التفريط في الطاعات سبب للحرمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مصاب بدوالي الخصيتين وهو مرض قد يؤثر على الإنجاب وقد لا يؤثر وإذا كان يؤثر فإن علاجه قد يزيل هذا الأثر وقد يبقى كما هو والذي أريد أن تساعدوني فيه هو أن الشيطان يوسوس لي أني لن أنجب وما إلى ذلك مع أني على إيمان تام أن هذا بيد الله وأن هذا المرض علاجه سهل وليس بالضروري أن يؤثر على الإنجاب مع العلم انه لا يسبب العقم التام وهذه الوساوس تتمكن مني أحيانا كثيرة وأتخلص منها أحيانا أخرى والذي يزيد من سوء الأمر هو انه جاءت فكرة في رأسي أن من يدعو الله كثيرا ويتقرب منه قد يبتليه الله والذي يبعد عن الطريق الصحيح فلا يبتليه الله بالتالي جاءت فكرة أعوذ بالله أن تتحدث وهي أن ابعد عن الطريق الحق
فأعينوني وأرشدوني كيف أتخلص من هذه الوساوس وأمانة عليك يا شيخي الفاضل أن تتذكرني بالدعاء أن يهديني الله ويرزقني الذرية الصالحة الصحيحة دائما
وقد حلمت منذ فترة أني قد رزقت توأما والحمد لله فهل من الممكن أن تكون بشرى من رب العالمين مع العلم أني كثير الدعاء أن يرزقني الله الذرية الصالحة
أنا شاب في كلية الصيدلة وعندي 19 عاما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالبعد عن هذه الوساوس وإياك واليأس والقنوط، فالله تعالى كريم يستجيب دعاء من دعاه فقد استجاب لزكريا بعد أن بلغ من الكبر عتيا وكانت امرأته عاقرا، وقد شرع الله تعالى التداوي من الأمراض ولم ينزل داء إلا أنزل له دواء.
وأما فكرة ترك الاستقامة والبعد عن الهداية فهي فكرة خطيرة، فالمعاصي والتفريط في الطاعات سبب للحرمان كما حصل لأصحاب المزرعة الذين عزموا على حرمان الفقراء منها فقد حرمهم الله منها فأصبحت كالصريم، وأما الطاعات فهي سبب لفلاح الدنيا والآخرة وتيسير الأمور وصلاح الأحوال، فقد قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} .
ونسأل الله لك الهداية والذرية الصالحة ونرجو أن تكون رؤياك بشرى خير.
وننبه إلى أن قولك: (وأمانة عليك) الذي ورد في السؤال إن كنت تقصد به الحلف أو الاستحلاف بالأمانة فهذا لا يجوز.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 014172
وراجع كذلك الفتاوى التالية أرقامها: 95299، 57380، 27048، 64831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1429(9/4302)
أثر المعاصي على أداء العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضراتكم أن ترشدوني وجزاكم الله خيرا
أنا والحمد لله حريص على صلاة الجماعة ولكني أجد صعوبة في صلاة الفجر مع أني أتخذ جميع الوسائل في تشغيل المنبه عدة مرات ومع ذلك أغلقه دون أن أشعر به أو لا أسمعه بتاتا ولكني عندما أواظب على الرياضة أستطيع أن أستيقظ حتى دون منبه مع العلم أنني رياضي ولكن أوقاتي لا تسمح لي من ذلك كل يوم فهل ذلك ناتج من المعاصي.وهل أعتبر آثما في غيابي عن الصلاة مع اجتهادي لبلوغها وما هو السبيل لحل هذه المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على حرصك على أداء الصلاة في جماعة، ولا إثم عليك إذا نمت قبل دخول وقت صلاة الفجر وأنت تحرص على أدائها ثم فاتتك، والذي ينبغي هو الحرص على اتخاذ جميع الوسائل المؤدية إلى الاستيقاظ؛ كوصية شخص بإيقاظك، وقد يكون هذا هو أفضل وسيلة للاستيقاظ بعد عدم نجاح اتخاذ المنبه، ولا يجب عليك ممارسة الرياضة ولا اتخاذ وسيلة لكي تستيقظ لصلاة الفجر في جماعة، وراجع في ذلك الفتوى رقم 106148.
وشؤم المعاصي قد يترتب عليه فوات بعض الطاعات، وبالتالي فإذا كنت قد ارتكبت بعض المعاصي فإن ذلك قد يكون هو سبب حرمانك من صلاة الفجر في الجماعة.
قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين متحدثا عن الأسباب المعينة على قيام الليل:
الرابع: أن لا يحتقب أي يفعل الأوزار بالنهار فإن ذلك مما يقسي القلب ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك. انتهى
وفي حاشية العدوي على الخرشي متحدثا عن حبس الأضحية حتى يفوت وقتها المحدد شرعا لذبحها:
قوله: وقد أثم إلخ أي دل هذا الترك على أنه ارتكب ذنبا يأثم فيه حتى فوته الله بسببه هذا الثواب لأن الله يحرم الإنسان القربة بذنب أصابه، لا أن حبسها يوجب الإثم لأنها سنة لا يأثم بتركها. أو المراد بأثم أنه فاته ثواب السنة. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1429(9/4303)
وجوب التوبة من مشاهدة الصور المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تبت من العادة السرية، ولكن لا أزال أشاهد بعض الصور، وقد أصبحت كثير الاحتلام نوعا ما، وسؤالي هو: هل كثرة الاحتلام مما يعوضني الله به لتركي العادة السرية كما في الحديث الشريف: (من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على التوبة من العادة السرية التي هي محرمة وأضرارها كثيرة ونسأل الله أن يتقبل توبتك وأن يثبتك عليها لكن تجب عليك التوبة أيضاً من مشاهدة الصور التي تحرم مشاهدتها، فقد أمر الله تعالى بغض البصر عن كل ما يحرم النظر إليه حيث قال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، والاحتلام في النوم من تلاعب الشيطان كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 32576.
وعليه فلا نقول إن الاحتلام خير جزيت به وعوضت على ترك العادة السرية لأنه من تلاعب الشيطان بالإنسان لكنه لا إثم فيه لوقوعه من غير قصد الإنسان، ولعل السبب في كثرته هو ما تشاهده من هذه الصور، وراجع الفتوى رقم: 2283، والفتوى رقم: 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(9/4304)
توبة كوافير النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل كوافيرا للنساء وامتنعت عن هذا العمل فما هي الكفارة التي أقوم بها عما كنت أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجب عليك التوبة الصادقة مما سبق، وعليك الاستغفار ولإكثار من العمل الصالح، فقد قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110} .
وقال تعالى: وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54}
وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} .
وما حصلت من الأموال عن طريق الكسب الحرام يتعين عليك صرفه في مصالح المسلمين، وأن تستغني عنه بالحلاقة للرجال.
وإن كنت فقيرا محتاجا فلك أن تأخذ منه بقدر ما يرفع عنك وصف الفقر كما نقله النووي في المجموع عن الغزالي، والأولى أن تستثمر هذا القدر من المال في تجارة أو عمل مباح وتنفق على نفسك من ريعه ثم تصرف تدريجيا من المال في مصالح المسلمين حتى تتأكد من براءة ذمتك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18470، 50434، 73335، 24332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(9/4305)
أيهما أفضل العابد سيء الخلق أم تارك الصلاة حسن الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الزمان يوجد صنفان من المسلمين
1-رجل يقوم بجميع العبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى علينا ولكن أخلاقه سيئة جدا مع الناس سواء من المسلمين أو من أهل الكتاب أو الكافرين ولا يخاف من الله أذا ظلم هذا أو سرق هذا أو حتى كان السبب في طلاق امرأة من زوجها بدون أن يلقي لهذا أي اهتمام..
2-أما الرجل الآخر فهو أخلاقه مع الناس جيدة جدا حيث إنه يساعد الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل كما أنه أمين وصادق ولا يخشى في الله لومة لائم ولا يخاف إلا الله لكنه مقصر في عبادته فيصلي يوما ويترك آخر أو حتى يتكاسل عن الصلاة في أوقاتها..
أرجو الإفادة أيهم أفضل عند الله سبحانه وتعالى مع الشرح تفصيلا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
فإن كلا الوصفين صاحبه قد خلط عملا صالحا وآخر سيئا وهو على خطر عظيم إذا لم يتب إلى الله تعالى، والذي يظهر أن الذي يتهاون بالصلاة ويتركها من غير نوم ولا نسيان أعظم جرما لأن كثيرا من أهل العلم يرى أن تارك الصلاة كافر ولو كان مقرا بوجوبها على تفصيل في ذلك، ولأن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد فإن قبلت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلا الوصفين صاحبه قد خلط عملا صالحا وآخر سيئا وهو على خطر عظيم إذا لم يتب إلى الله تعالى. والذي يظهر أن الذي يتهاون بالصلاة ويتركها من غير نوم ولا نسيان أعظم جرما لأن ترك الصلاة أعظم الذنوب بعد الكفر بالله تعالى، بل ذهب كثير من أهل العلم إلى أن تارك الصلاة كافر ولو كان مقرا بوجوبها على تفصيل في ذلك، ولأن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد فإن قبلت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر.
فالذي يؤدي فرائضه ويسيء إلى الخلق ولا يتورع عن ظلم ولا سرقة ولا إفساد بين زوجين محسنا بالتزامه بأداء الفرائض، مسيئا بما يرتكب من أذية الناس بسوء الأخلاق والظلم والسرقة والإفساد بين الأزواج، ويخشى عليه إذا لم يتب إلى الله تعالى ويتحلل ممن ظلمهم أن توزع حسناته يوم القيامة كلها على أهل المظالم ويوضع عليه من خطاياهم ثم يلقى في النار والعياذ بالله تعالى.
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال قال رجل يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار، قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها قال هي في الجنة. رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد، والحديث ذكره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال صحيح.
وفي حديث آخر:........ وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل. حسنه الألباني.
أما الآخر فهو مقصر في أهم ما فرض الله عليه وهو الصلاة وما يتصف به من الصدق والأمانة ومعاملة الآخرين بالحسنى وما يقوم به من مساعدة الفقراء والمساكين والأيتام لا يغني عن صلاة واحدة، لأن الصلاة هي أهم الأعمال بعد توحيد الله تعالى، وهي أول ما يحاسب عليه العبد فإن قبلت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر، ففي الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إ ن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك. والحديث صحيح كما ذكر الألباني.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 103984، 27952، 99958.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1429(9/4306)
السبيل إلى اكتساب الحسنات والأجر الجزيل
[السُّؤَالُ]
ـ[أهل مكة يصلون في المسجد الحرام والصلاة فيه تعادل مائة ألف صلاة في سواه، وأهل المدينة لهم المسجد النبوي فيه الصلاة بألف دونه ... فكيف لنا بمثل أجرهم؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بإمكان المسلم في أي مكان أن يسعى لاكتساب الحسنات والأجر الجزيل، وذلك من خلال أعمال الخير الكثيرة، ومن أعظمها الإتيان بما فرض الله والكف عما حرم، ومن خلال نوافل الصلاة والصيام والحج والعمرة والإتيان بالأذكار وتلاوة القرآن والصدقة وبذل المال في أوجه الخير والدعوة إلى الخير والحرص على الأعمال التي يضاعف ثوابها كالبقاء في المصلى الذي صلى فيه الفجر يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين فذاك أجره كأجر حج وعمرة، والحرص على الصلاة في المسجد، فمن توضأ وخرج إلى المسجد لأداء فريضة فأجره أجر الحاج المحرم كما وردت بذلك الأحاديث.
أما تضعيف الصلاة بذلك القدر فذاك أمر خص الله به من صلاها في تلك البقاع والله يؤتي فضله من يشاء.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 69419، والفتوى رقم: 105787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1429(9/4307)
البكاء على الذنب والاستغفار والصلاة والدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث لي أمر حيرني، لست أدري أتبشير أم إنذار من الله عز وجل أم شيء آخر، ذلك أني أذنبت ذنبا فاستغفرت الله، حيث ظننت أني وقعت في الرياء، وعندما صليت الظهر في ذلك اليوم أذكر أني دعوت الله وبكيت بشدة وخوف شديدين ورجوت الله أن يغفر لي ولا يعرض عني ويغضب مني، وبعد أن صليت العصر صعدت إلى سطح دارنا وأسندت ظهري على الجدار وبقيت أقول أذكار المساء، فرأيت أشياء لا أستطيع وصفها بدقة ولكن بها نورا أحسست أنها نازلة من السماء، فظننت أنها مجرد تهيؤات، أغمضت عيني وفتحتهما فرأيتهم من جديد، غيرت المكان نزلت من على السطح فظللت أرى هذه الأشياء التي بها نور أمام عيني وأينما وجهت بصري لمدة ربع ساعة تقريبا، فضيلة الشيخ أرجو أن تفسر لي الأمر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل ما رأيت يكون بشارة لك من الله فقد أحسنت بتوبتك واستغفارك وبصلاتك وبكائك وبدعائك وتضرعك بين يدي ربك الذي أخبر أنه سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين، فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك صالح عملك، ولعل ما رأيت من نور هو ملائكة من عند الله تزف إليك البشرى بقبول الله ورضاه بصنيعك، ولا نستطيع أن نجزم بتفسير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1429(9/4308)
الإكثار من التوبة والاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم واحد لا يدري إذا كان فعل معصية أم لا وتاب وهو لا يدري إن كان فعل أم لم يفعل، ولكن الهواجس تطارده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة العامة مشروعة للمسلم دائماً سواء تذكر ذنباً أم لا، فيشرع لك أن تكثري من قول أستغفر الله وأتوب إليه دائماً سواء شككت أنك أذنبت أو تيقنت عدمه، ففي الحديث: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة. رواه مسلم.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51755، 66225، 56222.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1429(9/4309)
أمور تعين الشاب على تحقيق العفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أتعلم في جامعة في إسرائيل حيث في الجامعة اللبس يشبه العراء وأنا شاب متدين أود المحافظة على ديني، ولكن الوضع الفاتن في الجامعة أحيانا يجعلني أفقد السيطرة على نفسي مما يجعلني أشك في إيماني ووسوسة في الداخل عذبتني، لذلك أرجو أن تنصحوني ماذا أفعل لا تقولوا لي الصوم لأني جربت ذلك وأثر على تعليمي وأيضا لا أستطيع الصوم كل يوم؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالسعي في الزواج، فالزواج هو أعظم الوسائل المساعدة بإذن الله على العفة، فإن لم تستطع فعليك بالصوم بقدر استطاعتك، ففي حديث الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
واعلم أن الصوم دواء نافع لمشكلتك ولا يتعين كل يوم، ولكن حاول صيام الأيام المرغب في صومها كيومي الإثنين والخميس والأيام البيض وما أشبه ذلك.
واحمل نفسك على البعد عن المأكولات المنشطة جنسياً ولا تدخل الصف إلا وقت الدرس، وكن في الإمام حتى لا ترى إلا قلة من الناس، ويجب عليك دائماً غض البصر عن المناظر المؤدية للفتنة، كما يجب البعد عن مخالطة النساء والحوار معهن والخلوة بهن ومسهن، وإذا خطرت بقلبك الخطرات المحرمة فاستعذ بالله من الشيطان، واشتغل بالذكر واعمل لنفسك يومياً برنامجاً تغذي فيه إيمانك، فليكن لك وقت يومي تطالع فيه كتب الحديث والرقائق، فطالع في أحاديث الترغيب والترهيب ما يقوي عندك الخشية من الله، وادع الله أن يعطيك من خشيته ما يحول بينك وبين المعاصي، وابحث عن صحبة طيبة تتعاون معهم على البر والتقوى وتتدارس معهم أمور الدين.
وراجع للبسط والمزيد في الأمر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34932، 38195، 15649، 100881، 72509، 66330، 59139، 76270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(9/4310)
علاج الخوف الزائد من المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إجابة سريعة: أنا كثيرة الخوف من قدر الدنيا مثلا دائما أخاف على أولادي أن يصير -لا قدر الله- شيء فيهم وهذا الشعور يسبب لي قلقا وخوفا كثيرا، أرجوكم ساعدوني على التخلص من هذا الشعور المخيف وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخوف الزائد من المصائب دائما ينافي حسن الظن بالله والتوكل عليه، فلا بد من طرد ذلك الشعور وصرفه من النفس بتقوية الإيمان، فذكر الله عز وجل وإحسان الظن به والالتجاء إليه من الشيطان الرجيم ونزغاته.
وليعلم أن أمر المؤمن كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. كما في الحديث الصحيح.
ثم إن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه فلا يفيد الخوف منه وترقبه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولو بذل الأسباب إليه إذا علم المؤمن ذلك واستيقنه اطمأن قلبه واستراحت نفسه.
وخلاصة القول أن ما تجدينه هو من تلبيس إبليس، وعلاجه إنما يكون بالإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على أذكار الصباح والمساء وأداء الواجبات وتحسين الظن بالله.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 45570، 78385، 39151، 3508، 34960.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(9/4311)
التوبة والصدقة بعد الخطيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف إذا قمت بعمل معصية معينة لله وإثم في حق نفسي، فهل إذا تصدقت بمبلغ من المال على قدر استطاعتي يرضى الله عني ولا يعاقبني، لأنني أعلم جيدا ويحدث معي كثيراً أنني كلما أذنبت وفعلت ما يغضب الله فإنه يعاقبني وأنا راضية بذلك لأنني أعاقب فى الدنيا والحمد لله، لكنني أخاف كثيراً من غضب الله وعقابه، فهل لي أن أفعل شيئا يرضي الله ويمحو هذا الإثم ويجعل الله لا يعاقبني عليه، مع العلم بنيتي فى التوبة وعزمي على عدم الرجوع إلى هذا الذنب مرة أخرى إن شاء الله وبعون الله فأرجو أن تفيدوني بالله عليكم ماذا أفعل لأرضي الله وأمحو هذا الذنب حتى لا يعاقبني الله؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك التوبة إلى الله مما فعلت، وشروط التوبة معروفة، فراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26255، 7007، 3051، 4603، 9206.
فإذا تحققت وصدقت في توبتك فأبشري بالخير، وأما التصدق بمال أو غير ذلك من صنائع المعروف فلا يغني عن تحقيق التوبة بشروطها وإن كان هو حسناً، وهو مما يرفع غضب الرب ويذهب أثر المعصية، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} ، وفي صحيح الترغيب والترهيب عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وفيه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. رواه الطبراني في الأوسط وقال الألباني: حسن لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(9/4312)
التفكير في الموت والبلاء والخوف من وقوعهما
[السُّؤَالُ]
ـ[دائماً أتوقع السوء ليس من الناس ولكن في الأشياء المتعلقة بحياتي مثل أني سوف أموت قبل أن أرى خطيبى لأنه مسافر أو أنه سوف يصاب بحادث أثناء الطريق أو أني سوف أصاب بمرض خطير ولا يتم إنقاذي منه وأني سوف أموت قبل أن أشعر بأي سعادة أو فرح بحياتي، وذلك فقط بعد وفاة والدي ولكن مر الآن أكثر من 3 شهور وأنا أمارس حياتي الآن الطبيعية ولكن هذه الخواطر لا تكف عن عقلي فهل هذا التفكير حرام، أنا غير راضية عن نفسي لهذا التفكير، ولكن لا أستطيع التحكم به فماذا أفعل بالله عليكم، ما نوع الأسئلة التي يجب أن أرسلها للاستشارة والأسئلة التى أرسلها للفتوى لأني لا أعلم التمييز بين الاثنين؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأفكار التي ذكرت لا حرج فيها فإنه لا حرج على المسلم في تذكر الموت والاستعداد له وترقب حضوره بل يستحب له ذلك، وكون المرء يفكر في حصول البلاء أو يتخوف منه لا حرج فيه أيضاً، ولكن الأولى عدم الاسترسال في ذلك لأنه ربما يعكر صفو حياته ويسبب له القلق النفسي، وعلى المسلم أن يحرص على حسن الظن بالله تعالى، وأن يحافظ على التعوذات المأثورة ليحصن بها نفسه وأهله، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيراً فله وإن ظن بي شراً فله. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وننصحك بشغل ذهنك عن هذه الأفكار وتعمير وقتك بما ينفع من تعلم علم نافع أو عمل صالح أو تسلية مباحة، مع الحذر من الانفراد بنفسك قدر المستطاع.
وأما الأسئلة التي ترسل للفتاوى فهي التي تسأل عن حكم في مسألة ما أو معرفة أمر شرعي أو كلام على آية أو حديث.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47943، 68468، 30039، 13184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1429(9/4313)
لابد من الاستعانة بالله والدعاء مع الأخذ بالأسباب للنجاح
[السُّؤَالُ]
ـ[لشدة حيرتي ورغبتي القوية في إيجاد حل لما أنا فيه والتخلص من معاناتي أرسلت لفضيلتكم ألتمس رأيكم لعلي أستخلص من حكمك جواباً يشفيني.. أنا طالب مغترب عن بلدي، سافرت إلى فرنسا للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه ضمن اختصاصي العلمي، فدراستي الجامعية كانت في فرع الرياضيات نلتها في أربع سنوات، ودبلوم في المعلوماتية خلال سنتين، كنت في جامعتي قبل قدومي إلى هنا طالباً موفقاً مما خولني للبعثة إلى فرنسا بلد الحريات على حد ما يصفها الجميع، كانت نتائج امتحاناتي ممتازة والحمد لله وكنت محط أنظار معظم أساتذتي خلال دراستي الجامعية وفي الدبلوم أيضا.. لم أكن في بلدي أعرف الله تعالى حق معرفته, كانت الدنيا تشغلني وتملأ قلبي, إلى أن وصلت بي الحال إلى الغربة, ووجدت نفسي هنا وحيداً بدون أهل وأصحاب، هنا في فرنسا رزقني الله معرفته سبحانه, فتقربت منه وعرفت ذنوبي وندمت على ما ضاع مني, وكان ذلك نتيجة لما حصل معي خلال عامي الأول بعد وصولي, ففي سنة الماجستير كان لدينا مواد نظرية نجحت بها كاملة والحمد لله, وموضوع بحث لم يقبل ظلما لأن أستاذي المشرف على بحثي قام برفضه وتركني لأعيد كتابة بحث آخر في العام التالي, (وكيف يحدث هذا؟ لم أسمع أنه حدثت في فرنسا قبل الآن.. طالب ينجح في المواد النظرية ولكنه لا يجتاز السنة) ، ليس ذلك فحسب بل إنّ المشرف على بحثي استفاد من مقالاتي واعتمد عليها في أبحاث متقدمة نشرها على شبكة الإنترنت باسمه متناسيا أنه ظلمني واستغل تعبي وواضعا اسمه على أبحاثي مرفقا مع اسمي ناشراً إياها في مؤتمرات عالمية، أحمد الله على هذه الغربة وعلى تلك المحنة التي أيقظتني من غفلتي وجعلتني أعيد حساباتي وبدأت أعرف السبب الذي خلقت من أجله, إنني أحاول قدر استطاعتي إخراج الدنيا من قلبي وتصحيح أخطائي وتصويب غلطاتي, وكان ذلك والحمد لله بعد الاستماع إلى محاضراتكم ومتابعة دروس فضيلتكم حتى أنها أصبحت تأخذ معظم وقتي وتشغل تفكيري, لأنني شعرت بنقص شديد في ديني احتجت لترميمه, فهل أنا مخطئ في الانشغال عن دراستي ولو كان هذا منصبّا في متابعة دروس الدين والمحاضرات الفقهية، وهل سأحاسب على ذلك، تزوجت من مسلمة منذ سنة تقريبا, ونحن الآن بانتظار مولودتنا الأولى التي رزقنا الله إيّاها, أنا الآن في السنة الخامسة هنا في فرنسا, نلت خلالها شهادة الماجستير والحمد لله.. والآن أحضّر للدكتوراه, لقد اختاروا لي موضوعا جديداً كي أبحث فيه وأناقشه في السنة المقبلة إن شاء الله ولكنني أتعجب لأمور كثيرة تصادفني خلال عملي, فمثلا لقد تقدمت بمقال إلى مؤتمرين عالميين مختلفين ولكنه رفض في كليهما, مما أثر سلبا على نظرة أساتذتي لي بالرغم من موافقتهم على ما كتبته سابقا, خصوصا أنهم يريدون نقطة سوداء ليحملوني أضعاف ما أستطيع, أشعر بتفرقة في المعاملة عن بقية زملائي, يعود ذلك باعتقادي لأني عربي ومسلم الديانة, إنهم يطلبون مني أشياء هم لا يستطيعون فعلها بعد خبراتهم الطويلة, وهم يذكرونني دائما بالفرق بين دراستي في بلدي وأبحاثي الآن في المعلوماتية, غير أنني لم ألاحظ تفوقا علميا من قبل أصحاب هذا البلد علينا, وهذا رأي معظم الطلاب هنا أيضا إلا من رحم ربي، أعتذر عن الإطالة ولكن مشكلتي باختصار: فضيلتكم تتحدثون عن الأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء مع التوكل الكامل على الله تعالى, ولكنني لا أجد تلك الأسباب التي عليّ الأخذ بها, أعرف أن كلامي قد يكون مبهما وغير مفهوم, ولكن هذه هي الحقيقة, إنني لا أجد الطرق أمامي ممهدة كي أسلكها, فحتى الآن لم أقابل خلال بحثي مقالة أجد فيها ما يفيدني في رسالتي, أشعر أن لديّ طاقات مكبوتة لا ترى النور لكي تخرج, أرغب بأن أعود إلى وطني ومعي شهادتي وغايتي من ذلك أن أفيد بعلمي من حولي ومن سأكون لهم مدرسا في المستقبل, ولكنني لا أعرف ما السبيل لتحقيق ذلك؟ علما بأنه إن انقضت مدة إيفادي ولم أحصل على شهادتي لا قدّر الله وعدت إلى بلدي يتوجب عليّ حينها إرجاع المبالغ كاملة التي تكبّدتها الجامعة عليّ خلال فترة البعثة، فهل هذا ابتلاء من الله عزّ وجلّ، أم أنا مقصر وعليّ أن أعود إلى صوابي؟ وإن كنت فعلا كذلك فماذا يتوجب عليّ أن أصنع؟ أم أن هذا هو واقعي الذي عليّ أن أتعايش معه وأكيّف نفسي على ما أنا فيه، أشكر فضيلتكم على حسن استماعكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولاً: احمد الله على توفيقه لك وهدايته، واعلم أن ما تمر به وإن كان محنة فقد يكون في طياتها كثير من المنح ولو لم يكن في ذلك إلا رجوعك إلى الله وتوبتك إليه لكفى، فننصحك بالأ تحبط وأن تحاول المرة بعد الأخرى، وتكرر ذلك فإن العظماء لا يعرف اليأس طريقاً إلى قلوبهم، وننصح بالدعاء الكثير لله أن ييسر لك أمورك ويهديك إلى أحسن الأسباب والأعمال والأخلاق، فالدعاء خاصة في أوقات الإجابة كالثلث الأخير لا يرده الله تعالى.
وإذا كنت مع اجتهادك قد بذلت الأسباب فلا تيأس بل عليك أن تجعل ذلك قاعدة للنجاح والانطلاق، فإن من لم يفشل لا ينجح، واستعن الله على هؤلاء الأساتذة واقرأ القرآن وارتبط بالله تعالى تجده عوناً وهادياً ونصيراً، أما الدروس التي قلت والمحاضرات فنرى أنه يمكنك الجمع والتوفيق بين ذلك وبين دراستك بعمل جداول منظمة بحيث لا يفوتك شيء من أمر دينك ولا أمر دنياك.. وبالله التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1429(9/4314)
الحد الفاصل بين المدح والذم لمن خرج من ماله كله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المعيار الذي يجعل إنفاق المال (كله كما حصل مع أبي بكر الصديق يوم الهجرة، أو معظمه كما حصل مع تجهيز عثمان جيش العسرة، أو ما كان يحصل مع حاتم الطائي) كرماً أو إيثاراً.. ولم يكن إسرافاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعيار في ذلك يختلف باختلاف أحوال المكلف، وأيضاً باختلاف محل الإنفاق، أما بالنسبة للمكلف فإن الناس يتفاوتون إيماناً وصبراً، فربما استحب لمن كان في المحل الأعلى من الإيمان والصبر ما لا يستحب لغيره، ومن هذا الباب إنفاق أبي بكر رضي الله عنه لماله كله، وتجهيز عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: يستحب بمن وثق بإيمانه وصبره -من فعل المستحبات البدنية والمالية كالخروج من جميع ماله مثل أبي بكر الصديق- ما لا يستحب لمن لم يكن حاله كذلك كالرجل الذي جاءه -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- ببيضة من ذهب فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته، ثم قال: يذهب أحدكم فيخرج ماله ثم يجلس كلاً على الناس.
وأما حاتم الطائي فقد وصف بالجود والسخاء لإكرامه الضيف وعابر السبيل ولم نقف على أنه أنفق ماله كله، وحتى لو ثبت ذلك فقد كان عنده من الصبر والجلد -على الرغم من شركه- ما يمنعه من سؤال الناس، والاستشراف إلى ما في أيديهم وإلا لما عده الناس كريماً بل ذموه وعابوه ووصفوه بالسفه كما هو معلوم.
وأما بالنسبة لمحل الإنفاق فقد قال أهل العلم من أنفق درهماً في معصية الله فهو مسرف، ومن أنفق المال الكثير في طاعة الله فهو محسن، وقد أمر الله تعالى بالتوسط في الإنفاق، كما قال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا {الإسراء:29} ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67} ، قال في بريقه محمودية: أي لم يجاوزوا حد الكرم. وقوله (لم يقتروا) لم يضيقوا تضييق الشحيح، (وكان بين ذلك قواماً) وسطاً وعدلاً. وأعلى السخاء الإيثار وهو بذل المال مع الحاجة إليه وإيصال ذلك إلى المستحق بقدر الصدقة. انتهى ... وللوقوف على المزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 35914، والفتوى رقم: 106684.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(9/4315)
السعي في إصلاح النفس والتحلل من ظلم العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة وهي أنني تعرضت لتربية ظالمة إلى حد ما في طفولتي وأصبحت بعدها سيئة الخلق بكل ما للكلمة من معنى فأنا سريعة الانفعال والغضب ومتسرعة ألقي أحكامي على الآخرين جزافا وأتهمهم بالباطل وكثيراً ما أظلمهم، أجرح مشاعر الآخرين وغير متسامحة، لا أسامح من أخطأ معي بسهولة، أشعر بالكثير من الألم لما أقترفه من أخطاء بالرغم من أن قلبي عامر بالإيمان بالله سبحانه وتعالي وأؤدي الفرائض، أقوم بعمل رائع في بيتي وفي تربية أبنائي وأؤدي حقوق زوجي كاملة من مطعم وملبس واهتمام ولكنني سيئة الخلق معه، سريعة الغضب منه أقاطعه وأتهمه بما ليس فيه من العيوب والأخطاء، أحبه جداً ولكن لا أستطيع التوقف عن أذيته النفسية بسوء أخلاقي، المهم الآن سأبدأ بزيارة طبيب نفسي لحضور جلسات علاج نفسي للتخلص من سرعة الغضب وغيرها من المشاكل النفسية، سؤالي هو أنني غير قادرة على الوصول إلى الناس الذين آذيتهم وأسأت إليهم وغير قادرة على رد الحقوق إليهم لأنني لا أعرف عناوينهم خاصة أنني أعيش الآن في دولة أخرى، فهل لي توبة وماذا علي أن أفعل تماما، الناس يشهدون لي بالصلاح وللحق أتصرف كملاك أحيانا وأحيانا أخرى أشعر أن الشيطان يسكنني ويتحكم بتصرفاتي، الرجاء ساعدوني كيف أتوب إلى الله، وكيف أسترجع قلب زوجي؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين على المسلم أن يحرص على أن يكون حسن الأخلاق والتعامل مع الناس، وأن يحسن المعاشرة الزوجية، وهو إن كان يجوز له أن يقتص ممن ظلمه، ولكن الأولى به أن يصبر ويصفح ويدفع الإساءة بالإحسان.
ويحرم إيذاء الناس والإساءة إليهم بغير حق، وتجب التوبة مما حصل من ذلك سابقاً، وباب التوبة مفتوح لكل المذنبين قبل وصول الروح الحلقوم فبادري بذلك قبل فوات الأوان، ففي حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
واعلمي أنه لا بد للتوبة من حقوق العباد أن يتحللهم التائب إن أمكن الاتصال بهم، فإن لم يمكن الاتصال بهم فليكثر من الأعمال الصالحة والاستغفار لمن أخطأ في حقهم، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الاستغفار للمظلوم والدعاء له يكفي في إعطائه حقه، ولكن الأدلة الصحيحة صريحة في أن من لم يتحلل من المظالم يؤخذ من حسناته في الآخرة ويقضى منها للمظلوم.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد في الموضوع وفي كسب قلب الزوج: 55527، 81065، 23239، 66515، 106791، 94285، 104951، 65741، 76411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/4316)
اطلاع الله تعالى على عبده في جميع أحواله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو العذر في السؤال فهو من بعض الشبهات التي تدور في رأسي ... أعلم أن الكرام الكاتبين يكونون مع المرء في كل وقت إلا في الخلاء أو الجماع حياء من العبد.... فهل ذلك أيضا يكون لله تبارك وتعالى أم أن الله مطلع أيضا على العبد في هذين الموضعين ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحديث: إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم، أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد ضعف الحديث البيهقي في الشعب وتبعه ابن القطان ونقله عنه المناوي في فيض القدير ولم يتعقبه، وكذلك الزيلعي في نصب الراية والألباني في السلسلة.
وعليه فالحديث ضعيف، وسواء صح أن الحفظة يفارقون المرء في بعض حالاته أو لم يصح ذلك، فإن الله تبارك وتعالى هو المحيط علمه بكل ما في السموات وما في الأرض لا تخفى عليه خافية في كل حالة من الحالات سواء في ذلك الحالة المذكورة أو غيرها.
قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ. {يونس:61} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/4317)
حرمة الانتحار وضرورة السعي في رضا الله ورضا الوالد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم المساعدة في مشكلتي لأنها أكبر من أن أرى حلا لها، وبسبب هذه المشكلة حاولت أن أنتحر ثلاث مرات وفي كل مرة أفشل.
حكايتي مع الظلم: أنا شاب أبلغ من العمر 22سنة، وسبب محاولة انتحاري أني فاشل في كل شيء حتى في معاملتي مع الناس كلها تقريبا لا تحبني ولا تحب التعامل معي، أبى يعاملني بقسوة شديدة يضربني على أتفه الأسباب ويضربني أمام الجميع ويحسسنى دائما أن لا قيمة لي، أما أمي فهي سيدة صاحبة مرض تعانى من جلطة في المخ حياتي مدمرة حتى دراستي التي لا أحبها وحتى عملي مع والدي الذي لا أحبه، ولكن لابد أن أعمل من أجل والدي وخوفي منه مع أني لا افعل شيئا سوى تقضية طلباته وطلبات العمال مع أنى أعتبر صاحب المكان عمل لا قيمة له وكنت أحب فتاة ظللت أحبها ثلاث سنين وعندما أحببت أن آخذ خطوة ايجابية وأخطبها لم يحصل نصيبب حتى البنت ظهر أنها غير جيدة، وسمعت كلام أهلها وبعد ما اتفقنا أبي قال لي أنت لن تتزوج هذه البنت ورفض أن يعطيني أي أسباب، المهم تعبت ونفسيتى تعبت مما رأيته وحاولت أنتحر وشربت سما ولكن ربنا لم يقدر أني أموت وفات شهران وحالتي تتدهور وتسوء يوما عن يوم وفي إحدى المرات ضربني أبي ضربا شديدا وصعبت علي نفسى مع أن السبب كان تافها ورأيت أن حياتي بلا معنى وحاولت أن أنتحر مرة ثانية، ولكن هذه المرة كانت نقطة تحول في حياتي لأن الناس أصبحوا يفسرون عملية انتحارى المتكرر على هواهم مجموعة أصبحت تقول إني جاءتني حالة نفسية لذلك أقتل نفسي، وأناس يقولون إني أصبت بجنون ولكن أكثر شيء أوجعنى وآلمني أنهم أصبحوا يقولون علي أني لست رجلا وأني والعياذ بالله لوطي، منهم لله وربنا يرينى فيهم يوما إن شاء الله كل واحد يظلمني ربنا قادر أنه يأخذ لي حقي منه لأن ربنا عارف أني أشد رجولة من كل واحد منهم، الموضوع هذا يتناوله الناس مماجعلني أفكر في الانتحار للمرة الرابعة، وهذه المرة سيكون الأمر أكيدا لأني لم أعد أتحمل مثل هذه الشائعات، وحتى الناس من حولي لم يعودوا يطيقونني.
أرجوكم ماذا أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانتحار محرم متوعد عليه بالنار فتجب عليك التوبة مما سبق، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29} ....
وعالج حالك بإصلاح العلاقة مع الله والإكثار من دعائه، واحرص على رضى والدك والبعد عن إغضابه مع الحفاظ على الأذكار المأثورة صباحا ومساء ليحفظك الله من شر كل ذي شر.
واعلم أن طاعة الأبوين في المباح واجبة شرعا، وقد ذكر أهل العلم من ذلك وجوب طاعتهما في ترك الزواج من امرأة معينة، ولا سيما أن النساء كثير، وحاول إصلاح علاقتك مع الناس وكسب ودهم بكثرة الإحسان إليهم فإن دفع الإساءة بالحسنى تنال بها محبتهم كما تنال بها معية الله تعالى، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت34) .
وأما الفشل الذي تستشعره فعالجه بالعزم والجد والصبر والاستعانة بالله تعالى في أوقات الإجابة فأكثر الدعاء في السجود وبعد الانتهاء من الفريضة وفي وقت السحر وآخر النهار يوم الجمعة قبيل الغروب، واحرص على مواصلة الدراسة فالعلم هو أمثل السبل للرفعة ونيل المكانة بين الناس.
وإذا أمكنك السفر للتعلم أو التكسب حتى تغير هذه البيئة التي تعيش فيها لبعض الوقت وتنقطع الأحاديث التي تدور حولك فلعل ذلك أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/4318)
التوبة من الاقتراض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 33 سنة غير متزوجة متخرجة من الجامعة وأشغل منصبا مرموقا في مؤسسة عمومية مشهورة في بلادنا. كنا نملك سيارة وكنت أذهب مع أبي للعمل فيها ولظروف خاصة باع أبي سيارته وأصبحنا نستقل الحافلة لمدة ثلاث سنوات وواجهنا مشاكل عدة. في ظل الظروف التي سأشرحها لكم قمت بشراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك. سأشرح لكم الظروف التي أدت بي للقيام بهذا العمل:
1- مسكننا كان يبعد عن مكان العمل بحوالي 4.5 إلى 5 كلم ونصف الطريق هو عبارة عن هضبة مرتفعة تقريبا كالجبل ولذلك فهي معرضة للبرد الشديد في الشتاء والحر الشديد في الصيف بحيث يشق علي المشي يوميا من أجل الذهاب إلى العمل.
2- في ذلك الوقت كان أبي مريضا (قام بإجراء عملية جراحية) وكان يعاني من أجل اقتناء احتياجات العائلة لأن الطبيب منع عليه حمل الثقل لكي يشفى لكنه هو المعيل الوحيد ولا يمكنه الاعتماد على إخوتي الذكور لأنهم صغار إضافة إلى أنهم يدرسون وبالتالي فإن أبي لم يشفى جيدا وقد أعيدت له العملية.
3- عائلتنا تتكون من أبي وأمي وعشرة أولاد وكثيرا ما نحتاج إلى إسعاف أحد الأفراد إلى المستشفى لمرض أو لحادث ما، فلا نجد من يسعفنا ويستلزم ذلك وقتا من أجل إحضار سيارة أجرة وخصوصا في الليل وبالأخص إذا مرض أبي فمن الذي سيخرج في الليل ويحضر السيارة؟ ولذلك كنا نلجأ إلى الجيران ونزعجهم معنا.
4- كان والداي يعانيان من أجل زيارة أهلنا (يعيش معظمهم في مدينة أخرى تبعد عن مدينتنا ب 30 كلم) سواء كان عرسا، زيارة مريض أو جنازة فقد كان يستوجب التنقل في عدة حافلات وبالتالي من أجل القيام بزيارة بسيطة عليك أن تضيع يوما كاملا.
5- أنا كنت أركب في الحافلة والله عانيت كثيرا، فقد كنت عرضة لأشياء لم أطقها، النقل في بلادنا لا علاقة له لا بالانتظام ولا باحترام الأشخاص ولا بالوقت ولا أي شيء سوى العكس، فقد كنت أظل واقفة أنتظر الحافلة المخصصة لمنطقتنا لفترة طويلة حتى يتجمع سكان كثيرون من منطقتنا وبالتالي تمر علينا عشرات الحافلات المخصصة للأحياء الأخرى ماعدا الخاصة بنا وأكون عندها قد امتلأت غضبا لأنني لا أحب أن أكون في هذا الموقف السيئ فهناك من يسمعك كلاما غير لائق وهناك من يبقى يذهب ويجيء أمامك ليلفت انتباهك وووو.... فهذا أمر يزعجني جدا، كل هذا قبل الركوب في الحافلة. أثناء الركوب والله من ينظر فكأنه يرى قطيعا من الغنم أو الأبقار يتزاحم فحافلة واحدة أمام هذا الجمع الغفير كيف تسعهم فأنا دائما أحاول أن أبقى في الأخير لكي لا أتزاحم مع الرجال ولكن نفس النتيجة إما أن لا أركب وأعاود الانتظار ومزيد من التأخر عن البيت وإما أركب وفي المحطة الموالية فإن صاحب الحافلة سيُصعد أكثر مما ينزل وبالتالي أجد نفسي في وضعية مقرفة ألاصق الرجال ومعظمهم يتعمد ذلك وإذا حدث وأن حاولت إحدى النساء الدفاع عن نفسها فإن جميع من في الحافلة سيسمع ما لا يحتمل. يا إلهي في شهر رمضان فالأمر لا يحتمل غفرانك ربي. أقسم لكم آلاف المرات أني كنت أحس بالاشمئزاز وذلك مخافة من الله.
إذن منذ أربع سنوات ونتيجة لما سبق ذكره فقد قررت شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك وأنا أعرف أن ذلك يدخل في إطار الربا وذلك محرم فهي كبيرة من الكبائر ومع ذلك قمت بذلك ليس لأني ضربت عرض الحائط أوامر الله وإنما أردت صون نفسي من الرذائل التي كنت أتعرض لها يوميا وإعانة والدي بحيث أصبح يجد سهولة أكثر لإعالتنا والتنقل بسهولة لزيارة الأهل والأقارب، وأنا أصبحت أوصل إخوتي إلى مدارسهم، أنا أصل إلى عملي بدون تأخر، أصبحت أستغرق عشر دقائق للوصول إلى البيت، أصبح بإمكاني الذهاب إلى البيت منتصف النهار لتناول مع إخوتي بعدما كان ذلك مستحيلا وبعدما أنهكني الأكل خارج البيت لما يسببه من أمراض. والله يشهد أن هذه السيارة لم تستخدم ولم تستغل إلا في أمور الخير. فعلا كانت نيتي حسنة لكني أعرف أن هذا ليس بمبرر لمعصية الله عز وجل.
سؤالي هو: كيف أكفر عن ذنبي مع العلم أني سددت آخر قسط الشهر الماضي؟ وأنا والله منذ اشتريت هذه السيارة وأنا أدعو الله أن يغفر لي ولكني أريد أن أعرف ما يترتب علي فعله ليطمئن قلبي وارتاح قبل أن يفاجئني الموت فأقسم بالله أني أحس بالذنب يثقل كاهلي. أعتقد أني ذكرت لكم كل التفاصيل اللازمة وهذا ليس لتبرئة نفسي فالله يعلم ما بداخلي وإنما لمساعدتي بشكل مفصل ولتكون الفتوى دقيقة.
وأخيرا أشكر لكم اهتمامكم برسالتي وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الاقتراض بفائدة من الربا الذي هو من الموبقات السبع، وقد توعد الله المرابي بحرب منه، ولحرمته الشديدة لا يباح إلا لضرورة كخوف على النفس من الهلاك أو لحصول مشقة كبيرة لا تحتمل، فما عليك – أيتها الأخت – وقد ارتكبت ما ارتكبت من هذا العملية الربوية إلا أن تتوبي إلى الله توبة نصوحا.
وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون َ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135، 136}
وعليك أن تكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة.
وشروط التوبة المطلوبة هنا هي الندم على ما ارتكبت والكف عنه في الحين والعزم أن لا تعودي إليه أبدا.
ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1420، 106503.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(9/4319)
عبادات وأمور بها تصلح البيوت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أوراد إسلامية يتم معها إصلاح البيوت كتلاوات آيات قرآنية وأذكار أو ما شابه ذلك لإصلاح البيوت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يصلح البيوت وينورها ويجعل فيها الخيروالبركة ويبعدها عنها الشياطين مايلى:
1ـ قراءة سورة البقرة فقد ثبت فى الحديث الصحيح أن البيت الذى تقرأ فيه لايدخله شيطان، كما تقدم فى الفتوى رقم: 57032.
2ـ الإكثارمن صلاة النافلة، كما تقدم في الفتوى رقم: 31122.
3ـ الإكثارمن تلاوة القرآن وذكرالله تعالى عموما وخصوصا أذكارالصباح والمساء ودخول المنزل والخروج منه ونحوها وراجع فى ذلك الفتوى رقم: 18755
4ـ الحرص على عدم وجود منكرات داخل البيت أوأشياء محرمة كمشاهدة الأفلام الخليعة، أوصوريحرم نظرها.
وعلى العموم فإذا كان البيت عامرا بذكرالله تعالى خاليا من المحرمات والمنكرات مع اتصاف أهله بالاستقامة على أوامرالله تعالى فستصلح كل أموره، ويكون مباركا على أهله ويعيشون فى سعادة ووئام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(9/4320)
كيفية رد المظالم ومعنى كون التوبة تجب ما قبلها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بالتوبة:
من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها كيف يكون ذلك؟ والتوبة تجب ما قبلها كيف يكون ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذنب إذا كان متعلقا بحق الله تعالى تكون التوبة الصادقة منه بشروط مفصلة، سبق بيانها فى الفتوى رقم: 78925.
وإن كانت المظلمة متعلقة بحق آدمى فإن كانت معنوية كاغتيابه مثلا فالتوبة منها تكون بالتحلل منه وطلب المسامحة إن كان طلب المسامحة لا يؤدي إلى مفسدة أكبر، وإلا كفى إن شاء الله الاستغفار له، وذكره بالذكر الحسن مكان الذكر السيئ، وإن كانت المظلمة مالية فلابد من طلب مسامحته أوردها إليه إن كان حيا أو إلى ورثته إن كان ميتا. وراجع المزيد في الفتوى رقم: 99131 والفتوى رقم: 59851.
ومعنى كون التوبة تجبُّ ماقبلها أنها إذا كانت صادقة مكتملة الشروط تمحو ما قبلها من الذنوب فإن: التائب من الذنب كمن لاذنب له. كما ورد بذلك الحديث الصحيح.
وقد قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(9/4321)
التوبة إلى الله والسعي في حفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تتسع صدوركم لي. أنا كنت في صغري ملتزما أداوم على الصلاة وحفظ القرآن.وقد استطاعت جماعة من الإخوان أن تضمني إليها.ولكنني لما التحقت بالجامعة فسدت أخلاقي وارتكبت المعاصي. ولم يكلف أحد من الجماعة نفسه لإنقاذي من الضياع.
الآن سيدي عمري 35 سنة، تبت إلى الله عز وجل، وأعكف على حفظ القرآن الكريم وعلى الطاعات، فهل أعتبر خائنا حيث انسحبت من جماعة الإخوان. وهل يقبل الله توبتي. وهل أستطيع حفظ القرآن في هذه السن.أفيدوني أرجوكم وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك أولا على ما من الله تعالى به عليك من التوبة ونسأله سبحانه أن يعيننا وإياك على الثبات على الحق، ونوصيك بالحرص على وسائل الثبات والحذر من وسائل الزيغ والضلال.
وراجع الفتوى رقم: 24082.
واعلم أن رحمة الله واسعة، ومغفرته لا يتعاظمها ذنب فهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فلا تقنط من رحمته ولا تيأس من روحه.
وراجع الفتوى رقم: 1882.
وأما انسحابك مما أسميته جماعة الإخوان فلا يعتبر خيانة، ولكن من جهة العموم ينبغي أن تحرص على مصاحبة الأخيار عموما، ولا يحملنك تقصير بعض إخوتك الصالحين تجاهك على البعد عنهم، فقد يكون هذا مدخلا للشيطان ليفسد علاقتك بهم وبالتالي يسهل عليه إفساد دينك.
وأما بخصوص حفظ القرآن فما زلت في سن يمكنك فيه حفظ القرآن بكل سهولة بل لا ينبغي أن تتقاعس عن حفظه بإذنه سبحانه، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 3913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(9/4322)
هل من زنى ببكر لا يرد الجنة أبدا
[السُّؤَالُ]
ـ[موضوع استفساري عن حديث سمعته ولكني بحثت عنه ولم أجده ومعنى الحديث بأن من يزني ببكر لا يرد على جنة. فأرجو إفادتي عن الحديث إن كان صحيحا أو غير صحيح؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزنى فاحشة عظيمة توعد الله فاعلها بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، ولكن لم نقف على حديث بهذا اللفظ الذي ذكرت في شيء من كتب السنة، والأدلة الشرعية العامة تفيد أن العصاة الذين ماتوا على التوحيد الخالص سيدخلون الجنة، ولكن العصاة الذين ماتوا قبل التوبة قد يدخل بعضهم النار فترة ليطهر من جريمته ثم يخرج منها، ويدخل الجنة بعد ذلك، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34932، 72497، 65864، 39733.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1429(9/4323)
حكم المحرمات التي ترتكب حال الجنون
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك فتاة تتحدث مع نفسها وتعرف الحلال والحرام لكنها تفعل الحرام حاولت أن أنصحها فهي دائما تقول لي إنني مجنونة ولا أحاسب وهي صدقا مجنونة فماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، لأن من شروط التكليف العقل، ومن فضل الله تعالى أنه إذا سلب ما وهب من العقل أسقط ما وجب من التكاليف الشرعية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يدرك، والنائم حتى يستيقظ. رواه أحمد وأصحاب السنن بألفاظ مختلفة.
فإذا كانت هذه الفتاة مجنونة حقاً فليس عليها في حال جنونها شيء من التكاليف الشرعية، وليس عليها إثم بفعل الحرام، ولكن يجب على وليها منعها من البروز، ومن كل فعل فيه إضرار بالغير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1429(9/4324)
اهزمي الشيطان واستغفري ربك الكريم وانسي الماضي الأليم
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية الحمد لله الذي هداني بعد الضلالة فأنا إنسانة اقترفت الكثير من المعاصي والذنوب، فسبحان الله إثر رؤية رأيتها تبت إلى الله عز وجل وها أنا أبحث عن أناس يسيرون على هدي الله، ولكن لا أعرف أين وكيف فالمجتمع الذي يحيط بي سواء في العمل أو خارجه مجتمع نسي الله، الحياة ولهو الشياطيين طريقهم، فأنا والله في صراع مع نفسي هل سيغفر الله لي ماذا أفعل لأني ارتكبت من الذنوب والمعاصي ما تعجز الجبال عن حمله ولا أدري كيف الطريق إلى نوال مغفرة الله، فدمعي لا يتوقف ويسكنني الخوف الشديد من عذاب القبر ومن عذاب القبر ومن أن يفضحني الله أمام الخلائق وأنا أدعي الصلاح أمام الناس فأرجوكم ساعدوني فوالله أريد أن يرتاح هذا القلب وتنام هذه العين وأن أجد الصحبة الطيبة والناس الخيار من أهل التقوى الذين يعلمون أن الحياة لعب ولهو وأن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا، لذا فأرجوك أن تريح قلبي بأن ربي سيغفر لي وما هو الطريق لذلك؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولاً نحمد الله عز وجل ونهنئك بتوبتك، فعليك بصدق التوبة، فإن الله يقبل توبة من تاب من الذنوب توبة نصوحاً مهما كانت الذنوب إذا استوفيت شروط التوبة، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا {التحريم:8} ، وقال تعالى: وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، وقال سبحانه وتعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وقال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وقال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، وفي حديث مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما في حديث مسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. وفي حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبداً أصاب ذنباً، وربما قال: أذنب ذنباً، فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً، أو أذنب ذنباً، فقال: رب أذنبت -أو أصبت- آخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً، وربما قال: أصاب ذنباً، قال: قال رب أصبت -أو قال: أذنبت- آخر فاغفره لي؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثاً، فليعمل ما شاء.
ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظري ذلك في الفتوى رقم: 5450.
وأكثري من فعل الطاعات والذكر والاستعاذة من الشيطان ومن الشر كله كلما خطر بقلبك التفكير في المعاصي، فقد قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36} ، وقد سأل أبو بكر فقال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، قلها: إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
واشغلي فكرك ووقتك وفراغك بما يفيد، فإن أفضل ما يعمر به المؤمن وقته ويومه هو الانشغال بالقيام بالفرائض كالصلوات الخمس، والصيام الواجب، وبر الوالدين وصلة الأرحام وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسنن والمستحبات كالصلوات الراتبة وقيام الليل والصدقة المستحبة، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ونحو ذلك ... وابتعدي عن كل ما يؤدي للمعاصي، واستحضري خطر مخالطة الأجانب والخلوة بهم، والكشف عما حرم الكشف عنه بحضرتهم فقد اتفق العلماء على حرمة الخلوة بالأجنبي لصريح النهي عنها، فيما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه ...
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري وغيره.
وقال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:30-31} .
وطالعي في القرآن والسنة الترغيب في الطاعات والترهيب من المعاصي والفواحش والتحذير منها، والترغيب في التوبة والحياء من الله واستشعار مراقبته، وتأملي ما فيهما من الوعد والوعيد وأهوال الآخرة، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري، فقد دلت الأحاديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الل هـ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
سابعاً: عليك بالحرص على الاستقامة على التوبة إلى الله، وعقد العزم على عدم العودة للذنب أبداً، وإذا سقطت مرة وأغواك الشيطان فلا تعتبريها النهاية، ولا تستسلمي لليأس، بل اهزمي الشيطان واستغفري ربك وكوني ممن قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} .
وعليك بالحياء من الله والخوف من بطشه الشديد وعقابه الأليم، فقد قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} . وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ {آل عمران:28} ، وقال الله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج:12} ، فاستحيي من الله الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذ العباد بما اقترفت أيديهم، وهو القائل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {النحل:45} ، وهو القائل: والله أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {النساء:84} .
فعليك باستشعار مراقبة الله تعالى، وملاحظة أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم سرك ونجواك، قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {التوبة:78} ، وقال الله جلا وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4} ، وقال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {يونس:61} ..
وعليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحداً على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وقال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
وحافظي على الصلوات المفروضة والنوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} .
وأكثري من ذكر الله دائماً فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
هذا وللمحافظة على توبتك ننصحك باتخاذ رفقة صالحة من الأخوات الفضليات المتمسكات بالدين، فإن صحبتهن من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله بعد عون الله تعالى، وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ففتشي عنهن، وتعاوني معهن على الخير وعلى طلب العلم النافع.. واقرئي القرآن بتدبر وحضور قلب، واجعلي لنفسك ورداً يومياً منه، وأكثري من ذكر الله تعالى وحافظي على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلاة وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها وغيرها في (حصن المسلم) للقحطاني، واستعمي للأشرطة الإسلامية فإن فيها خيراً كثيراً، واسألي الله بذل وإلحاح أن يرزقك الاستقامة، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.
وللفائدة انظري الفتوى رقم: 33184، والفتوى رقم: 59729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1429(9/4325)
كيف يحاسب من خلط عملا صالحا بعمل سيء
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى، السؤال هو: نويت أن أقوم بالخير فمثلا نويت الذهاب إلي المسجد للصلاة وعندما كنت في الطريق أغواني الشيطان وقمت بمعصية فهل أعاقب؟ أم أثاب؟ أم أنال الاثنين معا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يثيب من نوى حسنة إذا عملها بعشر حسنات، وإذا لم يعملها يكتب له حسنة ما لم يقصد تركها والإعراض عنها، فإذا ذهب الإنسان إلى المسجد ونظر في طريقه إلى الحرام أو تكلم كلاماً محرماً أو نحو ذلك من المعاصي فإن ذلك لا يبطل حسنات عمله الصالح الذي نواه أو عمله، وإنما يكتب عليه ما عمل من المعاصي علماً بأن نظر الحرام في الطريق إلى المسجد قد يؤثر على مستوى الخشوع في الصلاة فينقص أجرها، وهناك بعض المعاصي تؤثر على الحسنات فتننقصها أو تبطلها.
وراجع فيها وفي المزيد عما تقدم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41314، 73587، 55654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(9/4326)
أثر المعاصي على عبادة العبد لربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا شيخي فتاة ملتزمة والحمد لله أحفظ من القرآن 15 جزءاً ولكني في الفترة الأخيرة أصبح الشيطان يوسوس لي كي يضلني حتى سولت لي نفسي أن أتفرج على صور دنيئة على الإنترنت ولكني ندمت بعد ذلك واستغفرت ربي ثم عاود يراودني حتى أصل إلى أشياء تؤدي إلى الكفر وأحيانا أرجع إلى صوابي كأن شيئا لم يكن، كما أصبحت قابليتي لحفظ القرآن ليست كالسابق ففي السابق كنت أستمتع وأتلذذ بحفظه أما الآن فأنا أحفظه كتأدية واجب، وأنا أيضا أحب أن يقول الناس عني أنني أحفظ القرآن مع أنني في البداية كنت لا أحب،
مع العلم بأن عندي في البيت مشاكل أسرية فأبي وأمي دائما في خصام مستمر وكأنهما عدوان لدودان
فماذا أفعل يا شيخي وكيف ترجع نفسي طاهرة مؤمنة، أرشدني يا شيخي جزاك الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن تعلمي أنك ما دمت تشعرين بأن لديك شيء من التفريط والتقصير فهذه علامة خير فيك، وتسلط الشيطان عليك دليل على أنه قد غاظه ما أنت عليه من الخير فأراد أن يكيد لك، وكيده ضعيف كما أخبر عنه الرب سبحانه في كتابه، فعليك بالاستعاذة بالله منه، وإن كان يلقي في قلبك شيئا من الوساوس، ولو كانت كفرية فإنها لا تضرك، ما دمت كارهة لها، ولكن عليك بعدم الاسترسال فيها، وراجعي الفتوى رقم: 7007، والفتوى رقم: 61730.
وأما حبك ثناء الناس عليك في حفظك القرآن فإنه ينافي الإخلاص، ولكن إن كان ذلك مجرد خواطر تقومين بمدافعتها فإنها لا تؤثر على الإخلاص، وانظري الفتوى رقم: 10992، والفتوى رقم: 10396.
ونوصيك بالحرص على تحصيل أسباب الاستقامة والثبات على الحق، وقد ذكرنا جملة منها في الفتوى رقم: 101679، والفتوى رقم: 12928.
وأما بالنسبة للخلافات بين والديك فنوصيك بكثرة الدعاء لهما أن يصلح الله بينهما ونوصيك ببرهما، فإن مثل هذا البر قد يعينك في أي مساع تقومين بها للإصلاح بينهما، وينبغي أن تحرصي على أن لا يكون مثل هذا الخصام مؤثراً عليك في القيام بما ينفعك من أمر دينك ودنياك، فإن حصول المشاكل في الحياة الزوجية أمر وارد، وعلى الزوجين تحري الحكمة في حلها وعدم إطلاع الأولاد عليها قدر الإمكان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(9/4327)
كيف يتخلص الظالم من دعوة المظلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[دعوة المظلوم على الظالم لا شك مستجابة ... والسؤال هو: إذا أصاب الظالم دعوة المظلوم عليه فكيف يتخلص الظالم من دعوة المظلوم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يتخلص الظالم من أثر مظلمته -ومنها دعوة المظلوم عليه- إلا بالتوبة إلى الله، ورد الحقوق لأهلها، ودعاء الله أن يرفع عنه ما نزل به.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.
وإذا حصل أن دعا المظلوم على ظالمه بقدر مظلمته فهو غير ملوم، فإذا أصابت الظالم فإنه لا سبيل إلى رفع ذلك إلا الدعاء إن شاء الله ...
فقد ثبت عند الترمذي والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر.
وإنما يكون ذلك بعد التوبة إلى الله من ظلمه، ومن تحقيق توبته رد حق المظلوم إن كان له عليه حق، وإن لم يكن فليستسمحه وليسترضه وليحسن إليه عسى أن يعفو عنه، فيعفو الله عنه، فإنه سبحانه هو أهل التقوى وأهل المغفرة، وإذا لم يقدر الله إجابة دعائه فإنه ينفعه أيضاً، يؤيده ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل. انتهى.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95862، 10657، 38463.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(9/4328)
استحباب التحدث بنعم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أستمع إلى أحد البرامج الدينية بالتلفاز فتلا الشيخ آية " ... قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" وكنت أهم بترك المكان فعلقت هذه الآية بذهني وأنا لا أعرف فى أي سورة من القرآن تقع.... فدخلت إلى غرفتي وقلت لنفسي أبحث عن الآية فى المصحف.. وقلت إن احتمالية أن أجد هذه الآية من أول مرة ضعيفة جداً لأني لا أعرف مكانها.. وسبحان الله حين أمسكت بالمصحف بين يدي وفتحت المصحف وجدت الآية أمام عيني فى سورة الشورى.. السؤال: هل كان فى ذلك توفيق من الله أم أنها صدفة، ثم في كلا الحالتين هل يجب أن أخبر أحدا بهذا الذي حدث أم لا، وأيضا.. رأيت فى المنام شيئا واستيقظت وأنا على يقين أن شيئا ما سيتحقق فى هذا اليوم وفعلا حدث ما توقعت أو مثله من خلال ما رأيت فى المنام ... فهل أُخبر أحداً بهذا أم أنه من الأفضل السكوت على مثل هذه الأشياء على اعتبار أنها من الممكن أن تكون من عمل الشيطان أو غير ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في الكون يجري بقضاء الله وقدره، فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
فهذا الأمر قدره الله تعالى وهو يعتبر من توفيقه لك وإنعامه عليك حيث هداك لمحل الآية دون عناء ولا كثرة بحث، ولا حرج عليك في الإخبار بهذا لأنه من التحدث بنعم الله، وقد قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} .
وما ذكرناه في هذا نقول مثله فيما رأيته في المنام.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية في الكلام على الصدفة وعلى المرائى: 103346، 25613، 100322، 98404، 19059، 103451، 77665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(9/4329)
التائب من الذنب هل هو أفضل من المقصر في الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: من الأفضل حسب الإسلام فتاة عصت الله كثيراً مع الكبائر والصغائر وتابت توبة صادقة والآن هي تصلي وتصوم وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحاول فعل كل ما يرضي الله.. أم فتاة لم تعص الله ولم تذنب سوى أنها غافلة عن طاعات الله ولا تصلي ولا تصوم ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر وإلخ.
فأرجوكم أريد إجابة واضحة لأن هذا شيء سيحدد أيامي القادمة؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن التائب من الذنوب الماضية المستقيم في الوقت الحالي أفضل من المقصر في الطاعات المضيع للصلاة، وذلك أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في حديث ابن ماجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1429(9/4330)
الجمع بين التوبة والحج إلى بيت الله الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة غير متزوجة ارتبطت بأكثر من علاقة عاطفية بأكثر من شخص بهدف الزواج ولكنها تنصدم كل مرة بعدم جديتهم في الزواج بعد فوات الأوان، حيث إنها أقامت علاقات جنسية معهم أيضا بسبب سذاجتها أو بالأصح زنت معهم والعياذ بالله.. والآن بعد أكثر من 3 سنوات وبعد توبتها وعدم معاودتها للفعل أدركت أكثر فظاعة الفعل التي كانت تقوم بها مع هؤلاء الشباب وعذاب نار جهنم للزاني والزانية في الآخرة وضرورة إقامة الحد بالجلد أو الرجم في الدنيا.. وبما أن لا أحد يعلم بما فعلت خاصة وأنها متزوجة الآن وبما أن لا أحد يقيم حد الزنا ببلدنا، وعلى الرغم من توبتها إلا أنها تشعر بأن الله لم يغفر لها ذنبها نظراً لكثرة المشاكل التي تواجهها مع زوجها وتشعر بأن الله لم يبارك لها الزواج ولا الحمل ونفسيتها جداً سيئة، لذا تستفسر ماذا عليها أن تفعل لكي يغفر لها الله سبحانه وتعالي هذه الذنوب التي هي تدرك أنها من الكبائر لكي تنعم بحياة الدنيا بسلام وتضمن الجنة، وهل ذهابها إلى الحج سيغفر لها جميع الذنوب من بينها الزنا حتى ولو مارست مع أكثر من شخص؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في فظاعة وقبح ما كانت تمارسه تلك الفتاة، ولكن ما هي فيه من الندم والخوف من عذاب الله يعتبر بداية جيدة للتوبة، وعليها أن تعقد العزم على أن لا تعود إلى شيء مما كانت تفعله، ولتعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما جاء في الحديث الصحيح ... وما تريده من الحج لا يكفر الذنوب، كما بينا من قبل ولك أن تراجعي في ذلك الفتوى رقم: 3000، ولكن التوبة إذا كانت وحدها تكفر الذنوب وبالتالي فإن انضمام الحج إليها أولى بتكفير الذنوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(9/4331)
كيف يشكر العبد ربه ومولاه
[السُّؤَالُ]
ـ[مرضت أمي حتى أصبحت لا تستطيع مغادرة الفراش، دعوت الله عز وجل أن يشفيها وشفيت أمي حقا وهي الآن بحال أفضل.. أشكر الله تبارك وتعالى على استجابته لدعائي وأسال كيف يكون شكري لله كما يجب أن يكون، ما الذي يجب أن أفعله حتى أوفي الله عز وجل شيئا من فضله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شكر الله تعالى والاعتراف بفضله ونعمه نعمة عظيمة ومقام رفيع قد لا يوفق له كثير من الناس، وقد وعد الله عز وجل عباده الشاكرين بالجزاء والزيادة ... فقال الله تعالى: وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ {آل عمران:144} ، وقال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7} ، فشكرنا لله تعالى هو في الأساس من نعم الله تعالى علينا، ونحن المحتاجون إليه المنتفعون به، والله تعالى غني عنا وعن شكرنا وثنائنا لا نحصي ثناء عليه هو كما أنثى على نفسه.
وشكر الله تعالى يكون باللسان ثناء وذكراً ودعاء ... وبالقلب محبة ورضى ... وبالجوارح عملاً.. ومعناه باختصار أن يصرف العبد كل نعمة عنده في طاعة الله تعالى وابتغاء مرضاته، ولا يصرف شيئاً من ذلك لغير الله تعالى كما قال بعضهم: والشكر صرف العبد ما أولاه * مولاه من نعماه في رضاه.
ومما يمكن أن تفعلوه شكراً لله تعالى الصدقة على الفقراء ومساعدة بعض المرضى المحتاجين ونحو ذلك من السعي في تفريج كرب بعض المسلمين.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم في الشكر نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 104738، والفتوى رقم: 73736.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(9/4332)
الصبر والاحتساب عند فقد الأحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ. أود أن أطرح علي فضيلتكم ما أعانيه من فراق أعز وأغلى ما في الوجود. وهي (أمي) حيث توفيت منذ تسعة عشر يوما. ومنذ ذلك اليوم وأنا في أشد الحزن والضياع فهي لا تفارق عيناي أبدا. كلما مرت الأيام ازددت لها شوقاً فقلبي يعتصر من الحزن كلما وقعت عيناي على شيء يخص أمي بكيت بجنون وكلما بدأت بإعداد طعام تذكرت أننا كنا نعده لأمي لم أقدر أن أعد إلا القليل منه، وكلما ذهبت إلى مكان أرى أمي في كل مكان وكل وقت لا تفارق عيناي أكاد أصاب بالجنون إلى الآن لا أقدر أن أتقبل عدم وجودها بجانبي وأنا ولله الحمد مؤمنة بالموت والحياة ولكن هذا الشعور ليس بيدي. وأنا أخاف من الله أن يعاقبني على ذلك. لذا أرجو من الله ثم من فضيلتكم أن تدلوني على ما يثبتني ويصبرني على مصيبتي من أحاديث وقصص. وأيضا أتمنى من الله عز وجل أن يطمئنني على أمي مثل لو رأيت رؤيا إن أمي في خير وسعادة أن شاء الله.
أنا سمعت أن الذي يتوفى يعرف إذا كان في خير أم لا من علامات كثيرة فمثلاً أمي فسبحان الله كان في وجهها نور قد لاحظه أخي هو وواحد من محارمها عند دفنها ما أصعب هذه الكلمة على قلبي في كتابتها وعند نطقها أو سماعها. أيضا كل واحد من ذكر أو أنثى أتى للتعزية إلا وذكرها بخير هي كانت محبوبة من جميع الناس والحمد لله كانت فيها صفات جدا جميلة كانت من الذين تنطبق عليهم الآية (ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة) صدق الله العظيم. أود أن تطمئن قلبي على أمي ونور حياتي. أنا أعرف أن هذا يعلمه الله وحده ولكن أنا قلت إن في علامات يعرف بها الإنسان إذا كان المتوفى في خير أم لا. أرجو أن تعذروني للإطالة عليكم وأرجو من فضيلتكم أن تساعدوني بالرد بسرعة لو تكرمتم، مع العلم يا فضيلة الشيخ بأن صلتي بأمي كانت قوية جداً حيث كنت لا أفارقها ليلا نهارا أحملها على أكتافي من دورة المياه أعزكم الله إلى سريرها والعكس وأنام بقربها وقد كتمت سرها لسنين طويلة لدرجة أنني لم أبح به حتى لشقيقاتي وتركت كل متاع الدنيا من أجل المكوث بقربها، فهل أديت ولو جزءا من حقوقها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فعلى الأخت أن تصبر وتحتسب الأجر، وأن تحذر من الجزع والتسخط وعدم الرضا بالقضاء، ولتبشر بأن أمها في خير بإذن الله، وننصحها بسماع شريط: كشف الكربة عند فقد الأحبة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لأمك ولجميع المسلمين، ونذكرك بفضل الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى، فقد أعد الله سبحانه للصابرين أجراً عظيماً كما في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 156 ـ 157}
فعليك أن تصبري وتحتسبي الأجر عند الله فله ما أخذ وله ما بقي، وكل نفس ذائقة الموت، والمصائب بعد موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هينة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم فقال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي. قال الشيخ الألباني: صحيح..
فإذا ما استشعرت أيتها الأخت الكريمة تلك المعاني ووقرت في قلبك وعقلك فسيخف عليك هول الصدمة، واعلمي أن الحياة دار ممر لا دار مقر، وأن اجترار الحزن والأسف لا يرد غائباً ولا يعيد فائتاً، فاتقي الله واحذري من الجزع والتسخط وعدم الرضا بالقضاء،
وما ذكرت من شأن أمك وصلاحها ومحبة الناس لها وشهادتهم لها بالخير كل ذلك يدل على حسن الخاتمة وأبشرى الخير لها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يستعمله في عمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.
وإليك هذه الأحاديث ففيها تسلية لك ولكل مصاب:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.
وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ, وله ما أعطى, وكل شيء عنده بأجل مسمى, فلتصبر ولتحتسب.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها؛ إلا آجره الله تعالى في مصيبته, وأخلف له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها, فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وهناك أمور تعين على اكتساب الصبر راجعيها في الفتوى رقم: 73790.
وننصحك بسماع شريط الشيخ علي القرني بعنوان: كشف الكربة عند فقد الأحبة.
هذا، ونسأل الله تعالى أن يجازيك أحسن الجزاء على برك بأمك وخدمتك لها ولا شك أن ذلك جزء من حقها عليه فأبشري بخير وجزاء أوفى من الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(9/4333)
العاقل من ينظر إلى العواقب الأليمة نظر المراقب الخائف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا سيدى لا أستشعر نعم الله علي وعلى العكس فأنا متذمر دائما وهبني الله زوجة يحسدني عليها أي رجل ولكنني أكرهها بدون سبب وأبحث طول الوقت عن الحب مع أي امرأة غيرها مهما كانت قبيحة أو سيئة الخلق ولا يوجد تصرف يمكن أن يجرح أو يهين كرامتها إلا وفعلته، ومنحني الله أولادا يحسدني الجميع على أخلاقهم وتفوقهم، ولكني أعاملهم أسوأ معاملة والعكس أعامل أي ولد بحنان شديد خصوصا لو أمه معنا ولي عمل يحسدني الكل عليه ولكنى متذمر منه وأبحث عن غيره، فهل هذا غضب من الله علي وأشعر أن قلبي قد طبع الله عليه، فمهما أعتمر وأحج أخلاقي السيئة لا تتغير فما رأي فضيلتكم في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن لم يستشعر نعمة الله عليه يوشك الله أن يرفعها عنه، قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} ، والحال الذي ذكره السائل عن نفسه حال عدم شكر فننصحه بسرعة التوبة، وعليه بالتأمل في العواقب الوخيمة التي ستجره إليها نفسه الأمارة بالسوء، فالعاقل ينظر إلى العواقب لا إلى ملذته الحاضرة، وما تبحث عنه مع امرأة أخرى هو من الكبائر المحرمة ومن استزلال الشيطان لك إلى ما ستندم عليه في الدنيا قبل الآخرة.
فعليك بدوام الالتجاء إلى الله وذكره ومجالسة أهل الصلاح والعلم فإن مجالستهم طاردة لوساوس الشيطان مثبتة على الدين مذكرة بالله، وتصرفاتك التي ذكرت مع زوجتك وولدك لا تجوز لمسلم، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19} ، وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... وقال تعالى: فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} .
وإن كان وضعك الذي تعيش كما تقول من حسد الناس لك على ما أنعمه الله عليك فقد يكون ما بك ناتج عن عين حاسد، فننصحك بالرقية الشرعية عند من يعرفها وملازمة الرقية على نفسك وأهلك وولدك، ونسأل الله أن يوفقك لأن يهديك لكل خير.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16092، 35549، 34019، 19561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(9/4334)
معاقبة النفس بفعل بعض الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصيام يومين متتاليين بنية معاقبة النفس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك صيام يومين متتاليين مجاهدة لنفسك أو عقوبة لها على تقصيرها، فعقوبة النفس بفعل بعض الطاعات قد ثبتت عن بعض السلف الصالح.
فقد ذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن وهب أنه كان يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/4335)
نصح الأخ أخاه المنبهر بالدنيا والمظاهر الزائفة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ مبهور بالدنيا وزينتها وتهمه المظاهر والموضة، ولا يفكر بأمور بالآخرة إلا قليلاً، وإذا ذكرته لا يهتم وإذا نصحته فهو لا يهتم، وهو يصلي ويصوم بحمد الله ولكن هناك أمور كثيرة مثل الغيبة والوقوع بأعراض الناس حذرته أكثر من مرة فما الحل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بمتابعة النصيحة لأخيك بأسلوب اللين والكلمة الطيبة.. ولا تيأس.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنبهار بالدنيا والانشغال بالمظاهر الزائفة واتباع الهوى ... من أسباب الغفلة وقساوة القلب والبعد عن الله تعالى، وقد حذرنا الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من اتباع الهوى والشهوات والانشغال بالدنيا وزهرتها ... وأما الغيبة والوقوع في أعراض الناس فهي من الذنوب الخطيرة التي يجب على المسلم أن يحذر منها ويبتعد عنها، ويكفي للتنفير منها قول الله تبارك وتعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
وما دام أخوك يصلي ويصوم ... فهو على خير كثير -ولله الحمد- فعليك بمتابعة نصيحته برفق ولين، وتحين الفرص والأوقات المناسبة لعل الله تعالى يهديه على يديك ويصلح حاله بسببك فتنال بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى، كما يمكن أن تستعين ببعض الإخوان والأصدقاء على نصيحته ... وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 79155 وما أحيل عليه فيها من الطرق المفيدة في النصيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(9/4336)
توبة الزوجين من زناهما قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[زنيت العديد من المرات مع نفس الرجل الذي هو زوجي الآن حتى في شهر رمضان هل يغفر الله لي. أخي بماذا تنصحني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو التوبة مما سبق بصدق، والإكثار من الاستغفار والعمل الصالح، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {68-70} وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} ويجب عليكما أن تسترا أنفسكما وتحافظا على البعد عن الفواحش، وإن كان حصل منكما الجماع في نهار رمضان فتجب عليكما الكفارة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 11181، 1929، 47019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(9/4337)
الإسراف والتبذير وإنفاق المال في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأى الدين في رجال الأعمال الذين يتاجرون بأموالهم في زواج ممثلات وقرأت يخصصون طائرات خاصة ومصاريف الطائرة في الشهر صيانة وبقاء في المطار وتكاليف إقلاع ومرتبات الطاقم 11000 دولار شهريا في حين أننا لا نجد ثمن رغيف العيش أليس هؤلاء مسلمين حسبنا الله ونعم الوكيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن واقع كثير من أصحاب الأموال من المسلمين واقع سيء فهم ما بين منفق أمواله في الحرام المحض أو متجاوز حد الاعتدال في الإنفاق إلى الإسراف والتبذير، وكل ذلك مما نهى الله تعالى عنه.
قال تعالى: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ {الأعراف:31} .
وفي الحديث: إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. متفق عليه.
وينبغي مناصحة هؤلاء وتذكيرهم وتحذيرهم عواقب تصرفاتهم هذه، ومطالبتهم بأداء حق المال وضوابط الزكاة. ونسأل الله تعالى أن يهدي تجار المسلمين إلى جمع المال من حله وإنفاقه في وجهه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1429(9/4338)
واجب العبد مجاهدة نفسه وحملها على الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[حفظكم الله ورعاكم يؤرقني كثيراً هذا السؤال:
كيف ندمج ونجمع بين ذم فعل المعاصي وأنها سبب لغضب الله على فاعلها وأنها سبب للمصائب والمحن والبلاء وإدمان الشخص عليها وأنها تجر إلى أكبر منها وغير ذلك من أضرار المعاصي والذنوب
وبين ضعف الإنسان وميله إلى المعاصي بفعل الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء وأن الله يحب التوابين ويحب المستغفرين وأيضاً أن الله فيما معنى الحديث القدسي أنه إذا لم يذنب العبد أتى الله بقوم ليذنبوا فيستغفروا الله فيغفر لهم وهل هذا الحديث صحيح وما درجته.
