الفرق بين التوبة والاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[اخوتي ما الفرق بين التوبة والاستغفار، متى أستغفر ومتى أتوب، هل الاستغفار يكون من الذنوب والتوبة من الكبيرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة معناها الرجوع عن الذنب والندم عليه والتزام الطاعة، والاستغفار طلب المغفرة وهي ستر الذنب على العبد في الدنيا وعدم المؤاخذة به في الآخرة.
وهما قرينان متلازمان تدل على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة كما في قوله تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْه {هود: 3} وفي قوله: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ {هود: 52}
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. رواه البخاري.
والتوبة والاستغفار يكونان في أي وقت وفي كل مكان، وعلى كل حال فيجب على المسلم أن يبادر إلى التوبة ويلازم الاستغفار في كل أوقاته.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
والتوبة والاستغفار يكونان من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها.
وقد سبق بيان التوبة وشروطها ومنزلة الاستغفار في الفتاوى التالية أرقامها: 24902، 55969، 39154، 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(9/4777)
المسلم مطلوب منه أن يدخل في الإسلام كافة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محافظة ولله الحمد من ناحية حجابي ولباسي وأحفظ القرآن لكني أحيانا أعق والدي وأغتاب ويسوء خلقي , وتصيبني المشاكل والهموم فأقول هذه عقوبة من الله. وفي المقابل أرى من لا يبالون بحجابهم وبلبسهم وفي ذهابهم ومجيئهم أجد علاقتهم بوالديهم جيدة وأخلاقهم حسنة ولا تصيبهم المشاكل والهموم فأقول في نفسي لماذا أفعل هذه الأشياء الكل يلبس ما يشاء ويذهب إلى ما يشاء وهم أحسن مني قلوبهم طاهرة وأنا أهتم بحجابي ولبسي وباطني سيء أحس أني منافقة لكني أحاول مجاهدة لنفسي أن أكون بارة بوالدي وأن لا أغتاب فهل نظرتي هذه صحيحة؟
عذرا على ركاكة الأسلوب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتهام الإنسان لنفسه وخوفه من النفاق مؤشر خير، فقد كان السلف يخافون على أنفسهم من النفاق، فقد كان عمر رضي الله عنه يسأل حذيفة: هل عدني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. رواه البخاري.
وهنيئا لك بالالتزام بالحجاب والاشتغال بحفظ القرآن فهما دليل على حبك للخير وتدينك واحرصي على كمال الدين في جميع شعب حياتك عملا بقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً {البقرة: 209} وقوله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ {آل عمران: 119} فاحرصي على أن تكون معاشرتك للوالدين طيبة فبريهما وأحسني إليهما وتلطفي بهما، وأحسني خلقك مع جميع الناس، واحفظي لسانك من الوقوع في الغيبة، وتوبي لله مما سبق، واستسمحي من اغتبتِهم سابقا، واسألي الله العافية، وأن يصرف عنك الهم والحزن والمشاكل فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، وما كان حصل من الأقدار عقوبة من الله فإن الله يصرفه عند حصول التوبة الصادقة والرجوع عن أسباب البلاء فإن الله يمحتن عباده ليرجعوا إليه ويتوبوا كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم: 41} وراجعي الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 71070، 68464، 66515، 22112، 71683، 58735، 71434، 45328، 36984.
وأما ما يأتي في قلبك من الشعور بأن بعض العصاة لا تصيبهم المشاكل وأن قلوبهم طاهرة فاعلمي أن العاصي قد يبتليه الله ببعض الابتلاءات التي لا تظهر للناس فيكون عنده من الهم والقلق النفسي والمشاكل ما لا يعلمه إلا الله، وقد يستدرجه الله تعالى فيزيده نعما ثم يهلكه ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام: 44} . رواه أحمد والبيهقي في الشعب وصححه الألباني.
وبناء عليه فاحمدي الله على ما أعطاك، واضرعي إليه أن يصرف عنك جميع الشر، ولا تغتري بمظاهر الناس فإنك لا تعلمين ما بداخلهم ولا بما يعانون منه من أزمات ومشاكل، وانظري إلى من هو أسفل منك ولا تنظري إلى من فوقك، وارضي بما قسم الله لك ففي ذلك السعادة الحقيقية، وسلي الله العافية. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 47005، 60327، 64655، 51946، 56863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(9/4778)
التوبة من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وقد اجتمعت وراودت امرأة أخرى منذ شهر وضميري ونفسيتي في ضيق، ولم أستطع التخلص من هذا الذنب إلى الآن، علماً بأني بدأت الصلاة ونويت الحج إلى بيت الله الحرام هذا العام، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن جريمة الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش التي يجب على المسلم أن يبتعد عنها وعن ما يسببها، فقد حذر الله عز وجل من مجرد الاقتراب منه، فقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، ويكون تحريمه أغلظ وعقوبته أشد إذا كان الشخص متزوجاً، ولذلك فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأبشر بالخير إن كنت تبت توبة نصوحاً، فإن الله تعالى يحب التوابين، وقد وعدهم بغفران الذنوب وتكفير السيئات، فقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقد سبق بيان التوبة وشروطها في الفتوى رقم: 5450 نرجو أن تطلع عليها، كما نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1602، 16688، 32647، 1882.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(9/4779)
مناجاة الله وسماع وقراءة كلامه وكلام نبيه أعظم مؤنس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في سن المراهقة وأعاني من الوحدة، أنا فكرت في الانتحار. تفكري دائما في الموت ولا أفكر في الحياة ما أريده هو الفوز بالجنة أنا أعيش في بلاد أروبية؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانتحار كبيرة من أكبر الكبائر وليس فيه حل لمشكلة الوحدة، فإن المنتحر سيتوحد في قبره معذبا، وسيعذب في النار بما قتل به نفسه، فابحثي عن صحبة صالحة في المجتمع الذي أنت فيه لعلك تجدين أخوات يؤانسنك ويعنك على طاعة الله، وإن أمكنك أن تهاجري لمكان تجدين فيه مجتمعا مسلما فهو أفضل، وبإمكانك أن تبحثي في الإنترنت عن بعض المواقع الإسلامية التي توجد بها منتديات نسائية تساعد في تعلم العلم، ولعل من أهمها موقع أكاديمية حفاظ الوحيين، وموقع إسلام أون لاين، وموقع لها أون لاين، وركن الأخوات في موقع طريق الإسلام، واحرصي على الاتصال بالله تعالى في الصلاة فرضا ونفلا، وعلى الإكثار من تلاوة وسماع القرآن، ومن مطالعة كتب الحديث والسير والرقائق، فإن مناجاة الله في الصلاة وسماع ومطالعة كلامه وكلام نبيه أعظم مؤنس لمن خلت بنفسها، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 73970، والفتوى رقم: 71206.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1427(9/4780)
فتاوى في سبل التخلص من النظر إلى الصور الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتى فى الله، قرأت عن دواء لمعالجة اختلال الهرمونات وتخفيف الشهوة المصحوبة بتخيلات جنسية شاذة فى باب معالجة الشذود، فأرجو منكم إنقاذي حيث أعاني من هذه الحالة ومما زاد الطين بلة دخولي على تلك المواقع رغم أني أعمل كل ما في وسعي للثبات على هدى الله تعالى، ولكن هذه نقطة ضعفي الوحيدة حيث إن ظروف عملي تحتم علي البقاء بعيداً عن زوجتي فترة من الزمن وتنتابني موجات من الشهوة القوية فأندفع إلى تلك المواقع لإطفائها، ولما أني أقوم بواجباتي الدينية، ولكن هذا الانحراف يقض مضجعي ويجعلني أعيش فى تعاسة، فأرجو إعطائي أسماء أدوية تعالج هذه الحالة، إن لم يكن هناك مانع أرجو الرد على بريدي الإلكتروني وعدم نشر اسمي فى صفحة الردود؟ ولكم جزيل الشكر ... ولا تنسوني من الدعاء بالشفاء مما أعاني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتاوى ذات الأرقام التالية بعض الوسائل المساعدة على ما تريد: 72497، 70444، 69427، 66439، 65677، 65187.
وراجع قسم الاستشارات الطبية بموقع الشبكة أو بموقع (إسلام أون لاين) ليفيدوك في أسماء الأدوية المعالجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1427(9/4781)
أحسني الظن بالله في قبول توبتك وصلاتك وعباداتك
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى أن لا تحددوا عدد أحرف السؤال لأن الشخص الذي يسأل يكون أغلقت بوجهه الدنيا كلها وهو يريد أن يفرغ ما بداخله وأحد يسمعه ويرشده، فلا تقولوا لي عدد الأحرف ولا شيء من هذا، دعوني أسأل وأنقذوني لأني أشعر بتعب نفسي كبير، عندي أسئلة كثيرة، لكن أول سؤال أريد أن أسأله إذا غلط الإنسان في حياته كثيراً ويريد أن يتوب إلى ربه لكن يشعر أن ربه لم يغفر له، وإن أراد أن يصلي يشعر أنه لم تقبل صلاته ويترك الصلاة وهو يعرف أن هذا غلط، لكن يريد أحداً يهديه ينتشله من هذا الضلال إلى العيش، ماذا يفعل وكيف يكفر عن أخطائه وهي ليست بسيطة تشعرني بالقلق من نفسي والخزي وأشعر أن ربي غير راض عني، أنا زنيت مع أخي زوجي وزوجي هو الذي طلب مني، مع أني ما أريد ذلك، لكن حبي لزوجي أعماني ورضيت أن أنام مع أخيه بوجوده، ورفضت أكررها بعد ذلك وكل ذلك من أجل الله، ورب الكعبة ترشدوني لأني أموت وأصحو على حالي بعد فوات الأوان، وعمر حب الزوج يؤدي إلى ذلك، لكن أعماني ودمرني والله يهديني، يا رب ماذا أفعل بحياتي، بالله عليكم ماذا أفعل من أجل أن يغفر لي ربي، ما هو العقاب علي، أيقام علي حد الجلد أم ماذا، بالله عليكم تجيبوني، وكذلك سرقت من بيت أهلي لزوجي، لكن كنت مخطوبة وكله بسببه، لأنه بعيد كل البعد عن ربه، وأبعدني معه، لكن أريد الرجوع لربي، ماذا أفعل حتى لو طلبت منه الطلاق، لأن وجودي معه هو الذي يبعدني عن ربي وأصبحت أرى الغلط أشياء عادية، ويالله حياة وبدنا نعيشها؟ الله يحميكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالتوبة الصادقة مما حصل منك، ولا تقنطي من رحمة الله تعالى فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم يقبل توبة من أناب إليه بصدق ويبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
فأخلصي التوبة لله تعالى وأكثري من الأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، واحرصي على المواظبة على الصلاة بشروطها وأحسني الظن بالله تعالى في قبول توبتك وصلاتك وعباداتك كلها، وإياك وترك الصلاة والقنوط من الرحمة فخطرها عظيم، وإياك أن تقبلي أبداً دخول أخي الزوج عليك أو اختلاءه بك، ففي حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أفرأيت الحمو. قال: الحمو الموت.
وحاولي استسماح أهلك فيما أخذت منهم ورده إليهم، ولا مانع أن تطلبي منهم السماح بصفة مجملة، وأن تردي إليهم المال دون بيان أنك سرقته سابقاً حفاظاً على علاقتك معهم، ولا يشترط في قبول توبتك أن تسعي في إقامة الحد عليك فاستري نفسك ولا تخبري أحداً، وسيقبل الله توبتك إن شاء الله تعالى.
واعلمي أنه قد أخطأ زوجك خطأ عظيماً فيما طلب منك من الزنى مع أخيه، وهذا من أعظم الضرر الذي يسوغ به السعي في فراق الزوج، وقد بينا خطورة عمل الديوث والقواد، وجواز طلب الطلاق عند الضرر في فتاوى سابقة، فراجعي منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56653، 12581، 48310، 26982، 37112، 33363.
فحاولي السعي في هدايته وتوبته وإقناعه بإعانتك على الطاعة ووقايتك من النار، فإن لم يستجب فاسعي في وسيلة مشروعة للتخلص منه ولو بالخلع، وراجعي في فضل السعي في هدايته الفتوى رقم: 34460، والفتوى رقم: 45139.
وراجعي في أسباب قبول التوبة وعدم اشتراط إقامة الحد فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71377، 69924، 29785، 66209، 66100، 60222، 38466، 34852، 76975.
وأما تحديدنا عدد الحروف فإنا لا نريد به منع السائل من إيضاح سؤاله وبيان تفاصيله، وبالإمكان عندما يكون سؤالك متعدد المحاور أن تطرحي كل محور منه في سؤال خاص، فنحن نرحب بأسئلتك ولو كثرت، وسنحاول إعانتك بقدر المستطاع، ونوصي بإكثار الدعاء دائماً وبالحرص على الصحبة الصالحة وكثرة مطالعة كتب الترغيب والترهيب وقصص التائبين والتائبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(9/4782)
الإنفاق في اللغة والشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها:
1) ماهو تعريف الإنفاق؟
2) هل يمكن اعتباره علما له أصول وفنون؟
3) كيف كان الحبيب صلى الله عليه وسلم ينفق على نفسه وأهل بيته وعلى الرعية؟
على الخير والمحبة نلقاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنفاق مصدر أنفق، وأنفق تأتي لمعان من أبرزها: افتقر أو صرف المال. قال ابن منظور في اللسان: أنفق الرجل إذا افتقر؛ ومنه قوله تعالى: إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ، أي خشية الفناء والنفاد، وأنفق المال: صرفه. وفي التنزيل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، أي أنفقوا في سبيل الله وأطعموا وتصدقوا.
وأما هل للإنفاق أصول فالجواب نعم قد ضبطته الشريعة بضوابط محكمة، فمنعت الإنفاق في الحرام، وندبت إلى التوسط في الإنفاق في المباح بين الإسراف والتقتير في نصوص كثيرة من القرآن والسنة، وأما عن كيفية إنفاق الحبيب صلى الله عليه وسلم على نفسه وأهل بيته، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان همه الدنيا، وقد ثبت أن أهل بيته كانوا يقضون الأزمنة ما يقتاتون غير التمر والماء. فقد روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان يأتي على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر ما يرى في بيت من بيوته الدخان، قلت فما كان طعامهم، قالت الأسودان التمر والماء غير أنه كان لنا جيران من الأنصار جيران صدق، وكانت لهم ربائب فكانوا يبعثون إليه ألبانها، قال محمد وكانوا تسعة أبيات. وفي رواية: كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.
وروى مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه.
وأما إنفاقه صلى الله عليه وسلم في الخير فقد كان أجود الناس بالخير. فقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
وكان يحث على بذل المال، فقد روى عبد الرزاق وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كنت أمشي مع رسول صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة فقال: يا أبا هريرة: هلك المكثرون إلا من قال كذا وكذا وهكذا وهكذا ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(9/4783)
كيفية التخلص من النظر إلى ما يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من النظر إلى الشباب وأنا خائفة من عقاب الله، وكذلك النظر إلى الصور الخليعة، وقد قابلت شاباً عدة مرات أمام الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبب ما تعانينه هو ضعف الإيمان وعدم استشعار مراقبة الكريم الديان، وترقب العرض عليه يوم توزن أعمال المرء جليلها وحقيرها في الميزان، وينشر أمام ناظريه كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ {آل عمران:30} .
فمن استشعر ذلك وجعله نصب عينه لم يهن عليه أن يوبق نفسه بالموبقات ويهلكها بتتبع الشهوات، ومخالفة أمر رب الأرض والسموات في قوله: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُو نَ {النور:30-31} .
فتوبي إلى ربك مما سلف وغضي بصرك عما لا يرضي الرؤوف الرحمن، واعلمي أن الصور الخليعة والمواقع الساقطة الهابطة لا يجوز النظر إليها فهي محرمة شرعاً لما تؤدي إليه من الرذيلة وضياع الأخلاق الفضيلة، وراجعي للفائدة في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3605، 15196، 21807، 40783، 2862، 7997.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1427(9/4784)
من الذنوب التي تلعن الملائكة مرتكبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أذكر الذنوب التي تلعن الملائكة مرتكبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذنوب التي تلعن الملائكة مرتكبها كثيرة لا نستطيع حصرها في فتوى كهذه، ولكننا سنورد لك بعضا منها.
- فأعظمها الموت على الكفر، والعياذ بالله. قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {البقرة: 161} .
- ومنها كتمان العلم. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة: 159} .
- ومنها انتساب الشخص إلى غير أبيه. روى الشيخان من حديث علي رضي الله عنه وفيه: " ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
- ومنها ارتكاب الظلم في المدينة المنورة أو إيواء الظالمين فيها. روى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. قال الحافظ في الفتح: والمراد بالحدث والمحدث: الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك.
- ومنها عدم حكم الأئمة بالعدل وعدم وفائهم بالعهد. روى الإمام أحمد في المسند عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب بيت رجل من الأنصار فقال: الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ونحسب أن هذا القدر كاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1427(9/4785)
سبيل المسلم للمحافظة على الصلاة والصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقدر أواظب على الصلاة والصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المواظبة على الصلاة أمر واجب على كل مسلم مكلف، وليست أمرا يمكن التهاون فيه لأنها الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين.
ومما يعين المسلم على المحافظة عليها أن يعلم أهمية هذه الفريضة العظيمة، وأنها عمود الإسلام، وأنها هي الفارق بين الرجل وبين الشرك والكفر، كما قال صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم.
ومما يعين على المواظبة على الصلاة أيضا ما جاء في الفتوى رقم: 25809.
وكيف لا يحافظ المسلم على أداء الصلاة وقد أمرنا الله بذلك فقال: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخل الجنة ". رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم.
فمن حافظ على الصلاة كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليها ليس له عند الله عهد، فأي مصيبة أعظم من عدم المحافظة على الصلاة!! وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وأبو داود.
وكذلك يجب على المسلم أن يؤدي فريضة الصيام لأنه ركن من أركان الإسلام إلا أن يكون مريضا أو مسافرا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة:183} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً. رواه البخاري وغيره.
وخلاصة القول أن تقوية الإيمان هي أنجح الأسباب للمحافظة على الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 6342، والفتوى رقم: 10800، والفتوى رقم: 37142.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1427(9/4786)
تناصح المسلمين فيما بينهم وموقفهم من خطأ بعضهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب التقينا على طاعة الله وفق منهج متكامل ونلتقي دوريا لتدارس ما وصلنا إليه وقد تعاهدنا منذ البداية على أن ينصح بعضنا لبعض فيما بيننا عملا بقوله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ... الآية وذلك لنرقى بأنفسنا لكن حصلت بعض الخلافات بسبب هذا الأمر وصلت إلى حد القطيعة وإني أسأل:
1- اذا أصر أحدنا على خطأ ما دون عذر هل يجب تنبيهه دائما أم نتركه؟
2- أخطا أحدنا خطأ جسيما حيث تطاول على أحد العلماء الأجلاء على ملإ من الناس ثم بعد ذلك عاودت طرح هذه المسألة فيما بيننا لاعتقادي أن هذا الأمر خطير جدا فيجب أخذ العبرة منه والوقوف على الأسباب التي أوصلت صاحبه إلى هذا المنزلق الخطير وغايتي في ذلك وجه المولى سبحانه وتعالى أولا ومصلحة الجماعة ثانيا لكنه ثار وغضب وقاطع الجماعة بحجة أنه ندم على فعلته ولم يكن من الضروري تذكيره بذنبه وزعم أن ما فعلته مخالف للهدي النبوي فهل هو محق فيما قال الرجاء إجابتي في أقرب وقت ممكن لإصلاح ذات البين فالأمر لا يحتمل الانتظار؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تناصح المسلمين فيما بينهم وتواصيهم بالحق والصبر وتعاونهم على البر والتقوى من آكد المطالب الشرعية، فهم بهذا يسلمون من الخسران ويحققون مقصد خلقهم الذي هو العبادة والانقياد لله تعالى، ومن حق المسلم على إخوته أن لا يسلموه إذا وقع منه الخطأ بل إن عليهم أن يصبروا عليه ويكرروا مناصحته دائما ويكثروا الدعاء له ويحرضوه على الدعاء وسؤال الله الهدى ولا يملوا من ذلك، فقد صبر نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه ليلا ونهارا سرا وجهارا ولم يمل منهم، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عمه للإسلام حتى ساعة وفاته، واعلم أن من أهم الوسائل الناجحة في إصلاح الخطأ أن يبين الحكم أو يناقش عند الخلاف بغض النظر عن قائله حتى لا يتعصب للباطل عملا بمنهج ما بال أقوام يقولون كذا، وأما من تاب فيتعين ستره وعدم التشهير به والتذكير بقولته دائما، وراجع لمعرفة التفصيل في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 18788، 60052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1427(9/4787)
من أدب المرء عند البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم اله الرحمان الرحيم
أنا أعمل في شركة كبيرة وعانيت الكثير من أبناء بلدي الذين أغلقوا أمامي كل أبواب الترقية في العمل وذلك بأساليبهم الدنيئة من التملق والوشايات لدى المسؤولين من أهل البلد رغم اعتراف الجميع بكفاءتي لكنني لا أنافق ولا أكذب ولا أتملق و...... حتى ساءت حالتي النفسية والمادية والعائلية وأخشى حتى من أن أنزلق في الكفر بنعمة الله لأنني دعوت الله كثيرا رغم أنني أتحرى دائما الحلال في مأكلي وملبسي وقوت عيالي ولا من مجيب..أغيثوني ماذا أفعل كي لا أرتكب شيئا وخاصة أن شهر رمضان على الأبواب؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأ أولئك الذين قلت إنهم تسببوا في إغلاق الأبواب أمامك بأساليبهم الدنيئة من التملق والوشايات، وقد أحسنت أنت فيما ذكرت من حالك من أنك لا تنافق ولا تكذب ولا تتملق، فإن تلك الصفات كلها مذمومة، ولا يليق بالمسلم أن يتصف بها.
واعلم -أيها الأخ الكريم- أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلي الله سبحانه من شاء من عباده بما شاء من البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} . فمن رضي بقضاء الله كان له من الله الرضا، ومن سخط فعليه السخط. فنوصيك بالصبر ففي الصبر خير الدنيا والآخرة، فهو مفتاح تفريج الكربات وبه تكفر السيئات وترفع الدرجات.
ومما نوصيك به أيضا الاستعانة بالله والإكثار من دعائه وعدم اليأس من رحمته، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ونخص هنا دعاء المكروب الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
واعلم أن من أعظم أسباب البلاء الذنوب والمعاصي، فقد يكون ما أصابك من مصائب بسبب ذنب أتيته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} ، فبالتوبة والاستغفار يكشف البلاء بإذن رب الأرض والسماء.
وعلى أية حال، فإن دين المرء هو رأس ماله، فلا تفكر في أي أمر يخل بالدين، فلله در القائل:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى إنه سميع الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1427(9/4788)
فرار المؤمن بدينه إذا أوذي وضيق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا أمر يحتاج إلى استقراء واستقصاء، وما يرجى من فائدته لا يساوي الجهد في بحثه، وحسب المرء هنا أن يعلم أن الله تعالى أذن لعباده المؤمنين في الفرار بدينهم إذا أوذوا وضيق عليهم، قال ابن العربي في أحكام القرآن: الرابع الفرار من الإذاية في البدن وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور.
وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي. وقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ. وموسى قال الله سبحانه وتعالى فيه: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وذلك يكثر تعداده. وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 52299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(9/4789)
الله تعالى يقتص للمظلوم من ظالمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت منذ 6 أشهر من بنت عمي -قبل زواجي منها- كانت تعيش مع والديها وأخيها وأختين لها ليسوا أشقاءها وأرغموها على الزواج من رجل ليس على خلق وكان يعذبها نفسيا وجسديا حتى أنها تصرخ وتبكي ولا مجيب، وكان زوج أختها وصديق زوجها يرغمها على مشاهدة الأفلام الجنسية (فيلمان أو أكثر في الليلة) ، ويقول يجب أن تمارسي مع زوجك كل هذا وكانت ترفض، كان زوجها يغتصبها واستمر الزواج 4 أشهر وبعدها بعام توفي والداها فسكنت مع زوج أختها وتعمد المشاكل معها حتي طردها من منزله فطلبتها من عمها وتزوجنا، لكن ما فعله زوجها السابق وزوج أختها يجعلني أشعر بغضب شديد لدرجة أنى أريد الانتقام منه، لأنه أغرى أهلها بالمال وعبث بها، أريد أن أعذبه نفسيا وجسديا كما فعل بها، فهل أكون أخطأت إذا فعلتها، وزوج أختها ما عاقبة فعلته الشريرة هذه، فأجيبوني على سؤالي ولا تحيلوني إلى فتوى أخرى؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل، فدع الأمر له، وهو سبحانه وتعالى يقتص للمظلوم من ظالمه، ولا تدخل مع هؤلاء في نزاعات قد تجر إلى ما لا يحمد، ثم إن ما فعلوه وإن كان يستحق التعزير والعقوبة، لكن المرجع في تحديد نوع العقوبة وتنفيذها إلى القضاء الشرعي، فإن أرادت زوجتك المطالبة بعقوبة من ظلمها فعليها أن ترفع أمرها للقضاء، وإن تركت ذلك فلن يضيع حقها بل ستأخذه كاملاً ممن ظلمها يوم الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(9/4790)
تيسير الكراء على الأقارب أجره عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صرت صاحب عمارة وعارض شققها للبيع وإذا بعتها بدل كرائها أكسب أكثر مالا في أقل وقت. لي من أقاربي عائلتان قررت أن أخصص لهما شقتين بالكراء الميسر وذلك لأني رأيت حالهما فصعبت علي وأردت المساعدة هذا هو طبعي لا أقدر له تغييرا كلما رأيت منكرا تمنيت إزالته ولو لم أستطع فعلا اليوم يتقاسمني شعوران
الأول: يقول حسنا فعلت فبالكراء تخسر مالا ولكن تربح رضوان الله لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
الثاني يقول لي: ويحك ولماذا تخسر مالك وهل اشتكوا لك حالهم وهل هذا زمن الخير لا تحسب نفسك مصلحا اجتماعيا ما رأيكم؟ ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعينك ويتقبل منك هذه الشفقة والعطف والإحسان على قرابتك، فإنه ينبغي للمسلم أن يشارك إخوانه في أحزانهم وأتراحهم، ويواسيهم بما يستطيع من مال. وذلك تحقيقا لمعنى الأخوة الإسلامية التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أصدق تعبير فقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وفي مسلم والمسند وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وتيسير الكراء مرغب فيه في الشرع، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. والحديث في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ثم إن الصدقة على القريب المحتاج أكثر أجرا من الصدقة على المحتاج غير القريب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة. رواه الترمذي وحسنه.
وبناء على هذه النصوص وغيرها كثير، ننصحك بالمضي فيما أردته من الكراء الميسر لهاتين الأسرتين اللتين ذكرت من أمرهما ما ذكرت، واعلم أن الله تعالى سيخلف عليك ويبارك الله فيما أبقيت، وذلك وعد منه وهو لا يخلف الميعاد. وانظر الفتوى رقم: 60478، واعلم أن هذا الشعور الثاني الذي يريد صدك عن هذا الأجر الكثير هو من الشيطان يريد به حرمانك من هذا الخير، فلا تطعه وصدق الله حيث قال: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 268}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1427(9/4791)
تقوى الله تعالى سبب في تيسير الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي فضيله الشيخ هو أنني أعمل مع عمي في بلاد المهجر وقبل سفري إلى هذه البلاد استخرت الله على هذا الأمر والحمد لله سهل هذا الأمر وسافرت وعملت معه لمدة سنة، وثم عرفت أنه لا يطيق عملي وأنه يعاملني بطريقة سيئة وأنا متضائق جدا من هذا التصرف مع العلم أنني لم أقم بأي عمل خطأ ومخل بالوظيفة والآن أريد أن أترك هذا العمل وقد استخرت الله على ذلك واستيقنت من قلبي أنني لا أصلح أن أعمل مع هذا الشخص وأنا عازم على الخروج لكن خوفي في أن لا أجد عملا آخر، فهل أتوكل على الله وأخرج وأبحث عن عمل أم أبقى في العمل الأول مع العلم أن نفسيتي متعبة جدا من العمل مع هذا الشخص ولا أستطيع أن أبحث عن عمل وأنا أعمل معه أرجو توضيح أمري؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالصبر مع هذا العم على هذا العمل ومواصلة البحث سرا عن عمل آخر، فإذا وجدت عملا مناسبا فاعتذر للعم بحكمة وانتقل للعمل المفضل عندك بعد الاستخارة والاستشارة لأهل الخبرة، واحرص على إحسان العلاقة مع عمك فاجتهد في بره والتلطف به ودفع إساءته بالإحسان، واستعن بالله تعالى في تيسير أمورك واتق الله واستقم على الطاعة فتقوى الله هي السبب المضمون لتيسير الأمور وتفريج الكروب. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 26806، 69295، 31904، 17039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(9/4792)
من أدب المؤمن عند البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم أنا سيدة مؤمنة بالله ومتوكلة عليه لكن أشعر بالضيق الشديد بهذه الحياة وأشعر بأن أبواب الحياة مغلقة بوجهي والحمد لله على كل حال باختصار مشكلتي أني متزوجة منذ خمس عشرة سنة ومتزوجة صغيرة السن وعندي أولاد وبنات وعمري 38 سنة وحتى هذه الفترة من زواجي لا أعرف معنى للمتعة الجنسية التي تحصل بين الأزواج وزوجي منذ البداية لا يعني لي شيئا كذكر الآن مشكلتي أني دائمة التفكير بمشكلتي التي باتت قديمة وكل ما بي أشعر باليأس والحزن من هذه الحياة بسبب هذه المشكلة وأصبحت أفكر بالرجال وأنظر لبعضهم نظرة شهوة وأتمنى أن أحصل على الشعور (المتعة الجنسية) ولو مرة واحدة بحياتي حتى أعرف معنى اللذة أو الرعشة التي أسمع بها فقط أصبح أولادي بسن المراهقة وأصبحوا يشعرون بالجنس وأنا أشعر بغيرة رهيبة منهم بما أني لم أحصل على المتعة الجنسية في حياتي صرت أتمنى أن أحصل على هذا الشعور مع نفسي بممارسة العادة السرية ولكن أشعر بالعجز تجاه ذلك أيضا محتارة جدا بموضوع زواجي بدون علاقة للأسف ماذا أفعل أرجوكم ساعدوني مع العلم أني توجهت لأكثر من طبيب نفسي ونسائي ولكن بدون جدوى زوجي لا يعاني أي مشكلة هل هذا حسد من بداية زواجي أم أنا مريضة أم ماذا؟؟؟؟؟؟ أصبح عندي حالة قلق رهيبة وأصبحت آخذ مهدئا منذ أربع سنوات تقريبا نصف ملغم- زناكس- يوميا من مرتين إلى ثلاث مرات ونومي مضطرب هل هذا العلاج خطير وأين تكمن خطورته؟؟؟؟ سؤالي أنا في محنة أشعر باليأس لأني لا أفكر بالطلاق بتاتا وأشعر أني محرومة من شيء محلل لي أكاد أشعر بالجنون من أين أبدأ بحل مشكلتي وهل هذه مشكلة مستعصية أرجوكم أن تكون مشكلتي مهمة بين أيديكم لأني قسما بالله أعيش بهم وأشعر بأنه وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أيتها الأخت الكريمة أن تثقي بالله تعالى، وأن تجتهدي في عبادته، فإن الدنيا بجميع زخارفها ولذاتها وشهواتها تُنْسى عند أوَّل غمسة في جهنم، وإن جميع متاعبها وبؤسها ومرضها ينسى عند أوَّل غمسة في الجنة، وإن في الجنة عوضاً لكل محروم، فإذا ابتلى الله تعالى عبده فصبر كان ذلك من عوامل رفعته وعلو درجته، وإن ابتلي فكفر وضَجِرَ كان له السخط. وعلى من ابتلي بمرض أن ينظر إلى من دُوْنه، فتأملي يا أختاه فيمن سلب نعمة السمع والبصر، أو سلب نعمة الصحة، أو سلب نعمة الحركة فهو مشلول قعيد، إذا تأملت في حال هؤلاء علمت أنك مغمورة بنعم الله وفضله وإحسانه، وهان عليك ما تجدين من حرمان الشهوة.
وعموما فإننا ننصحك بما يلي:
أولاً: أكثري من دعاء الله أن يرفع عنك هذا المرض.
ثانياً: المحافظة على الرقية الشرعية ومواصلة العلاج.
ثالثاً: البعد عن التفكير في هذا الأمر قدر استطاعتك، لأن الاسترسال فيه قد يجرك إلى أمور محرمة والعياذ بالله. وانظري الفتوى رقم: 50170.
رابعاً: احذري الوقوع في الاستمناء فإنه محرم كما سبق في الفتوى رقم: 7170.
خامساً: ننصح بإعطاء زوجك الفتوى رقم: 6795.
وأما عن العلاج وتأثيره فيمكنك سؤال أهل الاختصاص، نسأل الله أن يرزقك السعادة وطيب العيش في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(9/4793)
زهد العبد في الطيبات وإيثار الغير بها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة كانت تحب كل متع الحياة المحللة وكانت متدينة نوعا ما ثم بعد ذلك وقعت في حب شخص لم يكن لها نصيب فيه فاكتئبت وكرهت الدنيا كلها حتى أنها أخذت بتناول دواء للاكتئاب وبعد فترة من أخذها لدواء الاكتئاب عرفت طبيعة الحياة والموت وأن الحياة لا تساوي شيئا لذلك تدينت أكثر وكرهت متع الحياة حتى الحلال منها لأن قلبها كان دائما معلقا بالآخرة وكانت فرحة إن أعرضت عنها الدنيا لأنها دائما تتذكر الموت وتتذكر القبر ويوم القيامة، الآن بدأت الحياة بكل متعها تأتي لها لكن قلبها عازف عن ذلك، نصحتها بأن تتمتع بالمتع الحلال لكنها دائما خائفة من حساب الله عز وجل لها حتى على هذه النعم الحلال، فما رأي الشرع في ذلك، وهل هذا يعتبر اختبارا لها وكيف تتصرف أمام متع الدنيا الحلال التي تأتيها دون أن تسعى لها؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على العبد في الاستمتاع بما أحل الله من الطيبات مالم يكن هناك تبذير وإسراف أو إنفاق في غير ما أحل الله، فقد قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ {الأعراف: 32} ولو أن شخصا زهد فيها وآثر بها المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وهم كثير في الأمة فقد يكون هذا أفضل له، فقد مدح الله الأنصار فقال فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر: 9} .
والخوف من لقاء الله وحسابه للعبد مطلوب، ولكن بالقدر الذي يمنع الإنسان من ارتكاب النهي أو مخالفة الأمر. وبالجملة فإن من زهد في متع الدنيا وهو يقدر على ذلك وأقبل على الاستعداد للدار الآخرة فإنه على باب من أبواب الخير فلا يلام، ونرجو لهذه الأخت إن شاء الله أن تكون من هذا النوع من الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1427(9/4794)
طريق التوبة من مزالق الشات وحبائله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متحجبة أبلغ من العمر 22 سنة أذنبت ذنبا عظيما والمشكلة أني لا أجد في قلبي ندما أو خجلا أو حياء من الله بالرغم من عظم الذنب..أخاف على نفسي من قساوة القلب وسواده أخاف أن لا يغفر لي الله..أنا الفتاة التي تحجبت منذ الخامسة من عمرها أعرض جسمها وكل مفاتني على شاب لا أعرفه من خلال الكاميرا عن طريق الانترنت..في سواد الليل..وغياب الأهل..الشات أوقعني في خطأ لم أتوقع أن أقع فيه..غرني هذا الشاب بكلامه المعسول فوقعت في الحرام ومارست العادة السرية بعدما أراني جسمه..أنا تائهة.. غافلة..أرجوكم أنقذوني..اشتموني..أيقظوني من هذا السبات العميق..ولو بالعنف..أنا الآن تكلمت معه مرة واحدة..أخاف أن أضعف وأعيد الذنب وأزيد فيه..أخاف أن أموت على هذه الحال..أخاف غضب الله..ماذا أفعل لأنزع هذه الشهوة من قلبي؟ ماذا أفعل ليغفر لي ربي؟ هل يمكن أن أعود تلك الطاهرة العفيفة كما من قبل؟ كانت أمنيتي دائما أن أكون داعية..وها أنا الآن أعصي ربي..هل ما فعلته يعتبر زنى؟ أرجوكم لا تهملوا رسالتي.. أعينوني..أنتم أملي بعد الله.. بالله عليكم أجيبوني في أقرب وقت أخاف أن أضيع؟
وجزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشأن في المسلم أنه يراقب الله تعالى ويخافه بالغيب، ويخشى عذابه، ويتوقع أن يأتيه الموت بغتة فيختم له بما هو واقع فيه من العمل، وفي ذلك رادع ذاتي عن الوقوع في المعاصي وانتهاك حرمات الله، واعلمي رحمك الله أن النظر إلى الصور العارية الفاضحة وتعري المرأة وتصويرها نفسها بالجهاز ليراها الأجانب محرم شرعا لقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30ـ 31} ولأن هذا الفعل بريد الزنا وسبب إلى تعلق القلب بالفجور والآثام وقد قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا {الإسراء: 32} .
وقال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقال الشاعر:
كل المصائب مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
ولأن العين أمانة يسأل العبد عنها فلا يحل له أن يستعملها في معصية الله عزوجل. يقول الله في كتابه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36} . ولأنه يؤدي للعشق وهو من أخطر أمراض القلوب. وراجعي علاجه في الفتوى رقم: 9360
واعلمي أن هذه الجوارح التي كشفت عنها سوف تشهد عليك يوم القيامة، قال تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النور:24} وقال تعالى: حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {فصلت:20} ، وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
فما ذكرته السائلة من الأفعال القبيحة أمر محرم، ويطلق على الكل زنا مجازا لأنه مقدمة للزنى الحقيقي الذي يجب به الحد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
قال النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب فكل هذا أنواع من الزنا المجازي. انتهى
وعليك بالمسارعة بالتوبة إلى الله، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبدا، والندم على ما فرطت في جنبه تعالى، وإذا سقطت مرة وأغواك الشيطان فلا تعتبريها النهاية، ولا تستسلمي لليأس بل اهزمي الشيطان واستغفري ربك وكوني ممن قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران: 135-136} وعليك بالحياء من الله والخوف من بطشه الشديد وعقابه الأليم فقد قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} ، وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ {آل عمران:28} ، وقال الله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج:12} . ألا تستحين من الله الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذك بما اقترفت، وهو القائل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ {النحل:45} . ألا تخشين بأسه وتنكيله، وهو القائل: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا {النساء:84} . ألا تذكرين أهمية الحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: والحياء شعبة من شعب الإيمان. متفق عليه وفي البخاري: فإن الحياء من الإيمان. وفيه: الحياء لا يأتي إلا بخير. وفي مسلم: الحياء خير كله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء. أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، وحسنه الألباني.
فعليك باستشعار مراقبة الله تعالى، وملاحظة أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم سرك ونجواك قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ {التوبة:78} . وتذكري أنه ربما يدخل عليك ولد صغير فيراك أو يكتشف أحد أقربائك حالك فكيف يكون خجلك وحياؤك منهم، وينبغي أن يكون خجلك وحياؤك من خالقك ومربيك ومدبر أمورك ومن إليه مرجعك أشد وأعظم، واذكري قول الله جل وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4} ، فاذا كنت لا تستطيعين فعل هذه الفعلة القبيحة أمام أبيك أو أمك أو أي شخص تستحين منه؟ أفلا تستحين من الله، ألم تقرئي قول الله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا {النساء:108} ، وقوله تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {هود: 5} قال الشيخ الشنقيطي في تفسير هذه الآية: يبين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يخفى عليه شيء، وأن السر كالعلانية عنده، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر وما يعلن وما يسر، والآيات المبينة لهذا كثيرة جدا، كقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {ق: 16} وقوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ {يونس: 61} ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها آية بهذا المعنى.
تنبيه مهم:
اعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظا أكبر، ولا زاجرا أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القران، من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه، رقيب عليهم، ليس بغائب عما يفعلون. وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر. والزاجر الأعظم مثلا ليصير به كالمحسوس، فقالوا: لو فرضنا أن ملكا قتالا للرجال، سفاكا للدماء شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلما، وسيافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط للقتل، والسيف يقطر دما، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحدا من الحاضرين يهتم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه، عالم بأنه مطلع عليه؟ لا، وكلا بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم خوفا من بطش ذلك الملك. ولا شك (ولله المثل الأعلى) أن رب السموات والأرض جل وعلا أشد علما، وأعظم مراقبة، وأشد بطشا، وأعظم نكالا وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه. فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لأن قلبه، وخشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا. اهـ.
وقد قال ابن القيّم ـ رحمه الله ـ في منْزلة المراقبة: وهي ثمرة علمه (أي العبد) بأنّ الله سبحانه رقيبٌ عليه، ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو مطّلعٌ على عمله في كلّ وقت وفي كلّ لحظة، وكلّ نَفَس وكلّ طرفة عين. وقال: وأرباب الطريق مجمعون على أنّ مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر. فمن راقب الله في سرّه حفظه الله في حركاته في سرّه وعلانيته. اهـ
وعليك بالالتجاء إلى الله تعالى والتضرع له وسؤاله صدق التوبة والإنابة إليه، وأن تكثري من الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله ما استطعت، وأعظم ذلك المحافظة على الفرائض وارتداء الحجاب الشرعي، وغض البصر والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون {النور: 31} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا {التحريم:8} . وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} . وقال سبحانه وتعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} . وقال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي -ثلاثا- فليعمل ما شاء. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظري الفتوى رقم: 5450.
وعليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
واسألي الله أن يصرف عنك شر الشيطان وشر نفسك، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي - يعني فرجه. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان. واطلبي من والديك الدعاء فإن دعوة الوالد لولده مستجابة، كما في الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني والأرناؤوط.
وأكثري من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب وتأملي ما فيها من الوعد والوعيد وأهوال الآخرة، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري. فقد دلت الأحاديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وحافظي على الصلوات المفروضة والنوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} . وأكثري من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وأكثري من الصيام، فإن له تأثيرا بالغا في كسر حدة الشهوة وكبح جماحها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه ثم إن مما يساعد على البعد عن نظر المحرمات استشعار أنه فرض من الله الذي خلقك وأنعم عليك بنعمة العينين للتعبد له بهما وشكره بالاستسلام والانقياد له بهما، فقد امتن الله بهما علينا فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْن {البلد: 8} وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا {الإنسان: 2} وقد أخبر أنه أتم النعم علينا لنشكره ونسلم له فقال: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 6} وقال: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل: 81} .
وأما علاج قسوة القلب، فقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أنها تكون بأربعة أمور:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك، ودنس الكفر، وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا {الأنعام: 122} .
الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، وذلك يكون بالإيمان، والعمل بالصالح، وعمل أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وذلك باجتناب جميع المعاصي والمخالفات.
الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، وذلك بالتوبة والاستغفار. اهـ.
وأما العادة السرية فقد سبقت لنا فتاوى في شأنها تنيف على المائة فراجعيها ففيها بيان الحكم ووسائل العلاج ويمكن تصفحها بإدخال كلمة العادة السرية في البحث في الفتاوى، وهناك رسالة مهمة موجودة على الانترنت في موقع رسالة الإسلام، واسمها الانتصار على العادة السرية، فراجعيها.
ومن الوسائل المساعدة على الاستفادة من هذه الأجهزة الحاسوبية والبعد عن العصيان بها تقوية الإيمان واستشعار المراقبة وألا يخلو الإنسان بالجهاز، وأن يبرمج الانسان استخدامه لها فلا يفتحها إلا لدراسة مادة أو سماع درس علمي أو غير ذلك مما يفيد كما ننصح بقطع الصلة نهائيا بالإنترنت إلا لحاجة شديدة، وليكن تصفحك له برفقة أحد من أهلك حتى لا يسول لك الشيطان العودة لما كنت عليه من الحرام، كما ننصحك بإخراج جهاز الكمبيوتر إلى مكان عام في البيت بحيث لا تختلي بالكمبيوتر، فتطوع لك نفسك فعل الحرام. وراجعي للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6617، 23868، 52421، 31768، 7170، 5524، 1759، 1072، 23868.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1427(9/4795)
آثار اقتراف المعاصي على الأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية أنا وكثير غيري (نعمل في محلات بيع الخمور والكل يعلم بأن بيع الخمر حرام ولكن الكل يصلي ويصوم فهل يجوز وهل يقبل الصوم والصلاة؟ ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا العمل هو مما وردت السنة الصحيحة في تحريمه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبو داود والحاكم.
واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: اللعنة هي الطرد والإبعاد، ولعن الكافر إبعاده عن الرحمة كل الإبعاد، ولعن الفاسق إبعاده عن رحمة تخص المطيعين. انتهى.
وما ذكرته من الصلاة والصيام قبوله أمر غيبي يعلمه الله، فلا نملك أن نقول قبل أو لم يقبل، هذا إذا لم تكونوا تشربون الخمر، وأما إذا كنتم أو كان البعض منكم يشرب الخمر فإن أعماله لا تقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال. أي صديد أهل النار. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي. والمقصود بعدم القبول عدم حصول الثواب وإن كانت الصلاة صحيحة فلا يطالب بالقضاء.
فإذا كانت صلاته لا تقبل فإن غيرها من العبادات أحرى ألا يقبل. قال المناوي: خصت الصلاة لأنها أفضل عبادات البدن.
فبان من هذا حرمة ما أنتم فيه من العمل، وخطورة آثاره السلبية على أعمالكم الصالحة، فبادروا إلى تركه والتوبة منه قبل فوات الأوان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(9/4796)
الجمع بين العبادة والتجارة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد شهر تقريباً يهل علينا شهر رمضان المبارك، وأنا تاجر وموسم تجارتي في هذا الشهر بحيث تكون تجارتي في هذا الشهر أضعاف باقي أيام السنة مما يؤدي ذلك إلى تقليلي قراءة القرآن وصلاة النافلة، أريد منكم النصيحة، هل أتجه إلى تجارتي للعمل بها في هذا الشهر أم أترك التجارة وأذهب إلى صلاة التراويح وقيام الليل، علماً بأني أقوم بالفرائض على أكمل وجه إن شاء الله، ولكن تجارتي في هذا الشهر تغطي احتياجاتي السنوية، وأخاف أن يضيع علي ثواب النافلة في هذا الشهر، وهل أصلي استخارة لهذا الأمر، فأرجو منك النصيحة والإرشاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالاهتمام وبالحرص على الاستفادة من أعمال الخير في هذا الموسم العظيم، ولا حرج عليك في الاشتغال بالتجارة، بل عملك فيها إن كان بقصد توفير حاجتك وحاجة عيالك ومن تنفق عليهم كالوالدين عمل صالح تثاب عليه إن استحضرت النية الحسنة، وحاول أن تأخذ لك شخصا معيناً ينوبك في بعض الأوقات لتستفيد من مجالس الخير والأعمال التي تقام في رمضان ولكيلا تنشغل كلياً بالتجارة عن الأعمال الصالحة، وإذا تعارض وقت عملك التجاري مع وقت التراويح فحاول أن تقوم الليل وحدك أو أن تبحث عمن يتهجدون آخر الليل فقم معهم، واحرص على الإنفاق مما تكسبه في رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم في رمضان كثير الإنفاق وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، كما في حديث البخاري.
وحاول الإكثار من الذكر دائماً وقلل من اللغو ولا تنس أن الله أثنى على رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ووعدهم بالثواب العظيم، وقد بينا ما تشرع له صلاة الاستخارة في الفتوى رقم: 4823 فراجعها، وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39238، 26063، 25035، 40889.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(9/4797)
العمل لدخول الجنة والقرب من الصالحين لا يتنافى مع توحيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كما هو معروف لحفظ القرآن مكانة ودرجة خاصة عند الله..
فسؤالي هو كالتالي:
هل يجوز لي أن أطمع في حفظ القرآن لأنني أطمع بالقرب من حافظ معين في الجنة؟
أم هذا والعياذ بالله شرك؟؟؟
هل هو شرك أن أطمع بتلك المكانة وتلك الدرجة للقرب من حافظ معين وأنا لا أستطيع قربه في الدنيا؟؟؟؟
وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يعمل العمل لأجل دخول الجنة والقرب من أولياء الله تعالى كالذي يسأل الله تعالى دخول الجنة مباشرة، ولا علاقة لذلك بالشرك على الإطلاق، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، وقال للأعرابي: ما تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال صلى الله عليه وسلم حولها ندندن. رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني.
ولذلك فالعمل لأجل دخول الجنة والقرب من الصالحين لا يتنافى مع توحيد الله عز وجل والإخلاص له.
والذي ننصح به السائلة الكريمة هو إخلاص العبادة لله عز وجل، ومنها السعي لحفظ القرآن الكريم ودعاء الله تعالى أن يدخلها الجنة مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يعافيها من النار. كما قال تعالى عن الأنبياء: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الأنبياء: من الآية90}
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 58637، 21032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/4798)
الابتلاء ليس دليلا على السخط
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منك الرد على سؤالي أو استفساري مباشرة دون إحالتي لإجابة سابقة، أنا ولله الحمد شاب أسأل الله أن أكون ممن هم مواظبون على عبادتهم لله الحمد، أصلي الصلوات الخمس بالمسجد وأحرص على دخول المسجد في أغلب الأوقات قبل الأذان، ويوفقنا الله أحياناً بأن أؤذن بالمسجد عند عدم حضور المؤذن ولله الحمد، كذلك أحافظ على النوافل، وأكثر الصيام وذلك كله من فضل ربي، ولكن بصراحة أشعر وهو شعور يؤلمني وأنا متضايق جداً بأني لم أقدم شيئا ودائما أشعر بأني لست مرضيا عند الله، فقد ابتليت ولله الحمد بالعديد من المصائب، وسوء الحظ يلاحقني، وأخاف جداً من المستقبل بأن الإنسان يترك هذا الالتزام البسيط، ولذا أدعو الله بهذا الدعاء دائما (اللهم إن كنت تعلم بأن الموت راحة لي من كل شر فاقبض روحي وأنت راض عني) ، وأنا أحب منكم جزيتم من الله خيراً أن ترشدوني إلى ما هو صلاح، والله إني بحاجة إلى ذلك؟ وأسأل الله الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي ننصحك به - بعد تقوى الله تعالى والاستقامة على طريقه - أن تحمد الله تعالى على ما من به عليك من نعم حُرِم منها كثير من الشباب، وتسأله المزيد منها والعون على شكرها، ولتعلم أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله، فقد روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله.
واستقامتك على طاعة الله تعالى دليل على رضاه عنك، وإن أصابتك البلايا والمصائب. فإن الله تعالى يبتلي عباده بما شاء من الخير ومن الشر، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن يحب، قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا.... {الفجر:15-16-17} ، أي ليس الأمر كما زعم، فإن الله تعالى: إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي مرفوعاً وحسنه.
ولهذا ننصحك بالاستقامة على طريق الحق والصبر على ما تلاقيه في هذه الحياة، فهي دار ابتلاء وامتحان واختبار، ولتكثر من ذكر الله تعالى ودعائه فبذلك يطمئن قلبك وينشرح صدرك، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ {الرعد:28-29} ، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 22830، والفتوى رقم: 25874.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/4799)
لا يدفع البلاء باليأس من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي استفسار واحد:
نحن عائلة مكونة من عدد من البنات وعدد من الأولاد وأبونا كان إنسانا مدمنا على شرب الخمر وأما الوالدة فإنسانة محافظة على الصلاة ولكنها تحضر مجالس السحر في السابق كثيرا وتتعامل بالخرافات من أجل بعض إخوتي الذين تورطوا في مشاكل أخلاقية، لعل الظروف التي سردتها سبب في تأخر زواجنا بالإضافة إلى أن كل واحدة منا سلكت طريقا خطأ من أجل الزواج، ولكن بدأنا نسقط الواحدة تلو الأخرى، ولكن كل هذه الأسباب جعلتنا أكثر ابتعادا عن رب العالمين، وأكثر انطواء ونحن كبنات نعتقد أن الزواج هو حل مشكلتنا بالإضافة أنه يمكن أن يقربنا من ربنا لكن هذا شيء بعيد المنال ومشاعرنا بدت أكثر بعدا ونفورا ونريد الحل
ماذا نفعل لكي نتقرب إلى الله نترك الحرام"الحديث مع الشباب بالهاتف" لكن هو كل ما يشعرنا بالحياة أو يبقينا على اتصال بالحياة وماذا نفعل لكي نعود للحياة ويتقبلنا المجتمع والله يكتب لنا نصيبا فيها
أنا اكتب لك وأنا في حالة يأس وقنوط فظيعة، وأتمنى أن أسمع جوابك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الابتلاء سنة من سنن الله في هذا الكون يبتلي من شاء من عباده بأنواع البلاء، فالمسلم العاقل من يجعل من البلاء هناء ومن المحنة منحة، فإنه إذا صبر على هذا البلاء والمحنة كانت له العاقبة الحسنى في الدنيا والأخرى. روى مسلم في صحيحه عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. وليعلم أن الجزع والسخط لا يأتي بمرغوب ولا يدفع مرهوبا وإنما يزيد المرء حسرة وندامة.
واعلمي أن اليأس والقنوط من رحمة الله لا يجوز وهو كبيرة من كبائر الذنوب، فنوصيك وأخواتك بفتح أبواب الأمل وحسن الظن بالله، فارفعن إليه أكف الضراعة وعززن ذلك بالتوبة والاستقامة وأنواع الطاعة، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني.
وأما اليأس من رحمة الله واللجوء إلى معصيته فلن يحل إشكالا ولا يدفع بلاء، بل سيزيد المصيبة شدة والأمر تعقيدا لأن المعاصي سبب في كثير من المصائب، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشُّورى:30} وكيف يليق بالمسلم العاقل أن يضيف إلى خسارة دنياه خسارة أخراه فإن ذلك هو الخسران المبين، فالواجب المبادرة إلى التوبة مما قد مضى والإحسان فيما يستقبل وينبغي الحرص على صحبة الصالحات والاستعانة بهن وبأزواجهن في سبيل الحصول على الزواج الصالح، ولا حرج شرعا في أن تبحث المرأة عن زوج صالح بأدب واحتشام، فقد فعل ذلك خيرات النساء في العهد النبوي وراجعي في هذا الفتوى رقم: 7682، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 56732.
ونوصيكن بالإحسان إلى الأقارب ولاسيما الوالدان، ومن أعظم الإحسان بذل النصح بأسلوب طيب إلى من أتى منهم منكرا والسعي في إصلاحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1427(9/4800)
الابتلاء أسبابه متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة على قدر من الجمال أبلغ من العمر 33 سنة وحظي في الحياة قليل في العمل والزواج فكلما تسنح لي الفرصة تذهب بلا حول ولا قوة لا أعرف لماذا، حتى لو تقدم لي شاب يذهب ولا يعود رغم أني على خلق وجميلة والكل يشهد بهذا وتعبت من سؤال الناس لم لم تتزوجي إلى الآن وأنت جميلة والجميع يتمناك، وسأذكر لك مثالين عن العمل والزواج، العمل منذ فترة قليلة قبلت في مهنة ومركز جيد ولكن عندما أرسلت أوراقي لشؤون الموظفين رفضوا لأنه تم إنزال قرار قبلها بيومين بأنه يجب أن تتم الموافقة ليس من القسم الذي يريدني فقط لكن يجب أن تتم بموافقته ومقابلتهم رسميا ولهذا تعطلت أوارقي، أما المثال على الزواج ففي أحد الأيام جاءت امرأة لخطبتي لابنها وعندما دقت باب المنزل بالجرس ودخلت وإذ بالجرس قد علق واشتعل وأدى إلى التماس كهربائي بسيط واستأذنت المرأة ولم تعد والكثير من هذه الأمثال، والجميع بدأ يلاحظ هذه الأشياء حتى من كان لا يصدق بدأ يصدق بسوء حظي، لا أعرف لماذا، على الرغم من أنني أصلي وأدعو الله دائما وأقرأ القرآن وسورة البقرة يومياً، لا أعرف كيف لهذا أن يحل، وقد قال لي الكثيرون بأن هناك من فعل لي سحرا لتعطيل الزواج والعمل عني، وكل ما يفتح الرزق، وبدأ الجميع بما فيهم الوالدة يقلقون من الأمر.
والسؤال هل هناك آيات قرآنية أو أدعية أو أي شيء يفيدني؟ ويحل أموري؟
بدأت أشعر بأن الدنيا سوداء وكلما أنسى يأتي من يذكرني
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لمن ابتلي بما لا يسره من مصيبة بمرض أو سوء حظ أو نحوهما أن يحصر أسباب ذلك في السحر أو العين أو نحو ذلك ويغفل عن الأسباب الأخرى، فكون ما يصيب المرء من تعثر في حياته وضيق في عيشه بسبب سحر أو عين ونحوهما احتمال وارد، لكن ينبغي أن يجعل هذا الاحتمال آخر الاحتمالات لا أولها، لأن فيه إلقاء باللوم على الغير واتهاما له وسوء ظن بالمسلمين بغير بينة.
فقد يصاب المرء بسبب ذنوبه ومعاصيه، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشُّورى:30} وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وحسنه السيوطي.
والواجب حيال ذلك التوبة وتقوى الله عز وجل، فتقوى الله عز وجل فيها الفرج والمخرج وتيسير الأمور، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2- 3} ، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: 4}
وقد يصاب بالبلاء ليختبر صبره ويعلم صدقه، قال تعالى: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-3} وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ {الحج:11}
والواجب حيال ذلك الصبر على قضاء الله واحتساب الأجر من الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
وأما السحر فهو احتمال وارد وله علاج شرعي سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 60924، 39485، 31469، 70195، 63581، ولا بأس بطرحه والأخذ بأسباب علاجه، ويجب الحذر من سلوك طريق المشعوذين الدجالين والتعلق بغير الله عز وجل.
نسأل الله أن يأجر الأخت أجر الصابرين ويرضيها بما قسم لها ويجعل ذلك في ميزان حسناتها وأن يرزقها الرزق الحسن ويصلح لها دينها ودنياها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(9/4801)
ليس بالضرورة أن يكون نزول البلاء عقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من خمس سنوات وزوجي يعمل محاسبا وملتزم ويخاف الله جدا في كل تصرفاتة وأنا قريبة منه جدا وأعرف عنه كل شيء فيترك كثيرا من الحلال مخافة الحرام ولكننا ابتلينا بشيء غريب وهو أن أطفالنا لا يكادون يشفون من الأمراض ودخلنا محدود ويضيع كله على الأطباء وأنا مريضة وهو مريض ويذهب بنا أنا وأطفالي للطبيب ولا يذهب هو من أجل أن المال لا يكفي لذلك وفي الفترة الأخيرة وهو يعطينا درس المساء بالمنزل قال لي إني أخاف أن يكون هذا ليس بابتلاء وأن يكون رزقي مشوبا فيريد أن يترك عمله كمحاسب بشركة مقاولات ويعمل أجيرا في الأراضي الزراعية باليومية لأنه يرى أنها من أنقى الأموال بحيث سيكون متأكدا بنسبة مئة في المئة من رزقه وأنا أخشى عليه لأن صحتة وقوته لا تساعدة على ذلك فهل يمكن أن تكون كل هذه المواقف ليست بابتلاء وهي عقاب أم ماذا أرجو الرد عليَّ بصورة واضحة وعدم إرسالي لفتوى سابقة؟
وجزاكم الله عني وعن زوجي وعن أبنائنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج كربكم، ويشفيكم مما أصابكم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، هذا ولتعلمي أختي الكريمة أنه على قدر إيمان العبد يكون بلاؤه، وفي الحديث: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه. رواه أحمد، وفي الحديث أيضا: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم. رواه الترمذي.
وبهذا تعلمين أن البلاء ليس دائما عقوبة على ذنب يقترفه الإنسان، بل قد يكون لرفع درجاته وزيادة حسناته، أو قد يكون لتمحيص المؤمنين وتمييزهم من المنافقين، أو قد يكون بسبب تصرف الشخص نفسه تصرفا يجر عليه البلاء والمصائب.
وإذا كان عمل زوجك في شركة المقاولات لا يتضمن محاسبة فوائد ربوية ونحو ذلك من المعاملات المحرمة فلا وجه لتركه العمل بها والانصراف إلى عمل لا يليق بحاله وصحته، بل يلزم عمله ويبحث عن سبب مرضه ومرض أهله فيزيله، أو يطلب علاجا له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1427(9/4802)
النظر المحرم بريد القلب إلى الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو العلاج لمن فتن بالنظر إلى الفتيات مع العلم أني لم أعرف فتاة قبل ذلك وقد يكون هذا هو السبب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يغض بصره عن محارم الله. قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة، وهو في السنن عن علي رضي الله تعالى عنه. والمقصود هنا بالنظرة الأولى نظرة الفجأة كما هو مبين في حديث جرير رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: اصرف بصرك، كما في سنن الترمذي وأبي داود.
واعلم أن إطلاق النظر إلى ما حرم الله جد خطير، والنظر المحرم بريد القلب إلى الزنا، بل إنه زنا كما في الحديث الصحيح: إن العين تزني، وزناها النظر. كما في الصحيحين.
وغض البصر علامة قوة إيمان العبد وسبب في زيادته، كما في المستدرك عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله تعالى أثابه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه.
وطريقة علاج هذه الفتنة هي التأمل فيما رتبه الشرع عليها من الضرر، فمن نظر نظرة العاقل إلى هذه المفاسد أقلع عن هذا الذنب ولا يهلك على الله إلا هالك.
وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 10800، 29982، 70129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(9/4803)
شبهات وجوابها حول زنا الرجل والمرأة والتوبة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الديوث؟ هل هو الذي يسمح لبناته وزوجته بالذهاب أينما أردن لأنه يعلم تمام المعرفة بأنهن شريفات؟ أو هو الذي يترك لبناته حرية الحجاب خشية ألا يخلعوه سرا عنه؟ أو هو الذي يحلم بأن تكون ابنته دكتورة في الجامعة (مختلطة) ؟ وإذا كان هذا ديوثا.. فلماذا لا يوجه أي انتقاد للذي يرسل ابنه في مقتبل العمر إلى الغرب وهو يعلم أن ابنه سيقع في الفواحش غالبا؟ ولماذا لا يوجه أي انتقاد للفتاة التي تتزوج من شاب تعرف أنه كان يزني بحجة أنه رجل وأن الماضي لا يهم وبحجة أنه تاب (نعم تاب بعد أن أشبع غرائزه) مع أنه لا يقبل بالزواج من فتاة مثله حتى وإن كانت تائبة؟
ولماذا يسمى زنا الشاب زلة والفتاة إذا فعلت مثله فضيحة وعارا؟ هذا ليس فقط على لسان عامة الشعب بل على لسان علماء المسلمين؟ ولماذا عندما قلت بأنني أريد شابا خاليا من الفواحش ضحكوا علي وهزؤوني وقالوا لي لن أتزوج أبدا؟ لماذا يستهان بذنوب ويحكى عندها عن التوبة والمغفرة ويقولون أذنب عبدي ودخل الجنة وذنوب أخرى ترى بسببها الغضب على وجوه الدعاة أو "الصالحين"؟ العرض والشرف فقط للنساء ويفعل الشباب ما يريدون ثم يتوبون ويتزوجون من فتاة عذراء؟ أهكذا الذي يريد الدعاة إلى الحق والحجاب وعدم الاختلاط، يصفون أولياء أمور النساء بأنهم خنازير؟ أهكذا الاسلام؟
أهكذا الله سبحانه وتعالى؟ لقد بكيت كثيرا عندما قرأت هذا الكلام عن الدياثة كرهت أبي وامتلأ قلبي ضغينة وحقدا على هذه الدنيا وعلى الناس كلهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد بينا من قبل معنى الديوث، ولك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 49407، وفتوانا رقم: 56653.
ثم اعلمي أن الذي يرسل ابنه وهو في مقتبل العمر إلى الغرب إذا كان يعلم أن الابن سيقع في الفواحش، فإنه يكون آثما بما فعله، لأن من واجبه وقاية ابنه من العذاب. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ {التحريم: 6} . واعلمي أن من فضل الله على العباد وسعة رحمته أنه يقبل التوبة من العبد من أي ذنب كان. قال الباري جل ذكره: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} . وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. حسنه ابن حجر.
فالشاب الذي كان يزني في الماضي أو الشابة، إذا تاب أي منهما توبة نصوحا ولو بعد أن أشبعا غرائزهما، فإن ذنب التائب منهما مغفور إن شاء الله. وعليه، فلا لوم على الفتاة إذا تزوجت به.
ثم إن الزنا، قد سماه الله فاحشة، سواء كان من فتى أو من فتاة، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} .
وسوَّى الله بين المرأة وبين الرجل في حد الزنا. قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2}
وأما ما ذكرته من أن زنا الشاب يسمى زلة، والفتاة إذا فعلت مثله كان ذلك فضيحة وعارا، فإن هذا التفريق ليس من الشرع، وإنما هو في عرف الناس باعتبار أن زنا الشاب مستور في الغالب، بينما زنا الفتاة منكشف لما قد ينجر عنه من حمل أو ذهاب بكارة، مما يجلب العار والفضيحة لها ولأهلها.
والإسلام لم يفرق بين الفتاة وبين الفتى إلا بما يتميز به كل منها من خصائص فلا تبكي ولا تكرهي أباك، وارضي بما قُسم لك، هذا ونحذرك من التسخط على الله تعالى، أو أن تنسبي إلى شرعه ما ليس منه، أو تسبي الدعاة إليه وإلى شرعه أو تستهزئي بهم فإن عاقبة ذلك وخيمة ولن تضري بذلك إلا نفسك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(9/4804)
المبادرة إلى التوبة والثقة بمغفرة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ياشيخ أنا أحلم بالأطفال كثيرا؟ فانصحني ياشيخ بطريق الهدى، أريد التوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الرؤى والأحلام لا تبنى عليها الأحكام الشرعية ولا التعاملات الدنيوية.
وفيما يتعلق بما تريدين النصح به من طريق الهدى فإنه فيما تبحثين عنه من التوبة، فعليك بتجديد التوبة كل ما وقعت في ذنب أو معصية، والتوبة مقبولة -إن شاء الله- إذا استكملت شروطها المعروفة والمبينة في الفتوى رقم: 5091.
فإذا تبت توبة نصوحا، فإن الله يغفر لك، قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي، فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا، قال قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي -ثلاثا- فليعمل ما شاء.
وفي الحديث بيان لرحمة الله ومغفرته بعبده، وليس فيه حث للعبد على المعصية، بل فيه زجر له عنها، إذ أن الرب الغفور الرحيم الذي أسبغ علينا النعم الظاهرة والباطنة، وستر عيوبنا عن الخلق -ونرجو أن يغفرها لنا يوم القيامة- يستحق منا الطاعة والعبادة لا المبارزة بالذنوب والمعاصي.
فبادري -أيتها الأخت الكريمة- إلى التوبة، وثقي بأن الله تعالى سيغفر لك جميع ما كان منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(9/4805)
آخر خطبة خطبها (عمر بن عبد العزيز)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم شاكرين أن تذكروا لي آخر خطبة خطبها (عمر بن عبد العزيز) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: عن شعيب بن صفوان حدثني ابن لسعيد بن العاص قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ... فإنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه، وباع فانيا بباق، ونافدا بما لا نفاد له، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيكون من بعدكم للباقين كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع غير موسد ولا ممهد، قد فارق الأحباب وواجه التراب والحساب، فهو مرتهن بعمله، غني عما ترك، فقير لما قدم، فاتقوا الله قبل القضاء، راقبوه قبل نزول الموت بكم، أما إني أقول هذا. ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله..
وفي رواية: وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته ونهى فيها عن معصيته، وأستغفر الله. ووضع كمه على وجهه فبكى حتى بل لحيته، فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(9/4806)
المكلف وحده هو المؤاخذ بعمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد من حضرتكم تفسيرا لما يدور في ذهني من أفكار، وربما تبدو غريبة، ولكن لا أجد جوابا لها، وهذه الفكرة هي أنه على حسب ما أعرف، الشاب مسؤول عن تصرفاته مع الآخرين أو بالأحرى مع الفتيات وإن كان هذا قصدي أي أنه في حال قام الشاب بمعاكسة فتاة أو الإساءة لها أو حتى إرتكاب الزنى معها -اللهم اعف عنا وارحمنا- مما يعني أن هذه الإساءة سوف تحصل لأخته أو خالته أو ابنته ... الخ. أي كما تدين تدان ولنفرض أنها أخته فما ذنبها بما فعل أخوها من إساءة، يقول الله سبحانه وتعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ؟
صدق الله العظيم أشكر جهودكم وجزاكم الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن يكون العقاب أو الجزاء لمن قام بالعمل أو ارتكب المحرم، فهذا هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، وتواترت عليه نصوص الوحي كما في قول الله تبارك وتعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} وقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر: 38} وقوله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور: 21} ولذلك فالمكلف هو وحده المؤاخذ بعمله ولا علاقة له بجريرة غيره، وهذا هو الذي يوافق العقل السليم وتثبته شرائع الأنبياء السابقين، وتقره الشريعة الخاتمة كما في قول الله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى {النجم: 36 ـ 41} ولم نطلع على نص من نصوص الوحي يفيد أن من ارتكب جريمة يعاقب بارتكاب غيره من أقاربه لها، أو ارتكابها في حق ذلك الغير مهما كان قربه منه، وراجع الفتوى رقم: 62381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1427(9/4807)
بالتقوى تتيسر الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 35.5 لما كنت في 32 عرض علي زميل لي في العمل الزواج مني وهو أصغر مني ب 5 سنوات، وأسبقه في دراجات العمل، فاتحني بعد أسبوع من فشل موضوع دام 3 سنوات مع زميل أكبر مني، وقلت اللهم أجرني فيما أصبت اللهم اخلفني خيرا منها، فكان ردي على من يصغرني أنه لا يمكن، فطلب مني عمل استخارة أصبت بعدها بتردد وكان السبب السن، وشعوري بتعلقي لأنه لم يمر وقت كاف، بعدها خفت أن يكون ذلك رغبة منى أن أريه أنه خسرني بمن قبله وخوفي من أن أجرح مشاعره كما فعل من هو قبله معي، ولكنه ألح في الطلب فصارحته بما أخشاه ولأنهما معي في نفس المكان، وبكلامي معه بدأت التعلق به، فهو على خلق ودين، ووجدت فيه التعويض الذي أرسله الله لي وكان قراري في رمضان وتفاءلت خيرا حتى جاء أبواه البيت كان تعليق أمه أن شكلها تغير عما كانت عليه، وجهها بدأت عليه ملامح الكبر، بالرغم من أني على قدر كبير من الجمال، وسألوه عن فرق السن قال 4، قلت له لما لم تصارح إنه 5 قال لن أحتمل الرفض الآن، وتمت قراءة الفاتحة ولم أشعر بسعادة كالتي أحسست بها حينذاك، وأخبرني بأن الزواج بعد 6 أشهر ومضت الأيام وقبل الزواج بشهر لمح لي أنه يحتمل أن يؤجل لأنه لم يناقش الرسالة، قلت أخبرني بقرارك، وسألته بعد ذلك قال إن شاء الله سيتم، وسألته هل أعمل فستان الزفاف قال لي نعم، ثم عن الشبكة وهل هو ما زال عند كلمته في أنه إذا زاد الثمن ألف أو اثنتان، شعرت منه الضيق لا أعرف لماذا وقلت له اعمل حسابك أن الدبلة هي هدية قراءة الفاتحة، وقلت أنا لا أريدك أن تتضايق مما قلت أنا فقط أريد أن لا يتعرض أحدنا إلى موقف يسمع فيه كلمة تضايقه وسافرت لإعداد العفش والفستان واتصلت به فلم أطمئن للمكالمة وفي اليوم الثاني كلمته عن رأيه في الصالون، قال ألم أقل إني سأشتريه أنا، فألغيت التعاقد عليه مع خسارة مادية لأني شعرت أن أمه تريد أن تختار ولكني انفعلت أثناء المكالمة وحاولت الاتصال بعد ذلك مررا ولكن لم يرد وأغلق الهاتف وحاول زوج خالتي الاتصال إلى أن وصل إلى أمه بعد 3 أيام لم يكن ساعتها في المنزل وأظهرت ضيقها كيف لي أن أختار شيئا دون أخذ رأيها واتصل بها صباح اليوم التالي وأعطاني السماعة كانت في قمة الانفعال وقالت لي هل كنت تظنين أن تتزوجي ابني في شقتي وتطرديني خارجها أم كنت تظنين أني كنت سأترك لك الشقة، فهل هذا جزائي لأني وافقت على هذا الوضع، ثم قالت كلاما آخر يمكن أن أكون رديت ولكني لم أتعد حدود الأدب، وقلت لها إن كنت تريدين أن تلغي الموضوع لا داعي لهذا القول، قولي صراحة ولا داعي للتجريح، قالت أنا أريد التأجيل أنت لا تراعى ظروف ابني هو مشغول ولم يناقش الرسالة بعد، ابني سيضيع مستقبله، وعندما سألتها لم لم يخبرني بهذا الطلب، قالت لقد أخبر صديقتك (التي فاتحت أمي في أمر هذا الشاب) منذ 12 يوما، قلت لها إنها لم تخبرني وقالت إني أعير ابنها بأنه لم يشتر لي هدية قراءة الفاتحة وأني سأعيره فيما بعد أنه لم يشتر شقة، واتصلت بهذه الصديقة قالت لي إنه اتصل بها وكان أول مرة تراه مضطربا بهذا الشكل، قال لها أريد التأجيل ولإثبات حسن النية أشتري لها الشبكة وفستان الزفاف، وقلت لن أظلمه وأخبرتها بكلام أمه بسبب عدم إخبارها لي بهذا الطلب، اتصلت به على الجوال لم يرد، اتصلت بها أمه قالت إني كنت أحبها كابنتي ولكنها ردت علي بطريقة وحشة، فماذا ستعمل بعد الزواج، وشعرت أنها ترمي الكلام لكي يسمع ابنها وتكلمت مع ابنها قال هناك شرخ حصل، وتذكر مواقف بعيدة وطلبت منه أن يلقاني للتفاهم، وكان اللقاء الذي أخبرني فيه أنه لن يكمل معي، أين المشاعر، أين أحبك وأموت فيك، أين إنى لن أصبر عنك حينما طلبت منه التأجيل من قبل، ورغم هذه الخسارة المادية التي تحملتها أنا وأمي حيث لم يدفع مهرا ولا شبكة، والنفسية فقد تعلقت به اعتقادا منى أنه النعمة والتعويض، وما الذي قلب قلبه هو وأمه على هذه الحالة، مع العلم أنه كان أخذ رأي أمه قبل أن يعمل استخارة أو أن يكلمني، ولما نست علاقتي بها قبل أن يفاتحني في شيء وإحسانى لها، أريد أن أعرف هل حقا أن الله مقلب القلوب، فاليوم أحب وغدا أكره بلا سبب، وإن كان سهلا لماذا ألح علي 6 أشهر لأوافق، هل هناك حق مادي لي عنده؟، هل ظلمني وان كنت ما زلت أحبه وأتمناه ولا أصدق انه يمكن يكرهني، وأدعو به زوجا هل حرام رغم أنه مر سنة ونصف على إنهاء الموضوع، هل من حقي أن أعرف ماذا حدث لهذا كله؟، هل من الممكن أن يكون سحرا حقا كما قال البعض لي، خاصة أن شكلي بعدها اختلف حيث إن زوج خالتي قد أحضر 3 ورقات مكتوب بها كلام غير مفهوم وطلبت أمي أن أضعها في ماء وأغسل بها وجهي لأن هناك عملا، لذلك لا يتم زواج، وكان ذلك قبل مجيء أهله ففعلت خوفا من غضب أمي واستغفرت بعدها، ولقد قال لي عندما تحدثت معه منذ شهر أنه كان هناك شد في البيت ولم يكن أمامه خيار آخر أمامه، وأنه لم يعد يهتم بالزواج ولكني شعرت أنه قد قل دينيا ونصحته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعوضك خيرا، وأن يرضيك بما قسم لك، ولا بأس بالدعاء بأن يجعل الله هذا الشاب من نصيبك، وخير من ذلك الدعاء بأن يختار الله لك الخير حيث كان، فلا تدرين، فلعل الخير في ما تكرهين، والشر فيما تحبين، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}
ووصيتنا لك بتقوى الله فليس هناك شيء يهون الأمور وييسرها مثل تقوى الله عز وجل والتعلق به وحده، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4} .
وما ترتب على تصرف الخاطب من ضرر مادي أو معنوي في حقك لك مقاضاته عليه، وطلب حقك منه، ونرشدك إلى العفو والصفح وطلب الأجر من الله عز وجل والثواب على ذلك.
نسأل الله أن يصلح حال الأخت وأن يرزقها زوجا صالحا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1427(9/4808)
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبة الأقارب
[السُّؤَالُ]
ـ[كلنا يعرف أن الإنسان يحشر في الجنة مع من يحب. أنا أحب جدتي أسكنها الله الفردوس الأعلى وأفكر فيها وأشتاق لها وأريد أن أكون معها في الجنة كما كنت في الدنيا. هل هذا يتعارض مع حبي لرسول الله فأنا أفكر دائما أنني أريد أن أكون معها لكن أقول لنفسي رسول الله أغلى، ف ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على العبد في محبة والديه وأقاربه ولكن لا يكمل إيمانه حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه لأقاربه من الناس جميعا، لما في الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. متفق عليه.
ولا شك أن علو الهمة مطلوب في جميع الأمور، فعلى المسلم أن يعلق قلبه بمعية النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ويتسبب لذلك بمحبته وبالطاعة التامة لله والرسول، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا {النساء:69}
ولا ينفي هذا أن تجتمع مع جدتك في الجنة، فإن الولد المتابع لوالده في عمل الخير يلحقه الله به كما قال تعالى، وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطُّور:21} وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 37358، 4539، 69195، 71891، 58281، 20562، 61088، 56599، 12185، 3102، 11721، 29906.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(9/4809)
هل يستسمح التائب زملاءه الذين كذب عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السابعة عشر من عمري , وكنت أشارك في أحد المنتديات , وكذبت مرة كذبة على أصحابي وقلت لهم أني قد فقدت البصر , واني والله ما فعلت هذا اٍلا لأن الشيطان كان وقتها قد تمكن مني ولكني الحمد لله أصلي وأصوم وأحاول أن أكون مسلما جيدا , أصحابي صدقوا الكذبة وحزنوا علي كثيرا فقررت أن أخبرهم بالحقيقة , فدخلت للمنتدى وكتبت موضوعا واعترفت لهم وطلبت منهم أن يسامحوني لأني أخشى يوما تتبعثر فيه القبور , فهل كان تصرفي هذا صحيحا؟ أم أنه يعتبر نوعا من أنواع فضح ما ستره الله من ذنوبي؟ وهل كان يجب أن أعترف لهم وأطلب منهم أن يسامحوني حتى يتقبل الله توبتي؟
أفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت في تعمد الكذب لغير ضرورة, والكذب محرم شرعا, وقد ورد فيه الوعيد الشديد, وعده النبي صلى الله عليه وسلم من سمات النفاق العملي, ووجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى منه توبة صادقة وتكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة. وإذا ما حصل منك من الكذب إنما حصل في حوار عادي ولم يكن في كذبك تعد على حقوق أصحابك فإن قبول الله لتوبتك لا يشترط فيه استسماح زملائك لأن الحق لله وليس لهم, فلم يكن سماحهم شرطا في التوبة, فكان يمكن أن تتوب ولا تذكر الموضوع لأصحابك, ولاسيما إن لم يكونوا يعرفون شخصك في الأصل. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 32451، 5450، 65281 , 56957.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(9/4810)
الحب المشروع والمذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أيضا أحمد من اليمن لدي مشاكلي في منزلي فقد علمني أخي المعاصي منذ صغري والكبائر كما وضحت لكم في السؤال السابق ولكنه يكرهني فهو منذ صغره تربى في مدينة عدن في اليمن ولكني أنا وأبي وأمي وأخواتي تربينا في قرية فهو بعيد عني وكذلك ماتت أمي وأنا في 11 من عمري ثم انتقلنا إلى المدينة حيث يعيش أخي في بيت العائله ثم هناك واجهتني مشاكل أن أبي يذهب إلى العمل ثم يعود مرهقا ولا يقعد معنا لكي يتفقدنا وأخواتي يحبون عمتي التي ربتهم، أخت أبي، وأخي لا يحبني حيث إني إذا ذهبت لأتكلم معه صاح بوجهي ووبخني وأعرض عني وأنا أشعر بالوحدة حيث أمي ليست معي فليس هناك من يحبني ويعطف علي فأنا محتاج إلى الحنان والعطف والحب إلى أن وجدت صديقا لي فقد أحببته في نفسي حبا الله أعلم به، فأنا لا أستطيع أن أفارقه وأتذكره في كل وقت ولا أستطيع أن أنساه فأنا أحبه حبا شديدا كأنه أكثر من أخ لي، فعندما يكون ليس معي أقعد وأفكر فيه ماذا يعمل وماذا يفعل فأنا أحبه أكثر من أهلي ومن نفسي فهل هذه علاقه مستحبة على منهاج الله ورسوله أم هي على خطأ، أرجوكم أفتوني فإني سمعت شريطا للشيخ نبيل العوضي بعنوان قصة حب وكان في المحاضرة يذم هذه العلاقات في الحب فهل هذا صحيح أم لا؟ أرجوكم أرسلوا لي الجواب في أسرع وقت على بريدي الإلكتروني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يصلح أمرك وندعوك للتوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة وسيثيبك الله برحمته وغفرانه كما قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} .
ثم إنا ننصحك أن تحسن معاملة إخوانك وتقابل إساءتهم بالحسنى وتحرص على هدايتهم وتكثر من الأعمال الصالحة التي يحبها الله فإن ذلك أعظم وسيلة تصلح بها علاقتك معهم، وبالعمل بما يحب الله تعالى ستنال محبة الخلق لك، وراجع في المزيد عما تقدم وفي الحب المشروع والمذموم شرعا الفتاوى التالية أرقامها: 76102، 5707، 47693، 65834.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(9/4811)
من تاب تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سرقت فكيف أتوب، مع أني الآن أتقرب من الله وأصبحت من مرتادي المساجد وأصبحت مؤذنا في أحد المساجد، مع العلم بأني أعدت ما تم سرقته إلى المسروق منه، لكنه بعد فترة رفض وقام برفع دعوى قضائية ضدي، فماذا أفعل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ارتكاب السرقة من الذنوب الكبيرة والجرائم القبيحة, ولا تتم التوبة منها إلا إذا رد السارق الحقوق إلى أصحابها. وكيفية التوبة منها - ومن غيرها - الإقلاع مباشرة عن الذنب، والندم على فعله, وعقد العزم على ألا يعود إليه فيما بقي من عمره, ورد الحقوق إلى أصحابها. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة عليه في الفتوى رقم: 40782، والفتوى رقم: 69364.
وما دمت قد تبت من هذا الذنب العظيم ورددت المظالم إلى أصحابها فإننا نرجو أن يتقبل الله توبتك ويصلح حالك، كما قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، كما نرجو أن تكون من الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات بعد التوبة، كما قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، ولتبشر بخير ما دمت قد تبت التوبة النصوح, فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ولا ينبغي لصاحب الحق أن يرفع دعوى على من تاب من ذنبه وبعد ما حصل هو على حقه, والأفضل له أن يستر عليه, فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. وكان ينبغي لك أن ترد الحقوق إلى أصحابها بطريقة غير مباشرة حتى لا يؤدي ذلك إلى إحراج أو مشاكل يمكن تجنبها، وبإمكانك أن توسط من تعلم من أهل الخير عند صاحب الدعوى حتى ينهي الأمر ويتنازل عن دعواه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(9/4812)
مظاهر ضعف الإيمان وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حينما أكون وحدي أشعر بأن إيماني قوي، وأقول لنفسي أني سأنهى الناس عن المنكر وآمرهم بالمعروف ولن أشاركهم في الغيبة والمنكرات بل سأنهاهم، ولكن عندما أجتمع مع الناس أحس بأني ضعيفة وأني أقل منهم فأتساهل خصوصا مع الذين لا أعرفهم وبعدها أندم وأقول لن أكررها، ولكن بدون جدوى خصوصا أني ليس لدي ثقة في نفسي، فأرجوكم أوجدوا لي حلا فأنا أخاف من عذاب الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاعتزال عن الناس دائماً صعب من ناحية الواقع، فلا بد للعبد أن يعمل على وجود ما يحميه من التأثر بمن يضطر لمخالطتهم حتى لا يشاركهم في معاصيهم، بل يؤثر عليهم ويسعى في هدايتهم.
ومن الوسائل المساعدة على هذا البحث عن صحبة صالحة يأمن بها العبد ويستعين بها على أمور دينه ودنياه, ويتعايش معها ويستغني عن مخالطة أهل الفواحش والمعاصي، ويدل لهذا ما في حديث مسلم أن العالم قال لمن قتل مائة نفس لما سأله عن التوبة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وفي الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود.
وأما ما تلاحظينه من ضعفك وتساهلك في الدين أمام من لا تعرفينهم ومشاركتهم في المعاصي فهو مرض ومظهر من مظاهر ضعف الإيمان، ولعل من أسبابه ضعف استشعار مراقبة الله تعالى عندك, وأنه يراك في كل مكان، فضعف عندك مستوى خشية الرحمن بالغيب فصرت تستحين ممن يعرفك ولا تستحين من الله تعالى، فتذكري أن من صفات المتقين خشيتهم الله بالغيب، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ {الأنبياء:49} .
فاحرصي على علاج نفسك بكثرة التدبر لكتاب الله تعالى والنظر في كتب السنة والرقائق, والتأمل في وعد الله ووعيده, وفي صفات كبريائه وعظمته وجبروته وقهره وإحاطته علماً بما يعمل العباد وما تكن صدورهم وما يعلنون، وحاسبي نفسك كلما حصل تقصير أو انحراف، وجددي التوبة دائماً، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، ولا تتواني في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك من أعظم ما يربي فيك البعد عن المعاصي. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31768، 10263، 69465، 26549، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(9/4813)
لا يعالج المنكر بمنكر أكبر منه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
لي أخت تبلغ من العمر 24 عاما كانت تدرس بالجامعة، في العام الأول نجحت لكن في العام الثاني فوجئنا بأنها لم تكن تدرس بل اتبعت أشخاصا غير أخلاقيين من الجنسين، فأمرناها بالعودة إلى المنزل فلم تستجب فبحثنا عنها حتى وجدناها لكن لم نقس عليها بل أخدناها بالحنان، ووعيناها وسلكنا كل السبل العقلية لتوعيتها وأعطيناها الثقة في نفسها بل أرجعناها إلى الجامعة مرة أخرى فى نفس المدينة، لكن بددت ثقتنا بها مرة أخرى فلم تنجح، وقالت لي بأنها لم تدرس بجدية، وفي الأخير قالت أريد أن أعود إلى تلك المدينة وإن لم تتركوني فسأستغل فرصة ما وأهرب، لكن أمي قالت إن خرجت من المنزل فإني سأنتحر. مع العلم بأننا عائلة محافظة ومتدينة، وأقسم أني لو لم أكن خائفا من الله لقتلتها فهل يجوز قتلها إن كانت (شيطانة من الإنس) مع العلم أن سيدنا الخضر قتل فتى كان سيرهق أهله.وهذه الأخت قد أرهقتنا جميعا فأصبح المنزل لا يطاق وأنا خائف على أمي أكثر من نفسي أن يصيبها شيء من الغضب. (مع العلم أننا فعلنا لها كل ما بوسعنا من المساعدة) أما أبي فقد استعمل معها كل الطرق وحتى أخواتها لم يستطعن التأثير عليها.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه مهما كان من أمر أختك هذه فإنه لا يجوز لك قتلها فإن المنكر لا يعالج بمنكر أكبر منه، وشأن القتل عظيم، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء، وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقا - ومعنى معنقا خفيف الظهر سريع السير- صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلح -أي أعيا وانقطع- وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. فعليك التلطف بها والرفق في نصحها، والإحسان إليها وسلوك سبل الدعوة التي تؤثر في قلبها، واحرص على الشرائط والكتب والمنشورات الإسلامية أن تكون موجودة في البيت مع الدعاء لها بالهداية والاستقامة، واحرصوا على أن تربطوها بصحبة صالحة من الفتيات، وينبغي مساعدتها في بناء حياة مستقرة بالزواج وتكوين أسرة، فلعل ذلك يسد فراغا في نفسها، ثم اعلم أن ما قام به الخضر عليه السلام من قتله الغلام الكافر وخرقه للسفينة كان عن وحي من الله له بفعل ذلك، كما قال تعالى حكاية عنه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي {الكهف:82} قال ذلك ردا على موسى عليه السلام حينما قال له أقتلت نفسا بغير نفس، فلا يستدل به على قتل من أرهق أهله، أضف إلى ذلك أنه لو فرض أن شخصا ما ارتكب ما يحل دمه كقتل النفس أو الزنى بالنسبة للمحصن فإن قتله يكون من اختصاص ولي الأمر، وليس لأفراد الناس ولو كانوا آباء أو إخوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(9/4814)
شعور المرء بأنه لن يقوم من النومة التي نامها
[السُّؤَالُ]
ـ[من فترة طويلة لم أكن اصلي والآن الحمد لله أصلي بطريقة ممهدة لأنني لم أعتد على الصلاة في أوقاتها فالحمد لله محافظة نوعا ما على صلاتي المشكلة هي أنني أحيانا عند النوم أشعر ان الموت يصاحبني أي لن اصحو في الدنيا ثانية فما هذا الشعور؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تحمدي الله الذي هداك ووفقك للصلاة, وعليك الالتزام التام بالإتيان بها في وقتها, وإياك والتفريط فيها؛ فإن التفريط فيها خطره عظيم في الدنيا والآخرة.
ويمكنك الاطلاع على خطورة ذلك عند تصفح موضوع وجوب الصلاة وحكم تاركها في العرض الموضوعي لفتاوى الشبكة.
وأما تذكر الموت واستشعار الإنسان أنه قد لا يقوم من النومة التي ينامها هذه الليلة فهو أمر محمود, وليكن حافزا للعبد على التوبة والبدار بالطاعات قبل فوات الأوان, فقد حض الله على الأعمال الصالحة قبل مباغتة الموت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخلة إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه, ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، أن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/4815)
معنى عدم قبول صلاة شارب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في العشرين من عمري أحب كل شيء في ديني وقلت لنفسي لن أشرب وأتيت إلى الغرب وشربت قليلا فأعرف أنه حرام ولم أعرف أنه إذا شربت لن تقبل صلاتي لمدة 40 يوما ولم أشرب بعده لما قال لي صاحبي في الإسلام عن العقوبة
1) فهل الله سبحانه وتعالى يقبل توبتي؟
2) هل أستطيع أن أكمل صلاتي؟
3) هل أستطيع لمس القرآن؟
4) إذا قرأت القرآن كل يوم وأكملته فهل الله يغفر لي؟
5) إذا تبت في الدنيا ولم أشرب بعدها وأكملت القرآن هل أستطيع أن أدخل جنة الله، وأتمتع فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شرب الخمر كبيرة من الكبائر، وقد توعد الله شاربها باللعن، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبوداود، ولكن باب التوبة مفتوح فنرجو من الله المتاب على من أقلع عنها وتاب، وقد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن شاربها لا تقبل له صلاة أربعين يوما، ولكنه يجب القيام بأداء الصلاة، ويجوز له لمس المصحف إن كان طاهرا وتلاوة القرآن، فقد روى الترمذي في جامعه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال، قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع، والمقصود بعدم التوبة عليه في الرابعة المبالغة في الوعيد والزجر الشديد كما ذكره المباركفوري في شرح الترمذي:5/ 601 لأن العبد إذا تاب تاب الله عليه مهما تكرر منه الذنب إذا كانت التوبة في كل مرة صادقة.
واعلم أن المراد بعدم قبول الصلاة عدم حصول الثواب، وأن الصلاة تجزئه، والمعروف أن العمل لا يحبط إلا بالكفر والعياذ بالله، أما ارتكاب الذنوب فلا يحبط الأعمال إذا توفرت فيها شروط الصحة، قال المناوي في فيض القدير عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، قال: ثم اعلم أن ذا وما أشبهه كمن شرب الخمر تلزمه الصلاة وإن لم تقبل، إذ معنى عدم القبول عدم الثواب لاستحقاق العقاب، فالصلاة مع القبول لفاعلها الثواب بلا عقاب، ومع نفيه لا ثواب ولا عقاب، هذا ما عليه النووي، لكن اعترض بأنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين فكيف يسقط ثواب صلاة صحيحة بمعصية لا حقة؟ فالأوجه أن يقال: المراد من عدم القبول عدم تضعيف الأجر؛ لكنه إذا فعلها بشروطها برئت ذمته من المطالبة بها ويفوته قبول الرضا عنه. انتهى
فاحرص أخي السائل على تحقيق التوبة بأركانها وذلك بالندم على ما فات والعزم على عدم العود إلى الذنب والإقلاع عنه في الحال، فإذا فعلت ذلك فاعلم أن الله يقبل التوبة عن عباده ويدخلهم الجنة. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى:25} وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:133-136} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/4816)
الاستعانة بالله ثم بالأدعية المأثورة لأجل قضاء الديون
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية والسلام إن أبي عليه ديون كثيرة من جراء شرائه شاحنة كبيرة حيث انقلبت مرتين وبيعت بالمزاد أصبحنا فقراء لا يهمنا الفقر لأن الله قال (وفي السماء رزقكم وما توعدون) المهم قضاء الديون التي ما زالت والله على ما أقول شهيد فأسرتي تعاني الكثير ولا نستطيع مد أيدينا للتسول لأن نفوسنا عزيزة ولهذا وجدت السبيل الأمثل هو مكاتبتكم لمساعدتي للخروج من هذا الضيق أعطوني العنوان البريدي أوالموقع الالكتروني للمؤسسات المساعدة ويا ليت لو تدخلتم بمساعدتكم لكم جزيل الشكر والله لا يضيع أجر المحسنين والراحمون يرحمهم الرحمن
طفل أراد أن يسعد وينقذ أسرته من الضياع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يقضي عنكم ديونكم ويفرج كرباتكم، وعليك بالاستعانة بالله عز وجل، واجعل وسيلتك لذلك فعل الطاعات، وترك المحرمات، وأكثر من الأدعية النبوية مثل قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
ومثل دعائه صلى الله عليه وسلم الذي رواه النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين, وغلبة العدو, وشماتة الأعداء.
ونعتذر عن إعطاء العناوين البريدية والمواقع الإلكترونية للمؤسسات المساعدة، فإن ذلك ليس من اختصاص الموقع. فرج الله عنا وعنكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/4817)
وسائل ونصائح للتحصن من شراك المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع التلاميذ في المدرسة هم كلهم عصاة لا يصلون، النساء متبرجات كاسيات عاريات والأولاد ينظرون إليهن وهم لا يقبلون النصيحة وليس هذا فقط بل ويستهزؤون بي عندما أنصحهم فماذا أفعل، وكيف أتعامل معهم، أفيدونا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الإنسان يتأثر بواقع من يساكنهم، وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره، ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، والبعد عن رفقاء السوء واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. وبحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمناً.
واعلم أن ترك الصلاة هو أخطر الذنوب بعد الشرك بالله، فالله عز وجل قد توعد الذين يتهاونون بأمر الصلاة بالعذاب الشديد، فقال جل شأنه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا {مريم:59-60} ، وقال سبحانه وتعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} ، وهذا في الذين يؤخرونها عن أوقاتها، فكيف بتاركها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الترمذي والألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بلفظ: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة. وصححه الترمذي والألباني.
والصلاة هي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وصححه الألباني، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ترك الصلاة يحبط أعمال العبد، فعن بريدة رضي الله عنه قال: بكروا بالصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر حبط عمله. رواه البخاري في صحيحه.
وأما النظر إلى النساء الأجنبيات فهو محرم ولو كان بغير شهوة، فإذا كان بشهوة كانت حرمته أشد، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظرة النظرة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وأما التبرج أمام الأجانب فهو من أعظم المحرمات، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدة عقوبات للمتبرجات، فذكر أن المتبرجات من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وذكر أنهن ملعونات، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وقد روى أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً فلا تسأل عنه، وأمة أو عبد أبق من سيده، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرجت وتمرجت بعده، وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره عزه، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف, العنوهن فإنهن ملعونات. رواه ابن حبان والطبراني والحاكم، وقد صحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني في السلسلة الصحيحة.
وبناء عليه فيتعين عليك التحفظ من مخالطة هؤلاء بما يؤثر على دينك والتزامك, مع الحرص على هداهم وحضهم على التوبة وتعليمهم ما يجهلون وإنكار المنكر الذي يقترفون، والصبر على ما تلقاه في سبيل دعوتهم، واستخدم في ذلك ما أمكنك من الوسائل المساعدة في هدايتهم كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن، وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة وربطهم بالأصدقاء الصالحين، وعليك بالصبر الطويل وعدم اليأس من قبولهم النصح، واعلم أنك تقوم بمهمة شريفة عظيمة وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليكن لك فيهم أسوة حسنة, فقد تحملوا في سبيل تبليغ دين الله تعالى من أقوامهم الكثير من سب وشتم ونبز بالألقاب واتهام بالسحر والكذب، وبعضهم عليهم السلام وصل الحال بأقوامهم إلى أن قتلوهم، وأما الإعراض عنهم وعدم سماع كلامهم فكثير جداً، كما كان يفعل أصحاب نوح عليه السلام معه، فقد قص الله تعالى لنا بعضاً من ذلك، فقال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا* فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {نوح:5-6-7-8-9-10} ، إلى آخر الآيات, وقد صبر نوح عليه السلام يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وفي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب. وقال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {يوسف:108} ، وقال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125} ، فالحكمة تقتضي تقديم الأوليات والبدء بالأهم فالأهم، ومراعاة أحوال المدعوين، ومستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم ... إلى غير ذلك، والموعظة الحسنة تقتضي خطابهم بالأسلوب الرفيع المشوق، والتركير على شحن الخطاب الدعوي بالآيات البينات والسنن النبوية النيرات، وضرب الأمثال البليغة والقصص المؤثرة، وأما المجادلة بالتي هي أحسن فتقتضي إلانة القول والرفق في الخطاب، وإحساس المخاطب بدافع محبة الخير له العاجل منه والآجل، مع التدعيم بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة.
وأولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً ... وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45} ، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
ومن الوسائل المهمة في تحصين الشباب حضهم على الصوم والبدار بالزواج، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
واعلم أن من لا يستجيب للنصائح ويستهزئ بناصحه، فالذي يتعين عدم اليأس من هداه والمواصلة معه، والدعاء له بالهداية والإنابة إلى الله لعل دعوة صادقة يهديه الله بها، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من شدة الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.... إلى آخر الحديث.
وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 8580، والفتوى رقم: 70837، والفتوى رقم: 21186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1427(9/4818)
البلاء.. أسبابه.. ووسائل دفعه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما يحدث للأمة الإسلامية الآن عقاب من الله أم ابتلاء، فهل يوجد آية في القرآن من الفرج للأمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الله جل وعلا يجري الأمور بمقادير, وكل شيء عنده بمقدار, وما من شيء يحدث إلا ويكون وراء حدوثه حكمة عظيمة، ومن ذلك ما يحصل من الضراء للعباد, فقد تكون إنذاراً منه سبحانه وتعالى، أو عقوبة وابتلاء على أمر أحدثه العباد، فقد يبتلي الله عباده بسبب ذنوبهم فيصيبهم بالبأساء والضراء لعلهم يذكرون, فينيبون إليه ويتوبون ويضرعون ويلتجئون إليه، كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {الأنعام:42} ، قال الطبري: أي امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إلي ويخلصوا لي العبادة ويفردوا رغبتهم إلي دون غيري بالتذلل لي بالطاعة، والاستكانة منهم إلي بالإنابة.
وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}
وقد قال عمر بن عبد العزيز: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
وفي الحديث: إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود وصححه الألباني. وفي الحديث: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
ولو أن العباد تابوا وأنابوا إلى الله, وأقعلوا عن الذنوب, وتمسكوا بالهدى واستقاموا لغيَّر الله ما بهم, وتحقق لهم ما وعد الله به المؤمنين من العز والنصر والرفعة والعلو والتمكين في الأرض والغلبة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ {المنافقون:8} ، وقال الله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {الروم:47} ، وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} ، وقال تعالى: وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران:139} ، وقال تعالى: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ {الصافات:173} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ {المائدة:56} ، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55} ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: تفسير ابن كثير [جزء 3 - صفحة 401]
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم.
وقد أخبر الله تعالى أنه يدافع عن المؤمنين وأنه معهم وأنه وليهم، فقال: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا. وقال تعالى: وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وقال تعالى: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ. وقال الله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ. وقال تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.
وقد أخبر تعالى أن مكر الكفار سيحيق بهم وأنهم سيغلبون، قال الله تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا. وقال الله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ستغلبون في الدنيا، وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة.
وقد وعد الله المتقين الصابرين بالحفظ من كيد الأعداء ومكرهم، قال الله تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران:120} .
هذا وليعلم أن الخطر الأكبر هو أن لا يتعظ العباد ولا ينيبون عند حصول العقاب والبلاء, فمن لم ينب فقد أخفق في الامتحان، فقد قال الله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الأعراف:168} ، وقال سبحانه وتعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {الأنعام:42} ، وقال سبحانه: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ {الأنعام:43} ، وقد عاب الله على الذين لا يرجعون ولا يتضرعون إليه سبحانه عند نزول العذاب، فقال عز وجل: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ {المؤمنون:76} ، فإذا لم ينب العباد بعد الابتلاء بالضراء فقد يبتلون بالسراء استدراجاً لهم ثم يأخذهم الله بغتة، ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير، وصححه الألباني.
وقال الحسن البصري: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم تلا: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. قال: مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا، وما أخذ الله قوماً إلا عند سكرتهم، غرتهم نعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1427(9/4819)
كيفية الوصول إلى رضا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نصل إلى الرضا الكامل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تعني سؤالك كيفية الوصول لرضى الله تعالى فراجع في ذلك الفتوى رقم: 74127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1427(9/4820)
وسائل تعين على الثبات والاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ الله يسلمكم، أنا شاب 24 سنة حفظت القرآن وكان عمري 14 سنة، ودرست علوم الدين والمدرسة العصرية وتخرجت في إحدى المعاهد الإسلامية باسم معهد الإمام أبي حنيفة لتأهيل المعلمين وأنا أرتكب بعض المعاصي من قبل استماع إلى الأغاني ومشاهدة الأفلام وتقصير اللحية والنظر إلى المحارم، ثم أتوب إلى الله عز وجل، بعد فترة قصيرة أرتكب مرة ثانية، فما هو الحل شيخي الفاضل، أريد منكم أن تنصحني وتأخذ بيدي لأنني أخاف أن يجرني الشيطان إلى الكبائر الأخرى، وهل بعد التوبة أدخل في سبعة يدخلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، شاب نشأ في طاعة الله؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بما أنعم الله به عليك من حفظ القرآن ودراسة العلوم الدينية، ثم إنا نفيدك أن من أعظم أسباب الثبات والاستقامة والهدى والبعد عن المعاصي الاشتغال بتلاوة القرآن وسماعه ممن يجيده مع التدبر في حالتي التلاوة والسماع، والحرص على العمل به، فقد قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا {النساء:66-67-68} .
ومن الوسائل أيضاً الدعاء وصحبة الأخيار وحضور مجالس العلم والوعظ التي ترقق القلوب وتزكى النفوس, ومنها دعوة الآخرين للاستقامة والاشتغال بالأعمال الصالحة وترهيبهم وتنفيرهم من الاشتغال بالرذائل، ومن الوسائل أيضاً التي تساعدك على قمع النفس كثرة النظر والتأمل في نصوص الوحي التي ترهب من عذاب الله، فإن العلم بها يقمع الأهواء كما يدل له الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً, وما تلذذتم بالنساء على الفرش, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
وفي الدعاء المأثور: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك.
ومن الوسائل المهمة أن تحمل نفسك على معالي الأمور والازدياد من الخير، فحاول تعلم تفسير القرآن الذي حفظته, وحاول أن تتعلم المزيد من قراءاته المتواترة، وحاول أن تتعلم كتب السنة وتأخذ إجازة فيها.
وأما الشاب الناشئ في الطاعة فهو من لم تكن له صبوة شيطانية بل ظل مستقيماً على الطاعة في شبابه كذا قال شراح الحديث، ولكن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها. وراجع في تحريم حلق اللحى وسماع الغناء المصحوب بالموسيقى وخطورة نظر الحرام، وفي المزيد عن أسباب الاستقامة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59139، 21807، 39151، 71215، 66001، 54316، 31768، 24183.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(9/4821)
قبول الصلاة علمه عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن هناك رجل قد صلى 60 سنة من حياته وعندما قاموا بحساب كم صلى وجدوا أنه لم يصل إلا 5 سنوات فقط فكيف ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على هذه المقولة ولا نعلم تفسيرا لها, وإنما الذي نعلمه هو حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل الله له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع. ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظر سنده، وحسنه الألباني.
ونرجو الله أن يتقبل من المحسنين صلواتهم وعباداتهم ويثيبهم عليها ويضاعف لهم الأجور. فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً {الطلاق: 5}
وعلينا أن نكل حسنات العباد إلى الله تعالى ونصرف اهتمامنا لهدايتهم وحضهم على التوبة والإكثار من العمل الصالح ففي ذلك الأجر العظيم.
كما في الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري
وفي الحديث: الدال على الخير كفاعله. رواه الترمذي.
وفي الحديث: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواه مس لم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(9/4822)
محبة الناس للعبد
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث القدسي يقول الله تعالي:
إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل, يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه كل أهل الأرض. ....
هل يعني أن الشخص المحبوب من قبل الناس شخص صالح والمكروه غير ذلك ... مع العلم أني أعلم أشخاصا محبوبين جدا وناجحين ولكنهم لا يؤدون الصلاة المفروضة ... بالنسبة لي أنا مؤمنة الحمد لله ولكن أشعر أني مقصرة ولست جاحدة بحق الله من صلة الرحم وبر الوالدين والصداقات ... ولكن الحمد لله اشعر بمحبة غريبة من كل من أتعرف عليه حديثا ... لا يمر يوم واحد حتى تتوطد الصداقة والمحبة بدون أي مصلحة من قبل الطرفين ... فهل هذا دلالة على رضى الله ومحبته ... أما مشكلتي فهي مع عمي فأنا وكل أفراد العائلة الأقارب والأصدقاء الكل يبغضه ويبغض تصرفاته مع العلم انه يصلي ويصوم ... فعلام يدل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تقوى الله تعالى تنال بها محبة الله والقبول بين عباده في الأرض، قال الله تعالى: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ {آل عمران:76} .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض. رواه البخاري.
وعن هرم بن حيان قال: ما أقبل العبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين عليه حتى يرزقه مودتهم، فقد وعد الله عز وجل عباده ... بهذه المودة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {مريم:96} .
وقد بين ابن حجر في الفتح سبب ذلك، وأن محبة الناس للعبد علامة لحب الله له فقال:
قوله إذا أحب الله العبد وقع في بعض طرقه بيان سبب هذه المحبة والمراد بها، ففي حديث ثوبان إن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول يا جبريل إن عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني، ألا وان رحمتي غلبت عليه، الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقاق ففيه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، الحديث. قوله إن الله يحب فلانا فأحبه بفتح الموحدة المشددة ويجوز الضم ووقع في حديث ثوبان فيقول جبريل رحمة الله على فلان وتقوله حملة العرش، قوله فينادي جبريل في أهل السماء إلخ في حديث ثوبان أهل السماوات السبع، قوله ثم يوضع له القبول في أهل الأرض زاد الطبراني في حديث ثوبان ثم يهبط إلى الأرض، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا، وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذي وابن أبي حاتم من طريق سهيل عن أبيه.....
والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه، ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله، ويؤيده ما تقدم في الجنائز: أنتم شهداء الله في الأرض....
وبهذا يظهر أن محبة الناس للعبد إنما تكون علامة على محبة الله له إن كان ملتمسا لرضا الله سبحانه بأداء فرائضه واجتناب محارمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(9/4823)
طلب رضا الله وتجنب سخطه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصلاة والصوم والزكاة كافية لإرضاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأعمال من حققها من أهل الإيمان كانت سبباً لاكتساب الأجر العظيم، إذ هي من الأعمال الصالحة الموجبة لرضوان الله تعالى، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {البينة:7-8} ، وقد ذكر الصلاة والزكاة في صفات المتقين في سورة البقرة، وأخبر تعالى في سورة آل عمران أنه يجزي المتقين بجنته ورضوانه.
ولكن العبد قد تجب عليه أعمال أخرى وإذا فرط فيها ربما يناله سخط الله تعالى ويفقد رضاه، كما أنه تحرم عليه كثير من الأمور، وإذا اقترفها ربما يسخط الله تعالى عليه ويحرمه رضوانه، فالواجب الحرص على جميع الطاعات الواجبة والبعد عن جميع الأعمال المحرمة، وراجع للمزيد في الموضوع ومعرفة أسباب رضى الله ومحبته للعبد الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74127، 53440، 22445، 56202، 18073.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1427(9/4824)
الوقت الذي تعرض فيه الأعمال على الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الوقت -بالتحديد- الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله من يومي الإثنين والخميس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نطلع على تحديد الوقت الذي تعرض فيه أعمال العباد في هذين اليومين، وظاهر الأحاديث تدل على أن العرض يكون في وقت الصيام أي ما بين الفجر والغروب، ففي سنن الترمذي وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/4825)
هل يطلب من الله أمارة تدل على قبول توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتكب أحدنا معصية وصلى صلاة التوبة وطلب من الله تعالى أمارة، ولو كانت بحلم أو رؤيا تدل على أن الله تعالى قد غفر له، فهل ما فعل يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم إذا وقع في معصية وتاب إلى الله تعالى توبة صادقة فإن الله تعالى يغفر له سواء صلى صلاة التوبة أم لا، مع أنها مستحبة، ولا يشترط أن يرى علامة على قبول توبتة، ولا يطالب بأن يسأل الله تعالى أن يريه علامة أو أمارة على قبول توبته، لكن لو فعل ذلك فلا حرج عليه، بل قد يكون ذلك حسنا منه، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 5646، والفتوى رقم: 66225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/4826)
تقوى الله وخشيته سبحانه من أسباب النجاة من المهالك
[السُّؤَالُ]
ـ[خنت زوجي والحمد لله تبت وندمت على ما فعلت، لكن الشخص الذي قمت معه بالخيانة مازال يلاحقني، ويهددني أنه سيخبر زوجي، كيف أتصرف، أرجوكم أريد الرد سريعاً أنا خائفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك بالتوبة، وننصحك بالثبات عليها، وأن تكون توبة نصوحاً، وأن تكون لله وخوفاً منه سبحانه، لا خوفاً من الزوج أو من غيره، ثم عليك باللجوء إلى الله سبحانه، والانطراح بين يديه، والتضرع إليه سبحانه، أن يكفيك شر هذا الرجل، وشر كل ذي شر، وإياك ثم إياك أن تستجيبي لهذا الذئب، أو ترضخي لتهديده، خوفاً من زوجك، وحذراً من عذاب الدنيا، فإن عذاب الآخرة أشد، والله أحق أن تخشيه، قال الله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ {الأحزاب:37} ، وقال سبحانه أشد: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى {طه:127} ، وثقي بأن الله سيجعل لك مخرجاً إذا تبت إليه واتقيته، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2} ، واستعملي كل ما في وسعك من الوسائل التي تحول بينك وبين هذا الرجل، نسأل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً، ويكفيك شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/4827)
توجيهات لازمة لمن أراد المسير على درب التائبين
[السُّؤَالُ]
ـ[أستحلفكم بالله أن تصبروا على قراءه رسالتي، ن تجيبوا عليها بأسرع ما يمكن لأن مستقبلي في انتظار ردكم على..
أنا فتاه من مصر عندي 23سنة ومشكلتي كالآتي:
قمت بعمل سلسلة من الأخطاء الشنيعة من مكالمات جنسية على النت إلى استخدام الكاميرا فيما يغضب الله بعد أن كنت فتاه ملتزمة، وفي هذه الفترة تعرفت على رجل يكبرني ب 13 سنة وأحببته، وطبعا قمت معه بنفس الأخطاء حتى أرتبط به، ولم يعد يستطيع البعد عني واشتد حبه لي وطلب الزواج مني لكنه في هذه الفترة أجبره والده على الزواج من غيري وعندما تزوجها عرف أنها لا تنجب، رجع لي مرة أخرى وكان جادا جدا في طلبي للزواج، قابلته لاحظت أنه يبدو أكبر منى بكثير في الشكل، لكن الأهم أني قابلته مرة واثنتين وثلاثة
وفي المرة الرابعة ذهبت إلى بيته وارتكبنا جريمة الزنا، لكنى ما أزال بكرا, لم يكن زنا كاملا, وتكررت هذه الجريمة في كل مرة أتوب فيها يرجع يتوسل إلي أن أقابله.
دلوني أنا أريد التوبة وآخر كلام له أنه أخلص ضميرلله وأنه جاد في الزواج مني وأنني إن استطعت أن أجعل أهلي يوافقون فهو سيرحب جدا ويفرح بذلك، وان لم يوافقوا سيبتعد عني لكنه متزوج وأهله يريدون منه الزواج مرة أخرى حتى ينجب، أنا لا استطيع تحمل أني أكون زوجة ثانية سأعيش تعيسة معه هل أتزوجه لأصلح ما حدث بيننا هل هذه هي الوسيلة الصحيحة للتوبة وإن كانت ليست هي الطريقة الوحيدة هل أتزوج غيره من غير أن أحكي له علاقاتي السابقة، هل إن لم أحك له أعتبر مخادعة.
اعلم أن جرمي كبير لكني والله أريد التوبة وأريد الزواج للعفاف , من زنيت معه يحبني بجنون لكنه يخاف تطليق زوجته الأولى وأنا وافقته على ذلك لا أريد ارتكاب معاصي أكثر مما فعلت.
أستحلفكم بالله أن تدلوني على الآتي
1- كيف لي أن أتوب توبة نصوحا.
2-هل أتزوج هذا الرجل حتى أكفر عن ذنبي حتى لو تألمت أن له زوجة أخرى؟
3- إن كان يمكنني أن أتزوج غيره هل أخبره وهل يصبح عقد الزواج صحيحا.
4- هل يمكن أن أرجع إلى سابق عهدي طاهرة ونقية؟
عذرا للإطالة وأرجو سرعة الرد لأن هذا الرجل ينتظر مني الرد عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بنعمة الإسلام والحرص على العفة والتوبة، ونسال الله أن يعفك ويطهر قلبك ويحصن فرجك وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وصدق التوبة والإنابة إليه والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8} . وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} .
وإليك بعض التوجيهات لعل الله ينفعك بها ويجعلها عونا لك على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم.
1-استشعار خطورة هذا الذنب وما توعد الله به أهله من العذاب في الدنيا والآخرة، واستشعار عظم جزاء أهل العفة، فقد عد الله تعالى حفظ الفروج ضمن صفات المؤمنين التي يستوجبون بها الفلاح ودخول الفردوس والخلود فيها. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1} ثم ذكر من صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ ثم ذكر جزاءهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:1-11} .
وقد قرنه تعالى بالشرك وقتل النفس، وتوعد مقارفي تلك الجرائم الشنيعة بالآثام، وقد فسر عكرمة الأثام بأودية في جهنم يعذب فيها الزناة، إلا أنه مع ذلك بشر التائبين بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات. قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان: 68-69} .
ومن أعظم مظاهر خطورة الزنى ما ثبت في الأحاديث من نفي كمال الإيمان عن فاعله. ففي الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وفي الحديث: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه. رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ويضاف إلى هذا كونه من أسباب العذاب؛ ففي صحيح البخاري -في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل- قال صلى الله عليه وسلم:...... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة.. ثم قال له الملكان: ... والذي رأيت في الثقب الزناة.
ويضاف إلى هذا تذكر مخاطر الزنى الدنيوية كالإصابة بالإيدز والزهري والسفلس والسيلان والتفكك الأسري والعنوسة وانتشار الأولاد اللقطاء.
2-أكثري سؤال الله أن يعينك على العفة ويطهر قلبك ويحصن فرجك وتوجهي إلى ربك بالدعاء والطاعات بأن يحقق لك مناك وليس ذلك على الله ببعيد، فهو القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر: 60} وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي {البقرة: 186}
ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه -. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.
وقد روى أبو أمامة: أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
فضعي يدك على قلبك وادعي بهذا الدعاء
3 -أكثري من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
4-- البعد عن نظر الأجانب والخلوة بهم، وتذكري دائما قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:30] . وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36} .
وفي حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. وفي حديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة.، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
5-الزواج بمن تستعفين به عن الحرام ولو كان فقيرا أو استدعى الحال أن تكوني ثانية، والأحسن الزواج بمن ذكرته إن لم يكن هناك مانع شرعي أو كان فيه مشقة عليك، وإلا فالرجال سواه كثير، واعلمي أنه لا يشترط في التوبة زواجك به، واحرصي على صرف ذهنك عن هذا الرجل إن لم تتزوجي به، وقد تقدم في جواب سابق الكلام عن دواء العشق فليراجع برقم: 9360.
وان قررت تركه فلا يلزمك إخبار غيره بسوابقك، بل عليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، واعلمي أن عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أوفضله أو علمه أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه. فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها. وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي رضي الله عنه. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ {القصص: 27}
ولا يمنعنك من زواج من ترتضى أخلاقه فقره فان الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} . وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32} . وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ. نقل ابن كثير الأثرين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
6- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاستحي منه أن يراك على معصية.
7- حافظي على الصلوات المفروضة، وأكثري من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} .
8- أكثري من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.
وننصحك بصحبة الأخوات الصالحات، ففتشي عنهن، واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثري من سماع الأشرطة الدينية، ومن ذلك (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و (اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و (على الطريق) للشيخ علي القرني، وتجدينها وغيرها على موقع طريق الإسلام islamway.com على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1427(9/4828)
التوبة من إفشاء سر الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد كنت خاطب فتاة ونصحني صديقي الذي كان يسكن بجوارها بعدم خطبتها لسوء سلوكها في الماضي، ولكني تغاضيت عن ذلك وأقدمت على الخطوبة وقد قلت لها في إحدى المرات الأشياء التي قالها زميلي عنها على أن يظل ما قلته لها سراً بيننا، ولكن لم يرد الله لهذه الخطوبة أن تتم وانفصلنا وحدثت مشاكل كثيرة جراء هذا الانفصال نتيجة لمواجهة أهل الفتاة لصديقى بالكلام الذي قاله لي عنها وطلب مني صديقي هاتفيا عدم الحديث معي ثانية وطلب مني إنهاء صداقتنا وتألمت لذلك كثيراً وندمت على ما فعلت من خطأ وتبت إلى الله وذهبت إليه ليسامحني، ولكنه رفض وقال إنه لن يسامحني أبداً إلا بشرط وهو أن أذهب معه إلى أهل الفتاة وأقول لهم إن صديقي هذا لم يقل شيئاً عن ابنتهم وأننى كنت أكذب للإيقاع بينهم فرفضت ذلك بشدة فنهرني ورفض صلحي مرة أخرى، وقال لي إنه لن يسامحني أبداً وإنه يقوم بالدعاء علي فى كل صلاة، مع العلم أنني قد أرسلت صديقا لنا لعقد الصلح، ولكن باءت كل المحاولات بالفشل، والآن لا أدري ماذا أفعل للتخلص من تأنيب الضمير، أفيدوني أفادكم الله على بريدي الإلكترونى؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنك أخطأت حين أفشيت سر صديقك، بل ذلك ذنب يلزمك التوبة منه، قال في شرح منظومة الآداب: ويحرم على كل مكلف (إفشاء) أي نشر وإذاعة سر، وهو ما يكتم كالسريرة ... ولعله يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلته قرينة على كتمانه، أو ما كان يكتم عادة، أخرج أبو داود عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وأخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء: من سمع من رجل حديثاً لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه. وفي التنزيل: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا. وذكر ابن عبد البر الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أسر إلى أخيه سراً لم يحل له أن يفشيه عليه. انتهى.
فيلزمك التوبة من هذا الذنب، فإذا تبت منه فلا شيء عليك لحق الله عز وجل، فحق الله يؤدى بالتوبة من الذنب، ويبقى حق صاحبك، فحاول استسماحه، فإذا لم يسامحك فأكثر من الصالحات والقربات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(9/4829)
أمور تعين على خدمة الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أرغب أن أكون فعالة في الحياة، فما هي الطرق والوسائل التي تجعلني أخدم ديني؟ وشكراً لجميع العاملين في الموقع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65335، 47694، 36018، 31768، 65134، 56214، 47286.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(9/4830)
أمور تعين على تخفيف هموم الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي إلى الله عزوجل أن يعينني على حالي، وحاشا أن أعترض على قضاء الله، فقد حالت ظروفي الشخصية (كطلاق وتحمل مسؤولية طفل وحدي كاملة وما تبع ذلك من عزلة ووحدة وبعد الناس وابتعادي أنا أيضا عن الناس) وغربتي لأحسن وضعي المادي وظلمي الشديد الأخير في مجال عملي والذي أضاف جرحا غائرا لم يستطع مرور عام تخفيف وطأته..أنا لم أعد أضحك ولا أحس بأي نوع من السعادة، إنني كألة يجب أن تعمل فقط لأفتح بيتا؟ بالله عليكم يا أهل الدين هل تطالب امرأة مسلمة بكل هذا؟ أين الرجال-لقد لجأت للمساعدة سواء نفسيا أوعمليا من بعض رجال الدين المعروفين وللأسف (إما عرض زواج عرفي علي) وإما تخلي حتى عن النصيحة. أنا لا أطلب سوى المساندة النفسية والنصيحة والعون إذا احتاج الأمر فإنني امرأة ضعيفة في غربة (حمدا لله على أمان هذه البلاد) ، ماذا أفعل ساعدوني أثابكم الله. أريد أن أسعد قليلا ويزول همي واكتئابي وتعاد ثقتي بنفسي وفيمن حولي، ادع الله لي بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن ما مر عليك قد يكون ابتلاء وامتحانا ترفع به الدرجات وتكفر السيئات. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه النسائي.
وعليك بالصبر والرضا بما قدر الله لك وما ابتلاك به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فما من عبد يبتلى ببلوى أو مصيبة فيصبر عليها إلا كان ذلك خيراً له، كما في الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن! إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم.
فهوني على نفسك، واعلمي أن السعادة الحقيقية هي في الدار الآخرة.
وعليك باتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، فإن ذلك سبب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب، قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى {طه:123}
وقال تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه {الزمر:22} .
