بأن تحرص على استغلال وقتها في ما يفيد من تعلم أمور دينها، كحفظ بعض كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاشتغال بما ينفعها في دنياها من تدبير أمور البيت، ولتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " رواه البخاري وغيره.
ولتتذكر أن هذه المجالس تحرم إذا كانت مشتملة على الخوض في أعراض الناس.
وراجع الفتوى رقم: 35028 والفتوى رقم:
9698
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(9/5681)
بالصبر والتقوى ينال المرء ما يريد
[السُّؤَالُ]
ـ[مضى من عمري سبعة وعشرون عاماً، ولم أستطع الزواج حتى الآن لأسباب مادية، ماذا أفعل، علماً بأنني مصاب بداء الشقيقة ولا قدرة لدي على الصيام، والله المستعان على ما يصفون؟ والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عليك أن تتقي الله عز وجل وتلجم نفسك بالصبر، وتلجأ إلى الله تعالى وتكثر من دعائه وخاصة في أوقات الإجابة، فهو سبحانه وتعالى مجيب دعوة المضطرين.. فإذا علم الله تعالى منك الصدق والإخلاص في طلب الحلال والبعد عن الحرام جعل لك فرجاً مما أنت فيه ويسر أمرك من حيث لا تدري.. فهو سبحانه وتعالى القائل في محكم كتابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3] .
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ويحصن فرجك..، ولمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 1254، والفتوى رقم: 12919.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(9/5682)
كان متفوقا ثم فقد القدرة على الحفظ والتركيز
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الشيوخ الأفاضل: الرجاء من الله أن يعينكم على الإجابة السريعة علي سؤالي لأنني في كرب شديد: أنا في كلية الطب وقد كنت متفوقا، ولكن أصابني شيء غريب من عدم القدرة على حفظ أو تذكر أي علم أو درس مهما بذلت فيه من جهد، ولا أدري السبب، فهل من معينات أو أدعية أو صلوات أو قراءة سور معينة تعيد لي ذاكرتي، لو سمحتم أجيبوا سريعا أجيبوا سريعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يكشف ما بك من ضر، وأن يرزقك العفو والعافية، وبخصوص ما تشكو منه من عدم القدرة على الحفظ والتركيز، فإن ذلك قد يرجع إلى أسباب عادية من أمراض عضوية، أو شواغل دنيوية، أو ضغوط نفسية، ونحو ذلك.
فعليك أن ترجع إلى أهل الاختصاص في كل منها، ولعل من المناسب أن نذكر هنا ما قاله بعض السلف من كون المعاصي سبباً في نسيان العلم، ومن ذلك ما أثر عن الشافعي من قوله شعراً:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يؤتاه عاصي
وقد يرجع ذلك إلى الإصابة بعين أو سحر أو نحوهما، فعليك حينئذ أن تلجأ إلى الرقية الشرعية، وأن تكثر من التضرع إلى الله تعالى بالدعاء، لا سيما ما ورد فيه سؤال الله تعالى العافية في البدن، ومن ذلك بعض الأدعية في أذكار الصباح والمساء.
وننبهك إلى أن تتذكر دائماً أن هذه المصائب ابتلاءات، وأن للمؤمن عندها عبودية لله تعالى، ألا وهي الصبر بمعنى عدم السخط، فينال بذلك عالي الدرجات وتكفير السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/5683)
العراق والفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يفيد بأن العراق أرض فتن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ? الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم انفتل فأقبل على القوم فقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مُدّنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجل: والعراق يا رسول الله، فسكت، ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجل: والعراق يا رسول الله، قال: من ثَم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن.
ولا يعني هذا الحكم على أحد بعينه بمدح أو ذم تبعا للمكان المدعو له أو المسكوت عنه، فكم أنجبت العراق وما حولها من الرجال الأفذاذ والأئمة الكبار والقادة الفاتحين والدعاة المصلحين والعباد الزاهدين -كغيرها من البلاد- مما لا يعد ولا يحصى، بل إن نصيب العراق من إنجاب الخيرين الأفذاذ كان أكبر من نصيب غيرها غالبا.
وقد ورد في أحاديث أخرى الدعاء للعراق مع غيرها من البلاد.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونظر إلى الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ونظر إلى العراق فقال نحو ذلك، ونظر قبل كل أفق ففعل ذلك، وقال: اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض وبارك لنا في مدنا وصاعنا.
ومثله في الأدب المفرد عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر نظر نحو اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ونظر نحو العراق فقال مثل ذلك، ونظر نحو كل أفق فقال مثل ذلك وقال: اللهم ارزقنا من تراث الأرض وبارك لنا في مدنا وصاعنا.
وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة فيها الإشارة إلى أن جهة المشرق تظهر منها الفتن والزلازل، ولتفاصيل ذلك وأقوال العلماء فيه نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 3576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(9/5684)
التوبة من الغيبة والنميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكفر عن ذنب النميمة والغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة والنميمة من أقبح الذنوب وأشدها تحريماً، لما فيها من انتهاك ما حرم الله والوقوع في أعراض الناس.
وقد قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] .
وقال تعالى في شأن النميمة وذمها: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] .
والتوبة واجبة من كل ذنب، وإذا تاب العبد تاب الله تعالى عليه وغفر ذنوبه إذا توافرت شروط التوبة.
ويشرط لقبول التوبة: أن يقلع العبد عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعقد العزم ألا يعود إليها في ما بقي من عمره، وإذا كانت المعصية بحق آدمي فإنها تزيد على الثلاثة المذكورة شرطاً رابعاً، وهو أن يبرأ من حق صاحبها ويتحلل منه، إن أمكن ذلك ولم يؤد إلى مفسدة أعظم.
فإذا كان طلب السماح من صاحب الحق يؤدي إلى زيادة البغضاء والشقاق، فعلى المرء حينئذ طلب السماح من أخيه في الجملة، ولا يبين له أنه حمل عنه نميمة أو اغتابه، لئلا يوغر ذلك صدره ويؤدي إلى فساد أكبر.
وقال بعض أهل العلم عليه أن يذكره بالخير في الأماكن والمجالس التي ذكره فيها بما لا ينبغي ويستغفر له بكثرة.
والحاصل أن تكفير النميمة والغيبة يحصل بالتوبة النصوح المستوفية الشروط، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 5976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(9/5685)
أشبه شيء باللمم
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً
اللمم هو صغائر الذنوب نريد ذكر هذه الذنوب وأمثله لها، كما وردت هذه الكلمة اللمم في سورة النجم "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللمم تعني صغائر الذنوب، وقد ذكرت أمثلة منها في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وهذه الصغائر لا ينبغي التساهل فيها، لأن الصغيرة مع الإصرار عليها قد تتحول إلى كبيرة، بالإضافة إلى أن الإدمان على الصغائر سبب لهلاك الإنسان، ففي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.
وتكفر الصغائر باجتناب الكبائر لقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] .
كما تكفر بأداء الصلوات الخمس وصيام رمضان وحضور صلاة الجمعة، لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(9/5686)
أسباب قلة الرزق وعدم وجود البركه فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- أسباب قلة الرزق وعدم وجود البركه فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعظم أسباب قلة الزرق والبركة كثرة المعاصي والغفلة عن ذكر الله تعالى واستغفاره، وعدم امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
ومن أهم أسباب جلب الرزق، وتحصيل البركة طاعة الله تعالى وتقواه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] .
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] .
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 6121.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5687)
المصائب من عقوبات الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي عقوبة الدنيا؟ وكيفية التعرف على أنها حقا عقوبة في الدنيا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت بنص كتاب الله تعالى أن المصائب التي تصيب العباد إنما هي بسبب ذنوب اقترفوها، وأن ما يعفى عنه من ذلك كثير، حيث قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وليس من المهم أن يعرف المسلم أنه عوقب على هذا الذنب أم لا، بل عليه عند حلول المصائب أن يعلم أنها ابتلاء من الله تعالى، يكفر بها عن السيئات ويرفع بها الدرجات، فيكون ذلك دافعاً له للصبر عليها، والرضا عن الله تعالى بها، فيحقق بذلك بعض أنواع العبودية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 31289، والفتوى رقم: 5249.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(9/5688)
من يستحق المغفرة ومن لا يستحقها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لله تعالى أن يغفر لمن شاء لا راد لمشيئته ولكن ما السبب لمغفرته ذنوب عباد من عباده دون غيرهم؟ وهل يدخل في المشيئه من أرتكب ذنوباً كبيرة وتاب ولم يحد؟ وهل القاتل التائب يكون من ضمنهم؟
ولكم خالص الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء [النساء:48] ، واتفق أهل السنة والجماعة على أن الذنوب التي دون الشرك يغفرها الله، وأن صاحبها تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ومرجع ذلك إلى الله تعالى، فهو أعلم وأخبر بمن يستحق العفو ومن لا يستحقه؛ لأن بعض من ارتكب بعض كبائر الذنوب له رصيد آخر من الحسنات وأعمال بها يعفو الله تعالى عن كبيرته التي لم يتب منها. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] . ويتفضل سبحانه وتعالى على بعض عباده تكرمًا منه بما شاء، وليس لنا أن نعترض على ذلك؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
والكبائر على قسمين:
الأول: ما كانت بين العبد وبين ربه فقط.