فما هو الجامع بين هذين الأمرين فهل نبتعد تماماً عن فعل المعاصي مثل بعض القصص في الزهد والورع لبعض الصحابة والسلف الصالح أم أننا لا نحرص جداً على تركها لأنه في حالات كثيرة يضعف الإنسان مع العلم أنه يكره المعصية لكن لكونه مثلاً تعود عليها لفترة طويلة أو لكونها قريبة منه في الوضع المحيط به ولا يستطيع ترك هذا المكان.
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على العبد أن يحمل نفسه على البعد عن المعاصي، وإذا حصل الضعف وغلبه شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء فليبادر بالتوبة ولا يتوقف عن مجاهدته نفسه وحملها على الاستقامة، ولا ييأس من رحمة الله، وعليه أن يعمل جادا في الوسيلة التي تحقق له البعد عن أجواء المعاصي وتسلي قلبه عن التعلق بها، ومن وسائل ذلك البعد عن جو الفساد إلى بيئة صالحة يجد العبد فيها من يعينه على الاستقامة، كما أرشد العالم قاتل المائة، ومن وسائلها زواج من يخاف الوقوع في الفاحشة أو ما يقود إليها من النظر المحرم واستعانته بالصيام مع البعد عن النساء والفتن.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10263، 31768، 65356، 76425، 72497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/4339)
الصلاة بالخشوع والمراقبة ثمرتها البعد عن المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.. فلماذا بعد الصلاة أذهب وأدخن فنورونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من أدى الصلاة على الوجه المطلوب فأتى بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها وخشع فيها لله وراقب الله تعالى انتفع بها فلا يقرب معصية بعدها حتى تأتي الصلاة الأخرى وهكذا، أما من كانت صلاته مجرد صورة لا خشوع ولا مراقبة فيها فإن صاحبها يبقى على حاله فيجترئ بعدها على المعاصي لأنه لم ينتفع بصلاته كما ينبغي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المسلم يصلي ثم بعد ذلك يمارس المعاصي فمعنى ذلك أنه لم يأت بالصلاة على الوجه المطلوب، فقد ذكر بعض المفسرين عند تفسير الآية المشار إليها في السؤال أن من أدى الصلاة على الوجه المطلوب فأتى بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها وخشع فيها لله وراقب الله تعالى انتفع بها فلا يقرب معصية بعدها حتى تأتي الصلاة الأخرى وهكذا..
أما من كانت صلاته مجرد صورة لا خشوع ولا مراقبة فيها فإن صاحبها يبقى على حاله فيجترئ بعدها على المعاصي لأنه لم ينتفع بصلاته كما ينبغي.
قال القرطبي في تفسيره عند الكلام على الآية المشار إليها: أخبر حكماً منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، والصلاة تشغل كل بدن المصلي، فإذا دخل المصلي في محرابه وخشع وأخبت لربه وادكر أنه واقف بين يديه وأنه مطلع عليه ويراه، صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى وظهرت على جوارحه هيبتها، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة، فهذا معنى هذه الأخبار، لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن يكون. انتهى.
ونحن نوصيك أخي الحبيب بأن تسارع بالتوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب الذي ذكرته ومن سائر الذنوب قبل أن يفجأك الموت، فربما ندمت حين لا ينفع الندم، كما نوصيك بمجاهدة نفسك لتحسين صلاتك وسترى بإذن الله تعالى بعد ذلك أثرها في إصلاح نفسك وتزكيتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(9/4340)
المسافر لزيادة دخله هل هو أفضل من المقيم ببلده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سفر الرجل للعمل بالخارج مع ما يصاحبه من مشقة لمزيد من المال يؤجر عليه من الله سبحانه وتعالى أكثر من الأجر الذي يحصل عليه من العمل داخل بلده وإن كان يرزق منه من المال الذى يكفيه هو وأسرته..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تجشم مصاعب السفر ليزداد دخله فينفق في مصارف الخير ويصل الأرحام ويغني أهله نرجو الله أن يكون أعظم أجرا ممن اقتصر على الدخل المتاح له في بلده.
ويضاف إلى هذا ما في السفر من الفوائد التي ذكرناها في الفتوى رقم: 97083.
ولكنه يتعين مع ذلك مقارنة الفائدة المرجوة منه مع مصلحة الدين والعيال فلو سافر واحد عن زوجته فضعف مستوى العفة عنده أو عند أهله أو فسد أولاده بعده فإن الخسارة الدنيوية والدينية هنا يتعين تفاديها.
وراجع الفتوى رقم: 25289، والفتوى رقم: 46776، والفتوى رقم: 72933، والفتوى رقم: 75707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/4341)
هل الدعاء والعمل الصالح لا يقبلان من السارق وآكل الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث صحيح أو على درجة عالية من الصحة يخبر بأن مرتكب السرقة أو آكل المال الحرام لا يقبل منه الدعاء أو العمل الصالح مدة أربعين يوما أو أربعين ليلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
السرقة وأكل الحرام من أسباب عدم إجابة الدعوة وقبول العمل الصالح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في الحديث الصحيح أن آكل الحرام ولابسه لا تستجاب دعوته، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وقال: كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده. رواه البخاري ومسلم. وقال: ولا ينتهب نبهة -حين ينتهبها- وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وقال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة:27} .
وعلى هذا فالسرقة وأكل الحرام كل ذلك يعد من أسباب عدم إجابة الدعاء وقبول العمل الصالح ما لم يبادر صاحبه بالتوبة النصوح إلى الله تعالى ورد المظالم لأهلها ... فإذا تاب تاب الله عليه وقبل توبته واستجاب لدعوته -إن شاء الله تعالى- لأن التوبة تمحو ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.. وما دام لم يتب فهو عاص بعيد عن الله تعالى وعلى خطر عظيم، ولا علاقة لذلك بمدة معينة أو زمن محدد ما لم يتب، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5876، 40782، 93841.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/4342)
الاستقامة على الدين والحرص على زيادة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل فضيلتكم سؤالا, أنا شاب عندي 25 سنة ولله الحمد, أعاني من مشكلة كبيرة في نفسي ألا وهي أنني شخص متناقض جداً, حيث إنني التزمت أثناء دراستي بالكلية والحمد لله خرجت منها ملتزما إلى حد ما ولكن بدأ الانتكاس بعدما تخرجت حيث كان ينبغي لي أن أبحث عن عمل, وفي ظل هذه الظروف وجدت عملاً في شركة جيدة ولكن الاختلاط (حيث لا يخفى عليكم) بدأ يدمرني نفسياً من حيث فتنة الشهوة, ووصلت إلى حالة لتخفيف لحيتي حيث إنه بدأت الانتكاسة تصيبني في جهري وسري, وسمعت كثيراً من المشايخ حفظهم الله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات (كما قال ذلك: الإمام ابن القيم – رحمه الله) , ولكنني مع الأسف تلبست بفتنة الشهوات جهراً وسراً حتى وجدت نفسي أرجع إلى حياة أصدقاء السوء ولكن بمفردي من حيث إنني حتى الآن أفكر كثيراً في الزنا بامرأة, ولكنني مازلت على المنهج السلفي ولله الحمد في مواجهة فتن الشهوات والشبهات في كثير من هذه القضايا إلا بعض الشهوات المتعلقة بفتنة النساء, وحدث لي بسبب هذه الانتكاسة بعض المشكلات منها على سبيل المثال: أنه قد أصابني مرض الوسواس القهري في التعامل مع الناس سواء من ناحية النظافة أو النجاسات, وتجدني أيضاً لا أقرأ من كتاب الله كثيراً كما كنت في التزامي.
ولكنني بفضل الله تعالى ذهبت لأكثر من دكتور نفساني ليساعدني لأتخلص من هذا المرض حتى تتم معالجتي تماما ومنتظم على أدوية خاصة بهذا الأمر منذ أكثر من سنة ونصف حالياً, ولكني في نفس الوقت أعاني معاناة شديدة من الانتكاسة التي وقعت لي من قبل, ولكني مازلت ولله الحمد أحافظ على صلاة الجماعة في المسجد ولا أنكر أنها تتفلت مني في بعض الأوقات أيضاً بسبب هذه الانتكاسة.
فمن فضلكم يا شيخ بم تنصحني في مواجهة هذه المشاكل من حيث إنني أعيش حالياً في تناقض شديد مع نفسي كما أخبرت فضيلتكم من قبل, فتجدني مثلاً أنصح كثيرا من الناس بإتباع أوامر الكتاب والسنة من حيث إنني لا ألتزم بأوامر الكتاب والسنة في التعامل مع النساء خاصة ومع الشهوات بصفة عامة......وأشكر لفضيلكتم نصحكم لي إن شاء الله..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستقامة على الدين والحرص على ترقية الإيمان في حياة المسلم واجب شرعي، فيجب عليك غض البصر عن النساء والبعد عن كل المثيرات والحرص على عدم القرب من النساء، وما يؤدي للفتنة بهن، وتزوج امرأة صالحة تعينك على الاستقامة، وواصل سيرتك الدعوية فتعليم الناس ونصحهم يساعدك على الثبات.
وما تلاحظه من التناقض في نفسك علاجه مواصلة عمل الخيرات وصحبة أهل الخير حتى تترجح كفة الخير في حياتك.
وما يأتيك من الوساوس علاجه الإعراض عنه وشغل الوقت والطاقة بما ينفع من تعلم علم نافع وعمل مثمر أو رياضة أو تسلية مشروعة، واحذر من الانفراد بنفسك، ولا بأس بالرقية الشرعية واستشارة الأطباء النفسانيين.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 76270، 72264، 72497، 75046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/4343)
أدخن..لا أصلي..كرهت الدنيا..أتمنى الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي أدخن ولا أصلي وكرهت الدنيا وأتمنى الموت، أرجوكم أريد حلا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، وأن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى، ويحفظنا وإياك مما يسخطه سبحانه وتعالى، واعلم أن التدخين محرم، لما يترتب عليه من المضار المهلكة، والعواقب الوخيمة، ولخبثه، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ {المائدة: 4} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. {البقرة:172} . وقال عز من قائل مخبرا عما بعث لأجله رسوله صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف: 157} .
ومعلوم لدى كل عاقل أنه لو سئل أي شخص أين يضع الدخان؟ هل يضعه تحت الطيب أم الخبيث والنافع أم الضار؟ لأجاب كل ذي بصيرة أنه من الخبائث الضارة.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك. وقد صحح الحديث الشيخ الألباني.
وقال صاحب مراقي السعود: وأصل كل ما يضر المنع.
وقد استفاضت فتاوى العلماء المعاصرين في تحريم الدخان، وقد ثبت بشهادة الأطباء المختصين أن التدخين سبب إصابة تسعة من بين كل عشرة من المصابين بسرطان الرئة، وكذلك يدخل التدخين ضمن مسببات أمراض القلب والجلطة الدماغية وانتفاخ الرئة والتهاب القصبة الهوائية، وكذا هو سبب للإصابة بالعنة، أو الضعف الجنسي.
وقد قال أطباء بارزون: إنه يجب التعامل مع النيكوتين الموجود في التبغ كباقي المخدرات الخطيرة مثل: الهيروين والكوكايين.
وفضلا عن أن التدخين مهلكة للبدن ـ الذي هو أمانة لا يجوز التصرف فيه بما يضره ـ فهو كذلك إضاعة للمال الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي. وقال أيضا: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم قيل وقال، كثرة السؤال، وإضاعة المال. متفق عليه.
ولو رأيت رجلا يمسك بيده مالا ويوقد فيه النار لما ساورك شك في أنه مجنون. والمدخن يفعل ذلك تماما، فماذا يقال عنه؟
فعليك أن تكون قوي العزيمة جادا في التخلص من الدخان.. ومما يعين على ذلك عدة أمور منها:
الأول: إخلاص النية وصدق الرغبة، فإن من صدق مع الله أعانه. فإن ترك العوائد يصعب على من تركها لغير الله، كما قال ابن القيم رحمه الله.
الثاني: استحضار عظمة من عصيت وهو الله عز وجل، فقد قال أحد السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
الثالث: تذكر سوء عاقبة المعصية في الدنيا والآخرة، وكفى بأضرار التدخين من الإصابة بالسرطانات وأمراض الصدر عبرة بسوء عاقبته في الدنيا. وكفى بالسؤال عن تضييع النفس بتعريضها للهلاك، وعن تضييع المال فيما لا نفع فيه أمام الله تعالى يوم القيامة عبرة بسوء عاقبته في الآخرة.
وعليك أن تعلم أن الأطباء قد صرحوا بأن التدخين انتحار بطيء، وراجع في خطورة الانتحار الفتوى رقم: 5671.
وأما الصلاة فإن أمرها عظيم عند الله تعالى، ومكانتها كبيرة في الدين لا يخفى ذلك على أي مسلم. قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً {النساء: 103} وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} وقال صلى الله عليه وسلام: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة. كما في السنن وصحيح ابن حبان. وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من لم يصل فهو كافر. رواه ابن عبد البر في التمهيد (4/226) والمنذري في الترغيب والترهيب (1/439) . ولا يخفى أن هذه العقوبة لمن ترك الصلاة بالكلية، أما من يصليها لكنه يتكاسل في أدائها، ويؤخرها عن وقتها، فقد توعده الله بالويل فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} .
ونقول للسائل: لم لا تصلي؟ ألا تخاف من الله؟ ألا تخشى الموت؟ أما تعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي.
وماذا يكون جوابك لربك حين يسألك عن الصلاة؟
ألا تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء. رواه البخاري ومسلم. و (الغرة) : بياض الوجه، و (التحجيل) : بياض في اليدين والرجلين.
كيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة، وليس عنده هذه العلامة، وهي من خصائص الأمة المحمدية، بل لقد وصف الله أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ {الفتح: 29} .
وقد تكلم العلماء باستفاضة عن عقوبة تارك الصلاة؛ كما في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي.
فعليك أخي الكريم -أن تتدبر الآيات وتتفحص تلك الأحاديث وأنت موقن مصدق، وداوم على التضرع إلى الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويعينك على نفسك ويوفقك للقيام بما افترضه عليك، والابتعاد عما يسخطه.
وأما مشاكل الدنيا فلست وحدك الذي تعاني منها، فالدنيا دار ابتلاء، وقد تكون أنت من أخف المبتلين فيها، فلو قلبت ناظريك في المرضى والمعاقين لحمدت الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم، وقال أيضا: ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس. رواه الترمذي.
وأما تمني الموت فإنه لا يجوز بحال مهما كانت الظروف، خصوصا إذا كان ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، وليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال في تحفة الأحوذي: ووجه النهي، أن تمني الموت يدل على الجزع في البلاء، وعدم الرضا بالقضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(9/4344)
إخبار المرأة زوجها بما حفظت هل ينافي الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على الأعمال الخيرة التي تقدمونها لإخوتكم المسلمين من جميع أنحاء العالم وبارك الله فيكم ودمتم في العون إن شاء الله.. مشكلتي التي تحيرني هي الخوف من الوقوع في الرياء والسمعة، فلقد منّ الله علي أن أبدأ بحفظ القرآن منذ وقت قريب والإنسان الوحيد الذي يعلم بهذا هو زوجي بالرغم أننا لا نعيش معا في الوقت الحالي لأنه في بلد أجنبي لغرض العمل أعانه الله، فأنا أحاول أن أطلعه على مقدار حفظي في اليوم وإلى أين وصلت لكي يشجعني وأعينه أيضا من التقرب من الله العزيز، وبالرغم من أنني أداوم على دعاء الإخلاص وأرجو التوفيق من الله وأن ينور قلبي بالقرآن ألا أني أخشى أن أقع في الرياء مع زوجي ربما الشيطان يوسوس لي وأتخيل بأني أعمل عملاً لأرجو الثناء ولهذا أتشوش أحيانا ويبادرني حزن شديد وأخاف أن يقول الله لي يوم القيامة لم تحفظي كلامي ابتغاء وجهي ... جزاكم الله خيراً فأفيدوني وأرشدوني مع العلم بأنني مصممة وبإذن الله أن أكمل الحفظ ويوميا إن شاء الله، ولا أبالي بما توسوس لي نفسي، لكن أريد أن يطمئن قلبي وهل أستطيع أن أحدث زوجي بما يتعلق بحفظي اليومي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
استعيني بالله وأكثري من الدعاء بالإخلاص وتابعي حفظ القرآن حتى تكمليه، وإذا تحقق الإخلاص فلا يضرك الحديث الذي ذكرت مع زوجك بل ربما يكون من التعاون على البر والتقوى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على ثقتها بالموقع وعلى اهتمامها بدينها وانشغالها بحفظ القرآن الكريم وحرصها على الإخلاص ... فالإخلاص أمره عظيم وشأنه كبير ونعمة من الله سبحانه وتعالى يمن بها على من يشاء من عباده، فعلى العبد أن يسعى في تحصيلها، وأن يحذر من الانزلاق في مصائد الشيطان، فإن الشيطان حريص على إفساد عمل المسلم بكل وسيلة فإذا فاته من جهة المعاصي والشهوات جاء إليه من جهة العبادة والطاعات.
والإخلاص محله القلب ولذلك فإن عليك أن تجاهدي نفسك وتوطني قلبك عليه وتستحضري خطورة الرياء وإحباطه للعمل ... فإذا استقر الإخلاص في قلبك فإنه لا يضرك بعد ذلك الحديث في هذا الموضوع مع زوجك ولا مع غيره، والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو المتابعة لحفظ القرآن حتى تكمليه فإن ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، كما قال الفضيل بن عياض ... وعليك بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في دفع الرياء، فقد روى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه.
وللمزيد من الفائدة في الموضوع انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7633، 30366، 44958، 56784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(9/4345)
كثرة الحزن تفضي للضرر في البدن والنفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة مطلقة عانيت في فترة زواجي الحرمان من أية حقوق زوجية ومما نص الله عليه من قوامة الرجل على زوجته، وأنا الآن عمري يقترب من 44 عاماً وأشعر بالحزن على ما فاتني ودائماً أبكي لكوني امرأة بلا زوج وبيت وأولاد فكنت دائماً أحلم بالزوج والبيت والأولاد ولكن طليقي أصر على هذا ودام الزواج 10 سنوات ثم انفصلنا ومن بعد انقضاء العدة بـ14 يوم توفي وأنا بين الحين والآخر أتذكر إساءته لي ثم مفاجأتي أنه تزوج علي بدون علمي ولا علم زوجته الأولى فينتابني البكاء لكونه حرمني من كل شيء حتى المبيت حيث إنه يسكن في منزل آخر مع أولاده وعندما يريد أن يعطيني مثل أي زوجة بالكاد في السنة كلها 4 أو 5 مرات وجلوسه في البيت ساعتين فقط حتى مرضت لحزني على نفسي وحين أتذكره فكأني أتشفى فيه لكونه ميتا على ظلمه لي وأقول بصوت عال إنك الآن بين يدي الله الحق العادل الذي لا يظلم أحدا ويحاسب كل إنسان بما قدمت يداه لأنني كنت أقول له اتق الله في وحرام الذي أنت تعمله وهذا لم يرض به الله وستحاسب أمام الله فكان يعنفني، فكان ينعتني بأنني مخادعة وكاذبة ولم أعترف بجميله علي وهو عندما توفي بالمستشفى علمت بأن أولاده فوجئوا به أنه متزوج بثالثة غيري وفوجئوا أيضاً بطلاقي منه منذ ثلاثة أشهر ونصف وكان يجعلهم يظنون أنني كنت آخذة أبيهم منهم فأقسمت لهم أنه لم يقم معي ليلة واحدة أرى معه نهار يوم جديد.
فماذا أفعل فيما تحتويه نفسي من صب غضب عليه ثم البكاء على ما مضى وهل عندما أذكره بين نفسي وأذكر أفعاله وأحدث نفسي أنت الآن لا حول لك ولا قوة وبين يدي الله وفي قبر لا تقدر على الفكاك منه هل هذا ينقص من حسناتي ويكفر عن سيئاته ... فأفيدوني لقد مضى على طلاقي ما يقرب العام وخمسة أشهر ومضى على وفاته ما يقرب على العام وشهرين وأنا لن أقدر أنسى الحسرة والألم التي يكتويها قلبي فهل كنت للدرجة إنسانة غبية بالرغم أنه جاءني يطلب مني العفو والسماح قبل وفاته بأسبوع وبكائه ولكن كان كل شيء مضى، مع العلم بأنه بعد الطلاق لم يعطني فلسا واحدا من حقوقي وأصر أمام القاضي أنه لن يعطيني طالما أني أنا التي طلبت الطلاق وكان سبب رفع دعوى الطلاق هو طلاق للضرر بكل أنواعه حتى أولاده وزوجته الأولى وتلك الأخيرة التي تزوجها أبلغتهم أنه عليه دين لي من نفقة ومؤخر وما يترتب عليه الطلاق من حقوق للزوجة المطلقة ولكنهم كانوا مثله في البخل وأخذ حق الغير فكان هو يعيش ويأكل على حسابي ولا ينفق فلسا واحدا علي يعني كان يأكل سحتاً وهم الآن نفس الشيء فلم يعطوني شيئاً وتنازلت عن دعوتي أمام القاضي لكوني أصرخ لحقي الذي سلب مني ليس مال فحسب بل عمري وشبابي لأنني كنت أقول له إنني أشعر أنك تحرمني من الأطفال وعندما أكبر وأصل ما بعد الأربعين ستطلقني حتى لا ألحق أن أنجب مرة أخرى، فياله من إنسان جبان لا أعرف أن هذا هو الذي يريده مني وكان هذا وكان هم أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت أنك صبرت على تفريط زوجك في حق فرضه الله لك عليه، وصبرك هذا لك عند الله به أعظم الجزاء كما وعد الصابرين بذلك حيث قال: وبشر الصابرين، فأبشري ببشارة الله لك على ما تحملتيه من ألم، وصبرت على نكد العيش وتضييق الزوج، وكان على زوجك أن يفي لك بما أمره الله به من العشرة بالمعروف والنفقة والعدل.. وننصحك بعدم التحسر على ما فات وفتح باب الوساوس، فإن لو تفتح عمل الشيطان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري.
وعليك أن تنسي ذلك وتفتحي صفحة جديدة، عندئذ تستطيعين أداء حق الله وحق نفسك والاهتمام بأمورك، فإن الجزع لا يحبه الله، قال تعالى: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، والحزن لا يأتي بخير لذلك نهى رسوله عنه، قال تعالى: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {النمل:70} ، فلا ينبغي لك قضاء وقتك في الهموم والأحزان والتأوهات لأنها تؤدي إلى الهلاك، وقد بين الله تعالى أن كثرة الحزن مفضية إلى ذهاب منافع البدن كالبصر وغيره، قال تعالى: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {يوسف:84} ، ومرضك الذي ذكرت هو منه أو يزيده.
كما ننصحك أن تعفي عن زوجك، لقوله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، فقد صبرت وبقي أن تغفري له وتسامحيه وستجدين ذلك عند الله تعالى، وقد أثنى الله على المؤمنين بقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {الشورى:37} ، وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ {المؤمنون:96} ، فهذه الآيات تدل على أن الأولى للعبد العفو والمغفرة والصبر وهذا ما ننصحك به، وننصحك بدوام التسبيح فإنه يزيل الهم وضيق الصدر، قال تعالى موصياً رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك وهو يواجه أفظع أنواع التآمر: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ {الحجر:97-98} .
أما مطالبتك بحقوقك التابعة للطلاق.. فقد ذكرت أنك تنازلت عنها أمام القضاء.. فإن كان كذلك فليس لك بعد ذلك المطالبة بها من الورثة، وما ذكرتيه من أنك مطلقة وتعيشين الآن بلا زوج ولا ولد فأقرب طريق لذلك هو الدعاء والتقرب لله، فإنه هو القائل: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ {النساء:130} ، والقائل: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} ، وأبشري بوعد الله وفضله.. وفقك الله لما يحب ويرضى، ورزقك الزوج الصالح والولد قرة العين..
وللمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77892، 97457، 49507.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(9/4346)
الابتلاء بالمرض.. ومغفرة الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ولدت عندي مرض في رجلي إلى الآن، فهل ستغفر لي الله ذنوبي بسبب ذلك مهما كانت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيرجى للمريض أن يكفر الله تعالى عنه من خطاياه بما ابتلاه به من المرض، ولكن جمهور أهل العلم يخصون التكفير بالمرض بصغائر الذنوب كما ذكر هذا العلامة المباركفوري في شرحه لسنن الترمذي، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ... رواه البخاري.
ولكن هذا لا يعني أن يغتر المؤمن بثواب مرضه فيسرف في الذنوب بزعم أنه ستغفر له كل الذنوب، فربما جاء يوم القيامة فيفاجأ بأن سيئاته أكثر من حسناته، والمؤمن يرجو رحمة ربه ولا يقنط من مغفرته، ويخافه ولا يأمن من مكره، وقد قال الله تعالى: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99} ، وانظري الفتوى رقم: 34952، والفتوى رقم: 5150، والفتوى رقم: 6571.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1429(9/4347)
قبول توبة من تاب وصدق وأناب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم لطفل من متلازمة داون، هو طفلي الأول والوحيد حتى الآن، تعذبت كثيراً حين علمت بمشكلته وحتى الآن أنا أعاني من ذلك والحمد لله على كل حال، ولكن بالمقابل أحببته ورضيت بالابتلاء واحتسبت الثواب على الله، ولكني ودون التماس العذر لنفسي، وبسبب ابتعاد زوجي عني وعدم قيامه بالواجبات الزوجية، خضت الكثير من المعاصي من الحديث مع الغرباء على الإنترنت ثم على الهاتف ومقابلة واحد منهم ولكني لم أقترف الفاحشة والحمد لله.. ولا أعرف أين كان عقلي آنذاك، المهم أني رجعت عن ذنبي قبل أن يكبر وأفتضح لا سمح الله خوفا من الله حيث كانت الأمور ميسرة لمزيد من المعاصي ولكني تراجعت عن المضي فيها، سؤالي هو: هل يغفر الله لي ذنبي مع كثرة استغفاري الآن وهل يجزيني على صبري لمعاناتي مع طفلي جزاء الأم الصابرة المحتسبة أم الإنسانة المذنبة العاصية في وقت ما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله سبحانه يقبل توبة عبده إذا أناب إليه وصدق في توبته وندمه على تقصيره في جنبه، وهو سبحانه يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب إليه، وما من ذنب وإن عظم يتوب صاحبه منه توبة نصوحاً إلا تاب الله عليه فضلاً منه ورحمة، فاصدقي الله في التوبة وأحسني في الإنابة وأقبلي عليه وأبشري بمغفرة منه وفضل، ونرجو أن يثيبك على صبرك واحتسابك الأجر في مصيبتك ويجعل ذلك كله في ميزان حسناتك.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99815، 1882، 2969، 5668.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1429(9/4348)
مات أخوه المعاق ويشعر بتقصير تجاهه
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل لي أخ مريض (معاق) تصيبه نوبات تشنج وصرع 3 مرات أسبوعيا وأحيانا أكثر وهو بصعوبة بالغة عندما يحرك يديه أو يمشي أو يتكلم واستيعابه العقلي ضعيف جدا ووالدي ووالدتي توفاهما الله منذ وقت طويل وأنا اعتبرت نفسي مسئولا عنه مع العلم أن لي إخوة آخرين فقد كنت بحمد الله أعطيه دواءه وطعامه وألبسه وأنظفه وهويسكن بشقة بجواري وكنت مطمئنا عليه فيها فعندما يستيقظ يأكل الطعام وأنظفه وألبسه ملابس نظيفة وأعطيه الدواء وأفتح له التلفاز وفي أثناء النهار أحيانا أحضره إلى شقتي أو أولادي أو أولاد إخوتي يكونون عنده وأحيانا يبقى لوحده وفي الليل أطمئن عليه وأعطيه الطعام والدواء وعندما يكون موسخا أنظفه ثم أنومه وأغطيه وقد توفي أخي منذ أسبوعين ومنذ أن توفي رحمه الله وأنا تعبان كثيرا وذهني كله في التفكير بشيء واحد هو أنني أخاف من أنني كنت مقصرا معه من حيث إنني لم أكن أخرجه من المنزل أو أجلس معه أوقات معقولة حتى يفضفض لي بالتهتهة أو حتى بالإشارة فقد كان أخي رحمه الله مسكينا بكل معنى الكلمة فهولا يستطيع أن يعبر عن احتياجاته أولا يطلب شيئا مطلقا فأنا أخاف أن يسألني الله عز وجل بأنني كنت مقصرا معه.
شيخي الفاضل لقد كنت لا أخرجه من المنزل لأنه رحمه الله كان لا يستطيع أن يمسك نفسه وكذلك لم يكن يخطر على بالي إخراجه من المنزل ولم يخطر على بالي كذلك أن أحادثه وأن أجلس معه شيخي الفاضل أنا تعبان جدا من تقصيري معه في بعض الأمور وأرجو منكم إفادتي أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك فيما ذكرت إذ ليس بواجب عليك شرعا أن تخرجه للنزهة ونحوها، سيما وأنك قد تركت ذلك بعذر وهو عدم قدرته على ضبط نفسه، وكون ذلك لم يخطر لك ببال حتى تفعله فلا إثم عليك، ونرجو أن يثيبك المولى سبحانه على ما بذلت له وما قمت به تجاهه من الأعمال الحسنة، فدع عنك التحسر والحزن، وإياك وترداد لو أني كنت فعلت أو فعلت، فإنها تفتح عمل الشيطان. فاستغفر الله لأخيك وأقبل على الطاعات والبعد عن المعاصي والسيئات، واسأله سبحانه أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(9/4349)
ما يجب على الظالم تجاه من ظلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" سؤالي هو: ما السبيل لتكفير ذنوب ظلم العباد،
شخص عمره الآن يقارب الخمسين يخشى الله سبحانه وتعالى كان قد ظلم إنسانا قبل 20 سنة عن جهل وطيش وغرور وربما أسباب أخرى كان يمر خلالها تلك الفترة، يعلم أن المظلوم قد دعا عليه في جوف الليل وقت التهجد فوقع للظالم فوراً حادثا سبب له آلاما جسدية بدأت تزداد الآن مع تقدم العمر وضعف الجسم، حاول الظالم تدارك الخطأ الذي ارتكبه بالاتصال بالمظلوم لطلب السماح وإرضائه وتسوية الخلافات ولم يتمكن لأنهم في بلدين بعيدين ولا يعرف عنوانه أو كيف يتصل به، سؤالي هو ماذا على الإنسان الذي وقع في ظلم إنسان بريء وافترقا منذ 20 سنة ولا يعلم عنوانه لطلب السماح أو دفع تعويضات مالية لإرضائه أو الذي يريده أن يفعله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبين لنا ما هية الظلم الذي حصل من ذلك الشخص لنبين لك ما يجب عليه، لكن لتعلم أن ظلم الناس بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو هتك أعراضهم أو قذفهم وسبهم أو ضربهم وإهانتهم أو بالاعتداء عليهم بأي صورة من الصور يعتبر إثماً عظيماً وذنباً جسيماً، وقد توعد الله عليه بالعذاب الكبير والأليم، قال الله تعالى: وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا {الفرقان:19} ، وقال تعالى: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {إبراهيم:22} ، وفي صحيح البخاري: أن أبا سلمة كانت بينه وبين أناس خصومة فذكر لعائشة رضي الله عنها فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين. وفي معناه كما روى الطبري وابن حبان من حديث يعلى بن مرة مرفوعاً: أيما رجل ظلم شبراً من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس. أي يجعل كالطوق في عنقه.
وفيه أيضاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. قال العيني: أي في سعة منشرح الصدر وإذا قتل نفساً بغير حق صار منحصراً ضيقاً لما أوعد الله عليه ما لم يوعد على غيره. وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.
وبالجملة فإن صور ظلم الغير كثيرة كما أسلفنا، وعلى من وقع في شيء منها أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ومن شروط التوبة في هذه الحالة: رد الحقوق إلى أهلها، وقد يكون ذلك برد المال، وقد يكون بدفع النفس كالاقتصاص منه أو بدفع الدية أو دفع تعويض أو غرامة مالية أو استرضاء المظلوم وطلب مغفرته ومسامحته أو غير ذلك مما يحكم به الشرع أو يحكم به الحاكم المسلم، وهذا هو السبيل الأوحد لتكفير الذنوب المتعلقة بالعباد ... وقد أحسن هذا الشخص صنيعاً بتوبته عما فعل وسعيه حثيثاً لإرجاع الحق لصاحبه، ولعل ما حصل له في الدنيا يكون كفارة لذنوبه، وعليه مع ذلك الاستمرار في البحث عن صاحب الحق إن ظن الوصول إليه والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة والتصدق، وللمزيد من الفائدة والبيان يرجى الإطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34977، 4603، 50885، 71974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(9/4350)
معونة الله تلازم الصادق في الإقلاع عن الأفعال القبيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مدمن على العادة السرية ولا أستطيع الإقلاع مطلقا فهل يجوز التدرج في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
استعن بالله تعالى وبادر بالإقلاع التام عن هذه العادة السيئة قبل أن يباعتك الأجل، وإن صدقت واستعنت بالله تعالى فلن تحتاج إلى التدرج في التخلص من هذا المعصية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم العادة السرية وضررها على النفس والبدن وبعض الطرق لعلاجها والوقاية منها وذلك في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 24126، والفتوى رقم: 7170، ونرجو أن تطلع عليهما.
ونضيف إلى ذلك أن عليك أن تجاهد نفسك وتقلع بالكلية عن هذه العادة المشينة، وتستعين على ذلك بالله تعالى والإكثار من دعائه وخاصة في أوقات الإجابة، فقد وعد الله عزوجل من دعاه بالهداية إلى الخير والصلاح من جاهد فيه، فقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
وقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}
وبإمكانك أن تستشير من تثق به من الأطباء الناصحين لله ولعباده.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(9/4351)
العاقل يفرح بتوفيقه الله له للتوبة والإقلاع عن المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[دون إطالة ومقدمات: أنا شاب سوري مقيم في دبي منذ عدة سنوات, تعرفت على فتاة من روسيا بالصدفة في دبي (كانت في دبي بقصد السياحة والاستجمام) تطورت العلاقة بيننا لدرجة أنها أحبتني فتركت بلدها وأهلها وأتت إلى دبي لتكون دائما بجانبي واستطاعت بحكم خبرتها وذكائها أن تحصل على عمل بنفس الشركة التي كانت تعمل بها في روسيا ولكن في دبي (شركة دولية) فكان مرتبها ما يزيد عن ضعفي مرتبي, فاستأجرنا منزلا وسكنا مع بعض كأي زوجين طبيعيين (ولكن في الواقع دون عقد قران ودون أن يعلم أي أحد) المهم أنها بدأت تحبني أكثر وأكثر يوما بعد يوم , أما من ناحيتي فكانت عبارة عن فتاة جميلة مثيرة ذكية بالإضافة إلى أنها ميسورة الحال تساعدني ماديا, أما هي فكانت تعتقد أنني أبادلها نفس الشعور والمحبة التي تكنها لي. المهم أننا بقينا مع بعض في نفس المنزل لمدة سنة كاملة وكانت إنسانة أكثر من رائعة (جميلة, ذكية, مثيرة, انيقة, مهذبة, مثقفة) والأهم من كل ذلك أنها كانت مخلصة لي بشكل لا يتصوره العقل كما أنها كانت مستعدة تماما لأن تضحي بأي شيء في سبيل إسعادي وإرضائي, ولكن وكما أشرت في السابق من ناحيتي كنت أستغلها فقط (ليس ماديا فقط وإنما جنسيا وحتى روحيا حيث إنني كنت أشعر بالراحة النفسية معها) المشكلة بدأت عندما بدأ ضميري يستيقظ!!! حيث إنني بدأت أفكر أن ما أفعله حرام وخطأ, فأخذت قراري بأن أخبرها بحقيقة أننا يجب أن ننفصل بحجة أن أهلي لن يوافقوا على زواجنا (وهذا صحيح حيث إن أهلي كانوا ضد فكرة زواجي بأجنبية) , المهم أنني أخبرتها بذلك وأخذت قراري بالانفصال عنها تماما ,فكانت كوقع الصاعقة عليها لدرجة أنها انهارت نفسيا وقالت لي بأنها كانت تعتقد أنني احبها , المهم أننا انفصلنا تماما دون أي تراجع (حتى أنها أخبرتني أنه لو حاولت أن أعود لها فهي لن ترضى لأنني لا أحبها بصدق) وهنا مشكلتي الفظيعة والتي من أجلها أكتب لكم وأستشيركم: منذ أن ابتعدت عنها وانفصلنا نهائيا بدأت أشتاق اليها شوقا ما بعده شوق وبدأت أندم لانني تركتها لدرجة انها لا تغيب عن عقلي ولو للحظة واحدة , أراها في كل مكان في منامي وفي يقظتي , في بيتي وفي عملي , حتى وأنا اصلي (استغفر الله العظيم) لا تغيب عن عقلي, واأثر ما يعذبني عندما أتخيل أنها مع رجل آخر. والله إنني أحاول أن أتقي ربي بكل ما أستطيع , حتى أنني والحمد لله تركت الزنى وأقلعت عن شرب الخمر وأنا الآن مواظب على الصلوات الخمس، كما أنني أصوم ما تيسر لي من النوافل ولكنني ومع كل ذلك مكتئب ومهموم ومغموم وحزين لحد لا يتصوره عقل. أرجوكم يا سادة ماذا علي أن أفعل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان الأولى والأجدر بك أن يكون همك وندمك على تفريطك في جنب الله وعلى ما اقترفته من موبقات ومهلكات مع تلك المرأة الأجنبية عنك، وقد أمهلك سبحانه فضلا منه وكرما فينبغي أن تفرح وتسعد للطفه بك وعدم أخذه بك على غرة وأنت على تلك الحال التي كنت عليها.
وحنينك إلى تلك المرأة ينافي صدق التوبة والندم على المعصية والعزيمة على عدم العودة إليها، فاتق الله تعالى وتب إليه توبة صادقة، واعرض عن ذكرها صفحا، وابحث عن ذات خلق ودين تعفك عن الحرام وتعينك على طاعة ربك، وبادر إلى الزواج حتى ينسيك ذلك الزمن الذي كنت فيه غافلا.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9360، 16259، 46960، 296، 5091.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(9/4352)
ثمار وثواب من يصبر عن المعصية وهو راغب بها خوفا من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يشتهي القيام ببعض المعاصي ولكنه لا يقوم بها خوفا من غضب الله عز وجل فهل يعتبر آثما وله عقاب من قام بها فعلا وكيف يكفر عن ذنبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مجرد الشهوة والميل إلى المعصية لا يكتب على صاحبه ما لم يتكلم به أو يعمل له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ذلك مجرد شهوة في نفسه لم يتكلم بها أو لم يعمل لها فإن الله تعالى يعفو عن ذلك ويتجاوز عنه بفضله وكرمه.. فقد روى ابن حبان وغيره في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى تجاوز عن أمتي كل شيء حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
ومن جاهد نفسه وكبح جماح شهوته وصبر عن معصية الله تعالى خوفا من غضبه وعقابه ورجاء لأجره وثوابه.. فإن الله تعالى يكتب له حسنة كاملة من أجل تركه للمعصية التي هم بها، ويهديه إلى طريق الخير الموصل إلى الإحسان وسعادة الدارين، فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى {النَّازعات:40-41}
وفي الصحيحين وغيرهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ".
وللمزيد انظري الفتويين: 3293، 18074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(9/4353)
إظهار النعم على سبيل شكرها مستحب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا من الله سبحانه وتعالى على عبد بآية بينة ظاهرة للمسلم والكافر، فما حكم إظهارها "واجب، مستحب، مكروه ... " مع الدليل الشرعي بارك الله فيكم، مع العلم بأني سريع التأثر بالعين؟ جزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إظهار النعم على سبيل شكرها مستحب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود هو السؤال عن حكم إظهار النعم والتحدث بها، فالجواب أن التحدث بنعم الله هو من تمام شكر النعم، وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعلا: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} ، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والحكم عام له ولغيره ... قال ابن العربي: إذا أصبت خيراً أو علمت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ... والأمر الوارد في الآية الكريمة هو للاستحباب وليس للوجوب بدليل أن النعم لا يستطاع إحصاؤها، كما ورد في الآية الكريمة: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ. فلو وجب على المرء التحدث بالنعم لكان مكلفاً بما لا يستطيعه، والتكليف لا يكون بما لا يستطاع.
وعليه؛ فإظهار ما منّ الله به على العبد من النعم على سبيل الشكر مستحب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(9/4354)
إضاءات مرشدة عند حلول الفتن والابتلاءات
[السُّؤَالُ]
ـ[يرجى إرشاد وتوجيه وتوعية المسلم عن السلوك الإسلامي الصحيح لمواجهة الظروف والأحوال المعيشية الحالية والمحيطة به والتي تتمثل في غياب دور الدين اجتماعيا وسياسيا وغياب الضمير وغياب القدوة الصالحة وفساد الأخلاق وانعدام القيم وفساد الإعلام وضيق الحال وتفشي الأنانية وضعف المسلمين وما يتعرضون له من قهر وظلم واحتلال وتعذيب وإهانة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فعلى المسلم عند حلول الفتن والابتلاءات وانتشار الفساد أن يستحضر أن الحياة الدنيا دار ابتلاء، وليحرص على الصبر، وعليه أن يتعلق رجاؤه بالله تعالى ويلتجئ إليه، كما أن عليه أن يحذر من الوقوع في المعاصي، وأن يحرص على التوبة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. وأن يستقيم على الحق وأن يكون هو قدوة حسنة فلا ينجر وراء الفساد المنتشر وأهله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما يمكن أن يرشد إليه المسلم عند حلول الفتن والابتلاءات وانتشار الفساد عدة أمور، نذكر منها ما يلي:
أولاً: أن يستحضر المسلم أن الحياة الدنيا دار ابتلاء، يبتلى فيها بالخير وبالشر، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
ثانياً: أن يحرص المسلم على الصبر على البلاء، وأن يعلم أن التسخط لا يأتي بمرغوب ولا يدفع مرهوباً، وراجع في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.
ثالثاً: أن يتعلق المسلم بالله تعالى ويلتجئ إليه، فهو المتصرف في هذا الكون، قال الله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل:62} .
رابعاً: أن يحذر من الوقوع في المعاصي، ويحرص على التوبة، فقد تكون المعاصي أصلاً لكل بلاء، قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وليجعل نصب عينيه دائماً قوله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا. رواه الترمذي ... وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5249، والفتوى رقم: 44542.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1429(9/4355)
الله يقبل توبة التائب، فالمخلوق أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[جئنا من أمريكا من سبعة شهور إلى الامارات0من عدة أيام فوجئت بزوجي يخونني مع واحدة إماراتية وجدت عدة رسائل في الموبايل منه ومنها واجهته بالأمر لم ينكر واعتذر منى واعتبرها لحظة ضعف منه وأقسم لي على المصحف بأنه لن يكلمها مرة أخرى لكنني بدأت أكرهه وأنفر منه ولكنني لا أستطيع أن أنفصل عنه لوجود ولد منه عمره خمس سنوات وهو متعلق بأبيه جدا أنا في غاية الحزن ولا أستطيع فعل أي شيء ولا أقدر على مسامحته أرجوكم ماذا أفعل لكي أنقذ نفسي من هذا الحزن العميق؟ هو الآن يحاول أن يتودد إلي لكن لا أستطيع أن أتجاوب معه لأن ما بيننا كان حبا كبيرا وهو الذي هدمه ماذا أفعل؟ أرجوكم ساعدوني بالمناسبة أنا لم أقصر في حقه وحق بيته وهو يشهد على ذلك وأنا إنسانة متدينة ولا أريد أن أغضب الله وهو عاشرني أمس كزوجة لكنني لم استطع أن أتجاوب معه أعطيته جسدي وبيني وبين نفسي كنت ألعنه وأشمئز منه أرجوكم ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى زوجك أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا من مراسلته لتلك المرأة الأجنبية عنه واتصاله بها، وإن كان حصل بينهما خلوة أو مباشرة فذلك أشد إثما وأعظم وزرا، وقد أغناه الله بزوجته عن الحرام فليتعفف بها ولا يتبدل الخبيث بالطيب. وما ذكرت من ندمه على ذلك يدل على صدق توبته وإقلاعه فينبغي أن تسامحيه وتنسي زلته، فالمرء قد يخطئ لكن إن صدق في التوبة فذلك يمحو الزلة والخطأ ولو ترك كل شخص وقع في الخطأ لما استقام أمر لأن الإنسان عرضة للخطأ ولله در القائل:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى * ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
وإذا نظرت في الجوانب المضيئة في حياتكما وحرصه على إسعادك والتحبب إليك فإن ذلك حري بأن ينسيك خطأه أو يعينك على ذلك، وينبغي أن تنظري في السبب الذي جعله تتطلع نفسه إلى غيرك، فأحسني التبعل والتجمل له والتودد إليه فذلك مما يعين على حبس نظره عليك وتعففه بك. وللمزيد انظري الفتاوى التالية: 30156، 21254، 77777، 78175.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(9/4356)
المسلم يرجو رحمة ربه واليأس منها من كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السابعة عشر من عمري اسمي عزيز. أنا مغربي مشكلتي أني ارتكبت ذنوبا لا تحصى وهي من الكبائر إني شاب عاقل نشأت تحت ظل القرآن ,عندما كان عندي 12 سنة سجلت نفسي في دار القرآن وكنت أحفظه عن ظهر قلب, لقد أنعم علي الله تعالى بالتفوق في كل شيء حتى أني أؤمن بالله بكل جوارحي إيمانا أراه قد انقرض في هذا العصر, لقد كنت الأول في جميع المسابقات القرآنية وقد صليت بالناس التراويح لكني وللأسف قد استطاع الشيطان أن يغرني فقد أصبحت في تلك الأوقات أرتكب آثام الشياطين فكنت أمارس العادة السرية بكثرة حتى أنه قد غرتني نفسي بممارستها في المسجد والتبول فيه وليس هذا فحسب لقد سرقت بيت الله وإني أبكي الدم ليسامحني تعالى, كان في المسجد الذي أحفظ فيه القرآن صندوق للتبرع فغرني الشيطان حتى سرقت المال الذي به حتى أني كلما احتجت إلى المال سرقت مال بيت الله أنا متأكد سيدي الشيخ أني ملعون والله سيعذبني يوم القيامة لأني عندما قرأت سورة البقرة وجدت الآية التالية- ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم- هذا ليس كل خطاياي يا سيدي الشيخ لقد أصبحت مدمنا على العادة السرية حتى أني كدت أغتصب ابنة عمي فكنت أمارس العادة السرية اللعينة في أسطح منزلنا وقد رأوني بعض الناس بالإضافة إلى ذلك والداي علما بما أفعل وأمي قد رأتني. عندما قلت لك يا سيدي الشيخ أني سأعذب يوم القيامة فإني متأكد من ذلك والآية تؤكد ذلك فقد أصابني حب الشباب بكثرة في وجهي وأصبحت أشمئز منه بعدما كنت جميل المظهر بالقرآن أصبحت بشعا والناس ينفرون مني وأنا أثير التقزز. لقد تأكدت أن الله مسخني وهذا هو الخزي في الحياة الدنيا. لقد كنت أشك في نفسي يا سيدي الشيخ أني ممسوس فكنت أقرأ القرآن وكتب صرع الجن والعلاج بالقرآن حتى أداوي نفسي لكن ولا جدوى فعذاب الله أكبر من أن أداويه أنا, على كل حال فإني ألتمس إلى الله أن يسامحني ويطهرني من ذنبي العظيم وألتمس منك سيدي الشيخ أن تجد لي حلا فإني أود وبإصرار أن أكون ممن تاب عليهم الله وأظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. قد تقول لي يا سيدي الشيخ عد إلى الله فإن رحمته وسعت كل شيء إلا الشرك وتأتي بالآيات من كتاب الله عز وجل فإني قد عدت إلى الله لكن شهوتي الجنسية أرادت العكس فإني لم أقدر على الصبر والتخلص من العادة السرية فكنت كما لو أني أستهزئ بالله بصلاتي وأنا أصلي سأمارس العادة السرية؟ إن هذا لخزي إني أحس أنني من أبشع خلق الله بعدما كنت من أروع الخلق في الصغر بالصلاة والذكر والدعاء أصبحت ملعونا وينتظرني عذاب في الآخرة, إني لا أستطيع أن اصدق مصيري فكيفما فعلت فإني أأذي الله بذنوبي والحياة تمضي بسرعة وما هي إلا رمشة عين حتى أجد نفسي أعذب في القبر وبعدها في النار إني لا أريد هذا المصير أرجوك يا سيدي الشيخ أن تدعو الله أن يهديني إلى الصراط المستقيم ويهدي الجن الذي يسكنني هذا إن كنت ممسوسا ويسامحني تعالى ويطهرني رغم أن هذا ليس مقبولا والمفروض أنه أنا الذي يجب أن يستغفر لنفسه لهذا فإني أنتظرك يا سيدي الشيخ أن تجد لي حلا وفي أسرع وقت فإنك أنت الوحيد الذي أنتظر حله وإنني خلال ذلك ألوذ إلى الله بالدعاء والذكر أن يغسلني من الخطايا والمعاصي فإن الله عز وجل قد مسخني بشتى العيوب في جسدي أرجوك يا سيدي الشيخ أن تجيبني.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإنك على خير ما دمت لك ضمير يؤنبك فبادر إلى التوبة وأحسن الظن بالله وعليك بكثرة الدعاء والحرص على مصاحبة الأخيار والزواج إن أمكن أو الصوم إن لم تستطع، ونحو ذلك مما يعينك على الثبات على الحق، وإذا غلب على ظنك أنك مصاب بشيء من المس أو العين ونحوهما فلترق نفسك بالرقية الشرعية.
واعلم أن من تمام التوبة من السرقة رد المسروق إلى صاحبه أو إلى مكانه وهو هنا صندوق المسجد، وعليك بمراجعة أهل الاختصاص بخصوص ما تعاني بسبب حب الشباب الذي في وجهك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يتوب عليك وأن يردك إلى جادة الصواب وأن يطهرك من ذنوبك إنه سميع مجيب.
واعلم أنك على خير ما دمت صاحب ضمير حي يؤنبك على ما اقترفت من الذنوب والمعاصي، ولا يجوز لك أن توقع نفسك في اليأس من رحمة الله تعالى فتزداد ذنوبا إلى ذنوبك، فإن هذا اليأس من كبائر الذنوب. وإحسان الظن بالله تعالى أمر مطلوب شرعا فاجتهد في أن تبعد عن قلبك ما رددت من كلمات كقولك إنك أصبحت ملعونا أو أنك ممسوخ ونحو ذلك.
فعليك بالمبادرة إلى التوبة الصادقة مع الإكثار من دعاء الله تعالى أن يوفقك وأن يثبتك، وعليك أن تلزم كل وسيلة يمكن أن تعينك في الثبات على الحق، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 105989، ونرجو أن تستفيد من الفتاوى المحال عليها فيها فإذا سرت على هذا النهج كنت بإذن الله ممن تاب الله عليهم وممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وإذا غلب على ظنك أنك مصاب بشيء من المس أو العين ونحوهما فارق نفسك بالرقية الشرعية وهو الأفضل، ويمكنك أن تستعين ببعض أهل الاستقامة ليرقيك.
وننبهك في ختام هذا الجواب إلى أمور:
الأول: أن من تمام توبتك من أمر سرقة مال المسجد أن تقوم برد هذا المال لصندوق التبرعات بالمسجد.
الثاني: أن علاج ما أصابك في وجهك مما يسمى بحب الشباب ميسور بإذن الله، فعليك بمراجعة الاختصاصيين من الأطباء.
الثالث: بادر إلى الزواج لتعف نفسك فإن لم يمكنك ذلك فعليك بالصوم عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1429(9/4357)
ابتلاء أولاد كاسب الحرام.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذا الموقع العظيم وبعد.. من الشائع عند الكثير من الناس أنه عندما يأكل الأب مالا حراما أنّ ذلك ينعكس على الأولاد وبمعنى آخر.. لي صديق أحد أقاربه سرق مالاً وبعد فترة زمنية أصيب أحد أولاد السارق بمرض عضال فقال لي صديقي إن سبب ذلك هو أكل والده للمال الحرام فحدث بيني وبينه نقاش طويل وكنت رافضاً لتك الفكرة فالله عز وجل عادل ومن عدالته أن لا تزر وازرة وزر أخرى، فما رأيكم بذلك؟ وجزاكم الله كل خير عن أمة محمد عليه الصلاة السلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال يقتضي النظر إلى جهتين:
الجهة الأولى: جهة الولد الذي أكل من مال والده مضطراً نظراً لفقره وحاجته، فهذا المرض ليس في حقه عقوبة، لأنه لم يفعل محرماً يعاقب عليه، فقد قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119} ، وهو قد أكل منه مضطراً، إنما هذا المرض في حقه مجرد ابتلاء واختبار، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {العنكبوت:2} أي لا يختبرون.
الجهة الثانية: جهة الوالد الذي كسب الحرام، فقد يكون مرض ولده في حقه عقوبة له، فقد قال ابن كثير في تفسيره نقلاً عن أبي البلاد قال: قلت: للعلاء بن بدر: وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، وقد ذهب بصري وأنا غلام؟ قال: فبذنوب والديك.
فالحاصل أنه قد يعاقب المرء بمرض من يحب من ولد وغيره، ولا يلزم من ذلك أن يكون المرض عقوبة في حق من أصيب به؛ بل قد يكون في حقه مجرد بلاء واختبار هل يصبر أم لا؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(9/4358)
التوبة من محرمات اللسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت سؤالكم عن أني أتكلم في بعض الأحيان كلاما وأندم عليه وأتوب وأستغفر مثل أني مرة نظرت في وجه فتاة فقلت لا إراديا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم ندمت واستغفرت وأحاول أعمل أشياء تفرح هذه الفتاة أرشدوني جزاكم الله خيرا هل يكفي ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن نطق عمدا بما لا يجوز من غيبة أو نميمة أو استهزاء أو كذب أو غير ذلك من محرمات الألسن فالواجب عليه هو التوبة الصادقة إلى الله عز وجل بالكف والندم وعدم العودة إلى ذلك، وينبغي أن تستحضري دائما حرمة ذلك وعقوبة فاعله ليكون زاجرا لك عن الخوض فيه والتحدث به، كما ينبغي مصاحبة الصالحات اللائي تعينك صحبتهن على الطاعة والبعد عن المعصية في مجالسهن وحديثهن، وكذا تعويد اللسان على ذكر الله وقراءة القرآن والقول الحسن ومجاهدة النفس على ذلك. وأما ما ذكرت من الاستعاذة عند رؤية تلك الفتاة فإن كان ذلك بينك وبين نفسك دون أن تسعمك أو يسمعك غيرها فلا حرج عليك خاصة إن كنت نطقت بذلك دون إدراك منك، كما ذكرت، لكن ينبغي الحذر كل الحذر والتزام ما ذكرنا من الأساليب، وسيزول عنك ذلك بإذن الله، وللمزيد انظر الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1429(9/4359)
التخلص من الآثام في حق الأحياء والاموات
[السُّؤَالُ]
ـ[2- لقد ارتكبت آثام (تصرفات وكلام غير لائق..) في حق أقارب هم الآن متوفون وأنا حاليا نادمة جدا على ذلك كيف السبيل إلى تبرئة نفسي من ذلك حتى يغفر الله لي هذه الذنوب ولا أحاسب يوم القيامة على ذلك؟
وجعل الله أعمالكم هذه في ميزان حسناتكم وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تعدى على مسلم في عرضه أو آذاه يجب عليه أن يتحلل منه في الدنيا، فإن توفي المعتدى عليه قبل ذلك فالظالم في خطر إذ يخاف عليه من أن يقضى للمظلوم من حسنات الظالم فيتعين عليه الإكثار من الأعمال الصالحة حتى يقضى للمظلوم منها ويبقى له هو شيء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستغفر للمظلوم ويدعو له، وإذا كان اغتابه وتنقصه أمام الناس فليظهر مدحه والثناء عليه أمامهم، ولكن لا يثني عليه إلا بما هو فيه حتى لا يكون كاذبا.
وراجعي الفتوى رقم: 66515، والفتوى رقم: 22430، والفتوى رقم: 36627.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(9/4360)
زنى بعد إحصان ثم تاب ويخشى إصابته بالإيدز
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق متزوج ذو أخلاق عالية.. في لحظة غفلة مارس الزنا مع فتاة صغيرة واكتشف أنها غير عذراء وواضح أنها تمارس هذه العملية باستمرار.. عاني من التهابات والحمد لله شفاه الله.. وهو نادم ويسعي للتكفير عن ذنبه بفعل الصالحات من الأعمال.. حالياً قلبه ممتلئ بالخوف من أن تكون الفتاة حاملة لوباء الإيدز وفي نفس الوقت يجامع زوجته.. يريد النصح في الآتي:
ما المطلوب منه لتكفير هذا الذنب الكبير؟
ما موقفه مع زوجته؟ هل يخبرها؟ هل يواصل مجامعتها وهو خائف من أن يكون مصابا بالإيدز؟
هل يقوم بفحص الإيدز "فترة ظهوره في الفحص تتم بعد ثلاثة أشهر" أم يترك الأمور تسير بدون التأكد؟
... حالياً هو في حالة لا يحسد عليها وفي انتظار ردكم الكريم وكريم تفضلكم بالدعاء له وسؤال الكريم أن يغفر له.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذا الصديق أن يتوب توبة خالصة فيما حصل، ويستر نفسه ويستر البنت التي فجر بها ولا يتهمها بأن لها سابقة في السوء.
ولا شك أن الإكثار من العمل الصالح مع التوبة الصادقة هو من أعظم ما يساعده في تكفير الذنب.
ولا مانع من الفحص مع الحرص على الستر، فإن تأكد من السلامة فليحمد الله ويواصل مسيرة الاستقامة، وإن ثبتت إصابته فلا يخبر زوجته ولكن إن كان الفيروس غير خامل وخاف من حصول الضرر لزوجته وكانت لا تزال شابة ويرجى لها أن تتزوج بعد الطلاق فإنا نرى أن أسهل الطرق لستر نفسه وعدم الإضرار بالزوجة أن يطلقها، وذلك لأن ضرر الإيدز أخطر من ضرر البرص والجذام ولأن الجنين المتولد من المصاب بالإيدز قد يصاب أيضا بالإيدز ثم إن بعض الكتاب ذكر أن الاتصال مع استعمال الواقي الذكري قد يمنع بإذن الله من انتقال المرض إلى الزوجة وراجع الأطباء في هذا للتأكد من الموضوع.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد فيما ذكرنا ولبيان ما يساعد على التوبة وتكفير الذنب: 93185، 62497، 34932، 64319، 32595، 73010.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(9/4361)
حمل النفس على التوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخطأت كوني أتخذت النت تسلية وأنا متزوجة وأحب زوجي ولكن ليس لدي أطفال وأعمل مربية (معلمة) ، هناك تناقض بشخصيتي لا أعلم ولكني أجلس وحدي كثيراً وقد قمت بالتحدث مع شباب ويؤلمني هذا الذنب لا أعلم كيف أكفر عنه فأفيدوني كيف لي أن أعلم أن الله رضي عني كيف لي أن أبتعد عن هذه المعصية، فانا إنسانة كنت ملتزمة جداً وقريبة من الله عز وجل تبت إلى الله أكثر من مرة وعاهدته ورجعت عن هذا، فهل معنى هذا أن الله لم يقبلني، أشعر عند التوبة أن الله قد قبلني فأعود أدعوه أن لا يتركني وأنني سأضيع إذا تركني لنفسي فأرجوكم دلوني وأفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين عليك حمل نفسك على التوبة الصادقة ومجاهدتها على سلوك طريق الاستقامة وعمل الأسباب المعينة على ذلك، ومن أعظم ما يحقق ذلك استشعار مراقبة الله وعدم الخلوة بالإنترنت وصحبة أهل الخير، وبرمجة برنامج يشحن الوقت بالطاعة والعمل الصالح، ومن تاب توبة صادقة ثم استهواه الشيطان فأوقعه في الذنب مرة أخرى فإن ذلك لا يبطل التوبة السابقة وإنما يجب عليه أن يتوب ويعزم على عدم العودة مرة أخرى، وراجعي للاطلاع على البسط في الموضوع وبيان أسباب رضى الله تعالى الفتاوى ذات الأرقام التالية: 104629، 76975، 73937، 66163، 47241، 74127، 77565.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(9/4362)
زملاؤه في العمل يكيدون له فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بشركة وبعض الناس تنم علي وتشيع بين أصدقائي أني سيئ الخلق وأنني أتكبر على الناس ولا أحترمهم علما بأنني غير ذلك والله تعالى أعلم لأنني أحب الناس ويحبونني، فهل يوجد دعاء أدعو به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بإكثار سؤال الله العفو والعافية، ففي الحديث: سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وحافظ على التعوذات المسائية والصباحية وصلاة الفجر في الجماعة، وراجع في الأذكار والوسائل المشروعة التي تحببك إلى الناس، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11882، 50832، 54119، 22754، 32601، 76411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(9/4363)
الندم على الخطيئة والابتعاد عن المرأة المخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قصتي باختصار أنني تعرفت إلى فتاه نصرانية ومن ثم أسلمت بفضل الله عز وجل وشاء الله أن أكون أنا السبب ومن ثم طلبت يدها للزواج وكلمت أهلها ولكن في بادي الأمر ظننت أنها أسلمت من أجلي لأنها أحبتني فتركتها ولأسباب أخرى كثيرة كاختلاف اللغة والثقافة وبعد مرور ثلاث شهور أردت الاطمئنان عليها فوجدتها قد أصبحت من المحبين لله وأنها اشد إسلاما من كثير من المسلمين مما دفعني لأسألها الزواج مرة أخرى ولأني ايضا أريدها زوجة لي بصدق النية والله علي كلامي شهيد، فوافقت ولكن أمي عارضت فلم اشأ أن أنال غضب أمي فتركتها من جديد ولكني كنت أتألم لحالها وحالي، وبعد مرور شهرين قررت أن أتزوجها بدون علم من أهلي فوافقت ولكن ضميري ما زال يريد رضا أهلي وفي هذه الفترة التي كنا على وشك كتب عقد الزواج حدث أني جامعتها وإني نادم والله على ذلك، بعدها بيوم حصل شجار طفيف بسبب أني يجب أخذ رضى أهلي فقلت لها إني سوف اكلمهم وآتيك بالخبر الأكيد وفي الحقيقة أنني حاولت مع أهلي أكثر من عشرة أيام حتى إنهم في النهاية وافقوا وتلك الفترة لم اكلم خطيبتي لأني كنت أريد أن أسعدها بهذا الخبر ولكن حين كلمتها أجابتني أنها اعتقدت أني تركتها للمرة الثالثة ولهذا فإنها خطبت لشخص آخر. الآن هي تقول إنها تحبني لكن هي ارتبطت لشخص آخر ولا تقدر أن تتزوجني حيث إنها ما زات تعتقد أني تركتها فماذا أفعل هل أنا زان هل اذهب للمحكمة الشرعية من أجل الحد هل من حقي أن أعيدها وكيف أرجوكم فذنبي كبير ولا أعلم ما العمل، وإني والله لازلت على وعدي بالزواج بها. مع العلم أن الرجل الآخر من نفس ثقافتها وهو مسلم له ثلاث سنوات حيث أخبرها أن كان هناك حمل فإنه سوف يتبناه " إلا انه لا يوجد حمل"
أخبرتها أن هذا حرام ويجب أن نتمم زواجنا إلا أنها لاتريد لاعتقادها أنها مرتبطة برجل آخر وأني أتلاعب بها فماذا أفعل هل أدعها أم أحاول من جديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله عز وجل مما وقعت فيه مع تلك المرأة من زنى ولا ينبغي أن تفضح نفسك وتهتك ستر الله عليك وتتحدث بما كان منك ومنها وليس من شروط التوبة إقامة الحد بل يكفيك أن تصدق الله عز وجل في الندم على تلك الخطيئة وتستغفره منها وتجزم على ألا تعود إلى مثلها.
وأما المرأة فلا سبيل لك عليها وينبغي أن تدعها وشأنها وتبتعد عنها فلا تقع معها في المعصية مرة ثانية، وقد خطبها غيرها فأجابته وركنت إليه فدعها وابحث عن غيرها من ذوات الدين والخلق
وللمزيد انظر الفتويين رقم: 55614، 24204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(9/4364)
مكمن السعادة الحقيقي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ادرس طب الأسنان منذ أن دخلت الجامعة وأنا في تراجع أنا في السنة الثالثة ولكن ترتيبي دائما الأخير أشاهد كثيرا التلفاز هدفي أن أنتقل إلى السنة الرابعة ولكن لا أعرف كيف أو أعرف كيف ولكن لا أملك الصبر والاستمرار والثقة في النفس لقد فكرت في الخروج من الحياة كم مرة ولكن الله أعطاني الفرصة مرة ثانية ولكن بعد ما حدث لم أتحسن ساعدوني أريد التغير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجوا أولا أن تهوني على نفسك، وأن تعلمي أن الأمر يسير فليست هذه الدراسة هي كل شيء في الحياة، وليس النجاح في الحياة مرهونا بالنجاح في مثل هذه الدراسة، ونحن لا نريد أن نقلل من شأن هذه الدراسة، ولكن استعظمنا ما ذكرت من أنك فكرت بسببها في الخروج من الحياة، وهذه العبارة قد يفهم منها التفكير في الانتحار أو تمني الموت، وكلا الأمرين لا يجوز، ويمكنك مراجعة الفتويين: 31781، 10397.
واعلمي أن مكمن السعادة في العلم بالله وطاعته والبعد عن معصيته، وراجعي الفتوى رقم: 66682.
ومن أهم ما يعينك في سبيل النجاح في دراستك الاستعانة بالله والإكثار من دعائه، وكذا الحذر من المعاصي فهي من أسباب المصائب، وعليك بالصبر وصدق العزيمة، وتذكري أن الوقت من النعم التي يسأل عنها المسلم أمام الله تعالى. فلا ينبغي له استغلاله إلا فيما ينفع، هذا بالإضافة إلى أن هنالك من أسباب الفشل ما قد تكونين أدرى به فعليك بالسعي في إزالته وسيسر لك النجاح بإذن الله.
وللمزيد بخصوص النجاح الدراسي راجعي الفتويين: 94405، 99665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1429(9/4365)
التوبة من حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري الآن 37 عاماً، وأعلم علم اليقين بأن الله يغفر الذنوب جميعا وأعلم بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، لكني قد فعلت ذنوبا في حياتي وأشعر بان الله لن يغفر لي هذه الذنوب، سأروي لكم مصيبتي التي قد فعلتها وكان عمري وقتها تقريباً 15 أو 16 عاماً وأريد أن أعرف هل يسامحني الله أم لا، وخصوصا وأن الشخص الذي قد ارتكبت في حقه هذه المعصية قد توفاه الله فيما بعد، كان لي جار يصغرني في السن تقريبا في وقتها 3 سنوات وكان عنده عجز في قدميه وبطء في حركاته ولا يستطيع المشي إلا بمساعدة أي شخص، كنت قادما من مدرستي وكنت وقتها تقريبا في الصف ثاني الإعدادي، قابلت هذا الشخص لم يجد أحدا يساعده للوصول إلى منزله عندما رآني طلب مني المساعدة لكي أوصله إلى منزله ونحن في طريقنا إلى المنزل، وسوس لي الشيطان "لعنه الله" بأن أغتصب هذا الشخص وخصوصا أنه عاجز عن المقاومة فأخذته في أحد المنازل المتطرفة عن الطريق بحجة أن لي صديقا هنا سآخذ منه شيئا، ثم فعلت معه هذه الفاحشة هو حاول المقاومة فلم يستطع المسكين مقاومتي حاول يتوسل إلي لكني لم أستجب إلى توسلاته وبعد ما انتهيت من هذه الفاحشة تركته وحيداً وذهبت إلى منزلي. وبعد ذلك عندما أراه كأن لا شيء لم يكن ونسينا هذا الموقف الذي حدث ومرت الأيام والسنين على ذلك، حتى بدأ العجز والمرض يشدد عليه وبعد ذلك توفاه الله وكان عمره 20 عاما. وتأثرت جداً عندما علمت بوفاته وحضرت دفنه وقبلته قبل أن يدخل القبر وطلبت منه أن يسامحني، منذ هذا الوقت وحتى الآن وأنا أندم على هذا الفعل وعندما أفتكر هذا الموقف أبكي وأدعو الله أن يسامحني ويغفر لي ذنبي رغم أنني عملت عمرة ودعوت الله هناك بالمغفرة والسماح والآن أنا ملتزم بالصلاة والصيام منذ زمن وتزوجت وعندي أولاد ولكن هذا الذنب دائما في بالي أحس أن الله غير راض عني بسبب هذا الموضوع ماذا أفعل كي أحس بأن الله سامحني وموقفي مع هذا الشخص في يوم الحساب كيف سيكون. عندما أقرأ القرآن وخصوصا الآية التي يقول فيها سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران135، أحس بالراحة بأن الله ممكن يسامحني. أرجو الإفادة ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يقبل الله توبتك فيما يتعلق بحق الله، أما حق المخلوق فلا يغفر بالتوبة، وأكثر من الأعمال الصالحة ليكون عندك رصيد كثير يؤخذ منه له حقه، ويبقى لك خير كثير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بما عندك من مستوى الالتزام والقيام بالأعمال الصالحة، واستشعار خطورة الذنب الذي وقعت فيه والحرص على قبول التوبة منه.
واعلم أن الله تعالى يغفر ذنب من تاب إليه صادقا واشتغل بالأعمال الصالحة، كما قال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} وقال تعالى: وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} وقال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان:68}
وفي حديث مسلم: من تاب من قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.
هذا فيما يتعلق بحق الله تعالى. وأما حق المخلوق فإن كنت قهرته على هذا الفعل، فقد يتولى الله عنك حقوقه ويرضيه عنك يوم القيامة، وقد يأخذ من حسناتك. فالعلاج هو أن تكثر من الأعمال الصالحة والتزود للآخرة. لما في حديث البخاري: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته....
ويجب أن تستر نفسك، وتستر من فعلت به فلا تبح بذلك لأحد، واعلم أن فضل الله واسع، وقد غفر لمن قتل مائة نفس ظلما واستلمته ملائكة الرحمة مع أنه لم يقدم من العمل الصالح إلا أنه تاب إلى الله، فلا تقنط من رحمة الله التي وسعت كل شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1429(9/4366)
التوبة الصادقة والابتعاد عن مخالطة الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أود أن أشكركم على هذا الموقع أنا فتاة أبلغ من العمر26 سنة تعرفت على شاب عندما كان عمري 21سنة بنية الزواج دامت علاقتنا عاما في انتظار أن يتخرج وكان يدرس بفرنسا لكنه لم يتوفق في دراسته وقرر المكوث بفرنسا وليتم ذلك تزوج من فتاة مقيمة هناك. كانت صدمة كبيرة لي خصوصا أننا وقعنا في الفاحشة فقدت الثقة في نفسي وأعماني الشيطان وتعرفت بعده على شابين آخرين كنت أبحث عن أي شيء أرد به الثقة في نفسي وفي علاقتي مع الشاب الثالث فقدت عذريتي وكانت الصدمة الثانية لي والتي على إثرها وضعت الحجاب ورجعت إلى الله مع العلم أنني كنت دائما حريصة على المحافظة على الصلاة
مضى على هذه الأحداث عامان غيرت خلالهما عملي وتقدم لخطبتي زميل في العمل فقررنا أن نتعرف على بعضنا (كما هو يحدث مع غالبية الشباب في بلادنا) وصارحته بأنني لست بكرا وأنني تعرضت للاغتصاب حتى لا يأخذ عني نظرة سيئة ودامت مدة تعارفنا عاما كاملا لكنه لم يستطع أن يتقبل أنني لست بكرا رغم اقتناعه بي كشخص ولقد علمت منذ يومين أنه سيتقدم لفتاة أخرى. كل ما أريده الآن أن ترشدوني إلى طريق التوبة أعلم ان ذنوبي كثيرة لكنني أعلم أن عفو الله أكبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجب عليك التوبة الصادقة مما حصل سابقا، وأن تواصلي طريقك في الرجوع إلى الله والالتزام بالحجاب والصلاة. واعلمي أن الزواج رزق مقسوم، وبالالتزام بالطاعة وبذل الأسباب المشروعة يسهل الله حصول ما هو خير، ولا تأسفي على من فاتك من الرجال، ففي خزائن الله تعالى من الرجال كثير غيرهم.
فاصدقي في التوبة، وابتعدي عن المحظور في مخالطة الرجال. وراجعي التوصيات التي ذكرنا في الفتاوى التالية أرقامها: 105449، 97196، 76092، 60222.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(9/4367)
يحتلم كثيرا وتضيع عليه صلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[الحقيقة لدي مشكلة كبيرة الحقيقة أني لا أعرف كيف أحلها ولا أعرف من أسأل خوفا أن لا يصدقني أنا شاب عمري 24 سنة غير متزوج وغير قادر على الزواج نظرا للحالة المادية وأنا بفضل الله ملتزم مطلق اللحية ولا أستمع للغناء ولا أكلم النساء لكن مشكلتي أني بعد ساعة أو ساعتين من نومي أقوم بالاستمناء بيدي لا إراديا وخاصة في الأيام التي أصومها إذ أنني أصوم 4 أيام في الأسبوع لمحاولة حل هذه المشكلة لكن المشكلة لم تحل وحاولت أن ألبس أكثر من بنطلون وربطته بالحزام لكني قمت بنزع ملابسي وأنا نائم والمشكلة الأكبر أنها تحدث معي بشكل يومي وتضيع صلاة الفجر فما هو الحل؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك في أمورك كلها، وأن ييسر لك أسباب الزواج، وإذا كان هذا الاستمناء يقع منك حال النوم فلا إثم عليك في ذلك، ولا تأثير لهذا الفعل على صيامك، فإن المرء لا يؤاخذ بما وقع منه من غير اختيار كما بينا بالفتوى رقم: 94807.
ولا ندري ما تعني بكون ذلك يضيع عليك صلاة الفجر، فإذا كان المقصود أنك ربما يصيبك شيء من الكسل مما قد يترتب عليه فوات صلاة الجماعة أو إخراج صلاة الفجر عن وقتها فلا يجوز، ويجب أيضا أداؤها في جماعة على الراجح لتجتهد في القيام من النوم قبل وقت كاف يمكنك من الاغتسال وأداء الصلاة في وقتها ومع جماعة المسلمين. ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 1415، 96139.
ونوصيك بكثرة دعاء الله تعالى أن يذهب عنك هذا الأمر، وأن ييسر لك الزواج، وينبغي أن تجتهد في تيسير أسبابه ولا تيأس فقد ييسر الله لك أسرة طيبة، ترضى منك باليسير وتيسر لك أمر الزواج، وذلك من أسباب البركة فيه.
وراجع الفتوى رقم: 44235.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(9/4368)
توبة المسلمة من إقامة علاقة مع نصراني أجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة أحببت شخصا وهو أحبني ولكن لم أكن أعرف أنه مسيحي وهو أيضا لم يكن يعرف أنني مسلمة وعندما عرفنا حاولت أن تكون علاقتي به كصديق ولكن العلاقه تطورت لا أعرف كيف وبقيت معه مدة 3 سنوات ولم أكن أستطيع أن أنساه لأنه كان إنسانا رائعا وكان يخاف علي كثيرا وكنت كل ما أحاول أن أنساه لا أستطيع والذي حدث أنه توفي منذ شهر تقريبا
ولكنه نطق الشهادة أكثر من مرة وكنت أحس بأنه مسلم لأنه كان مؤمنا كثيرا لأنه دائما كان ينصحني بالصلاة وقراءة القرآن عندما أكون في أي مشكلة لكنني لا أعرف إذا كان ينطق الشهادة من قلبه أم ليرضيني فقط والآن هو عند ربه لا علم بما في القلوب. ولكن منذ وفاة هذا الشخص وأنا قررت أن لا أترك صلاتي أبدا والقرآن الوحيد الذي يريح نفسي من الصدمة والفراغ الذي تركه هذا الشخص ولكن الذي أريد أن أعرفه هل الصدقات التي أوزعها على روحه والقرآن الذي أقرأه على روحه تصله أم لا وهل هذا الشخص مات مسلما أم مسيحيا. وأنا منذ أن توفي وأنا أحلم أنه مدفون في غير المكان الذي دفن فيه أحيانا أراه مدفونا في باحة الكنيسة وأحيانا أحلم بأنه مدفون بين قبور الإسلام. أرجوكم أريد أحدا يساعدني لأنني لا أعرف هل زيارتي لقبره حرام أم لا وهل يصله الصدقات التي أتصدق بها على روحه أم لا؟ ولكم جزيل الشكر وقواكم الله على مساعدة الناس.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصةالفتوى:
لا نستطيع الجزم بشيء في إسلام هذا الرجل، فعليك بترك التفكير فيه وعدم زيارته والتصدق عنه، والتوبة الصادقة مما سبق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الرجل قد أفضى إلى ما قدم ولا نستطيع الجزم بشيء في إسلامه، ولكنا نفيدك أن الدخول في الإسلام لا يكفي فيه النطق بالشهادتين مجردا عن اعتقاد ما دلت عليه لا إله إلا الله من بطلان عبادة ما سوى الله، بل لابد من الكفر بما سوى الله تعالى.
قال تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:256} .
وفي الحديث: ومن قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله. رواه مسلم.
وبناء عليه فلا ننصح بالتصدق عنه وإهداء الثواب له، وتجب عليك التوبة إلى الله مما حصل منك من تعد لحدود الله في العلاقة مع هذا الرجل الأجنبي، فإن الله يفرح بتوبة العبد ويقبلها منه، ويغفر له ذنبه، بل ويبدل سيئاته حسنات. قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 104} . وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
وقال تعالى: وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام: 54}
وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم {المائدة: 39} . ...
وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. وقال أيضا: والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة.. رواه البخاري ومسلم. وقال: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم.
واحملي نفسك على التسلي عن هذا الرجل، وابتعدي عن زيارته، واشغلي ذهنك واعمري وقتك بما ينفع من دراسة العلم وتلاوة القرآن ومحاولة حفظه وتدبره، ودراسة الحديث النبوي وقصص الأنبياء وسير السلف، ولا بأس بالترويح بالأنشطة الاجتماعية والرياضية المشروعة.
وإن مما يعينك على التمسك بالدين والاستقامة على أمر الله أن تتخذي رفقة صالحة من الأخوات الفضليات، فإنهن خير معين لك ـ بعد الله تعالى على الحياة الطيبة، فاعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وأكثري من استماع الأشرطة الدينية مثل: "توبة صادقة" للشيخ سعد البريك، "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي. و"على الطريق" للشيخ علي القرني، و"جلسة على الرصيف" للشيخ سلمان العودة، وتجدينها وغيرها على موقع طريق الإسلام. www.islamway وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 18654، 66462، 33434، 5098، 76092، 73614، هذا وننبه إلى أنه إذا كان قد نطق بالشهادتين عند موته فنرجو أن يكون ختم له بخير وأنه مات على الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(9/4369)
الدنيا وقسوة القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بالأدلة من الكتاب والسنة هل الدنيا في حقيقتها قاسية أم قلوب العباد أصبحت قاسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الانشغال بالدنيا وطول الأمل فيها سبب لقسوة القلوب، والمؤمن يجعل من الدنيا مطية للآخرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات والأحاديث الواردة في بيان الدنيا وذمها كثيرة نقتصر منها على قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد:20}
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: إلا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما ولاه، وعالم أو متعلم. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
لكن يجب في هذا المقام التنبه إلى بعض الأمور:
الأول: أن الدنيا جزء من العالم الذي خلقه الله، وهذا الخلق أثر من آثار صفاته التي تحقق له الألوهية، خلقه بقدرته وبإرادته وأبدعه بعلمه وبحكمته وبسط سلطانه عليه بالأمر والنهي والثواب والعقاب.
الثاني: أن الدنيا مزرعة للآخرة، وهي دار يجازي على العمل فيها بالثواب والعقاب، وهي ليست مذمومة على كل حال، كما في الحديث السابق ذكره: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم.
وعن علي رضي الله عنه: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة. انتهى.
وروى الخطيب في الجامع عن أنس مرفوعا: خيركم من لم يترك آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلا على الناس.
الثالث: لا شك أن هناك ارتباطا بين الدنيا وبين قسوة قلوب العباد، وذلك أن محبة الدنيا سبب لاشتغاله بها والانهماك فيها وذلك للاشتغال عن الآخرة فيخلو عن الذكر والفكر والطاعة فينشأ عن ذلك قسوة القلوب.
قال الراغب: فرق الله هم الناس للصناعات المتفاوتة وجعل آلاتهم الفكرية والبدنية مستعدة لها فجعل لمن قيضه لمراعاة العلم والمحافظة على الدين قلوبا صافية وعقولا بالمعارف لائقة وأمزجة لطيفة وأبدانا لينة، ومن قيضه لمراعاة المهن الدنيوية كالزراعة والبناء جعل لهم قلوبا قاسية وعقولا كزة وأمزجة غليظة وأبدانا خشنة.
الرابع: يجب الحذر من الوقوع في سب الدنيا بسبب ما يقدره الله فيها أو ما يخلقه من أفعال العباد، فإن ذلك من سب الدهر الذي نهى عنه النبي بقوله: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
قال النووي: قال العلماء هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو مرض أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون: ياخيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله. أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها.
وأما الدهر هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات. والله أعلم كما ذكره العراقي في طرح التثريب.
والذي ننصح به السائلة ألا تنشغل إلا بما ينفعها فتعمل بطاعة الله، ولا تكثر الشكاية من الناس، بل إن أحسنوا تحمد الله، وإن أساءوا تجتنب إساءتهم، ولتعلم أن المؤمن الحقيقي يجعل الدنيا مطيته إلى الآخرة، إن أتته سراء شكر الله عليها، وإن أصابته ضراء صبر لها يأمر بالمعروف ويسارع إليه وينهى عن المنكر ولا يقر به.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(9/4370)
حكم فعل الذنب لأجل الاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يتعمد القيام بذنوب من أجل أن يستغفر الله؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذا لا يجوز، كما أنه لا يتصور من مؤمن عاقل، ومن عرف حق ربه وقدره وعظمته وجلاله خافه وأحبه ولم يقدم على شيء من معصيته، بل سارع إلى مرضاته والتقرب إليه هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فمن أدرى من يفعل ذلك أنه سيمهل حتى يستغفر ويتوب قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:102} وقال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزُّمر:54}
وعن ابن مسعود في قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال ابن عباس: هو ألا يعصى طرفة عين.
وفي تفسير ابن كثير: وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك.اهـ
وفي تفسير السعدي: هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(9/4371)
كيفية التخلص من معصية التحرش بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي التي لا أستطيع التخلص منها هي التحرش بالنساء في أي مكان يسمح بذلك ورغم أنني متزوج بامرأة غاية في الأنوثة والجاذبية فلا أمتنع طالما أنني لم يكشفني أحد ووصل الأمر بالتحرش بزوجات أصدقائي وأقرباء زوجتي لأنهن لا يتصورن أنني أقصد ما أفعله ولكن أبنائي اكتشفوا ذلك وأصبحوا لا يحترمونني ولهذا أريد منكم النصح في كيفية التخلص من هذه الصفة المذمومة علما بأنني أحج كل عام واعتمرت عشرات المرات وهو ما أعطى الجميع الثقة في أخلاقي.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالعلاج لحالتك يكون باستشعار رقابة الله عز وجل، والحذر من آثار هذه المعصية، واستحضار كونك قدوة حسنة لأبنائك، وتجنب الاختلاط بالنساء، والحديث معهن أو النظر إليهن لغير حاجة، وكما أنك لا ترضى أن يفعل هذا بمحارمك فإن الناس لا يرضونه لمحارمهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك التوبة من التحرش بالنساء فهو معصية، واعتداء على أعراض المسلمين، وننصحك بما يلي:
-استشعار رقابة الله عز وجل عليك، واطلاعه على أعمالك.
-أن تعلم بأن للمعصية آثارا وخيمة في دينك ودنياك، وانظر بعض هذه الآثار في الفتوى رقم: 97814، وننصحك بقراءة كتاب الجواب الكافي لابن قيم الجوزية.
-العلم بأنك قدوة لأبنائك، فهم بك مقتدون، ولاعمالك مقلدون، فلا تكن قدوة سيئة لهم.
-العلم بأن الله يتوب على من تاب ويبدل سيئاته حسنات، فبادر إلى التوبة قبل الفوات.
- سل نفسك هذا السؤال الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه أن يأذن له في الزنا فعن أبي أمامة: أن شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أئذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: أدنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك، قال: لا والله يا رسول الله جعلني فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أتحبه لابنتك، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
رواه أحمد وصححه الألباني.
وأخيرا: فإن أفضل ما يعين على ترك هذه المعصية هو ترك الاختلاط بالنساء غير المحارم، وعدم الحديث معهن أو النظر إليهن لغير حاجة، وأمرهن بالتزام الحجاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1429(9/4372)
خوف الطائعين والمتقين لماذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنى أحبكم في الله عندي سؤال حائر سئلت فيه ولم أعرف الرد يقول السؤال إن الشيخ قال إن الله أعطى الإنسان نعما لو حوسب على إحداها فقط أي قيمتها حتى لو كثرت حسناته لدخل النار وكلامه صحيح فان العمل ليس له قيمه عند الله ولكن لو افترضنا مثلا أن عبدا ما.. صلى وزكى وصام وحج أي غفرت ذنوبه مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ولله المثل الأعلى فما الذي يجعل عبدا مثله يخاف ويقول أن يدخل النار من أين لماذا كانوا يبكون لما كانوا يقومون الليل وهم أحسن الناس وهم المبشرون بالجنة أي بمعنى آخر ما الذي يجعل العبد دائما مع ربه يخافه دائما لا يفعل أي ذنب مهما صغر أو كبر ما الذي يوقفه عند حد ما الذي يجعله يزيد من حسناته غير تقوى الله أو تقبل عمله من غيره ففرضت أن أبا بكر كان أتقى الناس مما لاشك فيه وكان إن شاء الله عمله متقبلا ما يردع الناس اليوم وقال صاحبى أيضا هل أنتم تناقضون أنفسكم من أين تخافون العذاب وأن الحرف في الصلاة بمائة حسنة أيفعل إنسان مائة سيئة في اليوم أريد أن أضع يدي على شيء لو أقدمت على فعل ذنب يردعنى أو يجعلنى أزيد من عملي أو أخاف الله كأنه أمامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما قولك: إن العمل ليس له قيمة عند الله فغير صحيح، فإن الأعمال الصالحة من ذكر ودعاء وصلاة وجهاد وصلة رحم لها قيمة بالغة وعظيمة عند الله، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. انتهى. والأدلة على هذا متكاثرة.
وأما الذي يجعل الطائعين أو المبشرين بالجنة كأبي بكر يخافون ربهم ويبكون من خشية الله ويقومون الليل ويجتنبون المعاصي مهما صغرت ولا يتكلمون على أعمالهم الصالحة قبل ذلك، ويحرصون على الازدياد من الحسنات فهو خوفهم ألا يتقبل الله طاعتهم وعملهم أنهم مهما عملوا فإنهم لن يوفوا الله حقه عليهم، وهذه هي حقيقة التقوى، وبدون ذلك لا يكونون متقين ولا سابقين لغيرهم، فالجمع بين الخوف والرجاء لا بد منه لنجاة الناجين ولصلاح الساعين وفوز العاملين، فالواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء وهي: الحب والخوف والرجاء، فيعبده حبا له، وتنفيذا لأمره، ورجاء لثوابه، وخوفا من عقابه كما قال الله سبحانه عن أنبيائه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ. {الأنبياء:90}
وصفاته تقتضي الهيبة والخوف، فإذا ارتقى العبد إلى معرفة الله تعالى خافه بالضرورة، ولا يحتاج إلى علاج يجلب الخوف إلى قلبه، بل يخاف بالضرورة. ومن قصر فسبيله أن يعالج نفسه بسماع الأخبار والآثار، وأن يطالع أحوال الخائفين وأقوالهم.
وننصحك بمراجعة كتاب منهاج القاصدين فصل في بيان الدواء الذي يستجلب به الخوف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(9/4373)
لزوم طريق التوبة والاستقامة في كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة قد تابت إلى الله وتحجبت والحمد لله، وإنها دائما تجد كلمة الله مرة على سجاد الصلاة ومرة على الباب ومرة على كتفها ومرة وهي تطعم ابنها وكان ذلك على الصحن ومرة على تمرة ... ويحصل ذلك معها يوم الجمعة فما رأيكم، فهل هذه تهيؤات أم بشارة من الله أم إنذار منه حتى لا ترجع إلى ما كانت عليه من ضلال؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عندنا تحليل لما ذكر في السؤال، ولكنا نوصي أنفسنا وهذه المرأة وغيرها بلزوم طريق التوبة والاستقامة في كل حال، فكما نعيش في نعم الله ونتمتع بها في كل وقت فيلزمنا الخضوع له والاستقامة على طاعته في كل وقت، وأن نحرص على السلامة من مباغتة الموت لنا ونحن على معصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(9/4374)
الزم التقوى ومصاحبة الأخيار
[السُّؤَالُ]
ـ[أستحلفكم بالله أنقذوني فأنا هالك ويا إخوتي أن من أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً، فأنا لا أطلب صدقة مادية بل أطلب صدقة دينية فمن كان آتاه الله علما وحبا لله فليتصدق علي فأنا محتاج للمساعدة ومن يتواصل معي والله شهيد وسوف أحاججكم بها يوم الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تبين لنا المجال الذي تريد المساعدة فيه، أو المشكلة التي ألمت بك، ونوع التواصل الذي تريده، فننصحك بتقوى الله وتعلم العلم الشرعي، والمواظبة على العبادة والابتعاد عن أماكن الريبة، ومصاحبة الأخيار وحضور صلاة الجماعة وحلق الذكر ... وإذا كانت عندك مشكلة محددة فبينها لنا، عسى أن نتعاون معك على حلها، ونسأل الله أن يهدينا وإياك إلى الخير، ويسلك بنا وبك مسالك النجاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(9/4375)
حث الإسلام على التعاون على كل ما فيه خير
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد بهذا الاستفادة من حضراتكم عن أهمية التعاون في عمل الخير في الإسلام ... فما هي الآيات والأحاديث التي تحض على ذلك؟ مع كل الشكر والتقدير لكم، فأرجو الرد بالإيميل إن أمكن وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على التعاون على كل ما فيه خير للدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} ، وقال عليه الصلاة والسلام: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. رواه مسلم.
والآيات والأحاديث في الحث على التعاون كثيرة والتعاون يكون بكل شيء ما لم يكن محرماً، ما دام فيه نفع للمعان في الدين أو الدنيا، ونكتفي بما كتب في هذا الموضوع في قسم تزكية وأخلاق بموقعنا بعنوان التعاون شعار المؤمنين على هذا الرابط.
http://www.islamweb.net/ver2/archive/readART.php?laid=58235&ng=A
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(9/4376)
الاجتهاد في مغالبة النفس والهوى
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسلما ملتزما جدا ولست متشددا أبدا, ولكن ملتزم بشكل قوي جدا حتى أصبحت أقعد في المسجد من الفجر إلى العشاء تواصلا دون ملل ولا تعب, أشعر كأني ذهبت لنزهة وحديقة, بل حتى إذا أذهب للحديقة بعدها بعشر دقائق أشعر بالملل وأعود للمسجد فهناك الراحة والطمأنينة, ما تركت شيئا داخلا ولا طالعا في أمر من أمور حياتي إلا أتأكد أنه أمر ليس بذنب ولا يؤدي إلى ذنب, ولدي الكثير الكثير لأقوله, وقسما بالله العظيم أني شاهد على آية "ادعوني استجب" وقسما بالله العظيم, ما دعوت الله إلا استجاب لي معظم الأمور التي دعوتها استجيبت إلا بعض الأمور المعينة كالذهاب الى الجهاد وغيره من الأمور الأخرى, والاستجابة معظمها تكون في اليوم نفسه أو مباشرة بشكل ملحوظ جدا وإن لم يستجب لي الله فأكتشف بعد فترة حصول أمر معين ومهم حيث إذا تم استجابة الدعوة التي ما استجيبت فسيحدث خلل في الأمر المهم الذي واجهته, والأمثلة كثيرة, لكن هذا كان وأصبح في خبر كان, ياللحسرة, لطالما بنيت بنيان التقوى لم يبن في يوم وليلة, البنيان تهدم ولكن أخذ سنة كاملة حتى تهدم كاملا, يا للحسرة بعد سنة من هدم بنيان التقوى, نظرت للخلف وأنا مازلت أنه مازال هنا, نظرت للخلف فوالله الذي لا إله إلا هو لم أجد شيئا....تعرف لم؟ من أجل الدراسة الجامعية, تعرف لماذا ألوم الدراسة الجامعية, لأنها أبعدتني من صلوات الجماعة رغم أنف أبي, كم من مرات أتحسر في الفصل والجماعة تفوتني, كم من مرات قلبي يدمع في الاختبارات لأني أعلم أن الجماعة تفوتني, صدق أو لاتصدق صلاة المنفرد تقتل صاحب بنيان التقوى المتأصل من الجذور شيئا فشيئا دون شعور.....بعد سنة من صلاة الانفراد مع صلاة الجمعة وبعض الجماعة في الأوقات التي أكون فيها متفرغا, نظرت للخلف, شعرت بأنه البنيان مازال موجودا مازال هناك خوف وخشوع وعدم تجرؤ على أي معصية, لكن التهاون بالصغائر بدأ واحدة واحدة والتقوى بدأت تقل, بعدها بفترة ليست بالطويلة وبالقصيرة, علمت أني أصبحت مسلما عاديا! أقصد يعني أضيع الصلاة عن وقتها لكن أصليها بعد, ما أذهب إلى المسجد إلا إذا شخص قال لي هيا نذهب سويا, ما أقدر أقعد في المسجد بعد الصلاة, ثلاثة استغفارات, وعلى طول خارج المسجد والوضع صار أسوأ, على كل حال, الآن لما أرى حالي وأرى وضعي السابق, علمت وأيقنت أني كنت تقيا وأن الأمور التي كنت أراها من قبل (كانت تحصل لي أمور غريبة, كشعور بألم كقرص النمل عند عمل كل ذنب بسيط كإطلاق البصر ولا يذهب الألم الحسي إلا بالاستغفار, وفراسة قوية حتى ظننت أن الشياطين بدأت تتلاعب بي) المهم كل هذا راح مع انهدام بنيان التقوى, فوقتها عرفت أني لم أكن مسلما عاديا, وقوة الصبر والزهد والورع التي كنت أعملها حبا ولا إراديا فإنما هي ليست باختياري, لكن الإنسان في ذاك الوقت ما يشعر شيئا, يظن أنه هو عنده قوة الصبر والزهد فوالله هي من الله يسهلها للعبد, فعلمت أن الأمور هذه لا تأتي متى ما شئت وهي ليست من صفاتي, أنا الآن أستغرب كيف كان حالي السابق! كيف كنت أعيش! كأنه ليس أنا أبدا......يا للحسرة, الكلام يطول ويطول ومشاعر ألمي يصعب تعبيرها كتابة....السبب الأول من انهدام بنيان التقوى, ترك الجماعة..فترك الجماعة بعذر واه, كمثلا لدي حصة جامعية أو إلى آخره, يهدم تقواك تماما, تعرف لماذا؟ إذا لدي حصة جامعية أحضرها تحضيرا للاختبار النهائي حتى أنجح, فالله أعطاني حصصا منذ أن ولدت فرضت علي أن أحضرها حتى أنجح في الاختبار النهائي (اختبار يوم الحساب) فبالله عليك يا شيخ أو يا مفتي, أليس حضور حصص الله (أقصد الصلوات الخمس جماعة مهما كان بكامل الخشوع والتدبر والاستعداد) أولى لنا!؟ لأن الله هو الذي أمرنا أولا..فإذا نظرت بنظرة عادلة أي حصة تحضرها أولا, فسترى أنه أمر الله تطبقها أولا لأنه هو الذي أمرك أولا, وليس الجامعة ... أنا أدرس بالغرب وأهلي هنا, فعندي أنا لا أقبل أبدا, فأمر الله أولا ثم أولا ثم أولا لأنه أمرنا أولا وليس الجامعة, فأنا لازم أتبع الترتيب فالله أولا, مهما كان الله غفورا رحيما, أنا كشخص ما أرضى بذلك.... من له الحق أولا لازم أنفذه وأرد الحق للذي يستأهله أولا, وإلا الموت أفضل لي....ألا فلعنة الله على كل أمر خرب ودمر علاقتي مع الله.....الله يلعنهم.. لدي الكثير لأقوله.....أتدري ماذا!!! أصبحت شبه مرتد, وربما ارتددت والله اعلم, (أثناء التقوى كنت متواضعا جدا وكتوما محبا للمؤمنين, أخاف على إيماني من العوام, بكل صراحة, لأني حساس وفي ضعف, القعدة مع عوام المسلمين تجعلني مثلهم, وأنا إذا كنت مثل العوام, فلا تسأل عني, فأني أفسق وأفسد على الخفاء) سبحان الله, من الكفر, إلى التوبة والإسلام والتقوى, إلى المعاصي الصغرى, إلى بوابة الكفر مرة أخرى لم أدخل فيها ولن أدخل بإذن الله, أريد الرجوع, ممكن أرجع التقوى؟ أعمالي القديمة صارت هباء منثورا؟؟ يبكي قلبي ... الآن بعد التزامي سأفر إلى الشيشان بديني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية، ورجاؤنا فيه أن يردك إلى جادة الصواب، وأن يوفقك إلى الثبات على الحق حتى الممات.
والذي يبدو لنا أنك لا تزال على خير ما دامت في قلبك حياة تحس بها هذه الحسرات والندم على التفريط وما فات. فالقلب الميت لا يستشعر حسرة أو ألما، قال ابن القيم في كتابه القيم إغاثة اللهفان من مصائ د الشيطان: وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ولا يوجعه جهله بالحق بحسب حياته، وما لجرح بميت إيلام.
وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه. اهـ
فالذي ننصحك به الاجتهاد في مغالبة النفس والهوى، والحرص على إيثار الآجل على العاجل، ولزوم التوبة والمبادرة إليها قبل أن يفوت الأوان، وما ذكرت من الحالة التي كنت عليها من تذوق حلاوة الطاعة والإيمان ودخولك جنة الدنيا وإحساسك بالسعادة ينبغي أن يكون خير دافع على الإنابة إلى الله.
وأما الدراسة بالجامعة فهي في أصلها من الخير، ولا شك أنه إذا أمكن المسلم أن يجمع بينها وبين المحافظة على دينه فذلك نور على نور، ولكن إن كانت الدراسة سببا لضياع الدين فلا خير في دراسة تشغل عن الله، وتحول بين القلب وطاعة مولاه، وعليك بالإكثار من دعاء الله تعالى عسى أن ييسر لك أسباب الهداية والصلاح. روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن المبارك أنه سئل عن أول زهده فقال: إني كنت يوما في بستان وأنا شاب مع جماعة من أترابي، ذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا وكنت مولعا بضرب العود فقمت في بعض الليل وإذا بغصن يتحرك على رأسي، فأخذت العود لأضرب به فإذا أنا بالعود ينطق ويقول: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ {الحديد:16} قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته، وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما تشغل عن الله عز وجل، وجاء التوفيق من الله تعالى، وكان ما سهل لنا من الخير بفضله وبرحمته. اهـ وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى: 12928، 24082، 1521، 52153.
وأما بالنسبة لما سبق مما جنيت من الحسنات.. فإن لم تكن منك ردة عن الدين فنرجو أن تكون هذه الحسنات باقية ولم تذهب هباء منثورا. وعليك بالحرص على الإحسان في المستقبل.
ونود أن ننبه في ختام هذ الجواب إلى أمرين:
الأول: أن المسلم إذا وفقه ربه للاستقامة فعليه أن يحرص على الترويح عن نفسه بما هو مباح مع الصالحين من إخوانه فهذا أدعى لعدم الملل والسآمة والانقطاع عن طريق الاستقامة. وراجع الفتوى رقم: 33690.
الثاني: أن الإقامة في بلاد الكفر لا تخلو من مخاطر، فمن كان يخشى الفتنة في دينه بسببها فلا تجوز له الإقامة هنالك. وانظر الفتوى رقم: 2007، وما يمكننا أن نشير به عليك هنا أن تبحث عن بلد إسلامي تتمكن من الإقامة فيه وإكمال دراستك الجامعية من غير ضرر يلحقك في دينك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(9/4377)
الخوف من سوء الخاتمة مع رجاء الرب الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما ما يطاردني أني لا أعرف الله عز وجل تمام المعرفة، مع العلم بأني ملتزم شرعيا وأفعل كل ما أستطيع عليه من فعل الخيرات تقربا إلى الله ويطاردني دائما سوء الخاتمة وأن الله غير راض عني وأن جميع صلواتي غير مقبولة، فماذا أفعل لأني على طول الوقت أخاف من سوء الخاتمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مما يزيد في معرفة الله تعالى تدبر القرآن، والنظر بعبرة في مخلوقات الله تعالى، وكذلك مطالعة كتب العقيدة، ومعاني صفاته تعالى من عظمة وكبرياء ورحمة وعفو ومغفرة ونحو ذلك، أما عدم قبول الطاعة وسوء الخاتمة فذلك من الأمور التي كان السلف يخافها، وهو دليل على عدم العجب بالأعمال، لكن لا ينبغي أن يبالغ المرء في ذلك لئلا يصل الأمر إلى حد القنوط، بل ينبغي أن يعمل الطاعات ويرجو قبولها من الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المخاوف التي تراها تدل على الخير والبعد عن الرياء والعجب بالأعمال، لكن لا ينبغي المبالغة في ذلك لئلا يصل الأمر إلى حد القنوط، ومما يزيد في معرفة الله تعالى تدبر القرآن، والنظر بعبرة في مخلوقات الله تعالى، وكذلك مطالعة كتب العقيدة، ومعاني صفات الله تعالى من عظمة وكبرياء ورحمة وعفو ومغفرة ونحو ذلك، والمسلم مطالب بعبادة ربه بإخلاص وإتقان ولا يقنط من قبول طاعته، بل يسن له رجاء قبولها، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: ويسن رجاء قبول الطاعة، والتوبة من المعصية. انتهى.
مع أن عدم قبول الطاعة وسوء الخاتمة من الأمور التي كان السلف الصالح يخافونها، فعن عائشة رضي الله عنه قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ. قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟ قال: لا؛ يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات. رواه الترمذي وابن ماجه.
وقال الحسن البصري: لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها. وقال: المؤمن جمع إحساناً وشفقة (أي خوفاً) والمنافق جمع إساءة وأمناً. ولكن ينبغي أن يكون هناك في المقابل رجاء ورغبة إلى الله في أن يقبل هذا العمل، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 35806.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(9/4378)
وظيفة القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القلوب تسمع وترى وتعقل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وظيفة القلوب ومتعلقها هو فهم الأمور وتعقلها؛ لأن القلوب اسم لموقع العقول، وأما متعلق السمع فهو جارحة الأذن، كما أن متعلق الرؤية العين، قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {الحج:46} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {الأعراف:179} ، وللمزيد عن العلاقة بين القلب والعقل.. انظر في ذلك الفتوى رقم: 13977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1429(9/4379)
شروط قبول العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو أساس أعمالنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أساس العمل الذي يتعبد به الله تعالى، أن يخلص صاحبه فيه لله وأن يتابع فيه السنة، وراجعي الفتوى رقم: 40090.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1429(9/4380)
سبيل تطبيق الوسطية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أقدر أعمل وسطية في حياتي وما أضيع وقتي هباء منثورا وإذا في إمكانية أني أتواصل مع الشيخ نبيل العوضي لأني بحاجة دائما لتوجيهاته كيف أقدر أتواصل معه؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الوسطية طبيعة الدين وميزة الأمة، والأخذ بها لازم شرعا وحقيقتها تتطلب الاطلاع على حياة النبي- صلى الله عليه وسلم-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوسطية طبيعة هذا الدين وميزة هذه الأمة؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة. رواه البخاري وغيره، وفي رواية لأحمد " القصد القصد تبلغوا "
وعن ميزة هذه الأمة يقول تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {البقرة: 143} . "
فمن أراد أن يطبق هذه الوسطية فعليه بالاطلاع على حياة نبي هذه الأمة فهو وحده القدوة والأسوة الحسنة، فكان خلقه القرآن، وكان يمثل هذا المنهج فيصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء ... ويقول: فمن رغب عن سنتي فليس مني " متفق عليه.
وللمزيد انظري الفتوى: 25075.
وبخصوص فضيلة الشيخ نبيل فإن بإمكانك أن تتصلي به في الكويت وليس عندنا عنوانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(9/4381)
الاستقامة وعدم تمني الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ طفولتي أصلي وأصوم وملتزمة بالضمير والدين المطلوب من حيث لم أغضب ربي أبدا إن شاء الله قط ولم أقم بعمل أي محرمات طيلة حياتي منذ الطفولة حتى الآن وبارة بوالدي وقلبي نظيف ولم أؤذ أحدا قط وأحب الناس وأعمل دائما الخير وأساعد أي إنسان أشعر أنه محتاج مهما كانت نوع المساعدة حتى لو فوق طاقتي أعاني من أجل الآخرين واتهمت وظلمت في حياتي زورا وكنت أسمع ولا أجيب أتألم ولا أدافع أتركهم لله وأشعر دائما أن الله معي -وأضحي من أجل الآخرين دون أن تكون صلة تربطني بهم فقط تضحياتي لله تعالى وأن قلبي لا يستطيع أن يرتاح إذا رأى إنسانا لديه مشكلة إلى أن تحل أتمنى الخير للجميع وأقوم بجميع مسئولياتي ومظلومة في حياتي منذ الصغر ومسئولة مسئولية تامة عن أطفال في الصرف والرعاية والتربية رغم وجود زوجي الذي لا يسأل عنهم وكأنه غير مسؤول عنهم رغم أنه يصلي ولكنه دائما يبحث عن نفسه ورفاهيته ووضعه الوظيفي واسمه الاجتماعي ولا ينفق وأنا أعمل وأنفق وأهتم بأولادي منذ ولادتهم وحتى كبروا وأصبح أكبرهم ثمانية عشر عاما فهل هذا كفاية أن يقيني عذاب القبر وأن أكون من أهل الجنة بإذن الله لأني أتمنى الموت لأني تعبت من الحياة والمسئولية والديون والعمل بالداخل والخارج ومسئولية الاولاد كبرت ولا أقدر عليها مع أني أشعر أن الله لن يتركني وأني سأجد نتيجة طيبة في أولادي ولكني أفكر بالقبر والجنة والنار - وأحلم بموت جميل وقبر واسع وحياة برزخ جميلة وأخاف بشدة ورعب من عذاب القبر والنار فكيف لي أن أكون من أهل الجنة وهل هذا وما يحدث لي وتصرفاتي قد تقيني من عذاب النار بما أني لم أقم أبدا بأي عمل يغضب الله طيلة حياتي إن شاء الله أن لا يكون لدى شيء أجهله أو بدون قصد ولكن ما هو محرم أتجنبه دوما منذ طفولتي وحتى الآن وما هو مطلوب من العبد أقوم به أرجو إفادتي وكيف يقي الإنسان من عذاب القبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
احمدي الله على نعمه، واسأليه المزيد منها والعون على شكرها، ولا تتمني الموت لهذه المتاعب العادية، واعلمي أن طريق الجنة والنجاة من النار بالاستقامة على طريق الحق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من نعم الله على عبده أن يرزقه الاستقامة على طريق الحق، ويجنبه طريق الانحراف والضلال.. فهذه أعظم كرامة يمن الله بها على أوليائه، فلتمحدي الله على ذلك، وتسأليه الثبات والمزيد من إنعامه، والعون على شكره..
ولتعلمي أن ما تقومين به من تربية لأولادك ومن الإنفاق عليهم والرعاية لزوجك، كل ذلك أجر لك ورفعة لدرجتك لا يضيع منه شيء عند الله تعالى.
فلا يحملنك تفريط الزوج أو غيره في واجبه على الملل أو تمني الموت، لمجرد هذه الأمور وما ترتب عليها. فهذه طبيعة الحياة والناس فيها في كبد وكدح. والسعيد من وفقه الله تعالى لطاعته فأنت- إن شاء الله- تزدادين كل يوم أجرا. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تمني المو ت كما في صحيح البخاري وغيره أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب"
فطريق السعادة في الدنيا والآخرة والأمن من عذاب القبر وعذاب النار هو في الاستقامة وامتثال أوامر الله تعالى في السر والعلانية واجتناب نواهيه في السر والعلانية.
نسأل لنا ولك الثبات والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وللمزيد انظري الفتاوى: 56652، 30742، 31781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(9/4382)
السبيل الأقوم للدعوة والوقاية من النار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجنب الرجل وأهله من المفاسد المنتشرة بين أهل بلده حيث الهوى والشهوات هو المحرك في المحيط الذي يسكن فيه مع وجود قلة من الصالحين؟
وماهي الخطوات للازمه علينا للدعوة في البلدة لندعوهم إلى تباع السنة في الصلاة غالبا في المسجد أما في الخارج فليس لدينا أفكار دعوية نجلب بها شباب البلدة لندعوهم علما أن المحاضرات غير مسموح بها في الدولة إلا للمصرح له بذلك.
أفيدونا نفعنا الله بعلمكم والمسلمين وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان هذا الموضوع يتعلق بأمرين هامين في حياة المسلم:
الأول هو السعي في امتثال أمر الله تعالى بوقاية النفس والأهل من النار، ولا يتم ذلك إلا بالاهتمام بتربيتهم على الالتزام بالدين والأخلاق والبعد عن المعاصي والرذائل، ولابد كذلك من حضهم على الفضيلة والأخلاق الحسنة وحمايتهم وتحصينهم من الفساد، والجلوس في أماكن الفساد وسماع الموسيقى ونظر المحرمات وغير ذلك.
فالسعي في هداية الأهل وإصلاح حالهم بالتربية والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير من أعظم الواجبات وأفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فقد مدح الله تعالى أنبياءه بأنهم كانوا يأمرون أهلهم بالصلاة والزكاة، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا {مريم:54-55} ،
وقال تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ولنا من بعده: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه:132} . وقال الله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} .
فالواجب على الآباء تجاه الأهل أن يعلموهم ما فرض الله عليهم من التوحيد والإيمان والعبادة، وأن يغرسوا في قلوبهم حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذروهم من الانحراف الأكبر المتمثل في الشرك بالله تعالى، ويحذروهم أيضا من كل انحراف يخشى عليهم منه، وذلك حماية لدينهم وإيمانهم وأخلاقهم، ووقاية لهم من النار، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التَّحريم:6} قال علي في تفسير هذه الآية: علموهم وأدبوهم. رواه الطبري في التفسير والبيهقي في الشعب.
فوقاية الإنسان نفسه من النار تكون بامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه والتقرب إليه تعالى بما يحب، ووقاية أهله تكون بتعليمهم ونصحهم وتربيتهم وتوجيههم إلى الخير، وقد ذكر القرطبي في تفسيره أن عمر لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ قال: تنهونهم عما نهاكم الله, وتأمرونهم بما أمر الله. اهـ
ولقد حذرنا نبينا من تضييع هذه الأمانة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة.
وفي الصحيحين أيضا: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها. ..
ومما يساعد على منعهم من التأثر بما حولهم من الفساد أن تسعى في إيجاد البديل بتوفير وسائل ترفيه ممتعة مفيدة مشروعة, وعندنا في ركن الطفل في الشبكة الإسلامية بعض وسائل الترفيه المفيدة للأطفال يمكن الاستفادة منها. ومن الوسائل المساعدة في ذلك أيضا شغلهم بحفظ القرآن ودراسة كتب الحديث والسير مع تشجيعهم إذ احصلوا شيئا من المعارف. وحاولوا أن تفتحوا لهم بعض القنوات المفيدة في ذلك وبعض الشرائط أو الأقراص المساعدة في الموضوع كالمصحف المعلم وكقناة المجد للأطفال. وأكثروا لهم الدعاء وترفقوا بهم واحرصوا على أن لا يخالطوا من يؤثر على أخلاقهم تأثيرا سيئا، وانتقوا لهم صحبة طيبة فالمرء على دين خليله كما في حديث أبي داود.
ومن الوسائل المهمة في تحصين الشباب الكبار حضهم على إكثار الصوم وعلى البدار بالزواج، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قا ل: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
وينبغي أن لا يهمل جانب القدوة الحسنة، وجانب الدعاء الذي يهمله الكثير من الناس، وكذلك الأعمال الصالحة، فإنها تحفظ الأبناء كما قال ابن سيرين: أي بني، إني أطيل في الصلاة رجاء أن أحفظ فيك، وتلا قوله تعالى: وكان أبوهما صالحا.
- الأمر الثاني هو الدعوة في البلد وأول ما يتعين على من أراد الإصلاح هو اتباع نهج الأنبياء والسلف الأول فلك أسوة حسنه في الأنبياء والمرسلين والفضلاء الصالحين، والصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فنوصيك بقراءة سيرتهم، لمعرفة ما بذلوه في هداية قومهم، وما واجهوا من مصاعب في دعوتهم، وصبرهم على أذاهم، ونصر الله تعالى إياهم وجعله العاقبة لهم، قال الله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا {الأنعام:34} ،
فقد تحملوا في سبيل تبليغ دين الله تعالى من أقوامهم الكثير من سب وشتم ونبز بالألقاب واتهام بالسحر والكذب، وبعضهم عليهم السلام وصل الحال بأقوامهم إلى أن قتلوهم، وأما الإعراض عنهم وعدم سماع كلامهم فكثير جدا، كما كان يفعل قوم نوح عليه السلام معه، فقد قص الله تعالى لنا بعضا من ذلك، فقال تعالى: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {نوح:5-10} ، إلى آخر الآيات, وقد صبر نوح عليه السلام يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما.
واعلم أنك تقوم بمهمة شريفة عظيمة وواجب شرعي أكيد فالدعوة إلى الله تعالى فريضة عظيمة وفضيلة وقربة إلى الله تعالى فيجب القيام بها حسب المتيسر من وسائلها فقد قال الله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104} وقال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ {يوسف:108} ، وقال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ {النحل:125} ،
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.. الحديث.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغو عني ولو آية.رواه البخاري وغيره.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغ الشاهد منكم الغائب.. وهو في الصحيحين وغيرهما.
ويقول: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. أخرجه الإمام مسلم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
وأما الخطوات التي تعملها في الدعوة فأساسها قول الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ. {النحل:125} ، فالحكمة تقتضي تقديم الأوليات والبدء بالأهم فالمهم، ومراعاة أحوال المدعوين، ومستوياتهم وثقافاتهم واهتماماتهم ... إلى غير ذلك، والموعظة الحسنة تقتضي خطابهم بالأسلوب الرفيع المشوق، والتركيز على شحن الخطاب الدعوي بالآيات البينات والسنن النبوية النيرات، وضرب الأمثال البليغة والقصص المؤثرة، وأما المجادلة بالتي هي أحسن فتقتضي إلانة القول والرفق في الخطاب، وإحساس المخاطب بدافع محبة الخير له العاجل منه والآجل، مع التدعيم بالحجة القاطعة والبراهين الساطعة.
فاحرص على بذل ما تستطيع واحرص على التركيز على تقوية الإيمان وإصلاح القلوب وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والإكثار من الحديث عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في ذكر الله تعالى، وتعليم الأحكام الشرعية. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا.... وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. وقال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} ، وفي الحديث: وأمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني. وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
ثم اعلم أخي أن ما ذكرت من عدم السماح بالمحاضرات لغير المصرح لهم لا ينبغي أن يؤثر عليك بل ينبغي التعامل مع كل مكان وزمان باتباع الهدي النبوي في التعامل مع الأحوال التي مرت بها الدعوة في العهد المكي والعهد المدني.
فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حياة مكية لم تكن الأحوال فيها مساعدة، فكان يتعهد صحبه في بيت الأرقم بن أبي الأرقم بالتعليم سرا، كما ذكر الذهبي في السير وابن كثير في البداية، وذكره أيضا غيرهما ممن ألف في السير والتاريخ، ولم يكن يهتم في هذه الفترة بالاجتماعات الكبيرة الظاهرة، ولما كثر الصحب أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة.
وكانت له حياة مدنية كان يجمع الصحابة في المسجد ويعظهم ويعلمهم بعد الصلوات وفي الجمع والأعياد والمجالس، وفي البيوت وغير ذلك، فينبغي لمن كانت حاله مكية أن يحرص على حسن التدبير، والقيام بما أمكن من النشاط العلمي والدعوي، وليتذكر أحوال الأنبياء، فهل كان لنوح عليه السلام مجامع عامة كالمساجد يجمع الناس فيها ليحاضر لهم، وهل كان عند إبراهيم وموسى مثل ذلك، وأغلب أحوالهم هي لقاء الناس فردا فردا.
فليحرص المسلم في الأحوال كلها على الدعوة بالرفق والقول اللين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، عملاً بقوله تعالى لموسى لما أرسله لفرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44} ، وبقوله له: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {النازعات:18} ، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: عليك بالرفق. رواه البخاري ومسلم، وبقوله لها: يا عائشة أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. رواه مسلم.
ويتعين مع الرفق الحرص على الجد والنشاط والعمل الدءوب فأخلص لله تعالى في عملك، وبرمج برنامجاً تستطيع القيام به والاستقامة والمواظبة عليه، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، كما في حديث الصحيحين، فاقتطع من وقتك ومن مالك ما تستطيع بذله في نصرة دينك، وتمن على الله وادعه بإلحاح أن يستعمل جميع صلاحياتك وعبقريتك وذكاءك في خدمة دينه، وتذكر الحديث: لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته. رواه ابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني. والحديث الآخر: إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، فقيل كيف يستعمله يا رسول الله، قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت. رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه الألباني.
واسع في هدى وإصلاح من تلقاه من الناس فعليك أن تسعى في إصلاح نفسك وأهل بيتك أولا عملاً بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأهليكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6} ، ثم تسعى في إصلاح جيرتك وعشيرتك عملاً بقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} ، وبقوله تعالى: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا {الأنعام:92} ، واسع في هداية أصدقائك وجميع من يمكنك الاتصال به ودلالته على الخير وحضه عليه،
وينبغي أن تستخدم أصدقاءك ليبذلوا في تحقيق هذا الأمر ما تيسر من الوسائل.. في تعليم الناس الخير ودعوتهم، وقد تيسر في هذه الأيام من وسائل الاتصالات والإعلام التي يمكن استخدامها في إيصال الخير للناس ما لم يكن معروفا في السابق، فاحرصوا على عمل ما تيسر من الوسائل المساعدة في هداية الناس كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن، وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة، أو رسالة عبر الجوال أو الإنترنت
وليستخدم الخطيب لسانه البليغ، والكاتب قلمه السيال، وليستخدم صاحب المال ما أمكن من نشر كتاب مفيد أو مطوية نافعة أو شريط مؤثر، وإذا أمكن أن يكفل بعض الشباب الأذكياء حتى يدرسوا من العلم الشرعي ما أمكن ففيه خير كثير، واسع في نفع الناس ومساعدتهم عملا بحديث مسلم: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه. وبحديث مسلم أيضا: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
ومن الأعمال المفيدة في هذا المجال أن تكون دائماً نشيطاً وساعياً لاستخدام طاقتك في مخالطة الناس والإحسان إليهم فكن دائما ساعيا في إغاثة ملهوف أو إعانة محتاج في عمل أو قرض أو رأي فيه مصلحة أو أن تغرس غرساً ينتفع به الناس، ففي الحديث: من منح منيحة ورقا أو ذهبا أو سقى لبنا أو أهدى زقاقا فهو كعدل رقبة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وفي الحديث: إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل. رواه أحمد وصححه الألباني. وفي الحديث: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعاً. روه الأصبهاني وحسنه الألباني.
وليسع من يخدم الناس في هدايتهم وليستشعر أنه بهذا العمل يجاهد السعاة في تكفير المسلمين عن طريق المساعدات والإغاثات،
والموضوع مهم جداً ولا يكفي فيه فتوى مختصرة، وراجع بعض ما كتب فيه، فراجع كتاب (كيف أخدم الإسلام) لعبد الملك القاسم، وراجع موضوعات في مجلة البيان تتحدث عن هذا الأمر ومن أهمها موضوع (لماذا الدعوة العائلية) ، وموضوع (التقنية في خدمة الدعوة إلى الله) ، وموضوع (حاجة الدعوة إلى البذل والتضحية) ، (الفتور الدعوي عند الشباب الأسباب والحلول) وهي كلها موجودة على الإنترنت يمكن الحصول عليها عند البحث عنها في جوجل.
وراجعوا في بعض التوجيهات القيمة في هذا المجال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21752، 21907، 29770، 34846، 35308، 64312، 67272، 31768، 32949، 17982.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(9/4383)
التوبة من العلاقة المحرمة وحكم الرجوع في العهد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة أنا كنت مرتبطة بشاب وكان على أمل أنه يخطبني رسميا المشكلة أني عاهدته أمام الله وهو يشهد على ذلك أني لا أقبل خطبة لأي شخص غيره لاحظت أنه يخونني ويحب أخرى ماذا أعمل في العهد الذي بيني وبينه هل هذا له كفارة أم صيام؟ وعلى العلم أنه عاهدني نفس العهد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إقامة مثل هذه العلاقة بين الأجانب من المحرمات وقد تجر إلى مفاسد عظيمة على الجميع؛ لذلك يجب على السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من هذه العلاقة المحرمة وما نشأ عنها، وتقطع كل الاتصالات والارتباطات بالرجال الأجانب، فإن أراد أحد أن يخطبها فلها أن تنظر في حاله فتقبله إذا كان صالحا لها مع مراعاة الخلق والدين، أو ترده إذا لم يكن صالحا. أما ما عدا ذلك فهو معصية لله وخروج عن أوامره وارتكاب لما نهى عنه، ولن يجر إليها خيرا، بخلاف ما لو امتثلت أمر الله تعالى وتوقفت عن محارمه وابتعدت عن معاصيه فقد تجد الزوج الصالح بفضل الله تعالى وبركة التقوى.
وإذا كان العهد الذي أعطت وأعطي لها بصيغة أعاهدك أو أعطيك عهدا فليس يمينا ولا يتوقف عليه شيء، وإذا كان عهدا لله تعالى أي كانت صيغته أعاهد الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا فالظاهر أنه هنا يمين عند بعض أهل العلم، وتجب بعدم امتثاله الكفارة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 7375.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1429(9/4384)
سؤال العافية وعدم تمني البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن الله عز وجل إذا أحب عبدا ابتلاه وأنا يا فضيلة الشيخ لا أجد أنى مبتلى في شيء ولا أستطيع تمني البلاء بل وأخاف منه جدا؟
فهل معنى هذا أن الله لا يبتليني لأنه غاضب مني أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
احمد الله على العافية، ولا تتمن البلاء، وابحث عن محاب الله فاعمل بها حتى يحبك الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بحمد الله وسؤاله العافية، ففي الحديث: اسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية. رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
وأما ابتلاء الله لمن أحبه فقد ثبت في الحديث الذي رواه الترمذي أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.
كما ثبتت أحاديث كثيرة في فضل الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه.
وقد ذكر المباركفوري في شرح سنن الترمذي: أن المقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: أنه يكره تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه.
ثم إن المسلم قد فتح الله له وشرع له كثيرا من الأعمال التي تنال بها محبة الله، ورغبه في العمل بها، فع لى العبد أن يبحث عن محاب الله ومراضيه ويعمل بها.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50832، 63580، 74127، 47241، 25874، 18103.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1429(9/4385)
قبول الأجرة هل ينقص من أجر العامل الراغب في ثواب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قدمت خدمة لأحد الأشخاص ابتغاء وجه الله تعالى ونويت أن يكون العمل خالصا لله تعالى ولا آخذ عليه أجرا ... لكن وبعد أن قمت بهذه الخدمة، أعطاني هذا الشخص مقابلا ماليا ... وبصراحة أنا منزعج جدا من ذلك ولكنه يصر على أن آخذ المبلغ وإلا سيغضب مني غضبا شديدا ... والسؤال هو: هل يؤثر أخذ المقابل المادي على نيتي لله تعالى؟ وهل يحق لي أن أصر على رأيي بعدم أخذ المقابل المادي حتى لا تختل نيتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من كان الباعث له على عمل الخير ابتغاء وجه الله ثم جاء شيء من المال فله أن يقبله ولا يينقص من أجره شيئا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الباعث على العمل الصالح هو التقرب إلى الله تعالى ثم جاء العامل شيء من الدنيا فإن هذا لا يؤثر على أجره ولا ينقص منه شيئا كما لا ينقص أجر المجاهد المخلص مما أخذه من الغنائم، ولا ينبغي للأخ السائل الإصرار على عدم قبول هذا المبلغ الذي بذله حبا لله بطيب نفس منه لحديث: ما جاءك من هذا وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك. متفق عليه.
وأيضا: ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا له ما تكافئوه فادعوا له. .. رواه أحمد.
وجاء في فتاوى ابن تيمية في مسألة مشابهة ما يلي.. وإن كان إعطاء ما لا يستحق عليه فإن قبله وكان من غير إشراف له عليه فقد أحسن..انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1429(9/4386)
اكتسب رضا الله يكسبك الله رضاه ورضا الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة وقعت منذ 8 ثمان وما زالت تطاردني حتى الآن وهي أنني كنت أحسبني ملتزما في مجتمعي ووقعت لي واقعة جنسية مع إحدى الفتيات الصغيرات لم تبلغ مبلغ الزنا ولا قريبا منه ولكن افتضح أمري وأصبح الكل يعرف أنني خائن وينظرون إلي نظرة احتقار وهو ما يسبب لي مشاكل نفسية كبيرة لا يعلمها إلا الله.
وللعلم فقد تبت وحججت بيت الله الكريم ولكن مازال أثر الذنب يطاردني وأشعر له بغصة في حلقي وفي ذاكرتي وكلما تذكرته تعبت كثيرا مما فعلته في الماضي وكيف تبدو صورتي في مجتمعي ولا أقدر على نسيان هذا العمل رغم أنه ليس زنا ولكن تكرر منى في الماضي وقد أتعبني كثيرا فماذا أفعل حتى أعود لسابق عهدي في مجتمعي مع الناس وكيف تتغير نظرتهم لي علما بأني عندما أكون وحيدا أحن إلى المعاصي ولكني أجاهد قدر استطاعتي أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله على أن وفقك للتوبة أولا من ذلك الذنب، ولم تمت مصرا عليه، وأن الفضيحة كانت في الدنيا ولم تكن في الآخرة على رؤوس الأشهاد، فتأمل في هاتين النعمتين، واشكر الله عليهما، ثم لا يكن همك السمعة بين الناس بل ليكن همك رضا الله عنك، قال العلماء: رضا الله مأمور به ومقدور عليه، ورضا الناس ليس مأموراً به ولا مقدوراً عليه، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: رضا الناس غاية لا تدرك.
بيد أنك إن أرضيت الله ولو بسخط الناس رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، وأن أرضيت الناس بسخط الله سخط الله عليك وأسخط عليك الناس، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن عائشة. فالذي ننصحك به هو الابتعاد عن المعاصي بجميع أنواعها أو التفكير فيها والسعي في مرضاة الله عز وجل، وإن رضي الله عنك فسيرضي عنك غيره. وفقك الله وسدد خطاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1429(9/4387)
المعاصي من أسباب المصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة إني:
1-أعاني من إدمان شديد على التسويف.
2-أعاني من العادة السرية.
3-أعاني من إدمان على المواقع الإباحية.
4-أعاني من الإدمان على أحلام اليقظة.
5- أعاني من الاكتئاب أخذت حبوب تيوريل10 وديمترول.
ملاحظة إني كلما قرأت القرآن أحس بخدر بالقدمين ورجفة باليد اليسرى.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فهذه الأمور التي ذكرت دائرة بين ذنوب ارتكبتها أو مصائب ابتليت بها، والمعاصي من أسباب المصائب، فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة عسى الله أن يكفر عنك سيئاتك ويذهب عنك ما تجد، ويمكنك أن تراجع الأطباء المختصين، وينبغي أن تحافظ على الفرائض وتجتنب المعاصي، وأن ترقي نفسك بالرقى الشرعي إذ لا يبعد أن تكون مصابا بشيء من العين أو السحر ونحوهما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأمور التي ذكرت دائرة بين ذنوب ارتكبتها أو مصائب ابتليت بها. واعلم أن المعاصي من أسباب المصائب. قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشُّورى:30} وقال سبحانه: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ {آل عمران:165} فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة من هذه الذنوب عسى الله أن يكفر عنك سيئاتك ويذهب عنك ما تجد.
وينبغي أن تستعين بالصبر على هذه المصائب ففي الصبر سلوى للمؤمن وكفارة لذنوبه، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
ويمكنك مراجعة أهل الاختصاص من الأطباء إضافة إلى الاهتمام بالرقية الشرعية، ففيها خير كثير، لاسيما وأن ما ذكرت من شعورك بشيء من الخدر في بعض أطرافك عند قراءة القرآن قد يكون مؤشرا على الإصابة بشيء من العين أو السحر ونحوهما، ومما يعينك في العلاج من مثل هذه الأمور محافظتك على الفرائض واجتنابك للمعاصي.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 7170، 5450، 28477، 7151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1429(9/4388)
التفاضل والتفاوت بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية عطره من مسلم إلى مسلم.. أنا عندي سؤال أريد إجابة عليه مع الدلائل لو تكرمتم، ليلة أمس وقع حديث مع إخواني الزملاء وقال أحد الإخوة إن الله خلق وفرق يعني الله خلق البشر وفرق فيما بينهم، أنا أتكلم عن الخلق وليس الدين الفرق بشكل عام، أنا أجبته أن الله لا يفرق بين عباده إلا بالتقوى والأعمال الصالحة، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى وكلنا سواسية كأسنان المشط، لكن هم يقولون إن الله خلق العباد وفرق بينهم، وأن الله فرق وليس فضل فرق عباد على عباد، هل صحيح هذا الكلام وإذا كان نعم ليتكم تزودني بالدلائل الشرعية؟ وجزاكم الله خير الجزاء وأرجو الرد بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
التفاضل الحقيقي بين الناس يكون بالتقوى، وأما تفاضلهم في الأرزاق فهو واقع فعلاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصح السائل وغيره أن يتدارسوا في مجالسهم كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أولى ما يتعين صرف الأفهام في تدبر معانيه وتفهمه والنقاش فيه، فأما أن يقول واحد من نفسه كلمة ثم يشغل نفسه وغيره بنقاشها ومدلولها فالفائدة من هذا قليلة، وأما فيما يخص موضوع السؤال فإن الله تعالى جعل التفاضل الحقيقي الذي يتفاوت الناس به في مكانتهم عند الله تعالى جعله بالتقوى فجعل اتقاهم أكرمهم، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.
وأما حال الناس في الدنيا الفانية.. فإنه لا شك أن الله تعالى قد فاوت بينهم وفضل بعضهم على بعض في الرزق، فجعل بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً وبعضهم طويلاً وبعضهم قصيراً وبعضهم ولودا وبعضهم عقيماً لحكمة يعلمها الله تعالى، كما قال الله تعالى: وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ {النحل:71} ، وقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32} ، وقال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:49-50} ، ويحكى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال:
فما شئتَ كان وإن لم أشأ * وما شئتُ لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت * ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت * وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد * وهذا قبيح وهذا حسن
وأما ما أشرت له من كون الناس سواسية كأسنان المشط.. فقد ورد في حديث ضعيف جداً كما قال الشيخ الألباني.
هذا وليعلم أن هذا التفاوت في الأمور الدنيوية الفانية لا يفيد فضلاً للغني على الفقير في ميزان الله، بل قد يكون الفقير خيراً عند الله تعالى إذا كان متقياً وأكثر استقامة على الدين من غيره، كما قد يكون الغني أفضل إذا كان شاكراً للنعم كثير الإنفاق مستقيماً في دينه، فقد قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-16} ، وفي البخاري عن سهل قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1429(9/4389)
ستر المولى الكريم على التائب الصادق
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد اهتديت منذ فترة والحمد لله، ولكنى ارتكبت الكثير من الأعمال السيئة والمعاصي ولا أريد أبداً أن يراها أو يسمعها أهلي بل وكل الناس في يوم الحساب فهل يوجد عبادة معينة مثل الاستغفار أو الذكر أو أي شيء يمكن أن أقوم به فى الدنيا لستر هذه الأعمال عند الحساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على توبتك واستقامتك، فالحمد لله الذي منَّ عليك بالتوبة قبل أن يدهمك الموت، وأبشر فإن الله تعالى يقبل توبة عباده بل ويفرح بها إذا جاؤوه تائبين منكسرين، فبرحمته وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، وإذا كنت قد ارتكبت بعض كبائر الذنوب فإنها لا تمحى إلا بالتوبة الصادقة عند جمهور أهل العلم، كما تقدم في الفتوى رقم: 77502.
وغيرها من الذنوب تمحى بالأعمال الصالحة، كالصدقة والمحافظة على الصلوات الخمس والجمعة وصيام رمضان وغيرها، وراجع في المزيد من الفائدة الفتوى رقم: 51247.
وإذا قُبلت توبة العبد في الدنيا أو قبلت بعض الطاعات التي تكون سبباً لمحو الذنوب فإنه لن يؤاخذ بها في الآخرة، وبالتالي فلن يفتضح عند الحساب، وكذلك إذا مات العبد مصراً على بعض الذنوب من غير توبة فإن الله تعالى قد يسترها عليه في الآخرة ويغفرها له، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: سمعته يقول: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1429(9/4390)
الصوم يفيد من يخشى العنت في نهاره وليله
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت نصائحكم وردودكم الكثيرة بخصوص من يريد أن يعصم نفسه من الذنوب والمعاصى وفتن النساء وهي الصيام، لكن ماذا بعد الإفطار وحتى صلاة الفجر في اليوم التالي؟ فكيف يمسك الإنسان نفسه عن المعاصي بعد الإفطار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يمتنع ويبتعد عن المحرمات كلها في كل وقت لأن الله حرم المعاصي كلها، سواء في ذلك الصائم وغيره، لكن لما كان الصوم يضعف الشهوة أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع النكاح إليه لتضعف شهوته ويستطيع التحكم فيها بسهولة، ثم إن هذه الفائدة الموجودة في الصوم ليست خاصة بالنهار وقت الصيام بل توجد في الليل أيضا بعد الإفطار نتيجة للصيام.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 52421.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1429(9/4391)
البكاء من خشية الله والجمع بين الخوف والرجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في بعض الأحيان أبكي على هذه الدنيا أبكي من الخوف من الله أبكي لأخطاء ارتكبتها رغم أنها ليست أخطاء كبيرة أبكي وأطلب المغفرة أبكي لأنني أرى الفواحش ولا أستطيع أن أفعل شيئا وحتى إن تكلمت يقولون ليس إلا بأحمق أبكي لأنني أحب الله وأخاف أن أفعل شيء حرمه أبكي لمجرد أنني أفكر في الموت وهذا البكاء كله خشية من الله والخوف من عذابه وأسأل نفسي هل فعلت وأفعل ما يرضي الله وهل أفعل الحق والخير وهل أفعل ما يدخلني الجنة أسئلة لا أحد يمكنه الإجابة عليها حتى الشخص نفسه وحده الله عالم الغيب رغم أن قلبي يقول لي أفعل مزيدا من الخير كن صادقا ولا تحقر أحدا حتى من فعل لك السوء عامله بحسن واجتنب الحرام والخبائث وكن متواضعا ولا تسعى وراء المال والشهوات فإنها ليست إلا من أدوات الشيطان واحترم جميع الناس ودافع عن الإسلام بما تستطيع من قدرة واعلم أن الله يراك وأنه يحبك أن تعمل الخير وتحسن إلى اليتامى والمساكين وتفعل واجباتك نحو عائلتك وتؤدي فرائضك وتتمسك بالشريعة.... هكذا أنا فهل هذا بكاء صالح أم أنه مكروه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
البكاء من خشية الله أمر محمود، وعلى المسلم أن يجمع بين الرجاء والخوف، ومما يعين على ذلك الاطلاع على نصوص الوحي في الترغيب والترهيب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بكاء المسلم جراء تذكره لذنوبه ولتقصيره في جنب الله مؤشر خير ومبشر بالخير.
ففي حديث: عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله. رواه الترمذي.
وننصحك بمطالعة كتب الترغيب والترهيب حتى تطلع على الثواب الذي وعد الله به المطيعين.
فتجمع بين الرجاء والخوف وبين السرور بحسنتك والاستياء من سيئتك.
ففي الحديث: من سرت حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح:
وقد وصف الله عباده المرضيين في القرآن بالجمع بين الخوف والرجاء فقال فيهم: يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ {الإسراء57} وقال فيهم: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء90}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1429(9/4392)
الإيمان والتوازن الداخلي للمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يؤدي الإيمان إلى حصول التوازن الداخلي للمسلم?]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإيمان بالله تعالى يقتضي التسليم بقضاء الله وقدره، والمؤمن يحتسب الأجر في المصائب. والكثير من حالات فقدان التوازن سببه قلق الإنسان من حاضره أو مستقبله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيمان بالله تعالى يقتضي التسليم بأن كل ما يجري في هذا الكون هو من قدر الله وقضائه، وأنه مكتوب عند الله قبل خلق الخلق. قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ [الحديد: 22, 23] . وقال عز من قال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن: 11} .
والمؤمن يحتسب الأجر في وقوعه في المصائب طمعا في الثواب وتكفير الخطايا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
والمقرر عند علماء النفس أن الكثير من حالات فقدان التوازن الداخلي يكون سببه القلق من المصائب التي تصيب الإنسان أو مما يتوقعه منها في المستقبل.
فإذا عرفت هذا علمت السر في أن الإيمان يؤدي إلى حصول التوازن الداخلي للمسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(9/4393)
قبول هدية عيد الميلاد ممن يعلم عدم مشروعيته هل يعد نفاقا
[السُّؤَالُ]
ـ[أهدى إلي خطيبي هدية بمناسبة عيد ميلادي فقبلتها وأنا أعلم أن ذلك حرام ولا أستطيع أنا أقول له ذلك
هل أعتبر منافقة لأني أعلم الكثير من أمور ديني ولكن لا أطبقها، بماذا تنصحونني؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
انتهاك الحرمة يكون الإثم فيه أكبر، ولكن ذلك لا يكون به المرء منافقا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أعياد الميلاد لا أصل لها في ديننا، ولك أن تراجعي في هذا فتوانا رقم: 1319. كما نحيلك إلى الفتوى رقم: 33968، المتضمنة لحكم تقديم الهدية بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد.
ومما ذكر في الفتويين يتبين لك أنك قد أخطأت في هذا الفعل، وخصوصا أنك ذكرت أنك عالمة بكونه محرما.
وأما اعتبارك منافقة بهذا الفعل فذلك ما لا نراه؛ لأن المنافق هو من يعلن الإسلام ويضمر الكفر.
ولكن من ينتهك الحرمة مصرا على الذنب دون مبالاة يكون إثمه أعظم وعقوبته أشد.
فقد قسم أهل العلم المذنبين إلى قسمين:
1. مصرين على الذنب فساق معاندين، وهؤلاء إثمهم كبير وذنبهم عظيم، وإن ماتوا وهم على ذلك فهم على خطر عظيم. وعلامتهم أنهم لا يبالون بالذنب ولا يأخذون بالنصيحة، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ. [البقرة: 206] .
2. القسم الثاني من هم أهل تقوى وصلاح، غير أن القدم تزل بهم أحيانا، فيتنبهون من غفلتهم، ويرجعون إلى ربهم، وهم الذين قال الله فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 135] .
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ.
[الأعراف: 201] .
ففي قلوب هؤلاء خشية، وفي نفوسهم تقوى، لكن الشيطان يطوف بهم طوفة، ويغلبهم فترة، وعلاماتهم ما يلي:
الأولى: لا يسعى أحدهم إلى الذنب ولا يتمادى فيه ولا يصر عليه.
الثاني: يسوؤه الذنب كثيرا ويكون عليه كالجبال.
الثالث: يسارع إلى التوبة ويسعى إلى الإنابة وتغشاه الندامة.
فانظري في أي هذه الأحوال أنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1429(9/4394)
الجمع بين الصلاة والدعاء بين الأذان والإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا دخلت المسجد وصليت بين الأذان والإقامه ودعوت في صلاتي بما فتح الله علي أكون جمعت بين حديثي الرسول صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة، الدعاء بين الأذان والإقامه لا يرد؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من صلى بين الأذان والإقامة ودعا فقد جمع بين الأمرين المذكورين في السؤال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الواضح أن من صلى بين الأذان والإقامة ودعا قد جمع بين الأمرين المذكورين في السؤال، ففي سنن أبي داود عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة. والحديث صححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(9/4395)
أسباب البلاء وأدب المسلم عند وقوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة أريد أن أذكرها لكم، كنت على علاقة بشاب وكنت أحبه جدا وتقدم لي ولكن حدثت مشاكل ولم يكن فيه نصيب وطبعا عملت حاجات حراما كثيرة مثل كلامي معه موبايل ونت وخروج معه وعرفت أنه حرام وتبت الحمد لله، ولكن أحس أن ربنا غير قابل لتوبتي، لا أعرف لماذا رجوت ربنا أن يرزقني زوجا صالحا لكن للأسف لم يحصل، تقدم أناس لكن للأسف دائما يحصل رفض إما منهم أو مني لحد الوقت الحاضر، فهل هذا من غضب ربنا علي أم أن النصيب حتى الآن لم يأت، أحس أن دعوتي غير مستجابة ونفسيتي تعبانة جدا أرجوكم قولوا لي ماذا أعمل، حيث كل صديقاتي إما خطبن أو تزوجن، بل إن منهن من توفيت رحمها الله، أحس أني لوحدي جدا ولا أحد يفهمنى وعرفت أن النت حرام ولم أعد أدخل الشات مع أي أحد، لكن أحس أني لوحدي أعمل وأن الله غير قابل لتوبتى لأني سمعت حديثا معناه أن استعجال الرزق معصية وأنه يمكن أن يسبب حرمان الرزق، هل ربنا فعلا حرمني من رزقي بسبب المعاصي هذه أم أن ربنا غفور رحيم ويمكن أن يكون غفر لي ذنبي، فقط النصيب لم يأت، أرجو الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا تقنطى من رحمة الله وتوبته عليك فهو غفور رحيم، فاصدقي التوبة وأكثري العمل الصالح، وألحي على الله بالدعاء أن يحقق لك طموحك وابذلي الوسائل المشروعة في الحصول على الزواج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة صادقة ويفرج همومنا وييسر أمورنا، ثم إننا نفيدك أن الله تعالى قد يعاقب من شاء بما شاء بسبب ذنب عمله لعله يتوب ويرجع، وقد يحرمه من شيء ما بسبب ذنوبه كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. [الروم:41] . وعلى العبد أن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط، فالابتلاء سنة في الحياة وهو يكون بالشر ويكون بالخير كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. {الأنبياء35} .
وعليه أن يصبر في حال الشر ويشكر في حال الخير، وفي كلا الحالتين هو رابح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم وغيره.
فقد يكون البلاء تارة لتكفير الخطايا ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم. ...
وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا، وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. {العنكبوت:2-3} ، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الناس من هم الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى 30} .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
وقد حصل هذا فعلا لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد عاقبهم الله بسبب تفكيرهم وهمهم بحرمان الفقراء منها فحرمهم الله، ولكنه لا أحد يمكنه أن يعلم هل سبب ما حصل هو معصية كذا ومعصية كذا، لأن هذا الأمر من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
وعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، ولئلا يجتمع عليه خسران الدنيا والآخرة، فلا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا كابد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد.
وبناء عليه فعليك بالتوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة والاستغفار والقيام بالأعمال المكفرة للذنوب. فإن الله رحيم بعباده يقبل توبة التائبين الصادقين في توبتهم فقد قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى: 15} وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53-54] .
وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] . وقال سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 104] .
وقال الله تعالى في صفات المتقين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران135}
وقال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى. {طه: 82}
وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {الأنعام:54}
وقال الله تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {المائدة: 39}
وقال الله في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. وقال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والحديث حسنه ابن حجر.
فأخلصي التوبة لله وتجنبي الوقوع في الذنوب والزمي الالتجاء إلى الله وسؤاله بإلحاح أن يصرف عنك ما يغضبه وأن يحفظك من شر الشيطان وشر نفسك وأن يعينك على الاستقامة ولزوم طريق الهداية وأن يغفر لك ذنبك السالف ويحقق لك ما تطمحين له من الزواج وغيره.
وعليك أن تبتعدي عن أساب المعصية فتفارقي رفقة السوء التي تزين للعبد المصائب وتجلب له ما يرديه في الآخرة، فاقطعي علاقتك بهم نهائيا وغيري أرقام هواتفك حتى لا يحاولوا وصل ما انقطع ولا يذكروك بالمعصية.
وفي المقابل اتخذي رفقة مؤمنة من الأخوات الصالحات الفضليات، وهم بحمد الله كثير، ففتتشي عنهن واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واجعلي القرآن أنيسك واقرئيه بتدبر، واجعلي لك منه وردا منتظما تقرئيه كل ليلة، وأكثري من ذكر الله على كل حال وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها في كتاب "حصن المسلم" للقحطاني.
واحضري دروس العلم واشهدي مجالس الخير، فإن الله يحبها ويغفر لأصحابها وأكثري من استماع الأشرطة الإسلامية، وخصوصا المحاضرات التالية: توبة صادقة للشيخ سعد البريك، جلسة على الرصيف للشيخ سلمان العودة، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله. للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وعلى الطريق للشيخ علي القرني، وتجدين هذه الأشرطة وغيرها على موقع طريق الإسلام www.islamway.com
واضرعي إلى الله تعالى أن يرزقك زوجا صالحا لتعفي به نفسك عن الحرام. ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، واعلمي أن عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أوفضله أو علمه أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه. فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها. وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم عرضها بعده على أبي بكر رضي الله عنه وذلك حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي رضي الله عنه. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين. {القصص: 27} .
ولا يمنعنك من زواج من ترتضى أخلاقه فقره فإن الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. {النور:32} . وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. {النور:32} .
وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. وقد نقل ابن كثير الأثرين السابقين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
ولمزيد من الفائدة طالعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18654، 9394، 9694، 5450، 29785، 32981.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(9/4396)
العمل الذي يجعله الله تعالى هباء منثورا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مبطلات العمل، فما العمل الذي يجعل العمل الصالح هباء منثوراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من مبطلات العمل الكفر والرياء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن من أكبر مبطلات العمل الكفر بالله، قال الله تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:5} ، وقال في شأن المجرمين: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا* وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:22-23} ، ومن مبطلاته أيضاً الرياء جاء في الحديث القدسي قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
وورد من مبطلاته تظاهر العبد بالصلاح في أعين الناس وانتهاكه حرمات الله إذا خلا، وهذا في معنى الرياء، أخرج ابن ماجه في سننه عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1429(9/4397)
يتوب الله على من تاب وأناب وصدق في توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 33 سنة متزوجة وأحب زوجي وأبنائي لكن اتصل زوج أختي المتوفاة من سنتين وقال بأنه في حالة سيئة ولديه انتفاخ في رجليه وحالته سيئة ويريد من أي إنسانة يتكلم معها حتى يستطيع أن يخرج المني المتكدس في جسمه كما أرشدة الطبيب، علما بأنه متزوج وطلب مني التلفظ بكلمة "أه أه.." فقط ولمدة دقيقتين وقد أخرج الأوساخ كما أفاد، علما بأنه ملتزم جداً جداً وبعد وضع السماعة شعرت بصداع وكأني فعلت جريمة وأنا ملتزمة في كل أمور الدين وقد ساعدته من داعي الشفقة على أولاد أختي الصغار حتى يبقى لهم بعد وفاة أمهم لا غير وهو في بلد آخر وبعيد، وأنا الآن أشعر بالندم الشديد ولا أنام الليل ولم أخبر أحداً وحالتي النفسية سيئة فأرجو منكم المساعدة وتبيان مصيري في الآخرة؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس للشهوة الغريزية أو ما يسمى بالجنسية من متنفس شرعي غير الزوجة، وعليه فلا يجوز لهذا الرجل ما طلبه منك، ولا لك أنت أن تلبي طلبه ذلك بأي قصد، فإذا كان الشارع حرم الخضوع في القول من المرأة للرجل فما بالك بهذا النوع من الممارسات، فلتتوبي إلى الله تعالى ولتعزمي على عدم العود إلى مثل ذلك أبداً، وإذا تبت إلى الله وصدقت في توبتك فإن الله تعالى يقبل توبة التائبين، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فأكثري من الاستغفار، واستري نفسك، ولا تخبري أحداً بماجرى، وليسع الرجل في علاج نفسه بما أباحه الله له من زوجته أو ليتزوج ثانية أو ليواصل الصوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(9/4398)
قصة برصيصا
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد سماعي لقصة العابد برصيص (خطوات الشيطان) قرأت في كتاب جامع العلوم والحكم قصة مشابهة عن عابد أحبط الله عمله لأن العابد في لحظة غضب قال لرفيق له كان مسرفا في العبادة "لن يغفر الله لك".
هل فرط العابد برصيص في شيء ما جعل عمله لا يحصنه من مكر الشيطان؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قصة برصيصا هي من قصص بني إسرائيل،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن قصة الراهب برصيصا قد أوردها بعض أهل التفسير يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالقرطبي -مثلا- ولم نجد لها ذكرا فيما أتيح لنا الوقوف عليه من كتب السنة، التي تعتني بالثابت دون غيره.
وهي من قصص بني إسرائيل التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. ولك أن تراجع في شرح هذا الحديث فتوانا رقم: 9067. وبالتالي فلا نستطيع جوابك عما سألت عنه من قصة برصيصا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(9/4399)
سبيل الوصول إلى مقام الرضى
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي مختصر، ولكني بحاجة إلى جواب شاف (كعادتكم) عليه؟
كيف أحقق الرضا عن الله؟ ، وأطبق الآية: (رضي الله عنهم ورضوا عنه)
أفيدوني أفادكم الله..... وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من أراد الوصول إلى مقام الرضى فعليه أن يستشعر عظمة نعم الله تعالى التي تغمره وتحيط به من كل ناحية، وأعظمها نعمة الهداية إلى هذا الدين العظيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا السؤال وإن كان مختصرا فإن معناه كبير ولكننا نختصره فيما يلي: هذه الآية المذكورة وصف الله عز وجل بها السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان، فقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ {التوبة:100} كما وصف بها أصحاب الإيمان الصادق والأعمال الصالحة ومن خشي الله على العموم، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ {البيِّنة:7-8}
فهؤلاء رضوا عن الله تعالى ورضي عنهم، لاحظوا أن نعمه تغمرهم من كل جهة؛ لاحظوا نعمة الإيجاد ونعمة الهداية، وكل ما يحيط بهم نعمة مسخرة لخدمتهم، استشعروا معنى قول الله تعالى: وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل:78} . وقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا {إبراهيم: 33-34}
فمقام رضى العبد عن ربه مقام رفيع لا يصل إليه إلا أصحاب الهمم العالية، فمن أراد تحقيقه في نفسه لا بد أن يجاهدها ويسير على خطى أولئك القوم المذكورين ويتصف بأوصافهم، فيحقق الإيمان بالله تعالى ويحذر من كل ما يخدشه من أنواع الشرك الظاهرة والخفية وسائر أمراض القلوب ومن الذنوب والمعاصي.
ويحافظ على أداء ما افترض الله عليه ويتقرب إليه بما استطاع من النوافل وأعمال الخير. ويرضى بقضائه، ويستشعر عظمة نعم الله عليه التي تغمره من كل جهة وأعظمها نعمة الهداية إلى هذا الدين العظيم، فقد قال سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ {الزُّمر:7} .
وللمزيد انظر الفتويين: 44176، 74127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/4400)
شكر نعمة النجاح في الامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله نجحت في الامتحانات بتفوق بعد الدعاء لله بالتوفيق والنجاح. أريد أن أعرف كيف أشكر الله؟ وما هي أفضل طريقة لتحميده وشكره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
شكر النعمة يكون بصرفها في مرضاة الله عز وجل، وأفضل ألفاظ الحمد: الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل الألفاظ المأثورة في شكر وتحميد الله تعالى وتمجيده والثناء عليه هو ما ورد في الفاتحة فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: "الرحمن الرحيم" قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: " مالك يوم الدين " قال: مجدني عبدي، فإذا قال: " إياك نعبد وإياك نستعين" قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق. متفق عليه.
ومنه ما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى. رواه النسائي وأحمد.
وأما شكر النعمة فيكون بصرفها في مرضاة الله عز وجل كما قيل:
والشكر صرف العبد ما أولاه * مولاه من نعماه في رضاه
فاحرص بعد النجاح على الاستقامة على الطاعة والبعد عن المعاصي، فلا تتقدم بعد النجاح إلى وظيفة ولا درجة دراسية تحصل فيها المعاصي، وكل ما تستفيده من الشهادة من مال أو غيره وظفه فيما يرضي الله فأنفق على نفسك وأهلك وأرحامك بالمعروف، وتصدق وانفق في وجوه البر، وابتعد عن الإنفاق فيما لم تتأكد من مشروعيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/4401)
تجتهد في الطاعات وتشعر بأنها مقصرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الضيق ودائما أحس بأني مقصرة في ديني، مع أني أصلي الصلاة في وقتها مع النوافل وأقرأ القرآن تقريبا بشكل يومي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فنهنئك على الأعمال الصالحة التي تقومين بها، فحافظي عليها وعلى غيرها من الطاعات إن استطعت. وما تشعرين به من نقص في كمال التوجه إلى الله أو ضعف في المراقبة لعله علامة خير، وسبب يدفع إلى مزيد من الطاعة والمراقبة، وقد اشتكى منه بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك على ما تقومين من الطاعات التي ذكرتها، فحافظي عليها وعلى غيرها إن استطعت، وما تشعرين به من شعور بالنقص في كمال التوجه إلى الله تعالى أو ضعف في المراقبة لعله علامة خير ودافع إلى المزيد من الطاعة والمراقبة، فلأجل ذلك قد اشتكى منه بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح المذكور في الفتوى رقم: 76713.
فهذا من الخوف الممدوح الذي يبعث صاحبه على الإكثار من الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى، لكن لا ينبغي أن يشتد هذا الخوف حتى يصل إلى درجة القنوط الذي يبعث على فتور الهمة عن الطاعة. وللمزيد راجعي في ذلك الفتوى رقم: 52671.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/4402)
الابتلاء بالحرمان هل يعني أن المبتلى لا يستحق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الابتلاء بالحرمان من نعمة يعني أن صاحبها كان لا يستحقها أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ابتلاء الله تعالى لعبده يكون لحكمة يريدها سبحانه وتعالى قد لانطلع عليها، وليس منها أن العبد لا يستحق النعمة..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله- سبحانه وتعالى- يبتلي من يشاء من عباده بما شاء من أنواع الابتلاء لحكمة يريدها، وعلى العبد أن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط؛ فقد يكون الابتلاء لرفع الدرجات أو لتكفير السيئات أو لدفع مكروه.. إلى غير ذلك من الحكم، وليس معنى ذلك أن الشخص لا يستحق ما حرم منه؛ فالدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا من شربة ماء " رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
والابتلاء يكون بالشر ويكون بالخير كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ. {الأنبياء35}
وعلى العبد أن يصبر في حال الشر ويشكر في حال الخير، وفي كلا الحالتين هو رابح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم وغيره.