وعليك بالأدعية والأذكار التي تخفف هموم الدنيا. فقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا، قال فقيل يا رسول الله: ألا نتعلمها، فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني. رواه أبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1427(9/4831)
توبة من أعان على السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة، في إحدى الأيام طلب مني أحد أصدقائي أن أراقب لهم الوضعية في الساحة بينما هم سيسرقون دراجة، فتمت العملية على أتم وجه وذهبوا بها إلى السوق وباعوها بثمن بخس، بينما أنا لم آخذ منهم درهما واحدا، ثم جاء عندي صاحب الدراجة فسألني عنها، لكني أنكرت الأمر بشدة لكي لا يشك في. مرت الأيام وفي يوم وقعت لي حادثة سير وكدت أن أموت فيها، فعرفت أنها ابتلاء من الله نتيجة المعصية التي اقترفتها، والآن أنا نادم على ما فعلته بشدة، وتبت إلى الله توبة نصوحا، وعاهدت الله على أن لا أعيد الكرة.
سؤالي: ما هو الحل لكي أكفر عن خطيئتي هذه؟ مع العلم أني لا أستطيع أن أصارح أو أن أواجه صاحب الدراجة لذلك توجهت إلى فضيلتكم لطلب المساعدة؟
أسأل الله العظيم أن يبشركم بالجنة ويأجركم على هذا العمل الخيري الذي لا يقدر بثمن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرقة من الكبائر العظمى وقد رتب الله عليها قطع اليد، فقال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38} ووضح النبي صلى الله عليه وسلم أن السرقة تدل على نقص الإيمان فقال: لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم.
وقد نهى الله تعالى عن التعاون على الإثم والمعصية، قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
وعليه، فإنك قد أخطأت خطأ كبيرا بما قمت به من العون والستر على أولئك الذين قاموا بسرقة الدراجة. فعليك أن تبادر إلى التوبة مما اقترفته، ومن تمام توبتك أن ترد إلى صاحب الدراجة قيمة دراجته إذا لم يكن في الإمكان رد الدراجة نفسها إليه. لأن مجرد ترك تخليص مستهلك يترتب به الضمان. قال خليل في معرض الضمان: كترك تخليص مستهلك من نفس أو مال بيده أو شهادته.
وأنت قد شاركت في السرقة بما قمت به من المراقبة، وأنكرت عن صاحب الدراجة أن لك أي علم بها. وليس من شرط توبتك أن تصارح صاحب الدراجة بالموضوع، بل يمكنك أن ترد إليه قيمتها بأية وسيلة تراها مناسبة. ثم إذا رددت له ذلك أمكنك بعدُ أن ترجع به على أصدقائك.
ثم اعلم أن مصاحبة أهل السوء تجر إلى أسوأ مما وقعتَ فيه، فابحث عن رفقة صالحة تدلك على الخير، واترك مرافقه أهل السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1427(9/4832)
أمور تحبب العبد إلى الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 20 سنة أشعر دائما أنه غير مرغوب في من فبل الناس المحيطة بي باستثناء أسرتي ودائما أنظر إلي الأمور من ناحية تشاؤمية وللعلم فإني خجولة بشكل مربك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم الوسائل التي تجعل العبد محبوبا عند الناس قيامه بالأعمال الصالحة التي يحب الله تعالى من قام بها ويحببه إلى عباده كما يدل له حديث مسلم إذا أحب الله عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض وعليك بالبعد عن المعاصي فهي توقع التباغض بين الناس وأما الخجل عند الفتيات الصغيرات فقد يكون محمودا إن لم يعق عن عمل مفيد واحرصي على مجالسة الزميلات الملتزمات ومحادثتهن بما يفيد ليتعرفن عليك ويحببنك ويسلينك ولا تحرصي على أن يحبك غير أهلك وغير صديقاتك الملتزمات لئلا يجر حب الأشرار لك إلى السوء وراجعي في المزيد في الموضوع وفي علاج التشاؤم في الفتاوى التالية أرقامها: 62980 / 68663 / 11835 / 14326 / 71348 / 66802 / 65741 / 22754 / 30908.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1427(9/4833)
التوبة من الذنب المتعلق بحق آدمي
[السُّؤَالُ]
ـ[الله يجزيكم كل خير على عمل الخير بهذا الموقع الجميل الذي يرد على جميع الفتاوى، ويرحمكم جميعاً ويوفقكم لما فيه الخير، لي سؤال أعزكم الله، قبل الالتزام مرت بي بعض المواقف التي سترها الله علي وهي خاصة بفترة الشباب والشهوة حيث كانت تقودني إلى ما يغضب الله، حيث كنت أقوم ليلاً أنظر من الشباك إلى جارة لي وهي نائمة وهي كانت تنام عارية الجزء الأسفل وذلك لحرارة الجو وكان زوجها مسافرا وهي جارة طيبة وكانت تعاملني مثل ابنها وكنت مراهقا أقابل المعاملة الحسنة بهذه النظرات، وكان شيء يوقظني من النوم لكي أفعل هذا الشيء، وأنا اليوم نادم على هذه الأفعال التي كانت بالماضي، فهل أعترف لهذه السيدة كي تسامحني على هذه الأفعال حتى أريح ضميري على ما فعلته بحقها وهي غافلة، وهل يغفر لي ربي هذه الأفعال، وأريد نص الحديث الخاص بالتوبة والذي يحدد حقوق العباد، وهل هذه الأفعال من حقوق العباد، أفيدونا أفادكم الله كي يستريح قلبي من هذا الهم؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69057، 4603، 22086، 18180، 22469، 49259، 47244، 20811، 66908، 20064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1427(9/4834)
شروط التوبة وصلاتها ودعاء التائب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أشياء يجب أن أفعلها كي أتوب إلى الله تعالى كأن أصلي صلاة ما أو أتصدق بصدقة معينة أم أن التوبة محلها القلب فقط ومتى نويت التوبة من قلبي يتقبلها الله عز وجل؟ وهل هناك دعاء مأثور عن النبى صلى الله عليه وسلم للتوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول للأخت السائلة إنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من كل ذنب ألم به وللتوبة شروط ذكرناها في الفتوى رقم: 5450، وعليه فإذا ندم المسلم على فعل المعصية بإخلاص وأقلع عنها وعزم على أن لا يعود إليها فقد تمت توبته من الذنوب التي لا تتعلق بحق المخلوقين وعليه أن يكثر من الاستغفار من الذنوب جملة وتفصيلا ويكثر من فعل الحسنات كنوافل الصلاة والصوم والصدقة وغيرها لعل الله تعالى يكفر بها عنه الخطايا قال سبحانه: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} وفي الحديث: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد والترمذي، وقد عد بعض أهل العلم التلفظ بالاستغفار من شروط التوبة، قال أحمد بن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر بعد أن ذكر شروط التوبة المذكورة آنفا فقال: الرابع: الاستغفار لفظا على ما قال به جمع ففي المطلب أن كلام الوسيط قد يفهم أنه لا بد من قول الفاسق تبت قال: ولم أره لغيره نعم قال القاضي حسين وغيره إنه يستغفر الله بلسانه ظاهرا وباطنا عند ظهور الذنب. أهـ.
ثم ختم كلامه بعد مناقشة هذا الموضوع بقوله: ولا قائل من هؤلاء الأئمة حينئذ باشتراط التلفظ بالاستغفار. انتهى.
وتستحب صلاة التوبة وهي ركعتان يصليهما المسلم إذا أذنب ذنبا يقدم فيهما التوبة إلى الله تعالى كما ذكرنا في الفتوى رقم: 7471، ومما يتعلق بالموضوع يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 42052، والفتوى رقم: 40344، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره. رواه مسلم، ولبيان التوبة من الذنب المتعلق بحق الخلق راجعي الفتوى رقم: 5976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1427(9/4835)
مساعدة الآخرين يين الوجوب والاستحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ بارك الله في جهودكم
سؤالي هو: هل يحاسب الشخص إذا لم يساعد شخصا آخر يحتاج لمساعدته؟ وهل يختلف
الحكم إذا كان طلب منه المساعدة أو لم يطلبها؟
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من قدر على مساعدة شخص محتاج احتياجا يؤدي إلى هلاكه أو إتلاف عضو منه أو ما أشبه ذلك من الحاجة فإنه يأثم بترك مساعدته إذا تعينت عليه، فهو كمن يمنع فضل الماء بفلاة عن ابن السبيل.
وقد نص بعض أهل العلم على أن الترك بمنزلة الفعل على الصحيح.
قال العلامة الشيخ سيد عبد الله الشنقيطي في المراقي:
...... ... والترك فعل في صحيح المذهب
كما نصوا على وجوب إنقاذ الغريق وما أشبهه ولو لم يطلب ذلك.
أما إذا لم تتعين عليه المساعدة أو كان الشخص غير محتاج إليها احتياجا يؤدي إلى تضرره، فإن لم يساعده في هذه الحالة لا يأثم إن شاء الله تعالى.
ولا شك أن مساعدة المسلم من أعظم القربات وأفضل الطاعات وخاصة إذا طلبها أو ظهر احتياجه لها، ولو بادر الشخص بالمساعدة فلا شك أن ذلك أفضل، وهو من باب المسارعة إلى فعل الخير والمسابقة فيه كما قال الله تعالى: فاستبقوا الخيرات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس. رواه الطبراني وصححه الألباني، وفي رواية: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 53422، 74207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1427(9/4836)
التقرب إلى الله بتقليل الطعام وترك التنعم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أحرم نفسي من لذات الطعام حتى أتقرب من الله، والنعمة الكبرى إذا من الله علي ودخلت الجنة مع العلم أن أبي ميسور والحمد لله، فهل لا يعتبر ذلك عدم شكر للنعمة. وكيف كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يقتلون شهوة البطن؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصي الأخ السائل أن يتقي الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه مع ملازمة الإخلاص في القول والعمل، فبذلك يدخل الجنة بفضل الله تعالى ولو لم يترك طيبات الطعام، لأن الله سبحانه وتعالى أباح للمسلم أن يأكل من الطيبات من الرزق في الدنيا، قال تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ {الأعراف:32} ، وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل أقوام منعوا أنفسهم مما أحل الله لعباده تقربا منهم بذلك إلى الله تعالى، وذلك فيما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وإذا كان السائل يعني بقتل شهوة الطعام أنه يتركه بالكلية فإن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى التهلكة وقتل النفس، وقد نهى الله عن ذلك فقال: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29} ، وقال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة:195} ، وشهوة الطعام جبلية ولا يمكن قتلها، وإن كان يعني التقليل والحد من التنعم والترفه في المطعم لئلا ينقص ذلك من أجره في الآخرة جاز له ذلك، ولا يعتبر ذلك عدم شكر للنعمة كما أسلفنا في الفتوى رقم: 61760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1427(9/4837)
حكم البلاء وثواب الصبر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[فقدت مبلغا كبيراً من المال، لم يسرق مني بل سقط في الميني باص، السؤال هو: ما ثوابه، وما الحكمة فيما حدث؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالثواب في أي شيء من الابتلاءات -ومنها فقدان النقود- كثير إذا صبر المرء عليه، ولا فرق في ذلك بين أن تسرق أو تسقط من صاحبها، قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-156-157} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكه يشاكها إلا كان له بها أجر. متفق عليه عن ابن سعيد وأبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم عن أبي سعيد.
وأما الحكم من هذه الابتلاءات فكثيرة وكنا قد بيناها من قبل، فلك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 13270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1427(9/4838)
حقيقة التوكل وكيفية تقوية الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أفهم الحديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله) ، ما معنى التوكل على الله حق توكله، وكيف أستشعر هذا الإحساس وأجعله مبدئي في كل تعاملاتي اليومية، وكيف ربى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة حتى أصبحوا يتلقون الأحكام من عنده عن طيب خاطر، ماذا علي أن أفعله كي أصبح من المؤمنين الذين إذا جاءهم حكم الله قالوا سمعنا وأطعنا وطبقوا وهم راضون، أريد تفصيلاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوكل هو الاعتماد على الله تعالى مع استشعار أنه لا يحصل في الكون شيء إلا بتقدير الله وتدبيره، ولا يمنع ذلك مباشرة العبد ما تيسر من الأسباب، بل إن هذا أولى كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، حيث اتخذ عدة تدابير مع أنه كان متوكلاً على الله حق توكله، وراجع في هذا وفي أسباب تقوية الإيمان وفيما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 10894، 10800، 21750، 70657، 18784، 34585، 58235، 30758، 23867، 38419، 20101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1427(9/4839)
إخبار الزوجة بالعمل الصالح هل يعد رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم ونفعكم ونفع بكم:
هل هناك رياء بين الزوج وزوجته بمعنى هل لو عملت عملاً صالحاً مخلصاً فيه لله ولكن بعد عمله قلت لزوجتي أنا فعلت كذا وكذا من باب أن الحياة الزوجية مشاركة، وهل لو قلت لها أنا أنوي أن أفعل كذا وكذا من أمور الأخرة، هل ذلك يكون رياء أو نقلا للعمل من السر للعلانية فينقص الأجر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرياء هو أن تقصد بعملك مراءاة الناس فتتصدق ليقال فاعل خير، وتصلي وتصوم ليقال عابد أو زاهد، وتقاتل ليقال شجاع وهكذا، فلا تخلص النية في عملك لوجه الله، قال بعض أهل العلم: ويصح أن يقال الإخلاص تصفية العقل عن ملاحظة الخلق، والصدق التنقي عن مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له. والرياء يقابله الإخلاص، وحال المخلص في نيته حال من قال الله فيهم: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا {الإنسان:9-10} ، وإن كان العمل خالصا لا يضره ولا يؤثر في نية فاعله لو اطلع عليه بعض الخلق أو أخبر به زوجه أو صديقه ونحو ذلك ليتأسوا به في فعل الخير مثلا أوغير ذلك من المقاصد الحسنة، وإن أخبرهم على سبيل المراءاة فقد راءى، فهو بحسب نيته في ذلك، وكلما كان العمل بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد كان ذلك أزكى له وأخلص لنيته وأبعد عن الرياء وفتنته والعجب وهلكته، وبعض العمل يكون الإسرار به أفضل مثل الصدقة كما قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {البقرة:271} وفي الحديث المتفق عليه يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم إن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقد يكون إظهار الأعمال أفضل إن كان لحث الناس على الخير وترغيبهم فيه، ففي الحديث: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. رواه مسلم، فلا حرج عليك أن تخبر زوجتك ببعض ما تفعله من أفعال الخير سيما إن كنت تقصد شحذ همتها لتشاركك فيه، ففي الحديث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أبو داود والنسائي، وقال الشيخ الألباني حسن صححيح، ولكن عليك أن تحذر من الرياء كل الحذر فلا تقصد بقربة تعملها غير وجه ربك الأعلى، وللفائدة انظر الفتويين: 8523 / 41449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1427(9/4840)
إعاقة الابن هل هي دليل على سخط الله وعقابه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وجود ابن معاق هو حتما عقاب من الله على ذنب معين علما أن كثيرا من المذنبين أمورهم ممتازة ولم يبتلوا بطفل معاق، وبالمقابل هناك أناس أتقياء لم يرتكبوا أي ذنب ولديهم أطفال معاقون.
أرجو التوضيح؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن حجر في الفتح عند شرح البخاري لحديث: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة. ذكر في شرح هذا الحديث أن ابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضى تم له المراد، ويدل لصحة ما ذكر ابن حجر أن البلاء قد يصل لأشد الناس وأعظمهم طاعة لله كالأنبياء كما في حديث البخاري: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. وبناء عليه فلا يمكن الجزم بأن إعاقة الابن دليل على سخط الله وعقابه لوالده، وراجع في بعض حكم البلاء وفوائده وما ينبغي في التعامل معه الفتاوى التالية أرقامها: 32418، 2795، 27048، 35559، 44779، 56863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(9/4841)
المؤمن يرضى بالقضاء ويصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمري في الثانية والثلاثين حدث لي موقف لم تحتمله أعصابي جعلني بعدها أحس أنه سيكون لي شأن عظيم وأنني ربما أكون خليفة المسلمين وفي بعض المواقف أحس أن هناك مؤامرة علي. إلا أن هذا الشعور لم يؤثر على حياتي وبقيت أعيش حياتي العادية. وتركت تلك الدولة التي حصل لي فيها الموقف وحضرت إلى بلادي واستمررت عاديا حيث إنني شاب ملتزم وابن دعوة إسلامية وبقيت أدعو إلى الله بما أستطيع. لكن الحادث جعلني شكاكا. وأحس أنني مقصود في بعض المواقف. لكنني كنت عابدا مقيما لليل ومبسوطا في مجال العبادة. طلقت زوجتي ثلاث طلقات لفترات متباعدة. أذكر الطلقة الأولى والثالثة حيث قلت لها أنت طالق.الطلقة الثانية لا أذكر إن قلت لها إذا شغلت التلفزيون فأنت طالق أو أنت طالق. ذهبت للمحكمة وتم إحالتي للمفتي. فأسقط الطلقة الثانية بناء على رواية زوجتي لأنني لم أذكر الطلقة الثانية. أنا لم أرتح مئة بالمئة للفتوى لإني شكاك وموسوس , ولا أثق بمفتي الحكومة لكني كنت مقتنعا أن الطلاق البدعي لا يقع بناء على رأي ابن تيمية والشوكاني حيث إنني معجب بهما. إثر خلاف في موقع ما مع إخوة في الله تعبت ثم بفضل الدعاء والذكر وقيام الليل تحسنت. لكن وأنا أمشي في الشارع يوما قررت الذهاب لطبيب نفسي لأتاكد من الأفكار التي تدور برأسي أحيانا من أنه سيكون لي شأن عظيم فقال لي الطبيب بأنك مريض وأعطاني دواء وقال لي بأنه خلال أسبوعين ستكون شخصا آخر ولكن اكتشفت أن الدواء يؤخذ لأكثر من سنة وتعبت من الدواء كثيرا وما عدت أحس بقلبي الديني بعد أخذ الدواء وكانت حالتي قبل أخذ الدواء أفضل من حالتي بعد أخذه ذهبت لطبيب آخر وغيرت الدواء فتحسنت حالتي لكن القضية التي ترافقني هو عدم الإحساس بالقلب الديني فمهما ذكرت أو صليت لا يتقدم الإيمان أو يتأخر كما أصبح النوم بعد تناول الدواء أقل. ولا أدري هل عدم إحساسي بقلبي الديني هو من الدواء النفسي الذي يقول عنه البعض إنه مخدر. أحيانا تتعب نفسي فأقول إن عدم إحساسي بقلبي وذهابي للطبيب عموما هو ربما تكون عيشتي مع زوجتي حرام فحدث لي ما حدث عقابا ثم أقول هذا من وسوسة الشيطان ليخرب بيتي حيث بعد أخذي للدواء تغير رأيي حول الطلاق البدعي وعدت أقول أنه لا يقع. فلا أدري ما أنا فيه أهو عقاب أم ابتلاء. أرجو النصح لأنني متعب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن كل من في هذه الحياة الدنيا يبتلى, ولكن الفرق بين المؤمن وغيره هو أن المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره, فإن يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى كان على خير عظيم. والمصائب التي تصيب المؤمن لا يلزم أن تكون عقابا على ذنوب أتاها, إذ قد يكون ذلك مجرد ابتلاء, ولو قدر أن كان عقابا فإن المصائب مكفرات للذنوب. فالمؤمن على خير دائما فدع عنك الوساوس واستأنف أمور معاشك ومعادك كأن شيئا لم يكن. وراجع الفتوى رقم: 5249 والفتوى رقم: 35583.
وأما بخصوص الطلقة التي ذكرت أن المفتي قد أفتاك بعدم وقوعها فإن كان الحال ما ذكرت فمن أفتاك جهة معتبرة يؤخذ بقولها فلا تلتفت إلى هذه الوساوس, واستأنف حياتك مع زوجتك وأحسن عشرتها وكن على حذر من جعل التلفظ بالطلاق وسيلة لما قد يطرأ من مشاكل في حياتكما الزوجية.
وأما وقوع الطلاق البدعي أو عدم وقوعه فمحل خلاف بين العلماء وقد سبق أن ذكرنا الخلاف فيه بالفتوى رقم: 8507 ومن ذهب إلى عدم وقوعه علماء أجلاء فمن تبين له رجحان قولهم فذهب إليه أو ذهب إليه تقليدا لمن أفتاه به من العلماء فله المصير إليه والعمل به.
والأصل في الدواء أنه لا تأثير له في زيادة الإيمان أو نقصانه إلا أن يكون ذلك من سبيل غير مباشر كأن يكون الدواء سببا في الشعور ببعض الفتور في البدن فيترتب عليه عدم النشاط في العبادة والطاعة والتي هي سبيل لزيادة الإيمان. وينبغي على كل حال أن تجتهد في تزكية نفسك. وراجع في وسائل تقوية الإيمان الفتوى رقم: 10800 , وراجع في سبيل علاج الوسواس الفتوى رقم: 10973. وننبهك إلى عدم الالتفات إلى ما ذكرت أنك تحس به من شعور بأنك لك شأن عظيم وأنك ستكون خليفة المسلمين.... إلخ فإن هذه مجرد وساوس يجب عليك مدافعتها إن طرأت عليك, فالاسترسال معها قد تترتب عليه عواقب غير حميدة, وفوض أمرك لله تعالى, وما قدر سيكون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(9/4842)
هل المرض ابتلاء من الله للمريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في من يقول بأن الإصابة بالمرض ليست ابتلاء.؟ وأيضا ليس هناك دليل في القرآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحياة كلها ابتلاء بالنسبة للإنسان يخيرها وشرها كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} وقوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:165} وقوله: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} والأمراض من جملة ما يعرض للإنسان في هذه الدنيا ابتلاء لصبره ورضاه بمقدور ربه، وقد فصلنا أنواع الابتلاءات وما يعرض للمرء من ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 44891 / 45184 / 64586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(9/4843)
طريق النجاة من مزالق المواقع الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة وعندى مشكلتان الأولى منذ حوالي سنة ونصف كنت أسمع بداخلي شتم الذات الإلهية أعوذ بالله إن كنت فعلت ومرة كنت أجلس على الانترنت وقرأت مسألة شبيهة لحالتي فأرسلت السؤال وكان الجواب أنه من فعل الشيطان وعندها ذهب هذا الوسواس مع أنه يأتي هذه الأيام، وفي الشهور الماضية اعتدت أن أتصفح المواقع الجنسية وكنت أستمتع بها مع أني أتضايق بعد هذا الفعل كنت أحس أنني حيوان ومع أننى أحافظ على صلاتى فبدأت كل ما أرى أي منظر لا يثير الشهوة تبلع شهوتي الذروة وأرى المشاهد الجنسية في صلاتي والعياذ بالله وكنت أحس أن العضو التناسلي يتحرك وأنا في صلاتي والآن أرى بفتحة العضو من الداخل السائل المنوى وأنا الآن أترك الصلاة لأيام وأعود أرى أن حالتي لا تتغير وأنا لا أقدر على ترك الصلاة، أنا لا أستطيع النوم من هذه الأشياء التي كل ما أفتكرها أتحسر على ما يحدث لى ياليتني أعرف ما حكم ما أنا عليه (وهل هذا ابتلاء من ما فعلت أم غضب علي وهل لي توبة أم لا شيخي أنا أقدر أفكر في أي شيء إلا أن أخرج مما أنا فيه وما حكم الموت على هذا الحال وما حكم الصلاة والصوم وقراءة القرآن مع العلم أن كل شيء خارج عن إرادتي) أرجو التفصيل وعدم تحويلي لسؤال آخر؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد المسلم لا يحول حائل بينه وبين التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه والاشتغال بالصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل كما في صحيح مسلم، وقد قال تعالى كما في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. فبادر يا أخي بالمتاب إلى الله تعالى والإنابة إليه, واحرص على القيام بالصلاة واستعن على ذلك بالوسائل المساعدة, فكن دائما في مكان تسمع فيه النداء لها وبادر بالذهاب للمسجد كلما سمعت النداء, واصحب إخوة صالحين يدلونك على الخير ويحضونك ويعينونك عليه، واشغل وقتك وطاقتك بما يفيد من علم نافع أو عمل مثمر مفيد أو رياضة تقوى جسمك أو مطالعة هادفة، وابتعد تمام البعد عن تصفح المواقع الخبيثة، واستخدم نعمة الإنترنت فيما ينفع من البحوث العلمية وسماع الدروس المفيدة أو التلاوات المؤثرة. وراجع في بيان خطورة ترك الصلاة وتصفح المواقع الخبيثة وبعض ما يساعد على العلاج وفي شروط التوبة الفتاوى التالية أرقامها: 6061، 28738، 56356، 33860، 31768، 68673، 27253، 61533، 33975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(9/4844)
أجر الصابر على موت أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو ثواب الصبر على موت أحد أفراد العائلة (أخي) وهل الموت في حادث مرور يعتبر شهادة، أرجو مدي بالتفاصيل؟
مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم إذا أصيب بأي مصيبة كانت كفقد قريب من أخ أو غيره فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون، فتلك صفة الموقنين المهتدين في كتاب الله تعالى، وقد أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها. رواه الإمام مسلم في صحيحه، ثم بعد ذلك يحمل نفسه على الصبر محتسبا في ذلك الأجور الكثيرة المترتبة عليه، فقد قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} وقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155ــــ157} ، وللمزيد عن ثواب الصبر راجع الفتوى رقم: 3499 والفتوى رقم: 8601، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 9297 والفتوى رقم: 21554، والموت في حادث سيارة يعتبر موت شهادة كما تقدم في الفتوى رقم: 15027، والفتوى رقم: 64586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(9/4845)
كف الشهوات والاستعاذة بالرحمن من أذى الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أبلغ من العمر 23 سنة، متحجبة بالجلباب والخمار، وملتزمة بدين الله وشرعه ومتبعة لسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إني أعمل دائما على طاعة الله، بفعل الفرائض والتقرب إليه جل وعلا بالسنن والنوافل، وفتح الله علي أبواب الخير بأني أعمل في الدعوة إليه وإني دائما في اجتهاد في الدعوة، إني أخشى الله وعندي دائما والحمد لله حس مراقبة الله تعالى علي، إني لا أجرؤ أن أعصي الله قصداً وعمداً، فكل ذنب ومعصية مني يكون سهواً ومن نفسي الأمارة بالسوء ومن وساوس الشيطان الرجيم والعياذ بالله، فاسأل الله العفو والمغفرة لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، إلا أن هناك غيمة سوداء في حياتي، أشعر بأنها تهدد مصيري وأخشى أن لا يرضى عني الله، دائما يأتي في ذهني أفكار غير مشروعة أي لا يقبلها الله (هذه الأفكار لا تخص العقيدة والحمد لله: إنما هي أني كلما رأيت رجلا تهاجمني أفكار وشعور تجاه الرجل لا يرضاه الله، مع العلم بأني متزوجة وعندي ولد، وإني أحب زوجي وهو ملتزم) ، وإني دائما على الفور أقاوم نفسي، كلما جاءت هذه الأفكار، وأطردها بالاستغفار للرحمن وذكر الله والانشغال بأمور أخرى، إلا أن الأمر يتكرر دائما وسئمت نفسي منها، وأصبحت أخشى على نفسي من نفسي، فهل هذا يعني من عدم علامات رضا الله عني، أم ماذا، إني أخاف الله وأريد رضاه وحبه فكيف لي بتحقيق منايا ونفسي تشرد بما لا يرضاه الله، وإحساسي يخون نفسي بما لا أحبه ولا الله يحبه، أني اسألكم بالله أن تسارعوا في مساعدتي قبل أن يفوت الأوان وتنقطع أنفاسي عن هذه الدنيا، فلا ينفع وقتها ندم ولا حسرة؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنسان في هذه الحياة بين لمة ملك يأمره بخير، ولمة شيطان يأمره بشر، ففي الحديث عند الترمذي والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء. هذا حديث حسن غريب، وقال المناوي في فيض القدير: وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب فلم يخرج له مسلم إلا متابعة.
وإذا جاهد العبد نفسه على فعل الطاعة وترك المعصية فإن الهداية حليفه، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، وإذا فعلت ما يجب عليك من غض البصر، وتجنب ما يثير الشهوات، فلا إثم عليك في الخواطر التي ترد على ذهنك ولم تسمحي لها أن تستقر، وليس هذا دليلاً على عدم رضا الله عنك، فإن هذا من الابتلاء والاختبار، وأنت مأجورة على صبرك وكف شهوة نفسك، وصرف هذه الخواطر قدر استطاعتك، والله يرعاك ويحفظك ويصرف عنك كيد الشيطان ومكره وتزيينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1427(9/4846)
الدواء الشافي لمن أراد الهداية والسعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا ود أتوجه بجزيل الشكر على هذا الاهتمام بالشباب وبالجيل الجديد الذي بدأت تطغى عليه وعلى سلوكه الحياة الغربية فأنتم بمثابة طوق النجاة والفنار الذي يهدي القلوب الحائرة الضالة، فأنا أريد من سيادتكم مساعدتي حيث إني أعيش حياة صعبة لا أعرف ماذا أصابني فقدت كل معاني الحياة أكره الحياة أكره حتى نفسي أجد صعوبة في التعامل مع الناس فالكل يهمه مصلحته فقط، لن أطيل الكلام لأنني لا أستطيع الصلاة كلما نويت الصلاة أجد شيئا يلهيني عنها أعرف أني أضع نفسي في كارثة، أحرم نفسي من رحمة الله وأقلل رزقي، فعلت الكثير مما يغضب الله، أنا تائه في بحر الكبائر حتى عملي بدأت أكرهه أتكاسل في العمل 8 سنوات غربة لم أفعل فيهم الجائز، حتى زوجتي طلبت الطلاق ليس لأني منحرف ولكن لأسباب أخرى وهي تدخل أهلها فى حياتي وعند رفضي طلبوا الطلاق، واليوم تم الطلاق بعد مرور عام كامل في المحاكم، أحس بأن الدنيا ضيقة جداً لم يعد عندي أي ثقه في شيء، أتوسل لسيادتكم ساعدوني حتى أستطيع أن أفعل شيئا فى حياتي قبل مماتي وتكون جيوبي خاوية في قبري؟ جزاكم الله عنا كل خير ... الرجاء سرعه الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك هذا الثناء ونسأل المولى عز وجل أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، ونبشرك أيها الأخ الكريم أن لا حائل بينك وبين مغفرة الله ورضوانه سوى أن تتوب إليه توبة نصوحاً، وانظر شروط التوبة في الفتوى رقم: 5091، والفتوى: 5450.
وإذا تبت وعملت صالحاً فإن الله سبحانه وتعالى يبدل سيئاتك التي كنت تعملها إلى حسنات منة منه وكرماً، كما في قوله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، وقوله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وإذا حسنت توبتك وقويت صلتك بربك فستجد طعم السعادة والأنس والطمأنينة سيما في الصلاة فهي صلة بين العبد وربه، ومن أقامها نهته عن الفحشاء والمنكر، كما في قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} .
وأقرب ما يكون المرء من ربه وهو ساجد. كما عند مسلم من حديث أبي هريرة، وقد جعلت قرة عين نبينا صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وهي كنز من حرمه فقد حرم خيراً كثيراً، وقد بينا جزاء تاركها والمتهاون بها في الدنيا والآخرة في الفتوى رقم: 6061.
وما تجده من وحشة وألم وخيبة أمل فإن سببه المعاصي والبعد عن الله وسلوك سبل الغواية والردى فهذا هو الداء وقد وصفنا لك الدواء فالزم، وانظر الفتوى رقم: 40632.
واعلم أنه قد تواجهك مصاعب وتعترض طريقك متاعب فتكل وتمل، وكل ذلك من الشيطان فهو عدوك وإذا استقمت وتركت سبيله خسرك، فسيقعد لك كل مرصد ويأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك يزين لك المعاصي ويريك ما فيها من اللذة ويبغض إليك الطاعات والقربات، كما أخبر المولى عنه في قوله: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {النساء:119} ، وقوله تعالى: ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:17} .
وننصحك أيها الأخ الكريم أن تختار رفقة صالحة تعينك على طاعة الله وتذكرك به إذا نسيت، وإياك ومصاحبة أهل الفسوق والفجور فعاقبة صحبتهم الهلاك والثبور، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} ، فأقبل على ربك يقبل عليك، وأكثر من ذكره يطمئن قلبك وتسعد نفسك، فإنه يقول: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، ويقول تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} ، ويقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، وللفائدة والتفصيل انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1095، 10263، 69465.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(9/4847)
حقيقة البخل وهل هو ذنب أم مرض
[السُّؤَالُ]
ـ[البخل هو ذنب أم مرض؟ وإذا كان ذنبا فما عقابه عند الله؟ وما هو الدليل إن وجد؟ ..
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق تعريف البخل والشح وأدلة ذمهما في الفتوى رقم: 71546 / 35141 نرجو أن تطلع عليهما.
والبخل يكون ذنبا إذا كان في الواجب مثل الامتناع من أداء الزكاة المفروضة أو نفقة من تجب نفقته أو صلة من تجب صلته وما أشبه ذلك, بل يكون كبيرة من أعظم الكبائر كأن يكون في منع الزكاة أو حبس النفقة الواجبة قال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران:180} وأما إن كان في غير الواجب فهو داء من أخطر الأدواء ولكنه لا يصل إلى كونه ذنبا, فقد روى البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سيدكم يا بني سلمة؟ قلنا: جد بن قيس على أنا نبخله, قال: وأي داء أدوى من البخل, بل سيدكم عمرو بن الجموح.... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(9/4848)
تركستان الشرقية وكيف ينصر المسلم أخاه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي الأول: هو ماذا يمكننا أن نفعل اتجاه قضية تركستان الشرقية؟
سؤالي الثاني: هل من الممكن أن نقاطع المنتجات الصينية لما فعلته لتركستان الشرقية؟
سؤالي الثالث: لماذا لا نجد كثيرا من الخطباء والدعاء لا يتكلمون بقضية تركستان الشرقية ولا يذكرون الأمة بها؟
سؤالي الرابع: لماذا نرى كثيرا من المسلمين لا يعلمون ولا يعرفون بقضية تركستان الشرقية؟ أرجو الإجابة على السؤال مع تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح في هذه الدنيا والآخرة وأسأل الله أن يحرر تركستان الشرقية من الكفار المشركين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والحديث أخرجه مسلم وأحمد، وقال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ {التوبة:71} قال الشوكاني رحمه الله عند هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله، فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه.
فهذه الأدلة كلها تدل على وجوب وحدة المسلمين وترابطهم, وأنه لا بد أن يهتم المسلم بشأن إخوانه فهم كالجسد الواحد, ولا يتصور أن يهمل الإنسان يده أو رجله أو أي عضو من أعضائه فيتركه ولا يتحسس آلامه إلا إذا كان أشل ميتا, وبقدر إيمان المؤمن تتقد فيه تلك الجذوة, ويتحرك فيه ذلك الإحساس, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه، قال ابن حجر: ما يحب لنفسه أي من الخير كما عند الاسماعيلي والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها. اهـ.
ولا شك أنه ما من مسلم علم حالهم على حقيقتها إلا ويتقطع قلبه مما يجري في تلك البلاد، والواجب على كل مسلم أن يساعدهم بما استطاع وأن يمد لهم يد العون، وأن يوصل لهم ما استطاع من المساعدات المالية, وأن يسعى لتعريف المسلمين بمأساتهم, وتوعيتهم وتنبيههم على وجوب التضامن معهم ونصرتهم ومساعدتهم كل على حسب استطاعته وحشد التأييد لهم وجمع التبرعات لهم والسعي إلى إيصالها إليهم عن طريق موثوق بها، والأهم من ذلك أن يدعو لهم في كل حين ولا سيما في أوقات الإجابة كآخر الليل وساعة الجمعة وبين الأذان والإقامة وعند الإفطار والانتهاء من صلاة فرض، ففي الحديث: دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل به كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل. رواه مسلم، ويتعين الإكثار من الدعاء وعدم الملل منه لما في الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.
كما يتعين نصرهم بما تيسر من عون بشري أو مالي أو غيره، ففي حديث الصحيحين: أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. وفي الحديث: ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أحمد وأبو داود والضياء في المختارة وحسنه الألباني في الجامع.
ويتعين كذلك بذل الطاقة في تفريج كربتهم وكفالة يتاماهم وأراملهم ففي الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه, ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. رواه مسلم.
وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
ولا بد من السعي أيضا في بذل الوسع والطاقة في هدايتهم وتوبتهم حتى يغيروا ما بأنفسهم فيغير الله ما بهم, ويمكن تحقيق بعض ذلك في إيصال المصاحف والكتب الدينية لهم, وإقامه حلقات التحفيظ والدورات العلمية والتربوية في قراهم, وكفالة بعض أذكيائهم ليدرسوا في البلاد الإسلامية ثم يفقهوهم وينذروهم إذا رجعوا إليهم، ولا بد من السعي كذلك في توبة واستقامة المتعاطفين معهم من المسلمين على الطاعات حتى تستجاب دعواتهم لهم, وحتى تتوقف أبواب البلاء المفتوحة بسبب معاصي بني آدم، قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً {الأنفال: 25} وراجع في شأن المقاطعة الفتوى رقم: 71469، والفتوى رقم: 71769.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(9/4849)
استشعار المرض هو أول خطوات العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الكرام أنا أحد الناس الذين يسيرون في طريق الضلال وإني على يقين من ذلك، ذلك لأنني مازلت أخون نفسي منذ مدة طويلة قد أقول لكم منذ صغري، فكلما اشتهت نفسي أهواءها اتبعتها لكن فقط فيما يتعلق بالجنس، فأنا والله لم أزن قط، لكن أمارس العادة الجنسية، وأشاهد كليبات الخلاعة؛ في بعض الأحيان تراودني نفسي لأذهب حيث يمارس الزنى، لكن يمن الله علي، ويجنبني رغما عني، حيث لم أتمكن ولو مرة واحدة من فعلها علما أنني أكون مصرا تمام الإصرارعلى ذلك، الحمد لله أقولها وسأقولها، لكن حسب تجربتي يتبين لي أنه يحتمل أن يأتي يوم (وأطلب الله أن لا يأتي) حيث سأرجع إلى ضلالي، لأن ما قلته آنفا قد تكرر مرارا وتكرارا، وأن ما أقوله لكم أناقشه دائما مع نفسي وأرى الحق حقا لكن لا أتبعه في بعض الأحيان، حيث أتبع الباطل بعدما أكون قد رأيته باطلا، فأنا لا أكذب إلا نادرا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا، ولا أسرق تماما، ولم أزن بعد، لكن أمارس العادة الجنسية، ولا أغض بصري، وأصلي، لنقف عند الصلاة، حيث هنا سيظهر لكم ضلالي، إن كل ما قلته لكم هوالسبب في عدم حفاظي على الصلاة متواصلا، حيث أقطعها حينما أشاهد فيديوهات الخلاعة، ثم العادة الجنسية، فالمحاولة لتحقيق ذلك مع مومسة من المومسات، حفظنا الله منهن، وحينما أكون راجعا منهمكا بعد فشلي في المحاولة، ضميري يؤنبني وأبدأ في الاستغفار، وعندما أصل إلى مستقري، إما أذهب للدوش ثم أصلي واستغفر الله على ما فعلت، وإما لا أصلي وأتركها يوما أو بضعة أيام أقل من أسبوع، لأنني لا أستطيع ترك الجمعة، فأنا إذن أقطع الصلاة أحيانا، الطامة الكبرى هو أنني أعلم العذاب الخاص بها، من عذاب القبر إلى فساد جميع الأعمال إذا مت على هذا الحال، أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين، أكثر من هذا هو أنني أعلم عذاب من يعلم ولا يفعل، إخوتي الكرام، إن لدي أصدقاء يحافظون على صلواتهم من الفجر إلى العشاء وإني أخفي عليهم ما قلته لكم، حيث يظنون أني لا بأس علي وأنني مثلهم، حيث أناقشهم في جميع الأمور بحكمة وبصيرة، ما يجعلهم يثقون بي، ويحسنون بي الظن، وإنني لا أهضم حق أحد منهم أوغيرهم، أريد الخروج من هذا الضلال فإن بدني وروحي لا يقويان على النار فهل هناك من سبب حتى يغيثني الله؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر من سؤالك أن فيك خيرا كثيرا فأنت تحس بأنك على خطأ، واستشعار المرض هو أول خطوات العلاج، فعليك أن تكثر سؤال الله تعالى أن يرزقك الهداية وتعزم على الإنابة إليه والتوبة الصادقة، وتعزم على الصلاة مع الجماعة، وابحث عن صحبة صالحة تعينك على الخير، واهجر رفاق السوء ولو استدعى الحال منك أن تهاجر إلى قرية أخرى لا تعرف أماكن الفجور بها، وأكثر من تلاوة القرآن ومطالعة كتب الترغيب والترهيب والرقائق وسير السلف وحافظ على الأذكار المأثورة، واضرع إلى الله تعالى أن يرزقك زوجة صالحة تعفك عن الحرام، وراجع للتفصيل فيما ذكرت الفتاوى التالية أرقامها: 41016، 59139، 52421، 33860، 70674، 72497، 6061، 71920، 45844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(9/4850)
طريق التوبة وسبيل الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله..........أما بعد:
فضيلة الشيخ - أعزكم الله - ابتليت منذ كنت طفلا بعدة موبقات ورذائل ولا أعرف كيف تعرفت على هذه الأشياء على الرغم من أني نشأت في أسرة ملتزمة, فمنذ صغري وأنا أمارس الشذوذ وأشياء أخرى وأنا الآن وقد بلغت من العمر 25 سنة أحس بأني ضائع ولا أريد أن أستمر على هذا الوضع أكثر من ذلك وأخاف من أن يدركني الموت وأنا على وضعي هذا , إلا أنى أحب الصالحين وأحب المؤمنين وأحاول أن أحاكيهم وأتشبه بهم وكلما تبت إلى الله وامتنعت فترة من الزمن سرعان ما أعود إلى ما كنت عليه.
سيدي الشيخ كيف أتوب إلى الله توبة لا رجعة فيها؟
أفيدوني وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك على أداء التوبة النصوح وأن يتقبلها منك كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشُّورى:25} ولتعلم أن للتوبة شروطا لا بد من تحصليها فإذا اختل شرط من هذه الشروط فلا تعتبر توبة.
وهذه الشروط هي الإقلاع عن الذنب والابتعاد عن أسبابه, والندم على فعله, وعقد العزم على أن لا يعود إليه فيما بقي من عمره, وأن يكون ذلك قبل مشاهدة أمارات الموت أو الساعة. فمن تاب بإخلاص بهذه الشروط تاب الله تعالى عليه وغفر ذنبه وبدل سيئاته حسنات وأحبه كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: من الآية222} وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزُّمر:53}
فإذا رجعت إلى الله تعالى وتبت إليه بنية صادقة وعزيمة جازمة فإن الله تعالى سيعينك على الاستقامة على طريق الحق.
وما دمت تحب الصالحين المؤمنين فإن هذا خير كثير ونعمة تعينك على الاستقامة, فاحمد الله عليهما، ولذلك ننصحك بصحبة الصالحين والابتعاد عن الفاسدين؛ لأن صحبتهم سبب لكل بلاء، وكيفية التوبة أن يندم العبد على ما فرط منه ويتوب إلى الله ويلتزم طريق الحق.. وإن كانت عليه حقوق للناس أداها إليهم، وليس لذلك مراسيم معينة.
ونرجو أن تطلع على الفتويين: 179، 52956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(9/4851)
علاج المشاكل والشقاء في البيوت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا امرأة متزوجة وزوجي عنده ثلاثة إخوة غيره وبنوا أربع شقق لكل واحد طابقان ولكن لا شيء يسعدنا في البيوت الأربعة فكل شيء تم إعادته مرتين مثلا، تم عقد البيت مرتين لأنه لم ينفع من أول مرة والأثاث الذي نشتريه يهلك بسرعة وتمديد المياه غير صحيح فكل شيء ليس في مكانه لا أعرف أهو حسد أم ماذا، مع العلم بأني موظفة وزوجي موظف ونملك محلا تجاريا صغيرا، فماذا أفعل هناك من يقول لنا بأن نذبح عن البيت أو أن نقرأ على المياه ونرشها حول البيت، ولكن كيف وماذا أعمل أفيدوني أفادكم الله. وجزاكم كل خير وبركة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الحل لجميع المشاكل يكون بالعودة إلى الله تعالى والابتعاد عن معاصيه، فلا سعادة ولا طمأنينة للعبد إلا بالإيمان والعمل الصالح.
قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}
وقال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}
وما يصيب الشخص من المشاكل هو بسبب ذنوبه ومعاصيه، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشُّورى:30} .
وعليه، فأول علاج ينبغي أن يلجأ إليه المرء يكون بالدعاء والالتجاء إلى الله العلي القدير جلت قدرته، وبقراءة الأوراد والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، الصباحية والمسائية.
وعلى تقدير أن الذي أصابكم هو حسد أو سحر ونحوه، فعليكم أن تلتجئوا إلى الله بقراءة بعض السور القرآنية وبعض الآيات، مع المداومة عليها، وهي:
1. الفاتحة ...
2. آية الكرسي ...
3. الآيتان في نهاية سورة البقرة.
4. الإخلاص.
5. المعوذتان ... ...
ويمكنكم أن تذهبوا إلى إنسان آخر لتطلبوا منه رقية شرعية.
ويجب أن تكون قلوبكم قوية، وألا تستسلموا للخواطر، وأن تستعملوا هذه الرقى وغيرها مما ذكرنا موقنين أنها أسباب، وأنها تنفع بإذن الله.
وأما ما سألت عنه من الذبح عن البيت فلم يرد له دليل في السنة، بل إنه إن كان على سبيل التقرب للجن والشياطين ونحو ذلك كان شركا أكبر، والعياذ بالله. وإن كان على سبيل الصدقة شكرا لله على نعمه المتزايدة، فلا نرى به بأسا، ولكن الاقتصار على ما وردت به السنة أولى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1427(9/4852)
يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستطيع المؤمن أن يعرف أن صلاته ودعاءه مقبولان عند الله عز وجل، أنا أجاهد نفسي في كل لحظة وأسعى لمرضاة الله، ولكن فكرة أن المسلم قد يؤدي واجباته نحو الله، ولكن صلاته لا تقبل ودعاؤه لا يرتفع قيد شبر فوق رأسه تؤرقني وتلح علي في كل حين، فأنا لا أريد أن ألقى الله عز وجل خالي الوفاض، وفي كثير من الأحيان لا يتأتى لي الخشوع في الصلاة خصوصاً عندما أصلي في العمل، كما أنني أعاني من آلام في الظهر مما يؤثر على تركيزي في الصلاة، فهل ينالني إثم على ذلك أرشدوني، هل يشترط لمن يريد أن يسمح على الجورب النية للمسح عند لبسه بعد الوضوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قبول الطاعات التي يعملها المسلم أمر غيبي لا يمكن الاطلاع عليه ولا على عدمه، لكن على المسلم بذل جهده في سبيل أن تكون طاعته مقبولة عند الله تعالى عن طريق فعلها على الهيئة المشروعة مع الإتقان والإخلاص لله عز وجل فيها، ومن صفات السلف الصالح كونهم يخافون عدم قبول أعمالهم، ففي سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات. صححه الشيخ الألباني.
أما الدعاء فإذا كان فيما يتعلق بأمور الدنيا فيمكن معرفة استجابته من عدمها بحصول الأمر المطلوب من عدم حصوله، مع التنبيه على أن المسلم إذا دعا بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم فإنه لا يخيب أبداً سواء اطلع على ذلك أو لم يطلع عليه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 21386.
وأما إذا كان الدعاء مما يتعلق بأمور الآخرة فإن معرفة استجابته من عدمها أمر غيبي أيضا، ومع ذلك فإن المسلم مأمور بدعاء الله تعالى في السراء والضراء، وموعودٌ بالإجابة من عند الله تعالى، فعلى الأخ الكريم -تقبل الله منا ومنه صالح الأعمال- أن يثق بما عند الله ويتوكل عليه ويحسن به الظن ويفعل من الخير ما يطيق ويلزم الاستقامة على طاعة الله تعالى فسيجد عاقبة ذلك قبل الموت وعنده وفي القبر ويوم القيامة، قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، وفي الفتاوى ذات الأرقام التالية مزيد فائدة: 14005، 8589، 6417.
ثم إن الخشوع هو روح الصلاة فإذا افتقد في الصلاة كانت الصلاة مجرد حركات لا حياة فيها، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على تحصيله، ولكن لا إثم في عدم حصوله لأنه سنة وليس واجباً ولا سيما إذا كان عدم حصوله ناشئاً عن أمر خارج عن إرادة الشخص، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 4215، ولبيان الأمور التي تعين على الخشوع راجع فيها الفتوى رقم: 3087، ولبيان شروط المسح على الجوربين راجع الفتوى رقم: 5345، ولا يشترط لجواز المسح على الجوربين أن ينوي المرء عند لبسهما متطهراً أنه سيمسح عليهما مستقبلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1427(9/4853)
الطريق إلى رأب الصدع الناشئ عن خطأ الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة صار لي سنتان وأحب زوجي وهو يحبني ولكن مشكلتي هي أنني ذهبت البارحة أنا وزوجي إلى أحد المجمعات لشراء بعض لوازم المنزل وحصل معي شيء لم يحصل معي من قبل وهو أنني كنت أنا وزوجي نشتري بعض المستلزمات المنزلية وأثناء وجودنا في المجمعات رأيت شابا لفت نظري فقط وسيم فنظرت إليه أربعة نظرات أو خمسة فقط لا أكثر مما جعل زوجي يلاحظ ذلك ولم يتكلم معي في الطريق وعند العودة إلى المنزل قام بضربي ووبخني وأسمعني كلاما قاسيا كثيرا، وأنا أقول أستحق ما جرى لي لأني غلطت في حق الله ومن ثم حق زوجي، ربنا لا يرضى ذلك ولا زوجي ولا أنا ولكن لا أعرف لماذا فعلت ذلك، والآن زوجي غضبان مني ويخاصمني وهددني بالطلاق إذا عملت ذلك مرة أخرى، وكان قاسيا معي جدا علما بأن زوجي إنسان ملتزم بالدين وأنا منقبة وأخاف الله ونادمة ندما شديدا على ما صدر مني من هذا التصرف السيء الذي ليس من طبعي ولا من صفتي ولكن أعترف أني أخطأت، والآن أريد منكم حلا ماذا افعل لأرضي الله سبحانة وتعالى ومن ثم أرضي زوجي الذي طالما أحبني واحببتة دائما.
وجزاكم الله كل خير وأدامكم، والرجاء الرد بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنسان يخطئ ويذنب، فإن تاب وندم على فعله، تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولذا فننصحك بما يلي:
أولاً: أكثري من فعل الطاعات، والتوبة مما صدر منك.
ثانياً: أظهري محبتك لزوجك، وتوددي إليه، وتزيني له.
ثالثاً: ألحِّي على الله بالدعاء أن يرزقك القناعة، وأن يحببك إلى زوجك، وأن يحبب زوجك إليك.
وأما الزوج فلا ينبغي أن يكون قاسياً في تعامله، فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وبما أن زوجته قد عرفت غلطها، وندمت عليه فلا حاجة أن يدوم على غضبه. نسأل الله تعالى أن يؤلِّف بينك وبين زوجك، وأن يرزقكما السعادة في ظل طاعة الله جل جلاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(9/4854)
الأمراض تكفر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقتان لديهما مشكلتان:
الأولى ملتزمة بدينها ومتحجبة كانت تدرس العام الماضي مع أستاذها لوحدهما ولساعات عديدة وكانا يتكلمان في مواضيع دينية ودنيوية. إلى اليوم لا يزالان يلتقيان في نفس الظروف علما أنها مرضت جدا الآن ذهبت لترقى فقال لها الراقي إن فيها سحرا وجنا متسلطا عليها ويعذبها منذ 4 سنوات يتكلم على لسانها عندما تسترقي. هل يعد هذا الابتلاء عقابا من الله وهل يجوز للراقي أن يتكلم مع الجن ويسأله عن مكان السحر وعن فاعله؟
والثانية ملتزمة أكثر من الأولى ومصابة بجني يعاشرها كل ليلة هي لا تستطيع الرقية لأنه يعذبها كثيرا في الليل. هي تخشى أن يكون قد فض بكارتها وتريد أن تعرف هل يجب عليها غسل الجنابة بعد معاشرة الجن لها؟ وماهي التداعيات الناتجة عن هذا المشكل في حين إذا ما استمر؟ هل أنا في خطر إذا ما اقتربت من صديقتي وحاولت مساعدتهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تجوز خلوة المدرس بطالبة لما في الصحيحين من النهي عن الخلوة بين الأجانب. وأما المرض الحاصل لها فلا يمكن الجزم بأنه عقوبة لأن هذا غيب، ولكنه قد صح أن الأمراض سبب لتكفير الذنوب كما في الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري.
وتجوز الرقية للمصاب بالمس والسحر، ولا حرج في كلام الراقي مع الجن, ولكن الجن قد يكذب فلا ينبغي الجزم بما يقوله.
وراجعي في حكم غسل الصديقة الأخرى وإمكانية علاجها ورقيتها وأهمية مساعدتها والتحصن بالأذكار والقرآن للسلامة لما تخافين منه وللمزيد فيما سبق - راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 15406، 45956، 33860، 65989، 42758، 70368، 52122، 58076، 72511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(9/4855)
هل يشرع تجديد الاستغفار من الذنوب التي تاب العبد منها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أعمل ذنبا فإني أستغفر ربي وأتوب إليه،لكن كلما تذكرت ذلك الذنب استغفرت ربي مرة أخرى وكأني عملته الآن، فهل هذا صحيح أم قد يعد من القنوط والوسوسة فيكفي الاستغفار بعد الذنب فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 24902 والفتوى رقم: 39154 بيان معنى الاستغفار وفضله وأهمية الإكثار منه دائما. والمسلم قد يقع في ذنب بسبب وسوسة الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء, وعليه في هذه الحالة المبادرة إلى الاستغفار والتوبة الصادقة, وإذا تذكر بعض ذنوبه السابقة ثم جدد الاستغفار منها فإنه يثاب على ذلك إن شاء الله تعالى، وليس استغفاره ذلك دليلا على قنوط أو وسوسة. وراجع الفتوى رقم: 58981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(9/4856)
الإحساس بالذنب والندم عليه خطوة على طريق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء منكم أفيدوني وأجيبوا عن سؤالي دون توجيهي إلى سؤال مشابه وجزاكم الله خيرا: تعرفت على فتاة بنية الزواج غير أني أصبت بالوسوسة وأصبحت أبحث في ماضيها وعلاقاتها فصارحتني بكل شئء وكنت أتودد إليها كثيرا وتطورت المسألة إلى حدود الإغراء والإثارة وصارت بيننا قبلة وثانية بل وصل الأمر إلى ملامسة الفرج وكل ذلك والفتاة تحلم بعش الزوجية وبعدها بمدة وجيزة قررت أن أنهي العلاقة بدعوى أنها غير شريفة لكني فيما بعد أحسست بالذنب وشعرت أني أنا المسؤول عن كل شيء والسبب فيما حصل لأني أثرتها ولم أنصحها خاصة وأنها إمرأة ومعروف عن النساء ضعفهن أمام الإغراء إضافة إلى كون الفتاة يتيمة الأب وتفتقد الحنان والرعاية، فهل أنا مخطئ؟ وكيف يمكنني إصلاح خطئي؟ وكيف أتجاوز عقدة الشك والوسوسة؟ وكيف يمكنني اتخاذ قراراتي بثقة تامة في النفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشعور بالخطأ بداية الطريق إلى الصواب، والإحساس بالذنب أول خطوة إلى التوبة، ويعقب هذا الشعور والإحساس خطوات أخرى، حتى تثبت القدم على طريق التوبة والاستقامة، والرشاد والعودة إلى الله، وإليك بعضا من هذه الخطوات:
فأولا: اقطع هذه العلاقة غير المشروعة مع هذه الفتاة، وتب إلى الله منها، واحذر من تكرارها مع غيرها، ولا ترضى للناس ما لا ترضاه لنفسك، فهل ترضى هذا لأختك أو إحدى محارمك؟ .. فالناس لا يرضونه!
ثانيا: اعلم أن الخطأ والذنب، لا يسلم منهما أحد، ولكن خير الخطائين التوابون، فلا تحكم على الفتاة بأنها غير عفيفة بمجرد هذه الزلة الناشئة عن ضعف بشري، وإنما انظر إلى غالب حالها، فإن كان غالب حالها الصلاح وللدين في حياتها نصيب فلا حرج من أن تكمل معها وترتبط بها.
ثالثا: اجعل الدين نصب عينيك في اختيار شريكة الحياة، فذات الدين تسرك إذا نظرت وتطيعك إذا أمرت، وتحفظك في غيبتك، وهذا ما تصبو إليه وما تسأل عنه، وهي علاجك من وسوستك، وشفاؤك من شكوكك، فاظفر بها، كما أن التوبة والاستخارة قبل الإقدام على العمل تبعد عنك هذه الشكوك إن شاء الله، وتجعلك أكثر ثقة في اتخاذ القرار، والخلاصة: أن إصلاح الخطأ حقيقة يكون بالتوبة إلى الله عز وجل مما سبق من المخالفات، وأنه لا حرج عليك أن تتزوج بهذه الفتاة إذا علمت من حالها عدم الإصرار على المعصية، وأنما وقع منها زلة.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(9/4857)
الاستعانة بالدعاء والصبر عند الضراء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ترددت كثيرا قبل أن أبعث برسالتي إليكم لأنها غريبة جدا وكنت واثقة من أنه لا يوجد من يفهمها أبدا ولكن بعد قراءتي للاستشارة رقم 253091 للأخت التي طلقها زوجها بسبب رائحتها أحسست أن هناك من يشكو مما أشكو منه تقريبا، وأنني لست الحالة الشاذة الوحيدة في العالم كما كنت أظن التي تشكو من الرائحة الكريهة المنبعثة من جسمي، فأنا لا أعلم إذا كانت مسألة روحانية أم عضوية فلقد استشرت فيها دكتور أمراض جلدية وتناسلية وكم كان الأمر شاقا علي جدا كفتاة جميلة جدا تشكو من أمر كهذا، والنتيجة أنه اندهش من كلامي وحول الأمر إلى شكوى نفسية وطلب مني أن لا أستسلم للفراغ وأشغل نفسي بأي شيء لأن ما أشكو منه ليس له تفسير علمي لديه، ثم ذهبت لأحد الشيوخ الذين يعالجون بالقرآن فقد سمعت أن هناك نوعا من المس قد يتسبب في نفور الناس من حول الشخص المتلبس به الجن والعياذ بالله يفرز رائحة كريهة تسبب ذلك ولكنه أوصاني بأن آكل سبع ملاعق عسل مع سبع تمرات كل يوم قبل الإفطار وفعلت ذلك ولكن دون جدوى، إذن لم يفلح معي العلم ولا الروحانيات واستسلمت لذلك وأصابني اليأس 0
المشكلة بالضبط أنني جميلة جدا والحمد لله بدون غرور ومتدينة جدا وأحافظ على صلاتي ونظيفة جدا من حيث النظافة الشخصية، وما أشكو منه لا يتعلق بالنظافة الشخصية فأنا معروفة بين إخوتي بكثرة الاستحمام حتى أنهم يسخرون مني ويعتقدون أني موسوسة ولكن الله وحده هو الذى يعلم ما بي وبالرغم من أنهم لا يهتمون بنظافتهم مثلي إلا أنهم لا تنبعث منهم رائحة كريهة مثلي، حتى بعد الاستحمام بفترة وجيزة بمجرد أن يسخن جسدى تظهر الرائحة، الرائحة التي تنبعث مني رائحة نتنة لا أعرف مصدرها بالضبط من أي جزء في جسدي وهي من الجزء السفلي في جسمي كنت أظن أنه فرجي فذهبت إلى دكتورة أمراض نساء وقالت إنني والحمد لله لا أشكو من أي نوع من أنواع الالتهابات وللحرص أهتم بنظافة هذا الجزء يوميا، وأعتقد أنه ينبعث من رجلي في المنطقة من أول ما قبل الركبة بقليل وحتى قدمي وتزداد عند ركبتي وعند منطقة فوق الكعب (العرقوب) جربت استعمال الكريمات المعطرة المستخدمة أصلا كمزيل عرق مثل (vepix deodurant cream) ولكن كان تأثيره موضعي تظهر معه الرائحة وكأنها تنبعث من دمي وعظامي وليس جلدي وكأن هناك مادة متحللة نتنة بداخلي هذا أقل ما أستطيع أن أتخيله وهي ليست رائحة كرائحة عرق القدم أو ما بين الأصابع فهذه الرائحة معروفة وتحدث عند ارتداء حذاء مغلق ولكن ما يحدث معي يحدث وأنا حتى لا أرتدي حذاء جربت استعمال أغلى البرفانات وأقواها وأقوى مزيلات العرق ذات الروائح الجميلة ولكن عندما أضعها على جسدي يتحول البرفان إلى شيء نتن كريه، الغريب أن ذلك يظهر في الشتاء دون الصيف فمن المفروض أن الحرارة هي التي تزيد الرائحة لكن معي يحدث العكس فكم أتعذب في الشتاء بأن أرتدي جيب أو بنطلون خفيف حتى يكون هناك تهوية ولا تظهر الرائحة والغريب أنه تكون رجلي باردة جدا من تخفيف الملابس ومع ذلك بها رائحة وكم أرهق في عملي فكل ساعة تقريبا أذهب إلى الحمام لأغسل رجلي وأضع عليها البارفان حتى لا تظهر الرائحة التي كثيرا ما تسبب لي نفور زملائي في العمل وينظرون لي كفتاة جميلة جدا ولكن يا خسارة ليس عندها نظافة شخصية وطبعا هذا ظلم فأنا قد أكون حتى أنظف منهم وكم أسمع التعليقات السخيفة وكم من شخص خطبني وتركني لهذا السبب وكم من عمل تركته لهذا السبب، أرجو أن أطمئنكم إلى أنني لست مريضة نفسيا وهذه ليست أوهام فالتعليقات التي أسمعها ممن حولي أسمعها أيضا من إخوتي وأقاربي وهذا بالإضافة إلى أنني وجدت على موقعكم حالة مشابهة لحالتي ولست أنا الوحيدة في العالم التي أشكو من ذلك كما كنت أظن، أنا آسفة للإطالة ولكنني أردت أن أفسر حالتي بالضبط حتى تساعدوني في حلها ما هذا الذي أشكو منه هل هو مرض عضوي نادر؟ وما هو علاجه؟ وهل له دواء أنا مستعدة أنا أدفع فيه كل ما أملك لو كان موجودا فعلا حتى أنني فكرت أن أجري تحاليل ولكنني لا أعرف أي نوع من التحاليل فأنا لا أجد الدكتور الذي يفهمني، أم أن ما أنا فيه هو شيء روحاني يتعلق بالجن مثلا والعياذ بالله، وهل عندكم العلاج لهذا النوع من الأمراض بالقرآن، أفيدوني أفادكم الله وارحموني يرحمكم الله مما أنا فيه
سأنتظر الرد على بريدي الالكتروني بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجدينه، وأن يرزقنا وإياك العافية والسلامة. وإنا لنحسب أن ما أنت فيه أمر يسير، وكل شيء على الله يسير، فهوني على نفسك, وتوجهي إلى ربك بخالص الدعاء، فقد قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} . وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر قال: الله أكثر. رواه أحمد والحاكم.
وتتلخص شروط الاستجابة وموانعها في قول الله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي، فمن استجاب لله تعالى في أمره ونهيه، وصدق بوعده وآمن به فقد تحققت له شروط استجابة الدعاء وانتفت عنه موانع الإجابة، فلن يخلف الله تعالى وعده.
ثم إذا دعا المسلم ربه فعليه أن لا يستعجل ويستحسر ويترك الدعاء فإن ذلك من موانع الإجابة كما في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء. فعليك أن تستجيبي لله تعالى وتؤمني به وتثقي بوعده، وتتحري أوقات الإجابة ولا تستعجلي فإنه سيستجاب لك. واستفتحي دعاءك بالثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واختميه بذلك، وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
ثم ليكن لك أسوة بأيوب عليه السلام، فقد حكى الله عز وجل عنه قوله سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ {الأنبياء:83-84} . واعلمي أن الله تعالى جعل لكل داء دواء، فقد ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل. ثم لا تنسي أنك إذا صبرت على ما أنت فيه من البلاء كان لك في ذلك الأجر الكثير من الله. فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10} . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها.
ونسأل الله أن يمن عليك بالشفاء، وأن لا يحرمك أجر الصبر على ما كان أصابك وما أنت فيه الآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1427(9/4858)
الكذب عند الحاجة والتداوي بماء زمزم والصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجريت بعض التحاليل فإذا بهم يكتشفون أني مريضة بداء خطير فلجأت إلى الله وتحجبت وكتمت الأمر إلا عن صديقة، ومما دعاني إلى ذلك أنني أشعر بتحسن عكس ما ينبغي أن يكون عليه من هم في مثل مرضي، وسؤالي هو: هل علي إثم إذا قلت لصديقتي إنني أجريت تحاليل فتبين أنني ليس بي شيء ذلك لأن صديقتي ليست ملتزمة فأخشى أن تفشي سري الذي كما أشرت أريد كتمانه حتى عن أهلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما من الله به عليك من التوفيق والهداية والحجاب، ثم إن العاصي قد يبتلى ببعض الأمراض وبضنك المعيشة عقوبة له، لعله يتوب إلى الله تعالى، ويدل لذلك قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} ، وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} ، وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عن جماعة من السلف أن معنى العذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها.
وقال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} ، وفي الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري.
واعلمي أن علاج ما يحصل من الابتلاءات بالتوبة الصادقة وصدق اللجوء إلى الله، والإلحاح في الدعاء والإكثار من الأعمال الصالحة، وصحبة أهل الإيمان والتقوى والحفاظ على الصلاة في وقتها وحضور مجالس العلم والوعظ، ثم إنه لا حرج في إعادة الفحص فقد يكون حالك تغير بسبب التوبة وإن لم يكن الحال تغير فعليك بمواصلة البحث عن الدواء فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، فقد ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتداوي؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة للعمرة والحج إن تيسر لك وأكثري من شراب زمزم واقرئي عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعاً عظيماً مجرباً، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، واستعملي الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62318، والفتوى رقم: 34521.
وعليك بالإكثار من الصدقات على المحتاجين وتفطير الصائمين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك بإذن الله، وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئراً، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ.
قال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله -رحمه الله- فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان في الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين. وراجعي في الدعاء الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30799، 21386، 9890، 2395، 19900، 48562.
ويتعين عليك البعد عن الكذب فالكذب حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم.
ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصداً بها معنى صحيحاً، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
ويدل لجواز التعريض والتورية قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وقال عمران بن الحصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة، للغير تذكر، فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فهو واجب.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ج2ص145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.
وقال النووي في رياض الصالحين: باب بيان ما يجوز من الكذب،: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسأل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه الخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. متفق عليه. زاد مسلم في رواية: قالت: أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
هذا ونوصيك بالسعي في هداية صديقتك والبحث عن صديقات ملتزمات متمسكات بالدين فقد حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. واستدلوا لذلك بحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمناً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(9/4859)
من عقوبات المستهين بترك السنن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هنالك حديث بأن من استهان بالسنة ابتلاه الله بترك الفرائض , وما حكم من يترك صلاة السنة تكاسلا أوغير ذلك , وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن من استهان بالسنن ابتلاه الله بترك الفرائض, لكن ذكر بعض أهل العلم أن من استخف بأداء السنن عمدا ابتلي بترك الفرائض. ولبيان حكم تارك السنن عمدا راجع الفتوى رقم: 7412.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/4860)
جزاء من مات له أولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت لأحد الناس في مجلس تعزية لأحد الجلوس إنني سمعت الدكتور عمر عبد الكافي يقول عن ثواب من مات له ولد إن رب العزة يقول ما هذه الضجة التي أسمع؟ (وهو أعلم منهم) وتقول له الملائكة إنه صوت الأولاد الذين ماتوا وهم صغار يريدون أهلهم أن يدخلوا معهم الجنة.
الرجاء تصحيح معلوماتي إن كانت خاطئة مع ذكر المراجع لهذا الأمر وشكراً وبارك الله فيك ومد في عمرك وجعل علمك وتعليمك للناس في ميزان حسناتك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه على ذكر تلك القصة بعينها, ولكن معناها في الجملة صحيح. ألا وهو أن أطفال المسلم يشفعون فيه فيدخله الله الجنة برحمته إياهم؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم, صغارهم دعاميص الجنة, يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا, فلا يتناهى أو قال فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم. متفق عليه واللفظ للبخاري.
وللفائدة انظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 14321، 59259، 63013.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/4861)
التوفيق إلى الطاعة من مظاهر حب الله لعبده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل محبة الناس لشخص تعكس محبة الله تعالى له؟ أنا شخص ملتزم بالدين وأواظب على أداء الفروض وقراءة القرآن الكريم، أنا لست محبوبا لدى زملائي بالعمل ولا حتى عندما كنت في مراحل الدراسة مع أنني لا أؤذي أحدا بالكلام ولا بالأفعال، هل معنى ذلك بأن الله لا يحبني؟ لأنني أقول لنفسي لماذا جميع الناس لا تحبني إلا أن أكون سيئا. إن هذا الأمر يؤرقني وأرجو منكم الإجابة عليه مع عظيم الشكر لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أكبر مظاهر حب الله لعبده توفيقه للطاعة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم. وبقيام العبد بالطاعات يحبه الله تعالى ويجعله محبوبا ومحترما عند الناس، وقد يظهر له من بعضهم بغض وحسد كما حصل لبعض الأنبياء الذين عاداهم الكفار, ولا يدل ذلك على عدم حب الله لهم، وقد يكون الإنسان غير مهتم بالتعامل مع الناس فلا يظهرون له ودهم وتقديرهم إياه. وراجعي أسباب محبة الله تعالى لعباده الفتاوى التالية أرقامها: 74127، 41639، 65741، 30908، 58064، 56202، 22830.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1427(9/4862)
هل تقبل توبة من أشرف على الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال: (لا تنفع التوبة عند المعاينة) هل ينطبق هذا القول على من أشرف على الموت بسبب الغرق أو الهدم أو الحريق بالرغم أنهم يعتبرون شهداء؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد دل هذا الحديث على عدم قبول التوبة بعد الغرغرة, والغرغرة هي وصول الروح الحلقوم، وهذا هو الوقت الذي قال الله في شأنه: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء:18} وهو الوقت الذي قد يعاين فيه بعض الناس الملائكة. فمن غرق فعلا أو احترق أو انهدم عليه منزل ويئس من الحياة فلا تقبل توبته كما قال ابن كثير والقرطبي والمناوي.
قال ابن كثير: دلت الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة, وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر فلا توبة مقبولة حينئذ. اهـ
وقد استشهد القرطبي لهذا بحال فرعون لما أدركه الغرق فإنه لم تقبل توبته.
وقال المناوي في شرح حديث ما لم يغرغر: إن محل قبول التوبة ما لم ييأس من الحياة؛ لأن من شروط التوبة العزم على عدم العودة له, وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري.
وأما كون هؤلاء شهداء فهو صحيح كما قدمنا في الفتوى رقم: 58628، والله تعالى يثيبهم بأجر الشهداء, ومنه غفران الذنوب كما في حديث مسلم: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1427(9/4863)
الإصلاح بين الناس إذا نتج عنه أذى للمصلح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في من تطوع بالصلح بين اثنين وقوبل بالشر وعدم الحسنة وتأويل الكلام غير الصحيح بما جعله يظهر مظلوما بين هؤلاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعي في الإصلاح بين الناس ابتغاء وجه الله أمر محمود لقول الله تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 114} ، وعلى الناس أن يشكروا له صنيعه، وإذا اتهموه فعليه أن يصبر ويحرص على السعي في الإصلاح بينهم ويبين لهم قوليا وعمليا عدم انحيازه لأي من الطرفين ويصبر على ما يلقى من الاتهام منهم ويحتسب الأجر عند الله في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(9/4864)
الطريق إلى التوبة وإحسان الظن بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أقرب لمشكلة نفسية منها لطلب فتوى، ولكن أرجو أن تقابلوا سؤالي بصدر رحب وأن تفيدوني وتخلصوني من هذا العذاب ... جزاكم الله خيراً قضيتي للأسف وهذا هو المشكلة هو سوء الظن بالله تعالي فرغم علمي بأن الله غفور رحيم وأنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء الليل والنهار إلا أنني أعاني من سيطرة شيطان متسلط وربما طريف لأنني كلما نويت التوبة والإقلاع عن ذنوبي التي هي مثل زبد البحر وأدعو الله لحالي يسارع بتذكيري بآيات مثل "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيما" أو "وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لذ َنبِهْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" وأصارحكم القول إن وصف هذه الآية الكريمة ينطبق علي وأنه كلما دعوت الله في شيء يهتف هاتف في داخلي أنه كيف تعصي الله ثم تطلب عونه بهذه البساطة فأنا والله العظيم كلما أكون مقبلا على امتحان أو أي عمل آخر لا أستطيع فعل شيء وأعاني من وساوس كثيرة مما أدى بي إلى الفشل الذريع، أرجو الإفادة والنصح، وعفواً على الإطالة.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيك بحسن الظن بالله تعالى والإكثار من تلاوة القرآن ومطالعة نصوص الترغيب والترهيب والتأمل في البشائر التي وعد الله بها الطائعين، وما توعد به العصاة والمنحرفين، ونم في نفسك جانب الرجاء دون إهمال الخوف.
وأعلم أن باب التوبة مفتوح لكل العباد ما لم تطلع الشمس من مغربها أو تبلغ الروح الحلقوم عند الموت، وأعلم أن مغفرة الله لا يعظم أمامها ذنب مهما عظم وكثر لما في الحديث القدسي: يا ابن آدم أنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي.
فاعزم يا أخي على التوبة الصادقة والإقلاع عن جميع الذنوب واعقد الهمة على مواصلة المسيرة في الطاعة والعمل الصالح، واعلم أن آية النساء تشمل كل من تاب قبل وقت موته، كما قال القرطبي وعزاه لابن عباس والسدي والضحاك واحتج له بحديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
وآما آية يونس فإنها تذم حال من إذا أصابه الضر دعا الله وأناب إليه، فإذا كشف الله ما به نكص ونسي نعمة الله عليه، واشتغل بالذنوب والمعاصي وهذا مذموم فعلاً، كما تدل عليه عدة آيات أخرى، ولكن العلاج يكون بصدق التوبة والإنابة إلى الله والبعد عن المعاصي والحرص على صدق العهد مع الله سبحانه وتعالى فهو مجيب دعوة المضطرين وهو المستحق للتوبة والإنابة والطاعة في حالتي السراء والضراء.
فلا يغرنك الشيطان ولا يقنطك من رحمة الله تعالى ولا يؤمنك عذابه، فابتعد عن الوساوس واتباع خطوات الشيطان واستعذ بالله من نزغاته، وأكثر الدعاء والاستغفار والعمل الصالح، فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه أن الله غفور رحيم، وابحث عن صحبة صالحة تدلك على الخير وتعينك عليه، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1694، 64075، 10747، 53444، 57184، 26170، 69465.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(9/4865)
رحمة الله تعالى تغلب غضبه
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير ما نقرا أحاديث فيها موجبات رحمة الله تعالى ومحبته للعبد، وفي نفس الوقت هناك أحاديث في الوعيد والغضب وقد تجتمع في المسلم في يوم واحد، فكيف يكون مرحوما ومغضوبا عليه في وقت واحد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى من صفاته الرحمة ورحمته تسبق غضبه، فقد أخبر عن نفسه فقال: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {لأعراف: 167} وقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ {الرعد:6}
وفي الصحيحين: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي. وفي رواية: إن رحمتي سبقت غضبي.
وبناء عليه، فإن من عمل معاصي تغضب الله ثم عمل بعدها أعمالا يحبها الله وتاب مما سبق فإن الله يغفر له ويرحمه كما قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {الأنعام:54} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39}
وأما من عمل من المسلمين سيئات ولم يتب ولم يعمل ما يكفرها فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فتكرار التبشير للمطيع بالرحمة والإنذار للعاصي بالعذاب مسألة كثيرة الورود في الكتاب والسنة وهي تربي الرغبة والرهبة والخوف والرجاء في نفوس العباد، وقديما قال أهل العلم سنة الله في كتابه أن يعاقب بين وعده ووعيده تنشيطا لاكتساب ما يزلف وتثبيطا عن اقتراف ما يتلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1427(9/4866)
الاستثمار في قناة إسلامية وقنوات أخرى ماجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بتوضيح ما هو حكم الاستثمار في مجموعة قنوات فضائية 95% منها قائم على الإثارة الجنسية والإباحية المباشرة والغير مباشرة وعرض الأفلام التي لا تخلو من فحش صريح ناهيك عن البرامج التي تهاجم الله ورسوله.... ثم يقومون بعمل قناة إسلامية تحت مسمى (الحسنات يذهبن السيئات) هل هذا يعقل؟ وهل الجهر بالسيئات والإصرار عليها ونشرها يذهبه مثل هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الغالب على هذه المجموعة من القنوات هو إشاعة الفاحشة ببثها للأفلام الماجنة الهدامة والأغاني الهابطة التي تفسد الدين والأخلاق والقيم فإن الاشتراك فيها حرام شرعاً، والمستثمر فيها المالك لأسهمها يعتبر موكلاً لإدارتها على المنكر مفوضاً لهم في إشاعته بين الناس.
أما مسألة أن هذه المجموعة أطلقت قناة إسلامية فهذا شيء حسن، ولكنه لا يعفيهم من تبعة القنوات الأخرى الفاسدة, ولو أنهم أغلقوا هذه القنوات وكفوا شرهم عن الناس لكان هذا خيراً لهم وأجدى ولو لم يطلقوا تلك القناة.
فالواجب الشرعي على من تلبس بمعصية الله تعالى أن يتوب إلى الله عز وجل, وأول ما يفعل هو الإقلاع عن المعصية, فيطالب هؤلاء بالإقلاع عن المعصية ثم الإكثار من فعل الطاعات عسى أن يغفر الله لهم, ومن الطاعات أن يطلقوا قناة أو قنوات تدعو إلى الفضيلة وتحارب الرذيلة.
أما أن يصروا على معصيتهم ويمعنوا في محاربة الأخلاق والعفة, ويزعمون أن هذه السيئات تذهبها حسنة القناة الإسلامية، فهذا من تلبيس إبليس على هؤلاء، وهو ما وقع فيه المرجئه قديماً عندما استدلوا بقوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. فقالوا: أن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة، وأطلقوا لأنفسهم العنان في معصية الله، أما أهل السنة فقد حملوا هذا المطلق على المقيد، والمقيد هنا هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. رواه البخاري.
جاء في فتح الباري: وتمسك بظاهر قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. المرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد ... وقال ابن عبد البر: ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب واستدل بهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الظاهرة في ذلك، قال: ويرد الحث على التوبة في أي كبيرة فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما احتاج إلى التوبة. انتهى.
وعلى كل حال فلم يقل أحد إن المسلم يبقى على الكبيرة ما دام يفعل الحسنات، فهذا لا يقوله مسلم، لأن الله أمر بترك الكبائر والتوبة منها، فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، ولا ريب أن من الكبائر العظام بث قناة بله قنوات تقوم على التعري والرقص واستثارة الشهوات، وعلى كل من له تأثير فيه هذا الباب أن يتذكر الآتي:
1- أنهم مشاركون في كل سيئة نشأت عن هذا الفعل، لأنهم دعاة إليه فعليهم مثل ما يفعله من تأثر بما ينشرونه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
2- على هؤلاء أن يتذكروا أن الموت قد يهاجمهم في أي لحظة, فهل يسرهم أن تجري عليهم هذه الآثام وهم في قبورهم يعذبون بما يقترفهم غيرهم من منكرات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(9/4867)
طريق النصر على الشيطان والهوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في التاسعة عشر من عمري ومسلم والحمد لله، ولكني غير ملتزم بجميع أمور الدين، مثل الصلاة حيث إنني أصلي يوما وأقطع عشرة، وكما أنني أعاني من عادة الاستمناء التي رافقتني منذ سبع سنوات، وأنا أنوي الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والتوبة إليه، لكنني لا أستطيع إذ سرعان ما يشدني الشيطان إليه ويمنعني من العودة، علماً بأنني أحرص على أن أظل ملتزماً بأخلاقي وأدبي مع الناس الذين حولي، وكما أنني من مستمعي الأغاني، ولكن ليس جميعها بل البعض منها التي لا أجد فيها الكلام الفاحش أو الموسيقى المؤذية للمشاعر، الرجاء المساعدة بأقرب وقت ممكن لأنني تائه ومحتار في أمري ولا أعرف ما أريده من هذه الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعاً، وأن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى ويحفظنا وإياك مما يسخطه سبحانه وتعالى، واعلم أن الصلاة أمرها عظيم عند الله تعالى، ومكانتها كبيرة في الدين لا يخفي ذلك على أي مسلم: قال تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} ، وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103} ، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة. كما في السنن وصحيح ابن حبان.
وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر إلا الصلاة، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من لم يصل فهو كافر. رواه ابن عبد البر في التمهيد، ولا يخفى أن هذه العقوبة لمن ترك الصلاة بالكلية، أما من يصليها لكنه يتكاسل في أدائها، ويؤخرها عن وقتها، فقد توعده الله بالويل، فقال: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} ، ونقول للسائل: لم لا تصلي؟ ألا تخاف من الله؟ ألا تخشى الموت؟
أما تعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي.
وماذا يكون جوابك لربك حين يسألك عن الصلاة؟
ألا تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أمتي يدعون القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء. رواه البخاري ومسلم. و (الغرة) بياض الوجه، و (التحجيل) بياض في اليدين والرجلين.
كيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة، وليس عنده هذه العلامة، وهي من خصائص الأمة المحمدية، بل لقد وصف الله أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ {الفتح:29} ، وقد تكلم العلماء باستفاضة عن عقوبة تارك الصلاة، كما في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي.
فعليك أخي الكريم -أن تتدبر الآيات وتتفحص تلك الأحاديث وأنت موقن مصدق، وداوم على التضرع إلى الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويعينك على نفسك, ويوفقك للقيام بما افترضه عليك، والابتعاد عما يسخطه.
وأما الأغاني فإن كانت مصحوبة بالموسيقى والمعازف فهي محرمة، وقد سبق أن بينا أدلة ذلك ونقلنا كلام العلماء فيه في الفتاوى التالية أرقامها: 66001، 54316، 35708، 26409.
وراجع في العادة السرية الفتوى رقم: 7170، والفتوى رقم: 52421، والفتوى رقم: 23868 مع إحالاتها، وراجع في الانتصار على الشيطان والهوى الفتاوى التالية أرقامها: 33860، 57544، 62833، 66041، 68468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(9/4868)
الزنا واللواط وقتل النفس من أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا جداً حائر، عمري 39 سنة أعزب، ما يقلقني هو أني لست كباقي الشباب، فأنا أعشق بني جنسي لم أصادف في حياتي يوماً حلواً، أقوم بأعمال مخلة بالحياء كما أني قمت ببعض الممارسات الجنسية مع بعض النساء وكانت ناجحة، كما أن الوساوس تقتلني فحتى عملية البلوغ لم تكن عادية، وهل صحيح أن من بجسمه شعر كثيف ولم يمر بمرحلة البلوغ جيداً لا يمكنه الزواج، علماً بأنني أصلي وأخاف الله، لكن فكرة الانتحار تراودني دوماً، أرجو أن تجيبوا على كل تساؤلاتي وتطفؤوا حيرتي، أملي فيكم كبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من كونك تعشق بني جنسك مصيبة من المصائب التي يصاب بها المرء في دينه ودنياه، ويمكنك أن تراجع في علاجه فتوانا رقم: 71334، والفتوى رقم: 7123.
وما ذكرت أنك قمت به من الممارسات الجنسية مع بعض النساء، والتي ذكرت أنها كانت ناجحة، إذا كنت تعني أنك زنيت بتلك النساء، فإنك بذلك قد اقترفت ذنبا عظيماً وفاحشة شنيعة، قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ {النور:2} ، ولكن ما ذكرته من أن فكرة الانتحار تراودك دوماً، هو في الحقيقة تفكير في ذنب أكبر من جميع ما سبقه.
فإنه لا يجوز الإقدام على قتل النفس (الانتحار) بأي سبب من الأسباب لقوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. رواه البخاري ومسلم.
فدل ذلك على أن قتل المرء نفسه من أعظم الكبائر، فننصحك بالتوبة من جميع ما ذكرت، وبالابتعاد عما تفكر فيه من الانتحار، وأما سؤالك عما إذا كان من بجسمه شعر كثيف ولم يمر بمرحلة البلوغ جيداً لا يمكنه الزواج، فجوابه أن هذا كلام ليس واضح الدلالة، وليس صحيحاً قطعاً، وننصحك بالتوكل على الله والمبادرة بالزواج، فإن لم تستطع ذلك فعليك بالصوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(9/4869)
الابتلاء بالنفع وبالضر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم وسدد الله خطاكم
لدي صديق عزيز ابتلي بالظلم والحبس في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل ولا أجد من الكلمات ما أقوله فأرجوكم أن ترسلوا لي مقالا أو الموقع الذي أجد فيها ما يصبره على مصابه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لكم من كل هم فرجا, ومن كل ضيق مخرجا, ولتعلموا أن هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، وعلى المسلم أن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره, ويلتجئ إليه بالدعاء في سره وعلانيته, فهو وحده الذي يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه, ويكشف الضر عن من ناداه.
ومن أساسيات عقيدة المسلم أن يعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن عليه أن يرضى بما قدر الله تعالى له.
ففي صحيح مسلم مرفوعا أن الله تعالى قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة, وعرشه على الماء.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم, فمن رضي فله الرضى, ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
والابتلاء يكون بالخير وبالشر وبالنفع وبالضر كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} فمن ابتلي بشر فليحمد الله أنه لم يكن في دينه ولم يكن أعظم.
وعلى هذا الأخ أن يصبر ويرضى بقضاء الله وقدره, فما هو أول من سجن ظلما وعدوانا, فقد سبقه لذلك الأنبياء والعلماء والدعاة والمصلحون عبر التاريخ, فكان ذلك رفعا لدرجاتهم.
وعليه أن يكثر من الدعاء لله عز وجل كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186} وقال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل:62} ودعوة المظلوم مستحابة ليس بينها وبين الله حجاب كما في الصحيحين.
وعليه أن يجعل تعلقه وأنسه وصلته بالله عز وجل وذلك بأداء العبادة وتلاوة القرآن فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطَّلاق:4}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(9/4870)
المحنة قد تحمل في طياتها منحة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سأذكر بكل دقة لكم ولا أقصد سوى الحقيقة ولا أسعى إلا للنصيحة، عشت علاقة حب رومانسيه كقصة قيس وليلى وكنت شابا وسيما رياضيا نشيطا وهي كانت آية في الجمال وكان ذلك في العام 1985 أثناء الدراسة الجامعية وحدث بيني وبينها ما يحدث بين الزوجين وحملت وأجهضت واستمرت علاقتنا قوية جدا حتى تنازل أهلنا وتزوجنا شرعا عام 1990 وكانت حياة طيبة أبدينا فيها الندم على ماحصل منا وتبنا وتنقلنا بعدة بلاد للعمل ورزقنا الله طفلين وأعمالا جيدة ودخلا طيبا وربينا الأولاد بشكل جيد دينا وخلقا وسلوكا، وقبل ست سنوات بدأت مشاكل هائلة لأسباب لها علاقه بموضوعنا قبل الزواج ولتدخل أهلها في حياتنا ورفض أهلي لتصرفات زوجتي ثم تنوعت المشاكل لتشمل إسرافها للمال وعدم توقفها عن طلب المزيد علما أنها تعمل وتصرف كل دخلها ثم بدأت تنكر وجودي بالبيت وتفتري بأني لا أنفق عليها وعلى أولادي وبدأ مسلسل الضرب والشتم والنفور، وبدأت تنشز علي وتشتمني وتنعتني بأفحش الكلمات ثم تعود لتحبني كما كنا في الجامعة وتهدأ الأمور ونعيش حياتنا الجنسية واليوميه والتواصل بشكل رائع ثم لا تلبث أن تشتعل المشاكل ثانية وأنا أرفق بها للعشرة الطويله ولحبي لها ومن أجل أولادنا وأقسو أحيانا عندما لا أرى تجاوبا ولكنها ازدادت فحشا في ملابسها وتبرجها بعد أن بلغت ال 40 ونصحتها ووعظتها سنوات ولكنها ازدادت نشوزا وتغيبا عن المنزل لا بل سافرت لأوروبا أسبوعا دون موافقتي وعادت أكثر إصرارا على طلب الطلاق تأتيها رسائل من رجال بعد منتصف الليل ورسائل على التليفزيون وبدأت تنام خارج المنزل أياما ثم تقسم بأغلظ الأيمان انها طاهرة عفيفة وهؤلاء أصدقاء فقط وأنا في حيرة من أمري ويفتك بي العذاب ومنظر أولادي المراهقين الذاهلين ومع ذلك لم أتوقف عن النصح والتذكير بحدود الله وأعدها بكل ما تريد وهي تزداد عنادا ونشوزا حتى وصلت إلى القناعة بالطلاق وإتفقنا على ذلك وذهبت وأنا مستعد نفسيا لمواجهة هذا الموضوع وهي راوغت وتحايلت وتحججت ولم تأت للمحكمة إلا بعد نهاية الدوام فقلت بنفسي لربما أفاقت وتابت ولكن ذلك لم يحصل فقلت لها تنازلي عن حضانة الأولاد فأربيهم تربية إسلامية وأرعاهم كونك مشغولة عنهم بشؤونك الخاصة فاستمرت بشتمي وتهددني وأنها لا تتنازل عن أولادها مقابل كنوز الدنيا وبدأ هذا الوضع البائس يؤثر على عملي وصحتي وهي لا تبالي وتتذكر أخطاء الماضي قبل 20 سنة وتوجه لي الإهانات بالرسائل على الموبايل ثم فوجئت بأنها رفعت علي دعوى خلع بالمحكمة وحاولت ثانية مساومتها على الأولاد ولكنها رفضت فذهبت للمحكمة قبل أسبوع حيث لدينا قضية مفتوحة منذ وقت طويل وطلبها القاضي وتنازلت عن مهرها مقابل الحفاظ على حضانة الأولاد وتم الطلاق بائنا بينونه صغرى وعدت منفطرا قلبي على العشرة الطويلة وفشل مشروع الأسرة بعد أن فعلت كل شيء ولكن دون نتيجة وأخاف على أولادي وعلى ما سيحصل بهم إن إستمرت والدتهم بهذا النشوز العجيب ولا أعرف ماذا أفعل ولكني على يقين أن الله سبحانه وتعالى قد ابتلاني بهذا وأنا أحمده وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، ساعدوني يرحمكم الله نفسيتي متعبة وعقلي مشتت]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح الأخ بهذا الدعاء الذي يقال عند المصائب، وهو ما ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله "إنا لله وإنا إليه راجعون"، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها. رواه مسلم.
ومن هذا الدعاء يتبين أن المؤمن يرجو الخير، حتى من المصيبة، ويلتمس الخير حتى من المحنة، والبلية، وفي الحديث: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم
بل لا يدري الإنسان أين الخير، فلعل الخير فيما يكرهه، والشر فيما يحبه، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
ولا ينسى المؤمن قول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد:22}
وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. رواه الطبراني وغيره. بل إن من أركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره.
إن اليأس والإحباط لا يعرف طريقا إلى قلب المؤمن، لأنه يعرف أن ربه الرحيم، الذي هو أرحم به من والدته، قد كتب وقدر له ما يصيبه من المصائب في هذه الدنيا، لحكمة يعلمها سبحانه، قال تعالى: إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. كما أن المؤمن لا ينسى أن المعاصي والذنوب سبب رئيسي فيما يصيبه من مصائب، وما يلحقه من نكبات، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. {الشورى: 30} ، ولذا فهو يتهم نفسه، ويحاسبها، ويتوب إلى الله دائما.
فعلى الأخ أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب، ومنها علاقته مع تلك المرأة قبل الزواج، ثم نقول للأخ إن هذه المرأة من خلال ما ذكر من أفعالها، لا تصلح زوجة، فلا يندمن على فراقها، وليبحث عن امرأة صالحة، ذات خلق ودين يتزوجها ويكمل معها ما بقي من حياته، وعليه أن لا يتخلى عن واجبه تجاه أبنائه، وأن يسعى في ضمهم إليه حتى يربيهم تربية صالحة، ويبعدهم عن أمهم التي لا تستحق حضانتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(9/4871)
كيف تحسن ظنك بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أستطيع أن أحسن الظن بالله، أخي المسلم كيف أحسن ظني بالله، وإن الأطفال يعذبون في قبورهم كبنت الرسول عليه الصلاة السلام ولماذا نضم في القبور ونحن مؤمنون نعمل ما أمرنا الله عز وجل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حسن الظن بالله واجب شرعي يجب على المسلم أن يحمل نفسه عليه لما في حديث مسلم: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله. ومما يساعد على ذلك كثرة مطالعة كتب الترغيب وفضائل الأعمال.
وأما تعذيب الأطفال فإنه لم يثبت دليل عليه، وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم توفين بعد ما كبرن وتزوجن ولا نعلم دليلا يدل على تعذيب أي منهن في قبرها بل الظاهر عندنا خلاف ذلك، وراجع في ضمة القبر وفي بعض ما سبق الفتاوى التالية أرقامها: 18370، 61827، 16163، 53444، 51768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(9/4872)
التوبة والاستتار بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة ومتزوج من ابنة عمي التي أفوقها باثنتي عشر سنة. كانت حالتي مع زوجتي جيدة ورائعة أثناء مدة الخطوبة وبعد الزواج.
فهي متخلقة ومتدينة وتعلمت منها الكثير من الأمور الدينية خاصة الصوم لوجه الله والمحافظة على الصلوات في المسجد وساعدتني على قضاء ديني حتى إنها باعت مهرها لتسديد ما بقي علي من دين وقد وعدتها بأن أشتري لها مهرا جديد عندما تتيسر الأمور في بيتنا. ولكن ومنذ أن سمعت من بعض قريباتي عن الماضي الذي كنت أعيشه قبل الزواج انقلبت حياتنا إلى جحيم وصرنا نتنافر ونسب بعضنا ووصلت إلى رفع يدي عليها لكي أرغمها على السكوت. فبعض قريباتي لم يجدن وسيلة من تضييع وقتهن إلا سألتها إن كانت على علم بما كنت عليه من قبل وعلاقتي المشبوهة مع إحدى القريبات وهل هذه القريبة مازالت تأتي لزيارتكم وهل يراها ويتكلم معها فانهارت زوجتي وأجبرتني على الحلف على المصحف أن أحكي لها الحقيقة بالتفصيل وليس مع قريبتي فقط بل عن كل فتاة عرفتها في حياتي فرفضت في بداية الأمر ولكنها أصرت على ذلك وقالت إن ذلك سوف يخفف من معاناتها ولكي تعرف كيف تدافع عني إذا جاءت إحداهن لكي تحرجها. فانسقت وراء أسئلتها فهي تسأل وأنا أجيب فأحيانا أجيب ما أعرف وأحيانا أخلط الكلمة وأحيانا أكذب حتى لا أتوه في أسئلة أخرى فقضينا ليلة كاملة في سؤال وجواب حتى أذن لصلاة الفجر. فاجأتني ببرودة أعصابها وقدمت لي كتابا عن التوبة وأوصتني بكثرة الصلاة والصيام والاستغفار والحرص على التوبة النصوح ففرحت لذلك وحمدت الله على هذه النعمة. لكن بعد مرور أيام تغير كل شيء فصارت لا تتحمل رؤيتي وكلما رأت شيئا يذكرها بأيام الخطوبة تبدأ في الصراخ والبكاء وتدعوني بالخائن والكاذب وأنني مازلت أكذب ولم أقل لهل كل الحقيقة وتحت ضغط البيت أعادت علي نفس الأسئلة فأجبتها بما أعلم فانهارت وقالت أن كل أجوبتي مخالفة لما سبق وإنني مخادع ولست بأهل ثقة فصارت تتهمني بالنظر الي المحرمات في الشارع وتدعي أنني لا أستطيع مقاومة أية فتاة في الشارع أو في التلفاز ولا أمل من الحديث مع من أعمل من عاملات أثناء العمل وأنني في رأيها لم أخلق إلا للنظر في النساء. صارت حياتنا جحيما لا يطاق فهي فقدت الكثير من وزنها وساءت حالتها وأصيبت بكيس في رحمها وقد تأخرت عن الحمل وأصفر وجهها وأنا أعلم أن أعصابها تحطمت ووصل بها الأمر بها أن تطلب الطلاق وهذا بعد أن أخبرتني بأنها سمعت خبرا جديدا عن الماضي التعيس الذي كنت أعيشه ولم يكن صاحب الخبر إلا أخي الصغير الذي لا أدري ماذا حكى لها؟.
أعيش حياة مرة وقاسية فكل أسباب هذه المأساة هو أنا وما اقترفته منذ سنوات لكنني قبل الزواج تبت إلى الله وصرت مواظبا على الصلوات والأعمال الخيرية والصوم والصدقة وقد عاهدت الله على التوبة فقد أقلعت عن ارتكاب الفاحشة وندمت على أفعالي ومقتنع أن ما فعلته كان كبيرة وأنا عازم على عدم العودة إليه ولكن زوجتي مازالت تتهمني بالنفاق والتلاعب وتريد أن تملي علي شروطا كأن لا أتكلم مع أقربائي سواء كانوا رجالا أو نساء وأن أخبرها إن حدث وأن تكلمت مع فلانة أو فلانة وتفتش أغراضي ووصل بها الأمر أن تشتري رقما هاتفيا مخالفا لرقمها واتصلت بي على أنها فتاة تريد التعرف علي وذلك لترى هل أخونها أم لا. كثرت شتائمها ورفع صوتها علي وتنظر إلي باحتقار لم أعد أقاومها لأني كلما بدأت في الكلام لا تسمع مني أو بالأحري لا تريد سماع إلا ما كان قد سلف ذكره من الماضي ونصحتها أن ما تقوم به مخالف لديننا وأنها لا تجني من ورائه إلا الذنوب فكان جوابها دائما وأبدا هو أنني السبب الوحيد للمأساة وأن الحل بيدي وذلك أن أحكي لها كل الماضي بالتفصيل فأقسمت لها أنه لا ولن تسمع من عندي حرفا واحدا فتوعدتني أن تكون حياتنا إلى الأبد جحيما. مع العلم أنها تصلي وتصوم وتتصدق ولم تفقد من دينها شيئا واحدا منذ الزواج بل أنها تبيع حليها للمشاركة في بناء المسجد. فهل هناك وسيلة لحل هذه المشكلة وهل أعاقب على ما سببت لها من مرض ومعاناة نفسية مع العلم أنها تقوم بكل واجباتها بإتقان ولا تضيع حقوقي ولكن لايمر يومان إلا ونعود إلى نفس المشكلة مع العلم أنني أعمل بعيدا عنها لمدة شهر وأعود إلى المنزل في عطلة لمدة شهر كذلك وهكذا طوال السنة. فهل هناك حل لهذه المصيبة أريد أن أعيش أريد أن تشفى زوجتي فالرجاء النصيحة لي ولها
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت قريباتك قد أخطأن بما ذكرن لزوجتك عنك، فإنك أنت أيضا قد أخطأت خطأ كبيرا بما قصصته على زوجتك من ماضيك السيئ. فكان من واجبك أن تستر على نفسك بستر الله عليك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
أما الآن وقد صار الأمر إلى ما ذكرت، فإن واجبك الأول أن تتوب إلى الله من جميع ممارساتك الماضية، وأن تتوب إلى الله مما قصصته على زوجتك. وفيما يتعلق بحل الأزمة التي هي عليها، فلتبين لها أن من الواجب على الزوجين المحافظة على العلاقة بينهما، ونسيان ماضي كل واحد منهما، حفاظا على عرى الزوجية.
وأن الأخطاء والذنوب لا يكاد يسلم منها أحد، فقد ورد في الحديث الشريف: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه أحمد والترمذي، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. كما في حديث آخر صحيح. وأن الله إذا كان يعفو عمن وقع في الكفر والشرك إذا عاد إلى الإسلام، فكيف بمسلم موحد أذنب وتاب وأفاق من غفلته. ثم كيف وهي المسلمة المتدينة أن لا تحب من أحبه الله تعالى، فإن الله يحب التوابين قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} إلى غير ذلك من الأساليب الحكيمة. ونسأل الله أن يعيد حالكم إلى أحسن ما كان عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(9/4873)
فتاوى في وسائل اجتناب فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في ماليزيا قبل ما أذهب إلى ماليزيا قالوا إنه بلد إسلامي قوي فى الدين، لكن ظهر كل شيء بعد ما ذهبت إليه، الآن فتن وفي كل مول أغاني وفى الليل فتن من قبل النساء، ماذا تنصحونني به، وما حكمي فيه ومع أنه يوجد العديد من المتبرجات والشباب المنحرفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 34932، 56356، 70028، 30425، 32928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(9/4874)
يجازي الله المتصبرين والمتعففين خيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد
فأنا أتمنى أن تفتحوا صدوركم لرسالتي وأن تساعدوني بعد أن اتخذت الصبر حلا لمشكلتي، لكن المشكلة تكبر ولم أعد أستطيع أن أتحمل. أعرف أن لديكم مشاكل أهم وأكبر من مشكلتي ولكن قد يكون لديكم الحل والفرج لي، فأنا قطعت علاقة حب كانت بيني وبين ابن جيراننا منذ حوالي سنتين رغم أن العلاقة لم تكن تتعدى النظرات في الشارع والمشاعر الصامتة فكان ضميري يؤنبني دائماً من تصرفاتي رغم تفاهتها ولكني خفت لو أنني استجيب لها أن أقع في الحرام فخفت على نفسي ومن عقاب الله فقطعت العلاقة فوراً واختفيت عن أنظار ابن الجيران مما فاجأني بأن اكتشفت أن الشاب كان متعلقاً بي جداً وكاد أن يجن عندما ابتعدت عنه مما سبب لي صدمة وألما كبيرا لم أكن أتوقعها. ولكني التزمت بموقفي ولم أتجاوب معه حرصاً مني على نفسي وعلى سمعتي وقلت في نفسي إذا كان يريدني قليتقدم لي وكلما حاول أن يقترب مني بأي طريقة كنت اأفض وأقنع نفسي بفكرة الحلال أو لا شيء فسلمت أمري لله وصبرت حتى يحكم الله لي.
لكن مع الأيام تزداد حيرتي وتعاستي وأخاف أن أفقده بسبب موقفي العنيد وأقول في نفسي إنني السبب في عذابي فأنا لم أستمع إليه ولو لمرة واحدة، وفي نفس الوقت أشعر بالخوف من أن أظهر له رغبتي فأندم على فعلتي
أنا أعيش في دوامة كبيرة فتارة أشعر بأني أفعل الصواب فإذا كان يريدني فعلا فليتقدم لطلب يدي، وتارة أخرى أقول كيف له أن يتقدم وأنا حتى لم أسمح له حتى بالتكلم معي، لا أعرف ماذا أقول لكم فأنا في حيرة من أمري ولا أعرف ماذا أفعل، ولقد سئمت من البكاء والحزن على شيء قد لا يستحق كل هذا العذاب.
أرجوكم أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما عملت من البعد عن الحرام والوسائل المفضية إليه، وأيقني أن التصبر والتعفف يجازي الله تعالى عليهما بالعفة والصبر كما في الحديث: ومن يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. رواه الشيخان.
وأيقني أن التقوى والبعد عن الحرام مفتاح الفرج وتيسير الأمور كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: من الآية4}
وعليك بالاستخارة في الزواج بهذا الشاب فإن رأيت أنه مرضي عندك فلا بأس بأن ترسلي إليه بواسطة إحدى محارمه أو أحد محارمك وتبيني رغبتك في الزواج به فإنه لم ير للمتحابين مثل النكاح، وتحاولي مساعدته في تخفيف المهر والتكاليف المادية حتى يتيسر حالكما، واستعيني بالله في تحقيق جميع طموحاتك، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 69805، 32981، 73900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(9/4875)
فتاوى حول الشكر ولابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله: لئن شكرتم لأزيدنكم.
وهناك أناس يشكرون الله على نعمه ولا تتحسن أحوالهم المعيشية ولا يزيدهم الله ويفتح عليهم
وقال الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)
وهناك أناس يعرضون عن الله وعبادته ولا يشكرونه ويعيشون في سعادة تامة وأمورهم ميسورة ويغنيهم الله من فضله ويفتح عليهم، علما أن كلا من الحالتين من المسلمين، أرجو التوضيح فيما اشتبه.؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 69742 / 56863 / 56444 / 48446 / 31444 / 47005 / 17831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(9/4876)
كيفية إرضاء العبد ربه سبحانه وتعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أُرضي ربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى من أراد رضى الله أن يحرص على العمل بما يحب الله ويرضاه ويبتعد عما يسخطه, فيؤمن بالله تعالى ويتعلم ما أراد الله منه، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وليكن في امتثاله واجتنابه مخلصاً لله تعالى متابعاً سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحب في الله ويبغض فيه، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة ما يحب الله من العباد فعله وما يحب تركه.
فقد ثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى يرضى عن المؤمنين الشاكرين الذين يوالون فيه ويعادون فيه وأنه يحب التوابين، والمتطهرين، والمتقين، والمحسنين، والمقسطين، والمتوكلين، والصابرين، والذين يتبعون الرسول، وثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى لا يحب الكافرين، والظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والمستكبرين، والخائنين، والمسرفين، والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالاً فخوراً، ولا خواناً أثيماً، فقد قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ {الفتح:18} ، وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة:22} ، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {البينة:7-8} ، وقال تعالى: وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ {الزمر:7} ، وهو سبحانه وتعالى يحب المحسنين، كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} ، ويحب التوابين والمتطهرين، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، ويحب المتقين، قال الله تعالى: فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {آل عمران:76} ، ويحب المتوكلين، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {آل عمران:159} ، ويحب المقسطين، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {المائدة:42} ، والله تعالى لا يحب المعتدين، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ {البقرة:190} ، والله تعالى لا يحب الكافرين، قال الله تعالى: فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {آل عمران:32} ، ولا يحب من كان مختالاً فخوراً، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {النساء:36} ، ولا يحب من كان خواناً أثيماً، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا {النساء:107} ، ولا يحب الفرحين، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ {القصص:76} ، ولا يحب المستكبرين، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ {النحل:23} ، ولا يحب الجهر بالسوء، قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:148} ، ولا يحب المسرفين، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأنعام:141} ، وقد كثر في الأحاديث بيان بعض الأعمال التي يحبها الله تعالى ويرضاها والتي يبغضها، فنذكر بعضها على سبيل المثال، ففي الحديث: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي. رواه مسلم. وفي الحديث: أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع. وفي الحديث: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني. وفي الحديث: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. رواه مسلم.
وفي الحديث: إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. رواه الحاكم وصححه الألباني. وفي الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ... رواه الطبراني وحسنه الألباني. وفي الحديث: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني. وفي الحديث: إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب في الأسواق، جيفة بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة. رواه البيهقي في السنن وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/4877)
لا يأمن العبد على نفسه أن يضل حتى يموت
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هل للتقوى درجة إذا بلغها الإنسان لن يضل بعدها أم كل امرئ معرض للضلال مهما كانت درجة تقواه؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يأمن العبد على نفسه من الانحراف والوقوع في الضلال حتى يموت، فالعبد معرض للشيطان وتزيينه وإغوائه وتأثير جلساء السوء وفتن آخر الزمن، فالواجب عليه الالتجاء إلى الله وسؤاله الثبات فيقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي، وقد كان السلف يخافون على أنفسهم من النفاق فقد كان عمر رضي الله عنه يخاف النفاق على نفسه ويسأل حذيفة هل عدني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. رواه البخاري.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 55686، 68464، 15219، 20368.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1427(9/4878)
في الصبر على الأذى أجر كثير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عمري 25 سنة أعمل في شركة مختلطة يعمل معي شخص جد متسلط، لا أعرف لماذا يعاملني باحتقار رغم أنني أتفاداه، معروف جدا بجديته ووقاره لزملائنا إلا معي، ملتزم ومطلع على الأحاديث، أنا محتجبة ولا أحب كثرة الكلام، لا أرى أي تفسير لكرهه لي، تجاهلت الأمر من قبل لكنه بدأ يحرجني أمام الزملاء بكلام يمسني ويمس كرامتي طلبت المساعدة من الأشخاص المقربين إليه، لكن دون جدوى، تحدثت إليه مرة عن الأمر قال إنه لا يحتمل أن يراني أعمل فمثلي يبقون في بيوتهم بلا عمل، لا أستطيع ترك عملي، لأنني وأسرتي نعيش به، بالإضافة فهو عمل شريف.. لا أدري ما يمكنني فعله.. خاصة بعدما هددني أنه سيتسبب في طردي من العمل، رجوته أن يتقي الله في لكن بلا فائدة؟ أشكركم مسبقا على الجواب.. والله ولي التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن هذا الشخص من التحقير بك وسوء معاملتك هو من إيذاء المؤمنين الذي نهى الله تعالى عنه ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا {الأحزاب:58} ، وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ {الهمزة:1} ، وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته. والحديث صححه الألباني.
فننصحك بتقوى الله والصبر على ما ابتليت به، فإن الله يثيب على الصبر الأجور الكثيرة، ويمكنك أن تراجعي في عمل المرأة بالمجالات المختلطة فتوانا رقم: 19233.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/4879)
وسائل الارتقاء في سلم الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ضعيفة أريد أن أكون مسلمة طاهرة ومتقدمة وغير جاهلة لأمور ديني وأن أبتعد عن الكبائر. قلت ضعيفة لأنني أريد الرقي بنفسي ولا أقوم بشيء لقد تحجبت منذ سنتين لكن لا أحس بتقدم؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالتوبة والالتزام، ونسأل المولى ذا الجود والإنعام أن يشرح صدرك للإسلام، وألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع قريب مجيب، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة: 186} اللهم اجعلنا من الراشدين، واسلك بنا سبيل عبادك المخلصين، ولا تفتنا عن ديننا يا أرحم الراحمين.
وأما ما سألت عنه أيتها الأخت الكريمة من عدم الإحساس بلذة التوبة والاستقامة، فالجواب أن تنظري نفسك وتراجعي علاقتك مع ربك، ومدى التزامك بالصلاة والمحافظة عليها والخشوع فيها والإكثار من نوافلها، فهي الصلة بينك وبين ربك، فأحسني صلتك به تجدي لذة المناجاة ولذة الاستقامة ولذة الطاعة، واسمعي إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال النووي: هذا حديث عظيم وأصل من أصول الإسلام. قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا، ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتحقيق هذا ليس بالأمر المستحيل فقد وجدت منك الرغبة والإرادة وبقي التنفيذ، واعلمي أن مما يعينك على ذلك اختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن قرينات السوء ومن لا يذكرنك بالله، قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} فجاهدي نفسك واصبري وصابري واحتسبي أجر ذلك عند الله وستجدين اللذة إن شاء الله، والمهم أن تسلكي الطريق الصحيح الذي يوصلك إلى مرضات ربك سبحانه وتعالى ومغفرته وجنته، ولا يصدنك عن ذلك شيء سواء وجدت لذة ذلك في الدنيا أم لم تجديها فإنها لك في الآخرة، قال تعالى: وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {الأعلى: 17} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(9/4880)
الدنيا لا تساوي عند الله تعالى شيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سيدي الفاضل يسعدني أن أكتب هذه السطور إليكم أملاً في أن أجد لديكم بعض الأمل أو الدواء للتخلص من محنتي فأنا قد سبق وراسلتكم وحكيت لكم مشكلتني وقد كانت في بدايتها وهذه رقم الفتوى 72118 حيث إن حالتي كل يوم تزيد سوءا
سيدي الفاضل أنا ومنذ شهرين قد حصل معي اختناق مصحوب برعشة ونشفان في الريق وتفكير مستمر في الموت قلت ربما هي حالة عادية لكن بعد ذلك فوجئت بأن حالتي تزداد سوءا يوما بعد يوم إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه الآن حيث إنني أفكر دائما في الموت وأنني سوف أموت وأكون في القبر وحيدة والتفكير المستمر في يوم الحساب والحياة ما بعد الموت لدرجة أنني أشك في نفسي وإن أحسست بألم بسيط في رجلي فإنني سأموت وأقوم بالبكاء الشديد لكنني لا أموت والذي يؤلمني أكثر هو انقطاع التنفس المستمر ولي سؤال أيضا ما سبب شعوري المستمر بتأنيب الضمير؟ حيث إنني لا يمكنني أن أفعل شيئا إلا وأحس بتأنيب ضمير شديد سيدي الفاضل أرجو مساعدتي لأنني فعلا أعاني من قلة النوم وكثرة التفكير في الموت والحياة ما بعد الموت وإذا سمعت أن شخصا قد مات أظل أول اليوم مكتئبة وأقول إنه جاء دوري خصوصا لو كان من مات صغير السن
آسفة للإطالة لكن لدي سؤال آخر أنا أصبحت أعاني من نسيان مستمر فإنني إذا أردت أن أفعل شيئا وأقول شيئا إلا وأنساه في الحال وأحس بألم مستمر في منطقة الظهر وآلام مزمنة في الرقبة أو في الأعصاب المرفقة للرقبة فما سبب ذلك أرجو أن تعطوني حلا لأني فعلا أعاني ولا أحد في البيت يفهمني حتى أنهم منعوني عن الذهاب لأي طبيب كيفما كان ظنا منهم أني أكذب وأنه مجرد دلع وأبكي أبكي سيدي الفاضل ولا أحد يسمعني أو يهتم بي
وأخيرا سيدي الفاضل ما هو الدواء لمحاربة الكوابيس وهل لها علاقة بما أعاني منه وكيف أتخلص منها رغم أنني قبل النوم أقرأ القرآن كثيرا؟
مع تحياتي وشكرا لهذا الموقع الرائع وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الدنيا قليلة حقيرة، ولا تساوي عند الله شيئا، وأنها متاع الغرور، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء. رواه الترمذي وصححه. وأما الآخرة فهي دار القرار كما ورد في الذكر الحكيم.
فهوني على نفسك، ولا تسترسلي في هذا النوع من التفكير، لأن ذلك قد يؤدي إلى عواقب سيئة. ولا بأس بأن تذهبي إلى من له علم بالأمراض النفسية، وثقي بأن المؤمن لا يصيبه إلا ماهو خير له، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها. ولك أن تراجعي في علاج الكوابيس فتوانا رقم: 23933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(9/4881)
الشعور بالمتعة عند تذكر المعصية هل ينافي التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة الحمد لله متزوجة وقد وصلت لدرجة جيدة من الالتزام وقد مررت بمرحلة الخطوبة قبل هذا الالتزام فكانت على غير ما يرضي الله من سلام على الخطيب وإظهار شعري أمامه والخلوة بيننا، ولكن دون فعل شيء من الكبائر والحمد لله والخروج وحدنا وسماع أحلى كلمات الحب بيننا، والآن أنا متزوجة منه والحمد لله ومعي منه ولدان، وقد أنعم الله علي بالتوبة والندم على ما فات، ولكن السؤال أنني عندما أتذكر هذه الفترة من حياتي أشعر بمتعة وأشعر بأن حبي لزوجي يزيد في قلبي بل يجدد الشوق بيننا وهذا التذكر ليس بيدي، فهل ما أشعر به من فرحه يناقض توبتي، وهل في هذا ذنب علي، أرجو الإفادة بشكل واضح عسى أن ينفعني الله بكم لأنني لا أريد إغضاب الله؟ ولكن مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك بالتوبة ونسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب، وأما ما كنت تفعلينه مع خطيبك فهو حرام -كما ذكرت- فالخطيب أجنبي عن مخطوبته، كما بينا في الفتوى رقم: 30490، والفتوى رقم: 31276 وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما.
فالواجب عليكما إذن هو التوبة النصوح، وعلامة صدقها الندم عند تذكر ذلك وليس الفرح والنشوة، فلا بد من انكسار القلب وتذلل النفس عند تذكرها لمن أراد التوبة منها, ولا ينافي ذلك الشعور بمحبة الزوج وتجدد حبه، لكن ألا يكون فرحك للمعصية التي فعلت فتتمني العودة إلى تلك الفترة المظلمة وأن لو زدت من تلك الأعمال السيئة، فهذا كله إصرار على المعصية ويؤدي إلى سخط الله وغضبه، فإن كان حالك هكذا فأقلعي عنه وتوبي إلى ربك صادقة، واعلمي أن ذلك من وسوسة الشيطان وتزيينه للمعصية، وإن كان الأمر مجرد تذكر للمعصية دون تلذذ بها، فإنه لا ينافي التوبة منها بل يزيد في الحسنات إن صحبه ندم وانكسار، كما بينا في الفتوى رقم: 54998، والفتوى رقم: 58981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(9/4882)
وسائل السلامة من العذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الإنسان في قبره هنيئا لا تمسه النار وكيف ينجو من النار وكل العذاب يوم القيامة. وهل كل إنسان ارتكب معصية وعمل صالحا فانه يعذب جزاء المعصية التي فعلها. وكيف نثبت خاصة وأن بلدنا في تونس يصعب فيه التدين من المنزل إلى الشارع إلى العمل. وهل لكم أن تتقربوا إلينا أكثر أيتها الدعاة فنحن بحاجة إلى من يهدينا وينصحنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الوسائل التي تنال بها السلامة من العذاب تحقيق شهادة التوحيد والقيام بالأعمال الصالحة والتوبة الصادقة من المعاصي, وقراءة سورة الملك والقيام بمكفرات الذنوب الصغائر, وليعلم أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم, فقد يغفر لبعض العصاة تكرما وتفضلا منه سبحانه وتعالى إذا شاء كما قال تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. وراجع في هذا, وفي أسباب الثبات والهداية الفتاوى التالية أرقامها: 57747، 51247، 15219، 30758، 39151، 31768، 27004، 60563، 55527، 21750.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(9/4883)
يذنب ويتوب ثم يذنب ويتوب ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحاسب المرء عن ذنوبه إذا ما تاب بعد العديد من التوبات الفاشلة. وهل أنه عندما يحس بالذنب وغضب الله ويخاف من الموت خشية العذاب دليل على حسن النية للتوبة. وكيف ألقى الله بدون أن تمسني النار ولا العذاب.
بارك الله فيكم وساهموا في تقوية إيماني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تاب العبد توبة نصوحا ثم زين له الشيطان المعصية فزلت قدمه وقارفها، فليسارع إلى تجديد التوبة مرة أخرى والإكثار من العمل الصالح وبذلك يغفر ذنبه إن شاء الله, كلما تاب منه فإن توبة التائب لا يبطلها رجوعه للذنب بعد التوبة منه إذا كانت قد استوفت شروطها، ومن أهم هذه الشروط أن لا يكون وقت التوبة عازما على العود للذنب ولو بعد حين, فإن الله تعالى يتقبل توبة من تاب إليه بصدق؛ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى: 25} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} وأما تذكرغضب الله تعالى وخشيته فهو مؤشر خير ومن علامات التقى. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {الأعراف: 201} قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم أي أصابهم طائف ... ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب. وقوله: تذكروا: أي عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب فإذا هم مبصرون: أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه. انتهى باختصار.
وكون الشخص كلما وقع في الذنب تاب منه يدل على حبه لله وخشيته منه ورغبته في التوبة، وكراهته للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها. قال الله تعالى في صفات المتقين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
{آل عمران: 135} وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال: أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال: أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أوأذنب ذنبا فقال رب: أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصبت ذنبا قال: قال: رب أصبت أو قال: أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت، معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
وليعلم أنه ليس في الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله، وقد قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال تب، قال: إلى متى؟ قال إلى أن تحزن الشيطان. فالتوبة من الأمور المحمودة عند الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخيرالخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه.
وعلى التائب أن يبتعد عما يجره للرذيلة من أصدقاء السوء ومن المثيرات، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39} وينبغي للتائب أن يتخذ تدابير تعينه على الاستقامة والاستمرار على التوبة وعدم النكوص وتنكب الطريق ومن هذه التدابير:
- دعاء الله بذل وإلحاح أن يرزقه الاستقامة وأن يعينه على التمسك بدينه، وخير ما يُدعى به ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذ ي.
- اجتناب أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصي له ويرغبونه فيها، وفي المقابل اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} فعلى ذلك التائب أن يفتش عن هؤلاء الشباب، فيعبد الله معهم ويتعاون معهم على فعل الخيرات وطلب العلم النافع.
- أن يستر نفسه؛ لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه ال حاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو القائل جل جلاله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد: 4} فاستحِ منه أن يراك على معصية. وراجع الفتوى رقم: 51247، والفتوى رقم: 65215 لمعرفة أسباب السلامة من العذاب، وراجع في أسباب تقوية الإيمان الفتاوى التالية أرقامها: 41594 / 31768 / 69905.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(9/4884)
المرتد إذا تاب وأخلص يمكن أن يكون من أهل الفردوس
[السُّؤَالُ]
ـ[من كفر بعد إيمانه ثم تاب إلى الله وآمن وعمل بعمل السابقين وطرق جميع أبواب الخير واتقى الله حق تقاته وجاهد في الله حق جهاده هل يمكن أن يلحق بالسابقين ويكون من أصحاب الفردوس الأعلى ,أو أنه إن غفر له فإنه يكون في المراتب الدنيا من الجنة خصوصا أن هناك بعض الآيات التي تصرح بعدم استواء من أنفق من قبل الفتح وقاتل مع من أنفق من بعد الفتح وقاتل، وحديث أن عبد الله بن رواحة كان أقل منزلة من صاحبيه لأنه تأخر في حمل الراية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرتد إذا تاب وعمل الصالحات تقبل توبته؛ لقول الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38} ويمكن أن يكون من أهل الفردوس الأعلى، لأن الفردوس يجازي الله تعالى بها أهل الإيمان والأعمال الصالحة بغض النظر عن كونهم سابقين أو لاحقين، ويدل لذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا {الكهف:107-108} وقوله في جزاء المؤمنين المذكورة صفاتهم في سورة المؤمنون: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون: 10-11} ولا يعني هذا أن يلحق بالسابقين من الصحابة الذين أنفقوا لأن الفردوس نفسه مراتب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 57046 / 61088 / 68191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(9/4885)
العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجي يا شيخ عنده علاقات محرمة ولا يقاوم أي امرأة حتى محارمه وبناته والشغالة وأنا الحمد لله محافظة على بناتي لكني خائفة عليهن في نفس الوقت ولا أحس بأمان في البيت وعيشتي كلها قلق وتوتر مع العلم أنه متزوج أمرأة ثانية علي والحمد لله ـ احنا كافينا بس عينه زايغة ـ
وجزاك الله خيرا يا شيخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما يجب الاعتناء به في علاج هذه الأخطاء التي ذكرت وغيرها من أنواع الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان، وإصلاح القلوب، وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا....
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}
وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الألباني.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
فعليك أن تحرصي على هداية زوجك وتنصحيه وترغبيه في الأعمال الصالحة ومجالسة أهل الخير, وتكرري تذكيره ونصحه قدر المستطاع, وحضه على سماع الأشرطة النافعة وصحبة الصالحين، ويمكن أن تسعي بواسطة من تعرفينه من الأخوات الملتزمات في اتصال الإخوة الملتزمين به وإقامتهم معه علاقات لينصحوه ويعينوه على التقوى لعل الله ينفعه بذلك، فـ (المرء على دين خليله) كما في حديث أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعليك أن تكثري سؤال الله له بالهداية في أوقات الإجابة، كما ينبغي أن توفري له من الأحاديث الشيقة والطرف ووسائل الترفيه والإمتاع والمؤانسة ما يشغله عن التفكير في غيرك، وغير زوجته الأخرى، ويمكن أن تطالعي بعض التوجيهات حول هذا الموضوع في كتاب تحفة العروس، وفي غيره من الرسائل.