الثاني: ما تعلق بها حق لآدمي.
فالأول كالزنا وشرب الخمر، فهذه تكفي فيها التوبة، ويندب أن يستر الإنسان على نفسه فيها ولا يرفع أمره للحاكم لإقامة الحد عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى. رواه مالك مرسلاً والحاكم والبيهقي بسند جيد.
وأما الثانية، فكالقتل بغير حق والسرقة ونحو ذلك، فمن تاب تاب الله عليه، ولكن يبقى عليه التحلل من ظلم الآخرين، فيجب عليه رد المسروق وتسليم نفسه لأولياء المقتول للقصاص أو العفو إلى الدية، أو إلى غير دية، وبذلك تبرأ ذمته، فإن لم يفعل فإنهم يوم القيامة يأخذون بقدر مظلمتهم من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم ألقي في النار.
وهل يبقى عليه حق المقتول أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وقد فصل هذا شيخ الإسلام في الفتاوى، فقال: قَاتِلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ " حَقَّانِ ": حَقٌّ لِلَّهِ بِكَوْنِهِ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَانْتَهَكَ حُرُمَاتِهِ. فَهَذَا الذَّنْبُ يَغْفِرُهُ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر:53] . أَيْ لِمَنْ تَابَ. وَقَالَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان:68-70] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: أَبَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تَكُونُ لَك تَوْبَةٌ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، وَلَكِنْ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا فَإِنَّ فِيهَا قَوْمًا صَالِحِينَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ; فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاسَ فَإِلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ أُلْحِقَ بِهِ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) .
وَالْحَقُّ الثَّانِي: حَقُّ الْآدَمِيِّينَ. فَعَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ فَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ، أَوْ يُصَالِحَهُمْ بِمَالِ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ الْعَفْوَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِمْ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ. وَهَلْ يَبْقَى لِلْمَقْتُولِ عَلَيْهِ حَقٌّ يُطَالِبُهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَمَنْ قَالَ يَبْقَى لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ الْقَاتِلُ مِنْ الْحَسَنَاتِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَقْتُولَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَبْقَى لَهُ مَا يَبْقَى، فَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْقَاتِلُ التَّائِبُ مِنْ الْحَسَنَاتِ رُجِيَتْ لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ ; وَأَنْجَاهُ مِنْ النَّارِ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ.
وراجع الفتاوى التالية: 31416، 31318، 34852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5689)
عموم التوبة من المعاصي كافية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتوب الإنسان من الشيء الذي لا يعرفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أنك تقصد الذنب الذي فعلته، ونسيت تعيين ذلك الذنب.
فإن كان الأمر كذلك، فيكفي العموم في التوبة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو فيقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
لكن إن تيقنت أو غلب على ظنك تعلق الذنب بمخلوق، فيجب عليك التحلل منه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 2094، والفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(9/5690)
الدعاء بجعل علامة دالة على قبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وكنت على علاقة بسيدة أخرى وفي مرة شعرت بندم على هذه العلاقة وقلت لا أحد يضمن عمره فأسرعت بالاستغفار من الله سبحانه وتعالى بشدة وطلبت علامة منه في حالة قبول التوبة ووقتها شعرت بارتعاش وشيء يسير بداخلي وهنا قلت أنني سأموت ومن وقتها والشعور معي في كل كلمة وفعل وخوف ما هو ردكم على ذلك؟ وهل هناك خطأ في طلبي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحسناً فعلت بمبادرتك إلى التوبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبلها منك، واعلم أن من أهم علامات قبول التوبة ما يحدث للتائب من توفيق إلى الطاعات ومن الثبات على الحق، وغير ذلك من علامات قد سبق ذكرها في الفتوى رقم: 5646، والفتوى رقم: 29785.
وأما دعاؤك لله سبحانه بأن يجعل لك علامة لقبول التوبة فلا حرج فيه إن شاء الله، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ما تشعر به هو هذه العلامة، بل قد يرجع ذلك إلى أمر عادي من مرض عضوي، أو شدة الخوف بسبب تذكر الذنب، أو غير ذلك.
فكن على ثقة بربك، وأحسن به الظن، واطلب الرقى الشرعية، وراجع أهل الاختصاص بالأمراض العضوية، نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يغفر ذنبك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(9/5691)
قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يبارك الله للمسيحيين ولا يستطيعون أن يفهموا أن الإسلام هو الدين الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ينعم الله به على الكفار من نعم الدنيا ليس مباركة منه سبحانه، إنما هو استدراج لهم. قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183] .
والآيات التي فيها أن ما يعطاه الكفار من النعيم إنما هو استدراج كثيرة، ومنها قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126] .
وقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:196-197] .
وقوله تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70] .
وقوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:61] .
وقوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35] .
والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة أيضا ومنها:
-قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم.
-وقوله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.
-وفي صحيح البخاري في حديث طويل أن عمر رضي الله عنه قال: "ثم رفعت بصري في بيته -أي النبي صلى الله عليه وسلم- فو الله ما رأيت شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثK فقلت: ادع الله أن يوسع على أمتك فإن فارس والروم وُسع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، وكان متكئا فجلس فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب!! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا".
وننبه في الختام إلى أن أهم سبب في عدم فهم كثير من النصارى للإسلام على وجهه الصحيح هو تقصير المسلمين في دعوتهم للإسلام وبيانه لهم، وكذلك بعد المسلمين أنفسهم عن حقيقة الإسلام، وممارستهم لأعمال لا يقرها الإسلام.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1424(9/5692)
هل نسقط ماضي العاصي التائب على حاضره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حقنا أن نحكم على إنسان من ماضيه إن كان غير متخلق أو غير متدين وكان عاصيا لله ثم تاب توبة نصوحا بأنه غير صالح ولا يمكن مثلا جعله زوجا أو زوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل توبته ويغفر ذنوبه، ولا يجوز أن يعامل معاملة العاصي المصر، فالتوبة تجب ما قبلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(9/5693)
كيفية الاستحلال من الحقوق المادية والمعنوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وارد طلب الدعاء والاستغفار أو قراءة القرآن وإهداء الأجر لمن لهم عليّ حقوق مادية أو معنوية ولا أستطيع طلب المسامحة منهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحقوق المادية لابد من ردها لأصحابها أو استحلالهم منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. خرجه البخاري.
وبالنسبة للحقوق المعنوية، فإن كنت لا تستطيع طلب المسامحة من أهلها خشية حصول ضرر أعظم، فلك أن تجتهد لهم في الدعاء والاستغفار، وعسى أن يكون في ذلك تكفير عن بعض حقوقهم.
وأما القرآن، فقد اختلف في جواز إهداء ثوابه إلى الغير، وانظر كل ذلك في الفتوى رقم: 4603، والفتوى رقم: 27664.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5694)
جواز اتخاذ وسيلة تذكر بالموت
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
أنا عندي ربطة من كفن مسلم غسلناه ثم كفناه ولما دفناه أخذتها وعلقتها في غرفتي لأراها في كل وقت وحين.. وذلك من باب تذكر الموت، وأيضا كي لا أغفل عن ذكر الله أو أن أعصي الله بالغيب، فهل هذا العمل بدعة؟ .. وبالله التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الموت وما بعد الموت ويتخذ من الوسائل والأسباب ما يعينه على ذلك، حتى لا يغفل عن المصير المحتوم؛ فقد روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي، واللفظ له، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَأَكْثِرُوا من ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَاتِ المَوْتِ، فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاّ تَكَلّمَ فيه يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، وأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ وأَنَا بَيْتُ التّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُودِ.... إِنّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النّارِ.
ولتذكر الموت والاستعداد له، فقد أعد بعض السلف الصالح من الصحابة كفنه كما في صحيح البخاري.
وعلى ذلك فمن اتخذ وسيلة تنبهه على ذكر الموت الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من ذكره، فلا يعد مبتدعًا؛ لأنه مجرد وسيلة للتنبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/5695)
ما أصر من استغفر وإن عاد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم..
ما حكم من يعود إلى المعصية بعد التوبة منها..وقد يحدث هذا تكرارا إذ ينوي الشخص ترك تلك المعصية ولكن يغويه الشيطان فيعود إليها ثانية ثم يتوب ويعود وهكذا يتقلب بين المعصية والتوبة منها، علما بأن المجتمع الذي يعيش فيه يشجعه على اقتراف المعاصي..أعاذنا الله وإياكم..؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان قد يقع في المعصية والذنب استسلامًا لقهر الهوى أو لنزعة النفس أو لغلبة الشيطان. والمؤمن مطالب بمقاومة ذلك كله. وإذا علم أن البيئة لا تساعده على الاستقامة وجب عليه أن يهاجر إلى مكان آخر يحافظ فيه على إيمانه واستقامته إن أمكنه ذلك.