وانظري للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 10454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(9/4403)
كيف تتوب من تفعل ما لا يليق حين تنفرد بنفسها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي مشكلة خطيرة في نفسي فأنا عمري 27 سنة وغير متزوجة ومنتقبة، ومن الخارج فأنا مسلمة ممتازة يتمنى الناس أن تصبح بناتهم مثلي، ولكن في داخلي أنا أعتبر نفسي إنسانة غير سوية أول ما أكون وحدى أمارس العادة السرية وانزلقت بنفسي إلى مواقع بالإنترنت التي بها تلك الصور الجنسية، وقد تجاوزت التحدث مع أحد الشباب الذين لا أعرفهم بالنت إلى ممارسته معه على الشات، أنا أعرف أني مخطئة لكن المشكلة هي أنني كل مرة أفعل هذا أندم أشد الندم بعدها وأحاول التوبة والاستغفار ولكن ما ألبث إلى أن أعود مرة أخرى وبشدة أكثر من الأول، أحس أني محتاجة لإشباع رغبتي -وقد تزوجت كل من هن فى سني وأنا أحس برغبتي لذلك ثم أندم من جديد- أنا أعلم أني عاصية وأقسم أني أخاف أن أموت وأنا على هذا الحال وأعلم أن الله يمنع نعمه عني بمعصيتي، ولكن للأسف رغبتي قوية علي وبحكم عملي فأنا أستخدم الإنترنت كثيراً، فماذا أفعل أريد التوبة والرجوع إلى الله ولكن كل مرة أرجع بلساني فقط وليس بقلبي، وإذا انقطعت فترة أعود مرة أخرى، فارجوكم أنا بحاجة ليد تنقذني من الجارف الهار الذى اقترب من الانهيار بي- أقسم بالله أنى أريد التوبة والعفة ولكن لا أعرف كيف أخرج من تلك الدائرة، فهل أجد لديكم من يمد لي يد العون؟ وجزاكم الله خيراً.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الواجب أن تخلصي التوبة لله، وتبتعدي عن الإنترنت وتبحثي عن رفقة صالحة، وتواظبي على الدعاء بأن يصرف الله عنك الجموح والأخلاق السيئة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن نفسك من أنك من الخارج مسلمة ممتازة، وعندما تكونين وحدك تمارسين الممارسات التي لا تليق، وتتابعين المواقع الإباحية وتتحدثين مع الشبان ... نقول: ليس من شك في أن هذا لا يليق بالمسلمة التي تريد ثواب الله والدار الآخرة، لكن ما ذكرته من شدة الندم والخوف من أن تموتي على هذه الحال، ومحاولة التوبة والاستغفار هو أمر حسن أيضاً، واعلمي أن التوبة إذا توفرت شروطها من الندم والإقلاع عن المعصية والعزم أن لا يعاد إليها كانت مقبولة عند الله، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبد ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك.. أي: ما دمت تتوب توبة نصوحاً مستوفية الشروط، سالمة من موانع القبول.
والذي يمنع من قبول التوبة هو أن يفعلها الإنسان وفي نيته أن يعود إلى ذلك الذنب، فننصحك أيتها الأخت الكريمة بأن تقطعي الصلة بالإنترنت فالظاهر أنه سبب كبير في ما أنت فيه، وأن تبحثي عن صديقات صالحات يقربنك من الله ويبعدنك عن أماكن الإثم والمعصية، وأن تواظبي على الدعاء في أوقات الإجابة بأن يصرف الله عنك هذا الجموح، وحاولي أن ترجعي إلى الله بقلبك ولسانك معاً، وابحثي عن رجل تتزوجين به ويعفك ويسترك وليكن ذلك البحث بالطرق الشرعية كأن يسعى وليك في عرضك على بعض الشباب الصالحين.
وراجعي في العادة السرية وفيما يساعد على التخلص منها الفتوى رقم: 5524.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(9/4404)
أمور تعين على التخلص من الشعور بالاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف منكم جزاكم الله خيراً حلا لما أنا فيه ... أشعر فى أغلب الوقت باكتئاب ولا أعرف له سببا يمكن أن الناس يعيبون علي قلة جمالي أو جسمي النحيف أو أشياء من هذا القبيل، مع العلم بأني متزوجة ولدي ابنان لكن أحيانا يكون الكلام من أهل زوجي أو الجيران، لكني أعرف أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه وأدعو ربي كثيراً أن يفك عني هذا الكرب.. والسؤال: من أين أعلم أن ما هو أنا فيه ابتلاء أم عقاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تشتغلي بالتدبر في نعم الله وآلائه عليك والنظر فيما أولاك من فضله وعدم الاشتغال بأحاديث الناس وأقاويلهم فأعرضي عنها صفحاً، ومن نم بها إليك فلا تسمعي منه، وأكثري من ذكر الله عز وجل فبذكره تطمئن القلوب، وانتقي صحبة صالحة من الأخوات الطيبات ذوات الخلق والدين، فإن ذلك من أقوى ما يعينك على الطاعة والغبطة بنعم الله وفضائله، ولا نستطيع أن نحكم على ما تجدينه بكونه عقاباً أم ابتلاء، ولكن العقاب في حد ذاته ابتلاء من الله للعبد هل يتعظ فيتوب أم يتمادى؟
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19810، 11735، 23793، 14836، 80780.
هذا وننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بهذا الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1429(9/4405)
لا يلزم أن يكون الابتلاء عقابا من الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله بطفل من متلازمة داون مع أني كنت أعاني من ظروف سيئة، تعلقت به كثيراً مع أني عند ولادته بكيت وشكوت كثيراً مع العلم بأنني جيدة وطيبة وأفعل الخير وأتصدق متحجبة ولكني لست ملتزمة جداً، فهل هذا ابتلاء أم عقاب، ابني الآن مريض وأخاف عليه جداً وأدعو الله أن يحفظه لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يلزم من وجود الابتلاء بالمرض أو الإعاقة أن ذلك ناشئ عن سخط الله على العبد وعقابه له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمدي الله تعالى وتشكريه على ما أنعم به عليك من نعم لا تستطيعين عدها.. وتسأليه المزيد منها والعون على شكرها، وأعظم شكر للنعم هو صرفها في طاعة الله تعالى وفيما يرضيه.
ولتعلمي أن في ابتلاء الله تعالى لعباده في هذه الحياة حكماً بالغة علمها من علمها وجهلها من جهلها ولا يلزم من ذلك سخطه عليهم وعقابه لهم، فربما كان لدفع مكروه أعظم أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة ... فإذا رضي العبد بقضاء الله وقدره كان له الرضى، وإذا سخط كان له السخط، ولذلك فإن عليك بالصبر والرضى بما قسم الله لك، وعليك أن تعالجي ابنك وتسألي الله له الشفاء العاجل.
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59252، 24034، 75670.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(9/4406)
طريق الوقاية من فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في ورطة نريد الزواج ولا نستطيع له بد أقسم أن الفتن في بلدي تأتيني دون أن أذهب إليها نحاول أن نستعين بالصيام، ولكن الأمر يبدو طويل المدى بما فعله أهلنا فينا من تعسير في أمور الزواج وإن وافقوا ابحث لك عن صالحة وإن وجدت سيكون أهلها صالحين لا قدر الله بالله ما نفعل عذراً في أسلوبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقاية من الفتن لا يكفي فيها عدم الإتيان إليها والسعي لها، وإنما يكون بالهرب منها، والفرار إلى الله عز وجل والتمسك بدينه، ونسأل الله لنا ولك الثبات والوقاية من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والخطوة الثانية للوقاية من فتنة النساء خاصة هي الزواج، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالزواج، وخص الشباب بالأمر وبين ما فيه من الوقاية من شر الفتن وهي فتنة النساء، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
فاسع أخي لتحصين فرجك بالزواج من امرأة صالحة تسرك إذا نظرت وتطيعك إذا أمرت، واستعن بالله، ولا تعجز أو تيأس فإن الصالحات كثر، فما عليك إلا أن تبحث وتسأل عنهن، وتستعين بأهل الخير على مساعدتك في البحث والنصح والمشورة، أما مشكلة غلاء المهور فإنها مشكلة خطيرة والشرع يحث على تركها ويرغب في تقليل المهور، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 3074، والفتوى رقم: 31508 فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(9/4407)
الكف عن المعصية من شروط التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أن تجيبوني فإنني حائرة في أمري ... أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة، قبل فترة فعلت ما يسمى عندنا في المغرب بالزواج الأبيض قصد الذهاب إلى أسبانيا وبعدها أتطلق، المشكلة هي أنني كنت أعلم أن الزواج الأبيض حرام ولكن فكرة الهجرة إلى الخارج استحوذت على أفكاري، ولكن سبحان الله بعد فعلي هذا الزواج الأبيض أحسست بندم كبير آلام وحسرات، سيدي بقي الآن 5 أشهر تقريبا لأحصل على الفيزا، مع العلم بأن لي أختا هناك تشتغل ممرضة، سيدي أنا أخشى إذا ذهبت هناك ألا أحافظ على حجابي خاصة وأن أختي أخبرتني أنني عندما أذهب إلى هناك لن أستطيع العمل بالحجاب لأنه مرفوض تماما وخاصة في ميادين العمل، سيدي والله إنني نادمة وأريد من الله التوبة ولا أريد التفريط في ديني، لكن ماذا يفيد ندمي هذا، أرجوكم أفتوني في أمري هذا وادع لي بالمغفرة والرحمة والهدى.. إنني أنتظر جوابكم بفارغ الصبر؟ جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ندمك وحسرتك دليل على شعورك بالخطأ وذلك باعث على التوبة، لكن من شروط التوبة الصادقة الإقلاع عن المعصية، ولا زال ذلك بإمكانك، ويتحقق بترك ذلك الفعل المحرم وعدم السفر إلى تلك البلاد التي لا تستطيعين فيها ممارسة شعائر دينك، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تجدينه من الحسرة والندم هو علامة على شعورك بالخطأ وذلك باعث على التوبة، لكن من شروطها الإقلاع والكف عن المعصية ولا زال ذلك في الإمكان، فعليك أن تكفي عن هذا الفعل وتدعي السفر إلى تلك البلاد التي لا تستطيعين فيها ممارسة شعائر دينك والالتزام بحجابك وعفافك.
فتوبي إلى الله تعالى توبة نصوحاً بالإقلاع عن تلك المعصية والندم عليها والعزيمة على عدم الرجوع إليها، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وهو الرزاق ذو القوة المتين، ومن يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب، فكلي أمر الرزق إليه ولن يضيعك سبحانه، وإذا كنت بحاجه إلى السعي والعمل فابحثي عن عمل في بلدك، وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2007، 41181، 3859، 38645.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(9/4408)
الثبات على التوبة وعدم القنوط من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعتذر لأني غير قادرة أن أتكلم ولن أطيل عليكم، أنا لا أعرف ماذا أقول بالضبط ولكن مشكلتي أني لي ذنوب تبت منها لكني لا أقدر أنساها ودائماً أبكي بسببها وغير مرتاحة أحس دائما أني مذنبة وضميري تاعبني جداً
لكن فى مشكلة أنا ساعات أكون تعبانة بسببها لكن لا أقدر أبكي أخاف يكون هذا عصيان مني وعفواً في اللفظ أخشى أن تكون بجاحة مني عياذا بالله، فأرجوكم حاولوا تبريد ناري التي أنا فيها؟ وجزاكم عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك أيتها الأخت الكريمة هذه التوبة الصادقة، فإن ندم المرء على ذنوبه وبكاءه خوفاً من عقوبتها دليل على صحة توبته، وإذا كان الندم الذي هو جزء من التوبة مطلوباً لأنه شرط لصحتها فأنه مطلوب كذلك من التائب أن يرجو رحمة ربه، ويحسن الظن بالله عز وجل، فالخوف والرجاء جناحان للمؤمن لا يستطيع الوصول إلى الله إلا بهما معاً.
فعليك أن تلزمي التوبة وتكثري من الأعمال الصالحة، وأن لا تقنطي من رحمة الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، والذي كتب على نفسه الرحمة، والذي وعد من تاب وآمن وعمل صالحاً بقبول توبته والتجاوز عن سيئاته، بل وتبديل سيئاته إلى حسنات، قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} ، واحذري من القنوط واليأس من رحمة الله فإن ذلك أشد وأعظم من الذنب نفسه، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} ، وقال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(9/4409)
التقوى ومصاحبة الصالحات مما يعين المرأة على الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت الاستشارات من الأخوات المتعلقة بتأخر الزواج ولقد كانت إجابة حضراتكم تطمئن البال وتشرح الصدر وجزاكم الله كل الخير ووددت أن أضيف اسمي لهؤلاء الأخوات لكي أكسب دعوة من دعواتكم الفاضلة
فأنا مطلقة منذ 8 سنين والحمد لله ملتزمة وأتقي الله ما ستطعت إلا أني أخطأت بأن تعرفت على شاب عن طريق النت ولكنني بعد ذلك ندمت وتبت وأقلعت عن هذا الذنب، وأرجو من الله أن يتقبل توبتي وأتمنى من الله أن أكون واحدة من اللواتي دعوتم لهن وأظفر بدعوة منكم بأن يشرح لي ربي صدري وييسر أمري لي ولأخواتي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بالندم والتوبة من تلك الخطيئة ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يقبل توبتك ويغسل حوبتك ويرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك وتسعد به نفسك في الدنيا والآخرة، ويجعلك من الصالحات القانتات ويهيئ لك من أمرك أرشدا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونوصيك بتقوى الله عز وجل ومجالسة الصالحات والبعد عن الفاسقات، فذلك مما يعينك على الطاعة ويبعدك عن المعصية، وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15219، 72519، 1769، 9463، 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(9/4410)
كيفية التخلص من الكسل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي 4 مشاكل أرهقتني نفسياً
1- لم أتزوج لتاريخه وعمري 37 ولقد تقدم كثر فأنا أحمل شهادة عليا ولا بأس بجمالي فأنا أحب أن أرتبط بمن يعجبني ولكن لا يوجد والحقيقة أنها مشكلة لا تؤرقني كثيرا ولكن بدأت أفكر قليلا مع أني أرى العزوبية أفضل فأنا أخاف الله وأسعى لرضاه.
2- جمدوني وظيفيا فلا يطلب مني أي عمل فقط أذهب لمكان الوظيفة وأعود حيث أدفع كلفة نقل دينار كويتي دون أي عمل فأجلس بين 4 حيطان تارة أقرأ وتارة أشاهد التلفاز وأنتظر موعد الانصراف نفسي قرفت من الوظيفة ولولا حاجتي المادية لتركت.
3- متذبذبة الهوى أعرف الله حق المعرفة ولكن الضيق المستمر أفقدني التوازن فأصبحت تفوتني الصلاة بسهولة وأقضيها وهكذا تتكرر مع أن الطاعات الأخرى ولله الحمد محببة لقلبي وأؤديها أما الصلاة فأنا أكره الماء وأتقاعس مع أنني نظيفة جدا وحريصة على الطهارة.
4- أزاول عملا آخر بعد الوظيفة ومجمل حالتي المادية لا يوجد وفر بل قد اكسر بمبلغ علما أن المادة لا تعنيني كثيرا ولكنني طموحة وجدية لدي مشاريع هائلة تحتاج كلها للمال وأنا لم أستلف أي قرض لتاريخه لحرمته.
أنا طموحة ومؤمنة إن شاء الله أو على طريق الإيمان ولكنني ضجرة للغاية وأصبحت كسولة لدرجة أنني أفضل تناول الكاجو عن البزر وعذرا للمثال ولكن لأشرح واقع الحال ولكن لا يفهم من ذلك أنني لا أعمل لا أنا أعمل لكن بيني وبين نفسي نفسي تعبت وروحي ملت حتى أنني أكون عطشانة وأماطل في الشرب عجزا من تناول قارورة الماء التي تبعد عني مسافة أكثر قليلا من ذراعي.
أرجو النصح والدعاء وجزاكم الله خيرا كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه ليست مشاكل صعبة وإن بدت في عينك ورأيك كبيرة، وربما أن سببها الوحيد هو عدم الزواج وتأخيره، فالعزوبة قطعا ليست خيرا من الزواج مطلقا، ولا ينبغي للمرأة أن تؤخر الزواج متى ما وجدت كفؤا، ومجرد الإعجاب أو الشكل ونحوه لا ينبغي أن يكون عائقا أو سببا للرفض فمحاسن النفس وسمو الخلق ولباس الدين أجمل وهي أولى ما تحرص عليه المرأة في زوجها؛ لأن بذلك قوام السعادة في الحياة الزوجية.
وإذا جاء الزوج فهو المسؤول عن الإنفاق فلا حاجة إلى العمل والكَل، وأما قبله فينبغي الاقتصار على ما يسد الحاجة ويعف عن المسألة وإراقة ماء الوجه إن لم يوجد من الأهل من يتحمل ذلك ويقوم بأعبائه كالأب.
وأما الكسل عن الصلاة فهو من الشيطان، ومن سيما المنافقين، فنعيذك أن تتصفي بذلك. قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً {النساء:142} والصلاة هي عماد الدين، من حفظها حفظ الدين، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فاستعيذي بالله تعالى من تهاونك بها وكسلك عنها، وأقبلي على الله عز وجل بأدائها والمحافظة عليها، واستعيذي به من الكسل كما كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه فيقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل. متفق عليه.
وللوقوف على تفصيل ذلك كفضل الزواج والمبادرة إليه وما يعين على النشاط والتخلص من الكسل انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77030، 30432، 62008، 51414، 13105، 6121، 76055، 10943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(9/4411)
علاج التقصير في طاعة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنا أصلى الصلوات في أوقاتها وأحاول أن أواظب على سنن الصلاة وعلى قيام الليل وأنا على هذا الحال منذ فترة. ولكني أشعر أنني في بداية تقربى إلى الله كنت أتقدم بصفة مستمرة من حجاب وحرص على الصلاه في أوقاتها وكنت دائمًا في تقدم ولكني الآن أشعر أني لا أتقدم وأني على نفس حالي منذ فترة طويلة وأشعر أن كل من حولي يعلو يتقرب إلى الله ويسبقني وأنا حالي كما هو عليه ولا أعلم ماذا أفعل. أرجوكم أجيبوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الشعور بالتقصير في الطاعة هو في ذاته أمر إيجابي منك ما لم يقعد بك عن العمل والإصلاح من شأنك
وإنما يكون ذلك بأمور أهمها:
1- صحبة الأخيار والصالحين وترك مجالسة أهل المعاصي والغفلة عن الله، قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. {الكهف28}
2- عدم التوسع في المباحات من أكل وشرب ونوم ولهو.
3- المحافظة على الأذكار في الصباح والمساء ومنها الاستعاذة بالله من شر الشيطان وشركه والاستعاذة بالله من العجز والكسل.
4- حمل النفس على الطاعة فإنه من يتصبر يصبره الله، وأهم ذلك الصلاة في أول وقتها وأداء السنن الراتبة.
5 - محاسبة النفس على تقصيرها أولا بأول.
6- الإكثار من تلاوة القرآن مع التدبر وقراءة تفسيره فهو من أصلح ما يكون للقلوب.
7- الإكثار من ذكر الموت وما بعده من قبر وحساب وصراط وميزان أعمال وتسلم صحف الأعمال والنار.
8- طلب العلم الشرعي ومدارسته مع أهله.
9- الصدقة والإحسان للناس خاصة المحتاجين والمكروبين وأولي الحقوق عليك فلذلك أثر وأي أثر على شرح الصدور والتوفيق للخيرات والوقاية من مصارع السوء.
10- الدعاء والابتهال إلى الله بـ" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك" وبـ "يا ذا الجلال والإكرام" وبـ " اللهم آت نفسي هداها وزكها أنت خير من زكاها".
وأسال الله لي ولك أن يعيننا على طاعته وحسن عبادته وأن يصلح قلوبنا ويحسن خاتمتنا.
وللفائدة راجعي الفتويين: 17666، 28988.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(9/4412)
علاج الخوف وهل هناك ذكر يقوله من خاف والديه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن من خاف من والديه بأن يقول (دخلت عليك بلا إله إلا الله وألجمت فاك بلا حول ولا قوة الا بالله) وإن كانت صحيحة فهل يقولها في سره أم بالصوت المرتفع هذا السؤال الأول.
أما الثاني فأنا أعاني قلقا وخوفا من الامتحانات فهل هنالك نصائح تقدمونها لي وما هي الأذكار عند الخوف.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نقف على الدعاء المذكور، وعلاج الخوف يكون باللجوء إلى الله والاستقامة على طريقه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على أصل للدعاء المذكور، وعلاج الخوف يكون باللجوء إلى الله تعالى وتوحيده وطاعته والتوكل عليه ودعائه..
ومن ذلك قول حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف. رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان.
وفي صحيح البخاري: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
ومنه: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. رواه الحاكم في المستدرك.
ومن الأدعية المعينة على تسهيل الأمور ومنها الامتحانات: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزن إذا شئت سهلا. رواه ابن حبان في صحيحه وابن السني في عمل اليم والليلة وغيرهما وصححه الألباني.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 42901، 21259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(9/4413)
أجر احتساب الطفل إذا مات وشفاعته لأبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[مات لي ولد غرقا فكان أول ما نطقت به أن حمدت الله وقد كان هذا الولد البكر لدي إذ يبلغ من العمر ثلاث سنوات لذا فقد كنت أحبه حبا لا يماثله حب، ف ما أجر المحتسب وكيف يشفع هذا الصغير لوالديه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من مات ولده فاحتسبه عند الله تعالى شفعه فيه وأدخله الله بذلك الجنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعظم أجرك ويحسن عزاءك، ولتبشر بخير فإن من فقد حبيبه من أهل الدنيا فحمد الله واسترجع واحتسبه عند الله تعالى بنى الله بيتاً في الجنة وسماه بيت الحمد، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة. رواه البخاري وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وغيره.
والأطفال يشفعون لآبائهم يوم القيامة فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فياخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى أو قال فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(9/4414)
مسألة حول ارتكاب المعاصي اتكالا على رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ننصح بعض الأناس الذين يرتكبون بعض المعاصي كالذهاب إلى السينما وسماع الأغاني وعدم غض البصر، يقولون بأن الله غفور رحيم وسيرحمنا، فما قولكم لهؤلاء وبم تنصحونهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن الله تعالى غفور رحيم، ولكن ارتكاب المعاصي اتكالا على رحمة الله وغفرانه، هو من الجهل البين، وهو من أمن مكر الله الذي قال الله عن أصحابه: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {لأعراف:99}
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل -: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى " رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4415)
الإخلاص والرغبة في الحصول على مثل ما عند الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله إني أعاني من مشكلة تؤرقني صراحة، وأظنها مشكلة نفسية بحيث إذا رأيت شخصا أفضل
مني في أي شيء أسعى لأكون مثله أو أفضل ولله الحمد إن شاء الله إنها غبطة وليست حسدا ولكن المشكلة أني مثلا أعرف زميلا لي اقترب من حفظ القرآن كاملا فبقيت وأنا أحترق بداخلي كيف يحفظ القرآن وأنا لا أحفظه؟!
لذا عزمت ودخلت حلقة تحفيظ قرآن وحفظت ولكن أخاف أن يكون حفظي هذا ينطبق عليه أني تعلمت ليقال عالم فهل يدخل هذا الشيء ضمن أنواع الرياء وماذا عن الأجر؟
هل يذهب وذلك لسوء النية؟
ويعلم الله أن أتمنى لو أخلصها له ولكن المشكلة كما ذكرت آنفا أني لا أستطيع رغما عني فهذا من طبعي فمثلا تعرفت على شخص بارع في (الرياضيات) فعزمت على أن أقرأ كتب الرياضيات التي أملكها في إجازة الصيف المقبلة فهل ينطبق نفس الكلام على هذا؟
اختصارا أتمنى أن ترشدوني لطريق إخلاص النية لأني أعلم أن الآخرة خير مقيلا ومكانا من الدنيا ولكن رغما عني وأنا خائف على ذهاب أجر هذه الأعمال كلها هباء فأرشدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
طريق الإخلاص الاستعانة بالله واستشعار خطر الرياء ومجاهدة النفس..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإخلاص ويجنبنا الشرك ما ظهر منه وما بطن، ولتعلم أن الإنسان بطبيعته- في الغالب- يحب أن يتفوق ويكون أحسن حالا وأكثر علما من غيره ويكره أن يكون أحد فوقه أو أحسن منه حالا، ويظهر هذا في الأقران أكثر، فينبغي للمسلم أن يلجم هذه الغريزة بلجام الشرع ولا يحمله ذلك على الحسد لمن أنعم الله عليه، ولا مانع من الغبطة وهي تمني حصول مثل ما عند الآخرين من النعم، وتكون مسابقتهم في ذلك من باب المسابقة إلى الخيرات والمسارعة إليها التي أمر الله بها وكان الصحابة والسلف الصالح يفعلونها، وفضل الله واسع يؤتيه من يشاء من عباده.
ولذلك فما دام سعيك في الحصول على مثل ما عند الآخرين دون أن تتمنى زوال النعمة عنهم فهذا لاشيء فيه.
ولكن لا ينبغي أن يكون قصدك مجرد الحصول على هذا العلم لأن فلانا من الناس حصل عليه أو ما أشبه ذلك؛ فعليك أن تقصد بهذا العمل وجه الله تعالى وتستغل هذه الرغبة في الحصول على العلم أن تعمل به في نفسك وتنفع به أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال لا يجوز لك أن تترك طلب العلم أو غير ذلك من الأعمال الصالحة خشية الرياء فقد قال أحد السلف: العمل للناس شرك، وترك العمل لذلك رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما، وقال بعضهم: تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله، والمقصود بهذا علم الوحي وما تعلق به لما فيه من الترغيب والترهيب والوعد والوعيد ...
ومما يعينك على الإخلاص: مجاهدة النفس واستشعار خطر الرياء وأنه من الشرك المحبط للعمل، ومنه الدعاء فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً نتخلص به من الرياء، فقد روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه؟ وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 19043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4416)
الخسارة الحقيقة هي خسران الدين لا الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[سلام عليكم يا إخوة الايمان وكرم الله وجوهكم
أنا طالب جزائري قد ذهبت للدراسة بفرنسا وأنا أدرس علم الأحياء الذي جعلني أدرك عظمة الله وقدرته ولكني واجهت صعوبات خاصة من الجانب النفسي وقد تحصلت على نقاط رديئة ولكن في نفس الوقت هذه الظروف الصعبة جعلتني أتقرب من الله أكثر فأكثر حيث أصبحت أذكره كثيرا وأناديه وأصلي وأصبح ديني أفضل مما كان عليه.
وسؤالي هو هل هذه الخسارة يمكن أن يكون الله تعالى قد كتبها لي حتى تكون سببا في توبتي? فإنني أحيانا ألوم نفسي لأنني فشلت ثم أقول: لا يجب أن أحزن فربما قد كتب الله لي هذا، فهل أنا على حق في قولي هذا?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم اعلم أخي السائل أن الدين هو رأس مال المسلم، وأن الخسارة الحقيقة للمرء هي خسران الدين وليست خسارة الدنيا، ورحم الله من قال:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بضائر.
ومن قال:
الدين رأس المال فاستمسك به * فضياعه من أعظم الخسران.
وما دمت قد استقمت على طاعة الله وازددت تقربا إليه فأنت على خير إن شاء الله، ولم تخسر شيئا، واعلم أن كل شيء في الكون يجري بقضاء الله تعالى وقدره، ففشلك في الدراسة قضاء قضاه الله وقدر قدره لحكمة عظيمة قد تكون لأجل أن تتوب أو غير ذلك من الحكم التي قد تعلمها وقد تجهلها، والمهم هو أن تصبر على قدر الله ثم لتجتهد في الطلب والدراسة، واستعن بالله تعالى ولا تيأس، وابذل أسباب النجاح تنجح بإذن الله، فإن عجزت فلا تعط الأمر أكبر من قدره ولا تعده خسارة كبيرة، فالخاسر حقا هو من يخسر نفسه يوم القيامة. قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الزمر: 15} وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ {الشورى: 45} والخاسر حقا هو من حرم من رحمة الله تعالى: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف:23}
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 44779، 44779، الفتوى رقم: 98383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4417)
التوبة من الكذب على الصديقات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية قمت بخداع صديقاتي وأخبرتهن بأن لدي صديقا خارج البلاد وبدأت أخبرهن بقصص غير حقيقية أشعر الآن بكثير من الندم وأعاني صعوبة في التركيز والنوم واخشى مصارحتهن فأفقد ثقتهن ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمدي الله أن انتبهت لنفسك وندمت على تلك المعصية وهي الكذب والتظاهر بارتكاب تلك العلاقة المحرمة، وليس عليك الآن سوى أن تقلعي عن هذا الذنب وتعزمي على عدم العودة لتكون توبتك كاملة، إذ أن هذه هي شروط التوبة الصحيحة، ولا يلزمك إخبار صديقاتك بأنه ليس لك صديق وأنك كنت تكذبين عليهن، وإن سألنك عن هذا الصديق فقولي قد علمت أن العلاقة بين الشاب والشابة حرام، فتبت إلى الله عز وجل وأنت تقصدين توبتك من الكذب، وراجعي الفتوى رقم: 10522 عن حكم الصداقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه لتعلمي أنها أمر محرم لا يقره الإسلام، فلو كان أمرا واقعا لكان محرما، ويجب على المسلم الكف عنه والستر على نفسه، فكيف يسوغ له أن يدعيه كذبا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4418)
تابت من العلاقة الآثمة فهل ستحاسب عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت على علاقة بزميل لي في الجامعة وذلك لمدة سنتين وهو إنسان ملتزم ولقد كانت جدية أي كان ينوي الزواج بي لكن الظروف المادية حالت دون ذلك وكان الفراق، الآن أنا نادمة على تلك العلاقة لأنها كانت في إطار غير شرعي وضميري يؤنبني دائما وأشعر باحتقار تجاه نفسي، وأشعر أن الله غير راض عني وهو الآن يحاسبني بأني لحد الآن لم يأت أحد لخطبتي لكن رحمته تجعلني أثق بقدرته على أن يجعل لي الخير حيث لا أدري سؤالي هل يحاسبني الله على إقامة هذه العلاقة رغم نهايتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا تجوز إقامة علاقة من هذا النوع بين رجل وامرأة خارج إطارج زوجية، وإذا تاب المرء من الذنب كان كمن لا ذنب له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ليس من شك في أن علاقة المرأة بالرجل -على النوع المعروف الآن- خارج إطار زواج مشروع تعتبر منكرا من المنكرات، وهي زنا بالمعنى العام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وفي رواية لمسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستمتاع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. ..
وقد يكون ما ذكرته من العلاقة هو السبب في تأخر خطبتك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه.
فالواجب أن تتوبي إلى الله من جميع ما كنت قد اقترفته، وما ذكرته من الندم يعتبر خطوة جيدة إلى التوبة.
وإذا أخلصت التوبة إلى الله فإنه سيغفر لك ذنبك؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث الشريف.
ونسأل الله أن يقبل توبتك ويغفر لنا ولك، إنه على ذلك قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4419)
الجمع بين الخوف والرجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا وبحثت عنه لكي أعرف صحته وفشلت، وأرجو منك المساعدة في معرفه صحة الحديث..
دخل عمر بن الخطاب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يبكي فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما يبكيك يا عمر؟ فقال يا رسول اللَّه بالباب شاب قد أحرق فؤادي وهو يبكي، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عمر أدخله عليّ؟ قال: فدخل وهو يبكي فقال له رسول اللَّه ما يبكيك يا شاب؟ قال: يا رسول اللَّه أبكتني ذنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان عليّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أشركت بالله شيئاً يا شاب؟ قال لا، قال أقتلت نفساً بغير حق؟ قال لا، قال فإن اللَّه يغفر ذنبك، ولو كان مثل السموات السبع والأرضين السبع والجبال الرواسي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبعد البحث فيما بين أيدينا من كتب السنة وغيرها ولاسيما كتب الحديث المعتمدة كالكتب التسعة وغيرها لم نجد لهذا الحديث ذكرا.
وأما ما ورد فيه من الدلالة على سعة رحمة الله ومغفرته للذنوب فثابت بنصوص أخرى في الكتاب والسنة. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ومن ذلك أيضا ما روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
وننبه بهذه المناسبة إلى أنه ينبغي للمسلم أن يكون في هذه الحياة بين الخوف والرجاء يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه،
ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 21032، 30385.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/4420)
غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 38 سنة، كنت في صغري قد ارتكبت الكثير من المعاصي، أهمها أنني لم أكن أصوم رمضان، ولو صمت لا أستطيع رد الدين، لا أستطيع ولا أحتمل قراءة القرآن قمت بعملية زنى وقتلت نفسا بريئة أخطأت نعم لكني سعيت جاهدة لكي أحافظ عليه بزواجي لكن دون جدوى ويقال إنني كان بي لبس من الشيطان، قمت برقية شرعية استطعت أن أغير الكثير من حياتي أهمها أنني صرت أرفع المصحف أقرأ فيه، استطعت أن أختمه في رمضان مرتين لكن السؤال الذي أريد أن أطرحه:
1- هل يغفر لي الله سبحانه وتعالي كل الخطايا التي ارتكبتها خاصة قتل النفس، حتى وأنني سعيت في مرة من المرات أن لا أترك فتاة شابة أن تقتل نفسها؟
2 - وهل يعتبر هذا عتق رقبة التي تكفر لي قتل النفس إن شاء الله؟
3- وهل يغفر لي الله عدم صوم رمضان عندما كنت شابة صغيرة، رغم أنني لم أكن في أتم وعي؟
أني أحاول جاهدة الصوم، والصلاة في بعض الأحيان أتغلب على الشيطان ووساوسه لكن مرات كثيرة أتكاسل وكأنني لست أنا من تفكر، أبكي أحيانا كثيرة على حالي في الليل والناس نيام، وعندما أكون وحدي، أحاول جاهدة أن أغير ما بنفسي لكن دون جدوى، أرجوك سيدي أن تساعدني بالإجابة السريعة والأكيدة إنني أكاد أجن، خاصة قتل النفس التي حرم الله والزنى أحاول جاهدة أن أتجنبه لكن تجدني في كل مرة أنساق نحوه ولو في الهاتف المهم أنني أمارسه.
هل أجد العفو من الله إن تبت واستغفرت ورجعت إليه، دلوني على الطريقة الصحيحة، أنا لحد اليوم لم أتزوج أظنه عقابا من الله على الذنوب التي اقترفها، لكن والله أنا لم أكن في وعيي أثناء اقترافي تلك المعاصي، والدليل أنني كنت لا أحتمل حتى من يقرأ القرآن أمامي أصاب بصداع كبير، ودوخة لو أستطيع أن أضرب الشخص الذي يقرؤه لضربته.
ما هي مشكلتي الحقيقية، هل هي ضعف في الإيمان فقط أم أنني فعلا مريضة؟
ساعدوني أرجوكم؟ أريد أن ألقى الله وهو راض عني دلوني على الطريقة المثلى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التوبة الصادقة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وما ذكرت من الخوف الشديد من الله، والندم على ما فات والبكاء من خشية الله، وحب الاستقامة وبلوغ مرضات الله أمور حسنة إذا أتبعت بفعل الحسنات، وترك السيئات، وعدم اليأس من رحمة الله. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}
وقال سبحانه في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء. رواه ابن حبان.
فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته. وفي صحيح الحاكم عن جابر: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: واذنوباه واذنوباه! مرتين أو ثلاثاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها، ثم قال له: عد فعاد، ثم قال له: عد فعاد، فقال له: قم فقد غفر الله لك. وفي هذا يقول بعضهم:
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر، أعظم الأشياء في جنب عفو الله يصغر!. (جامع العلوم والحكم 2/46) .
وفي الصحيح أنه غفر لمن قتل مائة نفس لكونه تاب إليه صادقا، فتوبي إليه صادقة وأريه من نفسك خيرا، واعلمي أنه يغفر جميع الذنوب مهما كانت وعظمت لمن تاب إليه، ولو عاد إليها دون إصرار منه ثم تاب فإنه يتوب عليه.
وقد بينا حكم قتل النفس البريئة ووزر فاعله وأن الله يقبل توبة القاتل إن أناب إليه وكيفية توبته، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 47073، 1872، 1940، 22713.
فإياك والقنوط واليأس من رحمة الله ومغفرته فقد حذرنا سبحانه من ذلك فقال: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف:87} فالمسلم الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فيرجو رحمة الله ويخشى عذابه، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ. {الزمر:9}
ومن هنا فإننا ننصح الأخت الكريمة بالإكثار من ذكر الله، فبذكره تطمئن القلوب، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. {الرعد:28}
كما أنه يذهب الهم والغم والكرب ويؤنس في الوحشة، إلى غير ذلك من فضائل الذكر. كما ننصحك بمصاحبة الصالحات فإنهن يعنك على طاعة الله والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه. وأما تأخير الزواج فقد يكون عقوبة من الله لك على تقصيرك في جنبه، والمرء يحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه، وقد يكون لغير ذلك.نسأله سبحانه أن يرزقك زوجا صالحا تقر به عينك وتسعد به نفسك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بهذا الموقع.
ولمعرفة حكم ما فاتك من رمضانات وكيفية التوبة الصادقة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3247، 5074، 1940، 49228، 102857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(9/4421)
السكينة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة الاستشارة رقم 2170347 والموضوع قرأته في ركن المركز الإعلامي وهو بقلم الدكتور سعيد عبد العظيم وعنوانه السكينة وصف الأنبياء والصالحين وقد ذكر فيه آيات السكينة وما لها من فوائد ولكنه لم يذكرها، وأريدكم جزاكم الله أن ترسلوها لي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على المقال المذكور لفضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم ولا على الآيات المشار إليها بأنها آيات السكينة، والقرآن الكريم أعظم الذكر وكله مبارك تتنزل السكينة عند تلاوته، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ... رواه مسلم.
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن البراء بن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال تلك السكينة تنزلت للقرآن. وهذا لا يعني أن السكينة تتنزل فقط عند قراءة سورة الكهف بل لكونها من القرآن كما يشير إليه لفظ الحديث، ولعل الآيات التي أشارت إليها الأخت السائلة على وجه الخصوص بأنها آيات السكينة ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين حيث قال: وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع:
الأول قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ.
الثاني قوله تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
الثالث قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
الرابع قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.
الخامس قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا.
السادس قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها -من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة- قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة، وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه. فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطمأنينته.. انتهى كلامه مختصراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/4422)
ذكر المغني بما فيه من المنكر هل يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قام أحد زملائي بإطلاعي على أحد المطربين المعروف عنهم التغنى بكلمات العشق والهوى والظهور فى الكليبات فى أوضاع مخجلة وهو يقرأ القرآن بصوته ولا أنكر له حسن الصوت لكنني وجدتني مندفعا بشكل تلقائي في رفض أن أستمع للقرآن من فم هذا المطرب، بل ونهرت صديقي على احتفاظه بهذه التلاوة لذلك المغني، والسؤال: ما هو التصرف الشرعي تجاه هذه التلاوة، وهل يجوز لي مهاجمة ذلك المطرب أما إن ذلك يعتبر من الغيبة، وهل يجوز لي نهي زميلي عن الاستماع لها، فأنا أخشى أن أكون قد اغتبت ذلك المطرب وأن أكون أثمت بطلبي من زميلي أن يمسح هذه التلاوة من جهازه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب تغيير المنكر حسب الاستطاعة، وليس من الغيبة ذكر فسق المرء إذا كان مجاهراً به، وقراءة المغني للقرآن تعتبر أمراً حسناً إذا لم تكن بألحان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
للرد على هذا السؤال يجب ذكر ما يلي:
1- أن تحسين الصوت بالقرآن ممدوح، فقد ورد في الحديث الشريف: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. متفق عليه. بخلاف قراءة القرآن بالألحان فقد قال كثير من أهل العلم بتحريمها، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 37029.
2- أن الغناء إذا كان بآلة موسيقية فإنه حرام، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 50155، ويتأكد التحريم إذا اشتمل الغناء على كلمات العشق والهوى ونحوها.
3- أن من رأى منكراً وجب عليه إنكاره حسب طاقته.
4- أن ظهور المغني في الكليبات ونحوها يعد مجاهرة بالفسق، وبالتالي لا يكون ذكر صاحبه به من الغيبة، فقد ذكر العلماء رحمهم الله المواطن التي تجوز فيها الغيبة، وعدوا منها المجاهرة بالفسق، قال أحدهم:
القدح ليس بغيبة في ستّة * متظلّم ومعرِّفٍ ومحذّرِ
ولمُظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن * طلب المعونة في إزالة منكرِ
فالحاصل -إذاً- أن من واجبك الإنكار على ذلك المغني، وتغيير منكره حسب ما في وسعك، وأنه ليس من الغيبة ذكر ما هو فيه من المنكر طالما أنه مجاهر به، وأن قراءة هذا المغني للقرآن تعتبر أمراً حسناً إذا لم تكن بألحان، وفي الحالة المشروعة لا ينبغي أن تطلب من زميلك مسحها من جهازه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/4423)
هل الرزق يتبع الإنسان أينما كان
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. الرزق مكتوب من عند الله تعالى، فهل للإنسان أن يسعى إليه، إذا العبد لم يبحث عن رزقه فهل الرزق يبحث عن الرزق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الرزق كالموت يتبع الإنسان أينما ذهب فهل صحيح، فهناك العديد من الشباب الذين يهاجرون من بلدانهم بحثا عن المال فهل يحصلون عليه إن سعوا إليه في بلدانهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الرزق مقدر لصاحبه، ولن يجد امرؤ إلا ما قدر له، سعى أو لم يسع، ولكن الناس متعبدون بالسعي والتكسب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع ما يحصل في الكون إنما يحصل بقضاء الله وقدره ومن ذلك الرزق، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} ، وقال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... {الزخرف:32} ، وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس. فكل شيء كتبه الله تعالى وقدره وسبق علمه به.
واللفظ الذي تزعم أنه حديث وتسأل عن صحته فإنا لم نقف عليه في شيء من كتب السنة، ولكنه قد وردت في معانيه أحاديث، فقد أخرج ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته. قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود، والحديث صححه الألباني، والإنسان مطالب بأن يسعى ويتكسب، وهو متعبد بذلك، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. رواه الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
ورغب صلى الله عليه وسلم في الاستغناء عن الناس والقناعة وعدم توقان النفس إلى ما عند الناس، وذم صلى الله عليه وسلم السؤال، قال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري.
وقال: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والخلاصة أن الإنسان لن يجد إلا ما قدره الله له من رزق، سواء سعى في ذلك أو لم يسع، ولكنه متعبد بالسعي والتكسب بالطرق المشروعة، وليس معنى هذا أنه إذا لم يسع فلا بد أن يجد رزقاً، بل قد لا يجد في هذه الحالة رزقاً، ولكن ذلك هو المقدر له، ولو سعى ولم يكن مقدراً له أن يرزق فإنه لن يجد شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/4424)
الطريق إلى فهم النفس ونيل السعادة في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحس أني بعيدة عن الله أريد أن أتغير لكني عاجزة عن فهم نفسي وفهم من حولي فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
استعيني بالله ولا تعجزي، وعليك بالمحافظة على الفرائض وما استطعت من النوافل وأعمال الخير، وصحبة الصالحين والبعد عن الفاسدين وبئاتهم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح حالك وأن يرزقنا وإياك حبه والقرب منه والعون على طاعته والاستقامة على طريقه والأنس بذكره..
ولتعلمي أن من يريد أن يغير حاله إلى الأحسن لابد أن تكون له إرادة قوية ونية صالحة وعزيمة صادقة.. وأن يتخذ لذلك الأسباب اللازمة من تجديد التوبة والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، والبعد عن أصدقاء السوء والبئات الفاسدة واستبدال ذلك بأهل الصلاح والاستقامة وبئات الخير..؛ فإن الله عز وجل يقول في محكم كتابه إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ الرعد: {11} .
ولذلك فنحن ننصحك بالاستعانة بالله تعالى أولا وأخيرا، وأن تلجئي إليه في السر والعلانية وتكثري من ذكره ودعائه والتقرب إليه بالمحافظة على فرائضه وما استطعت من النوافل وأعمال الخير، ففي الحديث القدسي:.. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... الحديث رواه البخاري.
والذي يريد أن يفهم نفسه..لا بد أن يفهم حقيقة الهدف من وجوده في هذه الحياة وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} .
فإذا فهم هذه الحقيقة واتصل بخالقه اطمأن قلبه واستقام أمره وصلح حاله وسعد في الدنيا والآخرة، وإذا أعرض عنه وانشغل باتباع الهوى وملذات الحياة وشهواتها فسيبقى في قلق وحيرة وشقاء دائم حتى يعود إلى ربه وخالقه، قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى طه:123-124}
فاستعيني بالله تعالى ولا تعجزي وتذكري قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ {فصلت:30-32}
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 1208، 28748.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/4425)
السبيل إلى ضبط غريزة الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أستطيع أن أصبر على شيء، فإن استفزني أحدهم أرد عليه بالشتم ولا أستطيع أن أصبر عليه حتى ولو كانت مزحة من أحدهم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالصبر والحلم والأناة، وتذكر ما أعد الله من الثواب لعباده الصابرين، وعالج ما تجده بالذكر والاستعاذة والوضوءْ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغضب غريزة جبل عليها كل إنسان، وعلى المسلم أن يضبطها ويحذر من عواقبها الوخيمة ويعالجها بالصبر والحلم والأناة.. فإن الصبر بالتصبر والحلم بالتحلم..
ولذلك فإن علاج ما تجده يكون بضبط النفس وكف اللسان واجتناب المزاح وكلما ما يؤدي إلى الانفعال من المجالس والمواضيع والأحاديث..
وإذا وجدت شيئا من الغضب فتصبر وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وغير حالك، وإذا استطعت أن تتوضأ فافعل وتذكر قول الله تعالى في صفات عباده المتقين: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران134} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه عندما طلب وصية جامعة فقال له: لا تغضب - فردد مراراً، وفي كلها يقول له صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. رواه البخاري.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل انظر الفتويين: 17652، 58273، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/4426)
أخطأت فدرست مادة غير مادة الامتحان فهل هو ابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت أقدم امتحانات نصف الفصل فدرست امتحان علوم بدل من المادة التي علينا مع أن ابنة عمي ساكنة في العمارة نفسها دائما تأتي لتسألني لتعرف الامتحان من أي صفحة يعني إلا في امتحان الذي درسته بدل من امتحان آخر ولم أنظر إلى البرنامج فهل هذا ابتلاء من الله، فأنا أصلي وأصوم وأصلي صلاة الفجر حاضراً والحمد لله وأصلي نوافل. قيام الليل لا أصليه مع أني أتمنى أن أقوم لأصليه، فهل الذي حدث معي هذا ابتلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن ما حصل لك هو من الابتلاء، وقد يكون بسبب ذنب ارتكبته أو لرفع درجاتك أو لاختبار ما تكونين عليه من الصبر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن الابتلاء هو الاختبار والتمحيص يقول الإمام البخاري في صحيحه: الابتلاء والتمحيص من بلوته ومحصته أي استخرجت ما عنده، يبلو يختبر (مبتليكم) مختبركم ... انتهى.
والابتلاء تارة يكون: لتكفير الخطايا ومحو السيئات، كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
ولرفع الدرجات وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري. قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر الناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.
ولتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:2-3} ، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتارة يكون الابتلاء عقاباً للمؤمن على بعض الذنوب، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، فمن هذا القدر يتبين لك أن الذي حصل لك هو ابتلاء، وأنه قد يكون لسبب ذنب ارتكبته أو لرفع درجاتك أو لاختبار ما تكونين عليه من الصبر ... وعليك أن تصبري لتنالي أجر الصابرين، فقد جاء في الحديث الشريف: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(9/4427)
كيفية نصح الكذاب وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقكم الله لما يحب ويرضى وسدد الله خطاكم ... وجزاكم الله خيراً وجعله في ميزان حسناتكم إن شاء الله.. كيف أنصح الكذاب وما هي الطرق الشرعية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كيفية النصح تكون بالرفق واللين وبيان الحكم الشرعي وأدلته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب من خصال المنافقين المذمومة والمحرمة كما في الحديث المتفق عليه: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. وسبق بيان حكمه وأقسامه في الفتوى رقم: 26391.
وكيفية النصح للكذاب أو لغيره ممن عنده انحراف عن شرع الله تعالى تكون بالرفق واللين وتبيين الحكم الشرعي والنصوص التي تدل على ذلك، وترهب من ارتكابه وتبين سوء عاقبته. والأفضل أن يكون ذلك سراً إذا كانت لشخص معين فذلك من الدعوة بالحكمة. وقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، وقال الحكيم:
تعمدني بنصحك في انفراد * وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع * من التوبيخ لا أرضى استماعه
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 13288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(9/4428)
جيران الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم جيران الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من أسباب مجاورة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجنة حب الله ورسوله ولزوم طاعته وكفالة اليتيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جيران الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة هم أحبابه الذين آمنوابه وأطاعوا الله ورسوله، قال الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. {النساء69} .
وقال صلى الله عليه وسلم: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. وأشار مالك بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
وفي الصحيحين: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بشيء أشد فرحاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(9/4429)
تأخير التوبة.. أمر مصادم للشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب طالب علم في السنة الثانية من الباكلوريا وهذه السنة صعبة جداً.. لكن مشكلتي أني صاحب معاصي وذنوب كثيرة وأنا في شوق شديد للتوبة إلى الله أريد أن أتوب وأحتاج حقا إلى التوبة لأني أشعر بأن حياتي لا معنى لها من دون توبة.. ولكن والداي ينهياني بشدة عن التوبة لأن هذه السنة الباكلوريا صعبة جداً ويأمراني أن لا أتوب حتى يأتي الصيف وأتوب في الصيف ولا أتوب الآن بل أنتظر حتى يأتي الصيف.. والله أنا أريد أن أتوب ولكن لولا رفض والداي لتبت الآن ولما انتظرت الصيف فماذا أفعل، والله أنا أريد التوبة ولولا رفض والداي لتبت الآن ولما انتظرت حتى الصيف لأني مشتاق إلى التوبة فماذا أفعل، فهل أتوب الآن أم أنتظر إلى الصيف ثم أتوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تجب عليك المبادرة بالتوبة ولا يجوز تأخيرها لأي سبب من الأسباب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.. {التحريم:8} .
وقال تعالى: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} .
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} . فبادر بالتوبة -أخي الكريم- قبل فوات الأوان فمن يضمن لك أنك تعيش إلى الصيف بل إلى غد..
واعلم أن التوبة إلى الله تعالى والاستقامة على طريقه هي التي تذلل لك بعون الله كل العقبات وتسهل عليك كل الصعوبات، وتمنحك بإذن الله السعادة في الدنيا والآخرة، وأن الانحراف والإعراض عن طاعة الله تعالى سبب للبلايا والشقاء في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:123-124} ، فلا قيمة لهذه الحياة بدون صلة بالله عز وجل، ومن الذي يستطيع أن يحول بينك وبين التوبة إليه تعالى والصلة به والاستقامة على منهجه وهو القائل في محكم كتابه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186} ، فلا طاعة لوالديك في هذا الموضوع ولا دخل لهما فيه، ولا يجوز لك أن تؤخر التوبة بناء على طلبهما أو لأي سبب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وغيره.
ولهذا فنحن نوصيك بتقوى الله تعالى والمبادرة إلى التوبة، كما نوصيك ببر أبويك والرفق بهما والإحسان إليهما وطاعتهما فيما لا يخالف الشرع.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 33564، 15628.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(9/4430)
التقوى هي وصيته تعالى للأولين والآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة عمري 15 سنة أريد أن تنصحوني بكل شيء فهل هذا ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بتقوى الله عز وجل وهي وصيته للأولين والآخرين كما قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا {النساء 131}
فاتق الله تعالى فلا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، ومما يعينك على ذلك طلب العلم الشرعي وتعلمه، ومعرفة الحلال من الحرام، ومصاحبة الصالحات والبعد عن الفاسقات قال سبحانه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف 28}
وذلك لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، فلا تصاحبي إلا من تذكرك مصاحبتها بالله وتعينك على طاعته، وننصحك بالتواصل مع هذا الموقع وغيره من المواقع الإسلامية والدعوية التي يعرف القائمون عليها بالدين والورع ولزوم السنة ومجانبة البدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1429(9/4431)
التوبة تغسل دنس الماضي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر واحدا وثلاثين سنة طلقت زوجتي بعد أن استنفذت معها كل الطرق الشرعية للصلح، ومازالت قضية الطلاق جارية منذ شهر إبريل، مع العلم أن إجراءات الطلاق تطول في تونس
فاخترت فتاة متحجبة واستخرت الله، ثم تزوجنا زواجا شرعيا دون أن أبني بها في انتظار الإجراءات القانونية مع العلم أني اختليت بها وفعلت معها كل شيء إلا الجماع، وبعد ذلك جاءتني أخبار مفادها أنه خطبها من قبل شاب غير ملتزم وأنه كانت بينهما علاقة غرامية وسافرت معه إلى مكان بعيد.
فصدمت صدمة كبيرة وتحولت فرحتي إلى حزن، أرجو من فضيلتكم أن ترشدوني إلى مافيه رضى الله.
فإذا لزم أن أفارقها فما هي حقوقها مع العلم أننا اتفقنا على أن أشتري لها ذهبا عند البناء بها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك مفارقتها, ولا ينبغي لك ذلك إن كانت قد تابت إلى الله عز وجل وحسنت توبتها، فالتوبة تمحو ما قبلها والاستقامة تغسل دنس الماضي. فأتم زواجك من تلك الفتاة، وأعنها على طاعة الله عز وجل والاستقامة، نسأل الله تعالى أن يرزقكما السعادة والمودة والذرية الصالحة، وإذا قدر أن طلقتها في هذه الحالة فلها عليك حقوقها كاملة كمطلقة مدخول بها لأن الخلوة الشرعية تقوم مقام الدخول.
وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19992، 96334، 74478، 77045، 96298.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1429(9/4432)
الطريق إلى نيل رضا الله والسعة في الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عدم الاستقرار في الرزق غضب من الله؟
حمدا لله فأنا مسلم يعرف حقوقه الدينية ويحرص عليها مثل الصلاة وخاصة الفجر وكذلك الزكاة وخلافه.
ولكنني أعانى في 5 سنوات الأخيرة من عدم استقرار الرزق والقلق المستمر من انقطاعه.
لقد قرأت الكثير من فتواكم التي تقول إن الرزق مكتوب والدعاء لن يغير منه. فما هو الطريق لنيل رضا الله عني وعن رزقي؟
ملحوظة: أنا أعيش في بلد غير إسلامي وأمتلك بيتا بالقسط من البنك بعد أن حصلت على فتوى محلية بأن هذا مسموح به لعدم وجود بديل للسكن.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عدم سعة الرزق لا يلزم منه عدم رضى الله، والطريق لنيل رضى الله تعالى وسعة رزقه تكون بالاستقامة على طريقه المستقيم وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والمحافظة على فرائضه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه" رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا" رواه الترمذي وابن ماجه. ولذلك فإن علينا أن نحمد الله على نعمه، ونسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره.
فلا داعي للقلق فإن سعة الرزق وضيقه من أقدارالله تعالى كما قال في محكم كتابه {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. {الزمر52}
"..وإن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه " رواه أحمد وغيره.
ونيل رضى الله تعالى يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه والمحافظة على فرائضه قال تعالى في الحديث القدسي "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.. الحديث رواه البخاري.
ومن أسباب سعة الرزق الاستقامة وصلة الرحم وكثرة الدعاء.
ومن أسباب إجابة الدعاء الإخلاص وطيب المطعم وعدم الاستعجال، كما دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، وكل ذلك مكتوب لا يخرج شيء منه عن قدر الله، بل هو من قدر الله عز وجل، وتوضيح ذلك أن الله يقدر الأشياء على أسباب يقدرها أيضاً، فكما قدر سبحانه الشبع على الأكل، كذلك قدر حصول الرزق بالدعاء، فكل من حصول الرزق والدعاء من قدر الله عز وجل.
وعليه، فلا يجوز أن يمتنع عن الدعاء بدعوى أن الأقدار مكتوبة، كما لا يجوز أن يمتنع عن تناول الدواء بدعوى أن العمر مكتوب، فكل من الدعاء والدواء من الأسباب، وكلها من قدر الله عز وجل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأناس بكثرة الولد، وسعة الرزق، مع أن هذا مما فرغ منه، ومضى به الكتاب.
وممن دعا له أنس بن مالك فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته" رواه البخاري ومسلم.
كما دعا لأقوامٍ بالهداية، مع أنها مفروغ منها أيضاً فكل ذلك يدل على أهمية الدعاء، وأنه لا تعارض بينه وبين القدر، بل هو من تقدير الله سبحانه وتعالى.
والقضاء -كما قال أهل العلم- نوعان: قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي وهو لا يتغير. وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف في أيدي الملائكة فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق ... فهو كذا، وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله الأزلي أنه سيعمل ذلك العمل أو لا يعمله، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة.
وهذا ما ذكرناه في فتاوانا ونذكره دائما وهو أن الدعاء يغير القضاء المعلق تجد ذلك في عدة فتاوى منها: 29607، 64404، 69056.
فالمطلوب من المسلم أن يستقيم، وأن يكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى لينال بذلك سعادة الدارين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1429(9/4433)
تصلي بانتظام لكنها تشرب الحشيش والدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي سنتان منتظمة في الصلاة ولا أترك فرضا، لكن مشكلتي أني أعاني من التدخين وشرب الحشيش، أنا لست خجلة من قول هذا، ولكن أجد نفسي أترك ولا أعرف ماذا أعمل، وأقرأ القرآن كثيرا، دلوني ماذا أعمل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حرمة التدخين والحشيش.. ووجوب الإقلاع عن ذلك وعن غيره من المخالفات والاستعانة على تركه بالتوجه إلى الله تعالى والاستعانة بأهل الاختصاص.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمدي الله تعالى الذي وفقك لأداء الصلاة والاستمرار على ذلك فهذه خطوة مهمة إلى التخلص من كل المحرمات والمنكرات..
فحافظي على إقام الصلاة وأدائها بشروطها وأركانها وخشوعها.. وأكثري من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه بتدبر وتفهم.. فإن ذلك من أعظم أسباب الإقلاع عن الذنوب والمعاصي.. قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت45}
قال أهل التفسير: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية، والله يعلم ما تصنعون: لا يخفى عليه شيء من أحوالكم يعلم السر وأخفى، فعلى العبد أن يراقبه ويخشاه.
كما ننصحك بالاتصال بعيادات مساعدة المدخنين والمدمنين فإن عندهم من الأطباء والمستشارين وأهل الاختصاص ما يمكن أن يساعدك في الإقلاع عن هذه العادات الضارة والسيئة طبعا والمحرمة شرعا.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 1994، 36456، 1671، 18932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1429(9/4434)
الطريقة المثلى للحفاظ على الدين والعرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة منذ سنتين. مشكلتي تكمن في ابتعادي عن الله، لا أواظب على الصلاة، لا أقضي أيام الصيام التي أفطرتها بموجب شرعي، أريد لبس الحجاب ولكني أتردد، والأدهى أني أمارس العادة السرية عندما أشعر بالرغبة وزوجي ليس بجانبي مع أني سألقاه في نهاية اليوم.
أرجوكم ساعدوني لكي أمشي في الطريق المستقيم، لا أريد أن أموت وأنا على هاته الحالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نبشرك أن الله تعالى تواب رحيم، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فمن أناب إليه صادقا في توبته وإنابته أعانه على الهداية؛ كما قال تعالى: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ {الشورى:13} .
فعليك أن تحملي نفسك على المواظبة على الصلاة في وقتها وتذكري ما فيها من الأجر العظيم فهي عون لك على تحقيق طموحاتك وقضاء حاجاتك؛ كما قال تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}
وهي عون على تكفير السيئات؛ كما في الحديث: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله. رواه مسلم
وأما الحجاب فهو الوسيلة الفضلى لحفظ عرضك وعرض عيالك وسلامتك من التعرض للمخاطر الدنيوية والأخروية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء على عدم التبرج، فقد جاءته أميمة بنت رقيقة تبايعه على الإسلام فقال: أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى. رواه أحمد وصححه أحمد شاكر والأرناؤوط
وأما قضاء الصوم فواجب ويمكن أن تستفيدي من وقت الشتاء حيث يكون النهار قصيرا وباردا فبادري بقضاء ما عليك قبل أن يبغتك الموت وأنت مفرطة في بعض أركان الإسلام، واشغلي نفسك عن العادة السيئة، واستعفي بما أعطاك الله من الحلال فمتعتك بزوجك تنالين بها أجرا، كما في الحديث: وفي بضع أحدكم صدقة. رواه مسلم.
فاشغلي وقتك بمطالعة نصوص الوحيين وما فيهما من الترغيب والترهيب وقصص الأنبياء وأحوال القيامة، واتخذي صحبة صالحة من الصديقات الملتزمات لعلك بمجالستهن وصحبتهن تكون قدرتك على الالتزام والتقوى أقوى، وأكثري من سؤال الله الهداية، وواظبي على الأذكار المأثورة، وأكثري من هذين الدعاءين (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) و (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وعيني) .
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها واعملي بما فيها: 72509، 40144، 62008، 70322، 96816، 76495، 76270، 29026.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1429(9/4435)
التوبة من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أستاذي توفي أخوه ولم أذهب لتعزيته لظروف صعبة فلما سألني أين كنت أجبته أني كنت مسافرا كيف أتوب من هذه الكذبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الكذب أنه حرام، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ولا يرخص فيه إلا في حال الضرورة. وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، كما قال أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 78579.
ومن صدر منه كذب فيجب عليه أن يبادر بالتوبة منه إلى الله تعالى، ويعقد العزم على ألا يعود إليه فيما بقي من عمره، قال الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} ، فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(9/4436)
وجوب حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر البشر
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم محبة سيدنا موسى عن الرسول عليه الصلاة والسلام لأني أحس بالقراءة أنه تعذب أكثر في نشر الإيمان بالله......؟ وماذا يجب علي فعله للتقرب أكثر من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحب موسى وجميع الأنبياء عليهم السلام، ويؤمن بهم جميعا ولا يفرق بين أحد منهم.
كما قال لله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. النساء152}
ويجب على المسلم أن يحب محمدا صلى الله عليه وسلم حبا يفوق حب جميع البشر، لما في حديث الصحيحين: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
وبمطالعتك لكتب السيرة النبوية ستجدين أنه صلى الله عليه وسلم عانى كثيرا من المعاناة النفسية والبشرية وأوذي في نفسه وأهله وأصابه مالم يثبت أنه أصاب موسى عليه السلام.
وننصحك بالإكثار من تلاوة القران ومطالعة كتب السنة والسيرة والشمائل فالإكثار من مطالعتها إن شاء الله يعظم الرسول صلى الله عليه وسلم في قلبك وتزداد محبتك له، وعليك بالإكثار من الصلاة عليه والحرص على اتباع سنته ونشرها والدعوة إليها. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 71891، 75172، 69195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(9/4437)
لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاء وضع حل لأصحاب المعاشات في ارتفاع الأسعار ومع عدم معرفتكم بأسماء بنوك إسلاميه في مصر مع العلم أن شيخ الأزهر والمفتي أباح فوائد البنوك برجاء تقولوا حلا لأن المعاش لايكفي فعلي الرغم من تحريم التعامل مع البنوك كيف نعيش وكيف نزيد دخولنا مع العلم أننا لا نفهم في التجارة برجاء الرد لأن هذا أمرهام للعديد من الناس. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإيداع في البنوك الربوية حرام، والفوائد الناتجة عن ذلك مال حرام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم الأخ السائل أن ما عند الله من الرزق لا يطلب بمعصية، وما طلب ما عند الله تعالى بأفضل من طاعته والتزام أمره. قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2}
فمن اتقى الله بأن اجتنب ما حرم من المكاسب المحرمة رزقه الله من حيث لا يظنه بابا من أبواب الرزق، وفي الحديث: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقو الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه
قال المناوي: معناه أن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات.
ولا ريب أن وضع المال في البنوك الربوبية لأخذ فائدة يعد ربا صريحا، ولا عبرة بمن خالف أو جادل في هذا الأمر الواضح الجلي. وأما عن الحل لأصحاب المعاشات الذين لا تكفيهم معاشاتهم؟ فليس الحل في الحرام أبدا!! ولم يكن الله ليحرم الربا وفيه قوام عباده، والحل في القناعة باليسير والصبر حتى تجدون بابا حلالا، وينبغي لكم أن تبحثوا عن هذا الباب، وتسعوا لإيجاد البدائل الحلال، ولن تعدم هذه البدائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(9/4438)
المداومة على صلاة الفجر وقضاء ما فات من الأذكار
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي الفجر حاضراً دائماً فهل أكون في ذمة الله حتى أمسي، وماذا لو نسيت الأذكار التي أقوم بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن يكون الأخ السائل ممن يشملهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله ... رواه مسلم. فأبشر بالخير إن شاء الله تعالى وأحسن الظن بالله تعالى، فإن من وفق إلى المحافظة على الصلاة في وقتها جماعة فإنه على خير عظيم.
وأما عن نسيان الأذكار فنرجو أنه لا حرج عليه فيه، وأذكار الصباح والمساء مسنونة وليست واجبة، وليحرص على المحافظة عليها وتدارك ما فاته منها وله الأجر والثواب إن شاء الله تعالى، جاء في الموسوعة الفقهية: قال النووي: ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال، ففاتته، أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد عليها لم يعرضها للتفويت وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها.
قال الشوكاني: وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقضون ما فاتهم من أذكارهم التي يفعلونها في أوقات مخصوصة ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(9/4439)
الخوف من النفاق والسعي في التوبة من المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني عندي سؤال فأرجو أن تجيبوني بصراحة عسى أن أعرف مكاني بحق أنا من المسلمين أم أنا من المنافقين.. سأقدم لكم الأعراض وأترك لكم التشخيص.
1- أنا لا أخشع في الصلاة رغم حرصي على تأديتها في جماعة حتى الصبح والعشاء ... حتى أنني أحس أني أخرج كما دخلت.
2- أنا مبتلى بحب الدنيا حتى أنني أفكر في الطعام والنساء في الصلاة.
3- أنشط عندما أكون أمام الناس.
4- أحس بالوهن وإذا تذكرت الجهاد فلا تسأل عن حالي.
5- أحس بالجزع أحيانا عند أصغر الابتلاءات.
6- تمر بي الأسابيع وكأن على صدري صخرة من شدة الضيق والإحساس بالبعد عن الله.
7- إذا عزمت على التوبة إذا بي أعود إلى الذنب في يومي ذاته هذا إن لم نقل في ساعتي ذاتها.
8- أنا أدرس في الاختلاط وسط منع الحجاب فاغلبهن متبرجات وهو ما يجعلني أقع في زيغ البصر في أغلب الأحيان كما أقع في حب المحجبات وذلك لقلتهن.
9- إن سألت نفسي إن كنت أحب الله ورسوله.... و ... و.. لم أجد إجابة.
10- قد أحس بنفور تجاه بعض الإخوة المصلين دون سبب.
11- قد أمر بالرجل في المسجد فأجده يجتهد في الدعاء أو الذكر بأنواعه فإذا بي أقول في نفسي لو ترك عنه الرياء.
12- أنا أرائي في بعض الأحيان.
13- أنا لا أستطيع الثبات على الطاعة.
14- قد ألوم الناس على بعض ما في من عيوب أو أدمن من الذنوب.
15- قد أنكر المنكر بلساني دون أن أحس بذلك في قلبي.
16- أعزم على المعصية فأتذكر نظرة الناس لي فأرجع عن فعلها.
17- إذا طلب مني أحدهم استئناف طلب العلم تعذرت بفساد نيتي في الوقت الحاضر ولا أخفي عنكم أن من أهم الأسباب الكسل.. وغيرها من الأمور، أعذروني على الإطالة فأرجو أن تصارحوني وأن لا تبخلو علي بنصائحكم القيمة؟ بارك الله فيكم على جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استياءك من مظاهر انحرافك وخوفك على نفسك من النفاق كل ذلك مؤشر إن شاء الله على سلامتك من النفاق العقدي؛ لأن استياء العبد من سيئاته وخوفه من النفاق يدل على إيمانه، كما يفيده الحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد نقل ابن حجر في الفتح عن الحسن البصري رحمه الله: أنه كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقى إلا وهو يخاف من النفاق، وما أمنه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن.
وأما ما ذكرت من الأعراض فهي مخاطر يتعين البحث عن حلولها والتوبة منها، فإن كنت ترغب في الكلام عليها مفصلاً وفي وسائل الخلاص منها فنرجو أن تتكرم بالسؤال عن كل واحد منها على حدة حتى نتمكن من إعطائك عليها أجوبة نافعة إن شاء الله تعالى، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55443، 55686، 68464، 71070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1429(9/4440)
هل الأولى الإعراض عن الطيبات أم التمتع بها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتوى لكم عن شرح حديث (إن الله جميل يحب الجمال) الفتوى رقم: 103439.
كيف نوفق بين أمر النبي عليه الصلاة والسلام، وفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنه كان يرقع ثوبه وهو أمير المؤمنين، وأيضا كيفية توجيه قول عمر رضي الله عنه المروي في الموطأ لمن كان يراه يأكل اللحم: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الموضوع مختلف فيه بين أهل العلم، ولعل عمر -رضي الله عنه- يميل إلى التقليل من الدنيا؛ لخبر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحبا للإيثار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلم أن هذا الموضوع محل خلاف بين أهل العلم، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: وقد اختلف في ترك الطيبات والإعراض عن اللذات, فقال قوم: ليس ذلك من القربات, والفعل والترك يستوي في المباحات. وقال آخرون: ليس قربة في ذاته وإنما هو سبيل إلى الزهد في الدنيا, وقصر الأمل فيها, وترك التكلف لأجلها, وذلك مندوب إليه, والمندوب قربة ... وقال آخرون: تمكين النفس من لذاتها أولى لما فيه من ارتياحها ونشاطها بإدراك إرادتها. وقال آخرون: بل التوسط في ذلك أولى؛ لأن في إعطائها ذلك مرة ومنعها أخرى جمعا بين الأمرين. انتهى.
ولعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ممن يرى أفضلية التقليل من متع الدنيا؛ لما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين عنه -رضي الله عنه- في حديث طويل يقول فيه: ... فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة. فقلت ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالسا ثم قال أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت استغفر لي يا رسول الله ... الحديث.
وينضاف إلى هذا أنه -رضي الله عنه- كان يحب الإيثار، ويدل لذلك حديث الموطأ الذي أوردته أنت، حيث يقول فيه: ... أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه! أين تذهب عنكم هذه الآية: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1429(9/4441)
أصناف الخلق من حيث قابليتهم للهداية والغواية
[السُّؤَالُ]
ـ[خلق الله الملائكة والجن والبشر، الملائكة هم الخير المحض، والجن أو الشياطين هم الشر المحض إلا لمن شاء الله له الهداية منهم، والبشر منطقة وسطى بين الخير والشر تتنازعهم قوى الخير وقوى الشر وكل يعمل على شاكلته، هل هذا الفهم صحيح أم غير صحيح أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة أهل خير محض فقد وصفهم الله تعالى بأنهم: لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {الأنبياء:19} ، وقال فيهم: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. {التحريم:6} ، وقال فيهم: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ. {الأنبياء:26}
وأما الجن ففي كثير منهم الشر؛ ولكن بعضا منهم مسلمون، فقد آمن بعضهم بموسى، وآمن بعضهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا الله في سورة الجن أنهم قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا. {الجن:14}
وأما بنو آدم فمنهم مؤمن ومنهم كافر، وفيهم قابلية للخير وللشر؛ كما قال الله تعالى في الإنسان: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3} ، وقال تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ. {البلد:10} . وقال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا. {الشمس10،9،8،7} .
وعلى المسلم أن يبذل ما يستطيع في تنمية قابلية الخير الموجودة في نفسه وفي أمته حتى يزداد مستوى الهداية في حياة المجتمع ويتوب الناس وينيبون إلى ربهم ويسعدون في حياتهم الدنيوية والأخروية.
وراجع في أسباب تنمية وتقوية الهداية في النفوس الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30758، 76210، 39151، 15219، 93474.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(9/4442)
التوبة الصادقة ميلاد جديد تغسل دنس الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مسلمة ولكني وقعت في الخطأ ومارست الزنا مرات ومرات عديدة حتى لا أتذكر عدد المرات مع شخص قال إنه يحبني وأحببته مع الإشارة إلى أنني ما زلت فتاة بكرا أي أنه لم ... ، كل مرة كنت أبكي وأنا أفعلها ولكن كان يصر وفي الآخر أستسلم، حاولت مراراً أن أتوب ولكن ... اليوم أقدمت على التوبة وقلت لذلك الشاب أني لا أود علاقة حب محرمة وإن أرادني فليأت لخطبتي ولكن أهله رفضوا فقلت له اذهب، أنا لدي خطاب كثيرون ولكن أولا كل مرة أفكر في عذاب الله أخاف مع أنني لم أعد أمارس ما ذكرت وتبت، ولكن أخاف إذ أن الله يمهل ولا يهمل وأخاف من الفضيحة وانتقام الله والعياذ بالله واليوم أحاول جادة أن أكون جيدة مع أنني أرى نفسي مقصرة وأيضا أخاف من الزواج في المستقبل إذ أنه مع أنني بكر ولكن أفكر أنه كيف أخدع من يتزوجني وأكذب عليه إذ أنني أعرف أنه لا يمكن لشاب أن يقبل بي إذا عرف مني أنه كانت لي علاقة جنسية أخاف من الكذب مع أنني أفكر أنه إني ما زلت بكراً، فهذا من فضل الله علي وهي ربما إشارة أو فرصة منه ليرى ماذا أفعل فماذا أفعل أرشدوني؟ جزاكم الله خيراً وقولوا لي ماذا أفعل كي لا أقع في الرذيلة مرة أخرى وأبدأ حياة جديدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك، ويتقبل توبتك ويتجاوز عنك ويثبتك، ونخبرك بأن هذا القرار الذي اتخذته قريباً ليس قراراً عادياً بل هو ميلاد جديد، فإذا كان يوم خروجك من بطن أمك هو ميلاد حياتك على الدنيا فإن يوم توبتك الصادقة هو ميلاد حياتك في دنيا الإيمان والطهر والعفاف، فليكن همك الآن وهدفك هو الحفاظ على هذه الحياة الجديدة فالحفاظ عليها أهم من كل شيء.
وإذا كانت التوبة ميلاداً جديداً تمحو ما سبقها من ذنوب ومعاصي وآثام، فلا حرج عليك في عدم تذكر ما قبلها، ولا يجوز لك إخبار أحد بما سبقها، ولا تكونين بذلك كاذبة ولا مخادعة فإن التوبة تجب ما قبلها، والعبد مأمور بأن يستر نفسه، ولا يجاهر بمعصيته لله تعالى فكيف وقد تاب منها، وفقك الله وثبتك على دينه وطاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(9/4443)
الدعاء وفعل الخير طلبا للبركة
[السُّؤَالُ]
ـ[بدأت في بناء بيت، وأود معرفة ما يمكنني القيام به حتى يبارك الله لي فيه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يمكن أن تكثر من الدعاء وتفعل ما استطعت من الخير شكراً لله على نعمه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يبارك لك في بيتك ويجعله عوناً لك على طاعته.. ولا بأس أن تدعو لنفسك بالبركة أو يدعو لك غيرك من إخوانك الصالحين، وينبغي للمسلم إذا جدت عليه نعمة أن يشكر الله عليها بأقواله وأفعاله، فقد قال الله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7} ، ومن مظاهر الشكر الصدقة وإطعام الطعام وفعل الخير عموماً.
وننبه إلى أن ما يفعله بعض الناس من الذبح عند بناء بيت جديد والسكن فيه ... يشرع إذا كان شكراً لله تعالى وإظهاراً للفرح، وإكراماً للمهنئين أو صدقة على الفقراء والمساكين، أما إن كان لدفع العين أو الجن فهو محرم تحريماً غليظاً، بل إن الذبح للجن شرك أكبر مخرج من الملة والعياذاً بالله تعالى.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 24328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1429(9/4444)
نصائح لمريد الزواج الواقع في المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الزواج ولكن ضيق ذات اليد، فقلة دخلي أشعرني بانحطاط نفسي وذلتها، وفي نفس الوقت أشعر بغرور وتعال، وقد مارست كثيرا من المعاصي، فأرجو مساعدتي للتخلص من هذه المشاكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من اتقى الله تعالى وتواضع له واستقام على طريقه يسر أمره وسعد في الدنيا والآخرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به بعد تقوى الله ولزوم طاعته والتوبة مما مضى هو ما نصح به نبينا صلى الله عليه وسلم من هم في مثل حالتك، ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام، فإنه له وجاء.