ويتعين منع الشغالة من التبرج أمامه, وأن تحرصي على عدم اتخاذ شغالة جميلة, وأن تؤكدي عليها عدم مخالطة الرجال.
وينبغي أن تتعاوني مع أختك الثانية على هداية زوجكما واستقامته فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وفي رواية: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي، فقال: رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه الألباني.
ويضاف إلى هذا عموم ما ذكره القرآن من التأكيد على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى. قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1 – 3}
وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة:71}
وبناء على هذا.. فاحرصا على استقامة زوجكما على الطاعة، وتعاونا معه على مجلس علم في البيت من أحاديث الترغيب، وكتب الرقائق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(9/4886)
العدل أساس كل تنمية حقيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك علاقة بين تطبيق العدل وتحقيق تنمية مستدامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن العدل هو أساس كل تنمية حقيقية دائمة سواء كانت تنمية بشرية أو مادية، فإن الظلم يهلك العباد ويمحق البلاد، قال الله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا {الكهف:59} ، وقال تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {النمل:52} ، ومن أقوال الحكماء: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة. وفي هذا يقول الشاعر:
الظلم نار فلا تحقر صغيرته * لعل جذوة نار أحرقت بلدا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1427(9/4887)
الرجوع إلى الذنب بعد المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في ظهور فنانات محجبات على شاشة التلفاز وعودة إلى التمثيل بعد التوبة؟ هل توبتهن مقبولة إذا علمنا أن التمثيل محرم شرعا؟
ثم ما حكم الشرع في إقدام بعض شركات الإنتاج السينمائي على إنتاج وتمثيل الأفلام والمسلسلات الدينية وتمثيل شخصية سيد الشهداء بممثل ليس ملتزما على الإطلاق بشرع الله أو يكون من يتقمص شخصيته غير مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن توبة التائب لا يبطلها رجوعه للذنب بعد التوبة منه إذا كانت قد استوفت شروطها, ومن أهم هذه الشروط أن لا يكون وقت التوبة عازما على العود للذنب ولو بعد حين. وراجع في أدلة ذلك وفي حكم ظهور الممثلة على الشاشة وهي محجبة وتمثيل الصحابة الكرام الفتاوى التالية أرقامها: 2259 / 27541 / 1675 / 12488 / 24031 / 23422 / 19761 / 61553 / 66163 / 8238
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1427(9/4888)
إعطاء المسلم كل ذي حق حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة الصادق الأمين.
أنا رجل عمري 42 سنة (أريد الآخرة وحسن الخاتمة) الحمد لله ملتزم ومتزوج ولدي ولد وأربع بنات عمر ولدي الكبير 11 سنة وابنتي الصغيرة 3 أشهر بالإضافة إلى زوجتي.
الحمد لله رب العالمين رزقني الله بعمل في شركة وراتبي منها ممتاز جداً ولكني لا أستطيع أن أصلي الظهر والعشاء في المسجد في جماعة نظراً لطبيعة العمل.
بالإضافة إلى أن هذا العمل يأخذ كل وقتي يبدأ الساعة 8:00 صباحاً حتى 1:00 ظهراً ومن 4:30 عصراً حتى 7:30 مساء.
لا أجد الوقت الكافي للجلوس مع زوجتي وأولادي. ولدي النية بأن أصوم يوما وأفطر يوما وأتابع حفظ القرءان الكريم ولكني عندما أصوم أصاب بالإرهاق خاصة في الفترة الثانية من عملي ولأجد الراحة عندما أصلي المغرب في المسجد وأنا ألبس البدلة وربطة العنق. الآن أفكر بأن أترك عملي هذا وأحاول أن أجد عملا أخر لفترة واحدة فقط أي حتى الساعة الثانية ظهراً.
وفكرت بأن أستقيل من عملي وأبيع منزلي حيث وأن بيتي يقدر بـ 250 ألف دولار كونه في منطقة مرغوبة وأشتري بيتا في منطقة أخرى بمبلغ 150 ألف دولار ثم أودع المبلغ المتبقي 100 ألف دولار في بنك إسلامي كوديعة وأعيش من فائدة هذا المبلغ مع أسرتي وبهذا سيكون لدي الوقت الكافي لكي أصلي جميع الفروض في المسجد في صلاة جماعة باللبس الإسلامي وأتابع حفظ القرءان الكريم وأصوم متى أشاء بإذن الله تعالى.
سؤالي ما رأيكم فيما أسلفت؟ وما حكم إيداع مالي في البنك الإسلامي كوديعة والعيش من الفائدة حيث إني والله العالم بعد أن التزمت لم أودع مالي لا في بنك ربوي أو حتى بنك إسلامي إلا راتبي من عملي هذا حيث يتم إيداعه من جهة عملي إلى بنك إسلامي في حساب جاري وأنا مكره على هذا والله يعلم.
أفيدونا جزاكم الله عني وعن أسرتي خيراً في الدنيا وفي الآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يعطي كل ذي حق حقه لحديث: إن لربك عليك حقا, وإن لبدنك عليك حقا, وإن لأهلك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا, فأعط كل ذي حق حقه. متفق عليه. من حديث عبد الله بن العاص.
فالسعادة والفلاح في التوازن وبذل الحقوق إلى أصحابها فمن حق الله تعالى عليك أن تحافظ على الصلوات كلها في جماعة إلا من عذر, وأن تتقرب إليه بالنوافل من صيام وصلاة وصدقة ونحو ذلك. ومن حق أهلك عليك أن تقضي معهم وقتها كافيا يفي بحاجتهم التربوية والنفسية والعلمية. فإذا تقرر هذا فنيبغي أن يوافق الشخص بين عمله وبين هذه المتطلبات, ويبذل من الأسباب ما توصله إلى هذه النتائج. وهذا متروك له ولا يمكننا أن نشير عليه بالانتقال من عمله أو يبيع منزله والاستثمار في مجال آخر؛ لأن هذا كله يجب أن يقوم على تصور واضح عند الاخ السائل نفسه وهل هو مجد له اقتصاديا أم لا؟
وبالنسبة للاستثمار في البنك الإسلامي المنضبط بالضوابط الشرعية فهو جائز ولا مانع كذلك, بل ولا كراهة من نزول المرتب في البنك الإسلامي في حساب جار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(9/4889)
هل يهتك المرء ستر نفسه فيخبر غيره بذنبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوك أن تساعدني بسرعة، أرجوك أنا صاحبة الفتوى رقم 2112569، أرجو أن تساعدوني، ماذا أفعل مع الشاب الذي يريد أن يتزوجني علما بأنني أعاني من صراحة مفرطة، بحيث إنني حتى إن أخفيت أنني وقعت في تلك المعصية الكبيرة في البداية فأنا جدا متيقنة أني سوف أصاب بالانهيار، فأنا أعجز تماما أن أخفي أمرا كهذا.
إذا أرجوكم أخبروني أهو من المحرمات أن أهتك سترا سترني به الله؟ إضافة إلى أنني بعد الاستخارة ب4 أيام رأيت ذلك الشاب يأخذ بيدي من هوة عميقة ويصعدني إلى مكان مضيء جدا، وقد كان حريصا على أن لا يمسك بيدي، فقد أصعدني عن طريق قميصه. أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان: 70] .
والتوبة النصوح هي التي استوفت شروطها، وشروطها: هي الندم على الفعل، والعزم الجازم ألا يعاد إليه أبدا فيما بقي من العمر، والإقلاع عن الذنب وتركه نهائيا إن كانت له صلة به في الحال.
ولا يجوز للمسلم أن يخبر بذنبه الذي ارتكبه سواء كان يريد الزواج أو لا يريده. فمن فعل ذلك فقد ارتكب ذنبا آخر، وهتك ستر الله تعالى الذي ستره به.
قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وعليه، فالتزمي بما كنا قد أفتيناك به من قبل، ولا تخبري بما كنت قد ارتكبته من الذنوب.
ثم إن من استخار الله في أمر من الأمور، فعليه أن يمضي فيما انشرح له صدره، فسيكون خيرا له إن شاء الله. ولا عبرة بما يُرى بعد الاستخارة من رؤى وأحلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1427(9/4890)
حب الصحابة الكرام وحب جريج العابد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قبل فترة سمعت محاضرة في موقعكم، وهي قصة العابد جريج، وبعدها شعرت بشعور غريب جدا لا أستطيع أن أصفه، وبعدها أصبحت أحب العابد جريج جدا، وأتأثر عندما أتذكره أكثر من الصحابة، وأنا أقول إن الصحابة أفضل منه لكني أنا لا أستطيع أن أكذب على نفسي وأقول إني أتأثر عندما أتذكر الصحابة فهل هذا حرام أم لا؟
وإذا كان حراما فكيف السبيل إلى الخلاص من هذا، والشيء الآخر أن الله مَنّ علي بكثرة العمرة ولله الحمد فهل أستطيع أن أعتمر لهذا الرجل، أعني العابد أم لا؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حب أحد عباد الأمم السابقة أمر محمود إن لم يؤد لاعتقاد أنه أفضل من الصحابة، وأما التأثر عند تذكره أكثر من الصحابة من دون تفضيل له عليهم فهو غير محرم، إلا أن السبب قد يكون لعدم سعة اطلاعك على أخبار الصحابة رضوان عليهم، فقد كان لهم من الكرامات الربانية واستجابة الدعاء أكثر مما كان لجريج، فراجع كتب السيرة التي تتحدث عنهم كالإصابة والبداية والنهاية وسير أعلام النبلاء وصفة الصفوة وحلية الأولياء وحياة الصحابة، فستجد فيها من أخبارهم ما يجعلك تتأثر بالصحابة إن شاء الله، واعلم أن جريجا كان مخطئا في تقديم نافلة الصلاة على طاعة أمه، فكان الأولى به أن يخفف الصلاة ويسلم أو يقطعها ويجيب أمه، وقد ذكر النووي في شرح حديث جريج في باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها: أن الصواب في حقه إجابة أمه لأن إجابة الأم واجب وعقوقها حرام، وراجع الفتوى رقم: 27309 وراجع في مشروعية العمرة عنه الفتوى رقم: 26516 والفتوى رقم: 69673
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1427(9/4891)
تقوى الله تعالى من مفاتيح الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شراء شقة لكن ينقصنا مبلغ 120 ألف درهم مغربي ولم أجد من يقرضني هذا المبلغ إلا البنوك مقابل فائدة طبعا. وبما أنني مقتنع بأن هذا الحل هو إيذان بحرب من الله ورسوله فلن أقبل به. أتوجه إليكم لمساعدتي ولو بنصيحة أو بإرشادي إلى من يمكنه قرضي هذا المبلغ علما أن بإمكاني تسديده بمعدل 4 ألف درهم شهريا لأني موظف ودخلي الشهري يتيح لي ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزى الله السائل خيرا على وقوفه عند حدود الله عز وجل ونسأل الله له الثبات والإعانة على شراء بيت يؤويه وأهله إنه على كل شيء قدير، وليبشر السائل الكريم بوعد الله عز وجل القائل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2 ـ 3}
وأما موضوع إرشاده إلى من يقرضه فنعتذر عن ذلك لأننا لا نعلم أحدا يقوم بذلك وليس هذا من شأننا في هذا الموقع، ويمكن للأخ الكريم الذهاب إلى البنوك الاسلامية إن وجدت في بلده والدخول معها في بيع المرابحة وهو بديل إسلامي للقرض الربوي الذي يتم في البنوك الربوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1427(9/4892)
التمسك بالدين عند الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لا أعرف ماذا ستردون علي ولكن أريد أن تتيحوا لي الفرصة.
أنا وكثير من أمثالي في تونس نشتكي ونعاني من الاضطهاد والظلم وكثرة البدع والمنكرات وعدم وجود بنوك إسلامية وووووو.....
ليس لدينا علماء يدلونا وعندما نطلب فتوى نجد الرد وفقا لواقع المفتي وليس وفقا لواقعنا، نريد حلا، نريد حلا نريد حلا، لا تقولوا لي صبرا أعرف ذلك ,لا تقولوا لي الهجرة لأنها مستحيلة مع عدم وجود موارد مالية.
أريد حلا؟ إني متعب متعب جدا جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المؤمن أن يصبر ويتمسك بدينه ويعض عليه بالنواجذ حتى يأتي أمر الله بالنصر للمسلمين. فهذا الذي ذكرت هو الزمان الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الفتن فيه، وشدة ابتلاء المؤمن بدينه فيه، ففي سنن الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. وفي المسند عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر. وقال صلى الله عليه وسلم: إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله أو منهم، قال: بل منكم. رواه الطبراني، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وقال صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إلي. رواه مسلم. قال الإمام النووي: المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد. انتهى.
فعليك أيها الأخ أن تعي هذه الحقيقة وتعلم هذه السنة الإلهية وتتقي الله تعالى ما استطعت وتهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عجزت عن تطبيقه من ذلك عمليا عجزا حقيقيا فإنك غير مؤاخد به عند الله تعالى إذا كان ميلك حقيقة هو إلى ما يحب الله ورسوله. قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا {التغابن:16} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
ونسأل الله أن يعينكم على التمسك بدينكم ويثبتكم ويهديكم صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1427(9/4893)
شكر النعم كيفيته وقواعده
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد هداني الله بعد أن قمت بذنوب كثيرة واستطعت أن أتوب عن كثير منها توبة نصوحة والحمد لله وأحاول كل يوم أن أحاسب نفسي وأبتعد عن الهواجس ووسوسة الشيطان وأكمل فرائض الإسلام وأحاول أن أهتدي بهدي رسول الله مشكلتي أنني أريد أن أشكر الله على كل النعم التي أعطاني الله أياها وأريد أن أشكر الله وأشعر أنني لا أوفي الشكر والحمد لله وأريد أن أكثر من أداء الصلاة والنوافل والصدقة والتسبيح وحفظ القرآن وكل ما افترضه الله فأنا أريد النصيحة وكيف أشكر ربي على نعمه التي لا تحصى خصوصا معي فأنا أشعر بذلك وأريد أن أوفي الشكر والحمد لله أكثر وأكثر أفيدوني في ذلك؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين على العبد أن يشكر الله تعالى على نعمه, والشكر كما قال ابن القيم في المدارج يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا، ومما يعين على ذلك استشعار أهميته وما فيه من المثوبة وطلبه من الله تعالى, فقد ذكر ابن القيم أن الله أمر بالشكر ونهى عن ضده وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره, ووعد أهله بأحسن جزائه, وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته, وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته, واشتق لهم اسما من أسمائه، فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا وهو غاية الرب من عبده, وأهله هم القليل من عباده قال الله تعالى: وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {النحل: 114} وقال: وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ {البقرة: 152} وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ {النحل: 120 ـ 121} وقال عن نوح عليه السلام: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا {الاسراء: 3} وقال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل: 78} وقال تعالى: وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {العنبكوت: 17} وقال تعالى: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ {آل عمران: 144} وقال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم: 7} وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {لقمان: 31} ورضى الرب عن عبده به كقوله: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ {الزمر:7} وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {سبأ: 13} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا. وقال لمعاذ: والله يا معاذ إني لأحبك, فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وفي المسند والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطاوعا لك مخبتا إليك أواها منبيا, رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري.
والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره، فهذه الخمس: هي أساس الشكر وبناؤه عليها فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة، وراجع كتاب المدارج، وإحياء علوم الدين للمزيد من كلام السلف في الشكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1427(9/4894)
البديل المفضل على تمني الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[إني امرأة متدينة أخاف ربي كثيرا وأعبده كثيرا أقيم حدود ربي وأوامره وأجتنب المعاصي والذنوب وأتق الله وأعامل الناس بالحسنى الجميع يحبني ويفرح بي وسيرتي عطرة أراعي زوجي وأولادي وأدعوا الله كثيرا إني لا أمدح نفسي لكني أذكر لك بعضا من أمري.
مشكلتي أني أتمنى الموت وأني أعرف أنك سوف تستغرب أمري لكني فعلا أتمنى الموت ليس كرها بالحياة على العكس أحب الحياة وأحلم بالمستقبل لكن شوقا لله تعالى إذ إني أشعر بأني أعشق الله وأستعجل موتي كي ألقاه حتى عندما أدعوه وأكون خاشعة في دعائي أجد نفسي أطلب من الله أن يكرمني برؤيته وأرجوه أن يأخذ روحي كي تلقاه وأشعر بأن روحي متشوقة بشدة له وكأنها على جمر لتفارق جسدي وتصعد إلى السماء حتى إني لا أشعر بخوف من الموت وإذا شعرت أو تخيلت بأني سوف أموت أشعر بفرحة وكأني ذاهبة إلى شيء سعيد وليس إلى قبر علما أني أخشع كثيرا وأبكي عندما أسمع آيات العذاب وأقرأ عن عذاب القبر
وسؤالي هو:
هل ما أشعر به من الشيطان أم من شدة حبي لله؟ علما أني دائما أحصن نفسي بالأذكار والدعاء من الشيطان وأستعيذ بالله منه. أفيدوني مشكورين
هناك آية في القرآن: لا يأمن مكر الله إلا الخاسرون. هل هذا ينطبق علي لعدم خوفي من الموت؟ وما المقصود بمكر الله؟ علما أني أخافه بكل صغيرة وكبيرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى تصحيح الآية التي أوردتها وهي قول الله تعالى: فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99} كما ننبهك أيضا إلى أنه لا ينبغي إطلاق لفظ العشق في حق الله عز وجل، لأنه لم يرد بذلك نص من كتاب أوسنة، بل لم يرد عن أحد من السلف الصالح من هذه الأمة، ولما قد يشتمل عليه من مدلول غير شرعي. لذا فالواجب الاقتصار على ماورد به الشرع وهو لفظ " حب الله تعالى، أو محبته "
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن المسلم مطالب بأن يوطن نفسه على الشوق إلى لقاء الله تعالى والاستعداد لذلك، والتطلع إلى ما أعده الله لعباده المؤمنين من الأجر والمثوبة والكرامة التي من أجلِّها رؤيته سبحانه وتعالى في الآخرة. والشوق إلى لقاء الله تعالى يستلزم عدم الركون إلى الدنيا والاطمئنان إليها والرضى بها. بل إن المشتاق حقا إلى لقاء الله تعالى المتطلع إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، والانغماس في جزيل مثوبته يعتبر الدنيا مجرد محطة استعداد وتزود لذلك اللقاءالمحبوب، واستكثار من ذلك الزاد، وإمعان في ذلك الاستعداد.
فهو لا يتمنى الموت رجاء لذلك الاستكثار والإمعان ورضاء بقضاء الله تعالى. وقد ورد في الخبر الصحيح النهي عن تمني الموت. ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
وعليه، فندعوك -أيتها الأخت الكريمة- إلى تجنب تمني الموت، لما علمت فيه من النهي. وأن تستبدلي ذلك بالإقبال على الله والاستزادة من فعل الخير, وأن تتوسطي بين الخوف والرجاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1427(9/4895)
لا يقدر الله للإنسان إلا الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو مراجعة الفتوىرقم: 65488 الخاصة بي http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?Id=279610&Option=QuestionId&lang=A
والآن!
مازال ماضيا يطاردني؛ فتارةً أقع وتارة أقاوم، تارة أهرب وتارة لا أستطيع، بل والأسوأ تارة أسعى للمزيد، ثم أندم أو لا أندم، وأحيانًا أشعر بالحزن لعدم حدوث ما هو أكبر، وبت في دوامة لا أعرف كيف أخرج؟ إنها كالنار تحرق جسدي وقلبي، ولا أعرف ماذا أفعل؟ ولم تعد هذه هي مشكلتي الوحيدة، فالآن أعاني من حالة فشل دائم في الالتزام بأي قرارات؛ أو الاستمرار في أي عملٍ لفترة، باتت في بعض الأحيان لا تتعدي الساعة الواحدة، وبت خائفًا وبشدة من اتخاذ القرارات؛ حيث إنني وباستمرار لم أعد ألتزم بها، وكم أذكر تلك الأيام التي كنت فيها معروفًا بمحافظتي على الوعود والتزامي بالحضور قبل المواعيد. أكثر من 20 مشروعًا وعملاً واتجاه دراسة أوعمل دخلت فيها ولم أستمر، وكل منها قد يتفرع، واختلطت أحلامي بواقعي الأليم، ولم يعد لدي الدافع للقيام بأي عمل، راكدٌ متألمٌ في مكاني بلا حراك، كل بضعة ساعات أتجه اتجاهًا ما يلبث أن ينطفئ منه الحماس؛ فأعود أسوأ مما كنت. والآن ها أنا أمضي سنتي السابعة في كليتي ولم أنجح سوى مرة واحدة في السنوات الست الماضية، ولم أنجح في أي مادة منذ أكثر من سنة، ولا أعرف كيف سأستمر في حياتي بهذا الشكل؟ ومن ناحية أخرى تلك الفتاة التي تصر على محاولة الارتباط بي وأنا بداخلي شيء يرفض، فعلي الرغم من كل هذا الفشل المتواصل تؤكد أنها تود أن تقف بجواري وتمضي حياتها معي، ولا أعرف لماذا أرفضها؟ وهل أرفضها تحديدًا أم أرفض الالتزام بالأساس؟ ولا أعرف ماذا أفعل خاصة أنني أحتاج للزواج على الأقل للتخلص من مشكلتي المزمنة المتعلقة بماضي؟ وهي تختلف عني ثقافيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، لكنها بالنسبة لي تبدو كفرصتي الوحيدة للخلاص من ماضي بطريقٍ يرضي الله. ربما يكون حديثي معها خطأً ولو بعلم أهلها! لكنني حتى لو أردت لن أستطيع، وإن فعلت فسألقي بنفسي إلي جحيم الماضي الذي بالكاد أحاول الخروج منه ولا معين لي. أحيانًا أفكر بأنها قد لا تكون أفضل أمٍ لأطفال، وأعود وأقول لنفسي أني أفكر أبعد من اللازم؛ خاصة أني طبيًا قدرتي علي الإنجاب منخفضة وبشدة، ثم أقول إنها ليست متدينة، ثم أسأل نفسي: وأي تدينٍ أنا فيه؟ وأقول إنها ليست في مستوى تفكيري ولا ثقافتي، ثم أتساءل ومن أين لي بواحدة وأنا في قمة فشلي؟ وهل أستطيع أن أنتظر حتى أبني نجاحًا ملموسًا بعد سنوات إن كنت سأبني؟ وأهلي قد تركوني وحيدًا؛ فأبي وأمي لا يتحدثان معي تقريبًا، وإن فعلا فيضعان الضغوط علي ويرفضان أن يتحملا أي قدر من المسؤولية في مساعدتي على الخروج مما أنا فيه، يرفضون الاستماع، يتحدثون ويتحدثون، آه لو يستمعون إلي لثانية واحدة! لكنهما لا يستمعان. أما أنا فأشعر أني ممزق، لا أفهم كيف وصلت إلى هذه الحال؟ ولا أعرف كيف أخرج منه إلى أي مكان؟ ولم أعد حتي أعرف ماذا أريد أن أفعل في حياتي ولا بحياتي؟ ولا أرى لي دافعًا ولا هدفاً. كم أود أن أصرخ لأخرج آلامي! لكن هيهات أن يخرج ألمي، كل صرخات العالم ولو اجتمعت، أود أن أخرج مما أنا فيه وأنا وحدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها الأخ الكريم أن الله لا يقدر للإنسان إلا خيرا، واختيار الله له خير من اختياره لنفسه، ففي صحيح مسلم عن صهيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
ثم إن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمؤمن فيها يتقلب من حال إلى حال ليرى الله منه الصبر عند الابتلاء والشكر عند الرخاء. قال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} فهون على نفسك، واعلم أن خير ما يعين على علاج ما أنت فيه من الحيرة، هو تقوية الإيمان والثقة بالله، وترك الوساوس والخيالات الفاسدة، والمحافظة على الفرائض والإكثار من الأعمال الصالحة، ولا سيما الصدقة وقيام الليل والدعاء والذكر. واعمل بما أشرنا عليك به في فتاوانا السابقة، ونسأل الله أن يوفق سعيك، ويأخذ بناصيتك إلى ما فيه الخير والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(9/4896)
لا يبطل ثواب الأعمال الصالحة إلا الموت على الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أشكركم على المجهود الذي تبذلونه من أجل خدمة القراء.
السؤال هو: لقد من الله عليَّ بنعمة العمرة هذا العام وبعد نزولي مصر كنت ملتزما دينيا من أثر العمرة وبعد فترة هذا الالتزام الديني بدأ ينقص نوعا ما ثم رجعت للحالة التي قبل العمرة الآن أحاول الالتزام مرة أخرى هل معنى هذا ان ثواب العمرة انتهى ولم يحسب لي ثوابها؟
وشكرا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة، أما ثواب عمرتك هل هو موجود أم لا؟ فأمر غيبي الله أعلم به, ومن ذا الذي يعلم هل قبل الله منه عمله أم لا؟ فالمؤمن يحسن العمل بالإخلاص لله عز وجل فيه والمتابعة فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، يحسن عمله بذلك قدر المستطاع, ثم يحسن الظن بالله عز وجل أن يتقبله منه ويثيبه عليه, فالله لا يضيع عمل عامل وإن قل, قال الله سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة: 7 ـ 8} ولا يبطل ثواب الأعمال الصالحة إلا الموت على الردة والعياذ بالله لقول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 217} وبعض أهل العلم يقولون: إن السيئات تحبط الحسنات، كما أن الحسنات يذهبن السيئات، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله, فيحرص المسلم على الحفاظ على صالحاته باجتناب المعاصي ما استطاع, فإن هفا وزل فليتب، فبادر بالتوبة وابتعد عن المعاصي ليحسن الله لك الخاتمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(9/4897)
مراقبة الله والتخلص من رفقاء السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[تشاركت مع رفاق السوء في شراء عدسة (Hotbird الأجنبية) حيث كنا 3 رفاق كل منا دفع الثلث، أريد أن أتوب، ولكنني لا أستطيع أن أصلح خطئي حيث لا أستطيع أن أكسر العدسة اللعينة ماذا أفعل، أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل، ولا يتم ذلك إلا بالإقلاع التام والتخلص من تلك الآلة التي تجلب الفساد والحرام ... فإذا بذلت جهدك للتخلص منها ولم تستطع فعليك بالابتعاد عنها والابتعاد عن رفقاء السوء ما لم يقلعوا عن الذنب ويتوبوا إلى الله تعالى وقد قال الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، وعليك بصحبة الأخيار الصالحين الذين يدلونك على الخير ويعينونك على الطاعة والاستقامة عليها، ولتعلم أن الله تعالى مطلع على سرك وعلانيتك يعلم السر وأخفى ويقبل توبة التائبين المخلصين، كما قال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 12873 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(9/4898)
لا يترك النصح ولو ظن عدم استجابة المنصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: لي أخت متزوجة منذ فترة طويلة ولها أطفال من سن 6 إلى 9 وهي الآن تشتكي من زوجها بحيث تقول إنه على علاقة بامرأة أخرى, وطلبت مني أن أكلمه لكي يراعي زوجته وأولاده, ويتوب إلى الله ويكف عن هذه المعصية، مع العلم بأني أعرف زوج أختي جيداً فهو لا يقبل النصيحة من أحد, فما العمل وما عساها أن تفعل، فهي لجأت إلي وإني في حيرة من أمري ما عساي فعله، فأفيدونا؟ جزاكم الله عنا كل الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ثبت أن لهذا الرجل علاقة غير شرعية بالنساء فيجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما وقع فيه، ويقلع عن هذا الذنب القبيح فوراً، قبل أن ينزل به ملك الموت، وعليها أن تستمر في نصحه بالكلمة الطيبة والشريط النافع والكتاب المؤثر ونحو ذلك من الوسائل، وإذا تمكنت أنت من نصحه وتذكيره بالله تعالى وبحقوق أهله وولده عليه فافعل، فإن هذا من النصيحة التي رغب فيها الشرع، ففي الحديث الذي رواه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ولا تترك النصح لظنك عدم استجابته، فلعل الله تعالى يكتب له الخير على يديك، ويجب على أختك أن لا تقصر في حقوق زوجها والقيام بشؤونه، وعليها أن تتجمل وتتزين له حتى يكون ذلك مما يعين على صرفه عن الحرام إلى الحلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1427(9/4899)
كيفية محاسبة النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تعينوني بأن ترسلوا لي جدولاً للمحاسبة يعيينني على محاسبة نفسي ويكون سنداً لي لمراجعة أعمالي، أعانكم الله على كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحاسبة النفس ومراجعتها مطلوبة لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {الحشر:19} ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا ليوم العرض الأكبر: ثم يتلو قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ.
ويحاول الشخص أن يحاسب نفسه كل لحظة بحيث لو قصر في عمله أو ارتكب مخالفة وقف مع نفسه وحاسبها وذكرها، ويحاسب نفسه في آخر يومه عند نومه فيتذكر ما حصل منه في يومه فيتوب من الذنب ويعفو عمن أساء إليه، وينوي التوبة الصادقة ويعزم على الابتعاد عن المعاصي وسيئ الأخلاق في غده ثم ينام، وتأملي هذا الرجل الذي كان يحاسب نفسه كل ليلة ويبيت وليس في قلبه غل لأحد كيف نال الجنة، ففي مسند أحمد عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال: عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق. فحاولي أن تجعلي لنفسك وقتاً كوقت هذا الرجل أو وقتاً آخر يناسبك وحاسبي نفسك فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1427(9/4900)
االتائب من الذنب هل يقال له خبيث
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت على علاقة بإحدى زميلاتي وكنا ننوي الزواج حتى إن والدي قد تعرف على والدها. فأخذتني الحماسة وزين لنا الشيطان فتمادينا في علاقتنا. وبالطبع لم يوفقنا الله للزواج فتغيرت نظرتي للحياة فاستغفرت خالقي وتبت إليه وأنا عازم إن شاء الله على الخطبة من فتاة أخرى. ما يؤرقني هو قوله تعالى’’الخبيثون للخبيثات’’ فهل بالخطا الذي اقترفته أعتبر خبيثا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد استغفرت الله تعالى وتبت إليه توبة صادقة فلست خبيثا ولاتوصف بالخبث, بل إنك من التائبين الذين يحبهم الله كما قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222}
ولمعرفة شروط التوبة الصادقة وفضلها انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5091، 9024، 9694.
ونسال الله تعالى لك التوفيق والسداد, وأن يرزقك زوجة صالحة تكون قرة عين لك في الدنيا والآخرة, إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(9/4901)
رب معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أعينوني، أنا وألله أعيش مأساة, حكايتي أني لوطي, وأنا الآن عمري 33 , لكن أدركت حقيقة الدين مؤخرا, بعد ما مارست اللواط العديد من المرات, أعيش وحدي بعيدا عن عائلتي, هاربا من شر أمي وأبي, لم أحس يوما أنها عائلتي.
أنا ألآن أريد أن أخرج من هذه الغريزة, أردت أن أنسى , لكن لا أستطيع, أحاول النسيان مند عام لكن لا أستطيع, وأنا عاجز أن أمارس الجنس مع النساء, ومن ستقبل بزواجي بها.
أنا ألآن أعيش أتعس أيام حياتي, لا أجد لمن أتكلم, وهذه التعاسة تقتلني, أعينوني , أنتم آخر أمل لي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ما وقعت فيه يعد من الآثام الشنيعة والذنوب العظيمة. وعلى كل، فالواجب عليك التوبة بالإقلاع عن مثل هذا الفعل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه.
واعلم أن الله تواب رحيم واسع المغفرة، ولا يتعاظمه ذنب مهما بلغ، فالجأ إليه، ولا تلتفت لوساوس الشيطان، فرب معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها بسبب ما أحدثه بعدها من التوبة والانكسار وزيادة الذل والخضوع لله رب العالمين.
ومن سعة فضل الله تعالى ورحمته بعباده أنه يبدل السيئات التي قد تاب منها العبد إلى حسنات قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68، 70] .
فالذي ننصحك به في هذا المقام هو:
1- الاهتمام بطلب العلم الشرعي النافع الذي يقرب المسلم من ربه ويجعل أغلب تفكيره في الدار الآخرة.
2- اختيار الرفقة الصالحة والبعد عن رفقاء السوء.
3- البعد عن المثيرات والمهيجات للشهوة، والمحافظة على غض البصر، والإكثار من الطاعات التي ترقق القلب كقراءة القرآن الكريم، والحديث الشريف، وسير الصالحين.
4- تغيير البيئة التي تعيش فيها، والبحث عن بيئة صالحة.
ثم لا تنس الدعاء لأبويك ودعوتهما إلى التوبة، فإن لهما عليك حقا كبيرا ولو كانا على الصفة التي ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1427(9/4902)
التوبة من المعصية قد تورث العبد ذلا وانكسارا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لا تؤاخذني في هذا السؤال.... فأنا أعلم جيداً بأن الله تعالى رءوف رحيم ويقبل التوبة..... لكن هل من ترقص طول عمرها وتظهر مفاتنها للملأ، وغيرها تمثل وتفعل نفس الشيء وأكثر وأكثر وأكثر، وبعد ذلك تذهب للحج وتتوب – طبعاً أنا عارفة جداً بأن ربنا يقبل التوبة إذا كانت صادقة والأعمال بالنيات –لكن أنا طول عمري متدينة وأعرف ربنا وأصلي وأعرف أصول ديني والحمد لله، وبعد ذلك تأتي هي لتكون مثلى - فكيف يمكن ذلك. يمكن يكون أسلوبي غير جيد ولكن أنا متأكدة أن سيادتكم تفهمون ما أقصده.......
لي صديقة حميمة غير متزوجة، ربنا يرزقها بالحلال – اعتمرت وأدت فريضة الحج وتًزكي وتتصدق وتساعد يتامى وتقوم بأعمال خير في السر، وغيرها وغيرها – ولكنها تصرف على ملابسها بالهبل – يعنى مثلاً يمكن أن تشترى كل أسبوع شبشب للبيت حسب لون ملابس البيت وأحذية بعدد شعر رأسها، ويكون نصفها مركونا لا يستخدم – وأشياء أخرى كثيرة يمكن أن تستخدمها ويمكن أن لا تستخدمها – تحت شعار " أنا ماحبش حاجة ناقصة لي " – هل هذا يعتبر بذخا تحاسب عليه في حين أنها تؤدى فرائض ربنا من زكاة وما أشبه ذلك؟؟؟؟؟
وشكراً،،،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرحمة الله وسعت كل شيء، وقد وعد سبحانه التائبين بالمغفرة: فقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا {طه: 82} بل إنه سبحانه لفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات كما في قوله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70} وليس في ذلك ظلم لأحد كما قال: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)
وأعمال بني آدم ليست ثمنا للجنة وإنما هي سبب لرضوان الله عليهم فيدخلهم جنته بفضله ورحمته: قال النووى في شرحه لصحيح مسلم: باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل ولا إياك يا رسول الله، قال ولا إياي إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سددوا.
فعملك كائنا ما كان لا يساوي شكر نعمة واحدة من نعم الله عليك، فإن أدخلك جنته فإنما ذلك بفضله ورحمته وإن أدخل التائب جنته ولو لم يعمل غير قليل فإنما ذلك بفضله ورحمته أيضا، واعلمي أن الناس في الجنة قد تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم كما في صحيح ابن حبان عن جابر أن معاذا لما حضرته الوفاة قال اكشفوا عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة، قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم دخل الجنة يريد به جنة دون جنة لأنها جنان كثيرة، فمن أتى بالإقرار الذي هو أعلى شعب الإيمان ولم يدرك العمل ثم مات أدخل الجنة، ومن أتى بعد الإقرار من الأعمال قل أو كثر أدخل الجنة جنة فوق تلك الجنة،لأن من كثر عمله علت درجاته وارتفعت جنته لا أن الكل من المسلمين يدخلون جنة واحدة وإن تفاوتت أعمالهم وتباينت لأنها جنان كثيرة لا جنة واحدة
ولكن ننبهك أيتها السائلة الكريمة إلى أن التوبة من المعصية قد تورث ذلا وانكسارا فتكون خيرا مما قد يورثه العمل لدى بعض الناس من العجب. قال ابن القيم في مدارج السالكين: الوجه الخامس: أن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة، من كثير من الطاعات. وهذا معنى قول بعض السلف قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة. ويعمل الطاعة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام، وإن قعد، وإن مشى ذكر ذنبه، فيحدث له انكسارا، وتوبة، واستغفارا، وندما، فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة. فلا تزال نصب عينيه. إن قام وإن قعد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عجبا وكبرا ومنة. فتكون سبب هلاكه. فيكون الذنب موجبا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، من خوف الله والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسا رأسه خجلا، باكيا نادما، مستقيلا ربه. وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولة، وكبرا، وازدراء بالناس، ورؤيتهم بعين الاحتقار. ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجب بطاعته، الصائل بها، المان بها وبحاله على الله عز وجل وعباده. وإن قال بلسانه خلاف ذلك. فالله شهيد على ما في قلبه.
وقال الغزالي في الإحياء: ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل، والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل.
قال المناوي في فيض القدير عن ابن عطاء الله.. رب معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا. اهـ.قال المناوي: وهذا كله ليس تنويها لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك.
ولمعرفة شروط التوبة الصحيحة انظري الفتوى رقم: 5450، 36415. وأما ما ذكرت عن تلك المرأة من الإسراف في اللباس والزينة فهو محرم، وقد بينا ضابط الإسراف وما يباح من الزينة وما لا يباح، وذلك في الفتويين رقم: 1930، 1945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1427(9/4903)
الراحة في الصلاة وخطورة الأمن من عقاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عمره 36 عاما كان في غربة طالت 6 سنوات في الاتحاد السوفيتي المنحل, حيث كان ملتزما بالإسلام دينا ومنهجا , وكان متشددا فهو لم يشرب ولم يزن ولم يأكل الخنزير فحسب، بل اجتنب ذلك كله, يعامل الناس أحسن معاملة, لا يكذب ولا يسرق ولا يقترب بسوء من حقوق العباد, مؤمن بالإسلام كاملا وعن علم, وكان ضمن جماعة. أما بعد عودته ظل ملتزما بالاسلام دينا ومنهجا ولكنه لا يصلي وهو يعلم مكانة الصلاة في الاسلام ولا يوجد عنده مبرر ومعترف بذلك ويقول:1- أنا أحاول أن أصلي ولكني لا أستطيع بسبب مرض عندي (أعتقد أنه نفسي مثل القلق والاكتئاب) .
2-أشعر أني إذا صليت لا أصلي كما يجب وأشعر أن صلاتي لا تشعرني بالراحة والطمأنينة.
3-إن كل تقصير في العبادات ميكن أن يغفر من الله الرحمن الرحيم أما حقوق العباد فلا , لأن ذلك يعتمد على العباد.
4-أنا أدعو الله عز وجل أن يجعلني ممن يقيمون الصلاة ويلتزمون بها لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وطاعة لله ورسوله إنه نعم المولى ونعم النصير.
ما حكم من لا يصلي بسبب مرض نفسي مثل الاكتئاب والقلق والانصام؟
وبارك الله فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتزام الشخص المذكور بالمحافظة على أحكام الشريعة الإسلامية في بلاد الكفر والإلحاد أمر عظيم يشكر عليه هذا الرجل، ونسأل الله جل جلاله أن يتم عليه نعمته ويذهب عنه ما ألم به من مرض، وندعوه إلى أن يلجأ إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يمن عليه بالشفاء العاجل، ويمنحه المحافظة على الصلوات لأن الصلاة عماد الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي من أعظم أسباب ذهاب الغموم والهموم.
وقوله: إنه لو صلى لن يصلي كما يجب، وإنه لا يشعر فيها بالطمأنينة خطأ منه وخدعة من الشيطان ليبعده عن الصلاة التي فيها راحته وسعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة على الحقيقة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بالصلاة يا بلال. وكان إذا نزل به أمر يهمه فزع إلى الصلاة، ونقول له لو أقبلت على الصلاة وحافظت عليها لذهب هذا الشعور، وأبدلك الله مكانه الفرح والسرور بالصلاة.
وأما قوله: كل تقصير في العبادات يمكن أن يغفر من الله، أما حقوق العباد فلا.
فغير مبرر له في التساهل في ارتكاب الذنوب التي بينه وبين الله لأنه لا يجوز الأمن من عقاب الله تعالى، فقد قال سبحانه: إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ {المعارج: 28} ولأن الذنوب يجر بعضها بعضا، وقد يبلغ الأمر إلى ارتكاب ذنب يخرج من الإسلام ويسبب الخاتمة السوء كترك الصلاة، وقد نص طوائف من العلماء على كفر صاحبه وخروجه عن الإسلام استنادا إلى قوله عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وثبت عنه أيضا أنه قال: بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة. رواه مسلم.
والحاصل أنه مطلوب منه المحافظة على الصلاة ولا عذر له في تركها ما دام عنده عقل يعي به، وعليه أن يؤديها على الحالة التي يقدر عليها فلا يعذر فيما يقدر عليه ولا يطلب منه ما عجز عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1427(9/4904)
منارات في طريق السالك إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني القائمين على هذا الموقع الرائع، أود منكم التفضل بإجابتي على السؤال مشكورين ومأجورين إن شاء الله تعالى، أنا فتاة غير متزوجة أبلغ من العمر 21 عاماً، عانيت كثيراً من مسألة الزواج نظراً لمروري بثلاثة مواقف صعبة جداً، لا أود الخوض في تفاصيلها الآن، وهي باختصار مجموعة إحباطات متتالية، أخرج منها بخفي حنين ولا يخفى على مثلكم ماذا يعني الزواج لأي فتاة، ما يتعبني حقيقة هو أني أخشى أن أكون من الساخطين على القضاء والقدر وهذا ما لا أطيقه ... كيف يمكنني ضبط هذا الأمر بحيث لا أتجاوز حدودي، أمر آخر، الله سبحانه وتعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. حقيقة عندما أرفع يدي بالدعاء ... لا أشعر أني محسنة الظن بالله تجلى في علاه، حقيقة لا أعلم كيف هي مشاعري، أحتاج إلى نصيحة ناصح منكم رجاء، ثم كيف لا أعجل، أشعر بأني في دوامة، كذلك بعد الإحباطات الثلاث الآنفة الذكر أصبح لدي حالة من التبلد تجاه الدعاء والتضرع لله، متضايقه جداً وحائرة ويكاد رأسي ينفجر، انصحوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنسان عموماً في هذه الحياة، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ومن حال إلى حال، فيوم يفرح ويوم يحزن، يوم يضحك ويوم يبكي، كما قال الله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى {النجم:43} ، وقال تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ {الإنشقاق:19} ، أي حالاً بعد حال وطورا إلى طور، فهذه طبيعة الحياة، وسنة الله في خلقه، تشمل هذه السنة المؤمن والكافر، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل أمر المؤمن كله خير، وفي الحديث: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فالمؤمن قد جعل الله سبحانه له منازل إيمانية، ينزلها ويتفيأ ظلالها في مراحل حياته، كمنزلة الصبر، ومنزلة الشكر، ومنزلة الإيمان بالقضاء والقدر، ومنزلة الرضا عن الله، ومنزلة احتساب الأجر، ومنازل أخرى، لكن المؤمن قد يغفل أحياناً عن هذه الأمور التي هي من مسلمات عقيدته، ومن بديهيات إيمانه، ولو تنبه لها وأزال ما علق بها وغطاها لأشرقت في نفسه، وأذهبت عن قلبه كل هم، ولما ندم على فائت، ولما خاف على مستقبل، ونضع للأخت في هذه النقاط بعضا من هذه المنازل والمقامات:
- الإيمان بالقضاء والقدر (ركن الإيمان السادس) ، فكل ما كان وما يكون وما سيكون، قد قدره الله سبحانه، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
- الرضا عن الله فيما قضى وقدر، فإن من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ولا يغير السخط من المقدور شيئاً.
- العلم بأنه سبحانه حكيم رحيم لا يقضي إلا بما فيه حكمة ومصلحة لعباده، ووفق رحمته بهم.
- العلم بأن اختيار الله سبحانه وتعالى خير للعبد من اختياره لنفسه، وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
- السعي في ما ينفع العبد، وعدم العجز أو الندم على ما فات، وفي الحديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ... ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
- تقوى الله عز وجل ففيها المخرج، وفيها الرزق، وفيها التيسير وفيها تكفير الذنوب، ودليل ذلك آيات سورة الطلاق، كما أن الدعاء سلاح المؤمن، فلا تلقين الأخت سلاحها من يدها في معترك الحياة، ويمكن للأخت أن تتواصل مع قسم الاستشارات في موقعنا (موقع الشبكة الإسلامية) فسؤالها يتعلق بقسم الاستشارات أكثر من قسم الفتوى، والله نسأل أن يوفقها ويهديها، ويصلح حالها، ويرزقها الزوج الصالح، والذرية الطيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1427(9/4905)
علاج هاجس الخوف من الإصابة بمرض فتاك
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مرض السل حيث تجمع ماء في رئتي اليسرى فخضعت لعلاج دام ثمانية أشهر حتى تشمع الجرثوم والآن لدي خوف من أن يعود المرض فيقضي على حياتي وكذلك يجعل المستقبل مظلما، أرجوكم أجيبوني وأخرجوني من حزني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بإبعاد هذه المخاوف عن نفسك فإن جميع الأحداث الحاصلة في الكون حصلت بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {التغابن: 11} . وفي الحديث: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم أيضا عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فالمرض لا يعجل موتا ولا يؤخر شفاء ولا تأثير له على المستقبل إلا بإذن الله، وقد قال الشاعر:
وكم من صحيح مات من غير علة * وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
واعلم أن الله رحيم بعباده لطيف بهم حكيم فيما يقدره لهم فاصبر على المرض فإنه تكفر به الخطايا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر الله بها من خطاياه رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فكل ما يصيب المسلم في هذه الدنيا كفارة لذنوبه إذا هو قابل ذلك بالصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]
وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
ونوصيك بمواصلة استعمال العلاج ما دام الأطباء يشيرون عليك بذلك، وبإكثار الدعاء، والإكثار من الأعمال الصالحة فهي أعظم أسباب الدواء،، فإن الدعاء يرفع البلاء؛ كما يدل له دعاء القنوت في السنن وصحيح ابن حبان وفيه: وقنا شر ما قضيت. وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي، وفي الحديث: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
فواصل البحث عن أسباب الشفاء، فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، ففي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
وعليك بالإكثار من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا؛ كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 34521.
وعليك بالاكثار من الصدقات على المحتاجين وتفطير الصائمين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك بإذن الله، وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ.
قال: البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله -رحمه الله- فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين.
وعليك بالحفاظ على أذكار الصباح والمساء، وسؤال الله العافية، فحافظ على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلات مرات مساء وصباحا. ففي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
واحرص على تكرار حسبي الله لا إله إلا هو عليه توتكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات عند المساء والصباح، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناوؤط.
وواظب على صلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث القدسي: يا ابن آدم: صل أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني. وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.
وواظب على الأدعية المأثورة في رفع البلاء والدعاء بالاسم الأعظم ودعاء يونس فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، ويشفي ويذهب البأس، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.
وفي مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. والحديث رواه الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنن الترمذي من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا.
وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(9/4906)
توبة من تسببت في تضييع فرصة الزواج لجارة لها
[السُّؤَالُ]
ـ[القصة بدأت منذ سنين وهي تخص جارتين، إحداهما توفيت رحمها الله والأخرى ما زالت على قيد الحياة (أطال الله في عمرها في طاعة الله) ، الجارة المتوفاة كانت صعبة الطباع ولم تكن تعامل جيرانها بطريقة حسنة، وكانت عندها ابنة، وفي يوم من الأيام وصلت رسالة لهذه البنت وبطريقة لا أدري وقعت هذه الرسالة في يد الجارة الأخرى التي كانت من المفروض أن تعطيها لها، ولكنها فتحتها وقرأت ما فيها وذلك بدافع الفضول، فوجدت بأنها رسالة من شاب ينوي أن يتقدم لخطبة تلك الفتاة وقد قال لها بأنه سينتظر ردها وإذا لم ترد عليه فسيفهم بأنها لا تريد الزواج منه، فبعد أن فتحت هذه الجارة الرسالة خافت من ردة فعل الجارة المتوفاة حالياً إذا أعطتها هذه الرسالة، فأبقتها عندها، وبذلك ظن الشاب بأن الفتاة لا تريد الزواج منه، ولحد الآن ما زالت هذه الفتاة لم تتزوج، السؤال الآن هو: أن هذه السيدة التي فتحت الرسالة تريد أن تعرف ما الذي يجب عليها أن تقوم به لتكفر عن هذا الذنب، إذ إنها تظن بأنها السبب في عدم زواج تلك الفتاة (بنت الجارة المتوفاة) ؟ وجزاكم الله خيراً، والرجاء الرد لأن هذه السيدة خائفة جداً من عذاب الله جراء ما قامت به منذ عدة سنين مضت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما فعلت هذه المرأة التي وقعت الرسالة في يدها منكر وحرام يجب عليها التوبة منه، حيث فتحت رسالة لا تعنيها ثم حبستها عن صاحبتها حتى ضيعت عليها فرصة يمكن ألا تتكرر بقية عمرها، فكل ذلك من الخيانة التي حرمها الله تعالى، ومن تضييع الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها.
وما دام الأمر قد وقع فإن عليها أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وتحاول أن تتلافى ما استطاعت ما أمكن لرد الأمور إلى نصابها فتعلم الشاب أن الرسالة لم تصل إلى من أرسلها إليها (خطيبته) وبإمكانه أن يرسل لها رسالة أخرى وتعلمها هي بما جرى وتطلب من الجميع السماح، هذا إذا لم يؤد إخبارها صراحة إلى منكر أكبر وأمكن تلافي الأمر, فإن كان ذلك سيؤدي إلى منكر أكبر أو زيادة في المشاكل فإن عليها أن تطلب منهما السماح إجمالاً ولا تخبرهما بتفاصيل الأمر، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17117، والفتوى رقم: 22730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(9/4907)
توبة المعترض على قدر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كان والد أحد قريباتي مريضاً واشتد المرض عليه لدرجة أنه رحمه الله قد تعب وأتعب أهله جداً، فكانت تدعو الله بما يلي: هل تمد بعمره لتزهق أرواح العائلة ومن باب إراحته أيضاً تسألكم جزاكم الله خيراً، هل هي قد وقعت في خطأ، وإذا كان ذلك خطأ فما هو الحل للتكفير عن ذنبها ولم تقصر هي بحقه سابقاً حيث إنها تعبت بدربه جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول هذه المرأة مخاطبة ربها: هل تمد بعمره -أي المريض- لتزهق أرواح العائلة، خطأ يفهم منه أن فيه نوع اعتراض على قدر الله تعالى وتسخط عليه، والمطلوب منها أن تتوب إلى الله وتستغفره ولو تصدقت بشيء مع توبتها كان حسناً، فقد جرت عادة كثير من السلف أنهم إذا تابوا تصدقوا بصدقة لأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وعن كعب بن مالك رضي الله عنه حين انخلع من ماله صدقة إلى الله ورسوله، كما في الصحيحين، ولفظ البخاري: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله.
وأما الدعاء عليه بالموت فلا يجوز لكن ينبغي أن يقال: اللهم أحيه إن كانت الحياة خيراً له وتوفه إذا كانت الوفاة خيراً له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(9/4908)
أداء الحقوق للعباد قبل الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحق العباد على العباد يوم القيامة فأنا ارتكبت معاصي في شبابي وتبت توبه نصوحا ورجعت إلى الله ولكن مايؤرقني هو حق العباد عليَّ فأنا ارتكبت معصية مع امرأة متزوجة فما حق زوجها عليَّ كذلك واعدت في شبابي فتيات كثيرة بالزواج ولكن في قرارة نفسي لا أنوي الزواج بإحداهن أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان عليه حق للعباد يجب عليه أن يؤديه إليهم في الدنيا قبل أن يموت ويقضى لهم من حسناته أو يوضع عليه من سيئاتهم، وذلك لما في حديث البخاري: من كانت له مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
وهذا يشمل الحقوق المالية كمن تعدى على مال لأخيه المسلم لما في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد.
ويشمل الحقوق المعنوية كمن تعدى على عرض أخيه أو خانه في أهله، فقد ذكر النووي في رياض الصالحين أن من شروط التوبة من الذنب المتعلقة بحق الآدمي: أن يبرأ من صاحب الحق فإن كان مالا رده إليه، وإن كان حد قذف مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحله منها.
واعلم أن خيانة الرجل في أهله من أخطر أنواع الاعتداء ولا سيما عند غياب الزوج في بعض أنواع الجهاد ومنها التكسب، فربما تسلب من لم يتحلل منه في الدنيا ويستسمحه جميع حسناته كما يدل له حديث مسلم: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله، فما ظنكم، وفي رواية:فيقال: خذ من حسناته ما شئت.
هذا وقد ذكر أهل العلم أن الزوج لا يصارح في خيانته لأن ذلك قد يغضبه وتتفاقم المشكلة, وإنما يتعين أن تحسن إليه وتترضاه وتطلب السماح في جميع الحقوق.
وأما الوعد بالزواج فأمره أخف مما سبق لأن الجمهور لا يرون وجوب الوفاء بالوعد, وإنما يرون أنه مندوب فقط، إلا أن الوعد بنية عدم الوفاء أصلا قريب من الكذب على من تعدها, والكذب محرم, ويشتد أمره إذا ترتب عليه لحوق ضرر بأحد، كأن ترد المرأة من يخطبها بسبب تواعدك معها أو ما أشبه ذلك، ثم إن كان هذا الوعد وسيلة إلى ارتكاب الحرام معها فإن الأمر يزداد حرمة، وعلى كل فالسلاح الفعال للتخلص من ذلك كله هو التوبة الصادقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(9/4909)
تكرر البلاء على الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الابتلاء يأتي عدة مرات للإنسان؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد يبتلي عبده بما شاء متى شاء، وقد يبتليه مرة واحدة وقد يبتليه عدة مرات، وهذا نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام يبتليه الله في جسده فيصبر، ويبتليه في ماله فيصبر، ويبتليه في أهله فيصبر حتى قال تعالى عنه: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {ص: 44} ولمعرفة قصة ابتلائه وصبره انظري الرابط التالي على موقعنا
http://www.islamweb.net.ga/ver2/archive/showayat
afseer.php?SwraNo=38&ayaNo=41&TafseerNo=5&ayNo=41&TafseerNo=5
وقد بينا فضل الابتلاء وكيفية الصبر في الفتويين رقم: 25165، 57255، وما أحيل إليه من فتاوى خلالهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(9/4910)
سبيل النجاة من مزالق فترة المراهقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مراهقة أبلغ من العمر 15 سنة أود أن أصرح على أن المراهقة ليست مشكلة أبدا لديَّ ففي نظري أنه ليس من المشكلة أن يعاني الشخص أو المراهق خاصة جراء هذه المرحلة. هل تفكيري منطقي؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراهق إذا ضبط نفسه وغرائزه بالضوابط الشرعية فلزم غض البصر والبعد عن مخالطة الأجانب وأهل الفساد, وشغل فكره بمعالي الأمور, فعمل برنامجا لتعلم ما يعينه من أحكام دينه، وظل يغذي إيمانه ويزكي قلبه بما في كتب الحديث والرقائق من الأحاديث المتعلقة بالغيب وبوعد الله ووعيده, وصاحب أهل الخير وتعاون معهم وعمل بدعوة الناس إلى ربهم وترغيبهم وترهيبهم وتبشيرهم وإنذارهم بما يعلم من الوعد والوعيد, وربطهم بخالقهم بتذكيرهم بنعمه وقدرته عليهم. فمن كان هكذا لم تكن مرحلة المراهقة مشكلة له كما لم تكن مشكلة لفتيان وفتيات الصحابة فكانوا يتنافسون في الخير ويتسابقون إليه فقد كان مصعب بن عمير فتى مدللا ولكنه بعد الإيمان أصبح شخصا آخر يهتم بمعالي الأمور وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم معلما لأهل المدينة فأتاها والإسلام فيها قليل وبعد سنة من قدومه دخل الإسلام أغلب البيوت.
وأما إذا فتح المراهق قلبه وعينيه وأذنيه للسموم التي يلقيها الشيطان عبر وسائله الكثيرة فأطاعه فيما يزينه للناس, وتابع أهل السوء فيما خطط لهم الشيطان, فإن هذه المرحلة تكون مشكلة بالنسبة له لأنه لا يزال غرا, فربما تمكن الفساد من قلبه فأفسد عليه دينه ودنياه وآخرته، فعلى المراهق أن يهتم بنفسه, وأن يحملها على سلوك طريق الهداية, وعلى ولي أمره أن يتعهده بالرعاية والتربية الصالحة والسعي في وقايته من النار بتعليمه وهدايته، وللمزيد في الموضوع راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 68992، 67272، 25265، 61972، 24094، 12928، 16541، 16878، 16433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(9/4911)
وضع جدول أسبوعي لمحاسبة النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الرجال نجتهد لطلب العلم الشرعي معا. هل يجوز لنا وضع جدول أسبوعي لمحاسبة النفس يقوم كل فرد بتعميره على امتداد الأسبوع وعندما نلتقي يعرض كل فرد منا رصيده الأسبوعي على المجموعة وذلك لهدف حث بعضنا البعض وتحفيز الهمم. وهل يعتبر هذا العمل من الرياء?.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم أن يعينكم على مواصلة المهمة النبيلة التي تقومون بها ويفتح عليكم فيها وهي التعاون على طلب العلم الشرعي فذلك من أفضل الأعمال؛ لاسيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهلة وقل فيه العالمون. وأما ما تقومون بها من محاسبة وترتيب لاستغلال الوقت بالمطالعة والقراءة ونحو ذلك ثم عرض كل واحد ما قام به على الآخرين فأمر حسن لأنه يدعو إلى المسابقة والمنافسة في الخيرات وهي مطلوبة, ومطلوب من المنافس إخلاص العمل لله تعالى, وإنما يكون غرضه من هذه المنافسة ضبط الوقت وشحذ الهمة والحصول على ما يريده من العلم النافع.
ونوصيكم بالعمل بالعلم فهو خير معين للحصول عليه ورسوخه والالتجاء إلى الله بصدق وإخلاص في الحصول على ذلك وتجنب المخالفات الشرعية, فالعلم يقذفه الله في قلب المرء، والمعاصي تحول بين هذا النور وبين القلب. وفقكم الله تعالى لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/4912)
طول العمر.. خير أم شر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث بمعنى إذا بلغ الرجل سبعين عاماً بدلت سيئاته حسنات، وإذا بلغ الرجل المؤمن تسعين عاماً أخبر الله ملائكته أن هذا عبدي أسير في الأرض حبسه الموت، الرجاء التوضيح؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك قصدت حديث: ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة ... وفيه ... فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسُمي أسير الله في أرضه، وشفع لأهل بيته. فهذا الحديث لفظه قريب مما تذكر، وهو حديث غير صحيح، كما بينا في الفتوى رقم: 56050.
وفي معناه نظر من حيث إن طول العمر من غير حسن العمل بلاء؛ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه عند الترمذي وغيره وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله. وصححه الألباني، قال القاري في الأسرار المرفوعة وقد ذكر حديث: شر الحياة ولا الممات. ليس هذا بحديث؛ بل هو من كلام بعض الحكماء القدماء قاله العسقلاني، وهو غير صحيح من حيث المعنى فإن من يغلب خيره شره فالموت خير له؛ كما يستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله، وويل لمن طال عمره وساء عمله. وهو مستفاد أيضاً من قوله سبحانه وتعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ.
نسأل الله تعالى لنا ولك ولجميع المسلمين والمسلمات طول العمر وحسن العمل إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/4913)
لا يحملنك خوف العجز وقلة ذات اليد على ارتكاب ما حرم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتراك الاختياري في مؤسسة الضمان الاجتماعي (الأردن) وهي مؤسسة تعنى بدفع رواتب التقاعد، علماً بأن الاشتراك إجباري لموظفي الحكومة مقابل اقتطاعات شهرية من الراتب، والأهم من ذلك أن أغلب استثمارات هذه المؤسسة ذات أوجه غير شرعية (فنادق خمس نجوم، منتجعات سياحية، ودائع في بنوك ربوية) ، مع العلم بأنني أعمل في مؤسسة خاصة ولا تملك برامج تقاعد، وانطلاقاً من خوف عجز الشيخوخة والمرض أرغب في الاشتراك الاختياري مقابل اقتطاعات شهرية أسوة بمعظم العاملين بالدولة، وإن كان الجواب بالنفي فما البديل لمواجهة أخطار العجز وفقدان الدخل حين سن التقاعد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الحال في هذه المؤسسة هو ما ذكره السائل من المعاملات والاستثمارات غير المشروعة فلا يجوز لك الاشتراك في هذا الضمان، وراجع في شروط جواز الضمان الاجتماعي الفتوى رقم: 29228.
هذا.. ولا يجوز أن يحمل خوف العجز وقلة ذات اليد المسلم على ارتكاب ما حرم الله عز وجل، فما عند الله لا يطلب بمعصيته، قال الله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا {النساء:9} ، وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. رواه ابن ماجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1427(9/4914)
توبة من أم بالناس وهو محدث
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: جزاكم الله خيراً على جهودكم التي لا توصف، وإخلاصكم في العمل.
ثانياً: أرجوكم أن تطمئنوني، هل لي أمل أن أدخل الجنة؟ لقد ارتكبت ذنباً بشعاً لا توصف بشاعته وعظمه!! وهو أنني في بداية بلوغي الحلم كان الناس يقدمونني لأكون إماماً في بعض الصلوات، وذات مرة كنت جنباً -أعوذ بالله- وقد كان سبب الجنابة العادة السرية، وتفاجأت بدخول وقت الصلاة ولم أحسب حسابي! وقبل الصلاة بدقائق طلب مني إمام المسجد أن أكون إماماً، فانحرجت جداً لأني لا أستطيع أن أبوح له بأنني جنب وعن السبب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فعلتها! وارتكبت بذلك معصية ووزراً كبيراً.. لا أعتقد أن أحد الفاسقين في الدنيا قام بالفعل القبيح الذي فعلته أنا! والأدهى من ذلك والأمرّ أنه تكرر هذا الذنب العظيم 3 مرات!! أنا الآن في حيرة من أمري، أكاد أن أجن، أحس أن الحياة تتدهور أمامي، وأنا لا أعرف كل الناس الذين صلوا خلفي لكي يعيدوا صلاتهم، لا أدري ما هي الكفارة، أرجوكم أفيدوني، فأنا أحس بمعيشة ضنك، وطعم مر لا يوصف، لا أستطيع أن أركز في شيء، لا في الصلاة ولا في الدراسة، الحمد لله ضميري حي وقوي، وندمي وصل لأقصى درجاته، لا أعرف كيف أتوب، وكيف أصلح حالي؟! أحياناً أتمنى لو أنني لم أُخلق!! أعوذ بالله، أرجوكم عجلوا في الرد عليّ، أخشى أن أموت، أرجوكم طمئنوني، هل توجد ذرة أمل؟ إنا لله وإنا إليه راجعون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبشر أخي الفاضل بتوبة الله عليك ومغفرته لذنبك ما دمت قد تبت منه فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتائب حبيب الله وهو طاهر مطهر من الذنوب، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، فلا تتعاظم ذنبا ارتكبته فليس هناك ذنب أعظم من الشرك بالله تعالى، ومع ذلك يغفره الله لمن تاب منه ويعفو عنه ويحبه ويقربه ويدخله جنته في الدنيا بإسعاده وطمأنينته وفي الآخرة في جنات عدن، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وفي الحديث الصحيح يقول الله: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي.
واعلم أخي الفاضل أن الشيطان صاحب كيد وخطوات خبيثة يستعملها مع الإنسان ومن ذلك أنه يأتي إلى المهمل فيغويه ويوقعه في المعاصي والانهماك فيها ويأتي إلى اليقظ الحذر التائب من الذنب فيحاول إيقاعه في القنوط واليأس من رحمة الله وهما من أعظم الذنوب، كما قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} ، فلا تقنط من رحمة الله بل افرح بنعمة الله عليك بالتوبة والتغلب على الشيطان ولو عدت إلى الذنب فتب فهذه صفة المتقين، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} .
والواجب عليك هو قضاء الصلاة فحسب ولا يلزمك إخبار الناس الذين صليت بهم، والأصح عند العلماء أن من صلى خلف إمام وتبين له أنه كان محدثاً فإنه لا يلزمه إعادة الصلاة، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: ولو بان إمامه بعد الاقتداء به.... ذا حدث ولو حدثا أكبر وذا (نجاسة خفية في ثوبه أو بدنه فلا تجب الإعادة على المقتدي) .
والحاصل أن الله يغفر لك ما حصل منك ما دمت قد تبت إليه ولا داعي للانزعاج الذي يؤدي بك إلى ذنب هو أعظم من الذنب الذي وقعت فيه، ولا يلزمك إعلام الناس بما فعلت، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1427(9/4915)
العاقل من يجعل دنياه مطية لآخرته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منكم جزاكم الله خيرا شرح هذا القول، قول الخليفة الرابع علي رضي الله عنه (هم السعيد آخرته وهم الشقي دنياه) و (واعجبا ممن يعمل للدينا وهو يرزق فيها بغير عمل ولا يعمل للآخرة وهو لا يرزق فيها إلا بعمل) ؟
والله يوفقكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هاتين العبارتين فيما اطلعنا عليه، وعلى فرض صحة نسبتهما للإمام علي رضي الله عنه فتحمل العبارة الأولى: (هم السعيد آخرته والشقي دنياه) على ما يظهر للناس من حال الشخص لأن الحكم بذلك في الواقع أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، قال ابن حجر في فتح الباري: وإن السعيد قد يشقى، وإن الشقي قد يسعد؛ لكن بالنسبة إلى الأعمال الظاهرة، وأما ما في علم الله تعالى فلا يتغير انتهى.
ذلك لأن للناس معايير في السعادة والشقاء، فمن كثرت عليه المصائب في الدنيا من مرض أو فقر أو موت حبيب ونحوه فقد يصفه الناس بالشقاء في الدنيا، ويكون مؤمنا محتسبا صابرا شاكرا فهو سعيد في الآخرة باعتبار حقيقة تلك الصفات وهكذا، وإلا فالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة هي الفوز بالجنة والنجاة من النار مع ما يحصل للمرء في الدنيا من سعادة النفس بقضاء الله وقدره، قال الألوسي في روح المعاني: والسعادة على ما قال الراغب: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضادها الشقاوة. وفسر في البحر الشقاوة بنكد العيش وسوئه. ثم قال: والسعادة ضدها. وفي القاموس ما يقرب من ذلك. فالشقي والسعيد هما المتصفان بما ذكر. وفسر غير واحد الأول بمن استحق النار بمقتضى الوعيد، والثاني بمن استحق الجنة بموجب الوعد. وهذا هو المتعارف بين الش رعيين. وقال المناوي في فيض القدير: واختلف أهل يعلم في الدنيا الشقي من السعيد؟ فقال قوم: نعم، لأن كل عمل أمارة على جزائه، وقال قوم: لا والحق في ذلك أنه يدرك ظنا لا جزما.
وأما العبارة الثانية وصيغتها الصحيحة هي: (واعجبا ممن يعمل للدنيا وهو يرزق فيها بغير عمل ولا يعمل للآخرة ولا يرزق فيها إلا بالعمل) فمعناها أن العجب حاصل ممن يسعى فيما ضمن له وهو الرزق في هذه الحياة؛ لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {الذاريات: 56 ـ 58} وقال سبحانه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا {هود: 6} وفي الحديث: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم. أخرجه ابن ماجه في سننه. وقال الشيخ الألباني: صحيح.
وهو لا يجد في الآخرة إلا ما عمل وقدم. قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا {آل عمران: 30} وقال سبحانه: وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {النحل: 111} وقال سبحانه: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة: 6 ـ 8}
فالمرء لا يجد في الآخرة إلا ما عمل، فكيف يعمل لدنياه التي ضمنت له، ويفرط في أخراه التي لا يجد فيها إلا ما عمل، والعاقل هو من يجعل دنياه مطية لآخرته، ولا تعارض بين العمل للدنيا والأخرى، قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا {القصص: 77} فلا تعارض بين السعي لهما معا؛ ولكن أن يترك المرء آخرته ويسعى في دنياه فحسب هذا دليل على قلة العقل وسوء التفكير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/4916)
كيف يتوب من أخطأ في حق غيره ولا يستطيع إخباره
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أخطأ في حق إنسان ويريد أن يستسمحه ويخشى أن يطالبه بمعرفة هذا الخطأ، فيكون من وراء هذا الاعتراف خراباً لبيوت مستقرة، فكيف يتوب وماذا يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم من أخطأ في حق الغير ولا يستطيع إخباره لئلا يحدث فتنة أو ما هو أعظم فالجواب عنه أنه يستغفر الله ويدعو له, وإذا استطاع أن يطلب منه مسامحته دون ذكر الخطأ بعينه فهو أولى, وإذا لم يستطع فليستغفر له, وإذا كان ذكره في مكان بسوء فليذكره فيه بخير، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 6297، والفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/4917)
يبتلي الله تعالى عباده بما يشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متزوج وله أبناء ويعمل ما حرم الله من زنى وربا وغير ذلك، ولا يحافظ على الصلوات قبل 19و 27 سنة، مات له ولدان، وأخيراً في سنة 2001 في نفس الشهر مات له ولد عمره 1سنة وصدمت سيارة ولده 6 سنوات سببت له إعاقة، وفي سنة 2004 اكتشف أن له أولادا مصابون بأمراض خطيرة، ولا يزال مستمرا في المعاصي من رشوة وغيره، فهل يعتبر هذا ابتلاء من الله أو عقابا له على ما يفعل من معصية، مع العلم بأن أبناءه يطيعون الله وهو يأمرهم بالمعصية مثل أخذ قرض ربوي، فماذا تقول للأب والأبناء؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يبتلي عباده بما شاء, ويميت من يشاء من الشباب في صغرهم إذا شاء, ولا يمكن الجزم بأن ما حصل عقوبة أو غير ذلك، بل الله أعلم بحكمته في خلقه، ولكن الأهم الآن هو السعي في هداية الشخص المنحرف, وحضه على التوبة والاستقامة على الطاعة, وبذل ما أمكن من الوسائل المشروعة في ذلك. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية لمعرفة بعض أسباب البلاء ووسائل دفعه والأسباب المعينة على التوبة والبعد عن المعاصي: 72497، 31768، 41016، 44779، 5249، 23793، 27048، 62159، 10800، 30758، 2444، 62008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/4918)
فتاوى في علاج ضعف الإيمان والفتور في أداء الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكو من ضعف الإيمان والتردد في الإقدام على أداء الطاعات خاصة صلاة الفجر علما أني أحبها وأشعر بالراحة عندما أؤديها وأخاف أن يكون مصيري إلى جهنم والعياذ بالله........ أرجو منكم النصيحة والدعاء ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولكم الهداية وتفريج الكروب، ونفيدك أنا كتبنا في هذا الموضوع فتاوى كثيرة فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 10800، 1840، 2444، 30758، 1208، 31768، 65775، 66660، 66682، 69873، 62008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/4919)
فتح أبواب الاستفادة من العلم يحتاج للشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما أتعرض لمواقف وبعدها أسمع آية أو حديثا في الراديو أو التلفزيون يناقش هذا الموقف!! وهذا ليس مصادفة؛ لأنه دائما يحدث وبدون بحث مني، رغم أنني لست ملتزما جيدا، هل هذا رضا من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم تفسيرا لما يحدث لك إلا أنا نوصيك بشكر نعمة الله عليك حيث يسر لك وسائل الاستفادة من الوحي فاحرص على الانقياد الكامل لله تعالى والإيمان بالكتاب كله والدخول في السلم كافة والإكثار من سؤال الله الهداية، وبادر بالتوبة الصادقة قبل أن يفجأك الموت، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 69465، 31768، 34585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(9/4920)
الهدي النبوي والتربوي لتخفيف حدة الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعزب أعاني منذ فترة طويلة بحالة من الشهوة خاصة عند النوم، فهل هي حالة مس شيطاني أم حالة مرض نفسية تؤثر على الجسم، فأرجو أن تجد لي طريقة لهذه المأساة وأنا دائماً أطهر نفسي عند هذه الحالة؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالمحافظة على الأذكار المأثورة عند المساء والصباح وعند النوم، وأكثر من ذكر الله بحضور القلب كلما خطرت الشهوة في قبلك، وسل الله أن يخفف ما بك ويعفك، فادع الله بالدعاء المأثور: اللهم إني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم. وبالدعاء المأثور: اللهم طهر قلبي، وحصن فرجي. رواه أحمد. وبالدعاء المأثور: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي. روه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
وابذل ما تستطيع من الوسائل في تخفيف الشهوة، فاترك الأطعمة المثيرة للشهوة، وتزوج، وأكثر من صيام النفل، وداوم على الطهارة كلما حصل ما يوجبها، واستشر الأطباء في تشخيص حالتك الصحية، واطلب منهم أن يرشدوك لمأكولات تحفظ لك صحتك ولا تهيج شهوتك، فقد يكون ما بك شبق طبيعي كثرت إثارته بسبب المثيرات الموجودة في بلاد الغرب، فاحرص على غض البصر والبعد عن مخالطة ومجالسة أهل السوء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9360، 42487، 30425، 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/4921)
النظرة الأولى للرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت أن النظرة الثانية للرجل في المرأة هي ذنب عليه، فهل النظرة الأولى هي ذنب على المرأة (المرأة المتحجبة لا تغطي وجهها أعني بذلك النقاب) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بغض البصر، فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور:30} ، ونهى سبحانه وتعالى أن نقرب الزنى، فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى {الإسراء:32} ، ولا يتأتى ذلك إلا بقطع أسبابه والطرق المفضية إليه من النظر والخضوع بالقول والتبرج والاختلاط وغيره، ولكن لو نظر المسلم إلى الأجنبية نظر فجأة عن غير قصد فلا حرج، ولكن يجب عليه صرف بصره، كما في الصحيح من حديث جرير رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: اصرف بصرك. وقال لعلي كما عند أصحاب السنن: لا تتبع النظرة النظرة, فإن لك الأولى وليست لك الثانية.
وتأثم المرأة إذا خرجت متبرجة أو متعطرة تعرض مفاتنها وزينتها تفتن الناس وتغريهم بها، فتأثم بذلك، وأما إذا لم تفعل محرماً وخرجت محتشمة بلباس شرعي ساتر فلا إثم عليها لو نظر إليها الفساق، لأنها لم تتعاط السبب في ذلك ولم تشاركهم في المعصية، وقد بينا حكم ستر الوجه والكفين وكلام أهل العلم في ذلك, وحكم النظر وخطره وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4470، 5776، 19561، 7216.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/4922)
غاية المرء وأفضل عمل يؤديه ويكون نفعه متعديا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل رسالة للحياة يضعها المسلم لنفسه ليعمل وفقها بالحياة ويكون نفعها متعديا؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمهمة الإنسان في هذه الحياة وغايته هي عبادة ربه سبحانه وتعالى وإقامة العبودية له كما بينا في الفتويين رقم: 7565، ورقم: 56985.
وأما سؤالك عن أفضل رسالة أو عمل يؤديه المرء فينفعه وينفع غيره، فالجواب عليه هو أن ذلك يختلف من شخص إلى آخر ويترتب على قدراته وما يستطيعه، يؤخذ ذلك من اختلاف إجاباته صلى الله عليه وسلم للسائلين الذين سألوه أن يدلهم على أفضل عمل فأجاب كل سائل بغير ما أجاب به السائل الآخر، فقال العلماء ذلك لاختلاف أحوال السائلين، وجميع الأعمال التي تحتاجها الأمة وتنفعها في دنياها أو أخراها أعمال حسنة جليلة يثاب المرء على إقامتها إن أخلص فيها النية لله عز وجل، ولا شك أن من أفضلها طلب العلم وتعليمه للناس لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وقوله: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه، ولكن من لم تكن له قدرة وفهم فينبغي أن يتجه إلى ما يستطيع أن يتقنه وينفعه وينفع به غيره من الأعمال سواء أكان تجارة أو صناعة أوطبا أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/4923)
من وفق للتوبة فقد وفق لخير كثير
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي صعبة وليست سهلة. وإن لم يتداركني ربي برحمته آتيه وأهلك، أنا مبتلى بمعصية منذ سنين عدة أكثر من 14 سنة وعمري فقط 29 سنة تحطمت آمالي وطموحاتي وضعفت شخصيتي إلى أقصى حد أورثتني هذه المعصية ذلا ومهانا وكم عزمت وتبت وكل مرة أرتكب نفس المعصية فتتحطم نفسي أكثر فأكثر رغم أنني أحافظ على صلواتي ما أمكن وأطالع بعض الكتب لعلمائنا الأفاضل فكرت كثيرا وكثيرا وحزنت كثيرا وكثيرا ويعلم الله كم أعاني فما وجدت إلا حلا واحدا هو أن أغادر مدينتي إلى مدينة أخرى (حقيقة أجد راحة عند سفري وأحس بانتعاش حياتي من جديد..) إلا أنني أعمل في هذه المدينة وأخشى أن أغامر بعملي ولا أجد أي عمل آخر خصوصا في هذه الظروف الصعبة هنا في المغرب، من فضلكم ساعدوني لكي أجد حلا في أقرب وقت إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يمن عليك بما يزيل همك ويذهب غمك إنه رؤوف رحيم.
وننبهك أيها السائل الكريم إلى أنك لم تبين لنا ما نوع المعصية التي وقعت فيها ولكنا نبشرك أن جميع الذنوب مهما عظمت وكبرت فرحمة الله أكبر منها ومغفرته أوسع: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} ونبشرك أيضا أن من نعمة الله عليك شعورك بحرارة المعصية وذلها وإنابتك إلى ربك، فمن وفقه الله للتوبة فقد وفق لخير كثير: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 118} فاحمد الله سبحانه وتعالى على ما وفقك إليه من قراءة الكتب النافعة والمحافظة على الصلوات، ولكن انظر إلى خشوعك في الصلاة ومدى إقامتك لها على الوجه المطلوب شرعا، فمن أقامها حقا نهته عن الفحشاء والمنكر كما قال المولى جل وعلا: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت: 45} فتب إلى ربك واستغفره من ذنبك وأبشر بتوبته إن صدقت توبتك ولا تبق في نفسك شكا ولا ريبا من أن الله لم يغفر لك فذلك من وساوس الشيطان وتيئيسه لابن آدم من روح الله: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} وانظر شروط التوبة الصادقة وكيفيتها وأثرها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1909، 2527، 5091.
وننصحك بالبحث عن الرفقة الصالحة التي تذكرك بالله وتعينك على طاعته وتحذرك من معصيته وإياك وأصحاب السوء ممن اتبع هواه وكان أمره فرطا، فجليس السوء كنافخ الكير إما أن يتطاير عليك من شرره فيحرقك أو يؤذيك بنتن ريحه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بينا ذلك في الفتويين رقم: 1208، ورقم: 9163.
وإذا كانت مدينتك مدينة صالحة تجد بها من يعينك على الطاعة وتستطيع تغيير حالك بها فلا حرج عليك أن تبقى فيها وتحافظ على عملك إن لم يكن محرما أو يؤدي إلى محرم، وأما إن كانت سيئة يغلب شرها خيرها أو لا تستطيع تغيير حالك إلا إذا خرجت منها فخروجك وانتقالك إلى غيرها أولى، ولا تخش انقطاع رزقك وضياع عملك فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2 ـ 3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/4924)
يبتلي الله العبد ليرى صبره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة جامعية عمري 23 سنة غير متزوجة، ولا أعمل وأرى أن حالي موقوف فأنا بلا زواج ولا عمل، أريد أن اسأل عن حل لهذه المشكلة مع أني اقرأ القرآن وأصلي، لكني كنت أتحدث مع شاب كان زميلي وتحولت العلاقة بيننا إلى صداقة لكن سرعان ما انتهت العلاقة بيننا وأشعر بأن ذلك الشاب هو السبب في وقف حالي، وأنا الآن نادمة جداً وأريد حلا لمشكلتي فأنا أرغب بالزواج والعمل إن شاء الله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنا وعن الأخت السائلة كل كرب، وأن يقضي حاجاتنا إنه جواد كريم.
هذا ونوصيها بأن تشكر نعمة الله عز وجل عليها إذ هداها للإيمان، وأن تصبر على الابتلاء والامتحان، فإن الله عز وجل يبتلي العبد ليرى صبره، وربما كان الابتلاء بالإصابة بمكروه، وربما كان بفوات محبوب، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما أعطي أحد عطاء خيراً له وأوسع من الصبر. جزء من حديث رواه البخاري.
ولتعلم الأخت الكريمة أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد دلا على أن الذنوب سبب من أسباب نزول المصائب بالعبد وحرمانه من الرزق، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وفي مسند أبي يعلى عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أجل أن يعود بعد عفوه. وروى ابن ماجه وصححه السيوطي أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليحرم من الرزق بالذنب يصيبه.
وعليه.. فما ذكرته من الحديث مع الشاب، وما تبع ذلك من تحول العلاقة بينكما إلى صداقة، لا نستبعد أن يكون هو سبب تأخر الزواج والعمل، فتوبي إلى الله وأنيبي إليه وثقي بعاجل فرجه، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1427(9/4925)
وقوع البلاء على المؤمن بسبب بعض الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، سيدي أنا فتاة قد أنعم علي ربي بإرتداء الحجاب وأنا جزائرية متعلمه تعليما فرنسيا، وأعد الله على عدم العودة لارتكاب الخطيئة، ولكن لظروف السفر وتواجدي وحدي بعيداً عن أهلي ولظروف العمل ولصعوبته ولضغوطات زميل لي أو بالأحرى سائقي أسست علاقة معه وارتكبت الخطيئة معه، فهل يغفر لي ربي، وأنا أعلم ولا شك في ذلك هل يغفر لي، وقد طلب مني القيام بمهمة عمل وذلك في التحقيق في ملفات المؤسسة ووجدت تجاوزات وقمت بتقديم شكوى أمام العدالة ولكن فوجئت بعد ذلك أن المدير العام وبعد موافقته أن ألزمني بدفع كل مستحقات مهمة العمل وهذا لا يجيزه الشرع ولا القانون ولم أجد من يتصدى للظلم الذي أراده بي المدير العام ويقولون إنه هذا ابتلاء من عند الله وأنت ذهبت لخدمة وطنك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنا كبيرة من الكبائر العظام، وقد سماها الباري فاحشة، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقد قرن الكلام عن الزنا بالكلام عن الشرك وقتل النفس، وذلك في الحديث عن صفات عباد الرحمن، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
فأخلصي في توبتك إلى مولاك واندمي على ما مضى، ومن تاب تاب الله عليه، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:104} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} .
واعلمي أن الذي يحفظ المؤمن من الوقوع في الحرام هو أن يسد على الشيطان مجاريه، ويقطع عليه حبائله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21} ، وتجنبي الخلوة مع السائق وغيره، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
ثم إنه ليس من المستبعد أن يكون سبب ما وقع عليك من الظلم هو ما كنت قد وقعت فيه من المعصية، فإن المؤمن يعاقب بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والسيوطي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي. ونسأل الله أن يعصمنا وإياك من كيد الشيطان، ويمن علينا بالتوبة والمغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1427(9/4926)
تأديب النفس ماليا لحملها على ترك المخالفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم حول جواز الصوم كعقوبة للنفس، حيث أني أقوم بصوم يوم إذا فرطت في سنة من السنن الرواتب، أو إذا قمت بالحلف وأنا في حالة غضب (حتى لو وفيت) ، وكنت قد سمعت قصة عن أحد التابعين الذي كان يتصدق بدرهم عندما يقوم بالنميمة، حتى تخلص منها، فأعجبتني الفكرة، وقلت أستخدم الصوم للتخلص من تهاوني في السنن، ومن حلفي عند الغضب (بما لا أقوم بالحلف عليه لو كنت غير غضبان) ، وقيل لي إن تصرفي هذا قد يكون بدعة، فهل هو كذلك، وأنه غير جائز، وماذا تقترحون علينا لتربية النفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن يعاقب الإنسان نفسه معاقبة مالية لارتكابه معصية من المعاصي، كما فعل كعب بن ما لك رضي الله عنه حين انخلع من ماله صدقة إلى الله ورسوله، كما في الصحيحين ولفظ البخاري: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك فهو خير لك.
كما أنه لا مانع أن يعاقب نفسه عند ارتكاب الذنب أو ما لا يليق القيام به بالصوم لله تعالى، ومنع نفسه مما تشتهيه من شهوة البطن والفرج فذلك سبيل للتخلص من الوقوع في الحرام والتأديب لها، ولا يكون ذلك بدعة مذمومة.
ولا تلتفت إلى شعورك بأنك ما تركت الذنوب إلا خوفاً من الصدقة، فإن تركك للذنوب خير من ارتكابها على كل حال، ثم إن الذي حملك على تأديب نفسك -بما ذكر- هو الخوف من الوقوع في الذنوب، وما حملك على الخوف من الوقوع فيها إلا خوف الله، فالدافع الحقيقي في الكل هو خوف الله، فلا تلتفت إلى وساوس الشيطان، ومداخله الخبيثة، وامض فيما أنت فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(9/4927)
السبيل إلى تعظيم الله تعالى حق التعظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف للمسلم أن يعظم الله حق التعظيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من أبرز سمات المتقين تعظيم الله تعالى وتعظيم شعائر الله، كما قال سبحانه وتعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30} وفي المقابل حرم الاستخفاف والاستهزاء بآيات الله تعالى، وعد ذلك كفرا، فقال سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 65 ـ 66}
أما عن سبيل الوصول إلى تعظيم الله تعالى حق التعظيم فيجمعه قول النبي صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. رواه أحمد والترمذي.
فإن تعظيم الله حقا يكمن في تعظيم أمره ونهيه، وتعظيم الأمر والنهي يقتضي حفظ الجوارح عما يخالفه، فبقدر تعظيم الأمر والنهي يكون تعظيم الآمر والناهي سبحانه وتعالى وجل وعلا.
وكذا التفكر والتدبر فيما وهب الله من نعم لا تحصى بغير استحقاق لها أو بذل ما يكافئها من الثمن, بل بمحض فضل الله ورحمته، ومما يفيد في هذا الباب كثيرا ما ألف أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني، وهو كتاب (العظمة) ففيه خير كثير في هذا الباب، وكذا كتاب الشيخ عائض القرني بنفس عنوان الكتاب السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(9/4928)
هل يلزم الإقرار بالذنب إذا افتضح أمره
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي وأرجو منكم سرعة الإجابة
أنا شاب أعيش في كنف عائلة متدينة كبرنا على تعلم الأخلاق الحميدة والصلاة والحمد لله على ذلك، أبي ميسور الحال ويملك شركة ومن الطبيعي العمل معه ومساعدته في عمله. لكن من طبيعة عملي في الشركة كان هناك نوع من الاختلاط مع فتاة والخلوة مع إحدى الموظفات وأصبحت هناك مودة بيني وبينها حتى وصل الأمر بدايته إلى ملاطفة ومزاح إلى أمور أخرى لكن وبفضل الله لم يحدث بيني وبينها الاتصال المباشر (أي مجرد قبلات والخ) وعندما شعرت بما قمت به وتبت إلى الله عز وجل حيث كان هذا أول خطأ من هذا النوع أقع به.
تكلمت مع الفتاة وطلبت قطع العلاقة وبينت لها أن هذا شيئ خطأ ولا يجب أن يكون واعتذرت منها مع العلم أنها كانت ما تفعل معي ليس لأني ابن صاحب العمل وإنما بمحض إرادتها.
بعد أسبوع أتفاجأ بأن تلك الفتاة بسبب مشاكل في العمل (تقصيرها) تدعي بأنني السبب لما حصل بيننا من علاقة وأخبرت والدتي بذلك لكن أنا أنكرت تلك العلاقة مما أدى إلى تصديقي وتكذيبها بسبب إهمالها في العمل وتم إنهاء خدماتها.
سؤالي يرعاكم الله ماذا يترتب علي حيال تلك المعصية وخصوصا إنكاري للعلاقة التي بيننا وهل أعتبر نفسي ممن وقع ظلمه على تلك الفتاة (هل أعتبر نفسي ظالما)
أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت إذ تبت إلى الله تعالى مما ارتكبته، ونسأل الله عز وجل لنا ولك الثبات والاستقامة، وليس عليك أكثر من التوبة فيما يتعلق بتلك العلاقة ما دامت المرأة غير مرغمة، ولا يلزمك الاعتراف ولا الإقرار بها بل المطلوب في مثل هذه الحالات هو الستر وعدم النشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1427(9/4929)
ثواب تحمل الشخص للعار الاجتماعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤجر المؤمن في تعرضه للعار الاجتماعي جراء كبيرة ارتكبها أحد المقربين إليه مثل أخوه أو أخته (الزنا مثلا) ؟ شكر الله لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تعرض المرء لما يؤذيه في ماله أو بدنه أو عرضه فيه حط للخطيئات أو رفع للدرجات، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل عنه حتى الشوكة يشاكها ,. وجاءت كلمة مصيبة هنا نكرة في سياق النفي لتعم كل مصيبة تلم بالمؤمن وإن صغرت.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به سيئاته.
ويقول صلى الله عليه وسلم: يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد البلاء، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يعيش على الأرض ما عليه خطيئة. رواه أحمد وصححه الألباني.
وما يحصل للمرء من اتهام في عرضه أو عرض من يعيَّر بهم نوع من الابتلاء الذي يؤجر عليه المؤمن إذا احتسب وحسنت نيته، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتلي في عرضه الطاهر البريء حينما تكلم المنافقون في أمنا عائشة رضي الله عنها حتى برأها الله من فوق سبع سموات.
وقد دل على هذا مباشرة الحديث الطويل المروي في الصحيحين وفي مسند أحمد واللفظ له عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، قال: فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، قال: ثم عاد إلى ثديها يمصه. قال أبو هريرة رضي الله عنه: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي علي صنيع الصبي ووضعه أصبعه في فمه يمصها. ثم مر بأمة تضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها. قال: فترك ثديها وأقبل على أمه فقال: اللهم اجعلني مثلها يا أماه. قال: فذلك حين تراجعا الحديث، فقال: حَلْقَى، مر الراكب ذو الشارة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله, ومر بهذه الأمة، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها. فقال: يا أماه إن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة, وإن هذه الأمة يقولون: زنت ولم تزن, وسرقت ولم تسرق, وهي تقول: حسبي الله.
وهذا الحديث وأشباهه وإن كان نصا في ثواب الصابر المظلوم إلا أن عموم نصوص أخرى تدل على أن للصبر عموما ثواب ولو كان المبتلى عاصيا إذا تاب من معصيته وأقلع عنها، ومنها ما ذكرناه في صدر الجواب. وعلى كلٍ؛ فقد ذكرت في السؤال أن الأمر لم يصدر منك وإنما قد يصدر من أحد أقاربك فيكون لك الأجر على تحمل آلام المصيبة على كل حال.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13270، 19810، 25874، 26220، 26333.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(9/4930)
مؤلفات ومواقع تحدثت عن التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى (عناوين) الكتب والكتيبات والمحاضرات والرسائل والأبحاث الموضحة للتوبة؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة حقيقة التوبة وشروطها انظر الفتوى رقم: 27710، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها، وأما الكتب التي تحدثت عن التوبة والترغيب فيها فمن أحسنها كتب الإمام ابن القيم رحمه الله ككتاب مدارج السالكين، وكتاب طريق الهجرتين، وكتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وغيرها من كتبه القيمة، وكذا جميع كتب الرقائق لغيره من العلماء، ومن المواقع التي ينصح بمراجعتها على شبكة الانترنت المواقع التالية:طريق التوبة: http://www.twbh.com
عودة ودعوة: http://www.awda.dawa.com
ذكرى: http://www.thekra.org
وإذا دخلت على موقع الباحث فستجد ضالتك وتنتقي من المواقع الإسلامية ما تريد، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1427(9/4931)
زنا القلب.. معناه.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى زنا القلب، وما جزاؤه عند الله، وكيف يمكنني التخلص من تلك الوساوس في اليقظة والنوم، مع العلم بأني أصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أيتها الأخت السائلة أن التفكير في محاسن رجل أجنبي من المحرمات التي يحرم على المسلمة فعله، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه مسلم.
فتمني القلب وهواه فيما يحرم حظ من الزنى المحرم وإن كان لا يوجب الحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: العين تزني، والقلب يزني، فزنا العين النظر، وزنا القلب التمني، والفرج يصدق ما هنالك أو يكذبه. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
أما إذا كان تفكر القلب في الزوج فلا حرج فيه لأنه أبيح أصلاً ملامسته والنظر إلى بدنه، ولا شك أن التفكير أخف من ذلك. وعلى هذا.... فإن كان تفكير السائلة مقتصراً على أعضاء زوجها ومحاسنه فلا حرج عليها في ذلك، وإن كان ذلك في أجنبي فلا يجوز، وللتعرف على علاج هذه الوساوس الشيطانية راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21807، 70444، 15558، 15699، 55992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(9/4932)
البلاء فيه من الحكم ما لا يقدر قدره إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أنا اسمي سهام أبلغ من العمر 23 عاماً، من قبل أسبوع أعاني من شيء لحد الآن لم أعرف ما سببه فقبل 7 أيام وأنا أعاني دون أن أجد حلا لمشكلتي ولا أحد يساعدني، ففي يوم قبل 6 أيام وأنا نائمة فزعت من نومي وأحسست باختناق شديد وخفقان في القلب قمت بعده مفزعة لأحس بأنني لو نمت ثانية فإنني سأموت استمريت على هذا الحال لحد الساعة وأنا أعيش في جحيم وعذاب بحيث أحس بأنني في هذه اللحظة سأموت وأن حياتي بدون معنى وكلما خرجت من البيت وأرى الناس يضحكون ويستمتعون بحياتهم أتعذب أو أقول ما يفعلونه حرام، وفي بعض الأحيان أحس بأن رأسي يؤلمني لدرجة أنه يثقل علي وأحس بارتجاف في جسمي وأقول إنه الموت أتى ليأخذني، المشكلة لا أحد من عائلتي أراد أن يفهمني وأنا أحتاج للمساعدة، أرجوكم أحس بألم نفسي كثيراً أحس فيه بالوحدة وأنه لا مستقبل لدي، في وقت صديقاتي منهن من تزوج ومنهن من يعمل وأقول إن حياتي سوف تتوقف هنا لأنني لا أرى أي بوادر للزواج أو العمل، أرجو منكم الحل بسرعة لأنني فعلاً أحس أنني سأفقد عقلي خصوصاً وأن المسألة تزداد عندي يوماً بعد يوم حتى أنني أحياناً أريد أن أنام وعندما توقظني أمي فإنني أنزعج لأنني أحس أنني أريد أن أنام فقط كذلك ذهبت للمستشفى ليلاً وقلت سوف أموت في المستشفى مثلما قرأت في رسالة أخ قد بعث إليكم، أرجو منكم أن تساعدوني هل هذا وسواس أم أنا أعيش حقيقة، فأنا لم أعد استطيع الحركة وأحس باسترخاء كبير وأنه لم تعد لدي الرغبة لفعل أي شيء لأنني أقول إنه في أي لحظة سأموت؟ وأشكركم وأشكر إدارة الموقع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرفع ما ألم بك، ولتعلمي أن البلاء وراءه من الحكم ما لا يقدر قدره إلا الله، ولو كان البلاء شراً محضاً لما كان أشد الناس بلاء الأنبياء، ففي الحديث: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل، فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة. أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني. وراجعي لمعرفة المزيد عن البلاء وفوائده وحكمه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22942، 25608، 27048، 27585، 44779، 69389.
وإننا لننصحك في مثل حالتك هذه أن تراجعي طبيبة موثوقة أولاً، فإذا تبين لك أن ما بك ليس مرضا عضوياً، فعليك بالرقية الشرعية، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 4310 والفتوى رقم: 4678.
ولمعرفة ما يقال عند الفزع من النوم راجعي الفتوى رقم: 18705.
ولمعرفة الأذكار المسنونة عند النوم راجعي الفتوى رقم: 61257.
ولعل الذي يتسبب في خنقك في المنام هو الجاثوم (الكابوس) ، وقد بينا علاج ذلك في الفتوى رقم: 40025.
أما عن تأخر سنك في الزواج فقد يكون بسبب سحر أو حسد وقد يكون لغير ذلك من الأسباب، وراجعي في هذه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13597، 32981، 6603.
وإننا لنوصيك كذلك بحسن التوكل على الله تعالى وكثرة ذكره والمحافظة على الصلوات في أوقاتها والتخلص من الوساوس التي يدخلها عليك الشيطان ليفسد بها حياتك، ولمعرفة علاج الوسواس راجعي في ذلك الفتوى رقم: 3086، والفتوى رقم: 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(9/4933)
كيف يتوب المسرف على نفسه ويرجع إلى ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أعمل غواصا مع الأجانب ارتكبت معظم الكبائر وفي خلال ذلك تعرفت على فتاة أجنبية وتطورت علاقتنا وأصبحت حاملا وبعد شهرين من الحمل تزوجنا وانتقلت للعيش معها في بلادها وعندما انتقلت أحسست بمدى بعدي عن الله وأريد التقرب والمغفرة والتوبة لأنني الآن أكره ابنتي منها بشكل كبير رغم أنها بنت 3 شهور إلا أنني أكرهها وأضربها أحيانا أسأل الآتي:
1- هل أن ابنتي بنت زنا؟
2- زوجتي ليست لها دين ولكن أنا أحاول معها كي تصبح مسلمة؟
3- كيف أصحح وضعي الحالي وأبدأ التوبة الصحيحة؟
4- بعض الأحيان أقرر أن أصلي وسوف تكون بداية التوبة ولكن في الصلاة أنسى كم ركعة ركعتها وباقي كم أنسى بعض الأحيان أن أصلي ماذا أفعل؟
5- أرجو الرد السريع لما أنا فيه من ضيق وكره لنفسي.
6- بعض الأحيان أتخيل أن الحل هوأن أقتل هذه البنت بجملة ما فعلته سابقا وأنفصل عن زوجتي وأبدأ المغفرة والتوبة لوحدي؟
7- أرجو أن تعلن رسالتي هذه علنا حتى يستفيد الآخرون لما فيها من بلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم الأخ السائل أن ما يوسوس به الشيطان إليه من أن الحل هو قتل هذه البنت البريئة إنما هو إغواء من الشيطان ليوقعه في كبيرة من الكبائر بعد الشرك بالله تعالى، فليتق الله وليحذر من استدراج الشيطان، ثم ليعلم بعد ذلك أن الإسلام حرم على المسلم أن يتزوج بكافرة غير كتابية، ممن ليس لها دين، ودليل التحريم قول الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ {البقرة: 221} وعليه؛ فزواج الأخ السائل بهذه المرأة غير صحيح، لكن ينسب إليه الولد الناتج من هذا الزواج غير المشروع إذا كان يعتقد صحته. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 19095
وأما البنت التي جاءت نتيجة للسفاح والزنا فهذه لا تنسب إلى الأب من الزنا بل تنسب إلى الأم، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 12263.
أما سؤاله كيف يصحح وضعه ويبدأ بالتوبة الصحيحة.. فنحن نضع له علامات ومنارات على الطريق نرجو أن تساعده في تلمس طريق التوبة فنقول:
- اعلم أن الله سبحانه يغفر ذنوب من تاب مهما كبرت وعظمت، وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره.
- على السائل المبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل قبل أن يفاجئه الموت وهو على هذه الحال، فيندم حين لا ينفع الندم، وعليه أن يعلم أن الاستمرار في هذا الطريق تدمير للحياة وقضاء على المستقبل، فإنه طريق مظلم يؤدي إلى سخط الله عز وجل وعقابه في الآخرة، وإلى الحرمان من السعادة والاطمئنان في الدنيا.
- ومما يعين على ذلك تغيير البيئة والمكان والانتقال إلى بيئة صالحة، واتخاذ رفقة صالحة تدله على الخير وتعينه عليه، ولا يخفى أثر الرفقة على الفرد والمجتمع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، أو من يصاحب. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 10747.
أما سؤال الأخ عن نسيان الصلاة، فهذا سببه البيئة التي يعيش فيها التي لا تساعده على الطاعة، ولا تذكره بالصلاة، وعلى العموم فنسيان الصلاة عذر، ومن نسي صلاة أو نام عنها فعليه أن يؤديها حين يذكرها.
وأما نسيان عدد الركعات؟ فهذا سببه الشيطان كما ورد بذلك الحديث وسبق بيانه في الفتوى رقم: 30604، وفيها أن من نسي عدد الركعات التي صلى فعليه أن يبن على أقل ما شك فيه، ثم يكمل الصلاة ويسجد سجدتين قبل السلام.
أخيرا نقول: يجب على الأخ أن يؤدي الصلاة المفروضة على الوجه الصحيح، ولا يجوز له تركها ولا التهاون في أدائها، كما يجب عليه أن يفارق هذه المرأة التي لا يربطه بها رابط شرعي، ويتوب إلى الله توبة نصوحا.
نسأل الله تعالى أن يوفقه، ويأخذ بيده، ويلهمه رشده، ويقيه شر نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1427(9/4934)
حكم قراءة قصص التائبات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقرأ قصصا خاصة بالفتيات عن ندمهن عن الحب في كتب إسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في قراءة مثل تلك القصص إن كان ذلك للاتعاظ بها أو معرفة أسبابها لتحذير بنات المسلمين منها ونحو ذلك من المقاصد الحسنة، وأما إن كانت قراءتها للاستمتاع بها أو لمجرد مطالعتها فلا ينبغي ذلك لما قد تؤدي إليه من تهييج الغرائز وتحريك الشهوات فتمنع حينئذ سداً للذريعة، فقد أمر سبحانه بعدم قربان الزنى أي بترك تعاطي الأسباب المفضية إليه من نظر ولمس وخلوة وفكر ونحوه، إذن فالعبرة هنا بمقصد القارئ ومدى انضباط المكتوب، وبُعده عن البذاءة والفحش ووصف ما لا ينبغي وصفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1427(9/4935)
من عزم على معصية وعجز عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا هممت بمعصية ومنعني منها عدم تمكني منها لأي مانع فهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عزم على فعل معصية ولم يمنعه من فعلها إلا العجز عنها فإنه تكتب عليه سيئة واحدة، فإذا فعلها كتبت عليه سيئتان، سيئة العزم والتصميم على الفعل، وسيئة الفعل نفسه إن فعل.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة، فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية، قال النووي: وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر؛ كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ...... الآية، وقوله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ... وغير ذلك، وقال ابن الجوزي: إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ، فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب، قال: والدليل على التفريق بين الهم والعزم أن من كان في الصلاة فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع، فإن صمم على قطعها بطلت. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1427(9/4936)
كيف تستجلب محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يا فضيلة الشيخ هو أني أريد أن يكون الله ورسوله أحب إلي ممن سواهما أي أحب إلي من نفسي ومالي وأهلي، لكن لا اعرف كيف أطبق هذا القول، الرجاء منكم أن تعطوني أمثلة على ذلك، كيف يكون التطبيق؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سعادة المرء أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما. وهذه الخصلة مع خصلتين أخريين إذا كن في أحد وجد بهن حلاوة الإيمان؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.
ولكي يحقق المرء هذه الغاية السامية فعليه بالأمور التالية:
1. ... أن يتيقن بأن الله تعالى هو الذي أوجده من العدم، وأسبغ عليه الظاهر والباطن من النعم، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:18] .
2. ... أن يتفكر في ملكوت السموات والأرض، وفي عظيم مخلوقاته التي تدل على عظمة خالقها، وبديع صنعه فيها.
3. ... أن يتدبر معاني أسمائه وصفاته التي تدل على رحمته وإحسانه، وعلمه وحلمه، ولطفه بعباده. فإن تدبر هذه الصفات يورث القلب محبة وإجلالا لله سبحانه.
4. ... أن يعلم بأن ما في هذه الدنيا من محبوب من نفس أو أهل أو مال، إنما هو من إكرام المنعم العظيم سبحانه وتعالى. فمحبته أولى بأن تقدم على محبة كل محبوب.
5. ... أن يتيقن بأنه لا يكمل الإيمان إلا بتقديم محبته سبحانه وتعالى على محبة كل شيء في هذه الدنيا.
6. ... أن يدعوالله تعالى أن يرزقه حبه، وأن يجعل حبه له مقدما على حب كل شيء.
7. أن يعلم أن محبة الله لا تتم إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ {آل عمران: 31} ومن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نقل إلينا هذا الخير وطالع سيرته وجهاده وتضحيته أحبه حبا يفوق حبه لنفسه وولده ووالديه وكل شيء.
ونسأل الله تعالى أن يحقق مبتغاك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1427(9/4937)
سبيل الخلاص من تبعات الزنا الأصغر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وقعت في الزنا من وراء لعق النهدين والقبلات؟ وما حكم الزنا الأصغر؟ أريد أن أرتاح؟ أجيبوني أعانكم الله؟ لا أريد جوابا سابقا:- (هل أنا زانٍ ويقام الحد عليَّ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قمت به من أعمال هو من الأمور المحرمة شرعا، والزنى الأصغر لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر بعدم قربان الزنى فقال: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الأسرى: 32} وعدم قربانه إنما يكون بترك مقدماته من لمس وتقبيل ونحوه كذا كل ما يؤدي إليه من خلوة وحديث ونظر.
وما فعلته من أعمال محرمة لا يوجب حدا لأنه ليس فاحشة لعدم الإيلاج ولكنه خطير جدا، فقد روى الطبراني والبيهقي من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات، وسبيل الخلاص من ذلك التوبة منه وكثرة الاستغفار وعمل الصالحات من صلاة وصيام وصدقة قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {طه: 114} وقد ذكر الطبري في سبب نزولها قال: حدثنا هناد بن السري قال حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا قال عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها فأما هذا فاقض في ما شئت، فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك، قال: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه فلما أتاه قرأ عليه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {طه: 114} فقال رجل من القوم: هذا له يارسول الله خاصة؟ قال: بل للناس كافة.
فليس عليك حد فيما فعلت ولكن عليك توبة وندم واستغفار، واستتر بستر الله ولا تعد إلى مثل ذلك الصنيع، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5779 // 20064 // 30158، فقد بينا خلالها ما يجب على من فعل مثل ذلك، ومراجعتها سهلة ميسورة لا مشقة فيها ولا غموض، إنما تضغط بزر الماوس على رقم الفتوى المحال إليه وستظهر أمامك على الشاشة ثم تعمل تراجعا عنها إن شئت وستعود إلى الفتوى الأصلية وهكذا، نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(9/4938)
الأحوال التي فيها يؤاخذ المرء بحديث النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ كل يوم القرآن قبل الفجر لكن مشكلتي أنه تراودني أفكار شيطانية عند القراءة هل أذنب في ذلك. ما العمل?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به ونرشدك إليه هو أن تستمر في قراءة القرآن في هذا الوقت المبارك، وتجاهد نفسك على الانصراف عما يخطر ببالك حالة القراءة من وساوس شيطانية في أي مجال من المجالات سواء كان ذلك في شك في العقيدة ينتابك عند قراءة بعض الآيات، أو الشك في شيء منها أو في ممارسة حرام أو غير ذلك فإن هذه الوسوسة من الشيطان ليصرفك عن كتاب ربك، واعلم أن الله لا يؤاخذك على ما يدور في قلبك ما لم تعزم وتعقد قلبك عليه، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة، وهناك تفصيل جميل لما يجري في النفس، ومتى يؤاخذ عليه الإنسان، ومتى لا يؤاخذ، ذكره السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر ننقله بطوله للفائدة وهذا نصه: من عزم على المعصية ولم يفعلها أو لم يتلفظ بها لا يأثم لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
ووقع في فتاوى قاضي القضاة تقي الدين بن رزين أن الإنسان إذا عزم على معصية فإن كان قد فعلها ولم يتب منها فهو مؤاخذ بهذا العزم لأنه إصرار، وقد تكلم السبكي في الحلبيات على ذلك كلاما مبسوطا أحسن فيه جدا فقال: الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب: الأولى: الهاجس: وهو ما يلقى فيها، ثم جريانه فيها وهو الخاطر، ثم حديث النفس: وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا؟ ثم الهم: وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم: وهو قوة ذلك القصد والجزم به، فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعا لأنه ليس من فعله ; وإنما هو شيء ورد عليه، لا قدرة له ولا صنع، والخاطر الذي بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس أول وروده، ولكنه هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح، وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى. وهذه المراتب الثلاثة أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر. أما الأول فظاهر، وأما الثاني والثالث فلعدم القصد، وأما الهم فقد بين الحديث الصحيح أن الهم بالحسنة، يكتب حسنة، والهم بالسيئة لا يكتب سيئة، وينتظر فإن تركها لله كتبت حسنة، وإن فعلها كتبت سيئة واحدة، والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده: وهو معنى قوله واحدة، وأن الهم مرفوع. ومن هذا يعلم أن قوله في حديث النفس {ما لم يتكلم أو يعمل} ليس له مفهوم، حتى يقال: إنها إذا تكلمت أو عملت يكتب عليه حديث النفس; لأنه إذا كان الهم لا يكتب، فحديث النفس أولى، هذا كلامه في الحلبيات. وقد خالفه في شرح المنهاج فقال: إنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق قوله - صلى الله عليه وسلم -: {أو تعمل} ولم يقل أو تعمله، قال: فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية، وإن كان المشي في نفسه مباحا، لكن لانضمام قصد الحرام إليه، فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده، أما إذا اجتمعا فإن مع الهم عملا لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى إطلاق {أو تعمل} المؤاخذة به. قال: فاشدد بهذه الفائدة يديك، واتخذها أصلا يعود نفعه عليك. وقال ولده في منع الموانع: هنا دقيقة نبهنا عليها في جمع الجوامع وهي: أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقا بل بشرط عدم التكلم والعمل، وحتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله، ولا يكون همه مغفورا وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل، كما هو ظاهر الحديث، ثم حكى كلام أبيه الذي في شرح المنهاج، والذي في الحلبيات ورجح المؤاخذة، ثم قال في الحلبيات: وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به، وخالف بعضهم وقال: إنه من الهم المرفوع، وربما تمسك بقول أهل اللغة، هم بالشيء عزم عليه، والتمسك بهذا غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل إلى هذه الدقائق. واحتج الأولون بحديث {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: كان حريصا على قتل صاحبه} فعلل بالحرص، واحتجوا أيضا بالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه، وبقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الحج: 25} على تفسير الإلحاد بالمعصية، ثم قال: إن التوبة واجبة على الفور، ومن ضرورتها العزم على عدم العود، فمتى عزم على العود قبل أن يتوب منها، فذلك مضاد للتوبة، فيؤاخذ به بلا إشكال، وهو الذي قاله ابن رزين، ثم قال في آخر جوابه والعزم على الكبيرة، وإن كان سيئة، فهو دون الكبيرة المعزوم عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(9/4939)
من مداخل الشيطان إلى قلوب بني آدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مداخل الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمداخل الشيطان إلى قلوب بني آدم كثيرة جدا، ولذا قال الغزالي: ولو أردت استقصاء جميعها لم أقدر عليه، وهو خير من تتبعها وفصلها وأفرد لها بابا في كتابه إحياء علوم الدين فقال: بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب، ثم سرد جملة من أهمها فقال:
اعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه، ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه، فحماية القلب عن وسواس الشيطان واجبة وهو فرض عين على كل عبد مكلف، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو أيضا واجب، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله، فصارت معرفة مداخله واجبة، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة، ولكنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان.
فمن أبوابه العظيمة الغضب والشهوة فإن الغضب هو غول العقل وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة..
ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص فمهما كان العبد حريصا على كل شيء أعماه حرصه وأصمه.. ومن أبوابه العظيمة الشبع من الطعام وإن كان حلالا صافيا فإن الشبع يقوي الشهوات والشهوات أسلحة الشيطان.. ومن أبوابه حب التزين من الأثاث والثياب والدار فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالبا على قلب الإنسان باض فيه وفرخ.. ومن أبوابه العظيمة الطمع في الناس لأنه إذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة له بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..ومن أبوابه العظيمة العجلة وترك التثبت في الأمور وقال صلى الله عليه وسلم العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى..ومن أبوابه العظيمة الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال من العروض والدواب والعقار..ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر فإن ذلك هو الذي يمنع الإنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم..ومن آفات البخل الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال والأسواق هي معشش الشياطين.. ومن أبوابه العظيمة التوصل التعصب للمذاهب والأهواء والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاستحقار وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعا.. ومن أبوابه سوء الظن بالمسلمين.. فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق فهذه بعض مداخل الشيطان إلى القلب ولو أردت استقصاء جميعها لم أقدر عليه وفي هذا القدر ما ينبه على غيره فليس في الآدمي صفة مذمومة إلا وهي سلاح الشيطان ومدخل من مداخله.. فإن قلت فما العلاج في دفع الشيطان وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى وقول الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله فاعلم أن علاج القلب في ذلك سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة. انتهى منه باختصار شديد، وللاستزادة في ذلك يمكنك مراجعة كتاب الإحياء ج2ص22 وكتاب عدة الإنسان لمعرفة مداخل الشيطان للسيد محمد شريف البرزنجي وانظر الفتويين رقم: 12928، 17070
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1427(9/4940)
مقابلة إساءة الوالدين والإخوان بالعفو والصفح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه والتابعين له أجمعين إلي يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أستاذى الفاضل الكريم سيدى الشيخ أسأل الله لك الزيادة من نوره وعلمه وأسأل لك الجنة ورفقة سيدنا الحبيب الغالي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آمين يارب العالمين أريد أن أقول لك شيئا لا أعرف من أسأل بما أشعر فلم أجد غيرك لأنك بإذن الله من أحباب الله ورسوله الكريم لكى توجهنى بما سأقول لك أرجو أن تتقبل سؤالي وتلتمس لي العذر من بعد إذنك وأتمنى أن تجيبني وتنير دربي أنار الله دربك بنوره وحبه ورحمته: سيدى أنا أعيش في حالة غريبة جدا من قبل عائلتي وبدايتهم أمي وأبي وبعدهم إخوتى وأخواتى فنحن عائلة وأخوة من أب وأم واحدة ولكن الغريب أننا نكره بعضنا ولا نحب بعضنا نهائيا وأنا متأسفة لما أقوله ولكن ما بيدى حيلة ولا أحد يود الخير للآخر حتى من أبي لا يريد سترتنا ولا تزويجنا فدائما يتكلم عنا الباطل ويهتك في عرضنا مع الناس ومع إخوته إلي درجه أن أصبحنا منبوذين من قبل الناس والعائلة ومن ناحية التربية لم يربونا على الحب مع بعضنا والحنان بل بالعكس لأنهم زرعوا فينا الحقد على بعضنا والكره بيننا وهنا أنا أريد أنا أتكلم عن نفسي قليلا فأنا من كثرة المواقف التى حصلت معى ومعاملة عائلتي معي كرهتهم وكرهت نفسي أستغفر الله وكرهت العيش معهم فعندما أتوجه لكى أصلي أجد نفسي أصلي وأقرأ قرآنا وأستمع إلي القرآن الكريم فوجدت نفسي ليس من قلبي ما أفعله بل أصطنع كل حركاتي فلا أجد النية وأجد نفسي مكتفة لا أريد أن أفعل أي شيء سوى أن أجلس وأسرح فبعدها وجدت نفسي أبتعد أكثر وأكثر إلى أن قطعت الصلاة ومع هذا أجد نفسي أكره منزلنا كثيرا ولا أشعر بالارتياح فيه نهائيا ولا أحب إخوتي ولا حتى أمي وأبي ولا أشعر براحة أبدا عندما أكون في البيت ولكن عندما أخرج أرتاح ولا أريد العودة أبدا أو حتى عندما أذهب إلي جارتي أرتاح وتكون عندي كل القابلية للصلاة وأريد أن أصلي وأقرا قرآنا وبالفعل أتوضأ وأصلي عندهم لكن عندما أعود للبيت أرجع كما كنت لا أكلم أحدا ولا أريد فعل أي شيء وأريد أن أوضح لك شيئا فإن أمي تسجنني وتعوقني كثيرا ولا تجعلني أخرج من البيت ولا لمجرد دراسة ولا حتى عمل ولا تجعلني أخرج أزور أصدقائي ولا أحد يزورني إلى درجة إلا عند هذه الجارة وتكون هي معي لا تتركني أخرج أبدا لوحدى أو ترسل ورائي أحدا يراقبنى ففعلا كرهت العيش معهم فهنا سيدي الفاضل لا أعرف ماذا أكتب من رغم كل ما كتبته فلا أجد نفسي مرتاحة أبدا وأحس أن لا يزال في جوفي كلام لم أخرجه بعد لا أحب أبي ولا أمي ولا أحب إخوتي ولا إخواني ولا أحب بيتنا فما بي ولا أحب حتى أن أصلي فيه أو أقرأ قرآنا في البيت يارب ساعدني ومحتاجة إلى دعواتك سيدي الفاضل ادعوا لي بالله عليكم أن تدعوا لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم ينبغي أن يكون صاحب عزيمة قوية، وأن يتحلى بالصبر والمسامحة، ونحن على يقين أن الخلق الحسن والكلمة الطيبة تؤثر ولا شك في أشد الناس جفاء في الغالب، فقابلي إساءة والديك وإخوانك بالعفو والصفح والمسامحة والكلمة الطيبة والزيارة، وفي حال وجود الخلاف فينبغي أن يسعى المسلم في طلب السماح والعفو من أخيه، ولا ينبغي لمن اعتذر إليه أن يستكبر، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: 48026.
وننصحك أيتها الأخت الكريمة بتقوى الله تعالى والقيام بحقوقه سبحانه، والمحافظة على صلاتك ومجاهدة نفسك على ذلك، وترك الصلاة ذنب عظيم سبق الحديث عنه في الفتوى رقم: 4307، وليس من حق أبيك أن يمنعك الزواج، فإن أصر على موقفه فلك أن ترفعي أمرك للقضاء ليجبره على تزويجك أو يزوجك القاضي.
ويحرم على الأب أن يتكلم في عرض بنته، فإن ذلك من أعظم المنكرات، ولو كان صادقا فيما قال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(9/4941)
السعي في تعليم الأهل وإرشادهم والإنكار عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم جميعاً وأشكر كل من شارك في هذه الشبكة الإسلامية وبارك الله فيكم جميعاً، ولكن عندي سؤال، أنا من مصر ولكني لا أعيش حياة سعيدة إلا إذا كنت بعيداً عن أهلي لأنهم أناس عاشوا في الجهل زماناً طويلاً وللأسف لم يخرجوا منه حتى الآن، أريد منكم من يوجههم إلى الطريق المستقيم، منهم من لا يصلي مع أنه لا يعمل وأشياء أخرى كثيرة وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً، إني أريد من ينصحهم إلى الطريق المستقيم، أنا أريد أن أصلحهم؟ وأشكركم جداً، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يصلح لك أهلك ويردهم إليه رداً جميلاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونقول لك إن من الخسران المبين يوم القيامة أن يخسر الرجل أهله فيرى أمه وأباه أو أخته وأخاه أو زوجته وفلذات كبده يتقحمون نار جهنم، كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الزمر:15} ، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم نار جهنم، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته. رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه ابن حبان، فهذه بعض الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب القيام على الأهل تعليماً وإرشاداً وإنكاراً، فاحرص على ذلك، واستعن عليه بكثرة الدعاء والاستغفار، وكن حازماً -في بعض الأحيان- إذا اقتضى الأمر ذلك حتى لا تخسرهم يوم القيامة، واصبر على دعوتهم إلى الحق ومجاهدتهم عليه ولا تعجز، فقد دعا نوح قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه في مكة ثلاث عشرة سنة قبل أن يهاجر، ولا تتركهم للشيطان يلعب بهم ذات اليمين وذات الشمال، فإنهم في شركه وظلماته، فأضئ لهم درب الهداية بنور الحق وأطرهم عليه أطرا، ولكن لا تحملهم عليه جملة فيدفعوه جملة كما قال عمر بن عبد العزيز، فابدأهم بالصلاة والمحافظة عليها لأن تركها قد يؤدي إلى الكفر عياذاً بالله، كما بينا في الفتوى رقم: 6061.
ثم ترك الكبائر الموبقة، وأحسن ما يفيدك بعد توفيق الله عز وجل في ذلك الصحبة الصالحة لهم ولنفسك، فتعرف على المشايخ والدعاة إلى الله واصبر نفسك معهم على سبيل الاستقامة، وانظر الفتوى رقم: 12744، والفتوى رقم: 1208، وإياك أن تقنط أو تقول عجزت فإن ذلك من كيد الشيطان، فاصبر على أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وأكثر من الدعاء والاستغفار، وإذا فعلت ذلك برئت ذمتك، ويصدق عليك حينئذ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة:105} ، فإنك لا تملك هدايتهم كما قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء {القصص:56} ، وقال: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر:8} ، فما على المرء إلا أن يسعى ويبذل جهده، فإن فعل ذلك فقد أدى ما عليه، وللاستزادة راجع الفتوى رقم: 6675، والفتوى رقم: 10574 ونعتذر إليك عن الاتصال المباشر، فليس ذلك من خدمات الموقع، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه ويسدد على درب الخير خطاك إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(9/4942)
من أسباب نزول المصائب بالمؤمن المستقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر أحد من يزعم أنه من أهل العلم أن الإنسان إذا لم يكن له ذنوب وأصابته مصيبة فإنها ليست بسبب ذنوبه وإنما تصيبه رفعة في درجاته، فهل يعقل أن هناك إنسانا بلا ذنوب ولا معاصي وهو بطبيعة الحال لا يقصد الأنبياء بل يقصد الناس في العصر الحاضر فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العبد قائما بأمر الله متمسكا بشرعه مستقيما على دينه، فنرجو أن يكون ما أصابه من مصائب رفعة له في الدرجات ومثقلا لموازين حسناته.
وأما إن كان العبد مقيما على معصية الله مفرطا في دينه لاهيا عابثا فقد تكون المصائب والآفات التي يبتلى بها تنبيها له من الله ليتوب ويرجع قبل فوات الأوان، وقد تكون عقوبة له في الدنيا نظير ظلمه لنفسه.
وكل ما سبق لا يمكن أن نقطع به لواحد بعينه ولكن نستشرفه من قرائن الأحوال. ولله تعالى في ابتلاء خلقه شؤون.
وعلى المرء أن يتفكر فيما ابتلاه الله به بالصورة التي تزيده لربه تعبدا، ومنه قربا، وبه صلة. والأصل أن يتهم المرء نفسه؛ إذ لا يخلو بشر من ذنب ففي الحديث: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه ابن ماجه وغيره. قال الشيخ الألباني: حسن.
أما التيقن من كون الابتلاء جزاء أو محوا للذنب أو رفعا للدرجات فهذا ما لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأفهام.