وأما معاودته الذنب بعد التوبة منه، فلا تمحو توبته الأولى، إذا كانت خالصة لله، مع توفر شروط قبولها التي هي: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم ألا يعود إليه.
وعليه أن يستكثر من الاستغفار. روى أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رفعه: ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
وأخرج الشيخان وأحمد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن عبداً أصاب ذنباً، وربما قال: أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً، أو أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً، وربما قال: أصاب ذنباً، قال: قال: ربِّ أصبت - أو قال: أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثاً، فليعمل ما شاء.
ومما يعين على الاستقامة مطالعة كتب الترغيب والترهيب وأهوال يوم القيامة، مع الصلاة في الجماعة، وحضور الدروس والمحاضرات الدينية، ومجالسة أهل الخير، والبعد عن قرناء السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1424(9/5696)
من أسباب قلة البركة في الكسب
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة 5 سنوات وأنا أعاني من قلة بركة المال الذي أكتسب علماً بأني أراعي الحلال والحرام في كسب المال وأبر والدي رأى قريب لي رؤيا فسرت أن هناك من يحسدني على هذا ويتمنى زوال هذه النعمة.
أفيدوني جزاكم الله خيراً كيف أتخلص من هذا الحسد أو العين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ما أصابك قد يكون مجرد ابتلاء من الله تعالى، ليثقل به ميزان حسناتك، ويكفر عنك من سيئاتك، ويرفع به درجاتك. وقد يكون بسبب ما ذكرت من الحسد ونحوه. فعليك بالصبر وبذل الأسباب المشروعة من التضرع إلى الله تعالى بالدعاء، والتداوي بالرقى الشرعية. لعل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويكشف عنك الضر.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 13849، 3273، 7151.
زادك الله حرصًا على البر وطلب الحلال، وبارك الله لك في رزقك.
ثم اعلم أن ما يراه النائم وما يعبر به، لا يجوز للمسلم أن يجعله خبرًا موثوقاً به، بحيث يتهم على أساسه مسلمًا بحسد أو غيره، والأصل في المسلمين أن يُحملوا على سلامة الصدور ونظافة القلوب، حتى يتحقق خلاف ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(9/5697)
من مات على التوبة يرجى له القبول والمغفرة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف شخصا متزوجا وسنه كبير قد ارتكب من الكبائر الكثير من زنا وربا وسرقة وإفطار في رمضان، ولكن قبل موته بعشر سنين استقام وصار من المصلين الصوامين وكثير الصدقة ويحن على الفقراء وعمل له صدقه جارية وكنا لا نراه إلا مستغفراً، فهل الله سيغفر له وينجيه من العذاب ولو كان عليه حدود ولكنه مات على التوبة النصوح وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب تاب الله عليه مهما عظم الذنب وكثر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما قبلها، ومن مات على التوبة رجونا له القبول والمغفرة من الله، والنجاة من العذاب، ولو كانت عليه حدود ما لم تكن متعلقة بحقوق العباد. وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى التالية: 9394، 24916، 16907.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1424(9/5698)
كيف تصون إيمانك في الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت على درجة عالية من التدين قبل أن التحق بالجامعة، وكنت أحفظ البقرة وأغض البصر وكنت متفوقا في دراستي، وبعد أن التحقت بالجامعة أصبحت لا أشعر بحلاوة الإيمان، ونسيت القرآن ومازلت أحافظ على الصلوات حتى الفجر دون خشوع، ورسبت في الجامعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ثم إن بعض الطلبة إذا التحقوا بالجامعات يطلقون العنان لأبصارهم إلى الطالبات الجامعيات، ولجوارحهم إلى سائر المحرمات، ويتركون الأذكار وتلاوة القرآن بالكلية، فتقسو قلوبهم، فلم يعودوا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، على ما أُشْربوا من الهوى. فإذا وصلوا تلك المرحلة ذهبت عنهم حلاوة الإيمان والخشوع في الصلوات، ونسوا كل شيء.
وحلاوة الإيمان ولذته تحصلان بالعلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبسيرته وبشمائله وعبادته. فعليك إذا كنت تريد تحصيل حلاوة الإيمان أن: تطيع الله، وتبتعد عن كل ما يسبب سخطه، وترضى به ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وتحب لله، وتبغض لله، فتحب أولياءه، وتبغض أعداءه.
روى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، من حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبّهُ إِلاّ لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُود فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكَرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النّارِ.
وعن ابن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا وَباْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً. أخرجه مسلم والترمذي وأحمد.
ثم عليك بتلاوة القرآن، فإنه جلاء للقلوب، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق العالية، مرفوعًا: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه.
وروى الشيخان وأحمد، من حديث أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها.
فإذا حافظت على كل هذا وعلى أداء الصلوات في الجماعة فعسى أن تجد عناية من الله تعيد إليك ما كنت عليه من التدين، فتحظى بحلاوة الإيمان، وتخشع في صلاتك، وتحفظ ما ييسره الله لك من القرآن، ثم تنجح في الجامعة، فإن كل ذلك بيد الله، ولا شك أن طاعته أولى بتحصيل عنايته ولطفه من معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(9/5699)
دفع توهم التعارض في نصوص التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم"إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه"وبين قول الله تعالي: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" وآيات أخرى والحديث القدسي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا....الخ الحديث أتمنى التوضيح ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يوجد تعارض في حقيقة الأمر بين نصوص الوحي؛ لأن الكل من عند الله تعالى، وقد قال سبحانه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] . وما يظهر من تعارض إنما هو لاختلاف العقول في فهم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض والحمد لله بين ما ذكر السائل من نصوص، فإن ما ورد منها مطلقًا في مغفرة الله للذنوب فهو مقيد بمن تاب، لذا قال ابن كثير عند تفسير آية سورة الزمر: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] قال: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هذه النصوص مقيدة بالمشيئة. قال القرطبي في تفسيره، عند الكلام عن الآية نفسها: أي ويغفر الله لمن يشاء. وقد عرف الله عز وجل من شاء أن يغفر له، وهو التائب، أو من عمل صغيرة ولم تكن له كبيرة، ودلَّ على أنه يريد التائب ما بعده (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) [الزمر:54] فالتائب مغفور له ذنوبه جميعا يدل على ذلك (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ) [طه:82] . انتهى كلام القرطبي.
فإذا كان الأمر كذلك دلَّ على أن هذه النصوص لا تُعارِض ما جاء معلقًا بالمشيئة من نصوص القرآن والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1424(9/5700)
خير واعظ للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج إلى كلمة وعظية لا تتجاوز صفحة حتى أضعها في كتيب مسابقة في المستشفى خاصة بالشباب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القلوب تقسو والنفوس تلهو والعقول تغفل، ولا بد من واعظ، وخير واعظ يرد النفس عن هواها، تذكر الموت ومفارقة هذه الحياة إلى دار الجزاء.
ولذلك يروى في الحديث الذي رواه الطبراني وإن كان ضعيفا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالموت واعظا.
وأي واعظ أبلغ من هذا الواعظ؟ فبينما ترى الإنسان وجها مضيئا وجسدا حيا وعقلا مدبرا، إذا بالموت ينزل به فيذبل ذلك الوجه المضيء ويموت الجسد الحي، ويتحول الإنسان إلى جثة هامدة لتوارى في التراب، فينبغي للعاقل الحازم أن يتذكر تلك اللحظات ولا يغتر بما هو فيه من العافية والسلامة، فالموت يأتي بغتة.
وقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله: فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. وجود إسناده العراقي رحمه الله.
وصدق من قال:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا، والموت على ما فيه من أهوال وشدائد، إلا أنه باب يدخل منه إلى غيره، فإما نعيم وإما جحيم، فليستعد العاقل لتلك اللحظات، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1424(9/5701)
التوبة تكفر جميع الذنوب بما فيها الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر للمشرك اذا تاب
قال تعالى "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ" سورة الأنفال
وما معنى قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا" سورة النساء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمشرك إذا تاب من شركه يغفر له. ذلك ما صرحت به الآية التي جئت بها من سورة الأنفال، قال ابن كثير في تفسيرها: قل للذين كفروا إن ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد، ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة، يغفر لهم ما قد سلف، أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم.. (2407) .
وليس بينها وبين الآية التي في سورة النساء تناقض، فآية النساء تعني أن الله تعالى لا يغفر لمن مات على شركه، قال ابن كثير في تفسيرها: لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك. (1675) . وما سوى الشرك، صاحبه في المشيئة، يمكن أن يغفر له دون توبة، ويمكن أن لا يغفر له، لكنه مآله إلى الجنة، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر: أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار. أخرجه مسلم وأحمد.