كما ننصحك بنبذ كل الأخلاق الذميمة، وعليك بالتواضع من غير استكانة ولا مذلة فما تواضع أحد لله إلا رفعه كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اتقيت الله تعالى وتخلقت بأخلاق الإسلام الفاضلة والتزمت طريقه المستقيم يسر الله تعالى أمرك وهيأ لك ما يعينك على طاعته، ورزقك من حيث لا تحتسب إن شاء الله تعالى، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 12919، والفتوى رقم: 15649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1429(9/4445)
المسارعة إلى التوبة والحذر من القنوط من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بإختصار وكي لا أطيل أنا امرأة محملة بالذنوب فعلت الكثير والكثير من المحرمات ارتديت الحجاب في لحظة إيمان قوية ثم خلعته وخنت زوجي مرتين في المرة الثانية كنت أعاشر من خنت زوجي معه كما أعاشر زوجي، أعلم بأن زوجي يعاملني بقلة قليلة جداً من الاهتمام مع أنه يقوم بحقي كزوجة فأنا أعمل لكي أصرف على نفسي وعلى المنزل وعلى ابني لكن في مرات كثيرة كان يقسو علي بالكلام ويستفزني كثيراً حتى أنني مؤخراً تهجمت عليه بالضرب ولكنه ضربني أنا نادمة جداً على ما فعلت بحياتي من ذنوب، فهل كل ما يحصل معي هو من عمل الشيطان فأنا كنت إنسانة ملتزمة حقاً بمنزلي وباحترام زوجي وبديني ولكن لا أعلم لماذا أفعل كل ما أفعل مع أن زوجي في كثير من المرات هو حنون وصاحب دين وإيمان قويان، فأرجوكم أفيدوني هل إذا توقفت عما أفعل بدون رجعة تعتبر توبة ويتوب الله علي بإذنه تعالى وكيف أستطيع أن أحننه علي لأنه قال لي بعد أن تهجمت عليه بأننا سنتعامل بشكل رسمي لأن لدينا طفلا ولكن أنت فعلياً انتهيت من حياتي ولن أسامحك مهما فعلت، فأرجوكم دلوني ماذا أفعل فأنا أتخبط كمن مسه الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
يجب على السائلة أن تتوب إلى الله تعالى فوراً قبل فوات الأوان من جميع المعاصي التي ارتكبتها سابقاً من الفواحش والسفور وغير ذلك، ولتعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولتحذر من اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فإن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها توبة صادقة وتوبتها إلى الله تعالى ومعاملتها لزوجها بالتي هي أحسن هي أنفع علاج لقساوة زوجها المتوقعة وأقوى سبب لإرجاعه لحالته الطيبة معها، واطلبي من زوجك المسامحة والعفو ولا تصرحي له بما حصل منك مطلقاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أنك قد وقعت في ذنوب عظيمة ومعاصٍ كبيرة وفواحش مقيتة، لكن ذلك لا يسد باب التوبة عليك فالذنوب وإن عظمت فعفو الله أعظم ورحمته أوسع وقد قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، ياا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ... إلخ. رواه الترمذي وحسنه.
فباب التوبة مفتوح فتوبي إلى الله واستغفريه يغفر لك، وشرط التوبة الندم على فعل المعصية والإقلاع عنها وتركها والعزيمة أن لا يعود المرء إليها، وانظري الفتوى رقم: 5074، والفتوى رقم: 1940.
وبما أن خطأك كان في حق المخلوق الذي من تمام التوبة منه التحلل من صاحبه وطلب المسامحة منه بما أن الأمر كذلك، فعليك أن تطلبي من زوجك المسامحة والعفو لما أخطأت في حقه به، ولا تصرحي له بخيانته بل استري على نفسك واستتري بستر الله عليك.
وسبب ما أنت فيه هو ضعف الإيمان والبعد عن الرحمن فأقبلي على الله عز وجل وأريه من نفسك خيراً وصدقاً، وأصلحي حالك مع زوجك بالسمع له والطاعة والتودد إليه والتبعل له، فلعله إذا رأى ذلك منك غير رأيه وترك ما عزم عليه.
وإن كان لفظه كناية تحتمل الطلاق وغيره فإن كان نوى به الطلاق فهو طلاق وإن لم يكن نوى الطلاق وإنما تغيير سلوكه معك وهو المتبادر فليس طلاقاً وعصمة الزوجية باقية، ونرشدكما إلى جملة من الأمور تعين بإذن الله على حل المشاكل والخلافات الزوجية بيناها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4180، 50547، 93858، 53593، 58597.
كما نرجو منك مراجعة الفتوى رقم: 3859 والفتوى رقم: 5181 فقد بينا فيهما حكم عمل المرأة ما يجوز منه وما لا يجوز مع التنبيه إلى أن نفقتك ونفقة ولدك وسكناكما هي على الزوج لا عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(9/4446)
هل تبرأ الذمة بمجرد المسامحة باللسان
[السُّؤَالُ]
ـ[في باب رد المظالم عندما أطلب من أحد أن يسامحني فهل تبرأ ذمتي بمجرد أن يقول لي نعم سامحتك. ومذا لو أنه قالها بلسانه وقلبه غير راض؟ هل تقبل توبتي بطلب السماح ممن أسأت اليه سواء كان سامحني بلسانه وقلبه أو سامحني بلسانه وقلبه غير راض تمام الرضا؟ أفيدوني جازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الذمة تبرأ بإقرار صاحب الحق المكلف المختار بإسقاط حقه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سامح بحقه وأسقط ما كان له على غيره باختياره وحال أهليته فقد برئت منه ذمة من كان يطالبه بالحق، قال أهل العلم: الإقرار أقوى الأدلة.
ولهذا فإذا طلبت من شخص أن يسامحك فقال لك: لقد سامحتك أوما أشبه ذلك مما يقتضي هذا المعنى فقد أسقط حقه وبرئت ذمتك إن شاء الله تعالى، وبخصوص ما يبطنه في قلبه فإن ذلك أمر لا يؤثر على إسقاط حقه مختارا.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 67451، 7250، 61656.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1429(9/4447)
وسائل استجلاب علو الهمة والتخلص من كيد الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش أوقات صعبة في حياتي لأني دائماً أحلف وأقسم أن لا أفعل أشياء، ولكني بعد مرور الوقت أرجع وأفعلها. أنا أصلي وأصوم ... والحمد لله أريد أن أتخلص من إبليس لعنه الله إن حالتي النفسية الآن مدمرة كرهت نفسي وكل شيء، أوقات أتمنى الموت لم أعد أتحكم في شخصيتي دائما أعيش في الأحلام فقط عمري 20 سنة أحس أني عجوز أتمنى أن تساعدوني أريد أن أتكلم وأحكي ما بداخلي لكن، لا يوجد أحد إني أرى الدنيا سوداء أتمنى أن تساعدوني؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى والاستعانة به في تحسين وتغيير حالتك، فإنه سبحانه يجيب دعاء من دعاه، ولا سيما إذا دعا في أوقات الاستجابة، ودعا بالاسم الأعظم ودعوة يونس عليه السلام، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللهم إني اسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. رواه أحمد.
وفي الحديث: دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب الله له. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وأما الحلف فننصحك بعدم الإكثار منه عملاً بقول الله تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، وبقوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:224} ، ولكن إذا كان المحلوف على تركه أمراً محرماً فعليك بالعزم الصادق على تركه، ومن الوسائل المساعدة على تنفيذ تلك الوصية أن يطالع العبد ويتذكر ما في نصوص الوحيين من الترهيب من المعاصي وما ذكر في الوعيد عليها، كما نفيدك أن من في سن العشرين لا يزال في سن الشباب وعنده قابلية التغير الإيجابي، فعليه أن يصطحب صحبة صالحة تدله على الخير وتعينه عليه، ويكثر من قراءة قصص السلف وسير الأنبياء فهي تعلي الهمم وتحفز على معالي الأمور.
وأما تمني الموت فإنه لا يجوز؛ لما في حديث البخاري: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. بل إن المسلم يتعين عليه الحرص على الازدياد من الخير وتمني طول العمر ليزداد من الخير، ويتوب إن كان عنده تقصير أو معصية، ففي الحديث: خير الناس من طال عمره وحسن عمله. رواه الترمذي. وفي الحديث: لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وأما مسيئاً فلعله أن يستعتب. رواه البخاري.
وأما الأسباب المعينة على الانتصار على الشيطان فراجع فيها وفي المزيد عما ذكرنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73706، 64101، 33860، 80694، 76495، 26864، 41618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1429(9/4448)
التوبة تورث السكينة والحياة الطيبة وانشراح الصدر.
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت شخصا وقمت معه في عديد من المرات بعلاقات حميمية وأنا على غير إقتناع بذلك وحاولت في عديد من المرات الابتعاد وطلبت من الله أن يساعدني أن أبتعد عن هذه العادة السيئة، لكن عندما نتقابل أجد نفسي مجبورة على أن أكرر الخطيئة خوفا من أن يبتعد عني، فماذا أفعل الرجاء مساعدتي على الخروج من مشكلتي هذه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خروجك من هذه الخطيئة وتخلصك من هذه المعصية يكون باستشعارك الوعيد الشديد الذي توعد الله به العصاة، وانظري لذلك الفتوى رقم: 26237.
كما أن معرفتك بأن الله تعالى يغفر الذنب مهما بلغ، متى عدت تائبة نادمة عازمة على عدم العودة إلى الذنب، بل ويفرح سبحانه بتوبتك وهو غني عنك، ويبدل سيئاتك حسنات، نقول: إن معرفتك بذلك ستعينك إن شاء الله تعالى على التخلص من هذه المعصية، طمعاً في توبة الله ورضاه، مع ما ستجدينه بعد التوبة بإذن الله من السكينة والحياة الطيبة وانشراح الصدر.
فنوصيك أيتها الأخت الكريمة بالتوبة إلى الله عز وجل وقطع علاقتك مع هذا الشخص وغيره، وأن تبتعدي عنه، وعن أمثاله، وتستبدلي به القرب من خالقك ومولاك ومن عباده الصالحين الذين يعينونك على الطاعة، ويذكرونك بالله، وفقك الله ويسر أمرك وهداك إلى رشدك، واعلمي أن تقديمك لطلب القرب من هذا الشخص على طلب مرضاة الله تعالى والبعد عما يسخطه فيه خطر عظيم عليك عاجلاً وآجلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(9/4449)
الصبر على المصيبة عبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ الكريم حفظك الله ... بعد وفاة والدتي رحمها الله تعالى منذ عامين تقريبا، ومع إيماني بقدر الله والحمد لله، ومحاولة الصبر، إلا أنني أفتقدها بشدة وأشعر بوحدة في نفسي وغربة عن الكون، وأصبحت أتحمل الحياة بصعوبة بالغة رغماً عني بسبب زيادة الهم والحزن، ويطوف خيالي باستمرار على الموت وما فيه وما بعده، أتمنى من الله العلي القدير أن توجهوني وتنصحوني؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يرحم والدتك رحمة واسعة، وأن يلهمك الصبر والسلوان، ثم عليك أن تتعزى في أمك بأن الموت أمر قد كتبه الله على جميع الأنفس، حيث قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {العنكبوت:57} ، واحمد الله على أن مصيبتك لم تكن في الدين، فالمصيبة في الدين هي أعظم مصيبة، ولا تنس أن لك بحلول مصيبتك في أمك عبادة تتقرب بها إلى الله تعالى، ألا وهي الصبر على المقدور.
روى مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
ومن الأدب عند حلول المصيبة الاسترجاع، كما قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-157} .
ثم اعلم أن شعورك بالوحدة في نفسك وبالغربة عن الكون، وتفكيرك في مثل هذه الأمور هو مدخل من مداخل الشيطان، فلا تتح له هذه الفرصة، فإنه بإتاحتها له يسعى في زيادة حزنك، وتكدير صفو عيشك وشغلك عما هو أنفع لك، فاشغل نفسك بالذكر وغيره مما هو مرغب فيه شرعاً، واعلم أن مصاب الأمة الإسلامية في فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أي مصاب في حبيب أو قريب، ونسأل الله أن يسلك بنا وبك سبل الهداية ويعظم أجرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(9/4450)
أنجع وسيلة للبعد عن الوقوع في ما لا يرضي الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن في دولة عربية يكسوها الفساد وأنا أتيتها لكي أتعلم وأشتغل فهذه البلاد يوجد فيها الزنا بكثرة لا يتخيلها عقل فأنا كي أتجنب الزنا كنت أفعل العادة السرية، فما جزائي فهل يجوز في حالتي، فأنا لم يكن عندي حل آخر ولم أستطع أن أتزوج بسبب قلة مالي، فما الحل ولم أستطع أن أصوم فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللرد على هذا السؤال تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:
1- أنه لا يجوز البقاء في مكان يغلب على الظن الفتنة في الدين بالبقاء فيه.
2- أن الشخص إذا كان يخشى في ترك الزواج أن يقع في الزنا فإنه يجب عليه أن يتزوج ولو لم يكن له من المال ما يكفي لحقوق المرأة، لكنه في هذه الحالة يجب عليه إخبار المرأة بذلك، لتكون على بينة من أمرها.
3- أن من واجب المسلم أن يقاوم الشهوات التي تعرض له، ويفطم نفسه عن الهوى.
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
4- أنَّا نوصيك بمصاحبة الأخيار والبعد عن الأشرار، وتعلم العلم النافع الذي يشغل وقتك ويصرفك عن السوء، واعلم أن أنجع وسيلة للبعد عن الوقوع في ما لا يرضي الله هي أن تستشعر مراقبة الله لك وأنه مطلع عليك.
5- أنك إذا لم تجد بداً من الوقوع في إحدى المفسدتين: الزنا أو العادة السرية، فالقاعدة أنه (إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما) ، وليس من شك في أن العادة السرية أخف من الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(9/4451)
ثواب من ذهب بصره بالكلية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر, عوضته منهما الجنة.
وسؤالي: هل يدخل ضمن هذا الحديث من صبر على إصابته بمرض مزمن في عينيه تسبب في ضعف تدريجي في البصر مما يضطره إلى العلاج المستمر (مع استخدام الليزر) علما أن هذا المرض المزمن قد يكون سببا للفقدان الكلي للبصر, عافانا الله...........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور قد ورد بروايات كثيرة، منها التي أوردتها أنت: إذا إبتليت عبدي بحبيبتيه فصبر, عوضته منهما الجنة.
ومنها ما كان بلفظ: أذهبت، مثل: من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة.
ومن أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة.
ومنها ما كان بلفظ: سلبت، نحو: إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا حمدني عليهما.
ومنها ما كان بلفظ: أخذت، نحو: من أخذت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة.
ومنها ما كان بلفظ: قبضت، مثل: إذا قبضت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة.
فعلم من جميع هذه الروايات أن الابتلاء المقصود في الحديث هو ذهاب البصر، وليس مجرد الإصابة بمرض مزمن.
وعلى أية حال، فإن من أصيب بمرض في عينيه، وصبر على ذلك فإنه داخل في عموم أحاديث الابتلاء، التي منها ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(9/4452)
حج ثم وقع في الذنب الذي كان يعتاده قبل الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى الحج هذا العام وأديت المناسك كلها والحمد لله ولكني عندما رجعت من الحج قمت بذنب دائما أقع فيه رغم عزمي أن أتركه كل مرة ودعوت الله كثيراً في الحج أن أتركه ولكني أول ما رجعت ارتكبت نفس الذنب فهل هذا دليل علي أن حجي ليس مقبولا أو مبروراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الإصرار على الذنب بعد الطاعة قد يكون مؤشراً على أن الطاعة لم تفعل فعلها في إصلاح العبد، ولذا ينبغي للمؤمن أن يكون على حذر وخوف من عدم قبول طاعته، ويسعى جاهداً في تحقيق التوبة، ونرجو أن لا يكون ما وقع فيه الأخ السائل من الذنب دليلاً على عدم قبول حجته، ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى كلما وقع في ذلك الذنب، ونذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه، حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا تواباً نسياً إذا ذكر ذكر. رواه الطبراني وصححه الألباني.
فتب إلى الله تعالى وإياك أن تقع في اليأس، فتمتنع عن التوبة بعد ما تقع في الذنب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم. رواه مسلم.
وقد قيل للحسن البصري رحمه الله: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار. وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين. يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب. فاحرص أخي السائل على التوبة من ذنبك، وإذا وقعت فيه فجدد التوبة، ولا تمل حتى يكون الشيطان هو المدحور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(9/4453)
جلاء شبهات مثارة حول الابتلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع ما يلي: المؤمن الفقير مبتلى من ربه بالفقر في الدنيا ليرى منه ثباته على الدين وطاعة الله, المؤمن الغني مكرم من ربه ومختبره في ماله ليرى إن كان سيعيش في طاعة الله, الكافر الفقير معاقب لعدم إيمانه, الكافر الغني يمد له في الدنيا حتى تأتي نهايته، ونفس الكلام ينطبق على المرض الذي يصيب الإنسان, فالمؤمن المريض مبتلى والمؤمن الصحيح منعم عليه, والكافر المريض معاقب والكافر الصحيح يمد له في دنياه.
أليس فيما سبق تأويلات مختلفة لأمر واحد بما يتناسب مع ما نريد إيصاله للناس بغض النظر عن صحته؟
سؤال أول: ألا يجب أن ينال كل الناس فرصة متساوية لاختبار إيمانهم بمعنى أن يكون كل الناس فقراء ومرضى أو كل الناس أغنياء وأصحاء؟
سؤال ثان:- لماذا تحل الكوارث بشعوب مسلمة فقيرة لا حول ولا قوة لها كإندونيسيا التي لا يمر فيها يوم دون زلزال أو بركان أو مد بحري أو انجراف طيني؟ ولم لا تحل مثل هذه الكوارث بالكفار الأغنياء الذين ملأوا الدنيا فجوراً وعصياناً وكفراً فما سلم منهم لا بشر ولا حجر.. أليس الأصح أن تقع على هؤلاء مصائب الدنيا وأن يعيش المؤمنون في خير وعافية تثبتهم على إيمانهم؟
سؤال ثالث:- ما سألت يوماً أحداً عن سبب ذل المسلمين إلا وتحجج لي بابتعادهم عن طاعة الله ولكني أفكر ماذا لو كان كل المسلمين أتقياء ومطيعين لله فهل كانوا لينتصروا على الكفار؟ وكيف السبيل إلى التأكد من ذلك ونحن نعرف أنه لن يأتي ذلك اليوم الذي تجتمع فيه كل الأمة الإسلامية على تقوى الله وطاعته لاختلاف الظروف والعقول والأسباب وآلاف الأمور الأخرى؟
أليس التحجج بذلك يشبه التحجج بالأمر المستحيل لإثبات غير المثبت؟ أوليس ذلك سبباً لابتعادنا عن البحث في الأمور الحقيقية التي تسبب ذلنا من بين شعوب الأرض قاطبة؟
أستمع إلى بعض المشائخ على شاشات التلفاز يفتون في بعض الأمور التي لا يعاني منها سوى الفقير فيضيقون عليه وأنا أعلم تمام العلم أن هذا المفتي لم يكن فقيراً يوماً ولا احتاج في يوم من الأيام لأن يستدين من إنسان, وأنه لم يجد عسراً أو ضيقاً في زواجه ومعيشته وسكنه ولم يشك يوماً من مرض أو جوع أو فاقة نزلت به أو بأحد من أهله.
فكيف أستطيع أن أتقبل فتواه وأسير عليها وهو لا يعلم أدنى علم بما يمر فيه الفقير وما يعايشه ويعاني منه ليلا ونهار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نود أن ننبهك إلى أمر مهم وهو أن الله تعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو عندما يحكم ويقضي إنما يفعل ذلك عن علم وحكمة قد نعلمها وقد نجهلها، وما على المؤمن إلا أن يرضى ويسلم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب: 36} . وإذا بانت الحكمة ازداد المسلم إيمانا على إيمانه.
واعلم أن الحياة الدنيا دار ابتلاء، يبتلي الله عباده بالفقر أو بالغنى؛ كما قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} وما ذكرته من حكمة الابتلاء في حق الأصناف الأربعة صحيح في الجملة، وليس الأمر مقصورا فقط فيما ذكرت، فمثلا قد يكون فقر المسلم ليرفع به درجته، أو عقوبة أيضا على شيء من ذنوبه.... وهكذا. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 17831.
وقولك: ألا يجب أن ينال كل الناس فرصة متساوية لاختبار إيمانهم.............الخ؟ جوابه أننا ليس لنا أن نوجب على الله أن يفعل كذا أو يترك كذا، ثم إنه سبحانه بين أنه قضى بهذا التفاوت وله حكمة فيه؛ كما في قوله: وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف: 32} .
وقولك: " لماذا تحل الكوارث بالشعوب المسلمة....الخ، جوابه من وجوه:
الأول: أن الله تعالى لا يسأل عما يفعل.
الثاني: أن قصر حدوث الكوارث على الشعوب المسلمة ليس صحيحا، فالواقع يدل على خلافه، فكم من الكوارث قد وقع للكفار في زماننا، وما إعصار " كاترينا " عنا ببعيد.
الثالث: وما يدريك أن هؤلاء المسلمين لهم من الموبقات ما أغضب ربهم فعجل لهم العذاب.
الرابع: أن المسلم قد تكون هذه النقمة في حقه نعمة، فتكفر له بها كثير من الذنوب، وأنعم بهذه من نعمة، ومن مات منهم بعد الهدم فقد ينال أجرا الشهادة.
وأما بالنسبة لسبب تخلف المسلمين فلا نقر حصر ذلك في مجرد بعدهم عن طاعة الله تعالى ونحو ذلك، ولا شك أن هذا سبب أساسي، ولكن تواكل المسلمين وعدم بذلهم لأسباب القوة المادية في جميع مناحي الحياة من أعظم أسباب تحلفهم وضعفهم. وراجع الفتوى رقم: 38339.
وأما كون هذه الأمة ستنصر إذا تحقق الإيمان وطاعة الرحمن فقد ثبت به الكتاب العزيز كما في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {محمد: 7} .
وقوله: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ {غافر:51} .
وإذا كان المسلمون على هذه الصفات وبذلوا من الأسباب المادية ما يستطيعون، هيأ الله لهم شيئا من تلك الأسباب حتى يتم النصر، وتاريخ الرعيل الأول من المسلمين حافل بما يؤيد ما ذكرنا.
وأما بخصوص من ذكرت أنك تستمع إليهم من المفتين.. فالواجب أولا أن تحسن الظن بهم، وأنهم حريصون على الإفتاء وفقا لما جاء به الشرع ما لم يتبين خلاف ذلك، وراجع الفتويين: 33943، 39675.
وغاية ما يمكنك فعله أنت إذا كنت عاميا وأردت أن تستفتي لنفسك أن تسأل من تثق بعلمه ودينه. وليس لك أن تنصب نفسك حكما على المفتين، وكون السائل فقيرا لا يعني أن يوسع عليه في الفتوى ولو كان في ذلك مخالفة للشرع. ولا يلزم المفتي على كل أن يعلم حال المستفتي حتى يفتيه ما لم يتطلب الأمر ذلك.
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(9/4454)
السبيل إلى خدمة الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أريد أن أخدم هذا الدين كيف أخدمه أريد أن أقدم شيئا للأسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخدمة الدين تكون بأمور كثيرة منها:
1- تعلم الأحكام الشرعية وتعليمها للناس.
2- الالتزام بأوامر الدين.
3- الدعوة إلى الله بكل ما يتاح من الوسائل.
4- مناصرة المسلمين في كل مكان والدعاء لهم والتعاطف معهم.
5- بذل المال في سبيل إعلاء كلمة الله.
وغير ذلك من المجالات الكثيرة ...
وهذه المجالات تتفاوت بحسب درجة الحاجة إليها في البلد الذي يكون فيه المرء، وأي شيء قمت به منها بنية خالصة فإنك به تكون قد خدمت الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1428(9/4455)
التوبة الصادقة تمحو الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري29 سنة متحجبة وملتزمة وخجولة جداً خاصة خارج المنزل وأعمل أستاذة أدب عربي في إعدادية بصفة مستخلفة في شهر فبراير الماضي تقدم إلي أستاذ من هذه الإعدادية وطلبني للزواج وهذا الرجل بدا لي إنسانا طيبا وصالحا بكل المقاييس (من الصعب أن أرفضه) ، وقال لي إنه متزوج وله بنات ويكبرني بـ 12 سنة في بداية الأمر ترددت كثيرا وبعدها وبما أنني من عائلة لا تأتيها الخطاب كثيراً وافقت مبدئيا، ولكنني لم أقل لأهلي عنه وفي يوم كنت واقفة أتحدث معه في قاعة الأساتذة وبدون أن أنتبه أمسكني من ذقني فابتعدت وانزعجت كثيراً وبعدها أخذ يكلمني في الهاتف مرات ويحدثني عن أمور لا أعرفها أمور تقال بين الرجل وزوجته وأنا بدوري أقول له إنه لا يجوز قول هذا لأنه حرام قال لي هذا الكلام في أربع مكالمات معي وفي بعض الأحيان يطلب مني الحضور إلى شقة زميل له فأسأله ماذا نفعل هناك يقول لي ما يفعله الرجل مع زوجته فأقول له هذا لا يجوز شرعا هذا حرام، ولكني لم أذهب معه إلى أي مكان بل كنت أضحك عليه أستغرب لماذا يقول مثل هذا الكلام وهو يعرف جيداً أنني مستحيل أن أقبل ومرة ظننت أنه يقول لي هذا الكلام ليختبرني ويرى ردة فعلي أو أنه غير رأيه ويريدني أن أكرهه وأطلب أنا منه الابتعاد عني والله أعلم، ومرة طلب مني أن ألتقي معه في موقف الحافلات ومشيت معه رغم أنني ترددت كثيرا في ذلك ولكني مشيت معه في طريق عودتي إلى المنزل حيث إن هذا الطريق في بعض الأحيان أذهب فيه مع أبي وهو طريق عامر بالسكان فلقد فعلت هذا مرتين دون أن يقترب مني فقط بل أسير معه ونتحدث فقط لا شيء أخر، ولقد علمت زوجته بالأمر وأصبحت أنا خائفة لو تحدث لي مشاكل مع عائلتي وهي بالفعل هددته بذلك وبأشياء أخرى تفعلها لو يتزوج عليها، وكل يوم عندما تأتي لزيارتنا أي امرأة لا أعرفها أخاف كثيراً وأن خوفي الأعظم من الله سبحانه وتعالى ومن ثقة والدي وإخوتي بي وهذه الثقة التي خنتها ولم أحافظ عليها، والمهم الآن أنا نادمة جداً على قبولي للزواج من هذا الرجل فأنا كنت أظن أنه يريد الزواج بي في الوقت الذي طلبني فيه لم أكن أدري بأنه يريد أن يطيل الحديث معي ثم بعد ذلك يقرر، وكلما أقول له متى تأتي لخطبتي يقول لي أمهليني بعض الوقت لأنظم أموري، فعذري أنني أريد الزواج من أي رجل يكون إنسانا صالحا ومتدينا ولا أريد المشاكل، إن ضميري يؤنبني كثيرا على هذه الأخطاء الفادحة التي فعلتها، فعائلتي كانت دائما تنظر إلي على أنني المثال الأعلى للشرف والتقوى فأنا الآن أحتقر نفسي كثيراً وأريد أن أكفر عن ذنبي بأي وسيلة كانت المهم أن يغفر الله لي في الدنيا والآخرة وأريد أن تعطوني حلا قاسيا لكي أتعلم من هذه الأخطاء ولا أكررها ثانية (أريد ردكم وجوابكم في أقرب الآجال) فإن ضميري يؤنبني أكثر مما تتصورون ليلا نهاراً أصبح أعيش في دوامة وهذا الموضوع أصبح يداومني كثيراً فماذا أفعل أرشدوني؟ جزاكم الله خيراً وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما قمت به من الحديث مع ذلك الرجل مباشرة أو عبر الهاتف، وما حصل من إمساكه لك وما تم بينكما من لقاء في موقف الحافلات وغير ذلك مما فصلته تفصيلاً ... نقول: إن هذا بحق يتعارض مع قول الله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:31} ، وقوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ {الأحزاب:32} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه.
وعلى أية حال فإن من واجبك أن تبادري إلى التوبة بقطع هذه العلاقة فوراً مع ذاك الرجل، وأن تعقدي العزم على أن لا تعودي إلى مثلها، وأن تندمي على كل ما مضى، وهذا هو أحسن حل لما ارتكبته من خطأ، فإن التوبة الصادقة تمحو جميع الذنوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1428(9/4456)
غربة الدين في آخر الزمان
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من الواعظين -أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا- وسمعت أيضا أنها ستكون خلافة إسلامية في آخر الزمان، سمعت أيضا ستكونون في آخر الزمان أمة كثيرة لكنهم غثاء كغثاء السيل، سمعت الكثير عن آخر الزمان لكن أيهم نأخذ، فهل خلافة- غريبا- غثاء- فكلها نهايات مختلفة ومتناقضة، أم أنني لم أفهم ما قصده الواعظون، فأرجو التوضيح؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما سمعته من الواعظين صحيح، وغربة الدين تحصل في وقت يضعف فيه التمسك بالدين ويصير الدين غريباً والمتمسكون به غرباء وتصير الأمة المضيعة لدينها غثاء كغثاء السيل، لأنها فقدت السبب الوحيد لعزها ونصرها وهو التمسك بالدين، والخلافة الإسلامية الموعودة بها هذه الأمة ستتحقق بإذن الله تعالى حين تصحو هذه الأمة وترجع إلى دينها الذي به ستسترد مكانتها وعزتها وخلافتها، وكل سيقع في وقته حسبما شاء الله وأراد، فليس في ما أخبر به رسول الله صلى الله علي وسلم تعارض ولا تناقض.
وننصحك أن توقن أن المستقبل لدين الإسلام وأن تبذل من طاقتك ما تستطيع في نصره، وأن تحمل نفسك وأهلك على التمسك به والدعوة إليه، وقد بسطنا الكلام على هذه الأمور، وبينا أن هناك كثيراً من البشائر يرجى تحققها للأمة الإسلامية إذا أنابت لربها وتمسكت بمنهجه، فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36833، 62938، 63373، 67970، 96536، 98563، 74500، 45083، 9987، 32949.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(9/4457)
حفظ القرآن هل هو دليل على صلاح صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي:هل حفظ المسلم للقرآن بعد أن فتح الله عليه ويسر له حفظه دليل على صلاحه وتقواه أم ليس بالضرورة؟ أرجو الإجابة مدعومة بالأدلة والتوضيح وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن يسر الله له حفظ القرآن الكريم فقد أعطاه خيرا كثيرا. فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)) رواه مسلم. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
ولكن حفظ المسلم للقرآن لا يدل بالضرورة على صلاحه وتقواه،.
ففي مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: يمثل القرآن يوم القيامة رجلا، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره‘ فيتمثل له خصما، فيقول: يا رب حملته إياي فشر حامل تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره، فيمتثل خصما دونه، فيقول: يا رب حملته إياي فخير حامل: حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب معصيتي، واتبع طاعتي فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال شأنك به، فيأخذه بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر.
وروى مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(9/4458)
هل يؤاخذ بحديث النفس بالمعصية والعزم على فعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يقال إن الأعمال بالنيات وإن الله يضع الإنسان أحيانا في مواقف تكشف ما يخفي من حرام، ولكن في نفس الوقت نرى الله يحفظ الإنسان أحيانا من المعاصي، فهل يحاسب المرء في هذه الحالة بسبب الرغبة أو الوسوسة أم لا يحاسب لأن الله كف عنه المعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في السؤال شيئاً من الغموض ولكن من تفكر في عمل محرم ولم يتكلم ولم يعمل به ولم يكن عزم عزماً أكيداً على تنفيذه لا يؤاخذ بمجرد الهم والتفكير به، وإذا عزم عزماً أكيداً على فعله ثم تركه لوجه الله يعفى عنه وتكتب له حسنة لما في الحديث: إ ن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه. وفي الحديث: ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. متفق عليه.
وأما الوساوس فيتعين على العبد صرف الذهن عنها، وشغل طاقاته بما يفيد من تعلم علم نافع أو عمل مثمر أو ترفيه مشروع فقد توسوس نفس العبد بأمر ثم يتكرر ذلك ثم تعزم عليه ثم تنفذه.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على البسط في الموضوع: 30754، 28477، 48931، 56908، 36046، 53487، 29669، 10355.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1428(9/4459)
تجنبت الحرام ولم تجد إلى الزواج سبيلا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل فأنا أجتنب الحرام ولا أجد الحلال في الحب ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك على البعد عن الحرام ونبشرك بأن من ترك المحرمات يسهل الله له الحصول على تحقيق رغباته بطريقة مشروعة، ففي حديث البخاري: ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله.
وقال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} .
وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:3} .
وننصحك بإكثار الدعاء وسؤال الله أن يرزقك زوجاً صالحاً، وابذلي الأسباب المشروعة في تحصيل الزواج، فيشرع أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من يرتضى دينه وخلقه لعله يتزوجك، ويمكن أن تكلمي بعض محارمه في ذلك.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على البسط في الموضوع مع أدلته: 73900، 32981، 54266، 93470، 72519.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1428(9/4460)
حرص المتقي على ما ينفعه في دينه ودنياه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأمل في الحياة جائز كأن يأمل المرء أن يتزوج ويشتري منزلا وسيارة ويوسع تجارته وما إلى ذلك، لكن مع هذا يكون مؤمنا تقيا لا يؤثر دنياه على آخرته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج على المسلم المتقي لربه والملتزم بالشرع في معاملاته أن يطمح ويحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه وآخرته، ومن ذلك حرصه على الزواج المرغب فيه شرعاً وحرصه على وسيلة مواصلات يغني بها نفسه ويخدم بها أهله ومجتمعه، ويشرع له كذلك التوسع في المال لعله يتصدق منه وينفع أهله، ففي الحديث: نعم المال الصالح للرجل الصالح. رواه أحمد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمعتدة: جدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً. رواه مسلم.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34144، 67992، 48719، 18551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1428(9/4461)
أثر ربانية الشخص على الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أثر الربانية في علاقة التلميذ بغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين السؤال عن أثر ربانية التلميذ على من تربطه به علاقة الدراسة؟ فالجواب أن التلميذ الرباني يؤثر على غيره من الطلبة ويستفيدون منه ويتأثرون من سمته وهديه وأخلاقه ويقتدون به، وينال هو أجر من اقتدى به في أعمال الخير، ويدل لهذا ما في حديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على المزيد من البسط في أهمية صحبة الصالحين ومجالستهم، والبعد عن خلطة الأشرار ومرافقتهم إلا بنية دعوتهم إلى الخير مع الأمن من التأثر بفسادهم. وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76270، 72415، 62549، 38281، 76425، 19186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1428(9/4462)
من الحكم في تفاوت حال الناس في الفقر والغنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ناس أغنياء وناس فقراء ... فهل السبب في هذا التفاوت هو جد الأغنياء وكسبهم أم أن الله قد أجبر هذا على غناه وهذا على فقره ابتلاء أو لأنه أدرى بما يصلح حالهم ... وهل هذا الحال هو ما تعبر عنه الآية الكريمة: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) ، ألا توحي هذه الآية الكريمة على الجبر بالرزق؟ أثابكم الله وسدد خطاكم وأكرمنا بعلمكم.. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين الناس وقدر الأقوات وهدى الخلق لما ينفعهم وجعل لكل شيء سبباً، فشرع الأسباب والسعي والتكسب والجد في تحصيل ما ينفع مع الاستعانة بالله في نجاح تلك المساعي، ففي حديث مسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: بقدر همة العبد ونيته يعطيه الله تعالى، والتفاوت بين الناس في الأرزاق مثل تفاوتهم في الطول والقصر والنحافة والضخامة والبياض والسواد، وكل ذلك لحكمة بالغة علمها الله سبحانه وتعالى.
وأن من الحكم في تفاوت حال الناس في الفقر والغنى جد بعضهم ومهارته في التكسب، وخمول بعضهم وكسله، ومنها تسخير بعض العباد لبعض المهن التي لا يستطيع البعض مزاولتها، فأغنى الله بعض الناس وأفقر بعضاً ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا، ومن أسبابه تقوى الله والبعد عن معصيته عموماً ولا سيما في وسائل الكسب، ومنها كذلك أن الفقر قد يكون أصلح لبعضهم من الغنى، والعكس صحيح، ومنها ابتلاء الغني في غناه هل يشكر، وابتلاء الفقير هل يرضى ويصبر، قال الله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ {الأنعام:165} .
هذا وليعلم أن إغناء هذا وإفقار هذا لا يدل بالضرورة على تكريم الغني ولا إهانة الفقير، كما قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كلا {الفجر:15-16} . وطالع تفسير الآية في تفسير ابن كثير وفتح القدير وأضواء البيان.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد من البسط في الموضوع: 29607، 60327، 64404، 27215، 95493، 66358، 70823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(9/4463)
وقوع الزوج في الفاحشة هل يلزم منه وقوع امرأته فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يا شيخ لو سمحت هل يمكن أن أعرف ما معنى الزاني لا ينكح إلا زانيه أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ... لأني أنا عصيت الله سبحانه وتعالى كثيرا وفعلت هذه الأشياء كثيراً، ولكن والله كان برغبتهم وفي بعض الأحيان يكون مقابل مبلغ من المال يعني هذا عملهم وأنا الله يعلم كم أنا ندمت على كل ما فعلت، ولكن السؤال الآن: أنا مرتبط ببنت خالي ولكن أخاف أن أظلمها معي لأني غير مقيم خارج بلدي وأجلس بعيداً عن بلدي في كل سفر سنتين ولا مجال أن أقللهم لأنكم تعرفون المعيشة الآن كم هي غالية، والحياة كم هي صعبة، وكل واحد الآن يجري وراء لقمة العيش وأنا الآن ثقتي في النساء شبه معدومة وأخاف عندما أتزوجها أن أشك فيها، وتكون الحياة بيننا في شك مستمر لما أراه في البلاد التي أذهب إليها من النساء، الله يستر علي نساء العالمين، ولكن أنا الآن يا شيخ سؤالي هو: إذا تزوجت بنت خالي أو غيرها هل لابد أن يحدث هذا معها أم لا بسبب ما فعلته أنا بكل النساء التي فعلت معهم هذه الأشياء أم لا، وأرجو منك يا شيخ الرد سريعاً لو سمحت ... لأني في حيرة من هذا الأمر وأخاف أن أتزوج ويحدث مع زوجتي الذي فعلته مع بعض النساء من معاشرة جنسية، فأرجو يا شيخ أن لا تهمل رسالتي والرد علي بأسرع وقت ممكن؟ وجزاك الله كل خير آمين يا رب العالمين
ومع العلم يا شيخ بعد الزواج سوف أسافر إلى إحدى الدول لأن عملي هناك ولا مجال أن آخذ زوجتي معي
وسأسافر عنها لمدة سنتين، ولا يمكنني أنزل قبل هذه المدة، لأن الراتب الحمد لله يكاد يكفي وإذا نزلت عل سنة واحدة تكون التذكرة على حسابي والتذكره ثمنها ما يعادل 4000 جنيه مصري، ولكم مني جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى تلك الآية في الفتوى رقم: 5662، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً وتعلم أنك قد وقعت في كثير من الموبقات والمهلكات وتجرأت على الله وفرطت في جنبه بانتهاك حرماته وتعدي حدوده، ولمعرفة شروط التوبة الصادقة انظر الفتوى رقم: 5450.
وإذا أردت الزواج من بنت خالك حقاً فلا حرج عليك في ذلك إن تبت إلى الله تعالى مما كان منك سابقاً، ولا ينبغي أن تسيء الظن بها أو تفقد الثقة بنساء العالمين، فالطاهرات والعفيفات كثيرات، ولا يلزم من وقوعك أنت في ذلك وقوعها هي أو من ستتزوج بها فيه، قال الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، ولعلك تقصد ما نسب إلى بعض أهل العلم مما بنوه على آثار ضعيفة أو موضوعة لا تصح، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 63847، والفتوى رقم: 20826.
وإذا تزوجتها فليس لك الحق في أن تغيب عنها تلك المدة دون إذنها ورضاها إلا إذا كان ذلك لظروف لا تستطيع التغلب عليها حقيقة، لما بينا في الفتوى رقم: 22429.
والذي ننصحك به ألا تمكث عنها تلك المدة أو أكثر ولو رضيت لما في ذلك من تعريض نفسك وتعريضها للحرام، وإنما تحاول أن تأخذها معك حيث تقيم أنت أو تبحث عن شغل حيث تقيم هي وسيجعل الله لك من بعد عسرك يسراً ويرزقك من حيث لا تحتسب، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(9/4464)
على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإسلام يحب الفرح والاستبشار أم الجدية؟ أم على المسلم أن يتوقع دائما الأسوأ حتى لا يصدم؟
وشكراً وهداكم الله لكل خير إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يتفاءل لنفسه الخير دائماً، ويفرح ويستبشر بما أعطاه الله من النعم، مع الجد والاهتمام والحرص على ما ينفعه، والسعي في الأسباب المشروعة المعينة على نجاحه في أموره مع الاستعانة بالله والاستعاذة به من الشر.
ففي حديث الصحيحين: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي ... وفي رواية لأحمد: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله.
وفي حديث مسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
ولا بأس بالنظر في عواقب الأمور، ووضع احتمال الإخفاق في أمر ما، والنظر في العلاج لما يمكن حصوله، فيحذر من أسباب الفشل ويحاول إصلاح ما فسد.
واعلم أنه تعالى رغب عباده في الفرح بما أعطاهم وتفضل به عليهم من فضله ورحمته، فقال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58} ، ورغبهم في تذكر النعم وشكرها، فقال تعالى: فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69} ، وقال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7} ، ورغب كذلك في الاستبشار بالخير والتبشير والتهنئة، فقد بشر الله عباده عدة بشائر في القرآن، فقال تعالى في شأن إبراهيم: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ {الصافات:101} ، وقال في شأن امرأته: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ {هود:71} ، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم عدة أشخاص بالجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1428(9/4465)
نصائح لمن أراد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في أول عمري وأنهيت دراستي منذ فترة، خلال هذه الفترة تعرفت على فتاة وقد أضاعتني نفسي وشهوتي وضعفت وبعدت عن الدين كثيراً لدرجة أني كنت أكفر في رمضان وهذه أول مرة في حياتي، قبل أيام سمعت القرآن الكريم بصوت الشيخ ماهر حمد ولا أعلم لما شعرت بذنبي وأحسست أن رحمة ربي واسعة.. سؤالي يا شيخ ليس فتوى بل طلب نصيحة عن ماذا أفعل وكيف أصلح ما فاتني، وأقسم أني أملك النية الكاملة للتوبة؟ شكراً لك على كل شيء.. وادع لي بالهداية والتوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم ما تقصده بقولك (وقد أضاعتني نفسي وشهوتي وضعفت وبعدت عن الدين كثيراً لدرجة أني كنت أكفر في رمضان) ، فلا ندري أكنت تقصد أنك كفرت بالله وخرجت من الملة والعياذ بالله، أم أنك مارست الزنا والمحرمات الأخرى في شهر رمضان.. وعلى أية حال فإن كل ذلك يعتبر آثاماً كبيرة تجب منها التوبة، والحمد لله أنك أحسست أن رحمة ربك واسعة، وأنك تملك الآن النية الكاملة للتوبة، فإن من تاب وأناب إلى الله تعالى تاب الله عليه وغفر له، فعفو الله لا يتعاظمه ذنب، ورحمته وسعت كل شيء، كما قال عز وجل: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ {الأعراف:156} ، وفي الحديث يقول الله: يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي. فالواجب عليك التوبة النصوح وهي التوبة الصادقة التي تحققت فيها شروط التوبة، وهي:
1- الإقلاع عن الذنب، ومن ذلك قطع العلاقة مع هذه الفتاة.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود إليه مرة أخرى..
ثم أكثر من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، لقول الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا {الفرقان:70} ، وقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} ، ثم ابحث عن صحبة صالحة من أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى وإغواء الشيطان، ونسأل الله العلي القدير أن يسلك بنا وبك سبل الهداية.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12069، 37675، 5091، 38087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1428(9/4466)
النهج الصحيح لتذكر الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مصرى أعمل بالإمارات أشعر دائما بأن أجلى قريب ولا يعلم الغيب إلا الله، وأحلم أحلاما أفسرها على أنها تأكيد لما أفكر فيه فمثلا حلمت أني رأيت عربة نقل الأموات تسير وبداخلها كفن خال من أي متوفى وكنت أتحدث مع أحد أفراد أسرتي وذهبت إلى مكان اتجاه هذه السيارة فقابلت أفراد عائلتي وعزيتهم ولكن لا أعرف فى من أعزى واستيقظت فى هذا اليوم مفزوعا وأشعر بضيق فى صدري وقد فسرته على أنني كنت أعزي نفسي وأن الكفن الخالي كان لي، أرجو إفادتي فأنا نفسيا لا أطيق هذا الشعور، مع العلم بأني أصلي وأراقب نفسي دائما وكلما أنوي فعل أي شيء يغضب الله أتراجع قبل فعله فإن فعلته أتذكر الله وصلاتي وأذهب عنه فوراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسنا أن يكون المسلم ذاكراً للموت، فإن هذا أمر أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: أكثروا ذكر هادم اللذات. يعني الموت. رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولكن من الخطأ أن يصل أمر التفكير في الموت إلى نوع من الوساوس مما يجعله أشبه بحالة مرضية قد تترتب عليها بعض العواقب السيئة، فالنهج الصحيح لذاكر الموت أن يكون ذلك دافعاً له لاجتناب المعاصي وفعل الطاعات مع إحسان الظن بربه، فيكون خائفاً راجياً، فلا يدفعه ذكر الموت إلى القنوط من رحمة الله أو اليأس من روح الله، أو الوقوع في شيء من الخوف غير الطبيعي الذي قد ينكد الشيطان به عليه حياته.
وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29469، 46471، 57104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1428(9/4467)
الدليل على أن الله تعالى يحب لقاء عبده المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من صديق لي أن من يكون صالحا وملتزما بالإسلام ويموت وهو مشتاق للقاء الله عز وجل يكون الله مشتاقا للقائه، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحا فهل يوجد دليل عليه من الكتاب والسنة؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصح ما نعرف في هذا هو حديث الصحيحين: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قالت عائشة: إ نا لنكره الموت، قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه.
وراجع في أسباب حصول محبة الله ورضوانه مع أدلتها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74127، 20879، 47241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو الحجة 1428(9/4468)
ثواب من هم بسيئة فلم يعملها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في إنسان كان يريد أن يقتل إنسانا آخر ولكنه تراجع أو إنسان كان يريد أن يسرق وتراجع بعد وضع النية في السرقة، فما هو حكم الشرع فى ذلك الرجاء إفادتنا يا شيخ؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العزم على المعصية ونيتها إثم؛ كما قال النووي، وإذا تراجع العبد عنها ابتغاء مرضاة الله تعالى بعد التصميم على فعلها ففعله محمود شرعاً، وتكتب له به حسنة، لحديث الصحيحين: ... ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36046، 53487، 20234.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(9/4469)
ارتكاب المعصية في أشهر الحج قبل الدخول في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا ارتكبت معصية في أشهر الحج (شوال وذي القعدة) هل تكون حجتي إذا حججت حجة غير مبرورة على اعتبار الآية الكريمة (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى في الآية الكريمة: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ {البقرة:197} ، معناه من دخل في الحج بالفعل، وليس معناه من نوى الحج، أو من دخل في أشهر الحج، قال القرطبي في تفسيره للآية: أي ألزم نفسه بالشروع فيه بالنية قصداً باطناً، وبالإحرام فعلاً ظاهراً، وبالتلبية نطقاً مسموعاً.
وعليه؛ فارتكاب المعصية في أشهر الحج قبل الدخول في الحج لا تتناوله الآية، ولكنه يكون مرتكباً للمعصية في الأشهر الحرم، فإن حج ووفقه الله عز وجل للسلامة من الرفث والفسق غفرت ذنوبه إن شاء الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه. رواه مسلم وغيره.
وتراجع الفتوى رقم: 6574، والفتوى رقم: 23953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1428(9/4470)
وسائل استجلاب الإيمان العميق بقضية الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الكريم والفاضل أعزك الرحمن ورفع من قدرك، سؤالي هو: أنا على علم بأن الرزاق هو الله سبحانه، وأنه ليس بمقدور كائن من كان أن يمنع ما هو مكتوب منذ الأزل، وما قدر الله سبحانه لك من رزق في هذه الحياة الدنيا ستناله بإذن الله.. لكن هذا الموضوع مع علمي ويقيني التام به، إلا أني أحس بأنه ليس بالعمق والإيمان الكافي في قلبي، فعندما أقرأ قول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يحث بلالا رضي الله تعالى عنه على الصدقة: أنفق بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، أحس أني لا زلت في الدرجة الأولى.. كيف أصل إلى الإيمان الكامل في مسألة الرزق؟ بارك الله فيكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يساعد على زيادة اليقين والتصديق والثقة بوعد الله ووعيده أن تكثر من مطالعة الترغيب والترهيب والرقائق، وأن تكثر من تلاوة القرآن بالتدبر، وتتأمل في النصوص الواردة في هذه المسألة، مثل قوله تعالى: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ُ {العنكبوت:60} ، ومثل قوله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {يونس:107} ، ومثل قوله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {فاطر:2} ، إلى غير ذلك من الآيات، وتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: الرزق أشد طلباً للعبد من أجله. رواه القضاعي وحسنه الألباني.
وتأمل بعقلك في حال كثير من الدواب تعيش في البر والبحر والله يرزقها ويدبر أمورها، فترى الطير تخرج خماصاً في الصباح وترجع بطانا في المساء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
وتأمل اختلاف حاجيات الحيوانات فهذا يعيش في البحر ولو طلع للبر هلك، وهذا يعيش في البر ولو غرق في البحر هلك، وهذا يأكل ذوات السموم، وهذا تهلكه ذوات السموم، فالأمر بيد الله وتدبير أحوال الخلق بيده، فقوله حق ووعده حق؛ كما قال تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ {يونس:55} ، وقال تعالى: لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ {الزمر:20} .
فعلى المسلم أن يثق بذلك وأن يحسن الظن بالله عملاً بالحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله. رواه أحمد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1428(9/4471)
لا مؤاخذة على الصغير قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[تلازمني ذكريات عن أمور سيئة مرت علي أو فعلتها في صغري غير أنها تؤثر في حياتي بشدة وتشلني عن دراستي وأعمالي وأنا أدعو الله أن يمحو هذه الأمور من ذاكرتي نهائيا، فهل هذا اعتداء في الدعاء
فأفيدونا جزاكم الله خيراً وأبعد عنكم الهم والحزن فإن الأمر قد طال علي ولا أجد حلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بشغل وقتك وطاقتك بما يفيدك من علم نافع وعمل صالح، أو تسلية مباحة كرياضة وقراءة ومطالعة، واصرف ذهنك بالاشتغال وتوظيف الوقت والطاقة بهذه الأمور النافعة.
واصحب رفاقاً صالحين يساعدونك على تجاوز محنتك، واعلم أن ما يحصل في الصغر قبل البلوغ معفو عنه، ولا يؤاخذ الله العبد به، وأما الدعاء وسؤال الله تعالى محو هذا من ذاكرتك فليس من الاعتداء المحرم، وراجع في الاعتداء المحرم وأسباب تفريج الكرب والنجاح والأدعية المأثورة فيه، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23425، 20725، 54967، 70670.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1428(9/4472)
لا بأس بالسعي لزيادة الرزق وأفضل الوسائل لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[تحيه طيبه من عند الله.... وإليكم سؤالي: أنا أعمل ودخلي من هذا العمل يكفيني جداً والحمد لله، ولكني أردت أن أحصل على دخل أكبر لعمل أشياء أخرى في طموحي فهل هذا عدم رضا مني، أرجو توضيح الإجابة وإخباري بأي طريقة أطلب زيادة الرزق؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سعي المسلم في المزيد من تحصيل المال لينفع به نفسه وأهله لا حرج فيه، ففي حديث مسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. ولا يلزم من السعي في الازدياد من الخير أن يكون الإنسان غير راض بالقدر، وأما طرق طلب الرزق فأعظمها الأعمال الصالحة، ومنها التقوى والصلاة والصدقة وصلة الرحم والاستغفار والدعاء، ومنها الأسباب المشروعة.
وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7768، 29607، 56773، 69056، 60327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1428(9/4473)
هل يأثم من ارتكب معصية عن جهل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من فعل معصية جاهلاً بالحكم يأثم لأنه لم يسأل عن الحكم الشرعي في المسألة أم لا يأثم أبداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الإنسان يعذر إذا ارتكب محظوراً وهو جاهل بكونه محظوراً، قال الله تعالى: ... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:5} ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي وإنما الإثم على من تعمد الباطل. انتهى. وعن مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. قال: ما أتي بعد البيان. اهـ
ولكن إذا لم يؤاخذ من وقع في الذنب لجهله فإنه قد يؤاخذ ويأثم بتقصيره في طلب العلم الواجب، ومعرفة ما يحل له وما يحرم عليه، ولذا صرح كثير من الفقهاء بأنه لا يجوز لأحد أن يقدم على فعل شيء حتى يعلم حكم الله فيه، جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل بالنسبة للجاهل: أنه لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في هذه الصلاة، وهكذا في كل ما يريد الإقدام عليه، لقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم حكمه، فيكون طلب العلم واجباً في كل مسألة، وترك التعلم معصية يؤاخذ بها.
أما المؤاخذة بالنسبة للتصرف الذي وقع باطلاً مع الجهل، فقد ذكر القرافي في الفروق: أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة، فعفا عن مرتكبها، وأخذ بجهالاتٍ، فلم يعف عن مرتكبها. انتهى.
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى فيمن فعل مختلفاً في تحريمه من غير أن يقلد أحداً، قال: هو آثم من جهة أن كل أحد لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، وهذا أقدم غير عالم فهو آثم بترك التعلم، وأما تأثيمه بالفعل نفسه فإن كان مما علم في الشرع قبحه أثمناه، وإلا فلا ... انتهى من البحر المحيط للزركشي الشافعي.
ويفهم من هذا أن الإنسان إذا ارتكب معصية عن جهل وقد علم من الدين بالضرورة أنها معصية فإنه يأثم بفعله وأيضاً بتركه التعلم، وأما إن كانت مما لا يعلم من الدين بالضرورة فإنه لا يأثم بفعله، ولكنه يأثم بترك التعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1428(9/4474)
إشارات لمن يريد التقرب إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضيلتكم جدولا دينيا أواظب عليه كل يوم، وما هي مقترحاتكم لمن يريد التقرب من الله فأنا أشعر بتقصير شديد وأريد التوبة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يمكننا وضع جدول يخصك لأن هذا يختلف باختلاف أحوال الناس، والذي نوصيك به أن تحرصي على المحافظة على الوقت عموماً، وعلى أداء الفرائض والإكثار من النوافل، وكذا الحرص على العلم النافع ومصاحبة الصالحات، والعمل بالأذكار والأوراد الواردة في القرآن والسنة فهي أعظم للأجر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون من الصعب تحديد برنامج معين يخصك لأن مثل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس من جهة الشغل أو الفراغ، ولنا فتاوى سابقة تحتوي على برامج عامة يمكنك مراجعتها في الفتوى رقم: 5549، والفتوى رقم: 72862، ولنا فتاوى أخرى فيها بيان بعض الوسائل التي تعين على الثبات في طريق الاستقامة، وراجعي منها الفتوى رقم: 15219، والفتوى رقم: 56498.
ويمكننا أن نعطي هنا بعض الإشارات التي قد تفيدك، ومنها:
أولاً: الحرص على عبادة الوقت، ونعني بها العبادة التي حدد لها الشرع وقتاً معيناً لا يستطيع المسلم أداءها في غيره كصلاة الضحى ونحوها.
ثانياً: الحرص على ما يكون نفعه متعدياً كالإحسان إلى الخلق، وتقديمه على ما يكون نفعه قاصراً، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 41970، والفتوى رقم: 51031.
ثالثاً: الحرص على ما ورد به الشرع من الأدعية والأذكار والأوراد فهي أعظم للأجر، وانظري لذلك الفتوى رقم: 50694.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(9/4475)
وضع أخوه على جهازه صورا إباحيه فماذا يصنع معه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم، ولله الحمد، ولي أخ شاب، أيضا، اكتشفت في هذا الأسبوع أنه أدخل صورتين إباحيتين إلى كمبيوتري ماذا أفعل بخصوصه؟ مع العلم أنه يأتي إلى المسجد معي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بحضه على التوبة من جميع الذنوب، ومن استخدام الوسائل التقنية فيما لا يرضي الله تعالى، وحضه على شغل وقته وطاقاته بما ينفع من تعلم علم نافع وعلم صالح، وأن تحرص على تركيب برنامج الحماية لكمبيوترك حتى تحميه من المواقع الفاسدة، وتحرص على عدم استتخدام الناس له فيما لا يجوز، ومن الوسائل المساعدة على ذلك أن تجعله في مكان لا يستطيع فيه أحد أن يخلو به وحده، فاجعله في مكان استقبال الضيوف، وننصحك بعدم مصارحة هذا الأخ في الموضوع وأن تعطيه نصائح عامة، وتحرص على تقوية إيمانه، ومدارسة كتب الترغيب والترهيب حتى يحصل عنده من خشية الله والرغبة في رضاه ما يقمع الشهوة عنده، وحرضه على التبكير بالزواج إن أمكنه، وعلى الحرص على صوم النافلة.
وراجع للمزيد من البسط، فيما ذكرنا، وفي حرمة نظر الصور العارية، واستخدام الأجهزة في الفساد الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 93857، 64703، 58024، 66854، 64616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(9/4476)
الصبر على البلاء وترك الجزع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم ساعدوني ... قبل كل شيء والله العظيم أني صادقة بكل حرف أكتبه لكم -قبل كل شيء زوجي طلقني قبل 10شهور بعد عشرة 15سنة وكان سبب الطلاق زواجه بمغربية وقانون المغرب لا يسمح بالتعدد، وأنا ليس لي أحد بهذه الدنيا أمي توفيت منذ 15 وأبي قبل 8 سنوات ولي ولدان هم معي أنا أربيهم وأبوهم يصرف علينا كل شهر، فأنا بالأصل قريبته، والمشكلة أنه أول ما طلقني فكرت بالانتحار مرارا وتكرارا، ولكن خوفي من الله وخوفي أن زوجة الأب هي التي تربي أولادي من بعدي وخوفا على أولادي منعني من ذلك فأنا إنسانه الحمد لله متدينة ومؤمنة لا أقطع صلاتي وطيبة وحنونة وقد تحجبت بعد الطلاق فورا والحمد لله، مشكلتي هي كلمة الطلاق وكوني لوحدي بالمنزل والأولاد دائما بالمدرسة أجلس وحدي بالساعات أكلم نفسي وأتحدث عن الذكريات الجميلة والرائعة وصورة أبي أولادي لا تفارقني أبداً (كل يوم بجيب سيرته كل يوم بحلم في مستحيل ما قعد وأجلس أمام الصور وشريط العرس مستحيل) وصورته دوما في بالي أحن إليه وأشتاق لحضنه وأقول كيف عشرة 15سنة تذهب بسرعة البرق حتى أنه لا يكلمني فقط يتحدث مع الأولاد، فأنا في مصيبة لا أجد أحدا لكي أتحدث إليه حيث إنني بعد الطلاق سفرني إلي بلدي بعد أن كنت بالخليج مع شغلي وصديقاتي وجيراني وسيارتي وطبعا العيشة والمستوى المادي الذي كنت أعيشه ليس كالآن كل هذه الاشياء خسرتها وهو لم يخسر شيئا الأولاد يتحدث إليهم كل أسبوع ويشاهدهم بالكاميرا وأنا أغلي من الداخل حياتي أصبحت بلا هدف أو معنى ولا قيمة لها، الساعه 9 أكون نائمة ليس هناك من أتحدث إليه لا أحب الخروج من المنزل لا أحب أن أتكلم مع أحد أشعر إذا خرجت من البيت أن الكل ينظر إلي على أنني مطلقة، أعتقد أنهم كلهم يعرفون الجيران عندي لم أخبرهم بشيء أقول لهم إنه يعمل بالخليج ونحن عدنا بسبب غلاء المعيشة هناك لا أستطيع أن أنسى لأن الماضي جزء من حياتنا ولأن حياتنا بدأناها من الصفر فقد تزوجته وكان في آخر سنه من الجامعة حيث أبي رحمه الله يعني عمه يكون بالأصل هو الذي أعاشنا عنده 5 سنوات حتى قدر أن يقف على حاله وبعدها ذهبنا للخليج وكافحنا وصبرنا كثيراً حتى آخر سنة وأصبح والحمد لله معنا فلوس بعد أن اشترينا بيتنا هذا الذي أجلس فيه أنا وأولادي، أرجوكم أنا آسفة لأني تأخرت وأطلت الحديث لكن لا تقولوا لي اشتغلي لا أريد كل ما أفعله هو أنني أذهب إلي الصلاة دوما بالجامع فأنا لا أفعل شيئا سوى الأكل والشرب وتدريس الأولاد وشغل البيت ليس لي أصدقاء أو حتى أخوات لدي أخت في بلد ثان أشعر أنني أعيش بلا هدف فلم يعد للحياة طعم وقد أخذت عهداً على نفسي لا أريد أن أرتبط بأي أحد لأني باقية على وفاء وحب أبي أولادي ولأني أتمنى أن يكون لي زوجا بالآخرة وليس سهلا على المراة أن تتكشف على زوج أو رجل آخر غير زوجها وليس سهلا أن أرتبط بشخص آخر وأعرف طبعه وعاداته والله أعلم كيف يكون مع أولادي هذه الفكرة ليست واردة أبداً على بالي إنني أعيش على أمل واحد لا غير، وهو أن يكره زوجته الجديدة لعلها تكون نزوة ويعود لي مع أنني قلت له لا أريد منك أي شيء سوى أن أبقى على ذمتك حتى لا أصبح مطلقة فأرجوك رحمة لي ولأولادي لا أدري لماذا جاءته هذه القسوة مع أنه كان إنسانا حنونا يحبني ويحب أولادي كثيراً أقول دوما لعلنا طرقنا بالعين لعلها سحرته لأن كرهه لي غير طبيعي وقبل الطلاق أخبرني لا أريد أن أطلقك لأني أكرهك فأنا سوف أردك فقط لأن القانون هناك، وها هو يخبر أولادي لن أعود لأمكم مهما حصل لقد يئست كثيراً ودائما أكلم نفسي أصبحت أحب أن أجلس بمفردي وأكلم نفسي ومع الصور وأنا قدر ما وصفت لكم حالي قليل، لأنني أشعر أنني ظلمت وهذا ليس عدلاً مرات يعني يمكن يوم أو يومين فقط ما بكيت فيهم، أما باقي الأيام دوما ببكاء وبصوت عال خصوصا أنني بهذه المصيبة لم أجد أحدا بجانبي لا أم ولا أب حتى أخي وأختي بعيدين عني حتى أن أولادي أصبحت نفسيتهم مثلي ومستواهم الدراسي نزل والله يمكن لو أذهب إلى الدكتور سيكتشف عندي مائة مرض لا أدري ما الحل، لا تقولوا لي مع الوقت ستنسي لا، مستحيل ولا تقولوا لي أن أرمي الصور والشريط لا أقدر فالكل يعلم أن زوجي كان أحب علي من أولادي وكان هو كل حياتي، فأرجوكم فأنا دائما أحس بألم في رأسي ودائما أبكي، أحب أن أقول اللهم لا اعتراض وإن الله مع الصابرين لكن أنا فعلا بحالة اكتئاب وحالتي النفسية جداً رهيبة.
وشكراً لكم وألف شكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج عنك الهم ويزيل عنك الكرب، واعلمي أن الحياة دار ابتلاء وينبغي للمسلم أن يصبر على الابتلاء، فإن عاقبة الصبر خير، والجزع لا يأتي بخير فات ولا يدفع شراً آتيا، فنوصيك بالصبر وكثرة دعاء الله تعالى بأن يفرج عنك الهم، وعليك أن تستحضري أن هذه الدنيا فانية، وأن ما يقدر الله تعالى للمسلم فهو خير له، قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، وليس من شك في أن ما ذكرته من وحشة شديدة يعتبر مأساة كبيرة، ولكنه من الخطأ أن تقولي إن حياتك قد أصبحت بلا هدف، فهذا الكلام لا يليق بمسلمة تؤمل الثواب من الله، وترجو الدار الآخرة، فالهدف الكبير للمسلم والذي لا يحول دونه هدف هو الجنة.
والدنيا بحذافيرها لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء، كما ورد في الحديث الشريف، فهوني على نفسك وتوجهي إلى الله بصدق وإخلاص، وابحثي عن صديقات صالحات يساعدنك في تحمل المصيبة ويؤنسن وحشتك، وواظبي على الأدعية التي تزيل الكروب والهموم، ومنها ما ثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها، فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد وهو صحيح.
وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم. وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1428(9/4477)
التوبة وعدم اليأس من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عاماً، لقد وقعت في فاحشة ذهبت مع شاب بإرداتي إلي بيته لقد تبادلنا القبل، ولكن لم يحدث أي شيء أكثر من هذا، ولكني أحسست بذنب كبير وتركته، ولكن هو جاء وطلبني من أهلي، ولكن أنا رفضت ولم أقبل به لأني في حال ذهبت معه لبيته بالنسبة لي لا أستحق أي شيء في هذه الحياة أنا إنسانة متوفر لي كل شيء والحمد لله ندمت كثيراً أنا أسأل عن الكفارة ورجاء الإجابة على سؤالي لأني لا أنام من كثرة التفكير في الموضوع، وقبلها بيومين حلمت بأني كفرت بالحلم، وصديقتي حلمت بي بأني أمشي بالسوق مكشوفة الرأس وألبس قميصا شفافا وأني غير مبالية بأي شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الواجب عليك التوبة من هذا الذنب، والحذر مما قد يقودك للوقوع فيه مستقبلاً، ونوصيك بأن تهوني على نفسك فلا تشغليها بأمر الرؤيا التي رأيت في منامك أو رأتها صديقتك، ولا حرج عليك في الزواج من هذا الشاب إن رغبت في ذلك، فمجرد هذا الذنب ليس بمانع من الزواج منه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شأن المؤمن أن يستعظم الذنب، لأنه ينظر إلى عظمة من عصى، ولكن ينبغي أن تعلمي أن رحمة الله واسعة، ويكفيك أن تتوبي توبة صادقة وهذه هي كفارة هذا الذنب، ونوصيك بأن تسدي كل ذريعة قد تقودك إلى الوقوع في هذا الذنب مرة أخرى، وعليك بعد ذلك أن تستأنفي حياتك كأن شيئاً لم يكن لئلا يوقعك الشيطان في القنوط من رحمة الله، وفي ذلك كثير من سوء العواقب في الدنيا والآخرة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 1836.
وأما ما ذكرت من أنك رأيت في منامك أنك قد كفرت فلا تلتفتي إليه، فقد يكون مجرد حديث نفس أو من الشيطان، وقد يكون تنبيهاً لك للحذر من المعاصي عموماً، ونرجو أن لا تلتفتي كذلك إلى تلك الرؤيا التي رأتها صديقتك، ولا يبعد أن تكون رؤيا خير بأن تكون فيها إشارة إلى صدق توبتك وتكفير ذنوبك ومعاصيك، وأما زواجك من هذا الشاب فهو في الأصل لا حرج فيه، وما فعل معك من ذنب فليس بمانع شرعاً من زواجه منك، ولكن إن كنت تخشين أن يكون على سوء في دينه وخلقه فالأولى عدم الموافقة على الزواج منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(9/4478)
الحرص على ما ينفع وإحسان الظن بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا أي شيء أتمنى أن يتحقق لا يتحقق، وإن تحقق فبعد معاناة وقهر وعذاب وأكون قد كرهت هذا الشيء وهذا دائما يحدث لي من صغري، هل أنا صاحبة ذنوب لهذا يتكرر هذا الشيء، مع العلم أنني دائما أذكر الله وأستغفره وأسبحه في أوقات فراغي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحرص على ما ينفعه، ويسعى للحصول عليه بالوسائل المشروعة، ويستعين بالله في إنجاح أسبابه، ويحرص على عدم اليأس، وإن حصل ما لا يريده فليرض بقضاء الله وليصبر عملا بحديث مسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
ولا شك أن الاستقامة على الطاعة والتقوى والبعد عن المعاصي هي أنجح الوسائل في تحقق المطلوب فقد قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {سورة الطلاق 2،3}
فعليك أن تواظبي على الطاعات والاستغفار والدعاء بتسهيل الأمور فقد قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. {سورة غافر 60}
وعليك أن تحسني الظن بالله دائما فهو أرحم بك من أمك، وأعلم بمصالحك، وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. رواه أحمد وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/4479)
كيف تعرف أنك مخلص بدعوتك للآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرسل رسائل دعوية للناس باسم ذكر، منهم من أعرف أنه ليس طيبا، وقد يرسل أحدهم رسالة شتائم ولكني لا أرد عليها.
لكن أنا كيف أعرف هل أعمل هذا العمل لوجه الله؟ أم أنه مجرد لعب وتصفية حساب، ولأنه أحيانا تكون الرسائل تمس حاجة خاصة، مثلا شرب الخمر وهو فعلا يشرب، وإذا كان لعبا فكيف أحوله لله فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبادة التي أخلص فيها العبد هي التي يعملها المؤمن يريد بها وجه الله يبتغي رضوانه، فإن كنت أردت ابتداء بهذه الرسائل أن تقومي بما أوجب الله على العباد من الدعوة إليه والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فنرجو أن يتقبل عملك، وإن كنت أردت غير ذلك فعليك أن تتوبي وتجددي النية وتخلصيها لله.
وراجعي فيما يعين على الإخلاص في الأعمال، وفي كلام العلماء حول تعريف الإخلاص، وفي الدعوة عبر الإنترنت، وفي إيهام أنك ذكر، الفتاوى التالية أرقامها: 49482، 31449، 19043، 30911، 66185، 96867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/4480)
العبادات الصحيحة المقبولة تظهر ثمرتها على أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم إجراء مخالعة سابقة بيني وبين زوجتي وأعطيتها كامل مهرها على أساس وجود ثلاث طلقات، وبعد مرور شهر واحد تم سؤال دار الإفتاء في المدينة وأفتى بوجود طلقتين صحيحتين فقط وأراد أهلها ردها إلى منزل الزوجية ولكن بمهر كبير خوفا من تكرار الأمر، وخوفا على الأولاد قبلت ذلك وكتبت على نفسي مبلغا من المال غير المقبوض على الرغم من حالتي المادية الضعيفة، أتفاجأ بعد سنة بأنها تخبرني بأنها تزوجتني بعقد فاسد والمفتي الذي أفتاها المرة السابقة كان مخطئا، وخرجت من المنزل ورفعت قضية إلى المحاكم مطالبة بمهرها فقط، واعتبرت نفسها زوجة بشكل صحيح، مرت سنة ونصف في المحاكم والحكمين والقاضي لا يحكم بالطلاق خوفا من خراب البيت، وبعد أخذ ورد بين المحاكم والعودة ثانية إلى دار الإفتاء التي أقرت بصحة العلاقة الزوجية طالبتني بمهرها حتى تعود إلى البيت ولكن الضائقة المالية التي أعيشها لا تمكنني حتى من القيام بواجباتي نحو أطفالي الذين هم بحضانتي، وعلى كل حال تم الاتفاق أخيراً بعد جدال أن أعطيها المبلغ الذي دفعته للمحامي والمحكمة حتى تعود وذلك لإثبات حسن النية فقمت بالاستدانه بمبلغ من المال وهو عبارة عن راتب سنة كاملة، لأفاجأ وبعد استلامها المبلغ أنها تطلب المزيد فيومها غضبت غضبا شديداً حتى أنني قد قررت قتلها هي وأخيها الذي يلعب بعقلها، ولكن في الطريق لم أشعر بنفسي سوى أنني مستلق في سيارة الإسعاف وتم إسعافي إلى المستشفى وأعطيت مهدئات ومنومات، رجعت إلى المنزل وقمت بالاتصال بها وقلت وبالحرف الواحد أنتي طالق طالق طالق وبثلاثة وقد كنت عازم النية وأمام شهود، لن أسأل عن الطلاق لأنه واقع بل وعازم عليه، ولكن هل الإسلام فقط بالصلاة والصيام ولكن الإسلام معاملة، ضحكت علي وقامت بأخذ المال مني وتركتني أنا وأطفالي عرضة للمهانة وهل يحق لها ما فعلته، ألا يعتبر هذا المال سرقة، وهل أنا المظلوم أم الظالم والله يشهد على أنني لم أرد سوى الخير لها ولأطفالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام هو كل ذلك من صلاة وصيام ومعاملة حسنة وغير ذلك من أحكامه وتعاليمه، وإن كانت المعاملة الحسنة وكف الأذى عن الغير يعتبر ركنا ركينا، وبدون ذلك تكون تلك الأعمال من صلاة وصيام وغيرها أعمال لا روح لها ولا ثمرة مما يدل على خلل فيها، فالصلاة الصحيحة المثمرة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصوم يثمر التقوى وكف الأذى.
وهكذا باقي العبادات المأمور بها شرعاً فروحها وثمرتها هي ما يظهر على السلوك من خلق الإيمان والالتزام والتعامل الحسن، ففي الحديث عند أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله؛ إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار. قال: يا رسول الله؛ إن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الإقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ... وأن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل. حسنه الألباني.
وبناء عليه؛ فالإسلام والإيمان بنيان متكامل قول واعتقاد وعمل، وبحسب ما التزم المرء به من ذلك يكون إسلامه، وزوجتك عفا الله عنها وأصلحها قد أخطأت في حقك وكلفتك ما لا تطيق، ولكن ننصحك بعد أن كان ما كان وطلقتها طلاقاً لا رجعة فيه وأنت مصر على ذلك وعازم عليه أن تتناسى ما كان منها وتبحث عن غيرها من ذوات الخلق والدين لتسعد نفسك وتقر عينك وتقوم على رعاية أبنائك إن كانوا بيدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1428(9/4481)
إعفاف النفس عن الفواحش
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ.. أنا كنت أضع بعض الأطفال في حضني وبعض الأحيان (أنزل) من الفرج بسبب الشهوة ... ولم أكن أعلم أن هذا لا يجوز وكنت أعتقد أن هذا الأمر عادي وأعلم بحكم العادة السرية، ولكن لم أعلم أن هذا الفعل يعتبر عادةً سرية وعندما سألت أحد الشيوخ قال إن هذا من العادة السرية ... فما الواجب علي، أود منكم نصيحتي وإرشادي لما فيه الخير والصلاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
هذا الفعل محرم سواء سمي عادة سرية أم لا، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، والزواج خير وسيلة للعفاف، ومن عجز عن الزواج فعليه بالصوم عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الهدى والتقى واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبالنسبة لهذا الفعل فهو محرم سواء سمي عادة سرية أم لا، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن تحذر أسباب الفتنة على كل حال، وراجع الفتوى رقم: 22095.
وينبغي أن يعلم أن الشرع قد أرشد إلى الزواج كوسيلة لإعفاف النفس عن الفواحش، ومن عجز عنه أرشده إلى الصوم وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 37344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(9/4482)
متمسكة بدينها وتحسن إلى من حولها ويسيئون إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متدينة والحمد لله ومتمسكة بتعاليم الكتاب والسنة، غير أني محتارة جداً في أمري ولا أعلم له سببا، فقد ابتلاني الله بعداء كل من حولي، ففي المنزل دائما أسمع السب والشتم من أمي علي دون سبب بينما أنا دائما أسترضيها بالهدايا فتذم الهدية وأزورها فتتملل من زيارتي وأمازحها وأسليها بالحديث فتقطع حديثي وتسفهني واسألها عن السبب ولا تجيب، وذلك منذ صغري، وعند أهل زوجي كذلك فهم يعادونني، وفي العمل كذلك تعاهدوا على مقاطعتي حتي يخرجوني من المكان، ولما أسألهم عن السبب هل بدر مني سوء معاملة، فيقولون لا إنما لم تدخلي قلوبنا بدون سبب، وعندما آمرهم بمعروف أو أنهاهم عن منكر لا يتقبلون ذلك مني، فهل هذا ابتلاء أم ماذا، وكيف أفسر (إن الله إذا أحب عبداً حبب فيه خلقه وإذا أبغض عبداً بغض الله فيه خلقه) أفتونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بما أعطاك الله من التدين والتمسك بتعاليم الدين، وعليك أن تحرصي على التلطف بأمك وبرها ودعاء الله أن يوفقك في التعامل، وعاملي أسرتك وأصهارك وزميلاتك بالمعاملة الحسنة وإذا أساءوا إليك فقابلي إساءتهم بالحسنى فسيغير الله معاملتهم لك ويحببك إليهم، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم ٌ {فصلت:34} .
وعليك بالصبر والحفاظ على الطاعات والالتزام بأذكار المساء والصباح والتعوذ بالله من شر كل ذي شر، وراجعي لأسباب نيل محبة الناس، وللمزيد عما تقدم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74688، 76641، 22754، 30908، 22970، 51845، 63172، 75043، 70173.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(9/4483)
أمور تعين على الطمأنينة وراحة البال
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي طويل لكن ربما ما أذكره يخفف عني بعض الشيء، أنا كنت شابا ملتزما ورغم ذلك هُوجمت من كل الناس ولما قلت ألتزم أكثر واظفر بذات الدين، ربنا يعلم ماذا عملت وماذا عملوا، ولما حاولت أبعد لأني تقريبا تعبت من الالتزم يعني من غير ظلم تلك الإنسانة ولا أهلها وكرمهم معي لكن لا والناس أو قاموا يقولون الإخوة في الله..... وعرفت فتاة أخرى لتنسيني الأولى وهي بصراحة كانت على النقيض، كانت في معهد من معاهد الفنون المسرحية، لكن والحمد لله الموقف لم يختلف كثيراً كلهم بنات حواء، ولكن الغريب أن الرجال يكونون يعنى أصحاب مصلحة، ولا يوجد صاحب أو أخ كما يقول ديننا الحنيف، ولا حتى في نظام اليهود بيتا (بقو الشلو وأحنا أولاد عم ولا المسيحية ذهب إلى بلد يطبقوا الإسلام ولا يعلموه نحن فينا المشكلة الحقيقية) أنا كل هذا كنت أرفضه وكنت أضحك وألعب وكنت أتجاهل كل المشاكل، وفجأة حالة غريبة من الأرق والإجهاد يعني قلة نوم باستمرار مع الفزع عند الاسيقاظ والاستيقاظ بدون سبب ونسيان كل شيء باستمرار، وحتى في عملي لا أعرف ماذا أعمل،صحيح أني أعمل فى مجال الكمبيوتر وكنت ممتازا جداً في مجالي، لكن هذه الأيام لا أعلم ماذا حدث.
أرجوكم قفوا بجانبي، أتوسل إليكم أنا أحس أني لم أعد أنا فعلاً، جننت فى تصرفاتي وأفعالي وحيلتي وكل شيء. أرجوكم بسرعة.