وقد وقع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا حينما استشكلوا القتل الذي حصل لهم في يوم أحد، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ {آل عمران: 165- 166} وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30} ولمعرفة المزيد عن هذا الأمر راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19810، 13270، 65354، 6901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(9/4943)
الترغيب والترهيب في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريدكم أن ترسلوا لي درسا مكتوبا يتحدث عن الترغيب والترهيب لكي أستفيد منه أنا وغيري.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبلغ ما يذكر به ويوعظ كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن لم يعظه الوحي فقلبه مريض، فقد وصف الباري سبحانه وتعالى كتابه فقال: مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {الزمر: 23} فحسب المسلم أن يقرأ كتاب الله تعالى ويتدبره بفهم حاضر وقلب واع وكذا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيتعظ راغبا في ثواب ربه وما أعده من نعيم للمتقين وراهبا من عقابه وما أعده من جحيم للعاصين، وقد ألف العلماء كتبا خاصة بذلك ككتاب الإمام ابن رجب الحنبلي (التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار) ، وكتاب (حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح) للإمام ابن القيم، وكتاب (طريق الهجرتين وباب السعادتين) له أيضا، وكتاب (الكبائر) للإمام الذهبي، وكتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، وكتاب (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري، وغيرها من الكتب المؤلفة في الوعظ والتذكير، وانظر الفتويين رقم: 56929، 6603. ونسأل المولى جل وعلى لنا ولك التوفيق والهداية إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1427(9/4944)
الابتلاء امتحان للصبر والعبودية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} ، وقال تعالى: {وما أصابتكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} ، وقال صلى الله عليه وسلم: \"إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه\" هذا تناقض، فكيف لنا أن نعرف إن كانت المصيبة هي محبة من الله أم عقاب على ذنوبنا، أحس أن الله قد ظلمني، منذ بداية حياتي وأنا غير مكلف والله سلط علي ما لا أطيقه من المشاكل والهموم صراع والدي ووالدتي شبه اليومي الذي وصل حد الضرب المبرح والشرطة، صراع أقربائي الحقودين، الكل يهينني ويكيد لنا، نشأت معقدا نفسيا، لا أريد أن أسرد كل ما حدث معي ولكني أحس أن الله يكرهني إذ سلط علي من لا يرحمني، كلما أسعى لتحقيق هدف في حياتي أفشل، كبرت ودخلت الجامعة ولم يتركوني بحالي جيراننا يؤذوننا بشكل شبه يومي، فشلت في دراستي سنة واحدة مع العلم أنني أسعى للتميز ولا أعلم إلى أين سيصير بي الحال، طبعا ستقولون لي صل، ادع الله وسيذهب عنك الهم، جربت ذلك ولم ينفع، أصلا أنا لا أستطيع أن أركز في كلمة واحدة من صلاتي بسبب الهم وعندما أفرغ من الصلاة أحس كأنني لم أصل وأنا موقن أنها لم تقبل فتركت الصلاة، طبعا ستقولون لي ذنوبك هي السبب، لكني أرى من حولي وهم ينجحون في كل ما يقدمون عليه من أهداف في الحياة مع أن ذنوبهم أكبر من ذنوبي ويسبون الذات الإلهية وكأن الله يحبهم ويكرهني، أنتم هكذا دائما يا رجال الدين (صل رحمك حتى وإن أهانوك، أطع والدك حتى وإن آذى أهل بيته) ، (تحمل أذى جارك) وإلا ستخسر الجنة، أليس هذا ظلما، لم أعد أريد الجنة، قد كرهتهم جميعا ولا أفكر بشيء غير الانتقام، أنا إنسان فاشل محطم منهار مدمر ضعيف، فكرت بالانتحار ولكني لم أجرؤ على ذلك، سببت الذات الإلهية أكثر من مرة، تراودني أفكار إلحادية كثيرة، ما العمل، أرجو أن تكون الإجابة منطقية، فأنتم دائما تتحججون بأن الإسلام دين منطقي فأين المنطق في ذلك، وأرجو أن لا تكثروا من الاقتباس من أقوال ابن تيمية وغيره لأنها تحتوي على الكثير من المفردات العربية التي يستعصي علي فهمها، أو على الأقل أرفقوا معها شرحا مختصرا لبعض الكلمات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية إنما يختص بالرد على الأسئلة والاستفسارات في الأمور الشرعية التي ترد على الشبكة من كافة أنحاء العالم، وليس في استطاعته أن يهدي من لم يقدر الله هدايته، فالله تعالى هو الذي بيده هداية الخلق، وقد خاطب نبيه وأفضل خلقه بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56} .
واعلم أنه قد وردت في سؤالك أخطاء كبيرة منها:
- قولك: أحس أن الله قد ظلمني.
- وقولك: وأنا موقن أنها (أي الصلاة) لم تقبل فتركت الصلاة.
- وقولك: لم أعد أريد الجنة.
- وقولك: سببت الذات الإلهية أكثر من مرة، تراودني أفكار إلحادية كثيرة إلى غير ذلك مما كتبته وفصلته.
وكل هذا ليس لسبب أنك قد فشلت في دراستك أو في بعض أمور حياتك، أما الآن فإذا كنت تريد العقلانية والفكر المصيب، فاعلم أنه ليس أضر على الإنسان من أن يتسرب اليأس إلى نفسه أو يصيبه الوهن والضعف بسبب محنة أو ابتلاء قد مر به، فإن ذلك مرض خطير حذر الله منه، فقال سبحانه مخاطباً للصحابة رضي الله عنهم أجمعين بعد غزوة أحد التي قاسوا فيها ما قاسوا: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران:139} ، فإن من سنة الله في العبد أن يبتليه بالمصائب والمحن ليمتحن صبره وعبوديته، كما قال تعالى: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3} ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {البقرة:155-156} .
فمن الخطأ العظيم إذاً أن تُظلم الحياة في عين الفرد لأجل محنة أو مشكلة تعرض لها، لذا ندعوك إلى التوبة من هذا الكفر الصريح الذي نطقت به، ومما اقترفته من الآثام التي يكفي في بشاعتها أن من بينها ترك الصلاة. واعلم أن جميع ما في هذه الدنيا من النعيم أو الجحيم لا يمكن أن يقاس بلحظة واحدة مما في الآخرة، ثم اعلم أنه لا تناقض بين قوله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ {آل عمران:165} ، وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وبين الحديث الذي أشرت إليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 64831، لتعرف الحكم من الابتلاءات التي يبتلي بها الله خلقه، والفتوى رقم: 8652 لتعرف عدل الله تعالى في جميع أفعاله وتقديراته، وأنه لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
ثم ما ذكرته من أن بعض الناس ينجحون في كل ما يقدمون عليه، وهم مع ذلك يسبون الذات الإلهية، ويرتكبون الذنوب الكثيرة، فذلك إنما هو استدراج لهم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 36643.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1427(9/4945)
الختم على القلب.. معناه.. علاماته.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة مع الأعمال القلبية لا أدري كيف إصلاحها ولا أعلم ما معنى أن \" يختم أحد على قلبه \".
أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأسباب المؤدية إلى الختم على القلب والطبع عليه هي كل ما لا يرضي الله تعالى من الخطايا والمعاصي؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أخطأ نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن زيد عاد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ {المطففين: 14} رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأما عن علامة الختم على القلب فنقول: إن عدم استجابة الأوامر لله سبحانه وتعالى هو العلامة، فالقلب المختوم عليه هو الذي لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره ونهيه، بل هو دائر مع شهوات صاحبه ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أن أنواع القلوب ثلاثة:
1- قلب سليم وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به. قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {الشعراء: 88-89} والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالجملة فالقلب السليم الصحيح هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبادته لله إرادة وتوكلا ومحبة وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء.
2- قلب ميت وهو المتعبد لغير الله حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا، إن أبغض أبغض لهواه، وإن أحب أحب لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه.
3- قلب مريض وهو الذي له حياة وبه علة، فله مادتان: تمده هذه مرة وهذه مرة أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات والحرص على تحصيلها ما هو مادة هلاكه وعطبه.
وأهم علاج للقلوب قراءة القرآن فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك ودنس الكفر وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا {الأنعام: 122} فالقلب محل نظر الله تعالى، فيجب على المرء أن يوليه من العناية والاهتمام بقدر جلال الناظر إليه. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(9/4946)
السرور بفعل الخير مؤشر على كمال الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أن التصدق بسبب الشفقة والإحساس بالسعادة عندما يسعد الفقير، هل هذا مناف للإخلاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشعور المسلم بالسعادة عندما ينفس عن مسلم كربة أو يسدي إليه معروفاً لا ينافي الإخلاص إذا لم يكن هناك شعور برياء أو عجب، بل إن الفرح بهذه الطاعة دليل على قوة الإيمان وكماله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (من سرته حسنته) أي إذا وقعت منه (وساءته سيئته) أي أحزنته إذا صدرت عنه (فذلكم المؤمن) أي الكامل لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: من سرته حسنته لكونه راجيا ثوابها موقنا بنفعها (وساءته سيئته فهو مؤمن) أي كامل الإيمان لأن من لا يرى للحسنة فائدة ولا للمعصية آفة فذلك يكون من استحكام الغفلة على قلبه فإيمانه ناقص، بل ذلك يدل عى استهانته بالدين فإنه يهون عظيماً ويغفل عما لا يغفل الله عنه. انتهى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29466، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 2159.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(9/4947)
رحمة الله تسع جميع الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[حج معنا هذا العام رجل وقد أدي المناسك كلها وكان متمتعا وباح لي بعمل وقع فيه ويخشى أن ترد حجته ويحبط عمله والحج لا يتكرر بسهولة قال: إنه وأثناء طواف الإفاضة وفي المسعى بين الصفا والمروة وكان وقت ليل والزحام شديد جدا ضعفت نفسه واحتك بالنساء أكثر من مرة بدون لمس بشرة وبدون إنزال وقد خرج من المسجد حزينا كئيبا وقرر التوبة من عمله فمشى من مكة إلى معسكره في منى لمدة ثلاث ساعات يستغفر ويتوب ثم اعتكف في المسجد الحرام ليلتين ختم فيهما القرآن وصام يوما وقام الليلتين يصلي ويذكر الله وقد عزم على ألا يعود وبرغم أني قرأت له من فقه السنة أن الحج لا يفسده إلا الجماع وسألنا مشايخ عن فعلته فقالوا إن حجه صحيح إلا أن ذنبه عظيم يحتاج توبة صادقة ليكفر خطيئته إلا أنه مازال غير مقتنع ويشعر أنه بمجرد تفكيره في النساء ينقص ذلك من ثوابه فكيف بملامستهن 0وحاله منذ أن عاد على خير يغض بصره ويصلي الصلوات على أوقاتها كلها جماعة ويتلو القرآن ويحفظه ومشكلته أنه خطيب مسجد لكنه يكثر الشكوى من أنه يذنب ويعود ويظن في نفسه النفاق دائما ولولا إلحاح الناس عليه في الخطابة والوعظ لاعتزل ذلك ليتفرغ لإصلاح نفسه وهذا بالطبع فهم خاطئ ولكنني أرجو إجابة شافية على موضوع حجه وحكمه بعد توبته ثم يكون لنا مع فهمه مقام آخر وجزاكم الله خيرا00]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصد الرجل إلى الاحتكاك بالنساء محرم لاسيما في أعظم بقاع الأرض وفي حالة أداء ركنين من أركان الحج الطواف والسعي؛ إلا أن كرم الله ورحمته أعظم من هذا الذنب، فليبشر هذا الأخ التائب بتوبة الله عليه. قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} ويقول جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}
والتائب حبيب الله، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} .
ويقول صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري.
وليعلم هذا الأخ الفاضل أن للشيطان وسائل ومداخل للغواية فمن أحس منه الميل إلى المعاصي أوقعه فيها، ومن أحس منه التوبة الصادقة حاول تيئيسه وتقنيطه من رحمة الله، وقد حذر الله من ذلك؛ كما قال تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وقال تعالى: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} .
وأما حجه فصحيح باتفاق الفقهاء، وليحذر من الانجرار وراء وساوس الشيطان والهوى، فالعلماء ينصون على أن الحج لا يفسده إلا الجماع ولم يحصل منه ذلك فلا ينبغي له بعد ذلك أن يبقى في شك من صحة حجه بعدما عرف موقف العلماء المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المسألة.
والحاصل أن على الأخ المذكور أن يحمد الله الذي وفقه للتوبة وليفرح بذلك فهذه صفة المتقين؛ كما قال تعالى وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران: 133- 136} فعلام القلق واليأس!! .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1427(9/4948)
التوبة من الغش في الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغش في امتحانات الثانوية وما الحكم في شاب ملتزم ولكنه غش بعض الدرجات في الثانوية ثم بعد الامتحان وبعد ظهور التنسيق لم يوفق ودخل كلية تقل عن مجموعه تقريبا (14) درجة فأحصى الدرجات التي غشها فوجدها تقريبا (14) درجة فهل يكون تطهيرا من الله له ويكون قد دخل الكلية بمجموعها الأصلي دون غش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان تحريم الغش في الامتحانات في جميع المراحل الدراسية فراجع الفتاوى التالية: 61884، 3937، 10150، 63286.
ولا شك أن دخول الطالب للكلية التي تتناسب مع درجاته التي يستحقها هو الأولى والأحوط، وقد يكون تطهيرا لذنب الغش الذي ارتكبه، لكن ذلك لا يغني عن التوبة من هذا الذنب؛ لأن تسجيل الطالب في كلية تشترط مجموعا أقل من المجموع الذي حصل هو عليه لا ينفي أنه قد ارتكب محرما قبل ذلك وهو الغش في الامتحانات، فعليه أن يندم على فعله، وأن يعقد العزم على عدم العودة إلى الغش. وقد فصلنا شروط التوبة الصحيحة في الفتوى رقم: 5450، فراجعها
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1427(9/4949)
تنازل المسلم عن بعض تعاليم دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحييكم على جهودكم الرائعة ... ولكم سؤالي:
هناك بعض الأساتذة يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر مثل التسليم باليد على المرأة الأجنبية
وعندما نسأله لماذا فعلت ذلك؟؟ يكون جوابه أنه يتنازل من أجل مصلحة ما.... للوطن وللدعم للجامعات ولمصلحة الجامعة وطلابها
1- هل يمكن التنازل عن بعض المحرمات؟ ومتى؟
2-ما هي الأشياء والحدود التي لا يستطيع أحد أن يتنازل عنها بأى ظرف من الظروف؟
ولكم مني كل الحب الإحساني الصادق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصافحة الأجنبية محرمة لما ثبت فيها من الأخبار الصحيحة، روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وكنا قد بينا هذا الحكم من قبل فراجع فيه فتوانا رقم: 1025، وليس للمسلم أن يتنازل عن شيء من تعاليم الدين الحنيف، لأن الإسلام كل متكامل لا يصح أخذ البعض منه دون البعض، وقد ذم الله اليهود لإيمانهم ببعض الكتاب وعملهم به وكفرهم بالبعض الآخر وترك العمل به قال تعالى في وصف هؤلاء: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {البقرة:85} فلا يجوز للمسلم إذا ممارسة شيء حرمه الله إلا إذا عرضت له ضرورة تبيحه له، وذلك للقاعدة المعروفة ((الضرورات تبيح المحظورات)) والضرورة تقدر بقدرها، ودليل هذه القاعدة بضابطها قول الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} وقد عرف العلماء الضرورة بأنها " بلوغ الإنسان حدا إن لم يفعل الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعا لمات، أو تلف منه عضو، أو فقد جارحة، فهذا يبيح له تناول المحرم، وقد أباح الله النطق بالكفر لمن اضطر إلى ذلك قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ {النحل: 106} فإذا أباح الله النطق بالكفر عند الاضطرار فغيره من المعاصي أولى لأنه معصية أكبر من الكفر، ومن القواعد المفرعة على هذه القاعدة " المشقة تجلب التيسير " و " إذا ضاق الأمر اتسع".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1427(9/4950)
ثقة المسلم بموعود ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، عندي إحساس أنني لا أصلح لشيء ولا أتقن أي شيء لا في عباداتي (صلاة، حفظ قرآن، حفظ أحاديث ... ) ولا في دراستي خاصة وأنني أدرس الطب، وبعد كل نتيجة امتحان أحس بالإحباط الشديد وخائفة أن لا أجيد مهنتي وأن أرسب في امتحان الآخرة، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تشعرين به من فقد للأمل ويأس وإحباط، هي أعراض ضعف الإيمان؛ لأن المسلم يستصحب دوما روح الأمل لاتصاله بربه وثقته بوعده، وما دام يؤمن إيماناً كاملاً بأن الله رحمن رحيم لطيف خبير، رؤوف جواد كريم، عفو غفور تواب، مدبر لكل ما في هذا الكون، فلن يتسرب إليه اليأس أو الإحباط، وعلاج هذا الإحساس الذي عندك يتمثل في تقوية الإيمان بالله، والارتباط به، ودعائه في أوقات الاستجابة.
ومن الأدعية المأثورة التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها في صباحه ومسائه: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من الناس. ومنها: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ثم قوي ثقتك بنفسك ولا تضعفي أمام الحوادث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1427(9/4951)
الغربة وماذا يصنع الغرباء
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت الاستفسار عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغربة في الدين كما قال عليه الصلاة والسلام \" بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ , فطوبى للغرباء \" فما هي الغربة الحقيقية وكيف يعرف الإنسان أنه فعلا من هؤلاء الغرباء أنا ومجموعة من الأخوات في الله نواجه مشكلة الآن نحس بانهيار جميع من نعرفهم حولنا ممن كان الالتزام سمتهم بل وأصبحوا يعيبون في التزامنا وفي أخلاقنا ولكن ولله الحمد نحن لا نفعل سوى ما يرضي الله ونحاول في الزيادة ولكن أحيانا يشعر الشخص أنه قد يكون فعلا هو مخطئ ونحاسب أنفسنا ولكننا ولله الحمد نثبت على أخلاقنا التي نستمدها من تربية أهلنا وذلك اتباعا للسلف الصالح ولله الحمد ونشعر بأنه الطريق الصحيح أوقد يكون هذا اختبارا من الله لنا ولكن لماذا نشعر بالغربة بمفردنا لماذا لا يكون معنا مجموعة أخرى كما كنا؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا في هذا الأمر الخطير الذي شغلنا كثير وأرشدونا للخير والصواب أعانكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا عدة فتاوى في تعريف الغرباء المذكورين في الحديث فراجعي منها الفتاوى التالية أرقامها: 58011 // 39281 // 27596 // 70956.
كما بينا ما يتعين على العبد فعله في هذه الحالة في عدة فتاوى فراجعي منها الفتاوى التالية أرقامها: 55038 // 31768 // 15219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1426(9/4952)
سوء الظن قد يؤدي إلى هدم البيوت
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي / هو أنني شخص متزوج ولي ما يقارب سنة ونصف ولي ابنة وأن لي أعمالا أقوم بها على الانترنت من أسهم ومتاجرة فيها ومتابعة منتديات وأجلس متوسط ما يقارب ساعة في الغالب يومياً لكي أتابع مصالحي ومصدر آخر رزق لي ولابنتي ولها.
ولكن أعاني أشد المعاناة من زوجتي وظلمها لي، فى كل مرة تشك في أنني على علاقة بامرأة أخرى وتظن في ظن السوء دائماً تقوم بمراقبتي تفتيش جوالي في غيابي ودون علمي عندما تشك بشيء تستخدم أسلوبا كأنني متهم وهي قاضي التحقيق وفي أكثر من مرة أوضح لها العكس بأن الشخص الذي أكلمه هو رجل وتتأكد وتبرر بقولها إنها خائفة على بيتها؟؟
أرجو مساعدتي فيما أعانيه من عذاب نفسي وخوفي الشديد أن يأتي يوم أقوم بإنهاء هذه العلاقة والضحية ابنتي التى لم تكمل عامها الأول بسبب تصرفاتها وإثارتها للمشاكل بدون أسباب واقعية مجرد خيال وتوقعات!!
ولكم تحياتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أخي الكريم بالصبر، فإن زوجتك ما يدفعها إلى القيام بما ذكرت إلا محبتها لك وغيرتها عليك، ومما يعين على غرس الثقة بينكما وجود الإيمان والخوف من الله تعالى ومراقبته سبحانه، فإن الزوجة إذا استقر في نفسها ذلك، علمت أن زوجها لن يذهب في طريق يغضب الله تعالى، ومما يعين على غرس الثقة أيضاً أن تكون الزوجة مشاركة لك في همومك مطلعة على جملة من أخبارك.
ونوصي الزوجة بتقوى الله تعالى، والإحسان إلى زوجها، وأن لا تدفعها الغيرة إلى إفساد بيتها بالمشاكل التي تعكر صفو المحبة والمودة، وأن تعزز ثقتها بزوجها وتظهر له ثقتها فيه وفي دينه وعقله، ونذكر الزوجة أيضا بأن الأصل هو حسن الظن بالمسلم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} وكم أفسدت الظنون من أسر، وهدَّمت من علاقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1426(9/4953)
حفظ الدين والجمع بين الدراسة والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: أنا شاب سوري عمري 21 سنة أسكن في دمشق وأدرس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية وأنا الآن والحمد لله في السنة الثالثة من قسم اللغة الإنجليزية وعرفت هذه الكلية بوجود عدد كبير من الطالبات فيها حتى أن البعض عندما يسمع بأنني فيها, أول ما يسألني عنه هو كم صادقت وكم عرفت وإلى ما هنالك أكرمني الله قبل شهر رمضان المبارك بأداء العمرة وعندما رجعت إلى بلدي وجدت أن وضعي الاجتماعي والديني ليس كما يجب لمثلي أن يكون فرأيت أن أول ما يجب علي فعله هو ترك الذهاب إلى الجامعة مع العلم أنني حتى عندما كنت أذهب كنت أمضي معظم وقتي في المقاصف الجامعية ولذلك فإن الحضور أو عدمه في قسمي واحد وهذا لا يؤثر في دراستي ثم خفت أني إن جلست في منزلي وحسب فإني سأضطر للتفكير في أمور يقتضي وقت الفراغ التفكير فيها وأني في النهاية سأمل وأعود إما عاجلاً أوآجلاً للنزول إلى الجامعة ولذلك وجدت بضرورة العمل والحمد لله أنا الآن أعمل وعملي يعطي المجال لي كي أدرس وهو إن شاء الله ليس برغبة في المال فالحمد لله والدي ميسور الحال والنية إن شاء الله كما ذكرت ولكن المشكلة يا سيدي هي أني أعلم بأمر الحكمة العطائية القائلة: إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاطٌ عن الهمة العليّة، وأعلم أيضاً أن على المرء إتقان عمله وأن عملي الآن هو دراستي
ولكني من جهة أخاف أن أعود فأقع في الإثم والمعصية والفسوق ومن جهة أخرى أخاف أن أستمر في عملي الحالي فأكون بذلك مقصراً فيما هو واجب علي في حقيقته فألهموني ما أفعل ألهمكم الله وبارك فيكم إن شاء الله؟
والحمد لله رب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لاشك أن أهم ما يتعين على المسلم الحفاظ عليه والحرص على سلامته هو دينه وأخلاقه وعرضه فحفظ الدين واجب شرعي، ولا شك أن مخالطة النساء في الجامعات أو غيرها من أعظم ما يخدش ويؤثر على هذه الأمور، فتعين البعد عن مخالطتهن ولا سيما إذا أمكن للإنسان مواصلة الدراسة من دون إلزام الجامعة له بالحضور، ويمكن أن يعوض التقصير بالاستفادة من الأقراص التعليمية للإنجليزية، أو من المواقع المختصة في تعليمها، أو سؤال الطلاب ونحو ذلك، وباستخدامك لهذه الوسائل المذكورة في الدراسة تعتبر غير متجرد من الأسباب في تحصيلها وبهذا لم تخالف مدلول الحكمة العطائية، وأما الجمع بين الشغل والدراسة فلا شك أنه أولى من الفراغ والجلوس في البيت وذلك أنه لا تعارض بين الدراسة والعمل، وأما إن لم تكن محتاجاً للشغل وكان جلوسك في البيت يساعدك على تقوية مستواك الدراسي فلا حرج عليك في ترك الشغل وتوظيف فراغك في الدراسة، وأولى من هذا أن تعطي من وقتك جزءا لدراسة ما تحتاج من العلوم الشرعية.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5310 // 62390 // 31656 // 32316، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 57513.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(9/4954)
أمور تعين على غض البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم.
أنا شاب عمري 28 سنة أصلي كل يوم وأصوم شهر رمضان كل سنة والحمد لله.
مشكلتي هي أن شهوات الدنيا تغلبني أحيانا ومنها النساء وخاصة الراقصات اللاتي يظهرن في شاشات التلفزيون فسؤالي هو: ماذا أفعل لكي أتغلب على هذه العادة السيئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يساعد على غض البصر عن المحرمات استشعار أنه فرض من الله الذي خلقك وأنعم عليك بنعمة العينين لتتعبد له بهما وتشكره بالاستسلام والانقياد له بهما، فقد امتن الله بهما علينا فقال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ {البلد: 8} وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا {الإنسان: 2} وقد أخبر أنه أتم النعم علينا لنشكره ونسلم له فقال: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 6} وقال: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل: 81} وقد أمر الله تعالى بالغض للبصر فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور: 29} ، ومنها استشعار مراقبة الله تعالى وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومنها استشعار أن العين رائد القلب، وأن إطلاقها يؤدي لتمني العبد الوقوع في المحرمات، وربما جره ذلك لمقارفة الفاحشة وتعلق القلب بتحصيلها وانشغاله بذلك عن الطاعات.
ومنها الإكثار من صوم النفل ومطالعة كتب الترغيب والترهيب. ومن وقع في الذنب فإن عليه أن يسارع إلى التوبة بالندم على ما فات والعزم على أن لا يعود إليه والإقلاع عنه في الحال، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19075، 23356، 1256، 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(9/4955)
كي تكون ربانيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن مفهوم عميق للربانية وأود لو كان ممكناً أن يكون الرد سريعاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن من أثر الربانية على المتصف بها أن يصلح نفسه بالعلم الإلهي والعمل الموافق لشرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسعي في إصلاح غيره ومواصلة جهاد نفسه في تحقيق ذلك حتى يربيها على الإيمان ويزكيها ويهذبها من الشهوات والشبهات، وانظر الفتوى رقم: 18859، والفتوى رقم: 53377.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(9/4956)
توكل المرء على ربه وتفويض الأمر إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد مساعدة في التغلب على طباعي فأنا دائما عصبي المزاج وأريد أن أصبح طيب القلب مع العلم أن الأهل لم يقصروا معي في أي شي في حدود المعقول ولكني قاعد في البيت فهل السبب الوحدة وإني طالب خلصت الجامعة وإني الآن أقوم بالإعداد إلى السفر إلى مصر لإكمال دراسة الماجستير فأرجو أن تساعدوني في كيفية المحافظة على النفس من الخطايا في الغربة وإني أعرف أني إذا لم أطع والدي فلن يوفقني الله وخاصة من ناحية المعاصي فأرجو أن تدلوني وتبصروني على الطريق الصحيح في الغربة وكيف الإنسان يجعل قلبه طيبا ومحبا وأنا ساكن في بغداد والعلماء هنا منشغلون في أمور السياسة ولا أعرف أحدا ألتجئ إليه وأكون شاكراً جدا لكم وأني أعاني من عدم الثقة في النفس فلم يبق على سفري إن شاء الله سوى شهر ولكني أعاني من أرق في الليل وصعوبة في النوم في الخوف من الفشل أريد وسيلة في المحافظة على نفسي وعمري الآن هو 23 سنة وغير متزوج وأخاف من الغربة ومن مغرياتها فدائما أفكر هل أني سوف أصبر وأبتعد عن المعاصي وخائف من هذا الشيء إذا عملته فإن الله لن يوفقني لأني عصيت الله وعصيت والدي أرجو المساعدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سنة الله تعالى في هذا الكون أن ربط بين المسببات وأسبابها فما تشعر به من ضيق في الصدر وعصبية في المزاج لا بد له من سبب فينبغي أن تجتهد في شغل هذا الفراغ بالسعي فيما ينفعك في أمر دينك ودنياك.
وإن جماع الخير في الإيمان والطاعة وحسن الخلق فبهما تتحقق سعادة الدنيا والآخرة، وراجع لمزيد الفائدة بهذا الخصوص الفتاوى بالأرقام: 29172، 28002، 3093، 42432.
واعلم أن من شأن المؤمن الشجاعة والثقة بالله تعالى، فنوصيك بالإقدام إلى ما فيه الخير من سفر ودراسة وغيرها وتوكل على الله سبحانه وفوض الأمر إليه. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. وينبغي أن تحرص على مصاحبة أهل الخير وحضور مجالس العلم، وأن تحذر مصاحبة الفساق وتجتنب مجالس السوء. وهذا البلد الذي تريد القدوم إليه للدراسة فيه كثير من أهل العلم وفضلاء الناس، فإن صدقت الله تعالى صدقك ويسر لك سبل الاستفادة والثبات على الحق. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ {التوبة: 119}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(9/4957)
الصلاة من خير ما يعين على مواجهة المحن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة عمرى46 عاما أحس بالزهق من كل شيء أحيانا أصلي وأياما لا أصلي أحس باليأس والإحباط لأني قابلت الكثير من المتاعب نظرا لموت والدي وأنا صغيرة زوجي أحسن إنسان وربنا رضانى في أولادي ولكن ضغط الحياة علي كبير لأني تحملت المسئولية وأنا صغيرة أنا تعبانة جدا ولا أعرف أتعامل مع الناس لأني مثالية وأعامل الناس بمنتهى الاحترام. أريد ردا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن هذه الدنيا دار الابتلاء، يبتلى فيها المسلم بأنواع الابتلاءات فإذا صبر واحتسب كان في ذلك رفعة لدرجاته وكفارة لسيئاته، وراجعي الفتوى رقم: 5249، وقد ذكرنا بهذه الفتوى أن التوبة إلى الله سبحانه ودعاءه وطاعته بأداء فرائضه ولاسيما الصلاة من خير ما يعين المرء على تجاوز المحن والمصائب فلا تدعي تلك المحن والمصائب تحملك على ماهو أعظم منها وهي المصيبة في الدين بهدم ركن من أهم أركان الإسلام وهو الصلاة، ولعلك تعلمين فضلها وما ورد بشأنها من نصوص تنوه بشأنها، وراجعي الفتوى رقم: 6061، فنوصيك بالاستقامة على الخير والحرص على أداء الفرائض ولاسيما الصلاة.
واعلمي أيضا أن المعاصي من أعظم أسباب ضيق الصدر ومتاعب النفس، فعليك بالحذر منها صغيرها وكبيرها، والمبادرة إلى التوبة مما قد تقعين فيه منها، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 23793، والفتوى رقم: 39759.
ثم إننا نوصيك بالإكثار من تلاوة القرآن وحضور مجالس العلم والخير ومصاحبة الخيرات من النساء؛ فذلك كله من أعظم أسباب انشراح الصدر، ولا بأس بأن تراجعي أهل الاختصاص من الأطباء عند الحاجة إلى ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1426(9/4958)
البكاء بين المؤاخذة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل البكاء يمنع من أجر الصابرين؟ وهل يعتبر قنوطا من رحمة الله أو عدم رضا بقضائه؟ وأقصد بذلك البكاء على الحال والشعور بأنه لن يتغير, وليس عن شرعية البكاء على الموتى؟ أرجو توجيه نصيحة للإعانة على الصبر. جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد البكاء عند المصيبة سواء كانت موتا أو غيره، من غير نوح ولطم ونحوهما لا ينافي الصبر، ولا يدل على عدم الرضا بقضاء الله وقدره، ولا يمنع إن شاء الله من الأجر؛ لما رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى ابن ابي شيبة والطبراني وصححه الحاكم عن أبي مسعود الأنصاري وقرظة بن كعب رضي الله عنهما قالا: رخص لنا في البكاء عند المصيبة.
وهذا نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام بكى لفقد يوسف عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ {يوسف: 84} قال القرطبي: وإنما ابيضت عيناه من البكاء؛ ولكن سبب البكاء الحزن فلهذا قال (من الحزن) أهـ
فمجرد دمع العين وحزن القلب لا ينافي الصبر ما لم يكن معه تسخط على قدر الله أو قنوط من رحمة الله، وأما عن النصيحة والحث على الصبر فانظر الفتوى رقم: 27082، بعنوان (الصبر جبر للمصيبة وحسن للعاقبة) وانظر كذلك الفتوى رقم: 61485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1426(9/4959)
الفقر أفضل أم الغنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الفقر أفضل أم الغنى؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح أن يقال: (إن الغنى أفضل من الفقر) مطلقاً، ولا يصح أن يقال أيضاً: (إن الفقر أفضل من الغنى) مطلقاً، بل ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فإن من الناس من يكون الفقر أفضل في حقه من الغنى، ولو أغناه الله لدخل النار، ومن الناس من يكون الغنى أفضل في حقه من الفقر، ولو أفقره الله لدخل النار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والفقر والغنى حالان يعرضان للعبد باختياره تارة وبغير اختياره أخرى..... ولا يجوز إطلاق القول بتفضيله على الآخر, بل قد يكون هذا أفضل في حال، وهذا أفضل في حال، وقد يستويان ... انتهى من مجموع الفتاوى 11/123.
وقال أيضاً في موضع آخر من مجموع الفتاوى: قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع لآخرين، كما تكون الصحة لبعضهم أنفع؛ كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك, وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي، إني بهم خبير. انتهى من مجموع الفتاوى 11/120
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه عز وجل التوسط بين الفقر والغنى، روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول:......... وأسألك القصد في الفقر والغنى. وقال عليه الصلاة والسلام: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1426(9/4960)
حكم من دل على معصية ثم تاب وبقيت آثار دعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أحبكم الله الإفادة.
سؤالي هو: أنني كنت أدخل على شات ثم حدثت صديقة لي عن هذا الشات وقالت لي أن أدلها على طريقة الدخول فقبل أن أقول لها الطريقة حدثتها عن إيجابيات وسلبيات الشات وقالت لي إنها تعرف هذا جيدا وأنها سوف تدخله لمجرد التسلية فقلت لها على طريقة الدخول للشات وهي الآن أصبحت تصاحب أولادا على الشات فحدثتها مرة أخرى عن الشات وأن لا تدخله قالت إنها لن تعود مرة أخرى فهل حرام علي هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا عدم جواز محادثة الفتيات للشباب عبر الإنترنت في الفتوى رقم: 20415، فراجعيها، وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 1932، والفتوى رقم: 18297، وبينا في الفتوى رقم: 67194، حكم الشات من أجل التسلية.
وأما حكم ما قمت به من دلالة صديقتك على طريقة الدخول إلى الشات فإن كانت هذه المرأة غير معروفة بالاستقامة فقد أخطأت في دلالتها على ذلك، وعليك بالتوبة من هذا العمل، وأما إن كانت معروفة بالاستقامة فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، وللمزيد من الفائدة نحيلك على الفتوى رقم: 25575، وفيها بيان حكم من دل على معصية ثم تاب هو وبقيت آثار دعوته، ومما جاء فيها: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً. ومع ذلك فإذا اعترف العبد بذنبه وأقبل على الله بصدق وتاب إليه خوفاً منه وتعظيماً له ورجاء عفوه فإن الله يفرح بتوبة عبده ويغفر له، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم: 8} والحاصل أنك بتوبتك النصوح تكونين قد أتيت بما وجب عليك ولو بقيت من دعوتِها إلى هذا المنكر ممارسة له أو داعية إليه. قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع عن بث بدعة عليها يتبع
وأما صديقتك تلك فعليك بزيارتها ومناصحتها برفق ووعظها، وترغيبها في التوبة، وتخويفها من عذاب الله، وإرشادها إلى الطريق السوي، وربطها بكتاب الله، وكوني خير معين لها على ذلك ولك الأجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1426(9/4961)
الصبر وإحسان الظن بالله والرجاء عبادات جليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أربعة أشهر عرفت أنني مصابة بسرطان الثدي, في أول الأمر صدمت وتخالطت في ذهني عدة أفكار وتخوفات, منها أن بناتي صغار السن (ست سنوات وأربع سنوات) , لكن سرعان ما أفقت واستغفرت الله سبحانه وتعالى وعرفت أن تخوفي الوحيد هو أن يكون أجلي قد وصل وربي غير راض عني، لأن هناك ذنوبا بالنسبة لي صغيرة ولا أبالي لها وقد تكون عظيمة عند الله، فصرت أحسب خطاياي كل عمل أردت القيام به أو قول أردت أن أقوله, إلا وفكرت مليا وتيقنت أنني على ما يرضي الله، ومنذ ذلك الحين, شعرت شيئا ما بالطمأنينة حيث أجريت لي عملية جراحية وبدأت بالعلاج ويا له من علاج ذي ألم حاد، ففي أشد الألم أشكر الله وأحمده فأنا على يقين أن عذاب الدنيا أهون بكثير من عذاب الآخرة, ولعل بهذا العذاب يغفر الله لي ذنوبي، وعند اقتراب انتهاء العلاج الكيماوي (la chimiothérapie) ولم يبق لي سوى حصة واحدة كانت مبرمجة يوم 31 ديسمبر, فوجئت بوجود عدة عقد (les nodules) في الثدي والإبط اللذين أجريت فيهم العملية الجراحية، أعطاني الطبيب دواء لمدة عشرة أيام ثم سيعمل فحصا ليعرف إذا كانت تلك العقد سرطان منتشر، الانتظار صعب جدا, وبمجرد التفكير في العلاج الكيماوي أصاب بغثيان النفس، إذا كان أجلي قد اقترب أنا راضية بحكم الله سبحانه وتعالى، سؤالي الأول هو: إذا تبين أنه سرطان وامتنعت عن العلاج الكيماوي بينما قبلت العلاجات الأخرى (كالعلاج بالأشعة والعلاج بالأعشاب ... ) هل بهذا أكون قد ارتكبت ذنبا مع الله وأكون كمن انتحر, والله يعلم أني لن ولم أفكر قط في الانتحار لأني أخاف الله، إنما لا استطيع تحمل التأثيرات السلبية لهذا العلاج وغالبا يكون بدون جدوى.
سؤالي الثاني: أرشدوني إلى أحسن طريقة لجمع الحسنات في هذه الأيام المتبقية لي, عسى الله أن يغفر لي ذنوبي.
سؤالي الأخير: هل أعمالي مقبولة بعدما عرفت بمرضي، أستحلفكم بالله أن تساعدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء تاماً لا يغادر سقماً، وأن يطيل عمرك في طاعته، وأن يقر عينك بذريتك، وأن يقر عينهم بك.
واعلمي أن الابتلاء سنة كونية، وأن الله سبحانه إذا أحب قوماً ابتلاهم، وأن من شأن المؤمن الصبر على البلاء فيزداد رفعة في درجاته، ولمعرفة بعض الأمور المعينة على تجاوز المصائب راجعي الفتوى رقم: 5249.
ثم إنه ينبغي أن يُعلَم أن الإصابة بالمرض لا تعني الموت بعده، فقد يموت سليم البدن عند حلول الأجل، ويشفى المريض ويعيش عشرات السنين بعده، وقد صدق من قال:
فكم من صحيح مات من غير علة * وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
فلا ينبغي أن تيأسي من رحمة الله، بل عليك بالإكثار من دعائه والتضرع إليه في كل وقت وحين، وبخصوص ما أوردت من أسئلة فنجمل جوابها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أنه قد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 64214 جواز ترك التداوي ولو كان المرض قد يؤدي إلى الهلاك إذا لم يكن حصول الشفاء بالدواء المعين محققاً، ولكن لا ينبغي الإقدام على ترك التداوي دون استشارة الثقات وذوي الخبرة من الأطباء.
النقطة الثانية: أن أهم ما يتقرب به إلى الله سبحانه في كل وقت وحين أداء الفرائض واجتناب المحرمات، ثم التقرب إلى الله بالنوافل حسب الاستطاعة، وراجعي للمزيد من الفائدة بهذا الخصوص الفتوى رقم: 29051، والفتوى رقم: 24211.
ثم إن الصبر وإحسان الظن بالله تعالى عبادتان ينبغي أن تحرصي عليهما في مئل هذا الحال الذي أنت فيه.
النقطة الثالثة: أن لقبول العمل شرطين هما: الإخلاص وموافقة السنة، فإذا تحقق هذان الشرطان قُبِل العمل بإذن الله، ولا يضر حصوله في حال البلاء، بل إن الله سبحانه قد بين في كتابه أنه قد يبتلي عباده ليتوبوا، قال سبحانه وتعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} ، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 14005، والفتوى رقم: 31702.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(9/4962)
إثم من دعا إلى ضلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمنت صاحبي على موقع أغاني على أن لا يخبر أحداً، فإن قال لصاحبه فهل أتحمل ذنبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان حكم الغناء وأنواعه في الفتوى رقم: 5282 فراجعها.
فإن كان هذا الموقع يحتوي على الأغاني المحرمة فلا يجوز لك أن تدل عليه صاحبك ولا غيره، فإن فعلت فإنك تأخذ مثل إثمه، وإن دل صاحبك شخصاً آخر تحمل هو مثل إثم من دله، وتحملت أنت مثل إثم صاحبك وإثم من دله، لأن الدال على الشر كفاعله، والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
وقال سبحانه: لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ {النحل:25} ، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} ، وقال الإمام البخاري: باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة، لقول الله تعالى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم.
والله علم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1426(9/4963)
نصائح لرب بيت يعاقر أم الخبائث
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت بقريب لي من الأهل بعد تبادل المودة بيننا واجهنا بعض المعوقات قبل الزواج من والدي لكنه وافق أخيرا, كان زوجي شابا بعيدا عن الدين تماما قبل الزواج ويمارس العادات الشبابية المتهورة لكنه التزم بعد الزواج ولكن ليس تماما, فقد عدنا للوطن للاستقرار فعاد إلى رفقاء السوء الذين ما تركوا لي فيه منفذا فعاد بكل أسف لشراب المنكر معهم حاولت معه كثيرا كثيرا ويقول لي أنه سيقلع حينما يحين الآوان وحين يتوب عليه الله , فماذا أفعل معه؟ لي منه ابنتان (4سنين+4 شهور) أخشى أن تكبر البنتان وهو مايزال على حاله , فإنى كنت أتمنى أن يكون بيتي بيت ذكر لله دائما , فأنا أحب المحاضرات الدينية وأقوم بفروضي على قدر استطاعتي وأحب ديني كثيرا. أدرك أن بداخله بذرة الخير فهو عطوف وحنون على بناته ويذرف الدمع عند مرض إحدى بناته , لكني ما وجدت مدخلا لتلك البذرة! أشهد الله أني حاولت جاهدة معه باللين تارة والكلمة الطيبة تارة والصبر على سلوكه محافظة على بيتي , لكني مؤخرا ضقت ذرعا بالوضع!! فأنا أخشى أن يجلب علينا سلوكه هذا غضب المولى علينا!!! وهو ما لا طاقة لنا به, فهل ضيق الرزق الذى نمر به من جراء عادته تلك؟؟؟؟ فهل شقائى هذا سببه عدم رضا والدى بالزواج فى البداية وموافقته عن كره وضغط؟ هل لي أن أمتنع عن معاشرتة الزوجية تأديبا له - (خصوصا في حاله إتيانه لي وهو مخمور فأنا لا أطيقه فى تلك الحالة) هل سيكون علي إثم إن رفضته؟ هل أظل معه بالمنزل وأحاول حتى يتوب وإن طالت أم أترك البيت؟ مع علمي التام أنه ذو نفس عزيزة وكبرياء شديد فلن يحاول أن يعيدني للبيت إن تركته , أو يحاول أن يترجى ويعتذر فهذا طبعه. أم أطلب الطلاق؟ مع أنني مازلت متعلقة به وأخاف على ضياع بناتى من فراق أبيهم وأثر الطلاق عليهم فى التربية؟ .
أفيدونى فالوقت يمر والبنات يكبرن ولا أدري ما هو الحل وأخشى ما أخشاه أن يظل هذا الحال إلى ما لا نهاية , فكل المشاكل التى زادت مؤخرا بيننا تبدأ بسبب الخمر ,أرجوكم أفتونى , فأنا أصبحت لا حول لي ولا قوة , والأرق رفيقى والألم يعتصرنى كلما رأيته فى تلك الحالة. أخاف غضب الله علي وعدم قبوله لعملي البسيط في طاعته وأخاف على البنات أن يعين أفعال أبيهم ويتعودن عليها؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عن الأخت همها ويجعل لها منه فرجا ومخرجا، وقبل الإجابة على أسئلتها، نوجه هذه الكلمات للزوج باحثين بها عن البذرة الطيبة التي بداخله فنقول: أيها الأخ الحبيب: اترك الخمر.. وتب إلى الله من هذا المسكر، اترك أصدقاء السوء أصدقاء الكأس، فإنهم بئس الجليس وبئس الصديق، إنهم من قال الله فيهم وفي صداقتهم: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف: 67} وقال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا {الفرقان: 27 ــ 29}
أخي الحبيب: هل تقوى على عذاب الله في نار جهنم؟ إن الخمر من كبائر الذنوب، إن الخمر أم الخبائث، متى ستتوب؟ ولماذا التسويف في التوبة؟ هل تضمن أن تعيش إلى الغد؟ هل أخذت عهداً من ملك الموت أن لا يأخذك إلا بعد أن تتوب؟ بادر أخي الحبيب إلى التوبة ما دام في العمر فسحة، وما دام باب التوبة مفتوحا، فإنه سيغلق إذا نزل بك الموت. قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ {النساء: 18}
أخي الحبيب: إن حياة الطاعة حياة طيبة، فيها راحة وأنس وطمأنينة، جربها وستعرف الفرق بينها وبين حياة المعصية، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97}
أخي الحبيب: إن سبب ضيق الرزق، وضيق القلب، وحياة الضنك التي تعيشها سببها المعصية، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124}
أخي: اسمع نصح الناصحين الذين يريدون لك الخير والسعادة، ومنهم زوجتك الصالحة الناصحة، ودع عنك رفقاء السوء، وعد لأسرتك، وزوجتك وبناتك.
أما الأخت الفاضلة فنقول لها: إن مخالفة والدك في هذا الأمر معصية عليك التوبة منها، وعليك أن تعلمي أن ما حدث قدر لا مفر لك منه، ما أصابك لم يكن ليخطئك، فارضي بقدره سبحانه ولا تقولي: لو، بل قولي: قدر الله وما شاء فعل.
وبشأن سؤالك هل ضيق الرزق سببه ما عليه زوجك من المعصية؟ نقول: إن من شؤم المعصية الحرمان من الرزق وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام السابق، وسبق لنا فتوى بهذا الخصوص برقم: 41620، وأما هل يجوز لك الامتناع عن معاشرة زوجك في الفراش تأديباً له على معصيته؟ فلا يجوز لك ذلك، بل عليك القيام بواجبك نحوه، وإجابته إلى الفراش، إلا في حال حصول الضرر عليك بمعاشرته في حال سكره، فلا حرج عليك من الامتناع عنه, وسبق بيانه في الفتوى رقم: 10714.
وأما بشأن سؤالك هل لك طلب الطلاق؟ وهل من الأفضل الصبر عليه والبقاء معه؟ نقول: أما من حيث الجواز، فيجوز لك طلب الطلاق إذا كان الحال على ما وصفت، وسبق في الفتوى رقم: 35208، لكن لا ننصحك بذلك إلا بعد استنفاد كل الوسائل.
ونوصيك بتقوى الله سبحانه وتعالى، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجاً، وننصحك بالصبر واحتساب الأجر، واللجوء إلى الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء بالدعاء أن يصلح حال زوجك، ويكشف عنك السوء، واعملي ما تستطيعين من أسباب هدايته من نصح، وإهداء شريط، وكتيب، وفتوى كهذه إلى غير ذلك، واحذري كل الحذر من أن يؤثر على بناتك أو عليك أنت ما دمت في عصمته. وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1426(9/4964)
البلاء لا يدل بالضرورة على عدم قبول العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده:
حضرت مع الإمام تكبيرة الإحرام لمدة أربعين يوماً متواصلة في صلاة الفجر رجاء الحصول على براءة من النار وبعدها بيومين توفي لي ابن رضيع فحمدت الله واسترجعت إلا أنني في حيرة من أمري، هل هذه المصيبة تدل على قبول من الله، أم أن الله لم يتقبل مني، مع العلم بأني مستمر في المحافظة على حضور صلاة الفجر مع الإمام منذ ذلك الحين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على توفيق الله تعالى وإياك لهذه الطاعة العظيمة، لكن ظاهر الحديث أن البراءة المذكورة، إنما تحصل لمن واظب على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوماً وليس في صلاة الفجر فقط، ففي سنن الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق. وحسنه الشيخ الألباني.
وما يفعله المسلم من الطاعات لله تعالى مقبول -إن شاء الله تعالى- ما دام فاعلها متصفاً بالإيمان بالله تعالى، وكان عمله موافقاً لشرع الله تعالى، ففي تفسير القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين) : قال ابن عطية: المراد بالتقوى هنا: اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي الشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة، عُلِمَ ذلك بإخبار الله تعالى لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلا. انتهى.
وما حصل لك من بلاء ليس دليلاً بالضرورة على عدم قبول أعمالك الصالحة، فإن البلاء قد يكون سبباً لمحبة الله تعالى لعبده المسلم، ولأن الصالحين من عباد الله تعالى كالأنبياء وغيرهم يكون البلاء في حقهم أشد من غيرهم، إضافة إلى أن المسلم يبتلى بحسب قوة دينه وضعفه، وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 22830، والفتوى رقم: 52762.
وننبهك إلى ضرورة الصبر والاحتساب في مصيبتك ففي ذلك ثواب عظيم عند الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 51892، والفتوى رقم: 14321.
وصلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل المستطيع على الراجح من أقوال أهل العلم، كما تقدم في الفتوى رقم: 1798.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1426(9/4965)
منارات هادية على طريق التوبة والإنابة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الرد علي وليس إحالتي إلى رد سابق، كما أرجو منكم الدعاء لي، فأنا شاب متزوج أصلي وأصوم ومحسوب على العاملين للإسلام، ولكني زنيت ثلاث مرات، وفي كل مرة أبكي وأتوب ثم أعود مع نفس المرأة، وهي للعلم متزوجة، فهل ترى لي من توبة متقبلة بدون حد، وكيف أتوب توبة لا أضعف بعدها أبداً، وكيف يمحى أثر هذه المعصية من نفسي، وكيف أقاوم الرجوع مرة أخرى إلى هذا الذنب، علماً بأني حججت الموسم الماضي حتى أني أحسست بأنه مكتوب علي الشقاء والعياذ بالله، الرجاء الرد السريع علي والدعاء لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال جل وعلا: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، فمن رحمة الله تعالى أنه يغفر الذنوب كلها لمن تاب منها ولو كانت شركا أو زنا أو غيره، كما قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82} .
والله أفرح بتوبة عبده من رجل سقط على راحلته وقد أضلها بأرض فلاة، فإذا تاب العبد توبة نصوحا مخلصة غفر الله سيئاته، بل بدلها حسنات، كما قال تعالى: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، فمن غفرت ذنوبه، بل وبدلت حسنات لا يدخل النار، إلا إذا بقيت عليه ذنوب لم يتب منها، كمن تاب من الزنا ولم يتب من شرب الخمر، فهو تحت المشيئة إن شاء الله عاقبه وإن شاء غفر له؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} ، ولأن أمر التوبة عظيم فقد وضع الشرع لها شروطا لا تتم إلا بها:
أولها: الإقلاع عن الذنب فورا.
وثانيها: الندم على ما فات.
وثالثها: العزم على عدم العودة.
ورابعها: إرجاع حقوق من ظلمتهم، أو طلب البراءة منهم، فإن كان لا يمكن فاجتهد في الدعاء والاستغفار لهم. وسنذكر لك خطوات عملية تبين لك بوضوح كيفية التوبة بإذن الله تعالى:
1- عليك بالمراقبة لله في السر والعلانية، وهو القائل جل جلاله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4} ، فلا يليق بالعبد أن يقابل نعم ربه عليه بأن يعصيه وربه ناظر إليه مراقب لحركاته وسكناته.
2- معرفة ضرر الذنوب: فاعلم أن أثر الذنوب على العبد أشد ضررا من أثر السموم في الأبدان، وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية، وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء أضرارا كثيرة للذنوب منها: الوحشة في القلب- وتعسير الأمور- ووهن البدن- وحرمان الطاعة- ومحق البركة- وقلة التوفيق- وضيق الصدر- واعتياد الذنوب- وهوان المذنب على الله- وهوانه على الناس.... . إلخ. فأنصحك بمراجعة هذا الكتاب القيم، فهو كتاب مليء بالفوائد والعظات.
3- ذكر الموت: كم سيعيش الإنسان؟ سبعين سنة.... مائة سنة.... ألف سنة.... ثم ماذا.... ثم يموت، ثم قبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
4- البعد عن أمكنة المعاصي وأربابها: فعليك أن تفارق موضع المعصية لأن وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى، وأن تفارق من أعانك على المعصية، والله يقول: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} ، ولا يتم لك ذلك إلا بالابتعاد التام عن كل ما من شأنه أن ييسرها لك أو يشجعك عليها، أو يدفع بك إليها، وذلك كالهاتف والأماكن التي تجمع بينك وبين هذه المرأة أو غيرها من النساء، وما شابه ذلك من الأسباب.
5- تذكر الجنة والنار: فكيف يلهو ويغفل من هو بين الجنة والنار، ولا يدري إلى أيهما يصير؟ أما النار: فلو لم يكن فيها إلا قوله سبحانه: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ {المؤمنون:104} ، لكفى، فكيف وهي: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ {البقرة:24} ، ولو سيرت فيها جبال الدنيا لذابت من شدة حرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم، كما في مستدرك الحاكم وحسنه الألباني عن أبي موسى الأشعري: إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم جرت، وإنهم ليبكون الدم.
وأما الجنة: فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فما ظنك بدار ملأها الله من كرامته، وجعلها مستقرا لأحبابه وأوليائه، أرضها وتربتها المسك والزعفران، سقفها عرش الرحمن، بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، والله لا يحرمها إلا محروم.
6- صحبة الصالحين: احرص على أن تختار من الصالحين من يعينك على نفسك وتتأسى به، قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والترمذي.
7- احرص على فعل الواجبات وترك المحرمات، فحافظ على الصلاة في أوقاتها، وداوم على ذكر الله تعالى بالعشي والإبكار.
8 ـ تذكر عظم الذنب الذي وقعت فيه وسوء مغبته في الآخرة، فإن الزنا بالمرأة ذات الزوج أعظم جرما من الزنا بالتي لا زوج لها، وذلك لتعلق حق الزوج برقبة الزاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: من تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم أن يستكثر من الحسنات حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا.
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: فالزاني بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما من التي لا زوج لها؛ إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب عليه لم يكن منه، وغير ذلك من أنواع أذاه، فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل. وقال أيضا: وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه، فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأَمَتِه حتى يتصل بهما.. ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يرب عليها.. ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق له المطالبة يوم القيامة، فإن ظلم الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظم من ظلمه بأخذ ماله كله؛ ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة. انتهى.
9 ـ تذكر أنك تكره هذا الفعل من زوجتك وابنتك وأمك، وكذلك يكرهه الناس لمحارمهم، وفي الحديث عن أبي أمامة: أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وغيره، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح.
10 ـ الإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله عز وجل: أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، وفي الحديث عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال: أبي قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي، فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً تُكفَى همك ويغفر لك ذنبك. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الشيخ الألباني: حسن. والمراد بالصلاة هنا الدعاء.
وما ذكرته أيها الأخ السائل من كونك تصلي وتعمل في حقل الدعوة أقوى دافع لك على ترك ما أنت فيه، لأن الله تعالى يقول: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر ِ {العنكبوت:45} ، ولعل ما أوقعك في هذا مع تدينك هو الأخذ بمظهر التدين لا بحقيقته، فإن التدين الصادق لا تكمن حقيقته فيما يؤديه المرء من أعمال ظاهرة فحسب، بل التدين الحق هو دوام التعلق بالله تعالى، ولا يتم ذلك إلا بلسان دائم الذكر وقلب دائم الفكر وبدن يتعب من عناء تحصيل المراد.
ووصيتنا لك أيها الأخ أن تبحث عن عالم رباني يدلك على الخير ويعينك عليه، ولعلك تجد في القطر الذي تعيش فيه بغيتك. والله نسأل أن يتوب عليك، ويهيئ لك من أمرك رشدا، وأن يشرح صدرك، وأن يلهمك رشدك، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8065، 25397، 35243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1426(9/4966)
الطمأنينة لا تحصل إلا بعد وجود الخوف والوجل
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من قصص الصالحين هناك ذكر لكثرة بكائهم وخشيتهم سوء المصير. أريد أن أسأل كيف يتوافق الوجل والخوف مع حصول الطمأنينة. كيف يجمع المسلم بين الخشية والطمأنينة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الخوف من سوء المصير وعذاب الله مع وجود الطمأنينة، بل إن الطمأنينة الحقيقية لا تحصل إلا بعد وجود الخوف والوجل، وذلك أن خوف العبد من سوء العاقبة يورثه اللجوء إلى الله تعالى والحرص على طاعته والبعد عن معصيته والإكثار من ذكره، وهذا يورثه الطمأنينة. قال تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97} ولهذا أخبر الله تعالى في كتابه أن الملائكة تطمئن عباده المتقين الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا على شريعته، تطمئنهم عند الموت وعند الحشر، ألا تخافوا مما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم من الذرية والأهل تبشرهم بالجنة.
ولولا خوفهم من الله لما حصلت لهم هذه الطمأنينة، فخوفهم جعلهم يقولون: ربنا الله، وجعلهم يستقيمون على شريعة الله فحصلت لهم الطمأنينة.
وانظر للأهمية الفتوى رقم: 31444، والفتوى رقم: 30385، والفتوى رقم: 59303.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1426(9/4967)
سوء عاقبة الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا حديث نبوي (الحرام إذا دام دمر) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من دواوين السنة وكتب العلم على خبر بهذا اللفظ، وإن كان عموم الأدلة يفيد سوء عاقبة الحرام وما يؤدي إليه، فهو يمحق البركة كما قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ {البقرة:276} ، وقال صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. متفق عليه.
كما أن ارتكاب المعاصي واقتراف الحرام قد يمنع الرزق ويدفعه أو يكدر صفوه ولذته فيصير كالمفقود، يدل على ذلك ما عقب به أبو حاتم على ما رواه ابن حبان في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا بالدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر لم يرد به عمومه وذاك أن الذنب لا يحرم الرزق الذي رزق العبد بل يكدر عليه صفاءه إذا فكر في تعقيب الحالة فيه، ودوام المرء على الدعاء يطيب له ورود القضاء فكأنه رده لقلة حسه بألمه، والبر يطيب العيش حتى كأنه يزاد في عمره بطيب عيشه وقلة تعذر ذلك في الأحوال. انتهى. من صحيح ابن حبان إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على سوء عاقبة الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(9/4968)
مما يذهب الهم ويزيل الكرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه قصة أخي ابن أمي وأبي قضى معظم حياته عاطلا عن العمل إلى أن وجد عملاً بنزل تزوج ورزق بابن إلى أن تم العقد مع النزل فتم إخراجه وعادت المعاناة رجل لا يعمل له ابن وزوجة كذلك يقيمان مع أمي والحمد لله أنه تقي لا يترك صلاته متوكل على الله أنها ستفرج ننتظر رحمة ربي ولكن لم تنته المشاكل فقمنا إخوته الخمسة وأمي برهن المنزل الذي يعيشان فيه من أجل الحصول على مال ليدير مشروعا وبعد فترة وجيزة فشل المشروع وبقينا نتخبط مع البنك وهو لا يعمل وخائفون من أن يرمي بهم في الشارع فنخسر أمي وإخوتي الثلاثة لا أعلم ماذا أفعل لذا أكتب لماذا أكتب ربما.....؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنكم، وأن يذهب همكم ويزيل كربكم، ويقضي دينكم ويغني فقركم، وننصحكم باللجوء إلى الله تعالى، والإكثار من ذكره بالتسبيح والاستغفار والصلاة على نبيه فقد قال: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10 ــ 12}
وفي الحديث عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت قال: قلت: الربع قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت: النصف قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال: قلت: فالثلثين قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وقال الشيخ الألباني: حسن
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (فكم أجعل لك من صلاتي) أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي قاله القاريء، وقال المنذري في الترغيب معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك. انتهى
ومن أهم ما يجب عليكم في ذلك أن تتوبوا إلى الله تعالى من القرض الذي اقترضتموه من البنك إذا كان قرضاً ربوياً (وهذا الذي نظنه لعدم وجود قروض حسنة في هذا الزمان) فإن الربا من أكبر الكبائر، وقد وعد الله التائبين المستغفرين بسعة الرزق وكثرة الخير وزيادة القوى فقال: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ {هود: 3} وقال: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ {هود:52} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة. رواه مسلم عن الأغر بن يسار المزني
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6121 // 7768 // 31402 // 26503.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(9/4969)
علامات قبول الله للعبد وعباداته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علامات قبول الله للعبد وللفرائض مثل الصلاة والصيام وباقي العبادات؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلامات قبول الله لعبده ورضاه عنه منها أن يوفقه لطاعته وعمل ما يقربه منه، كما قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ {التوبة:118} ، ومنها كذلك اتصافه بتقوى الله عز وجل فلا يراه حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، فإذا ما كان العبد متصفا بالتقوى ممتثلاً لأوامر الله مجتنبا لنواهيه فهذا دليل على رضى ربه عنه وقبوله لعمله، قال الله تعالى في قصة ابني آدم: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة:27} .
هذا مع التنبيه إلى أن امتثال الطاعات والقرب على الوجه المأمور به شرعاًً يثمر التقوى، كما في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة:183} ، وقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45} ، ولذلك قال بعض أهل العلم من لم تنهه صلاته فلينظر فيها فإن بها خللا، وكذلك صومه وصدقته وجميع ما يتقرب به إلى الله تعالى فثمرته الأولى ما تورثه من الاستقامة والخشية والتقوى، فإذا لم يحصل ذلك فهو دليل على أن هنالك نقصاً، وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 29785، والفتوى رقم: 5646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(9/4970)
أمور تعين على العفة وغض البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب والحمد لله لي من الظاهر ما يدل على الإسلام (لحية خفيفة, تقصير السروال) ، ولكني أعاني من السرائر ومن أعظمها غض البصر عن المتبرجات إذ بحكم الدراسة فإني أركب وسائل النقل للذهاب إلى الكلية وحتى في هذه الأخيرة يكثر الاختلاط وصحبة السوء، فكيف النجاة أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النظر إلى النساء الأجنبيات محرم ولو كان بغير شهوة، فإذا كان بشهوة كانت حرمته أشد، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظرة النظرة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فمن زعم بعد هذا النهي الأكيد أن النظر إلى النساء ليس بمحرم، فقد افترى بهتاناً وإثماً عظيماً، لأنه رد على الله حكمه ونازع الله في أمره، ومعلوم أن من الأسباب المكفرة أن يستحل المرء ما حرم الله أو يحرم ما أحل، قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {النحل:116} .
وإننا لنقول للأخ السائل -هداه الله وشرح صدره- إن الله تعالى وضع في خلقه غريزة الشهوة، وفتح لها من القتوات المشروعة ما يكفي لصرفها، وسد في وجهها كل ما من شأنه أن يتسبب في انحرافها الذي يؤدي إلى ضعف الإيمان وقلة الدين.
ومن أعظم العلاجات لغض البصر الزواج والصيام لمن لا يستطيع الزواج، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بالصيام وعلله بأن فيه حماية لهم من النظر المحرم وفعل الفواحش، وأمر بالزواج، وعلل ذلك بأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
ولا بد للمرء من أن يسعى لتحصيل الأسباب التي تعينه على ذلك ومن أهمها:
1- الابتعاد عن رفقاء السوء الذين يدلون على الشر ويعينون عليه، فهم يوم القيامة أعداء لمن كان يصاحبهم، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} ، ولأن صحبتهم تجلب على المرء أضراراً كثيرة في الدنيا والآخرة، روى الشيخان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة. وفي الصحيحين عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرء مع من أحب...... وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: فإن فيها بعض أسباب تقوى الله وخشيته والثبات على دينه: 24565، 10800، 1208، 59729.
2- مراقبة الله تعالى في السر والعلن، سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه.
وقال الحارث المحاسبي: المراقبة: علم القلب بقرب الرب، كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره. انتهى.
3- تذكر ما ينعم الله تعالى به على المؤمن في الجنة من الحور العين، وأنه كلما ارتفعت درجته كلما زاد نعيمه، وما أحسن ما قاله ابن القيم في نونيته:
وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ * أقوى هناك لزهده في الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض الـ * عينين واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة ترى بجنان
إلا النقار وسيء الأخلاق * مع عيب ومع نقصان
هم وغم دائم لا ينتهي * حتى الطلاق وبالفراق الثاني
والله قد جعل النساء عوانيا * شرعا فأضحى البعل وهو العاني
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن * تفعل رجعت بذلة وهوان
4- أكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وتلاوة القرآن بتدبر وخشوع، فعسى الله أن يصرف به عنك السوء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6617، 1256، 1984، 64768، 25822.
فإن لم تستطيع أن تحفظ دينك بعد كل ما ذكرنا فإن كنت مضطراً لنيل الشهادة الجامعية أو تحتاجها احتياجاً شديداً كأن يتعذر حصولك على ما يسد حاجتك من عمل بدونها فيجوز حينئذ أن تكمل دراستك في هذه الجامعة المختلطة بشروط منها: أن لا تحضر من المحاضرات إلا ما كان ضرورياً لنجاحك، وتخرج لتوك بعد الانتهاء منها، وأن تجتنب النظر والكلام مع النساء، وأن لا تجلس بقربهن، وأن تختار رفقة صالحة تعينك على غض البصر وحفظ الفرج، وأن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة.
ولكن إن كنت تخشى على نفسك من الفتنة وضعف الإيمان فاترك الدراسة فوراً، والسلامة لا يعدلها شيء، واعلم أنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وأما الرزق فأمره موكول إلى الله، وقد ضمنه الله حتى للحيوانات والطيور، قال صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً. رواه البزار وابن حبان وصححه، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(9/4971)
نعم الرب لا تحصى والمطلوب واستشعارها وشكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضيلتكم كلمة مختصرة حول نعم أنعم الله بها علينا وعن فضل الرجوع إلى الله في الرخاء وعند الشدائد لنسخها وتقديمها لإحدى الصديقات؟
وجزاكم الله عنا كل الخير وبارك الله لكم وفيكم على هذه الاعمال العائدة بالنفع على كل المسلمين وجعلها الله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نعم الله تعالى على عبده كثيرة لا يستطيع إحصاءها؛ كما قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا {النحل: 18} وفي هذا المقام ننقل لك هذه الكلمة التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه جامع العلوم والحكم عن النعم واستشعارها وذكر فيها بعض كلام السلف في ذلك فقال: قال مجاهد في قوله تعالى في سورة البلد: ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين. قال هذه نعم من الله متظاهرة يقررك بها كيما تشكر، وقرأ الفضل (هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) فبكى فسئل عن بكائه؟ فقال: هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك عينين تبصر بهما، هل بت ليلة شاكراً لله أن جعل لك لساناً تنطق به.. وجعل يعدد من هذا الضرب، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن سلمان الفارسي قال: إن رجلاً بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله عز وجل ويثني عليه حتى لم يكن له فراش إلا بوري، فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط للآخر من الدنيا فقال لصاحب البوري: أرايتك أنت على ما تحمد الله عزوجل؟ قال: أحمد الله على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم إياه. قال: وما ذاك؟ قال: أرأيت بصرك أرأيت لسانك أرأيت يديك أرأيت رجليك، وعن يونس بن عبيد أن رجلاً شكا إليه ضيق حاله فقال له يونس: أيسرك أن لك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيدك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قال فرجليك؟ قال: لا، قال: فذكره نعم الله عليه فقال يونس: أرى عندك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة، وعن بكر المزني قال: يا ابن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك. وفي بعض الآثار: كم من نعمة لله في عرق ساكن، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ. فهذه بعض تلك النعم ومما يفيد المسلم في ذلك ويشعره بنعم الله عليه أن ينظر إلى من هو دونه في الصحة والعافية والكمال والجمال والغنى وغيرها فيدرك مدى نعمة ربه عليه فيشكرها ولا يكفرها فيزيده ربه من نعمه كما قال: لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.
ومن شكر النعم أن يعرف ربه في حاليه: بؤسه ورخائه فيحمده على رخائه وعلى هين ابتلائه وأنه لم يصبه بما هو أعظم من أرزائه ويستقيم على طاعته في كلتا الحالتين ولا يكون ممن لا يعرف ربه إلا في الشدة والضنك ولا يرعى حقه ولا يؤدي واجبه فهذا على خطر عظيم، وفيه صفة من صفات الكافرين قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {العنكبوت: 65 ـ 66} وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {يونس: 12} وقال تعالى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ {فصلت: 51} ومن كانت هذه حاله فحري أن لا يستجيب الله دعاءه في حال الشدة والضنك، وإن المؤمن الصادق هو الذي يعرف ربه في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء، ويكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما في وصيته العظيمة: يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن. أخرجه الإمام أحمد والطبراني وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح
وقد بين سبحانه فضل أولئك الذين يتعرفون إليه في كلا الحالين فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133 ـ 134} وقد بينا حال الناس في ذلك في الفتوى رقم: 31529، فنرجو مراجعتها. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(9/4972)
الالتزام بالدين ليس معناه ترك التمتع بالطييات
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التزامي أصبحت جادة جدا مالي خلق الدنيا ولا أستمتع بها وأشعر بحقارتها وأتمنى الموت وأنتظره وأستعد له كل هذا أثر علي علاقاتي وخاصة الزوجية زوجي ترك البيت بسبب النكد ويقضي الوقت عند أصدقائه أو عند أمه حاولت أرجعه للبيت لكني غير سعيدة ويشعر أنني أمثل عليه أرى أغلب المتدينين جادين لكن ليس مثلي بهذه الدرجة قبل الالتزام كنت مرحة جدا وسعيدة لأني لا أفكر إلا في الدنيا كيف أسيطر على مشاعري وأفصل بين الدنيا والدين أريد إجابة تريحني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أهم ما يتميز به دين الإسلام أنه دين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، فلا إفراط فيه ولا تفريط، وهودين يوازن بين حاجة الروح وحاجة الجسد، فلا يطغى أحد منهما على حساب الآخر، وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 25338، والفتوى رقم: 26673، وذكر الموت والرغبة في الله تعالى والدار الآخرة من الأمور الحسنة ولكنها لا تمنع المسلم من التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو أخشانا لله تعالى وأعلمنا به، وأكثرنا ذكراً للموت، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. رواه البخاري ومسلم، ولم يمنعه ذلك من التمتع بالطيبات، فهو القائل عليه الصلاة والسلام: حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة. رواه أحمد والنسائي، وروى البخاري ومسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. وروى الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذي نوصيك به هو الاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه، روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً. واعلمي أن من أعظم الحقوق على المرأة حق الزوج، وطاعته في المعروف من أعظم القربات، وراجعي الفتوى رقم: 32549، فينبغي أن تتزيني لزوجك وتحسني عشرته، فإن هذا سبيل لإرضاء الله تعالى ودخول الجنة، فالدنيا يستغلها المؤمن مطية إلى الآخرة.
وننبهك إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا أن هذا لا ينافي شوق المؤمن للقاء الله تعالى كما سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 8137.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/4973)
مغفرتك أوسع من ذنوبي
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري: 28 سنة أريد أن أتوب ذنوبي هي:
1) لا أصلي (عمدا) ، إلاّ إذا كان لي مصلحة دنيوية
2) لا أصوم شهر رمضان (عمدا) ، ودائما أبطل صيامي (عمدا) بالعادة السرية في شهر رمضان
3) فاشل في دراستي رسبت 8 سنوات متتالية حيث تكلف أبي على دراستي الجامعية 80،000$ ذهبت هدرا، لأني كنت أكذب عليه وأقول له إني ناجح
4) سببت الله كذا مرة
5) أتوب ثمّ أعود لعمل كل ما لا يرضي الله ثمّ أتوب ثمّ أعود للشر وهكذا ...
6) منافق: أتوب عندما تنقتضي مصلحتي الشخصية ذلك أي ليس طاعة لله ذاته بل لأي مصلحة دنيوية أو خوفا من دخول النار أو طمعا بالجنة، أي توبة المنافقين
7) متكبر وحسود ولا أتمنى الخير لأحد
8) أشمت بمصيبة غيري لكي تهون عليّ مصيبتي
9) أفقرت أبي بسبب كذبي عليه وصرفي لأمواله على دراستي الفاشلة في أميركا وكنت أصرف أمواله على الملاهي وغيرها
10) أتمنى الشر لكل إنسان يتوفق في مقاصده من هذه الدنيا، لأنني حسود جدا
11) أذكر الله عند عدم تمكني من تحقيق غايتي وإذا لم يساعدني أسبّه
12) أفعل العادة السرية كل يوم 5 مرات
13) أستغيب الناس بالمؤامرات والنميمة
14) بطران
اسئلتي هي:
1) أريد أن أتوب توبة صادقة ليس توبة منافقة لذلك في حال تبت توبة صادقة ثمّ عدت للشر ليس عمدا بل سأسميه إهمالا أو ضعفي أمامه ثمّ تبت توبة صادقة من جديد ثم تكرر ذلك كثيرا كثيرا وهكذا هل يقبل الله توبتي في كل مرة وهل إذا تبت هكذا فالتوبة كل مرة تمحي ما قبلها من الذنوب
3) مع العلم أنني نادم على ما فعلت ندم صادق ولكن أبي لا يصدقني وينعتني بالمنافق ولكن كل ما أريده من الله تعالى أن يتوب عليّ ويعطيني سنتين لكي أنفذ مخططي الدراسي ثمّ أعمل وأرد لأبي ماله كلّه وأيضا أريد من الله تعالى أن يصبرني بضع سنوات لكي أتزوّج.
باختصار: هل يقبل الله توبتي إذا كانت صادقة وفي حال عدت إلى الشر لأن العادات الشريرة التي ذكرتها سابقا\" مكّنتها منيّّ هل يقبل الله تعالى توبتي من جديد وهكذا....
وهل يصبّر الله أبي عليّ حتّى أكون أنهيت دراستي ناجحا هذه المرّة، لكي أعوّض المال 80،000$ الذي صرفته على بطري واللهو والمجون لأني وعدت أبي بذلك فوافق لكن ليس من قلبه لأنّه ما زال يعتقد أني منافق.
بالنسبة للصيام كيف أعوضه (عمري 28 سنة وكنت أفطر دائما بسبب العادة السرية الحقيرة وهل توبتي تعفيني من تعويضه هل يجب عليّ تعويض الصلاة؟
ليس في قلبي شيء من القرآن الكريم؟
أنا كافر حقير منافق حسود متكبر أتمنى الشر للغير ولله نفسه لو أستطيع لأنّه يوفّق الناس الذين أكره لهم التوفيق هل لي من توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأجود الأجودين، وسعت رحمته كل شيء فلا يُحرَم منها إلا محروم، وقد وعد التائبين بالقبول والمستغفرين بالمغفرة، وأن العبد كلما تاب من ذنوبه تاب عليه ولو تكرر ذلك منه مرات، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عبداً أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، قال الله تعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر، فذكر مثل الأول مرتين أخريين. وفي رواية مسلم: قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. يعني: ما دام على هذا الحال كلما أذنب استغفر فإني قد غفرت له. وروى الحاكم عن جابر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: واذنوباه مرتين أو ثلاثا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها، ثم قال له عد: فعاد: ثم قال له: عد فعاد: ثم قال له قم: قد غفر الله لك. وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وقد قال الشاعر:
رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
فمن أذنب ثم تاب توبة صادقة، وندم على مافعل وأقلع عن الذنب، وصمم العزم على أن لا يعود فإن الله سيغفر له، ولو عاد إلى الذنب مرة ثانية ثم تاب توبة كالأولى غفر الله له ورحمه، فعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال: حسن
ومما يعينك على التوبة والاستمرار على العمل الصالح بعدها الالتجاء إلى الله تعالى بكثرة الدعاء له، وخاصة في أوقات الإجابة، وكذلك المحافظة على أداء ما افترضه الله تعالى عليك، وكذلك مصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى، والحذر من قرناء السوء والبعد عنهم، فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. ومما يعينك على التوبة أيضاً البعد عن دواعي الذنب وأسبابه واجتناب مواطنه وأهله، ولا شك أن السفر إلى الدول التي تبيح المحرمات وتنتشر فيها باب عظيم من أبواب الوقوع في الكبائر، ولذا فإنا ننصحك بأن تتم تعليمك في بلد إسلامي إذا تيسر لك ذلك، فإن لم يتيسر وكان العلم الذي تطلبه ليس فرضا عليك (وهذا هو الغالب) فلتبادر بالعودة إلى ديار المسلمين ولتطلب بها علماً آخر ينفعك وينفع جماعة المسلمين، وعليك بصحبة الصالحين ومخالطتهم، كما جاء في حديث الذي أراد أن يتوب من القتل: فقال له العالم: انطلق إلى أرض كذاو كذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. رواه مسلم
ولتعلم أن التوبة ليست نافلة من النوافل إن شاء العبد فعلها وإن شاء تركها، بل هي فرض على كل مسلم، أمر الله تعالى بها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل وعلا: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم مائة مرة. رواه مسلم
ولمعرفة حكم من سب الله تعالى راجع الفتوى رقم: 8927، والفتوى رقم: 12447، والفتوى رقم: 18080.
ولمعرفة شروط التوبة الصادقة نحيلك إلى الفتوى رقم: 24611، والفتوى رقم: 42083، وانظر الفتوى رقم: 41414، ولمعرفة حكم تارك الصلاة وما يجب عليه راجع الفتوى رقم: 25963، أما عن كيفية قضاء الصيام فراجع فيه الفتاوى رقم: 15506، 18752، 19770، ولمعرفة خطر العادة السرية وكيفية التوبة منها راجع الفتويين رقم: 5524، 12596.
ونسأل الله أن يقبل توبتك وأن يوفقك لما فيه الخير والصلاح والفلاح النجاح إنه ولي ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/4974)
المفاضلة بين الذكر والجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد خلاف بين العلماء حول مسألة أيهما أفضل الذكر أو الجهاد قرأت هذا الخلاف في فتح الباري وكتاب الإمام الشوكاني الذي تحدث فيه حول هذا الموضوع فمن العلماء من فضل الذكر وهناك من فضل الجهاد وهناك من فصل في المسألة أود الجواب الكافي في هذه القضية؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن الراجح من كلام أهل العلم في ذلك أن الأفضلية تختلف بحسب أحوال العاملين فمنهم من يكون الأفضل في حقه الجهاد، ومنهم من يكون الأفضل في حقه الذكر أو الصلاة أو غير ذلك من أعمال البر، وعلى هذا حمل العلماء تنوع إجابته صلى الله عليه وسلم لسائليه عن أفضل الأعمال، وانظر تفصيل القول في ذلك في الفتويين التاليتين: 37130، 12178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/4975)
ستر الرب على عبده المؤمن في الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل قبل أن أقبل على الزواج كانت لي علاقه مع رجال لا يعرفون الله وكنت أقيم معهم علاقة غير شرعية أي مداعبة بالأشياء الحساسة في الجسم ولكن دون إيلاج في الدبر. سؤالي الآن عرفت الله وأدعو الله أن يغفر لي ما صنعت ولكن هل لي أن أعرف أن الله قد غفر لي وتقبل توبتي وهل هذه الأعمال تعرض يوم القيامة أمام البشر وما عقاب من كان يستغلني لذلك بسبب ظرفي وهو أنني كنت مطلقة سابقأ
أرجو الإجابه على سؤالي لأنني دائما أتذكر ما فعلت وأحاسب نفسي على ذلك مع أنني لا أريد أن أتذكر ذلك الشيء ولكن دائما في مخيلتي.
السؤال الثاني: إنني أعيش في أميركا ويقيم معي ابن زوجي ولكن سلوكه غير جيد يشرب المسكر ويزني ويكذب ويأخد من مال الحرام فكيف لي أن أهديه لترك ما حرم الله مع العلم أن حياة أميركا كلها حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التائب من الذنب الصادق في توبته كمن لا ذنب له، ولا يرد الله تائباً عاد إليه، وكما ستر الله عليه في الدنيا فيستر عليه في الآخرة، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن صفوان بن محرز قال: بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن أو قال: يا ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يدنى المؤمن من ربه، وقال هشام: يدنو المؤمن حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
فعليك أيتها الأخت أن تستري على نفسك ولا تخبري أحداً قريباً كان أو بعيدا بما سبق من فعلك، وأما ابن زوجك فاجتهدي في نصحه وتذكيره بالله تعالى، وبأن الدنيا إلى زوال وكل متاعها يفنى، وذكريه بحرمة الزنا وعقاب فاعله، ويمكن أن تعطيه الفتوى التالية: 26237، وبحرمة الخمر واستعيني بالفتوى رقم: 14736.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(9/4976)
مدى ارتباط قبول العمل بالبعد عن المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصل وأصلي في جماعة الحمد الله وأصلي الفجر في جماعة أيضا لكن عندي سبب أنا أكلم فتيات على النت وممكن أخرج أيضا معهن لي صديق لا يصلي نهائيا وأكثر من مرة يأخذنى معه فى السيارة ويذهب يبحث عن فريسة وأكثر من مرة كنت سأقع معه في الفاحشة وكان ربنا يستر ولكن أنا ممكن أتصل به وأقول له هيا ننزل نبحث عن فريسة وأنا الذي أطلب منه لكن الحمد الله كل مرة ربنا يستر معي ولكن أنا أصلى جميع الصلوات الخمسة فى المسجد هل ربنا لا يقبل صلاتي ولاعمل الخير الذى أنا أعمله أرجو من الرد علي فى أقرب وقت وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الأخ السائل أن يتوب إلى الله تعالى مما مضى من مكالمة الفتيات والخروج معهن ومن كل ما ترتب على ذلك مما لا يرضاه الله تعالى، وليراجع في موضوع التوبة الفتوى رقم: 12928، كما يجب عليه أن يتوقف عن ارتكاب هذه الأمور المحرمة وهذا من شروط التوبة، وليستعن بالله تعالى على الثبات على التوبة ثم بالأمور التالية:
أولاً: اجتناب رفقاء السوء، والبعد عنهم تماماً، إذ لا يخفى عليه خطر الصحبة السيئة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. رواه البخاري ومسلم. وفي حديث آخر رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. ومع ما يمكن أن يجلب أصدقاء السوء لمن يصحبهم، فإنهم يتبرؤون يوم القيامة ممن يصادقهم ويعادونه، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} .
ثانياً: الارتباط بأصدقاء الخير الذين إذا نسي ذكروه، وإذا ذكر أعانوه.
ثالثا: التعلق بالمسجد وسماع المواعظ والدروس.
رابع اً: تذكر سوء عاقبة المعصية، وما ستكون عليه العاقبة إذا أدركك الموت وأنت على هذا الحال.
فإنك إذا اتبعت هذه الأمور صلح حالك إن شاء الله، وسترى أثر ذلك من طمأنينة النفس، والخشوع في الصلاة، والنشاط في الطاعة وفقك الله وسدد على الخير خطاك، ثم إن ارتكاب هذه المحرمات لا يمنع صحة الصلاة ولا قبولها إذا توفرت شروط الصحة الأخرى وكذلك أعمال الخير؛ لكن لا يمكن الجزم بالقبول لأنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: قال ابن عطية المراد بالتقوى هنا: اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي الشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة. انتهى.
وعلى الأخ الكريم أن ينصح صديقه الذي لا يصلي ويقنعه بالتوبة إلى الله تعالى ويبين له خطورة ترك الصلاة وليطلعه على هاتين الفتويين: 1145، 2175، فإن أصر على ما هو عليه من المنكرات المعاصي فلا يصحبنه بعد ذلك، فإن مثل هذا أعدى من الجرب. والله تعالى يقول: فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام: 68}
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/4977)
ما يتعزى به من ابتلي بفقد عزيز لديه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أخي من حوالي شهر بحادث سير أثناء سفره إلى الجامعة فقد أنهى دراسة الطب وكان يكمل دراسته العليا ويستعد للسفر للخارج للعمل والدراسة ومنذ الحادث لا أستطيع متابعة عملي وحياتي ولا أستطيع التخفيف عن أمي فقد كان ناجحا في حياته بالنسبة لأمي وكانت عائلتنا تأمل منه تحسين أحوالها هل يمكن احتسابه عندالله شهيدا هل ما أصابه خير له ماالذي يمكنني عمله للعودة لحياتي وعملي وهل يسمعنا ويشعر بنا عند زيارة قبره؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 15027، حكم الميت في حادث السير ونحوه، هل يعتبر شهيداً أم لا؟ وذكرنا أن بعض العلماء ألحقه بصاحب الهدم واعتبره شهيداً، ولكن لا ينبغي الجزم بذلك لما بيناه في الفتوى رقم: 42767، وأما هل موته ذلك خير له أم لا؟ فعلم ذلك عند الله تعالى ولا يترتب عليه حكم دنيوي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها، فيسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق. رواه البخاري. وهذا الأمر جار على كل ميت فإن كان صالحاً شهيداً فموته خير له لما سيجده من النعيم، وإن كان غير ذلك فحياته خير له لما ينتظره من العقاب الأليم، وعليك أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله فله ما أخذ وله ما بقي، وكل نفس ذائقة الموت، والمصائب بعد موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هينة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم فقال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي. قال الشيخ الألباني: صحيح
فإذا ما استشعرت أيها الأخ الكريم تلك المعاني ووقرت في قلبك وعقلك فسيخف عليك هول الصدمة وتعلم أن الحياة دار ممر لا دار مقر، وينبغي لكل عاقل أن يكون فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري
واجترار الحزن والأسف لا يرد غائباً ولا يعيد فائتاً، فعد إلى حياتك وعملك واجتهد في طاعة ربك، واحتسب عنده أجر مصيبتك، فقد أعد الله سبحانه للصابرين أجراً عظيماً كما في قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155 ـ 157}
وأما حكم زيارة قبره وهل يشعر بذلك فانظره في الفتوى رقم: 7410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/4978)
مصير من مات ولم يتب من معاصيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد فإذا مات العبد وهو يشاهد الأفلام والتمثيليات والمسرحيات وصور النساء المتبرجات ويؤخر الصلاة ويسمع الغناء ... ....
فهل يتعذب العبد في قبره بسبب هذه الأعمال وأيهما أقرب إلى الجنة أم النار..؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكن الحكم على شخص لم يمت على الكفر بأنه سيعذب في قبره أو يدخل النار، بل إن أمر المؤمن العاصي الذي لم يتب موكول إلى مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. وعلى العبد أن يحرص على البعد عن المعاصي والتقصير في الطاعات ويكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب ليتعلم من الوحي ما يحفزه على الطاعة ويحجزه عن المعاصي وعليه أن يبتعد عن رفاق السوء ويصحب أهل الخير لأن الرجل على دين خليله وابن بيئته، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 2112، 11762، 16778، 15209، 58302، 9115، 23872.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/4979)
أثر الربانية في النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر الربانية في علاقة التلميذ بنفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أثر الربانية في العلاقة بالنفس أن يصلح الرباني نفسه بالعلم الإلهي والعمل الموافق لشرع الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والسعي في إصلاح غيره، ومواصلة جهاد نفسه في تحقيق ذلك حتى يربيها على الإيمان ويزكيها، وراجعي الفتوى رقم: 18859، والفتوى رقم: 53377.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/4980)
التوبة من إفشاء السر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أولا أن أعتذر إن طالت رسالتي ولكني أود أن أوضح كافة أطراف المشكلة منذ 8 أعوام لجأت لي إحدى زميلات العمل لأساعدها حيث إنها حملت من الزنا والعياذ بالله وكانت تريد أن تتخلص من الجنين وكانت نادمة ورجعت إلى الله أردت مساعدتها ولكني خفت من قتل النفس التي حرم الله فقد كانت لدي طفلة في تلك الوقت وخفت من نقمة الله عليَّ ولم أدر ما أفعل فسألت والدتي التي أشارت عليّ أن لا أتدخل في ذلك فاعتذرت لزميلتي وتدبرت أمرها بنفسها حيث ذهبت لطبيب وتخلصت من الطفل مر زمن وهداني الله فتدينت والآن أحس بالخوف من أني ظلمت زميلتي بإفشاء سرها لأمي وأنا نادمة وتائبة فهل هذا يكفيني ليتوب الله عليَّ أم أن هذه من مظالم العباد وعليَّ أن أطلب الصفح من زميلتي علما أنها نسيت الأمر بكليته وتزوجت ولا أحب أن أفتح عليها أمرا لا تريد أن تذكره أحس بالهلع من موقفي يوم القيامة أرجوكم أفيدوني؟
جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان ينبغي لك عند استشارتك لأمك أن لا تصرحي لها باسم زميلتك، وكان يكفي لحصول الاستشارة أن تقولي لها (زميلة) دون ذكر الاسم، وعلى كل حال فينبغي طلب السماح من زميلتك، إلا إذا كان فيه تذكير لها بأمر لا تريد تذكره، وقد يؤدي إلى جرح مشاعرها، فيكفي طلب السماح منها في الجملة، دون ذكر السبب، كأن تقولي لها: قد كان بيننا خلطة ومعرفة قديمة وقد يكون بدر مني بعض الأخطاء في حقك فسامحيني.
وللتنبيه: فإن الإقدام على الإجهاض ذنب كبير والمساعدة عليه من التعاون على الإثم والعدوان فيجب الحذر منه، وتراجع الفتوى رقم: 2208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/4981)
من شكر نعمة العمر استغلاله في طاعة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إني سوف أتزوج قريباً إن شاء الله، ومن زوج أحسبه يخاف الله عز وجل، ولكن لا يوجد عندي نصائح لاستغلال الوقت في طريقة حسنة، للعبادة وللزوج، أفيدونا؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن ييسر لك إتمام هذا الزواج، وأن يقر عينك بزوجك، ويرزقك منه ذرية صالحة.
ولا شك أن العمر من أعظم النعم، وحق النعم أن تشكر فلا تكفر، ومن أفضل الشكر على نعمة العمر استغلاله فيما ينفع في الدين والدنيا، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 31499، والفتوى رقم: 46926.
وينبغي للمسلم تحري الموازنة بين الحقوق قدر الإمكان، فلا يفرط في حق من أجل حق الآخر، وراجعي الفتوى رقم: 52011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/4982)
تفكر المصلي بأمر أخروي في صلاته.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[يوسوس لي وأنا في الصلاة أعمال خير مثل أقول سأسبح بعد صلاتي كذا سأصلي عندما أذهب للبيت كذا فهل هذا من الشيطان؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخشوع في الصلاة هو ثمرتها وفائدتها، فالصلاة بدونه تتحول إلى أفعال وحركات لا حياة فيها، فينبغي للمسلم الحرص على الاتصاف بالخشوع في صلاته حتى يكون من المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون: 1-2} هذا هو الأفضل والأكمل.
وإن تفكر المصلي بأمر أخروي في صلاته كفعل تسبيح ونحوه بعد الصلاة فلا كراهة في ذلك عند بعض المالكية، قال الشيخ محمد عليش في منح الجليل وهو مالكي: ومفهومُ دنيويٍّ أنَّ تَفكرَه بأخروي لا يتعلق بالصلاة لا يُكره؛ بدليل تجهيز عمر رضي الله عنه جيشا وهو يصلي. والظاهر تقييده بعدم إشغاله عنها كما تقدم. ولا يُكره المتعلِّق بها مطلقا، وإن لم يدر ما صلى يبني على الإحرام، قاله اللخمي. وقال غيره: لا يكره الأخروي مطلقا، وإن شغله عنها فلم يدر ما صلى بنى على الإحرام سواء تعلق بها أم لا، وارتضاه العدوي وسلمه البناني. انتهى.
وعند الشافعية لا ينبغي التفكر في أمر أخروي أثناء الصلاة، ففي تحفة المحتاج ممزوجا بشرح المنهاج: ويسن الخشوع في كل صلاته بأن لا يحضر فيه غير ما هو وإن تعلق بالآخرة. انتهى.
واعلم أن الشيطان إنما يوسوس بتزيين المعاصي والمنكرات وليس بالطاعات. قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 268} لكن قد يوسوس بالطاعات إذا كان الغرض إفساد الطاعة التي هو فيها؛ كما لو شغله عن الصلاة بالوسوسة في طاعات يفعلها بعدها.
والأمور المعينة على الخشوع تقدم بيانها في الأجوبة التالية أرقامها: 18033، 9525، 3087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/4983)
كيف تنهض بنفسك
[السُّؤَالُ]
ـ[فإني أطلب من فضيلتكم كلمة تشد بها همتي أمام فتن الدنيا وأرجو أن ترشدني إلى طريقة أوجد من خلالها ثقة بالنفس وعزيمة لتحقيق أهداف لعلها تخدم الإسلام والمسلمين فأنا كلما تحمست أو قررت القيام بنقلة في حياتي (من الكسل إلى الجد والعمل) وجدت نفسي تجرني إلى الكسل والخمول أثناء أول خطوة أخطوها نحو التغيير. على فكرة أنا في 20 من العمر.
جزاكم الله كل خير وثبت الله أجوركم لما يصل للمسلمين من الفائدة ولا تنسونا من صالح دعائكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوالك، وأن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى. وإننا ننصحك بأن تستعين بالله تعالى في جميع أمورك، وأن تعلم أن الله تعالى سيجعل لك مخرجا؛ إن اتقيته باتباع أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2،3} فعليك إذا بما يقوي إيمانك من أداء الصلوات في أوقاتها، والإكثار من النوافل في القيام والصيام، ولا بد لتقوية العزيمة من وضع هدف تسعى إليه، فإن الإنسان بدون هدف يضعف سعيه، ويقل عزمه، ولتكن نيتك في هذا ابتغاء مرضاة الله، لأنك إذا عملت لله، كان عملك متقنا ودؤوبا، لعلمك وأنت تعمل أن الله يراك ويرى أعمالك، وعليك كذلك بكثرة ذكر الله، فإنها باب للفرج، وقد كان من أذكاره صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال. رواه البخاري ومسلم.
ومما يزيد في نشاطك قيام الليل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. رواه البخاري ومسلم.
وفي سنن الترمذي عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد. وحسنه الألباني في إرواء الغليل.
وإننا لنوصيك بأن ترقى بنفسك نحو المعالي وتسلك بها مدارج الصلاح والكمال، ومن جد وجد، ومن سار على الدرب وصل، وإياك والتسويف، واحذر ليت ولعل وسوف ولو أني ... ، ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد، وما بلغ من بلغ إلا بالجد والعمل، لا بالتسويف والكسل.
والتقوى باب من العلم وإلى العلم والعمل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ {الأنفال:29} فرتب الله على التقوى خيري الدنيا والآخرة، وبين تعالى أن من ثمار التقوى الفرقان، وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، والصواب وغير الصواب.
وانظر يا أخي الكريم إلى الأسباب التي أضعفتك وحاول أن تتخلص منها، وارفع يديك إلى ربك الكريم الذي بيده أمرك كله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وصححه الألباني، ونرشدك أخي الكريم أن تطالع الفتوى التالية لعل الله ينفعك بها، وتجد فيها بغيتك، وهي برقم: 9525
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/4984)
ثواب الصبر جزيل ومطلق غير محدود
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأشخاص امرأة متزوجة وعندها ولد حكم على زوجها بالسجن 5 سنوات وهي لا تستطيع أن تراه ولا تجلس عنده في السجن (كما بعض الدول تفعل) وقد مضى على سجنه 3 سنوات فى يومنا هذا أنها لا تستطيع تحمل فراق زوجها عنها بالمدة المتبقية (2 سنة) .
1-هل يجوز للمرأة أن تتخيل بأن زوجها يضاجعها أي معاشرة جنسية بالخيال لكي تخفف على نفسها ومن الشهوة القاتلة.
2-هل يجوز لها العادة السرية.
3-هل الحديث النبوي صحيح أم لا من تخيل بامرأة فقد زنا بها؟
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظ نساء المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وننصح الأخت السائلة بالصبر، فإن من علم ما أعد الله تعالى من الخير العظيم للصابرين هان عليه الصبر وتحمل المشاق، ويكفي الصابرين البشارة من الله تعالى حيث قال: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة: 155} وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} فثواب الصبر مطلق غير محدود، وأجر الله تعالى لعباده الصابرين عظيم، فقد روى الترمذي بسند حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
وقد مضى الكثير من المدة ولم يبق إلا القليل، وننصح باستغلال الوقت وصرفه في الخير من تلاوة لكتاب الله تعالى، ومطالعة في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والقراءة في سير الصالحين والصالحات، وننصح بكتاب صفة الصفوة للإمام ابن الجوزي الحنبلي، وننصح أيضاً بمجالسة الصالحات والمتدينات.
وأما عن تخيل المرأة صورة زوجها فلا حرج فيه بشرط أن لا يكون هناك استمناء بيدها ونحو ذلك كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7170، وأما عن عموم التخيل فينظر الفتوى رقم: 15558.
وأما الحديث الذي ذكرت فلم نقف عليه في شيء من كتب الحديث التي بين أيدينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1426(9/4985)
توبة من اقترف مقدمات الزنا مع ابنة أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يتقي الله يصلي......وقع في فخ الشيطان يتحرش بابنة أخيه ويداعبها ولم يزن بها وندم على ذلك ماذا تقولون له؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمقدمات الزنا من نظر ولمس وتقبيل ونحو ذلك كلها محرمة وذريعة إلى الوقوع في الزنا، ومن أجل ذلك حذر الشرع منها وسماها زنى. وتراجع الفتوى رقم: 11038، وفعل مثل هذه الأمور مع المحارم أشد نكرا وأعظم جرما، وتراجع الفتوى رقم: 24441.
فالواجب على من ارتكب شيئا من مقدمات الزنا مع ابنة أخيه أن يتوب إلى الله توبة خالصة لله، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، وأن يجتنب الخلوة بها والنظر إليها إن أحس من نفسه ريبة وميلا إلى فعل شيء من الأمور المحرمة معها. وعليه أن يتذكر أن عم المرء صنو أبيه فهو كالأب، فالأليق أن يكون حاميا لعرضها لا معتديا عليه، وعليه أن يتذكر أنه بإقدامه على مثل تلك الأفعال معها يسخط عليه ربه وقد يجازيه بمثلها في بناته، فالجزاء من جنس العمل، وتذكره لمثل هذا الأمور قد يكون خير رادع له عن الإتيان بهذه المنكرات وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(9/4986)
أمور تعين على النجاة من الوقوع في الرذيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصل وأصلي في جماعة والحمد لله وأصلي الفجر في جماعة أيضاً، لكن عندي مشكلة وهي أني أتحدث مع الفتيات على النت وممكن أخرج أيضا معهن، ولي صديق لا يصلي نهائياً وأكثر من مرة يأخذني معه في السيارة الخاصة به ونذهب نبحث عن فريسة، وأكثر من مرة كدت أن أقع معه في الفاحشة ولكن ربنا يسترها معي، ولكن أنا ممكن أتصل به وأقول له تعالى ننزل ندور على فريسة وأنا الذي أطلب منه ذلك، ولكن الحمد لله ولكن كل مرة ربنا يسترها معي، وهذا عقلي الباطل، ولكن أنا أصلي جميع الصلوات الخمسة في المسجد، وأسأل هل لا يتقبل مني الله صلاتي ولا عمل الخير الذي أفعله، أرجو من سيادتكم التكرم بالرد علي في أقرب وقت؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما من الله به عليك من التوفيق والهداية للصلاة في الجماعة، فإن الحفاظ على الصلاة نعمة كبرى تغفر بها الذنوب، ويستعان بها على البعد عن المعاصي والفواحش، قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45} ، وقال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} .
وعليك أن تحرص على اتخاذ رفقه صالحة تسلو بها عن صديق السوء وتستعين بها على الاستقامة على الطاعة والبر والتقوى، والأحسن أن تنتقل عن المدينة التي عرفت بها أماكن الفجور إلى مدينة أخرى، كما يتعين البعد عن الاتصال بالأجنبيات مباشرة أو عبر الإنترنت والبعد عن كل ما يجر للفواحش والمعاصي، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30425، 34932، 56356، 33860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1426(9/4987)
هل يجب على من فعل ما يوجب حدا أن يطلب إقامته عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ارتكب المعاصي والكبائر ويريد العودة إلى الله ماذا يفعل قال له أحد المشايخ يجب أن يقام عليك حد الزنا أولا وحد السرقة ثانيا حتى يقبل الله التوبة ماذا يفعل؟ جزاكم الله الخير كله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يتقبل توبة من تاب إليه بصدق، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى: 25} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39}
وعلى هذا الرجل أن يستر نفسه ويخلص ويصدق في توبته، ولا يجب عليك أن يطلب إقامة الحد على نفسه وعلى من أفتاه بغير علم أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22413، 33442، 49568، 57227، 14585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(9/4988)
التوقيع في المنتديات بما يخدش الحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ياشيخ أرجو منك كلمه لإخواننا وأخواتنا الأعضاء بالمنتديات الذين يشاركون بالمنتدى الإسلامي
بغير احتساب الأجر ولا نشر سنة نبينا عليه الصلاة والسلام بل على العكس ياشيخ يكذبون على النبي بالأحاديث غير الصحيحه ولك هذا فقط من أجل تكثير المشاركه ورفع الرصيد بالمنتدى بغير تدقيق أو بحث عن صحة الأحاديث.
ياشيخ بعض الأعضاء مافيه من الوقاحه ما الله به عليم يدخل المنتدى الإسلامي ويضع مشاركه وينصح وهو أساسا ناقله من منتدى ثان وبتوقيعه أوصورة الرمزية صورة فنان أومطرب ولا بعضهم تمادى ووضع صور نساء عاريات وقلة الأدب والحياء أن تأتي عضوة فتاة وتضع توقيعها امرأة يحضنها رجل؟
أفيدونا جزاكم الله خير بعلمكم بآيات القرآن وبأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن بعض الإخوان من كونهم يشاركون في المنتديات الإسلامية من غير احتساب الأجر ولا نشر سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإنما من أجل تكثير المشاركة ورفع الرصيد بالمنتدى، وأن بعضهم تكون صورته الرمزية صورة فنان أو مطرب، وأن منهم من تمادى به ذلك إلى أن وضع صور نساء عاريات، وأنه قد توقع فتاة عضو في المنتدى بما هو صورة فتاة ويحضنها رجل ... إلى غير ذلك من الصور البشعة التي ذكرتها، كلها أمور تدل بوضوح على أن المنتديات المذكورة ليست منتديات إسلامية، وإنما هي منتديات شيطانية.
وأبشع من ذلك كله ما ذكرته من أنهم يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الحديث الشريف: من كذب على َّ فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري.
وعليه فننصح هؤلاء الإخوان بترك ما هم عليه من الانحراف، وبالتوبة إلى الله تعالى، وليتذكروا قول الله تعلى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} وقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل: 25} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم.
وليعلموا أنهم في الحال التي هم عليها متبعون خطوات الشيطان، وقد حذر الله من ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {النور: 21}
ونسأل الله تعالى أن يهدي شباب المسلمين وشيوخهم، ويأخذ بنواصيهم إلى صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(9/4989)
شكر النعم لا يتحقق بهذه الكيفية
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أنعم الله عليه بنعمة يقوم بنقر الخشب أو يطلب من الرائي أن يمسك الخشب، فما حكم هذا العمل الفاسد وما يترتب عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا العمل خلاف ما شرع الله للعباد عندما يجدون نعمة من نعم الله، فقد حض الله عباده على شكر نعمه والاعتراف بها، وأن تكون سبباً لزيادة انقيادهم له وطاعتهم، قال الله تعالى: فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69} ، وقال تعالى: فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {النحل:114} ، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(9/4990)
الوسيلة المثلى لتجديد الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تجديد إيماني وأريد أن أصدق مع نفسي في كل شيء.... جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم الحرص على تجديد إيمانه وثباته على الهداية والاستقامة وصدقه في تعامله مع الله ومع الناس، والوسيلة المثلى لتجديد الإيمان والصدق هي الإكثار من كلمة التوحيد مع تدبر معناها والعمل بمقتضاها وتقويتها بالتأمل في آيات الله الكونية والمتلوة، وفي نتائج العمل بمقتضاها في الدنيا والآخرة، وليستعن بالدعاء وصحبة أهل الاستقامة. ففي الحديث: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني وحسن الهيثمي سنده.
وفي الحديث: جددوا إيمانكم قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله. رواه أحمد والحاكم والطبراني وحسنه العجلوني في كشف الخفاء. وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وخالفهم الذهبي فضعفه لوجود صدقة بن موسى في السند وهو ضعيف.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: للمزيد في الموضوع: 29439، 31768، 12744، 10800، 1208، 16610، 59669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(9/4991)
المعصية في الأوقات الفاضلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة السؤال 296320 أرجو منكم ردا مفصلا لأني بحثت في الفهرس ولم أجد سؤالا مطابقا وأريد أن أعرف كفارة ذنبي لدي إضافه هو أني ارتكبت الذنب يوم الجمعة عند صلاة الظهر والمرة الثانية ارتكبته ليلة كاملة ومن الممكن أن يكون وقت صلاة الفجر هل هذا يزيد من عظمة الذنب علما أن الذنب كان عبارة عن قبل وملامسة واحتكاك وأحضان غير أنه لم يقع بيننا جماع فهل هذا يعتبر زنا وهل يمكن أن يغفرالله لي وماذا يجب عليَ فعله لكي أموت وربي راضٍ عني أرجوكم أن تبعثوا لي ردا مفصلاً؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الفعل محرم قطعاً، وهو زنا لكنه لا يوجب الحد، لأن الزنا الذي يوجب الحد هو ماكان فيه جماع، ولا يعني هذا أن ما سوى ذلك من ملامسة أو ضم أو تقبيل أو نظر محرم لا يسمى زنا، بل إنه زنا، وفاعله آثم إن لم يتب منه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه. وفي رواية مسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: إن ابن آدم قدر عليه نصيبه من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر إلى الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو بتقبيلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا، أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنا المجازي. اهـ
ومن وقع في شيء من ذلك فعليه أن يبادر بالتوبة النصوح، وأن يكثر من الاستغفار والعمل الصالح، وأن يتجنب كل سبب يدعوه إلى ذلك من لقاء أو خلوة أو غيرها، وليحذر كل الحذر من استصغار الذنب والاستهانة به، لأن ذلك من أسباب الخذلان وطمس البصيرة نسأل الله العافية والسلامة، وهذا وإن المغرور من اغتر بسعة رحمة الله تعالى وشمول عفوه حتى تجاسر على معصيته وأصر على ذلك. ولمعرفة شروط التوبة النصوح راجعي الفتوى رقم: 5450.
وأما وقوع المعصية في أوقات فاضلة فإن الذنوب تغلظ فيها، ولا كفارة لذلك إلا التوبة الصادقة والندم والاستغفار، مع العزم الجازم على عدم الرجوع إلى تلك المعصية مرة أخرى، ومن تاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبته ويقيل عثرته، فقد قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 53 ـ 54} وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 12271، والفتاوى المتفرعة عنها، والفتوى رقم: 22857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(9/4992)
الترغيب والترهيب تحفيز للخير وقمع عن الشر
[السُّؤَالُ]
ـ[أخاف الله وأريد أن أتبع طريقه إلا أني بعض المرات ينتابني اضطراب ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم ما يساعد على الاستقامة على الطاعات والبعد عن الاضطراب في المسيرة الإيمانية والتعبدية أن يتخذ العبد صحبة صالحة تدله على الخير وتجره إليه، وأن يجعل لنفسه برنامجاً يومياً في مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب تحفزه للخير وتقمعه عن الشر، وأن يكثر من التأمل في أهوال القيامة وأحوال أهل القبور ويتذكر الموت دائماً، وكلما مالت نفسه واضطربت يحذرها من أن تموت على غير الطريق المرضي عند الله. وقد سبق لنا عدة فتاوى متوسعة في هذا الموضوع فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 15219 // 10800 // 38289 // 1208 // 31768 // 59669 // 41016 // 12744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(9/4993)
العصمة من الوقوع في الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله أن يقدر لنا الخير ويسدد خطانا ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إخواني الكرام، أنا أعيش في بلد أوروبي بغرض الدراسة وطلب الرزق لأن الوضع السياسي والأمني في بلدي حرج جداً لا يمكنني العودة حالياً وبلد إقامة أهلي وهو بلد عربي يرفض منحي إقامة أطول من شهرين، المشكلة هنا أني حيثما أذهب تلاحقني الفتيات ولا أدري ماالسبب, فهن يتوددن إلي في الجامعة وفي مكان العمل وتوقفني في الشارع من لا أعرف بحجة التقاط الصور معي وحين أسأل السبب يقولن إنني حسن المظهر، لقد حاولت تغيير مكان العمل والدراسة ولكن الحال كما هو، لقد حاولت أن أتزوج ولكن أهلي يعارضون بشدة بحجة أنني صغير وأن أختي لم تتزوج بعد ويقولون انتظر 5 سنوات، الآن أنا أكذب وأقول للجميع أني متزوج بهدف إبعاد الفتيات عني، ولكن إحدى الزميلات اكتشفت الأمر وما زالت تلاحقني وقد واجهتني وقالت لي إنها تود أن أزني بها والعياذ بالله، الآن لم أغادر المنزل منذ 4 أيام كي لا ألتقي بها، هي تقول إنها تعلم أن هذا حرام ولا تمانع أن نتزوج عرفيآ أو ما شابه ذلك والعياذ بالله، طلبت منها الابتعاد عني ولكن لا زالت تلاحقني، سؤالي هو: هل أأثم على الكذب وادعاء الزواج، وكيف أقنع أهلي بضرورة زواجي في القريب العاجل، علمأ بأني عندما أتيت إلى هذا البلد كنت أبلغ 17 عاما وأنا الآن والحمد لله خريج جامعي أحضر دراسات عليا، وأبلغ من العمر 24؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثبتك على الاستعصام والعفة، وقدوتك في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام، الذي استعصم من الوقوع في الفاحشة، فرفع الله قدره وجعل له العاقبة، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، قال الله تعالى على لسانه عليه السلام: قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {يوسف:23} ، ودعا ربه واستعان به على أن يصرف عنه كيد النساء، وفضل السجن على الوقوع في الفاحشة، قال الله تعالى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {يوسف:33-34} ، فادع الله أن يصرف عنك كيد النساء، وعليك اجتنابهن ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وأما عن الكذب في إخبارك لهن بأنك متزوج، فلا بأس به إن تعين وسيلة لإبعادهن عنك، وخير منه التورية بأن توري بكلام يفهم منه السامع أنك متزوج، دون أن تقصد الزواج.
وأما عن الزواج فينبغي لك أن تجتهد في إقناع والديك بأهمية الزواج، وخاصة مع وجود القدرة، وأن الزواج ليس عائقاً عن إكمال الدراسة مع ما فيه من الخير، والحفظ عن الوقوع في الحرام، فإن أصرا على موقفهما، وخشيت على نفسك الوقوع في الحرام، فلك الزواج وإن لم يرضيا بذلك، وانظر الفتوى رقم: 18668.
وننبهك إلى أن جواز الإقامة في ديار الكفار مشروطة بأمن المسلم على دينه، فإن كان لا يأمن على دينه وجبت عليه الهجرة فأرض الله واسعة، ولن يعدم المسلم الصادق فيها ملاذاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(9/4994)
وسائل استجلاب حفظ الله وكفايته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري قارب 27 عاماً لم يوفقني الله بالزوج الصالح إلى الآن، وكلما ذهبت إلى مكان تطاردني أعين الفتيات اللائي يحسدنني على ما وهبني الله من حسن الطلعة سواء أصدقاء أو أقارب، وعندما أخلو بنفسي أحياناً لا أجد إلا الدموع سبيلاً لتخرج عني حزني وأحياناً أخرى أتحدث لأمي، فهل هذا قنوط من رحمة الله، وهل يحرمني البكاء من أجر الصابرين، أرجو الإجابة؟ وجزاكم الله خيراً عنا وعن كل المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحقق طموحاتك وأن يرزقك من فضله، وننصحك بالدعاء وبالحفاظ على أذكار الصباح والمساء، وسؤال الله العافية، وخاصة قراءة القرآن وسورة الإخلاص والمعوذتين ثلات مرات مساء وصباحاً. ففي الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء. رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وفي الحديث: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم.
وواظبي على صلاة أربع ركعات أول النهار، ففي الحديث القدسي: يا ابن آدم: صل أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد وابن حبان والطبراني. وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.
واحرصي على تكرار حسبي الله لا إله إلا هو سبع مرات عند المساء والصباح، ففي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناوؤط.
وعليك بالمحافظة على الحجاب الشرعي والعفة والبعد عن الاختلاط، فإن التعفف سبب لتحقيق العفاف؛ لقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله. رواه البخاري من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
وبإمكان أبيك أو ولي أمرك أن يعرضك على أحد الشباب المستقيمين من أقربائك إن تيسر ويزوجك به، ولا يمنعنك من ذلك كونه فقيراً فعسى أن يغنيه الله بسبب الزواج، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله وأنكح لله فقد استكمل إيمانه. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد والترمذي، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
وعليك بالحرص على تخفيف المهر فهو من يُمن المرأة، كما في الحديث: إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها. رواه أحمد من حديث عائشة.
ثم إن الحزن لمشكلة طبيعية لا يدل على القنوط، وراجعي في ذلك وفي رفع الحرج في البكاء الذي لا يصحبه تسخط القدر، وفي أسباب استجابة الدعاء، وفي عرض الرجل بنته على أهل الصلاح.. راجعي في ذلك كله الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1390، 2150، 2395، 23599، 13770، 7087، 34598.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(9/4995)
سعادة الفاسقين.. حقيقة أم وهم وخيال
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونى أفادكم الله فقد كرهت هذه الحياة أنا شخص متقلب المزاج والطباع والشخصية بشكل غريب وأعانى من هذا من سنين طويلة ولا أدرى لذلك تفسيرا فغالبا ما أكون مكتئبا وتسيطر عليَ أفكار سيئة مقززة أخجل حتى من ذكرها هنا وأحيانا قليلة أكون هادىء البال مطمئن القلب مع العلم بأنى دائم الصلاة والصيام والزكاة ولا أقرب الفواحش وأتغير من حال إلى حال بدون سبب أو مقدمات
ودعوت الله كثيرا أن يصرف ذلك عني ويجعل مني شخصا سويا حتى شككت أن دعائى لا ينظر إليه
بل يهمل وأستغفر الله من هذا وأعجب أني أرى الفاسقين والكافرين في حال أحسن مني وفي سعادة
وعندما أقرأ القران أوأستمع إليه ينتابنى شيء كالصدمة الكهربائية تجعلنى أنتفض في مكاني مركزها أسفل العمود الفقرى مع تنميل في يدي اليسرى وأحيانا قدمي اليسرى
والسؤال1- هل هذه أعراض مس أو سحر أو حسد؟
2- هل بإمكان الشيطان تصوير أحداث لم تحدث على أنها حدثت من أجل إرهاق الإنسان وإقلال شأنه بل وتحقيره ثم يوسوس له أنها حقيقة ويلبسها عليه ويستفزه بها مع العلم أني في طفولتي بقيت في غيبوبة تامة عدة أيام نتيجة حادثة تصادم فهل يمكن للشيطان استغلال هذه الفترة في تلبيس أمور لم تحدث على أنها حدثت؟
3- ما هو العلاج إذا كنت لا أعرف راقيا؟
وجزاكم الله خيرا أرجو الاهتمام بسؤالى فإني على وشك الهلاك في الدنيا بل والآخرة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نود أولاً أن نصحح ما ورد في قولك بأنك ترى الفاسقين والكافرين في حال أحسن منك وأنهم في سعادة.. فاعلم أيها الأخ الكريم أن السعادة ليست هي ما يظهر للناس من حسن الهيئة والهندام وبسط الرزق، وإنما هي شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه يجد فيه صفاء النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر وراحة الضمير، وهذا لا يوجد في قلب الكافر أو الفاسق؛ وإنما يوجد في قلوب عباد الله المتقين، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: 124} وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 97} وشواهد هذا من الواقع كثيرة معروفة لمن تفحص واقع الناس الآن بعين البصيرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فاعلم أن المسلم لا يبتليه الله أي ابتلاء فيصبر ويحتسب ويتعامل معه وفق ما شرع الله تعالى إلا وفاه الله أجر ذلك غير منقوص. قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10}
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، ون أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها.
وانطلاقاً مما ذكر نوصيك بأمرين:
الأول: منهما تقوية إيمانك بالله والمواظبة على الأعمال الصالحة، لتفوز بالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
وثانيهما: الصبر وعدم الجزع لتفوز بما وعد الله به الصابرين من الجزاء الوافر.
وأما الذي ذكرته من أعراض فإنها قد تكون لسبب مس أو سحر أو حسد، وقد تكون لأسباب عضوية، وأياً كان الأمر من ذلك فإنه بإمكانك أن ترقي منها نفسك أو تطلب الرقية ممن عرف بالصلاح، ولك أن تراجع في الرقية الشرعية فتوانا رقم: 13277.
ثم سؤالك عما إذا كان الشيطان يستطيع تصوير أحداث لم تحدث على أنها حدثت؟ فجوابه أن هذه هي وظيفته الأساسية، ولكن كيده ضعيف فهو يخنس ويضعف عند سماعه ذكر الله. روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وقال أيضاً: إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم قلبه. أخرجه أبو يعلى في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أنس رضي الله عنه. فعليك بالمدوامة على ذكر الله لتستريح من كيده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1426(9/4996)
القتل لا يحل الخلاف بين الأخوين
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال يا سيدي بارك الله فيكم: إنني في حيرة من أمري وقد أرتكب جريمة قتل إلا أنني أخاف الله وأريد منكم أن تفتوني في أمري والله على ما أقول شهيد السؤال ما هو عقاب من ينكث بعهد الله بعد أخذ الميثاق وأعلم أنكم من أهل العلم والمعرفة وأرجوكم أن تفتوني في أمري فقد تعاهدت أنا وأخي عهد الله أن لا يخونني في هذا الاتفاق حيث إنني كنت مديونا يوما من الأيام بشيك قدره ألفا دينار وعرضت على أخي الأمر ليساعدني وعندها طلب منى التنازل عن قطعة أرض لي وهي سبع دونمات مقابل أن يسدد الشيك ودينا آخر وهو خمسمائة دينار ومبلغا للدولة رسوم التنازل فأصبح مبلغه الذي دفعه ثلاثة آلاف دينار والأمر رهن مقابل أن أدفع له ماله الذي دفعه وتعاهدنا عهد الله على الوفاء ومما زاد ثقتي بأخي أنه حج بيت الله وملتزم بالدين ولكنه الآن ينكر هذا الأمر ويقول إنه بيع وشراء علما أن قيمة الأرض في ذلك الزمن هو عشرة آلاف وخمسمائة دينار وقد كنت أعمل على سمسرة الأراضي وعندي إلمام بها وكان هذا في تاريخ 1998 وقد عرضت عليه أن يكون رهن ولكنه رفض وقال لي بالحرف الواحد أنا أريد أحافظ عليك وأخاف أن تعود لبيعها بزيادة مبلغ بسيط أما الآن فلقد تضاعف سعر الأرض فأصبح 28 ألف دينار أردني وقد عرضت عليه المناصفة كي لا تيئس نفسه ولكنه يزيد إنكارا واستكبارا فطلبت منه أن يحلف على القرآن الكريم على ما قد أوثقنا به العهود وهو عهد الله شاهدا وكفيلا وحلف أنه بيع وشراء ولم يكن بيننا عهد عن توفر المال واسترجاع قطعة الأرض وأنا حالي الآن لا يسر القريب أو البعيد حيث إنني اسكن في بيت والدنا رحمه الله مع أمي وهو أيضا يقاسمنا السكن في نفس المنزل وأنا عاطل عن العمل ولا أملك أي شيء أعيش معهم وقد كنت سابقا آكل واشرب معهم أما الآن فلقد تغير حالهم وهم أهلي ولا يسمحون لي بمشاركتهم الطعام أو الشراب رغم أنهم لا يظهرون هذا الأمر خشية أن تعلم أمي بالأمر وهذا بعد أن طلبت منه أن يرجع لي الأرض ويفي بعهده أما عن تسديد المال فلقد تبرع به لي أحد الأصدقاء عندما أخبرته بحالي ولكن رفض أخي للأمر جعلني أعيد المبلغ لأنني لا يحق لي فيه شيء وأنا أخذته لاسترجاع حق لي وحقيقة أحب هنا أن أوضح لكم بصريح العبارة أن شخصيتي تنتمي تحت بند الشخصية العاجزة أي أنني لا أستمر في عمل ولا في علاقات اجتماعية ولا أجيد النجاح في اي شيء وعمري الآن يناهز 30عاما وأخي عمره 47عاما أنا الآن لا أملك شيئا غير الأمل في الله وفيكم أن ترشدوني وأنا الآن أرسل لكم هذا من مقهى للإنترنت أنا أعاني مأساة حقيقة حيث إنني ورثت عن والدي قطعة ارض كبيرة وبعتها بمبلغ كبير وضاع المال وبقيت أنا بلا رصيد أعمل عند الناس لآكل وأشرب فقط وأخي يعلم بحالي وما آل إليه وإنني تعرضت لعملية نصب كبيرة ولكن لا أملك أي سلاح ضدهم سوى الثقة العمياء التي أعطيها لكل الناس ومحبتي لهم ولرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وأملي في الله أن تعيروا رسالتي اهتمامكم فانا إنسان مسلم وقلبي مع المسلمين أشعر معهم وأتألم من أجلهم فحال المسلمين اليوم حال يدمي القلب وأنا أريد العدالة وأبحث عنها وأريد أن أحقق أمر الله في هذا الأمر احتسابا لثوابه ومخافة عقابه أما حال أخي فهو متزوج وله بنتان وثلاثة أولاد ويملك سيارة أجرة يعمل عليها وعنده مزرعة تبلغ مساحتها 17 دونما وهو أيضا عانى نفس التجربة من بيع الأرض واستغل المال لسفر إلى أمريكا والعمل هناك لكنه عاد فاشلا خالي الوفاض كلنا نعاني من نفس التجربة المريرة مما يجعله أقدر الناس على الإحساس بي ولكنه يرفض إذا أريد أن أفسر الأمر فقد استغل ظرفي وحالي من الدين وهذا يثير غضبي وأنا أسكن معه تحت سقف واحد مما يؤجج مشاعر الغضب والكراهية ولكن إسلامي يمنعني من هذا وأرجو أن تدركوا هذه الحقيقة حقيقة الاستكبار والإنكار ولقد علمت نفسه ما قدمت أنا الآن تروادني وساوس شيطانية أنه يستحق القتل أنا لا أبالي بقانون أو حكومة أو عقوبتهم حتى لو أعدموني فالأمر سيان فأنا مقتول أمشي بين الناس وقد هددته أيضا بأني سأشتكيه للجيران وأجلس في وسط الشارع وكل من يسألني عن سبب جلوسي أقول له أخي آخذ حقي ولا يريد أن يعيده لي فما كان جوابه إلا أن سيمتنع عن مساعدتي بأي شيء وقال بالحرف الواحد قبل لا يزرعك إبليس أنا كنت مسبل وبدء فعلا بحربي فمنعت من الطعام والشراب وعدم استخدام أي شيء يملكونه وهنا أنا بؤرة اليأس فلا عمل ولاشيء فماذا أستطيع أن أقول لكم غير هذا وما خفي كان أعظم لكن الله أسألكم أن ترشدوني إلى شيء أحقق به الحق أو أسترد به حقي أو ما يكون عقابه وما يستحقه لأنني أحس أني إذا عاقبته فسيرتاح بالي وعقلي فأنا لا أريد أهله بأذى أو أن يتربى أولاده تربية يتم مثلي فلقد عشت حياة اليتيم وأقسم بالله أن أقتص لله ربي ولنفسي من الظالم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن قتل النفس عمدا عدوانا من أعظم الذنوب وأشنعها عند الله تعالى، كما جاء في نصوص الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} . وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقا -ومعنى معنقا: خفيف الظهر سريع السير- صالحا ما لم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلح " أي أعيا وانقطع. وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. وكونه لم يؤد إليك حقك ليس مسوغا لقتله.