وأما مع التوبة، فالله تعالى يغفر الشرك وغيره، روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ":قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
فهذا صريح في أن التوبة تكفر جميع الذنوب والشرك هو أعظمها.
وراجع الجواب رقم: 33782، والجواب رقم: 34166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(9/5702)
خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنني سمعت أن العصاة المصرين على الكبائر يوم القيامة هم ثلاثة أقسام: منهم من لا يدخل النار لكثرة حسناته، ومنهم أهل الأعراف، ومنهم يدخلون النار لكثرة سيئاتهم فهل هذا صحيح؟ وهل ينال المصر كثير الحسنات عذابا في القبر؟ وهل التائب من الكبائر ولو كثرت وفحشت ولم ينل حدا في الدنيا ولكنه عاد لله وأكثر من حسناته هل عليه عذاب في القبر أو دخول النار يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر هو أن من تاب منها تاب الله عليه، ولم يؤاخذ بها، لأن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وراجع لهذا المعنى تفسير ابن كثير عند قوله تعالى من سورة مريم: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60] . وقال الله تعالى بعد أن ذكر كبائر الذنوب من شركٍ وقتلٍ للنفس المحرمة وزنًا وما يستحقه فاعلوها إن لم يتوبوا، قال: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:71] . والآيات قبلها.
والأدلة على هذا المعنى من الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، وراجع الفتويين التاليتين: 33782، 34166.
هذا في حق التائب من الذنب، أنه لا يؤاخذ به، وكذلك من أقيم عليه الحد بسببه، وإن لم يتب منه ولم يقم عليه الحد- إن كان الذنب مما فيه حد- ومات مصرًّا عليه فهو تحت المشيئة إن شاء الله عاقبه وإن شاء عفا عنه، ما لم ترجح حسناته على سيئاته، فإن رجحت حسناته لم يدخل النار أصلاً.
روى الأئمة مالك وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث بيعة الرجال: فَمَنْ وَفَى بِذَلِكَ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله. ومَنْ أصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ. ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَسَتَرَه الله عَلَيْهِ، فَهُو إلَى الله إنْ شَاءَ عَذّبَهُ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
أما غير التائب ممن رجحت سيئاته على حسناته، فقد قدمنا أنه تحت المشيئة، وإن دخل النار لا يخلد فيها، لأن التوحيد، يخرجه من النار إما بشفاعة، وإما بغير شفاعة. ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أهل الأعراف، ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(9/5703)
كيف تكتسب قلبا خاشعا رقيقا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اقرأ في الشبكة:
الأكذوبة التواصلية..!
كيف يكون قلبي خاشعا رقيقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يسمى بالأكذوبة التواصلية فيما يتعلق بما يسمى علم التواصل، وأنه يميز بين الكذب المادي وغير المادي، فهناك مقال منشور بالصفحة الرئيسية بالشبكة الإسلامية في (اقرأ في الشبكة - مزيد) ، ويمكنك الاطلاع عليه هناك لمعرفة ما يسمى بالأكذوبة التواصلية.
وأما كيف يكون قلبك خاشعًا رقيقًا فإليك بعض النصائح:
أولاً: القيام بفعل الواجبات وترك المحرمات، والبعد عن الشبهات.
ثانيًا: الإكثار من نوافل العبادات، خاصة صلاة الليل وصيام التطوع.
ثالثًا: التدرب على الخشوع في الصلاة بصفة خاصة؛ لأن الخشوع هو روح الصلاة، ومن خشع في صلاته استحضر عظمة ربه فرقَّ قلبه، فانعكس ذلك على سلوكه رقة وسكونًا وتواضعًا، ولذلك مدح الله المؤمنين الخاشعين في صلاتهم ووصفهم بالفلاح، وجعل أول أسباب فلاحهم في الدنيا والآخرة هو الخشوع في الصلاة، حيث قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2] .
أما كيف تخشع في صلاتك فاقرأ الفتاوى التالية: 3087، 11759، 24093.
وهناك كتاب جيد في الموضوع، عنوانه "ثلاثة وثلاثون سببًا للخشوع في الصلاة" وهو منشور على الإنترنت، يمكنك البحث عنه. وكتاب قيم آخر للعلامة ابن القيم رحمه الله، عنوانه "ذوق الصلاة" ننصحك بقراءته.
رابعًا: المداومة على ذكر الله تعالى في كل أحوالك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى كل أحواله. متفق عليه.
فإن من لازم ذكر الله ارتبط قلبه بالله، فصار رقيقًا خاشعًا، يتأثر بالموعظة، ويبادر للطاعة، ويرق قلبه للخلق ويمتلئ رحمة وحبًا للمؤمنين، فينعكس هذا على سلوكه وتعامله مع الخلق بالحق والإنصاف والإيثار.
خامسًا: الإكثار من تلاوة القرآن مع التدبر لمعانيه، ومعرفة أحكامه، والعمل بها، فإن قراءة القرآن من أقوى الأسباب الجالبة لخشوع القلب ورقته. قال الله تعالى عن هذا القرآن ومدى تأثيره: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] ، وقال عنه أيضًا: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23] .
وهو شفاء للقلوب من أمراضها وقسوتها وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82] ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] ، وقال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58] .
سادسًا: تفريغ القلب- ما أمكن- من الدنيا وشواغلها وصوارفها التي تقطع العبد عن ربه، فإذا تفرغ قلبه لربه أصبح رقيقًا خاشعًا.
سابعًا: التضرع إلى الله تعالى بالدعاء والإخلاص في ذلك، والإلحاح في الدعاء، والتعوذ بالله من قسوة القلب فـ إِنّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرّحْمَنِ- عز وجل- كَقَلْبٍ وَاحِدٍ. يُصَرّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ. رواه مسلم. وغيره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا على طاعَتِكَ. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وختامًا نسأل الله لنا ولك رقة القلب وخشوع النفس وخضوع الجوارح لله رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(9/5704)
تكفل الله برزق الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم الخوف من انقطاع الرزق في المستقبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف من انقطاع الرزق في المستقبل أمر خطير مناقض لما يجب أن يكون عند العبد من اليقين بالله وبربوبيته، وأنه تكفل له برزقه، وأنه لا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى، وأن العبد لن يموت حتى يأخذ جميع رزقه الذي كتب له عند نفخ الروح فيه. ويدل لهذا صريح الوحي كتابًا وسنة. قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] ، وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60] وقال: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2] ، وقال: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107] .
وفي الحديث: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ. روه مسلم من حديث ابن مسعود. رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(9/5705)
ترك السيئة بين الحسنة المجردة والحسنة المضاعفة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله أخي في الله أريد مساعدتك حتى يطمئن قلبي لقد كانت نيتي سيئة لشيء ما وقد رجعت عمّا كنت أنوي فما حكم الدين في ذلك؟ علماً بأن هذا الشيء كان تجاه شخص أحبه. والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه عز وجل قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإذا همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن همّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند قوله صلى الله عليه وسلم: ومن همّ بسيئة فلم يعملها.... ظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك، لكن قيده في حديث الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة. وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن لم يقع عنده من أجلي ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرَّاي.. وهي بمعنى من أجلي. ونقل عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه، ثم صوب حمل مطلقه على ما قُيد في حديث أبي هريرة، قال الحافظ: ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استهتار ما قُيد به دون حسنة الآخر، لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر، والكف عن الشر خير، ويحتمل أيضاً أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة، فإن تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة ... انتهى المراد. فالخلاصة أنه ليس عليك في ما هممت به ثم تركته شيء، بل إن كان تركك لذلك من أجل الله فأنت مأجور بلا خلاف. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(9/5706)
التائب من الذنوب هل يعذب عليها يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا تائب من معاص كبيرة، وأريد أن أقابل الله تائبا وسمعت عن تبديل السيئات إلى حسنات، وإن كان تفسيرها تبديلها في الدنيا ومعاقبتي على المعاصي في الآخرة بعد الدخول إلى النار ثم تبديلها -اللهم لا اعتراض- أشعر أنها عقوبة كبيرة، وهل يكون ذلك العقاب مهما استكثرت من حسناتي في الدنيا؟ علما بأن ذنوبي كثيرة، ولم أترك ذنبا إلا عملته، فوالله قلبي يكاد ينخلع من مكانه من خوفي من الله سبحانه وتعالى، ولك تحياتي وجزيت خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم - وفقنا الله وإياك لطاعته والتوبة الصادقة - أن الله تعالى واسع المغفرة. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وروى الإمام مسلم وابن ماجه والدرامي وأحمد من حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه عن ربه تبارك وتعالى- قال: ... وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً. وفي رواية للترمذي: يا ابنَ آدَمَ إِنّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي. يا ابنَ آدَمَ إنّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.