أرسلوا الرد على الإيميل لأني فكرت في الانتحار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أنك كنت شاباً ملتزماً، وأحببت الظفر بذات الدين، والظاهر أنك ظفرت بها، ولم تذكر السبب الذي جعلك تتركها، ولا السبب الذي جعلك تقول إنك تعبت من الالتزام، ثم ذكرت إنك عرفت فتاة أخرى ولكنها على النقيض من الأولى، فهي كانت في معهد من معاهد الفنون المسرحية.. والظاهر أنك لم تجد من يساندك في محنتك، حسبما يقتضيه نظام ديننا الحنيف.
وذكرت أنك قد حاولت تجاهل المشاكل عن طريق الضحك واللعب، إلى أن وصلت إلى حالة شديدة من الأرق والفزع والاستيقاظ بدون سبب.. وبسبب ذلك نسيت كل شيء، حتى الشغل لم تعد تعرف الصحيح فيه من غير الصحيح، وكنت من قبلُ ذكياً وماهراً في مجال اختصاصك، وفي هذه الأيام لا تعرف الذي حدث، وتطلب منا أن نقف إلى جانبك في محنتك ... ورداً على هذا فنحن نسأل الله جلت قدرته أن يزيل عنك الذي جاءك، ويعيد لك ما كنت عليه من الالتزام.
واعلم أن المسلم لا يجوز أن يقول إنه تعب من الالتزام، لأن الالتزام هو دأب كل مسلم يريد رضا الله والجنة، ويخشى عذابه والنار، كما أنه أيضاً هو الوسيلة التي تجعل المرء يعيش في الدنيا حياة سعيدة طيبة، يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} ، ومما يعين على الطمأنينة وراحة البال الإقبال على قراءة القرآن، فالله تعالى يقول: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا {الفرقان: 32} .
وعليك بقراءة قصص الأنبياء والصحابة والصالحين، فالله يقول: وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {هود:120} ، وعليك باللجوء إلى الله والتضرع إليه أن يثبتك على دينه، وأن يزيدك استقامة وصلاحاً، فهذا مسلك المؤمنين كما حكى عنهم القرآن، قال سبحانه: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ {آل عمران: 8} ، وقال تعالى: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا {البقرة: 250} ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي عن أنس.
هذا مع الحرص على الصحبة الصالحة والرفقة المؤمنة، فهي مما يشد أزر المسلم في التزامه ويعينه على التمسك بدينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(9/4484)
أفضل العبادات التي يتقرب بها إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء ترتيب العبادات حسب الأفضل لأنني أريد الثواب الكبير ولا أعرف الترتيب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترتيب العبادة حسب الأفضلية متعذر، فالعبادة تنقسم إلى عبادة قلبية وعبادة بدنية وعبادة قلبية وبدنية معاً كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 95226.
فأفضل العبادات على الإطلاق شهادة التوحيد، وأفضل العبادات البدنية الصلاة على القول الراجح، ثم اخْتُلِف في ترتيب باقي أركان الإسلام حسب الأفضلية.
ففي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: وأفضل عبادات البدن بعد الشهادتين الصلاة ففرضها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل، ولا يرد طلب العلم وحفظ القرآن لأنهما من فروض الكفايات، ويليها الصوم فالحج فالزكاة على ما جزم به بعضهم، وقيل أفضلها الزكاة وقيل الصوم وقيل الحج وقيل غير ذلك. انتهى.
وقال النووي في المجموع: فالمذهب الصحيح المشهور أن الصلاة أفضل من الصوم وسائر عبادات البدن، وقال صاحب المستظهري في كتاب الصيام: اختلف في الصلاة والصوم أيهما أفضل؟ فقال قوم: الصلاة أفضل، وقال آخرون: الصلاة بمكة أفضل والصوم بالمدينة أفضل، قال: والأول أصح. انتهى.
وقد ثبتت أفضلية بعض الطاعات في بعض الأحاديث الصحيحة وقد حُمِل ذلك على أنه إجابة مخصوصة لسؤال مخصوص تناسب حال كل سائل وما يليق به، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل، قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الل هـ.
قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: وسؤاله عن أفضل الأعمال طلباً لمعرفة ما ينبغي تقديمه منها، وحرصاً على علم الأصل، ليتأكد القصد إليه وتشتد المحافظة عليه، و"الأعمال" ها هنا لعلها محمولة على الأعمال البدنية، كما قال الفقهاء: أفضل عبادات البدن الصلاة. واحترزوا بذلك عن عبادة المال، وقد تقدم لنا كلام في العمل: هل يتناول عمل القلب، أم لا؟ فإذا جعلناه مخصوصاً بأعمال البدن، تبين من هذا الحديث: أنه لم يرد أعمال القلوب، فإن من عملها ما هو أفضل، كالإيمان.
وقد ورد في بعض الحديث ذكره مصرحاً به أعني الإيمان، فتبين بذلك الحديث أنه أريد بالأعمال ما يدخل في أعمال القلوب، وأريد بها في هذا الحديث ما يختص بعمل الجوارح، وقوله "الصلاة على وقتها" ليس فيه ما يقتضي أول الوقت وآخره، وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت خارج الوقت قضاء. وأنها لا تتنزل هذه المنزلة، وقد ورد في حديث آخر "الصلاة لوقتها" وهو أقرب لأن يستدل به على تقديم الصلاة في أول الوقت من هذا اللفظ، وقد اختلفت الأحاديث في فضائل الأعمال، وتقديم بعضها على بعض، والذي قيل في هذا: إنها أجوبة مخصوصة لسائل مخصوص، أو من هو في مثل حاله، أو هي مخصوصة ببعض الأحوال التي ترشد القرائن إلى أنها المراد، ومثال ذلك: أن يحمل ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم من قوله: ألا أخبركم بأفضل أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم؟. وفسره بذكر الله تعالى على أن يكون ذلك أفضل الأعمال بالنسبة إلى المخاطبين بذلك، أو من هو في مثل حالهم، أو من هو في صفاتهم، ولو خوطب بذلك الشجاع الباسل المتأهل للنفع الأكبر في القتال لقيل له "الجهاد" ولو خوطب به من لا يقوم مقامه في القتال ولا يتمحض حاله لصلاحية التبتل لذكر الله تعالى، وكان غنياً ينتفع بصدقة ماله لقيل له "الصدقة" وهكذا في بقية أحوال الناس، قد يكون الأفضل في حق هذا مخالفاً في حق ذاك، بحسب ترجيح المصلحة التي تليق به. انتهى.
فهذا كلام نفيس فتدبره تنتفع به، واحرص على الاستزادة من الخير، وننصحك بالمحافظة على الفرائض فإنها أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى ثم الإكثار من نوافل الطاعات، واضرب في كل باب منها بسهم، وابتعد عن كل ما نهى عنه الشرع وحذر منه، فذلك طاعة من أفضل الطاعات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(9/4485)
تبيت في غربتها وحيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الخامسة والعشرين من العمر، أعمل في بلد عربي، عزباء وأسكن في بيت لوحدي منذ سنتين، لست متحجبة ولكن أصلي وأصوم وعلى قدر من الإيمان وأخاف الله، أواجه مشكلة أنني أرى أشياء في البيت وأشعر بأن شخصا ما يحاول فتح باب البيت أثناء نومي وأشعر بأنني أريد الصراخ ولكن شيئا ما يكبت على صدري ويمنعني من ذلك، أحاول رفع صوتي ولا أستطيع وأحاول الحركة ولا أستطيع....
أرجو منكم تزويدي بشرح لهذه الحالة وهل تعتبر حالة نفسية أو هناك مشكلة ما في داخلي!!!
أرجو مساعدتي في حيرتي وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولا ننصح السائلة بالالتزام بدينها والتمسك بكامل أخلاق دينها ومن ذلك الحجاب الذي هو عنوان العفة ودليل الشرف، ولتراجع الفتوى رقم: 34385.
ثانيا: ترك العزوبة والسعي في الزواج، فإذا تقدم لك من ترضين دينه وخلقه فلا تتأخري في قبول الزواج به ولا يشغلنك عن ذلك عمل أو اغتراب.
ثالثا: ننصحك بتلاوة القرآن والأذكار والتعوذات المأثورة فهي من أقوى ما يحفظ الإنسان بإذن الله من الشياطين والأحلام المزعجة، ولتراجعي الفتوى رقم: 72496، والفتوى رقم: 93634.
أما عن استشكالها وتفسير ما تراه فإنا نحيلها إلى قسم الاستشارات بموقع الشبكة، فلترسل له فلعلها تجد تفسيرا عنده لما ترى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(9/4486)
معيار الإنسان الصابر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الصبر: لقد تصفحت عددا كبيرا من فتاواكم في هذا الموقع عن الصبر ولكن سؤالي هو:
كيف يعرف الإنسان أنه صابر؟
وهل البكاء ينافي الصبر ويعني التسخط؟
وهل حزن القلب ينافي الصبر ويعني التسخط؟
أسأل هذه الأسئلة لأنه أحيانا كثيرة أضعف ويغلبني الحزن والألم وأبكي فحينها لا أعرف هل أنا صابرة أم لا؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنسان يعرف صبره عند صبره على الطاعة وصبره عن المعصية وعلى المصائب. وقد روي عن علي رضي الله عنه أن الصبر يقوم على أربع شعب: على الشوق، والشفق، والزهد، والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات، ومن زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سعى إلى الخيرات.
وأما البكاء وحزن القلب فلا ينافيان الصبر إن لم يكن هناك نياحة ولا تسخط للقدر. وأما تسخط القدر وعدم الرضى به فهو ممنوع شرعا. وعليك الدعاء وسؤال الله أن يصرف عنك ما تشتكين منه. وراجعي في اكتساب منزلة الصبر والوسائل المعينة عليه وفي المزيد عما تقدم الفتاوى التالية أرقامها: 41098، 28045، 61485، 70891، 32180، 73010، 69805، 55928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(9/4487)
الحكم من وراء ابتلاء المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الجمع بين مسألة الابتلاء وزيادة شدته بالإيمان وبين بركة العيش للمؤمن المذكورة في النصوص التالية: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. الحديث القائل: ويبتلى المرء على قدر دينه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {الأعراف:96} ، يفيد أن بقاء الأمم مربوط بما يكون عليه حالها من الصلاح والاستقامة، وأن تدميرها وانهيارها يكون بسبب سوء سيرتها.
وقد ضرب الله الأمثال على ذلك بوضوح، قال تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ {النحل:112} ، وقال تعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا {الكهف:59} .
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: يبتلى الرجل على حسب دينه ... الحديث. فإنه في شأن الأفراد وليس متعارضاً مع الآية الكريمة، وذلك لأن بلاء الله للمؤمنين أمر مهم لهم لا ينافي إسعاد الله لهم ولا يعارض تكريمه إياهم بأنواع التكريم، فالبلاء يكون سبباً لتكفير السيئات ورفع الدرجات، وأهل الإيمان يظلون مرتاحين صابرين ويسعون في رفعه بالصبر والدعاء والاستقامة على الطاعات، والمؤمن يعيش في سعادة ولو لم تتوفر لديه الأسباب المادية، والكافر يعيش في تعاسة وشقاء ولو كان من أغنى الناس، قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:123-124} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/4488)
ستر الله تعالى على عبده في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث شريف ينص على أن من فعل ذنبا فستره الله في الدنيا حتى تاب فإن الله سيستره يوم القيامة، فهل هذا يدل على أن من فعل ذنبا ثم تاب منه وبعد التوب فضح أمره ونعته الناس به وآذوه به، فهل هذا دليل على أن الله سيفضحه يوم القيامة؟ وكيف نفسر هذا إذا كانت التوبة صادقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.
وفي الصحيحين أنه قال: يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا، يقول أعرف، يقول رب أعرف مرتين، فيقول سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم.
وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين.
وقد ذكر ابن حجر أن هذا الحديث يفيد ستر الله تعالى يوم القيامة لأهل الإيمان بدليل أنه استثنى الكفار من الستر وكذا المنافقين في رواية أخرى.
وأما فضح الإنسان في الدنيا فلا يلزم منه فضحه في الآخرة ولا سيما إذا استغفر وتاب توبة صادقة وستر نفسه فإن الغفران يفيد الستر لأن مادة غفر معناها الستر ومنه المغفر الذي يستر الرأس.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 1330، 1863، 67623.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/4489)
التعبد بقصد استغلال الفراغ والفوز بالسعادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العباده إذا قصد بها صاحبها بعض الأمور كالسعاده مثلا، أو من أجل استغلال وقت الفراغ أو طلب تيسير الأمور فهل تكون صحيحة أم لا، وما هي الأمور التي تخل بالنية الصالحة؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك عن حكم العبادة إذا قصد بها صاحبها بعض الأمور كالسعادة.. إذا كنت تعني به قصد السعادة في الآخرة والنجاة من عذاب يوم القيامة، فجوابه أن رجاء الثواب من الله تعالى والرغبة في جنته ... والخوف من غضبه وعقابه.. لا يتنافى مع الإخلاص قطعاً.. بل هو دأب الصالحين، وعبادة المقربين من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم إلى يوم الدين.
وقد تواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، فقد قال تعالى حكاية عن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام في بعض أدعيته الكثيرة: وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ {الشعراء:85} ، وقال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء:90} ، وإن كنت تعني به السعادة في الدنيا وتيسير بعض الأمور فيها فإنه لا يكون في ذلك من حرج أيضاً، فكون الشخص يريد من ربه أن يصلح له أحواله ويفرج كربه ويزيل همومه وغمومه كل ذلك محمود شرعاً، والدعاء يأتي في هذا المعنى، وقد سماه الشارع مخ العبادة كما في حديث الترمذي، لما ذكره أهل العلم من جواز فعل صلاة الحاجة، ولك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 3749.
ولما أمر الشارع به من صلاة الاستخارة إذا أراد المرء فعل أمر ...
ولا يتنافى شيء من هذا مع استغلال وقت الفراغ إذا كان القصد حسناً، لأن الشرع الحنيف قد حث على استغلال أوقات الفراغ، أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ.
وأما الأمور التي تخل بتصحيح النية فإنها إشراك الغير مع الله في العبادة، قال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/4490)
كيفية تحقيق الرضى بالإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتحقق الرضى بالإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرضى بالإسلام أو ما يمكن أن نسميه حلاوة الإيمان تتحقق بما لخصه الرسول - صلى الله عليه وسلم – في قوله: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا. رواه مسلم.
ومن أراد أن يرزقه الله ذلك، فعليه أن يحافظ على الفرائض ويكثر من النوافل والطاعات، ويبتعد عن جميع المنهيات لينال الحب من الله، فقد جاء في الحديث القدسي الشريف:.. ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به. ..رواه البخاري ومسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/4491)
إحسان الظن بالمسلمين واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[بالله عليكم أرجو إفادتي في هذه الحالة, حيث إنني كنت مقيما مع شخص في سكن وذات يوم استيقظت من نومي العادي، ولكن وجدت دما بداخل سروالي الداخلي، فهل يمكن أن أكون تعرضت لغدر من هذا الإنسان, وماذا يمكن أن يكون هذا الأمر علماً بأني مستيقظ من نومي عادي ولم أشعر بأي آلام، فأرجو الإفادة، الحيرة تكاد تقتلني في تفسير هذا الأمر, فهل يمكن للإنسان أن يتعرض للغدر وهو نائم دون أن يشعر، فأرجو الإفادة بسرعة رحمة بحالي جزاكم الله خيراً، علما بأن عمري حينها كان 38 عاما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن واجب المسلم هو أن يحسن الظن بالمسلمين ما لم يجد دليلاً على سبب ظنه، وقد نهانا الله عز وجل عن سوء الظن، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} .
ووجود الدم بداخل سروالك الداخلي قد يكون لسبب بسيط: كأن يكون جرحاً فعلته بنفسك دون شعور، أو يكون من دمل خفيفة في بدنك أو غير ذلك ...
وعلى أية حال فلا داعي إلى هذه الحيرة التي قلت إنها تكاد تقتلك، ونسأل الله أن يقينا وإياك من المكروه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/4492)
الجزع لا يرد ما فات ولا يدفع ما هو آت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من كآبة شديدة وكلما أريد أن أستمع إلى القرآن أو أصلي يأتي إلى خيالي أفكار سيئة ولهذا أترك الصلاة والقراءة، ومن قبل كنت محظوظة جداً وكنت كلما أدعو بدعاء يستجاب لي حتى أنني كنت سعيدة وأشكر الله دائما على النعمة والجمال الذي أعطاني إياه، ولكن الآن أرى كل الطرق مسدودة في وجهي لا أستطيع أن أدعو ولا أن اقرأ القرآن ولا أصلي كالسابق، وللعلم بأنني أصبت بصدمتين أولاً من الشخص الذي أحبه، وثانيا تعرضت لحادثة السيارة وبقيت 3 شهور لم أستطع التحرك من مكاني، الحمد لله شفاني الله، فكيف أخرج من هذه الكآبة ساعدوني، وأسأل الله أن يساعدكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج عنك الهم ويزيل عنك الكرب ويرزقك المحافظة على الطاعات، واعلمي أن الحياة دار ابتلاء وينبغي للمسلم أن يصبر على الابتلاء، فإن عاقبة الصبر خير، والجزع لا يأتي بخير فات ولا يدفع شراً آت، فنوصيك بالصبر وكثرة دعاء الله تعالى بأن يفرج عنك الهم، وعليك أن تستحضري أن هذه الدنيا فانية، وأن ما يقدر الله تعالى للمسلم فهو خير له، قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون َ {البقرة:216} ، ومما نوصيك به أيضاً أن تكثري من رقية نفسك بالرقية الشرعية، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء.
واعلمي أن المعاصي قد تكون سبباً أساسياً فيما يصيب المرء من هم وغم، فإن كنت ألممت ذنباً فتوبي إلى الله، وقد ذكرت عبارة (الشخص الذي أحبه) فإن كنت تقصدين أنك كنت على علاقة محرمة مع رجل أجنبي عنك فهذه في ذاتها معصية تجب التوبة منها.
وللمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97352، 16946، 20939.
ولا يجوز أن تكون هذه الكآبة مانعة لك من فعل الطاعات من تلاوة القرآن والصلوات ونحو ذلك، فإن الطاعة مما تدفع به الكآبة، ونرجو أن لا يكون مقصودك بما ذكرت بالسؤال ترك الصلاة بالكلية فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم، فالواجب الحذر، وراجعي الفتوى رقم: 1145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/4493)
توبة الله على المشرك إذا انتهى عن الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: أشكركم على ما تقدموه لنا من أمور تفيدنا في ديننا الحنيف، وثانياً: ما أعرفه أن الله تعالى يتوب عن كل الذنوب إلا الشرك، ولكني قرأت قبل ذلك في موقعكم أن الله قد يغفر للمشرك لو تاب، فأصابتني الحيرة عندها، فهل يعني هذا أن الله يتوب عن المشرك الذي يعبد مع الله شيئا من مخلوقاته، وما الدليل على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يغفر للمشرك إذا أسلم وانتهى عن الشرك، لقول الله تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38} ، ولقوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وأما من مات على الشرك فإنه لا يغفر له، لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48} ، ولقوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {النساء:18} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/4494)
الاستقامة على التقوى والجمع بين الخوف والرجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من المشايخ الكرام ألا يستثقلوا طول اسئلتي.... إنني شاب تاب منذ أقل من سنتين وأحسست في سنتي الأولى بالفتوح المتواصلة حيث كنت أتدرج شيئا فشيئا في طريق الالتزام ... رغم الفتن.. حتى أحسست بالقرب من الله الذي أحاطني سبحانه ببيئة طيبة ... ثم إذا بي أقع في أوحال من المعاصي القلبية من عجب ورياء ونفاق.... رافقه ابتلاء أمني وجدت نفسي معه منهارا.. بلا يقين ولا خشية ... بل بقنوط ... إلى درجات يندى لها الجبين ... وبلغ بي الحال إلى أنني أردت ترك الصلاة بالكلية إلا أن أحدهم أخبرني ما أنا فيه الآن نكسة قد أعاقب عليها ولكن عقاب الردة أشد فواصلت الصلاة وأنا موقن أن ذلك يخالطه الرياء ... حتى إنني إذا أردت أن أعصي علنا تذكرت رؤية الناس لي فتركت المعصية ... فلطالما راودتني نفسي على إسبال الإزار وعلى مصادقة زميلات الكلية..... وردني عن ذلك رؤية رفاقي لي.... ومع العودة إلى الدراسة هذه السنة وجدتني وقد أطلقت بصري فيما حرم علي ربي خاصة عندما لا يكون زملائي معي ... والله أنني غارق في بحر من الشهوات كلما أردت أن أخرج منه زدت غوصا فيه لأنني لست صادقا مع ربي ... الآن هجرت الدعوة والقيام لم أعد اقرأ القرآن إلا في المسجد ... حتى أنني أصبحت أتعلمه عند شيخ وأحس بأنني أخشى الخطأ أمامه أكثر من أن أخشى الخطأ وأنا أقرأ دون جهر أجوده أمامه وأقرؤه بجفاف وأنا أقرأ سراً.... وإذا ذكر أحدهم كلمة جهاد فلا تسأل عن حالي ... والله لقد تدنست نفسي ... والله أنني أصبحت مصيبة من مصائب الأمة المحمدية ... إنني الآن أحس بإرهاق وضغط نفسي كبير، وما زاد من إرهاقي هو إصابتي بسلس المذي فهل له من دواء، فأفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تتقي الله تعالى وتتوب إليه من جميع الذنوب توبة صادقة وألا تعود إلى تلك المعاصي وألا تقنط من رحمة الله فإن القنوط من رحمة الله تعالى من كبائر الذنوب كما أن أمن مكر الله تعالى من كبائر الذنوب فعلى المسلم أن يكون خائفاً من الله تعالى طامعاً في عفوه ورحمته وسائر فضله وإحسانه، كما يجب عليك أن تلتزم بصلاتك فإن ترك الصلاة ليس بالأمر الهين إذ قد يؤدي للكفر والعياذ بالله تعالى، كما ننصحك بالتزام الطريقة التي كنت عليها من اجتناب المعاصي والمشاركة في الدعوة وقراءة القرآن وصحبة الصالحين وجاهد نفسك على تحصيل الإخلاص في عملك وألا تعمل العمل الصالح لأجل الناس ولا تتركه من أجلهم أيضاً أي خشية أن يكون رياء بل جاهد نفسك على الإخلاص، ومما يعينك على ذلك استشعار عظمة الله سبحانه، وأنه مطلع على ما يدور في صدرك وأنه الذي بيده أمرك كله سبحانه، وأن من يراك من الناس وأنت على العبادة لا يملك لك ضراً ولا نفعاً، فلماذا إذاً يصرف الإنسان أعماله وعبادته لطلب عبد مثله، وانظر لذلك الفتوى رقم: 96595 والفتاوى المحال عليها فيها لبيان علاج الرياء والعجب والنفاق.
أما فيما يتعلق بالقراءة على الشيخ وأنك تخشى الخطأ أمامه أكثر من خشيتك وأنت تقرأ وحدك فهذا أمر معتاد فإن من المعلوم أن كل من يسمع على أي أحد يحاول أن يأتي بالقراءة على أكمل وجه وليس هذا من الرياء فيما يبدو، لكن على المسلم أن يحترم القرآن ويجود قراءته سواء كان يقرأ وحده أو يسمع على شيخ، ولبيان ما يفعل من أصيب بسلس المذي راجع الفتوى رقم: 77089، وقد ذكر الفقهاء أن الزواج من علاج سلس المذي وبإمكانك مراجعة الأطباء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1428(9/4495)
مظاهر عبادة القلب واللسان الجوارح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مظاهر العبادة على القلب واللسان الجوارح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من مظاهر عبادة القلب أن يكون موقنا مخلصا محبا لله خائفا منه راجيا شاكرا، ومن مظاهر عبادة اللسان الإكثار من ذكر الله وتلاوة القران والإقرار بالتوحيد وبتعلم العلم النافع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال، ومن مظاهر عبادة الجوارح خضوعها للأوامر واستقامتها عليه فيمتثل بجوارحه للأوامر، ويبتعد بها عن المحظورات.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(9/4496)
سبيل التخلص من الميول الجنسي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعثت لكم برسالة من قبل أشرح معاناتي من ميولي الجنسية لأبناء جنسي واستمعت لنصائحكم والتزمت بفضل الله ببعض مجالس الخير وابتعدت عن المواقع الإباحية الشاذة ولكن مازلت أحس بنفسي بذلك الشذوذ، حتى عندما أكون في المسجد، أنا أخجل من نفسي كثيرا عندما ترف عيني إلى شاب مثلي قد أراه في المسجد أو في الطريق أو في أي مكان حتى أنني أشعر أحيانا أنني لن أتغير أبدا وأن هذه فطرتي
ملاحظة: إني عندما كنت في 5 من عمري قام من هو أكبر مني بجعلي أمارس الرذيلة معه.
فأرشدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الهدى والمزيد من الاستقامة، والبعد عن جميع الفواحش، ونهنئك على ما وجدت من الاستفادة من تلك النصائح السابقة، ونفيدك أن علاج ما تحس في نفسك يحصل بعدة أمور منها:
1- أن تشغل نفسك ووقتك وطاقتك ببرنامج مفيد يشتمل على علم نافع وعمل مثمر وتسلية ببعض المطالعات في السير وقصص السلف أو ببعض الرياضات المباحة فاطمح لأن تحفظ القرآن الكريم وتتفقه في الدين.
2- احرص على أن تشتغل بذكر الله كلما خطرت بقلبك الأفكار الشاذة حتى تطرد إغراءات الشيطان.
3- أكثر من الدعاء وسؤال الله العفة فقل: اللهم طهر قلبي وحصن فرجي، وقل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي.
4- احرص على غض البصر عن النساء وعن الشباب المردان الذين يخشى من نظرهم حصول الانحراف وبادر بالزواج إن تيسر لك وإلا فأكثر من صوم النفل.
5- إياك واليأس من التغيير فإن الله تعالى هو مصرف القلوب، فادع الله أن يصرف قلبك عن الشر إلى الخير وأن يثبتك على الدين.
6- وعليك أن تنسى ما حصل منك في الصغر فأنت إذ ذاك غير مؤاخذ ولا مكلف.
7- احرص على مجالسة وصحبة أهل الاستقامة والطاعة الذين يذكرونك ويساعدونك في الطاعة.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 70674، 59332، 43527، 62535، 179، 69212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1428(9/4497)
التلبس بالطاعة حال الموت من علامات حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي كان يقرأ لوالدته سورة يس وهي تحتضر فطلبت منه أن يقرأ لها سورة الأعراف، وبعد دقائق قالت اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ثم أسلمت الروح، ما تفسير ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من دلالات حسن خاتمة المرء أن يموت وهو على طاعة، ونرجو أن يكون من ذلك ما حصل لوالدة صديقك، ثم إن قراءة سورة الأعراف عند الميت غير واردة حسب اطلاعنا، لكن ذلك جائز، وإنما الوارد في ذلك قراءة سورة يس، وإن كان الحديث في ذلك ضعيفاً لكن أخذ به الكثير من العلماء، فاستحبوا قراءة هذه السورة على الأموات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نطلع على ما يدل على أن سورة الأعراف تقرأ عند المحتضر مع أن ذلك جائز، والوارد إنما هو قراءة سورة يس، كما ورد بذلك الحدث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان ونص الحديث: اقرأوا يس على موتاكم. وهو ضعيف كما قال غير واحد من أئمة الحديث كالدارقطني، ولكن أخذ به الكثير من أهل العلم فاستحبوا قراءة هذه السورة على الموتى.
ثم إن من علامات حسن الخاتمة أن يموت المسلم وهو متلبس بطاعة، ولا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الطاعات وأعظمها، لذلك نرجو أن تكون هذه المرأة ممن حسنت خاتمته، مع أنه ينبغي لمن يكون مع المحتضر أن يلقنه الشهادة لتكون آخر كلامه، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 68331.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(9/4498)
النصيحة لمن يوسوس له الشيطان أن يقع ببعض محارمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل عمري 24 سنة طاقتي الجنسية كبيرة، وغير متزوج لكني أفكر أحيانا في بعض المحارم كالأخت مثلا وأتمنى أن أجامعها لكني والحمد لله لم أفعل بينما الوسواس موجود. وأنا رجل أصلي، والحمد لله.
أتمنى منكم أن تجدوا لي طريقة للخلاص من ذلك، علما بأني غير قادرعلى الزواج حاليا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قلت إنك تفكر فيه أحيانا من الاستمتاع بالمحارم كالأخت، وتمني مجامعتها، هو تفكير شاذ للغاية ولا يسوغ للمسلم.
والواجب عليك –إذ صرت كذلك- أن لا تختلي بإحدى محارمك مهما كانت الظروف، وأن لا تنام معها في غرفة واحدة.
ثم إننا نذكرك بأن الزنا من أعظم الكبائر، وهو مع المحارم أشد، حيث قال بعض أهل العلم بأن فاعله يعاقب في الإسلام بالقتل، محصنا كان أو غير محصن، لخبر: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، لكن أهل العلم قد ضعفوه.
ولا يخفى عليك أن الأخ مطالب بحماية أخته والذود عنها، فلا يسوغ له بحال ولا يعقل أن يكون الأخ ذئبا يهتك عرضها.
وإليك بعض النصائح نوجزها لك في نقاط:
1- عليك بتقوى الله سبحانه والمحافظة على الفرائض، وأهمها الصلوات في أوقاتها جماعة في المسجد.
2- صاحب الأخيار والصالحين، واحرص على حضور مجالس العلم النافع.
3- ننصحك بالزواج متى قدرت عليه، وقبل استطاعته فعليك بالصوم، كما في الحديث ... قال: صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم، ومعنى (وجاء) وقاية من الزنا.
4- إذا دعتك نفسك إلى الريبة بأختك فتذكر أن الله مطلع عليك، وتذكر عواقب الزنا الوخيمة على المرء في الدنيا والآخرة، ويكفي أن الله نهى عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه بقوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً. {الإسراء: 32} .
قال أهل التفسير: "إنه كان فاحشة" أي ذنباً عظيماً، "وساء سبيلا" أي وبئس طريقا ومسلكاً.
5- أكثر من الدعاء والالتجاء إلى الله أن يصرف عنك الفواحش، وأن يطهر قلبك وأن يحصن فرجك.
6- أشغل وقتك بالطاعة وتب إلى الله وأكثر من الاستغفار.
ونسأل الله أن يعيننا وإياك على الطاعة والابتعاد عن المعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(9/4499)
التضجر من القريبة المصابة بالخرف هل ينافي الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[لى جدة من الأب وصلت إلى أرذل العمر وبصحة جيدة وقوية ولكن نسيت كل شىء حتى اسمها، وتخلى عنها جميع أبنائها وأحفادها وهي الآن تسكن مع أبي ذي الأبناء الكثيرين، المشكلة أن جدتي تفعل أشياء لا يصدقها عقل ولا يتقبلها أي إنسان. مثلا هي تتبول وتتبرز في أي مكان بالبيت، ولاتريد دخول الحمام لأنها لا تدري هي ما تفعله وتقوم بمسح هذه القاذورات بيدها وملابسها، مما يدفع أمي وإخوتي إلى الغضب عليها مما يلاقوه من تعب نظافتها ونظافة المكان، مما يرهقهم كثيرا، وأنا أحثهم على أن هذا اختبار من الله لنا ولأبنائها الذين تخلوا عنها في هذه السن. فهل غضب أمي وإخوتي وثورتهم عليها مما تفعله يلغي الأجر المنتظر من الله أو يخفضه؟ للعلم أمي وإخوتي ملتزمون، ويقرؤون القرآن، ومحافظون على صلواتهم.
أريد منكم كلمة لأمي وإخوتي تصبرهم على ماهم فيه من مشقة، والتي لا يشعر بها أحد من باقي ابنائها وأولادهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إظهار التشكي والتسخط ينافي كمال الصبر. ولذا فإن تلك الأمور قد تنقص الأجر لكنها لا تحبطه، قال تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. {سورة الزلزلة8،7} .
وتلك المسكينة لا تملك أمر نفسها لخرفها وفقدها لوعيها فهي لا تقصد فعل ذلك ولا الإساءة إليهم به، فغضبهم لا يغير من الواقع شيئا، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الغضب، وانظر الفتوى رقم: 8038، فينبغي أن يعوا ذلك ويحرصوا على كسب الأجر بمعاملة تلك المسنة بلطف، وعلى إخوتك إن كانت جدتهم أن يبروها ولا يضجروا من أفعالها ولا يرفعوا أصواتهم عليها لما بيناه في الفتوى رقم: 9213، والفتوى رقم: 62781.
ولمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 100029.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1428(9/4500)
الصبر عند البلاء واحتساب الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخاف من كلمة إذا أحب الله العبد ابتلاه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي سنن الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط. فكن ممن رضي وكان له الرضى وجزيل الثواب، لا ممن سخط وجزع ولم يرض بقضاء الله، لكن شرع لك أن تستعيذ بالله من سيئ الأسقام ومن جميع الفتن، ومن تحول العافية وفجاءة النقمة، ولك أن تسأله العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
فإن ابتليت فاصبر واحتسب الأجر عند الله، ففي الحديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعلمه ابتلاه في جسده أو في ماله أو في ولده ثم يصبره حتى يبلغ المنزلة التي سبقت له منه. رواه أحمد وأبو داود. واستشعار ذلك وأن الله تعالى إنما ابتلى المؤمن لحبه إياه وقربه منه أو لتكفير خطاياه، كل ذلك يذهب هم الضراء ويخفف ألم المصيبة وكرب البلاء، ولله در خبيب يوم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً * على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
فدع الخوف جانباً، وابتغ حب الله وتقرب إليه، وافعل الأسباب الموصلة إليه، وسله العافية، ولا تبال بعد ذلك بما فاتك من أمر هذه الدنيا وما حصل لك فيها من مكروه، ففيه لك الخيرة إن شاء الله، وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5904، 6074، 4478، 17279.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/4501)
رزقت ببنتين ثم تأخر الإنجاب مع أخذها بالأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ 7 سنوات ولدي بنتان (الأولى 6- والثانية4 سنوات) ، وأريد أن أحمل منذ ما يقارب 3 سنوات ولم يحصل حمل حتى الآن، ولقد زرت العديد من الأطباء والحمد لله كلهم طمأنوني أنه لا يوجد لدي أية مشكلة الحمد لله أنا مؤمنة بقدري, ولكن أريد الاستشارة من فضيلتكم والدعاء لي وللمسلمين، اللهم هب لنا من أزواجنا ذرية صالحة؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تكثري من الدعاء والاستغفار والإقبال على الله عز وجل، وما يفعل بك فهو خير لك، وقد ذكرنا بعض الأدعية والأذكار التي تنفع بإذن الله في إنجاب الذرية وحصول الولد، كما في الفتوى رقم: 15268.
وتدبري قول الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {الشورى:27} .
قال ابن كثير: رزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه. انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: وارض بما قسم لك تكن أغنى الناس. رواه الترمذي. والولد من الرزق والمرء لا يدري خيره من شره فليكل أمره إلى الله وما يفعله به فهو خير، قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، فكم من أناس رزقهم الله أولادا أو بنات ثم شقوا بهم فتمنوا العقم وأن لم يكونوا لهم أولاد، وبعض الناس رزقهم الله ذلك فسعدوا به وقرت أعينهم بما رزقهم الله، فاسألي الله أن يرزقك ذرية صالحة تقر بها عينك وتسعد بها نفسك، وأكثري من قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74} ، وقوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة:201} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/4502)
جزاء الترك ابتغاء وجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر السادسة والعشرين، أحببت شاباً يعمل في نفس مجالي وهو الذي بادرني بشعوره تجاهي وأنا بحت بمشاعري له وقلت له إنني أحبه وأتمنى أن ينتهي بنا المطاف إلى الزواج، ولكنني فجأة بعد أسبوعين من مصارحتي له أحسست أنني مذنبة وندمت جداً، ولكنني أحبه إلى درجة أنني لم أستطع أن أنساه، وذات يوم كتبت له رسالة تقول يشهد الله أنني أحببتك وأني لم أر منك إلا كل طيب، ولكني أحب الله أكثر من أي مخلوق وقد أمر الله ألا يكون هناك علاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج، وأنا لا أريد عصيان أمر خالقي ولا أرغب بخيانة أهلي، لذلك قررت أن أقول لك أن هذه الرسالة الأخيرة وقد تعتقد أني لا أريدك، ولكنني ما زلت أحبك وأنا أكتب هذه الكلمات وقلبي يتشقق من الحزن، ولكن ليكن أملنا بالله كبير ولو أراد الله التم شملنا رغم أي شيء، واعلم أننا تركنا بعضنا من أجل الله، وتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه، فإن كان أن نلتقي خيراً لنا سيحدث بإذن الله، لا تنساني لأني لن أنساك.
ومنذ كتابتي له هذه الرسالة وقلبي يتحسر حزنا ولكن في نفس الوقت أحس أن الله غاضب من معرفتي به فأرجوكم دلوني لأني في حيرة من أمري، ماذا أفعل ليرضى الله عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فعلت ما يجب عليك فعله ونسأل الله أن يعوضك خيراً مما تركت، فقد وعد سبحانه بأن من ترك شيئاً له عوضه خيراً منه، واعلمي أن التوبة تجب ما قبلها، وأن الله سبحانه يرضى عن التائب مهما كان الخطأ الذي ارتكبه، فأبشري بتوبة الله عز وجل، وبما وعد سبحانه من اتقاه واتبع رضاه، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4} .
وتقدم في الفتوى رقم: 9360 علاج داء العشق فتلزم مراجعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/4503)
كيفية التخلص من أسر الهموم والأحزان
[السُّؤَالُ]
ـ[اشكركم جزيل الشكر على سعة صدروكم ... إخواني في الله لا أعرف من أين أبدأ فأنا أسيرة الأحزان لم أنعم بحرية الفتيات فمنذ أن بلغت وأنا مسؤولة عن كل شيء في داخل أسرتي وحتى خارجها، آخذ مدخول أبي وأمي وأتصرف فيه حتى النوم حرمت منه وكلما يخصني كفتاة بسبب مسؤوليتي الكبيرة تقاعد والدي إلا أن الضيق زاد علي فهما لم يساعداني في شيء، توفي والدي أصبحت أمي كضيفة عندي حتى باقي إخوتي، أنا الأم وأنا الأب، أما عني فلا شيء بعد هذا الضغط النفسي والعصبي أصبت بالصرع سبع سنوات حتى الآن تتحسن حالتي أسبوعا وأنتكس شهراً وهكذا، ولا زالت مسؤوليتي، كل متنفسي أني أذهب لأحد المساجد البعيدة من بيتي أقرأ القرآن وأدعو الله مخرجا من عنده فهو على كل شيء قدير، فأنا أبلغ من العمر الأربعين لم يتسن لي الزواج حتى أني كرهته لخوفي من ازدياد مسؤوليتي، لدي أربع أخوات أصغرهم في الخامسة والعشرين، فأنا الآن أعمل في محل الإنترنت صباحا لعلي أجد بعض السلوى لأعود إلى همي وبيتي وأولادي كما أسميهم واعتاد لساني هذه الكلمة ليس لي صديقات، فأرجو ألا تبخلوا علي بالنصيحة، أما العمل فهو عمل الله سبحانه وتعالى؟ وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبواك حملاك تلك المسؤولية وأرغماك عليها، فذلك ظلم منهما لك ... وينبغي أن تستغفري لمن مات منهما وتسامحي من بقي، وأما إن كنت أنت تحملت ما تحملت طائعة فلا تكونين مظلومة، ولك الأجر في ذلك إن نويت بر والديك والإحسان إليهما ومساعدتهما في تحمل مسؤولية البيت.
وما كان ينبغي للأحزان والهموم أن تسلك إلى قلبك وأنت تقرئين كتاب الله وترعين أهلك وتقومين عليهم ولو فقدت بعد ذلك ما فقدت، فاحمدي الله تعالى واشكريه أن رزقك وهيأ لك من الثقة ما يجعلك صاحبة الكلمة في بيت أهلك والراعية لأسرتك، فاليد العليا خير من اليد السفلى، وإذا رزقك بعد ذلك رضى والديك عنك وبما تقومين به سيما من بقي منهم وهي أمك فتلك نعمة وأي نعمة، فاسأليه سبحانه أن يحقق لك تلك المنية ويبلغك تلك البغية، ويكمل سعادتك بزوج تقر به عينك وتسعد به نفسك في الدنيا والآخرة، ويكون عوناً لك على ما أنت فيه.
فاحتسبي أجر ما تقومين به تجاه أهلك واقرئي كتاب الله ولا تملي آياته ففيها سلوى عن الأحزان، وأكثري من الدعاء واستيعني بالصبر والصلاة، وبثي همك إلى خالقك كما فعل يعقوب عليه السلام، قال الله تعالى عنه في كتابه: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {يوسف:86} ، فكشف الله همه وأذهب غمه وأتم عليه نعمته فهو ولي ذلك والقادر عليه، وننصح إخوانك بمساعدتك فيما أنت فيه وعدم ترك أعباء ومسؤولية الأسرة كاملة عليك، ولا حرج في نصحك لهم بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/4504)
تاب ولا يدري قيمة ما سرقه ولا مكان من سرقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بسرقة عدة مبالغ مالية عندما كنت في سن المراهقة لكنني تبت عن ذالك والحمد لله إلا أنني أريد إعادة تلك الأموال ولكنني أجهل المبالغ وأصحاب الأموال فمنهم من أعرفه ومنهم من لا أعرف كما أنني أخجل من إعادتها فماذا افعل؟ جزاكم الله ألف خير.........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراهق وهو من قارب البلوغ ولم يبلغ لا يلحقه إثم إذا ارتكب ما نهي عنه لحديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق. رواه أصحاب السنن.
ومع أن الإثم مرفوع عنه إلا أنه يضمن ما أتلف أو سرق، وعليه فنقول للأخ السائل: من تعرف من هؤلاء الذين سرقت منهم يجب عليك رد أموالهم إليهم، ولا يلزم أن تخبرهم بأنها مسروقة، فالمقصود أن ترد إليهم بطريقة ما، فإذا حصل ذلك فلا لزوم لإخبارهم بأنك سرقت منهم في زمن مراهقتك، ومن لم تعرف منهم فتصدق عنهم بما يغلب على ظنك أنك سرقت من أموالهم، واعمل بغالب ظنك في قدر المبالغ التي أخذتها من الأشخاص فإن غالب الظن يقوم مقام العلم عند العجز، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(9/4505)
هل يشترط في توبة العصاة أن يعلنوها أمام من رأى أفعالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[تذكرت حادثة حصلت معي قبل 4 أو 5 سنوات تقريبا فأصابني الحزن والهم لذلك، عندما كنت بالمعهد الثانوي أرادت زميلة لنا أن تقص نكتة خبيثة أشارت إلى مضمونها قبل أن تقصها فرفضت أنا حيث أن فيها استهزاء بسيد الخلق نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولكنها قصتها حينها على زميل خبيث. تنحيت أنا قليلا ثم رجعت فوجدته مازال يضحك فضحكت لضحكه وقلت له كلاما كأني أقره به على ما هو عليه من الضحك. لما أتذكر هذه الحادثة أشعر بالاشمئزاز من نفسي ومن هذين الخبيثين، سؤالي كيف تكون التوبة؟ هل يشترط أن أعلنها أمام من كان حاضراً علما بأني لا أستحضر كل من كان معنا، علما بأني منذ ذلك الزمان والحمد لله أحاول أن أكون أحسن مما أنا عليه، وبصفة عامة من يقول أو يعمل شيئا مكفرا هل يشترط أن تكون توبته أمام كل من رآه أو سمعه عند فعله أو قوله، وإن كان الأمر كذلك هل يسعى إلى الاتصال بهم وماذا يقول؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم لا يرضى بأن ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته، فيجب عليه حسب استطاعته أن ينكر على من ينكت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن عجز عن ذلك لم يجز له أن يبقى جالساً مع المستهزئين، فأحرى أن يضحك معهم، بل يجب اعتزالهم والإنكار عليهم ولو بالقلب عند العجز عن الإنكار بغيره، وهذا هو أضعف الإيمان.
وأما كيفية التوبة فتكون بالندم على ما سبق للحديث: الندم توبة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط. وبالاستغفار من ذلك الذنب؛ لقوله تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110} ، وبالبعد عن مجالسة مثل هؤلاء، وبالتعهد بإنكار المنكر كلما رأيته، ولا يشترط أن تعلن توبتك أمام من كان حاضراً، ولا يشترط في توبة العصاة أن يعلنوها أمام من رأى أفعالهم. وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60843، 48790، 1048، 6069، 1845، 68328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(9/4506)
آثار الذنوب قد تزول بالتوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الجامعة خانتني نفسي، وسرقت مال صديقتي، وحلفت لها على المصحف بالكذب على أني لم أسرقه ولا أدري أين هو، ومن ذلك اليوم وأنا أعاني من عدة مشاكل حتى دراستي كنت من المتفوقين ولم أنجح فيها، وكثير من المشاكل التي أعاني منها وتأنيب الضمير أرجوكم ساعدوني بأسرع وقت، فأنا قلقة جدا وحائرة ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك قد أخطأت خطأين كبيرين جداً وهما:
1- ما قمت به من السرقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:..... ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة واللفظ للبخاري. والمعنى لا يكون إيمانه كاملا تاما.
2- ما قمت به من الكذب والحلف عليه في المصحف. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم.... إلى أن قال: ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم. الحديث. رواه البخاري.
وليس من المستبعد أن يكون ما أصابك من معاناة ومن مشاكل في دراستك وفي غيرها.....ليس من المستبعد أن يكون من هذه الذنوب التي ارتكبتها، فإن الذنب له من الشؤم ما قد يحصل عنه مثل هذا وأزيد، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. (سورة طه 124)
فالذي يجب فعله الآن هو رد المسروق إن كان لا يزال قائما، فإن استهلك فمثله إن كان له مثل وإلا فقيمته، هذا بالإضافة إلى الندم على ما فعلت، فإن من شروط التوبة الندم والإقلاع عن المعصية والعزم على عدم العود، ورد الحقوق إلى أهلها، ولا يشترط في الرد أن تصرحي لصديقتك بالأمر، بل لو قمت بالرد بطريقة غير مباشرة لكفى ذلك كأن ترسليه عبر البريد مثلا..
وإذا فعلت هذا فنرجو أن تمحى عنك هذه الذنوب؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. كما في الحديث الشريف، وإذا زالت الذنوب زال أثرها إن شاء الله، وعادت حياتك كما كانت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(9/4507)
التفكير في الموت إذا أدى إلى التفريط في الواجبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولدي طفلة عمرها سنة أعاني من حرقة وألم في رأس المعدة والصدر ولا أستطيع النوم من شدة الألم، ذهبت الى الطبيب أكد لي أني سليمة والآن أعاني من خوف من الموت يلازمني كل وقت فصرت أكره الناس وأكره الكلام ولا أهتم في نفسي ولا بيتي، أشعر أني سوف أقبض في أي دقيقة والأمر يستمر سوء وعندما أصلي أوسوس ويشرد ذهني عن الصلاة وعند قراءة القرأن تأتي وساوس أن هناك أخطاء وأحاول أن أقاومها وأتعوذ من الشيطان، سرت أكره كل شيء حولي ولا آكل ولا أنام إلا عند التعب الشديد، وأصبحت أحس بقرب الأجل، وهو أكبر هاجس لدي.
أفيدوني جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الشفاء مما بك، ونفيدك أن تذكر الموت والاستعداد له أمر مهم جدا، ويدل لذلك ما في الحديث: أكثروا من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات. رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني.
وقال الشاعر: صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت فنسيانه ضلال مبين.
ولكن يتعين التنبه إلى أن الأجل محدود لا يتقدم عن وقته ولا يتأخر، قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ. {سورة الأعراف 34} .
فعلى العبد أن يكون معتدلا في جميع أموره، فيجعل الموت نصب عينيه لينشط للطاعات ويكثر التوبة والإنابة إلى الله ويبتعد عن المعاصي حتى لا يبغته الموت وهو يقارف المنكرات فيبوء بسوء الخاتمة أعادنا الله، ولا ينبغي للعبد أن يفرط ويتجاوز حد الاعتدال فيصبح التفكير بالموت مسيطرا على عقله وشاغلاً له عن مهامه وطاعاته وتربية عياله، فإن ذاك من مكائد الشيطان ووساوسه.
فيتعين التخلي عن ذلك والاستعاذة من الشيطان والإعراض عن الوساوس بالكلية، ومخالطة أهل الخير، وقراءة كتاب الترغيب والترهيب والسيرة وقصص الأنبياء، فدواء الوسواس بالإعراض عنه كما قال الهيتمي.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75046، 75640، 60628، 51601، 8181، 22947.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1428(9/4508)
كيفية التحلل من المظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدوني بإجابة واضحة حول سؤالي هذا فأنا أتعذب من كثرة التفكير في الموضوع وأخشى كثيراً أن يعذبني الله بالذنب الذي اقترفته، لقد اقترفت ذنبا في حق شخص ما وبعد ذلك تبت إلى الله تعالى وأنا شديدة الندم لكني لم أطلب السماح والعفو من الشخص الذي ظلمته لأنني لو فعلت هذا لدُمرت حياتي، فالشخص الذي أذنبت في حقه لا يعلم ماذا فعلت فقط تراوده أحيانا شكوك وأنا أنكر فعلتي، أقسم أنني أتعذب من الندم وما تصرفته تجاه هذا الشخص كان ردة فعل لما سلطه علي من ظلم واستبداد، لكن رغم هذا فأنا جداً نادمة، لقد كان هذا الشخص زوجي وانفصلنا، أنا أدعو الله دائما أن يغفر لي لكن لا يمكن أبداً أن أطلب السماح من زوجي السابق لأني أخشى أموراً كثيرة، لقد مرت سنتان على القصة وأنا لا أزال أتعذب. أرجوكم أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن كنت أخذت منه مالاً بغير وجه حق فيجب عليك رده إليه ولو من طريق غير مباشر، وإن كان الأمر يتعلق بعرض كنميمة ونحوها فالأصل استسماحه فيها، وإن خشيت ضرراً فعليك بالدعاء له، وإن كان الأمر بتعلق بالوقوع في الفاحشة ونحو ذلك فيجب عليك أن تستري على نفسك مع الدعاء له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبيني حقيقة الظلم الذي وقع منك تجاه هذا الرجل الذي كان زوجاً لك، فإن كان بأخذ ماله مثلاً، ولم يكن هذا الأخذ بوجه حق فيجب عليك رد هذا المال إليه ولو عن طريق غير مباشر، وراجعي الفتوى رقم: 2094.
وإن كان هذا الظلم يتعلق بالعرض فالأصل أن تستسمحيه في ذلك، ولكن إن خشيت أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم فيكفيك الدعاء له، وراجعي الفتوى رقم: 36984، وإذا كنت قد أصبت شيئاً من الفاحشة ونحوها فسترك على نفسك واجب، ولا تخبري بذلك أحداً زوجاً أو غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1428(9/4509)
القاتل التائب هل يعاقب يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم قتل نفسا فلم يقم عليه الحد لأنه أفلت من العدالة، وتاب إلى الله هل تقبل توبته، وإذا قبلت توبته فهل يعاقب يوم القيامة بأخذه جزء من العذاب ومن ثم يدخل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان القاتل عمداً تقبل توبته أم لا، وكنا قد بينا أقوالهم في ذلك، ورجحان القول بقبول توبته، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 1940.
والقاتل عمداً عليه ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للقتيل، وحق للورثة، ولما كان حق القتيل لا يمكن الوفاء به في الدنيا، فإن من تمام توبته أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ليقتصوا أو يعفوا أو يصالحوا.
قال ابن القيم في هذه المسألة: والتحقيق أن القاتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله وحق للمقتول وحق للولي، فإذا سلم القاتل نفسه طوعاً واختيارا للولي ندما على ما فعل خوفاً من الله تعالى وتوبة نصوحا سقط حق الله بالتوبة وحق الأولياء بالاستيفاء، أو الصلح والعفو، وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب ويصلح بينه وبينه. انتهى.
ومن ذلك تعلم أن القاتل عمداً إذا لم يمكن من نفسه حتى يقتص منه أو يعفى لا يعد تائباً، وعليه فهو باق في المشيئة ولا أحد يستطيع القطع بأنه سيعاقب يوم القيامة أو لا يعاقب، لأن ذلك من الغيبيات التي لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل، وهو ما لم نقف عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/4510)
حكمة الابتلاء وثواب وعاقبة الصابر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدة حالتها الصحية والنفسية وأمورها المالية غير جيدة، فكيف لنا أن نقف معها بكلام من القرآن والسنة ومساعدتها نفسيا وتقويتها داخليا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنكم أن تبينوا لتلك السيدة أن الإنسان في هذه الدنيا لا بد له من الابتلاء، فتارة يكون ذلك لتكفير الخطايا عنه ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه والصلحاء من خلقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا.
وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:2-3} . فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتبينوا لها أن على المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين، كما قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155-157} وأخبروها أن عليها ألا تيأس من الفرج، وأن تعلم أن مع العسر يسرا.
فاشرحوا لها عاقبة الصبر، وبينوا لها ما في الابتلاء من الأجر وخطورة اليأس من رحمة الله، ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على فعل الخير والسعي فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(9/4511)
محرمات جاء القرآن صريحا بغضب الله على فاعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأشياء التي تغضب الله تعالى، وما هي أكبر الذنوب عند الله التي لا تغفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب من الله تعالى على العبد يكون بارتكاب ما حرم الله، أو بترك ما أوجب، وبما أن الذنوب تتفاوت في شناعتها والواجبات تتفاوت في تأكيدها وأهميتها، فإن هنالك محرمات جاء القرآن صريحاً بغضب الله على فاعلها، منها: قتل النفس بغير حق، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، ومنها: التولي عند الزحف، قال الله تعالى: وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {الأنفال:16} ، ومنها: انشراح الصدر للكفر، قال الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106} ، ومنها: الطغيان، قال الله تعالى: كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى {طه:81} ، ومنها: ظن السوء بالله تعالى، قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {الفتح:6} ، إلى غير ذلك مما ورد في القرآن وفي السنة.
وجملته أن الله تعالى يغضب من فعل الأمور التي قد نهى عنها، أو ترك الواجبات التي أمر بها.
وأما أكبر الذنوب عند الله تعالى، والتي لا تغفر إلا بالتوبة فإنها الشرك، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(9/4512)
الصلاة والاستغفار في مكان المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة والاستغفار في مكان قد عمل فيه الشخص معصية ما؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من المعاصي التي قد اقترفها وذلك بالإقلاع عنها والابتعاد عنها والندم على صدورها منه، والعزم على عدم العودة إليها، ثم إنه لا مانع من الصلاة والاستغفار في المكان الذي عمل فيه الشخص معصية، لكن إذا كان بقاؤه فيه يؤدي إلى الرجوع إلى المعصية فإنه يتعين عليه الابتعاد عنه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من المعاصي إذا وقع فيها ولا مانع من الصلاة والاستغفار في المكان الذي عمل فيه الشخص معصية، لكن إذا كان بقاؤه في البلد أو المكان الذي كان يعصي الله فيه يذكره بالمعاصي مما يؤدي إلى رجوعه إليها لفساد أهله وكثرة الخلطة الفاسدة فيه فإنه يتعين الابتعاد عن ذلك المكان كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 58742.
ولبيان شروط التوبة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/4513)
صبر المرأة على أذى أخت زوجها وعفوها عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ4.5سنة وزوجي يعمل بدول الخليج لا أراه سوى مرة أو مرتين بالكثير في العام0كنت أبيت بعض الأيام عند والدته والبعض عند والدتي. خدمت والدته وهي مريضة حتى توفيت رحمها الله وخدمت أخته الصغيرة حتى تزوجت وأجلت سفري وابني لم يترب مع أبيه حتى تتزوج. وأخته الكبرى دائما ما كانت تؤذيني بالكلام حتى أنني كنت أبيت باكية من كلامها0أبدا لم أشك لزوجي اعتبارا للظروف السابقة0 وحتى لا أغيره على أخته تحملت كل هذه السنوات حتى انفجرت وحكيت له بعض المواقف0 ((فهل ضاع ثواب صبري عليها الأعوام السابقة0وما الفرق بين العفو وضياع الحقوق؟)) 0خاصة أن زوجي لم يأخذ أي موقف0وقال لي لماذا لم تردي عليها!!! 0
لا أخفي عليكم لا أستطيع أن أصفو لها وأتضايق من نفسي لأني دائما كنت متسامحة مع كل الناس0ولكنها عذبتنى كثيرا بدلا من أن تقف معي ومع ابني عوضا عن أبيه الغائب0 (فهل أقترف ذنبا لعدم قدرتي على الصفاء لها فلا يكلف الله نفسا الا وسعها وهل من نصيحة حتى يلين قلبي لها؟؟
جزاكم الله عنا خيرا0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إثم عليك في الحديث مع زوجك عما كنت تعانين من أخته وليس فيه ضياع لأجر صبرك عليها إن شاء الله، حيث لم يكن حديثك على سبيل التحريش بينهما، مع أن عدم الشكوى أولى، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 28045.
وليس في العفو ضياع لأجر الصابر والمظلوم بل في ذلك زيادة لأجره. قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى:40) ومسألة الحب والبغض مسألة قلبية قد لا يكون للإنسان يد فيها، ولكن الله عز وجل يريد من المسلم أن يكون صدره سليما على المسلمين من الحقد عليهم والحسد لهم وإبطان الشر والسوء لهم، فإذا كان صدرك سليما على هذه الأخت من هذه الأمور فلا حرج عليك أن لا تحبيها أو يلين قلبك لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(9/4514)
وسائل لتخفيف حدة الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد دواء يقتل الرغبة الجنسية من جذورها لمن لم يستطع الزواج لفقره ومرضه ولا أريد عصيان الله، إن وجد فما هو بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم ما يساعد على بعد العبد من الوقوع في الفاحشة صوم النافلة وملء الأوقات بما يفيد من تعلم أو عمل مفيد أو رياضة مباحة، والبعد عن المثيرات المرئية وما يهيج الشهوة من المأكولات، والإكثار من سؤال الله العفة، وقد ذكر بعض العارفين بطب الأعشاب أن ابتلاع وزن درهم من الحناء يساعد فيه أيضاً.
وراجع قسم الاستشارات الطبية بالشبكة للتأكد من الأمر ولعلهم يعطونك بعض الإرشادات الطبية فيه أيضاً، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77980، 72497، 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/4515)
نصائح لتخفيف حدة الشهوة والتخلص من العادة السرية
[السُّؤَالُ]
ـ[1-أنا شاب في سن المراهقة هذا الموسم لدي امتحان شهادة الباكالوريا إنشاء الله ولا أستطيع المراجعة في المنزل فبماذا تنصحونني؟
2-لما يكون لدي وقت فراغ لا أعرف كيف أتصرف فيه, أرى في نفسي أنّ الشيطان لعنه الله يتغلب عليّ فألتجئ إلى الحرام مثلا رؤية الصور الخليعة أو الاستمناء والعياذ بالله, فما هو العمل؟ ,فأنا في كل مرة أندم على ما فعلت ثم أعود إلى ذلك, وأنا نادم على كل ما فعلته وهل سيقبل الله توبتي وما هي النصائح التي توجهونها لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حرمة الاستمناء في فتاوى سابقة منها ما يلي: 69276، 34473، 7170، 45054، 5524، 1968، 24126، فيمكنك الاطلاع عليها.
كما لا يجوز مشاهدة الأفلام القبيحة والصور الخليعة ونحوها، كما بينا في الفتوى رقم: 3605، والفتوى رقم: 2036. وهي من الأسباب الداعية إلى ارتكاب العادة السرية وإدمانها مع ما فيها من نظر إلى العورات المحرمة.
والواجب عليك المسارعة بالتوبة إلى الله قبل أن يدهمك الموت وأنت مقيم على هذه المعاصي، وحينئذ لا ينفع الندم، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال أيضاً: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة:104} ، واعلم أنك إذا تبت ورجعت إلى الله فإن الله يقبل توبتك ويمحو جميع ذنوبك السالفة، فالله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، بل ويبدل السيئات مع التوبة حسنات، فإن باب التوبة مفتوح والله تعالى يقبل توبة كل تائب ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها فقد قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ...
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57184، 16907، 33975.
وننصحك بالحرص على البعد عن الجلوس في المكان الذي تكون به مرئيات محرمة، وأن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفاظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم ومتابعة ما يبث منها عبر وسائل الإعلام.
ونختصر لك بعضا من تلك التوجيهات التي يمكنك الانتفاع بها ومنها:
1- البعد عن كل ما يهيج الشهوة؛ كالاستماع إلى الأغاني الماجنة، والنظر إلى الصور الخليعة.
2- ومنها المبادرة بالزواج عند الإمكان، والحرص على الصيام إن لم يمكن كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. أخرجه البخاري ومسلم.
3- ومنها الاعتدال في الأكل والشرب حتى لا تثور الشهوة.
4- ومنها تخير الأصدقاء المستقيمين، والانشغال بالعبادة عامة، وعدم الاستسلام للأفكار.
5- ومنها الاندماج في المجتمع بالأعمال التي تشغل عن التفكير في الجنس.
6- منها عدم الرفاهية بالملابس الناعمة، والروائح الخاصة التي تفنن فيها من يهمهم إرضاء الغرائز وإثارتها.
7- منها عدم النوم في فراش وثير يذكر باللقاء الجنسي.
8- ومنها التنبه لأضرار هذه العادة البدنية والنفسية، فهي تستنفد قوى البدن، وتسبب الاكتئاب، وتشغل فاعلها عن الواجبات، وقد تقوده إلى ارتكاب الفواحش، وقد يصاب الشاب بالضعف الجنسي بسبب هذه العادة، ويظهر ذلك بعد الزواج، أما الفتاة فقد تزول (بكارتها) بفعلها -كما يقول الأطباء- كما أن قدرتها على الاستمتاع بعد الزواج يمكن أن تتأثر فلا تشعر بما تشعر به الفتيات اللاتي لا يمارسن تلك العادة ولا يرين متعة فيها، واعلم أن أنجع وسيلة للبعد عن الوقوع في هذه العادة تربية الأبناء على مراقبة الله عز وجل في السر والعلن، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/4516)
الاستقامة على الدين واجب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أريد منكم نصيحة وتوجيها. أنا مهندس تخرجت سنة 2003 وبقيت أبحث عن عمل سنة ونصفا، في هذه الفترة من الله علي بالهداية وعرفت الإسلام بعدما تربيت في أسرة بعيدة كل البعد عن الإسلام، ولضرب المثل أقول إنه لم يكن في بيتنا حتى المصحف فضلا عن معرفة شيء عن ديننا.
المهم في فترة البحث عن العمل اهتديت وذقت حلاوة الإيمان وحفظت شيئا من القرآن، 15 جزءا. ظن أهلي ومعارفي أني استقمت وتوجهت إلى التدين فقط لأني فشلت في إيجاد عمل وظنوا أني بمجرد العمل سأعود إلى رشدي (كما يسول لهم جهلهم) .
المهم ولكي لا أطيل عليكم بعد أن ترسخ الإيمان في قلبي وجدت عملا في شركة القطارات وأُعطيت مسؤولية كبيرة في عملي وأصبح وقتي قليلا عكس ما كان عليه الحال قبل العمل، الحقيقة والحمد فقد حافظت على الصلاة في وقتها وعلى مجالس العلم لكن ليس لدي وقت كاف لمراجعة ما حفظت من القرآن وقد بدأت أنسى الكثير منه. وأحس بالحزن من أجل ذلك، لكن مع العمل ومسؤوليات البيت (فأنا متزوج قبل 6 أشهر) لا أجد الوقت لتعاهد كتاب الله.
فما نصيحتكم لي من أجل الحفاظ على ديني واغتنام الوقت خاصة وأننا في بلدنا الظروف لا تساعد أبدا ودائما تجد نفسك وحيدا حينما تتعلق الأمور بالدين والاستقامة.
فمن جهة إعفاء اللحية فأنا مضايق من الجميع وخاصة وأن عمل المهندس يستلزم في نظر الناس أن يكون المهندس أنيقا جميلا (حليق اللحية) فدائما أجد نفسي غريبا في الاجتماعات ولا أجد من أتفاهم معه ... أنتم تعرفون القصة ولا داعي لأطيل عليكم.
بارك الله فيكم وفي علمكم ولا تبخلوا عني بنصائحكم وتوجيهاتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على ما أعطاك الله من التدين والاستقامة وحفظ القرآن ونسأل الله لك الثبات والمزيد من الخير، ونفيدك أن الاستقامة على دين الله وعدم الاستجابة للضغوط وعدم المجاملة في ذلك واجب شرعي، ويجب كذلك الحفاظ على ما حفظت من القرآن لما في عدم تعهده من حصول التفلت والنسيان، وقد عدد بعض اهل العلم نسيانه كبيرة نظرا للأحاديث الواردة فيه، فأعط وقتا للمراجعة والأفضل آخر الليل والصباح، واحرص على قراءة نصف حزب عند كل صلاة بين الأذان والإقامة، واستعن بسماع القرآن من الأشرطة في السيارة.
وراجع في الوسائل المساعدة على مراجعته وفي ضرورة إعفاء اللحية والوسائل المساعدة على الاستقامة وفيما يساعد على هداية الأهل الفتاوى التالية أرقامها: 59016، 62200، 98447، 93474، 76368، 76270، 43675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/4517)
المظلوم لا يضيع حقه عند الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاركت في زواج ابن خالتي من أخت صديقتي ومنذ يوم الأول للزواج اكتشف زوجها أنها متلبسة بجان والعياذ بالله ولم يقدر أي أحد على معالجتها فطلقها، ولكن أقسم بالله أني لم أكن أعرف أنها مريضة وتألمت على حاله، وبعد فترة تزوجت أنا وشارك ابن خالتي عن قصد بطلاقي ويقول إن الله أظهر حقه في وبدأ يسانده إلى أن أخرجه خارج البلاد دون أن يدفع لي حقوقي هل الله فعلا عاقبني على ذنب لم أقترفه والله يعلم ذلك، وهل أخذ هو حقه مني وأنا بريئة، وهل لي حق عنده وإن ظلمت في طلاقي وما حكم طليقي أنه استمع باطلا لابن خالتي، وما حكم ابن خالتي في الشرع، وهل يظهر الله حقي فيهم ومن ظلمني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن المؤمن إن أصابته نعماء شكر ربه، وإن أصابته ضراء صبر فينال الأجر من كل ذلك، وذلك لأن الجميع ابتلاء، كما قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له. ويقول صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه. رواه البخاري.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فإن ما فعله ابن خالتك من الإفساد بقطع حبل الزواج بينك وبين زوجك، ومن مساندة زوجك في الخروج عن البلاد دون أن يدفع لك حقوقك يعتبر بلا ريب خطأ كبيراً منه، كما أنه أيضاً خطأ من الزوج، لأنه ملزم بأن يدفع لك جميع حقوقك.
وعلى أية حال فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، وإذا كنت بريئة في واقع الأمر -كما ذكرت- فلن يضيع أجرك عند الله تعالى، وستجدين حقك ممن ظلمك إذا لم تسامحيه، إلا أننا ننصحك بالصبر والمسامحة فإن ذلك أكثر لك أجراً عند الله، يقول الله جل وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، ويقول في نفس السورة: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(9/4518)
طريق الفوز بظل العرش يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي العزيز سؤالي عن ندم..
أخي لقد قضيت شبابي في المعصية ومشاهدة الأفلام الخليعة.. مع أنني كنت أعلم أن المرء يجزى بنفس ما يفعل وأنه لربما تكون الفتاة التي كتبها الله لي كزوجة في يوم من الأيام تفعل مثل ما أفعل كي أجازى بما أفعل..
اعلم هذا الشيء منذ زمن بعيد لكنني لا أستطيع التوقف مع العلم أنني حاولت كثيرا لكنني لم أستطع..
وقد وصلت الآن تقريبا إلى سن الزواج وعمري 26 سنة لكنني أخشى أن أتزوج وأعلم أن زوجتي كانت في الماضي تشاهد هذه الأفلام كما كنت أفعل....
وإن تبت الآن وتوقفت فقد شاهدت ما شاهدت فماذا أفعل؟
وأيضا كنت أعلم منذ فتره طويلة جدا أن الشاب الطائع يظل يوم القيامة في ظل عرش الرحمن..
مع هذا كنت أرى هذه الشرائط ... فهل فاتت هذه الفرصة علي ولن أظل يوم القيامة.. خصوصا أن بقية الحديث لا ينطبق علي لست بوال عادل ولا بباقي الحديث..
فهل ذهبت هذه الفرصة علي أم ما زال لي فرصة للتوبة والى أي عمر يعتبر عمر الشباب الذي إذا تبنا به ظللنا يوم القيامة..
جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تب توبة صادقة واستر نفسك واحرص على الأعمال الصالحة والخصال الموجبة للحصول على الظل يوم القيامة، واعلم أن من تاب الله عليه يسلمه من آثار المعاصي، وأما الشباب فنهايته ثلاثون سنة، وأما التوبة فمقبولة حتى تصل الروح الحلقوم، ولم يثبت في نصوص الوحي أن العاصي يعاقب بوقوع أهله في المعاصي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك بالتوبة والحرص على البر والتقوى والإكثار من العمل الصالح، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8} . وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} .
واعلم أخي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تهدم ما قبلها من الذنوب، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان:68-69-70} .
وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وإن من أعظم الزواجر عن انتهاك حرمات الآخرين بالاعتداء على بناتهم وأخواتهم وسائر محارمهم، أن المرء لا يرضى بذلك لنفسه، إذ يأبى الطبع السليم والفطرة المستقيمة أن يعتدي أحد على محارمه بالقول أو بالفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
ولما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد في المسند وهو حديث صحيح.
ولم يثبت أن الله تعالى يعاقب المرء بجنس فعله في الدنيا بأن تقع زوجته في السوء، وما ورد في الحديث: عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم. ضعفه الذهبي والألباني وغيرهما.
وأما الشاب فهو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة كما قال النووي، وأما وسائل الحصول على ظل الرحمن فلا تزال أمامك فرص لتحصيل بعضها مثل ما في الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم: ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.
ومن الخصال الموجبة لظل الله أيضا إنظار المعسر أو التجاوز عنه فإنه من أسباب عفو الله عن العبد والتجاوز عنه يوم القيامة، وصاحبه ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: فلقي الله فتجاوز عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله. رواه مسلم.
وثبتت أحاديث في خصال أخرى فعن عبد الله بن سهل بن حنيف عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان مجاهدا في سبيل الله، أو غارما في عسرته، أو مكاتبا في رقبته، أظله الله يوم لا ظل إلا ظله.
قال السيوطي: هذا حديث صحيح أخرجه أحمد. انتهى
وراجع كتاب السيوطي المسمى: تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش للاطلاع على المزيد من تلك الخصال.
وراجع الفتوى رقم: 64396، والفتوى رقم: 60384.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1428(9/4519)
الذنوب التي تغفر بالصلاة وصوم رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الذنوب التي تغفر من الجمعة إلى الجمعة، ما هي الذنوب التي تغفر من رمضان إلى رمضان، تعرفت على فتاة على الإنترنت وتطور الأمر إلى أن أرتني ثدييها في مواقع الدردشة, ندمت على ذلك واستغفرت لذنبي وقررت أن أقطع علاقتي معها ولا أعرف كيف, أخاف أن تصدم ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذنوب التي تغفر بالصلاة وصوم رمضان هي الصغائر من حقوق الله، وأما حقوق الخلق فلا بد فيها من رد المظالم إلى أصحابها أو التحلل منهم.
وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة ويجب البدار بالتوبة قبل بغت الموت وقطع الاتصال المحرم بين الأجانب وإبلاغ الطرف الآخر بالحكم ونهيه عن الحرام ولا يعتبر الخوف من صدمه عذراً في فعل الحرام، وراجع للبسط في الموضوع وذكر الأدلة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98232، 97742، 80252، 72349، 50355، 55050، 50035.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/4520)
قبول التوبة وهل يستجاب الدعاء بعدم الذرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا يا شيخ أأتمن إحدى بنات خالتي بسر وهو أني في السابق قبل زواجي تعرفت على شاب وأحببته وتقدم لخطبتي ولكن والدي لم يوافقا وكانت هناك بيننا لقاءات لا تتعدى الثلاث مرات وأنه كانت بيننا مكالمات هاتفية وبعد فترة تقدم لخطبتي رجل آخر ووافقت ولكني استمررت بعلاقتي بالشخص السابق وواعدته ثلاث مرات مع ابنة خالتي ولكن بعد فترة قطعت علاقتي به نهائيا وعدت إلى رشدي ولكن ابنة خالتي استمرت في معصيتها حتى وقعت في مسمع أخيها الأكبر وهي تحاور رجلا عن طريق الهاتف وقامت بإخبار كل شيء عني لوالدتها وقامت والدتها بفضحي أمام خالاتي وأختي ووالدتي وأنا تبت ونويت الاستمرار على التوبة ولكن عندما حدثني أهلي هل أنا فعلت هذا أنكرت وقلت لا وأنها غير صادقة مع أنها صادقة ولكن قامت بفضحي وعدم التستر علي لأني لم أضرها يوما بشيء بل على العكس كنت أعتبرها أختا قريبة لي والآن أنا نادمة على إخباري لها وأنا تبت توبة صادقة من قلبي ولن أعود بأمر الله مرة أخرى للمعصية ولكن ابنة خالتي تعلم مدى تعلقي بالأطفال ومدى حبي لهم ولكن قامت بالدعاء علي بأني إن لم أقل الصدق أني فعلت ما قالت أن الله لا يرزقني الأطفال ولا أحمل طفلا في أحشائي، يا شيخ أنا تبت وأقسم أني لن أعود للخطأ مره أخرى فقد عدت إلى رشدي وعرفت مدى حبي لزوجي رغم تشكيكي السابق لذلك واستغفرت الله على ما فعلت، وأرجو أن يغفر لي ظلمي لها ويسامحني وتصدقت تقربا لله تعالى....
يا حضرة الشيخ هل توبتي مقبولة علما أنني قطعت عهدا على نفسي بعدم عودتي للمعاصي والتزام كتاب الله عز وجل وأن أنسى الماضي وأبدأ حياة جديدة ولكني أخاف عقاب ربي من أن لا يرزقني بالأطفال ... أنا تبت وباب التوبة مفتوح وأخلصت النية لله تعالى وأسأله أن يرزقني من لدنه ذرية إنه سميع الدعاء..
كل من في بيتي وأهلي يدعون لي بأن يرزقني الله الذرية إلا هي تدعو علي وتستمر في دعواها وتستمر في ارتكابها المعاصي أنا تبت وهي لا هل سيسامحني ربي..
أرجوك يا شيخ عدم إهمال الرسالة فلقد أرسلتها إلى العديد من الشيوخ لكن دون جدوى تعبت من البكاء والندم والحسرة والخوف من عقوبة الله أريد أن أستغفره وأن أستمر بحياتي طبيعية لا مشاكل ولا حزن، أرجوك يا شيخ أنا أنتظر الرد وأنا قلبي يحترق ويتقطع ألما وندما على ما فات مني.
سبحانك اللهم إني كنت من الظالمين......]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
توبتك مقبولة بإذن الله مادمت صادقة فيها، واستمري على ما أنت عليه من الاستقامة والإنابة إلى الله تعالى ولا تخشي من دعاء قريبتك عليك بعدم الذرية فإنه لن يستجاب لما فيه من الظلم والإثم وقطيعة الرحم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويغسل حوبتك وألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب.
وأما ما تخشين منه من دعاء قريبتك عليك إن لم تصرحي بوقوعك في الخطأ فلن يصيبك بإذن الله، ولا يجب عليك الإخبار بما كان منك، واعلمي أن الله تعالى يحب توبة عبده ويقبلها إن كانت خالصة، ولمعرفة شروط التوبة الصادقة انظري الفتويين: 5091، 9694.
وهو سبحانه لا يستجيب الدعاء إذا كان فيه إثم أو قطيعة رحم، ودعاء قريبتك عليك بعدم الذرية من الإثم فلا يستجاب، فذريها وشأنها تدعو ما شاءت واقبلي على ربك وأصلحي ما بينك وبينه بالخضوع له والانقياد لأوامره والازدجار عن نواهيه.
وللفائدة انظري الفتويين: 47655، 7758.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/4521)
هواة تقوية الإيمان والاستقامة على الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما أحاول التقرب إلى الله وأتقدم خطوات كبيرة في طاعة الله ولكن بعد فترة قصيرة أرجع مرة أخرى في التقصير. مع العلم بأن ظروفي صعبة جداً جداً، ومرة أخرى أرجع أتقرب إلى الله. حياتي كلها بين عبادة وتقصير باستمرار. لا أدري ماذا أفعل. ولم يتبقى سوى أيام معدودة على انتهاء الشهر الكريم. ونفس الشيء يحدث في رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بالسعي في التقرب إلى الله تعالى وابتداء السير في هذا الطريق المهم العظيم، ونفيدك أن العبد مكلف بالإنابة إلى ربه والتوبة كلما حصل منه تقصير أو وقوع في المعاصي، ومكلف كذلك بالاستقامة على الطاعة وعلى البعد عن الذنوب، ولا يسوغ أن ييأس من النجاح في مهمته إذا غلبته نفسه أو شيطانه أحياناً ويستسلم لهما.
بل الواجب عليه أن يحمل نفسه على التوبة والإنابة إلى الله كلما تعثر في الطريق، فقد ذكر الله من صفات المتقين أنهم إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وأنهم إذا وقعوا في الذنب تابوا واستغفروا، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، وقد وعد سبحانه وتعالى بالرحمة والغفران من تاب واستغفر بعد الذنب، فقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110} .