وعليه، فاحذر كل الحذر أن تفكر في مثل هذه الأمور، وعليك أن تبعد عنك وساوس الشيطان بذلك، فإنه عدو لك يريد لك الخلود في النار. وأي استراحة لبالك ستجدها إذا كان سيعقبها ما سيترتب من سخط عليك من أسرتك ومن المجتمع كله، ومن عقوبة لا نستطيع تصور ما ستكون عليه؟
ولو افترضنا –جدلا- نجاتك من السخط ومن كل العقوبات، فأي فائدة لاستراحة البال إذا كان يعقبها العذاب في جهنم؟
وفيما يتعلق بموضوع نكث العهد فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 46673.
ثم ما ذكرت من خلاف بينك وبين أخيك فيما إذا كانت الأرض رهنا بالمبلغ الذي دفعه عنك أخوك، أو أنه قد اشتراها منك بذلك المبلغ، يمكن أن يحل ببساطة عند المحكمة الشرعية إذا ذهبتما إليها. وستكلفك أنت بالبينة على دعواك، أو تكلفه هو بها باليمين إذا لم توجد بينة عند أي منكما.
وستنهي المشكلة دون أن يكون ثمة ما يدعو إلى القتل أو أي شيء آخر وإذا لم تنحل المشكلة على الوجه الذي يرضيك وظلمت، فثق بأنك ستأخذ مظلمتك كاملة غير ناقصة يوم الحساب، وهناك ستحمد الله أنك كنت مظلوما.
ونسأل الله تعالى أن يصلح حالكم ويهديكم إلى الرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1426(9/4997)
عاقبة الصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخ أكتب لكم عن معضلة ومشكلة أسرتي ... أرجو اتساع صدرك للإجابة علي
التزمت بالإسلام منذ سن 18.شاركت في تأسيس عدد من المؤسسات في الفلبين. عشت في الفلبين منذ1986 وحتى الآن, خطئي الوحيد أنني لم أعد للأردن إلا للزيارات. الحمد لله تزوجت منذ1987 عندي 7 أولاد. باختصار نسال الله الإخلاص عملت في سنة ثانية لأ صرف على الزوجة ثم الأولاد. انقطعت حوالات الأهل في سنة ثانية. الحمد لله أتعاهد الأهل في الأردن شهريا اتصالات ورسائل وحوالات.من الناحية المادية متواصل معهم وانقطع لظروف كل مغترب. ترك عمل أو سداد دين.
مشكلتي زادت بعد موت أخي الثاني بالسرطان, حيث زاد الحمل والطلب, أمي كبيرة في السن وتأخذ دواء لحالتها النفسية منذ صغري, والدي كبير ولا يستطيع المشي. مشكلتي التي أريد أن تجدوا لي حلا لها 1.أختي مريضة نفسيا وحالتها تزداد والسبب زوجة أخي المتوفى وإخواني الاثنان. حيث الثالث منا سيئ التعامل معها وذلك لتفوقها ودراستها منحة وعدم تفوقه وبمشقة أنهى الثانوي.يقول لها كلاما جارحا وأخي الأصغر شارك زوج أخي بوضع دواء عصبي لها لا يناسبها مما قضى عليها..أخي السيء يعمل في السعودية..نسال الله صلاحه. أخي الصغير طامة علينا حيث يعمل ولا يشارك معنا في شيء والأسوأ أن عنده بنتا في البيت نظام قرد فرند لا يراعي والديه وأخيه الملتزم وأخته. ويعمل على عمل حياة أختنا جحيم وهي مريضة وتطلب مني أن أحضرها للفلبين وما عندي سعة, وأخشى إن رأت الزوجة والأولاد مرضها أن يتأثروا بها سلبا. بناتي 11 و 8 سنوات.
قلت لوالدي أخرجوا الأخ الصغير من البيت لأنه ـ زان ـ قالوا لا، يضيع وتزعلوه. ونغضب عليك. عمره 25.أختي 29 بدون زواج.
هناك أقارب نعلم أنهم يعملون سحر على أهل البيت..
أكاد أتحطم ممن أرى منهم وأثر في ذلك سلبا. عملي في الفلبين جيد
أرسلت أحد الأولاد منذ سنتين تأثر سلبا بعمه يقطع صلاه الخ. أريد حلا 17 سنة تعاهد الأهل وهم سبب مشاكلي ومشكلتي أنني متزوج من زوجتين. أم العيال مشكلة لوحدها. غيرة وإزعاج..الخ وأختي أصبحت أكره كلامها لأنه كله معاد. وزوجتي أم العيال (نق وقر) على الرأس. ماذا أفعل. حيلتي نفذت ما أدري ماذا أفعل.. بالله عليكم أنجدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أيها الأخ الكريم- أن المسلم لا يبتلى أي ابتلاء فيصبر ويحتسب، ويتعامل معه وفق ما شرع الله تعالى إلا وفاه الله أجر ذلك غير منقوص كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155-157} وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. {الزمر:10} . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها.
وعليه، فما ذكرته من حال أسرتك سبب كبير في الغفران لك، وفي فوزك عند الله بالأجر الكثير إذا صبرت عليه، وتعاملت معه بالحكمة، ونوصيك بالرضا بقضاء الله تعالى وقدره وتفويض الأمر كله إليه، فإن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وراحة البال وطمأنينة النفس. والاعتراض على الله تعالى في قضائه وقدره وعدم الرضا بذلك هو محض الخسران في الدنيا والآخرة وقضاء الله نافذ لا راد له ولا معقب لحكمه.
فنوصيك –إذا- بعدم الانزعاج مما ذكرت، وبالتعامل مع الوضع حسبما يناسب. ونوصيك بالإحسان إلى والديك وأختك ومن احتاج إليك من إخوانك بقدر استطاعتك، وعليك بالدعاء لإخوتك وأهلك في أوقات الاستجابة بالصلاح والاستقامة، فقد قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} . وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذا نكثر قال: الله أكثر. رواه أحمد والحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(9/4998)
من آثار الحسنات حصول سرور في النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية من عند الله طيبة مباركة
وجزاكم الله خير الجزاء
أفيدونا أفادكم الله
لاحظت أنني حينما لا أصلي الفجر في جماعة أكون مضطرباً بشدة وضربات قلبي غير متوازنة وأخاف أنني مصاب بمرض القلب ولكن حينما أصلي أشعر بالهدوء خاصة قلبي كما أفيدكم أنني غير متدين للدرجة التي يمكنني أن أمنح هذا الفضل كما لا أريد أن أضع نفسي في غير موضعها وأخاف أن الشيطان يملي لي ذلك من باب الغرور والكبر لنفسي،،
أعاذنا الله وإياكم من الكبر وادعو الله لنا بالثبات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأداء الصلاة جماعة في المسجد فضلها عظيم خصوصا إذا تعلق الأمر بصلاة الصبح التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها: من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم. رواه الإمام مسلم في صحيحه، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 63098، والفتوى رقم: 23962، فلا غرابة إذا أحسست براحة واطمئنان بعد أداء صلاة الصبح في جماعة، فذلك من آثار فعل الحسنات، والحسنات سبب لنور القلب وسرور النفس، كما أن السيئة ظلمة في القلب وضيق في النفس.
قال ابن الحاج في المدخل: فالحسنة لها نور في القلب وسرور يجد العبد حلاوة ذلك السرور وضياء ذلك النور ولن يدع الله جل ذكره المطيعين حتى جعل لهم بالطاعة اللذة والنشاط وقرة العين وحلاوة القرب إليه انتهى.
هذا إضافة إلى أن الصلاة عموما تجلب الطمأنينة وراحة القلب لأنها داخلة في عموم ذكر الله وقد قال تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنها: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها. رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
فجاهد نفسك على الاستقامة على أوامر الله تعالى بما في ذلك المحافظة على جميع الصلوات جماعة في المسجد، ولا تلتفت إلى وسوسة الشيطان ومكايده لكي يثبطك عن هذه الطاعة فيفوتك ثوابها أو يزرع الغرور والكبر في نفسك. وهذا من أمراض القلوب المهلكات.
وللفائدة راجع الفتاوى رقم: 28759، 51827، 51414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1426(9/4999)
التوفيق إلى التوبة وكيفية الاستقامة عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نكون صرحاء ونتكلم بدون أقنعة ومباشرين, في البداية أبلغ من العمر 32 سنة وقد كنت شابا مسلما ولكن إسلام تلقين وليس إسلام يقين كما أي مسلم منتسب للإسلام في وقتنا بالاسم فقط ولكن منذ 09 سنوات تغيرت تغييرا جذريا فاقترفت جميع أنواع الذنوب الكبائر منها واللمم حتى الزنا لم أعد أرضى أن أزني بواحدة بل أصبحت أجمع بين اثنتين ومارست حتى الزنا الجماعي حيث تجتمع مجموعة من الشباب والشابات السكارى ولا نميز أي امرأة من الأخرى بل يكن كالبهائم بالنسبة لنا فنفعل بهن ما نشاء ونشتهي على الرغم من أنني متزوج ولي طفلان أما الخمر فحدث ولا حرج فقد ملكت كياني حتى إنني لا أصبر عنها أبدا فأنا أشربها من طلوع الشمس حتى الليل أحيانا بل أكثر الأحيان والرشوة والغيبة والنميمة والمخدرات....الخ أما عن الطاعات فلا آتي منها أبدا ولو بالنزر اليسير فلا صلاة ولا ذكر ولا صدقة ولا حتى صيام رمضان فلا أصومه ... وأختصر لكم شخصيتي الآن بجملة واحدة لا غير وهي أنني أصبحت شيطانا في جسم آدمي أفرح بالمعصية وأستاء من الطاعة وعندما أسمع القرآن تضيق نفسي وأفر منه ولا أستطيع تقبله ... ...
وأظن أنه تكفي هذه اللمحة الخفيفة على ما أنا عليه حاليا واعذروني على عدم استحيائي من ذكر هذه الأمور فالحياء معدوم ولو كان موجودا أصلا لما جاهرت الله بالمعصية ولكن في الأيام الأخيرة بدأت أخشع من سماع القرآن أو الأذان وأصبحت أغار أحيانا من الذين أراهم يذهبون للمسجد أو أغار أحيانا إذا مر بي شاب مسلم ملتزم أو شابة ملتزمة وليست غيرة حسد بل غيرة من يتمنى لو كان مثلهم والسؤال هو ليس هل تقبل توبتي أو لا تقبل فالأمر معروف //تقبل توبة العبد ما لم يغرغر//ولكن السؤال هو كيف أقلع عن كل هذا وقد علمتم ما علمتم عني كيف أريد منكم إجابة واضحة ومفصلة أريد منكم أن تعطوني برنامجا يوميا من الصباح إلى الليل يغير كياني فانقلب من شيطان آدمي إلى ملك آدمي وإنني جاد في هذا أريد أن أكفر عن كل ما فعلت وأن أصبح سباقا للخير وليس علما من أعلام الشر والفسق والفساد فهل هذا ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى جل وعلا أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يهيئ لك من أمرك رشدا إنه سميع مجيب.
وينبغي أن تعلم أيها الأخ الكريم أن الله تعالى أراد بك خيرا وتفضل عليك حين شعرت بالندم على ما اقترفته من المعاصي والآثام، فبادر إلى التوبة النصوح قبل أن يبغتك الموت عسى الله أن ينقذك من الهلكة التى كنت على شفا جرفها وهي نعمة ومنة تستوجب الحمد وتقتضي الشكرفقد قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 118} قال الطبري: هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه {الرحيم} بهم أن يعاقبهم بعد التوبة أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظر الفتوى رقم: 5450.
وأما كيفية الإقلاع عما كنت تقيم عليه وكيف تتبدل حياتك تماما من معصية إلى طاعة وإنابة ومن لهو إلى جد واستقامة فعليك بعد التوبة النصوح أن تسلك الخطوات التالية:
أولا:اتخاذ رفقة صالحة مستقيمة ترشدك إلى الالتزام وتنأى بك عن حضيض المعاصى والآثام. وتبتعد عن أصدقاء السوء فالصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28}
ثانيا: إذا استطعت أن تترك القرية أو البلد الذي أنت به إلى مكان تستطيع أن تعبد الله فيه ويغلب على أهله الصلاح فذلك مما يعين بإذن الله تعالى لما فيه من ترويض النفس على الطاعة ولفتها لذلك بالمشاهدة والمماسة وفي قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ما يدل علي ذلك ففي الصحيحين من حديث أبي س عيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة.
ووجه الشاهد من الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين، ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم، وتتأكد بذلك توبته. اهـ.
ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى وقراء القرآن والصلاة فقد قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} وقال: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وقال: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت: 45}
رابعا: أن تبتعد عن التسويف والتمنى ففي الحديث: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله. قال الترمذي: هذا حديث حسن ومعنى قوله من دان نفسه يقول حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة، ويروى عن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه.
وأما ما تركته من صلاة وصيام فانظر فيه الفتوى رقم: 12700.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 8371، 20894
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1426(9/5000)
بعض الحكم من الابتلاء بالمصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي تاجر يملك بعض العقارات ويعمل عنده عمال مسلمون وبعضهم غير مسلم وتعود علينا هذه العقارات بالنفع الكثير والحمد لله.. وكان الحال طيبا منذ أكثر من سنتين تقريباً ... ولكن قبل حوالي خمسه أشهر بدأت بعض الأمور تسوء وتخترب الكثير من المعدات إلى أن أتى صباح يوم وجاءت الأخبار أن أحد سائقي الشاحنات توفي وهذا السائق باكستاني مسلم وتم عمل الإجراءات وتسفير جثمانه ... وكذلك كان سائق شاحنة آخر مسلم أيضاً ذاهباً بالمواد إلى مدينة أخرى وحصل له حادث مع سيارة صغيرة (وكان الخطأ على السيارة الصغيرة) وتوفي رجل من هذه السيارة.. ولكن حدث ضرر كبير في الشاحنة ... وإلى هذه اللحظة تحصل الكثير من المشاكل في هذه العقارات.. مع العلم بأن والدي ووالدتي يحافظون على الفرائض والسنن ويتصدقون ويعملون الخير دائما.. والحمد لله، لكن بالنسبة لوالدي فرغم أنه يعمل الخير إلا أنه في بعض الأحيان يشرب الخمر ... أما في شهر رمضان فهو لم يقرب الخمر أبدا.. حتى هذا اليوم الذي كتبت فيه هذه الرسالة ... ادعو له بالهداية ... أثابكم الله أفتوني في هذا جزاكم الله خيراً، لأننا تحيرنا كثيراً فلا نعرف أهذه عين أم حسد أم ابتلاء من الله سبحانه وتعالى أم ماذا؟ أجيبوني جزاكم الله كل الخير ... ودلوني على الحل الأمثل, بارك الله فيكم وأحسن إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمصائب التي تصيب الناس في الدنيا لها حالات:
فإن كان العبد قائماً بأمر الله، متمسكا بشرعه، مستقيما على دينه، فيرجى أن يكون ما أصابه من مصائب رفعة له في الدرجات، ومثقلا لموازين حسناته، ففي الحديث الشريف: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
وإن كان العبد مقيما على معصية الله، مفرطا في دينه، لاهيا عابثاً، فقد تكون المصائب والآفات التي يبتلى بها تنبيها له من الله ليتوب ويرجع قبل فوات الأوان، وقد تكون عقوبة له في الدنيا نظير ظلمه لنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.... رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
وعليه.. فلا يبعد أن تكون تلك الابتلاءات التي لحقت بكم، والمشاكل التي تصيب عقاراتكم وأملاككم هي من جراء ما ذكرته عن أبيك من شرب الخمر، فإن الخمر أم الخبائث وشربها من كبائر الذنوب والآثام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} .
وفي معجم الطبراني الأوسط عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخمر أم الخبائث، فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوماً، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية. والحديث حسن.
فعليك أن تنصحي أباك بالابتعاد عما حرمه الله، فإن ما ذكرت أنكم فيه من النعم يستوجب عليكم الشكر لله بصرف نعمه فيما يرضيه، لا أن يستعان بها في معصية الله، فإن ذلك كفران للنعم، وإن كنت تظنين أن الذي ألمَّ بكم هو من الحسد والعين، فلك أن تراجعي في علاج ذلك فتوانا رقم: 32262، ونسأل الله الهداية لأبيك ولعامة المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1426(9/5001)
البلاء الحقيقي في الدين لا في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وأقيم فى أمريكا ولقد من الله على بفضله بولد ست سنوات وبنت ثلاث سنوات ومنذ ولدتها أصبت بالآم فى الفك والرقبة والأكتاف والذراعين والظهر وتطورت لتصيب الجسم كله وطفت على الأطباء وتشخيصهم أن عضلاتى فقدت مرونتها نتيجة الضغط العصبي وازداد ألمى لأن العلاج غير مجد وأصبت بالاكتئاب الشديد منذ ثلاث سنوات وأخذت أتعالج من الاكتئاب خلال هذه السنوات وتلقيت علاجا طبيعيا لعضلاتى وفقراتى التى خرجت من مكانها بلا جدوى بل زاد اكتئابى لعدم وجود شيء يساعدنى وقال الأطباء لا علاج لحالتى مما زاد آلامى وحيرتى ومن الأطباء من قال عملية للفقرة المنزلقة ربما يساعد على التخفيف من الآلم ولكن بلا تأكيد فهى تجربة
وهكذا مع الوقت قررت وقف علاج الاكتئاب لضيقى أن آخذ شيئا غير طبيعى ليساعدني ولظني أني أستطيع تحمل الألم بدونها والآثار الجانبية أيضا ولكن بعد أن أوقفته ظهرت الآلام شديدة جدا وطفت مرة أخرى على الأطباء ولكن نفس الكلام علاج طبيعى أو عملية مع أخذ حبوب الاكتئاب بعد أن عانيت وأنا أبطلها لأعراضها الانسحابية الشديدة وذهبت لأمكث مع أهلى ليساعدونى وأوقفها ولكنها إرادة الله أن يشتد الحزن والاكتئاب لدرجة قوية بعد توقف الدواء وبعد عودتى لبلاد الغربة ولم أنقطع عن البكاء والذهاب إلى عيادات الأطباء مع الدعاء والتضرع إلى الله أن يخرجنى من آلامى الشديدة والاكتئاب والغربة وضاقت فى وجهى السبل فآلامي مزمنة وأحزانى كما قال لى الطبيب مزمنة أيضا وأنا أخاف على أولادي وأنا في الغربة لاأملك من أمري وأمرهم شيئا ولا أستطيع مساعدتهم ومساعدة نفسي لقد كرهت أن أبقى في الغربة ولكن زوجي عمله هنا وأريد العودة لأهلي ووطني وأحن كل يوم وأبكي وأدعو الله أن يشفينى وأعود لبلدي مصر ولكن كل من حولي يقولون لا تعودي فمصلحة أولادك في أمريكا حيث التعليم والتقدم ولوجود عمل زوجي فيها ولكني أصبحت مريضة حزينة وأحس بالوحشة وأبكي وأريد العودة
أمامي اختيار أن آخذ حبوب الاكتئاب مرة أخرى وأستسلم لحكم أطباء أمريكا وحتى أبقى في أمريكا ويبقى أولادي
ولكني لا أحب هذه الحبوب أليس الله قادرا أن يشفيني بدونها
أريد العودة إلى مصر ولكن والداي يخافان أن أضيع حياتي وأولادي معي إذا عدت هل كتب علي أن أغترب ولا أستطيع العودة إلى بلدي التي أحبها وأحس أن حالتي ممكن أن تتحسن ولو قليلا هناك ولكن زوجي يحب أمريكا وابني أيضا وهذا يقف حائلا أن عود هل لي أن أعود وأتوكل على الله بدون زوجي بدلا من عذابي وحدي ولا أنفع أولادي لمرضي ولا نفسي فقط مريضه مكتئبة هل أستطيع ترك زوجي وحده إلى أن يجمعنا الله فقد مرضت من الغربة ولا أطيقها مع وجود مرض العضلات أم آخذ حبوب الاكتئاب وأصبح سجينتها مرة أخرى
هل لي أن أختار وهل أنا بهذا أكون آثمة وسيعاقبنى الله أكثر؟
هل إذا توقفت عن زيارات الأطباء ولم آخذ علاج الاكتئاب واكتفيت بالتوكل على الله أكون مخطئة مع أني ذهبت إلى كثير من الأطباء ولم أدع علاجا جديدا وقديما إلا جربته وسعيت وأنفقت كثيرا ولكن كله بيده وإذا مرضت فهو يشفين
وهل دعائى لن يستجاب لأني أعيش في بلاد الكفر مأكلي حرام لأن أحيانا نأكل من أكلهم مضطرين لظروف مرضي وهل وتكون بهذا سدت كل الطرق في وجهي لقد تعبت وأتمنى الموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم لك الشفاء العاجل، وأن يفرج همك ويزيل غمك إنه سبحانه على كل شيء قدير.
وعليك بالمداومة على الرقية الشرعية وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى والمحافظة على صلاتك وسائر ما أوجب الله عليك.
ونذكرك أيتها الأخت بأن الله تعالى الذي خلقك من العدم، ورزقك وأنت نطفة، وصورك فأحسن تصويرك، وخلق قلبك النابض ودمك الجاري وجوارحك المتحركة قادر على شفائك فأكثري من الدعاء، واعلمي أن عاقبة الدعاء خير، وما يظنه الناس أن إجابة الدعاء محصورة في تلبية ما طلب الداعي غير صحيح، ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر.
والله تعالى يبتلي عباده فإن صبروا فلهم الأجر وإن سخطوا فلهم السخط، وتذكري ما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قال بلى: قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. وانظري الفتوى رقم: 25111. ففيها بيان منزلة الصابرين، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: 51946. لبيان أن الدنيا دار البلاء، ونقول لك أيتها الأخت الكريمة: احمدي الله تعالى أن جعل بلاءك في الدنيا لا في الدين، واعلمي أن من ابتلي بأصناف الأوجاع والأمراض وهو صابر محتسب خير له من أن يكون صحيح البدن معافى الأعضاء وهو مبتلى بترك الصلاة أو فعل الذنوب، لأن الأول مبتلى في دنياه وهي إلى زوال ومقام الإنسان فيها وإن طال فهو قصير، وأما الثاني فبلاؤه في دينه، ومن خسر دينه خسر آخرته، ومن خسر آخرته فقد خسر كل شيء قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الزمر: 15}
وأما بشأن حكم العلاج والتداوي فسبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 27266. والفتوى رقم: 30645.
وأما سفرك بغير إذن زوجك فلا يجوز، بل عليك طاعته والبقاء بجواره والعناية بأولادك فهم بحاجة إلى عاطفتك وحنانك. فإن أذن لك زوجك في السفر إلى أهلك والمقام عندهم فلا مانع من سفرك على أن يصحبك حال السفر محرم؛ لما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم.
ولا يخفى عليك أن أكل ما هو محرم لا يجوز إلا في حال الضرورة الملجئة كالمضطر لأكل الميتة، ولا يخفى عليك أنكم لم تبلغوا مثل هذه الحالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(9/5002)
فقدان لذة العبادة.. الأسباب والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر في بلدي أننا فقدنا اللذة في شهر رمضان، فقبل ست أو سبع سنوات كنت أحس بلذة رائعة وجو يا سبحان الله ما له مثيل، أما الآن فأحس أن شهر رمضان الكريم كأنه يوم عادي ولا أدري هل السبب في الفتن التي توجد الآن أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهر رمضان شهر عبادة من صيام وصلاة وقراءة للقرآن وذكر لله عز وجل، فإذا كان المرء مشتغلا بهذه العبادات في هذا الشهر مع الإخلاص لله عز وجل، فلا شك أنه سيجد في قلبه لذة العبادة والطمأنينة ويزداد إيمانه، ومن لم يشتغل بهذا الأمر فإن رمضان عنده يصير مثل سائر الأيام التي تمر ولا يستفيد منها.. ولا يبعد أن يكون ما يشعر به الأخ السائل من عدم وجود لذة العبادة وضعف إقبال الناس على العبادة في هذا الشهر ناشئاً عن الفتن أعاذنا الله وإياه منها ما ظهر منها وما بطن.
وهنا ننصح السائل الكريم بصحبة الصالحين والبعد عن كل ما يؤدي إلى الافتتان وأن يكثر من هذا الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقد كان هذا الدعاء أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم، كما ننبه أيضاً على أن شهر رمضان وإن كان شهرا يزيد فيه الإقبال على الطاعة والجد فيها فإن المؤمن يعبد الله تعالى ويراقبه في سائر الشهور وسائر الأيام وسائر الساعات، فلينتبه لهذا ولينبه عليه إخوانه، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 1208، والفتوى رقم: 10943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(9/5003)
الخاتمة لا يعلمها سوى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[تنتابني الوساوس الشديدة أثناء الصلاة التي تجعلني أشك وأعيد وأعيد وأعيد إلى أن أترك تأدية الصلاة كي لا أكون أفعل بدعة لا أرتاح بعد الصلاة لأني لا أؤديها كما يجب وأشعر سوء الخاتمة من ذلك وهذا يحدث ونحن في رمضان جربت دعاء الوسوسة ولم يتغير الحال كثيراً نفسي الإمارة بالسوء تدفعني دفعا إلى جهنم، أمصيري جهنم، لا أريد أن يكون مصيري في جهنم أني أبكي وأنا أكتب مخافة جهنم وقلبي القاسي أيمكن أن يكون ذنبا اقترفته أو معصية هي من جعلتني هكذا، وما نوع أو شاكلة هذا الذنب أو المعصية، أرجو سرعة الرد لا أضمن الحياة من الموت وأخاف مقابلة الله وأنا على هذه الحال ... أخاف مقابلته وأنا تاركة لديني وهي الصلاة، وكنت قد رأيت حلما للشيخ الشعراوي يكلمني ولا أتذكر جيدا إذا كان الحديث معه ذكر فيه الصلاة أم لا ولكني سألته إن كان رآني في الجنة فقال لا ونهضت من نومي هالعة ولا أذكر كم مرة من الوقت ولكن أذن للفجر بعد هذا الحلم، ولكني لم أبصر هذا الحلم في رمضان ... ما معنى هذا كله، أيعني سوء الخاتمة والنار وبئس القرار، أم هناك حل لمشكلة الصلاة ومن سوء الخاتمة الذي أستشعره، أنجدوني إني أستغيث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يعتري الأخت السائلة إنما هو الوسواس وكنا قد ذكرنا ماهيته وعلاجه في الفتوى رقم: 3086، والفتوى رقم: 12128.
ولا علاج له مثل الإعراض عنه والالتجاء إلى الله تعالى، وكيفية الإعراض إذا عرض في موضوع الصلاة أن تصلي، فإذا وسوس لها الشيطان أثناء الصلاة أو بعدها فلتُعرِض عن وسوسته ولا تعيد مرة أخرى لأن ذلك لا يزيده إلا طمعاً في وسوستها حتى يتركها لا تثق بعبادة فعلتها، ومن هنا فلا بد من الإعراض عن كل هذه الوساوس، وعند الإعراض عنها ستجد السائلة أن الشيطان قد يئس منها ولو عاود مرة أخرى أعرضت عنه أيضاً فهو لا يريد لها الخير.
هذا مع قراءة المعوذتين فإنه ما تعوذ بمثلهما متعوذ مع كثرة ذكر الله تعالى والمحافظة على الطهارة من غير إفراط ولا تفريط، ثم إن على الأخت السائلة إن كانت قد عملت ذنبا أن تتوب إلى الله تعالى فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإن تابت تاب الله عليها، والتائب حبيب الله فلا ينبغي للأخت السائلة أن تيأس من رحمة الله عز وجل وعفوه، وما دامت تخاف الله تعالى وتتقيه فإنه لا يعذبها فضلا منه، وإن لم تكن قد ارتكبت ذنبا تعلمه فعليها أن تستمر في الالتزام بطاعة الله تعالى من أداء الصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض مع اجتناب المحرمات.
أما مسألة رؤيا الشيخ المذكور؟ فإن الموقع ليس مختصا بتعبير الرؤيا.. وعلى كل حال فإن هذا ليس دالا على سوء الخاتمة ولا أنها من أهل النار، فالمسلم مأمور بامتثال أمر الله تعالى، والخاتمة لا يعلمها إلا الله تعالى والشيخ المذكور لا يعلم عاقبتها ولا أنها من أهل النار ولا غير ذلك، كل ذلك لا يعلمه إلا علام الغيوب سبحانه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، وقد يكون ما رأته من الشيطان ليحزنها ويصدها عن سبيل الله، فلا تلتفت إلى هذه الرؤيا، وعليها بتقوى الله قدر الاستطاعة ثم إحسان الظن بالله تعالى، فإنه سبحانه عند ظن عبده به. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(9/5004)
توبة المسلم من النظر الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا في سن المراهقة تلصصت على امرأة عزباء وهي تغتسل، هل تكفي التوبة من هذا الذنب أم أن للمرأة حقا علي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يغض بصره ويحفظ فرجه ويتقي الله تعالى في سره وعلانيته، فقد قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وقال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {غافر:19} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:.... فالعينان تزنيان وزناهما النظر.. الحديث. رواه البخاري ومسلم.
ولذلك فإن عليك المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله عز وجل والعزم الجازم ألا تعود لمثل ذلك فيما بقي من عمرك، فقد قال سبحانه وتعالى: ... وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *.....إلى أن قال: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:69-70} ، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، فإذا صدقت توبتك غفر ذنبك ولا يشترط لذلك إعلام المرأة بل لا يجوز لك إعلامها، فإن عليك أن تستر نفسك ولا تعلم أحداً بما جرى، ولتعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(9/5005)
المعصية من أعظم أسباب ضيق الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 24 من العمر مشكلتي أن أبواب الرزق مغلقة في وجهي مع أن أهلي ميسورو الحال وساعدوني كثيرا ولكن دون جدوى شيطاني كبير يبعدني عن عبادتي، مع أن جميع من يعرفني يمدحني بطيبة القلب والنشاط وكثرة النخوة ومساعدة الآخرين. قال لي الكثيرون إنه أجري لي سحر، وبالفعل منذ أكثر من 5 سنوات أنا أرى أوراقا ذكر فيها اسم الله وكلام الله وكلمات كثيرة تطلب الفقر لي وكره الناس لي وأنا أشك في أحد الناس وحاولت كثيرا عند الشيوخ ولم يستطع أحد مساعدتي وأنا أبكي بدل الدمع دما من هذا الحال ومن نظرة الشفقة لي في عيون من أحب. أنا دائم الفقر واليأس وكثير الدَّين. قالو لي: الصلاة، حاولت آلاف المرات ولم أستطع المتابعة أكثر من يومين، أريد حلا لأني منهار النفس والقوة والله وحده أعلم بما في داخلي، أرجوكم أريد حلا لهذا القهر الدائم؛ لأن الجميع بدأ ينصرف عني لأنهم وجدوا لا جدوى مع حالتي. وجزاكم الله خيرا كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم – أيها الأخ الكريم – أن ضيق الرزق وسعته من أقدار الله تعالى على عباده، فيبسط الرزق للبعض ويضيقه على البعض، وكل ذلك لحكم بالغة. قال الله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {العنكبوت:62} . وقال تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {الزمر:52} . ومعنى يقدر: يضيق.
وإن من أعظم أسباب سعة الرزق تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق:2، 3} .
منها أيضًا كثرة الاستغفار فإنها سبب عظيم من أسباب الرزق. قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-12} .
وكذا صلة الرحم، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
ومنها أيضًا كثرة الإنفاق في سبيل الله والصدقة ابتغاء وجهه تعالى، والبعد عن التعامل بالربا. قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {البقرة:276} .
ومن أعظم أسباب ضيق الرزق معصية الله تعالى، ففي المسند وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وإذا كنت ترى أنك مسحور فواظب على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار الدخول والخروج، فإن الذكر يحصن الله به الإنسان من شر كل ذي شر.
ولا مانع من أن ترقي نفسك بالرقى الشرعية، وتتعالج عند من هو معروف بالعلاج الشرعي من أهل الاستقامة على السنة.
وما ذكرته من أنك حاولت الصلاة آلاف المرات وأنك لم تستطع المتابعة أكثر من يومين - إن كنت تعني به صلاة الفريضة – فاعلم أن تركها من أعظم الذنوب. وقال بعض المحققين بكفر صاحبه. ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 36119.
ونوصيك بالصبر وعدم القلق في هذا الشأن، وعدم الاستسلام للخواطر والوساوس الشيطانية، كما نوصيك بالإكثار من الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(9/5006)
شبهات وجوابها حول التوكل وتحمل الأذى والإيثار
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع الذي سوف أطرحه ليس واضحا في ذهني لكن سوف أحاول طرحه إن شاء الله.
1- التوكل على الله في كل شيء وخاصة في المصير والضرر.
2- ماهي حدود المسلم إذا أراد القيام بعمل بر أو خير وانجر عنه الأذى، فما هي الحدود لكي لا يقع في فخ \"إلقاء بنفسه في تهلكة\". التوضيح: 1 - سوف استند إلى قصة سيدنا إبراهيم عندما أتاه جبريل وسأله حاجته عنده فقال له \"أما لك فلا\".
هل يجوز لي أن أرفض بعض المعونات والمساعدات لبعض الإشكاليات التي وقعت فيها من جراء الإزعاجات اليومية التي تحصل لمسلمي اليوم، وبذلك سلمت أمري لله وحده ولم أطلب مساعدة من أحد غيره ورفضي لها, وبذلك كنت قد قبلت وصبرت, إن شاء الله, على أي حال كتبه الله لي. وبذلك توكلت عليه وحده فقط, فإن شاء فرج عني كربتي وإن لم يشأ أكون من الصابرين.
2- الموضوع الثاني مرتبط بالأول، وسوف استند على قصة سيدنا موسى الذي \"أتاه الطير الجارح وطلب أن يخلي سبيل العصفور لأنه قوته, فقال له خذ من جسدي ... \" أرجو أن تكونوا قد عرفتم القصة إن كانت موجودة حقا، إلى أي مدى يمكن أن يضحي المسلم من أجل عمل لله الذي قد يسبب له الإزعاج أو الأذى إن أراد هو قبول والصبر على ذلك. إن استثني من كلامي هذا الأحكام الشرعية الواضحة وغير القابلة لنقاش هل يجوز لي إحياء بعض السنن كاللباس و ... التي قد تسبب لي الأذى، هل يجوز لي أن أعرض الخطر بنفسي لكي لا يقع لمسلم آخر، إن كان نعم, فما هو تفسير الآية الكريمة التي تتحدث عن عدم الإلقاء بالنفس للتهلكة، الرجاء محاولة فهم السؤالين نظرا لصعوبة الكتابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حقيقة التوكل على الله والثقة به في الفتوى رقم: 21491.
وذكر الإمام ابن رجب في كتابه القيم جامع العلوم والحكم عن إسحاق بن راهويه قوله:.. ومن كان ضعيفا وخشي على نفسه أن لا يصبر أو يتعرض للسؤال أو أن يقع في الشك والسخط لم يجز له ترك الأسباب حينئذ.. قال ابن رجب: فلا يرخص في ترك الأسباب بالكلية إلا لمن انقطع قلبه عن الاستشراف إلى المخلوقين بالكلية. كما في قصة إبراهيم عليه السلام وإن كان في صحة ذلك الجزء منها مقال، فهي من رواية كعب الأحبار وقد ذكرها العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الألباس، والسيوطي في الدر المنثور، والبغوي في التفسير وغيرهم وقد احتج بها أحمد كما ذكر ابن رجب عنه فإنه سئل عن التوكل فقال: قطع الاستشراف باليأس من الخلق، فسئل عن الحجة، فقال قول إبراهيم عليه السلام لما عرض له جبريل وهو يرمي في النار، فقال له: ألك حاجة، فقال: إما إليك فلا.
وأما ما يهدى إليك ويأتيك من غير سؤال ولا إشراف نفس فخذه إذا كان حلالا، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، ففي الصحيح عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر مني فقال: خذه. إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك. رواه البخاري.
وليس قبول العطية مثل سؤال الناس، فالمسألة لا تحل إلا لمن كان من أحد الثلاثة الذين تجوز لهم المسألة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته حاجة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن قد أصابه فقر وحاجة فحلت له المسألة حتى يجد قواما من عيش، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهي سحت. رواه النسائي والدارقطني والبيهقي.
وأما قصة موسى فلم نقف عليها فيما اطلعنا عليه من كتب أهل العلم، وأغلب تلك القصص إنما هي من الإسرائيليات، ولم يثبت منها إلا القليل، وقد اختلف فيما ثبت هل هو شرع لنا أم لا، كما بينا في الفتوى رقم: 62554.
وأما معنى الآية فكما قال البغوي: (التهلكة) أي الهلاك، وقيل: التهلكة كل شيء يصير عاقبته إلى الهلاك أي لا تأخذوا في ذلك، وقيل: التهلكة ما يمكن الاحتراز عنه. وقد رجح الطبري العموم في سبب ذلك وأن كل ما يؤدي إلى الهلاك داخل فيها حسا أو معنى، فالحسي مثل ترك النفقة وإعداد العدة للعدو مثلا، والمعنوي مثل ارتكاب الذنوب الموبقة وعدم التوبة منها.
ولا يدخل في التهلكة أنواع الأذى بسبب التمسك بالدين، فكل مسلم متمسك بدينه عرضة لأن يلحقه الأذى في ذلك السبيل، قال الله تعالى: ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
ومن هنا فإحياؤك للسنن وإماتتك للبدع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد بين ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين ضابط ذلك ومتى يجب ومتى يحرم ومتى يجوز، فقال: لتغيير المنكر مراتب أربع: أن يكون تغييره يؤدي إلى زواله ويخلفه معروف خير منه، فهذا واجب التغيير والإنكار، والمرتبة الثانية: أن يكون تغييره إلى زواله ولكن يخلفه منكر دونه فهذا واجب التغيير أيضاً. والمرتبة الثالثة: أن يؤدي تغييره إلى زواله ولكن يخلفه منكر مثله فهذه مرتبة اجتهاد يوازن فيها الداعية بين المصالح والمفاسد فما ترجح لديه عمل به. والمرتبة الرابعة: أن يؤدي تغييره إلى زواله ولكن يخلفه منكر أعظم منه فهذا يحرم تغييره ... انتهى منه بتصرف.
وأما مسألة ردك عن أخيك الأذى وتحملك له فهو من الإيثار الممدوح شرعاً، قال الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ {الحشر:9} ، قال الزركشي في المنثور: الإيثار مندوب إليه ممدوح فاعله وهو ضربان: أن يكون فيما للنفس فيه حظ فهو مطلوب كالمضطر يؤثر بطعامه غيره إذا كان ذلك الغير مسلما.... كذا جزم به الرافعي تبعا للبغوي والإمام والشيخ أبي محمد وغيرهم ... قال الرافعي: يجب الدفع عن الغير عند الخوف على النفس قطعاً. وقال الإمام في باب حول الفحل لا خلاف في استحباب الإيثار وإن أدى إلى هلاك المؤثر وهو من شيم الصالحين ... والضرب الثاني: الإيثار بالقرب وهو مكروه.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: الإيثار كله محبوب حتى في القرب ومن ذلك إيثار عائشة لعمر بالدفن مع صاحبيه، ومن الإيثار بالنفس ما ثبت في الصحيح أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
إذاً فالإيثار بتحمل الأذى عن الغير فضيلة لمن قوى إيمانه وصبره وتوكله على الله، كما قال النووي في روضة الطالبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1426(9/5007)
معيار التوفيق ليس هو جمع الدنيا والمال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 23 عاما أصلي وأعبد الله عز وجل ولكني غير موفق في حياتي نهائيا وأنا عندي أب هو رجل مادي جدا يحب المال حبا جما وهو دائما يطلب المال مني وأنا أعمل بمبلغ 100 دينار أردني شهريا أدفع له 50 دينار شهريا والباقي يبقى معي وهو الذي طلب هذا المبلغ ولكنه دائما يغضب علي ويقول الله يغضب عليك ولا يوفقك وأنا غير موفق في حياتي مع العلم أني لو أعطيته كل المال الذي أشتغل به سيظل غضبان علي وأنا أعرف ومتأكد أن أبي غلطان وأنا لا أعقه بل أطيعه وأنا إنسان عابد لله وأخاف الله
هل عدم توفيقي بالحياة سببه أن والدي غضبان علي ويدعو علي أم يوجد سبب ثان مع العلم أني لو أعطيت أبي كل شيء سيظل مثل ما هو أرشدوني ماذا أفعل وهل في حالة غضبه علي يستجيب الله لدعائه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يخامرك مثل هذا الشك فأي توفيق للمرء بعد هدايته وطاعته لربه وخوفه منه والتزامه بما أمر واجتنابه لما نهى. وليست الدنيا والمال معيار توفيق ولا مدار سعادة وإنما تتوقف سعادة المرء على مدى إيمانه ورضاه بقضاء الله وقدره. صحيح أنه ينقصك رضا والدك عنك وينبغي أن تحرص على مرضاته وتتجنب مساءته، فبر الوالدين من أوكد الحقوق على المخلوق بعد حق الله تعالى كما قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الأسراء 23 ـ 24}
وفي الحديث: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه فقال: يارسول الله إن هذا قد احتاج إلى مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. رواه أحمد في مسنده.
وفي رواية عند البيهقي وابن ماجه وصححها الألباني قال الرجل: إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. وذكر ابن العربي في أحكام القرآن للحديث قصة قال: ينبغي له أن يعلم أنهما ولياه صغيرا جاهلا محتاجا فآثراه على أنفسهما، وسهرا لياليهما وأناماه، وجاعا وأشبعاه، وتعريا وكسواه، فلا يجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر إلى الحد الذي كان عليهما، وذكر القصة وفيها أن الشيخ لما شكاه ولده قال:
غذوتك مولودا ومنتك يا فعا ... ... ... ... ... تعل ما أجنى عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت ... ... ... ... لسقمك إلا ساهرا أتململ
فلما بلغت السن والغاية التي ... ... ... ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... ... ... ... ... كأنك أنت المنعم المتفضل.
فلما قالها أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال: أنت ومالك لأبيك. وذكر القصة أيضاً السبكي في رسالته في برالوالدين.
فتجب المبالغة في برهما والإحسان إليهما وتجنب ما يؤذيهما واتقاء دعائهما إلا بالمحبوب، فإن دعوة الوالدين مستجابة كما بينا في الفتوى رقم: 6807، ولذلك ورد النهي عن دعاء الوالدين على أولادهما كما في الفتوى رقم: 9898.
وإذابالغت في الإحسان إلى أبيك ودفعت إليه حاجته من المال وتلطفت معه بالقول وأظهرت العناية به والنزول عند رغبته فلعله يرضى عنك، فقد جعل الله في نفسه شفقة مودة ورحمة بك، كما أن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها. ومن بر الوالدين دفع المال لهما ولو كانا بغير حاجة له كما بينا في الفتوى رقم: 54694، وابتغ بذلك وجه الله تعالى وسيجعل لك بعد العسر يسرا وقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2 ـ 3}
وينبغي أن تترك الوساوس فإنها من الشيطان، وينجي منها بإذن الله أن تعتصم بذكره وتلتجئ إليه وتكثر من قراءة المعوذتين وآية الكرسي وأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، وكذلك الإكثار من الطاعات والبعد عن جميع المعاصي والمحرمات والمبالغة في بر الوالدين وإكرامهما بما ينبغي، وقد بينا حقيقة بر الوالدين في الفتوى رقم: 36657، 66308.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1426(9/5008)
وضع الخطط لإنفاذ الأعمال وهل يثاب المرء على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في التخطيط للعمل مع قول إن شاء الله ثواب، وما الدليل على ذلك من صفات الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التخطيط للأمور والتدبير لها مشروع في الجملة، وهو لا ينافي التوكل على الله تعالى ما دام قلب المرء متعلقاً بالله تعالى واثقاً فيما عنده، وقد أمر الشرع بالأخذ بالأسباب في تحصيل المطلوب فجعل الإيمان سبباً في دخول الجنة، وأمر بالعمل لذلك والاجتهاد فيه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط للحروب والغزوات كما خطط للهجرة من مكة إلى المدينة، وأمر الله المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم إلى آخر ذلك من الأمور الدالة على ما ذكرنا.
ومع هذا فالمؤمن يوقن أن ما يدبر له لا يحصل إلا إذا شاء الله تعالى، قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29} ، وقال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا* إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ {الكهف:23-24} .
ولا شك في رجاء الثواب لمن امتثل أمر الله تعالى في الاستثناء عند التصريح بأنه يريد أن يفعل كذا، ويكون أجره على حسب تعلق قلبه بالله وتوكله عليه، ويختلف بحسب الأمر الذي يخطط له، فقد يكون مباحاً وقد يكون واجباً وقد يكون مستحباً وقد يكون مكروهاً، فيكون ثوابه في التخطيط له على قدره.
وننبه هنا إلى أن النية الصالحة قد تحول العمل المباح إلى قربة وطاعة يثاب المرء عليها كما يثاب على الإعداد لها، وراجع الفتوى رقم: 20460، والفتوى رقم: 66776، والفتوى رقم: 44978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1426(9/5009)
هل تريد أن تعيش سعيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحقيقة أنني لا أشعر بالسعادة في حياتي, كما أني أحس أني عالة على الآخرين ولا أنفع لشيء بتاتا, فهل تستطيعون مساعدتي بشيء أو نصيحتي بأشياء أفعلها أو أحاديث أذكرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسعادة هي التي ينشدها كل الناس، وقليل منهم من يوفق إلى سلوك طريقها الصحيح، وإذا فقد الإنسان السعادة كان كمن يتقلب في جحيم ولو ملك الدنيا بأسرها، ولا وسيلة لتحقيقها إلا بالفرار إلى الله عز وجل والقرب منه واتباع شرعه.
وهي كما يقول أحد العلماء: شيء معنوي لا يرى بالعين ولا يقاس بالكم ولا تحتويه الخزائن ولا يشترى بالدنيا ... ، هي شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه، ... صفاء نفس، وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير.
وهذا كله يوجد في الإيمان العميق بالله سبحانه، وفي ذكره ومراقبته والعمل الصالح ابتغاء وجهه، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل:97} .
هذا الإيمان والعمل الصالح هو الذي جعل السلف يقولون: إننا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف. وقالوا: إنه لتمر علينا ساعات نقول فيها لو كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه إنهم لفي عيش طيب.
فالسعادة شجرة ماؤها وغذاؤها الإيمان الحق بالله وبالدار الآخرة، ومهما أوتي الإنسان من الأسباب المادية فلن يصل إلى السعادة إذا خلا قلبه من الإيمان وعقله من القرآن وهدفه من مرضاة الله.
وعليه، فالذي ننصحك به هو السعي في أسباب تقوية الإيمان، والمداومة على ذكر الله وتلاوة القرآن، وفعل الأعمال الصالحة، وراجعي في وسائل تقوية الإيمان الفتوى رقم: 10800.
وثقي بالله، واعلمي أنك لست عالة على المجتمع وإنما أنت مثل سائر الناس، والذي تعتقدينه في نفسك وساوس لا حقيقة لها، وإذا أخذت بهذه النصائح فستجدين لها تأثيراً عاجلاً -إن شاء الله- على ما ذكرت، وراجعي الفتوى رقم: 29559.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(9/5010)
نصائح للاستفادة من الحواسيب وعدم عصيان الله بها
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ جزاكم الله عنا خيراً: أنا شاب أبلغ من العمر 26 عاماً قد أنعم الله على بالهداية من ثلاث سنوات بفضل الله أقلعت عن الاستمناء وظللت كذلك حتى اشترى إخوتي جهاز كمبيوتر فبدأت أتعامل مع الكمبيوتر وطبعاً كان إخوتى حملوا عليه الكثير من الأفلام والأغاني المصورة وصور لبنات شبة عاريات بدأت أشاهد ذلك كله في البداية كان بدون قصد ثم أصبح بقصد فعدت مرة أخرى للاستمناء بعد عام ونصف أصبحت أجلس معظم وقتي أمام الكمبيوتر ويعلم الله أن لا أجلس إلا للدخول على المواقع الدينية أو سماع درس دين أو قراءة الكتب الدينية وحاولت أن أجاهد نفسي حتى لا أشاهد هذه القاذورات، ولكن مرة ذهبت لقائمة آخر الملفات التى شغلت بالجهاز وجدت ملف فيديو باسم يثير الشهوة ففتحت الملف فوجدته فيلما جنسيا وأتبع ذلك مشاهدتي لأفلام أخرى يكون الدافع هو الفضول ثم أشاهد لقطات لم أشاهد أي فيلم كاملاً بل أشاهدها وبداخلي نفور لذلك، ولكن لا أستطيع مقاومة الشهوة ولم يحصل ذلك إلا من20 إلى 30 مرة خلال سنة وأنا بدأت من 8 شهور طلب العلم بطريقة منهجية، ولكن بعد أن أصمد شهر أو أكثر أعود لمشاهدة هذه القاذورات وأنا أمارس الاستمناء مرة أو مرتين أسبوعياً وأتحسر على السنة والنصف التى تبت فيها من هذه العادة القبيحة ولم أمارسها فيها ولو مرة فهل لمثلي أن يدعي طلب العلم أم أتركه لأني لا أصلح لأن أكون داعية يوماً ما، ومع العلم أن الكمبيوتر والإنترنت مهمان جداً بالنسبة لي فقد عرفت من خلالهما الكثير عن أمر ديني خلال عام ونصف وهي المدة التي مضت على دخول جهاز الكمبيوتر إلى بيتنا، أرشدوني إلى الصواب وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأجهزة نعمة من الله تعالى يتعين على العباد استخدامها فيما يرضيه والبعد عن استعمالها فيما يسخطه، لأن الله تعالى أتم النعم ليشكر وينقاد له انقياداً كاملاً، قال الله تعالى: وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6} ، وقال تعالى: كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ {النحل:81} .
ومن الوسائل المساعدة على الاستفادة العلمية من هذه الأجهزة والبعد عن العصيان بها تقوية الإيمان واستشعار المراقبة وألا يخلو الإنسان بالجهاز، وأن يبرمج مع بعض الطلاب أوقاتاً يجتمعون فيها لمدارسة مادة أو سماع درس علمي أو غير ذلك.
ومن الوسائل كذلك الزواج وصوم النفل وترك فضول النظر والفكر وكثرة مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب، وأما العادة السرية فهي محرمة لما فيها من اعتداء ما أباح الله ولما فيها من الأضرار، وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6617، 23868، 52421، 31768، 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1426(9/5011)
توبة المرتد الذي تكررت الردة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل توبة الإنسان إذا وقع في الكفر أكثر من مرة وأراد أن يتوب توبة صادقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48074، 20894، 33782، 36141، 54989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(9/5012)
التوبة والتستر بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 24 سنة مشكلتي كبيرة فقد ارتكبت من المعاصي ما يغضب الله تعالى وقد تبت وأدعو ربي أن يقبل توبتي فقد كنت أصلي منذ سن مبكر ثم تركت الصلاة ثم عدت للصلاة مرات عديدة حتى تركتها نهائيا وذلك بسبب مرافقتي لأصحاب السوء وأنا أعلم أنها عماد الدين بل الأكثر من هذا فقد زنيت ثلاث مرات وأنا أعلم أنه حرام، مع العلم بأنني غير متزوج وشربت الخمر مرات عديدة قد تصل في أبعد تقدير إلى 80 مرة واستعملت أنواعا مختلفة من المخدرات وأنا أعلم أنه حرام وأفطرت 3 أيام في أحد أشهر رمضان وأنا متعمد بل الأكثر من هذا أكلت أموال الناس بالباطل وأنا الآن نادم أشد الندم وأدعو الله أن يغفر لي وأن يقبل توبتي فهو الغفور الرحيم، سؤالي هو كالتالي: بالنسبة للصلاة أصلي صلاة الصبح لهذا اليوم وبعدها أصلي 6 صلوات صبح أخرى وهكذا الظهر والعصر ... إلخ لمدة 3 سنوات حتى أكمل ما فاتني من الصلاة، فهل هذا جائز، أما بالنسبة للزنا فعقوبة الزنا 100 جلدة فهل تكفي 100 جلدة أو 300 جلدة وكذلك بالنسبة للخمر أتكفي 6400 جلدة أو 80 جلدة فقط وإن كان كذلك فكيف، وهل بتوبتي يسقط عني العقاب؟ أما بالنسبة لرمضان هل أصوم 6 أشهر متتالية أو شهرين ثم أستريح ثم شهرين ... ؟ أما بالنسبة لأموال الناس هل أرجع لهم أموالهم وأطلب منهم السماح وفي هذا حرج أو أرجع لهم أموالهم عن طريق غير مباشر كأن ينوب عني أحد الأصدقاء، مع العلم بأن مجموع قيمة هذه الأموال ليس بالشيء الكثير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك للتوبة ومن عليك بالصلاح والاستقامة، ونسأله سبحانه تعالى أن يثبتك على ذلك حتى الممات، وفيما يتعلق بسؤالك، فأول ما نوصيك به هو أن تستر نفسك بستر الله جل وعلا، وأن لا تطلع أحداً على ما كان من أمرك، حتى ولو كنت في بلد تطبق فيه الحدود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
وإذا تمت لك التوبة النصوح فإن الله جل وعلا غفور رحيم، وقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} .
ومما يعين على التوبة من المعصية البعد عن دواعيها وأسبابها، ومواطنها، واجتناب أهلها، واستبدال ذلك بمخالطة الصالحين، والجلوس عندهم، والسماع منهم....
واعلم أنه ليس من شروط توبتك أن تجلد أية جلدة، لا في الخمر ولا في غيره، وأما ما أكلته من أموال الناس بالباطل، فإن توبتك لا تتم إلا برده إلى أهله بأي وجه تيسر لك، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 42975.
وأما موضوع الصلاة والصيام، فنحيلك فيه على فتوانا رقم: 12700، ومنها يتبين لك أنك إذا قضيتهما بأي وجه يلائمك تكون قد برئت ذمتك منهما، ولا تلزمك كفارة الصيام عند جمهور أهل العلم إلا أن تكون جامعت في نهار رمضان وأنت صائم ولكن التكفير أحوط لك، وهو مذهب المالكية الذي هو مذهب بلدك، والأفضل عندهم فيه إطعام ستين مسكينا عن كل يوم أفطرته متعمداً منتهكا حرمة الصيام.
وأما إن كنت جامعت في نهار رمضان وأنت صائم فمذهب الجمهور أن تكفر بصيام شهرين متتابعين ولا تنتقل إلى الإطعام إلا بعد العجز عن الكفارة بالصيام، وليس يلزم تتابع الأشهر الستة، بل يكفي تتابع كل اثنين منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1426(9/5013)
خسارة الدين وخسارة الزوجة الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأتي مسيحية من أوربا، وصرت أصلي مؤخرا وعندي ولد، صار بيننا خلاف عادات (الأصدقاء، الكحول، وغيرها) هل أستمر بالعبادة وأضحي بأسرتي أم أتراجع وأعود كما كنت؟
علما أن المتغير في معادلة الزواج هوأنا بسبب العودةإلى الدين، سأخسر زوجتي وابني في حال استمررت، المشكلة أنني أحببت الصلاة وأشعر أنها شيء صحيح والتقرب من الله جميل.
أنا 34 سنة زوجتي 33 سنة وابني 6.5 سنة.
انصحوني بأقصى سرعة لأن الطلاق سيتم قريبا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يسعنا في البداية إلا أن نهنئك على العودة إلى الله والاستقامة على دين الله تعالى والمحافظة على الصلاة، فإنها أهم أركان الإسلام، فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين، وهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم، فإن حافظ عليها فاز وربح، وإن ضيعها خاب وخسر. وتارك الصلاة عمدا جاحدا لوجوبها كافر خارج عن ملة الإسلام بإجماع أهل العلم، ومن تركها تكاسلاً مع إقراره بوجوبها فهو محل خلاف بين أهل العلم، هل يكفر بذلك أم لا، وللتفصيل راجع الفتوى رقم: 1145، والفتوى رقم: 512.
وجمهور أهل العلم على أن من ترك الصلاة تكاسلاً يجب عليه قضاء جميع ما فاته منها فوراً حسب استطاعته بحيث لا يؤثر قضاء الفوائت على بدنه أو يترتب عليه ضرر في معاشه، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 31107، والفتوى رقم: 61320.
وما دامت زوجتك على الحالة التي ذكرت فينبغي أن تبادر إلى فراقها لكي تستقيم على دينك، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فإن الدنيا بما فيها من زوجات وأولاد لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وإنما هي أيام قليلة سريعة الانقضاء، فلا تستبدل هذه المدة القصيرة الفانية بالمصير الأبدي السرمدي. فتب إلى ربك مما مضى، واثبت على عبادة ربك، ووطن نفسك على ذلك، واعلم أن بقاءك مع الزوجة المذكورة له أعظم الضرر على مستقبلك الأخروي والدنيوي. وراجع الفتوى رقم: 5435، والفتوى رقم: 5315.
وبعد فراق تلك الزوجة اجتهد في سبيل أن تحصل على حضانة ابنك حتى يتربى تربية صالحة، وتبعده عن أن يتربى على يد تلك المرأة الكافرة، فإن عجزت عن الظفر بابنك مع بذل الجهد فأنت معذور في ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وللتعرف على الأسباب المعينة على الاستقامة على الحق والثبات عليه راجع الأجوبة التالية أرقامها: 1208، 15219، 10943.
وأخيرا فإن المسلم لا ينبغي له الإقامة في بلاد الكفر إلا لمسوغ يقتضي ذلك، وللتفصيل راجع الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(9/5014)
الكسل والفتور في الأشهر الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
جزاكم الله كل خير، ما معرفتكم في تغيير حال بعض الأشخاص في أيام الأشهر الحرم، ونحن نطلق عليها (أيام لعؤاشر) ، بحيث يشعر بملل ويشعر برغبة في النوم ويكون كثير التوتر والعصبية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للأشهر الحرم مزيد فضل على غيرها من الشهور، وأن الطاعة فيها أكثر أجراً من الطاعة في غيرها كما قدمنا في إجابة على سؤال شبيه بسؤالك هذا، وهي برقم: 67355.
وعليه فينبغي للمسلم الراغب في الخير والحريص على الأجر ومضاعفته أن ينشط فيها للعبادة من صوم وعمرة وغيرهما من سائر أنواع القربات، أما الكسل الذي يحدث عند هذه الأشهر خاصة فقد يكون من الشيطان لأنه لا يرغب في الخير للمسلم ويثبطه بكلما أوتي من حيلة عن عمل الخير، والعلاج لمثل هذا الكسل والفتور الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومن كيده ومن الكسل والعجز، وقد يكون سببه مرضا عارضا، فيراجع فيه أهل الاختصاص، وقد يكون أوهاما يشعر بها من يجري وراء أوهامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(9/5015)
الإحسان في العمل وفي العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الإحسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الإحسان في الأصل الإتقان والإحكام.... كما قال الله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ {السجدة:7} ، قال أهل التفسير: معناه أتقن كل شيء وأحكمه، كما قال الله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ {النمل:88} ، وكما قال الله تعالى: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60} ، قال أهل التفسير: أي ما جزاء من أتقن عمله وأحسنه في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة، وقال بعضهم هي عامة للبر والفاجر فيجازى البر في الآخرة والفاجر في الدنيا. وقد يطلق الإحسان ويراد به مراقبة الله أثناء أداء العبادة، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. رواه مسلم.
وقد أمر الله عز وجل بالإحسان في كل شيء وعلى كل شيء، فقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء. الحديث رواه مسلم، وهذه المعاني كلها لها صلة وثيقة بالإتقان والإحكام، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 2367، والفتوى رقم: 38037.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1426(9/5016)
من دلائل حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال عن أختي لقد توفيت رحمها الله قبل ثمانية أيام من هذا اليوم في العراق والسبب كان هجوم بعض المسلحين عليهم هي وزوجها فهي متزوجة منذ ثمانية أشهر وقد أصيبت برصاصتين في بطنها وساقها وبقيت رصاصة بساقها لأنها كانت موجودة في العصب وبقيت بالمستشفى شهرا بالكامل فهي أصيبت في يوم 22\\\\8 وانتقلت إلى رحمة الله في فجر يوم الجمعة عندا أذان الفجر مع الله وأكبر المصادف23\\\\9 ولقد قالت لي أمي إذا توفيت لا تعملوا لي فاتحة التي هي جنازة تكون 3 أيام أمي قالت لا حبيبتي لا تقولي راح أموت وبعدين طلبت شرب الماء ونطقت الشهادة وتوفيت وانتقلت إلى رحمة الله علما أنها كانت حاملا في الشهر الرابع وفقدت طفلها طبعا أثناء الحادث وتوفيت وهي في النفاس وقبل وفاتها بيوم يعني يوم الخميس طلبت من أمي أن تصلي المغرب والعشاء لأنها لم تصل منذ شهر وأمي قالت لها صلي لأنك معذورة باعتبار هي كانت لا تستطيع أن تمشي وكانت في النفاس وهي كانت الحمد لله متدينة جدا فقبل أن تصير الحادثة فهي كانت هي وزوجها ووالدته ذاهبون إلى العشاء صلت المغرب وبعدها أصيبت آسفة على الإطالة ولكن لكي تفيدوني بفتاوى واضحة سؤال هو نحن جميعا نقول ونحلف أنها شهيدة وذهبت إلى الجنة فهل يجوز أن نؤكد بهذا الشيء علما أنها نطقت الحمد لله الشهادة وتوفيت مع أذان الفجر عندما قال الله أكبر وشربت ماء ودفنوها أيضا مع صلاة الجمعة أيضا عندما قال الله أكبر سبحان الله والحمد لله على كل شيء وإنا لله وإنا إليه راجعون وكانت حاملا بولد سمته أحمد سؤالي الثاني هو أن أمي في البداية لم تكن موافقة على هذا الزواج ولكنها كانت تحبه كثيرا وهو كذلك ثم وافقت أمي بعدم رضاها على هذا الشخص فهل هي كانت أذنبت بهذا الشيء ويقول الناس إن الشهر الذي قضته في المستشفى وقتلها قصر فهي مسحت جميع ذنوبها مع العلم أنها كانت جدا متدينة في الفترة الأخيرة والسؤال الثالث هو أني متزوجة في هنغاريا منذ 5 سنوات ولم أرها ولكن الشيء الغريب الذي حدث هو أني حلمت قبل الحادث يعني استيقظت صباحا واتصلت بزوجي أن يحضر لي كارت لكي أتصل بهم لأن أحدا من أهلي مات أو سوف يموت لأن حلمت أننا جميعا كنا نعرج من الساق وأمي وأبي كانوا أكثر اثنين يعرجون ثم ذهبت أمي مع خالتي بالسيارة وابتسمت لي فوجد أن سن من أسنانها قد انكسر فعرفت أن أحدا من أهلي سوف يموت أو مات وكانت الحادث لم تحدث بعد وفي نفس اليوم بعد أن أحضر لي زوجي الكارت واتصلت بهم في الليل كان الحادث قد حدث قبل ساعة من اتصالي سبحان الله فهل كانت هذه رؤيا أو ماذا حتى قبل وفاتها بيومين حلمت بها أنها كانت ترتدي ثوبا أصفر وهو كان سبحان الله ثوب الموت وبعدها بيومين توفيت فما سر هذه الأحلام أو الرؤيا أفيدوني رحمكم الله بهذه الأسئلة وآسفة جدا على الإطالة وعلى ضعف الكتابة اللغوية والإنشاء وأشكركم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أدلة حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للبعد عما يغضب ربه سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.
ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله. قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي والحاكم. ولكنه لا يمكن الجزم ولا يجوز الحلف بأن أختك ستكون في الجنة، لأن ذلك من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله. وراجعي في فضل الموت يوم الجمعة فتوانا رقم: 30723.
واعلمي أنه لا يحل لمسلم أن يترك الصلاة على أي حال من أحواله ما دام يدرك ويعي، فقد أخطأت أختك –رحمها الله- في ترك الصلاة طيلة تلك المدة التي ذكرت، وكان من واجبها أن تصلي بالكيفية التي تستطيع: قائمة أو جالسة أو مستلقية ...
ونرجو أن لا يكون على أختك شيء في زواجها، طالما أن أمها قد رضيت عن ذلك بعد.
ثم إن الرؤيا الصادقة التي تتحقق في اليقظة بالنسبة للشخص المستقيم في دينه تعتبر بشرى له، ففي حديث البخاري: لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات، قال: الرؤيا الصالحة. وفي رواية أنه: لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وفي حديث البخاري: الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان. ولكنها مع ذلك لا يعتمد عليها ولا ينبني عليها أي أمر ولا حكم شرعي، ولا بأس بأن يتفاءل بها المسلم ويحدث بها من يحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(9/5017)
عموم التوبة مقتض لغفران الذنوب كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مسألة لو تكرمتم أن تجيبوني عليها جزاكم الله خيراً
والمسألة هي: أن هناك شخصا استهزأ بآية من القرآن فقرأ الآية على وجه ليضحك بها من كان يجلس معه؛ وكان ذلك في زمن غفلة ولم يكن يعلم أن هذه الكلمة أو هذا الفعل يكفر به؛ ويقول إنه ما قصد بذلك السخرية بكلام الله.
المهم بعد مرور سنوات التزم هذا الشاب واهتدى ثم بعد فترة تزوج؛ ثم مرت سنوات وهو على هذه الاستقامة والالتزام؛ ثم في وقت من الأوقات مرت على قلبه تلك الكلمة وبما أنه تعلم شيئاً من العلم الشرعي أدرك عظم تلك الكلمة وخطرها وأنها كفر فقال:
ماذا أفعل: هل يكفي أنني التزمت وتبت توبة عامة من المعاصي؟ أم يلزمني النطق بالشهادتين والاغتسال من جديد لأن تلك الكلمة أوجبت له الكفر ولا ينفعه التزامه وتوبته السابقة من المعاصي بل يلزمه الدخول في الإسلام من جديد ويتلفظ بالشهادتين؟
المهم قال أقطع الشك باليقين وتلفظ بالشهادتين واغتسل
ولكن الإشكال الذي لا يزال يقض مضجعه هو مسألة زواجه فمع أنه تزوج في وقت كان فيه متدينا إلا أنه قال إنني تزوجت قبل أن أتلفظ بالشهادتين يعني هو يظن أن زواجه وقع في زمن كان فيها مرتكبا لناقض من نواقض الإسلام وبالتالي فإن عقد زواجه باطل وأنا في هذه المناسبة ألخص لكم السؤال في نقاط حتى لا أشتت عليكم الموضوع.
أولاً: هل إذا سخر المسلم بشيء من كلام الله ولم يقصد بذلك السخرية بكلام الله ولكن زل لسانه وكان ذلك في زمن غفلة هل يكون بذلك كافراً؟
ثانيا: إذا كان هذا الفعل كفرا ووقع في زمن العصيان ثم تاب صاحبه إلى الله توبة عامة بدون استحضار هذا الفعل فهل يجزئه هذا الالتزام والاستقامة؟ أم يلزمه أن يتوب من ذلك الفعل على وجه الخصوص ويتلفظ بالشهادتين توبة من الكفر؟ ولا ينفعه ذلك الالتزام لأنه تاب من معاص وهو يلزمه أن يتوب من كفر
ثالثاً: إذا كان فعله كفرا وتلفظ بالشهادتين واغتسل وتاب وندم ودخل في الإسلام من جديد فما هو الحكم في مسألة زواجه؟ حيث إنه وقع عقده قبل توبته وتلفظه بالشهادتين هل يلزمه تطليق زوجته ثم إرجاعها؟ وكيف يتم ذلك؟ أعني عملية التطليق والترجيع هل يلزمه إخبار أهلها أم ماذا يفعل؟
رابعاً: إذا كان له أولاد فهل يعتبرون أولاد حرام حيث إنهم جاءوا زمن عقده الفاسد.
وجزاكم الله خيرا. ً
أرجو أن يصلني منكم جواب حول هذه النقاط الأربع وسأكون لكم من الشاكرين.
وفقكم الله وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الاستهزاء والسخرية بدين الله كفر يخرج صاحبه من الملة سواء كان جادا أو هازلا. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وما يترتب عليه في الفتاوى: 23340، 133، 29407، 49194، نرجو الاطلاع عليها.
وعلى من صدر منه ذلك أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى فإن التائب من الذنب كما لا ذنب له، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70}
وما دام هذا الشخص قد تاب من جميع الذنوب وندم على ما صدر منه في سابق عهده فإن هذه توبة صحيحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه البيهقي وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني.
والندم -كما قال أهل العلم- توجع القلب وتحزنه لما فعل وتمني كونه لم يفعله، وأولى الذنوب بالدخول في عموم التوبة هو كبائرها وأكبرها الردة والكفر والعياذ بالله تعالى، ولهذا فإنها داخلة في عموم التوبة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: فمن تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها وإن لم يستحضر أعيان الذنوب؛ إلا أن يعارض من هذا العام معارض يوجب التخصيص، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه أو لاعتقاد أنه حسن ليس بقبيح، فما كان لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التوبة، وأما ما كان لو استحضره بعينه لكان مما يتوب منه فإن التوبة العامة شاملة له.
وعلى هذا، فإن زواجه صحيح ولا يلزمه فراق زوجته ولا تجديد العقد ما دام قد تاب قبل ذلك التوبة العامة النصوح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(9/5018)
الفرار إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الفرار إلى الله من حيث فرار العوام, الخاصة, خاصة الخاصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرار إلى الله هو اللجوء إليه بتطبيق أوامرشرعه، واجتناب منهياته، والتقرب إليه بالنوافل، والانطراح بين يديه بالتوبة والإنابة من جميع الذنوب، وإخلاص النية في كل ذلك، والثبات عليه. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1208، 10800، 12744، 16610،
فهذا هو الفرار إلى الله بمعناه العام، وأما التفريق بين أن يكون الفرار إلى الله من العوام، أو الخاصة، أو خاصة الخاصة، فلا نرى له وجهاً، لأن الموضوع إما أن يكون فراراً أو ليس فراراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/5019)
من أسباب عدم الشعور بالسعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت حكايتي بالبكاء الشديد كل يوم خاصة عندما أقوم من النوم حتى بلغ عمري 12 كنت أتشائم من المغرب جداً كان بكائي ليس بالصراخ وإنما بالكبت لا أعرف لماذا، ولكن أتوقع بسبب أنني لم ألق الحنان من أمي أبداً، أمي كانت تفضل أخي الأكبر مني وكانت تهتم بأختي الأكبر لأنها كانت مريضه وزاد في ذلك كان عمي يتحرش بي جنسيا فبدأت أكره الناس وكنت انطوائية وخجولة جدا كان عمري 8 سنوات وأفكر بالانتحار، ولكني صبرت وكانت أمي تخبر جيرانها بأني أبكي كثيرا كانوا جميعهم يشتموني ويضحكون علي، والآن صار عمري 22 أخجل من نفسي عندما يذكرني أحد بذلك كيف أتصرف في ذلك، وكيف أنسى الماضي، وكيف أسامح أمي وعمي، وكيف أكون بنت ناجحة في حياتي، علما بأني فاشلة في دراستي، أرجوكم أفيدوني في كل هذا وفي أسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكرته عن عمك ينافي الدين والأخلاق والفطرة السليمة، ولا لوم عليك فيه إلا في ما كان منه بعد بلوغك، ثم إن المرأة التي تهمل بعض أبنائها وتحرمهم من حنان الأمومة والتربية والرعاية تكون قد جنت عليهم، ولا مانع من أن يكون ما ذكرته من البكاء وسوء الحالة وعدم الشعور بالسعادة، هو نتيجة لذلك، كما أنه ينتج أحياناً عن معصية الله والإعراض عن ذكره، قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:123-124} ، وقال تعالى: أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ {الزمر:22} .
وقد يحدث للمؤمن المطيع بعض مما ذكرت ليختبر في دينه أو لترفع له الدرجات بالصبر، قال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} .
وسواء كان السبب هو هذا أو ذاك، فاعلمي أن ما يصيب المؤمن كله خير بالنسبة إليه، ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
وعليه.. فإنا ننصحك بالتوبة وأن تخلصي فيها لله ولو كنت لا تتذكرين أنك قد اقترفت بعد بلوغك ذنبا يستوجب كل هذا، ثم عليك بذكر الله وتلاوة القرآن والزيادة في نوافل العبادة، ونسأل الله أن يشفيك مما أنت فيه وأن يمن علينا وعليك بالسعادة في هذه الدار وفي الآخرة إنه القادر على ذلك.
ثم اعلمي أن حق أمك في البر لا ينقصه ما ذكرته عنها، فسامحيها واستغفري لها، وتذكري ما كان لها من المعاناة في حملك ورضاعك وتربيتك.
وإذا كان عمك قد تاب من أفعله تلك، فسامحيه أيضاً واستغفري له، وإن لم يكن تاب، فرغبيه في التوبة، وانصحيه بالابتعاد عن الحرام قبل أن تفوت عليه الفرصة، ولا تقبلي أبداً أن يعود معك إلى ما كان عليه، ولو كلفك ذلك فضح أمره، فإنك الآن صرت مؤاخذة ومسؤولة عما يصدر منك، وعن الكيفية التي تصيرين بها ناجحة فراجعي فيها الفتوى رقم: 20725، والفتوى رقم: 2863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/5020)
الوقاية من المواقع والصور الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزيتم خير الجزاء على موقعكم هذا، واسأل الله أن يرزقكم صحبة النبى صلى الله عليه وسلم فى أعلى جنان الخلد كان عندى طلب صغير وأرجو من القائمين على الموقع أن يجيبوه لي وهو (أريد برنامجا يكون عالي القدرة عن الوقاية من البرامج والصور الإباحية!!!!؟؟) ، أنا اعلم أن من المفترض أن أقوم بالاستفسار عن سؤال أو مسألة ما لكني أعاني من هذه المشكلة العويصة والتي لا تدعني أدخل على هذه الشبكة كثيراً لكني أعتذر إليكم لكن بالله عليكم أن تلبوا لي طلبي ورجائي؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك الحصول على برنامج قوي وفعال في الحماية من المواقع والصور الإباحية من الفتوى رقم: 64703.
وهو برنامج رخيص الثمن كبير الفائدة يحمي الجهاز من تلك الأشياء المنكرة، حتى ولو أردت أنت بنفسك الدخول عليها فلن تستطيعه فننصحك به، وجزاك الله خيراً على حرصك على ما ينفعك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/5021)
دين المرء هو رأس ماله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى أصحابه أجمعين ... أما بعد:
فوالله لا أدري أفتوى أريد أم استشارة فوالله إني في حيرة عظيمة وهمّ كبير حاولت الخروج من المأزق لوحدي ولكني ربما فشلت وقصتي بدأت منذ أربعة سنوات حيث منّ الله عليّ من فضله وكرمه والتزمت بتعاليم الدين الحنيف وقدّر الله أن أكون في بيئة سلفية وهذا فضل آخر من الله فبدأت رحلة الالتزام وكانت أجمل الأيام فبدأت بقراءة القرآن وصلاة وصيام النوافل والعمرة وقراءة الكتب لعلمائنا ممن يتبع منهج أهل السلف فقرأت لابن تيمية وشروحات ابن العثيمين والمحدّث الشيخ الألباني، وكنت دائم الحضور لمحاضرات طلاب العلم وبالذات طلاب الشيخ الألباني, وخلال فترة بسيطة ورغم ساعات عملي الطويلة حفظت جزءاً كبيراً من القرآن وبدأت أقرأ أمام أحد طلاب العلم لتحسين النطق, فخلال فترة بسيطة كان يسألني بعض الأسئلة ممن كانوا ملتزمين منذ فترة طويلة وكنت لا أخجل من أي سؤال لأهل العلم أشعر بأنه مفيد لي مع أني أكون مرتبكا جداً عندما أجلس مع أهل علم أو طلاب علم وارتباكي ربما يكون من تقديري العظيم لهؤلاء المشايخ, وكنت لا أخجل من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وسبب ذلك لي بعض المشاكل رغم والله أني كنت أحاول أن أكون ليناً وبعد هذا العمل الذي أسال الله العلي القدير أن يحفظه لي وقعت المشكلة وهي تتلخص أن إخوة ملتزمين اقترحوا فتح شركة برامج كمبيوتر على أن تعمل في الحلال وتبعد عن الشبهات في المعاملات الذي تتورط فيه كل الشركات التي نعمل بها, على أن يترك أحد الأخوة عمله والباقي يعمل بها بعد انتهاء عمله وبالفعل بدأنا العمل بها فأصبحنا نغادر العمل الساعة 12 منتصف الليل, فأصبحت لا أقرأ القرآن كل يوم بل كل ثلاثة أيام وعدد صفحات أقل وأصبحنا لا نصلي الفجر جماعة إلا كل ثلاثة أيام لأن الأستيقاظ من النوم أصبح صعباً فشكوت هذا للإخوة وقلت لهم إننا اصبحنا نقصر في واجباتنا الدينية فكان جوابهم أننا بعملنا هذا نريد أن نثبت أقدامنا ومن ثم نترك أعمالنا ونترك الشبهات والعمل عبادة وما تركناه كان نوافل وسنن نسأل الله تعويضها وبالعكس في صلاتي المغرب والعشاء نترك العمل ونذهب نصلي جماعة وهذا دليل على حسن نيتنا, وخلال هذه الفترة استلمت مركزاً مرموقاً في الشركة فأصبحت كثير السفر إلى بلاد إسلامية \"لكنها بلاد فسق والعياذ بالله\" فتبدّل الأمر كله فأصبحت أمل ولا أرغب من القيام بالأعمال الدينية من قراءة القرآن والكتب وأصبحت أتأخر عن الجماعات بعد فوات الركعة الأولى وقد كنت أجاهد نفسي على أن لا تفوتني تكبيرة الإحرام أربعين يوما حتى يكون لي براءتان من النار والنفاق, أصبحت أصلي الفجر جماعة مرة أو مرتين في الأسبوع فقط بعدما كنت أعاقب نفسي وأضربها إن فاتني الفجر, أصبحت أتكاسل في مراجعة الحفظ وبدأت أنسى ما حفظته بعدما كنت كل ليلة أراجع شيئا مما أحفظه حتى أنني كنت أفعل ذلك وأنا على السرير, الأذكار أصبحت أنساها كثيراً ولكن كل ذلك هين مقابل مما أصبحت أفعله من إطلاق البصر والنظر المحرم وكل مرة أبكي بكاء كثيراً وأقول في نفسي إن الله سترني ولم يقبض روحي وأنا أطلق بصري فهل سأعود؟ ولكن أخشى أن يصبح الأمر عادياً لأنني أتذكر أن أسوأ يوم كان عندي عندما كنت أترك الفجر جماعة أو عندما لم أراجع الحفظ والأمر أصبح عادياً الآن وأضع المبررات لذلك, فأنا أعترف وأقر أني في طريق الخطأ وبدأت أخاف على نفسي من الهلاك ومن الأمور التي تزعجني الآن هي حبي للجنس بطريقة مجنونة حتى إن زوجتي تستغرب ذلك وبدأ الوسواس يدخل قلبي في ممارسات شاذة كانت منذ القريب مقززة وكنت من الناصحين لتركها حتى أن أحدهم قال لي لا أستطيع تركها فذكرت له أحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه ملعون من يفعل ذلك وأن الله لا ينظر إليه يوم القيامة فرباه ساعدني على ما أنا فيه, التخيل الجنسي أصبح هاجسي وأحاول تركه لكني أبرر بعدم استطاعتي لذلك رغم أنه كان ممكنا ذلك منذ القريب فرباه ساعدني، لحيتي كان قمة مشاكلي أن يقول أحدهم لي خففها الآن أقول لو أحلقها أجمل أنا لم أفعل ذلك، ولكن هذا أصبح حالي رباه ساعدني على همّي وخوفي فرمضان قادم وسبحان الخالق كيف كان رمضان الماضي وهذا رمضان!!! فالقيام وختمة القرآن وعدم ترك أي جماعة والسعي للمساجد مبكراً فرباه ساعدني فوالله أنا أصبحت أخجل من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف لأنني أصبحت صاحب معاصي فربما الأمر الوحيد الجيد الذي ما زلت أحتفظ به هو عدم الغيبة! الأمر سيكون سيئاً إذا استمرت حالة الملل وعدم الرغبة في فعل أي شيء من النوافل لأنها ستجرني إلى المعاصي كإطلاق البصر وربما غير ذلك في المستقبل, فأصبحت هذه الشركة بداية مأساتي، ادعوا لي بالثبات وحسن الخاتمه؟ وأتمنى أن تصلني نصائحكم قبل رمضان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين التوبة والاستقامة على طاعته، والثبات على دينه، واعلم أن السبيل إلى التوبة والاستقامة والثبات على الدين هو الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان.
مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى المتبعين للهوى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.
وقد قيل سابقاً:
عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي
واعلم -أيها الأخ الكريم- أنك قد عرفت السبب فيما حصل لك، فلا عذر لك في الاستمرار على الحال التي أنت عليها، فبادر إلى التوبة وإذا تعين الابتعاد عن تلك الشركة وسيلة إلى التوبة فلا تتردد في الابتعاد عنها ما دامت هي السبب لما حل بك، وعد إلى ما كنت عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، والصلاة في الجماعة، والأذكار، والنوافل، وغض البصر عن الحرام، وغير ذلك مما بينته في سؤالك.
واعلم أن دين المرء هو رأس ماله، وأن ما أجابك به شركاؤك من أنكم بعملكم هذا تريدون أن تثبتوا أقدامكم، ومن ثم تتركون أعمالكم وتتركون الشبهات، وأن العمل عبادة ... هو في الحقيقة جواب غير صحيح، وواضح منه أنه خطوة من خطوات الشيطان التي يستدرج بها من يطيعه، وقد تبين لك ذلك مما آل إليه أمرك، فلا تتوان في التوبة وأخذ الطريق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(9/5022)
من تمام وصدق التوبة البعد عن مواطن المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاماً وفي السنتين الأخيرتين قمت بفعل الزنا وشرب الخمر مؤخراً وقد تعرفت على فتاة وكانت تسكن معي، مع العلم بأننا لسنا متزوجين خلال هذين العامين وفي كل مرة أتوب لله بعد فعل الزنا ومن ثم أعود لنفس الذنب, ولكن في الأسبوع الماضي عزمت على أن أدخل رمضان وأنا تائب، فلقد تبت ولله الحمد وأرجو أن تكون توبة نصوحا وقد عزمت على أن لا أعود مجدداً لهذا الذنب، وبالفعل تحدثت إلى هذه الفتاة وأخبرتها على ما أنا عازم عليه وأنه لا يمكننا العيش سوياً مجدداً، مع العلم منذ أن تعرفت عليها أخبرتها أنه لا يمكننا الزواج بحكم أنها آسيوية وفي بلادنا العربية وبالتحديد في عائلتي لن يكون ممكنا، وسوف أغضب والدي , المشكلة الآن أنها تبكي كثيراً وقد توقفت عن الأكل بشكل جزئي إلى أن تحدثت معها اليوم وحاولت أن أعطيها نفس الدافع الذي جعلني أتوب وقد رضيت ولكنها ترغب بزيارتي باستمرار وقد أخبرتها أنه لا يمكنني حتى أن ألمسها، ولكنها تتوسل إلي حتى أسمح لها بزيارتي بالشروط التي أريدها بدافع حبها لي، هي زميلتي في العمل ولقد بدأت بالفعل بالبحث عن عمل آخر، بالله عليكم أفيدوني فأنا أخاف جداً هذه المرة من أن أعود إلى ذلك الذنب، ولقد عقدت العزم على الذهاب إلى العمرة إن شاء الله عندما أنتهي من دين في ذمتي؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب عليك وأن يطهر قلبك وأن يحصن فرجك، أخي الكريم قد أقبلت عليك نفحات رمضان فتعرض لها وأقبل على الله تعالى وتب إليه توبة صادقة، والتوبة الصادقة لا تكون إلا بعد معرفة خطر الذنب، والذنب هو الحائل بينك وبين كل محبوب والموقع لك في كل خطر ومرهوب، فإذا علمت ذلك اشتعلت في النفس نار الندم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد.
وهذا الشعور له أثر في الماضي وأثر في الحال وأثر في المستقبل، أما أثره في الماضي فندم وحسرة بسبب فعل المعصية، وأما أثره في الحال فإقلاع عن الذنب، وأما أثره في المستقبل فعزيمة صادقة على عدم العودة إلى الذنب إلى الممات.
أخي الكريم: أعرض عن هذه المرأة الفاجرة ولا تلتفت إليها ولا إلى توسلاتها أو ترجياتها ولا تسمح لها بزيارتك تحت أي ظرف، واعلم أنها طريق نصبه لك الشيطان ليوقعك في سخط الله وغضبه، فهل أنت على استعداد أن تضحي بنعيم مقيم من أجل شهوة تُنْسى لذتها وتبقى حسرتها، ومما يعينك على التوبة ترك العمل في الأماكن المختلطة، ومصاحبة الصالحين وتلاوة القرآن بتدبر وخشوع، ومطالعة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وسيرة الصالحين، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(9/5023)
الخشوع في الصلاة واليقين بالآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في ال18 من عمري تركت المعاصي التي كنت أعملها وحافظت على الصلوات كلها لكني أجد مشاكل في بعض الأمور وهي:1-أريد الخشوع في الصلاه وفي قراءة القرآن 2-إذا جائتني مشكلة لاأعرف كيف أتوكل على الله أريد منكم التفصيل الدقيق أرجوكم3-إني أؤمن بيوم القيامة لكن يأتيني شك في بعض الأوقات وكيف أبعد الشك عني4-كيف أعرف أن الله راض عني، وأنا الآن في الهند أدرس، السنة الأولى لي، وهذه أسئلتي أرجو الجواب عليها، وإذا أردتم ما يفكر به الشباب اليوم فاسألوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي أيقظ قلبك ومَنّ عليك بنعمة التوبة قبل فجأة الموت. واعلم رحمك الله أن هناك أسباباً لتحصيل الخشوع في الصلاة، وانظر طائفة منها في الفتوى رقم: 9525. وانظر حكم ترك الخشوع في الصلاة في الفتوى رقم: 6598. وانظر إرشادات تعين على تدبر القرآن في الفتوى رقم: 30338.
ولمعرفة ماهية التوكل على الله، ولتعرف كيف تكون متوكلاً انظر الفتويين التاليتين: 65589 // 23867.
وأما الشك الذي يطرأ عليك في الإيمان بيوم القيامة فإن الواجب عليك دفعه عن نفسك بمجرد طروئه، وعدم الاسترسال معه أبداً حتى لا يتمكن من نفسك، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وانظر الفتوى رقم: 31123. وما تفرع عنها من فتاوى.
واسأل الله تعالى كثيراً بذل وإلحاح أن يرزقك اليقين وأن يذيقك حلاوة الإيمان. واطلب العلم النافع فإنه من أعظم أسباب تحصيل اليقين بأركان الإيمان وغيرها. ولذلك ننصحك بمطالعة كتاب (الإيمان) للدكتور محمد نعيم يا سين. أو سلسلة (العقيدة في ضوء الكتاب والسنة) للدكتور عمر الأشقر. وانظر برنامجاً للمبتدئين في طلب العلم في الفتوى رقم: 56544.
ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن رضا الله تعالى هو أعظم غاية، وهناك دلائل على رضا الله عن العبد منها هدايته لما يصلحه، وصرف أسباب الانحراف عنه، وتيسير أموره، وعدم ابتلائه له في دينه، وعطف قلوب العباد عليه وقبوله بينهم، والأولى أن يشغل العبد نفسه بتحصيل رضوان الله تعالى. وانظر الفتوى رقم: 47200. وما تفرع منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/5024)
الصراع بين النفس الأمارة بالسوء والقلب المحب للخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعمل في شركة مالية. لدي من الخبره ما يؤهلني للعمل في أي بنك بضعفي الراتب الذي أتقضاة الآن. عملت في أحد البنوك {بعد التخرج من الجامعه مباشرة} لمدة 5 سنوات, استقلت وقررت بعدها عدم العودة إليها قدر استطاعتي. بين الحين والآخر أحصل على عروض خيالية للعمل في البنوك. من الداخل أنا أرغب بذلك فقط لتحسين وضعي المالي ولكن في نفس الوقت أذكر الله فأرفضها نهائيا. هل هذا الاختلاف بين رغبتي والامتثال لأوامرلله يعد من النفاق؟ وهل إعلام أصدقائي بحالي يعد أيضا من النفاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي رزقك نفساً تقوى على مقاومة الشهوات وحب الدنيا والمال، فإن القليل من النفوس هو الذي يتحمل ذلك ويقدر على مقاومته.
فلتحمد الله تعالى على هذه النعمة فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. رواه أحمد وغيره
وامتن الله على عباده المؤمنين بذلك فقال: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ {الحجرات: 7} ومعارضة النفس الأمارة بالسوء لما استقر عليه قلب المرء من حب الخير لا يُعد رياءً ولا معصية بل هو نتيجة طبيعية للالتزام بأمر الله تعالى، وما دام المرء لا يتمادى معه أو يستقر في نفسه أو يعزم على فعله فلا شيء عليه فيه.
وإخبارك لأصدقائك بذلك لا يُعد رياءً إلا إذا قصدت به إظهار عملك الصالح لتُحمد عليه أو ترائي به. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16553، 49398، 1009.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(9/5025)
كيف يعيد المرء ثقة الناس به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متدينة وملتزمة والحمد لله وعلى درجة عالية من الخلق والكل يشهد بذلك، ولكن مشكلتي تكمن في أنني في يوم من الأيام وأثناء حديثي مع مسؤولي لا أعرف كيف حدث ذلك بأنني قمت بعمل حركات دلع بنظرات عيني وحركات جسدي وطريقة كلامي الأمر الذي ضايق مسؤولي ونبهني بطريقة غير مباشرة بأنه متزوج ويحب زوجته، وأنا الآن أتعذب وأدعو الله بأن ينسى مسؤولي كل شيء حدث في ذلك اليوم، وكلما نظرت إليه أتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعني مع أنني أحب عملي جدا وخلوقة جدا ولا أعرف كيف حصل هذا، أرجوكم ساعدوني كيف أدعو ربي بأن ينسي مسؤولي ما حدث في ذلك اليوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصلحي ما بينك وبين الله تعالى يصلح الله ما بينك وبين خلقه، واجعلي همك الأكبر أن يرضى الله عنك، فتوبي إلى الله تعالى ولا تعودي لمثل ما فعلت، ومتى ظهرت عليك التوبة واجتناب الكلام مع الرجال إلا بقدر الحاجة، وكان كلامك معهم لا خضوع فيه ولا تكسر، تغيرت النظرة إليك.
وننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى أمور:
أولها: أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام أجنبي تعلم أنه ينظر إليها، لأن النظر إلى وجه الأجنبية محرم، فكشف المرأة وجهها أمام من ينظر إليها إعانة على الحرام.
ثانيها: أن الخلوة بين المرأة والأجنبي محرمة لا تجوز، وهي مدخل من مداخل الشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.
ثالثها: اعلمي أن العمل في الأماكن التي يتواجد فيها الرجال الأجانب مزلة قدم وقد تنجر عنه أمور لا تحمد عقباها، فإذا لم تكوني مضطرة إلى هذا العمل فبادري بتركه إن لم يتيسر لك الانتقال منه إلى عمل آخر لا اختلاط فيه، وفقك الله تعالى لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(9/5026)
قبول توبة العاصين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للذي حدثت عليه اللعنة أن يتوب؟ وهل تقبل توبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن باب التوبة مفتوح والله تعالى يقبل توبة كل تائب مالم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها فقد قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {الأعراف: 82}
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. ولا إساءة ولا ذنب أعظم من الكفر بالله تعالى والشرك به. فإن تاب منه صاحبه قَبِل الله تعالى توبته وغفر له كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68 ـ 69 ـ 70} فالله تعالى يقبل توبة العاصي ويبدل سيئاته حسنات كما في الآية الكريمة. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين: 25332، 30805.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(9/5027)
أفضل ما تعمر به الأوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 18، ولدي وقت فراغ كبير، ماهي الكتب التي يمكنني أن أقرأها لتمضية هذا الوقت، وما هي النشاطات التي يمكن أن أساعد بها في موقعكم الكريم؟ وشكراًَ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على الاهتمام بحفظ وقتك وعدم تضييعه سدى، وما أحسن ما قال القائل:
والوقت أثمن ما عني المرء بحفظه * وهو أسهل ما عليه يضيع.
والمسلم وهو يعتقد أنه سيسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه غداً بين يدي الله سبحانه وتعالى، لا يفرط في وقته بل يستغل كل لحظة منه فيما ينفعه ويسره أن يجده غداً، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا {آل عمران:30} .
فننصحك أيتها الأخت الكريمة بشغل ما لديك من فراغ فيما ينفعك ويزيد في ميزان حسناتك، ومن أفضل ما تعمر به الأوقات طلب العلم الشرعي وتعلم فرض العين وما لا يعذر المرء بجهله في باب العقيدة والأحكام الشرعية، ولمعرفة ما ينبغي دراسته في مجال العقيدة والفقه والأصول وغيرها من المجالات النافعة نحيلك إلى الفتوى رقم: 2410، مع التنبيه إلى أن لكل مذهب مختصرات فقهية وكتبا سهلة يمكن لطالب العلم المبتدئ الاستفادة منها والانتفاع بها.
وأما النشاطات التي يمكن أن تساعدي بها في هذا الموقع فهي أن تدلي أخواتك عليه وتعرضي ما أشكل عليك من أمور فقهيه ونوازل شرعية وغيرها ليتم تواصلك به، وتبلغي ما علمت من خلاله إلى أخواتك وأهلك، نفع الله بك ووفقك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1426(9/5028)
المال الصالح في يد الرجل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جزاكم الله خيرا كلمة عن المال في الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المال الصالح في يد الشخص الصالح الذي يكسبه من حله وينفقه في حقه نعمة عظيمة تشكر ولا تكفر، وشكرها بالحفاظ عليها وصرفها في ما أمر الله به، ومما يدل على أهمية المال قوله تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا {النساء: 5}
أي تقوم بها حياتكم ومعاشكم.
وقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ {البقرة: 180} والخير هو المال الكثير، فسمى الله تعالى المال الوفير خيرا.
وفي الحديث: نعم المال الصالح للمرء الصالح. رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنس، وكان في آخر دعائه: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه. رواه مسلم
وقال لسعد: إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة. رواه البخاري
وقال ابن الجوزي بعد أن سرد جملة من الآيات والأحاديث في فضل المال وشرفه: هذه الأحاديث مخرجة في الصحاح وهي على خلاف ما تعتقده المتصوفة من أن إكثار المال حجاب وعقوبة وأن حبسه ينافي التوكل، ولا ينكر أنه يخاف من فتنته.. وأما من قصد جمعه والاستكثار منه من الحلال نظر في مقصوده، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته وادخر لحوادث زمانه وزمانهم وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أثيب على قصده وكان جمعه بهذه النية أفضل من كثير من الطاعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1426(9/5029)
الدين أعظم ما يخشى عليه الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سوداني مقيم بالكويت ذهبت إلى بلدي لأدرس فذهب معي أبي وأمي ليقدما لي المساعدة وقال لي أهلي هناك بأنهم سيقومون بالمساعده ولا داعي لوجود أبي وأمي فذهبت أمي إلى مدينة أخرى في السودان فعندما بدأت المدرسه نسي أهلي وعودهم وبعدوا عني ولم يهتموا بي مع العلم أنهم وعدوني فرجعت مع أمي إلى الكويت والآن أبي يظن بأني عملت على خسارته مع العلم بأن أهلي الشباب في السودان 90% منهم يشاهدون الأفلام المحرمه وأنا والحمد لله ملتزم بالصلاة في بيوت الله وأنا الأن لا أعرف ماذا أفعل لأني أجلس للدراسه 6 ساعات في اليوم وأبي دائما يقول لي أنت لا تدرس وهناك مشاكل كثيرة تواجهني، أرجو منكم أن تردوا علي في أسرع وقت لأني أخاف من أن أنحرف وأتجه إلى طريق آخر بسبب الضغوط والمشاكل التي تواجهني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحمد لله الذي هداك إلى طريق الإيمان والإستقامة. والذي ننصحك به هو أن تحاول إرضاء والدك بإكمال دراستك، ولكن مع المحافظة على دينك. وإن مما يعينك على المحافظة على دينك وأنت بعيد عن أهلك هو أن تكون لك صحبة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بدين الله تعالى، وهؤلاء سينصحونك ويذكرونك بالخير ويعينونك عليه، ولن يجد الشيطان سبيلاً إليك وأنت معهم، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأما إن خفت على دينك وإيمانك ولم تجد الصحبة الصالحة في السودان فحاول إقناع والدك بأن تبقى في الكويت معه فإن الدين أعظم ما يخشى عليه الإنسان، واجعل والدتك واسطة بينك وبين والدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(9/5030)
السعي في قضاء حوائج الناس قمة السعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[لم تسر حياتي كما خططت لها ليس من قصور بل لأنني حاولت إرضاء الجميع على حساب نفسي، والآن أرى نفسي فاشلة، علما بأنني أحمل شهادة جامعية وأعمل في وظيفة مرموقة جداً، لكنني متشائمة جدا وأرى المستقبل في سواد الليل ولم أرتكب معاصي كبيرة والحمد لله، لكني يائسة من رحمة الله، فهل من سبيل إلى تخلصي من هذا الداء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عملك على إسعاد من حولك وإرضائهم وسعيك في قضاء حوائجهم -لن يضيع عليك إن شاء الله تعالى- بل هو في ميزان حسناتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام. وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل. والحديث رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
ثم لا يكن همك أن يحبك الناس، بل ليكن همك أن يحبك الله ويرضى عنك، قال العلماء: رضا الله مأمور به ومقدور عليه، ورضا الناس ليس مأموراً به ولا مقدوراً عليه. وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: رضا الناس غاية لا تدرك.
بيد أنك إن أرضيت الله ولو بسخط الناس رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، وأن أرضيت الناس بسخط الله سخط الله عليك وأسخط عليك الناس، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن عائشة.
هذا.. وإن الواجب عليك أن تحسني الظن بربك، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي.... رواه البخاري ومسلم، وانظري الفتوى رقم: 8736.
فارضي عن ربك، ولا تحزني على ما فاتك من الدنيا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبح آمناً في سربه، معافاً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. رواه الترمذي، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51946، 8601، 32180.
وتفاءلي واحذري من التشاؤم، فإن اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى محرم، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28954، 57198، 14326، 11835.
وإن الذي نوصيك به هو أن تزيدي في التعرف على الله، وأن تتقربي منه أكثر، وإن السبيل إلى ذلك هو قراءة القرآن بتدبر وحضور قلب، وطلب العلم الشرعي النافع، وذلك بحضور مجالس العلم، وبمطالعة الكتب، وباستماع الأشرطة الإسلامية، وذلك كله متوفر بفضل الله تعالى، وانظري الفتوى رقم: 59729، والفتوى رقم: 56544، والفتوى رقم: 59868.
ونوصيك كذلك بأن تكون لك رفقة صالحة من الأخوات الفضليات، فإن صحبتهن من أعظم أسباب الاستقامة على دين الله التي هي سر سعادة العبد في الدنيا، وذلك بعد فضل الله سبحانه، فتتعاوني معهن على الخير وعلى طلب العلم النافع، واعلمي أن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولا تتركي الدعاء أبداً، فإنه مخ العبادة ولبها، ويستجاب للعبد ما لم يعجل، وانظري الفتوى رقم: 8331.
وللمزيد من الفائدة حول السعادة الحقيقية ووسائل تحصيلها، انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3093، 29172، 31768، 41347، 44542، 35046، 38814، 39203.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1426(9/5031)
التوبة من الذنب والاستتار بستر الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء أود أن تساعدوني في حل مشكلة أعاني منها من أكثر من سنة. كنت على علاقة بشاب وأنا في سن المراهقة استمرت 3 سنين وقمت بقطعها في أول سنة جامعية لي بعد أن بدا عقلي في التفتح وبدأت أدرك مجرى الأمور. لم نكن نتسلى وإنما كان القصد شريفا فعرفني إلى عائلته كاملة ولكن بدأت أستوعب أنه ليس بالشخص السوي حيث كان معقد الأفكار ويناديني بالشتائم على أتفه الأمور. مضى على تركي له عام ولكنه نوعاً ما لم يستوعب ذلك بعد, حيث يحاول الاتصال بي من حين لآخر وأنا أصده وقمت بإخباره بأنني مخطوبة. المشكلة أنني أنوي الخطبة من رجل آخر على دين وخلق وأخاف من أن يقوم ذلك الشاب بشكل أو بآخر بفضحي أمام خطيبي مع العلم بأن الشاب مقيم في بلد آخر وليس هناك من وسيلة اتصال سوى الهاتف فهو لا يعلم عن مكان إقامتي ولم يسبق له زيارة بلد إقامتي وإنما التقيته في بلدي الأصلي لمدة أسبوعين فقط في كل عام حيث كان يدرس في الجامعة وقد قمت بأخطاء معه نادمة عليها أشد الندم ولا يشرفني ذكرها وكل ما تذكرتها أحتقر الشاب وهذا سبب تركي له وأحتقر نفسي وأرجو من الله أن يسامحني فكنت صغيرة طائشة. هل إن قام بفضحي أمام خطيبي عليّ الإنكار قائلة بأنه كاذب وإن كان هناك دليل فأثبته؟ هل علي التستر على نفسي وأنا من أعماقي أعلم بأنني أخطأت وما يقوله الشاب صحيح؟ هل يعتبر التستر على خطئي كذبا يعاقبني عليه الله؟ ولكن الله يقبل التوبة وأنا تبت والحمدلله وإن قلت الحقيقة فبالتاكيد خطيبي سيتركني. أنا حائرة بين ضميري وحبي لخطيبي أرجو المساعدة. أنا ضائعة بين شعوري بالذنب وحبي لخطيبي ورغبتي في أن أعيش حياه سعيدة. هل علىّ أن أدفع ثمن خطئي مدى الحياة؟ علماً بأنني قد أخبرت خطيبي عن الشاب ولكن ليس بكل التفاصيل طبعا وقد عذرني قائلا كنت صغيرة وليس هناك من هو معصوم عن الخطأ والحمدلله أنك لم تلتقيه فقط مكالمات هاتفية فأنت في بلد وهو في بلد , ولكن هذا ليس صحيحا ولكن فضلت إخباره حتى وإن كان كذبا على أن أتركه لا يعلم عني شيئا. أحب خطيبي وأنا وفية له ولا أخفي عنه أي شيء حتى أنني أخبرته أن الشاب يحاول الاتصال بي. سؤالي هو هل علي التستر على نفسي أم يعتبر ذلك كذبا والله لا يرضى به؟ هل أنا إنسانة سيئة بسبب ما اقترفت في الماضي ولا أستحق سوى إنسان سيء؟
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للأخت أن تستر نفسها ولا تخبر خطيبها ولا غيره بما حصل منها مع ذلك الشاب، فإن الله ستير يحب الستر وفي الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله تعالى. رواه الحاكم والبيهقي وبنحوه مالك في الموطأ، وصححه الحاكم وابن السكن والألباني.
وعليها أن لا ترد على هذا الشاب إذا اتصل بها، ولو تطلب الأمر تغيير رقم هاتفها فلتفعل، وعليها التوبة إلى الله من هذه الذنوب، والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الحسنات يذهبن السيئات، ويمكنها أن تستعمل التورية إذا وصل إلى علم خطيبها شيء من ذلك، ولا بأس بالكذب هنا للحاجة ولدفع مفسدة أعظم، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 7758. ... ... ...
ولتعلم أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وليس هناك معصوم من الخطأ، والسيئ هو الذي يصر على الذنب، وما دامت تابت فهي ليست سيئة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1426(9/5032)
المطلوب الأخذ بأسباب الرزق واللجوء إلى الله وسؤاله
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أولا: أنه كلما ذهبت إلى البحث لوظيفة ما لأي مؤسسة قيل لي طلبك في قائمة الانتظار، والشيء الغريب أنه كلما ذهبت لمراجعة عن طلبي تعطلت أجهزة الكمبيوتر للوزارة بأكملها أو يمرض المدير أو بحجج وزوجتي أيضا نفس الحال حيث أننا عاطلان عن العمل مع أننا جامعيون, والثانية هو أنني أسكن مع أهل زوجتي لا اتصال من قبل أهلي لتقصي عن أخباري وأننا كلما حاولنا في الاتصال بهم رد علينا أخي الأكبر مني سنا أبي غير موجود الآن أتطوق لسماع أخبار أمي وأبي ولكن كيف لي, حيث أنني بعد عن أهل أي في بلدة أخرى, والثالثة هو أنني متزوج منذ سنتين ولم أرزق طرحت زوجتي مرة واحدة وبعدها لم نرزق والحمد لله نداوم على الصلاة وقراءة القرآن الكريم وعند قرأتنا للقرآن الكريم نحس بتعب أو إرهاق أستغفر الله , ولم تقصر زوجتي في فتح سجل تجاري لي ولكن من دون جدوى مرة مشكلة تمديد الكهرباء ومرة تعطل أجهزة الكمبيوتر وووووو. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لا يقدر للإنسان إلا الخير، وإن اختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه، ففي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
وإن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان والمؤمن فيها يتقلب من حال إلى حال ليرى الله منه الصبر عند الابتلاء والشكر عند الرخاء. قال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35} وانظر الحكمة من الابتلاء وما يشرع عند وقوعه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13260، 64831، 39081، 56863. وانظر ثواب الصابرين في الفتويين: 8601، 32180.
واعلم أن ربنا سبحانه الرحيم الرحمن الكريم الرزاق لن يهلك عبده جوعا إذا أقبل إليه وسأله الرزق وتضرع بين يديه، فهو سبحانه الذي كفل الأرزاق لعباده ووعدهم بذلك وعد كريم لا يبخل وقدير لا يعجز، وعدا أكده وأقسم عليه، قال سبحانه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ {الذاريات: 22-23}
فما عليكما إلا الأخذ بأسباب الرزق والسعي في تحصيله واللجوء إلى الله وسؤاله بذل وإلحاح أن يتوب عليكما، وأن يوسع لكما في الرزق، وأن يغينكما عما سواه، وأن يرزقكما الذرية الصالحة، ولا تعجلا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم
وارضيا بما قسم الله لكما ولا يضركما ما فاتكما من الدنيا بعد ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أصبح آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. رواه الترمذي. ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 6074.
هذا ونوصيك بالتفاؤل والحذر من التشاؤم. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11835، 14326، 57198، 28954.
ولا تقطع الاتصال بوالديك أبدا وصلهما بكافة أنواع الوصل المتاح فقد أوصى الله تعالى بهما في غير ما آية، وجعل حقهما على العبد بعد حقه تعالى، وهما باباك إلى الجنة؛ بل أوسط أبواب الجنة ودعوتهما لولدهما مستجابة. وإن عاقهما قد توعده الله تعالى ولا ينظر إليه يوم القيامة.
وصل رحمك بقدر المستطاع وإن قطعوك واعلم أن الجنة لا يدخلها قاطع رحم، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17754، 8173، 2894، 4296، 5925، 11649، 5443، 6719، 7683، 16668.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(9/5033)
كيفية التخلص من جريمة السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة محجبة وأصلي..... لكن لدي عادة خبيثة لا أعرف كيف أتخلص منها وهي السرقة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السرقة جريمة عظيمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولذلك غلظ الشارع الحكيم في عقوبة مرتكبها، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة: 38} وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده، رواه البخاري وم سلم. وقال أيضاً: تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً: رواه البخاري ومسلم.
وعلى ذلك فإن الواجب عليك المسارعة بالتوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم، وعقد العزم على عدم العودة إليه أبداً، والندم على ما فرطت في جنب الله تعالى، ورد الأموال المسروقة إلى أصحابها، وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين رقم: 9694، 5450. ... ...
هذا وإن مما يعينك على فطم نفسك عن هذه العادة الخبيثة مراقبتك لله تعالى، واستشعار قربه منك ونظره إليك، ثم بإستحضار ما توعد الله به السارقين في الدنيا والآخرة، واسألي الله كثيراً بذل وإلحاح أن يتوب عليك، وأن يعينك على الخلاص من أسر ذلك الذنب العظيم، وتحري في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، والتزمي آداب الدعاء، فذلك أحرى في القبول، وانظري بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655، 8581. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(9/5034)
الحكمة من ذكر أهوال يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[مالحكمة من ذكر أهوال يوم القيامة؟ ما معنى السراب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حكمة ذكر ذلك قمع شهوات العاصين وتخويفهم ليسلكوا الصراط المستقيم الذي ينجيهم من تلك الأهوال المخيفة، وإقامة الحجة عليهم بما ينتظرهم كما قال تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا {الملك: 8-9} فلا يكون لأحدهم حجة على الله يوم القيامة، فالمطيع ذكر له ما ينتظره من النعيم ليزيده ذلك حرصا على الاستزادة من مراضي الله تعالى، والعاصي ذكر له ما ينتظره من العذاب الأليم لعله يتوب إلى الله ويرجع إليه، وانظر الفتوى رقم: 57104.
وأما السراب فهو ما يتراءى للناظر ولا حقيقة له ويظهر في أوقات الهجير. قال تعالى: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا {النور: 39}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(9/5035)
تلك ضراوة الإسلام وشرته
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد الله الذي هداني فلم أعد أستمع إلى الأغاني والحمد الله كنت مواظبة منذ فترة على الأذكار فى الصباح والمساء وحوالى 2000 تسبيحة تقريباً وبدأت أحفظ الجزء الثلاثين من القرآن وبعد فترة وجدتنى لا رغبة فى عمل أى شىء بل وأشعر بفتور حتى الصلاة أصبحت تأدية واجب ولست أدرى ما الحل فلقد اعتقدت أنه حسد خاصة أن هذه الحالة ظهرت لى بعد معرفة زوجة أخي زوجي أني حامل وكذلك أخواتي فما هذا الذى أشعر به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأله سبحانه وتعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب.
وأما ما تجدينه من فتور وكسل في العبادات بعد الإقبال على الله والتوبة، فإما أن يكون ذلك مع المحافظة على الفرائض والاقتصاد في الطاعات فذلك خير، وقد يكون سببه الشره في العبادة وتحميل النفس ما لا تطيق منها، ففي الحديث الذي أخرجه ابن عبد البر في التمهيد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شرها. أي اندفاعاً نحوه وإكثارا منه وحرصاً عليه.. قال: ولكل شره فتر ة. أي فتور عنه وانقطاع.
وأخرج أحمد في مسنده عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجال يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً! فقال: تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل ضراوة شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنة فنعما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فقد هلك. قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.
فإذا كان فتورك مع المحافظة على الفرائض والاقتصاد في النوافل فهو خير وينبغي أن تدومي عليه ولا تجهدي نفسك وتكلفيها ما لا تطيقه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك. أخرجه البيهقي.
فمتى تكلف العبد ما لا يطيقه من العمل لحقه الملل وأدركه الضعف والسآمة وانقطع عمله. وقليل دائم خير من كثير منقطع، كما في الحديث عند مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه ولو قل.
وأما إن كان فتورك إلى المعاصي والإقبال على شهوات النفس وحظوظها والتكاسل عن أداء الفرائض والواجبات فأدركي نفسك فذلك الهلاك؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك.
فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالمحافظة على الفرائض والواجبات على أكمل وجه وأتمه؛ لما في الحديث: ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه. ثم انظري في النوافل ما تستطيعين المداومة عليه لتكمل ما قد يحصل من نقص في الفرائض، ولا تجهدي نفسك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه واللفظ لمسلم.
هذا.. مع البعد عن المعاصي جميعها وأصحابها، فخير ما يعين المرء على الالتزام بعد توفيق الله عزوجل الرفقة الصالحة والبعد عن أصحاب السوء؛ كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28}
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 15219، 1208، 10943، 1891، 17666.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(9/5036)
توجيهات للسالك في طريق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها السادة ...
أنا في الـ 16 من عمري ومشكلتي الوحيدة هي أني أريد أن أتوب ولكن هناك عوائق كثيرة أمامي:.
1- حب الرذيلة.
2- كثرة الخلوة بنفسي.
3- الفتيات وما أدراكم ما الفتيات فمدرستي في مدينة المنصورة، وهناك فتيات يرتدين ملابس ضيقة وقصيرة.
4- الأغانى.
5- التلفاز.
6- العادة السرية وهذه هي أبرزها.
7- السينما.
8- عندما أتوب وأذهب للصلاة مثلاً هناك الكثيرون يتغامزون علي.
أيها السادة.....
أرجو من سيادتكم إيجاد حل لهذه المشكلة العويصة ... بالنسبة إلي وكذا الشباب الذين هم في سني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في تفكيرك بأمر التوبة والاستقامة على الطاعة، فهذه بداية السير في الطريق الصحيح، ونوصيك بأن تهون على نفسك، فإن الأمر يسير على من يسره الله عليه، خاصة وأنك على معرفة بالأدواء فتسهل حينئذ معرفة الدواء.
واعلم أن التوبة إلى الله سبحانه من المعاصي فرض على المسلم ليس له خيار في ذلك، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} .
فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة والصدق فيها، فمن صدق الله تعالى صدقه، قال سبحانه: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ {محمد: 21} .
وقد ذكرنا بعض النصائح والتوجيهات لمن يريد أن يتوب وذلك بالفتوى رقم: 25332 فراجعها.
ونضيف هنا بعض النصائح المهمة، ومنها:
أولاً: الحذر من الوحدة، فهي مصيدة الشيطان للإنسان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحدة، ففي مسند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده.
ثانياً: مراقبة الله تعالى في الخلوة، قال تعالى: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء: 1} .
وراجع الفتوى رقم: 12928.
ثالثاً: أن تتذكر سوء عاقبة المعصية، وأنها قد تكون سبباً في سوء خاتمة العبد وراجع الفتوى رقم: 34370 والفتوى رقم: 52466.
رابعاً: أن تجتهد في غض بصرك عن محارم الله، ويجب عليك ترك الدراسة في هذه المدرسة التي بها اختلاط بالفتيات، والبحث عن مدرسة أخرى لا يوجد بها اختلاط..
خامساً: عدم الالتفات إلى سخرية الساخرين، وعليك بالصبر على أذاهم، وراجع الفتوى رقم: 19969 والفتوى رقم: 51001.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(9/5037)
مخالطة المرأة للأخوات الصالحات
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أحب الالتزامات الاجتماعية ولا تكوين الصداقات مع الأخريات ولا زيارات الأقارب أحس بضيق إذا استمرت الجلسة كثيراً أمي تتضايق مني كثيراً عندما أكون مع أقاربي أحس أني أتكلف وأمثل دور المبسوطة بلقياهم والحقيقة غير ذلك ليس لي أية صديقة أحمل هماً كبيراً إذا أردت زيارة لا أريد أن أكون هكذا, هل هذا الوضع طبيعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا هل الأفضل للمسلم مخالطة الناس أم مجانبتهم في الفتوى رقم: 34422 والفتوى رقم: 45802 هذا إذا كان الترك مبنيا ً على أساس وسبب فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه. ولا بد للمرء من إخوان صالحين يرشدونه إلى الخير ويعينونه على التمسك به.
فإذا كان ذلك الشعور من الصغر فهو طبيعي لأن الله سبحانه وتعالى يجعل طبيعة بعض الناس انطوائياً لا يحب المخالطة. بل تعجبه العزلة والانطواء وطول الصمت.
وأما إذا كان ذلك الشعور طارئاً فينبغي مراجعة الطبيب النفسي لعرضها عليه. ويمكن مراسلة قسم الاستشارات في موقعنا هذا فلعل عندهم في ذلك ما ينفعك أو يرشدك إلى ما ينفعك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(9/5038)
التوبة الشاملة من جميع الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك معاص قمت بها وأريد التوبة إلا أنه لا يمكنني تذكر الكثير منها، فهل يجوز أن أطلب التوبة لكل المعاصي دون التفرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يشترط للتوبة تعيين كل معصية، وإنما يكفي التوبة الشاملة المطلقة من جميع الذنوب والمعاصي توبة نصوحاً خالصة وقد بينا شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 24611، والفتوى رقم: 42083.
قال في الفواكه الدواني: لا يشترط في صحة التوبة تعيين الذنب.. وتصح التوبة من الذنوب إجمالاً ولو لم يشق عليه التعيين. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 41414، والفتوى رقم: 1909، والفتوى رقم: 66719
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1426(9/5039)
هل تموت الذنوب بالموت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو كيف أكون ممن مات وماتت معهم ذنوبهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تاب ابن آدم من ذنوبه قبل موته توبة نصوحا تاب الله عليه منها، فالتوبة تجبُّ وتمحو ما قبلها، ولكن للتوبة المقبولة شروط بيّناها في الفتوى رقم: 5450
ومن فضل الله تعالى أن المؤمن قد يغفر الله له ذنوبه إذا لم يكن من المجاهرين بها في الدنيا كما في الحديث: إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته
متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه رواه البخاري
وأما إذا كان المرء من المجاهرين بالمعاصي فيعملها أمام الناس ويحدث بها تبجحاً فإنها لا تموت معه وإنما يذكره الناس بها بعد موته وربما شهدوا عليه بالسوء فيدخل النار كما في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت؟ قال هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض رواه البخاري
فينبغي للمسلم أن يحذر من البدع والمجاهرة بالمعاصي فإن شؤمها وسوءها لا ينقطع بالموت وإنما تلاحق صاحبها حتى وهو في قبره بعد موته.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(9/5040)
أسباب البلاء كثيرة ومفتاح دفعها الرضا والصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي من يوم انتهيت من دراستي الجامعية وأنا أدخل كل عمل فأجد نفسي منبوذا محتقرا مكروها من كل العاملين في الشغل وتفسر تصرفاتي التي أقوم بها في عملي بسوء نية من قبل الغير مما يدفعني دائما للاستقالة مما حطم حياتي كاملا وأفقدني الثقة بالنفس وأصبحت أتعامل بالشك مع كل من يتعامل معي حتى خارج العمل وأصبحت منبوذا من كل الناس وقد لجأت للعلاج النفسي فلم يجد ولم أستقر في عمل وأصبح الناس ينظرون لي على أساس أني فاشل غبي علما بأني كنت متفوقا في دراستي، وأصبح الناس ينبذونني، عزيزي القارئ أشك بأني مسحور أو مصاب بالعين من قبل صديق حاقد قد عاشرته فترة طويلة حيث انتقلت مساوئ هذا الفاشل لي وأصبحت أفوقه فشلا وإحباطا حيث كان دائما يحقرني ولا أستطيع الرد لأنه كان يصرف علي فلغى شخصيتي وعقدني وأظن أنه حاول السيطرة علي من خلال السحر، أرجو أن تجدوا لي حلا رجاء شديداً؟ مع الشكر والاحترام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي المسلم أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلي الله سبحانه من شاء من عباده بما شاء من البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، فمن رضي بهذا البلاء كان له من الله الرضا، ومن سخط فعليه السخط. فنوصيك بالصبر ففي الصبر خير الدنيا والآخرة، فهو مفتاح تفريج الكربات وبه تكفر السيئات وترفع الدرجات، وراجع الفتوى رقم: 25874.
ومما نوصيك به أيضاً الاستعانة بالله والإكثار من دعائه، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ونخص هنا دعاء المكروب الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
واعلم أن من أعظم أسباب البلاء الذنوب والمعاصي، فقد يكون ما أصابك من مصائب بسبب ذنب أتيته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، فبالتوبة والاستغفار يكشف البلاء بإذن رب الأرض والسماء، وراجع الفتوى رقم: 20939.
ثم اعلم أن الضغوط النفسية قد تدفع الإنسان أحياناً إلى الشك في تصرفات الغير تجاهه، فمراجعة الثقات من ذوي الخبرة في هذا المجال أمر مهم، وما قد يعجز أحد الأطباء عن تشخيصه، قد يوجد من هو أكثر منه خبرة فيتمكن من تشخيص المرض وتحديد الدواء المناسب.
وأما أن تكون هذه الابتلاءات بسبب شيء من العين أو السحر ونحوهما فأمر وارد، فنوصيك بالرقية الشرعية والمحافظة على الأذكار وخاصة أذكار الصباح والمساء، وكذا المحافظة على الفرائض ولا سيما الصلاة، والحذر من الذنوب والمعاصي، وراجع الفتوى رقم: 5252، والفتوى رقم: 2244.
وننبه إلى أن الأصل في المسلم السلامة فلا يجوز الإقدام على اتهامه بما يشين كفعل السحر ونحو ذلك من غير بينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1426(9/5041)
المؤمن على خير في السراء والضراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر22 سنة، وسؤالي هو أنني لا أمرض إلا نادرا حتى أبسط شيء كالزكام وسمعت في أحد الأيام أن كثرة الذنوب والمعاصي تحرم المؤمن من المرض لأنه تخفيف للذنوب، فهل هذا صحيح، وهل يعني ذلك أنني عاصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعيار رضا الله تعالى عن عبده ومحبته له هو توفيقه لطاعته وعمله بمرضاته، لا كثرة المصائب وتتابع المحن ولا وفرة المال ودوام العافية، ومن عافاه الله تعالى من المصائب فليحمد الله تعالى، فكم من مبتلى لم يصبر على الضراء، وكم من معافى لم يشكر الله تعالى على السراء.
والمؤمن أمره كله له خير؛ كما في الحديث: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فينبغي أن تشكري الله تعالى على عافيته، وشكر النعمة صرفها في مرضاة الله عز وجل كما قيل:
والشكر صرف العبد ما أولاه * مولاه من نعماه في رضاه
صحيح أن كثرة المصائب والأمراض تمحص العبد من ذنوبه إذا لم يسخط من قضاء الله وقدره، وانظري الفتوى رقم: 31289. ولكن من عافاه الله من ذلك فليحمده وليشكره وهو مأجور على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(9/5042)
سبل استجلاب السعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أريد أن أعرف مفهوم السعادة في الإسلام، طبقا لأحكام الشريعة السمحاء، والفروق بين الإسلام ومنظور الديانات الأخرى وخاصة المسيحية. أمد الله في عمركم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعادة الحقيقية في الفوز بالجنة والنجاة من النار، والسعادة في الدنيا تكون ثمرة للاستقامة على أمر الله تعالى والتمسك بشرعه وعدم فتور اللسان والقلب عن ذكره، وبالصبر على قضائه وقدره، وبالرضا عنه سبحانه
ولمزيد فائدة حول موضوع السعادة في الإسلام، انظر محاضرة بعنوان (الحياة الطيبة) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ومحاضرة بعنوان (السعادة بين الوهم والحقيقة) للشيخ ناصر العمر، وتجد هاتين المحاضرتين على موقع طريق الإسلام ww.islamway.com وانظر سبل تحصيل السعادة في الفتويين 29172 / 41347
وبالنسبة للمقارنة بين مفهوم السعادة في الإسلام وفي النصرانية فإننا نعتذر إليك عن إجابة الأسئلة المتعلقة بالبحوث الأكاديمية لانشغال الباحثين بمركز الفتوى في الشبكة الإسلامية بإسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم العاجلة في العبادات وغيرها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(9/5043)
التوبة من التحرش بالنساء في المواصلات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتحرش بالنساء في المواصلات وأحيانا يخرج مني فهل هذا زنا؟ وهل يجب علي الحد؟
أرجوكم عدم تجاهل رسالتي الأمر يؤرقني جدا ادعو لي بالمغفرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك التوبة من التحرش بالنساء فهو معصية، واعتداء على أعراض المسلمين، وأما هل التحرش زنا؟ فالزنا له حقيقة، وهي تغييب الحشفة في فرج محرم لعينه مشتهى بالطبع من غير شبهة نكاح، فما لم يصل إلى هذا، فلا يعد زنا يوجب الحد، وإن كان زنى بمعنى آخر وتكفي في تكفيره التوبة، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 3950.