والله تعالى يبدل سيئات المسيئين حسنات إذا تابوا وأخلصوا في توبتهم لله تعالى، وعملوا الأعمال الصالحة. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68- 70] .
ثم إن ما ذكرته من التفسير للآية ليس صحيحًا، إذ الخبر فيها على ظاهره، ولم يرد في تفسير ما أن التائبين يعذبون في النار بعد تبديل سيئاتهم حسنات في الدنيا.
والحاصل: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فعليك بالتوبة والإكثار من الأعمال الصالحة. وانظر شروط قبول التوبة في الفتوى رقم: 5548.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(9/5707)
العبادة في الهرج كهجرة إلي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أفيدوني أفادكم الله أنا شاب أحب أن أعفي لحيتي، وكذلك أحب الصلاة مع الجماعة، وأن أرفع إزاري، ولكن إن فعلت ذلك فسوف أجد عشرات من يتبعني في كل لحظة وفي كل حين، وربما أجد نفسي في السجن فهل لي أن أترك إعفاء اللحية والإزار وصلاة الجماعة؟ أم أتمسك بها ولا يهمني شيء، ما هو الصحيح؟ أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الناس عند البلاء ينقسمون إلى قسمين: ناجح موفق، ومخفق فاشل، فالابتلاء سنة كونية ليظهر الصادق من غيره، كما قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3] .
فعليك أخي المسلم بالمواظبة على أومر الله تعالى، وما ذكرت من الطاعات التي يشق عليك فعلها بسبب إنكار الغير واستغرابهم لا يكوننّ عقبة في وجه فعلك لطاعة الله تعالى، فإن الأجر في هذه الحالة أعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إلي رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر رواه الترمذي وغيره.
والشيطان دائماً يكون ساعياً إلى التشويش عليك، بتوقّع العقوبات المختلفة، وكل هذا إنما هو من كيده لبني آدم، قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] .
فعليك إذا بالتمسك بهذه الأوامر الشرعية، فإن من اتقى الله تعالى جعل الله له من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، ولا يهمك ما تعانيه من نظر الناس، فإن أكثرهم على خطأ وضلال، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116] وهذا ما لم تتحقق من إنزال عقوبة بك من سجن ونحوه وإلا فإن الضرورات تبيح المحظورات، وراجع الفتوى رقم: 3198، ورقم: 15587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(9/5708)
ساعة وساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيوخنا الأعزاء أنا فتاة في ال 19 من عمري أحب التدين والمتدينين، وأسعى في طريقهم، وأحيانا يخطر في عقلي أن أصبح شهيدة في يوم من الأيام، وبعد فترة أرى نفسي وقد أقبلت على الدنيا، فبماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وأوليائه من المؤمنين والصالحين من علامات الخير وكمال الإيمان، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ": ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
وموالاة أولياء الله تعالى جزء من عقيدة المسلم، يجب عليه أن يحافظ عليها ويسعى في زيادتها وتنميتها.
قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] .وقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه [المجادلة: 22] .
فمن وجد في نفسه محبة الله ورسوله وموالاة المؤمنين وحبهم فليحمد الله تعالى على ذلك، وليسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره.
ونفس الإنسان التي بين جنبيه طبيعتها التقلب والإقبال والإدبار.. والنشاط في العبادة والكسل عنها.
فإن كان ما تحس به السائلة أو ما تراه من نفسها هو الفتور عن الإتيان ببعض النوافل، أو حب المال والأهل أو الأولاد، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يسلم منه أحد، وقد اشتكى منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم حنظلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات. رواه مسلم.
وعلى هذا، فننصح السائلة الكريمة أن تحافظ على الفرائض وتجتنب المحرمات على كل حال، وتداوم على شيء من النوافل وإن قلّ.
ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ":سددوا وقاربوا وأبشروا.. فإنه لن يدخل الجنة أحدا عملُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 1891 والفتوى رقم: 14440.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(9/5709)
العراق والفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يفيد بأن العراق أرض فتن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى ? الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم انفتل فأقبل على القوم فقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مُدّنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجل: والعراق يا رسول الله، فسكت، ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجل: والعراق يا رسول الله، قال: من ثَم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن.
ولا يعني هذا الحكم على أحد بعينه بمدح أو ذم تبعا للمكان المدعو له أو المسكوت عنه، فكم أنجبت العراق وما حولها من الرجال الأفذاذ والأئمة الكبار والقادة الفاتحين والدعاة المصلحين والعباد الزاهدين -كغيرها من البلاد- مما لا يعد ولا يحصى، بل إن نصيب العراق من إنجاب الخيرين الأفذاذ كان أكبر من نصيب غيرها غالبا.
وقد ورد في أحاديث أخرى الدعاء للعراق مع غيرها من البلاد.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونظر إلى الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ونظر إلى العراق فقال نحو ذلك، ونظر قبل كل أفق ففعل ذلك، وقال: اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض وبارك لنا في مدنا وصاعنا.
ومثله في الأدب المفرد عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر نظر نحو اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ونظر نحو العراق فقال مثل ذلك، ونظر نحو كل أفق فقال مثل ذلك وقال: اللهم ارزقنا من تراث الأرض وبارك لنا في مدنا وصاعنا.
وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة فيها الإشارة إلى أن جهة المشرق تظهر منها الفتن والزلازل، ولتفاصيل ذلك وأقوال العلماء فيه نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 3576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(9/5710)
التوبة من الغيبة والنميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أكفر عن ذنب النميمة والغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة والنميمة من أقبح الذنوب وأشدها تحريماً، لما فيها من انتهاك ما حرم الله والوقوع في أعراض الناس.
وقد قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] .
وقال تعالى في شأن النميمة وذمها: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] .
والتوبة واجبة من كل ذنب، وإذا تاب العبد تاب الله تعالى عليه وغفر ذنوبه إذا توافرت شروط التوبة.
ويشرط لقبول التوبة: أن يقلع العبد عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعقد العزم ألا يعود إليها في ما بقي من عمره، وإذا كانت المعصية بحق آدمي فإنها تزيد على الثلاثة المذكورة شرطاً رابعاً، وهو أن يبرأ من حق صاحبها ويتحلل منه، إن أمكن ذلك ولم يؤد إلى مفسدة أعظم.
فإذا كان طلب السماح من صاحب الحق يؤدي إلى زيادة البغضاء والشقاق، فعلى المرء حينئذ طلب السماح من أخيه في الجملة، ولا يبين له أنه حمل عنه نميمة أو اغتابه، لئلا يوغر ذلك صدره ويؤدي إلى فساد أكبر.
وقال بعض أهل العلم عليه أن يذكره بالخير في الأماكن والمجالس التي ذكره فيها بما لا ينبغي ويستغفر له بكثرة.
والحاصل أن تكفير النميمة والغيبة يحصل بالتوبة النصوح المستوفية الشروط، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 5976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(9/5711)
أشبه شيء باللمم
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً
اللمم هو صغائر الذنوب نريد ذكر هذه الذنوب وأمثله لها، كما وردت هذه الكلمة اللمم في سورة النجم "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللمم تعني صغائر الذنوب، وقد ذكرت أمثلة منها في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وهذه الصغائر لا ينبغي التساهل فيها، لأن الصغيرة مع الإصرار عليها قد تتحول إلى كبيرة، بالإضافة إلى أن الإدمان على الصغائر سبب لهلاك الإنسان، ففي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.
وتكفر الصغائر باجتناب الكبائر لقول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] .
كما تكفر بأداء الصلوات الخمس وصيام رمضان وحضور صلاة الجمعة، لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(9/5712)
أسباب قلة الرزق وعدم وجود البركه فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- أسباب قلة الرزق وعدم وجود البركه فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعظم أسباب قلة الزرق والبركة كثرة المعاصي والغفلة عن ذكر الله تعالى واستغفاره، وعدم امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
ومن أهم أسباب جلب الرزق، وتحصيل البركة طاعة الله تعالى وتقواه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] .
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96] .