وعليك أن تعالجي حالتك بتقوية إيمانك وتقوية الرغبة في الاستقامة بكثرة المطالعة في كتب الترغيب والترهيب والرقائق، والمطالعة بتدبر لما في القرآن من الحديث عن الآخرة ومصير الطائعين والعصاة، وما في القرآن من الحديث عن مراقبة الله وجبروته وانتقامه ممن عصاه، وعليك بمصاحبة رفيقات ملتزمات صالحات يساعدنك على مواصلة الطريق وينصحنك ويرشدنك عند الحاجة، ف المرء على دين خليله كما في الحديث، وعليك أن تستعيني بالدعاء في الصلاة وأوقات الاستجابة، وتسألي الله الاستقامة والهداية، وأن يحسن ظروفك. وتذكري أن الابتلاءات لم تشغل أيوب ولا يعقوب عن طاعة الله، وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 92966، 31768، 93700، 41016، 76425، 76210، 73937، 69905، 69873، 76975.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(9/4522)
حقيقة الغفلة وكيفية علاجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الغفلة؟ لغويا وشرعا - من هو الغافل؟ كيف تؤثر الغفلة على حياة المسلم - ثم كيف العلاج منها؟ ونظرا لأهمية الموضوع أرجو منكم الإستفاضة والتوضيح - أرى الناس حولي غارقين ولا أدري كيفية التنبيه - بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغفلة عن الشيء يراد بها تركه أو السهو عنه كذا في لسان العرب، وقد تكلم عليها بعض من تكلموا في أمراض القلوب وعرفوها بأنها الغفلة عن طاعة الله تعالى، فيقصر في المأمور أو يقع في المحظور. قال صاحب مطهرة القلوب:
والغفلة الغفول عما أمرا به الإله أو نهى عنه الورى.
ولا شك أن الغفلة عن أمر الله وطاعته لها أثر سلبي كبير على المسلم وهي أصل جميع الذنوب فبسببها يقسو قلبه ويغضب الله عليه ويغلبه الشيطان نفسه فيسوف التوبة ويقع في كبائر الذنوب ويقصر في الطاعات، وقد ذكر صاحب المطهرة بعض الوسائل المساعدة على علاجها فذكر منها الاستغفار والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوة القرآن وزيارة القبور، ويضاف إلى هذا استشعار مراقبة الله دائما وكثرة النظر في كتب الترغيب والترهيب وأن يحاسب العبد نفسه كل يوم ويجاهدها على الاستقامة.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد حول الموضوع: 58477، 62979، 55547، 29464، 33860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(9/4523)
لا شيء يحول بينك وبين التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا أبلغ من العمر أربعا وثلاثين سنة وكل ما يمكن أن يمر في خيالك من المعاصي قد ارتكبته في حياتي.. وللعلم أنا متزوجة وعندي ولدان وحتى وأنا متزوجة كنت اعصي ربي، طبعا زوجي لم يكن يعرف عني شيئا. إلا أني في بعض الأوقات كنت أقف مع نفسي وأحاول أن أتوب عن دربي وفعلا أتوب فترة ولكن أرجع وهكذا كانت حياتي. المهم يا شيخ أني الآن منذ حوالي سنة ونصف تقريبا تركت كل شيء وصرت أختم القرآن كل شهر مرة تقريبا وأصلي..عندي مشكلة وهي نفسي ليس أني ضعيفة لا أقصد. أنا بداخلي عندي خوف.. خوف من الموت ... خوف من الله.. خوف من القبر ... شاهدت برنامجك في رمضان عن القبر وقمت أرفع صوتي وأنا أتذكر الأشياء التي كنت أعملها.... أنا خايفة على روحي من ربي ... أقصد من ذنوبي ... لا أعرف ماذا.. في بعض الأوقات لا أقدر أن أنام.. خائفة من الفضيحة.. أخاف أن يعرف زوجي أو عيالي عني شيئا ليس جيدا ... وأخسرهم وأخسر سمعتي.. أنت تعتقد -إذا أنا تبت توبة نصوحا وربي يعرف وأنا بعد هذه التوبة لم أعمل شيئا وهذه أطول فترة أواصل فيها توبتي وإن شاء الله لن أرجع لمعاصيي- أنه يمكن ألا أنفضح عقب ما تبت.. فقط هذا هو السؤال الذي يحيرني ... يعني يوم كنت اخرج وأعمل الهوى لم أنفضح يمكن أن أنفضح الآن عقب ما تبت ومسكت كتاب الله وصليت يمكن أنفضح.. أنا أريد أن أنام ... أريد أن أرتاح.... تعتقد أن الله يمكن يسامحني على الذي كنت أعمله، أنا حتى شاركت في قتل نفس بريئة ... يا شيخ أنا إنسانة ظالمة ... لكن والله والله تبت..أنا خايفة من الموت ... خايفة من القبر خايفة من الأسئلة ... خايفة من كل شي ... تصدق أني قبل كنت اسوي كل شي بدون خوف.. بدون ما افتكر في شي ... الحين صاير فيني وسواس في كل شيء ... أرجوك أرحني فهل يمكن الله يسامحني ولا يفضحني ويستر علي بالرغم من كل الذي عملته ويغفر ذنوبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بحرصك على التوبة والاستقامة فإن هذا واجب المسلم وهو الوسيلة الوحيدة للنجاة من العذاب، واعلمي أن العبد يجب عليه ستر ما وقع منه من معاصي في السابق وأن يستر من شاركه في المعاصي، كما يجب عليه بذل أقصى ما يمكنه من الوسائل في الاستقامة والبعد عن العودة للمعاصي، وأن يوقن أن الله غفور رحيم يقبل توبة عباده الصادقين، ولا يحق له أن يستسلم للشيطان إذا فشل وأغواه اللعين فرجع للمعاصي مرة أخرى فإن باب التوبة مفتوح قبل وصول الروح الحلقوم، كما في الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وحسنه.
وأما الخوف من عذاب القبر وعذاب الآخرة فهو من أقوى ما يقمع النفوس عن المعاصي، وعلى العبد أن يكثر كذلك من المطالعة في نصوص الوحي التي تبشر التائبين والطائعين حتى يكون العبد دائما خائفا راجيا فلا يطغى الخوف على الرجاء فييأس من الرحمة، ولا يطغى الرجاء على الخوف فيأمن من عذاب الله، وأما الخوف من الفضيحة واطلاع الزوج والاولاد فعلاجه بالحفاظ على الأذكار المسائية والصباحية، ومنها الدعاء بالستر في قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعلى من خشي من بيئته التي يسكن بها أن تكون سببا في انتكاسه أن يسافر منها إلى مكان آخر ينقطع فيه عن رفاق السوء ويجد فيه رفقة صالحة تساعده على الاستقامة، فيمكن أن تحج المرأة وتجلس فترة في الحرمين تشتغل فيها بالأعمال المكفرة للذنوب وتكثر من شراب زمزم بنية قضاء الحاجات والستر والاستقامة وصلاح أحوال الدنيا والآخرة وتحاول في هذه الفترة أن تقطع جزءا من وقتها تبرمج فيه حفظ القرآن ومطالعة كتب الترغيب والترهيب وقصص التائبين.
ثم إن جميع الذنوب التي تتعلق بحق الله تعالى تكفي فيها التوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة، وأما ما تعلق بحقوق العباد من الأمور المادية فيتعين ردها لهم وتحللهم منها، وأما الأمور المعنوية التي لا يمكن استفياؤها كخيانة الزوج فليستتر صاحبها بستر الله وليتحلل من الزوج تحللا عاما دون أن يذكر له ما حصل، وأما المشاركة في قتل النفس البريئة بعد خروجها من البطن فتجب فيه الكفارة.
ونرجو أن تفيدينا عن نوع القتل هل هو عمد أو خطأ حتى نعطيك التفاصيل حوله، وراجعي للمزيد من التفصيل عما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 99215، 76092، 25072، 99605، 96620، 78157، 76210، 41016، 99400، 96816، 73937، 96708، 61553، 74586، 70322، 99937، 36858.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1428(9/4524)
لمس الأجنبية بغير وطء هل يعد من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر لمس فتاة أجنبية تعمل معي دون الجماع زنا، علما بأني لا أستطيع الزواج في الوقت الحالي، ادعوا لي بالهداية وأن يرزقني الله زوجة صالحة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمس الأجنبية دون الجماع وإيلاج الحشفة في فرجها ليس زنا يحد عليه، لكنه من زنى الجوارح، كما قال صلى الله عليه وسلم: ... واليد تزني وزناها اللمس.. متفق عليه، وذلك معصية تستوجب على فاعلها أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، وهي من مقدمات زنا الفرج، فاحذر أن يجرك الشيطان إلى الوقوع في تلك الجريمة. فاتق الله تعالى ولا تختلِ بهذه المرأة أو غيرها من الأجنبيات، واحفظ بصرك عن النظر إلى الحرام، وما دمت غير قادر على الزواج الآن فنرشدك إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم معاشر الشباب في قوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. أي وقاية من الزنا.. أخرجه البخاري. وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7170، 28288، 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(9/4525)
الآية الدالة على تقوى الله بقدر الوسع
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر اسم السورة ورقم الآية (أمر للمؤمنين بان يتقوا الله ما استطاعوا ما وسعهم ذلك وأن ينفقوا فهو خير لهم وإن من يتغلب على نفسه البخيله الشحيحة فسيكتب من الفالحين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية المشار إليها بهذا السؤال هي الآية رقم: 16 من سورة التغابن، وهي قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {التغابن:16}
وننبه إلى أنه ينبغي للإخوة عدم شغلنا بمثل هذه الأسئلة التي هي أشبه بأسئلة المسابقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(9/4526)
يريد الالتزام وأهله يصدونه
[السُّؤَالُ]
ـ[لحيتي ومستقبل أخي والعائلة.. أسأل فضيلتكم عن شخص التزم منذ عام تقريبا -والحمد لله- أعفى لحيته وقصر ثوبه ولازم أهل الصلاح وحضر بعض الدروس وواظب على حضور حلقة لتعلم التجويد بصورة شبه دائمة ولكن.. أهله وعائلته لا يرضون عن ذلك ويحاولون دائبين ثنيه عن الالتزام ويجبرونه علي حلق لحيته وعدم الصلاة في مساجد معينة وعدم ملازمة أهل الصلاح والالتزام وكادت تصل الأمور إلي الإيذاء البدني ... وكل هذا بحجة أن أخي يعمل في جهاز عسكري بوزارة الدفاع بالدولة وأن التزامي يسبب له الكثير من المشاكل والمتاعب في وظيفته ويرون أن التزامي سيسبب لي الكثير من المشاكل خلال حياتي المهنية ويقف دائما عقبة في طريقي وطريق العائلة بأسرها.... أفتوني مأجورين هل أنفذ ما يطلبونه مني أم أستمسك بغرسي مع احتمال وجود مشكلات لأخي والعائلة كما يزعمون، فأرجو من فضيلتكم الإسراع لأن الحالة الآن متوترة مع أهلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا الشخص من الالتزام وإعفاء للحيته وتقصير الثوب والصلاة في المسجد وملازمة أهل الصلاح وحضور الدروس والمواظبة على حلق تعلم التجويد ونحو ذلك.... هو الصواب وفي الالتزام به حصول خيري الدنيا والآخرة، وبعض هذه الأمور واجب أصلاً، فلا يجوز العدول عنه، لأنه: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. كما في الحديث الذي رواه أحمد وصححه الألباني.
ولا شك أن المتمسك بشرع الله تعالى قد يلاقي بعض الابتلاءات لتمحيصه ورفع درجاته وخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. رواه الترمذي. ولكن حصول هذه الابتلاءات والتخوف منها قد يبالغ فيه البعض يجعله بعبعاً يخوف به ويرجف، ولا ريب أن ذلك خلاف الواقع المشاهد والحمد لله رب العالمين.
وعلى أية حال فلو افترضنا حصول شيء من ذلك، فالجواب أنه إذا كان في الإمكان الجمع بين البقاء على هذا المنهج، وبين السلامة من أذى الأهل وغيرهم من الناس، فالواجب الاستمرار على هذه السيرة مع مداراة الأهل ومجاملتهم بكل ما يتاح من الأساليب اللينة، والتلطف والاعتذار ... وإذا تحقق من الوقوع في الضرر الذي قلت إنه قد يصل إلى الإيذاء البدني له، فإن أوامر العزيز الحكيم الرحيم مبنية على رفع الحرج ودفع الضرر، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، وقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة:173} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. أخرجه مسلم. وحينئذ يكون العدول عما لم يكن بد من العدول عنه من هذه الأمور، هو من باب الإكراه، والمكره معذور فيما يكره على فعله، ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإياك على التمسك بالدين، والاستقامة على الصراط، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1428(9/4527)
التوبة من تلويث ما فيه ذكر الله بالقذر
[السُّؤَالُ]
ـ[قضيت حاجتي على ورقة فيها ذكر ودعاء كان ذلك قبل سنتين عندما أذكر ذلك أظن أني هالك كافر مع أني مواظب على أداء الفرائض فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الفقه لا يختلفون في أن من ألقى مكتوبا فيه شيء من القرآن أو الحديث ونحو ذلك، في قذر استخفافا، أنه يكون كافرا خارجا عن الملة، والعياذ بالله.
جاء في الخرشي وهو من كتب المالكية: (كإلقاء مصحف بقذر) مثال للفعل الذي يتضمن الكفر. ومثل المصحف كتاب الحديث إذا ألقاه بقذر أو حرقه استخفافا ... ومثل المصحف الآية أو الحرف منه. والمراد بالقذر ما يستقذر، ولو طاهرا كالبصاق، لا خصوص العذرة ...
وفي الموسوعة الفقهية: ... فمن ألقى ورقة فيها شيء من علم شرعي، أو فيها اسم الله تعالى أو اسم نبي أو ملك في نجاسة، أو لطخ ذلك بنجس -ولو معفوا عنه- حكم بكفره إذا قامت الدلالة على أنه أراد الإهانة للشرع ...
وعليه، فما ذكرت أنك قمت به من الفعل يعتبر منكرا من أكبر المنكرات، وإن كنت فعلت ذلك وأنت عالم أن الذي في الورقة هو ذكر ودعاء فإنك بذلك تكون قد كفرت كفرا مخرجا من الملة، والعياذ بالله.
وإن كنت فعلته وأنت جاهل بأن فيها الذكر المذكور، فقد لا تكون كافرا بهذا الفعل، مع أنه فعل قبيح للغاية.
وعلى أية حال، فإن عليك أن تبادر إلى التوبة من هذا الفعل. ولا شك أن شعورك بالذنب كلما تذكرت هذا الفعل يعتبر ندما، وهو أهم خطوة إلى التوبة. فأخلص في توبتك وتضرع إلى الله في أوقات الإجابة، وثق في وعده بالمغفرة للعصاة، فإنه لا يخيب رجاء المنيبين إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(9/4528)
هل الزنا يحبط عمل الزاني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله أعمال الزناة أم هي هباء منثور، هل هم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهل الزنا يحبط العمل، هل للزاني المصر على الزنا حسنات عند ربه أم أن حسناته لا ترفع حتى يتوب إلى الله، هل يقبل الله صيام وزكاة وصلاة وسائر أعمال الخير التي يقوم بها الزاني وهل يستجيب لدعائه، علما أن الرسول يقول في الحديث: تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي منادٍ: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشَّارا، ويقول الرسول لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا لئلا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، وفي الحديث القدسي ليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، هل الزاني ظالم لنفسه ولغيره وهل إصراره على معصيته يجعل من الذين يلعنهم الله، وباللغة العاصي هو عكس المتقي والله تعالى يقول بالقرآن الكريم........إنما يتقبل الله من المتقين) أرجو منكم التوضيح وهل ما ذهبت إليه صحيح.
الرجاء عدم إهمال سؤالي وإرسال الرد على اميلي علما بأن هذا السؤال قد أرسلته في السابق ولم تتم الإجابة عنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا من المنكرات العظيمة وصاحبه ظالم لنفسه ولا بد، وأما كون الزنا محبطا لثواب عمل صاحبه فلا نعلم لذلك دليلا، ولا نعلم دليلا أيضا على أنه مانع من قبول أعماله الصالحة وإثابته عليها إذا توفرت فيها شروط صحتها، وانظر الفتويين: 93467، 25172، ولمعرفة المعنى المراد من حديث ثوبان راجع الفتوى رقم: 9268، وأما الحديث القدسي الذي أشرت إليه فقد رواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال وقال عقبه: وهذا الحديث متنه غير محفوظ ولم يؤت من قبل حنظلة وإنما أتي من قبل الراوي عنه أبو قتادة، هذا واسمه عبد الله بن واقد الحراني وقد تلكم فيه. اهـ.
ولمعرفة المراد بقول الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة: من الآية27} . راجع الفتوى رقم: 70683.
واعلم أن المعصية عموما قد تكون سببا في عدم استجابة الدعاء وليس ذلك بلازم، فقد يستجاب للمرء وهو مقيم على المعصية ولله في ذلك حكم بالغة، وأما الحديث الذي أشرت إليه -وهو حديث صحيح رواه الطبراني - فقد لا يكون في حق كل زان فإنه قد ذكر التي تسعى بفرجها أي تكتسب به، وهذه أعظم جرما وأخص من عموم الزناة.
وأما اللعن فلا نعلم دليلا يدل بخصوصه على لعن الزاني كما هو الحال في المرابي والمرتشي ونحوهما، ولكن ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر على وجه العموم قد يكن سببا لحرمان صاحبه ومنعه من التوفيق لأعمال البر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(9/4529)
الشهوة إلى الحرام هل تنافي الفطرة أم توافقها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَِ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... فهل النظر إلى الحرام وشهوة الفرج في الحرام وإظهار النساء زينتهن كاملة للناس أمور فطرية أم مخالفة للفطرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهوة إلى الحرام من نظر أو لمس أو فعل كزنى أو تبرج أو غيره يخالف أصل الفطرة التي فطر الله عباده عليها لقوله صلى الله عليه وسلم مما يرويه عن ربه أنه قال: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين. رواه مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك. فالذي يغري المرء ويزين له شهوة الحرام إنما هو الشياطين ... وأما شهوة الحلال فهي التي توافق الفطرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(9/4530)
شروط قبول العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط قبول رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيشترط لقبول صيام رمضان وقيامه وسائر الأعمال الصالحة أمران:
الأول: الإخلاص، بأن ينوي بالعبادة طاعة الله تعالى والتقرب إليه لا ينوي بها شيئاً من الدنيا.
الثاني: أن يؤدي العبادة على وفق ما جاء به الشرع من غير زيادة ولا نقصان، وانظر لذلك الفتوى رقم: 14005 حول شروط قبول العمل.
فمن صام رمضان وقامه ابتغاء وجه الله تعالى، وكما يريد الله تعالى فإنه يرجى له القبول، وقد قال تعالى: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ {آل عمران:115} ، وقال تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ {البقرة:143} ، وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {طه:112} ، نسأل الله أن يتقبل منا جميعاً الصيام والقيام، وأن يتجاوز عن تقصيرنا وذنوبنا، وانظر لذلك الفتوى رقم: 26873 حول شروط صحة الصوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(9/4531)
التوبة والتقوى من أسباب الفلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في محنة عظيمة ... كانت لي علاقة بفتاة وفعلنا الحرام ... في أقصى أبعاده لدرجة أني أفقدتها عذريتها
ومشكلتي أننا تبنا وخطبتها واستخرت الله فيها.... ومنذ هذه الاستخارة وجميع أبواب الرزق مقفلة في وجهي بشكل غريب جدا رغم ما أمتلكه من شهادات عالية ... فلم أتحصل على عمل منذ مدة طويلة وسؤالي هو: بماذا تنصحوني ... وهل الله لم يرضها لي بغلقه أبواب الرزق في وجهي وهل أفسخ هذه الخطبة وأبحث عن أخرى عسى الله أن يرزقني بها خاصة وأني لم أعد أستطيع الانتظار أكثر لأنني شاب أعاني من نفس شهوانية رهيبة، ملاحظة: خطيبتي امرأة عائنة فلا تكاد ترى شيئا إلا وأثرت فيه سلبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تب إلى الله توبة صادقة والتزم بالطاعة والبعد عن المعاصي يحقق الله لك طموحاتك، والأفضل زواج الزانيين إذا تابا، فالزواج من أسباب الرزق، ولا مانع من فسخ الخطبة والزواج بأخرى، خصوصاً إذا لم تظهر توبة المرأة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة مما حصل، وأن تلتزم بحمل نفسك على تقوى الله تعالى والبعد عما حرمه في كل الأحوال، فإن التوبة والتقوى هما أعظم جوالب الفلاح للمسلم، فقد قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون َ {الحجرات:10} ، ثم إنه إذا كان الحب واقعاً بينكما فالأفضل أن تتزوجا بعد توبتكما فزواج المتحابين أدعى لعفتهما وهو سبيل لغناهما، ففي الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه، وقال تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم ٌ {النور:32} ، فإن لم تتيسر أسباب الزواج فعليك بحمل نفسك على العفة حتى يفتح الله عليك من فضله، فقد قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} ، وأكثر من الدعاء في الصلاة وفي أوقات الإجابة، وادع بالاسم الأعظم ودعوة يونس فإن الله كريم يجيب دعاء من دعاه والتجأ إليه.
وإذا لم يكن تعلقك بالفتاة قوياً أو تعلقها بك قوياً فلا مانع من فسخ الخطبة والزواج بأخرى، لأن الوفاء بالخطبة مندوب فيمكن لأي من المتواعدين على الزواج أن يفسخه، ولكن ينبغي التنبه إلى أن عدم توفر التوظف لديك قد لا يكون لتلك الفتاة أي علاقة به، وراجع للمزيد في الموضوع وفي أسباب سعة الرزق والتحصن من العين الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69056، 60327، 7768، 6121، 30361، 4188، 36807، 58722، 7976، 28793.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(9/4532)
توبة من قتل القاتل بغير إذن السلطان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون التوبة من القتل العمد بسبب الثأر (الحادثة حدثت في إحدى الدول التي لا يحكمها القانون والثأر جاء بعد أن لم يأخذ القانون حق أهل المقتول الأول والمقتول الثاني هو الذي قتل المقتول الأول) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة من القتل عموماً تكون بالندم على ما حصل والاستغفار منه مع التحلل إن كان القتل ظلماً، ومما يدل لقبول التوبة الصادقة قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وكذا حديث قبول توبة من قتل مائة شخص.
وأما إن قتل القاتل شخصاً قد قتل من هو الوارث الوحيد لدمه فإنه يعتبر عاصياً لافتياته على السلطان، لأن القصاص في هذه الحالة لا ينفذ إلا بإذن السلطان ولا يقتص من القاتل الثاني لأن الأول غير معصوم الدم ولا دية عليه ولا كفارة، وللسلطان أن يعزر من افتات عليه بما يراه مناسباً.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65882، 72397، 67496، 13598، 10808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(9/4533)
الكبيرة وأهل الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أهل الكبائر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أهل الكبائر هم الذين يرتكبون الذنوب التي فيها حد من حدود الله أو وعيد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل الكبائر هم الذين ينتهكون محارم الله ويرتكبون الذنوب التي حدد الشرع لها عقوبة في الدنيا كالسرقة والزنا وشرب الخمر ... أو توعد عليها بعقوبة في الآخرة كأكل الربا وعقوق الوالدين ... والكبائر متفاوتة فمنها أكبر الكبائر كما في الحديث: أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال وشهادة الزور. رواه البخاري وغيره.
ومنها السبع الموبقات كما في حديث: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31033، 48472، 97742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(9/4534)
الاستغفار للوالدين وتوبتهما من ذنوبهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استغفاري لأحد والدي من ذنب معين قد تركه يغني عن استغفاره لنفسه، مع العلم بأني لا أعلم إن كان يستغفر أم لا، وأنا أخجل من سؤاله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك أن تدعو لوالديك وتستغفر لهما على كل حال، ويجب عليهما أن يتوبا ويستغفرا من كل ذنب وقعا فيه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الدعاء للوالدين وطلب المغفرة لهما مأمور به شرعاً ومرغب فيه ونافع لهما في حياتهما وبعد مماتهما، فقد قال الله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:24} ، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
ولكن هذا -وإن كان نافعاً لهما- لا يسقط وجوب التوبة عنهما لأن التوبة فرض عين على العبد، وعليه أن يبادر بها من جميع الذنوب، قال الله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال تعالى: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} ، ولذلك فإن على والديك أن يبادرا بالتوبة وكل تأخير لها يعتبر ذنباً آخر تجب منه التوبة والاستغفار ... وعليك أن تذكرهما بوجوب التوبة بطريقة محترمة دون أن تذكر لهما ما وقعا فيه من الذنوب ... وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 47960.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/4535)
فعل الطاعات رغبة في الزواج بفتاة ملتزمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هممت بالزواج وكنت أبحث عن الفتيات الملتزمات، ولعلمي أنهن لا يقبلن إلا بالملتزمين، فبدأت بتحسين نفسي دينيا. فهل هذا يعتبر نفاقا؟ علما بأن بعض الفتيات يشترطن على أزواجهن حفظ عدد من أجزاء القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التظاهر بالعمل الصالح إن كان معه صدق في القلب لا يعتبر نوعا من النفاق، ولا مانع من أن يكون قصد الزواج بعد ذلك تبعا، وأما إن لم يكن ذلك عن صدق وإخلاص فهو نوع من النفاق بل وفيه غش وخداع، والواجب على المسلم أن يصلح سريرته ويخلص لربه، وانظر الفتوى رقم: 19043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(9/4536)
الرغبة في إظهار العمل إذا كانت مجرد فكر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي إذا شعر الشخص في قلبه أنه يحب أن يطلع الآخرون على الأعمال الصالحة التي يقوم بها، إلا أنه فعليا يحاول إخفاءها عنهم قدر الإمكان. أي أن القلب يريد شيئا ولكنه في الواقع يقوم بشيء آخر. فهل هذا يبطل العمل لا سمح الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الأمر مجرد فكر ولم يستقر في قلب المسلم فإنه لا يؤاخذ به، وأما إذا وطن عليه نفسه واستقر في قلبه فإن صاحبه يأثم بذلك، وراجع الفتوى رقم: 30456، ولا يعتبر مثل هذا الفكر بمجرده رياء يبطل العمل ما لم يصحبه إظهار للعمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(9/4537)
يريد الهداية ويدفعه الشيطان ونفسه إلى الغواية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب وأبلغ من العمر؟؟ وقد كنت لا أترك الصلاة أبداً ولا أرتاح إذا لم أصلها إلا بعد أن أصليها وأما الآن قسما بالله ما فلا فرق عندي كنت لا أعرف شيئا سوى الصلاة والدعاء حتى ولو كنت صعب المراس؛ كنت لا أترك صلاة التراويح ولا الوتر كنت أتصدق حتى ولو بريال وإما الآن لا حياء في الدين أقترف المعاصيواحدة تلو الأخرى والله ببساطة كنت لا أعرف ماهي المعاصي كنت لا أعرف ما هي العادة السرية كنت لا أعرف ما هو الزنا كنت وكنت وكنت أما الآن أصبحت أعرفها جميعا قسم بالله إني أدعو ربي أن يهديني ويعيدني إلى جادة الصواب ولكن للحكمة فلم أتب ولم أرجع إلى ما كنت عليه من هداية واستقامة والله إني الآن كل يوم يقسو قلبي أكثر وأكثر لدرجة أني لا أفرق بين رمضان وغيره من الشهور ولدرجة أني صرت لا أبالي به لدرجة أني صرت أمارس العادة السريه فيه لدرجة أني تركت الصلاة وتهاونت بها فيه شيء يردني عن الهداية ولا أدري ما هو صارت حياتي غير متزنة ومن أول الأسباب الضغط المادي الذي أعاني منه فالديون أكثر من 120000ريال على الوالد وأنا لي أكثر من 13 سنة وأنا طالب كرهت الدنيا أكثر من مرة ونويت الانتحار أكثر من مرة ولكن رحمة الله واسعة أنا أقول هذا الكلام وأنا كلي يقين أنه من أن أقوم عن الجهاز أنسى الذي كتبته وأنسى دموع الحزن وأعود تدريجيا إلى ما أنا عليه أدمنت على السرعة الجنونية والتخييط والدخول من بين السيارات بجنون وتهور لدرجة أني لا أستأنس إلا إذا صار الخط مزحوما ومن أفضل الخطوط لدي خط الملك فهد ظهراً؛ لا أدري كيف دخلت على هذا الموقع ولا أدري كيف ولماذا أكتب ولكن أتمنى أن يكون الحل من الله سبحانه وتعالى ثم منكم وأرجو منكم أن تحسوا إحساسي
قسما بالله إني أريد الرجوع إلى الله إلى التوبة إلى أصحاب الخير ولكن لا أستطيع وأفكر الآن وأنا أكتب الرسالة بالخلاص والانتحار أستغفر الله أرجوكم إن كان لديكم حل أسرعوا ولا تتأخروا
جزاكم الله كل خير
كفاكم الله أبغي الخوف من الله لا تتأخروا على فأنتم من تبقى إلي بعد لله وأقصد بأنتم أهل الدين والمشايخ جزاكم وجزاهم الله كل خير والله لو أني أبغي أكتب معاناتي ماراح تكفيني ولا 100 صفحة من صفحات الإنترنت والشكوى لغير الله مذلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين الاستقامة على طاعته، والثبات على دينه، والتوبة من جميع الذنوب.
والسبيل إلى ما تصبو إليه هو الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان. مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى المتبعين للهوى، فإنه قد قيل سابقاً:
عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة " متفق عليه.
وليس من شك في أن ما ذكرته من بعد عن الله، وممارسات آثمة، وسوء سيرة، وانهماك في المعاصي، وغير ذلك مما كتبته ... إنما مرجعه بدرجة كبيرة إلى سوء البيئة وقرناء السوء.
كما أن ما ذكرته من تعاسة العيش هو نتيجة واضحة لما ذكرته من الآثام والبعد عن الله. فقد قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 123، 124] .
فننصحك بالإسراع إلى التوبة وترك هذا القنوط، فإنه من الشيطان يريدك أن تبقى مستمرا على النهج الذي أراده منك.
واعلم أن العبد إذا أذنب ثم تاب واجتمعت في التوبة شروطها من الندم على فعل المعصية، وعزمه على عدم الرجوع إليها وإقلاعه عنها فوراً صحت توبته. وإن عاد إلى الذنب مرة أخرى ثم تاب توبة صحيحة بشروطها صحت توبته وهكذا. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى: 25} .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عزوجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ " أي: ما دمت تتوب توبة نصوحاً، مستوفية الشروط، سالمة من موانع القبول.
ونسأل الله أن ينفعك بهذا النصح، فإنه وحده القادر على هدايتك وإعانتك على الشيطان، وإياك ثم إياك والتفكير في الانتحار، وراجع الفتوى رقم: 74336.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(9/4538)
النشاط في العبادة والكسل عنها من طبيعة النفس البشرية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه أما بعد..
فلله الحمد والمنة أحافظ على صلاتي وأؤدي النوافل ما استطعت منها ... وفي رمضان ولله الحمد أبتعد عن كل ما يشغل المرء عن عبادته لكني أحس أني مقصرة، أني لا أعرف كيف أستغل هذه الأيام المباركة، ولله الحمد لله أدوام على قراءة القرآن ولي بفضل الله وكرمه عدة ختمات, أحيانا وأنا أقرأ القرآن أحس بخشوع جميل وبتدبر وتمعن للآيات لدرجة أنني أحب.. وأحيانا لا أحس بهذا الشعور وهو ما يسبب لي الضيق والحزن, أسأل الله العلي العظيم أن يديم على قلبي الخشوع..
ما هي نصيحتكم لي وكيف أستغل رمضان بمزيد من العبادة والتقرب وكيف أجعل نفسي دائما خاشعة وأنا أقرأ القرآن ... فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرمضان هو أفضل الشهور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر الناس به ويحضهم على عمل الخير فيه، فيقول: قد جاءكم رمضان شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم. رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني.
وفي حديث آخر: أنه ينادي فيه ملك: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. رواه أحمد والنسائي والترمذي. وصححه الألباني.
فعلى المسلم أن يحرص على الاستفادة من رمضان ويوظف الأوقات فيه في العمل الصالح.
وما ذكرته من أنك أحياناً لا تحسين بذلك الشعور الجميل الذي يؤدي بك إلى تدبر القرآن والتمعن في معانيه ونحو ذلك ... فإن هذا أمر عادي، فنفس الإنسان التي بين جنبيه طبيعتها التقلب والإقبال والإدبار، والنشاط في العبادة والكسل عنها، وهذا لا يسلم منه أحد، وقد اشتكى منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم حنظلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات. رواه مسلم.
وعلى هذا فننصح السائلة الكريمة بأن تواصل محافظتها على الفرائض والنوافل، وبأن تجتنب المحرمات على كل حال، وبأن تعمل لنفسها برنامجاً مع القرآن ومدارسته، وأن تواظب على الأذكار، ويستحسن أن يكون لها مجلس علم مع زميلاتها ومجلس علم مع أهل بيتها يتدارسون فيه أمور دينهم كلها، وأن تداوم على هذه الأعمال، فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئُل أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومه وإن قل. ونسأل الله أن يعيننا وإياك على الطاعة والالتزام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(9/4539)
العودة للذنب بدون إصرار بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص يعاني من مشكلة خطيرة أو بالأحرى ذنب عظيم وهو ممارسة العادة السرية.
لقد أطلعت مرات كثيرة على الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع وأعلم أنها محرمة ولكن أصبحت عندي مثل الإدمان ولقد حاولت كثيرا الإقلاع عنها ولكن تستمر المحاولة عدة أيام ليصبح بعدها جسمي يغلي ويصيبني الاكتئاب والانزعاج لأعود لها مرة أخرى , ولكن ما أريد إخباركم به هو أنني أصلي ولا أستطيع ترك أي صلاة فبعد ممارسة هذه العادة أذهب وأغتسل ومن ثم أتوضأ وأصلي
أعلم أن ما أقوله متناقض وأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن كما أخبرتكم فإنها عادة سيئة جدا وأرغب بالابتعاد عنها فأرجو الدعاء لي بالشفاء من هذه المعصية.
سؤالي هو هل صلاتي جائزة؟ وإذا استغفرت لذنبي ومن ثم عدت لهذا الذنب عدة مرات فهل هذا الاستغفار جائز ومقبول؟ ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن الصلاة إذا استوفيت أركانها وشروطها فهي صلاة صحيحة، واستحضار خشية الله والعزم والإرادة مما يعين على ترك عادة الاستمناء إضافة إلى الزواج لمن لم يكن متزوجا، والاستغفار الذي ينفع هو ما صحبه ترك للذنب وندم على ما فات وعزم على عدم العود إليه، ولا يضره إن شاء الله عود لم يسبق بإصرار مصاحب للاستغفار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة إذا وقعت مستوفية أركانها وشروطها فهي صلاة صحيحة، ولا يؤثر على صحتها وقوع الشخص في معصية من المعاصي استمناء أم غيره، والاستمناء يوجب الاغتسال.
واعلمي أن قوة العزم والإرادة مع استحضار مراقبة الله وخشيته من أعظم ما يعينك على الإقلاع عن هذه العادة السيئة، وراجعي الفتويين 7170، 24126، وإن لم تكوني ذات زوج فينبغي أن تسعي في البحث عن سبيل للزواج والاستعانة في ذلك ببعض صديقاتك أو قريباتك.
والاستغفار الذي ينفع صاحبه هو الذي يكون معه ندم على المعصية وترك لها وعزم على عدم العودة إليها، ولا يضره إن شاء الله عود لم يسبق بإصرار على الذنب مصاحب للاستغفار، وأما من يستغفر الله بلسانه وهو مقيم على معصية الله غير نادم على ما فات منها فإنه كالمستهزئ بربه، وانظري الفتويين: 61486.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(9/4540)
الإحساس بالذنب دليل التوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في الخامسة قام أحدهم وهو أكبر مني سنا باستغلالي لأغراض جنسية، والآن أنا كبرت وأصبحت أحس بنفسي بالميل لأبناء جنسي حتى استهوتني مواقع النت المنحرفة وكدت أقع في اللواط لولا رحمة ربي لأني كلما قاربت أحس بشعور غريب من الخوف والآن أنا التزمت بالصلاة وابتعدت بفضل الله عن تلك المواقع وقررت أن أفتح صفحة جديدة من حياتي.. ولن أحس بنفسي تراودني للرجوع لتلك المواقع، وحتى عندما أغض نظري عن المردان أشعر بالذنب حتى بمجرد التفكير بهذا الأمر، فهل شعوري هذا صحيح؟
أرجوكم أرشدوني كيلا أعود في ذلك الطريق.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي حال بينك وبين اللواط، فإنه ذنب شنيع وفاحشة من أكبر الكبائر، والحمد لله على التزامك بالصلاة، وابتعادك عن المواقع الإباحية. كل ذلك من فضل الله عليك.
وفيما يخص شعورك بالذنب كلما فكرت في شيء مما كنت عليه، فإنه دليل على توبة صادقة. وهنيئا لك بذلك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال الله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} .
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(9/4541)
مدى الارتباط بين فساد القلب وبين فعل المحرمات وأكل الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من إحدى الفضائيات أن المال الحرام يجعل الإنسان جوارحه تعصي غصبا عنه فما تفسير ذلك، وهل عدم الاقتناع بهذا الكلام له تأثير علي العقيدة، وأنا أعلم أنه لا جبر للإنسان على المعصية فكل معصية هي بإرادة الإنسان فإن كان هذا الإنسان قد اكتسب مالاً حرام فإنه سيعاقب عليه ولا ارتباط بين الذنوب وبعضها وقد يأكل الإنسان من حرام وهو لا يعلم أو يكون عمله فيه شبهة مثل من يعمل في البنوك مثلا أو من يعمل في مجال الغناء مثلا، فهل هذا يجعل جوارحه تعصي غصبا عنه، وما الدليل على صحة هذا الكلام أو عدم صحته من الكتاب والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.. وأرجوكم سرعة الرد فإني حائر جداً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن أكل الحرام له عواقب وخيمة، منها: الحرمان من إجابة الدعاء، كما صح بذلك الحديث، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وذكر الرجل أشعث أغبر، يطيل السفر، يمد يده إلى السماء يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له.
ومن آثار ارتكاب المحرمات -ومنها أكل الحرام- مرض القلب أو موته الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الوارد في الصحيحين عن النعمان بن بشير فإنه قال في أوله: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات.. ثم قال في آخر الحديث: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ... الحديث. فإن في ذلك إشارة ظاهرة إلى الارتباط بين فساد القلب وبين فعل المحرمات وأكل الحرام، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به. رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.
وقد ورد في الأثر عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله أنه قال: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى. وهذا الأثر لم نقف على من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا على من صححه، وبالتالي فإننا لا نورده كدليل على الموضوع المسؤول عنه، وإنما نورده استئناساً فقط، وعلى أية حال فإن ما تقدم من الأحاديث الصحيحة يدل على شؤم المعصية، وأن عاقبتها سيئة على صاحبها، ومن ثم فإنه لا يستبعد وجود ارتباط بين الذنوب، خصوصاً أنه قد ثبت أن الإيمان يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا شك أن نقصان الإيمان سبب في الوقوع في المعاصي، وبالجملة فما سمعته من إحدى الفضائيات له نصيب من النظر، إلا أننا لا نقول بأن عدم الاقتناع به يؤثر على العقيدة، لأن الظاهر أن حامل المتكلم على عدم الاقتناع به هو عدم وجوده لدليل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1428(9/4542)
المعاصي سبب لنقصان الإيمان وظلمة الوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا ارتكب العبد ذنبا عمدا تنزل مرتبته ويقل إيمانه ويذهب النور من وجهه ويصبح ليس من
المتقين حتى لو تاب رأسا. ثم هل إذا ارتكب ذنبا عن غير قصد يصبح له ذلك ويذهب شيء من
علمه كما حصل للإمام الشافعي في قصته المشهورة وقصة الشخص الذي دخل على سيدنا عثمان
... القصة.
أرجو التوضيح وذكر آثار المعاصي التي يتعمدها فاعلها والمعاصي التي يفعلها العبد من غير قصد منه.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
المعاصي من غير توبة سبب لنقصان الإيمان وظلمة الوجه، فإن تاب مرتكبها توبة صادقة عاد إلى حالته الأولى قبل ارتكاب المعصية، وتعمد المعصية له آثار خطيرة على صاحبها من تلك الآثار حرمان الرزق والعلم النافع ووحشة يجدها في قلبه والحرمان من الطاعة والضعف في القلب والبدن إلى آخرها، أما ارتكاب المعصية نسيانا أو جهلا في حق من يعذر بالجهل في ارتكابها فلا إثم فيه ولا تترتب عليه الآثار السابقة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعاصي لها خطر عظيم فتعمد الإقدام على ارتكابها سبب لنقصان الإيمان وظلمة الوجه وراجع الفتوى رقم: 95383، والفتوى رقم 20090.
هذا في حالة عدم التوبة الصادقة من تلك المعصية فإن تاب مرتكبها توبة صادقة واستغفر الله تعالى محيت عنه تلك الآثار، ففي فيض القدير للمناوي: إن العبد في رواية إن المؤمن إذا أخطأ خطيئة في رواية أذنب ذنبا نكتت بنون مضمومة وكاف مكسورة ومثناة فوقية مفتوحة في قلبه لأن القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يطبع عليه نكتة أي أثر قليل كنقطة سوداء في صقيل كمرآة وسيف وأصل النكتة نقطة بياض في سواد وعكسه قال الحرالي: وفي إشعاره إعلام بأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره عن معرفة ظهوره في الظاهر فإن هو نزع أي قلع عنه وتركه واستغفر الله وتاب إليه توبة صحيحة ونص على الإقلاع والاستغفار مع دخولهما في مسمى التوبة إذ هما من أركانهما اهتماما بشأنهما صقل وفي نسخة سقل بسين مهملة أي رفع الله تلك النكتة فينجلي قلبه بنوره كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت وإن عاد إلى ذلك الذنب أو غيره زيد بالبناء للمفعول فيها نكتة أخرى وهكذا حتى تعلو على قلبه أي تغطيه وتغمره وتستر سائره كمرآة علاها الصدأ فستر سائرها وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرا ولا يثبت فيه خير. انتهى
وآثار المعاصي كثيرة منها:
1ـ حرمان العلم النافع.
2ـ حرمان الرزق.
3ـ وحشة يجدها العاصي في قلبه.
4ـ وحشة تحصل بينه وبين الناس خصوصا أهل الخير منهم.
إلى آخر الآثار المذكورة في الفتوى رقم: 97814.
هذا بالنسبة للمعاصى التي يتعمد الإنسان فعلها، أما التى فعلها نسيانا أو جهلا وكان ممن يعذر بالجهل فيها فلا إثم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 19084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(9/4543)
هل يأثم من سرق منه جهاز يحوي حراما قد تاب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متدين إلى حد كبير وفي منتصف الثلاثينيات من العمر ومتزوج وحججت لبيت الله، عندي مشكلة أنني كنت مدمنا للأفلام الجنسية وكنت أمارس العادة السرية وأحيانا كثيرة كان هذا يمنعني من الصلاة لفترات وأحيانا سنوات ثم أعود وأصلي وأسمع القران وأبكي على ما فعلت، مؤخراً سرق مني جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي وكان عليه مواد إباحية كثيرة وأخشى كل ما أخشى أن ينشرها أو يستخدمها السارق فيما لا يرضي الله، علما بأنها سرقت في الخارج وغالبا السارق ليس مسلماً، وأن أخذ ذنوبه ولا أستطيع أن أفعل شيئا حيال منعه من استخدامها فماذا علي أن أفعل وأنا أخاف عذاب الله وأطمع في مغفرته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولاً نرجو أن تكون قد تبت من هذه المنكرات، وهذا ما نظنه بك، وعليك بالحرص على إحسان العمل في المستقبل والبعد عن كل ما قد يقودك للوقوع في مثل هذه المنكرات مرة أخرى، وراجع في حكم مشاهدة الأفلام الإباحية الفتوى رقم: 3605، وفي حكم العادة السرية راجع الفتوى رقم: 7170، ولحكم ترك الصلاة انظر الفتوى رقم: 1145.
وأما استخدام من سرق هذا الجهاز للأفلام الإباحية التي فيه أو نشره لها فنرجو أن لا يلحقك منه إثم، إن صدقت في توبتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/4544)
من تاب يرجى له الستر بعد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أذنب ذنبا من الكبائر وأقام على هذا الذنب لمدة 6 سنوات وبفضل الله وعفوه لم يره أحد ولم يفضحه الله خلال هذه الفترة وأذن الله له بالتوبة لهذا الشاب ولكن أصيب هذا الشاب بمرض نفسي ويمكن أن يفضح أمره، هل يفضحه الله بعد التوبة النصوح هذه، وجزاكم الله خيراً على هذا الجهد وجعله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحمدا لله تعالى أن وفق هذا الشاب للتوبة من هذا الذنب ونرجو أن لا يفضحه الله عز وجل فإنه سبحانه ستير يحب الستر. روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن يعلى ابن أمية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر.
فإن كان قد ستره وهو مقيم على الذنب فالرجاء أقوى في أن يستره بعد توبته منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/4545)
التوبة والوفاء بوعد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عراقية ولا أعرف متى أموت بسبب الظروف التي عندنا فماذا أفعل لكي تغفر ذنوبي، وقد وعدت الله بشيء ولم أف بوعدي فماذا أفعل لكي يسامحني. أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا.........]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أعظم أسباب مغفرة الذنوب التوبة إلى الله تعالى، ورحمة الله واسعة وعفوه لا يتعاظمه ذنب، ومن شروط التوبة النصوح ترك الذنب والندم على ما فات والعزم على عدم العودة إليه ورد الحقوق لأصحابها، وأما الوعد المذكور فإن كان نذر طاعة فالواجب الوفاء به، ومع العجز عن الوفاء تلزم كفارة يمين، وإن كان مجرد وعد فيستحب الوفاء به ولكن لا يترتب على عدم الوفاء به شيء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن من أعظم أسباب مغفرة الذنوب التوبة إلى الله تعالى، والواجب على المرء أن يتوب فورا من ذنوبه ومن رحمة الله عز وجل أنه فتح باب التوبة على مصراعيه، وعفوه لا يتعاظمه ذنب، وراجعي الفتويين: 1882، 5450، ففيهما بعض النصوص التي ترغب في التوبة وبيان شروط التوبة النصوح.
وما ذكرت من وعدك ربك بشيء ففيه إجمال فإن كان مجرد وعد من غير أن يقتضي نذرا فهذا لا يترتب على عدم الوفا به شيء ويستحب الوفاء به، وراجعي الفتوى رقم: 41451، وإن كان هذا الوعد نذرا بطاعة فيجب عليك الوفاء به إلا إذا عجزت عن ذلك فتلزمك كفارة يمين كما هو مبين بالفتوى رقم: 13831، وراجعي في أنواع النذر الفتوى رقم: 1125.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/4546)
حديث النفس بين المؤاخذة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية، بارك الله فيكم على جهودكم المشكورة في خدمة الإسلام وأهله في إطلاق هذا الموقع الراقي وعلى زاوية الفتاوى التي هي من أقيم وأنفع ما يجد المرء على الإنترنت وغيره خصوصاً في هذا الزمان وقد عم الجهل واختلطت الأمور على العامة لكثرة الفساد ورواده والفتن ومروجيها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاكم الله خير ما جزى عباده وجعل ذلك في ميزان أعمالكم يوم تخف الموازين وتشيب رؤوس الناس من الهول، وبعد.... الشيخ الفاضل سؤالي هو: علامَ نحاسب يوم القيامة، على الأعمال والأقوال فقط أم أن ما طرأ على القلب يكون دارجاً أيضاً، فالحديث (إن الله تجاوز لأمتي عن كل شيء حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل به) والآية في سورة الإسراء (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) فالفؤاد مشمول إذاً في المحاسبة بالمساءلة، فكيف التوفيق إذاً بينهما أيضاً، الحديث الشريف (مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء) فالمرء قد يتمنى أن يسرق فلا يسرق ليس تورعاً لكن لعدم تمكنه فلو تمكن لسرق وقد يتمنى مالاً يوزعه على الفقراء والمحتاجين فلا يجد، فالله أعلم بما في الصدور، فهل على هذا من أجر أو وزر؟ أيضاً الحديث (قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) ، يعني أن الهم بعمل الشيء عليه ثواب ووزر، وحديث النفس ليس به بأس، فهل من توضيح لهذه النقطة بارك الله فيكم، وفي هذا السياق يخطر ببالي أيضاً هل ذكر الله أو قراءة القرآن في النفس (دون تحريك الشفاه) يعد من حديث النفس الذي لا يؤجر المرء عليه؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يحاسب العبد على ما عزم عليه لا على مجرد حديث النفس، وأما الذكر القلبي فيؤجر عليه ولا يصل درجة الذكر باللسان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على اتصالك بنا وعلى انطباعاتك الجيدة واعترافك وشكرك على الجميل، ونفيدك أن الحساب يكون على الأعمال والأقوال التي يطلب فعلها أو تركها، وأما المباحات فالراجح أنه لا حساب فيها.
وأما حديث النفس في المعاصي فمعفو عنه إذا كان مجرد خاطرة ولم يوطن نفسه عليها ولم يعزم على فعلها، وأما إذا عزم على المعصية ثم تركها لوجه الله فتعطى له حسنة كما يدل له الحديث المذكور في السؤال، وأما إذا عزم ولم يستطع تنفيذ فعله فتكتب عليه سيئة، كما يدل له حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري.
وأما مجرد الهم على فعلها دون عزم فالصحيح أنه غير مؤاخذ به، لقول الله تعالى: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {آل عمران:122} ، واتفق على عدم المؤاخذة بالهاجس والخاطر وحديث النفس المجرد عن الهم والعزم، وبهذا يعلم التوفيق بين النصوص المذكورة في السؤال فحديث النفس لا يحاسب عليه، وأما العزم على فعل الطاعات أو المعاصي فيحاسب عليه ويجازى إلا إذا ترك المعصية لله فيؤجر على ذلك ولا يعاقب.
وأما آية الإسراء: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا ً. فالمراد عمل القلب مثل الإيمان بالله والتوكل عليه والخوف والرجاء والحب وغير ذلك من أعمال القلوب، وأما مجرد حديث النفس فلا يعتبر عملاً ما لم يعزم على العمل به، وراجع في المزيد عما تقدم وفي كلام العلماء فيه وفي مسألة الذكر والتلاوة في النفس دون تحريك اللسان والشفتين الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32416، 22692، 28477، 71816، 53487، 44491، 8685، 54289، 13109، 35909، 54871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/4547)
من عدل مع غيره فهل يضره دعاؤه عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ ... أنا أعمل مهندسا بإحدى شركات القطاع الخاص ورئيسا على عدد من الفنيين والعمال وأعمل جاهداً أن أراعي الله فيهم، ولكن أحد الفنيين يكرهني بشدة وذلك لأنني شديد فى عملي، ولكنه يبرر ذلك بأني أفرق فى المعاملة بينة وبين زملائه، ولكن يشهد الله أنني كنت أراعيه أكثر منهم ومؤخراً قرر أن يترك العمل وأخذ يسوئ فى سمعتي ويتهمني أني (مفترٍ) وينتهز فرصة عدم وجود أحد بالمكتب يتعامل معي بسوء أدب حتى أنه وصل إلى السب، بالرغم من ذلك هو متدين ويصوم ويقوم ويدعو علي باستمرار فأصبحت أعامله بأسلوب سيء فعلاً حاولت أن أسامحه لكني لا أستطيع وأنا أخاف الله وأخاف أن يتقبل الله دعاءه؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعلم أنك كنت تعامل الشخص المذكور بإنصاف وعدل ولا تظلمه فلا تخف من دعائه لأنه دعاء قطيعة وإثم، لكن يجب عليكما أن تكفا عن المشاتمة والمسابة، فإنه لا يجوز للمسلم أن يسب أخاه ظلماً وعدواناً، لقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه. وقوله: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وأحمد.
ثم إن الصبر وكظم الغيظ والعفو والصفح عن المسيء من عزم الأمور ومن صفات المؤمنين المتقين، فينبغي لك أن تحمل نفسك على هذه الصفات لا خوفاً من الخصم ولا مذلة، ولكن تفعل ذلك ابتغاء ما عند الله تعالى، ولتقرأ هذه الآيات التالية وتفسيرها في كتب التفسير، قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
هذا إذا كنت مظلوماً، أما إذا كنت ظالماً لا قدر الله، فعليك أن تتوب إلى الله تعالى من ظلم هذا الرجل وتستسمحه في الدنيا فإن ذلك أهون من معاناة عقاب الله تعالى في الآخرة، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه. ولئلا تنالك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم. وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/4548)
طرق اكتساب وزيادة اليقين بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يزداد اليقين بالله وهل إذا أصبح الرجل على درجة عالية من اليقين تصبح له كرامات ويصبح لا يأخذ بالأسباب في بعض الأحيان، وكيف يعرف أن يقينه كبير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليقين يزيد بكثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى، ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، ففي الحديث: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. ومما يزيده كذلك العمل بما تعلم العبد من الدين، وتعبده لله تعالى، وذكره إياه في كل حال، ومما يزيده كذلك كثرة النظر في نصوص الوحي التي يكثر فيها الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، ولا يلزم من زيادة اليقين أن توجد كرامات ولا أن تترك الأسباب، فكثير من الصحابة لم تكن لهم كرامات، وكان الأنبياء والصحب يتكسبون؛ كما في حديث البخاري: وأن نبي الله داود كان يأكل من كسبه. وقد تاجر الصحابة وزرعوا وامتهنوا المهن، وكذلك خيار السلف بعدهم، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30404، 65775، 30799، 70657، 6342، 17066، 22279، 22055، 75468، 58722.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/4549)
كتمان حب الله ورسوله في النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أحب الله وكل ما سألني أحد من أحب أسررت في قلبي حب الله ولم أخبرهم لأنهم سيسخرون مني وأحب محمدا عليه الصلاة والسلام كان نبيا ورسولا وأخا يقتدى به وأن الله قد شغل معظم تفكيري وأحس بشوقي لرؤياه وأتمنى الموت لذلك كي أراه هو وأحبابي جميعا الناس الطاهرة العفيفة وإنه لا يريح قلبي إلا القراّن وإني أتوكل في كل أموري على الله وإني لأشعر أنه قربي كلما احتجت له وجدته معي يدافع عني ويحرسني وكثير من الأوقات أتمنى شيئا وأسره في نفسي، ولكنه يحصل بإذن الله وإني أربي نفسي على خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلما دعوته أجابني ولو بعد حين ولم يردني أبداً وخاصة دعاء القلب سبحان الله حتى أنه لم يحوجني لشيء قط وإنه لحبيب قلبي ولا يملكه أحد سواه مع أني أحيانا أخطئ وأندم وأحتقر نفسي على خطئي وإن الله قد وهبني من الجمال ما هو نادر وأتعرض لكثير من المشاكل بسبب ذلك من النساء والرجال وإغراءات عدة، ولكني أقاوم هذا الشيء الحمد لله، ولكني أخاف أن أخطئ فبماذا تنصحني؟ جزاك الله خيراً على هذا الموقع الرائع.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا ينبغي لك أن تكتم ما تجده من حب الله ورسوله لأن ذلك من الإيمان ومما يقربك إلى الرحمن، فاصدع به ولا تبال، واستقم على ما أنت عليه من التوكل على الله عز وجل والإنابة إليه والندم على الخطايا فذلك خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن تكتم حب الله ورسوله لأن ذلك هو أعظم الحب وأشرفه وهو من الإيمان وبه توجد حلاوته لقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.....الحديث. متفق عليه.
وفي الصحيحين عن أنس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بشيء أشد فرحاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 5707.
وأما تمني الموت ولو لذلك الغرض فهو منهي عنه شرعاً لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته. فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت؛ إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب. وانظر الفتوى رقم: 8137.
وقولك كلما دعوته أجابني إن كان المقصود أنك تدعو النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حوائجك فهذا لا يجوز شرعاً فلا يدعى ولا يسأل أحد غير الله عز وجل، قال الله تعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ {يونس:106} ، ولأن الدعاء من العبادة، والعبادة لا يجوز صرفها إلا له سبحانه، ففي الحديث عند أحمد والترمذي وأبي داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء هو العبادة. وقرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ. وللمزيد انظر الفتوى رقم: 3779، والفتوى رقم: 4416.
وأما ما ننصحك به فهو أن تعض بالنواجذ وتتمسك بما أنت عليه من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتوكل على الله عز وجل فمن توكل عليه كفاه، قال الله سبحانه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3} ، واندم على خطيئتك، وتب إلى الله تعالى كلما أخطأت واستهوتك شياطين الإنس والجن، فإن الله سبحانه يحب التوابين ويقبل إنابة عباده المذنبين، ولا تبال بسخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين ما دمت في ذلك السبيل فلك الأجر والمثوبة ما صبرت واحتسبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/4550)
من مات على فراشه بعد من استشهد بعام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا فيما معناه أن رجلين أحدهما استشهد والآخر مات بعده بعام, فالذي مات بعده بعام بلغ منزلة عالية بقدر السموات والأرض عن الذي استشهد, فلما تعجب الصحابة من ذلك رد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الذي مات بعده بعام قد بلغه الله رمضان وقد صلى ألوف الصلوات عن الذي استشهد.
السؤال الأول:
هل هذا صحيح , ومن الذي أخرجه.
السؤال الثاني:
هل يمكن للمسلم أن يصل إلى منزلة في الجنة أعلى من النبيين الذين كانوا قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
السؤال الثالث:
أليس للشهيد في سبيل الله منزلة عظيمة عند الله (مع النبيين والصديقين) , فإن كان الحديث الذي سبق ذكره صحيحا فكيف بالذي عاش سنة إضافية بعد الذي مات شهيدا يبلغ منزلة أعلى من الشهيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي تسأل عنه قد خرجه الإمام أحمد وغيره، وقال فيه شعيب الأرناؤوط إنه حسن لغيره.
ونصه: عن أبي سلمة قال: نزل رجلان من أهل اليمن على طلحة بن عبيد الله فقتل أحدهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مكث الآخر بعده سنة ثم مات على فراشه، فأري طلحة بن عبيد الله أن الذي مات على فراشه دخل الجنة قبل الآخر بحين، فذكر ذلك طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم مكث في الأرض بعده قال حولا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى ألفا وثمانمائة صلاة وصام رمضان.
ثم إن الأنبياء هم أفضل البشر، وقد اختارهم الله تعالى واصطفاهم، ولا يمكن لأحد أن يصل إلى منزلة في الجنة أعلى من منازلهم.
وأما سؤالك الثالث، فجوابه قد ورد في نص الحديث، وهو أن الذي تأخر موته قد صلى ألفا وثمانمائة صلاة وصام رمضان. وبهذا القدر من العبادة فاق ذلك الذي مات شهيدا. ولا غرابة في هذا، فالله هو الذي يعلم قدر العبادة وقدر جزائها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/4551)
ثواب من مات له ولد وصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل لقد سمعت بحديث ولا أعلم ما صحته، الحديث يقول: إذا مات ابن العبد ينادي منادي فيقول مات أبوك مات من يررزقك الناس لأجله، وإذا ماتت أمك ماتت من يرزقك الله لأجلها، ولا أعلم عن صحته، فهل من الممكن إخباري بذلك وإذا كان صحيحا فهل من الممكن إرسال الحديث لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم بقوله إذا مات ابن العبد يقصد: إذا مات أبو العبد لأن المعنى لا يستقيم إلا بذلك، وسواء كان يقصد هذا أو ذاك فإننا لم نقف على شيء من هذه الألفاظ في حديث صحيح ولا حسن.
وكل ما وجدناه منه هو ما ورد في مسند الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(9/4552)
مشى لمعصية ومات قبل فعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نوى الإنسان فعل المعصية ومات وهو بالطريق لفعلها هل يحاسب على ما كان في نيته حتى وإن لم يفعلها؟ أو تعرض لحادث وهو في طريقه لفعلها هل تختلف عن الموت مثلا أو هل تغتفر له؟ أرجو أن أكون قد أوضحت سؤالي]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من مشى ليفعل المعصية ثم مات قبل أن يفعلها يحاسب يوم القيامة لكونه فعل ما هو معصية وهو المشي إليها، ولكونه كان عاقدا العزم على فعلها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي مشى ليفعل المعصية ثم حيل بينه وبينها سواء بالموت أو غيره يحاسب لكون المشي إلى المعصية محرم؛ ولأنه أيضا دليل على العزم عليها، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قال أبو بكر راوي الحديث: فقلت يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. والحديث متفق عليه. وراجع لمزيد فائدة الفتاوى التالية: 8685، 20861، 27493، 71816.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(9/4553)
هل يلزم التائب أن يظل مهموما بسبب ذنبه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التائب يظل وقته مهموماً بسبب الذنب الذي اقترفه أو أنه يشعر بالندم فقط عندما يتذكر الذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يلزم التائب أن يظل مهموماً بسبب الذنب ولا أن يشعر بالندم كلما تذكره، وإنما يلزمه الندم الأول عند التوبة وما سوى ذلك فهو من علامات صدقها وعدم نية العودة إلى الذنب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالندم هو الأسف والحزن على فعل المعصية، وقد يقع بالقلب فقط فيحزن القلب وقد ينضاف إليه دمع العين، ولا يلزم التائب أن يظل طول دهره مهموماً لكونه وقع في الذنب بل ولا يلزمه كذلك أن يجدد الندم كلما تذكر الذنب، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية وهو يرد على من يقول بلزوم تجديد الندم عند تذكر المعصية: والأصل عدم اعتباره وعدم الدليل عليه مع أن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. أنه لا يعتبر. هذا ومع كون تجديد الندم ليس واجباً لكن لا بأس أن يشعر الإنسان بالندم كلما تذكر الذنب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/4554)
كيف تنال منزلة البر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كيفية نيل البر في الحياة الدنيا، وما كيفية التعامل مع العائلة الذين يستخدمون العادة السرية ليلا نهارا ولا يرغبون فى إنهائها لما فيها من اللذة والمتعة وأنا آكل معهم في البيت ولا آكل خارج البيت، فماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله، ادع لأهلي بالشفاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما العادة السرية فقد سبق حكمها وضررها في الفتوى رقم: 7170.
وعليك نصح من يمارس هذه العادة من أهلك أو من غيرهم، فإذا قمت بنصحهم وبينت لهم حكمها وخطرها، فنرجو أن لا يكون عليك حرج في مخالطتهم ومآكلتهم.
وعن الشق الأول من سؤالك وهو كيفية نيل البر؟ فإن كان مرادك البر الوارد في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} ، فإنه ينال بعمل الصالحات ومن ذلك الإنفاق مما يحب الإنسان، قال الله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4555)
الزمن الذي تبتدأ فيه النية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي مبلغ من المال وأريد التبرع به ومحتار بين أكثر من جهة مثل قطر الخيرية أو مؤسسة عيد الخيرية جميعها في قطر ولا أعلم ما الفرق بينهما حيث جمعية قطر حكومية والأخرى خاصة، وهل احتساب الأجر حين الدفع أو بعد انتهاء المشروع مثل بئر ماء أو مسجد، وهل الصدقات الجارية أفضل، وما أفضل المشاريع مثل بئر ماء أو بناء مسجد أو مشاريع مدرة لدخل كشراء آلة خياطة أو محراث للأرض، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن الصدقة الجارية لها فضل كبير عند الله، لأنها مما يلحق ثوابها المرء بعد موته، ففي الحديث الشريف: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
ومن الصدقات الجارية بناء المساجد وحفر الآبار، وتسبيل آلات الحرث والخياطة وغير ذلك مما يستمر نفعه، ولكن تحديد قدر الأجر في ذلك وذكر أيه أفضل هو من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، وبالتالي فلا نستطيع الجزم بأن هذا المشروع هو الأفضل أم هذا، كما أننا لا نستطيع تحديد أي المؤسسات الخيرية أفضل، والمؤسستان المذكورتان في السؤال لا نعلم عنهما إلا خيراً، بل نحسب القائمين عليهما من خيرة العاملين في العمل الخيري نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ومن أراد القيام بصدقة جارية فعليه أن ينوي ذلك في بداية قيامه بالمشروع الذي يريده، ليتم له أجره، لأن الأعمال إنما هي بالنيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4556)
النية التي يستحضرها المرء عند العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية.. بارك الله فيكم على جهودكم المشكورة في خدمة الإسلام وأهله في إطلاق هذا الموقع الراقي وعلى زاوية الفتاوى التي هي من أقيم وأنفع ما يجد المرء على الإنترنت وغيره خصوصاً في هذا الزمان وقد عم الجهل واختلطت الأمور على العامة لكثرة الفساد ورواده والفتن ومروجيها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاكم الله خير ما جزى عباده وجعل ذلك في ميزان أعمالكم يوم تخف الموازين وتشيب رؤوس الناس من الهول وبعد.. الشيخ الفاضل سؤالي هو: هل أننا حقاً لا نثاب على أعمال لم نحتسب فيها الأجر والثواب وتضيع سدى، كأن ينصر الإنسان أخاه مثلاً من امرئ اغتابه فيرد عنه الغيبة ولم يكن قد احتسب أو أن يحتسب خطواته للمسجد بأن لكل خطوة درجة وتكفير سيئة وأجر حسنة، أو أن يكون للأعمال غير أجر فلا يعلم العامل أو يحتسب إلا أجراً واحداً فهل يخسر من الأجر كمن احتسب الأجر كله كمن نوى مثلاً بصدقته أن تكون إطفاء لغضب الرب وابتغاء أن يكون ممن يظلهم الله في ظله وشفاءً (داووا مرضاكم بالصدقة) ولنيل البر (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وبرهاناً (والصدقة برهان) أم أنه فقط ينال على قدر ما احتسب من هذه الأمور، فالمرء لا يخطر بباله أن يحتسب هذا كله لحظة يتصدق أو يسير للمسجد، أو قد يطرأ له عمل من أعمال الخير فيسارع إليه دون التفكير بما يترتب عليه من أجر ساعتئذٍ. فأنا أفهم من الحديث (وفي بضع أحدكم صدقة) أن الأجر واقع ولو بغير احتساب، أيضاً: الحديث (إن المؤمن يؤجر في كل شيء إلا البناء في هذا التراب) ربما يعني أن المرء قد يؤجر بغير نية في حصول الأجر. لكن هناك أحاديث تحض على الاحتساب (من صام رمضان إيماناً واحتساباً ... الحديث) والصبر كثيراً ما يكون مرفقاً بالاحتساب.. وما الفرق بين الاحتساب والنية، وهل يجوز احتساب العمل بعد القيام به أم يضيع عليه، أفيدونا بارك الله فيكم فإن كان في عدم احتساب الأجر عدم قبول فقد فات من الأجر الشيء الكثير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمشترط لحصول الأجر هو النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه. ولقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ... الحديث وهو في الصحيحين.
ويقول صاحب مراقي السعود:
وليس في الواجب من نوال * عند انتفاء قصد الامتثال
فيما له النية لا تشترط * وغير ما ذكرته فغلط
ولكن المقصود من النية هو مجرد ابتغاء وجه الله، وإذا قبل الله طاعتك فستجد -إن شاء الله- كل ما ورد مما أعده الله لذلك. وعليه، فليس من المشترط لحصول أجر الصدقة مثلاً أن ينوي صاحبها إطفاء غضب الرب وابتغاء أن يكون ممن يظلهم الله في ظله، والشفاء، ونيل البر، وأن تكون برهاناً، بل يكفي من ذلك جميعاً أن يخرجها ابتغاء مرضاة الله، ثم الفرق بين الاحتساب وبين النية هو أن الاحتساب أخص من النية، لأن النية قد لا يستحضر صاحبها طلب الأجر، وأما الاحتساب فهو كما قال الحافظ ابن حجر وغيره أنه طلب الثواب من الله تعالى، واحتساب العمل يكون قبل القيام به أو أثناء ذلك، لا بعد القيام به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4557)
توبة المسلم وتوبة الكافر من حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تغفر الذنوب المتعلقة بحقوق العباد للكافر إذا أسلم كأن يكون قد قتل شخصا قبل إسلامه ثم أسلم أيغفر له ذلك ولا يلزمه الاستسماح من أهل الميت، وهل تغفر تلك الذنوب بتوبة العبد المسلم ولدي استفسار هناك شخص مسلم كان يتتبع ويرى من مكان فيه شق عورة إحدى النسوة من محارمه وهي في غرفتها، ولكن هذا الشخص تاب إلى الله والحمد لله وأصبح يصلي الفجر في المسجد لكنه محتار وقد سمع أن ذنوب العباد لا تغتفر فكيف يفعل فليس من المعقول أن يذهب إلى هذه المرأة ويقول لها أن تسامحه فهذا الشخص كان يقطع ويترك بعض فرائضه أفلا يأخذ حكم الكافر ثم عندما التزم بالصلاة أصبح مسلما أي أن الذنوب المتعلقة بحقوق العباد قبل التزامه تغتفر أليس كذلك أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إسلام الكافر يمحو جميع ذنوبه، وأما المسلم فلا بد أن يتحلل أصحاب المظالم ويوضح لهم حقوقهم إلا إذا كان بيان الحق يثير الغيرة فيكفي الاستسماح العام، وتارك الصلاة أحياناً يعامل في هذا الباب معاملة المسلم لقول الجمهور بعدم خروجه من الملة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكافر إذا أسلم تغفر له ذنوبه كلها بما في ذلك قتل النفس كما رجحه ابن العربي، ويدل لهذا عموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وعموم قوله: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ {الأنفال:38} ، وعموم حديث مسلم: أما علمت أن الإسلام يجُب ما كان قبله ... وأما المسلم فيشترط في قبول توبته من حقوق العباد أن يتحلل من المظالم؛ لحديث البخاري: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
وهذا الأمر متفق عليه في الحقوق التي يمكن استيفاؤها كالمال، فيجب رده لصاحب الحق أو طلب عفوه، وأما ما لا يمكن استيفاؤه فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله أنه لا يُعلِمه به، وإنما يكثر من الدعاء له والاستغفار له، وقد بسطنا حجتهم في الفتوى رقم: 18180، ويدخل في هذا الباب ما ذكر السائل، فلا ينبغي أن تذكر لتلك المرأة ولا وليها ما حصل منك، وراجع في حكم تارك الصلاة الذي يصلي أحياناً ويترك أحياناً الفتوى رقم: 68656 ومنها تعلم أنه لا يكفر بذلك ولا يأخذ حكم الكافر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4558)
الإخبار بالمعصية ذنب آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يحب امرأة ويريد الزواج منها، ولكنه قد أقام علاقة مع صديقتها على الإنترنت، لم تتجاوز العلاقة السرية الإنترنت، وكان من ضمن العلاقة كلام بذيء وأقوال شيطان وشهوة، وشكت المرأة التي يحبها في الأمر فحلف لها أنه ليس بالشخص الذي يتكلم مع صديقتها، مع العلم بأنها تعلم أن هناك شخصا يتكلم مع صديقتها، وصديقتها لا تعلم من أكون، فهل يصارح المرأة التي يحبها، أم يستر على نفسه ويتوب إلى الله ويعزم على عدم العودة إلى فعلته، إن صارحها فلن يمكنه الزواج بها لأنها ستعتبره خائنا، فأفتوني في أقرب وقت؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على هذا الشخص أولاً التوبة إلى الله تعالى من هذا الفعل المنكر القبيح، وعليه التوبة ثانياً من الحلف بالله كذباً، ثم ليستر على نفسه ولا يخبر المرأة التي يحب ولا غيرها بما فعل، فإن الإخبار به ذنب آخر، ولا فائدة فيه لأنه مجاهرة بالمعصية، والمجاهرة ذنب كبير، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 29331.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1428(9/4559)
الصبر على البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في شقاء وضيق منذ طفولتي، من شدّته فقدت كل شهوات الحياة وأريد الموت أحيانا من شدة القهر والهم أصرخ من أعماقي "يا رب لماذا حرمتني من كل شيء، لم تعطني شيئا على الإطلاق" وبعدها بلحظات فقط أتفرج على برنامج فأسمع الشيخ وهو يتحدث عن الابتلاء يخصصه الله لمن يحبهم ويريد لهم الخير وضرورة الصبر، تكرر معي الأمر 3 أو 4 مرات في كل مرة لحظات فقط تفصلني عن فورة همي وكلام شيخ على الفضائية وفي كل مرة تحدثني نفسي أن هذا هو الله يرد عليّ وعلى سؤالي، فهل يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد يكون ما يحصل لك تنبيه من الله تعالى.. وعلى كل حال فعلى المسلم إذا ابتلي أن يصبر على البلاء لينال الأجر من الله تعالى، وعليه أن ينظر إلى من هو دونه ليدرك عظيم نعم الله عليه فيشكره عليها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بمستبعد أن يكون ما ذكرت صحيحاً وهو أن الله عز وجل أراد أن ينبهك على أهمية الصبر على البلاء، وأن في ذلك من الأجر العظيم ما لا يحصى، وراجع في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.
ولعلك إذا تدبرت حالك جيداً وجدت أنك في نعم كثيرة قد حرمها غيرك، وبشكرك ربك على هذه النعم يحصل لك المزيد منها، كما قال سبحانه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} ، فنرجو أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 16796، والفتوى رقم: 51946.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4560)
هل تأثم إذا أخذت مكافأة من زوجها لحفظها القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[انا أحفظ من كتاب الله بعض الأجزاء وقال لي زوجي إن أتممت حفظه كاملاً سيكافئني بمبلغ كبير من المال، فهل علي إثم في هذا؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقك إلى إتمام حفظ القرآن وأن يعينك على العمل به وأن يزيدك حرصاً على الخير، والواجب عليك مراعاة الإخلاص ابتداء في حفظك القرآن، وإذا كنت على هذا الحال من الإخلاص فلا يضرك بعد ذلك ما تعطين من مكافأة من قبل زوجك، ولا يلحقك من ذلك إثم، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 24914، والفتوى رقم: 62126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4561)
يتمنى الموت خشية افتتان النساء به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم ان يدعو على نفسه بالموت لعلمه أنه قد يكون سببا في فتنة نساء المسلمين. حيث إن قوة شخصيتة وعذوبة حديثه محل استقطاب للنساء في مكان عمله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا يجوز تمني الموت إلا لمسوغ شرعي، وما ذكرت لا يسوغ لك ذلك، والواجب عليك الحذر من مخالطة النساء على كل حال، وما يحدث من فتنة للنساء وليس لك دخل فيه لا يلحقك منه إثم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد الشرع بالنهي عن تمني الموت، فلا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت إلا لمسوغ شرعي؛ كما بالفتوى رقم: 31781، وما ذكرت من خشيتك افتتان النساء بك لا يسوغ لك تمني الموت، فإنك مطالب شرعا بعدم العمل في مكان تختلط فيه بالنساء ما لم تكن هنالك ضرورة، ولو قدر وجود ضرورة لمثل هذا العمل فالواجب عليك اجتناب الاختلاط بهن أو محادثتهن لغير حاجة، وإن حصل أن افتتنت بك امرأة ولم يكن منك تسبب في فتنتها فلا يلحقك إثم، وتكون هي التي جنت على نفسها فيلحقها إثمها.
وحاصل الأمر أن الواجب عليك من جهتك أن تتقي الله تعالى فلا يصدر منك ما قد تلحقك تبعته، ولا تهتم إلى ما لم تكن سببا فيه أو لم يحدث بتفريط منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1428(9/4562)
كيف يكتسب التائب سمعة طيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتهرت بأني فتاة لعابة ولي علاقات مع الشباب، وهو كذلك، واشتهرت بأني أعلم الغيب (عالم الجن) -كنت ادعيت ذلك كذبا- الآن تبت إلى الله. لكن لا أشعر باطمئنان. أنا في قلق دائم لأن أخلاقي السيئة قد انتشرت بين الناس فسمعتي سيئة. أريد أن أكون فتاة صالحة.. فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله يتقبل توبة التائبين الصادقين المخلصين ويبدل سيئاتهم حسنات، فعليك أن تصدقي في التوبة وتكثري من الأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} وفي حديث الترمذي: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. وفي حديث مسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. اهـ
وعليك بصحبة الملتزمات والإكثار من مطالعة كتب الرقائق وقصص التائبين، وثقي بوعد الله بقبول توبة الصادقين، وأنك سيغير الله ما بك إذا غيرت حالك، ويعطيك سمعة طيبة بين الناس. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها لمعرفة المزيد من أسباب التوبة وحكم ادعاء علم الغيب: 5450، 76975، 76880، 62340.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1428(9/4563)
التوبة النصوح تمحو جميع السيئات الماضية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تعرضت الفتاة لاعتداء في الصغر ... أو وقعت في العادة السرية ثم تابت منها..
هل هذا ينفي عنها دخولها في حديث: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها و (حفظت فرجها) ...............الخ" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم العادة السرية وأنها من المحرمات وذلك في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 7170، كما سبق بيان حكم الاغتصاب وما يترتب عليه في الفتوى رقم: 24127، فنرجو أن تطلعي عليهما.
وإذا تاب المسلم توبة خالصة مما وقع فيه من هذه القاذورات فإن الله تعالى يتوب عليه، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وحديث: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. والذي رواه ابن حبان وغيره وصححه الألباني، قال العلامة المناوي عنه في فيض القدير: إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحا أو عفي عنها.
وعلى ذلك.. فإن ما وقعت فيه المرأة في الصغر قبل البلوغ أو تابت مما وقع منها بعده لا تؤاخذ به ولا يخرجها عن هذا الوعد الذي ورد في الحديث إن شاء الله تعالى.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 98090.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1428(9/4564)
كيفية التخلص من المظالم المادية والمعنوية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يرد الشخص المظالم المعنوية إلى أهلها والمادية علما أنه لم يعد ير كل الذين ظلمهم أو بعضهم
مات ولا يستطيع مواجهة الأحياء منهم وكيف يكون ذلك في حالة ظلم الوالدين كسرقة مبلغ من أبيه
أو أمه وغير ذلك وجزاكم الله خيرا.وهل من مات وله مظلمة يأخذ حسناتي كلها يوم القيامة أو يطرح علي من سيئاته.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
المظالم التي ليس فيها حقوق للآدميين لا يتخلص من تبعاتها إلا بتحقيق شروط التوبة التي هي الإقلاع عن المعصية حالا والندم على فعلها في الماضي والعزم عزما جازما على عدم العودة إلى مثلها أبدا، وإن كانت المظلمة تتعلق بحق الغير فإنه يشترط فيها رد المظالم إلى أهلها أو تحصل البراءة منهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المظالم التي تكون بين العبد والعبد إما أن تكون معنوية كأن تكون قد تكلمت في شخص بغير حق أو سخرت منه ونحو ذلك فالخلاص منها يكون مع التحلل من صاحب المظلمة حال حياته إن علم بها وقد سبق الكلام على هذه المسألة في الفتوى رقم: 66515، والفتوى رقم: 18997، وإما أن تكون المظالم مادية وهي المتعلقة بالمال كالغصب أو السرقة منهم مثلا وهذه لا بد من ردها إليهم أو طلب السماح والعفو منهم، ولا يشترط إخبارهم بأنها سرقة أو غصب بل المطلوب هو ردها إليهم بأي وجه.