وندعو الله لنا ولك بالتوبة والمغفرة والرحمة والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(9/5044)
استجلاب سرور القلب والسعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت أختي وهي تصغرني بعامين ومنذ وفاتها وأنا لا أرى أي شيء جميل في هذه الدنيا إذا ابتسمت أتذكرها وأغضب من نفسي وفي بعض الأحيان تجدني أسرح بعيدا وأنسى كثيرا أصبحت أكره كل شيء أراه ولكن لا أستطيع أن أوضح هذا أمام الآخرين أعيش حياة طبيعية مع الناس ولكن أتمزق داخليا والآن وقد مر على وفاتها ست سنوات وأنا بهذا الحال أصبحت عصبية مع نفسي ومع غيري ولكن أحاول بقدر الإمكان أن أكون طبيعية إذا حدث معي أي موقف حتى ولو كان بسيطا تجدني أجعل منه موضوعا حتى أنفس عما بداخلي لا أعرف ماذا افعل حتى أعيش حياة طبيعية من دون نكد مع زوجي وأولادي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلفك خيرا منها، وأن يلهمك الصبر، ويعظم لك المثوبة والأجر.
ونوصيك بالصبر والحمد واحتساب الأجر والمثوبة عند الله تعالى، ونرجو أن يكون ذلك رفعا لدرجاتك عند الله تعالى وتكفيرا لسيئاتك، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة.
وننصحك بقراءة كتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني، وننقل إليك بعضا من كلامه مختصرا قال حفظه الله: لا تحزن: لأنك جربت الحزن بالأمس فما نفعك شيئا، لا تحزن: لأنك حزنت من المصيبة فصارت مصائب، لا تحزن: لأن الحزن يريك الماء الزلال علقمة، والوردة حنظلة، والحديقة صحراء قاحلة، والحياة سجنا لا يطاق.
لا تحزن: وأنت عندك عينان وأذنان وشفتان ويدان ورجلان ولسان وجنان وأمن وأمان وعافية في الأبدان: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.
لا تحزن: ولك دين تعتقده، وبيت تسكنه، وخبز تأكله، وماء تشربه، وثوب تلبسه، وزوجة تأوي إليها، فلماذا تحزن؟!
فن السرور:
من أعظم النعم سرور القلب، واستقراره وهدوؤه، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس، وقالوا: إن السرور فن يدرس، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار العيش، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث، ولا ينزعج للتوافه. وبحسب قوة القلب وصفائه، تشرق النفس.
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس، رواحل للهموم والغموم والأحزان، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات، وخفت عليه الأزمات.
من الأصول في فن السرور: أن تلجم تفكيرك وتعصمه، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح، وأعاد عليك ملف الأحزان، وقرأ عليك كتاب المآسي. إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.
وفي الحديث: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم. وفي فن الآداب: وإنما السرور باصطناعه واجتلاب بسمته، واقتناص أسبابه، وتكلف بوادره، حتى يكون طبعا.
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.
والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن، لأن الحياة خلقت هكذا. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ. انتهى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(9/5045)
التوبة تهدم ما قبلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة أعترف أمام ربي أنني اقترفت في حياتي الكثير من المعاصي وكان ذلك نتيجة أنني تعرضت للإيذاء من قبل الكثير من الناس , مارست الكثير من السلوكيات التي يخجل الإنسان من ذكرها, ومنها الكبائر التي حرمها الله,
أنا أقف الآن أمام الله لأعلن توبتي هل أستطيع أن أفعل ذلك وهل المغفرة تجوز لي أم لا, إنني أريد أن أتوب بالصلاة , عسى أن يتقبل الله توبتي, أرجو منكم يا إخوتي أن تقفوا إلى جانبي , أنا أعترف أنني كنت من العاصين , ولكن الندم يأكلني يوما بعد يوم, فأنا أم لطفلين وزوجة وأريد أن أحمي وأحافظ على عائلتي من عواقب عصياني لله أيام شبابي, أسألكم أن ترشدوني ماذا أفعل, فما أستطيع فعله هو الصلاة ولكن هل تكفي, ولأكون صريحة معكم أن الغيرة التي تمتلكني هي من مسببات ارتكابي للمعاصي, فكيف من الممكن أن أتغلب عليها
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أخطأ خطيئة أو أذنب ذنبا ثم ندم على فعله وعقد العزم على عدم العودة إليه فإن الله يتوب عليه بل ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى في ذكر صفات عباد الرحمن: وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} وقال: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: 38}
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله رواه مسلم
فالصحابة قبل إسلامهم وقعوا في كثير من كبائر الذنوب والمعاصي، وأعظم ذلك الشرك بالله، ولكن لما أسلموا وتابوا صاروا أئمة وأعلاما نصر الله بهم الدين وهدى بهم خلقا كثيرا بل لم يصل إلينا الدين إلا من خلالهم.
ثم إن من الصحابة من فعلوا كبائر الذنوب بعد إسلامهم، ولكن لما تابوا تاب الله عليهم، ومن هؤلاء كعب بن مالك رضي الله عن، هـ فقد تخلف عن غزوة تبوك ثم ندم على ذلك فتاب الله عليه، مع أن التخلف عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب، وكذلك تاب الله على وحشي قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم وتاب الله على ماعز والغامدية لما زنيا وجاءا تائبين نادمين باكيين، فالله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره وانظري للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25567، 16907، 1106، 1095.
ثم إن هناك أسبابا أخرى غير التوبة يمحو الله بها الذنوب، انظريها في الفتوى رقم: 51247، واعلمي أن ما أنت فيه من الانكسار بسبب ذنبك ذلك وخضوعك بين يدي الله منكسة الرأس خاشعة الطرف منكسرة القلب لهو من أسباب كونك قريبة من رحمة الله، فإن الله يحب سماع أنين المذنبين، وانظري الفتوى رقم: 4188، ولمزيد فائدة انظري الفتوى رقم: 5398.
واحذري أيتها الأخت الكريمة من ترك الصلاة فإن تركها من كبائر الذنوب بل إن كثيرا من أهل العلم على أن تارك الصلاة تكاسلا كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، وانظري الفتوى رقم: 6061.
وكذلك ينبغي أن تجاهدي نفسك وتتغلبي على تلك الغيرة المفرطة وأن لا تستسلمي لما يبثه الشيطان في قلبك من أوهام وخيالات وظنون سيئة، مما يجعلك تشكين في تصرفات من حولك فتفسد عليك حياتك فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغض الله عز وجل، فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة رواه النسائي وحسنه الألباني.
وقد تكون هذه الغيرة والوساوس من آثار ذنوبك السالفة فجعلتك تسيئين تأويل ما يمر بك من مواقف وتحملينها على أسوأ المحامل، وقد قال المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته * وأصبح في ليل من الشك مظلم
فاسألي الله بذل وإلحاح أن يتقبل توبتك وأن يلهمك رشدك وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك وأن يرزقك السعادة الزوجية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(9/5046)
وصايا هادية للمواظبة على العبادة والطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت مواظبة على طاعة ربنا في الصيام كل شهر عربي يومين وصلاة الفجر يوميا والصدقات ولكن بعد ما خطبت لا أعرف لماذا تغيرت ولا أدري كيف أرجع مثل الأول أرجو الرد علي إن كانت ملامسة الخطيبين سواء بالسلام حرام والتكفير عنها كيف؟
أرجو الإفادة سريعا وجزاكم الله كل خير، وهل سيتقبل ربنا توبتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يعين على المداومة على الطاعة أمور:
أولاً: الاستعانة بالله تعالى ودعائه، ومن ذلك الدعاء الذي في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن حبان وابن خزيمة عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ؛ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبا دتك.
ثانياً: مصاحبة النساء الصالحات المعينات على الخير.
ثالثاً: المطالعة في كتب العباد والزهاد كصفة الصفوة فإنها تشحذ الهمم.
رابعاً: مجاهدة النفس على الطاعة.
خامساً: تذكر عظيم الثواب لمن واظب على العبادة.
وأما بشأن لمس الخطيب الذي لم يعقد على مخطوبته عقداً صحيحاً، فحرام لا يجوز، بل لا يجوز لك النظر إليه، ولا يجوز له النظر إليك، باستثناء نظرة الخطوبة التي على أساسها يقرر كل منكما الإقدام أو الإحجام، وكفارة اللمس المحرم والنظر المحرم التوبة إلى الله تعالى، ومن التوبة العزيمة الصادقة على عدم العودة إلى هذا الذنب مطلقاً.
وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1426(9/5047)
إذا أحب الله عبدا ابتلاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة من العراق وقد لجأت إليكم بعد أن غلقت بوجهي كل الأبواب أنا أشعر بأني تائهة وضائعة ولا هدف أو معنى لحياتي، وأشعر أحيانا برغبة في البكاء ومشكلتي لا يوجد من يسمعني أرجوكم ساعدوني وما زاد حالتي سوءا ما يمر به بلدي من أوضاع سيئة جدا جدا جدا وهذا ليس حالي وحدي بل معظم صديقاتي ولكن حالتي أسوأ منهن لأني حساسة جدا ولأني وحيدة أيضا أرجوكم أريد حلا لأني لم اعد أحتمل حياتي التافهة هذه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وإن الجنة هي دار السعادة والأفراح، ولو كان هناك من يستثنى من البلاء في الدنيا لكان الأنبياء، ولو أنك طالعت سيرة محمد خير البشر صلى الله عليه وسلم لوجدته ينتقل من ابتلاء إلى ابتلاء، فقد ولد يتيما وعاش فقيرا وكذبه قومه وأخرجوه من بلده إلى غير ذلك من الابتلاء ولكنه صبر لأنه يعلم أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه وأن المرء يبتلى على قدر دينه. قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط. رواه الترمذي وحسنه.
فاصبري على ما أنت فيه واحتسبي الأجر عند الله فستجدين عاقبة ذلك خيرا، واعلمي أن ما أنت فيه من الضيق قد يكون بسبب ضعف الإيمان فإن الراضي بقضاء الله وقدره يجد سكينة في نفسه بعد وقوع البلاء ويحمد الله على أن ما أصابه من البلاء لم يكن في دينه.
فثقي بالله وأحسني الظن به واعلمي أن أقدار الله كلها خير وإن كانت مؤلمة في ظاهرها. قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري ومسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم وغيره.
وانظري الفتوى رقم: 51946، والفتوى رقم: 15197.
هذا، ولتعلمي أن الله تعالى قد خلقنا لغاية عظيمة وهي أن نعبده ولا نشرك به أحدا وأن نعمر الأرض وفق شريعته سبحانه. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} فلا تجعلي الهموم تستهلكك وتلفتك عن الغاية التي خلقت لأجلها، واسلكي سبل زيادة الإيمان من استماع للقرآن وقراءته بتدبر ومن مداومة ذكر الله ومن شهود مجالس العلم والخير.
وننصحك كذلك بأن يكون لك صحبة من الفتيات الصالحات الدينات وأن تتعاوني معهن على الخير من طلب للعلم النافع ومن إنكار للمنكرت المتفشية في المجتمع من حولك ومن دعوة الفتيات الأخريات إلى الاستقامة وسلوك طريق الهداية وانظري برنامجا للمبتدئين في طلب العلم في الفتويين التاليتين: 59868، 59729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(9/5048)
هل لله عباد لو أرادوا أراد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حقيقة المقولة أن لله أولياء ((لو أرادوا أراد الله)) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا بعد البحث لم نجد لهذه العبارة أصلا كما أن معناها لا يصح، فإن إرادة العبد تابعة لإرادة الله تعالى. قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الإنسان: 30}
هذا، ولا شك أن لله تعالى أولياء يرجون رحمته ويخافون عذابه ويحرصون على مرضاته ويتجنبون ما يسخطه، وهؤلاء يحفظهم الله ويهلك عدوهم، وقد يبر قسمهم لو أقسموا عليه. ففي الحديث الشريف: كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه منهم البراء بن مالك.
وانظر الفتويين: 20634، 20551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1426(9/5049)
التوبة سبب الفلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى الإجابة علي سؤالي هذا والذي لا أعرف لو كان مكانه هنا في مركز الفتوى صحيح أم يجب أن يكون في ركن آخر من الموقع ساعدوني كي أتخلص من كابوس مرعب في يوم من الأيام كنت أعرف سيدة متزوجة وخرجت معها وقمت بتقبيلها ولم أتعد أكثر من ذلك وحينما رجعت إلى منزلي بالليل ندمت أشد الندم علي ذلك وقطعت صلتي بها نهائيا حتى الآن وكان هذا من أكثر من 6 شهور تقريبا ولكن الذي يرعبني الآن وبعد أن خطبت فتاة أحبها جدا وتحبني جدا هو خوفي من أن يقوم أحد بعمل مثل ذلك مع زوجتي.. فأنا أعرف تماما أن هذا العمل يرد على صاحبه في الدنيا ولكني ندمت على فعلتي واستغفرت ربي كثيرا وأيضا أنا ثقتي في خطيبتي والتي سوف تكون زوجتي بإذن الله بعد 4 شهور كبيرة جدا ولكن هناك وسواس دائم في أذني يجعلني شديد الغيرة عليها بأن ما فعلت بهذه السيدة ذات يوم سوف يُفعل بزوجتي..
بالله عليكم ماذا أفعل كي أتخلص من هذا الكابوس..
أعلم أنكم قد تريدون توبيخي على ما فعلت ولكني والله العظيم ندمان اشد الندم
وأرجو منكم المساعدة حتى أنسى هذا الكابوس
وهل حقا سوف يُفعل ذلك بزوجتي مثلما فعلت أنا بزوجة رجل آخر حتى لو كنت قد ندمت على ذلك؟
وهل هناك كفارة لذلك؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله على ما أنت فيه من الندم والحرص على التوبة والبعد عمن فعلت بها ما فعلت، فنرجو الله إذا غفر ذنبك أن لا يعاقبك في الدنيا والآخرة، فإن التوبة سبب الفلاح كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}
والفلاح يحصل به الأمن مما يخافه الإنسان، فعليك بصدق التوبة إلى الله والبعد عن جميع المعاصي، وحاول استسماح زوج هذه المرأة دون أن تصرح له بما عملت، وبادر بالزواج لتعصم نفسك وتحصن فرجك، وإياك أن تحملك الوساوس والغيرة على اتهام زوجتك بدون بينة. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 20064، 9390، 32948، 20826، 35693، 63847، 30425.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(9/5050)
هجر أبي الزوج إذا كان للمصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا اعرف كيف أبدأ سؤالي هذا ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله فأنا يوجد لي حمو وهو طبعا أبو زوجتي وطوال الوقت كنت أتعامل معه بالحسنى والغريب أن هذا الإنسان كان لا يتكلم إلا بالدين وهو يصلي ومعرفته جيدة جدا بأمور ديننا الحنيف ولكن اكتشفنا أن هذا الإنسان يقوم بشيء يغضب الله وهو زنا المحارم حيث له بنات قاصرات كان يقوم بإغرائهن إما بالمال وإما بتوفير المحطات الإباحية ونحن نعيش بدولة غير إسلامية وهذه الأمور سهلة وبمتناول اليد وعندما اكتشفنا هذا الشيء علمنا أن هذا الأمر ليس بجديد عليه إنما منذ سنوات يقوم بهذه الأفعال التي تغضب وجه الله عزوجل وطبعا لم نقم بإخبار السلطات بما عمل من أجل المحافظة على ستر العائلة وأنا منذ تلك اللحظة قمت بمقاطعة هذا الشخص بشكل تام علما بأني أعرف أنه لا تجوز مقاطعه المسلم أكثر من ثلاثة أيام فهل يعد عملي هذا صائبا لأنني كما أفكر أن هذا الشخص يعد خارجا عن دين الله أو منافق والعياذ بالله فأرجو توجيهي؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زنى الرجل بمحارمه من أعظم المنكرات، بل جعله بعض أهل العلم موجبا لقتله وإن لم يكن محصنا، وأما الأب فحده الرجم على كل لإحصانه ولوقوعه على محارمه.
فيتعين عليكم نصح هذا الأب وإقناعه بما تيسر من الوسائل، ورغبوه في رحلة حج أو عمرة حتى يبعد عن هؤلاء البنات، واسعوا ما أمكن في تزويجهن حتى لا يتمكن من الخلوة بهن والسيطرة عليهن، وإن لم تتمكنوا من مصارحته فأعطوه من الكتب والفتاوى والأشرطة ما يفيده في هذا الموضوع.
وأما هجره فهو عائد إلى المصلحة وإمكان تأثير الهجر عليه، فإن علم أن ذلك يردعه ويرده عما هو واقع فيه فاهجروه، وإن كان لايؤثر عليه فلا شك أن الاتصال به وتقديم النصح له أولى، وهذا يختلف باختلاف البيئات التي يسكنها الناس، فإن هجر المسلمين لمن يسكن في بلد جل أهله ملتزمون يؤثر عليه كما حصل للثلاثة المذكورين في سورة التوبة، وأما من يسكن في أوربا فقد لا يتأثر من هجر المسلمين، بل قد يدفعه هجرهم للارتماء في أحضان الكفار ومشاركتهم في أخلاقهم المنحطة، علما بأن المسلم لا يخرج عن الإسلام بأي معصية ارتكبها ما لم تكن شركا بالله تعالى.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 24833، 29984، 21242، 28124.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(9/5051)
ستر الله تعالى يوم القيامة على التائبين
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى للمؤمن يوم القيامة بعد أن يذكره بسيئاته أنه -سبحانه وتعالى- قد سترها عليه في الدنيا فيسترها عليه يوم القيامة، فماذا عمن لم يستره الله فى الدنيا، ولكنه تاب بعد ذلك فهل سوف يفضح بهذه الذنوب يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يغفر له ويتوب عليه ويمحو سيئاته ويستره في الآخرة، ويبدل سيئاته حسنات، ويدل لهذا وعد الله للتائبين بذلك، ولم يقيده بكونهم ستر عليهم في الدنيا، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، وراجع الفتوى رقم: 24916، والفتوى رقم: 25397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1426(9/5052)
الأنس بالله يغني عن صحبة المخلوقين
[السُّؤَالُ]
ـ[يا سيدي الفاضل أنا فتاة أعيش في إحدى دول أوربا الحمد لله متدينة ومحجبة الحمد لله راضية بما قسمه لي ربي من الحياة، غير أني لست متزوجة وهذه قسمة ربي لا أستطيع الاعتراض على أمر ربي، الله رب العالمين اختار لي هذه الحياة، ولكن للأسف الناس لا يفهمون هذه قسمة ربي حتى معاملتهم لي غير معاملة المتزوجين وهنا في الدول الأوروبيه صعب حتى تلتقي بصديقات متدينات وخصوصأ نحن كأكراد لا يوجد صديقات متدينات، الأكراد بشكل عام ليسوا متدينين وهذا يؤلمني كثيرأ حيث إنني أرى منكرات لا أستطيع السكوت عليها وأقوم بنصح هذه الإنسانة، ولكن هذا يبعدها عني ويقيسون الإنسانه بملابسها العارية وبمركزها الاجتماعي، مشكلتي أن عملي معهم وأراهم بين فترة وفترة حتى كانت بينهم واحدة تحترم ديني وهي أيضا خدعتها الدنيا ولهتها صارت واحدة منهم اختارت الحياة الدنيا، ماذا علي أن أفعل، هل بقائي بدون زواج يبعدني عن الناس، وهل إيماني بالله وتديني يبعدني عن الناس، وهل لا بد أن أتصرف كما هم يتصرفون لكي أستطيع العيش بين الناس، بماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي منّ عليك بنعمة الهداية والاستقامة، فإن المتمسكين بالدين في هذا الزمان قلة، وهم الصفوة من الخلق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً ثم يعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس. رواه أحمد، وانظري الفتوى رقم: 58011.
والذي ننصحك به هو أن تستمري على استقامتك واعتزازك بدينك واستعلائك بإيمانك، كما ننصحك بالإعراض عن الجاهلين، وعدم مخالطة الفتيات الفاسقات المعرضات عن دين الله إلا بقدر الحاجة، وانظري الفتوى رقم: 50106.
كما ننصحك بأن تزيدي في القرب من الله تعالى، وأن تقرئي القرآن بتدبر وحضور قلب، فإن من قويت صلته بالله خالقه لم يشك من ضعف صلته بالمخلوقين، وإن من أنس بالله استغنى به عما سواه، بل واستوحش من صحبة الناس، وإن من ذاق لذة مناجاة الله بالأسحار قويت روحه، وعزت نفسه، ولم يفتقر إلى الناس، وقد قال يعقوب عليه السلام لابنه: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {يوسف:86} .
واعلمي أن من أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى ويفرغ القلب من الهموم والأحزان طلب العلم النافع، وانظري برامج للمبتدئين في طلب العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56544، 59868، 59729.
هذا وإن بإمكانك أن تخبري بعض الثقات من أخواتك المؤمنات أو قريباتك المشفقات عن رغبتك في الزواج وتكوين أسرة، فيبحثن لك عن زوج صالح ذي دين وخلق، فيكلمنه عنك ويرغبنه فيك، وليس في ذلك منقصة لك، بل تلك منقبة، فإن طلب العفاف بالزواج الشرعي دليل الاستقامة والفطرة السوية، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9990، 18430، 46786.
واسألي الله تعالى بذل وإلحاح أن يرزقك الاستقامة على دينه، وأن يلهمك رشدك وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يمن عليك بكرمه بالزوج الصالح الذي تقرّ به عينك ويأنس به فؤادك، وتحري في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة كثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، وأثناء السجود، وعند الفطر في اليوم الذي تصومين فيه، وآخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة، وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 12767.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(9/5053)
تب إلى الله فأنت أقوى من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة وأود أن تساعدوني بإيجاد الحل بالله عليكم أنا متزوج منذ ثلاث سنوات ورزقني الله بطفل أحب زوجتي وطفلي ولكني أمارس الاستمناء والذي أدمنت عليه قبل زواجي ولمدة طويلة ولكن بصورة أقل أطلب التوبة من الله في كل مرة وأعزم على أن لا أعود إلى ذلك استعملت كل الطرق لمنع نفسي من العادة مثل معاقبة نفسي بالصيام إذا عدت إليها أو قراءة القرأن أو إخراج صدقة وغير ذلك الكثير كل هذه القوة من الإرادة تختفي عندما تسنح لي الفرصة لأكون وحدي في البيت وكأني إنسان آخر فطورت طرقا جديدة مثل النظر إلى الجارات وحتى أيضا التعري وكذلك الاتصال بفتيات على الهاتف وأتكلم معهن بصورة وقحة كي أمارس الاستمناء إني اعتذر على وقاحتي ولكني أحس أني مريض فهل أنا مريض فعلا وهل هناك مجال لتوبتي مع أني أعرف أني سأعود إلى ذلك مرة أخرى وهل صلاتي تقبل إني على حافة الانهيار الشيطان لعنه الله يوسوس لي بأن أترك الصلاة لأنه لا فائدة مني أنقذوني وأيقظوني بالله عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العادة السرية فعل قبيح وهي حرام شرعاً سيما في حق المتزوج الذي لا تلجئه إليها الضرورة ولا تدعوه إليها حاجة وانظر الفتوى رقم: 7170.
وقد بينا بعض الوسائل المعينة بإذن الله تعالى على ترك تلك العادة والابتعاد عنها كما في الفتاوى التالية: 22083، 9195، 106.
ثم إن الأقبح من ذلك والأسوأ التطلع إلى عورات الجيران، ذلك الفعل الذي عف عنه أصحاب الجاهلية حتى قال عنترة العبسي:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وقال الثاني:
يبين الجار حين يبين عني ولم تأنس إلي كلاب جاري
وتظعن جارتي من جنب بيتي ولم تستر بستر من جداري
وتأمن أن أطالع حين آتي عليها وهي واضعة الخمار
كذلك هدي آباي قديما توارثه النجار عن النجار
وكان من أسوإ ما يعير به لديهم هذا الفعل، فكيف بالمسلم الذي يعلم حرمة النظر إلى عورات المسلمين سيما الجيران لما للجار من حقوق عظيمة لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن! قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. أي شروره. متفق عليه واللفظ للبخاري.
وكذلك أيضاً الحديث مع الفتيات الأجنبيات وممارسة الاستمناء بالحديث معهن كما بينا في الفتوى رقم: 621، والفتوى رقم: 26694.
وكل هذا من سوء عاقبة الإدمان على المحرمات والإصرار عليها مهما خفت أو صغرت، فإن الشر يجلب بعضه بعضاً، والشيطان يتدرج مع ابن آدم في ذلك حتى يصل به إلى الكفر والعياذ بالله.
فاتق الله سبحانه وتعالى، ولير منك صدق النية في التوبة، فإذا علم منك ذلك تاب عليك وغفر ذنبك، كما قال: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا {الإسراء: 25} . وقال: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنفال: 70} .
فلا تمل ولا تقنط: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
واعلم أن الله يريد بك الخير ما دمت تجاهد نفسك وتتوب، ولكن إياك أن تستسلم لوساوس الشيطان فتزل قدمك بل تب إلى الله توبة نصوحاً، وإن غلبتك نفسك الأمارة بالسوء فعدت إلى الذنب ثانية فتب أيضاً توبة صادقة وسيتوب الله عليك كما قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران: 135} .
وشروط التوبة الإقلاع عن المعصية والندم عليها والنية ألا تعود إليها، فإذا تحققت تلك الشروط فأبشر بتوبة الله عليك، وإن عدت فتب أيضاً، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وانظر الفتوى رقم: 59137، والفتوى رقم: 1909.
وما ذكرته من مجاهدتك لنفسك ومعاقبتها بالصيام أو الصدقة يدل على صدق نيتك ورغبتك في الخير، وقد كان السلف يفعلون ذلك فيلزمون أنفسهم ببعض الأعمال الشاقة على النفس عند فعل المعصية أو ترك الطاعة كما أثر عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ألزمت نفسي وعاهدت الله أن أتصدق بدينار كلما فاتتني صلاة في جماعة فانتظمت في الجماعة وما فاتتني صلاة لحب الدراهم.
واعلم أن الصلاة من الوسائل المعينة على ترك المنكرات، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت: 45} .
ولكن لا بد أن تكون تلك الصلاة صحيحة كاملة بهيئتها وخشوعها وفي أماكنها ألا وهي المساجد ومع جماعة المسلمين، وننصحك بالابتعاد عن كل ما يدعوك إلى فعل تلك المعاصي وتجنب الخلوة وابحث عن الرفقة الصالحة واشغل نفسك بالطاعة.
وعلى كل فإنك قد علمت داءك وتعلم علاجه، ومن علم الداء سهل عليه الدواء، وما بيناه لك سيعينك بإذن الله إذا التزمت به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1426(9/5054)
نار الآخرة أشد حرا
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتذر مقدما عن هذا السؤال، نحن الآن في فصل الصيف الحار ودرجة الحرارة تتجاوز الأربعينات وقد تصل للخمسينات وأضطر خلال عملي مع هذا الجو الخانق المصحوب بانقطاع الكهرباء لفترات ليست بالقصيرة أن أجلس أو أقف في باب محلي ولا يخفاكم تمر كثير من السيدات والفتيات في الشارع أمام المحل ولابد أن يقع نظري عليهن وهذا به جزء غير قليل من الخطايا (أنا أخفض نظري للأرض ولكن الأمر لا يخلو من النظر) فماذا أفعل لأتجنب الخطأ علما أن بعض السيدات يشترين مني (من بضائع المحل) .
شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على كل مسلم أن يتقي الله عز وجل، وأن يحذر من غضبه وأليم عقابه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران: 102} .
وقد أمر الله تعالى بغض البصر وصرفه عن النساء الأجنبيات اللاتي لسن بمحارم للرجال، فقال سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30} .
وإذا دعتك الحاجة للخروج إلى الطريق، فأعط الطريق حقه، وراقب الله الذي يراك ولا تراه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول اله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رواه البخاري ومسلم.
واعلم رحمك الله أن حر الدنيا لا يقارن بحر الآخرة، قال تعالى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ {التوبة: 81} .
فجاهد نفسك وكفها عن غيها واستعن بالله، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
وانظر مضار إطلاق البصر إلى ما حرم الله في الفتوى رقم: 1984، ولمعرفة الوسائل المعينة على غض البصر، انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18768، 19561، 21807.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1426(9/5055)
فضل الإحسان إلى أم الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدة زوجتي المسنة تقيم في بيتي بصورة شبة دائمة علما بأن أبناءها الذكور ميسورون ماديا ولكنها لا تستريح إلا في منزلي وأنا والدي قد توفيا، فهل لي أجر على ذلك يكون من مثل أجر بر الوالدين؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنك مأجور على الإحسان إلى أم زوجتك، إذا صدقت نيتك في الرفق بها والإحسان إليها لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة: 195} وانظر الفتوى رقم 28430 وأما هل يبلغ أجر الإحسان إليها أجر بر الوالدين؟ فهذا من الغيب، ونرجو الله تعالى أن ينيلك أجرا يماثل أجر بر الوالدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1426(9/5056)
القبول للزواج والقبول بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[آيات القبول للزواج، والقبول بين الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليست هنالك آيات خاصة بالزواج وحصوله فيما اطلعنا عليه سوى آيتين من كتاب الله أولاهما في سورة البقرة، قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً {البقرة:201} ، فمن أهل العلم من فسر الحسنة في الدنيا بالمرأة الحسناء الصالحة ومنهم علي رضى الله عنه، كما ذكر القرطبي، وقيل الآية عامة في جميع نعيم الدنيا ومن نعيمها المرأة الصالحة الحسناء، وممن مال إلى ذلك الطبري وابن كثير وغيرهم من أئمة التفسير.
وأما الآية الثانية فهي في سورة الفرقان، قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ {الفرقان:74} ، وما عدا ذلك مما ورد فهو عام، وقد بينا في الفتوى رقم: 50922، أنه لا يوجد دعاء مخصوص بذلك، فللمرء أن يدعو بما شاء ويكثر من الاستغفار ويتق الله عز وجل، وانظر الفتوى رقم: 14333.
وأما القبول بين الناس فسبيله طاعة الله عز وجل والتقرب إليه بما فرض وشرع من العبادات كما في الحديث القدسي:..... وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ... إلخ. رواه البخاري.
وإذا أحب الله العبد فإنه يكتب له القبول في السماء والأرض لما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
ومن أسباب القبول بين الناس معاملتهم بالخلق الحسن والصبر على أذاهم والعفو عن زلاتهم والتعفف عما في أيديهم ونحو ذلك من أخلاق الإسلام النبيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(9/5057)
أشرطة نافعة لمن أراد أن يتوب ويقلع عن المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
أريد أن ترشدوني إلى أشرطة مناسبة ومؤثرة لكي أهديها إلى شخص يسمع الأغاني ولا يصلي صلاة الجماعة إلاّ في يوم الجمعة ولا يطلق لحيته ويسبل ثوبه ويفعل العديد من المنكرات الأخرى وذلك كله بسبب الجهل بالدين. أريد أن ترشدوني إلى أشرطة مناسبة ومؤثرة لكي أهديها إلى بنت تسمع الأغاني ولا تفكر إلاّ بفرجها وألهتها الحياة الدنيا عن الآخرة وذلك كله بسبب سوء تربيتها حيث إنها نشئت في بيت يفعل فيه العديد من المنكرات وكانت هي ضحية من ضحايا سوء التربية والبعد عن الوازع الديني والجهل بالدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرى أن المسؤول عنهم يحتاجون إلى ما يفيقهم من غفلتهم، ويعرفهم بقدر مولاهم سبحانه وتعالى، ويذكرهم بما هم مقدمون عليه من موت وفتنة قبر، ثم بعث ونشور وحشر وحساب ثم جنة أو نار، وذلك قبل أن تخبرهم بأحكام بعض المسائل المذكورة في سؤالك، وذلك أن الانقياد لأحكام الشريعة والاستسلام لرب العالمين إنما يكون لمن أحب الله تعالى وخاف عذابه، وأيقن أنه مسؤول عن جميع أعماله في الدنيا.
ومن الأشرطة التي نرشحها في هذا المجال:
(واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) للشيخ: محمد بن محمد المختار الشنقيطي.
(صفة الجنة والنار) للشيخ: أحمد المورعي.
(توبة صادقة) للشيخ: سعد البريك.
(صفة الجنة) للشيخ: علي القرني.
(أين المفر) للشيخ: علي القرني.
(أي الغاديين أنت؟) للشيخ: علي القرني.
(على الطريق) للشيخ: علي القرني.
وهذا الأشرطة تجدها في قسم الصوتيات من موقعنا (الشبكة الإسلامية) .
وبالنسبة للمسائل التي أردت أشرطة فيها، فهناك محاضرة بعنوان: (اللحية لماذا؟) للشيخ: محمد إسماعيل المقدم، ومحاضرة بعنوان (حكم إسبال الثياب) له أيضاً، ومحاضرة بعنوان (حكم الشريعة الغراء في استماع الغناء) للشيخ: عبد الرحيم الطحان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(9/5058)
تقوى الله من أسباب تيسير الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تساعدوني في قصتي هذه لأني فعلاً حائرة عمري 21 سنة وتخرجت من الجامعة قسم اللغة الإنكليزية أحببت شاباً منذ 3 سنوات وجاء وطلبني مرتين ولكن في كلتا المرتين رفض أهله الموضوع لأن أمه مسيطرة وأباه لا حول له ولا قوة، والشاب من المؤمنين بالله ويخاف غضب أمه التي رفضتني دون سبب أو لأني لست من نفس البلد، لن أطيل عليكم سألت كثيرين والجميع نصحني بأن أمه من الظالمات ولن تجعل حياتي هنيئة أبداً استخرت ربي كثيراً لكني لم أر أية أحلام فسألت إحدى المؤمنات بالله أن تستخير الله في قصتي هذه فأجابتني بأن القصة معقدة جداً لأن الأم لن تقبل وعلى ما يبدو أنها من الجاهلات اللواتي يعملن بالسحر فلربما كانت تقرأ لابنها على ماء أو شيء من هذا القبيل وعندما أخبرت الشاب ما قالت لي التي استخارت أخبرني أنه صحيح لأن أمه تقرأ كي نتباعد أو كي لا يكون لنا نصيب معاً وتستعين بأقاربها أيضاً, ...
الشاب في إحدى دول الخليج يعمل الآن وما يجعلني أبقى معه هو خوفه من ربه وإيمانه به والتزامه لكن لا حول له ولا قوة أمام والدته.
أرجو أن تساعدوني وأرجو إن كانت هناك آيات قرآنية تهون وتيسر الأمور أن تخبروني عنها ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك شيء يهون الأمور وييسرها مثل تقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4} .
فعليك بتقوى الله عز وجل، أما الشاب المذكور فهو رجل أجنبي عنك لا يجوز لك ربط علاقة معه خارج نطاق الزواج، وعليك قطع هذه العلاقة، ثم سلي الله سبحانه وتعالى أن يختار لك ما فيه الخير، وأن يقدر لك الزواج بهذا الشاب إذا علم أن فيه خيراً لك وأن يصرفه عنك إن علم أن فيه شراً لك، واعلمي أن: ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي.
فوصيتنا لك هي تقوى الله وترك العلاقة غير الشرعية مع الشاب، والتسليم لقضاء الله واختياره لك، وفقك الله لكل خير وأصلح لك حالك وكفاك شر نفسك، واعلمي أنه لا علاقة للرؤيا والأحلام بالاستخارة كما بينا من قبل، وراجعي فتوانا رقم: 30093.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1426(9/5059)
التائب يعد تائبا من لحظة توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين.
أنا فتاة مخطوبة منذ عدة أشهر؛ إلا أنني وقعت في الزنا مع خطيبي؛ ولكن ولله الحمد الآن أنا تائبة إلى الله أسارع في جميع أفعال الخيرات وأشعر أنني لا أقدم شيئا مقابل ذنب عظيم اقترفته؛ ولكن المشكلة كانت في هذا الشخص فعندما تبت إلى الله حدثني عن نفسي وراوغني حتى أوقعني في المعصية مرة أخرى ولكن شعرت بظلمة في قلبي وشيء كأنه وقع من السماء على صدري وبكاء مرير لم أبكه في حياتي من قبل وبعدها بساعات قليلة ورجعت إلى الله نادمة حاملة للأحزان والخزي والعار لنفسي وأهلي؛ فويل لنفسي التي رجعت إلى ربها وخرجت من هداه ولكم تبيع الفتاة نفسها وراء كلمات لا أصل لها غير الشيطان فتبت في اللحظة ورجعت إلى ربي وندمت على ما فعلت وعزمت على أن لا أعود إليه مرة أخرى، وكانت توبتي هنا توبة نصوحا نصوحا نصوحا لا رجعة فيها، فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك والآن إنني أسارع في فعل الخيرات وفى الالتزام بالدين الإسلامي وسنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتمسكت بديني عما كنت عليه من قبل، فقد كنت من قبل أتهاون في أشياء إلا أنني الآن ولله الحمد قد تحول حالي من ظلمة إلى نور ومن وحشة وتياه إلى طريق واضح محدد ومبين، فكنت في بادئ الأمر حياتي مثل أي فتاة لم تكن ملتزمة في دينها والآن بعد هذه المعصية الكبرى وبعد التوبة فقد تبت إلى الله عن كل شيء في حياتي وتركت الدنيا وما فيها لا أريد غير رضى المولى عز وجل والمشكلة الآن:- هي في هذا الشخص فقد حدثته في التوبة وقد تاب إلى الله ولكن إلا أنني أشعر أنه دائما يتوب ولكن أحسه غير ملتزم أريد نصحه أريد أن تكون توبته توبة نصوحا؛ ولكن لخوفي الشديد من أن يكون زواجنا وعقد زواجنا باطلا ولخوفي من عدم التوبة النصوح عنده، وقلت له أفضل الأحوال أن نبتعد وتتركني كل واحد في شأنه فلن يصح وجودنا سويا؛ لأني أريد الله وأخشى الله؛ وحدثته أن نفسخ خطبتنا لأننا عصينا لله عز وجل ولأنه لا يصح زواجنا بعد معصية كهذه فلا بد أن يبتعد كل واحد منا ليتوب ويرجع إلى الله ويرى حياته مع إنسانة أخرى غيري إلا أن ظروفنا تجبرنا أن لا نفترق فلابد من الزواج؛ فدائما أحثه على التقرب لله عز وجل وهنا جاءت مشكلة أخرى وهي أنه بدأ يتحدث معي وتحدث مشكلات كثيرة في الكلام بيني وبينه كمثلا أنه يغير علي لا تتحدثي هنا ولا تخرجي ولا تدخلي الانترنت وغيرها من أمور هي بالنسبة لي لا أعدها ذات أهمية لأني أتقي الله في أعمالي ولكن الذي يهمني هو الله سبحانه عز وجل أريده أن تقوى صلته بالله أريد أن يشغل عقله وذكره الله بدلا من أن يشغل عقله وذكره، ماذا أفعل والغيرة ومثل هذه الأشياء التي هي من مصانع الشيطان ومن تحريك الشيطان لقلبه وعقله فيوسوس له فأريد نصيحة أوجهها إليه بارك الله فيك؛ ولكن يا أخي في الله لا تنهرني بالكلمات فإن قلبي فيه ما يكفي نساء الأمة أجمعين من الحزن والألم والمرارة لذنب عظيم اقترفته ظلمت نفسي واستحليت ما حرمه الله عليه.. وأتعذب كل يوم وكل ليلة وكل ساعة بسبب لحظات خضعت لها للشيطان فأوقعني في كبائر منعها الرحمن فاسأل الله أن يتقبل مني توبتي وتوبة كل تائب.. وتائبة، فأرجوك أمسك بيدي كي يشتد ساعدي وأعطني نصيحة من الدين أحدثه بها؛؛ مع العلم اننى لا يمكن أن أفسخ الخطبة وأيضا مع العلم أنني قلت له لن أتزوجك إلا إذا كانت توبتك توبة نصوحا لله؛ وأيضا أعطيته هذا وقلت له وأنت أيضا لك أن لا تتزوجني إلا إذا كنت أنا تائبة إلى الله توبة نصوحا، والحمد لله إني تائبة إلى الله ولكن أعطني ما أحدثه به لكي يقوى إيمانه وذكره لله، وكذلك أيضا كيف أعرف أنه تاب إلى الله توبة نصوحا ... وأيضا كم المدة التي لابد أن تحدد لهذه التوبة حتى نعقد بعدها عقد زواجنا وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله للأخت الثبات على التوبة، ونهنئها بهذه التوبة النصوح، ونقول لها إن من تمام التوبة أن تبتعد عن هذا الشاب حتى يتم عقد النكاح بينهما، لأنه لا يزال أجنبيا عنها، وحتى لا يوقعها الشيطان في الذنب مرة أخرى، وأما سؤالها كيف تعرف أنه تاب، فالتوبة هي الندم على فعل المعصية والعزم على أن لا يعود إليها، ومحلها القلب ولا يطلع على ما في القلوب إلا باريها سبحانه.
فإذا قال الشاب بأنه تاب وظهر منه الخير، فيصدق في ذلك، ولا يبحث عن صدقه أو عدمه، ومن لحظة توبته يعد تائبا وليس هناك مدة يجب انتظارها بعد التوبة حتى يصح عقد النكاح، والزواج به صحيح في هذه الحال.
وأما سؤال الأخت عن نصيحة تبعثه على التوبة وتقوي إيمانه فيمكنها مراجعة الجوابين التالييين: 12744، 10800
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/5060)
التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التوبة لله تكون بترك كل المعاصي أم يمكن التوبة من فعل معين؟ وهل يجوز أداء الطاعات من صلاة وذكر وغيرها مع اقتراف بعض بالمعاصي التي يحتاج التخلص منها جهدا وعزيمة كمشاهدة الأفلام والعادة السرية وغيرها من مشاكل الشباب؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة لله سبحانه وتعالى تكون بترك جميع المعاصي صغيرها وكبيرها، وقد تحصل من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر كمن يفعل ذنوبا كثيرة فيتوب من بعضها فإن الله يتوب عليه ويقبل توبته مما تاب منه، على خلاف في المسألة.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره، والتوبة من بعض الذنوب دون بعض.
وقال ابن القيم في كتابه مدارج السالكين في معرض كلامه على هذه المسألة: والذي عندي في هذه المسألة أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلق له به ولا هو من نوعه فتصح كما إذا تاب من الربا ولم يتب من الخمر مثلا فإن توبته من الربا صحيحة.
وقد بينا شروط التوبة الصادقة في الفتوى رقم: 42083، والفتوى رقم: 41414، والفتوى رقم: 36627.
ويصح فعل الطاعات مع تلبس المرء ببعض المعاصي كما سبق في كلام شيخ الإسلام بل يجب على المرء أداء ما افترض عليه ولو كان مقيما على معصية ما ويسقط عنه التكليف بذلك الأداء إن كان على الوجه المطلوب شرعا، ويكون ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، كما قال تعالى:........... خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التوبة: 102}
والتوبة الصادقة مقبولة وإن تكرر الذنب من التائب وعاد إليه دون إصرار كما في الفتوى رقم: 12067، 1909.
مع التنبيه إلى أن العادة السرية محرمة كما بينا في الفتوى رقم: 910 وللتخلص منها انظر الفتوى رقم: 106، وكذلك مشاهدة الأفلام الإباحية والصور الخليعة كل ذلك من الأمور المحرمة التي تقسي القلب وتبعده من خالقه وتعرضه لسخطه كما بينا في الفتوى رقم: 66، 3605.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الشرور والآثام وأن يوفقنا للتوبة النصوح إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/5061)
التوبة من مخاطبة الأجنبي عبر الشات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 21 سنة متخرجة من الجامعة تعرفت على شاب عبر الشات وتقدم لخطبتي ولكن أبي لم يوافق بسبب عدم ثباته المادي وسمحت لنفسي كل شيء ولم أبال ومن جديد منذ 3 أيام تبت وتركت هذا الشاب وقلت له أريد أن أتوب فأبدى غضبه وأنني جرحته واليوم حادثني هاتفيا أنه أماتني من قلبه ولكن باستطاعتي أن أكلمه عبر الماسنجر أو أبعث له رسالة
أريد أن أتوب ولكن شيطاني يقهرني ساعدوني وقدموا لي النصيحة لا أريد سوى الله ولكن شيطاني يميلني إلى الحرام وادعوا لي بالسترة والزواج]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محادثة المرأة للأجانب عنها عن طريق الشات وغيره من الوسائل ينطوي على مخاطر عظيمة كما بينا في الفتوى رقم: 1932، 18297.
فيجب عليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى من تلك الذنوب فتقلعي عنها وتندمي عليها وتعزمي أن لا تعودي إليها وسيتوب الله عليك فإنه سبحانه رحيم يقبل توبة عبده وأمته ويغفر لهما ما كان منهما ولا يبالي كما قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وأفضل ما يعينك على ترك تلك المنكرات إقام الصلاة فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت: 45}
وكذلك اتخاذ الرفقة الصالحة فاتخذي من أخواتك من هن على خلق ودين، فالمرء يصلحه الجليس الصالح، قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} وانظري الفتوى رقم: 61744.
ولا تقبلي زوجا لك إلا من كان ذا خلق ودين فهو الذي ينبغي أن يبحث عنه ويحرص عليه كما بينا في الفتوى رقم: 4203، 7526 ولا بد في ذلك من رضى الأب وإذنه كما في الفتوى رقم: 199.
إلا أنه لا ينبغي له عضلك عن الزواج بسبب فقرالخطاب ونحو ذلك من الأعذار كالمهنة أو فارق السن إن كان الخاطب ذا خلق ودين ورضيت به كما في الفتوى رقم: 8799، 10008، 10544، 6079.
وأما التوبة الصادقة فقد بينا شروطها في الفتوى رقم: 24611، 42083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/5062)
الحياة بغير الله سراب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 17 أنا لا أصلي بعض الأوقات وأنا أحس أني مسجون في زنزانة والناس الذين هم حولي لا يحبوني،وأنا كل ما أذهب في مكان لا أوفق وأنا أريد أن أتوب فماذا أفعل لكي أكون تائبا إلى الله وأكون محبوبا عند الناس وأنا عندي سيارة وهي التي أفسدتني وأنا كنت من أكثر الطلاب اجتهادا فسقطت بسبب السيارة وأنا الآن أفكر في الشغل وأترك المدرسة فماذا تنصحوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك وينور قلبك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك. آمين.
ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن ما ذكرت من شعور بالوحشة بينك وبين نفسك وبالوحشة بينك وبين الناس ومن عدم توفيقك في أعمالك وتعسير أمورك عليك كل ذلك هو من آثار الذنوب والمعاصي.
فإن التارك لأمر الله تعالى الوالغ فيما حرم سبحانه لا تعرف السعادة إلى قلبه طريقا، ولا يطمئن قلبه بل تضطرب حياته ويشعر بالضيق وكأنه في سجن مهما أوتي من أسباب السعادة المادية، فإن الحياة بغير الله سراب، قال الحسن البصري عن أصحاب الذنوب والمعاصي: إنهم وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال إن ذل المعصية لفي قلوبهم أبى الله عز وجل إلا أن يذل من عصاه.
فبادر أخي الكريم بالتوبة إلى الله من ترك الصلاة وسائر الذنوب من قبل أن يدهمك الموت فتندم ولا ينفعك الندم حينئذ.
واعلم أن تارك الصلاة تكاسلا عنها وانشغالا بغيرها قد اختلف العلماء في حكمه، فمنهم من قال هو كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، وإذا مات حشر مع فرعون وهامان وأبي بن خلف، ومنهم من قال بل هو كافر كفرا أصغر ومرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر، فهل ترضى أيها الأخ الكريم أن يختلف العلماء في شأنك؟ وانظر الفتوى رقم: 6061
هذا، وإن كنت تبحث عن رضا الناس عنك ومحبتهم إليك فاعلم أن ذلك لن تدركه إلا إذا أحبك الله تعالى ورضي عنك، فاجعل الله أكبر همك وغاية مطلوبك، فقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض. رواه البخاري ومسلم
واعلم أنه للمحافظة على توبتك لا بد من ترك أسباب الفساد والانحراف، وسيارتك ينبغي أن تكون سببا معينا لك على الطاعة، فاستخدمها فيما ينفعك، وإن كان بقاؤها سيؤدي بك إلى فعل الحرام وصحبة الفساق والغفلة عن الله فاتركها، واعلم أن من ترك شيئا لله فسيعوضه الله خيرا منه.
هذا وننصحك باتخاذ رفقة صالحة من الشباب المتمسك بدين الله، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله تعالى بعد عونه سبحانه، فاطلب معهم العلم النافع وتعاون معهم على الخير، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. وأكثر استماع الأشرطة الإسلامية فإنها نافعة جدا.
ولمزيد فائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 16610، 12744، 21743.
وبالنسبة لإكمالك للدراسة النظامية أو انقطاعك عنها والبحث عن عمل فلا نستطيع أن نعطيك قولا لعدم معرفتنا بأوضاعك الخاصة، وبإمكانك استشارة العقلاء من أقربائك فإنهم أعلم منا بأحوالك، واستخر الله قبل كل عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/5063)
الصبر على وفاة الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[1- كيف أستطيع أن أتكيف مع وفاة زوجي العزيز حيث إنني مصابه باكتئاب كبير لفقدانه.
2- أحس بالذنب لأنني كنت آخذ منه نقودا بغير علمه فكيف يسامحني بعد وفاته وأطمئن لذلك وما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحسن الله عزاءك في زوجك، اللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوره له فيه آمين.
وإن مما يعينك على الصبر على فراقه معرفتك بما أعده الله للصابرين قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8601، 60220، 27082، 13849.
هذا، وإن كان زوجك قد كان يمنعك حقك من النفقة وأخذت من ماله مقدار نفقتك بالمعروف دون أن يعلم فلا شيء عليك، وانظري الفتوى رقم: 22917 وإن كان زوجك يعطيك نفقتك الواجبة عليه ثم إنك أخذت من ماله بعد ذلك فإنك قد أخطأت والواجب عليك التوبة إلى الله والندم على ما فرطت في جنبه تعالى، وانظري الفتوى رقم: 42095.
وإن من تمام توبتك أن تجتهدي في حصر قيمة المبلغ الذي أخذته منه فترديه على تركته ليوزع معها حسب شرع الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/5064)
علاج من ابتلي بأمر زوجته بمخالفة الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن علاج شخص صدق كلام الناس وابتعد عن الإنسانة التي يحبها وأصبح يطلب منها ما هو غير محلل وشرعي هل سيكون بقراءته لسورة ياسين يوميا ليفرج الله همه ويعود الى تدينه بعد أن كان متدينا واختلط بمن شوه تدينه؟؟
أتمنى الإجابة على سؤالي بأقرب وقت ممكن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود من السؤال غير واضح، إذ لم تبين فيه علاقة هذا الشخص بمن يحبها هل هي زوجته أم لا، وماذا يطلب منها، وعلى كل حال، فإذا لم تكن العلاقة بين هذا الشخص وبين المرأة علاقة زواج فيجب أن يبتعد عنها ولا يختلي بها بل ولا ينظر إليها نظرة تشه، وتراجع الفتوى رقم: 4220 لمزيد من الفائدة حول ذلك الموضوع، أما إذا كانت العلاقة علاقة شرعية بأن كان هذا الرجل زوج هذه المرأة فيجوز له منها كل شيء ماعدا الإتيان في غير المأتى أو الجماع في الحيض وتراجع الفتوى رقم: 4128.
وعلى كل حال فأي أمر حرمه الله تعالى لا يجوز أن يطاع فيه أي أحد زوجا كان أو أبا أو غيرهما إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما قراءة يس فإنها على العموم فيها الأجر والثواب ولكننا لم نطلع على خصوصية لها في هذا الشأن.
وننصح هذاالشخص بالبعد عن أصحاب السوء وبالحرص على مصاحبة أصحاب الأخلاق الفاضلة ذوي الهمم العالية فإن الصاحب ساحب كما قيل، وتراجع الفتوى رقم: 2444، والفتوى رقم: 1975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/5065)
اليأس والقنوط ليسا من شيم المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[حياتي مليئة بالمشاكل يكاد قلبي يتمزق في جوفه من الحسرة. لم أعد أحب الحياة بل أرى أن في الممات راحة بل أكتر من هذا أصبحت أحس أن هذه الحياة أشبه بالعذاب كل شيء صعب كل شيء بثمن وأحتار أرتمي معهم جميعا في لهوهم وحبهم للحياة وأنسى من أكون؟ أم أكون ما شاء الله وأتحمل ما أظن أني لا استطيع تحمله؟ غريب سؤالي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياة هي دار البلاء والهم والكدر، والآخرة هي للمؤمنين دار النعيم المقيم، ولم تصف الحياة لأحد أيا كان، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51946، 27082، 13849.
ولا شك أن في الموت راحة من هموم الدنيا، ولكن ذلك ليس لكل أحد، وإنما ذلك لمن صلح عمله وعمر حياته بتقوى الله والعمل الصالح، وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت فقال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه البخاري ومسلم
فاحذر من اليأس والقنوط، فقد نهى عنهما الله تعالى في كتابه وأخبر أن ذلك من صفات الكافرين فقال: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} وقال أيضا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56}
واعلم أن حل المشكلات التي يمر بها الإنسان إنما يكون بالصبر عليها والتوكل على الله تعالى والاستعانة به في حلها وبالرضا بقضائه وقدره وبالاستقامة على دينه وبالمحافظة على أمره ونهيه وباليقين أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2-3} وقال أيضا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا {الأنفال: 29} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تقوى الله والعمل الصالح يفرجان عن الإنسان كربه ويصرفان عنه الهموم والغموم، فأحسن الظن بربك وثق بما عنده، فقد يبتلي الله الإنسان بأهله أو ولده لحكمة يعلمها سبحانه، وقد ينال العبد بهذه البلايا المنزلة الرفيعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه في جسده أو في مال أو في ولده ثم يصبره حتى يبلغ المنزلة التي سبقت له منه. رواه أحمد وأبو داود، وانظر طائفة من أسباب البلاء في الدنيا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22830، 20967، 19002، 13270.
واحذر من صحبة أهل الدنيا الغافلين عن الله المنشغلين بلذتها الفانية عن الآخرة الباقية، فإن صحبة هؤلاء مردية ولا يشعرون بغفلتهم إلا عندما يدهمهم الموت فيندمون ولات حين مندم.
وفي المقابل اصحب من تزيدك صحبته معرفة بالله وقربا منه من المؤمنين الصالحين المستقيمين على أمر الله تعالى، وتعاون معهم على الخير وعلى طلب العلم النافع، فإن صحبة هؤلاء من أعظم أسباب الاستقامة بعد عون الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثر من ذكر الله تعالى فإن ذكره سبحانه من أعظم أسباب طمأنينة القلب وانشراح الصدر. قال تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28} وإن أعظم الذكر كلام الله تعالى، فاقرأ القرآن بتدبر وحضور قلب، فقد قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 81} وحافظ كذلك على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب حصن المسلم للقحطاني
واستمع للأشرطة الإسلامية النافعة واهد منها لجيرانك وأقربائك ومعارفك، وشارك في نشر الخير فإن مشاركتك في الدعوة إلى الله وفعل المعروف ودلالة الناس على الخير ستجدد حياتك وتشعرك بقيمتك فضلا عما تجنيه من الثواب، وتذكر أن الدال على الخير كفاعله.
واسأل الله بذل وإلحاح وأنت موقن بالإجابة أن يشرح صدرك وينور قلبك ويلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك وأن يرزقك الهداية والاستقامة حتى الممات، وتحر في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة كوقت السحر عند النزول الإلهي وأثناء السجود وبين الأذان والإقامة وعند الفطر في اليوم الذي تصومه ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/5066)
حقيقة الإصرار على الذنب والندم على فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[من شروط التوبة الندم, أريد أن أعرف ما معنى الندم بالضبط وكيف يتأكد العبد أنه نادم على ما فعله؟
سؤال أخر:
الصغيرة مع الإصرار تكتب كبيرة, فما معنى الإصرار هنا؟ ومتى يعتبر العبد مصرا على المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الندم هو الأسف والحرقة والألم الذي يجده العبد بداخله حسرة وأسفا على ما صدر منه فيتمنى أن لا يكون قد صدرت منه معصية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الندم توبة. رواه أحمد وغيره، وصححه الأرناؤوط.
وأما الإصرار فمعناه المواظبة على المعصية وعدم الإقلاع، وقد وصف الله عز وجل عباده المتقين بأنهم إذا فعلوا المعصية تابوا منها وأقلعوا عنها ولم يصروا على التمادي عليها، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {آل عمران: 135-136}
قال أهل التفسير: لم يقيموا ولم يثبتوا على المعصية ولكن تابوا وأنابوا.
وقال الغزالي في الإحياء: اعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب منها الإصرار والمواظبة ولذلك قيل لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
ويعتبر العبد مصرا إذا لم يقلع عن المعصية ولم يتب منها ويندم على فعلها، أما من أقلع عن المعصية وتاب منها وندم على فعله لكنه عاد إليها بعد ذلك لضعفه البشري فإن هذا لا يعتبر مصرا، فإن تاب تاب الله عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وحسنه بعض أهل العلم وضعفه بعضهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/5067)
التوبة من التحرش بالأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[حتى لا أطيل عليكم سأطرح سؤالي وهو فتوى واستشارة في آن واحد لأمر خطير وقعت فيه باختصار أنا شاب معلم للقرآن فقير وأحب الخير وقعت في عظيمة وموبقة كبيرة تحرشت جنسيا بتلميذين من تلاميذي ذوي الوسامة وإني أكتب وأنا أستحي فالمفروض أنني أنا الذي أحميهما من مثل هؤلاء الخبثاء الذين يتبعون المردان وقد أنقذت كم من ولد من مخالب هؤلاء بالنصيحة وإخبار الآباء الخ ثم وقعت في الذي نهيت عنه فأخاف أن أكون أنا ذلك الذي تندلق أقتابه في النار والعياذ بالله كما أنني أخاف أن أكون وقعت في سيئة جارية فلعل هذين الولدين أكون أنا السبب في تعليمهم هذا الخبث فكلما عملوه وارتكبوه أخذت معهم نصيبا من الإثم والعياذ بالله ثم إنني قرأت كثيرا في كتب علم النفس أن هذا الفعل الشنيع يحطم شخصية ونفسية الطفل ويعذبه حتى في كبره والدليل على ذلك أن هذين كانا من أحسن التلاميذ في الحفظ ولكن بعد ارتكابي لهذه الجريمة فقد صارا من آخر التلاميذ وصارا من المشاغبين الخ وسبب ذلك أنني لم آخذ بوصية الشرع في منع الخلوة بالمردان ولكني لم أفعل زين لي الشيطان أن آخذهم إلى البيت للعب بالكمبيوتر فكنت في البداية أضع أحدهم في حجري وأقبله لساعات ... ثم استمر الأمر إلى أن صرت أنام مع أحدهم وأمارس معه سطحيا (يعني دون نزع الملابس) لكن مع الوقت امتدت يدي إلى لمس الدبر والقبل بيدي تحت الملابس ولو لم أتوقف عن ذلك - والحمد لله - لربما وصل الحال إلى ممارستها بالكامل والعياذ بالله لما يكبر هذان الطفلان سيلعناني وسيكرهان الدين من أجلي وأتحمل أنا المسؤولية لقد تبت والذنب يؤرقني مع أني فقير لا أستطيع الزواج وما فعلت ذلك إلا لإفراغ شهوتي ولو كنت متزوجا لما فعلت ذلك بإذن الله، ما هي طريقة توبتي، لقد قرأت في الاستشارات النفسية أنه على أولياء الأطفال المتحرش بهم جنسيا أن يخبروهم بحرمة ذلك وأنه شيء غير جيد لقد وددت أن أكلم هذين الولدين وأخبرهم بأني أخطأت بحقهم وأن ما فعلت بهما محرم ومن أكبر الكبائر حتى لا يظنوه مباحا أو شيئا هينا فيفعلوه، أريد الدعاء والنصيحة بارك الله فيكم في مثل هذه المواضيع يعتبر المتحرش مجرما دائما لعله في الغالب هكذا لكن هناك من يريد العلاج.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التحرش الجنسي بالأطفال -وإن لم يصل إلى ارتكاب فاحشة اللواط- إلا أنه وسيلة إليه، واللواط من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش وصاحبه منتكس الفطرة، غافل عن الله تعالى، ولهذا شدد الإسلام في عقوبة فاعله والمفعول به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. رواه أحمد واصحاب السنن، وانظر الفتوى رقم: 1869.
هذا، وإن الواجب عليك التوبة إلى الله مما فعلت وعقد العزم على عدم العودة إليه مرة أخرى، والندم على ما فرطت في جنب الله تعالى، وأن تتجنب ما يثيرك ويدفعك إلى الحرام، فلا تنظر إلى المردان ولا تختل بهم، واترك العمل في ذلك المركز حفظاً لدينك وحفظاً لشباب المسلمين، وسارع بالزواج إن كنت قادراً على تكاليفه، وإلا فأكثر من الصوم فإن له تأثيراً بالغاً في كبح جماح الشهوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
واسأل الله كثيراً بذل وإلحاح في أوقات الإجابة أن يرزقك العفاف، ومن ذلك أن تقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57110، 59332، 60222، 56002، 6872.
وبالنسبة للولدين فلا تواجههما بما فعلت معهما لأن في ذلك تنبيها لهما، والظاهر من سؤالك أنهما صغيران، فقد لا يكونا منتبهين لما كنت تفعل بهما ولا تخبر والديهما بما حصل، واعهد بهما إلى مدرس آخر من الثقات الدينين، وحبذا لو كان من كبار السن، واسأل الله لهما الهداية والحفظ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(9/5068)
طاعة الله وذكره حصن حصين للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات قامت بسؤالي عن أشياء تحصل لها وتريد حلا لهذه المشكلة، حيث إنها تشعر بنفسها في الصباح وكأن أحدهم قد جامعها (هي غير متزوجة) ، وعندما تنام تشعر وكأن شيئا يضغط عليها، وعند الصلاة يمنعها ويضغط عليها كي ينهاها كذلك عن قراءة القرآن، وإذا تشاغلت عن الصلاة أو لم تؤدها فإنها تشعر بأن ذلك الشيء ابتعد عنها وأنها في راحة تامة، ماذا تفعل وإلى من تلجأ؟ وبارك الله لكم وبكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على هذه الأخت أن تلجأ إلى الله تعالى وتتقرب إليه بطاعته والبعد عن معصيته، فتطهر نفسها وبيتها وما حولها من المنكرات الظاهرة والباطنة فإنها التي تجلب الشياطين والوساوس والأوهام ... كما ننصحها أن تحافظ على أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج وأذكار النوم وهي متيسرة في كتب خاصة.
فإذا حافظت على ذلك باهتمام ونية صادقة فإن الله تعالى سيذهب عنها ما تجد، وبإمكانها أن ترقي نفسها أو يرقيها غيرها بقراءة ما تيسر من القرآن والأدعية المأثورة، وخاصة فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والمعوذات ... ولا مانع من عرض نفسها على أهل الاختصاص من الأطباء النفسيين الثقات، فلعل ما تجده هو مجرد أحلام وأوهام نفسية لا حقيقة لها، ولكن نصيحتنا لها بعد تقوى الله تعالى هو المحافظة على فرائض الله تعالى وخاصة الصلاة، ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 42758، والفتوى رقم: 40025 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1426(9/5069)
يعاقب الله من شاء بما شاء بسبب ذنوبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع المفيد.... والذي فيه من الفائدة والنفع الشيء الكثير، جعله الله في ميزان حسناتكم.
أريد أن أستشيركم في حادثة حصلت لي منذ فترة وهو أن أحد الأشخاص أعطاني مذكرة لمدرسته، وذلك بطلب مني، ويوجد بها بعض الأحاديث والآيات القرآنية وشروحها والأحكام المبينة لها ... ولقد استفدت منها، وعند الانتهاء منها وضعتها في السيارة لفترة من الزمن ...
وعندما قمت بتنظيف السيارة قمت بإلقائها بسلة المهملات بجهل مني أو من استغفال لي من الشيطان
ومن وقتها بدأت الأمور تتدهور وتضيق على وبعض الأبواب توصد على وتغلق، نسيت هذه الحادثة ولم أتعلق بها ولكن تذكرتها عندما حدثت لي نازلة فقلت في نفسي هذا جزاء ما اقترفته يداي..
وأنا أقول هل الذي فعلته له علاقة بالذي حصل لي ... أم هي إيحاء من الشيطان ... أو ... أو
لا أعرف وأنا أندم على ما أقدمت عليه. فهل من طريقه أكفر بها عن هذا الخطأ.. أرجوكم إفادتي....
من أجل أن أرتاح وأعد نفسي هذه الأوهام والهواجس، لأنني أتجرع كاس الهم والحزن والضيق
آسف على الإطالة
وتقبلوا موفور الصحة والعافية
ملاحظه:- أرجوكم الإجابة بسرعة لأن الأمر هام.
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة صادقة ويفرج همومنا وييسر أمورنا.
ثم إننا نفيدك أن الله تعالى قد يعاقب من شاء بما شاء بسبب ذنب عمله لعله يتوب ويرجع، وقد يحرمه من شيء ما بسبب ذنوبه لما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني
وقال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى 30} وقد حصل هذا فعلا لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد عاقبهم الله بسبب تفكيرهم وهمهم بحرمان الفقراء منها فحرمهم الله.
ولكنه لا أحد يمكنه أن يعلم هل سبب ما حصل هو معصية كذا ومعصية كذا، لأن هذا الأمر من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وعليك بالتوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة والاستغفار والقيام بالأعمال المكفرة للذنوب.
فقد قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39}
وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام 54}
ثم إننا ننبهك إلى أن وضع القرآن في سلة المهملات من أخطر الأمور وأشدها تحريما لما فيه من عدم تعظيم حرمات الله، وقد عده خليل في مختصره في الفقه المالكي من أسباب الوقوع في الردة أعاذنا الله وإياكم.
وقد ذكر الدردير في شرحه أن المراد بالمصحف ما فيه قرآن ولو كلمة.. ومثل القرآن أسماء الله وأسماء الأنبياء والحديث كما هو ظاهر. انتهى.
فبادر أخي بالتوبة مما حصل ولازم مجالس أهل الخير والعلم وصحبتهم، وحافظ على الصلاة في الجماعة واستعن بالله تعالى في تيسير أمورك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1426(9/5070)
بيان كثرة طرق الخير مع وجوب الإخلاص فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتألم عندما أرى من هو أسوأ مني حالا سواء من إخواني المسلمين أو غير المسلمين، وأنا أتمنى بإذن الله أن أساعد إخواني المسلمين وأن أفرج عنهم مصائبهم بإذن الله، مشكلتي إني أريد أن أساعدهم لأني ذقت طعم المرارة من كثرة المصايب التي واجهتني وأنا لا أريد أن أضيع وقتي في عمل قد لا أحصل على ثوابه يوم القيامة بسبب نيتي حيث إني لم أجعلها لله ولكني والله أريد أن أساعد إخواني أخبروني ماذا أفعل؟
جزاكم الله الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل ما مر بك من بلاء ومصائب وأقدار مؤلمة في موازين حسناتك، فيكفر بها من خطاياك ويرفع بها درجتك عنده ويرزقك الصبر والرضا وحسن الظن بالله تعالى، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51946، 13849، 27082.
وأما الأعمال التي يمكنك أن تقدمها لإخوانك المسلمين فكثيرة، ومن أهمها الدعاء لهم أن يفرج الله كربهم ويهديهم الصراط المستقيم ويعلي رايتهم ويوحد كلمتهم وينصرهم على عدوهم، ومما تقدمه لإخوانك المسلمين أيضاً: النصيحة لهم، فترشدهم إلى مصالحهم، تعلمهم أمور دينهم ودنياهم بقدر المستطاع، وترد من زاغ منهم عن الحق بلطف ورفق، وتستر عوراتهم وتسد خلاتهم، وتنصرهم على أعدائهم، وتذب عنهم، وتدفع كل أذى ومكروه عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وتشفق عليهم، وترحم صغيرهم، وتوقر كبيرهم، وتحزن لحزنهم، وتفرح لفرحهم، وتؤثر فقيرهم، إلى غير ذلك من أصناف النصيحة لهم.
ومما تقدمه للمسلمين أيضاً: المساهمة المادية في إنجاح المشاريع التي تقام لهم عن طريق التبرع للجمعيات الخيرية الموثوق بها، فيبنون لهم المستشفيات وملاجئ الأيتام ويحفرون لهم الآبار ويوفرون لهم من يعلمهم أمور دينهم ونحو ذلك من المشاريع التي تضطلع بها المؤسسات والجمعيات الخيرية، ولمزيد فائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2159، 20645، 47636.
واعلم أخي الكريم أنك لن تنتفع بثواب شيء من عملك إلا إذا قصدت به ابتغاء مرضاة الله تعالى وثواب الدار الآخرة، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وعلى وفق شريعته سبحانه، فإنه جل وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك، وإذا عمل العبد عملاً أشرك فيه مع الله غيره رده الله عليه ولم يقبله منه، فجاهد نفسك في إخلاصك نيتك وإصلاح عملك.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وجعلك ذخراً للإسلام والمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(9/5071)
المعيار لمعرفة محبة الله لعمل ما أو بغضه له هو مدى موافقته للشرع أو مخالفته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف الفرد أن الطريق التي يسلكها صحيحة أي كيف يترجم الأحداث التي تجري معه ترجمة صحيحة وفق الشرع والدين فمثلا عندما يمر بموقف ما, يمكن أن يفسره أن الله يحبني لذلك يتابع تقدمه على هذا الطريق, ويمكن أن يفسر أن الله ينبهك ويحذرك من ذلك فعدل طريقك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وابتلاهم بالخير والشر فتنة ليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا {هود: 7} . وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} . وقال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الانبياء:35} . فالأحداث التي تحدث للإنسان من خير أو شر، كلها ابتلاء من الله تعالى لعباده، والموقف الشرعي للمؤمن من كل ذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم. فالذي ينبغي أن ينشغل به المؤمن هو عمله، إن كان على وفق الشريعة أم لا، فإن كان عمله موافقا للشريعة فهو على خير في كل أحواله، ولو ابتلي بما يظهر للناس أنه شر، فإنه في حقيقة الأمر خير له، وأما إن كان عمله مخالفا للشريعة، فهو على شر وخطإ، ويجب عليه أن يرجع عن ذلك، ولو حدثت له أحداث يراها هو أو يراها الناس أنها خير، لأن ذلك قد يكون استدراجا وإملاءً من الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى": الأصل في المعاصي أنها لا تكون سببا لنعمة الله ورحمته.. وإن كانت قد تكون سببا للإملاء ولفتح أبواب الدنيا لكن ذلك قدر وليس بشرع، بل قد تكون سببا لعقوبة الله تعالى. وقال ابن القيم: العبد إما أن يكون مستقيما أو مائلا عن الاستقامة، فإن كان مائلا عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وأما إن كان مستقيما مع الله فخوفه يكون مع جريان الأنفاس لعلمه بأن الله مقلب القلوب. انتهى من طريق الهجرتين. وقال في " إغاثة اللهفان" عما يحصل للمؤمنين في حال العافية والبلاء: إنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبود يتهم على السراء والضراء وفي حال العافية والبلاء وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالتين عبودية بمقتضى تلك الحال، لا تحصل إلا بها ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، والجوع والعطش، والتعب والنصب وأضدادها، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه. وخلاصة الكلام أن علامة محبة الله للعبد هي لزومه لطاعة الله وتوفيقه لها، واجتنابه لمعصية الله وصرفه عنها، وأما ما يحدث له من خير أو شر، فإن ذلك له أسباب كثيرة وحكم عديدة، ويمكن الوقوف على بعضها في الفتوى رقم: 25874، والفتوى رقم: 13270، وليست دليلا على صواب عمل الإنسان أو خطئه. قال تعالى: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كلا.. {الفجر:15ـ16} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1426(9/5072)
هل تكرار الذنب وتكرار التوبة من الإصرار على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب تاب وندم على ما فعل واستقام على الطريق المستقيم ... ولكن تبقى رواسب لجاهليته ويذنب ذنبا ما لا يستطيع أن يفارقه، ولكنه حينا بعد حين يلوم نفسه ويتوب من هذا الذنب، ولكنه سرعان ما يرجع.. فهل في ذلك إصرار على الذنب ... مع العلم بأنه يتوب ويتألم من هذا الذنب، ولكنه سريعا ما يعود أو يبقى فترة من الزمن تائبا من هذا الذنب، ولكنه يرجع إليه ... فهل هذا إصرار أم لا ... وماذا يفعل هذا الشاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى هذا الشاب أن يأخذ نفسه بالشدة ويفطمها عن هذا الذنب الذي يعاوده الفينة بعد الفينة، فيتوب منه توبة نصوحاً يعزم فيها على عدم العودة أبداً، وذلك لأنه لا يعلم متى تأتيه منيته، وليحذر أن يدركه الموت وهو قائم على معصية الله، فيختم له بخاتمة السوء والعياذ بالله، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 9694، والفتوى رقم: 5450.
فإذا تاب توبة نصوحاً ثم زيَّن له الشيطان المعصية فزلت قدمه وقارفها، فليسارع إلى تجديد التوبة مرة أخرى، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ {الأعراف:201} ، قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم: أي أصابهم طائف ... ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب. وقوله: تذكروا: أي: عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده -فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب، فإذا هم مبصرون: أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه. انتهى. باختصار.
وكون هذا الشخص يقع في الذنب ثم يتوب ثم يقع في الذنب ثم يتوب ليس معناه أنه مصر عليه، بل قد يكون ذلك دليلاً على حبه لله ورغبته في التوبة، وكراهته للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبداً أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت وربما قال: أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا، فقال رب: أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصبت ذنبا، قال: قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال:علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء. قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله، وقد قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
فكثرة التوبة من الأمور المحمودة عند الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه.
وينبغي للتائب أن يتخذ تدابير تعينه على الاستقامة والاستمرار على التوبة وعدم النكوص وتنكب الطريق، ومن هذه التدابير:
1- دعاء الله بذل وإلحاح أن يرزقه الاستقامة وأن يعينه على التمسك بدينه، وخير ما يُدعى به ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عيله وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي.
2- اجتناب أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصي له ويرغبونه فيها، وفي المقابل اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} ، فعلى ذلك التائب أن يفتش عن هؤلاء الشباب، فيعبد الله معهم ويتعاون معهم على فعل الخيرات وطلب العلم النافع، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 16610، 12744، 21743.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(9/5073)
من شروط قبول التوبة إخلاصها لله
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ لي صاحب يذكرني بالله وينصحني ويزجرني وينهاني عن عدم الوقوع في المعصية ومن خلال تذكيره لي أترك المعصية، فهل أؤجر على هذا الفعل لأنه ينزعج إذا رآني أقع في معصية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك المعصية توبة إلى الله تعالى فيها أجر كثير، وهو أمر محبوب عند الله، قال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، ولكن هذا الأجر والمحبة مشروطان بأن يترك التائب المعصية إخلاصاً لله واحتساباً للأجر.
وأما إن كان يتركها لمجرد أن صاحبه ينزعج من فعله لها، دون أن يكون يقصد بتركها وجه الله، فليس له في ذلك أجر الترك ولكن لا يكون عليه إثم ما لم يفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(9/5074)
كيف يصبح العبد من اولياء الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصبح العبد من أولياء الله، وما الفرق بين الرجل الصالح والولي، ومن هو الولي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولي هو من كان مؤمناً تقياً، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ {يونس:62-63} ، قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقياً كان لله ولياً. انتهى.
هذا وليست الولاية محصورة في أناس معينين، بل كل الصالحين المؤمنين المتقين هم أولياء لله تعالى، والصالح هو الولي فإذا صلح العبد في الباطن واستقام في الظاهر فذلك الولي.
هذا وإن الأرض لا تخلو من أولياء لله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم، وانظر الفتوى رقم: 11225، والفتوى رقم: 58011.
وانظر الفرق بين الولي الحقيقي وبين من يدعون الولاية في الفتوى رقم: 4445.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(9/5075)
معنى التوكل على الله والاعتصام بالله والفرق بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة معنى التوكل على الله والاعتصام بالله وهل هناك فرق بينهما؟ الرجاء التوضيح
... ... وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوكل على الله والاعتصام به كلاهما من أعمال القلوب، ومعناهما متقارب، حيث إن كليهما فيه إظهار العجز والافتقار إلى الله. ولكن التوكل في معنى الاعتماد على الله وتفويض الأمر إلى إليه، والاعتصام بالله فيه معنى الاحتماء بالله والامتناع والاستقواء به. قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: وكلت أمري إلى فلان أي: ألجأته إليه واعمتدت فيه عليه. ا. هـ. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى:" واعتصموا "، قال: العصمة: المنعة، ومنه يقال للبذرقة: عصمة. والبذرقة: الخفارة للقافلة. اهـ. ولمزيد بيان حول أعمال القلوب كالتوكل على الله والاعتصام به والخوف منه والرجاء فيه ونحو ذلك نوصي السائلة بمطالعة كتاب: مدراج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. للإمام ابن القيم. وللفائدة انظري الفتويين: 20101، 23867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1426(9/5076)
التوبة وظيفة العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أشهر ليست بقصيرة من إجابتكم لسؤالي 251838. فشلت خلالها في الزواج. وسقطت في وحل المعصية عدة مرات. ورسبت وتحولت حياتي إلى جحيم، وأنا أسير من سقطة إلى أخرى مغيبًا. حتى أنني لفترة توقفت عن الصلاة والصيام. وبدأ قلبي يخفق بالعودة إلى ربي منذ بضعة أيام. ووجدت نفسي أقرأ فتواكم على سؤالي وتكاد عيناي تدمع. وأقف لا أعرف ماذا أفعل؟
أو لأكون صريحًا أعرف ماذا أفعل لكن لا أستطيع أن أتخذ القرار. أشعر أن إيماني ليس كما كان منذ سنة مضت. وثقتي بالله تحولت لكلماتٍ لا تدعمها أفعال.
أنا أرسل هذه الرسالة المضطربة، التي لم أفتعلها. لست لأسأل سؤالاً محددًا بل لعل أحدًا يتعلم منها شيئًا ما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن التوبة إلى الله هي وظيفة العمر، ووقوع المرء في الذنب مرة بعد أخرى لا يعني ذلك أنه لامجال للتوبة، بل إن باب التوبة مفتوح، والله يفرح بتوبة عبده ورجوعه إليه نادماً معترفاً بتقصيره عازماً على عدم العودة لذنبه، ولكن بادر بالتوبة قبل أن يدهمك الموت فلا ينفعك الندم حينئذ، وانظر الفتوى رقم: 24031. وإن مما يعينك على عدم الوقوع في هذه الفاحشة مرة أخرى عدة أمور منها:
1- علمك بعقوبة فاعلي هذه الفاحشة في الدنيا والآخرة، وانظر الفتوى رقم: 1869.
2ـ دعاء الله تعالى بذل وإلحاح أن يرزقك العفة وأن يصرف عنك هذه الشهوة المحرمة، وتحر في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، واستوف آداب الدعاء، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 2395، 17449، 32655، 8581.
3ـ الانقطاع تماماً عن أصدقاء السوء والأشخاص الذين مارست معهم الفاحشة، فلا تجتمع معهم أبداً ولا تتواجد في الأماكن التي يكونون فيها ولا تصحب من يذكرك بالمعصية، وهذا من أهم العلاجات، وبدونه قد تنتكس.
4ـ اجتهد في التماس صحبة صالحة من الشباب الصالح المتمسك بالدين، فإنهم خير معين بعد الله على الاستقامة على أمره والانقياد لشرعه، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
5ـ بادر إلى الزواج في أقرب فرصة ولا تجعل محاولتك الفاشلة السابقة عائقاً عن المحاولة من جديد. وإلى أن يتم زواجك أكثر من الصيام فإن له تأثيراً بالغا في كبح جماح الشهوة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم. ولمزيد فائدة وتفصيل طالع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57110، 59332، 60222، 56002. هذا، ولقد فعلت جرماً عظيماً بانقطاعك عن الصلاة والصيام في الفترة الماضية، فجدد التوبة إلى الله، واقض ما فاتك، وراجع الفتوى رقم: 12700.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(9/5077)
وسائل قطع تعلق القلب بالذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو علاج تعلق القلب بالذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم ما يقطع تعلق العبد بالذنب استحضار عظمة الله جل وتعالى، وقدرته على عبده واطلاعه عليه واستحضار دنو الموت وأنه يأتي فجأة، والعلم بأن لذة الذنب تزول وتبقى تبعاتها، واستحضار أن العبد سيقف بين يدي ربه، وأنه سيسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير. قال تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ {الصافات: 24} وقال أيضا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93} وقال صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه. رواه البخاري، وكذلك اليقين بما توعد الله به العصاة والمذنبين، وما وعد به الطائعين والصابرين، فإن من تيقن من النار وحرها ازداد منها هربا، ومن تيقن من الجنة ونعيمها ازداد لها طلبا.
هذا، وإن مما يقطع تعلق القلب بالذنب هجر المكان الذي يعصى الله فيه والأشخاص الذين يشاركونه في المعصية ويزينونها له.
ففي صحيح مسلم أن رجلا قتل مائة نفس ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء..
هذا، وإذا كان الذنب متعلقا بالعشق فانظر الفتوى رقم: 9360 فإن فيها بيان داء العشق ودوائه، وننصح السائل بقراءة كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم، فقد أفاض فيه في ذكر آثار الذنوب والمعاصي وحشد من الأدلة ما يجعل صاحب القلب السليم يفر إلى مولاه ويهجر الذنوب والآثام، وكذلك طالع ربع المهلكات في كتاب مختصر منهاج القاصدين.
ولمزيد فائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18074، 18654، 12928، 11759، 16541، 6995، 43691.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(9/5078)
من الأمارات الدالة على صدق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر24 عاما والتزمت منذ 4سنوات يقلقني جدا علامة بجسدي من أثر ذنب كنت قد فعلته في جاهليتي والعجيب أن مثل هذه العلامات تزول بعد أيام قليلة من حدوثها إلا أن هذه العلامة مستمرة منذ 6 سنوات تقريبا، إني أخشى أن ألقى الله تعالى بها وأشعر أن وجودها واستمرارها الغريب رسالة من الله وكأنه لم يقبل توبتي وكلما رأيتها اشعر كأنها تقول لي لن أزول حتى نقف أمام الله وأشهد عليك
فهل ظني في أن وجودها يعني عدم قبول التوبة صحيح؟ وهل هناك دعاء أو رقية أو أي وسيلة أستعين بها على زوال هذه العلامة؟ علما بأني قد تبت ولم أعد للذنوب وتصدقت وفعلت كل ما أعرفه من أسباب لقبول التوبة، ولدي مشكلة أخرى وهي أنني لا استطيع مخالطة الناس لأني مفتونة جدا بالرجال ولدي شهوة عالية جدا إلى درجة أنها تسبب لي أمراضا أعالجها عند الأطباء وأنا متماسكة فقط بفضل الله وحده هو الذي يثبتني على عدم اقتراف المعاصي وقد أخذت أيضا بكل الأسباب التي أعرفها من الكتاب والسنة ومع ذلك أعاني، وطلبت من الأطباء تناول المهدئات ولكنهم أخبروني أن لها أثار جانبية تضر وبالتالي تعد محرمة فماذا أفعل اشعر أن كل هذه عقوبات على ذنوبي الماضية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من المعلوم أن الله جل وعلا قد شرع لعباده التوبة والإنابة إليه وحثهم عليها ورغبهم فيها ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذنوبه، فمن جملة ذلك قوله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 52-53} . وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. {البقرة: 222} . وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه وغيره.
والتائب لا يكون تائبا حقا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:
الشرط الأول: الإخلاص ـ وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل.
الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الثالث: الندم على فعله.
الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه.
الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.
والعبد إذا تاب، فينبغي له أن يحسن الظن بوعد الله له بقبول توبته فهو التواب الرحيم، وعليه أن يحذر من أن الشيطان قد يخيل إليه أن توبته قد لا تكون مقبولة، واعلمي أنه لا أثر لبقاء تلك العلامة على قبول التوبة.
والله سبحانه وتعالى قريب مجيب لمن دعاه كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} . وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] .
ومن أمارات صدق توبة العبد أن يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله، وأن ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله الجليل، وأن يكون أشد تجافيا عن الذنب وعن أسبابه، نائيا بنفسه عن هذه الموارد، وأن يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه، وأن يصاحب أهل الفضل والخير ويقاطع أصدقاء السوء ومن لا خير فيهم، وأن ينظر إلى توفيق الله له بالتوبة على أنه نعمة عظيمة من أعظم النعم عليه، فيفرح بها ويحافظ عليها ويخاف زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.
ولك أن تراجعي فيما ذكرته عن نفسك من قوة الشهوة فتوانا رقم: 58047.
وليس ثمت دعاء خاص أو رقية لإزالة العلامة التي ذكرت، ولكن للمسلم أن يدعو بما شاء مما أحب ولو لم يرد مضمونه صريحا في الأدعية المأثورة، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم، ثم إن عليك أن تعرضي نفسك على بعض الرجال الصالحين ليتزوجوك، وليكن ذلك عبر أحد محارمك أو إحدى صديقاتك فتخبر زوجها برغبتك في الزواج من رجل صالح يسترك وتستقرين معه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1426(9/5079)
لا يهولنك تتابع الابتلاءات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 31 سنة أغلقت كل الأبواب في وجهي وقد سألتكم من قبل عن العمل في مجال تركيب الدش وفك شفرات القنوات الفضائية فأجبتم فضيلة الشيخ أن علي الابتعاد عن الشبهات والحمد لله تركت العمل فورا بعد تلقي رسالتكم والآن أنا عاطل عن العمل ولم أجد عملا في جميع المجالات ولم يتبق إلا قرض من البنك وهو بفائدة ولكن أعرف أن أصحابى عندما أخذوا القرض سمح لهم بكامل المبلغ بدون فائدة وبدون إرجاع المبلغ ويصعبوا في ملف القرض لعدم اكتظاظ الملفات فقط الرجاء إفادتى بأمر هذا القرض آخذه أم لا والحمد لله على كل حال فأنا صابر ومتوكل على الله ولتقدم سني أريد أن أتزوج بالحلال إذا تيسر أمري وكذلك أمر مهم أبي يطالبني دائما بأن أعمل وأقنعته بأن الأمر صعب جدا وبأن العمل في مجال تركيب الدش ليس طريقي وفيه شبهات وإن الله لا يضيع أحداً من عباده وخاصة الذين يريدون طريق الحلال.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على اجتناب العمل في مجال تركيب الدش، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً مما تركت تعلقاً بوعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط.
ولتعلم أيها الأخ السائل أن ضيق العيش الذي يعتري حياة المرء أحياناً إنما هو من البلاء الذي يثاب عليه، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة: 155} .
فمن صبر على البلاء نال الجزاء الأوفى، وحصلت له البشرى قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} . وقال: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 96} .
وما ذكرت من إمكانية الاقتراض بالربا إنما هو بلاء جديد ابتلاك الله به، ليرى ما سيكون منك، فاحرص على إرضاء الله تعالى والعمل بطاعته، ولا يهولنك ما يحصل لك من ابتلاءات، فإنها ما كانت ولا جرت إلا بعلم الله تعالى وقضائه وقدره، ولمعرفة حكم الاقتراض بالربا راجع الفتوى رقم: 4546.
وننبه الأخ السائل أننا لم نفهم قصده من قوله عن البنك أنه: سمح لهم بكامل المبلغ بدون فائدة أو إرجاع.
ولذا، فإنه لا يمكننا الإجابة عليه، لأنه لا يوجد بنك ربوي يقرض بدون فائدة في حدود علمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1426(9/5080)
هل تقبل توبة من قتل مؤمنا متعمدا
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم (أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة) , وقال (كل ذنب عسى الله أن يغفره؛ إلا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا) السلسلة الصحيحة, ما الجمع بين هذين الحديثين المانعين للتوبة في ظاهريهما ونصوص التوبة للقاتل في الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جمع جمهور أهل العلم بين ما ذكرت بحمل هذين الحديثين وآية النساء على التغليظ كما قال ابن حجر في الفتح، وتابعه صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود حيث قال في شرح هذا الحديث: واعلم أن هذا الحديث بظاهره يدل على أنه لا يغفر للمؤمن الذي قتل مؤمنا متعمدا، وعليه يدل قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ {النساء: 93} وهذا هو مذهب ابن عباس، لكن جمهور السلف وجميع أهل السنة حملوا ما ورد من ذلك على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا معنى قوله: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، أي إن شاء يجازيه تمسكا بقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أتى تمام المائة إلى راهب فقال له لا توبة لك فقتله فأكمل به مائة، ثم جاء آخر فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة.... الحديث. وإذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/5081)
من الأعمال التي تحرم فاعلها على النار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأفعال التي لا تمسنا نار جهنم إذا فعلناها؟ مثل بكاء العين من خشية الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم الأعمال التي تحرم الناس على النار هو تحقيق التوحيد والإخلاص لرب العالمين والموت على ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله. رواه البخاري ومسلم. ثم إن هناك أعمالاً كثيرة وعد الله من أداها بعدم دخول النار، وبالفوز بالجنة، وأسعد الناس بذلك هو الشهيد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: للشيهد عند الله ست خصال، يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الترمذي والألباني. ومن ذلك أيضاً البكاء من خشية الله والحراسة والرباط وحماية الثغور من غزو الأعداء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله. رواه الترمذي وحسنه. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. رواه مسلم. ويعني صلاة الفجر وصلاة العصر. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قدم ثلاثة من ولده لن يلج النار إلا تحلة القسم. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تروى في فضائل الأعمال، ولمزيد من هذه الأحاديث نحيلك على كتاب " الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري خصوصاً الطبعة التي خرَّجها الشيخ الألباني، وكذلك كتاب" المتجر الرابح" للدمياطي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(9/5082)
احرص على حسناتك بترك المعاصي والآثام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص عربي مسلم أعيش في أمريكا منذ خمس سنوات تقريبا حاولنا تجنب الحرام ولكن كان هذا الأمر صعبا جدآ والقصة أنني اشتريت محلا ونبيع في هذا المحل أشياء حلالا وأخرى حراما فمثلا نبيع مشروبات غازية كوكاكولا بيبسي عصيرومياه وبطيطه تشبس وثلج وحلويات والطامة الكبرى أنني أبيع سجائر وخمور وسؤالي هو هل يجوز التبرع من هذا المال علما أنني عندما أذهب إلى المسجد للصلاة، أضع بعض المال في صندوق الصدقة وبعض المال في صندوق تبرعات للمسجد بالإضافة إلى أنني أرسل بعض المال لإخوتنا المحتاجين في فلسطين وبعض المناطق الأخرى من العالم الإسلامي وسؤالي الثاني هو هل تقبل صلاتنا ونحن نبتاع ونشتري في هذا العمل فالوضع صعب لانستطيع أن نجد عملا آخر هل نحن نرتكب ذنوبا,
أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أن تكف عن بيع ما يحرم بيعه كالسجائر والخمور، وللتعرف على حكم بيعها راجع الفتوى رقم: 56256، والفتوى رقم: 47511. كما يجب عليك التخلص من الأرباح الحاصلة من بيع تلك المحرمات عن طريق صرفها في بعض وجوه الخير كبناء المساجد أو إرسالها لإغاثة بعض المسلمين المحتاجين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فعليك الاقتصار على بيع ما يجوز بيعه فإن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، وما يكتب للإنسان من رزق سيصل إليه لا محالة. ففي سنن ابن ماجه وغيره من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم. وصححه الشيخ الألباني.
واعلم أن قبول الطاعات التي يفعلها المسلم أمر غيبي لا يمكن الاطلاع عليه فعلى المسلم الاجتهاد في تحصيل القبول من إتقان العبادة والإخلاص فيها لله تعالى. والمرجو أن من أدى العبادة مستوفية الأركان والشروط فعبادته مقبولة إن شاء الله تعالى بما في ذلك الصلاة؛ إلا إذا كان المسلم فعل فعلا من الأفعال التي نص الشرع على أن فاعلها لا تقبل له صلاة، وقد سبق التفصيل في الفتوى رقم: 16601، واعلم أن السيئات والحسنات في تدافع فاحرص على حسناتك بترك المعاصي والآثام. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 51358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/5083)
من تاب وعمل صالحا تقبل توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[سأروي لكم قصة امرأة تبحث عن سعادة محرمة: إحدى قريباتي ارتكبت إثما كبيرا جداً في حق زوجها وأبنائها وعائلتها، إثم ترتب عليه الكثير من المشاكل وتغيرت لأجله الكثير من الأحوال وقد أرقتني لأنني أحس بأنها جاهلة لا تعلم ونحن بدورنا لا بد أن نعاونها لتتوجه للرب الرحيم بكل ندم وندم وندم وتوبه وليرحمها الله.. تبدأ المشكلة بزواجها بسن صغيرة برجل أكبر من والدها المتوفى -يرحمه الله- هرباً من زوج والدتها الذي كان شديدا في تربيتهم قليلاً، ولم يكن لهم في الدنيا سوى أمهم أي لا عم ولا خال ولا أي فرد وهرباً من المدرسة والدراسه ومن الحالة الماديه السيئه جداً -كانت تبلغ السادسه عشر من العمر ومن تقدم للزواج بها تجاوز الثلاثين- وقد اتخذته وسيلة للهرب من كل مشاكلها وتزوجت بفتره قصيرة بعد تقدمه لها وسكنت معه ورزقت بابنها الأول بعد عام فتمسكت بهذه الحياة ومرت السنون وأنجبت له 5 من الأبناء بينهم بنت واحدة كانت هي قرة عين أبيها وحبيبة قلبه وكأنها الدنيا كلها له وكأن هذه الطفلة هي كل ما كان يرجوه من هذه الدنيا، لكن المشكلة بأن هذه الأم كانت وما تزال ليست سعيدة أي أنها لم تحب هذا الرجل الذي هو زوجاً لها بالرغم من طيبته معها وتنفيذه لطلباتها وأوامرها كانت تشعر وترغب بحياة افضل أي مع زوج من عمرها ليس رجلاً بعمر أبيها يريد منها الاهتمام والرعاية والتمريض -كانت دوماً تتطلع لأخواتها ولأزواجهم لأنهم تزوجوا بعدها وأزواجهم أفضل حالاً من زوجها وكانت تنظر لكل رجل يمر بحياتها وكأنه ضالتها المنشودة رغم تزوجها أي نعم بأن الحياة قد مرت- ولكن كنت أحس بالرغم من صغر سني حينها بأن هذه المرأة وكأنها تبحث عن شيء وكأنها بحالة ترقب وانتظار، وها قد جاءت فرصتها نعم فرصة بالنسبة لها لقد كانت تخرج كثيراً لتمم أوراق ومعاملات لأبنائها كي يلتحقوا بالمدراس -والدهم لم يقم باستخراج الأوراق الثبوتيه لهم وترتب على ذلك عدم إلتحاقهم بالمدارس رغم كبر أعمارهم- حينها قابلت ضالتها وما كانت تبحث عنه نعم وجدت الرجل الذي تحلم به زوجاً له ومن هنا المشاكل وفتح باب الخلافات ارتبطت بهذا الرجل كثيراً كثيراً وبدأت تتبطر على زوجها وعلى حياتها طلبت منه الطلاق ودياً رفض وكررت الطلب لكن هنا جاء كبرياؤه ورفض وغروره أبى ذلك تركت منزلها وعادت لمنزل أهلها ورفعت قضية عليه -طلباً للطلاق منه لأنه لا يصلي ولا يرعى حرمة المنزل وأنها لا تحبه ولا تود الاستمرار معها بالحياة وأموراً لا أذكرها لصغر سني آنذاك- وبالطبع قد رفض تطليقها لكنه أراد الخلع منها لأنه أكثر شخص يعلم بحالتها وحالة عائلتها الماديه جيداً -لم أذكر أي فرد من أفراد أسرتها لأنهم كانوا رافضين مبدأ الطلاق أساساً ولم يقف معها سوى أخيها غير الشقيق الأصغر -22عاما- وها قد عادت معه مكرهة وقد تغير أسلوب المعامله وتغيرت الحياة بينهما وهذا ما يسمى بالهدوء قبل العاصفة والعاصفة هي هروبها من المنزل مع من اختارته زوجاً لها هربت مع رجل وأقامت معه وهي على ذمة الآخر المصيبة الأعظم أنها أخذت قرة عين أبيها معها ليس لشيء، ولكن هذه البنت أيضاً حياة هذه الأم وكل ما تملك في الحياة -أبناء هذه المرأة السته كلهم أحبوا الرجل الآخر وتعلقوا به كثيراً من أولهم وعمره17 عاماً لأصغرهم4 أعوام- وهنا جن جنون الزوج وهدد ووعدّ لكن أهلها لا علم لهم أين ذهبت هي الأخرى ومر عام على ذلك وهنا يأتي أخوها الأصغر وعرف أين هي وقام بإعادتها لمنزل أهلها ووعدها بأن يحاول مساعدتها لكنها لم تستطع البعد عنه وأيضاً المعاملة السيئة من زوج أمها وإخوانها الغاضبين منها كثيراً وفجأة يستيقظ الأهل على صراخ أختها ولم يجدوا لها أثراً واختفت مجدداً وعاشت فترة معه سراً وزوجها عاش مع أبنائه وأهلها عيشة طيبه وكلاً نسي الآخر وهي مختفية وبعد فتره خمسة أعوام تقريباً مرض الزوج مرض الخبيث مرضا شديدا وأخذت صحته بالتدهور وحالته المادية أيضاً ولم يكن معه سوى أبنائه وزوج أم زوجته وأخيها غير الشقيق إلى أن وافته المنية وكان طوال الوقت يودّ رؤية ابنته الوحيدة لكن!
وبعدها عادت هذه الزوجه وضمت أبناءها من حولها في بيت الرجل الآخر -وقد علمنا بأن الأبناء كانوا على علاقة بوالدتهم من فترة طويلة ولم يخبروا أحداً بذلك ولا حتى والدهم- وقد استمرت حياة المرأة مع من أحبت أو ظنت بأنها أحبت في الحرام، وبعد فترة من وفاته أعتقد أربعة أعوام تزوجوا شرعاً وأصلحوا خطأهم لكن بعد ماذا.. والأن هي تحس بكل الذنب والندم والألم على مافعلت -أخبرتنا بأنها بعد فتره من هروبها أرادت العودة لزوجها بعدما علمت بمرضه لكنها خافت منه ومن أهلها فبقيت حيث هي- ولقلة الاحترام أو عدم الاحترام الذي تعامل به من أحبت واختارت وعدم الثقه وتذكيرها دوماً بفعلتها الشنيعة ولوم أبنائها لها بأنها من قتلت والدهم؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذه المرأة ارتكبت من كبائر الإثم وعظيم الفواحش ما يدل على ضعف دينها وتساهلها في أوامر الله عز وجل، واتباعاً لهواها ومطاوعة نفسها الأمارة بالسوء، ومع هذا كله فالمسلم مهما فعل من الذنوب إذا تاب إلى الله تعالى توبة صادقة وتحلل من حقوق المخلوقين المترتبة عليه، فإن الله تعالى بفضله ورحمته يقبل توبته ويغفر زلته، لذلك فإن هذه المرأة تنصح بالتوبة إلى الله تعالى وبالصدق فيها والإخلاص لله تعالى وكثرة الأعمال الصالحة، وتراجع لهذا الموضوع الفتوى رقم: 33975، والفتوى رقم: 5450. ورقم: 37162 ورقم: 36135
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(9/5084)
أرواح العباد يحصل التآلف والأنس بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان جسم, عقل, روح، هل الأرواح تتزاوج؟
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أرواح العباد يحصل التآلف بينها ويأنس بعضها لبعض، ويدل لذلك ما في حديث الصحيحين: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. قال ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت. وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد عدة وقائع في حياة السلف تدل على هذا فقال: وعن الحارث بن عميرة قال: انطلقت حتى أتيت المدائن، فإذا أنا برجل عليه ثياب خلقان ومعه أديم أحمر يعركه، فالتفت فنظر إلي، فأومأ بيده: مكانك يا عبد الله. فقمت فقلت لمن كان عندي: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا سلمان فدخل بيته فلبس ثيابا بياضا ثم أقبل وأخذ بيدي وصافحني وسايلني، فقلت: يا أبا عبد الله ما رأيتني فيما مضى ولا رأيتك ولا عرفتني ولا عرفتك. قال: بلى والذي نفسي بيده، لقد عرفت روحي روحك حين رأيتك، ألست الحارث بن عميرة؟ قلت: بلى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف وما تناكر منها في الله اختلف. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وذكر الهيثمي أن أسانيد الطبراني متكلم فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1426(9/5085)
لماذا يبتلي الله العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلعت على جوابكم الأخير حول سؤالي عن مفهوم الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) وبصراحة ارتحت إليه لأنه أخرجني من معنى الدعاء إلى معنى الثناء الواجب لأكرم المرسلين المرتبطة بحمد الله سبحانه، فجزاكم الله خيراً، وأرجو منكم أن تفعلوا نفس الشيء بمفهوم الابتلاء الذي لا زال يشوش علي لأن مفهوم الاختبار كما أفهمه يتعلق بالإنسان الذي يريد أن يقيس شيئا يجهله، فالمعلم مثلا يختبر التلميذ لكي يتأكد هل فهم الدرس واستوعبه أم لا، وحاشا لله وتعالى سبحانه أن يحتاج إلى مقياس، أفتوني؟ جزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالابتلاء يكون لعدة أمور:
* لتكفير الخطايا، ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
* وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري، قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.
* وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
* وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:2-3} ، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وإذا قلنا بأن الابتلاء يكون أحياناً اختباراً يعرف به الصابرون ويتميزون عن غيرهم، فليس معناه أن الله تعالى يجهل حال هؤلاء المبتلين -حاشاه من ذلك- وإنما معناه أن يظهر على المرء لنفسه ولغيره من بني جنسه ما هو عليه من رضا بقضاء الله فيثاب على ذلك، أو من سخط لذلك فيحاسب أي على حسب ما ظهر منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(9/5086)
ينبغي للعبد أن يكون بعد رجوعه من الحج خيرا مما كان
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي ذهبت إلى الحج ورغم حجها فهي تستمع إلى الأغاني الخسيسة وتشاهد الأفلام وبعض الأحيان تتكلم في الناس أي النميمة.
وكلما أنصحها تثور وتقول إليك عني.فسؤالي كالتالي: هل حجها ما زال صحيحا أم بطل. . أفيدوني يرحمكم الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن ارتكاب المعاصي كسماع الأغاني المحرمة والغيبة والنميمة ونحوها مؤثر على الطاعات؛ بل بعض المعاصي قد تحبط الطاعات السابقة لها، وقد عددنا بعضها في الفتوى رقم: 48724 والفتوى رقم: 57512.
وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يخشون على أعمالهم الصالحة من البطلان، وقد بوب البخاري في صحيحه بابا سماه باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.
ولهذا فعلى زوجتك أن تحافظ على حجها بلزوم الطاعات واجتناب المعاصي، وقد نص العلماء على أن من علامات قبول الحج أن يزداد صاحبه في عمل الخير. قال النووي: ينبغي أن يكون بعد رجوعه خيرا مما كان، فهذا من علامات قبول الحج، وأن يكون خيره آخذا في ازدياد.
ولكننا مع ذلك لا نقول إن هذه المعاصي تبطل الحج، وإنما يخوف العاصي من بطلان ثواب عمله بسبب معاصيه وآثامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(9/5087)
خمسة شروط لقبول التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيله الشيخ الفاضل أنا شاب قد أقبلت على الله منذ فترة بسيطة وأسأل الله الثبات وقد تبت إلى الله وهذا بيني وبين الله عزوجل ولكن لأوضح لكم، فلقد كان لي في ما مضى الكثير من الذنوب والمعاصي ما قد يلحق بي حتى الآن ولاتطهر توبتي من تلك المعاصي فأفيدوني جزاكم الله عنا خير الجزاء:1- في إحدى السنين السابقة وفي شهر رمضان أتيت (جامعت) أهلي في نهار رمضان، وقد كنت صائما ولكن صوم بلا صلاة ولاعمل غير النوم حتى وقت الفطور، فما الحكم في ذلك مع العلم أنني انفصلت عن هذه الزوجه؟ 2- كانت لي علاقات محرمة مع فتيات وقد أخذت من بعضهن نقودا برضاهن وبعض آخر عن طريق الحيلة وقد قطعت علاقتي بهن منذ فترة فما الحكم في ذلك المال الذي أخذته؟ 3 - كيف أستطيع التكفير عن الكبائر التي عملتها في مامضى، مع العلم أنني والحمد لله ابتعدت عن رفقاء السوء وأقلعت عن المعاصي ونادم على ما قدمت ومحافظ على فروضي، ولكن قد يكون هنالك أمر غافل عنه، فأفيدوني
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تكفير وعدم تكفير تارك الصلاة تهاونا، والذي تدل عليه النصوص هو تكفيره، والعياذ بالله، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 1145. وحيث قلنا بهذا أي بكفر تارك الصلاة تهاونا ـ فإن من كانت حاله مثل ما ذكرت فعليه أن يجدد إيمانه، وأن يتوب إلى الله توبة صادقة، وأن يكثر من فعل النوافل والطاعات، ولا يجب عليه قضاء ما ترك من صلاة أو صيام، ولا كفارة سوى التوبة النصوح والندم، والاستقامة ما بقي. على أنه إن قضى ما ترك من الصلوات، وكفر عما أفسده من الصيام احتياطا وخروجا من خلاف من لم ير كفر تارك الصلاة، كان ذلك أسلم لعاقبته. ولك أن تراجع في موضوع الكفارة فتوانا رقم: 17662.
والتكفير عن الذنوب يكون بالتوبة النصوح. فالله جل وعلا قد شرع لعباده التوبة والإنابة إليه وحثهم عليها ورغبهم فيها ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذبوبه، فمن جملة ذلك قوله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ {لزمر:54} . وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} . وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة، ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام ـ رحمهم الله تعالى.
والتائب لا يكون تائبا حقا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط: الشرط الأول: الإخلاص ـ وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل. الثاني: الإقلاع عن الذنب. الثالث: الندم على فعله. الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه. الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت. قال النووي في شرح مسلم: وللتوبة شرط آخر وهو أن يتوب قبل الغرغرة كما جاء في الحديث الصحيح، وأما في حالة الغرغرة وهي حالة النزع فلا تقبل التوبة. فهذه الشروط فيما إذا كان الذنب بين العبد وربه، كترك الصلاة والصيام مثلا. وأما إذا كان الذنب يدخل فيه حق العباد، فلا بد من إبراء الذمة من هذا الحق. فإن كان مظلمة استحلها منه، أو حقا رده إليه، بالإضافة إلى الشروط الخمسة الآنفة الذكر.
وعليه، فالمال الذي كنت قد أخذته من تلك الفتيات عن طريق التحايل، فلا بد من رده إليهن، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، أخرجه الدارقطني وأحمد والبيهقي وغيرهم، وصححه الألباني. وإذا لم تجد وسيلة لرده إليهن فعليك أن تتصدق به عنهن. والذي أخذته برضاهن، فبما أنك أخذته بغرض فاسد فلا بد أيضا من التخلص منه بأي طريقة ممكنة. ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 63617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(9/5088)
يرجى لمن ارتكب معاصي أن لا يحرم ثواب ما سلف من عمل صالح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هل لو افترض أنني أدركت ليلة القدر وأعطاني الله سبحانه وتعالى ثوابها ومنها العتق من النار هل عندما أرتكب ذنبا من الذنوب من الكبائر أو من الصغائر بعد رمضان هل أحرم من ثواب تلك الليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك بعض الأعمال تسبب حبوط الأعمال كليا أو جزئيا ومنها: الشرك وترك صلاة العصر وإتيان العرافين والظلم واقتناء الكلب فيما لم يؤذن فيه، والمن بالصدقة، وشرب الخمر، وعمل المحرمات عند الخلوة، وليس هناك دليل يدل على إبطال المعاصي كلها للطاعات ممن وقعت منه كبيرة غير ما ثبت الدليل في إبطاله؛ بل يرجى له من الله أن لا يحرمه مما حصل له من الثواب سابقا.
وراجعي أدلة حبوط الأعمال بما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 33458، 41314، 46030، 48724، 57512، 56550.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(9/5089)
توصيات لمن فقدت نعمة الزوج والأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخت مطلقة من الجزائر. ولقد سبق وبعثت لكم برسائل من قبل وأشكر لكم ردكم. أنا أمر بلحظات ضعف، أحس بفراغ كبير في حياتي، أحن لأن يكون لي بيت وأولاد. رغم أنني مؤمنة بقدر الله وقضائه إلا أنه في بعض الأوقات أفقد اتزاني وألوم نفسي وغيري. أرى أن إيماني تراجع أصبحت مقصرة في عباداتي، أنا أحس بهذا التقصير، لكن لا أحرك ساكنا. اليوم دخلت على الموقع ولقد قرأت بعض الردود على القضاء والقدر، والله بكيت لهذا وأصبحت أستغفر وأقول اللهم اغفرلي ضعفي، اللهم اجعلني من الصابرين. أنا أكتب هذه الرسالة وألم كبير بداخلي. أنا فعلا أحس بعدم اتزان، أصبحت كثيرة التفكير. أرجو منكم أن ترشدوني، وخذوا بيدي
وكان الله في عونكم لما تقدمونه من نصح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن صاحبة الفطرة السليمة هي التي تبغي العفاف، وتجد أن سعادتها في بيتها ومع زوجها وبين أولادها. ولكن قد يكون قضاء الله وقدره على خلاف ما يتمناه الشخص، ومن هنا كانت حقيقة الابتلاء بفقد بعض المرغوبات، ولله في ذلك حكم عظيم ات، منها أن يتعلق قلب المرء بدار الخلد التي فيها كل ما يشتهيه ابن آدم، من غير نصب ولا وصب. ومن الحكم أيضاً أن يرفع العبد أكف الضراعة لله أن يكشف عنه البلاء وأن يرزقه ما يتمناه، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51946، 27082، 13849.
هذا، وإن كنت قد قصرت في أداء بعض ما أوجبه الله تعالى عليك من الفرائض ـ فإن الواجب عليك التوبة إلى الله من ذلك، وعقد العزم على الاستقامة والتمسك بدين الله، والندم على ما فرطت في جنبه تعالى، واعلمي أن الذنوب من أسباب وقوع المصائب وحرمان الخير، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير {الشورى:30} . وكان من دعاء العباس: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة.
هذا، وإن كان زوجك الذي طلقك صالحاً ديناً ذا خلق، ورأيت أنك قد تسرعت في الانفصال عنه، فلك أن توسطي بينكما واسطة خير للإصلاح ومن ثم العودة إليه. أو أن تخبري الثقات من أخواتك المؤمنات برغبتك في الزواج وتكوين أسرة، فيبحثن لك عن زوج صالح ذي دين وخلق، فيكلمنه عنك، وليس في ذلك منقصة لك، بل تلك منقبة، فإن طلب العفاف بالزواج الشرعي دليل الاستقامة، وانظري الفتويين: 9990، 18430. واسألي الله كثيراً أن يرزقك العفاف والزوج الصالح، والتمسي في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة التي يرجى قبول الدعاء فيها كثلث الليل الآخر عند النزول الإلهي، وفي السجود وبين الأذان والإقامة وفي يوم صومك فإن للصائم دعوة مستجابة. وإذا قدر الله أن تبقي بدون زواج، فلا تنزعجي، واعلمي أن حالك خير من حال كثيرات متزوجات لكنهن معذبات وغير سعيدات ويتمنين الطلاق، ولولا ما بينهن وبين أزواجهن من أولاد لما صبرن على العيش معهم لحظة واحدة، فاحمدي الله على العافية، وانظري الفتوى رقم: 12767. ولا تجعلي فقدك لنعمة الزوج والأبناء ملهياً عن شكر ما حباك الله من نعم، وأعظمها نعمة الإيمان والهداية، ونعمة العافية والصحة في البصر والسمع وسائر الجوارح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الل هـ. رواه مسلم.
هذا، وإننا ننصحك بأن تتخذي رفقة صالحة من الأخوات المؤمنات الفضليات، فإن صحبتهن من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله تعالى، فتعاوني معهن على فعل الخيرات وطلب العلم النافع وحفظ القرآن ونحو ذلك، ولا تضيعي عمرك فيما لا فائدة منه. وانظري الفتويين: 59729، 59868.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(9/5090)
حكم من فعل معصية حياء من مخالفة غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[مديري في العمل طلب مني ذات مرة أن أكتب له رسالة على الكمبيوتر خاصة بالعمل ولكن هذه الرساله تتضمن طلب أن تتعاقد الشركة مع شركة تأمين وذلك بخصوص مشروع علاجي خاص بالشركة، وكتبت هذه الرسالة وأنا خائفة لأنني أعرف أن التأمين حرام واستحييت أن أقول للمدير أنني لا أكتبها، لا أعرف ماذا أعمل الآن ألوم نفسي لأنه من المفروض أن لا أخاف من أحد ولا أستحيي من أحد والمفروض أن أقول للمدير أن هذا حرام ولا يهمني ما يحدث، ومع ذلك لا أستطيع أن أكلمه ومكسوفه من المدير جداً لا أعرف كيف أوضح له ذلك، أخاف أن يكون هذا الطلب الذي كتبته يكون قد أرسله المدير بالفاكس ليجري تنفيذه فأكون أنا أعنت على معصية ومن سن سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فأكون أنا بذلك أعنت على ذنب، لماذا أخشى من المدير هكذا ولا أقدر أن أقول له أن هذا حرام، ماذا أفعل يا شيخ بالله عليك، هل أكون بهذ االفعل مشتركة لأنني أخاف وأستحيي جداً من الناس وأعمل المعصية بسبب استحيائي من الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتابتك طلباً، لتتعاقد الشركة التي تعملين بها مع شركة تأمين، فيه تفصيل، فإن كان التأمين تأميناً تجارياً، فهذا لا يجوز لأن التأمين التجاري محرم لما فيه من الغرر والمقامرة، وأما إذا كان تأميناً تعاونياً، فلا حرج في ذلك، لأن التأمين التعاوني مباح لأنه قائم على التعاون والتكافل لا الاسترباح المادي، وراجعي للتفصيل الفتوى رقم: 472
وأما فعلك للمعصية حياء من مخالفة مديرك وخشية له، فلا يصل ذلك إلى درجة الشرك، ولكنه إثم ومعصية وخطأ بالغ، وفيه مع إثم اقتراف المعصية ذاتها إثم مخالفة ما أمر الله به في قوله: فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً {المائدة:44} ، فنهى الله تبارك وتعالى أن نترك ما أمر الله به ورسوله خشية الناس، وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحقرن أحدكم نفسه إذا رأى أمرا لله فيه مقال ان يقول فيه فيقال له يوم القيامة ما منعك أن تقول فيه فيقول رب خشيت الناس قال فانا أحق أن تخشى.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 2649، والفتوى رقم: 62980.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1426(9/5091)
ليس كل ابتلاء عقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي ابن أخي وعمره 21 سنة في حادث بالسيارة, فهل تعتبر هذه الطريقة البشعة التي توفي بها عقابا له ولوالديه من الله تعالى لأجل ذنوبهم؟
كيف نساعد الميت, نحن عائلته, حتى تكون له حياة أفضل حيث هو موجود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لله تعالى حكما فيما يقدره من الأمور والابتلاءات على عباده، وقد لا يكون هذا الحادث عقوبة للوالدين، بل قد يكون سببا في تكريمهم إذا صبروا ورضوا بقضاء الله تعالى كما قد يكون الشاب شهيدا بسبب هذا الحادث، وعليكم أن تسعوا في تعزيتهم وحضهم على الصبر على البلاء، وتذكروهم بما يعطيه الله للصابر على فقد الولد من الثواب الجزيل، وقد قدمنا بعض الأدلة على هذا في الفتوى رقم: 14321 والفتوى رقم: 59259.
وعليكم أن تستغفروا للميت وتقضوا عنه دينه، ويشرع أن تتصدقوا عنه وتقرؤوا القرآن وتهبوا له ثوابه على الراجح، ولا يسوغ أن تقولوا: إن هذا عقوبة ربانية، ويتعين عليكم أن تستخدموا ما أمكن من الوسائل في حضهم على التوبة إن كانوا ممن يظهرون المعاصي، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 683، 11599، 25874، 13270، 44952، 56783، 8042.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(9/5092)
استحلال أهل المظالم من مظالمهم من شروط التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الرابعة عشر من عمري , مؤدب, أنا في أحد النوادي الترفيهية أتدرب كرة السلة وبعض الرياضات الأخرى, وهذا النادي مختلط , وحدث في أحد الأيام اتهام إحدى النسوة بأنها تجعل البنات أصدقاء للأولاد , فذهب الذي أخرج هذا الاتهام وجاء لعندي وصرخ في وجهي واتهمني بأني من أخرج هذا الاتهام الباطل , وأنا لم أفعل لأني لم أكلم إحداهن قط , وظننت بأن الموضوع قد أغلق , ولم أخبر به أحدا إلا أصدقائي, ونصحوني بأن أنساه , وبقي هذا الموضوع إلى أن انتشر لبنت خالتي وقد غضب أخوها الصغير مني لأنه قال إنه قد أوذي من قبلهم , فاستغربت لأنهن يعلمن أني لم أقل ذلك الاتهام وأنه قد ألقي علي , فغضبت لأنهم مع علمهم ألقوا الخطأ علي , فانتشرت الغيبة , فقد اغتبتهن , ثم والحمد لله رجعت إلى ديني وأصبحت أنا آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأحث من بقي من أصدقائي على الصلاة والغض من أبصارنا , وإن شاء الله سنبدأ بحفظ القرآن الكريم , وأنا أحاول أن أطور علمي، دخلت بجهدي إحدى المدارس للمتفوقين، لا أفعل عملا قبل أن أتأكد من حكمه ولكن هناك هم في قلبي وأخاف أن ما حصل بيني وبين البنات في السابق ولم يحُل إلى الآن تعتبر خصومة ولا يقبل عملي والعياذ بالله , وأنا في قلبي مسامح كل من أخطأ علي واتهمني , ولا تهمني هذه المشكلة , ولا من أخطأ علي , فأنا لا أريد له إلا الخير , لأن ما حصل قد حصل ,ثم إنني اغتبتهن وحتى لو استغفرت ربي سيبقى لهم حقوق يوم القيامة , وسيأخذوا مني ما اغتبتهم فيه , وسألت أخي الكبير قال بأنه خطأ ولا يجوز أن تعتذر لهم لأنه لا يحق للإنسان أن يكلم نساء لا يعرفهن أو لسن من أقاربه.فهل تعتبر الخصومة قائمة إلى الآن ولا يقبل عملي , وكيف أتخلص مما اغتبتهم فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك قد أخطأت بما كنت تمارسه من الرياضة في ناد مختلط، لأن ممارسة الرياضة البدنية والذهنية ـ وإن كانت أمرا مشروعا في أصله ـ إلا أنه يشترط لذلك أن لا يوجد فيه ما يخالف الشرع من كشف العورات، واختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات على الوضع الشائع الآن، وسماع الموسيقى، وتضييع الأوقات ونحو ذلك.. ثم اعلم أن ما حصل منك من الغيبة هو من الشيطان، فإن الشيطان في حال الغضب يغلب الإنسان ويسيطر عليه بحيث يحركه كيف يشاء. ويصبح الإنسان كريشة في مهب الريح في يد الشيطان. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل وقد طلب منه أن يوصيه: لا تغضب، فردد مرارا، فقال: لا تغضب. رواه البخاري. فعليك أن تبادر إلى التوبة النصوح وطلب المسامحة ممن اغتبته، فإن التوبة محبوبة عند الله قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} . وهي تكفر الذنوب جميعا، قال جل من قائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} . والتوبة النصوح هي المشتملة على: الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفا من الله سبحانه وتعظيما له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، مع استحلال أهل المظالم من مظالمهم، أي: طلب المسامحة منهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.أخرجه البخاري.
والحمد الله أن رجعت إلى دينك وأصبحت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحث من بقي من أصدقائك على الصلاة وغض البصر، فهذا فضل من الله عظيم. ونسأل الله أن يتقبل أعمالك ويغفر لك ما صدر منك بما حصل لك من الاستقامة ومسامحة الآخرين، وإرادة الخير للجميع. ولا ينبغي أن تترك الاعتذار لمن اغتبته بحجة أن الرجل لا يجوز له أن يكلم نساء لا يعرفهن ولسن من قرابته، فإنه لم يأت النهي عن تكليم الرجل المرأة أو المرأة الرجل، وإنما جاء النهي عما يؤدي إلى الفتنة كالخضوع بالقول وهو ترخيم الصوت وترقيقه، قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً {الأحزاب: 32} . وهذا الحكم تستوي فيه النساء اللاتي هن أجنبيات على الرجل المكلم لهن، سواء كن من قرابته أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1426(9/5093)
مسخ الله لبعض العصاة ممكن
[السُّؤَالُ]
ـ[نشرت عدة مواقع على شبكة الإنترنت صورة لفتاة ممسوخة بعد أن ألقت القرآن الكريم على الأرض، فما هو رأيكم حول صحة هذا الخبر، وما هو حكم المسخ في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في بيان تكذيب هذه القصة الفتوى رقم: 64221.