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 6121.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5713)
المصائب من عقوبات الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي عقوبة الدنيا؟ وكيفية التعرف على أنها حقا عقوبة في الدنيا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت بنص كتاب الله تعالى أن المصائب التي تصيب العباد إنما هي بسبب ذنوب اقترفوها، وأن ما يعفى عنه من ذلك كثير، حيث قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وليس من المهم أن يعرف المسلم أنه عوقب على هذا الذنب أم لا، بل عليه عند حلول المصائب أن يعلم أنها ابتلاء من الله تعالى، يكفر بها عن السيئات ويرفع بها الدرجات، فيكون ذلك دافعاً له للصبر عليها، والرضا عن الله تعالى بها، فيحقق بذلك بعض أنواع العبودية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 31289، والفتوى رقم: 5249.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(9/5714)
من يستحق المغفرة ومن لا يستحقها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لله تعالى أن يغفر لمن شاء لا راد لمشيئته ولكن ما السبب لمغفرته ذنوب عباد من عباده دون غيرهم؟ وهل يدخل في المشيئه من أرتكب ذنوباً كبيرة وتاب ولم يحد؟ وهل القاتل التائب يكون من ضمنهم؟
ولكم خالص الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء [النساء:48] ، واتفق أهل السنة والجماعة على أن الذنوب التي دون الشرك يغفرها الله، وأن صاحبها تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ومرجع ذلك إلى الله تعالى، فهو أعلم وأخبر بمن يستحق العفو ومن لا يستحقه؛ لأن بعض من ارتكب بعض كبائر الذنوب له رصيد آخر من الحسنات وأعمال بها يعفو الله تعالى عن كبيرته التي لم يتب منها. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40] . ويتفضل سبحانه وتعالى على بعض عباده تكرمًا منه بما شاء، وليس لنا أن نعترض على ذلك؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
والكبائر على قسمين:
الأول: ما كانت بين العبد وبين ربه فقط.
الثاني: ما تعلق بها حق لآدمي.
فالأول كالزنا وشرب الخمر، فهذه تكفي فيها التوبة، ويندب أن يستر الإنسان على نفسه فيها ولا يرفع أمره للحاكم لإقامة الحد عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى. رواه مالك مرسلاً والحاكم والبيهقي بسند جيد.
وأما الثانية، فكالقتل بغير حق والسرقة ونحو ذلك، فمن تاب تاب الله عليه، ولكن يبقى عليه التحلل من ظلم الآخرين، فيجب عليه رد المسروق وتسليم نفسه لأولياء المقتول للقصاص أو العفو إلى الدية، أو إلى غير دية، وبذلك تبرأ ذمته، فإن لم يفعل فإنهم يوم القيامة يأخذون بقدر مظلمتهم من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم ألقي في النار.
وهل يبقى عليه حق المقتول أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وقد فصل هذا شيخ الإسلام في الفتاوى، فقال: قَاتِلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ " حَقَّانِ ": حَقٌّ لِلَّهِ بِكَوْنِهِ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَانْتَهَكَ حُرُمَاتِهِ. فَهَذَا الذَّنْبُ يَغْفِرُهُ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر:53] . أَيْ لِمَنْ تَابَ. وَقَالَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان:68-70] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: أَبَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تَكُونُ لَك تَوْبَةٌ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، وَلَكِنْ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا فَإِنَّ فِيهَا قَوْمًا صَالِحِينَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ; فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاسَ فَإِلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ أُلْحِقَ بِهِ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) .
وَالْحَقُّ الثَّانِي: حَقُّ الْآدَمِيِّينَ. فَعَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ فَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ، أَوْ يُصَالِحَهُمْ بِمَالِ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ الْعَفْوَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِمْ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ. وَهَلْ يَبْقَى لِلْمَقْتُولِ عَلَيْهِ حَقٌّ يُطَالِبُهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَمَنْ قَالَ يَبْقَى لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ الْقَاتِلُ مِنْ الْحَسَنَاتِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَقْتُولَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَبْقَى لَهُ مَا يَبْقَى، فَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْقَاتِلُ التَّائِبُ مِنْ الْحَسَنَاتِ رُجِيَتْ لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ ; وَأَنْجَاهُ مِنْ النَّارِ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ.
وراجع الفتاوى التالية: 31416، 31318، 34852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/5715)
عموم التوبة من المعاصي كافية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتوب الإنسان من الشيء الذي لا يعرفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أنك تقصد الذنب الذي فعلته، ونسيت تعيين ذلك الذنب.
فإن كان الأمر كذلك، فيكفي العموم في التوبة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو فيقول: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
لكن إن تيقنت أو غلب على ظنك تعلق الذنب بمخلوق، فيجب عليك التحلل منه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 2094، والفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(9/5716)
الدعاء بجعل علامة دالة على قبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وكنت على علاقة بسيدة أخرى وفي مرة شعرت بندم على هذه العلاقة وقلت لا أحد يضمن عمره فأسرعت بالاستغفار من الله سبحانه وتعالى بشدة وطلبت علامة منه في حالة قبول التوبة ووقتها شعرت بارتعاش وشيء يسير بداخلي وهنا قلت أنني سأموت ومن وقتها والشعور معي في كل كلمة وفعل وخوف ما هو ردكم على ذلك؟ وهل هناك خطأ في طلبي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحسناً فعلت بمبادرتك إلى التوبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبلها منك، واعلم أن من أهم علامات قبول التوبة ما يحدث للتائب من توفيق إلى الطاعات ومن الثبات على الحق، وغير ذلك من علامات قد سبق ذكرها في الفتوى رقم: 5646، والفتوى رقم: 29785.
وأما دعاؤك لله سبحانه بأن يجعل لك علامة لقبول التوبة فلا حرج فيه إن شاء الله، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ما تشعر به هو هذه العلامة، بل قد يرجع ذلك إلى أمر عادي من مرض عضوي، أو شدة الخوف بسبب تذكر الذنب، أو غير ذلك.
فكن على ثقة بربك، وأحسن به الظن، واطلب الرقى الشرعية، وراجع أهل الاختصاص بالأمراض العضوية، نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يغفر ذنبك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(9/5717)
قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يبارك الله للمسيحيين ولا يستطيعون أن يفهموا أن الإسلام هو الدين الصواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ينعم الله به على الكفار من نعم الدنيا ليس مباركة منه سبحانه، إنما هو استدراج لهم. قال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183] .
والآيات التي فيها أن ما يعطاه الكفار من النعيم إنما هو استدراج كثيرة، ومنها قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126] .
وقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:196-197] .
وقوله تعالى: مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس:70] .
وقوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:61] .
وقوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35] .
والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة أيضا ومنها:
-قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم.
-وقوله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.
-وفي صحيح البخاري في حديث طويل أن عمر رضي الله عنه قال: "ثم رفعت بصري في بيته -أي النبي صلى الله عليه وسلم- فو الله ما رأيت شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثK فقلت: ادع الله أن يوسع على أمتك فإن فارس والروم وُسع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، وكان متكئا فجلس فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب!! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا".
وننبه في الختام إلى أن أهم سبب في عدم فهم كثير من النصارى للإسلام على وجهه الصحيح هو تقصير المسلمين في دعوتهم للإسلام وبيانه لهم، وكذلك بعد المسلمين أنفسهم عن حقيقة الإسلام، وممارستهم لأعمال لا يقرها الإسلام.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1424(9/5718)
هل نسقط ماضي العاصي التائب على حاضره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حقنا أن نحكم على إنسان من ماضيه إن كان غير متخلق أو غير متدين وكان عاصيا لله ثم تاب توبة نصوحا بأنه غير صالح ولا يمكن مثلا جعله زوجا أو زوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل توبته ويغفر ذنوبه، ولا يجوز أن يعامل معاملة العاصي المصر، فالتوبة تجب ما قبلها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(9/5719)
كيفية الاستحلال من الحقوق المادية والمعنوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وارد طلب الدعاء والاستغفار أو قراءة القرآن وإهداء الأجر لمن لهم عليّ حقوق مادية أو معنوية ولا أستطيع طلب المسامحة منهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحقوق المادية لابد من ردها لأصحابها أو استحلالهم منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. خرجه البخاري.
وبالنسبة للحقوق المعنوية، فإن كنت لا تستطيع طلب المسامحة من أهلها خشية حصول ضرر أعظم، فلك أن تجتهد لهم في الدعاء والاستغفار، وعسى أن يكون في ذلك تكفير عن بعض حقوقهم.
وأما القرآن، فقد اختلف في جواز إهداء ثوابه إلى الغير، وانظر كل ذلك في الفتوى رقم: 4603، والفتوى رقم: 27664.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/5720)
جواز اتخاذ وسيلة تذكر بالموت
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
أنا عندي ربطة من كفن مسلم غسلناه ثم كفناه ولما دفناه أخذتها وعلقتها في غرفتي لأراها في كل وقت وحين.. وذلك من باب تذكر الموت، وأيضا كي لا أغفل عن ذكر الله أو أن أعصي الله بالغيب، فهل هذا العمل بدعة؟ .. وبالله التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الموت وما بعد الموت ويتخذ من الوسائل والأسباب ما يعينه على ذلك، حتى لا يغفل عن المصير المحتوم؛ فقد روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي، واللفظ له، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَأَكْثِرُوا من ذِكْرِ هَاذِمِ اللذَاتِ المَوْتِ، فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاّ تَكَلّمَ فيه يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، وأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ وأَنَا بَيْتُ التّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُودِ.... إِنّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النّارِ.
ولتذكر الموت والاستعداد له، فقد أعد بعض السلف الصالح من الصحابة كفنه كما في صحيح البخاري.
وعلى ذلك فمن اتخذ وسيلة تنبهه على ذكر الموت الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من ذكره، فلا يعد مبتدعًا؛ لأنه مجرد وسيلة للتنبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/5721)
ما أصر من استغفر وإن عاد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم..
ما حكم من يعود إلى المعصية بعد التوبة منها..وقد يحدث هذا تكرارا إذ ينوي الشخص ترك تلك المعصية ولكن يغويه الشيطان فيعود إليها ثانية ثم يتوب ويعود وهكذا يتقلب بين المعصية والتوبة منها، علما بأن المجتمع الذي يعيش فيه يشجعه على اقتراف المعاصي..أعاذنا الله وإياكم..؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان قد يقع في المعصية والذنب استسلامًا لقهر الهوى أو لنزعة النفس أو لغلبة الشيطان. والمؤمن مطالب بمقاومة ذلك كله. وإذا علم أن البيئة لا تساعده على الاستقامة وجب عليه أن يهاجر إلى مكان آخر يحافظ فيه على إيمانه واستقامته إن أمكنه ذلك.
وأما معاودته الذنب بعد التوبة منه، فلا تمحو توبته الأولى، إذا كانت خالصة لله، مع توفر شروط قبولها التي هي: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم ألا يعود إليه.
وعليه أن يستكثر من الاستغفار. روى أبو داود والترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رفعه: ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
وأخرج الشيخان وأحمد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن عبداً أصاب ذنباً، وربما قال: أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً، أو أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً، وربما قال: أصاب ذنباً، قال: قال: ربِّ أصبت - أو قال: أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثاً، فليعمل ما شاء.
ومما يعين على الاستقامة مطالعة كتب الترغيب والترهيب وأهوال يوم القيامة، مع الصلاة في الجماعة، وحضور الدروس والمحاضرات الدينية، ومجالسة أهل الخير، والبعد عن قرناء السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1424(9/5722)
من أسباب قلة البركة في الكسب
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة 5 سنوات وأنا أعاني من قلة بركة المال الذي أكتسب علماً بأني أراعي الحلال والحرام في كسب المال وأبر والدي رأى قريب لي رؤيا فسرت أن هناك من يحسدني على هذا ويتمنى زوال هذه النعمة.
أفيدوني جزاكم الله خيراً كيف أتخلص من هذا الحسد أو العين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ما أصابك قد يكون مجرد ابتلاء من الله تعالى، ليثقل به ميزان حسناتك، ويكفر عنك من سيئاتك، ويرفع به درجاتك. وقد يكون بسبب ما ذكرت من الحسد ونحوه. فعليك بالصبر وبذل الأسباب المشروعة من التضرع إلى الله تعالى بالدعاء، والتداوي بالرقى الشرعية. لعل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويكشف عنك الضر.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 13849، 3273، 7151.
زادك الله حرصًا على البر وطلب الحلال، وبارك الله لك في رزقك.
ثم اعلم أن ما يراه النائم وما يعبر به، لا يجوز للمسلم أن يجعله خبرًا موثوقاً به، بحيث يتهم على أساسه مسلمًا بحسد أو غيره، والأصل في المسلمين أن يُحملوا على سلامة الصدور ونظافة القلوب، حتى يتحقق خلاف ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(9/5723)
من مات على التوبة يرجى له القبول والمغفرة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نعرف شخصا متزوجا وسنه كبير قد ارتكب من الكبائر الكثير من زنا وربا وسرقة وإفطار في رمضان، ولكن قبل موته بعشر سنين استقام وصار من المصلين الصوامين وكثير الصدقة ويحن على الفقراء وعمل له صدقه جارية وكنا لا نراه إلا مستغفراً، فهل الله سيغفر له وينجيه من العذاب ولو كان عليه حدود ولكنه مات على التوبة النصوح وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن تاب تاب الله عليه مهما عظم الذنب وكثر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما قبلها، ومن مات على التوبة رجونا له القبول والمغفرة من الله، والنجاة من العذاب، ولو كانت عليه حدود ما لم تكن متعلقة بحقوق العباد. وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى التالية: 9394، 24916، 16907.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1424(9/5724)
كيف تصون إيمانك في الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت على درجة عالية من التدين قبل أن التحق بالجامعة، وكنت أحفظ البقرة وأغض البصر وكنت متفوقا في دراستي، وبعد أن التحقت بالجامعة أصبحت لا أشعر بحلاوة الإيمان، ونسيت القرآن ومازلت أحافظ على الصلوات حتى الفجر دون خشوع، ورسبت في الجامعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ثم إن بعض الطلبة إذا التحقوا بالجامعات يطلقون العنان لأبصارهم إلى الطالبات الجامعيات، ولجوارحهم إلى سائر المحرمات، ويتركون الأذكار وتلاوة القرآن بالكلية، فتقسو قلوبهم، فلم يعودوا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، على ما أُشْربوا من الهوى. فإذا وصلوا تلك المرحلة ذهبت عنهم حلاوة الإيمان والخشوع في الصلوات، ونسوا كل شيء.
وحلاوة الإيمان ولذته تحصلان بالعلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبسيرته وبشمائله وعبادته. فعليك إذا كنت تريد تحصيل حلاوة الإيمان أن: تطيع الله، وتبتعد عن كل ما يسبب سخطه، وترضى به ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وتحب لله، وتبغض لله، فتحب أولياءه، وتبغض أعداءه.
روى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، من حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبّهُ إِلاّ لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُود فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكَرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النّارِ.
وعن ابن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا وَباْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً. أخرجه مسلم والترمذي وأحمد.
ثم عليك بتلاوة القرآن، فإنه جلاء للقلوب، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق العالية، مرفوعًا: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه.
وروى الشيخان وأحمد، من حديث أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها.
فإذا حافظت على كل هذا وعلى أداء الصلوات في الجماعة فعسى أن تجد عناية من الله تعيد إليك ما كنت عليه من التدين، فتحظى بحلاوة الإيمان، وتخشع في صلاتك، وتحفظ ما ييسره الله لك من القرآن، ثم تنجح في الجامعة، فإن كل ذلك بيد الله، ولا شك أن طاعته أولى بتحصيل عنايته ولطفه من معصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(9/5725)
دفع توهم التعارض في نصوص التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم"إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه"وبين قول الله تعالي: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" وآيات أخرى والحديث القدسي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا....الخ الحديث أتمنى التوضيح ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يوجد تعارض في حقيقة الأمر بين نصوص الوحي؛ لأن الكل من عند الله تعالى، وقد قال سبحانه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] . وما يظهر من تعارض إنما هو لاختلاف العقول في فهم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تعارض والحمد لله بين ما ذكر السائل من نصوص، فإن ما ورد منها مطلقًا في مغفرة الله للذنوب فهو مقيد بمن تاب، لذا قال ابن كثير عند تفسير آية سورة الزمر: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] قال: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هذه النصوص مقيدة بالمشيئة. قال القرطبي في تفسيره، عند الكلام عن الآية نفسها: أي ويغفر الله لمن يشاء. وقد عرف الله عز وجل من شاء أن يغفر له، وهو التائب، أو من عمل صغيرة ولم تكن له كبيرة، ودلَّ على أنه يريد التائب ما بعده (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) [الزمر:54] فالتائب مغفور له ذنوبه جميعا يدل على ذلك (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ) [طه:82] . انتهى كلام القرطبي.
فإذا كان الأمر كذلك دلَّ على أن هذه النصوص لا تُعارِض ما جاء معلقًا بالمشيئة من نصوص القرآن والسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1424(9/5726)
خير واعظ للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أحتاج إلى كلمة وعظية لا تتجاوز صفحة حتى أضعها في كتيب مسابقة في المستشفى خاصة بالشباب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القلوب تقسو والنفوس تلهو والعقول تغفل، ولا بد من واعظ، وخير واعظ يرد النفس عن هواها، تذكر الموت ومفارقة هذه الحياة إلى دار الجزاء.
ولذلك يروى في الحديث الذي رواه الطبراني وإن كان ضعيفا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالموت واعظا.
وأي واعظ أبلغ من هذا الواعظ؟ فبينما ترى الإنسان وجها مضيئا وجسدا حيا وعقلا مدبرا، إذا بالموت ينزل به فيذبل ذلك الوجه المضيء ويموت الجسد الحي، ويتحول الإنسان إلى جثة هامدة لتوارى في التراب، فينبغي للعاقل الحازم أن يتذكر تلك اللحظات ولا يغتر بما هو فيه من العافية والسلامة، فالموت يأتي بغتة.
وقد روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله: فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا له، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. وجود إسناده العراقي رحمه الله.