وأما مسخ الله لبعض العصاة فإنه ممكن وقوعه شرعاً وعقلاً، فقد مسخ الله بعض الأمم السابقة قردة وخنازير، وراجع الفتوى رقم: 13601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(9/5094)
لعل التوبة الصادقة تكون سببا في حل المشاكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لم أشعر بالندم في حياتي بقدر ما أنا فيه الآن، أنا كنت على علاقة مع زوج أختي، أنا أعرف أنه حرام وغلط وذنب، لكن أنا الآن بعيدة عنه، وأختي عملت معي ومع أبي وأمي مشاكل لدرجة أنها طردتني من بيتنا، وهي بقيت في البيت، وقد ضربتني هي وأمي وأبي وطردتني من البيت، وأبي وأمي يزوراني عند عمتي التي أنا معها حالياً، وأختي غير راضية بأن تخرج من البيت، وبالنسبة لزوجها خاتم في أصبعها وليس قادراً على أن يقول لها كلمة، وهي ليست راضية أن ترجع لبيتها، وقالت: أنا هنا حتى يوم الدين، ولن تخرج إلا لما تقتلني أو تعمل في عاهة مستديمة، وقد قطعت كل ملابسي وأحرقتهم وكانت تريد أن تحرقني، والمشكلة أنها تظنني أنا التي أجري وراء زوجها وهو الإنسان الصادق، ولست أعرف ماذا أعمل، ما أريد أحس بندم أكبر من الذي أنا فيه كفاية على أني فعلاً أشعر بالندم، ويا ليت ألاقي الحل عندكم، أنا ليس عندي حل غير أني أسافر مع خالتي لأن عمتي لا تريدني أقعد عندها وأنا تعبانه وربنا يسامحني وأنا تبت والله العظيم تبت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهداية والتوبة النصوح من هذا الذنب الشنيع والمنكر الفظيع، فإن ما أقدمت عليه كبيرة من الكبائر إن كانت هذه العلاقة قد وصلت إلى حد الزنا، فننصحك بلزوم الاستغفار والتوبة والإكثار من الأعمال الصالحة لعلك إن فعلت ذلك أن يغفر الله لك ذنبك ويذهب ما في صدر أختك عليك من الحنق والغيرة، وقد أحسنت حين تركت البيت حتى لا تتسببي في المتاعب لوالديك، ولا نرى أن تسافري وتتركي والديك إذا كانا بحاجة إليك، ولكن اصبري حتى تهدأ أختك وتعود إلى بيتها، وحاولي أن تشعري أختك بندمك على ما حصل وتوبتك من ذلك، وابتعدي كل البعد عن زوج أختك، ولا تجعلي للشيطان سبيلاً عليك مرة أخرى، والله نسأل أن يتوب عليك ويصلح شأنك ويهدينا وإياك إلى صراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(9/5095)
دلالة اسوداد وجه الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هكذا ماتت والدتنا يقول راوي القصة: كنت في مصر أثناء أزمة الكويت، وقد تعودت دفن الموتى منذ أن كنت في الكويت قبل الأزمة، وعرفت بين الناس بذلك، فاتصلت بي إحدى العوائل طالبة مني دفن أمهم التي توفيت، فذهبت إلى المقبرة، وانتظرت عند مكان غسل الموتى، وإذا بي أرى أربع نساء محجبات يخرجن مسرعات من مكان الغسل، ولم أسأل عن سبب خروجهن وسرعتهن بالخروج لأن ذلك أمرا لا يعنيني، وبعد ذلك بفترة وجيزة خرجت المرأة التي تغسل الأموات وطلبت مني مساعدتها بغسل الميتة فقلت لها إن هذا الأمر لا يجوز، فلا يحل لرجل أن يطلع على عورة المرأة، فعللت لي طلبها بسبب ضخامة جثة الميتة، ثم دخلت المرأة وغسلتها ثم كفنتها ثم نادتنا لحمل الجثة، فدخلنا نحو أحد عشر رجلا وحملنا الجثة لثقلها، ولما وصلنا إلى فتحة القبر وكعادة أهل مصر فإن قبورهم مثل الغرف ينزلون من الفتحة العلوية بسلم إلى قاع الغرفة، حيث يضعون موتاهم دون دفن أو إهالة للتراب، فتحنا الباب العلوي وأنزلنا الجثة من على أكتافنا، وإذا بها تنزلق وتسقط منا داخل الغرفة دون أن نتمكن من إدراكها، حتى أنني سمعت قعقعة عظامها وهي تتكسر أثناء سقوطها، فنظرت من الفتحة وإذا بالكفن ينفتح قليلا فيظهر شيء من العورة، فقفزت مسرعا إلى الجثة وغطيتها ثم سحبتها بصعوبة بالغة إلى اتجاه القبلة، ثم فتحت شيئا من الكفن تجاه وجه الجثة وإذا بي أرى منظرا عجيبا رأيت عينيها قد جحظت، ووجهها قد أسود، فرعبت لهول المنظر، وخرجت مسرعا للأعلى، لا ألوي على شيء، بعد وصولي إلى شقتي اتصلت بي إحدى بنات المتوفاة واستحلفتني أن أخبرها بما جرى لوالدتها أثناء إدخالها القبر فأردت التهرب من الإجابة، ولكنها كانت تصر علي لإخبارها، حتى أخبرتها، فإذا بها تقول لي يا شيخ عندما رأيتنا نخرج من مكان الغسل مسرعات فإن ذلك كان بسبب ما رأيناه من اسوداد وجه والدتنا، يا شيخ إن سبب ذلك أن والدتنا لم تصل لله ركعة، وأنها ماتت وهي متبرجة!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة اسوداد الوجه عند الوفاة يمكن تفسيرها بأن الإنسان عند وفاته يرى الملائكة، وقد يرى ما لا يسره عن انتزاع روحه فينقبض جبينه ويسود وجهه، ولا شك أن سكرات الموت أمرها عظيم وانتزاع الروح أمره صعب إلا على المسلم، فإن روحه تخرج كالقطرة من في السقاء، والكافر والعياذ بالله تنزع روحه كما ينتزع السفود من الصوف المبلول.
وعليه، فلا غرابة في أن يسود وجه تلك المرأة التي شهد بناتها أنها والعياذ بالله لم تصل ركعة لله، وأنها ماتت وهي متبرجة.
واعلم أنه على المسلم أن يكتم ما يراه من الأحوال السيئة للموتى، فقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي رافع مرفوعاً: من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين كبيرة. وروى الحاكم في المستدرك مثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(9/5096)
من عوامل حرمان لذة العبادة وقحط العين
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتكم لأكثر من مرة وأرجو أن يصلني ردكم هذه المرة، أنا حائر فى ما يحدث لي وهو يتعلق بالخشوع فى الصلاة كنت أبكي عند قراءة القرآن أو الدخول في الصلاة، وكنت أحب نفسي لذلك، ولكن فجأة ودون سابق إنذار انقطع عني هذا، فلا خشوع فى الصلاة ولا تدبر في القرآن،اعتقدت أنى موسوس والعياذ بالله ولكني استبعدت ذلك، لأني مقيم للصلاة مواظب على القرآن، ولا أذكر أنى ارتكبت كبيرة وأنا والحمد لله مستقيم منذ ولدت ولكن أنا أدرس فى جامعة مختلطة، وقد نقع في الحديث مع الفتيات أو الغيبة أحيانا لكن سرعان ما نتذكر فإذا نحن مبصرون ولا أفوت صلاة جماعة أبداً وأحث معارفي على الخير بأنواعه، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الذنوب والمعاصي من أسباب الحرمان من الخير، ولها آثار خبيثة منها: حرمان لذة العبادة وعدم الشوق إلى الله، ووحشة يجدها العبد بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، وبينه وبين نفسه!!
وإن من جملة المعاصي الاختلاط غير المنضبط بين الشباب والفتيات على مقاعد الدراسة وإطلاق البصر بينهما، والكلام لغير حاجة بينهما، بل قد يصل الأمر إلى المضاحكة والممازحة والمصافحة بالأيدي بينهما، وكل ذلك حرام ويسخط الله جل في علاه.
وكذلك من جملة المعاصي الغيبة وأكل لحوم الناس، وقد عدها بعض العلماء -وهو الإمام الهيتمي - من كبائر الذنوب.
وعلى ذلك.. فإن الواجب عليك المسارعة بالتوبة إلى الله قبل فوات الأوان وعقد العزم على عدم العودة لهذه الذنوب أبداً، والندم على ما فرطت في جنب الله، عندئذ ستجد لذة العبادة التي كنت تتذوقها من قبل.
وأما البكاء أثناء قراءة القرآن أو الصلاة فقد يأتي وقد لا يأتي، ولك أن تتباكى وتجلب الدمع، والأولى الانشغال بتدبر القرآن، فقد قال الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد:24} ، وقال أيضاً: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ {ص:29} ، وقال تعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82} .
وإن مما يعينك على التدبر والخشوع، قراءة تفسير مختصر للقرآن الكريم مع سؤال الله بذل وإلحاح أن يرزقك الخشوع في الصلاة وتدبر كلامه سبحانه، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60926، 58132، 5310، 9525، 3087، 30555، 26952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(9/5097)
من حرص على النية السليمة نال الثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت إحدى المحاضرات التي تتحدث عن النية واحتساب الأجر, الشيخ قال في المحاضرة أن العمل بلا نية لا أجر له وأن المسلم يؤجر وينال من الفضل على قدر ما نوى، فعلى سبيل المثال أن من فضل الأذان أن صاحبه يكون من أطول الناس أعناقا يوم القيامة وأن كل شيء يصل إليه صوت المؤذن فإن هذا الشيء سوف يشهد له يوم القيامة ... ألخ، فهل إذا أذن المؤذن واحتسب فضل واحد من فضائل الأذان فهل يؤجر وينال كل الفضائل المذكورة في الأحاديث أم فقط يؤجر وينال الفضل الذي احتسبه، هل إذا كان المسلم يعمل العمل الصالح ويحتسب الأجر والفضائل ولكنه جاهل بفضائل الأعمال الصالحة التي يعملها فهل ينال الفضائل أم لا، فإنني عندما أذهب إلى المسجد أحتسب الأجر من عند الله وأحتسب بأن يرزقني الله كل فضائل الذهاب إلى المسجد إجمالا، فهل علي عند احتسابي لهذه الفضائل أن أحتسب كل فضل على حدة أم علي أن أحتسب الأجر والفضائل كلها بشكل عام، فأني أعاني من وسواس قهري فأجد صعوبة شديدة في التفكير ولذلك فإني أجد صعوبة في أن أنوي كل فضل بحدة وعلاوة على ذلك أنني أجهل كثيرا من فضائل الأعمال الصالحة المذكورة في الأحاديث فأصاب بإحباط عندما أتذكر قول الشيخ في المحاضرة بأن المسلم يؤجر على قدر نيته لأنني أحيانا أعمل العمل الصالح دون احتساب نسيانا مني وعندما أتذكر ذلك لاحقا أصاب بنوع من الحزن وعلى كل حال لدي قاعدة في ذهني بأن الأعمال الصالحة التي أعملها يجب أن تكون لله فهل هذا يحل محل الاحتساب أثناء نسياني احتساب الأجر قبل العمل، هذه الأسئلة تدور في ذهني دائما وإلى الآن لم أجد من يجيبني أرجوكم أفيدوني أثابكم الله؟ وبارك الله فيكم على مجهوداتكم الطيبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم يثاب على قدر نيته، فإذا كان حريصاً على الحصول على ثواب طاعة لله تعالى ثم كان جاهلاً لفضائلها أو نسي النية فإنه يحصل على جميع ثواب تلك الطاعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: الثاني: أن من نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجر عامله؛ كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر. انتهى. إلى أن قال: وفي الصحيحين عنه أنه قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم. وشواهد هذا كثيرة. انتهى.
فما دمت حريصاً على ثواب الطاعة تقصد بها وجه الله تعالى، فالذي يقتضيه فضل الله تعالى وسعة رحمته هو أنك ستحصل على جميع ثوابها إن شاء الله تعالى، وللتعرف على علاج الوسواس القهري راجع الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(9/5098)
قصة كاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحادثة التي حدثت في عمان والتي تتعلق بالفتاه التي سخطها الله إلى معسلانه صحيحه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه القصة كذبها الموقع الذي نشرها في البداية، ويمكنك الاطلاع عليه بالدخول بواسطة هذا الرابط.
http://WWW.alnilin.com/news/modules.php?name=News3841&file=article&sid =
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(9/5099)
الابتلاء من سنن الله في خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو المساعدة من أصحاب الشهامة، أكتب إليكم قصتي لعلي أجد من يساعدني بينكم.. أنا اسمي جوني من مواليد 1976.. الجنسيه عراقي من بغداد مسيحي أتكلم اللغه المسيحية الكلدانيه بتاريخ 22- 6- 1997 من يوم الأحد الساعة 10 مساء قبل صلاة العشاء بالضبط جدا أعلنت إسلامي على يد الشيخ بكر السامرائي في الحضرة القادرية، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ... بدأت معاناتي مع الأهل حين عرفوا بإسلامي وعرفو عشيرتي ثم أصدقائي وبدأوا يهددوني بالقتل ويهددوني بإيذائي وحاولو ايذائي ثم بدأوا بي حين أثبت بأني مسلم عذبوني جسديا ونفسيا عذبوني حتى أجريت 4 عمليات جراحية الأولى قرحة في المعدة كان طعامي فطورا وغداء وعشاء كل الأطعمة الحارة ثم أجريت عملية الزائدة الدودية ثم أجريت عملية البواسير مع خراج وبعدها مرت الأيام وقلت لهم بأني لست مسلما وتركت الإسلام.... لكن بقيت في قلبي والحمد لله أخرج إلى مكان بعيد جداً لأصلي وأخرج إلى الصلاة...... لذا حاولت الكنيسه إيذائي وحاول أصدقائي قتلي لولا تدخل أحد المسلمين بجانبي........ والكل الآن لا أحد يحبني والكل يكرهني لا أحد يحبني ولا أحد يمشي معي ... لذا أرجو المساعدة منكم أريد أن أكون مسلما حرا في الصلاة أذهب إلى الجامع دون خوف أو مراقبه من الأهل والأصدقاء أو العشيرة أريد أن أكون مسلما حرا حالي حال أي مسلم يذهب إلى الجامع أو يذهب لقراءة القرآن الكريم دون خوف أو مراقبه أتمنى أن أحج إنها أمنيه حياتي وقلبي وعقلي لذا أرجو منكم المساعدة لإيجاد عمل لي، أي عمل أعيش وأصبح حرا مسلما، إني أناشدكم بالله ورسوله قال الله في كتابه الكريم ... بسم الله الرحمن الرحمن فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره صدق الله العظيم......... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... من ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخره، لذا أرجو منكم المساعدة يا أمة الإسلام أنا لا أريد منكم المال ولا أريد منكم بيتا أو امرأة كل ما أريد هو العيش مسلما حرا وإيجاد عمل شريف لي،..... وهذا الإيميل أرجو إرسال الجواب.
أرجو الرد لأني متلهف جداً والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك ويهب لك من لدنه رحمة ويهيئ لك من أمرك رشداً، كما نسأله سبحانه أن يفرغ عليك صبراً وليثبتك في وجه تلك الفتن والمحن إنه سميع مجيب، ولك في بلال وصهيب وخبيب أسوة حسنة؛ بل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فقد أوذوا في سبيل الله بكل أنواع الإذاية والإهانة بالضرب والشتم والسب والكراهة والمقاطعة، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، لقد كان بلال يوضع في بطحاء مكة وعلى ظهره وبطنه الحجارة الحارة فيقول: أحد أحد، وقتل خبيب ومزق إربا إربا فما ثناه ذلك عن إيمانه بل قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وتلك سنة من سنن الله أن يبتلي عباده المؤمنين حتى يتبين من بكى ممن تباكى، ومن هو صادق في إيمانه ولو كلفه ذلك بذل مهجته، قال الله تعالى: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3} ، وأخرج البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه.
فننصحك بالصبر على ما أنت فيه، واعلم أنك مأجور فما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم حتى الشوكه يشاكها يكفر الله بها من سيئاته، كما في الحديث عند مسلم وغيره، واعلم أن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا، فتمسك بإيمانك واثبت عليه ثبوت الجبال الراسيات، وإن أمكنك الهجرة عن القرية التي أنت فيها إلى غيرها فهو أولى لك، ولن يضيعك الله، فقد قال: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:100} ، وإن كنت لا تستطيع إقامة شعائر دينك في ذلك المكان فيجب عليك مغادرته والهجرة عنه إلى حيث تستطيع إقامة شعائر دينك بحرية تامة، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا {النساء:97} .
وأما والداك إن جاهداك على أن تكفر بالله وتشرك به ما ليس لك به علم فلا تطعهما، كما قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15} ، وقد رخص الله سبحانه وتعالى لمن أكره أن يقول كلمة الكفر إذا لم يعتقد ذلك وكان قلبه مطمئنا بالإيمان؛ كما في قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ {النحل:106} ، ولكن حيث أمكنه ترك الكفار والهجرة عنهم فلا عذر له، قال البغوي: والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النية وعدم إمكان الفرار وهي رخصة، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم.
ولا ينبغي للمسلم أن يجعل فتنة الناس كعذاب الله، فيستسلم لذلك ويترك إيمانه لكره الناس أو إذايتهم له، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ {العنكبوت:10} ، فعليك بالصبر والدعاء وراجع الفتوى رقم: 32179.
وأما العمل فنسأل الله تعالى أن ييسره لك، ونعتذر إليك لأن ذلك ليس من اختصاصنا فجهد الشبكة ينصب على تبصير الناس بأمور دينهم وإجابة الأسئلة ذات الفتاوى الشرعية والاستشارات الطبية والنفسية ونحو ذلك من الأمور الدعوية والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/5100)
النهي عن تمني الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أفكر في الانتحار.....
أنا شاب 27 مصري أفكر في الانتحار بعد ما أغلقت كل الأبواب في وجهي حيث إني حاصل على دبلوم تجارة لسنة 1995 ولن أحصل على أي عمل أضع فيه كل قدراتي، والدي متوفى فكرت في الانتحار بعد ما وجدت كل التجاهل من والدتي وأختي وأغلب عائلتي لي وذلك لعصبيتي، ولكني أحترم الجميع، ماذا أفعل أرجوكم ولو بالكلام أنقذوني، أنا لا أستطيع العيش في هذه الحياة التي لا يعيش فيها إلا المنافقون وأنا لا أعرف أن أكون كذلك، وحاولت مراراً أن أكون منافقاً، ولكن لا أعرف دعوت كثيراً (اللهم اقبض روحي لأرتاح من هذه الدنيا) لا تنسوني بالدعاء بفك كربي أو يرحمني ويغفر لي إذاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلست وحدك الذي تعاني في هذه الحياة، فالدنيا دار ابتلاء، وإن عدم حصولك على عملٍ هو من أخف البلايا، فلو قلبت ناظريك في المرضى والمعاقين لحمدت الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم، وقال أيضاً: ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس. رواه الترمذي، وانظر الفتوى رقم: 51946.
واعلم أن الإيمان بالقدر من أصول الإيمان، ولا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بالقدر، فعليك أن ترضى بقدر الله تعالى حتى تنال رضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وابن ماجه.
واسع -متوكلاً على الله- في البحث عن عمل، ولو خارج حدود مدينتك، في المدن الصناعية الجديدة مثلاً، فقد قال الله تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15} ، وأما قولك إنه لا يستطيع العيش في هذه الحياة إلا المنافقون، فذلك ليس بصحيح فما زال في الناس من يتقي الله ويراقبه، وهم وإن كانوا قلة إلا أنهم موجودون، وهم الغرباء الذين وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير العميم، وانظر صفتهم في الفتوى رقم: 58011.
هذا واعلم أنه لا ينبغي لك أن تتمنى الموت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي. رواه البخاري. واحذر من التفكير في الانتحار، فإن قتل النفس من أكبر الكبائر، وإثمة عظيم، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5671، 10397، 8012.
والذي ننصحك به أن تحاول التغيير من نفسك، حتى يغير الله ما بك، فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد:11} ، فاجتهد في التقرب إلى مولاك جل وتعالى وذلك بترك ما حرمه عليك وبفعل المستطاع مما أمرك به، وذلك حتى تنال محبته، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.... رواه البخاري، وانظر الفتوى رقم: 2944.
واجتهد في تحسين أخلاقك وكظم غيظك وبر أمك، فإن الجنة تحت أقدامها، ودعوة الوالد لولده مجابة، وانظر الفتوى رقم: 8173، والفتوى رقم: 42432.
وابذل الوسع في اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المؤمن المتوضئ وتعاون معهم على فعل الخير وطلب العلم النافع وحفظ القرآن، فإن صحبة الصالحين من وسائل الصلاح، وهي من أعظم الوسائل المعينة على الاستقامة على أمر الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثر من استماع الأشرطة الإسلامية، فإن فيها خيراً كثيراً، وخاصة الأشرطة التالية أسماؤها (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و (على الطريق) للشيخ علي القرني، و (اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و (جلسة على الرصيف) للشيخ سلمان العودة، وتجدها وغيرها من الأشرطة على موقع طريق الإسلام على الإنترنت WWW.ISLAMWAY.COM
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(9/5101)
شأن المسلم ثباته على الدين وشعائره دوما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندي 22 سنة عندما أكون في الدراسة أصلي في المسجد وأشعر أني إذا لم أصل في المسجد وفي الوقت أن الله لن يبارك لي في المذاكرة ولا أي شيء ولكن سرعان ما تنتهي المذاكرة والدراسة وعندها ألقى نفسي لا أواظب على الصلاة لا في جماعة ولا في وقتها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمنا من سؤالك أنك أثناء المذاكرة والدراسة تواظب على الصلاة جماعة في المسجد معتقداً أنك إذا لم تصل في المسجد فلا بركة في مذاكرتك.
وبعد انتهاء الدراسة تترك المواظبة على الصلاة في المسجد جماعة، بل قد تؤديها بعد خروج وقتها، فإن كان هذا هو معنى سؤالك فنقول وبالله التوفيق:
إن صلاة الجماعة في المسجد واجبة في حق الرجل المستطيع الذي يسمع النداء لها على الراجح من أقوال أهل العلم، كما سبق في الفتوى رقم: 5153، والفتوى رقم: 32648.
هذا بالإضافة إلى أن الصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام فهي الركن الثاني منه بعد الشهادتين وهي أول ما ينظر فيه من أعمال المسلم.
وقد ثبت الوعيد الشديد في حق من يتهاون بها أو يضيعها، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم: 59} . وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون: 4-5} .
ومن السهو عنها تأخيرها عن وقتها كما ثبت عن بعض السلف الصالح كابن عباس رضي الله عنهما.
فالواجب على المسلم المحافظة عليها ومن ذلك أداؤها في وقتها الذي حدده الشرع حيث إن لكل صلاة مفروضة وقتاً محددا لا يجزئ تقديمها ولا يجوز تأخيرها عنه قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء: 103} .
واعلم أن الشخص الذي لا يعرف ربه إلا في الشدة والضنك ولا يراعي حقه ولا يؤدي واجبه على خطر عظيم، وفيه صفة من صفات الكافرين قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {العنكبوت: 56-66} .
وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {يونس: 12} .
وقال تعالى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ {فصلت: 51} .
ومن كانت هذه حاله فحري أن لا يستجيب الله دعاءه في حال الشدة والضنك، وإن المؤمن الصادق هو الذي يعرف ربه في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء، وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما في وصيته العظيمة: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
وحاصل الأمر أن عليك مجاهدة النفس للمواظبة على أداء الصلاة في المسجد جماعة، ولا يجوز لك تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر شرعي، وراجع الأجوبة التالية أرقامها: 1490، 4034.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(9/5102)
من تزيينات الشيطان ليغمس المرء في وحل الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[قصتي تكمن في أني أذنبت ذنبا عظيما لم يسبق لي أن فعلته وهو أني بدأت في طريق الزنا وكان ذلك بأني تعرفت على فتاة ليس من باب العلاقة وإنما في الدراسة وازدادت بي معرفة فأصبحنا نتبادل الشرائط الإسلامية ونتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأخرى إلى أن أتى يوم أحسست أني أميل لها فصارحتها ووجدت أنها كذلك وكنت أعتقد أن أمرا سينتهي على هذا الأمر لكن تطورت العلاقة فسقطنا في معصية فندمنا وعزمنا أن لا نعود وتبنا
وما إن مر أسبوع حتى ارتكبنا ذنبا أعظم من الأول تم تبنا وعدنا وتبنا وعدنا إلى الذنب نفسه فيتعصرقلبي ندامة وأعزم على أن لا أعود، ولكن إذا مرت تلك اللحظة لم أعد أحس بندامة ولا تخرج دموعي رغم اعتصاري
فبدأت أراجع نفسي ما الذي جعلني أسقط هل أنا منافق مرائي؟؟
وأنا الآن أخذت عهدا على أن أعود إلى الله تائبا وأحاول، فبماذا تنصحني لكي أثبت على دين ربي، وما يجعلني أتقرب إلى الله ويحبني وأحبه؟؟
لا تبخل شيخنا العزيز بنصائحك وجزاك الله خيرا
المتحابون في الله......يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من شؤم الاختلاط في مقاعد الدراسة بين الجنسين التساهل في النظر والكلام بينهما وما يتبع ذلك من إنشاء علاقات محرمة قد تنتهي بالفاحشة الكبرى عياذا بالله، وانظر الفتويين: 1769، 5779.
وإن من مكر الشيطان وكيده أنه يسهل على الإنسان المعصية ويزينها له وينقله من خطوة إلى خطوة حتى يرديه ثم يتبرأ منه، ولذلك قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور: 21} وراجع الفتوى رقم: 46960.
والشيطان له طرق متعددة، ويدخل الإنسان من الباب الذي يظن أنه يلج منه، وفي حالتك دخل عليكما من باب الكلام في الدين والتناصح وتبادل الأشرطة الإسلامية، وقد قال الحسن بن صالح: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير يريد بها بابا من الشر.
هذا، وإن الواجب عليكما التوبة إلى الله والندم على ما فرطتما في جنبه تعالى وقطع كل علاقة بينكما، فلا تجتمعا أبدا، بل ولا تجتمعا بمن يجتمع بأحدكما حتى لا ينقل أخبار الآخر إليه فيشوقه إليه فتهفو إليه نفسه فيعود لما كان، وانظر الفتوى رقم: 19974 وانظر شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 5450، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 9360 فإن فيهما بيان داء العشق وكيفية العلاج منه، وإن كنت تستطيع الزواج فسارع بالزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، رواه البخاري ومسلم.
وأما كونك لا تبكي مع شدة ندمك على ما كان منك، فاعلم أن البكاء ليس شرطا لقبول توبة العبد، وقد تقدم بيان شروط التوبة النصوح.
والذي ننصحك به بعد التوبة إلى الله أن تتخذ رفقة صالحة من الشباب المؤمن المتوضئ وأن تتعاون معهم على الخير، ومن ذلك طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإن اتخاذ هذه الرفقة من أهم أسباب الاستقامة على أمر الله تعالى، ولمزيد فائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 6603، 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(9/5103)
العزم على عدم الرجوع إلى المعصية من شروط التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم، في البداية // أشكر الإخوة القائمين على هذا الموقع الطيب والذي أسأل الله من خلاله أن يهدي به ضال المسلمين، إخواني: إن الله عز وجل قد وهب لي نعمة. . قد أنعم الله بها على كثير من خلقه لكن يودع الله هذه النعم في خلقه. . ويهديهم طريقين طريق الخير وطريق الشر إخواني من يعينني على استخدام موهبتي في الخير؟؟؟ قبل أن أعود لما كنت عليه من الضلال والانحراف فقد كنت أقيم الحفلات الغنائية وبعض الجلسات الشبابية بالغناء ولكن خففت من هذه لحفلات والجلسات كثيراً كثيراً إلى أن وصل الأمر في هذه الأيام أني أحضر مرة واحدة في الشهر أو مرتين، وحضوري ليس برغبة منّي بل من إلحاح المعجيبن والأصدقاء وأنا أود أن أحوّل مجالي السيئ إلى مجال الإنشاد الإسلامي لعلي أجد منكم من يعينني على سلوك الطريق الصحيح بإذن الله وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الأخ السائل أن يحمد الله تعالى أن هداه إلى الرجوع إلى الطريق الصحيح، طريق التوبة إلى الله تعالى، وبصره بشؤم المعاصي وسوء عاقبتها، لذلك فإن عليه أن يكمل توبته بمقاطعة هذه المجالس وأهلها، وكذلك الأصدقاء الذين يحاولون إرجاعه إلى هذه المنكرات، لأن الأغاني المحرمة والاستماع إليها مما حرمه الله ورسوله، ولبيان خطورة هذه الأغاني طالع الفتوى رقم: 5282 وليعلم أن الله أمر عباده بالتوبة والإنابة إليه وحثهم على ذلك ورغبهم فيه، فمن جملة ذلك قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر 53-54} وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222} وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة إلى الله ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام، ومن شروط التوبة الإخلاص والإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، واعلم أن المرء قد تعاجله المنية وهو لم يتب بعد، لذا فإننا ننصح الأخ السائل بالتوبة إلى الله تعالى ويستعمل موهبته في تعلم القرآن والفقه في الدين والدعوة إلى الله، كما ننصحه بمصاحبة الصالحين، ولبيان حكم الأناشيد الإسلامية طالع الفتوى رقم: 20136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(9/5104)
المعاصي سبب النقمة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت قصة فتاة رمت المصحف فمسخت كلباً، ولكني لم أومن بهذا، مع أني أعلم أن الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء وعلى فعل ما يشاء، والسبب الآخر الذي أقنعني أنني قلت لأحد المشايخ في بلدتنا فقال لي أنها من أعمال السحرة اليهود، كما أننا ونحن في حوارنا مع الشيخ وإذا بشاب يقول أن هذه الصورة ظهرت قبل عدة شهور من عملية الاستنساخ انصحونا؟ وجزاكم الله جل جلاله عنا وعنكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبما أنك تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء وعلى فعل ما يشاء، فاعلم أنه لا استحالة في أن تمسخ الفتاة إلى كلب بسبب ذنب، ولو لم يكن هذا الذنب هو أنها قامت برمي المصحف، فقد ثبت أن المعاصي سبب للنقمة، ففي الجامع لأحكام القرآن، قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ. أي فلما تجاوزوا في معصية الله: قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ. يقال: خسأته فخسأ، أي باعدته وطردته، ودل على أن المعاصي سبب النقمة: وهذا لا خفاء به، ولا علاقة لهذا الموضوع على تقدير صحته بعملية الاستنساخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(9/5105)
توبة العاجز عن رد الحقوق لأصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أنا شخص أتوق للرجوع إلى الله ولكني أجد عقبة كؤودا أمامي حيث من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أصحابها، فإن كنت عاجزاً عن إرجاع هذا الحق لعدم استطاعتي حالياً؟
بمعنى أوضح أنا لم أحفظ الأمانة وبددتها وصرفت مبلغاً كبيراً منها،وحلفت لصاحب المال بأني لم أمد يدي لماله وأنا كاذب والآن ماذا أفعل؟
1- عدم استطاعتي إرجاع المال لصاحبه لضخامته.
2-عدم استطاعتي الاعتراف له حيث مرت فترة طويلة على الموضوع.ولخوفي من ردة فعله حيث إني أعول عائلة كبيرة.
أرجوكم دلوني على الطريق الصحيح ولكم من الله حسن الجزاء.
فوالله إن هذا الموضوع يسبب لي الأرق والخوف الشديد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن باب التوبة مفتوح، وأن الله غفور رحيم مهما بلغ الذنب، ومهما عظم. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} وقال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. رواه الترمذي.
فبادر أخي الكريم بالتوبة إلى الله من ذلك الذنب واعزم العزم الأكيد على رد الحقوق إلى أهلها وسيعينك الله ويسدد عنك ولو بعد حين.
صحيح أن التوبة لا تقبل إلا إذا استوفت الشروط، وأن من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أهلها؛ لكن إنما هو في القادرعلى رد الحقوق، أما من عجز عن ذلك وكان عازما على الرد فتوبته مقبولة إن شاء الله.
ولا يعني ذلك أن الحق قد سقط من ذمته؛ بل هو باق في ذمته حتى يتيسر حاله، فإذا تيسر حاله وجب عليه رد الحق إلى أهله.
وعند الرد لا يلزمه أن يُعْلِم من له الحق بطريقة أخذه لحقه بل يكفيه إيصاله إليه ولو بطريقة غير مباشرة كإرسالها له باسم مجهول، والذكي لا يعدم حيلة.
نسأل الله أن يتوب علينا وعليك وأن يسهل أمرنا وأمرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(9/5106)
ما يعين على طريق الاستقامة على الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا ليس سؤالا ولكنه شكر عميق لكم على ما تقدمون من خدمة بالنسبة لى أعتبرها خدمة جليلة لأنني دعوت الله في صلاتي أن يهديني بقوم عالمين أسألهم بدون حرج ويجيبوني فأنا حديثة التدين طبعا اقصد تدين القلب وكنت لا اعلم أسأل من وأستفتي من حتى حصلت على موقعكم بالصدفة البحتة ولكنها بالطبع مرتبة من عند الله وأرجو ألا تعبئوا من أسئلتي التي أعتقد أنها ستكون كثيرة ولكن اعذروني وجزاكم الله خيرا على ما تقدمون]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله كل خير على تواصلك معنا، ونسأل الله الكريم أن يجعلنا عند حسن ظنك.
والذي ننصحك به إن كنت حديثة عهد بالاستقامة على أمر الله تعالى هو أن تتخذي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات، فإنهن خير معين بعد الله على الاستقامة على أمره، ففتشي عنهن وانتظمي في سلكهن وتعاوني معهن على طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثري من استماع الأشرطة الدينية، خاصة أشرطة الدروس العلمية المنهجية ولا تقتصري على الأشرطة التي تهتم بالجانب الوعظي، وتجدين ذلك على موقع طريق الإسلام على الإنترنت،
www.islamway.com
ولا يفتر لسانك عن ذكر الله تعالى، خاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلاة وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها وغيرها في حصن المسلم للقحطاني، وانظري الفتوى رقم: 59729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(9/5107)
العجب وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم........ بارك الله فيكم وزادكم من فضله وعلمه وكرمه
سؤالى عن العجب وهو هل لو رأيت فى نفسي شيئاً عظيماً وكبيراً فلم ألتفت وأركن إليه بل تجاهلته وأعرضت عنه وأضفته إلى الله حيث إنه نعمة منه وليس كونها أنها صفتي.. ولكنني بعد ذلك أعلم باطنا أن ذلك شيء عظيم ورفعه وهو صفتي، فهل ذلك يعتبر عجبا خفيا ومن المفروض أن لا أرى لي نفسي حالا \"ومقاما\" فى الدين وفي الدنيا أي أنني (من أفسق الناس وأحقرهم) ، وإن فعلت ذلك كيف أستطيع أن أشكر الله، مع العلم بأن ليس بي أي حسنة، أفيدوني أفادكم الله؟ وبارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعجب كما فسره الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم.
وليس منه ما يحصل للمرء من السرور بما يفعله من الطاعات، بل إن ذلك دليل على إيمانه، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: إذا حاك في نفسك شيء فدعه. قال: فما الإيمان؟ قال: إذا ساءتك سيئتك وسرتك حسنتك فأنت مؤمن. رواه أحمد بإسناد صحيح.
وليس يلزم لنجاة الشخص من العجب أن يعتبر نفسه من أفسق الناس وأحقرهم، ولا أن يعتبر نفسه فاسقاً أو حقيراً، ولا أن لا يشعر بأنه في نعمة قد من الله عليه بها، بل المطلوب أن لا يستعظم تلك النعم أو يركن إليها، وأن لا ينسى إضافتها إلى الله تعالى، وأن يصرفها فيما يرضي الله، ولا شك في أن الشعور بالنعمة هو أول خطوة لشكرها، فمن لم ير نفسه في نعمة لم يتصور منه شكر النعم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(9/5108)
طاعات يختلف ثوابها في حال ووقت دون حال ووقت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الأيام والأوقات لنعمل فيها أعمالا للميت وماذا بالنسبة ليومي الاثنين والخميس لأنها تعرض الأعمال فيها على الله عز وجل
أرجو أن تكون الإجابة محددة. لأنكم عندما تسردون جميع ما قاله الفقهاء لا نفهم أرجو تبسيط الأمر.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على ما يدل على وجود أوقات محددة يكون فيها الثواب أعظم بالنسبة للطاعة التي يهدى ثوابها للميت.
وعليه، فالطاعة التي يفعلها المسلم مطلقا يختلف ثوابها من وقت لآخر، وفي حال دون حال، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
1- ... الدعاء، فإن إجابته تكون أرجى في بعض الأوقات كالثلث الأخير من الليل مثلا، ونحو ذلك.
2- ... الصدقة، فإن من أفضلها سقي الماء، أو أن يكون نفعها أكثر للمتصدق عليه.
3- ... الصلاة والصيام والحج وغيرهما من العبادات يكون ثوابها أعظم كلما حصلت مستوفاة الشروط والأركان والواجبات والسنن والآداب مع استشعار الإخلاص فيها لله تعالى.
وبالنسبة ليوم الاثنين والخميس فقد ثبت الترغيب في صيامهما، لكن لم نقف على دليل شرعي يفيد أن الطاعة فيهما لها مزية على غيرها من الطاعات في الأيام الأخرى.
وأخيرا ننبه على أن أهل العلم مجمعون على انتفاع الميت بثواب الدعاء والصدقة، وقد اختلفوا فيما سوى ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(9/5109)
منزلة المتمسك بدينه أيام الفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم...... ما ذنبي أن لم أخلق في وقت بعثة رسول الله، لماذا خلقني الله في هذا الوقت ولم يخلقني في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ألم لنا أن نرى فساد اليوم ولا نرى رسول الله معنا ... وكل هذا والصحابة أفضل منا مهما فعلنا، لا تنسوا أن رسول الله كان يعينهم على الطاعة أما نحن فلا!!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لنا أن نعترض على قضاء الله بأن خلقنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى حكيم عليم، يفعل ما يشاء في ملكه لحكم يعلمها، قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {الأنعام:83} ، وقال سبحانه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
هذا ونبشرك بأن المستقيمين على أمر الله تعالى في آخر الزمان لهم أجر عظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله أو منهم، قال: بل منكم. رواه الطبراني، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وكذلك فإن الثواب العظيم الذي أعده الله تعالى لمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يتفضل بمثله على العابد في الزمن الذي ضعف فيه إيمان الناس وفسدت فيه أخلاقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إليًَّ. رواه مسلم، قال الإمام النووي: المراد بالهرج هنا: الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد. انتهى.
واعلم أن الفساد الذي تراه عينك قد نكون نحن سبباً في وجوده واستمراره لما تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما عطلنا شريعة الجهاد، وإن الواجب علينا أن نحافظ على ديننا من أن ينتقص أو أن يتعطل منه شيء، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(9/5110)
التائب مطلوب منه أن يستر معاصيه السالفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في عملي كنت أدخل على المواقع الإباحية، ولكني تبت عن ذلك، ثم بعد فترة علم صاحب العمل أن هذا الجهاز يشاهد من خلاله مواقع إباحية، وهو يريد أن يعرف من فعل ذلك وهو يشك في أكثر من شخص ولكنه لا يشك في أنا، فماذا أفعل هل أعترف له أم لا أعترف وتكون ضد مجهول أو يشك في أحد آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم التوبة وأنها فرض على المسلم من كل ذنب وأنها لا تقبل إلا بشروط أهمها: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الجازم على أن لا يعود إليه فيما بقي من عمره، تجد تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 7007، والفتوى رقم: 5450.
ولا يشترط لذلك أن تعلن لصاحب المحل أنك صاحب المنكر الذي كان يشاهده على الجهاز، لما في ذلك من عدم الستر المأمور به شرعاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستر بستر الله.. الحديث رواه مالك في الموطأ وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(9/5111)
وسائل تزكية النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أفيدوني هل يجوز إتمام الزواج مع الخطيب رغم أننا مارسنا بعض الممارسات المحرمة وإن كانت لم تصل إلى حد فض غشاء البكارة، هل يعتبر هذا الأمر حراما ولا يجوز أقصد هنا استكمال الزواج رغم ما كان بيننا وكيف السبيل لنظافة النفس والتقرب إلى الله ليغفر لكلينا ما كان ويشهد الله أننا كنا دائما نفعلها ولكن يقتلنا ضميرنا عندما نستفيق من دوامة الشيطان والنفس الدنيئة، وللعلم نحن نعتبر محترمين جدا في إطارنا الاجتماعي وفعلنا هذه الممارسات الحقيرة في ستر من الله ويغلبنا الهم أننا رغم رحمة الله بنا لم يكشف هذا الأمر لأحد إلا أننا كنا نزاوله بكل فسق ولم نلتفت لستر الله وحكمته، وفي اعتقادي لولا لطف الله ورضى الوالدين ودعائنا الدائم بترك المعاصي لكنا كشفنا وانتهت حياتنا وانتهى احترام وتقدير الناس لنا، أرجوكم كيف السبيل لتنظيف أنفسنا والعودة لبناء أسرة متدينة يحبها الله ورسوله وهل نستمر بعلاقتنا ونتم الخطوات نحو الحلال أم أن استمرارها يعد أمر لا يجوز نتيجة ما كان بيننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطوبة لا تبيح للخاطب شيئا مما كان حراماً سوى رؤية المخطوبة عند إرادة خطبتها ثم تعود كما كانت أجنبية كبقية النساء الأجنبيات، ولذا يجب على هذين الخطيبين التوبة إلى الله من هذه المعاصي، وإذا تابا فلا حرج عليهما من إتمام الزواج.
وأما بخصوص السؤال الثاني عن كيفية تطهير النفس وتزكيتها والتقرب إلى الله فهذا موضوع طويل وقد ألفت فيه مؤلفات، وننصح بزيارة قسم (تزكية وأخلاق) في موقعنا ففيه عدد من المقالات النافعة، وتزكية النفس ذات شقين:
الأول: تطهيري: يعمل أولاً على معالجة الصفات السلبية لدى الشخص وتيسير سبل معالجة الخطيئة والتوبة منها وإصلاح الآثار الناجمة عن الخطايا، ثم يسعى -في تدابير وقائية- إلى تزويد النفس بالقيم الموجهة والضابطة للسلوك، ويتمثل ذلك في تأكيد الإسلام على (التقوى) وتجنب ما يؤدي إلى سقوط النفس وانحرافها، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.
الثاني: نمائي: وهو بناء صفات إيجابية في النفس بشكل مستمر والتزكية هنا في بعدها التنموي تعمل على تنمية الشخصية الإنسانية بثروة من القيم الحافزة إلى الخير، وتحقق الغنى الحقيقي للنفس، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس.
فالتزكية لا تقف عند حد تخليص النفس من عيوبها وذنوبها بل تهدف إلى إيجاد شخصية متنامية وفعالة ومنتجة لا تجمد عند حال: وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا {الكهف:24} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(9/5112)
الحكمة من الأمر والنهي والعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وأؤدي الفرائض ولو أن لي بعض الذنوب التي لا تصل إلى الكبائر مثل النظر إلى النساء وتمنيهن
والسؤال أني حاولت مرارا أن أتقرب إلى الله وأن أكون من الصالحين وأن يعلو قدري عند الله عز وجل ولكن تأتيني فكرة تجعلني أتكاسل عن الطاعات وهي أن الله عز وجل عظيم عظمة لا تعيها عقولنا وقدير قدرة لا حدود لها سبحانه جل شأنه وعنده ملك عظيم أهم مني ومن أمثالي من البشر العاديين وأشعر بضآلة الطاعات وبأني قليل الشأن أمام عظمة الخالق ومهما فعلت فما هذا الذي يعلي شاني وقيمتي عند رب هذا الكون وجزاكم الله خيرا على هذا الجهد الرائع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الفكرة التي تأتيك أحيانا بأن الله عز وجل عظيم عظمة لا تعيها عقولنا، وقدير قدرة لا حدود لها سبحانه جل شأنه، وأن عنده ملك عظيم أهم منك ومن أمثالك من البشر، وما تشعر به من ضآلة الطاعات، وبأنك قليل الشأن أمام عظمة الخالق، هي في الحقيقة فكرة مصيبة، إذا كنت تستغلها على الوجه الصحيح. وذلك أن رباً له من الملك والعظمة والقدرة ما ذكرته، جدير بأن يطاع في جميع أوامره، وأن تجتنب جميع نواهيه. لا لأن الطاعة في حد ذاتها لها مزية عند الله، ولا أن المعصية ذات ضرر على الله.
كلا!! فالله تعالى غني عن جميع أفعال العباد، ولكنه بفضله وحكمته أراد بما أمر به أو نهى عنه أن يختبر طاعتنا له وانقيادنا لشرعه، فيجازينا طبقا لذلك بما نستحقه.
واعلم أن قبول العمل إنما يتم بتوفيق من الله تعالى وتفضل منه، إضافة إلى أن العمل في حد ذاته لا يكون سببا في دخول الإنسان الجنة، فلا تدخل الجنة إلا بالتكرم من الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا. متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
واعلم كذلك أن على العبد أن يحسن الظن بالله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) رواه بهذا اللفظ البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما رواه مسلم، وأحمد والترمذي وغيرهم.
قال الحافظ في الفتح: (أنا عند ظن عبدي بي) : أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربا يجازي، وإن يئس من رحمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر) ...
واعلم أيضا أن هذا اليأس الذي ينتابك في الشعور الذي ذكرت، إنما هو من الشيطان يريد أن يصرفك عما أنت فيه من العبادة، وأن يجرك إلى المعصية.
ثم هذه الذنوب التى ذكرت أنك تفعلها أحيانا، وأنها لا تصل إلى الكبائر، وهي مثل النظر إلى النساء ونحوه، فاعلم أن الاستخفاف بها قد يكون سببا في الهلاك، والعياذ بالله. فمن وقع في خطإ أو معصية، فعليه أن لا يستقلها وأن لا يستخف بها، فإن ذلك سلوك الفجرة، روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا " قال: أبو شهاب بيده فوق أنفه.
قال الحافظ ابن حجر: قال ابن أبي جمرة: (ويستفاد من هذا الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفتها عليه يدل على فجوره) .
ونسأل الله أن يمن عليك بالهداية والاستقامة، إنه على ذلك قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(9/5113)
وجوب التوبة من السمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الرياء آفة كبيرة وتلقي بالمرء بالنار، ولكن عندما أنوي أن أصلي أو أن أعمل الأعمال الصالحة أقول لنفسي إن هذا لله ولا يهمني ما يقوله الناس بأنني رجل صالح وتقي، وبعد فترة من الزمن تصبح نفسي تفتخر بما فعلته أمام الناس بما فعلته من أعمال صالحة، ولكن أرجع وأقول لها بأن هذا العمل لله، ولكن بعد فترة يحدث نفس الشيء وأنهاها عن هذا، فهل أنا مرائي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرياء محرم شرعاً وهو نوع من أنواع الشرك الأصغر، كما في حديث المسند، وقد تعبدنا الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، فقال: فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإخلاص شرطا لقبول العمل، كما في الحديث: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه. رواه النسائي وصححه الألباني.
واعلم أن أهل العلم قد فرقوا بين الإتيان بالعمل لغرض الرياء وهو طلب النفع من المخلوق أو المحمدة أو دفع المضرة أو المذمة، قد فرقوا بينه وبين الإخبار بالعمل بعد وقوعه، فالأول يسمى رياء والثاني يسمى سمعة، وقد ثبت الترهيب منهما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من سمع سمع الله به ومن يراء يراء الله به. رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر أهل العلم أيضاً أن الرياء معصية تجب التوبة منها ولا يقبل العمل الذي عمله صاحبه رياء، وأما السمعة فهي محرمة أيضاً ولكن المسمع إذا تاب يغفر له ولا يحبط عمله الذي سمع به، قال صاحب مطهرة القلوب:
والسمعة الاخبار بالطاعات * بعد خلوصها من الآفات
لبعض أغراض الرياء والعمل * تفسده ولكن إن تبت اندمل
وبناء على هذا فإن إخبارك وافتخارك بالعمل بعد وقوعه ليس رياء ولكن يمكن دخوله في السمعة التي تجب التوبة منها، وإلا حبط العمل، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10992، 30366، 49482، 19043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(9/5114)
حسن الظن بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا: أحببت أن أشكركم على استجابتكم السريعه للأسئلة، وجزاكم الله خير الجزاء وأن يجعله في ميزان حسناتكم..
السؤال: أنني لا أعرف ماذا أفعل في هذه الدنيا أصلي ولكن أحس أني لن أدخل الجنة وأن الله سيعاقبني ولا أنام الليل والحمد الله أنا محافظ على صلواتي، ولكن أحس بخوف كثير في حياتي وأرهق نفسي كثيرا من شدة الخوف والحمد الله أخرج الزكاة وأنا لا أملك أي شيء سوى الإيمان، ولكن أحيانا والله أترك صلواتي لأسباب تافهة مثلا عندما أذهب بزوجتي إلى المستشفى يذهب علي الفرض في جماعة وعندما أعود إلى البيت أبكي وأحيانا في بعض الصلوات مثل صلاة العشاء عندما يقرأ الإمام أبكي كثيرا عندما أستمع إلى القرآن ولا أستطيع أن أمسك نفسي وأنا في حالة يرثى لها، إنني أسكن في شقة بـ2500 ريال وراتبي 3900 ريال والله العظيم لا أنام الليل أبكي طول الليل ولا أعرف ماذا أفعل أخاف من السفر إلى أي مكان ذهبت إلى الحج واعتمرت مرتين والحمد الله
ولكن أنا خائف من الموت وخائف أن يعذبني الله ولا أريد عذاب القبر وخائف من أول منازل الآخرة، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تحسن الظن بربك وأن تثق به، فإنه لا يعذب من وقف عند حدوده وفعل أوامره واجتنب نواهيه، قال الله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا {النساء:31} ، وقال أيضاً: وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43} ، أي بسبب عملكم الصالح في الدنيا.
فإن كنت ممن هدى الله قلبه واستقام على أمره تعالى، فليكن رجاؤك في الله أنه لن يعذبك، بل سيرحمك ويرزقك الفردوس الأعلى، فإن الجزاء من جنس العمل، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، وانظر الفتوى رقم: 59303.
ولا تتهاون أبداً في أمر الصلاة، واحرص على أدائها في جماعة، وإن كان ثمة تفريط من قبل، فاعقد العزم على عدم الوقوع فيه مرة أخرى، واعلم أن الخوف من الله ومن عذابه ينبغي أن يكون سبباً لاستقامة الجوارح، ومحفزاً على الاجتهاد في الطاعات، لا مقعداً عن العمل، فإنه بذلك سيتحول إلى وسوسة شيطانية، وانظر الفتوى رقم: 6603، والفتوى رقم: 22947.
وبالنسبة لخوفك غير العادي من السفر، فينبغي أن تستشير فيه أحد المختصين بالطب النفسي أو مراسلة قسم الاستشارات في موقعنا (الشبكة الإسلامية) فعسى أن يكون عند القائمين عليه حلولاً لمثل حالتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1426(9/5115)
الله أرحم بالعبد من الأم برضيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 30 سنة وأنا حطام، لم أر في حياتي غير الهم، نشأت ضعيفا وجبانا وسخيفا أولا بسبب الوراثة ثم قضيت طفولتي محصورا في بيتنا بسبب الخجل المكبل والخوف من الناس وغباوة الوالدين، لا يعرفون حتى أن يربوا فروجة، في كل مرحلة من عمري وفي كل مكان بدون استثناء ساق لي القدر أناسا كلابا تفطنوا لضعفي وعجزي فجعلوني مسخرة وآذوني وأنا أتألم ثم أتألم مرة أخرى وأنا أرى نفسي أهان ولا أقدر على رد الأذى، أخيرا لما قررت وضع حد لكل هذا أصابني ألم فظيع في الرأس مصحوبا باضطراب نفساني دائما وعودة الذكريات المؤلمة من الماضي فيعجزني الألم عن كل شيء مفيد، الآن أنا لا أصلي لا أشتغل لا أتعلم لا رياضة لا أخرج من المنزل لا أكلم أحدا الألم فظيع، تداويت عند كثير من الأطباء وآخرهم لـ 5 سنوات ولا نتيجة، تداويت بماء زمزم بالدعاء والصلاة بالقرآن بالأعشاب، دعا لي الناس في العمرة ولا شيء، صرت أتمنى من الله أن يأخذ عيني ورجلي ويدي أن يعيشني تحت خط الفقر وفي الزبالة المهم أن يتوقف الألم وهذه الحياة الرخيصة، تمنيت أن أموت وأصير إلى العدم ولا جنة ولا ثواب ولا نعيم، ولم أر شيئا، كل ليلة أتمنى أن لا أفتح عيني مرة أخرى، تنتابني دائما أفكار أن الله لا يباليني باله ولا يهتم لأمري ويمقتني ولا يسمع مني، أنا منهك وتعبان وقرفت من الحياة قرفا شديدا، لا أدري حتى لماذا أكتب إليكم وأنا لم أعد أتوقع شيئا، برغم إيماني الشديد منذ نعومة أظفاري حاولت مرة الانتحار وفشلت مثلما فشلت في كل شيء في حياتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يراك، وهو مطلع على حالك، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، وهو أرحم بك من الأم برضيعها، ولكنه تعالى يبتلي العباد ببعض الأقدار المؤلمة لحكم يعلمها، ومنها: أن يفزعوا إليه، ويلجؤوا إلى ركنه، قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ {الأنعام:43} ، وهو مع ذلك يرفع درجات المؤمنين الصابرين منهم ويكفر عنهم خطاياهم، وإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الأجر من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم!! فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي، وانظر الفتوى رقم: 15197.
ولك في رسل الله تعالى والصالحين من عباده المؤمنين أسوة حسنة، فقد أصيب كثير منهم بأشد البلاء وصبر أجمل الصبر فكان عاقبة ذلك أجمل، ولتعلم أن الله سبحانه قد من عليك بأعظم نعمة، وهي الاهتداء لدين الإسلام الذي لا نجاة في الآخرة إلا لأهله، وما حباك به من نعمة السمع والبصر والكلام والمشي وغير ذلك، فأحسن الظن بربك وثق به.
وحاول أن تخرج من ذكرياتك القديمة المؤلمة بأن تجدد حياتك، وإن كنت قد ابتليت بزملاء دراسة آذوك ولم يراعوا نفسيتك ولم يتقوا الله فيك، فإن بإمكانك اتخاذ أصدقاء جدد يحبونك في الله، ويأنسون بصحبتك وينصحونك بفعل الخيرات، ولن تجد منهم إلا كل احترام وتقدير ورعاية، وهؤلاء القوم الصالحون من القلة والندرة بمكان، ولكنهم موجودون، وهم أصحاب القلوب الكبيرة المطمئنة، المستقيمون على أمر الله، وتجدهم في مواطن الخير كالصفوف الأولى في الصلاة ونحو ذلك، ففتش عنهم، وانتظم في سلكهم، فإن اتخاذ الرفقة الصالحة الجديدة هو من أهم الخطوات في طريق علاجك.
ولقد أخطأت عندما انقطعت عن الصلاة التي هي صلة بينك وبين الله، في حين أنك في أمس الحاجة لعونه سبحانه حتى يرضى عنك ويخرجك من الحالة التي أنت فيها، فتب إلى الله وأد ما افترضه عليك، فإن الحياة بغير الله سراب، والله غني عنا وعن صلاتنا، في حين أننا فقراء إليه، وأحوج شيء إليه سبحانه.
أما الألم البدني الذي تشعر به، فإن له علاجات مع الصبر واليقين والتوكل على الله، ومن أهم هذه العلاجات، تناول العسل وتناول الحبة السوداء، والحجامة، وشرب ماء زمزم بنية الاستشفاء، وكذلك الرقية، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 49953، 13449، 19900، 45335، 19134، 13277، 1796.
وإن من أعظم الأدوية: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء سلاح المؤمن، وبه تندفع الأقدار المؤلمة، ولكنه لا ينفع العبد إلا إذا استوفى العبد شروط قبوله، ويكون أرجى في الإجابة إذا التزم الداعي آداب الدعاء وتحرى أوقات إجابته الشريفة الفاضلة، وانظر الفتوى رقم: 61490 فإنها تشتمل على فتاوى تبين ما سبق بشأن الدعاء، كما تدلك على أدعية مخصوصة تقال عندما تخشى تسلط شخص معين عليك.
واحذر أن تتمنى أن يبتليك الله بالأمراض، فما يدريك أنك ستصبر، بل اسأل الله العافية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن تؤتوا شيئاً بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فسلوا الله العافية. رواه النسائي في الكبرى وصححه ابن حبان.
واحذر كذلك أن تتمنى الموت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كان الوفاة خيراً لي. رواه أحمد بإسناد صحيح.
ولا تفكر في الانتحار، ولا تقتل نفسك، فإن عاقبة ذلك وخيمة، وانظر ما يجره الانتحار من البلاء في الفتوى رقم: 12722، وما تفرع عنها من فتاوى، أما والداك، فلا تشتد عليهما ولا تكثر من لومهما، وتأكد يقيناً أنهما لو كانا يحسنان أكثر مما أديا في تربيتك لفعلا، وإن كنت ترى أن ثمت تقصيرا، فلا ينبغي أن تقابله بجفاء معهما، فإن حق الوالد عظيم، وهو يلي حق الله تعالى، وقد تكررت وصاته سبحانه بالوالدين، ومن ذلك قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23} ، وإن كانا قد قصرا في حقك كما تزعم، فإن ذلك ليس مسوغاً لك لكي تقصر في حقهما، والله سائل كل امرئ عما أمره به وكلفه إياه، فتب إلى الله من العقوق، وتودد إليهما، واطلب منهما الدعاء، فإن دعوة الوالد لولده مستجابة، وفقك الله لكل خير، وصرف عنك كل شر، وشرح صدرك ونور قلبك وألهمك رشدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(9/5116)
الدنيا دار بلاء واختبار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشعر أني لا أثق بالله وأني أخاف من قدره فقد أصابتني ابتلاءات كثيرة حيث أصبح في قلبي وهن وضعف، والآن أعيش في ضيق نفسي كنت داعية للخير أقيم المحاضرات وبارة بوالدتي ولا أزكي نفسي، ولكن الآن بعد ما أصابني السحر مرتين وقدمت على الاستقالة ومرضت مرضا شديدا حار الآطباء في علاجي وأدخلت العمليات وأقيمت لي عملية جراحية بالمنظار وكان الطبيب في حالة اندهاش شديد على الرغم من أن الفحوصات لم تبين شيئا، وبعد العملية فقد كل شيء، أرجو منكم الإجابة، والآن أنا أخاف من قدر الله بشكل غير طبيعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وإن الجنة هي دار السعادة والأفراح، ولو كان هناك من يستثنى من البلاء في الدنيا، لكان الأنبياء، فلو أنك طالعت سيرة محمد خير البشر صلى الله عليه وسلم لوجدته ينتقل من ابتلاء إلى ابتلاء، فقد ولد يتيماً، وعاش فقيراً، وكذبه قومه، وأخرجوه من بلده، إلى غير ذلك من الابتلاءات، ولكنه صبر لأنه يعلم أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، وأن المرء يبتلي على قدر دينه، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الأجر مع عظم الابتلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم!! فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي، وانظري الفتوى رقم: 51946، والفتوى رقم: 15197.
فاصبري على ما أنت فيه، واحتسبي الأجر عند الله فستجدين عاقبة ذلك خيراً، واعلمي أن ما أنت فيه من الضيق قد يكون بسبب ضعف الإيمان، فإن الراضي بقضاء الله وقدره يجد سكينة في نفسه بعد وقوع البلاء، ويحمد الله على أن ما أصابه من البلاء ليس في دينه.
فثقي بالله وأحسني الظن به واعلمي أن أقدار الله كلها خير وإن كانت مؤلمة في ظاهرها، قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري ومسلم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم وغيره.
فاسلكي سبل زيادة الإيمان من استماع للقرآن وقراءته بتدبر، ومن مداومة ذكر الله، ومن شهود مجالس العلم والخير، وارجعي إلى دعوتك، وانصحي في الله، ولا تشمتي فيك الشيطان بانقطاعك عن خير كنت تؤدينه، وأما الابتلاء بالسحر، فإن له علاجاً، انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5856، 2244، 22876.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(9/5117)
الإصرار على الصغائر يصيرها كبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يشاهد الصور العارية للنساء ويحتفظ بها يتزوج بالحورالعين إن لم يتب على اعتبار أنها ذنب مثل أي ذنب وأنه يصلى والصلاة تكفر الذنوب؟
وهل الله يغفر الذنب الذي يصر عليه صاحبه بالصلاة والإكثار من الحسنات عل اعتبار قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مشاهدة الصور العارية للنساء والاحتفاظ بها من الأمور المحرمة قطعاً. دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة. وذلك لما فيه من إطلاق البصر فيما حرم الله، والذي يؤدي بدوره إلى الوقوع في الأفكار والخواطر الشيطانية.
والواجب على من وقع في مثل هذا الأمر أن يبادر إلى التوبة إلى الله تعالى قبل أن يفجأه الموت وهو على حالة لا يرضى عنها ربه. والتوبة تتحقق بترك الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الشريف.
وأما إذا لم يتب فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له، وزوجه الحور العين، وإن شاء عاقبه وحرمه من ذلك. والمغفرة والعقاب هما من الأمور الغيبية التي لا يمكن التحقق مما سيقع منها قبل الوقوف بين يدي الله يوم القيامة.
والإصرار على الصغائر يصيرها كبائر، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
ومع ذلك، فلا أحد يستطيع الجزم بأن المصر على الذنب لا يغفر له. لأن المحقق أن الذي لا يغفر من الذنوب دون توبة إنما هو الشرك فقط. وكل ما سواه داخل في المشيئة، يمكن أن يغفر لصاحبه، ويمكن أن لا يغفر له. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 116}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(9/5118)
صدق اللجوء إلى الله لكي يدفع البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة متزوجة أعيش في جزيرة أوروبية منذ 4 أعوام، وكنت غير ملتزمة بشكل جيد أصلي فرضا وأترك آخر وأحس بأني إنسانة كافرة ومنافقة خاصة عندما أقرأ القرآن أحس بأن آيات النفاق تنطبق علي، ومنذ ثلاثة أشهر بدأت لا أقطع فرضا وأقرأ القرآن كل يوم جزءا وأسمع سورة البقرة والرقية الشرعية الموجودة في كتاب الصارم البتار وعن طريق الإنترنت أستمع لللأذان فأحسست بأشياء غريبة تحصل لي وهي عيني اليسار تنغلق لوحدها وأكز على أسناني بشكل قوي وترتفع أصبع التشهد لوحدها وتنغلق يدي الشمال بكاملها وأشعر بأن طرفي الشمال بأكمله من رأسي حتى قدمي بوجود شيء داخله كل ذلك يدل على وجود مس من الجن، السؤال: هل أكمل ما بدأت فيه أم أتوقف عن قراءة القرآن خوفا من أن أصاب بالصرع ولا يوجد إنسان أعتمد عليه معي ليساعدني في إخراج هذا البلاء من جسدي وأخاف على أولادي أن يصيبهم أذى مني وهل إذا داومت على قراءة القرآن يخرج هذا البلاء مني دون أن أصرع أو يلحق شر بأهل بيتي وهل أنا كافرة أو مشركة مع العلم بأني متضايقة جدا لما يحصل معي لوجود المشاكل الدائمة بيني وبين زوجي لأني أحس أنه غير سعيد معي أثناء إقامة العلاقة الزوجية، وأيضا تسببت هذه المشكلة بإفساد حياتي الاجتماعية أرجو أن تساعدوني وتقدموا لي الحل المناسب؟ وجزاكم الله الأجر والثواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يمن عليك بالشفاء العاجل وأن يغير حالك إلى أحسن حال، ونقول لك لقد أحسنت أيما إحسان حينما حافظت على الصلاة وتلاوة القرآن والرقية الشرعية، ونوصيك بالصدق والإخلاص في ذلك وكثرة اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والمحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ ودخول الخلاء والخروج منه، وكذا المنزل وغيرها من الأذكار المقيدة والإكثار من عموم ذكر الله، وحسن الظن به، فإن الله يقول في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء. فمن ظن أن ما أصابه من الله وأنه لحكمة وابتلاء فصبر ورضي بما أصابه ولجأ إلى الله في أن يكشف ما به واعتقد يقينا أن الله هو كاشف الهم ومزيل الكرب والغم وبيده كل شيء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولكنه يبتلي بعض عباده ويمتحنهم ليرفع من درجاتهم ويعلم مدى صدقهم في عبادتهم لربهم وتمسكهم بدينهم فإن الله تعالى سيحسن عاقبته بإذن الله سبحانه.
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن ترك الصلاة وقراءة القرآن والذكر يزيد من تمكن المس ولا يدفعه فاحذري من هذا فهو من كيد الشيطان ومكره وخبثه وحاولي أن تستعيني بأحد الذين يحسنون الرقية إن تمكنت من ذلك واشرحي وضعك لزوجك وأولادك بطريقة مناسبة ليعينونك على دفع هذا البلاء، عجل الله بشفائك إنه على كل شيء قدير، وراجعي الفتوى رقم: 4310، والفتوى رقم: 4678، والفتوى رقم: 20491.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(9/5119)
علاج القلب المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 23 ربيعاً أريد معرفة كيف يمكنني أن أحيي قلبي الميت عن طاعة الله والإقلاع عن الخبائث والمحرمات بشكل نهائي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن القلوب ثلاثة: قلب سليم، وقلب مريض، وقلب ميت، وإن القلب الميت لا حياة فيه، وصاحبه لا يبالي بربه ولا بأمره ونهيه، فلعل القلب الذي لا يزال صاحبه يسأل عن كيفية صلاحه هو القلب المريض.
هذا، وإن من أهم أسباب علاج القلب المريض: القضاء على أسباب علته بالتوبة النصوح من البدع والمعاصي وأنواع المخالفات، وفي المقابل مده بأسباب قوته من الإيمان وأنواع الطاعات، ثم حمايته بكثرة الاستغفار.
وانظر شروط التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي في الفتويين: 5450، 9694.
ومن أهم أسباب حياة القلب أيضاً: إدمان النظر في كتاب الله تعالى، وتدبر آياته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57} .
ومن أسباب حياة القلب أيضاً: ذكر الله تعالى كثيراً، ومن أعظم ذلك الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم ونحو ذلك، وتجدها وغيرها في كتاب: (حصن المسلم) للقحطاني، فاحرص على اقتنائه.
ومن أسباب حياة القلب أيضاً طلب العلم النافع، إذ به يعرف العبد ربه تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويعرف افتقاره إليه ومدى حاجته إليه، وما أعده لمن أطاعه واتقاه وما توعد به من خالف أمره وعصاه، فالوقوف على ذلك يجعل العبد يخشى الله ويتقيه حق تقاته، فانضم إلى حلق العلم في المساجد والمراكز الإسلامية واستمع إلى الأشرطة الدينية.
ومن أسباب حياة القلب أيضاً: الدعاء بأن يحيي الله قلبك ويشرح صدرك ويلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك.
هذا، وننصحك باتخاذ رفقة صالحة مؤمنة من أصحاب الوجوه المتوضئة، فإن صحبة الصالحين تغري بالصلاح وإن الصاحب ساحب والطباع سراقة، ففتش عن هؤلاء الصالحين وانتظم في سلكهم واشترك معهم في أنواع الطاعات، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وإنك إذا اجتهدت في تحصيل الأسباب السابقة، فنرجو أن يصلح الله فساد قلبك وأن يرزقك الإيمان والتقوى، فإن ثمرة المجاهدة هي الهداية، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69} .
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 6603، 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(9/5120)
كفارة رمي ما فيه لفظ الجلالة في سلة المهملات
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع المفيد.... والذي فيه من الفائدة والنفع الشيء الكثير. جعله الله في ميزان حسناتكم.
أريد أن أستشيركم في حادثة حصلت لي منذ فترة وهو أن أحد الأشخاص أعطاني مذكرة طلب منى مدارستها ,
ويوجد بها بعض الأحاديث والآيات القرآنية وشروحها والأحكام المبينة لها ... ولقد استفدت منها.وعند الانتهاء منها وضعتها في السيارة لفترة من الزمن ...
وعندما قمت بتنظيف السيارة قمت بإلقائها بسلة المهملات بجهل منى أو من استغفال لي من الشيطان!
ومن وقتها بدأت الأمور تتدهور وتضيق علي وبعض الأبواب توصد علي وتغلق.
نسيت هذه الحادثة ولم أتعلق بها ولكن تذكرتها عندما حدثت لي نازله فقلت في نفسي هذا جزاء ما اقترفته يداي..
وأنا أقول هل الذي فعلته له علاقة بالذي حصل لي ... أم هي إيحاء من الشيطان ... أو ... أو!!
لا أعرف؟ وأنا أندم على ما أقدمت عليه. فهل من طريقة أكفر بها عن هذا الخطأ.. أرجوكم إفادتي.... من أجل أن أرتاح وأبعد عن نفسي هذه الأوهام والهواجس. لأنني أتجرع كأس الهم والحزن والضيق.
آسف على الإطالة.
وتقبلوا موفور الصحة والعافية.
ملاحظه:- أرجوكم الإجابه بسرعة لأن الأمر هام
... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز رمي الأوراق التي تحتوي على اسم الجلالة أو آية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما له تعلق بالدين في سلة المهملات أو مكان الأوساخ لما في ذلك من امتهانها. والواجب على المسلم أن يحفظ ما في يده مما يتضمن اسم الله عز وجل، أو ما له تعلق بالدين حتى يدفنه في مكان محترم أو يحرقة.
واعلم أنه قد ثبت أن فعل المعصية قد يورث صاحبها حرمانا وتعاسة في عيشه. قال عليه الصلاة والسلام: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وحسنه السيوطي.
وليس لما فعلته من كفارة سوى التوبة النصوح. فقد روى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. [حسنه ابن حجر] . وتواترت النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن التوبة المستوفية شروطها المعروفة تخلص صاحبها من جميع الذنوب، ومن أصرح هذه النصوص قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
فبادر إلى التوبة، ولا تقنط من رحمة الله. ولتكن نيتك بالتوبة التقرب إلى الله وطلب مرضاته، لا أنك تريد حل بعض المشاكل الدنيوية. روى البيهقي بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت مرفوعا: من كان همه الآخرة جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كان همه الدنيا فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(9/5121)
التوبة من ملاحقة الشاذين
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي العزيز أنا أريد التوبة، لقد ابتليت بملاحقة الشاذين جنسيا حتى أنني وقعت متلبسا في يد رجال الأمن ومعي أحد الشاذين جنسيا والطامة الكبرى أن الذي أمسك بي من رجال الأمن يعرف أبي هذه الكارثة التي لا تفارق خيالي والكارثة الأخرى أن ابن عمي يعمل مع هذا الشخص وهذه كارثة أخرى كيف يا إخواني أستطيع تجاوز هذة المرحلة العصيبة التي أخشى من خلالها من الفضيحة على الرغم أنني أحاول التوبة، والرجوع إلى الله بعد تلك الفضيحة التي شغلت بالي ولم ترحه ولم تجعلني أهنأ بعدها، وجعلتني أخاف من مواجهة ابن عمي حيث أنني أصبحت انطوائيا وأتمنى الموت لكي لا أنفضح أتمنى وقفة صادقة منكم في محنتي هذه العصيبة التي اعتبرها ضربا من ضروب الخيال ولا أدري كيف تحققت على أرض الواقع، يالها من كارثة، أصبحت شارد الذهن غبيا في معظم تصرفاتي لا أفهم جيدا عكس السابق أصبت بغباء شديد لدرجة أن من حولي بدؤوا يشككون في مقدرتي العقلية ويجاملوني في معظم الأحيان إنني في معظم الحالات البسيطة لا أستطيع حلها والسبب بعد تلك الفضيحة اللعينة التي أتمنى أن يسترني الله بستره وأن يتجاوز عن سيئاتي بحسنات يا إخواني أنني أفكر جيدا بالالتزام حفظا لماء الوجه أفكر جيدا بالتوبة إلى الله التوبة التي طالما حلمت بها يا إخواني آمل من الله العلي القدير ثم منكم توجيهي حيث إنني أعاني ما الله به عليم أعاني حتى من الهمز واللمز أشك بنفسي أريد علاجا، أرجوكم أريد علاجا لو بمال الدنيا كله أرجوكم ساعدوني، أرجوكم انقذوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 62499.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1426(9/5122)
الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الشيطان، وإبليس، والجن, وكيف سيعرفون أننا سنفعل كذا وكذا، ثم يلهوننا عنه، وكيف لهم أن يتحكموا في أحلامنا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة للفرق بين الشيطان وإبليس والجن، فإنا نحيلك في إجابته على ما كنا أجبنا به في الفتوى رقم: 34887.
والشيطان لا يعرف ما سيفعله الإنسان لأن ذلك من الغيب، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 47080.
والشيطان عدو لابن آدم متربص به وهو يجري منه مجرى الدم، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وهو واضع خطمه على قلب الإنسان يوسوس له ويشغله عن العبادة والذكر.
وهو مع ذلك ليس متحكما فيه ولا في أحلامه، بل يضعف ويخنس كلما سمع ذكر الله، وينشط إذا نسي العبد الذكر، ففي الحديث الشريف: إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسي الله التقم قلبه. أخرجه أبو يعلى في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أنس رضي الله عنه، فعلى المسلم الاعتصام بذكر الله ليحصنه من الشيطان ووساوسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/5123)
تزيين الشيطان المعاصي للإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يعاتبنا ضميرنا بعد فعل المعصية ولا يعاتبنا قبل فعلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيطان يغري الإنسان بالمعصية ويزينها له ويخفي عنه عواقبها ويهونها عليه حتى إذا باشرها ووقع فيها تخلى عنه وتركه للندم والحسرة، قال تعالى مبينا دور الشيطان في إغواء الإنسان: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 43} وقال: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {الحجر: 39} وقال أيضا: كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام: 122} وقال سبحانه: زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ {التوبة: 37} . وقال: بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ {الرعد: 33} وقال في قصة بلقيس: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ {النمل: 24} وقال أيضا: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وقال تعالى عن كفار قريش يوم بدر: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ {الأنفال: 48}
هذا، وإن الله حكى لنا تبرؤ الشيطان من ابن آدم مع أنه هو الذي أغواه بالمعصية وزينها له. قال تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ {الحشر: 16-17} وقال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {إبراهيم. 22}
لكن بعد المعصية يعود الإنسان لفطرته ويشعر بعظم جرمه وفداحة ذنبه، فينسى لذة المعصية ويتألم ويندم ويتمنى أن لم يكن قد واقع تلك المعصية.
وهذه الحال من الندم والألم والانكسار بعد الذنب يمحو الله بها إثم المعصية، وذلك من واسع رحمة رب العالمين.
هذا، ولينتبه إلى أن إغواء الشيطان وتزيينه للمعاصي لا ينطلي على كل أحد، بل ينجو منه المتقون وأهل الإيمان الخالص، وإذا نسوا أو فرطوا فإنهم سرعان ما يندمون ويتوبون ويستغفرون ولا يصرون. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {الأعراف: 201}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/5124)
سبيل الوصول إلى درجة السابقين المقربين
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله تعالى في كتابه العزيز (والسابقون السابقون أولئك المقربون) ، ما السبيل للوصول لهذه المنزلة، مع الاختلاط مع الناس ومزاولة أعمال الحياة المختلفة يقع المسلم في الأخطاء والزلات إما بسبب الجهل أو النسيان أو ضعف استشعار التوبة والخشية، ما السبيل للتخلص من هذه الانحرافات والثبات على الطهر والنقاء والاستقامة وتقوى الله حق تقاته حتى الممات؟ وجزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم (أرجو عدم الإحالة) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللوصول إلى درجة السابقين المقربين لا بد للعبد من الاستقامة على دين الله بترك ما حرمه ونهى عنه، وفعل ما أوجبه وأمر به، قال صلى الله عليه وسلم: اتق المحارم تكن أعبد الناس. رواه الترمذي، وقال الله تعالى -كما في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه.... رواه البخاري.
هذا وإن للاستقامة على أمر الله أسباباً، منها: مجاهدة النفس وكفها علن المعاصي ومحاسبتها على تفريطها، ومراقبة الله تعالى واستشعار قربه ونظره، وانظر الفتوى رقم: 58477.
وكذلك كثرة الاستغفار والتوبة النصوح، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 9694، والفتوى رقم: 5450.
واعلم أن من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على دين الله اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المؤمنين المتوضئين، ففتش عنهم، وانخرط في سلكهم واعبد الله معهم واشترك معهم في طلب العلم النافع، فإن إخوان الصدق يتفقدون حالك، فيذكروك إذا غفلت ويعينوك على الخير إن ذكرت، وإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
هذا وللعروج في درجات المعالي لنيل درجة السابقين المقربين ينبغي أن تقوي صلتك بالله، فتكثر من دعائه، وتؤدي النوافل بعد الفرائض، وتجعل لك ورداً من كتابه سبحانه تقرؤه بتدبر وتأمل، وتذكره كثيراً في كل أحوالك، وتحافظ على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وعند النوم وبعد الصلوات ونحو ذلك، وهي مجموعة مع غيرها من الأذكار في كتاب (حصن المسلم) للقحطاني، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21032، 45849، 17666.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/5125)
الدنيا مزرعة الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في الثانوية العامة فقدت أملي، الوقت ضاع مني، فاضل شهر فقط أريد نصحي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ييسر لك الخير حيث كان، وأن يستعملك في نصرة الإسلام، واعلم أنه بإمكانك أن تستفيد مما بقي من أيام قبل الامتحانات إذا استعنت بالله وتوفرت على المذاكرة، وقطعت عنك الشواغل والعلائق التي تصرفك (ومن ذلك تصفح المواقع على الإنترنت) .
وإن أهم نصيحة ننصحك بها أن تحفظ الله جل وتعالى في السر والعلن، فلا يطلع منك سبحانه على ما يغضبه، ولا تفرط فيما أمرك به، وإن من أهم الواجبات الصلاة على وقتها وبر الوالدين، ثم استعن بالله ولا تعجز، واصنع جدولاً للمذاكرة مقسماً على أيام الأسبوع، وإن أفضل وقت للمطالعة هو البكور بعد صلاة الفجر، ونم مبكراً لتستيقظ نشيطاً.
والجأ إلى الله تعالى وتوكل عليه، وأكثر من دعائه، فإن الله لا يعجزه شيء، والتمس في دعائك أوقات الإجابة الشريفة، وانظر آداب الدعاء وشروط قبوله وأوقات إجابته الفاضلة في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655، 8581.
فإذا بذلت الوسع في المذاكرة ولم تحصل ما ترجو من المعدلات، فلا تحزن ولا تبتئس، واستفد من أخطائك في هذه التجربة، واستصحبها في العام القادم، فتبدأ بداية قوية حذراً من أن تقع في سلبيات العام الذي لم توفق فيه.
هذا وإن الشأن في المسلم أن يكون حازماً في جميع أمره، ومن ذلك الدراسة النظامية إذا التحق بها، فإنه يأخذ أمرها بجدية ويعد لها العدة، ومع ذلك فإنه يجعل الآخرة نصب عينه، ولا يجعل الدنيا وشهاداتها ورتبها تفتنه عما كلفه الله تعالى به وخلقه لأجله، بل يجعل الدنيا مزرعة وطريقاً للآخرة، ويحتسب جهده فيها، ويحمله من النوايا الحسنة الشيء الكثير.
فإن العبد إذا جعل الآخرة أكبر همه، كفاه الله أمر دنياه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره في عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والألباني، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 43215، والفتوى رقم: 57639.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/5126)
الدعوة إلى الله في ظل الفتن وظهور الفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[في زمن الهرج والجاهلية النتنة الذي نحن فيه هل يتعارض حديث رسول الله
\" ... الزم بيتك واملك عليك لسانك وعليك بخاصة أمرك ودع عنك أمر العامة\" مع السعي في نفع الإسلام والمسلمين
أريد جوابا بالأدلة
أعرف أن منفعة المسلمين واجبة ولا يجب أن تكون اختيارية ولكن اليوم غير البارحة والحالة استثنائية
الأمور تغيرت والمفاهيم انقلبت والحالة مخيفة وخطيرة ولكن في نفس الوقت محزن جدا أن نرى الفساد له مسالك عديدة يعرّف بها نفسه بينما الإسلام لا يصل صوته بخلاف محاولات خجولة من هنا وهناك بين الفينة والأخرى ولا تصل حد الند للند مع الفساد المسيطر فكيف نتصرف؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا ريب أن الدعوة إلى الله تعالى فريضة عظيمة وفضيلة وقربة إلى الله تعالى. قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104}
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.. الحديث.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغو عني ولو آية.رواه البخاري وغيره.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب.. وهو في الصحيحين وغيرهما.
ويقول: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. أخرجه الإمام مسلم.
فهذه النصوص الشرعية تدل على حتمية بذل المسلم ما تيسر من الوسائل في تعليم الناس الخير ودعوتهم، وقد تيسر في هذه الأيام من وسائل الاتصالات والإعلام ما لم يكن معروفا في السابق، فاحرص على عمل ما تيسر لك من كلمة تذكرها أو مقالة تكتبها أو رسالة عبر الجوال أوالإنترنت تنشرها، فإن القيام بنصر الدين والتعاون مع العاملين له والاتصال بهم ولو عن طريق وسائل الاتصال إن تعذر لقاؤهم هو أنجح الوسائل للاستقامة على الدين وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم. وقال عنه شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن. فلا تيأس ولا تتوان في نصر دينك حسب طاقتك، واعلم أن الله ناصر دينه وأن أمامك بشائر لم تتحقق بعد، فجولة الباطل ستضمحل بإذن الله تعالى، ولا تغفل عما نشاهد الآن من استجابة العصاة وتوبتهم ودخول الكفار الأصليين في الإسلام، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31768، 32949، 17982. ولا تتأثر بالابتلاء الواقع في بعض البلدان، واجعل من التعوذ بالله حصنا لك.
وأما الحديث المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة. رواه أحمد وأبوداود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فإنه يحمل على ما إذا لم يوجد مصغ للخير ولا معين على الدعوة إليه، وأما إن علم انتفاع الناس به أو أمكنه التعاون مع غيره فإنه لا تسوغ له العزلة، بل عليه مخالطة الناس والصبر على أذاهم
فقد روى أصحاب السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم
وفي حديث الصحيحين عن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم: قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
وقد أخرج الحاكم بسنده عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة عن هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة: 105}
فقال أبو ثعلبة: لقد سألت عنها خبيرا أنا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ثعلبة مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، ورأيت أمرا لا بد لك من طلبه، فعليك نفسك ودعهم وعوامهم، فإن وراءكم أيام الصبر، صبر فيهن كقبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين يعمل مثل عمله، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
قال صاحب عون المعبود في شرح الحديث: الزم أمر نفسك واحفظ دينك واترك الناس ولا تتبعهم، وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/5127)
لن يعدم المرء من أخي صدق يؤاخيه في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مثل صاحب الفتوى رقم 12722، حيث الدنيا غير الدنيا ليست هناك صداقة إلا بمصلحة، لا يوجد الصديق الذي تبوح له بما لديك، فإذا كان الشاب يريد التعرف إلي فيوجد إيميلي لديكم لإعطائه له لأنه يمكن أنا الشخص الذي فقده في الدنيا وأنا أيضا كذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أنِس بالله لم يفتقر إلى غيره من البشر، فماذا فقد من وجد الله؟ ولقد كان السلف رحمهم الله يؤثرون العزلة عن مخالطة أقوام بطالين يغتابون الناس، قال نعيم بن حماد: كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! (ويقصد أنه مع أحاديثه صلى الله عليه وسلم وأخباره وأيامه) ، وقال شفيق بن إبراهيم قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لم لا تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين، قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم، فما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس!!
ومع ذلك فإن في الناس خيرا، ولن تعدم أخا صدق تؤاخيه في الله، ولكن إخوان الصدق قليلون ويحتاج البحث عنهم إلى جهد وصبر وأناة، وإن مظان وجودهم المساجد والصفوف الأولى في الصلاة ومواطن الخيرات عموماً.
هذا وإننا ننصحك أن تحرص على ما ينفعك في دنياك وآخرتك، فاطلب العلم النافع، واستمع إلى الأشرطة الدينية وغير ذلك، وانظر الفتوى رقم: 55900 وما تفرع عنها فإن فيها صفة الصديق الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5128)
الفرق بين الرياء وبين التحدث بنعم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفي نستطيع أن نفرق بين الرياء وبين التحدث عن نعم الله علينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرياء قد عرفه أهل العلم بأنه طلب ما في الدنيا من جلب منافع أو دفع ضرر أو تعظيم أو إجلال بالعبادات، والرياء ضد الإخلاص، والإخلاص: أن تقصد بعملك وجه الله، والرياء مشتق من الرؤية وهو أن يعمل ليراه الناس، والسمعة مشتقة من السمع وهو: أن يعمل العمل ليسمعه الناس.
وأما التحدث بنعم الله فهو من تمام شكر النعم، وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعلا: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} ، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره.
قال ابن العربي: إذا أصبت خيراً أو علمت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ...
وقد تبين مما ذكر أن بين الرياء والسمعة وبين التحدث بنعم الله بونا بعيداً جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5129)
هداية اللوطي وتوبته إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ثواب جعل اللوطي يوقف فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مرادك السؤال عن ثواب من قام بدعوة اللوطي حتى توقف عن اللواط، فإن ثواب الداعي الهادي الدال على الخير هو ما بينه حديث البخاري ومسلم: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
وحديث مسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
وإن كان مرادك السؤال عن جزاء اللوطي نفسه إذا تاب وتوقف عن هذا الفعل الخبيث فجزاؤه توبة الله عليه ورحمته، كما قال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وقال في توبة الزاني والقاتل: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5130)
هجر العصاة والمنحرفين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه من يقاطع أخياه المسلم يحبط عمله، وأنا لي صديقان قد قمت بمقاطعتهما لأسباب لا داعي لذكرها وهما مسلمان، حاولت المستطاع أن أجعلهما يقبلان على الصلاة والأمور الأخرى، الأول لا يؤمن بالله والآخر يؤمن بالله عز وجل وبكتابه، ولكنه يقول إنه سيزني ما استطاع وأن الشيطان هو فقط تعبير عن الشر، وإن الله سيغفر له لأنه إنسان جيد
فهل مقاطعتهما تحبط العمل، وأيضا سمعت للشيخ الطنطاوي ربما كان يذكر حديثا قدسيا أن الله عز وجل قال: أنه إن كان عبده غير راض فإنه سيجعله يجري جري الوحوش ثم لن يعطيه إلا نصيبه, وأعتقد أن هذا ما يحصل لي, فأنا غير راض عن وزني وبنيتي العضلية ولـ 9 سنوات متتالية وأنا أمارس الحديد وأمارس الرياضة وبعد عدة ظروف وإصابات إذا نظرت إلي وكأني لم أرفع ريشة في حياتي كلها، وهذا يجعلني حائرا بين القعود عن المثابرة هل هو رضا، والجهد والذل ومحاولة التحسين هل يعتبر سخطا والعياذ بالله، فأنا أصلي منذ عدة أشهر فقط، وانا أخجل من جسدي ولم أدخل المسجد في حياتي، وأنا أتمنى أن أحسن جسدي حتى أصلي في المساجد فتلك أمنيتي، أرجو الإجابة؟ ولله الحمد، ونشكركم على الجهد المبذول.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاهتمام بتعلم علوم الشرع والسعي الجاد في حملك نفسك على الصلاة في المسجد، فإن أعظم ما يتعين على المسلم وقايته نفسه من النار، واحرص على هداية من تلقاه ومن تعرفه من الناس لما ثبت في الشرع من تأكيد التواصي بالحق والصبر والتناصح بين المسلمين.
ويتعين عليك عدم مصاحبة هذين الصديقين، ألا إذا أيقنت أنك لن تتأثر بهما سلبا وإنما ستؤثر عليهما إيجاباً، وقد سبق أن بينا حكم هجر العصاة والمنحرفين وعدم ثبوت الحديث الذي فيه: لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية.... في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1642، 7119، 23920، 18340.
فعليك بتحسين حالتك الدينية أولاً وقبل كل شيء، وعليك برعاية حالتك الصحية وتكوين جسمك واستعن بالله واذكر اسمه عند الأكل والشرب والدخول، ولا تجعل ما تحسه من جسدك عائقاً دون حضور الصلاة في المسجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5131)
ترك مصاحبة شاربي الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب أتعلم في إيطاليا وتعرفت على أصدقاء من هنا ويشربون الخمر ومع الزمن بدأت خطوة خطوة أن أشرب معهم، وأنا أصلي أريد تركهم، ولكن لم أقدر لأنهم أصبحوا أصدقائي لآخر درجة، ولكني أريد أن أترك شرب الخمر، فماذا أستطيع أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما حصل لك مظهر من مظاهر النتائج السلبية لمخالطة رفقاء السوء والسكن في بلاد الكفر، فيجب عليك البعد عن أصدقاء السوء واستبدالهم بصحبة طيبة، والحفاظ على الصلاة في المسجد، والاستعانة بالله وطلب العون منه في صرف التعلق بالخمر وأصحاب السوء عن قلبك.
وأكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وتلاوة القرآن بتدبر، واشغل وقتك بما ينفع. وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 31200، 2007، 9163، 31768، 20888، 8001، 57174.
وأما دعواك عدم استطاعة تركهم فهي دعوى مرفوضة فما الذي يدفعك للتمسك بهم المفضي لمعصية الله، فهل هم الرازقون أو الحافظون، ألا تذكر أنك ستموت أو يموتون فتفارقهم نهائياً.
ففراق هؤلاء الذين جرتك صحبتهم للمعاصي واجبة، ويتعين فراقهم إذا كانوا كفاراً، ولا تنسى أن القاتل مائة نفس لما استرشد العالم عن التوبة أكد له ضرورة البعد عن أرض السوء والذهاب إلى أرض يوجد بها رفقة صالحة يعبد الله معهم، وراجع الفتوى رقم: 10263، والفتوى رقم: 59669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5132)
طريق الوصول إلى رضى الله ورضى الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاصل على دبلوم تجارة 2000 وإنسان فاشل لا أعرف ماذا أريد كل أمل حياتى أنى أشتغل سائقا ويكون ربى وأمي وأبي راضين عنى لكن لا أعرف السبب في أن الكل خائف من أن يساعدنى أريد أن أكون ملتحيا ومن أهل السنة ولا أريد أن أكون إنسانا سافلا ومنحطا أرجو منكم حلا عمليا لإنقاذى من هموم الدنيا التي غرقت فيها؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بفاشل من وضع لحياته هدفا، ثم سعى في تحقيقه، وأنت جعلت رضا الله عنك ورضا والديك من أهداف حياتك، ولكي تصل إلى رضوان الله عليك بالاستقامة على دينه بفعل ما أوجبه الله تعالى عليك والانتهاء عما حرمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اتق المحارم تكن أعبد الناس. رواه الترمذي. وقال الله تعالى كما في الحديث القدسي: ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليه بالنوافل حتى أحبه ... رواه البخاري.
وهنالك أسباب للاستقامة منها: طلب العلم النافع، فالتحق بحلقات العلم في المساجد، وداوم على شهود الخير، وأكثر من استماع الأشرطة الدينية فإن فيها خيرا كثيرا.
ومنها أيضا: أن يكون لك ورد ثابت من القرآن يوميا تقرؤه بتدبر وحضور قلب.
ومنها: أن تحافظ على ذكر الله مطلقا وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وعند النوم ونحو ذلك، وتجدها وغيرها في كتاب" حصن المسلم" للقحطاني.
وإن من أهم أسباب الاستقامة أن يكون لك صحبة من الشباب الصالحين المتوضئين ففتش عنهم وانخرط في سلكهم واعبد الله معهم، فإنك إن غفلت ذكروك، وإن ذكرت الخير أعانوك على أدائه. واعلم أن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
ثم عليك بدعاء الله وسؤاله الخير، والتمس أوقات الإجابة مثل ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وعند الفطر إذا كنت صائما ونحو ذلك. وانظر الفتوى رقم: 1208.
هذا، ولكي يرضى عنك والداك عليك ببرهما وطاعتهما في المعروف، والإحسان إليهما، والتأدب عند الحديث معهما، والدعاء لهما ونحو ذلك.
واعلم أن عدم الحصول على عمل أو وظيفة ليس دليلا على الفشل، فهذا أمر بتقدير الله، وانظر الفتوى رقم: 17217. واسأل الله كثيرا أن يوسع رزقك وأن يغنيك من الناس، واعلم أنك إن اتقيت الله بارك الله في رزقك وإن كان قليلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5133)
جدد إيمانك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن \"تجديد الدين\"؟ أفيدوني جزاكم الله عني خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل السؤال عن تجديد العبد لإيمانه فقد ثبت فيه أحاديث منها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الطبراني في الكبير. وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن.
ومنها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله. رواه أحمد والحاكم والطبراني، وحسنه العجلوني في كشف الخفاء. وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات. وضعفه الذهبي لوجود صدقة بن موسى في سنده، وهو ضعيف.
وإن كان مراده السؤال عمن يجدد لهذه الأمة أمر دينها فقد سبق الكلام عليه في الفتوى رقم: 35667.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/5134)
التوبة من إلصاق السرقة بالخادمة ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أسرق المال من والدي وعندما اكتشف أبي ذلك خفت فخبأت المحفظة عند الخادمة فقام أبي بتفتيش خزانه الخادمة ووجد صورا لنا نحن البنات وصور بنات الجيران وجميعنا تفاجأنا وأيضا وجدنا صورا لها وهي في غرفة السائق وبذلك اكتشفنا أنها عملت الحرام معه وأيضا أبي علم أنها هي من كانت تسرق المال, ولم أستطع أن اعترف فسجنت الخادمة لجميع هذه الأسباب والآن لا أعرف مكان الخادمة ولا أستطيع أن أخبر والدي بالحقيقة وأنا تبت إلى الله فماذا علي أن أفعل؟ وقد حدث هذا قبل سنتين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على التوبة نسأل الله تعالى أن يثيبك وأن لا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب.
وأما الواجب عليك فيما ذكرته فهو أن تبحثي عن تلك الخادمة إذا أمكن وجودها، وتطلبي منها المسامحة وتترضيها فقد أسأت إليها وكنت السبب في هتك ستر الله عليها، وأما إذا لم يمكن ذلك فلتتوبي إلى الله ولتستغفريه مما كان، ولتطلبي من والدك المسامحة عما أخذت منه بدون إذنه فإنه سرقة ولو لم تذكري له الحادثة نفسها، ولا تعودي إلى تلك الأفعال أبدا، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 39952 والفتوى رقم: 8610.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(9/5135)
الجود بالنفس أقصى غاية الجود
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أعرف لو شخص فدى شخصا آخر بنفسه أي مات بدل منه في محاولة لإنقاذ حياته، فهل هذا يعد انتحارا أو حراما حتى لو كان هذا الشخص لا يمت له بصلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففداء الشخص شخصاً آخر بنفسه لا يعد انتحاراً، وإنما هو رتبة عالية من الإيثار، وقد وجدت منه لمحة في معركة اليرموك حكاها حذيفة العدوي بقوله: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي -ومعي شيء من الماء- وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه! آه! فأشار إلي ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول: آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. انتهى. رضي الله عنهم جميعاً.
وقد روى ابن الأعرابي مثل ذلك أيضاً عن عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وكانوا قد أتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه، فقد أتي عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمر ينظر إليه فقال: (ابدؤوا بهذا) ... فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال: ابدؤوا بهذا ... فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم.. .
ويقول أحد الشعراء في الجود بالنفس:
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود
والجدير بالملاحظة هنا أن الفداء بالنفس لا يعد انتحاراً إذا لم يفعل الشخص لنفسه فعلا يموت به، فلو أن شخصاً مثلا تبرع لآخر بأعضاء من جسمه تتوقف حياة المتبرع عليها، كالقلب والرأس ونحوهما، فإن ذلك حينئذ يعد انتحاراً، وقد علم من الأحاديث الصحيحة أن المنتحر خالد مخلد في النار، ففي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلداً فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلدا ًفيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(9/5136)
الطريق إلى استشعار عظمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستشعر الإنسان عظمة الله في كل شيء حتى لا يجرؤ على عصيانه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يعين على استشعار عظمة الله في القلب والبعد عن المعاصي الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر، والتأمل في أسماء الله وصفاته، والإكثار من ذكر الله بالتدبر لمعاني الأذكار، والنظر فيما في القرآن من الحديث عن أهوال القيامة وإهلاك الله وعقوبته لمن عصاه في الدنيا والآخرة، والتأمل كذلك في كتب السنة فإن فيها كثيراً من الأحاديث المخوفة من عقاب الله والمرغبة في طاعته والمبينة لعظمته وجبروته.
ومن أعظم ما صنف في هذا كتاب العظمة لأبي الشيخ، وكتاب الترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين، ويضاف إلى هذا مطالعة سير السلف أهل الخشية، ومصاحبة أهل الخير وملازمة مجالس العلم والبعد عن ضياع الوقت فيما لا يفيد، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 41016، 31768، 59332، 59484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(9/5137)
الابتلاء لا يدل بالضرورة على سخط الله على العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة منذ عامين أجهضت ولم أستطع أن أنجب بعد ذلك. أنا متعبة جدا من الناحية النفسية خاصة وأن كل المحيطين بي قد حظوا بهذه النعمة. أنا أحظى برضا الوالدين وحماتي، أخاف أن يكون الله غاضب عني. أرجو المساعدة.جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك رضا والديك عنك ورضا حماتك، وينبغي كذلك أن تسعي في رضا زوجك، فإن حقه عليه عظيم.
وأما ما ذكرتِه من الإجهاض فإن كان بفعلك دون عذر شرعي يقتضي ذلك فهو محرم وجرم كبير يجب عليك التوبة منه والندم عليه والعزيمة أن لا تعودي إليه؛ لما ذكرناه في الفتوى رقم: 2143، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 17939.
وأما إذا كان سقط بنفسه فلا إثم عليك في ذلك ولا حرج، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}
وننبهك إلى أن مجرد تتابع نعم الله على عبده ليس دليلا محضا على رضاه عنه، كما أن مجرد ابتلائه إياه ليس دليلا على سخطه عليه، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 31702 فلا تظني بربك إلا خيرا، ولتصبري على ما أصابك فإن الله تعالى قد أعد للصابرين أجرا عظيما، ومن ذلك الصبر على حرمان الولد لما ذكر في الفتوى رقم: 56479.
كما ننصحك بالتقوى، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. والإكثار من الاستغفار. قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح: 10-12} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(9/5138)
لا يؤاخذ الله أحدا بجريرة غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان خجول جدا ولا أستطيع مصارحة أقاربي بأخطائهم التي يقعون فيها من (معاصي لكنها بسبب ارتكاب بعض الأقارب لها مثل المعاكسات فمعروف -دقه بدقه ولو زدت لزاد السقا- وهذا دين) ، والله صدق ما يقال أنا الآن أرى هذه النتيجة، لكن ولله الحمد أنها ليست من أفعالي لكن من أفعال بعض الأقارب وأخشى أن نبتلى بسببهم، فما نصيحتكم جزاكم الله خيراً، علما بأنه من المستحيل لي أنا شخصيا أن أفاتحهم في الموضوع بسبب هذه الأفعال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يفعله أقاربك من معاكسات وغيرها معصية منكرة، والمعاصي نذير شؤم على أهلها وعواقبها وخيمة عليهم في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يعافينا والمسلمين أجمعين.
ولذا يجب على المسلم أن ينكر المنكر بكل ما يستطيع، ففي الحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فعليك أخي السائل أن تنكر على أقاربك هذه الأعمال وأن تتعاهدهم بالنصيحة المزينة بالآداب الشرعية، ولمعرفة آداب النصيحة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 13288.
وينبغي لك أن تعود نفسك وتجاهدها على التخلص من الخجل المذموم الذي يجعلك تسكت عن قول الحق فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأما الاعتقاد بأن من يزني لا بد أن يزنى بأحد محارمه فلا دليل عليه، وحديث: من زنى زني به ولو بحيطان داره. حديث موضوع، كما قال الألباني في السلسلة الضعيفة حديث رقم (724) .
وقولك هذا دين صحيح، ولكن معناه أنه دين على الفاعل نفسه يأخذه من اعتدي على عرضه يوم القيامة من حسناته إذا لم يسامحه، أما أن يكون القضاء من أهل بيته فلا، فالله سبحانه لا يؤاخذ أحدا بجريرة غيره، قال الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 25250، والفتوى رقم: 62381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(9/5139)
نصيحة الابنة لأبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أبعد أبي عن مشاهدة الأفلام الخليعة التي توجد فيها النساء العاريات،عندما أقول له على طريقة النصيحة يغضب علي كيف أستطيع أن أوصل له ذلك بطريقه لائقة من بنت لأبيها، أنا حزينة جدا من ذلك وخائفة عليه من العذاب، فهذا أبي أحبه جدا فالعين تزنى ماذا أفعل؟؟؟ أرجوكم ساعدوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي والدك، وأن يتوب عليه، وأن يثبتك على الهدى والصلاح فإن حزنك وخوفك على والدك دليل على تدينك وصلاحك، وأما كيف تبعدين والدك عن مشاهدة الأفلام الخليعة فبالنصيحة، قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه. فلا تيأسي ولا تنقطعي عن نصحه بشرط أن تكون النصيحة بأقصى ما يمكن من الأدب والتوقير والاحترم وأن لا تجر إلى إغضابه، وتراجع الفتوى رقم: 58137. ثم اعلمي أن الهداية بيد الله، قال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {القصص: 56} . فتوجهي إليه بالدعاء بأن يهدي والدك. ونرجو أنك إذا داومت على نصحه وعلى إنكار فعله وعلى عتابه ولومه وتحذيره من هذا الفعل أنه سوف يتأثر أو على الأقل سيستحي، لا سيما إذا كان هذا الإنكار من عدد أكبر من أفراد العائلة، هذا هو السبيل المتاح والأفضل، ومن الطرق شغل فراغ الوالد إن أمكن بأي عمل مباح، وإيجاد البديل عن هذه الأفلام بأفلام نافعة وهادفة. ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 9647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(9/5140)
هجرة الصديق ذي الأفكار الفاسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق مقرب إلى نفسي ولقد دامت صداقتنا لسنين طويلة, إلا أنه في الفترة الأخيرة اهتم بقراءة الكتب الغربية ودخل كلية فلسفة فتغير فكره وأصبح يخرج علينا بأفكار شاذة مضادة لما هو معروف في الدين, كان آخرها أنه يدعو إلى عدم فرضية الحجاب ولقد عرفت عنه العناد وقوة الحجة, فيصعب على رجل غير متخصص مثلي في الدين تصحيح أفكاره, بل إني على العكس أخشى من أن أفكاره الفاسدة تتسرب إلي, لهذا قررت مقاطعته, فهل مقاطعة مثل هذا الشخص حرام شرعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعي في هداية صديقك وتحصينه من الشبه التي يوردها الشياطين على قلبه انطلاقا مما شرعه الله من التواصى بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ السعي في ذلك أمر مرغب فيه شرعاً فينبغي أن تستخدم في ذلك مايمكنك. وإن لم تكن طاقتك العلمية تمكنك من مباشرة ذلك بنفسك فاستعن بمن يمكنه ذلك من المتخصصين ليجادل هذا الصديق بالتي هي أحسن، وأعره ما تيسر من الكتب والأشرطة النافعة في هذا المجال. وإن خشيت على نفسك من التأثر بأفكاره الشاذة فاحذر مجالسته فإن خليل السوء وجليس السوء قد يؤثر على صاحبه تأثيرا سيئا، كما في الحديث: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وفي الحديث: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك أما أن يحذيك وأما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك وأما أن تجد منه ريحا منتنة. رواه البخاري ومسلم. وراجع في هجره للمصلحة وحكم دراسة الفلسفة الفتاوى التالية أرقامها: 7119، 19998، 15514، 29417.
فقد بينا فيها مشروعية هجره
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(9/5141)
كفارة من أكل شيئا محرما عامدا أو غير عامد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم عربي عايش ببلد غير إسلامية أجنبيه، وكنت آكل بيتزا من أحد المطاعم الشهيرة ومعتاد أن آكل فيه وكنت أطلب البيتزا بدون لحم حتى لا يكون فيه أي شك وكنت أطلب معها صوص جبن وذات مرة أطلب طلبي المعتاد كان البياع عربيا لا يتحدث العربية وقال لي إن هذا الصوص يحتوي على بعض البورك يعني أجود أنواع لحم الخنازير حينما سمعت ذلك منه لم دخل هذا المطعم المشهور وعندما استشرت بعض الإخوة قالوا إنه يجب علي أن أصوم 3 أيام هل هذا صحيح؟ على العلم أني لم أكن أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس على المسلم إثم فيما حصل منه من غير تعمد، وقد قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] . وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه تعالى قال: قد فعلت. فرفع الله عز وجل عنا المؤاخذة بالخطأ. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه الطبراني بهذا اللفظ وصححه الألباني.
وبناء عليه فلا شيء عليك فيما فعلت. وقد أحسنت في تجنب ذلك المطعم الذي ذكرت من أمره ما ذكرت.
ولو افترضنا جدلا أنك كنت متعمدا هذا الفعل، فإنك به تكون قد ارتكبت ذنبا كبيرا، ولكن كفارة الذنب هي الاستغفار والتوبة الخالصة والندم على فعله، ولم يرد عن أهل العلم أن كفارة مثل هذه الذنوب هي صيام ثلاثة أيام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(9/5142)
العقوبة المالية عند عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال حول استعمال وسيلة من أجل الاستيقاظ لصلاة الفجر أقوم بها مع أربعة من أصحابي حيث اتفقنا على الالتقاء في أحد المساجد في صلاة الفجر وكل شخص لم يأت يؤدي ضريبة 5 دراهم وبعد جمع بعض المال نشتري به كتبا أو أشرطة ... ما حكم الشرع في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليكم فيما قمتم به من اتخاذ هذه الوسيلة للضغط على النفس للقيام بصلاة الفجر في الجماعة، وفيها نفع للغير ونشر للخير، ولا مانع يمنع من ذلك بشرط أن لا تضعف الهمة وتجعل الواحد منكم يتساهل الخمسة دراهم ويتخلف عن الصلاة تكاسلاً لكونه سيدفع هذه الدراهم، بل ينبغي أن تكون الهمة كبيرة للقيام بصلاة الجماعة مع وجود هذه الدراهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(9/5143)
الحذر الحذر من الرجوع للذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنوات كنت لا أصلي وعاص لله وأسمع أغاني وأشرب الخمر وقد من الله علي بالتوبة والحمد الله منذ سنتين وأنا مواظب على صلاتي ولا أسمع أغاني ولا أشرب الخمر ولقد عاهدت الله على ذلك.
والمشكلة أنني منذ أسبوعين كنت قد سافرت إلى خارج المملكة مع أحد الأصدقاء ولا أدري هل أغراني صديقي في الشراب أم ماذا حصل ولكن الذي أعرفه أني طيلة فترة الإجازة وهي 10 أيام وأنا في حالة سكر وقد انقطعت عن صلاتي لمدة 5 أيام خجلا من الله أن أقف بين يديه وأنا سكران
هل لي توبة جديدة؟؟؟ هل صلاتي تقبل؟؟؟ هل أقضي الصلوات التي فاتتني في الـ 5 أيام؟؟ أشعر بندم وخجل من الله أنني لم أف بالعهد، ماذا أفعل هل علي كفارة؟؟
أفيدوني أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نقول للسائل نسأل الله أن يهديه ويثبته على التوبة، اعلم أنك قد ارتكبت أمورا عظاما منها رجوعك بعد ما من الله عليك بالتوبة وذقت طعم الهداية إلى ممارسة ما نهى الله عنه في كتابه، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ {المائدة: 90-91}
ومنها أنك عاهدت الله على عدم الرجوع إلى هذا الأمر ولم تف بعهدك.
ومنها وهو أعظمها ترك الصلاة، فعليك أيها الأخ السائل أن تفيق وتستشعر عظم ما ارتكتب وتتوب إلى الله، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وللفائدة طالع الفتوى رقم: 31318 والفتوى رقم: 1108 والفتوى رقم: 1909.
ولا يلزمك من عدم وفائك بعهدك إلا التوبة عند الجمهور، وعند شيخ الإسلام عليك مع التوبة كفارة يمين كما أوضحنا في الفتوى رقم: 15049 واعلم أنك إن تبت إلى الله تاب عليك، ولو عدت ثم تبت أيضا، لكن من يضمن لك أنك توفق إلى التوبة بعد الذنب، ومن يضمن لك أن لا يفاجئك الموت وأنت متلبس بالذنب، فالحذر الحذر من الانتكاس، والبعد البعد من أصدقاء السوء، ثم إن مذهب جماهير العلماء أن عليك قضاء الصلوات التي فرطت فيها مع التوبة إلى الله تعالى، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12700، 1145، 61320.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(9/5144)
لا يلزم من وقوع شخص في فاحشة أن يقع أهله في مثلها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء لما تقدموه لنا من خدمات، أثابكم الله، أريد الأدلة من الكتاب والسنة (خصوصا) المتعلقة بموضوع (كما تدين تدان) ، بوضوح أكثر هناك الكثير بل معظم شباب الأمة في هذا الزمن يعبثون مع الفتيات بشكل أو بآخر أريد أن أذكر هولاء الشباب والفتيات أنهم إذا عبثوا مع أية فتاة أو ساعدوا على هذا فإن الله قادر أن يسلط عليهم من يلعب بأعراض فتيات من أهلهم بل أختهم أو ابنتهم في المسقبل ... أذكر أني سمعت بحديث يدور حول ذلك ولكن أريد النص ليكون لي حجة ودليلا واضحا لهم \"مع العلم بأني طالبة بالجامعة وأريد هذا الحديث لأن هناك فتيات في قسمي لا يؤمنَ بهذا المصير\"، أكون شاكرة لكم على مساعدتي، وأرجو أن يصلكم المعنى الذي أرجوه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: كما تدين تدان. حديث ضعيف ذكره العجلوني في كشف الخفاء، وضعفه الألباني، وراجعي فتوانا رقم: 19031.
وبخصوص الحديث الذي تسألين عنه، فقد ورد في حديث مرفوع رواه ابن النجار عن أنس رضي الله عنه ولفظه: من زنى يزنى ولو بحيطان داره. ولكنه حديث موضوع؛ كما في السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني، وراجعي للمزيد من التفصيل الفتوى رقم: 35693.
وإذا تقرر هذا فاعلمي -وفقك الله- أنه لا يلزم من وقوع الشخص في معصية أو فاحشة أن يقع أهله في مثلها، فقد قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(9/5145)
رفع القلم عن الصبي والصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة بالتفصيل من فضلكم، حين كان عمري 7 سنوات تعرضت لحادث هو يؤرق حياتي إلى هذه اللحظة، حيث كنت أنا وطفل في مثل سني نفعل أشياء لم نكن نعرف حتى معناها أوما هي، كنا نتبادل أفعال مشينة مع بعضنا البعض فترة من الوقت قصيرة. وبعد مرور بضع سنين بدأت أعلم أن تلك الأشياء حرام وخزي، وبدأت مشكلتي بسيطة لكنها كانت تزداد كل يوم بل كل لحظة حيث أصبت بعقدة نقص انعكست على حياتي كلها، حيث كنت أظن أنني أقل من سائر الناس شأنا وقدرا وأثر ذلك على شخصيتي وتعاملي مع الآخرين، بحيث أصبحت انطوائيا وأحب العزلة. ظللت على هذه الحالة كأنني أخفي جريمة وخطيئة كبرى، وبدأت أشعر أن الناس تلاحقني بأبصارها، إلى أن وصل سني 19 عاما كنت طالبا في الجامعة وذات يوم كنت جالسا مع صديق لي، فمر ذلك الشخص (الذي حدثت معه القصة) ، فظن أنني أتكلم عنه بشأن تلك الحادثة، فأصبح يتكلم مع كل الناس عن تلك الحادثة وهنا صارت الفاجعة، حيث ارتكبت أكبر غلطتين في حياتي، أولا: أنني تجاهلت الأمر وتركته يتكلم ظنا مني أن لا تحدث هذه العاقبة. ثانيا: ازددت انطواء وانعزالا حتى أصبح الأمر غير عادي وملفت للنظر. مما زاد الأمر تفاقما، والآن وبسبب ذلك فضحت فضيحة كبرى لا أستطيع تحملها وصل الأمر إلى درجة أنني لا أحب أن أبرح البيت ولا أخرج منه إلا إلى العمل أو المسجد، لشدة ضعفي وخوفي وصل الأمر إلى أنني أنظر اثنين يتكلمان عني وعن عرضي وشرفي ولا أفعل شيئا، وأنا الآن في حال لا يعلمها إلا الله، أشعر بذل لا يتحمله إنسان علما بأن عائلتي وأسرتي لا يعلمون شيئا عن هذا الأمر وما أردت أن أثير أية مشاكل للفت انتباههم. أو توريطهم معي، لقد لجأت إلى الله وتضرعت له ودعوته والتزمت وتبت إليه، سؤالي هو: - ما المخرج من هذه المشكلة الكبرى؟
- أنا أفكر في قتل بعض الأشخاص فهل قتلهم انتقاما للعرض والشرف يعد كبيرة (لا أريد أن أخسر آخرتي أيضا) ؟ ما هو موقف الشارع؟ كيف أتعامل مع من يفتري علي.
- كيف أصبر وأحتسب على هذا البلاء وهل هذا قضاء وقدر أم أنا الذي تسببت في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك ويذهب همك وغمك. واعلم أن من سعة رحمة رب العالمين أن العبد إذا ألم ببعض المعاصي قبل مرحلة التكليف وبلوغ الحلم ـ فإنه لا يؤاخذ ولا يدون عليه شيء في موازين سيئاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقط، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد والترمذي. ثم لماذا تعتزل الناس لذلك الذنب الذي ألممت به في صغرك، وهل في الناس من لم يعص الله؟ فلعل من تخاف من نظرته إليك يكون بينه وبين الله من المعاصي والتفريط ما الله به عليم. ثم اعلم أن العبد بعد بلوغه وتكليفه إذا فرط في جنب الله وارتكب بعض المعاصي ولو كانت عظيمة ثم تاب إلى الله من ذلك، فإن الله يفرح به ويقبل توبته، بل ويبدل سيئاته إلى حسنات يثقل بها موازينه يوم القيامة. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68ـ70} . وإن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان قبل إسلامه يعاقر ويفعل الفاحشة ويأكل أموال الناس ظلماً إلى غير ذلك من كبائر الذنوب، ثم لما أسلموا تابوا وأصبحوا عبادًا زهاداً مجاهدين قائمين بأمر الله، ولم يعيرهم أحد بأن لهم ماضيا يُستحيى منه، بل إن تذكرهم لماضيهم ما زادهم إلا استشعار نعمة الله وفضله أنه جعل خواتيم أعمالهم صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا تجعل ما ضيك الذي تبت منه وندمت عليه مقعداً لك عن مخالطة الناس وعائقاً عن القيام بجميع أعمالك في الحياة. وكون ذلك الشخص قد جعل الناس تلوث سيرتك، فاعلم أنه لا يسلم من الناس أحد، وأنهم سينشغلون بغيرك، فهذا هو الشأن في الطغام الذين لاهم لهم إلا قيل وقال. وإن كان ذلك الشخص مفترياً عليك بالفاحشة، فإنه يكون مرتكباً لكبيرة من أعظم الكبائر، بل هي من الموبقات السبع وهي القذف، ومثله ترد شهادته ويستحق أن يجلد ثمانين جلدة. وانظر الفتوى رقم: 8191. فكِل أمره إلى الله، واصبر على ما ابتليت به، فإن النصر مع الصبر، واعلم أن ما أنت فيه من الهموم والأحزان يكفر الله عز وجل بها سيئاتك تفضلاً منه جلا وعلا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولاهم ولا حزن ولا أذى ولاغم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري. وهذا الذي يؤذيك ويفتري عليك ظاناً أنك قد فضحته وذكرت ما ضيه، حاول أن تبين له أنك لم تفضحه وأنه فهم خطأ لعله يرعوي ويترك الكلام في عرضك. وحذار أن تحاول قتله، فإن ذلك من كبائر الذنوب، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {النساء:93} . وقال صلى الله عليه وسلم: لايزال العبد في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً. رواه البخاري. ولاشك أن ما أنت فيه من البلاء هو من قضاء الله وقدره، وإن كنت أنت السبب فيه، فما من شيء يكون في الكون إلا بعلم الله وإذنه، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {الحديد:22} . وقال أيضا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11} . قال ابن عباس: " في قوله: " إلا بإذن الله" إلا بأمر الله، يعني من قدره ومشيئته، (ومن يؤمن يهد قلبه) أي ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله جازاه الله تعالى بهداية قلبه التي هي أصل كل سعادة وخير في الدنيا والآخرة. اهـ. هذا، ونوصيك أن تبذل وسعك في اتخاذ رفقة صالحة من أهل الإيمان، فإن إخوان الصدق من أعظم ما يعين بعد الله على مشاق الحياة، فاشترك معهم في طلب العلم النافع، واعبد الله معهم، وابدأ معهم حياة جديدة تحقق أهدافاً سامية كحفظ القرآن ونحو ذلك. ولمزيد فائدة انظر الفتوى رقم: 53043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(9/5146)
السعي في هداية الأقارب
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الكرام ساعدوني جزاكم الله خيرا.
جدتي امرأة كبيرة في السن تلزم الفراش منذ مدة ولم تعد تعي شيئا ولا تذكر شيئا. المشكلة أنها كانت في ما مضى مغنية شعبية والآن ليس على لسانها من ذكر الله شيء وإنما مجموعة أغان شعبية. لم يكن في ما مضى أحد ليكلمها عن التوبة. مشايخنا الكرام كيف يمكننا أن نساعدها علما أنها مستقرة في بيت عمتي، الآن وقد من الله علينا بالالتزام منذ فترة ونعلم ما معنى التوبة.
ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على هذا السؤال في الفتوى رقم: 62046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(9/5147)
هداية الصديق إلى طريق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هداني الله برحمته والحمد لله منذ أزيد من شهر , وفيه بدأت أصلي وأعترف بذنوبي لرب العالمين, بدأت هدايتي على يدي علمائكم وشبكتكم وأستعين أيضا بدروس الداعية عمروخالد , والحمد لله أقاوم مد الشيطان كل يوم , بهذين السلاحين , لكم دروس مختصرة وللداعية دروس مطولة , جزاكماالله خيرا. بدأت في مشروع الدعوة بين أصدقائي ,أوزع عليهم دروسكم وأدعوهم لتلاوة القرآن وسماع دروس الداعية ,وفي الأسبوع الأول تلاني في الهداية أحد أحب أصدقائي ,بقي الثاني الذي والعياذ بالله رغم أنه يصلي لله ما زال يسكن مع رفيقته في شقته رغم أن لها شقة في نفس العمارة هل أتابع جهادي فيه بنفس الروح أم أبدل تعاملي معه علما أنا قليلون بحكم أننا طلبة في فرنسا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجب الصداقة بين الأصدقاء أن يتواصوا بالحق والصبر، وأن يتعاونوا على البر والتقوى. قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1ـ3} . وقال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} . وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: حقت محتبي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتصاحبين في. رواه الحارث في مسنده وابن حبان وصححه الألباني. وبناء عليه، فعليك بالسعي في هداية صديقك وجلبه إلى مجالس العلم وربطه بالمساجد وأهل الخير، واستعن عليه بمن تعرفه من الأصدقاء الطيبين، وأعره ما تيسر من الكتب والأشرطة النافعة، وبين له حرمة الخلوة والاختلاط بالنساء وحاوره حتى تقنعه بالعدول عن حاله، وأكثر الدعاء له بالهدى والاستقامة، وتحرز من أن يجرك إلى الانحراف، لأن الصديقين دائما يتأثر أحدهما بالآخر، فاحرص على أن تكون مؤثرا وهاديا ومرشدا للخير. ففي الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري. وإذا كنت تخاف على نفسك أن تتأثر به فترجع إلى المعاصي فدعه وشأنه، ويمكنك الاطلاع على المزيد في الموضوع عند تصفح الفتاوى التي في موقعنا وخاصة التي لها تعلق بالدعوة إلى الله تعالى ومصاحبة الأخيار والبعد عن الأشرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(9/5148)
علاج من يتوب من المعاصي ثم يعود
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتوب ولكن..... أنا شاب في سن 26سنة أعمل في سلك التعليم مشكلتي هي: أنني أسمع الأغاني لفترة معينة ولكن سرعان ما أرجع وأتوب وخصوصا عندما أتذكر الموت وما بعده وأتخيل نفسي لو قبض روحي ملك الموت وأنا أسمع أو أشاهد الأغاني، وكلما تبت وبقيت على هذا الحال لا أسمع الأغاني تأتي فترة وأرد مرة أخرى وأقول إذا تزوجت سوف أتوب ولكن لا أثبت عند كلامي، بحجة أنه يأتي إلي وسواس يقول إن المرأة لا تريدك وأنت ملتح فاحلق اللحية ومرة أخرى أتركها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأ القرآن وأحضر المحاضرات والدروس العلمية عند الشيخ عبد الله السويلم وغيره ولكن أرجع مرة أخرى للمعاصي وهذا حالي منذ أن كنت في الجامعة وكان من الأسباب أنني أحب مجالسة الصالحين حتى وأنا مرتكب للمعاصي في الفترات التي أعصي فيها وأكره العصاة الآخرين وأحب تصرفات الصالحين وأرجع للتوبة وأنا على هذه الدورة بين فترة وفترة وجهوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} ، فعليك أن تصبر نفسك مع أولئك الصالحين وتبتعد عن أسباب الغواية والمعاصي، فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر، والموت يأتي بغتة، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:102} .
فاحذر كل الحذر أن يفاجئك الموت وأنت لاه غافل، وتب إلى الله توبة نصوحاً، ودع عنك وساوس الشيطان فإنه حريص على غوايتك وإضلالك، قد أقسم على ذلك كما قال الله تعالى حكاية عنه: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {النساء:119} .
وموالاة الشيطان إنما تكون بارتكاب المعاصي التي يزينها من حلق اللحية وسماع الأغاني المحرمة ومجالسة أهل الفجور وغير ذلك؛ فننصحك أن تقيم على طاعة الله وتبتعد عن معصيته، وقد بينا في الفتوى رقم: 1208 وسائل الاستقامة على طاعة الله، كما بينا في الفتوى رقم: 10800 وسائل تقوية الإيمان فلتراجعها فإنها تعينك بإذن الله تعالى وترشدك إلى الأسباب المعينة على الثبات، ولتكثر من الدعاء ولتتحين أوقات الإجابة في ثلث الليل الآخر، وفي السجود، وأدبار الصلوات وبين الأذان والإقامة، ودعوة الوالدين فإنها لا ترد، ولتكثر من الدعاء بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقد كان أكثر دعائه، كما في صحيح الترمذي، نسأله سبحانه أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(9/5149)
من أسباب قسوة القلب وضعف البدن والحرمان من الرزق.
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت في إحدى القنوات الفضائية أحد مقدمي أحد البرامج الدينية (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذا أصبحت منهكا في جسمك مقلا في رزقك...............هذا ما بقي في ذهني من ذلك القول من الشطر الأول، أما الشطر الأخير فهو.......فاعلم أنك تكلمت في ما لا يعنيك.أو كما قال.سؤالي هو (1) ما درجة هذا الحديث وماهو متنه؟ (2) أرجو التفضل بشرحه وبيان أحكامه.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر بعد البحث على حديث بهذا اللفظ، وإنما ورد مثل هذا عن مالك بن دينار. ففي فيض القدير للمناوي والفواكه الدواني للنفراوي أن مالك بن دينار قال: إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا في رزقك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك. وهذا الأثر يحذر فيه مالك بن دينار رحمه الله من الكلام فيما لا يعني ويبين خطورته، ويرى أنه يسبب قسوة القلب وضعف البدن والحرمان من الرزق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(9/5150)
بسط الرزق وقدره يحصل بقضاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تعاني من اكتئاب حاد إلى درجة أنها تفقد الوعي وتسقط في غيبوبة وهذا راجع إلى بعض المشاكل كوني عاطلا رغم أني حاصل على شهادة عليا وأبي يرفض التكفل بي ويبخل كثيرا علينا كثيرا رغم أنه غني أفتوني وأنقذوني.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يفرج عنك وعن أمك وأن يشفيها ويهدي أباك لما فيه الخير وإلى القيام بأمر الله في تعامله مع أهله، وعليكم أن تذكروا أمكم بأن ما يحصل من توظيف وبسط الرزق وغير ذلك إنما يحصل بقضاء الله وقدره. فالواجب أن نلجأ إلى الله في حل مشاكلنا، ونستعين بالصبر والصلاة والدعاء في أوقات الإجابة مع الأخذ بالأسباب المشروعة. ويمكنكم مراجعة بعض الأطباء النفسيين لعلكم تجدون عندهم علاجا لأمكم. وعليكم أن تحرصوا على بر أبيكم ولا يحملنكم على عدم بره والإحسان إليه ما تلاحظون عليه أو تتهمونه به من تقصير في حقكم وحق أمكم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 25339، 8497، 43813، 19229، 59149. ففيها حكم نفقة الأب على ابنه الكبير وفيها نصائح لكم جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(9/5151)
زوال العقل قبل التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الكرام ساعدوني جزاكم الله خيرا.