وصدق من قال:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول
قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا، والموت على ما فيه من أهوال وشدائد، إلا أنه باب يدخل منه إلى غيره، فإما نعيم وإما جحيم، فليستعد العاقل لتلك اللحظات، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1424(9/5727)
التوبة تكفر جميع الذنوب بما فيها الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر للمشرك اذا تاب
قال تعالى "قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ" سورة الأنفال
وما معنى قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا" سورة النساء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمشرك إذا تاب من شركه يغفر له. ذلك ما صرحت به الآية التي جئت بها من سورة الأنفال، قال ابن كثير في تفسيرها: قل للذين كفروا إن ينتهوا عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد، ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة، يغفر لهم ما قد سلف، أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم.. (2407) .
وليس بينها وبين الآية التي في سورة النساء تناقض، فآية النساء تعني أن الله تعالى لا يغفر لمن مات على شركه، قال ابن كثير في تفسيرها: لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك. (1675) . وما سوى الشرك، صاحبه في المشيئة، يمكن أن يغفر له دون توبة، ويمكن أن لا يغفر له، لكنه مآله إلى الجنة، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر: أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار. أخرجه مسلم وأحمد.
وأما مع التوبة، فالله تعالى يغفر الشرك وغيره، روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ":قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
فهذا صريح في أن التوبة تكفر جميع الذنوب والشرك هو أعظمها.
وراجع الجواب رقم: 33782، والجواب رقم: 34166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(9/5728)
خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنني سمعت أن العصاة المصرين على الكبائر يوم القيامة هم ثلاثة أقسام: منهم من لا يدخل النار لكثرة حسناته، ومنهم أهل الأعراف، ومنهم يدخلون النار لكثرة سيئاتهم فهل هذا صحيح؟ وهل ينال المصر كثير الحسنات عذابا في القبر؟ وهل التائب من الكبائر ولو كثرت وفحشت ولم ينل حدا في الدنيا ولكنه عاد لله وأكثر من حسناته هل عليه عذاب في القبر أو دخول النار يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر هو أن من تاب منها تاب الله عليه، ولم يؤاخذ بها، لأن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وراجع لهذا المعنى تفسير ابن كثير عند قوله تعالى من سورة مريم: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60] . وقال الله تعالى بعد أن ذكر كبائر الذنوب من شركٍ وقتلٍ للنفس المحرمة وزنًا وما يستحقه فاعلوها إن لم يتوبوا، قال: وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:71] . والآيات قبلها.
والأدلة على هذا المعنى من الكتاب والسنة لا تكاد تحصى، وراجع الفتويين التاليتين: 33782، 34166.
هذا في حق التائب من الذنب، أنه لا يؤاخذ به، وكذلك من أقيم عليه الحد بسببه، وإن لم يتب منه ولم يقم عليه الحد- إن كان الذنب مما فيه حد- ومات مصرًّا عليه فهو تحت المشيئة إن شاء الله عاقبه وإن شاء عفا عنه، ما لم ترجح حسناته على سيئاته، فإن رجحت حسناته لم يدخل النار أصلاً.
روى الأئمة مالك وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث بيعة الرجال: فَمَنْ وَفَى بِذَلِكَ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله. ومَنْ أصَابَ مِن ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ. ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَسَتَرَه الله عَلَيْهِ، فَهُو إلَى الله إنْ شَاءَ عَذّبَهُ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
أما غير التائب ممن رجحت سيئاته على حسناته، فقد قدمنا أنه تحت المشيئة، وإن دخل النار لا يخلد فيها، لأن التوحيد، يخرجه من النار إما بشفاعة، وإما بغير شفاعة. ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أهل الأعراف، ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(9/5729)
كيف تكتسب قلبا خاشعا رقيقا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اقرأ في الشبكة:
الأكذوبة التواصلية..!
كيف يكون قلبي خاشعا رقيقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يسمى بالأكذوبة التواصلية فيما يتعلق بما يسمى علم التواصل، وأنه يميز بين الكذب المادي وغير المادي، فهناك مقال منشور بالصفحة الرئيسية بالشبكة الإسلامية في (اقرأ في الشبكة - مزيد) ، ويمكنك الاطلاع عليه هناك لمعرفة ما يسمى بالأكذوبة التواصلية.
وأما كيف يكون قلبك خاشعًا رقيقًا فإليك بعض النصائح:
أولاً: القيام بفعل الواجبات وترك المحرمات، والبعد عن الشبهات.
ثانيًا: الإكثار من نوافل العبادات، خاصة صلاة الليل وصيام التطوع.
ثالثًا: التدرب على الخشوع في الصلاة بصفة خاصة؛ لأن الخشوع هو روح الصلاة، ومن خشع في صلاته استحضر عظمة ربه فرقَّ قلبه، فانعكس ذلك على سلوكه رقة وسكونًا وتواضعًا، ولذلك مدح الله المؤمنين الخاشعين في صلاتهم ووصفهم بالفلاح، وجعل أول أسباب فلاحهم في الدنيا والآخرة هو الخشوع في الصلاة، حيث قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2] .
أما كيف تخشع في صلاتك فاقرأ الفتاوى التالية: 3087، 11759، 24093.
وهناك كتاب جيد في الموضوع، عنوانه "ثلاثة وثلاثون سببًا للخشوع في الصلاة" وهو منشور على الإنترنت، يمكنك البحث عنه. وكتاب قيم آخر للعلامة ابن القيم رحمه الله، عنوانه "ذوق الصلاة" ننصحك بقراءته.
رابعًا: المداومة على ذكر الله تعالى في كل أحوالك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى كل أحواله. متفق عليه.
فإن من لازم ذكر الله ارتبط قلبه بالله، فصار رقيقًا خاشعًا، يتأثر بالموعظة، ويبادر للطاعة، ويرق قلبه للخلق ويمتلئ رحمة وحبًا للمؤمنين، فينعكس هذا على سلوكه وتعامله مع الخلق بالحق والإنصاف والإيثار.
خامسًا: الإكثار من تلاوة القرآن مع التدبر لمعانيه، ومعرفة أحكامه، والعمل بها، فإن قراءة القرآن من أقوى الأسباب الجالبة لخشوع القلب ورقته. قال الله تعالى عن هذا القرآن ومدى تأثيره: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] ، وقال عنه أيضًا: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23] .
وهو شفاء للقلوب من أمراضها وقسوتها وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82] ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] ، وقال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58] .
سادسًا: تفريغ القلب- ما أمكن- من الدنيا وشواغلها وصوارفها التي تقطع العبد عن ربه، فإذا تفرغ قلبه لربه أصبح رقيقًا خاشعًا.
سابعًا: التضرع إلى الله تعالى بالدعاء والإخلاص في ذلك، والإلحاح في الدعاء، والتعوذ بالله من قسوة القلب فـ إِنّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرّحْمَنِ- عز وجل- كَقَلْبٍ وَاحِدٍ. يُصَرّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ. رواه مسلم. وغيره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا على طاعَتِكَ. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وختامًا نسأل الله لنا ولك رقة القلب وخشوع النفس وخضوع الجوارح لله رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(9/5730)
تكفل الله برزق الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم الخوف من انقطاع الرزق في المستقبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف من انقطاع الرزق في المستقبل أمر خطير مناقض لما يجب أن يكون عند العبد من اليقين بالله وبربوبيته، وأنه تكفل له برزقه، وأنه لا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى، وأن العبد لن يموت حتى يأخذ جميع رزقه الذي كتب له عند نفخ الروح فيه. ويدل لهذا صريح الوحي كتابًا وسنة. قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] ، وقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60] وقال: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2] ، وقال: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107] .
وفي الحديث: إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ. روه مسلم من حديث ابن مسعود. رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(9/5731)
ترك السيئة بين الحسنة المجردة والحسنة المضاعفة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله أخي في الله أريد مساعدتك حتى يطمئن قلبي لقد كانت نيتي سيئة لشيء ما وقد رجعت عمّا كنت أنوي فما حكم الدين في ذلك؟ علماً بأن هذا الشيء كان تجاه شخص أحبه. والسلام عليكم ورحمة الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه عز وجل قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإذا همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن همّ بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند قوله صلى الله عليه وسلم: ومن همّ بسيئة فلم يعملها.... ظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك، لكن قيده في حديث الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة. وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن لم يقع عنده من أجلي ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرَّاي.. وهي بمعنى من أجلي. ونقل عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه، ثم صوب حمل مطلقه على ما قُيد في حديث أبي هريرة، قال الحافظ: ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استهتار ما قُيد به دون حسنة الآخر، لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر، والكف عن الشر خير، ويحتمل أيضاً أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة، فإن تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة ... انتهى المراد. فالخلاصة أنه ليس عليك في ما هممت به ثم تركته شيء، بل إن كان تركك لذلك من أجل الله فأنت مأجور بلا خلاف. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(9/5732)