جدتي امرأة كبيرة في السن تلزم الفراش منذ مدة ولم تعد تعي شيئا ولا تذكر شيئا. المشكلة أنها كانت في ما مضى مغنية شعبية والآن ليس على لسانها من ذكر الله شيء وإنما مجموعة أغان شعبية. لم يكن في ما مضى أحد ليكلمها عن التوبة. مشايخنا الكرام كيف يمكننا أن نساعدها علما أنها مستقرة في بيت عمتي، الآن وقد من الله علينا بالالتزام منذ فترة ونعلم ما معنى التوبة.
ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليكم بنعمة التوبة والهداية إلى صراطه المستقيم، أما هذه المرأة فإن كانت قد اختلطت وذهب عقلها فقد رفع عنها القلم حتى تفيق، فإن أفاقت وأدركت فالواجب عليها التوبة مما أسلفت قبل اختلاطها، لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أصحاب السنن والإمام أحمد.
وإن كان لهذه المرأة مال وجبت زكاته.
وإن استقر وجوب الحج على هذه المرأة قبل أن يذهب عقلها فالواجب أن يحج عنها من تركتها إذا ماتت.
وكذلك ينفعها دعاؤكم الصالح لها بأن يعفو الله عنها، وأن يتجاوز عن سيئاتها، وأن يعتقها من النار.
ولكم أن تتصدقوا عنها، وأن توقفوا أوقافا يعود ثوابها إليها، ومن ذلك طباعة كتب العلم، وحفر الآبار، وبناء المساجد، وكفالة الأيتام ونحو ذلك.
وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24558، 42099، 50687.
هذا، وقد يكون فيما أصاب هذه المرأة من الجنون وذهاب العقل تكفير لسيئاتها ومحو لخطاياها، وانظري الفتوى رقم: 46324.
هذا، ونسأل الله الكريم أن يغفر لها وأن يتقبل بركم بها وهي في هذه الحال، وهو وسيلة لدخولكم الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/5152)
نصائح نافعة للتخلص من اليأس والملل
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أرغب في الحياة وللأسف تركت الصلاة بشكل غير عادي وأنام كثيرا ولا أهتم بالمذاكرة مطلقا حتى اقترب موعد الامتحانات ولا أعرف شيئا عن موادي التي سوف أمتحن فيها ولا عندي الرغبة بأي شيء ولا أعرف ماذا أفعل، إني أعتمد على الله ثم عليكم في حل هذه المشكلة التي سوف تدمر حياتي وأشكركم جزيلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانقباض وضيق الصدر غالبا ما يكون سببه الغفلة عن الله والتفريط في جنبه، وإدمان المعاصي. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}
فلا علاج لما أنت فيه إلا بالفرار إلى الله واللجوء إليه، والانطراح ذليلة بين يديه، والله يفرح بتوبة العبد ويقبلها منه.
فتوبي إلى الله وارجعي إليه ولا تتبعي سبل الشيطان، فإن العمر قصير والموت يأتي فجأة، ولا ينفع الندم حينئذ.
وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 5450.
واحذري ترك الصلاة فإن تركها جحودا كفر، وكذلك تركها تهاونا عند كثير من أهل العلم. وانظري الفتوى رقم: 6061.
هذا، وننصحك بأمور
الأول: أن تدمني القراءة في كتاب الله، فإنه شفاء لما في الصدور وسبب للطمأنينة وهناءة العيش. قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء: 82}
الأمر الثاني: أن تكثير من الاستغفار وذكر الله في اليوم والليلة، وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء، وبعد الصلوات، وعند النوم، وتجدينها وغيرها من الأذكار في "حصن المسلم"
الأمر الثالث: أن تسألي الله الهداية والاستقامة وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك، والتمسي أوقات الإجابة مثل ثلث الليل الآخر وأثناء السجود وآخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة، وعند الفطر عندما تصومين.
الأمر الرابع: أن تتخذي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات فإنهن خير معين بعد الله تعالى على الاستقامة على دين الله، ففتشي عنهن وانخرطي في سلكهن واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
الأمر الخامس: أكثري من استماع الأشرطة الإسلامية فإن فيها علما غزيرا وتهذيبا للأخلاق وتذكيرا بسير الصالحين.
وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 6603، 17666، 10943، 1891، 18108.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/5153)
نفوس العباد بين أمارة بالسوء ولوامة ومطمئنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرحا مفصلا عن النفس البشرية النفس الأمارة بالسوء فانا أعلم أن الإنسان مكون من جسد وروح فما هو مفهوم النفس وهل هي دائما أمارة بالسوء ويجب مخالفتها أم ماذا؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالروح والنفس بمعنى واحد: والنفس هي المدبرة والمحركة للجسد، فإذا فارقته بالموت خرجت منه الحياة وأصبح جثة هامدة، وهي من أمر الله تعالى تسري في الجسم كما يجري الماء والبلل في الأغصان والأوراق.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما معناه: تسمى نفسا باعتبار تدبيرها للبدن، وتسمى روحا باعتبار لطفها ... وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن الصلاة: إن الله قبض أرواحنا حيث شاء، وردها حيث شاء. وقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، وقال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الزمر:42} .اهـ. ثم إن النفوس تختلف باختلاف أصحابها واختلاف رفاق أهلها وبيئاتهم. فمن العباد مسلمون صالحون ومنهم قاسطون، ومنهم من عنده جليس صالح ومن عنده جليس سوء، وباختلاف ذلك تخلتف النفوس بين أمارة بالسوء ولوامة ومطمئنة، فيجب وزن جميع الخواطر النفسانية بالشرع، فإذا أمرت بالسوء وجب خلافها؛ وإلا فلا يجب خلافها، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 58477، 31296، 54808، 30184، 30215، 10263.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/5154)
التوبة من النظر إلى الصور الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من فلسطين في العشرين من العمر ومقبل على الزواج، راودتني بعض الشكوك حول أعضائي الجنسية فقمت بالنظر إلى بعض الصور الإباحية للرجال المنشورة على صفحات الإنترنت، فهل يجوز ذلك مع العلم بأني ارتحت نفسيا وذهبت عني كل الشكوك ولن أنظر بإذن الله مرة أخرى، وإن كنت وقعت في الخطأ فماذا أفعل، أفتوني؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عصيت الله ووقعت فيما حرمه عليك ونهاك عنه، وما كان ينبغي لك أن تفعل ذلك وأنت عبد مقهور مربوب مفتقر إليه سبحانه، والواجب عليك أن تتوب توبة نصوحاً، وأن تندم على ما فرطت في جنب الله، وتعقد العزم على أن لا تعود لذلك أبداً.
وكذلك ينبغي أن تكثر من فعل الصالحات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولا تيأس من رحمة الله، فإن الله يقبل التوبة من عباده إذا أتوه راغبين معترفين نادمين، قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:104} ، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26255، 3605، 1256، 10800، 6603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/5155)
الأخذ بأسباب الرزق من تقوى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله جلا وعلا بسم الله الرحمن الرحيم \" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب\"
صدق الله العظيم
كيف تكون تقوى الله لكي يرزقني من حيث لا أحتسب ويجعل لي مخرجا حيث إنني بحاجة إلى المال
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التقوى كما يقول الإمام القرطبي: هي اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه، فالمتقي هو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله. اهـ.
ولا ريب أن تقوى الله هي جماع الخير كله كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3-} وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4} وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا {الطلاق: 5}
ومن تقوى الله الأخذ بأسباب الرزق، فالذي أمر بالتقوى هو الذي أمر بالسعي في الأرض، كما قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ {الملك: 15} وقال واصفا عباده المتقين: وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ {المزمل 20} . فمن اتقى الله بترك ما حرم عليه وفعل ما أوجبه عليه، وأخذ بأسباب الرزق المشروعة فهو موعود من الله بأن يرزقه رزقا حلالا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/5156)
الإكراه على فعل المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أشكركم كثيرا على جوابكم. لقد ذكرتم في جوابكم المحترم أنكم بعثتم لي جوابا مفصلا آخر طلبتم مني أن أطلع عليه كي أتقي شر ذلك الشيطان الخبيث ولم أجده لا في بريدي الالكتروني ولا على موقعكم. أرجو منكم كذلك أن ترسلوا لي بعض الأدعية والأذكار، وأرجو منكم أن تبينوا ما حكم الشرع في مثل هذه الأشخاص الذين يجبرون الناس على فعل المعصية ولا يخشون الله؟
رقم سؤالي هو 147463
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك الذي بينت رقمه فقد أجبنا عنه جوابا منشورا على موقعنا ورقمه: 61428. وكنا قد أجبنا عن سؤال لك آخر في هذا الموضوع فراجعي فيه فتوانا رقم: 61490.
وفيما يتعلق بالأذكار والأدعية التي طلبت، فقد روى الترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله. حسنه الشيخ الألباني. وعن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله قال إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده. أخرجه مسلم، وفي رواية سئل أي الكلام أفضل قال ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده.
ثم هؤلاء الذين يكرهون الناس على فعل المعصية فإنهم قد عصوا الله تعالى، وتسببوا في غضبه وسخطه.
ثم اعلمي أن الإكراه المعتبر في الشرع إنما هو حمل الشخص على فعل المعصية بالضرب أو السجن أو أخذ المال أو التهديد بشيء من ذلك أو بالقتل ممن له القدرة على فعل ذلك له. قال القاضي ابن العربي رحمه الله: وقد اختلف الناس في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح: أنه إكراه، فإن القادر الظالم إذا قال لرجل إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك أو ضربتك أو أخذت مالك أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل، ويسقط عنه الإثم في الجملة إلا في القتل، فلا خلاف بين الأمة أنه إذا أكره عليه بالقتل أنه لا يحل له أن يفدي نفسه بقتل غيره، ويلزمه أن يصبر على البلاء الذي ينزل به. ا. هـ
ومن وقع عليه شيء من هذا الإكراه على المعصية فعليه أن يبلغ كل من يفيد إبلاغه في رفع الإكراه عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(9/5157)
الحياة في العصر الحاضر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للحياة معنى في هذا العصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياة نعمة عظيمة ومنة من الله تعالى، تستحق الشكر والثناء لواهبها سبحانه وتعالى الذي جعلها فرصة وسببا في سعادة المرء في هذه الدار وجعلها مزرعة للآخرة، فإن أحسن الإنسان فيها جوزي أحسن الجزاء في الدار الآخرة، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} ، وقال صلى الله عليه وسلم: خير الناس من طال عمره وحسن عمله. رواه الترمذي وغيره.
والحياة في هذا العصر الذي ظهرت فيه غربة الإسلام وغياب العدالة وطغيان الباطل.. وانتشار الفساد بإمكان المسلم أن يوظفها في خدمة دينه والدعوة إليه والجهاد في سبيله.... فيحول الآلام إلى آمال والتعب والنصب.... إلى راحة نفسية وطمأنينة قلبية، فيرد الأمر إلى الله تعالى بعد أن يعمل المستطاع ويعمر قلبه بذكر الله تعالى وعظمته.... ويرضى بقضائه وقدره، وبذلك ينال السعادة والرضى، وبذلك يعلم يقيناً أن الحياة نعمة في أي عصر كانت لا يمنحها إلا الله سبحانه وتعالى، وأن أمر المؤمن كله له خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(9/5158)
ممارسة الرذيلة في الغرب وكيفية المواجهة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حضرت البارحة محاضرة عن كيفية وجود المرأة واندماجها في المجتمع الغربي، وماذا يمكن لها أن تقدم لهذا الأخير من تعاليم الإسلام العظيمة، ولقد حز في نفسي أمر أليم لما علمت أن هناك أخوات مسلمات على حد قولهن ويقمن الصلاة ويصمن رمضان، ويتاجرن بأنفسهن في الدعارة مقابل أموال كثيرة، كانت الأخت المحاضرة مليكة حميدي وهي عضو مهم بحضور المرأة المسلمة بأوروبا ومهماتها الواجبة عليها تحكي لنا قصة بنت تعمل هكذا وتقول لها أنا مسلمة وطبعا بعد تكلمها معها ومحاولتها معها بإيجاد عمل لها كبائعة في محل بديلا لترك ماهي عليه من المعصية تقول لها هاتفيا بعض المرات أتعلمين أنا أتعب في قضاء كل اليوم لأجر كنت أتقاضاه في ساعة فقط، لا حول ولا قوة إلا بالله، شعرت بغيرة على ديني وبألم فظيع في قلبي فقلت من المسؤول عن كل هذا، هي تقول (المحاضرة) إننا يجب أن نرحمهم ونساعدهم في ترك الرذيلة، لكننا نخاف منهم على أولادنا ولا ننظر إليهم نظرة الرحمة باعتبارنا أنهم هم المسؤولون باتخاذهم طريق الشيطان والمعصية، فما موقف الإسلام من هذا، ماذا يجب علينا فعله اتجاههم، هل يجوز لي في الإسلام أن أنقل محاضرات ودروس في العفة مثلا وكل ما تحتاجه المرأة المسلمة من الشبكة الإسلامية وإلقاؤها على الأخوات في المسجد، لأني أعرف أن هناك حديثا يقول: أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار. هل هذا صحيح، وقال الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه: الدين النصيحة. فأنا من عادتي دائما أتكلم في الدين وما أن أعلم بآية تحريم أو حديث حتى أذكره في الجميع مبتغية في ذلك وجه الله تعالى وغيرة على إسلامي ــأني لا أملك شهادات ومستواي الباكالوريا بالمغرب، لكن دائما أشغل سمعي بالمحاضرات والدروس ولله الحمد، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك غيرتك على هذا الدين العظيم وغضبك لله عندما رأيت محارمه تنتهك، وهذا من مقتضيات الإيمان ولوازمه، ولقد بينا في الفتوى رقم: 61716 الواجب تجاه هؤلاء النسوة الفاجرات، وذكرنا المسؤول عنهن فراجعيها.
ونؤكد على وجوب الإنكار على هؤلاء النسوة بقدر المستطاع وتخويفهم بالله العظيم وبأليم عقابه، وبأن الموت يأتي فجأة ثم نلقى الله فيسألنا عن الصغير والكبير والنقير والقطمير مما عملناه في الدنيا، قال الله تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ {المجادلة:6} ، وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر:92-93} ، وقال أيضاً: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات:24} .
فالدين النصيحة، وقد يستيقظ إيمانهن المخدر، فيثبن إلى رشدهن ويرجعن عن غيهن، وأما قول بعض هؤلاء الداعرات الفاجرات أن ممارسة الرذيلة أيسر من كسب الرزق الحلال، مع أنها تصلي وتصوم، فإن هذا من انتكاس الفطرة وارتكاسها، ونسيان الله والاستهانة بأمره ونهيه، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى استحلال هذه الكبائر فيقعن في الكفر بالله العظيم، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: اتق المحارم تكن أعبد الناس. فليس أعبد الناس من زاد في الصلاة والصيام، وإنما من كف نفسه عما حرم الله واتقى ما يسخطه سبحانه.
وأما كونك تتحرجين من الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة الخوف من التجرؤ على الفتيا، فنقول لك: إن مقام الفتيا يختلف عن مقام الدعوة والنصيحة، والفتيا ليست لكل أحد، وإنما لأهل العلم الذين توفرت فيهم شروط الإفتاء وأجيزوا بذلك.
أما الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك لكل من علم من الشريعة ما يدعو إليه أو ينهى عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. وانظري الفتوى رقم: 60894 وما تفرع عنها من فتاوى.
ونزيدك أن ممارسة الدعوة إلى الله، والاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أسباب الاستقامة على أمر الله، خاصة في البلاد التي تعج بالمنكرات مثل بلاد الغرب، وانظري الفتوى رقم: 19186، والفتوى رقم: 8580.
هذا، وإن خوفك على أبنائك من التأثر بالنساء الفاجرات هو خوف في محله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
وعلى هذا، فإن الواجب عليك تحصينهم بالعلم النافع، وتقوية الوازع الديني عندهم، وتهيئة المحضن التربوي الذي ينشؤون فيه على مراقبة الله في جميع أحوالهم، فيؤدون الصلاة على وجهها، وتلتزم البنات منهن بالحجاب الشرعي، ومع متابعتك لاستقامتهم على أمر الله فإنه يجب عليك الانتباه لأصدقائهم، فتشاركيهم في اختيارهم، فإن الصاحب ساحب، والطباع سراقة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله ... رواه أبو داود والترمذي.
هذا وإن كنت غير قادرة على إظهار شعائر دينك، وليس عندك من العلم ما تدفعين به عن نفسك الشبهات التي قد ترد عليك، وليس عندك من التقوى ما تدفعين به الشهوات، وأمكنك الهجرة إلى بلاد المسلمين، فإن الهجرة تجب عليك حينئذ، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10043، 37470، 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1426(9/5159)
التوبة من الاستمتاع المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي علاقة مع صديقة لي ممارسة الجنس من فوق الملابس عن طريق الملامسة وفى يوم نزل الحيوان المنوي على ملابسها فهل هذا يؤدي إلى الحمل وخصوصا أنها أبلغتني بأن العادة الشهرية عندها تأخرت فهل من الممكن حدوث الحمل مع العلم بأننا ندمنا وعزمنا بأننا لا نعود إلى الذنب مرة ثانية وندعو من الله المغفرة ساعدوني أرجوكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولا نذكر السائل بخطورة انتهاك حرمات الله تعالى، فإن الله عز وجل حرم كل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الفاحشة، فحرم الاختلاط بالأجنبية وأوجب غض البصر عن النظر إلى ما يدعو إلى الفتنة وحرم لمسها، فقد جاء في الحديث الصحيح: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه.
وقال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30}
وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي.
إذا علمت هذا أخي السائل فتب إلى الله عز وجل بما اقترفت ولا تجعله أهون الناظرين إليك فتستهين بأوامره وتنتهك حرماته.
ثم تسأل ضمنيا هل حصل لي ما يفضحني أم لا، وكأن لسان حالك يقول: إذا لم يحصل حمل أفتضح به فالأمر سهل فتب إلى الله عز وجل توبة صادقة، ولا تعد لمثل ما كنت تقوم به، واعلم بأن الله تعالى يقبل التوبة ممن جاء بها صادقا، وهذا هو ما نستطيع أن نساعدك به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(9/5160)
المعاصي تحرم الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[حلمت من يقول لي اقرئي سورة النمل، الرجاء التفسير، علما بأن معظم أحلامي تتحقق، وساعات تتحقق كفلق الصبح مع ارتكابي الذنوب والمعاصي، هل المعاصي مرتبطة بالأحلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك أولاً بالبعد عن المعاصي والذنوب قبل أن يبغتك الموت وأنت مقيمة على المعاصي، فعليك بالتوبة الصادقة، والالتجاء إلى الله وسؤاله الهداية، واحرصي على المواظبة على الصلاة فهي عون على البعد عن المعاصي، لقول الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45} .
وواظبي على الأذكار فهي مطردة للشيطان، وأكثري من مطالعة كتب الترغيب والترهيب وكتب الرقائق، واعلمي أن المعاصي لا تسبب تحقيق أي منفعة بل هي سبب للحرمان، كما يدل له الحديث: إ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه.
هذا، وننبهك إلى أن تفسير الأحلام ليس من اختصاص الموقع فنعتذر لك عن تفسير الرؤيا، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36380، 12744، 5091، 31768، 33434، 59669.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(9/5161)
لا إثم على الصبي الصغير غير المكلف
[السُّؤَالُ]
ـ[تم إغصابي على ذنب وأنا طفل صغير لم أتجاوز العاشرة نتج عنه تمزق فتحة الشرج، والأن أنا لا أعرف ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حدث لك ما ذكرت وأنت في سن لست مكلفا فيها، ولا إثم عليك في ذلك الأمر، ففي الحديث الشريف: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد والترمذي، فعليك أن تتناسى هذا الموضوع وتستقيم على طاعة الله.
وأما الذي سألت عنه من تمزق فتحة الشرج فعليك أن تسأل عنه أهل الطب المختصين، وتأخذ بما أرشدوا إليه من علاج، ولا حرج عليك في كشف العورة إذا استدعى الفحص أو العلاج ذلك، وراجع الفتوى رقم: 23681، والفتوى رقم: 31769.
ونسأل الله أن يعيننا وإياك على طاعته، ويسلك بنا جميعاً سبل النجاة، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(9/5162)
لاتدفع السيئة بالسيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل بيني وبين جاري اختلافات كثيرة أدت به إلى الذهاب إلى الشرطة الإسرائيلية فغرمني أكثر من 15000$ وكان بيني وبينه اتفاق أن يدفع 20000$ عند إرجاعه أي (شيك) فوافق وكان هناك شهود فقلت له الآن دوري للذهاب إلى المحكمة، علما بأني طلبت منه أن نحلها شرعا لكنه رفض فجاء يترجاني ويطلب مني أن نحلها شرعا، هل لدي الحق في طلب الـ 20000$ وأتعاب المحامي إذا وضعته أمام الشرع، وأرجو أن تنظروا في هذا الأمر بمنتهى الجدية والسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على مكارم الأخلاق، ودعا إلى معالي الأمور، ونهى عن سفاسفها، ففي الحديث: إن الله تعالى كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها. رواه البيهقي في السنن، والطبراني في معجميه الكبير والأوسط، وصححه الألباني في الصحيحة، وكذا في صحيح الجامع.
ومما حث عليه الإسلام في هذا الباب، دفع السيئة بالحسنة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، وقال في صفات أولى الألباب: وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {الرعد:22} .
فإذا كان صاحبك قد أخطأ في شكايتك لدى من لا يجوز التحاكم إليهم، فلا تفعل مثل فعله وتعصي مثل معصيته، ولا سيما أنه قد طلب منك التحاكم إلى الشرع، قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51} ، وقال في وصف المنافقين: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ {النور:48} ، فعليك أن تجيبه إلى ما طلب من الحكم الشرعي.
علما بأنه لا يجوز لك أن تطلب منه أكثر من المال الثابت في ذمته، سواء كانت هذه الزيادة تقديراً لأجرة المحامي التي كان يُحتمل أن تدفع إليه حالة التقاضي للمحاكم المشار إليها في السؤال أو كانت غير ذلك، وراجع الفتوى رقم: 49216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(9/5163)
الزاني والتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ حوالي سنتين كنت شابا ملتزما محافظا على ديني إلى أن تعرفت على شابة وأغرتني نفسي وبدأت-تحية ثم ابتسامة فلقاء- كانت نيتي طيبة إلى أن أدركت أن المرأة ماجنة وتدعي البراءة والعلم لله لقد سببت لي هذه العلاقة مشاكل حتى مع عائلتي وضاعت سمعتي ولم أنجح في إرغام نفسي على قطع هذه العلاقة حتى عندما أدركت أنها على خلاف مع عائلتها وأنها تقيم عند أناس معروفين بفحشهم ومؤخرا ولدت مني كما تدعي هي حاولت أن أتحمل مسؤليتي والزواج بها لكن امكانياتي محدودة وهي تهددني بأن تفضحني مع عائلتي وتتحول إلى عاهرة من أجل أن يعيش طفلنا فهي الآن ليست على وفاق مع الناس الذين تسكن معهم لقد تحولت حياتي إلى جحيم خصوصا أن والدي مسنان وأخاف على صحتهما لقد تدهورت أحوالي ولم أعد أفكر الا في قتل هذه المرأة لم أعد أستطيع أن أفرق بين الصالح والطالح كم أتمنى العودة إلى أيام الطاعة والالتزام لقد يئست حتى من نفسي أفتونا بارك الله فيكم وأتمنى منكم الدعاء حتى يفرج الله محنتي وتعود المياه الى مجاريها وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قارفت ذنباً عظيماً عندما أنشأت تلك العلاقة الفاجرة مع هذه الفتاة، والواجب عليك التوبة فوراً والندم على ما فرطت في جنب الله، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبداً. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21212، 22413، 1106. أما الطفل الذي ولدته تلك المرأة من الزنا فلا علاقة لك به، ولا ينسب إليك ولا حقوق له عليك، وانظر الفتويين: 9093، 6012. ولا تستسلم لتهديدات تلك المرأة وخوفها الله العظيم. واحذر أن تحاول قتل هذه المرأة، فتزداد إثماً على إثم، فإن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الكبائر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم. رواه النسائي والترمذي. وقال أيضاً: لا يزال العبد في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً. رواه البخاري. هذا، ومن أهم أسباب الاستقامة على دين الله اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المؤمن المتوضئ، ففتش عنهم وانخرط في سلكهم، وشاركهم في طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ {الكهف: 28} . واشهد الصلاة في جماعة، واجعل لك ورداً يومياً من كتاب الله تقرؤه بتدبر، فإنه شفاء لجميع أمراض القلوب والأبدان، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الاسراء: 82} . وحافظ على ذكر الله تعالى وخصوصاً الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب" حصن المسلم" للقحطاني، وأكثر من سماع الأشرطة الإسلامية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1426(9/5164)
التوبة من المعاصي لا تتوقف على الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 34 عاما أعاني من الشذوذ الجنسي منذ عمري 13 سنة تبت إلى الله عدة مرات وأعود إلى نفس الشيء تزوجت وغيرت بلدي والأصدقاء ولكن نفس الشيء لقد قررت أن أذهب إلى الحج ولكن على مدى 4 سنين أخذت مالا ليس من حقي ولقد بدأت أرجع المال إلى أصحابه ولكن أحتاج إلى سنة تقريبا إلى أن أسدد الدين الذي علي لكن أريد أن أحج لكي يغفر الله لي ذنوبي وأتوب من اللواط هل أقدر أن أحج علما أن الدين سوف أسدده على مدى عام علما أن الناس الذين أخذت المال منهم بدون حق لا يعرفون ذلك وأني سأرجع المال لهم بدون علمهم ولكن يجب أن أحج لكي أوقف اللواط وأنا أخاف الله كثيرا هل يحق لي الحج أرجو أن تتطلع على فتوى رقم 266235 التي تخصني قبل أن تعطوني الرد أرجوكم ساعدوني حيث إني أخاف أن أموت قبل أن أحج وأتوب.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الأخ السائل هدانا الله وإياه أن يحذر من عذاب الله ويتوب إلى الله توبة صادقة من عمل هذه الجريمة المنكرة المنافية للأخلاق؛ إضافة إلى أنها كبيرة من الكبائر العظام. وليراجع الفتويين برقم: 7549، 16224. وكذلك الفتوى رقم: 1869. وليعلم أن من تاب إلى الله خالصا من قلبه قبلت توبته، وإن عاد ثم تاب فإن الله يقبل توبته أيضا، لكن هذا ليس مبررا للرجوع إلى الفاحشة مرة أخرى بنية التوبة بعدها فقد يعاجله الموت قبل أن يتوب، وقد لا يوفق للتوبة، لذا فعلى السائل أن يتقي الله في نفسه وليبتعد عن هذه المنكرات، واعلم أن توبتك لا تتوقف على الحج، بل يجب أن تبادر بالتوبة، فإن تبت وصدقت في ذلك قبلت توبتك، وأما الحج فإن استطعت أن تحج بمال حلال فافعل، ولا يجب عليك أن تستدين لتحج، أما إن كان المال الذي ستحج به من الأموال التي أخذتها بغير حق شرعي فإن الحج بالمال الحرام عند الحنابلة لا يجزئ، وعند الجمهور يجزئ مع الإثم ونقصان الأجر كما أوضحنا في الفتوى رقم: 7341، وإن كان مالك لا يكفي لسداد الدين ونفقة الحج -كما هو الظاهر- فإنك غير مستطيع. ولمعرفة أحكام الدين مع الحج. راجع الفتاوى التالية: 11541، 2827، 3448. ولبيان توبة من أخذ مالا بغير حق طالع الفتوى رقم: 61123.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1426(9/5165)
التمتع بنعيم الدنيا والترفه فيها.. نظرة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت الاستفسار عن موضوع سمعته من شيخ جليل ولا نزكي على الله أحداً، وقد قال عنه إنه أصل وهو: هل ينتقص أي نعيم يرزق الله به العبد وإن شكر العبد النعمة وحمد الله عليها من نعيم ومنزلة ذلك الفرد في الآخرة وكأنه عجل له في الدنيا؟ وهل الاستدلال بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم. وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم) والآية 20من سورة الأحقاف (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) ، والآية 8من سورة التكاثر (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) في محله ويؤيد ذلك الرأي، أرجو التوضيح والاستفاضة وجزاكم الله خير الجزاء..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت الآثار وأقوال الصحابة والسلف الصالح أن التمتع بنعيم الدنيا والترفه فيها ينقص من نعيم العبد في الآخرة، ولا يمنع ذلك أن يكون الشاكر لنعم الله تعالى كريم عند الله تعالى؛ كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا وموقوفا: لا يصيب أحد من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله تعالى، وإن كان عليه كريما. صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
ومن الأدلة على ذلك الحديث الذي ذكرت وهو في صحيح مسلم وغيره، وروى البخاري وغيره أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتِي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه.. ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط.. وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.
وقال خباب رضي الله عنه: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (يجنيها) .
أما الآية الكريمة من سورة الأحقاف، فقال عنها ابن العربي: لا خلاف في أن هذه الآية في الكفار بنص أولها.. فيقال لهم: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، يريد أفنيتموها في الكفر بالله ومعصيته، وإن الله أحل الطيبات من الحلال واللذات وأمر باستعمالها في الطاعات، فصرفها الكفار إلى الكفر فأوعدهم الله بما أخبر عنهم.
ثم قال: وروي أن عمر لقي جابرا وقد ابتاع لحما، فقال له: أما سمعت الله تعالى يقول: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا.
وهذا عتاب من عمر لجابر على التوسع.. والخروج عن جلف الخبر والماء.. فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشري لها الطباع وتستمر عليها العادة، فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات حتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء، فأخذ عمر الأمر من أوله، وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله. ثم قال: والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه على المرء أن يأكل ما وجد طيبا كان أو قفارا، ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسر، ولا يعتمده أصلا ولا يجعله ديدنا، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة، وطريقة أصحابه بعده منقولة. فأما اليوم عند استيلاء الحرام وفساد الحطام فالخلاص عسير، والله يهب الإخلاص ويعين على الخلاص برحمته.
وأما قوله تعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {التكاثر: 8} فقد اختلف أهل التفسير في النعيم الذي يسأل عنه، وفيمن يسأل عنه، هل السؤال للكفار فقط أو هو عام للمؤمنين والكافرين؟
قال القرطبي: واللفظ عام يشمل كل النعم، ونقل عن القشيري أن الكل يسألون، ولكن سؤال الكافرين سؤال توبيخ لأنه ترك الشكر، وسؤال المؤمنين سؤال تشريف، لأنه شكر.
والحاصل أن هذه الأدلة والآثار تدل على أن الانغماس في النعيم وحياة الترف تنقص من درجات العبد في الجنة، كما قال النووي في شرح مسلم: إن الغزاة إذا سلموا وغنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم ولم يغنم.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين: 57005، 46845.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/5166)
الاستقامة على الإيمان ودفع الوساوس الشيطانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من فلسطين أبلغ من العمر 23 عاما، لقد كنت طوال السنين الماضية أعبد الله حق عبادته قدر المستطاع وأصلى الفجر بالمسجد الأقصى كل يوم حاضرا ... وأوتي العبادات الأخرى حقها كالصوم وغيرها من العبادات وقد أديت العمرة قبل أربع سنوات.. لقد كنت سعيداً في حياتي متوكلاً على الله مطمئناً متلذذاً بالإيمان وفي العبادات، لكن لا أعلم لماذا هذا الشعور بالإيمان أخذ يتبدد شيئاً فشيئاً قبل عدة أشهر (في غضون أسبوعين فقط) فقد أصبحت في ريبة من أمري أصبحت أشك في الإسلام في أنه الدين الحق أم لا، وأصبحت أشك في وجود الله مما أدى إلى قلب حياتي إلى جحيم فشعرت كأني ضائع في عرض البحر أبحث عن أي شيء لكي أهتدي به إلى الطريق ودمت على هذا الحال مدة أربعة أشهر، لا أشعر بأني مسلم أو بأني غير ذلك أيضاً وبدأت بالبحث والتفكير والاستدلال على وجود الله وعلى صحة الإسلام فبت في وضع لا أحسد عليه مع أني طوال هذه الفترة كنت أصلي ولا أنام عن صلاه العشاء وكنت أدعو بأن يفرج الله عني هذه المحنة الصعبة كنت لا أعلم إن مت هل أكون في عداد الكفار أم المسلمين!!!! أما ما أنا عليه الآن هو أني أصلي الصلوات الخمس كروتين أصبح في حياتي لا أستشعر وجود الله، لا أتلذذ بالصلاة والدعاء أي لا أحس بوجود الله من حولي أو أنه يراني أصبحت خائفاً مضطرباً أخاف المرض والموت، أردت أن أتزوج لكني خائف أن أمرض بعد أن أتزوج أو أن تمرض زوجتي مما سيزيد من ألمي في هذه الحياة، يراودني في بعض الأحيان شعور بأن الإسلام ليس بالدين الصحيح أصبحت أفكر بالديانات الأخرى (للأسف) ولكني أعود وأقنع نفسي بالإسلام...... هذه هي حالتي لا أدري ما أفعل ولماذا أصبحت في هذه الدوامة مع أني لا أرتكب المعاصي ومواظب على الصلوات والعبادات لكن بدون أي استمتاع لكن كروتين كما سبق وقلت، لكن الغريب أني أخاف أن أضيع إحدى الصلوات لخوفي من الله تعالى، لكن هذا يناقض الكلام أعلاه في شكي بوجود الله وصحة الإسلام ... اعتقدت أنه يوجد بداخلي جن أو أنه معمول لي عمل..لا أعلم، وهل إن مت هل أعد مسلماً أم كافراً؟
أنقذوني مما أنا فيه صدقوني أنا في مصيبة كبرى أصبحت تائهاً في هذه الدنيا لا أعلم هل أنا إنسان صالح ويحبني الله أم لا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الواجب عليك أن تقطع هذه الوساوس عنك وأن لا تسترسل معها، إذ إن الشيطان حريص على الكيد لأهل الإيمان بالوسوسة لهم والتلبيس عليهم، قال الله تعالى حاكياً قول إبليس اللعين: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17} .
ولم ينج أحد من كيد الشيطان إلا من عصمه الله تعالى، حتى إن بعض الصحابة قد شكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجد من وسوسته، فأرشده إلى كيفية رده، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 12436، 13369، 48325.
واعلم أن هناك فرقاً بين وساوس الشيطان التي تخطر على قلب العبد وهي غير مؤثرة في إيمانه، وبين الشك والريب الذي يذهب باليقين ويضر بالإيمان، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 56097 وما تفرع عنها من فتاوى، واتبع النصائح التي فيها.
وأكثر من دعاء الله جل وتعالى أن يهديك وأن يشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يطهر قلبك من النفاق، وأن يقوي إيمانك ويرزقك الخشوع في الصلاة، وتحر في دعائك أوقات الإجابة كثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأثناء السجود، وانظر الفتوى رقم: 8759.
هذا، وإن من أهم أسباب الاستقامة على دين الله اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المؤمن المتوضئ، ففتش عنهم، وانخرط في سلكهم، واعبد الله معهم، وشاركهم في طلب العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ {الكهف:28} ، واشهد الصلاة في جماعة، واجعل لك ورداً يومياً من كتاب الله تقرؤه بتدبر، فإنه شفاء لجميع أمراض القلوب والأبدان، قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا {الإسراء:82} ، وحافظ على ذكر الله تعالى، وخصوصاً الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وأدبار الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب (حصن المسلم) للقحطاني، وأكثر من سماع الأشرطة الإسلامية.
واطرح عن قلبك خاطر أن ما بك هو سحر أو مس من الشيطان، فإنك قادر على رد كيده، إذا استعنت بالله وذكرته كثيراً، واتبعت التدابير التي نصحناك بها، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 52270، والفتوى رقم: 54711.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/5167)
البكاء من خشية الله ليس شرطا لصحة التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني المشايخ الفضلاء أعاني من مرض قلبي، أحس بأن قلبي مختوم عليه، كما أن لي عقلا لا يكاد يقف عن التفكير وأعاني من وساوس قهرية تخص فراق الدنيا وأحس أني متعلق بها وتطورت إلى وساوس عقدية وأخشى من تحولها إلى عقيدة،لا أدري إن كنت فعلا أخشى أم لا لم تعد لدي أحاسيس مطلقا ربما فقدت الولاء والبراء. سلب مني الإيمان، والأعظم من ذلك أني تذكرت مؤخرا كبيرة من الكبائر ارتكبتها وهي أكبر الكبائر ربما كان عمري حينها بين12سنة و16سنت وأبلغ من العمر الآن20سنة فضلا عن كبائر، ربما تبت لا أدري وهل أنا نادم والذي ذكرني صديق لي أصيب باكتئاب مزمن بسبب ما ارتكبه من المعاصي ويقول لي إنه يرى نفسه في النار وذاكرته قوية تسمح له بتذكر كل شيء مر في حياته وازدادت حالته سوءا ويبكي يخاف أن يلقى الله بها والمشكلة لا أستطيع البكاء وكأن الخشية نزعت من قلبي وكأني أصبحت أتصنع كل شيء وفي الصلاة أقوم بحركات فقط والعقل يعمل طوال الوقت كثيرا وأفكار خطيرة لا أعرف إن كنت أخادع نفسي أم لا والأكثر من ذلك وكأني ليست لي إرادة بتغيير حالي واكتب لكم وكأني أكتب قصة لإحساسي بالضيق ولكي أفسر حالي.المواعظ لا تؤثر هل التوبة قد تكون بدون بكاء؟ وكأني أصبحت معتادا على هذا الحال في بعض الأحيان أحس بالراحة وأعتبرها خداعا نفسيا ربما بسبب الانافرانيل وهل شخص عمل المعاصي ويبحث عن الأكل فقد نسيت كل ما ارتكبته وكأني من العباد الصالحين.وما سبب الخوف من الموت هل الخوف من لقاء الله بسب المعاصي أو حبا في الدنيا،عقلي أصبح هو المتحكم في وربما أصبح من المعتزلة دون الشعور بذلك أرجوالرد سريعا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن الصالح يذكر ذنوبه ولا ينساها، ويراها كأنها جبل يكاد أن يقع عليه، فيخشى عاقبتها أشد الخشية، ولكنه في ذات الوقت راج ربه واثق من رحمته، متعلق بعفوه متوكل عليه.
وإن كنت قد وقعت في بعض ما حرم الله من الكبائر ثم تبت إلى الله فأقلعت عن تلك الذنوب وندمت على ما قارفت وعقدت العزم على عدم العودة لتلك الكبائر أبدا فإن الله تعالى يقبل توبتك ويمحو ذنبك، بل ويبدل سيئاتك حسنات. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59922، 9394، 40669.
هذا، وليعلم أن البكاء من خشية الله نعمة يؤتيها الله من يشاء؛ ولكنه ليس شرطا في صحة التوبة أو قبولها.
هذا، وإن للخوف من الموت أسبابا، منها: التعلق بالدنيا وبحطامها الفاني، ومنها: الخشية من الله والحياء منه، فأحسن الظن بربك وثق بما عنده واستقم بقدر المستطاع ولا تيأس.
وأما الوساوس التي تهجم على قلبك فادفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وبكثرة الاستغفار، ولا تسترسل معها، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13369،. 19691، 59659، 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(9/5168)
الصلاة والدعاء من أسباب رفع البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ربنا من علي بالالتزام وقعدت حوالي 3 أشهر وبعد ذلك تعرضت لصدمة.البعض يقول إني مصاب بسحر والبعض يقول مصاب بتعب نفسي، ولست قادرا أن أرجع كما كنت حال الالتزام أو قبله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بمواصلة التوبة وصدق الالتجاء إلى الله وكثرة الدعاء مع الحفاظ على الصلاة في الجماعة والمواظبة على الأذكار المطلقة والمقيدة، فإن التوبة سبيل الفلاح، كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}
والصلاة والدعاء عون على حل المشاكل ورفع البلاء.
قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ {البقرة: 45}
وفي الحديث: إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء. رواه أحمد والترمذي والحاكم وحسنه الألباني.
ولا مانع أن ترقي نفسك أو تذهب إلى أحد الرقاة المعروفين بسلامة المعتقد واتباع السنة ليرقيك بالرقية الشرعية أو أن تراجع بعض الأطباء النفسانيين الثقات وراجع للفائدة الفتاوى التالية: 48446، 60327، 5249، 3093، 31444.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1426(9/5169)
المساواة في التكاليف والمثوبة والعقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك كثير من الناس وخاصة النساء أو الفتيات يتساءلون لماذا إذا أخطأت المرأة تقوم الدنيا ولا تقعد بينا إذا أخطأ الرجل فيقال إنه رجل وهو أعلم بما يعمل والرجل لا يعيبه شيء بينما المرأة يعيبها كل شيء؟ هل يعني هذا أن الرجل والمرأة عقابهما مختلف أم هما سواء؟ وإذا كانوا سواء في العقاب فلماذا ذنب الرجال يغتفر وذنب المرأة لا يغتفر عند الناس؟ إلى ما لذالك من مقارنات.
كأن تقول فتاة لماذا إذا جاء شاب يخطب وسألوا عنه يقولون إنه كان يغازل الفتيات وإذا تزوج يهتدي إن شاء الله، بينما إذا سمع عن فتاة أنها كانت تتحدث إلى الشباب وتغازلهم قالوا إنها قليلة أدب ولا أمان لها وإلى ما لذالك من أقوال؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ما يتحدث عنه الأخ السائل هو نتيجة لعادات معينة، أما من ناحية الشرع فإن التكاليف الشرعية فعلا وتركا يستوي فيها الجنسان إلا ما ثبت في الشرع تخصيص أحدهما به.
ويستويان كذلك في المثوبة والعقوبة. ويدل لهذا قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97} وقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا {المائدة: 38} . وقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2} .
وقد ذكر بعض المفسرين أنه تعالى قدم السارق لأن الذكر أقدر على السرقة، وقدم الزانية لأن وقوع الفاحشة منها أشنع، ولأن فضيحتها وهتك عرضها يؤثر على سمعة عائلتها وشرفها ومكانتها.
فالحاصل أن الجنسين مستويان في التكاليف والمثوبة والعقوبة شرعا، وعلى المجتمعات أن تحرص على هداية وتقويم أخلاق كل من الجنسين، وأن تعفهما وتيسر السبل المعينة لتحقيق ذلك مثل تشجيع الزواج المبكر وتخفيف المهور، وسعي أولياء أمور الشباب في مساعدتهم في التكاليف عملا بقوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ {النور: 32} .
هذا، وليعلم أن من تاب من الجنسين وظهرت عليه علامات الإنابة والاستقامة على الخير لا يحق للمجتمع إلا أن ينسى سوابقه الشيطانية، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر. إلا أن الناس بطبعهم لا تستوي عندهم الفتاة الناشئة على عبادة الله مع من كانت لها سوابق في المعاصي، وهذا ما أكده الشرع فحث على اختيار ذات الدين، ولا يعني هذا إعفاء الذكور، فإن الشرع حض على تزويج من يرتضى دينه وخلقه ورهب من رده، كما رهب الأولياء من إعطاء بناتهم للفاسق السيء الأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1426(9/5170)
الوقوع في الذنب بعد التوبة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لموضوع الاستغفار, أجد نفسي في حيرة شديدة في فهم التناقض في بعض النصوص كالآتي: هناك أقوال تنص على أن المستغفر من الذنب لا ذنب له وإن عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة (حديث نبوي) وأن العبد إذا ذكر أن له ربا بعد الزلة الثالثة فإن الله عز وجل يقول لعبده اعمل ما تشاء (حديث قدسي) . كيف يمكن أن نضع هذه النصوص مع النصوص الأخرى والتى تنص على أن العائد إلى الذنب كالمستخف بربه وأنه لا تقبل توبة العبد إلا بعد أن ينوي الانقطاع من الذنب. فأحيانا يكون العبد صادقا في توبتة ومع ذلك يقع في الذنب مرة أخرى ولو بعد حين؟
أفيدونى أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، لا سيما إن تاب صاحبه وحقق شروط التوبة وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على أن لا يعود إلى الذنب مرة أخرى، وأن تكون التوبة قبل بلوغ الروح الحلقوم، وأن تكون التوبة في وقتها أي: قبل طلوع الشمس من مغربها، وكذلك ورد المظالم إلى أهلها إن كانت فيما له تعلق بحقوق الآدميين أو طلب العفو منهم، وإذا تاب المذنب من ذنب دون ذنب قبل الله توبته مما تاب منه، والواجب عليه أن يتوب من الجميع، فإذا عاد إلى الذنب فإن عليه أن يتوب وهكذا، ولا يستسلم للشيطان ويصر على الذنب فإن الوقوع في الذنب مصيبة والإصرار عليه مصيبة أعظم لأن الإنسان ليس معصوما عن المعاصي ولو كان تقيا، فقد قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:133ـ136} . وإذا استزلك الشيطان فضعفت بعد توبتك وأذنبت، فجدد لذنبك توبة، ففي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفرلي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر فقال: أي رب أذنبت ذنبا آخر، فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء، قال ذلك في الثالثة أو الرابعة) أي ما دام يذنب ثم يستغفر. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم تذنبوا لذهب لله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم. وقال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان. . ولا تعارض بين هذه الأحاديث وبين شرط التوبة وهو العزم على عدم العود إلى الذنب وأنها لاتصح إلا بذلك فإن الإنسان بشر معرض للوقوع في الذنب مرة أخرى بعد أن تاب منه التوبة المتضمنة للعزم على عدم العود، وقد جاء في النصوص السابقة ما يدل على ذلك ولم تعده مستخفا بربه لمجرد وقوعه في الذنب بعد توبته منه، ولم نقف على الحديث الذي ذكرته ولو صح فيحمل على محمل لايتعارض مع ما سبق كأن يكون أخل بشرط من شروط التوبة أو نحو ذلك مما لا يتعارض مع ما ثبت من النصوص التي سقناها سابقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1426(9/5171)
لا يحول بين العبد وبين التوبة حائل
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب يبلغ من العمر 25 سنة ارتكب العديد من المعاصي منها (الزنا 30 مرة - السرقة وأكل الحرام - اللواط 40 مرة - الإهمال فى عبادات الصوم والزكاة والصلاة - استخدام العادة السرية لمدة 10 سنوات حتى الآن- استخدام قرض من البنك وفوائده - تقصير إلى حد ما في صله الرحم - البقاء لأيام عديدة جنب بدون اغتسال..الخ) ويريد أن يتوب فهل له توبة؟ وكيف يتوب؟ وما يجب عمله ليغفر الله له؟ على العلم بأنه خاطب فتاة وسيتم الزواج إن شاء الله في شهر أغسطس وهذه الفتاة زنى بها فهل يتركها أم يتزوجها؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يمن على هذا الشاب بالتوبة الصادقة النصوح، وأن يلهمه رشده، وباب التوبة مفتوح وانظر الفتوى رقم: 33975، ولا يحول بين هذا الشاب وبين التوبة حائل، وللتوبة شروط أربعة إن كان الذنب في حق الله وهي: 1ـ الإقلاع عن الذنب، ومن الإقلاع عنه البعد عن أسبابه المهيجة عليه. 2ـ الندم على ما فات.3ـ العزم على أن لا يعود إلى الذنب مرة أخرى. 4ـ وأن تكون التوبة في وقتها أي: قبل طلوع الشمس من مغربها. وقبل الغرغرة (الاحتضار) فإن كان الذنب في حق آدمي فيشترط له الشروط السابقة ويزاد فيها شرط خامس: وهو رد الحقوق إلى أهلها. ويجب قضاء ما فات من الصلوات ودفع ما وجب عليه من الزكوات خلال السنوات الماضية، انظر الفتوى رقم: 53135. وانظر الكلام عن الزكاة عن السنوات الماضية الفتوى رقم: 44537. وانظر الكلام في العادة السرية وما يترتب عليها في الفتوى رقم: 8810. وأما ما يتعلق بصلة الأرحام فانظر الفتوى رقم: 6719، وأما القروض الربوية فالواجب التخلص منها، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 31949. وأما زواج المسلم لمن زنى بها فسبق جوابه في الفتوى رقم: 33924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/5172)
ذكر الأموات داع للاتعاظ
[السُّؤَالُ]
ـ[الدعاء أحيانا\" عندما ندعو أنا وزوجتي أكثر من الدعاء لنا ولأهلنا ولأقاربنا ولجميع المسلمين والمسلمات أحياء\" وأمواتا..خصوصا\" موتانا..أذكرهم بالأسماء هل يستحب ذلك؟ كم مرة أدعو باليوم مثل هذا الدعاء؟ هل يجوز بعد كل صلاة؟ أي 5 مرات باليوم.......علما\" أن زوجتي أحيانا \" تضحك عند الدعاء لكثرة الأقارب الميتين الذين أدعو لهم..هل يصح منها مثل هذه الحركات عند الدعاء؟ وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعميم الدعاء المذكور ليشمل أقاربك من الموتى وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات عمل طيب تثاب عليه إن شاء الله، نظرا لعموم النفع، ولا يستحب لك عند الدعاء للأموات ذكر أسمائهم جميعا بل تكفيك النية لأنها هي المعتبرة في هذا الأمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه.
والأفضل الدعاء لهم دائما من غير تحديد وقت معين لذلك، وراجع لمعرفة حكم الاجتماع على الدعاء الفتوى رقم: 10006 والفتوى رقم: 8381.
ومن الأوقات التي يرجى فيها استجابة الدعاء أدبار الصلوات الخمس، ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 8581، 23599، 17449.
ولا ينبغي لزوجك الضحك عند الدعاء فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل، كما ورد بذلك الحديث؛ بل ينبغي أن يكون ذكر الأقارب الأموات داعيا إلى الاعتبار وتذكر للحالة التي هم عليها الآن هل هم في روضات من رياض الجنة أو حفر من حفر النار.
مع استشعار أن الحي سيلحق بهم لا محالة ولا يدري متى يكون ذلك، ولهذا كره أهل العلم الضحك عند المقابر، كما في الفتوى رقم: 33231.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/5173)
الإصرار على المعصية وطريق الإقلاع عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يوجد أفضل من جزاكم الله خيرا - غريب أن أقرأ في موقعكم أن الإصرار على معصية ما ليس له معنى إلا الاستهزاء،ألا توجد معاني أخرى الضعف مثلا ... ماذا إذن أفعل؟ إذا لم أتمكن من التوقف عن المعصية؟ أرجوالعلم أننا بشر ولسنا ملائكة - التوبة من معصية ما لا تأتي بالضغط على أزرار، وإنما تستغرق وقتا، ماذا أفعل خلال هذا الوقت؟ ألا أستغفر؟ لأنه علي الاستغفار من الاستغفار -فتوى رقم 55969]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا في الفتوى المشار إليها لم نذكر أن الإصرار على معصية ما ليس له معنى إلا الاستهزاء. وإنما قلنا بالحرف الواحد: الذي يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على مافات منه ـ فإنه كالمستهزئ بربه. وهذا القول يشهد له كلام بعض السلف رحمهم الله، كما أنه لا يلزم منه قصر أسباب الإصرار على المعصية في الاستهزاء برب العالمين سبحانه، بل إن الإصرار على المعصية له أسباب منها ضعف الإيمان وقلة اليقين وغلبة الشهوة؟ والواجب على المسلم أن يتوب من فوره وأن لا يسوف التوبة؟ فإن تسويف التوبة ذنب، وانظر الفتوى رقم: 14084. وإذا تاب العبد توبة نصوحاً ثم عاد لذنبه فعليه أن لا ييأس من روح الله تعالى؟ بل يعاود التوبة مرة أخرى، فإن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وانظر الفتوى رقم: 54604. وإن الطريق إلى الإقلاع عن المعصية نهائياً فيه صعوبة وليس مستحيلاً بل إنه يسير على من يسره الله عليه، وإنما يحتاج إلى إرادة مصممة واستحضار لعظمة الله ومراقبته وأنه سبحانه لا يغفل عنك. والله تعالى لا يكف نفساً إلا وسعها، وقد كلفنا بالتوبة، فقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . ولقد كان الصحابة قبل الإسلام غارقون في المعاصي، وكانوا مدمني خمر، فلما نزل تحريمها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتفاً يهتف: ألا إن الخمر قد حرمت، فلا تبيعوها فمن كان عنده منه شيء فليهرقه، فأراق الصحابة من فورهم دنان الخمر حتى امتلأت بها سكك المدينة. وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، فإن صاحبه يسارع إلى ترك ما يبغضه محبوبه سبحانه جل وتعالى. ثم إنك إذا طلب منك الطبيب أن تدع شيئاً من الطعام تحبه ـ فإنك ستسارع إلى تركه، فلم تجعل أمر الله أهون على قلبك من أمر الطبيب، وانظر الفتوى رقم: 24611.فيجب عليك أن تبتعد عن أسباب المعصية وأن تفارق ما يذكرك بها ويشجعك عليها، وانظر الفتوى رقم: 18654. ومن أعظم أسباب الهداية الدعاء، فاسأل الله بذل وإلحاح أن يرزقك الاستقامة وأن يعفك عن الحرام، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655. فإن فيها شروط إجابة الدعاء وآدابه وبيان أوقات الإجابة الفاضلة. ومن المعينات على الاستقامة وترك المعاصي أيضاً صحبة الصالحين، فإن صحبتهم تغري بمشاكلتهم، والصاحب ساحب والطباع سراقة، وهؤلاء يذكرونك بالخيرات ويعينوك عليها، ففتش عنهم وانخرط في سلكهم، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. كل ماسبق بالإضافة إلى لزوم الاستغفار من الذنوب ومن التفريط في جنب الله تعالى. وننصحك بالاستماع إلى المحاضرة التالية: توبة صادقة. للشيخ سعد البريك وتجدها على موقع: www.islam way. على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/5174)
ماهية الصبر الذي ينال به الشخص أجر الصابرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مبتلى ببعض المصائب ماذا أفعل حتى أنال أجر الصابرين علما أني أحيانا أجد في نفسي بعض الضجر ومتى يكون السخط الذي يحرم أجر الصابرين وهل إذا تحدثت للناس أحرم الأجر. أرجو منكم الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أراد أن ينال أجر الصابرين الذين وعد الله تعالى به من صبر من عباده بغير حساب في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {البقرة: 155- 156} . وفي قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10} عليه أن يصبر الصبر الجميل، والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله تعالى.
قال القرطبي في التفسير: والصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه لأحد ولا جزع.
ولمعرفة أنواع الصبر وعظيم أجره وأقوال العلماء حوله نرجو الاطلاع على الفتوى: 4428.
وأما الشكوى والتضجر فليس مرغوبا شرعا على العموم، وقد كره ذلك بعض أهل العلم.
ولا بأس بذكر الألم وحال الشخص ما لم يصل إلى حد التضجر والاعتراض على قضاء الله تعالى وقدره.
فقد قال الله تعالى حكاية عن أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ {الأنبياء: 83} . وقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه.. رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد سبقت الإجابة عن ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 28045.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1426(9/5175)
التعامل مع الصديق الذي يحب أن يكون هو الأحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ...
كيف يمكن التعامل مع صديق يحب أن يكون دائما هو الأحسن وهو الذي يعرف كل شيء!!!؟ والله المستعان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يدعو إلى التواضع والتآلف، ونحو ذلك من الأخلاق النبيلة، وينهى عن ضد ذلك من الكبر والتقاطع والتدابر، ونحو ذلك من الأخلاق الدنيئة.
ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وفيه أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي بعضكم على بعض ...
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: الكبر بطر الحق، وغمط الناس. رواه مسلم، قال النووي رحمه الله: أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، وقوله صلى الله عليه وسلم: وغمط الناس. معناه: احتقارهم.
فإذا كنت ترى أن الذي بصاحبك هو بسبب الكبر فعليك بنصحه -أولاً- وتذكيره بالآيات والأحاديث في هذا الشأن، وذكره بعاقبة الكبر في الدنيا والآخرة، وأنه بالكبر يكرهه الله، ويكرهه خلق الله، فإن لم ينزجر فلا بأس بهجره والإعراض عنه إذا كانت المصلحة في ذلك.
وإن يكن ما به ليس بكبر فلا بأس بأن تترفق به معرضا عما يبدو لك منه، فإن محبة الإنسان الحسن أمر مرغب فيه، ففي الحديث الشريف: إن الله جميل يحب الجمال. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(9/5176)
العقل والدين والعولمة
[السُّؤَالُ]
ـ[التمييز بين العقل الذي يحث عليه الدين الحنيف وبين العقل الذي يقع تحت وطأة العولمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقل نعمة من الله تعالى منحها الإنسان وميزه بها على سائر البهائم، ومن ثم كان العقل هو مناط التكليف، وقد أوجب الله تعالى حفظه وجعله من أعظم الضروريات، وحرم إفساده وتعطيله.
والعقل في الشريعة عقلان، عقل هو مناط التكليف لكل من أدرك الخطاب الشرعي وفهمه، وعقل اهتداء هو لأولي الألباب الذين كتب الله لهم الهداية، قال الله تعالى عن الكفار: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ {الملك:10} ، فذكر سبحانه أنهم نفوا عن أنفسهم العقل الذي به الاهتداء من الضلال، وإن كان لهم عقل هو مناط تكليفهم بأصول الشريعة وفروعها.
ولقد ندب الله الإنسان لأن ينظر بعقله في نفسه وخلقه وفي الآفاق وملكوت السماوات والأرض ليزداد يقينه وإيمانه بالله رب العالمين، كما أن أكثر الشريعة الإسلامية معللة، يستطيع الإنسان بعقله أن يدرك الحكمة منها.
ولقد حجب الله تعالى عن العقل أشياء وجعله قاصراً عن إدراكها أو إدراك حقيقتها، ومن هذه الأشياء ذات الله وكنه صفاته، فمن التكلف المذموم أن يعمل الإنسان عقله فيها، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء:36} .
وأما دعاة العولمة فإنهم في الحقيقة يريدون إلغاء كل عقل وكل تفكير وكل تصور لا يوافق ما عندهم حتى يكون للناس تصور واحد عن جميع الأشياء، ويجعلون التصور الغربي هو المثال الذي يحتذى، ويستخدمون في سبيل ذلك ما لديهم من مقدرات ومؤثرات قوية، والعقل بهذه الصورة التي يريدونها لا دور له، لأنه لا يختار ما ينفعه، بل هو تابع ومقلد لما تفرزه الحضارة الغربية التي لم تهتد بنور الوحي.
والواجب على الأمة المسلمة أن تنتمي لهذا الدين الحنيف، وأن تعتز بالهوية الإسلامية، وأن تحذر الانصهار في الثقافات الأخرى، وعليها أن تتحصن من ذلك، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 55038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(9/5177)
التدرج في الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مبدأ التدرج في الطاعات يكون في السنن فقط أم في الفرئض علما بأن الله عز وجل حرم الخمر على مراحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يقوم بما أوجب الله عليه إلا ما عجز عنه فلا يكلفه الله به لقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286} . وعليه أن يجتنب ما حرم الله عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه. ولكن لو دار الأمر بين أن يتدرج الشخص في القيام بالواجبات وترك المحرمات وبين أن يصر على ما هو عليه، فإن عليه أن يتدرج في ذلك ويستعين بالله تعالى، وأما القيام بالمستحبات وترك المكروهات وما لا يليق من العادات فهي محل التدرج والترقي فيها، قال الله تعالى في الحديث: ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعذينه. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(9/5178)
كثرة صلاة الصالحين من قبلنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ما ورد عن ابن المبارك رحمه الله أنه كان يصلي 300 ركعة في اليوم والليلة؟ علما أنه لو افترضنا أن الركعة الواحدة، إذا استوفت خشوعها، تستغرق على الأقل 4 دقائق، يعني أن 300 ركعة ستستغرق 1200 دقيقة (20 ساعة) على الأقل ... فأين هو وقت النوم وطلب وتلقين العلم وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الرزق ... ؟؟؟
وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف أن الركعة قد تستوفي أركانها وخشوعها في أقل من أربع دقائق، وعلى كل حال، فإن السلف قد روي عنهم من كثرة الصلاة في اليوم والليلة أكثر من العدد المذكور، ولم نطلع في ترجمة ابن المبارك على أنه كان يصلي العدد المذكور بالتحديد مع أنه كان في الغاية القصوى من العبادة، ففي كتاب رهبان الليل للدكتور سيد حسين العفاني ج:1 ص52 قال: قال علي بن الحسن بن شقيق لم أر أحدا من الناس أقرأ من ابن المبارك ولا أكثر صلاة منه، وكان يصلي الليل كله في السفر وغيره، وكان يرتل القراءة ويمدها ... انتهى. قال: ويروى عن زين العابدين علي بن الحسين أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكذلك علي بن عبد الله بن عباس المعروف بالسجاد.. ومصعب بن ثابت بن الزبير بن العوام. انتهى. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: كان أبي يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته فكان يصلي كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة. انتهى.
وقد أوضحنا في الفتوى رقم: 20110 كلام الحافظ ابن حجر وغيره عن معنى حديث لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض. رواه البخاري.
فقد ذكر أن المراد بتقارب الزمان نقص البركة منه. انتهى
ولا شك أن الله قد بارك للصالحين من سلف هذه الأمة في وقتهم يظهر ذالك من كثرة صلاتهم وتعليمهم وتأليفهم، ومع ذلك كانت لهم بيوت وزوجات وأشغال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(9/5179)
أسباب البلاء وحكمته
[السُّؤَالُ]
ـ[عنوان السؤال: الدنيا وجوه وأعتاب النص: أسمع كثيرا بأن الدنيا وجوه وأعتاب أي أن الضيق بكل أشكاله ومضامينه ممكن أن يحصل للإنسان من زوجته أوسكنه.وأسمع أيضا أن هذا ما يتردد لاعلاقة له بالدين..أرجو معرفة الحقيقة عما إذا كان المثار يستند إلى الدين أو هو مجرد كلام لا علاقة للدين به
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة " الدنيا وجوه وأعتاب" لا نعلم لها أصلاً، ولكن قد يبتلى المرء بزوجته أو دابته أو سيارته التي يركبها أو جيرانه أو غير ذلك وأسباب البلاء متنوعة، وانظر بعضها في الفتويين: 25874، 44779. ولدفع البلاء الواقع على العبد أسباب، انظر طائفة منها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 18306، 9124، 25380، 43195، 49016، 59054. وانظر الحكمة من الابتلاء وما يشرع عند نزوله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 13270، 13270، 13849، 18103، 30794، 33359. وقد تكون الزوجة شؤما على زوجها وكذلك الدار أو الدابة قد تكون شؤماً على صاحبها، وكل ذلك بتقدير الله تعالى، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 25602، 10259، 14326.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(9/5180)
الدنيا دار مشقة وبتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على جهودكم المباركة وأسأل الله أن يجعلها في موازين حسناتكم آمين،
أسألكم باختصار ما معنى لقد خلقنا الإنسان في كبد، هل الإنسان سيظل فى الشدائد مهما كان، علما بأنني بدأت أكره نفسي وأخاف على عيالي وأقول هل الله سيعيننا في الدنيا وقت الشدائد وعند الموت وفى القبر و ... و ... لا أدرى ماذا أفعل ياليتني ما خلقت!! ياليتنا ما خلقنا إلا للعبادة وبس وما يكون فيه حساب ولا جزاء حتى الأطفال سيشيب شعورهم يوم القيامة وهم ما لهم ذنب فهل الله تعالى سيعينهم ويعيننا على ذلك اليوم الرهيب علما أنني ما لي نفس أعيش وقد طار النوم من عيونى أكثر الأحيان وأصبحت، عصبية أغلب الأحيان وأخاف من القبر وأخاف أن لا أكون عملت معصية وأنا لا أعلم بها ثم أتورط في القبر وأتعذب ولا أحد داري عني ومرة أخاف من أن يكون الله ما يتقبل صلاتي، فإنني أشك في طهارتي وأنا أصلي وفكري في مكان وأنا فى مكان ثاني أدعو الله بأن يرأف بحالنا.. ما أقدر أكتب أكثر من ذلك فأنا متوترة؟ وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {البلد:4} : روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: يعني: منتصباً، زاد ابن عباس في رواية عنه: منتصباً في بطن أمه، والكَبَد الاستواء والاستقامة، ومعنى هذا القول: لقد خلقناه سوياً مستقيماً، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ. وكقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
وقال سعيد بن جبير: لقد خلقنا الإنسان في كبد. في شدة وطلب معيشة، وروي عن الحسن: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة ... انتهى بتصرف.
ولا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا جاهد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء. وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. وانظري الفتوى رقم: 55390، والفتوى رقم: 25874.
هذا واعلمي أن البلاء في الدنيا له أسباب كثيرة، انظري بعضها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 22830، 13270، 19002، 20967.
فأحسني الظن بربك، وتوكلي عليه وثقي بما عنده، فالله عند ظن عبده به، وافعلي من الخير ما تطيقين، والزمي الاستقامة على أمر الله تعالى، فستجدين عاقبة ذلك قبل الموت وعنده وفي القبر ويوم القيامة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، وقال أيضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {محمد:7} .
واعلمي أنك إن أديت الطاعات على وجهها مستوفية شروطها وأركانها ولم تكن ثمة موانع، فإن الله يقبلها منك، فلا تستسلمي لوساوس الشيطان، وانظري شروط قبول العبادة في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 14005، 8589، 6417.
ولا تسترسلي في الخواطر أثناء الصلاة، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة الفاتحة في كل ركعة، وحافظي على الأذكار التي تقال في الصلاة عموماً، وانظري الفتوى رقم: 3087، والفتوى رقم: 8759.
واحذري الوسوسة في باب الطهارة فإن عاقبتها وخيمة، وانظري الفتوى رقم: 10355، والفتوى رقم: 3086.
واجعلي ذكر الموت حافزاً لك للإكثار من الطاعات والابتعاد عن المعاصي، لا مقعداً لك عن جميع نشاطك ومزهداً لك من ممارسة دورك في الحياة، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6603، 8181، 22947.
هذا ومن أهم أسباب طمأنينة القلب وانشراح الصدر -ذكر الله تعالى- قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، وإن أعظم الذكر: كلام الله، فاقرئي القرآن بتدبر وحضور قلب، فقد قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} ، وواظبي على ذكر الله تعالى، وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدينها وغيرها في كتاب (حصن المسلم) للقحطاني.
والتمسي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات وشاركيهن في فعل الخيرات، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واستمعي للأشرطة الإسلامية النافعة، وأهدي منها لجيرانك وأقربائك، وشاركي في نشر الخير، فإن مشاركتك في الدعوة إلى الله وفعل المعروف ودلالة الناس إليه ستجدد حياتك فضلاً عما تجنينه من الثواب، وتذكري أن الدال على الخير كفاعله.
وأسألي الله بذل وإلحاح وأنت موقنة بالإجابة أن يشرح صدرك وينور قلبك، وأن يلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يرزقك الاستقامة والثبات حتى الممات، وتحري في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، وانظريها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11571، 2395، 23599، 17449، 32655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(9/5181)
إطلاق النظر من تزيين الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من ابتلي بالنظرة مع أن لديه وسواسا قهريا وخوفا داخليا من أن لا يلاحظ الآخر هذة النظرات، ويعلم الله بأنه لا يوجد وراءها شيء ولا تمن ولا شهوة، مع أني أقوم الليل وأصلي صلواتي كلها كاملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30-31} .
والنظر سهم من سهام إبليس اللعين، يصطاد به من تهاون به، وأطلق له العنان، وأمر النظر أخطر مما قد يظن، فإن أكثر الفواحش بدأت بنظرة، وفي الحديث الشريف: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر.... الحديث. متفق عليه.
وقال الشاعر:
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها * فعل السهام بلا قوس ولا وتر
وعليه فالواجب عليك هو التوبة الصادقة النصوح، وهي الإقلاع عن الفعل والندم على ما حصل منه والعزم على عدم العود إليه، ونسأل الله أن يهدينا وإياك وأن يثبتنا حتى نلقاه وهو راض عنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(9/5182)
شروط عدم المؤاخذة بالشعور بالحزن من االظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة خاصة ولدي زميلة تعمل معي بنفس العمل وأنا بشهادة الجميع وبالإحصاءات أتفوق عليها بنسبة عالية جدا وبشهادتها هي أيضاً فأنا أنجز ما نسبته 90 % من العمل في القسم ناهيك عن معرفتي وقدرتي على الاستنتاج وأخذ القرارات ولكن ما يؤلمني هو عند التميز تعامل مثلي تماما بل أفضل (فهي لا تعمل ولكن تحصل على كل الامتيازات) . هذا الموضوع يسبب لي الكثير من الحزن والألم الشديد الذي لا يمكنني أن أشكوه لأحد. فهل ما أشعر به حرام ولا يجوز وماذا علي أن أفعل لأتخلص من هذا الشعور الذي يصيبني بالإحباط الشديد ودائماً أقول في نفسي إن الدنيا ليست دار العدل وأنه لا سبيل أبدا ليتم إنصافي. وأخاف خوفاً شديداً أن يعاقبني الله إذا أنا شعرت بالضيق عندما أعمل تحت ضغط العمل الشديد وهي تعمل بكل راحة أرشدوني ماذا أعمل أكاد أفقد صوابي وأنا أتوجه دائما بالدعاء إلى الله ليريح بالي.
بانتظار ردكم بفارغ الصبر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على إخلاصك في أداء عملك، وجزاك الله خيرا على الاجتهاد في سبيل نفع المسلمين والسعي في مصالحهم، فخير الناس أنفعهم، وقد حث الشرع الحنيف على إتقان العمل والتفاني في سبيل إخراج ما يكلف المرء به من أعمال على أحسن صورة وأكمل وجه، وقد بينا فضل ذلك في الفتوى رقم: 53372.
والمرء حينما يخلص في عمله يرجو الأجر أولا من الله تعالى، ولا يقدح في إخلاصه أن يطلب العوض المقابل لهذا العمل في الدنيا. وحصول الحزن في القلب عند الظلم من الآخرين أمر طبيعي، ولا يعاقب المرء عليه بشرط أن لا يكون حزنه مشتملا على ما يغضب الله تعالى كالسخط على الأقدار، أو عدم الرضا بما قسمه الله تعالى.
وبناء على ذلك، فإننا ننصح الأخت الكريمة بالمداومة على إتقان العمل والصبر على ما فيه، وإن غلب على ظنها أن لها حقا لم تحصل عليه فلا مانع من أن تطالب به وتسلك في سبيل الحصول عليه السبل المشروعة، والله تعالى الموفق والهادي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1426(9/5183)
الهمة وبلوغ منازل الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني أن أبلغ منزلة الأنبياء، أو أكون في نفس درجة سيدنا عيسى وإبراهيم ما عدا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه منزلته لا يبلغها أحد.. سألت أستاذي فقال لا.. لا يمكن.... إ ن كان جوابكم لا فهناك آية في القرآن سورة النساء (69) \"وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا\"، وإن كان الجواب نعم الرجاء التوضيح مع الأدلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشارع قد حث على علو الهمة والحرص على معالي الأمور، وقد كان الصحابة يبحثون عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله ليعملوا بها، ففي الحديث: إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
وفي البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك، قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة.
فعلى المسلم أن يحرص على اتباع الأنبياء والقيام بأفضل الأعمال، وليعلم أنه مهما بلغ من العمل لن يساوي أحداً من الصحابة فأحرى الأنبياء، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
ومن المعلوم أن الأنبياء أفضل من الصحابة لما في المسند عن علي رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين. قال شعيب الأرناؤوط: صحيح وهذا إسناد حسن.
وأما المعية المذكورة في الآية فإنها تفيد الصحبة والمرافقة والمشاركة في دخول الطائعين الجنة مع النبيين ولا تستلزم بلوغ منزلتهم، ويدل لذلك سبب نزول الآية، قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. أي: من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون، ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم.
وقال البغوي في تفسيرها: قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يكون الحال في الجنة وأنت في الدرجات العليا ونحن أسفل منك؟ فكيف نراك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: وَمَن يُطِعِ اللهَ -في أداء الفرائض- وَالرَّسُولَ -في السنن- فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ -أي لا تفوتهم رؤية الأنبياء ومجالستهم لا لأنهم يرفعون إلى درجة الأنبياء والصديقين.
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها، قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
وقال ابن حجر في الفتح عند شرح هذا الحديث: قوله: إنك مع من أحببت أي ملحق بهم حتى تكون في زمرتهم وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح المعية، فيقال إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت الدرجات. وراجع للزيادة من التفصيل في أسباب معيتهم الفتوى رقم: 4539.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(9/5184)
مواجهة الشكوك والشبهات بالإيمان والعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 28 سنة متدينة ولا أزكى نفسي وإن كانت لي الزلات والهفوات، أخاف الله وأحبه كثيرا وأبكي من خشيته حافظة لأجزاء من القرآن الكريم ولازلت أتابع مداومة على قرءاة الأذكار داعية إلى المعروف إن شاء الله يشهد لي كل من يعرفنى بالخلق الكريم مصيبتي أنني أعاني زيغا فى العقيدة بالرغم من كل ما ذكرت فمجرد سماعي لحديث بدعي عن مذهبه أشك في مذهب أهل السنة وأقول لما لا يكون المبتدعون هم على حق وخاصة إذا استدلوا عن سبب تمسكهم بمذهبهم ولو أجلس مع أحد منهم يوما كاملا ويحصل لى غسيل دماغ لاعتناق مذهبهم أنقلب رأسا على عقب والمصيبة الكبرى حتى عندما أرى يهوديا أو مسيحيا وكيفية عبادتهم وطقوسهم الدينية أقول لما لا يكونون هم على الحق فذلك التخبط والمربك البدون هوية يقلقنى جدا فدلونى بالله عليكم كيف أثبت على عقيدتى وكيف أتخلص من هذا الزيغ؟
جزاكم الله عنى كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يرزقك الاستقامة. اعلمي رحمك الله أن الطريق إلى الجنة واحد، وهو طريق مستقيم دلنا عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ {الأنعام: 153} . وانظري الفتوى رقم: 33503. فإذا تقرر هذا فاستمسكي بما أنت عليه من الحق، ولا تبالين أهل الأهواء من المبتدعة ولاتستمعي إلى ما يقولونه فتنطلي عليك شبهاتهم فإن شبهاتهم وإن كانت أوهى من بيت العنكبوت إلا أنها قد تنطلي على ضعيف الإيمان وقليل العلم، ولذلك فإن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يحذرون أشد التحذير من صحبة أهل الأهواء ومجالستهم، فكانوا يجتنبونهم ويؤثرون السلامة في دينهم على مجالستهم. وكذلك يجب عليك أن تتعلمي من علوم الشريعة ما يقوي إيمانك ويثبت يقينك. وتوسعي في قراءة كتب العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة، ومنها كتاب " الإيمان " للدكتور محمد نعيم ياسين. وتوسعي في قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن ذلك كتاب " الرحيق المختوم" للمبا ركفورى، و " صور من حياة الصحابة" لعبد الرحمن رأفت الباشا، و" رجال حول الرسول" لخالد محمد خالد. أما اليهود والنصارى فلا شك في كفرهم وأنهم حطب جهنم، نص على ذلك القرآن الكريم في غير ما موضع، وفيه قوله تعالى: ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ {البينة:6} . وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وأمرنا الله تعالى أن نسأل اجتناب طريقهما في كل ركعة من الصلاة أثناء قراءة سورة الفاتحة، قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ {الفاتحة:7} . والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى. ولقد قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار. رواه مسلم. وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1487، 5750، 16091. ومن أهم أسباب الثبات والاستقامة سؤال الله الهداية، فاسألي الله بذل وإلحاح أن يرزقك الاستقامة والثبات على الصراط المستقيم، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي وحسنه. ولمزيد فائدة راجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800، 33780، 19691.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(9/5185)
الخوف من الزواج والغيرة والغبطة
[السُّؤَالُ]
ـ[عدم الإقبال علي الزواج هل هو خوف؟
2- دعاء من يغار من أخيه الاصغر مع تمنيه له السعادة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في من بلغ سن الزواج أن يكون لديه إقبال واندفاع ورغبة في الزواج وهذه فطرة خلقها الله عز وجل في الإنسان
وعدم الإقبال على الزواج والرغبة فيه ممن هو في هذه السن أمر غير طبيعي ولابد أن له اسبابا قد تكون نفسية وقد تكون عضوية
فإن كانت عضوية كأن يكون عدم إقباله على الزواج لضعف قدرته الجنسية ونحوها فيراجع في ذلك الأطباء
وأما إن كانت نفسية كالخوف والرهبة من موضوع الزواج فيكون بحاجة إلى سماع نصح ومشورة أهل الأختصاص في الإستشارات النفسية بعد وصف الحالة بدقة
أما عن السؤال عن دعاء من يغار من أخيه، فهذه الغيرة إما أن تكون غبطة وإما أن تكون حسدا
أما الغبطة فهي أن تتمنى وترغب أن يكون لك مثل ما عند أخيك، مع الرضى بما قسمه الله تعالى لك ولا تتمنى زوال ما عنده، وهذا حال المؤمن فإنه يغبط ولا يحسد
أما الحسد فهو أن لا ترضى بقسمة الله تعالى وتتمنى زوال النعمة عن أخيك
والذي يظهر أنها غبطة وذلك لأنك تتمنى لأخيك السعادة كما قلت
ولا نعلم دعاء خاصا في هذا لكن نحيل على الفتوى رقم 5557 لمعرفة ما يعين المرء على التخلص من الحسد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(9/5186)
الافتتنان بالنساء منزلق خطير
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وصلت إلى حد الضلال بشكل غير طبيعي فأنا لا أصلي منذ أكثر من 4 أشهر أكذب أزني حتى أصبحت درجة الإيمان ضعيفة في قلبي مع أنني تربيت تربية إسلامية فريدة ولكن هنا في دبي الفساد يعم كل مكان والمشكلة أنني شهواني جدا رغم أنني خاطب ولكن تحدد موعد الزفاف بعد سنتين , تخيلوا بعد سنتين لأنني غير ميسور ماديا بالشكل الذي يريدون وأنا جامعي وأعمل بمنصب رفيع المستوى في شركة عالمية ودخلي جيد , قطعت كل الأرحام منذ 6 شهور لا أعرف لماذا , أمي متوفاة منذ 4 سنوات وأحس أن زمام الأمور بدأت تفلت من يدي في كل شيء بسبب بعدي عن الله عز وجل والغريبة أنني لا أشعر بالندم رغم انغماسي بتلك الشهوات لعنها الله , ولكن أريد أن أتوب أرجع إلى الله عودة المؤمن التائب لكي أكون حبيبه فماذا أفعل ماذا أفعل , إني تائه وأريد حلا , أرجوكم لا تهملوا هذه الرسالة أنا مسلم بالفطرة وأحب الله والنبي حبا جما ولكن لماذا يحدث ذلك لا أعلم , حبي للنساء وعدم عفتي يضعني في مأزق بشكل متواصل أريد أن أبعد عنهم وأحب خطيبتي ولكن لا أعلم كيف كلما أرى امرأة أنسى كل ما يجري لي من عدم توفيق بكل أموري وأعود إلى الرذيلة والزنى , أرجوكم ساعدوني (أنا سوري أعيش في دبي وعمري 27 سنة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك، وأن ينور قلبك، ويلهمك رشدك، ويقيك شر الشيطان وشر نفسك. آمين.
اعلم رحمك الله أنك واقع في مجموعة من كبائر الذنوب الكفيلة بأن تردي من يقوم بها في نار جهنم إن لم يتداركه الله برحمته، فتب من الآن ما دام في العمر فسحة، واحذر فجأة الموت، فإنه يأتي بغتة، وبعده جنة نعيم أو نار جحيم ولن تصبر والله على حر جهنم.
هذا، واعلم أنك بفضل الله فيك بقية من خير، وما زلت متمسكا بأصل الإيمان الذي نرجو من الله أن يزداد توهجه في قلبك فتستقيم جوارحك، فتب الآن واندم على ما فرطت في جنب الله تعالى، وأقم الصلاة على وقتها واحذر من تركها، فإن تاركها على شفا هلكة. وانظر الفتوى رقم: 6061.
واتق الله في أقوالك وأفعالك، واحذر الكذب فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، أعاذك الله منها، ولا يكون المؤمن كذابا أبدا.
واحذر من قطيعة الرحم، فإن الجنة لا يدخلها قاطع رحم. وانظر الفتويين: 13912، 18350.
هذا، واجتهد في ترك العمل في دبي إن كنت لا تستطيع أن تلتزم بشرع الله تعالى، وابحث عن عمل في مكان آخر تقل فيه أساب الغواية لتحافظ على إيمانك، واستعن بالله فسيرزقك خيرا منه إذا صدقت معه، ولا تستسلم لشهواتك وغض بصرك عما حرم الله، وتعفف، واعلم أن جميع لذات الدنيا وشهواتها ينساها العبد مع أول غمسة يغمسها في نار جهنم، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1602، 26511، 16688 واعلم أنه تجب عليك المبادرة إلى الزواج فتعف به نفسك عن الحرام، ولا عذر لك في تأخير الزواج فلا ترهق نفسك وتكلفها فوق ما تطيق من تكاليف العرس، فالأمر أهون مما تظن، وإن لم تقبل خطيبتك الحالية بالزواج السريع على أي حال فاتركها والنساء سواها كثير، واظفر بصاحبة الدين التي تعرف أن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة، وانظر الفتويين: 4073، 3659.
وإذا صادفت امرأة فتعفف واصرف بصرك عنها، وتذكر نظر الله إليك ومقته لمن يعصيه ويمد عينيه إلى ما ينهاه عنه، وتذكر الحور العين اللاتي ادخرهن الله لمن صبر عن شهوات الدنيا الفانية. واسأل الله تعالى أن يرزقك الهداية والعفاف وأن يعجل بزواجك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم.. وذكر منهم الناكح يريد العفاف. رواه البيهقي.
هذا، وننصحك باتخاذ رفقة صالحة من الشباب المؤمن الطاهر، فإن صحبتهم من أعظم المعينات بعد الله على الاستقامة والثبات على دينه تعالى، فاعبد الله معهم وتعاون معهم على الخير، واطلب العلم النافع، واستغفر الله وأكثر من ذكره في كل وقت، وحافظ على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم، وتجدها وغيرها في كتاب حصن المسلم للقحطاني، فاجعل لك وردا من كتاب الله تعالى تقرؤه يوميا بتدبر، وذلك من أهم أسباب محبة الله تعالى لك.
هذا، وننصحك باستماع الأشرطة الدينية المسجلة وهي متوفرة بحمد الله على شبكة الإنترنت، ومن أهم ما يسمع: محاضرة بعنوان: "توبة صادقة" للشيخ سعد البريك، وشريط "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" للشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي، وشريط "جلسة على الرصيف" للشيخ سلمان العودة، وشريط "على الطريق" للشيخ علي القرني، وتجد هذه المحاضرات وغيرها على موقع www.islamway.com على الإنترنت، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800، 6603، 36423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(9/5187)
أسباب ضغف الإيمان ووسائل تقويته
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة في الله
أنا مقيم في دولة أجنبية وما يخفى عليك ما في هذه الدول من الفساد وإني لأشعر وهو ما أنا عليه فعلا أني قد أصبت بحالة تبلد وعدم مبالاة كالنظر إلى الأجنبيات وعدم الذكر وعدم تلاوة القرآن، مع أني كنت من المداومين على حفظ القرآن في بلادي ولا أدري ما أصابني هنا، فماذا تنصحونني أفادكم الله ولا تنسونا من خالص دعائكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإقامة في بلاد الكفر والإباحية لا تخلو من أضرار ومفاسد في الدين والخلق، وهذا ظاهر في أكثر أبناء المسلمين الذين يقيمون بين ظهراني المشركين، فقد تقطعت صلتهم بدينهم وفسدت أخلاقهم وسلوكياتهم، وانحلت عرى أسرهم وتشعبت بهم السبل، ونقل لنا من أخبارهم وحكاياتهم ما يحزن القلب ويندى له الجبين، ونحن نقول للأخ السائل إن السلامة لا يعدلها شيء، وعليك أن تجنب نفسك ذلك وتترك الإقامة في البلاد الفاسدة ما لم تكن مضطراً إليها.
وأما الذي أصابك أنت فسببه ضعف طرأ على إيمانك فبادر إلى تقوية إيمانك وانتشال نفسك، وقد كنا بينا من قبل أسباب ضعف الإيمان ووسائل تقويته، فراجع فيها الفتوى رقم: 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1426(9/5188)
لا يلام المرء على تخصيصه أهل الفضل بالإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنني أحب الخير لكل الناس وأحاول أن أقدم يد المساعدة لكل من أستطيع تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أحب العيال إلى الله أنفعهم لعياله)) ولقوله ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ولكن في حبي وخدمتي أختص الملتزمين والمقيمين لحدود الدين أكثر من غيرهم فأقدم يد المعونة لإخواني الملتزمين ولو على حساب نفسي أما الآخرون فأخدمهم بما لا أتضرر أنا به. فهل أساوي بينهم؟ فأكون أقرب إلى مجلس النبي صلى الله علي وسلم يوم القيامة ((أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنهم أخلاقا)) وعندما أتلقى الشكر على المعروف أُسرّ وهذا يدفعني إلى المزيد من العمل فهل هذا يبعدني عن الإخلاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس. رواه الطبراني وحسنه الألباني في (صحيح الترغيب والذهيب) ، وفي لفظ آخر: خير الناس أنفعهم للناس. رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) . ولا شك أن الإحسان إلى الناس فضله عظيم وثوابه جزيل، وصاحبه محمود عند الله والناس. وإن من تمام الإحسان إلى الناس: كف الأذى عنهم، وأمرهم بكل معروف يقربهم إلى الله، ونهيهم عن كل منكر يباعدهم عن الله. وكونك تخص المستقيمين المتمسكين بالدين بمزيد إحسان ـ فهذا مما تمدح عليه، لأن حب المؤمنين في الله تعالى يتبعض ويتجزأ، هذا يدل على أن محبتك لأهل الاستقامة أتم وأو فر. وولاؤك لهم أعظم. ولقد ندبنا نبينا إلى إكرام أصناف من الناس إكراماً يفوق غيرهم من المؤمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو دواد وحسنه النووي. ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يدني أهل العلم والفضل والسبق من مجلسه، ويخصهم من الإكرام بما لا يخص به غيرهم، وكان يعظم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وعلى هذا، فليس لأحد أن يلومك على إكرامك لأهل الفضل وإحسانك إليهم وتقديمك إياهم على غيرهم، فلك في رسول الله أسوة حسنة وأنت على سنن الخلفاء الراشدين المهديين. وأما كونك تتلقى بعض الشكر من الناس جزاء إحسانك دون أن يكون مقصودك من العمل ابتداء هو ثناء الناس ـ فلا شيء عليك إذا فرحت بثنائهم، فتلك عاجل بشرى المؤمن، وانظر الفتوى رقم: 41236. هذا، وليعلم أن حديث: الخلق كلهم عيال الله، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله. لا يصح، وقال عنه الألباني في (السلسلة الضعيفة) مرة: ضعيف ومرة ضعيف جداً، ويغني عنه الحديث الذي صدرنا به الجواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(9/5189)
رد الحقوق إلى أصحابها قبل يوم القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أن لي أخا متبنيني منذ ثلاثين عاما وقام باتخاذ إجراءات تسجيلي باعتباري أحد أبنائه دون رضاء مني ولا رفض أيضا ولكن بعد أن أنهيت دراستي الجامعية طلبت تصحيح وضعي ولكنه خلال الثلاثين عاما كانت جميع أموالنا تحت إدارة أخي الذي كان متبنيني والآن أطالبه بحقوقي لديه ورفض مع العلم أن لنا أخا ثالثا ولكن لديه وثيقة تثبت شراكته أما أنا عند مطالبتي بتوثيق ذلك بورقة عرفية يرفض الأخ الأكبر بحجة أن مثل هذا الأمر قد يلحق ضررا بالعائلة وينقطع رزق الجميع الآن كيف يمكن أن أسترد جهد ثلاثين عاما من يد أخ ظالم0
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني لا يجوز وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 27090، والفتوى رقم: 32352. وأما الذي يمكنك فعله فإن كنت تملك البينة أو الشهود على حقك فلك أن تقاضيه وتلزمه برد حقك، وإن لم يكن لك بينة ولا شهود فذكره بالله تعالى لعله يتعظ ويرتدع عن أخذ حقك، وإلا فحقك لن يضيع وستناله بإذن الله يوم يجمع الله الخلائق لفصل القضاء، وفقك الله لطاعته، وهدى أخاك ليقوم برد الحقوق إلى أصحابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(9/5190)
إهدار النعمة ينافي شكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني أرجع الطعام نتيجة الرجيم الخطأ الذي فعلته فأنا إذا أكلت الطعام أرجعته، أحيانا أحاول أن لا آكل ولكن أرجع لذلك لأني أجوع أفكر كثيرا أن لا آكل لأني أحس بأن الله سيحاسبنا على هذه النعمة لأن غيري يحتاجها وأنا آكل وأرجع أحدهم قال لي لا ضرر ولا ضرار]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعمد إفساد الطعام خطأ لا ينبغي ومعصية لا تجوز لحرمته، ولأن الإسراف محرم كما قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف: 31} وقال صلى الله عليه وسلم ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس. رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد وابن ماجه وإسناده صحيح. فينبغي للمسلم أن يعتدل في أكله وشربه. وتعمد القيء أقل ما فيه الكراهة، وقد قال الحكماء: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وإذا أخبر الطبيب بأن في تعمد القيء ضررا على البدن فإنه يحرم للحديث: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه مالك في موطئه، والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ولقوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة: 195} . وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى دواء لما يشعر به المرء في داخل نفسه فقال: البر ما سكن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وإن أفتاك الناس وأفتوك. حديث صحيح أخرجه أحمد والدارمي. وقال صلى الله عليه وسلم لصحابته لما شبعوا وقد أخرجهم الجوع: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم. رواه مسلم.
وشكر النعمة واجب ولا شك أن إهدارها وإفسادها ينافي ذلك، فاتق الله ولا تأكلي أكثر من حاجتك، واعلمي أن الله سائلك عن مالك سؤالين: من أين اكتسبته، وفيم أنفقته. كما صح بذلك الحديث عند الترمذي وغيره.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(9/5191)
الخوف الوهمي لا يليق بالمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد
سؤالي هو دائما أحلم إني مريض حتى وأنا صحيح وأخاف مع أني والحمد لله مؤمن وأقوم بكل واجباتي الدينية هل هذا نقص في قوة إيماني وكل ما اسمع عن أحد مريض أخاف أفيدوني وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمد الله تعالى على ما أعطاك من الهداية والتوفيق للقيام بالواجبات الدينية، واعلم أن من كمال الإيمان أن يعلم المؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن لا يخاف إلا الله. لقوله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {التوبة: 51} وقوله: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {آل عمران: 175} وقد ذكر أهل العلم أن الخوف إذا كان من شيء طبيعي محسوس لا إثم فيه مثل الخوف من مطعوم فيه ميكروبات ضارة، وأما الخوف الوهمي من غير المحسوسات فإنه لا يليق بالمسلم الموقن بالله تعالى، وراجع للتفصيل في أنواع الخوف وأحكامها وللعلاج في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 2649، 25072، 11500، 22768.
ويمكن أن تراجع بعض الأطباء النفسانيين أو قسم الاستشارات بالشبكة ليعطوك بعض ما يفيدك في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(9/5192)
التوبة من الذنب وأثرها على سائر العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا صغير أخطأت في حق طفل مثلاً والآن تبت والحمد لله كنت جاهلا أيامها وكبرت وبعد عشر سنوات تذكرت المعصية والحق له السؤال هل الأعمال الصالحة يتقبلها الله مني الصلاة والصيام. . . الخ، أم عندما أستسمح من الطفل علما بأن الشاب اليوم (الطفل) أنا وإياه مناح يعني فش إشي بيني وبينه نسينا زمان هذا الحكي قبل عشر سنوات وإذا قلت لي يا سيدي الشيخ استسمح منه أفضل فأنا ناوي عندما يأتي من أميركا أستسمح منه يعني النية موجودة لكن الله يعلم متى يأتي من أميركا لأني على التلفون بستحي أقول له لأنه محتمل يصير إحراج لي وله الموضع أنه الله بيقبل الأعمال الصالحة لحين ما يأتي الموضوع إنه مارسنا اللواط الله أعلم غصبا عنه يعني أكرهته عليه أم لا والله اني مش متذكر لانه زمان يعني الاعمال الصالحة مقبولة طول الفترة أم لا؟ أرجوك يا شيخ أن تجيب بأسرع وقت والله إني أتعذب مره بقول أنا على الفاضي بصلي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بنعمة التوبة قبل ان يدهمك الموت ولا ينفعك الندم حينئذ.
واعلم أن الشأن في المؤمن أنه لا ينسى ذنوبه، وإن بعد عهده بها، بل إنه يراها كجبال توشك أن تقع عليه، فهو مع توبته منها دائم الوجل، والخوف من عواقبها، ويرجو من الله أن يغفرها له.
واعلم كذلك أن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله توبة نصوحا فإن الله يقبل توبته ويغفر ذنبه. قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 104} . وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن الله يبدل سيئات التائب حسنات، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 68-70} .
هذا، وإن من تمام توبتك أن تسعى في طلب العفو ممن أخطأت في حقه بقدر المستطاع، ولكن لا تواجهه بما كان بينكما، بل قل له قولا لا يوقعه ويوقعك في الحرج، فاستحلَّه استحلالا إجماليا كأن تقول له: قد كان بيننا خلطة ومعرفة قديمة، وقد يكون بدر مني بعض الأخطاء في حقك، فسامحني.
ثم اعلم أنه لا تأثير لذنبك الذي تبت منه على عبادتك، وأن ما تفعله من الطاعات إذا استوفى شروطه وأركانه ولم يكن ثمة موانع فإن الله يقبلها ويثيبك عليها، ولن يضيعها عليك. قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ. ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 7479.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(9/5193)
الصبر والرضا صماما أمان للمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ ثلاثة شهور بعد تخرجي من الجامعة وهناك فارق مادي بيني وبين زوجي وهو صارحني بذلك قبل الزواج وقلت له إنني سأتعايش وأتأقلم مع الحياة الجديدة..ولكن حياتي اختلفت كثيرا فأنا أسكن بنفس مدينة أهلي ولكن بعيدا عنهم فلم أعد أخرج نهاية الأسبوع ولم أعد أرى الأهل والصديقات إلا أن أهلي يزورونني بحكم أن زوجي ليس معه رخصة وسيارة..علما أنني كنت مع أهلي أخرج دائما..وأنا لم أخرج معه إلا مرة واحدة بعد الزواج ... حتى أن أصناف الأكل التي أشتهيها تغيرت..أحزن على نفسي حينما أتذكر أنني كنت أشترط على أهلي أن نخرج للمكان كذا ولا نخرج للمكان كذا والآن أتمنى أن أخرج لأي مكان حتى لو أمشي فقط على قدمي لأي بقالة.. ومنذ بداية الزواج وأنا منزعجة من هذا الوضع ولكن لا أظهر له انزعاجي ولا أشتكي لأحد سوى الله.. والذي ساعدني على الصبر الأشهر الماضية أن أمه عاشت معنا ثلاثة شهور وكانت قريبة مني جدا ولكن منذ أسبوعين سافرت لبلدها وأصبحت أحس بملل كبير رغم أنني أحاول إشغال وقتي بحفظ القرآن في المنزل وقراءة الكتب في تخصصي والاستفادة بمعلومات النت ولكن المشكلة أنني مللت من المنزل أحس أن كل الأيام مثل بعضها..وحينما يأتي زوجي من العمل نبقى ساعات طويلة بصمت فليس عندي ولاعنده أخبار جديدة بدأ التذمر يظهر على تصرفاتي ولا أعبر عنه سوى بالبكاء حتى ... أحيانا أرسم البسمة على وجهي وأنا حزينة..أنا لا أقصر في حقوقة ولكن بكائي المستمر جعله يتذمر ولا أستطيع أمثل عليه السعادة ولا أعطيه إياها لأن فاقد الشيء لا يعطيه..أود أن أصبر وأتمنى أن أكسر حاجز الملل الذي خيم على حياتنا..ولكن لا أدري كيف؟؟؟ ساعدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد أن ننبه الأخت الفاضلة إلى أمر مهم أن المرء بدخوله في الحياة الزوجية يكون قد دخل مرحلة جديدة من حياته مختلفة عن ما عهده ودرج عليه في بيت أبيه وأمه كما قالت المرأة الفاضلة في وصيتها لابنتها: لو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليهما كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال. أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا.
فهذه المرحلة تختلف عن ما ألفته الفتاة في بيت أهلها، وعليها أن تعلم أن هذه المرحلة مرحلة المسئولية فلم تعد الفتاة طليقة كما كانت من قبل؛ بل عانية أسيرة في بيت زوجها مأمورة بالقرار في البيت، تقع عليها مسئوليات كبيرة من حمل وولادة وتربية الأبناء والقيام على خدمة ورعاية بيت زوجها. فلا بد للفتاة أن تتكيف مع الوضع الجديد ثم بعد أن تستقر لديها هذه الأمور فلا بأس من الترفيه وتغيير نمط الحياة وكسر حاجر الملل. وهذا الأمر تستطيعين القيام به بالتفاهم مع الزوج بداية بإخباره بكونك متضايقة من الجلوس في البيت، وأنك تريدين الخروج للنزهة والاستجمام ولو بأخذ أحد محارمك لك بسيارته، كما يمكنك أن تنشئي علاقات مع جاراتك، ومع صديقاتك السابقات عن طريق زيارتهن لك، ومن الوسائل القيام بزيارة أهلك وقضاء وقت عندهم حتى تتحسن الحالة النفسية ويكون ذلك بإذن الزوج.
هذه بعض الوسائل.. والزوجان بتفاهمهما وتفهم الزوج لنفسية زوجته يستطيعان إيجاد الكثير من الوسائل، وأهم من ذلك كله الاستفادة من هذا الفراغ فإنه نعمة مغبون فيها كثير من الناس -كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك- فيمكن أن يستغل في أشياء كثيرة مفيدة من عبادة وعلم وغير ذلك.
كما ننبه الأخت إلى صمام الأمان للمسلم وهو الصبر والرضى بما قسم الله للعبد، ثم نبشر الأخت أن هذه فترة سوف تمر وسيجعل الله بعد عسر يسرا فسيأتي الأولاد ويملؤون عليك حياتك، وكذلك الزوج ستتحسن ظروفه وسيملك سيارة إن شاء الله وتنجلي هذه السحابة عن حياتكم. وفقك الله لما يحبه ويرضاه وجعلك من الصالحات القانتات الحافظات للغيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(9/5194)
التحدث عن الذنوب الماضية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت مرتبطة بشاب وحدث بيننا أشياء تغضب الله ولكنها ليست زنا (تقبيل) ، ولكن لم يشأ الله أن يتم الزواج، ولكني حتى قبل انتهاء هذا الموضوع كنت قد تبت إلي الله وحاولت جاهدة أن أقوم بكل ما أستطيع من حسنات حتي تذهب السيئات، وكنت قد شعرت أن الله قد غفر لي حيث إنه يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به، ولكن ما يؤرقني ويكاد يدمر نفسيتي هو أن الله بدلني بهذا الشخص شخصا آخر أفضل وشعرت أن هذا الشخص مكافأة من الله على توبتي النصوح ومحاولتي لإرضائه في كل أفعالي، ولكن ضميري يقتلني حيث إنني أشعر أن ما حدث بيني وبين الآخر ذنب لا أستحق معه شخصا كهذا، وأيضا أن هذين الشخصين من الممكن أن يتقابلا في يوم من الأيام، فهل أنا بارتباطي بهذا الشخص يقلل من كرامته حيث إنني لا أريد أذيته أبدا أو التقليل من شأنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمدي الله تعالى أن حفظك من الفاحشة الكبرى، ومن عليك بالتوبة وساق إليك رجلاً صالحاً، ونصيحتنا لك أن لا تترددي في قبوله بعد الاستخارة والاستشارة، ولا تخبري بما كان منك مع الرجل السابق أحداً قريباً كان أو بعيداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. وفقك الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(9/5195)
الرغبة في الزواج هي فطرة في الأسوياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدرس حاليا وأنا لا أحب الاجتماع مع الناس أو التعرف والاختلاط معهم.فحياتي هي أني أصلي الصلوات الخمس جماعة ولله الحمد وأذهب إلى المدرسة ومن ثم أعود إلى البيت. هذا نمط حياتي باختصار.وأنا ولله الحمد لا أسمع ماحرم الله ولا أتكلم بما لا أعرف ومطيع لوالدي. ولكن أنا أريد أن أعف حالي بالزواج ولكن ليس لدي الإمكانية المادية فصمت ولله الحمد كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبتعد عن ما يثير الغريزه لدي ولكن يقلب على نفسي الميل إلى ذالك وأخشى على نفسي أن أقع فيما حرم ربي وأنا لا يوجد لدي إنسان أقول له مابي وأشكو له همي أو شاوره في أموري.......
وأود أن أقول لكم ما في نفسي ولكن لا أريد الإطالة عليكم..
أرجو منكم ياورثة الأنبياء أن تدعوا لي وأن ترشدوني وتوجهوني ...
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي حفظك وصان سمعك وبصرك عما حرمه، فكل لذات الدنيا لا تساوي شيئا إذا كان سيعقبها عذاب الله يوم القيامة، والدنيا قليلة حقيرة، وهي مهما طالت فهي إلى فناء، وبعدها الخلود في النعيم أو العذاب المقيم.
فهنيئا لك عفافك وصبرك، وأبشر برضوان الله عنك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة. رواه الإمام أحمد وغيره وحسنه الأرناؤوط. أي ليس له ميل وانحراف في سلوكه.
وأما بالنسبة للميل إلى النساء والرغبة في الزواج فإنها فطرة كل الأسوياء من الرجال وما تعاني منه يعانيه جل الشباب في مثل سنك، فاستمر في الصيام ولا تمل فتنقطع عنه، واسأل الله الكريم ذا العرش العظيم بذل وإلحاح أن يرزقك العفاف وأن يعجل بزواجك فإنه بالإجابة جدير، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. والتزم آداب الدعاء، والتمس أوقات الإجابة الشريفة، وانظر ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571 و 2395 و 23599 و 17449 و 32655 و 8581.
واملأ وقتك بما ينفعك في الدنيا والآخرة ويشغلك عن تلك الغريزة، ومن أهم وأعظم ذلك حفظ كتاب الله، فأنت في سن يسهل فيها حفظ القرآن، فالتحق بمركز لتحفيظ القرآن أو اندرج في حلقة في المسجد ولو منفردا مع إمامه. وانظرالفتوى رقم: 35857.
ونم عندك ملكة القراءة، فإن القراءة تعلي الهمة، وتصرفك عن سفاسف الأمور، وابدأ بقراءة حياة حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم من أي كتاب في السيرة ثم اقرأ حياة باقي الأنبياء وكذلك حياة الصحابة والتابعين.
واتخذ صحبة صالحة من الشباب الطاهر المتوضئ والتمسهم من رواد المساجد؛ فإن صحبة الصالحين تغري بالصلاح، وهي من أعظم المعينات بعد الله على الثبات على دينه.
وفقك الله وحفظك وأقر عينك بزوجة صالحة. آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(9/5196)
من مظاهر غربة الدين في هذا الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ضاق صدري مما أرى وأسمع فإنني لا أجد أحدا أشكو إليه همي بعد الله من أهل الحق إلا أنتم حيث إننا هنا في مصر صارت حالنا إلى حال يشبه أيام الجاهلية الأولى فقد انتشرت بيننا البدع وأمور الشرك الأصغر والأكبر من احتفالات عظيمة بالموالد والأعياد والتبرك بقبور الأولياء والصالحين وغير الصالحين من المنافقين والأفاقين والمشعوذين والدجالين فللأسف لا يوجد قرية ولا مدينة على أرض مصر إلا وبها ضريح ولي أو قبر رجل صالح يتبرك به الناس ويلجئون إليه في قضاء حوائجهم من دون الله الواحد القهار الضار النافع. كما يقام كل عام أكثر من ألف عيد من أمثال أعياد (أبو حصيرة في البحيرة وأبو الحجاج في الأقصر والفلكي في الشرقية والبدوي في طنطا والمرسي أبو العباس في الإسكندرية) وهذه مجرد نماذج صغيرة للأشخاص الذين تقام لهم أعياد ناهيك عما يحدث في هذه الموالد من بدع ومحرمات دينية وأخلاقية وكل هذا بخلاف الاحتفال الكبير بمولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة مبالغ فيها تنافي مبادىء الشريعة الإسلامية الحنيفة وتقام على أساس لم يرد في سنة الخلفاء الراشدين ولا التابعين وأيضا بخلاف الاحتفال السنوي بموالد أهل البيت رضي الله عنهم جميعا مثل مولد السيد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والدعاء عند قبورهم والتوسل إلى الله بهم والتقرب إليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكأننا نعيش في هذه الحياة من أجل أن نحتفل ونحتفل ونحتفل بكل شيء وبأي شيء فلا يوجد أناس في هذا العالم يحتفلون مثلنا أو يستطيعون أن ينافسونا في مجال الاحتفال.
وكل هذا صغير مقارنة بما انتشر في طول البلاد وعرضها من أعمال السحر والربط والتفريق والدجل والشعوذة وأعمال الزار واللجوء إلى السحرة لتسيير أمور الحياة وحل مشاكلها وأحيانا اللجوء إلى القساوسة والرهبان في الكنائس لمهارتهم في هذا المجال فأكاد أقسم بالله أنه لا تخلو دار في قرى مصر من هذه الأمور فاعلا أو مفعولا له فإن نسبة من لهم علاقة بهذه الأمور قد تعدت 50 % من أهل مصر المحروسة (المحروسة طبعا بالشياطين والمردة والعفاريت) , ومصادر معرفة الناس في هذا المجال لا تنضب من كتب السحر الأسود والأصفر والبنفسجي كما أن إخواننا من علماء المغرب العربي لم يبخلوا علينا بأي من كتب علوم السحر السفلي والعلوي والهوائي والناري وأمدونا مشكورين بكل ما نحتاج إليه لنكتب طلسما أو نعمل حجابا أو نعمل عملا أو نفك تعويذة فقد انتشرت هذه الكتب في الأسواق بين الناس وأصبح حجم تداولها لا يصدق والعياذ بالله.
كما أصبح رجال الدين أضعف وأوهن مما تتصورون فلا فتوى صريحة ترضي الله ولا نصيحة سليمة تصيب عين الداء ولا دلالة واضحة إلى الطريق السليم وإلى اتباع شرعي كامل لسنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أصبح علماؤنا في واد ونحن في واد وسبحان الله.
فانظروا ماذا ترون وكيف تنصرون الدين وتساعدون الأمة؟
مسلم حزين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يفرج همك ويقر عينك بعودة أهل الكنانة إلى السنة المحمدية، واعلم أيها الأخ الكريم أن ما ذكرته مظهر من مظاهرغربة الدين في هذا الزمان بل من زمن طويل والله المستعان. ولكن أبشر فإن مع العسر يسرا، وعليك بالصبر وطلب العلم النافع والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقا للضوابط والقواعد الشرعية المعروفة، وقد ذكرناها في الفتويين: 9358 و 30715.
واعلم أنه على الرغم مما ذكرته من انتشار مظاهر الباطل فإن القطر المصري والحمد لله مليء بالخير وبأهل السنة العاملين وبالدعاة والعلماء وطلاب العلم، والصحوة الإسلامية المباركة تعم البلاد طولا وعرضا، وكل هذا من مبشرات الخير، وكذلك كثير من علماء الأزهر على خير ويعملون بعلمهم؛ وإن كان الإعلام غير مسلط عليهم، ففتش عن هؤلاء وتعاون معهم على البر والتقوى. ولا تنظر إلى المجتمع من زاوية واحدة سوداء فتيأس. وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 12916 و 32949 و 58011 و 22163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(9/5197)
الغلو في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد من أعلامنا تفسير ظاهرة الغلو في الدين تفسيرا وافيا.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإفراط والغلو والتشدد في الدين، وكذلك التفريط والتساهل والتفسخ والانحلال من الدين كل ذلك ناشىء عن الجهل بما شرعه رب العالمين، فإن منهج الإسلام هو التوسط بين الطرفين، والمطلوب من المسلمين هو الاستقامة من غير غلو وتشدد ولا تفريط وتفسخ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا {هود: 1121} .
هذا، وإن أردت الوقوف على تفسير واف لظاهرة الغلو من حيث أسبابها وآثارها وعلاجها، فإننا نحيلك على كتابين مهمين في هذا الموضوع، وكلاهما من تصنيف الدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الأول بعنوان: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، طبع مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ في مجلد واحد. والكتاب الثاني بعنوان: مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر الأسباب، الآثار، العلاج. طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، في ثلاث مجلدات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(9/5198)
إلزام النفس ببعض الطاعات عقابا لها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا قيدت لنفسي عدداً ما من الاستغفار والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) كعقاب لأي معصية أو تفريط.. كل حسب حجمه.. من قبيل محاسبة النفس، ومن باب\\\" إن الحسنات يذهبن السيئات\\\".
مثال ذلك:
إذا فاتني ترديد الأذان أو السنة الراتبة أو الضحى مثلاً فالعقاب من الاستغفار والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثاً
إذا فاتتني تكبيرة الإحرام مثلاً فخمساً
إذا فاتني الخشوع أو جلسة الإشراق أو الذكر (المقيد أو المطلق) فسبعاً
إذا فاتني قيام الليل أو ورد القرآن أو درس العلم فعشراً
إذا فاتني الفرض فمائة
وهكذا
هل يعد ذلك بدعة؟ وإذا كان ذلك كذلك فما البديل؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإلزام النفس ببعض الطاعات عقابا لها على التفريط ليس بدعة، وهو منقول بكثرة عن السلف رحمهم الله، فقد ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن وهب أنه كان يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. انتهى.
ولكن لا ينبغي تحديد عدد معين من الذكر لكل خصلة مما ذكر في السؤال.
وينبغي لك الإكثار من ذكر الله تعالى في كل حال لا كونه خاصا بتفريطك في طاعة من الطاعات.
وللتعرف على فضل الاستغفار وأهميته راجع الفتوى رقم: 39154 كما ثبت الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في الفتوى رقم: 21892.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(9/5199)
إظهار الأعمال الصالحة هل يعد رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أساتذتنا الكرام, أحد أصدقائي لديه العديد من الأسئلة التي تدور في مجملها على محور واحد ألا وهو الإخلاص في العبادة. حيث يقول إنه من المسلمين المواظبين على الصلاة في أوقاتها, في العديد من الأحيان يذهب إلى صلاة الجماعة في نية اتباع أوامر الله عز وجل وكذلك لكي يبرهن لأصدقائه أنه من الناس المواظبين على هذه الطاعة (يوجد بين هذه المجموعة من الشباب منافسة خفية على من يكون أقرب إلى الله من خلال التواجد في المسجد والطاعات في جميع النواحي) فهل هذا العمل يعتبر رياء والعياذ بالله؟ والسؤال الثاني إنه يحب سماع القرآن الكريم أثناء القيادة بصوت عال وذلك من أجل إعلام الناس أن سماع القرآن أفضل من الأغاني وإنني مسلم بالإضافة إلى طاعة الله, فهل هذا رياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكون عمله كله سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء مما يقرب إلى الرياء، وقد تقدم بيان حقيقة الرياء وأنواعه في الفتوى رقم: 10992.
أما إظهار الأعمال الصالحة فلا يعتبر رياء إذا أراد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو شيء سوى التقرب إلى الله تعالى.
وقد استحب أهل العلم إظهار الأعمال للتحريض عليها والاقتداء بصاحبها. قال في الزواجر عن اقتراف الكبائر: وقد يمدح الإظهار فيما يتعذر الإسرار فيه كالغزو والحج والجمعة والجماعة، فإظهار المبادرة إليه وإظهار الرغبة فيه للتحريض بشرط أن لا يكون فيه شائبة رياء. والحاصل أنه متى خلص العمل من تلك الشوائب ولم يكن في إظهاره إيذاء لأحد، فإن كان فيه حمل للناس على الاقتداء والتأسي به فالإظهار أفضل لأنه مقام الأنبياء ووراثهم، ولا يخصون إلا بالأكمل، ولأن نفعه متعدد، ولقوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وإن اختل شرط من ذلك فالإسرار أفضل. اهـ.
أما التسابق على فعل الطاعات فقد حثنا الله عز وجل عليه فقال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {البقرة: 148} وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران: 133}
وقد كان ذلك من هدي السلف الصالح؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 59819.
أما سماع القرآن الكريم بصوت مرتفع لكي يسمعه الناس ويعلمون أنه أفضل من الأغاني فأمر محمود؛ إلا أن يترتب عليه إزعاج الآخرين وإيذاؤهم بارتفاع الصوت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(9/5200)
الترقي إلى الكمال في الأخلاق والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والكمال لله أود أن أرسل لكم سؤالي مع أنني أعلم أن هذا السؤال قد مر عليكم كثيراً فإنني والحمد لله شاب أعزب طيب القلب ومسامح وعلى خلق باعتراف الجميع، لكن الله ابتلاني وما زال يبتليني بالعديد من البلاء كالأمراض من ثقل في السمع واللسان وحصوة في الكليتين وأيضاً ابتلاني في ظروفي العائلية حيث أبي لم أره حتى الآن ولم أعرف عنه شيئا هل هو ميت أم حي، وأمي التي تزوجت أكثر من مرة (أربع مرات) ، وعائلتي التي معظمهم يعملون الفواحش ما ظهر منها وما بطن هذا جزء مختصر من مآساتي لكن ليس هي المقصودة من سؤالي الذي أحب أن أوجهه لكم، وهو قد ذكر حديث للرسول فيما معناها \"ما من عبد يذنب حتى يتوب يغفر الله له........... \"، لكن بالرغم من الحمد لله أخلاقي حسنة يحدث مني بعض الشوائب كغض البصر وأشياء أخرى، ويعلم الله والله أعلم بأن معظم ذنوبي والله أعلم بسبب هذه العيوب التي في، لكن أنا لست راضيا عن هذه العيوب وأريد أن أكون مثل الرسول في خلقه لكن هذا مستحيل جدا لأن الرسول كامل الخلق وقد قرأت لكم بعض الفتاوى تتعلق بالتوبة والذنوب فهمت منها أن هناك تعارضا بين تفسيركم لهذا الحديث وشروط التوبة حيث على ما أعتقد أن هذا الحديث يوضح أن العبد توبته مقبولة لحين عمل ذنب آخر بغض النظر حتى لو كان صمم على عدم العودة مرة أخرى لكن حضرتكم وضحتم من شروط التوبة الصادقة عدم العودة مرة أخرى أليس هناك تعارض، أرجو الإجابة علي لأنني أحياناً أعمل ذنوبا مع أنني متأكد أني ممكن أقع فيها مرة أخرى كما وضحت لكم، وهل توبتي من الذنب الأول مقبولة حتى لو رجعت مرة أخرى، ولي ملاحظة أخرى: ما هي درجات الخلق أو الإيمان، لأننا نعيش في زمن صعب على المسلم الابتعاد عن المنكرات وعمل كل المعروف؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أنت فيه من البلاء دليل على حقارة الدنيا وأن متعتها زائلة، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن ما عند الله خير للأبرار، واعلم أنك إن صبرت ولم تضجر أو تتسخط فإن أجرك عند الله عظيم جزيل، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10} ، وانظر الفتوى رقم: 51946.
والواجب عليك أن تبادر بالتوبة مما تلمّ به من الذنوب والتي منها إطلاق البصر إلى ما حرم الله النظر إليه، وبخصوص الاستشكال الذي أوردته؟ فنقول: إنه لا تعارض بين قبول توبة من أذنب ثم يعود، وبين توقف قبول التوبة على استيفاء شروط قبولها.
فإن التائب من الذنب إذا استوفى شروط التوبة النصوح والتي منها الندم على ما قارفت يداه والعزم الأكيد على عدم العودة لذلك الذنب فإن الله يقبل توبته ويمحو ذنبه، فإن عاد إلى نفس الذنب فإن الله لا يغلق باب التوبة دونه، بل يقبله إذا عاد نادماً عازماً على عدم العود لما يسخط الله، فالله لا يقبل توبة من لم يندم، ولا من هو مصرّ على معاودة الذنب، وانظر الفتوى رقم: 1909.
وأما الأخلاق وأعمال الإيمان، فبعضها واجب وبعضها مستحب، ولا بد من تحصيل الواجب للدخول في زمرة المؤمنين، وأما من أراد أن يدرج نحو الكمال فعليه أن يزيد من الأعمال المستحبة.
ومن أعمال الإيمان الواجبة: أركان الإسلام لمن استوفى شروطها، وبر الوالدين وصلة الأرحام، وموالاة المؤمنين ومحبتهم، ومعاداة الكافرين والبراءة منهم وغير ذلك.
ومن أعمال الإيمان المستحبة: ما شرعه الله ولم يفترضه على عباده كنوافل العبادات وذكر الله مطلقاً وقراءة القرآن، قال الله تعالى: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..... رواه البخاري، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4478، 12178، 20666، 24093، 24211.
وأما قولك إنه يصعب الابتعاد عن المنكرات وأداء كل معروف، فنقول: إن من أراد رضوان الله والجنة فلا بد له من مجاهدة، فإن سلعة الله غالية وقد حُفَّت بالمكاره، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} .
وإن مما يعينك على الاستقامة على طريق الهداية سؤال الله أن يشرح صدرك ويلهمك رشدك ويكفيك شر الشيطان ونفسك، ثم اتخذ صحبة صالحة من المؤمنين، فإن صحبتهم من أعظم المعينات على الثبات على طريق الحق، ففتش عنهم وانتظم في سلكهم، واعبد الله معهم، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وراجع الفتوى رقم: 25342 والفتاوى المرتبطة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1426(9/5201)
وسائل زيادة المحبة بين المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب من أهلي ختلفنا في مواضيع شتى ولكن بدر مني بالاعتذار ولم ترجع علاقتنا كما كانت فترة الاختلاف ثلاث سنوات كلما اتصلت به فتح الموضوع مرة ثانية أريد فيها الآيات والأحاديث تحث على نبذ الخلاف.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فساد ذات البين من أسباب ضعف الإيمان بل ذهابه بالكلية، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ {الأنفال: 1} . وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟! قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة. رواه الترمذي. وقال: حديث صحيح، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: دب إليكم داء الأمم، الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولاتؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبتُ ذاكم لكم، أفشوا السلام بينكم. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
هذا.. ولقد أحسنت عندما قدمت الاعتذار لهذا الشخص الذي اختلفت معه، وكون العلاقة لم تعد كما كانت ـ فهذا بسبب الشيطان الذي يزكي القطيعة بين المسلمين، ولقد أرشدنا نبينا إلى تدابير تزيد المحبة بين المؤمنين، ومنها: الهدية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ت هادوا تحابوا. رواه البيهقي وحسنه الألباني. ومن ذلك أيضاً الابتسام وتكلف البشر عند لقائه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة. رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني. ومن ذلك أيضاً أن تنتبه عند الحديث معه، فتنتقي أطايب الكلام وأرقه كما تنتقي أطايب الثمر، فقد قال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة: 83} ، وقال أيضا: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ {الإسراء: 53} . وفي المقابل تجتنب في كلامك ما يؤدي إلى إغضابه، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكرهه. ومن التدابير أيضاً أنه إذا كلمته أن تقبل عليه بوجهك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن شيئاً من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك ـ إن ذلك من المعروف. رواه أبو داود والترمذي وصححه الندوي والألباني. ومن التدابير أيضاً: حسن الاستماع إليه إذا تكلم وعدم مقاطعته وإظهار الاحترام لرأيه والتقدير لشخصه، ففي قصة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتبة بن ربيعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمع لعتبة حتى أنهى كلامه، ثم قال له: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: أفعل، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بداية سورة فصلت حتى انتهى إلى السجدة. ومن التدابير التي تزيد المحبة بينك وبينه: مناداته بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له إذا جلس إلى جوارك في المجلس، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ثلاث يصفين لك من ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتناديه بأحب أسمائه إليه. وانظر طائفة من الآيات والأحاديث الحاثة على نبذ الخلاف بين المؤمنين في الفتاوى التالية: 55821، 20902، 24125.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1426(9/5202)
الطريق إلى اتباع الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف للإنسان أن يتبع كتاب الله وسنة رسوله في عصرنا هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتباع الكتاب والسنة في عصرنا وفي كل عصر يكون بتصديق خبر الله وخبر رسوله، وبالامتثال لأوامرهما، وبالانتهاء عن نواهيهما، ولا يكون ذلك إلا بعد طلب العلم النافع الذي يُعرف به مراد الله ومراد رسوله.
والمستقيم على طريق الهداية هو الذي لا يتلقى منهاج حياته من مصدر آخر غيرهما، فلا يقدم عقلاً ولا هوى ولا ثقافة غربية ولا شرقية عليهما، ثم هو مع تمسكه بالكتاب والسنة في خاصة نفسه فإنه يأطر من ولاه الله أمرهم من زوجة وأبناء ونحوهم على الحق أطرأً، ثم ينطلق بدعوته بعد ذلك إلى حيث يستطيع، فيأمر بكل معروف، وينهى عن كل منكر، وقد امتلأ قلبه بحب الله وحب رسوله، قاطعاً عن نفسه كل سبب إلا الله، فلا يتوكل إلا عليه ولا يخاف إلا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(9/5203)
المساعدة على المعصية وفعل المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء أمواس حلاقة لشخص، وأنا أعلم أنه سيستخدمها في حلاقة لحيته، وماذا لو كان هذا الشخص والدي, وهو قد يجد جهداً لكبر سنة ومرضه إذا ذهب لشراء الأمواس بنفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يساعد أحداً على معصية وفعل محرم، فهذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله تعالى عنه حيث قال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} .
ولو كان هذا الشخص والدا أو شخصاً كبيراً فلتساعده بكلمة طيبة ونصيحة مفيدة تبين له فيها أن حلق اللحية لا يجوز ويكون ذلك بأسلوب ودي وهادئ، وتنبيهه أن مساعدته وخدمته بالمعصية تعاون على الإثم والعدوان.
والمسلم لا يطلب رضى المخلوقين بسخط الخالق، قال الله تعالى: وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ {التوبة:62} ، وطاعة الوالدين واجبة فيما أحل الله تعالى ولا تجوز طاعتهما في الحرام، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 37206.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(9/5204)