وعلى هذا، فلا بد من السعي لرد المظالم المادية إلى أهلها أو الاستحلال منهم أي طلب المسامحة سواء كانوا أحياء بردها إليهم أو كانوا أمواتا بردها إلى ورثتهم، فإن لم تستطع ذلك فعليك بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة والتصدق عنهم بقدر المظلمة، ولمزيد الفائدة والبيان يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 34977.
وأما بالنسبة لما سرقته من أبيك أو أمك فهو كأي حق لأي مسلم أخذته منه بغير حق فيجب عليك رده إليهم بأي وسيلة تستطيع القيام بها بعد التوبة والاستغفار والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع يرجى مراجعة الفتوى رقم: 21098، والفتوى رقم: 52601.
ولا يأخذ من مات وله مظلمة عندك حسناتك كلها يوم القيامة بل يأخذ منها بقدر المظلمة إذا كانت لك حسنات فإن لم تكن لك حسنات فإنه يؤخذ من سيئاتهم ثم تطرح عليك، وذلك أيضا على قدر المظلمة فقط، ويدل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة.. ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 50885.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/4565)
الغنى بين المدح والذم
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا نرد على من يرى أن الغنى شر وأنه يفضل البساطة في العيش والترف والغنى يجلب الأمور السيئة والأحزان والخطايا، وما فضل الغني على المجتمع ومن من الصحابة كان معروفا عنه الغنى ولم يؤثر ذلك في دينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغنى ليس شراً في ذاته وإنما يذم أو يمدح الغنى بحسب ما يجر إليه، فمن كان مؤمناً ينفق ماله في أبواب الخير فإن الغنى يكون خيراً له، وإذا أنفقه في المعاصي كان شراً بالنسبة له، كما يدل له الحديث: نعم المال الصالح للرجل الصالح. رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي الحديث: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل ... رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ومن أغنياء الصحابة الذين لم يحملهم غناهم على البطر والترف والكبر، الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف، وحكيم بن حزام وغيرهم.
والغني المسلم الصالح من فوائده على المجتمع أنه ينفق على محتاجيه كاليتامى والأرامل والفقراء ويساعد طلاب العلم والقائمين على أمور الدين.. كما عمل أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف في تجهيز الغزاة في غزوة تبوك، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد في الأمر: 33511، 67992، 48719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(9/4566)
الأفضل للتائب الاستغفار مع تذكر الذنب والخجل من الله من ارتكابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما الأفضل الاستغفار مع تذكر الذنب, أم الاستغفار مع الخجل من الله من تذكر الذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من الأفضل للمسلم الاستغفار مع تذكر الذنب مع الخجل من الله من ارتكابه والندم على فعله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمنون المتصفون بالتقوى يبادرون بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي قد تصدر منهم، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين َ {آل عمران:135-136} ، والأفضل للمسلم الاستغفار مع تذكر الذنب، واستشعار قبحه والخجل من الله منه، فيجمع بين هذه الأمور كلها، قال ابن القيم: وقد ذم الله في كتابه من نسي ما تقدم يداه، فقال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ... فإذا طالع جنايته شمر لاستدراك الفارط بالعلم والعمل وتخلص من رق الجناية بالاستغفار والندم.
وفي المصنف لابن أبي شيبة: عن يونس بن خباب قال: قال لي مجاهد: ألا أنبئك بالأواب الحفيظ، قلت: بلى، قال: هو الذي يذكر ذنبه إذا خلا فيستغفر الله منه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(9/4567)
الابتلاء بين رفع الدرجات وتكفير السيئات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع التفصيل في مسألة الابتلاء بين المنحة ورفع الدرجات وبين كونها غضبا من الله
وعذابا منه، وكيف يعرف الشخص أن ما نزل به من البلاء كان منحة أو عذابا.
أرجو التفصيل في مسألة البلاء، وهل ما ينزل بالأمة من نوازل كالزلازل والفيضانات كما رأينا من
فترة قريبة في الإمارات هل هذا غضب من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
باستطاعة المؤمن الفطن أن يميز بين أنواع البلاء وأسبابها، وما يصيب الأمة سببه البعد عن الله تعالى وعن تحكيم شرعه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي من شاء بما شاء من أنواع البلاء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155} ، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {محمد:31} .
وكل ذلك لحكمة أرادها سبحانه وتعالى من محو السيئات أو رفع الدرجات أو تنقية الصف وتمييز المؤمنين عن المنافقين أو غير ذلك كما تشير الآيات، وسبق بيانه بتفصيل أكثر في الفتويين: 27048، 44779، نرجو أن تطلع عليهما.
والمسلم الملتزم بشرع الله المراقب له سبحانه وتعالى في سره وعلانيته يعلم من أين يؤتى ويميز أنواع المصائب التي تصيبه وأسبابها والحكمة منها.
وقد كان من يقظة السلف أنهم كانوا يحصون عثراتهم وتضييعهم لحق الله تعالى، ويربطون ذنوبهم بما يصيبهم من البلاء، فقال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي. وهذه اليقظة مدعاة للتوبة والاستغفار من الذنوب.
أما نحن في هذا العصر فقد كثرت علينا الذنوب والمعاصي حتى أصبحنا لا نميز بين أنواع البلاء وأسبابها..فصدق فينا قول القائل:
تَكَاثَرَتِ الظِّبَاءُ عَلَى خِرَاشٍ فَمَا يَدْرِي خِرَاشٌ مَا يَصِيدُ.
وأما ما يصيب الأمة من المصائب وما ينزل بها من البلاء فهو من هذا القبيل- ولا شك- فقد ظهرت المنكرات وتفشى الربا وحكم بغير ما أنزل الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وراجع الفتوى رقم: 45184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(9/4568)
قائل عبارة: إذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك ...
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت التأكد هل هذا الحديث قدسي: إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الخالق عليك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام ليس حديثاً قدسياً ولا حديثاً نبوياً، وإنما هو من كلام عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، فقد ذكر الغزالي كلام عمر وقال: يعني عمر بن عبد العزيز: وكتب إلى بعض عماله ... أما بعد: فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك، واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئاً إلا كان زائلاً عنهم باقياً عليك، واعلم أن الله عز وجل آخذ للمظلومين من الظالمين. والسلام. انتهى. ونقله المناوي في فيض القدير بلفظه وقال: إنه من كلام عمر بن عبد العزيز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(9/4569)
صفات من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت عدة روايات للحديث الذي يصف من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب, وأريد أن أكون منهم, ولكن تختلف الروايات في وصفهم, فمثلاً رواية فيها أنهم لا يكتوون وأخرى ليس فيها وهكذا، لو سمحتم أريد من حضراتكم صفات هذه الفئة من الأمة في نقاط مبسطة، يعني مع توضيح مبسط حتى يسهل علي فهمها, ثم هل الفأل يعتبر من التطير الذي هو ليس من صفاتهم، فقد يحدث لي كثيراً أن أتفاءل بآية أو حديث أو أفتح الراديو مثلاً على آية فأتفاءل وهكذا ... فهل هذا من التطير الذي هو ليس من صفاتهم، فقد كنت قرأت أنهم لا يطلبون الرقية مع جواز ذلك شرعاً، ولكنهم لا يطلبونها من باب التوكل فهل هذا صحيح، وهل الأمر بالنسبة للفأل كذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين اتصفوا بالصفات الأربع المذكورة في الحديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم من اتصفوا بأربع صفات كما جاء في الصحيحين وغيرهما، وهذه الصفات هي: أنهم لا يسترقون.. أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، وأنهم لا يتطيرون ... أي لا يتشاءمون، وأنهم لا يكتوون ... أي لا يستعملون الكي كعلاج لأنفسهم وهذا محمول على غير حال الضرورة، وأنهم على ربهم يتوكلون ... أي يفوضون أمرهم إلى الله مع بذل الأسباب.
وتوضيح ذلك أنهم بلغوا درجة عالية من الإيمان والتوكل على الله تعالى والاعتماد عليه جعلتهم يسلمون أمرهم كله إليه -سبحانه وتعالى- فلا يعتنون ولا يهتمون بهذه الأمور، وأما الفال الحسن -التفاؤل- فهو مستحب وهو من حسن الظن بالله تعالى وليس من الطيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ويحب الفال الحسن، فقال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية لما جاء سهيل بن عمرو للمفاوضة: لقد سهل لكم من أمركم. رواه البخاري، بعكس الطيرة فإنها من سوء الظن بالله، ومن ردته الطيرة فقد أشرك، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في أكثر من عدة فتاوى بإمكانك أن تطلعي على بعضها تحت الأرقام التالية: 9468، 28954، 29745.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(9/4570)
الابتلاءات والتغيرات البيئية وراءها حكم عديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[الفيضانات والأمطار من الله, وقد أنعم الله علينا بمطرٍ وفير, وحتى لا يشرك الناس بهذه النعمة للأضرار التي تعرضوا لها أريد أن أعظهم بأن هذا الأمر من الله وهو ابتلاء الآن ونعمة بعد زوال هذا الفيضان في اخضرار الأرض والزرع وغيره، ومعلوم بأن البيئة تتأثر بالآتي: فيضان (كقوم نوح) ، فساد (فساد البيئة كالاحتباس الحراري وغيره) ، وليس الفساد الأخلاقي، لأن الفساد الأخلاقي معنوي أما فساد البيئة فعضوي، فأرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
هذه الظواهر التي يسمونها طبيعية هي ابتلاء وامتحان من الله للعباد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما يجري في هذا الكون من أحداث ... هو بقدر الله تعالى وقضائه ولحكمة أرادها -سبحانه وتعالى- فمن هذه الحكم أن الله تعالى يبتلي عباده بالنقمة حتى يصبروا فيؤجروا، كما أنه يبتليهم بالنعمة ليشكروا، كما قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، كما أن منها ما يكون للعظة والتذكير بقدرة الله عند غفلة الناس، وكذلك منها أن يكون ذلك إنذاراً وتنبيهاً وتحذيراً من التمادي في المعاصي، أو عقوبة لهم على ما اقترفوا من السيئات، كما قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} ، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} ، وما يصيب المؤمن المستقيم من ذلك هو لتمحيص ذنوبه ورفع درجاته..
وعلى هذا.. فما يصيب الناس من الفيضانات أو غير ذلك مما أشرت إليه ليس شرا محضاً، ولكنه ينطوي على خير كثير في العاجل والآجل، وتأثر البيئة بالفيضانات أو الاحتباس الحراري لا يخرج عما ذكرنا.
واعلم أن المخالفات الشرعية هي أيضاً تؤثر في البيئة كما دلت عليه الآية التي ذكرناها أخيراً، وهذه المخالفات قد تكون في العقائد أو في العبادات أو الأخلاق أو المعاملات، والخطر الأكبر ألا ينتبه الناس لهذه الظواهر والفتن ولا يتعظوا بها ويتوبوا إلى الله ويعودوا إليه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41620، 846، 76268.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(9/4571)
على المسلم الجمع بين الخوف والرجاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الموت:
الحمد لله أنا أصلي وأصوم وأذكر ربي مع أني أعترف أن لدي بعض الذنوب، ولكن ليست كبائر ... ولكنني خائف جداً من العقاب بعد الموت الذي سيأتي في أي لحظة وسأعاقب على كل ذنب، أفكر كثيرا في هذا الموضوع؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
على المسلم أن يخاف على نفسه من جميع ذنوبه الصغيرة والكبيرة مع رجائه لمغفرة الله تعالى واستحضاره لسعة رحمته وعظيم فضله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمد الله تعالى وتشكره وتسأله المزيد من نعمه والعون على شكره فهو الذي وفقك لذكره وأداء فرائضه، ولتعلم أنه لا ينبغي للمسلم أن يستقل شيئاً من ذنوبه، فإن التقليل من الذنوب والتهوين منها من أسباب الهلاك والبعد عن الله تعالى، وقد روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا. وقال بعض السلف: لا تنظر إلى المعصية ولكن انظر إلى من عصيت.
والخوف من الله تعالى ومن غضبه وعقابه وذكر الموت وما بعده أمور محمودة شرعاً إذا كان ذلك دافعاً إلى العمل الصالح وصاحبه الرجاء ولم يؤد إلى القنوط من رحمة الله تعالى، فصلاح المؤمن إذاً مرهون باجتماع الخوف والرجاء في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت. رواه الترمذي وغيره، وقال: حسن صحيح، وقد بينا ذلك بالتفصيل في عدة فتاوى فراجع منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8181، 97322، 13448، 17814. فنرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1428(9/4572)
حكم التفكر في نعيم الجنة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتذكر الإنسان نعيم الجنة وهو يصلي إذا كان هذا سببا في خشوعه وإخلاصه في الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا بأس بتذكر نعيم الجنة في الصلاة ولاسيما إذا كان يعين على الخشوع والإخلاص.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تذكر نعيم الجنة يعتبر من التفكر في أمور الآخرة، والتفكر في أمور الآخرة جائز في الصلاة بل هو من الأمور التي تعين على الخشوع فيها، ففي سنن ابن ماجه وغيره عن أبي أيوب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: علمني وأوجز، قال: إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عما في أيدي الناس. والحديث حسنه الألباني.
وقال الخرشي في حاشيته على مختصر خليل في الفقه المالكي: والحاصل كما ظهر لي أن التفكر في الأخروي لا يكره سواء كان متعلقا بالصلاة أم لا. انتهى.
وقد أمر الله عز وجل بإقامة الصلاة فقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ {البقرة: 43} ، ومعنى إقامتها هو إقامتها ظاهراً وباطناً. فإقامتها ظاهراً بإتمام شروطها وأركانها وواجباتها. وإقامتها باطناً بالخشوع وهو استحضار القلب فيها، والخشوع هو لُبُّ الصلاة وروحها، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عَقِلَ منها.
قال ابن القيم: وهذا بإجماع السلف أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضره بقلبه. اهـ من بدائع الفوائد.
وإن مما يعين على حضور القلب وملازمة الخشوع أن يستشعر الإنسان بقلبه أن الله أكبر من كل ما يخطر بالبال، فإذا استشعر ذلك استحيى أن يُشغل قلبه في الصلاة بغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1428(9/4573)
الفرق بين الحسنة والدرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحسنة والدرجة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحسنة هي ثواب العمل الصالح وجزاؤه وهي من الحسن والجمال. ويعبر بها عن العمل الصالح نفسه، قال الله تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا {الأنعام:160} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.
وأما الدرجة فهي المنزلة والمرتبة، والدرجات متفاوتة، ويوضح ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة.
وقد تأتي الدرجة بمعنى الصلاة. ففي رواية أخرى للحديث السابق عند البخاري: صلاة الجماعة تزيد على صلاته في البيت وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: المراد بالدرجة الصلاة فتكون صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1428(9/4574)
لا يلزم من استقامة العبد ألا يبتلى
[السُّؤَالُ]
ـ[احاول جاهداً فعل الصواب، وأحرص على العبادة، أكرمني الله عز وجل بترك عملي المحرم والعمل عملا حلالا.
أكرمني الله عز وجل بكثير من النعم لا تعد ولا تحصى وكانت كلها معينة على البر والتقوى والبعد عما لا يرضى الله.
كانت عندي فكرة وهي أنه ما دام العبد في نعمة وسعيد في حياته فإن الله سبحانه راض عنه وأنه في الطريق الصواب وأن البلاء ينزل بمعصية ويرفع بتوبة واستغفار، ولكن سمعت في يوم من الأيام في أحد دروس العلم أن الله سبحانه يبتلي المؤمن والكافر والمقصر، وأيضا لا يبتلي المؤمن والكافر والمقصر ... وأحيانا يكون سعيدا في الدنيا ولا يكون سعيدا في الآخرة والعكس صحيح.
كما يشاء الله، ولا يوجد مبدأ أو قانون، ولذلك فلا يجب أن نفكر في هذه الأمور، فهذه حكمة رب العالمين ولا ندركها نحن كبشر.
ولقد كنت قد تعلمت أن العبادة والتقوى سبب من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة والمعصية شؤم في الدنيا وعذاب في الآخرة.
لي صديق مقصر في العبادات ويرتكب بعض المحرمات مع حدوث نفس النعم التي ذكرتها آنفا معه، نحن على خلاف وأحيانا يتهمني أني الأسوأ، أسئلتي هي:
1. ما هي دلائل رضا الله عن العبد؟
2. هل من يعيش بدون ابتلاء ويقوم بأمور دينه كما ينبغي هو من السعداء في الدارين؟
3.من منا أقرب إلى الله.. من منا المصيب ومن منا المخطئ.
4. هل كل بلاء لا بد أن يكون بمعصية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العبادة والتقوى أساس السعادة في الدارين، نسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياك من نعمه ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، ولتعلم أن المعصية كما تفضلت شؤم في الدين، وقد تكون سببا في عذاب الإنسان في الدنيا والآخرة، ويمكنك أن تراجع كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم فقد أفاض فيه وأجاد، وبين فيه صنوف العقوبات التي يعاقب الله تعالى بهما عباده من جراء المعصية.
والدليل على رضى الله تعالى عن عبده هو الاستقامة على طاعة الله والإحسان في العمل كما قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ {التوبة: 100} الآية، وفي الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. الحديث. رواه البخاري.
وأما من كان مستقيما على دين الله تعالى في عقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملاته فلا شك أنه سعيد في الدنيا والآخرة، لكن لا يلزم من ذلك ألا يبتلى بالمصائب، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يبتلى العبد على قدر دينه ذاك، فإن كان صلب الدين ابتلي على قدر ذاك. رواه أحمد وحسن إسناده الأرناؤوط.
ولا يلزم أن يكون سببه المعصية فربما يكون للتمحيص وبيان المؤمن من المنافق، وربما يكون لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات أو يكون عقوبة على معصية، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 44779، وأن المؤمن الفطن يمكن أن يميز سبب ما يصيبه من البلاء.
ثم لتعلم أن ابتلاء الله تعالى لعباده لا يقتصر على المصائب أو ضيق الحال، فربما يكون بالخير ويسر الحال كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35}
فهو تعالى يبتلي من شاء ابتلاءه من عباده بما شاء أن يبتليه به لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 20634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1428(9/4575)
مشكلات وحلول
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كتبت لكم في السابق وأشكر لكم الإجابة على سؤالي الذي قمت بطرحة سابقاً وأتمنى الإجابة على سؤالي التالي.. أنا وبسبب المشاكل الكثيرة في حياتي لا أستطيع التركيز في الكثير من الأمور وأنا أذكركم بأنه يوجد لي ثلاثة إخوة متوفون، اثنان طلاب جامعة شهداء غرق إن شاء الله، وأخي توفي بسبب هدم جدار عليه وهذا من أنواع الشهادة أيضا، والدي الذي توفي منذ فترة قصيرة وزوج أختي أيضا توفي وعمره 41 وأنا أحمد الله على كل هذا وراضية بقدر الله، ولكن لا أدري لماذا حالة اليأس الكبيرة التي أنا بها، عرضت نفسي على أطباء نفسيين، ولكن دون جدوى، أنا أدعو الله دائما فرجا قريبا، وأن الله مجيب دعوة الداعي إذا دعا إن شاء الله، ولكن أنا في كثير من الأحيان لا أركز في صلاتي وأشعر بأني أنسى بعض الآيات من الفاتحة أو السور التي أقرأها وأنا أصلي ولذلك أحمل مصحفا صغيرا، فهل هذا جائز في السنة والفرض، أيضا أنا كل ما آتي أفكر في الزواج من شخص أستخير وأكون راضية ولكن لا أدري لماذا أغير رأيي بعدها بسرعة، أنا عمري 25عاما، وكأن أحدا عمل لي عملا أو توجد علي عين من شخص (حسد) دائما أدعو الله وأنا ساجدة بأن يرزقني شخصا تقيا، ولكن أنا أسأل ما هو الدعاء الذي يجب أن أدعوه كي يرزقني الله زوجا صالحا، في هذه الفترة يوجد شاب صديق أخي أنا أستريح له كثيراً ويفهمني جداً وأتمنى من الله أن يكون من نصيبي فماذا أفعل وكيف أدعو الله أن يحنن قلبه علي ويجعله من نصيبي إن شاء الله، نحن نتقي الله في بعض ولا نفعل شيئا يغضب الله وهو أصلا لا يعرف بشعوري اتجاهه، أنا أشاهد في هذا الشاب كل ما فقدت من حنان وأنه الحل لجميع الظروف التي أمر بها، مع العلم بأني أعرف الكثير من الناس، ولكن أول مرة أشعر بهذا الشعور وأتمنى أن يحقق لي حتى أنه عندما حضر الشاب كي يعزينا في والدي رحمه الله عندما شاهدته دعوت ربي أن يجعله عوضا لي عن كل ما فات، فبماذا تنصحونني أنا أستيقظ من النوم وأصلي لله أن يجعل هذا الشاب من نصيبي، مستحيل أن أبادر أنا في هذا الموضوع أو أحد من إخوتي الشباب، فهل الذي يقرأ القاتحة 112مرة تفتح له الأبواب المغلقة، وما هي الأدعية التي يجب أن تقرأ لتفرج الدنيا في وجهي من جميع النواحي، وإذا كان أحد عاملا لي عملا أو عينا، أنا صحيح أرتدي المنديل من جديد ولكن للأسف نحن عائلة غير متدينة كثيراً مع أنا نتقي الله كثيرا، وأنا الوحيدة من أخواتي أرتدي الحجاب، أنا أحب كثيراً أهلي أنا أزور المقابر بين الفترة والأخرى وأدعو الله أن يرحم إخوتي وأبي وجميع أموات المؤمنين والمسلمين، ولكن في بعض الأحيان أبكي بدون صراخ أو صوت فقط دموع، لا أدري لماذ تبقى صورة والدي في مخيلتي وهو على السرير متوفى، أنا كنت ذاهبة إلى زيارته في المستشفى وكان له دقائق متوفى بجلطة في الدماغ وأخرى بالقلب، فهل هو مبطون أي نوع من أنواع الشهادة والدي عمره 59 رحمه الله قبل أن يتوفى في يوم طلب مني أكثر من مرة أن لا أتأخر، ولكن لظرف ما تأخرت عليه، أبي كان صابرا على موت إخوتي كثيراً، فأرجو الإجابة على جميع هذه الاستفسارات؟ وجزاكم الله خيراً.. وما هو الدعاء للحصول على زوج صالح، فأرجو الإجابة بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عنك كل كرب، وأن ييسر لك كل أمر عسير، وأن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وقد اشتمل سؤالك على عدة أسئلة نجمل جوابها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: ليس هنالك دعاء معين يتعلق بأمر الحصول على الأزواج، ويمكنك الدعاء بعموم الأدعية المتعلقة بخيري الدنيا والآخرة، وقد بينا بعضها في الفتوى رقم: 3570.
النقطة الثانية: أنه لا يلزم أن يكون تأخر الزواج بسبب عين أو حسد، بل قد يكون نوعاً من الابتلاء أو لحكمة يعلمها الله، فما على المسلم إلا أن يجتهد فيبذل الأسباب المشروعة ويستعين بالله تعالى وسيأتيه ما قدر له، وإن غلب على الظن وجود شيء من العين أو السحر ونحوهما فينبغي الالتجاء إلى الرقية الشرعية، وانظري الفتوى رقم: 27645.
النقطة الثالثة: عليك بالاستمرار في الدعاء والإكثار من ذكر الله تعالى، فذلك كله من خير ما يعين على تسلية النفس في مواجهة المصائب، وراجعي الفتوى رقم: 39151، والفتوى رقم: 71525.
النقطة الرابعة: لا ينبغي التعجل في أمر الزواج من هذا الشاب الذي ذكرت حتى تتبيني أمره ممن هم أعرف به من الثقات، فإن تبين أنه أهل لأن يكون لك زوجاً فليس هنالك ما يمنع شرعاً من عرض نفسك عليه للزواج منك، أو أن يعرض عليه ذلك أحد إخوانك، وإن وجد نوع من الحرج فيمكنك الاستعانة بأحد أزواج صديقاتك أو قريباتك، وتراجع الفتوى رقم: 7682.
النقطة الخامسة: قد سبق بيان حكم القراءة من المصحف في الصلاة بالفتوى رقم: 200، والفتوى رقم: 1781.
النقطة السادسة: لا نعلم دليلاً على أن قراءة الفاتحة (112) مرة تفتح الأبواب المغلقة، وعلى وجه العموم فإن في قراءة الفاتحة خيراً كثيراً، ولكن قراءتها بعدد معين واعتقاد سنية ذلك أو المداومة عليه من غير دليل شرعي يعتبر داخلاً في حد البدعة الإضافية.
النقطة السابعة: أن الحجاب فريضة شرعية يجب على المرأة الالتزام بها، وانظري الفتوى رقم: 18119، والفتوى رقم: 2595.
النقطة الثامنة: أن البكاء على الميت إن لم تصحبه نياحة فلا حرج فيه شرعاً، كما هو مبين في الفتوى رقم: 25255. وأما زيارة النساء للمقابر فهي جائزة بشروط سبق بيانها في الفتوى رقم: 3592.
النقطة التاسعة: أن المبطون والذي هو أحد الشهداء هو من مات بداء البطن، ولا يدخل فيه من مات بسبب الجلطة، ولكن على وجه العموم فإن المصائب مكفرات للذنوب، وراجعي الفتوى رقم: 27708، والفتوى رقم: 473.
النقطة العاشرة: إن المسلم يسلي نفسه في ما يصيبه من المصائب بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه أنه قال: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب عنده. رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 347.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1428(9/4576)
لابد للكبائر من توبة خاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل هل الله عز وجل يغفر كل الذنوب في جلسة "يذكر فيها الله أو مجلس علم أو في درس ديني" حتى الكبائر التي قد يرتكبها الإنسان قبل هذه الجلسة، تصديقا لحديث الرسول "ما جلس قوم يذكرون الله..... أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات، وفيهم فلان ما جاء إلا لحاجة ... وله قد غفرت، لا يشقى بهم جليسهم. أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله عنا كل خير ونفع بكم المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه مسلم وغيره وهو يدل على أن فضل الله تعالى عظيم ورحمته واسعة، والإطلاق الوارد فيه خاص بالصغائر لأنه مقيد بما ورد في أحاديث أخرى صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله.
وعلى ذلك فكبائر الذنوب لا تدخل فيه، وإنما تكفرها التوبة النصوح. وللمزيد انظر الفتوى رقم: 53787، والفتوى رقم: 80252 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1428(9/4577)
ثواب من مات له ولد إذا حمد الله واسترجع
[السُّؤَالُ]
ـ[لي 3 أطفال. وأثناء وجود الأوسط مع مدرسته بالصالون تبرزت الصغيرة (1.5 سنة) علي سجاد الصالون فغسلت زوجتي الأرض وفتحت الشباك لتجفيف الأرض، وكنت مستلقيا مع الباقين أشاهد التلفزيون بعد استيقاظي متأخرا لأني أعود متأخرا جدا من عملي. وأثناء إعداد زوجتي للطعام بعد انصراف المدرسة دخلت الصغيرة الصالون وصعدت على أحد كراسيه وبأمر الله سقطت من الشباك على رأسها والحمد لله دخلت في غيبوبة 8 أيام توفت بعدها. مع العلم أننا كنا حريصين على إبعاد أي كراسي عن البلكونات. زوجتي في حالة جلد للذات شديدة وأنا أري أنها تراعي الله فينا كلنا وفي فقيدتنا أيضا. نحن صابرون على قضاء الله.. . والسؤال: هل نحن أذنبنا؟ وهل هناك كفارة لهذا الذنب إن وجد؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول أولا: عظم الله أجركم في مصيبتكم وأحسن عزاءكم، وإذا كان الأمر كما ذ كرت من عدم التفريط ورغم ذلك حصل ما كان فإن هذا قضاء الله وقدره ولا ذنب على أحد بسببه ولا كفارة، وعليكما الصبر والاحتساب رجاء الأجر من عند الله تعالى، فإن المسلم مأجور على كل ما يصيبه ولا سيما موت الذرية إن احتسب ذلك بالنية الصالحة. دليل ذلك ما رواه الترمذي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. والحديث حسن كما ذكر الألباني، وفي صحيح مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له!. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1428(9/4578)
على العاصي التوبة والستر على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً على الإجابة لكن الذين فعلت معهم قد أصبحو بالغين وأخاف إن طلبت منهم العفو أن أفتح جراحهم وقد يحدث ما لا يحمد عقباه وأخاف على نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد أخلصت التوبة لله تعالى وأقلعت عن الذنب وندمت على ما فات وعقدت العزم على ألا تعود إليه فيما بقي من عمرك فنرجو الله تعالى أن يتقبل توبتك، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وعليك أن تستر نفسك وتستغفر لمن فعلت به الفاحشة -إن كان ذلك بغير رضاه- ولا تحدثه بما مضى حتى لا يؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه -كما أشرت- فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1428(9/4579)
آثار التقوى وسبل تحقيقها وآثار المعصية وسبل اجتنابها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما آثار المعصية والتقوى جزاكم الله خيرا؟، وما السبيل إلى الابتعاد عن المعصية وتحقيق التقوى؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعاصي لها آثار وخيمة على مرتكبها، وهذه الآثار كثيرة لا يتسع المقام لاستيعابها ولا تفصيلها، فلذلك نقتصر على ذكر بعضها:
1ـ حرمان العلم النافع فالعلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
2ـ حرمان الرزق.
3ـ وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها لذة ولا تقارنها لذة أصلا.
4ـ وحشة تحصل بينه وبين الناس خصوصا أهل الخير منهم.
5ـ تجعل الأمور عسيرة.
6ـ وجود ظلمة في القلب.
7ـ تضعف القلب والبدن.
8ـ تحرم من الطاعة وتقطع الطريق دونها.
9ـ تمحق بركة العمر.
10ـ سبب لهوان العبد على الله تعالى.
11ـ شؤمها يلحق فاعلها وغيرها من المخلوقات.
وتفصيل هذه الصفات وغيرها في كتاب الجواب الكافي لابن القيم فراجعه.
والبعد عن المعاصي يتحقق بمراقبة المسلم لربه فيخشى أن يحل عليه سخط الله تعالى ومقته، وتجتمع عليه الآثار والعقوبات المترتبة على تلك المعاصي.
وكما أن للمعاصي آثارا فكذلك لتقوى الله تعالى آثار محمودة وثمرات نافعة في العاجل والآجل، نقتصر على ذكر بعضها:
أولا الآثار العاجلة [في الدنيا] :
1ـ المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب.
2ـ تيسير الأمور وسهولتها.
3ـ تيسر العلم النافع.
4ـ نفاذ نور البصيرة وإطلاقها.
5ـ محبة الله تعالى والقبول في الأرض.
6ـ البشرى وهي الرؤية الصالحة وثناء الخلق ومحبتهم.
7ـ الحفظ من كيد الأعداء ومكرهم.
8ـ قبول الأعمال التي بها السعادة في الدنيا والآخرة.
9ـ النجاة من عذاب الدنيا.
10ـ الشرف وهيبة الخلق وحلاوة الإيمان والمعرفة.
11ـ الثبات على الحق في الدنيا والآخرة.
12ـ البشارة عند الموت.
ثانيا الآثار الآجلة [في الآخرة] :
1ـ تكفير السيئات وعظم الأجر.
2ـ ميراث الجنة ودخولها.
3ـ الحشر إلى الله تعالى ركبانا.
4ـ الحصول على أفضل النعيم.
5 ـ استمرار المودة بين المتقين.
وتحصيل التقوى يكون بالحرص على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ظاهرا وباطنا، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 33697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1428(9/4580)
المؤمن مفتن تواب
[السُّؤَالُ]
ـ[أستنجدكم بالله أن تنقذوني مند فترة لم أنجح في الامتحان وبقي لي فرصة في الامتحان الاستدراكي ولكني يئست، هذا بعد جهد في العام وقد بدأت أعصي الله عز وجل وأنا كاره لنفسي.
أرجوكم ساعدوني قبل أن أموت وأقابل الله عز وجل على معصيتي، إني كرهت نفسي من المعاصي ثم التوبة ثم الرجوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الذنوب والمعاصي عاقبتها وخيمة في الدنيا والآخرة، فهي سبب لقلة البركة والبعد عن الله تعالى، والسبب في دخول جهنم والعياذ بالله، فيجب على العبد التوبة فورا إلى الله تعالى من كل ذنب ومعصية، وليستشعر عظمة الله تعالى الذي يعصيه فإن تاب تاب الله عليه، ثم إن عاد للذنب فيجب عليه التوبة ثانية، وهكذا كلما عاد يجب عليه التوبة، وليحذر من اليأس من التوبة بعد معاودة الذنب، قال علي رضي الله عنه: خياركم كل مفتن تواب قيل فإن عاد قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال يستغفر الله ويتوب. قيل حتى متى؟ قال علي: حتى يكون الشيطان هو المحسور. رواه ابن أبي الدنيا، وقيل للحسن البصري: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا أي باليأس من التوبة والكف عنها، فلا تملوا من الاستغفار. وروي عنه أنه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين، يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب، فاحرص أخي السائل على التوبة إلى الله تعالى وعدم العودة للذنوب، فإن عدت إليها فتب ثانية، وهكذا لا تمل، واعلم أن التوبة مقبولة وإن تكرر الذنب وانظر الفتوى رقم: 1909.
وأما عدم نجاحك في الامتحان فإننا نوصيك ببذل الجهد في المذاكرة والدراسة، فهذا سبب رئيسي للنجاح، واستعن بالله تعالى وتوكل عليه، ثم إن قدر الله تعالى شيئا آخر فلا تعط الأمر أكبر من حجمه فعدم النجاح لا يعني خسارة الدنيا أو الآخرة، ولا يعني ضياع الرزق، فالرزق مكتوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها. راه ابن ماجه.
فلا ينبغي أخي السائل أن يحملك عدم نجاحك على معصية الله تعالى، ونسيان فضله عليك بنعمه التي أنعم بها عليك، والتي لا تستطيع إحصاءها، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 27524، والفتوى رقم: 27048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1428(9/4581)
للمعاصي أثر سلبي على الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث شائع أريد أن أتحقق منه، وهو عن النواصي: يقولون مثلا من ارتكب زنا في منزله لا يدخله الخير أبداً يشح ماله وتضيق أموره, فهل هذا صحيح، فأنا أعاني من هذا أصبحت حياتي خرابا حتى بعد أن زاد مرتبي كثيرا أصبحت أسوأ من الأول، لا أستطيع أن أدخر منه أبداً بالرغم من زيادته, فما هو الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المعاصي لها أثر سلبي على الرزق، وقد ذكرنا ذلك سابقاً في الفتوى رقم: 70533، والفتوى رقم: 4188
أما كون من ارتكب ذنباً في منزل لا يدخل منزله الخير ... فلم نطلع عليه بخصوصه، وعلى العموم فإنا ننصحك بالتوبة، فمن تاب إلى الله عز وجل من ذنوبه توبة صادقة تاب الله عليه، ويسر له أسباب الرزق، وتراجع الفتوى رقم: 7768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(9/4582)
المسلم مأجور على ما يصيبه إن صبر واحتسب
[السُّؤَالُ]
ـ[مات ابني قبل الولادة ب 12 الساعة وقيل لي إن الحبل السري كان قصيرا، هذا حكم الله في خلقه، أريد معرفة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة؟
وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلف عليك بخير منها، وينبغي أن تحتسب الأجر عند الله تعالى فيما أصابك فإن المسلم مأجور على كل ما يصيبه إن احتسب ذلك بالنية الصالحة. ودليل ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له! وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له!. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
أما بخصوص سؤاله عما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع فلا نعلم ماذا يريد به بالتحديد، وعموما فإننا لم نجد له صلى الله عليه وسلم حديثا في مسألة قصر حبل السرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1428(9/4583)
الكبائر والصغائر ومكفراتها
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما هي الكبائر من الذنوب، وما هو الفرق بين الكبائر السبع الموبقات والكبائر؟
2. ما هي الصغائر من الذنوب؟
3.ما هي مكفرات تلك الذوب؟
جزاكم الله خيرا، مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكبائر جمع كبيرة وهي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب مثل الإشراك بالله وعقوق الوالدين ويمين الغموس، وقد اختلف العلماء في وضع ضابط للكبيرة، وهي تتفاوت درجاتها من حيث القبح وعظم الجرم، والسبع الموبقات هي أعظمها، ولذلك وصفت بالموبقات أي المهلكات وإلا هي من جملة الكبائر.
وإليك بعض كلام أهل العلم في هذا المعنى: قال المناوي في فيض القدير: الكبائر جمع كبيرة وهي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب واختلف فيها على أقوال، والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حدا وصرح بالوعيد عليه. انتهى. وقال في عمدة القاري: وقيل الكبيرة كل معصية وقيل كل ذنب قرن بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب، وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما الكبائر سبع؟ فقال هي إلى سبعمائة، قلت الكبيرة أمر نسبي فكل ذنب فوقه ذنب فهو بالنسبة إليه صغيرة وبالنسبة إلى ما تحته كبيرة. انتهى. وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 4977.
أما الصغائر فهي ما عدا الكبائر من الذنوب، وكفارة الكبائر هي التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحا، وكذلك الصغائر إلا أن للصغائر مكفرات أخرى غير التوبة مثل اجتناب الكبائر وممارسة الأعمال الصالحة بإتقان وانتظام، فمن مكفراتها الحج والعمرة وصوم رمضان والصلوات الخمس والجمعة وسائر الأعمال الصالحة.
قال في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي عند كلامه على حديث: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة: زاد مسلم في رواية ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن أي من الذنوب، وفي رواية لمسلم مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر، وفي رواية لمسلم إذا اجتنبت الكبائر.
قال النووي في شرح مسلم عند شرح حديث: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة. قال: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، قال القاضي عياض: هذا المذكور في الحديث من غفر الذنوب ما لم يؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله. إلى أن قال أي صاحب تحفة الأحوذي: قال العلامة الشيخ محمد طاهر في مجمع البحار (ص 122 ج 2) لا بد في حقوق الناس من القصاص ولو صغيرة وفي الكبائر من التوبة ثم ورد وعد المغفرة في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان فإذا تكرر يغفر بأولها الصغائر وبالبواقي يخفف عن الكبائر وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة يرفع بها الدرجات. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(9/4584)
وقوع العبد في المعصية لا يحرمه من منزلة الشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان مسلم ما مدمن على معصية ما مثل النظر إلى المحرمات وهو راغب في التوبة ويدعو الله أن يتوب عليه، لكنه يرجع إلى الذنب في كل مرة بعد يومين أو ثلاثة، فسؤالي هو: في حالة ما إذا عزم على عدم العودة لكنه في قرار نفسه يعلم أنه سيعود هل تعد هذه توبة نصوحا أم ماذا، وهل إذا أنعم الله عليه بالنعم كيف يكون شاكرا لله عز وجل وهو يعصي ويتوب؟ وجزيل الشكر لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد إذا تاب توبة نصوحاً مستكملة لشروطها، من المبادرة إلى الإقلاع عن المعصية والندم عليها وعقد العزم على ألا يعود إليها فيما بقي من عمره قبل الله تعالى توبته، كما قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وإن ضعف وعاد إلى المعصية ثم تاب منها توبة نصوحاً مستوفية لشروطها قبلت توبته، وهكذا ... وقد سبق بيان ذلك بالأدلة في الفتوى رقم: 1909.
وليعلم العبد أن الله تعالى يعلم الصادق في توبته والمخلص في عبادته، كما قال تعالى: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى {طه:7} ، وقال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {غافر:19} ، فالذي يتوب ويعلم من نفسه أنه سيعود إلى المعصية معناه أنه لم يعقد العزم على ألا يعود إليها، ولذلك لم يستكمل شروط التوبة التي أشرنا إليها، ومما يعين العبد على الاستمرار في التوبة وعدم الرجوع إلى المعصية قطع الصلة بأسباب المعصية وأماكنها واستبدال ذلك بما يعين على الطاعة، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 6617، والفتوى رقم: 2862 بإمكانك الاطلاع عليهما.
وأما كيف يكون العبد شاكراً فإن ذلك يكون بصرف كل النعم التي من الله عليه بها في طاعة الله عز وجل ولا يصرف شيئاً منها في معصيته ويشكره بقلبه ويثني عليه بلسانه، وسبق بيان ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 73736 فنرجو أن تطلع عليها، والقيام بشكر الله تعالى لا يعني أن العبد لا يمكن أن تصدر منه معصية فربما صدرت من الشاكر معصية، لكن عليه أن يبادر بالتوبة منها، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1428(9/4585)
مكفرات الصغائر والكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على رسول الله يجب أن تكون باللسان أم بالخشوع، كما في الصلاة لأنه توجد فتوى لكم عن بعض العلماء تقول إن الخشوع في الصلاة سنة لكن يحرم المصلي من أجر الخشوع، لكنه لا تبطل صلاته وأنا أسأل هل ذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل هي كذلك كما في الصلاة وخاصة أنه توجد أذكار كثيرة في الصباح والمساء وأثناء النوم وكثيرة هي وأنا والحمد لله مواظب عليها وكذلك قراءة القرآن عندما أقرأ القرآن أشعر بأنني قد أخذني فكري إلى أشياء كثيرة هل قراءتي غير صحيحة وهل كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة على النبي تمحو الذنوب حتى وإن كانت كبيرة وحتى القسم على القرآن للمضطر بشيء غير صحيح (للمضطر) أي أنه اضطر إلى عمل هذا، مع العلم بأنه قسم لا يؤذي أحدا وكذلك ليخلص نفسه من المساءلة وقد يكون السجن وهل قراءة القرآن على الغيب واجب فيها الوضوء، أفتونا في كل هذه التساؤلات؟ وجزاكم الله خيراً في الدنيا والآخرة وحفظكم الله لخدمة دينكم ونشره.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأفضل في حق المسلم عند قيامه بأي نوع من أنواع ذكر الله تعالى الجمع بين الذكر باللسان وحضور القلب، فهذه هي أعلى مراتب الذكر سواء كان الذكر تلاوة قرآن أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو أذكار نوم أو غيرها، وإذا أديت هذه الأذكار مع عدم حضور القلب عد صاحبها ذاكراً وأجزأته عن الواجب حيث كان بعضها واجباً؛ ولكن له من الأجر بقدر عمله، وكثرة ذكر الله تعالى من الحسنات التي تكون سبباً في محو صغائر الذنوب، أما الكبار فلا تموحها إلا التوبة الصادقة عند جمهور أهل العلم.
وإذا كان المسلم مضطراً للحلف كاذباً على المصحف فليجتهد في استخدام التورية في كلامه بحيث يأتي بكلام يقصد به هو معنى صحيحاً ويفهم منه المستمع معنى آخر، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 4512، والفتوى رقم: 6498 ليتضح معنى التورية، ولا يتعمد الإقدام على الحلف كذباً، فإن عجز عن ذلك وكان عدم حلفه يترتب عليه ضرر يشق تحمله كسجن مثلاً فيباح له الحلف الكاذب حينئذ للضرورة.
وتلاوة القرآن جائزة عن ظهر قلب من غير وضوء، وإليك مزيد تفصيل لما مضى: فقد قال النووي في المجموع: فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهو المطلوب والمقصود، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ. وقال تعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ. والأحاديث فيه كثيرة، وقد بات جماعة من السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها، وصعق جماعات من السلف عند القراءة، ومات جماعات منهم بسبب القراءة. انتهى.
وقال العيني في عمدة القارى: قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. يعني الصلوات الخمس إذا اجتنبت الكبائر هذا قول أكثر المفسرين، وقال مجاهد هي قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال ابن عبد البر: قال بعض المنتسبين إلى العلم من أهل عصرنا: إن الكبائر والصغائر تكفرها الصلاة والطهارة واستدل بظاهر هذا الحديث، وبحديث الصنابحي: إذا توضأ خرجت الخطايا من فيه ... الحديث. وقال أبو عمر: هذا جهل وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز أن تحمل هذه الأخبار على عمومها وهو يسمع قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا. في آي كثير، فلو كانت الطهارة وأداء الصلوات وأعمال البر مكفرة لما احتاج إلى التوبة، وكذلك الكلام في الصوم والصدقة والأمر والنهي، فإن المعنى أنها تكفر إذا اجتنبت الكبائر. انتهى.
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: (وأتبع) أمر من باب الأفعال وهو متعد إلى مفعولين (السيئة) الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة على ما شهد به عموم الخبر وجرى عليه بعضهم لكن خصه الجمهور بالصغائر (الحسنة) صلاة أو صدقة أو استغفاراً أو نحو ذلك (تمحها) أي تدفع الحسنة السيئة وترفعها، والإسناد مجازي والمراد يمحو الله بها آثارها من القلب أو من ديوان الحفظة، وذلك لأن المرض يعالج بضده فالحسنات يذهبن السيئات. انتهى، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28251، 7098، 7432، 14831.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1428(9/4586)
أمور قد تعين على الاستسماح من الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يطلب المسلم السماح من قريب له متوفى ظلمه في حقه قبل مماته (ظلما معنوّيا) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ظلم غيره ظلما معنويا كأن يكون تكلم فيه بغير حق أو سخر منه ونحو ذلك فإن عليه أن يتحلل منه في حياته، فإن كان قد مات فلا سبيل إلى ذلك، ولكن ينبغي له أن يكثر من الدعاء له وذكره بالجميل في المجالس التي ذكره فيها بسوء، ويسأل الله تعالى أن يغفر له، وأن يرضي من أساء إليه من عنده، ولا يأخذ من حسناته لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1428(9/4587)
من حكم البلاء والمصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كل ما يحب الإنسان شيئا تأتي الدنيا وتأخذه منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حكم البلاء والمصائب في هذه الحياة ابتلاء العباد واختبارهم على الرضى بقدر الله تعالى وقضائه، ومنها رفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم بما يصيبهم من البلاء، وربما تكون المصائب عقوبة على الذنوب والمعاصي التي يرتكبونها، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 13270، والفتوى رقم: 13849، فنرجو أن تطلعي عليهما.
والله تعالى هو الذي يبتلي عباده بالخير والشر لحكم أرادها سبحانه وتعالى، وهو وحده الفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، أما الدنيا فإنها لا تأخذ شيئاً ولا تدع شيئاً ولا تفعل شيئاً ولا يجوز إسناد الفعل إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1428(9/4588)
ما يستعين به المرء عند نزول البلاء والمصائب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأربعة أشياء التي كان يستعين بها عمر بن الخطاب عندما ينزل عليه بلاء.
وبارك الله فيكم وجزاكم كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر للأخت السائلة عن عدم إجابتنا لسؤالها بالتحديد لأنه سؤال مسابقات فيما يبدو، ونحن لا نجيب عن أسئلة المسابقات؛ إلا أننا نقول على وجه العموم: إن المسلم عند المصائب يستعين بالله تعالى ثم بالصبر والصلاة، أما الاستعانة بالله تعالى فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: إذا استعنت فاستعن بالله. رواه الترمذي.
وأما الصبر والصلاة فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {البقرة:153}
وقال عمر رضي الله عنه: وجدنا خير عيشنا بالصبر. رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم، وكذلك يستعين المؤمن عند البلاء بالدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه الألباني. فهذه أربعة أمور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(9/4589)
أسباب أمراض القلوب وفسادها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مفسدات القلب وهل هي خمسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم أهل العلم على أعمال القلوب وذكروا أمراضها وما يؤدي لقسوتها وفسادها، وقد ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم عند شرح حديث: ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. ذكر رحمه الله من أسباب فساده: اتباع الهوى وطلب ما يحبه ولو كرهه. وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين خمساً من أكثر مفسدات القلب وهي: كثرة الخلطة والتمني والتعلق بغير الله والطعام والمنام، وقد فصل في المدارج الكلام عليها وبين آثارها السيئة على القلب فراجع كلامه.
وقد فصل أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين الكلام على أمراض القلوب وبين مخاطرها وعلاجها، ولبعض المتأخرين فيها نظم نفيس اسمه مطهرة القلوب من قترة العيوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(9/4590)
آثار الطاعة والمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا أن تفيدوني في خاطرة جاءتني وأنا أصلي وكنت أتلو سورة الشرح في الآية التي تقول "ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك" فهل من علامات قبول التوبة أن يحس الإنسان أنه أخف في حركته وجهده موفور لأني في الأوقات التي تكثر فيها الذنوب أحس بثقل أما في الأوقات التي تقل فيها وتزيد الطاعات أحس بخفة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم إذا صدرت منه معصية فليبادر بالاستغفار والتوبة إلى الله تعالى حتى يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136}
فالتوبة مقبولة بشروطها، ومن علاماتها أن يكون التائب أحسن حالا بعدها، فيقبل على الله تعالى بفعل الطاعات والبعد عن المحرمات، وراجع المزيد في الفتوى رقم: 65322.
والمعاصي سبب لظلمة القلب والقلق والكآبة، وبالتالي فما تشعر به من ثقل لبدنك قد يكون من تأثير كثرة الذنوب، في حين أن التوبة قد تجلب لك ما تشعر به من انشراح صدر وشعور بخفة البدن والسلامة من القلق، وراجع الفتوى رقم: 29853.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(9/4591)
حكم التوبة من الذنب ثم العودة إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يواعد الله على ألا يفعل شيئا، ولكن يضعف فيفعل هذا الشيء ويعود مرة أخرى للتوبة ولكنه يكرر هذا الشيء وفي كل مرة يدعو الله أن يقويه على نفسه وضعفه، فماذا يفعل وهو يشعر بأن كل المنغصات التي تحدث له من وراء ما قام به من جرم، وهل إذا تاب سيسامحه الله وهو لا يريد سوى أن تكون الحياة هادئة ومستقرة وبعيدة عن الشيطان، فهل يتقبل الله مني إذا تبت وعزمت على ألا أرجع لما كنت عليه من معصية بعد كل ما فعلته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى يأمر عباده بالتوبة ويتقبلها منهم بل ويفرح بها، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون َ {الشورى:25} ، والتوبة مقبولة من الإنسان قبل حصول ما يمنع قبولها، كما تقدم في الفتوى رقم: 30428، والفتوى رقم: 61533.
وبالتالي فكلما صدرت منك معصية أو ذنب فبادري بالتوبة الصادقة والإكثار من الاستغفار ولو تكرر ذلك منك مراراً، المهم عدم العزم على الرجوع لتلك المعصية، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين َ {آل عمران:135-136} ، ومتى وقعت التوبة مستكملة شروطها من الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب في الحال، والعزم على عدم العود إلى الذنب فإنها تمحو الذنب قبلها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. والوعد ليس بيمين ولا تترتب على الحلف به كفارة كما في الفتوى رقم: 51099.
والوفاء بالوعد هنا واجب لأن عدم الوفاء هو الوقوع في تلك المعصية، والوقوع في المعاصي سبب لنقمة الله تعالى، فجاهدي نفسك واجتهدي في الدعاء ليعصمك الله من كل ذنب وخطيئة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 59149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1428(9/4592)
المؤمن يرجو من ربه قبول الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى..
بناء على ردكم فقد بدأت في مشوار العلم ابتداء من علوم القرآن الكريم..أقوم بالحفظ والتفسير معا، أسال الله أن يوفقني في ذلك. وأقوم بكتابة خواطر لي بناء على ما أفهمه من القرآن الكريم عسى الله أن يوفقني لأن أصبح كاتبا إسلاميا كبيرا أفيد الأمة الإسلامية، وألقى الله عز وجل ورسوله بحيث أكون عالما بالقرآن الكريم وسنة نبيه الطاهرة.
والحمد لله كما قلت لكم فقد التزمت منذ أشهر في صيام كل اثنين وخميس وأسعى جاهدا لأن أصوم الأيام البيض. ولكن هل هناك علامات لقبول الصيام؟ فقد حدث معي كثير بأن لا أصحو على منبه الفجر وخصوصا في الأيام التي أصومها.. فهل هذا دليل على عدم قبول العمل؟ وأنا أشهد الله تعالى بأني أسعى جاهدا لأن أصلي الفجر في وقته.. ولكن لا أصحو بعض الأيام ومعظمها تكون أيام الصيام.. فأشعر بشيء من عدم الرضا من الله عز وجل.. فأحتار.. هلا قلتم لي شيئا من علامات قبول العمل؟
ولرجاء إفادتي ليس عن الصيام وحده بل في أي عمل تطوعي..
أسال الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم في أن نكون من أهل القرآن ومن السفرة الكرام البررة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الفقه في الدين والتوفيق في طلب العلم والصيام وغيرهما من الطاعات.
وبخصوص ما تكتبه من خواطر حول معاني القرآن فلتعتمد في ذلك على كتب التفسير الموثوق بها، أو ما تتلقاه من ثقات أهل العلم، ولا تعتمد في ذلك على الرأي المجرد عن الدليل، وراجع الفتوى رقم: 21250، والفتوى رقم: 80948.
وكونك لا تصحو لصلاة الفجر في الأيام التي تصوم فيها قد لا يكون ذلك دليلا على عدم قبول صومك؛ بل قد يرجع إلى السهر مثلا، أو يكون من الشيطان ليثبطك عن الصيام أو يشوش على قلبك بعدم قبوله أو لغير ذلك من الأمور العادية الأخرى.
مع التنبيه على أن من اتخذ الوسائل المعينة على الاستيقاظ للصلاة كالمنبه مثلا ولم يستيقظ فلا إثم عليه؛ كما سبق في الفتوى رقم: 12258.
والمسلم لا يقنط من قبول طاعاته؛ بل يسن له رجاء قبولها، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: ويسن رجاء قبول الطاعة والتوبة من المعصية. انتهى
لكن قبول الطاعات أمر غيبي لا يمكن الاطلاع عليه، فعلى المسلم إتقانها مع الإخلاص فيها لله تعالى ثم رجاء قبولها، وتفويض أمر ذلك إلى الله تعالى، إلا أن بعض أهل العلم قال: إن من علامات قبول العمل الصالح التوفيق لعمل صالح بعده والاستقامة على ذلك غالبا، وراجع الفتوى رقم: 28592، والفتوى رقم: 14648.
وعليه فننصحك بالمواظبة على الصيام وما أمكنك من الطاعات ولا تتركه بحجة عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر أو بحجة الشعور بعدم قبوله.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(9/4593)
هل زيادة الإيمان دليل على رضا الله على العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما تعلو درجة الإيمان للفرد تكون دلالة على رضا الرحمن عنه والعكس صحيح؟ وهل تكون درجه الإيمان مقياسا لرضا وغضب الله عنه؟ أم هي نوع من الابتلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زيادة الإيمان والترقي في درجات الكمال علامة خير لصاحبه، ويرجى أن تكون دليلا على رضى الله عنه بتوفيقه إياه إلى الخير، قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ {محمد:17} .
وراجعي في سبل تقوية الإيمان الفتويين: 5904، 10800. . ثم إن المرء قد يبتلى بسبب قوة إيمانه ليرفع له في درجاته؛ كما بينا بالفتوى رقم: 67254.
وفي المقابل فإن ضعف الإيمان والجرأة على معصية الرحمن قد تكون دليلا على سخط الله سبحانه على العبد، وليس ذلك بلازم، فقد يكون الأمر مجرد ابتلاء، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(9/4594)
الاعتراف بالخطأ والبعد عن المحرم من دلائل صدق التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم إخوتي في الله أن تجيبوني. كان والدي منذ زمن بعيد -في وقت لم يكن هناك علم شرعي منتشر في بلدنا- يفعل عادات فيها شرك أكبر مثل دعاء غير الله, وعندما علم الحكم ابتعد عن هذا تماما واعترف أن هذا خطأ. المشكلة تنحصر في أني أخشى أن تكون هذه توبة لا تقبل لأني علمت مؤخرا أن من شروط التوبة الندم, وأبى قد قال لي أنه فعلها عن جهل من غير تعمد, وهذا الكلام جعلني أخشى أن يكون أبى ينقصه ندم ليعفو الله عنه. أم هل أنا لا أفهم المعنى الصحيح للندم؟ هل يمكن أن يقبل الله توبته لأنه عامي لا يعرف شروط التوبة الصحيحة والتي منها الندم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن دعاء غير الله تعالى من الشرك الأكبر كما سبق في الفتوى رقم: 3779. لكن من أقدم عليه جاهلا بحكمه فهو معذور، ويكون عذره مانعا من الحكم عليه بالكفر كما تقدم في الفتوى رقم: 45277.
وإذا كان والدك قد اعترف بالخطأ وابتعد عما أقدم عليه من دعاء غير الله تعالى فهذا دليل على توبته، وهي مقبولة إن شاء الله تعالى، وتصريحه بكونه أقدم على المعصية جاهلا لا يدل على نقصان ندمه، بل قد يدل على صدق توبته ورجوعه وأنه لم يتعمد الإقدام على ذلك، فأحسن به الظن، والندم من شروط التوبة الصادقة وهو التحسر والتألم بسبب الإقدام على المعصية وهو الركن الأعظم منها.
وشروط التوبة تقدم تفصيلها في الفتوى رقم: 5646.
والله اعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1428(9/4595)
المؤمن يرى ذنوبه كجبل عظيم يكاد يسقط عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال جزاكم الله خيرا.
شخص على منهج السلف الصالح وهو صحيح المنهج والعقيدة وهو يكره البدع وأهل البدع بشكل لا يوصف لأنه كان صوفيا مبتدعا فهداه الله على يد شخص صحيح العقيدة والنهج ولله الحمد، لكن سؤالي يدور حول أن هذا الشخص لديه بعض المعاصي التي لا يعرفها إلا الله وحده ومعاصيه ليست شيئا من البدع بل هي تضره في الغالب، هل هنا يخرج من المنهج السلفي أو العقيدة الصحيحة مع العلم أنه يعرف أن هذه معصية وهل يصح لنا القول بأن نقول إنه أفضل من العباد المبتدعة مهما كانوا يعبدون الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أن الضابط الذي يحكم به على منهج فرقة ما أو أحد ما أنه متابع أو مخالف لأهل السنة والجماعة إنما يكون في الأصول والعقائد متابعة أو مخالفة، وانظر بيان ذلك الضابط في الفتوى رقم: 5608.
ولا شك أن الذنوب والمعاصي شأنها خطير وضررها كبير، ويجب على الواقع فيها التوبة إلى الله تعالى منها سواء كانت تلك الذنوب صغائر أم كبائر، وليس من خلق المؤمن التهوين من ذنوبه ومقارنتها بما هو أغلظ منها من البدع أو الشرك، وإنما المؤمن حقا من يرى ذنوبه كجبل عظيم يكاد يسقط عليه، ويخاف من عاقبتها.
كما أنه لا يصح أن يقال بإطلاق أن العاصي أفضل حالا من العابد الذي عنده بدعة، فقد يكون العابد معذورا لم تقم عليه الحجة ولم يتبين له الحق ولو تبين له الحق لاتبعه، وهنا أفضل حالا بلا شك من المصر على المعاصي الذي يمني نفسه بأنه أفضل من غيره، فالحذر الحذر من وساوس الشيطان.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 5608، والفتوى رقم: 32021، والفتوى رقم: 24369
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1428(9/4596)
وسائل استجلاب حسن الظن بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل المعينة على حسن الظن بالله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تأمل في خلق نفسه وفي لطف الله تعالى بعباده ورحمته بهم وتجاوزه عنهم وستره لهم.. حسن ظنه بالله، وازداد حبه له سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، يطاع فيشكر، ويُعصى فيغفر، وهو أرحم بعباده من الأم بولدها.
ومن الأسباب المعينة على حسن الظن بالله تعالى: تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، وكثرة الدعاء، وقراءة كتب وأحاديث الترغيب والترهيب.
وحسن الظن بالله تعالى واجب شرعي، وشعبة من شعب الإيمان يجب على العبد أن يتصف بها، وأن يقرنها بالخوف في حال الصحة. قال الله تعالى في وصف عباده المخلصين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الأنبياء: 90}
وفي حال المرض وأمارات الموت يُغلّب العبد جانب الرجاء وحسن الظن، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل. رواه مسلم وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه. وفي رواية: فليظن بي ما شاء.
وللمزيد انظري الفتوى: 53444.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(9/4597)
فرح العبد بطاعته.. رؤية شرعية أخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة هي أني أريد محاسبة نفسي تحدثني بأن ليس لي ذنوب ما عدا عندما أقع في ذنب وأحس به فأتوب وبعدها لا أجد آخرين مع علمي أن لا أحد يخلو من الذنوب، كما أنني عندما أتقرب من الله شيئا ما يصيبني العزة بالنفس فأحس أني لن أدخل النار، لكن في باطني أعلم أنه خطأ، الشيء الذي يمنعني من الثبات فيصيبني الفتور، فما هو الحل لمشكلتي؟ أرجوكم أفيدوني لأني إلى الآن لم أتمكن من الثبات؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن محاسبة النفس والنظر في سوابقها للاستغفار فيما فرطت في جنب الله ولتدارك ما حصل من النقص -إن أمكن التدارك- أمر ضروري، وقد أمر الله عباده فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {الحشر:18} ، وقال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا. وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه.
فإذا نظر العبد في نفسه ولم يتذكر شيئاً من الذنوب أو تذكر قليلاً منها فبادر بالتوبة والاستغفار، فعليه أن يحمد الله ويسأله العون على الاستقامة وأن يجعله من المتقين الأوابين التوابين، وأما فرح العبد بطاعته واعتزازه إن لم يحمله على العجب أو التكبر فهو غير مذموم، ففي الحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فلا يسوغ أن يلعب الشيطان بالعبد ويحمله على الفتور، بل يتعين على العبد أن يواصل السعي في مراقي الإيمان، ويجعل القدوة المثلى النبيين والصحابة نصب عينيه، فوضع هؤلاء السلف الكرام أمامك يجعلك دائماً تحس بالتقصير، وأكثر المطالعة في كتب الترغيب والترهيب وسير السلف، وأكثر تلاوة القرآن مع التدبر فهو من أقوى ما يحرك عواطف النفوس لعمل الخير، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة نظراً لمدارسته القرآن مع جبريل، كما في حديث البخاري، وأكثر من مجالسة الأخيار، فمجالستهم ومخالطتهم تبعد قناعة العبد بعلمه لأنه يرى من هو أعبد منه، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73497، 3226، 29466، 71417، 59673، 32856، 34585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(9/4598)
يا نفس أنت في الأمنية فاستقيمي واعملي وأنيبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أتوب إلى الله من ذنوبي ولكني أرجع لنفس الذنب بعد مرور 5 سنوات على هذا الذنب رغم أني أعلم حق الله وأخافه ولكن قلبي هو سبب وقوعي في المحرمات وزوجي لا يملأ ذلك الفراغ مما يتسبب في سهولة خطئي أريد التوبة والرجوع إلى الله دون خجل انا كنت أصلي كثيرا وأصوم كثيرا وأدعو الله التوبة والاستغفار والندم والبكاء ولكن وقوعي في نفس الخطإ جعلني أخجل من الله وأهمل الوقوف بين يديه أنا أتمزق أريد الدنيا وأريد الآخرة فكرت في الانفصال عن زوجي والتزوج من الشخص الذي أحببته ولكن أخاف أن يكون ذلك ذنباً آخر أرتكبه في حق أولادي.....فماذا أفعل إن الله قدر علي المعصية والزنى....أحاول الهروب ولكن الشيطان دائماً ينتصر علي ولا أستطيع الانتصار عليه لإحساسي بغضب الله علي وأنه لا يقبل توبتي ولا يعينني عليها.....أنا لست بجميلة ولكن لدي قبول في وجهي يجعل من يراني يحبني ويطمع في وتأكدت من ذلك عندما وقع في حبي الشيخ الدكتور المصلي المتعبد إلى الله أستاذي في الجامعة وقال لي بالحرف الواحد أنا لا أستطيع أن أقول لك أحبك أو أجلس معك في مكان وأنت على ذمة رجل أخر وكأنه يدعوني للطلاق......وعليه تعرضت دراستي للتعسر منذ 3 سنوات وحتى الآن......هذا مثال لما تعرضت إليه من إغراءات الطبيب الذي أذهب للعلاج عنده بعد عدة زيارات يتلهف على معانقتي وتقبيلي وعشقي.....كل ما يقبلني رجل أرى الحب في عينه رغم أنني لا أسعى لذلك.....عندما قرئت علي الرقية الشرعية حدث لي إغماء دام ساعات وفقدت النطق رغم الإحساس بكل شيء يدور حولي وبعد محاولات الشيخ الفاضل قال إنني أعاني مس للجسد وسحر شديد هو السبب فيما أعاني لأنه يهودي يعشقني ويريدني له وحده علماً أني أرفض زوجي وأصر على الطلاق منه وأتمسك بالمعصية والخطيئة أرجوكم ساعدوني للرجوع إلى الله قبل فوات الأوان فليس في العمر ما يشفع فالموت قريب وأحاول الوصول إليه أنا أحرم نفسي من الأكل والشرب عقاباً لها على ما تقترف من ذنوب ولتعجيل الموت أنقذوني مما أنا فيه يا أهل الذكر أثابكم الله على عودة مسلمة لصوابها......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر من سؤالك أنك لا يزال فيك خير، فأنت تحسين بأنك على خطأ، واستشعار المرض هو أول خطوات العلاج، فإنك قد اقترفت إثما مبيناً، ولوثت شرفك بهذا المنكر الشنيع، فكيف رضيت أن تعصي ربك وتطعني عرضك بهذه العلاقة المحرمة، فالزنى فاحشة شنيعة من أخطر الكبائر، ولكن إذا كانت المرأة ذات زوج فمعصيتها أشد وإثمها أكبر، ولا يجوز لها أن تسأله الطلاق لتنكح من زنى بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. حديث صحيح أخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي، وانظري الفتوى رقم: 2019، والفتوى رقم: 38577. ولا يجوز قتل النفس بالجوع ولكن يشرع للمرأة ان تكثر من صوم النوافل لتضعف شهوتها عملا بما في الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.
فعليك بصدق التوبة، فإن الله يقبل توبة من تاب من الذنوب توبة نصوحا مهما كانت الذنوب إذا استوفيت شروط التوبة، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى:25} ، وقوله تعالى: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:54} وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8} . وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} . وقال سبحانه وتعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} . وقال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} . ويدل له ما في حديث مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما في حديث مسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. وما في حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبداً أصاب ذنباً، وربما قال: أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً، أو أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنباً، وربما قال: أصاب ذنباً، قال: قال: ربِّ أصبت - أو قال: أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: أعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثاً، فليعمل ما شاء. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظري الفتوى رقم: 5450.
وننصحك بما يلي:
أولا: أكثري من فعل الطاعات، والذكر والاستعاذة من الشيطان ومن الشر كله كلما خطر بقلبك التفكير في المعاصي، فقد قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ {فصلت: 36} وقد سأل أبو بكر فقال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، قلها: إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. وفي سنن أبي داود والنسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعقبة: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء.
واشغلي فكرك ووقتك وفراغك بما يفيد، فإن أفضل ما يعمر به المؤمن وقته ويومه هو الانشغال بالقيام بالفرائض كالصلوات الخمس، والصيام الواجب، وبر الوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسنن والمستحبات كالصلوات الراتبة وقيام الليل والصدقة المستحبة، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ونحو ذلك..
ثانيا: أظهري محبتك لزوجك، وتوددي إليه، وتزيني له حتى ينشط لما يعفك، ولا مانع أن تلمحي له أو تصارحيه بحاجتك، ويتعين عليه الاستجابة لإعانتك على العفة، واستحضري خطر مخالطة الأجانب، فقد اتفق العلماء على حرمة الخلوة بالأجنبي لصريح النهي عنها، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري وغيره. وقال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30-31} . وقال الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} ويتأكد البعد عن هذا في حق المتزوجة التي عندها زوج تستعف به عن الحرام، فالاتصال بالزوج من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجانب، ففي صحيح مسلم: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
ثالثا: ألحي على الله بالدعاء أن يرزقك القناعة، وأن يحببك إلى زوجك، وأن يحبب زوجك إليك، وأن يعفك به وعليك بالدعاء المأثور: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. رواه مسلم. وبالدعاء المأثور: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
رابعا: عليك بالاستغفار، والإقلاع عن جميع الأسباب المؤدية إلى الفتنة والمعصية؛ كاللقاء بالرجال أو الاتصال بهم أو التعرف عليهم، وعليك باتخاذ الرفقة الصالحة، والبعد عن صديقات السوء، والتزام العلاج النبوي لإخماد نار الشهوة بكثرة الصوم وغض البصر، وشغل النفس بما ينفعها من تعلم العلوم النافعة، وإياك والخلوة والفراغ، فإنهما سبيلان لكثرة الهواجس والوساوس التي يتسلط بها الشيطان على ضعاف النفوس.
خامسا: طالعي في القرآن والسنة الترهيب من الفواحش والتحذير منها، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أمة محمد: والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. متفق عليه. وفي صحيح البخاري -في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل- قال صلى الله عليه وسلم:...... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، ثم قال له الملكان: ... والذي رأيت في الثقب الزناة. وفي صحيح البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان كان كالظلة، فإذا انقطع رجع إليه الإيمان. رواه أبو داود والترمذي والبيهقي واللفظ لأبي داود.
سادسا: طالعي في القرآن والسنة الترغيب في التوبة والحياء من الله، واستشعار مراقبته، وتأملي ما فيهما من الوعد والوعيد وأهوال الآخرة، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري.فقد دلت الأحاديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
سابعا: عليك بالحرص على الاستقامة على التوبة إلى الله، وعقد العزم على عدم العودة للذنب أبدا، وإذا سقطت مرة وأغواك الشيطان فلا تعتبريها النهاية، ولا تستسلمي لليأس، بل اهزمي الشيطان واستغفري ربك وكوني ممن قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ {آل عمران: 135-136} وعليك بالحياء من الله والخوف من بطشه الشديد وعقابه الأليم فقد قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} ، وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ {آل عمران:28} ، وقال الله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج:12} . ألا تستحين من الله الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذك بما اقترفت، وهو القائل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ {النحل:45} . ألا تخشين بأسه وتنكيله، وهو القائل: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً {النساء:84} . ألا تذكرين أهمية الحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: والحياء شعبة من الإيمان. متفق عليه. وفي البخاري: فإن الحياء من الإيمان. وفيه: الحياء لا يأتي إلا بخير. وفي مسلم: الحياء خير كله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء. أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، وحسنه الألباني.
فعليك باستشعار مراقبة الله تعالى، وملاحظة أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم سرك ونجواك. قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الغُيُوبِ {التوبة:78} {التوبة:78} . وتذكري أنه ربما يطلع عليك ولد صغير فيراك أو يكتشف أحد أقربائك حالك فكيف يكون خجلك وحياؤك منهم، وينبغي أن يكون خجلك وحياؤك من خالقك ومربيك ومدبر أمورك ومن إليه مرجعك أشد وأعظم، واذكري قول الله جل وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4} ، فاذا كنت لا تستطيعين فعل هذه الفعلة القبيحة أمام أبيك أو أمك أو أي شخص تستحين منه؟ أفلا تستحين من الله، ألم تقرئي قول الله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا {النساء:108} ، وقوله تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {هود: 5} قال الشيخ الشنقيطي في تفسير هذه الآية: يبين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يخفى عليه شيء، وأن السر كالعلانية عنده، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر وما يعلن وما يسر، والآيات المبينة لهذا كثيرة جدا، كقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ {ق: 16} وقوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ {يونس:61} ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها آية بهذا المعنى. اهـ.
وقد قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في منزلة المراقبة: وهي ثمرة علمه (أي العبد) بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله في كل وقت وفي كل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين. وقال: وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر. فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته.اهـ
وعليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي. وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان؛ عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
ثامنا: حافظي على الصلوات المفروضة والنوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} . وأكثري من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل.أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
تاسعا: احرصي على أن تجعلي زوجك عونا لك على الاستقامة، فاحرصي على هدايته، وأكثري من نصحه وترغيبه وترهيبه والدعاء له، وتعاوني معه على مجلس علم في البيت تقرآن فيه من آيات الوعد والوعيد وأحاديث الترغيب والترهيب، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه.رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني وفي رواية: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي، فقال: رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه الألباني. ويضاف إلى هذا عموم ما ذكره القرآن من التأكيد على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى. قال تعالى: وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1 - 3} ، وقال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى {المائدة:2} ، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة:71} .
وراجعي في علاج السحر والتحصن من الشرور كلها، وفي موضوع الاحتجاج بالقدر على المعاصي، وفي ضوابط تداوي المرأة عند الطبيب الذكر الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 73347، 61869، 69805، 61490، 58076، 62872، 30566، 4054، 26413، 61976، 23139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(9/4599)
الخوف.. أنواعه.. حكمه.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مفهوم الخوف من الناس في نظر الإسلام؟ بمعنى متى يكون الخوف من شخص ما مذموما، ومتى يكون محموداً، وهل عندما يخفق القلب بسرعات كبيرة نتيجة موقف ما أو لأي سبب من الأسباب دليلٌ على ضعف وجبن، ثمّ ما الحل لتجاوز تلك المرحلة، مع العلم بأن هذا الامر لا يشكّل لي ضعفا ولكنه يضعني في موقف محرج، ف أفيدوني رعاكم الله؟ في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف من الناس أو من غيرهم ينقسم إلى قسمين: خوف طبيعي جبل عليه الإنسان، وهو الخوف مما يضر، كالخوف من الظلام والجبابرة أو الحيوان المفترس أو المكروبات الضارة ... فهذا النوع من الخوف لا يذم من وقع له شرعاً لأنه خوف جبلي، وأما القسم الثاني من الخوف وهو الخضوع والتذلل واعتقاد الضر والنفع مما يخاف منه فهذا هو المذموم شرعاً، وصاحبه واقع في الشرك، فلا يجوز أن يكون هذا النوع من الخوف إلا من الله تعالى.
وعلاج الخوف بأنواعه يكون بالاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه، واعتقاد أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه، كما قال الله تعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {التوبة:51} ، وبإمكانك أن تطلع على تفصيل أكثر من الفتوى رقم: 38060، والفتوى رقم: 60810 وما أحيل عليه فيهما، كما يمكن أن تستشير قسم الاستشارات بالشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1428(9/4600)
التفريق بين الاجتهاد في تحري الحلال والحرام وبين الوسوسة والمغالاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أفرق بين أني أذكر الله كثيراً وبين أني أعاني من الوسوسة وتخمة الذكر، أجلس أحيانا بعد صلاة الفجر ما يقارب النصف إلى ثلاث أرباع الساعة.. وجزء هام من الوقت يكون في استحضار المعنى للكلمة.. وقد أعيد التسبيح أو الآية إذا ما وجدتني سهوت أو لم أتفكر في المعنى، وكيف أفرق بين الاجتهاد في تحري الحلال والحرام وبين الوسوسة والمغالاة، حتى لا يكون المرء كبني إسرائيل.. شددوا فشدد الله عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أكثرت من أي نوع من أنواع ذكر الله تعالى كتلاوة القرآن أو التسبيح مثلاً فأنت من الذاكرين الله كثيراً، وما تتكلفه من استحضار معاني كلمات الذكر وإعادة بعضها كل ذلك داخل في الذكر، فذكر الله تعالى باللسان مع التدبر بالقلب أفضل مراتب الذكر الثلاث المتقدمة في الفتوى رقم: 28251.
والاجتهاد في البعد عن الحرام مطلوب من المسلم؛ بل من الورع الابتعاد عن الشبهات وهي الأمور التي أشكل حكمها بحيث لم تتضح حرمتها ولا إباحتها، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حو الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا لحق به صار حلالا، وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. انتهى.
أما الوسوسة والمغالاة فهي ترك الشيء استناداً لشبهة بعيدة لا تستند إلى شيء يشهد لها، قال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية: لكن الشبهة البعيدة ليست مما يلزم اجتنابها فيهما؛ كترك التزويج من نساء بلد كبير خوف المحرمية له، وترك ماء في فلاة لجواز عروض النجاسة، أو غسل ثوب مخافة لحوق نجاسة عليه، عن القرطبي الورع في مثلها وسوسة شيطانية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(9/4601)
أين تكمن السعادة الحقيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في الغربة ومتزوجة ولدي طفل والحمد لله زوجي معي زين ومامقصر في شيء والحمدلله ملتزمين بالصلاة أنا وزوجي ولكن لا أشعر بالسعادة وخائفة دائما خائفة من كل شيء أخاف وأصلي صلاتي كاملة وأصلي صلاه الضحى وأصلي 12ركعة يوميا ولكن لا أشعر أبدا بالسعاده لا أعرف لماذا أريد دعاء وماذا أفعل أرجوكم ساعدوني وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على المحافظة على الصلاة وما يتبعها من نوافل، ونسأل الله تعالى لك الطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة
وبخصوص الخوف الذي تشعرين به فأهم علاج له هو التوكل على الله تعالى، والثقة بما عنده، واعتقاد أن كل ما يحصل في هذا الكون هو بقضائه وقدره. فما يصيب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما يخطئه لم يكن ليصيبه، وراجعي الفتوى رقم: 11500.
مع التنبيه على الإكثار من الأدعية خصوصا الدعاء المأثور لذهاب الهم والغم، وهذا الدعاء سبق بيانه في الفتوى رقم: 35046.
والسعادة الحقيقية تكون بالإيمان بالله تعالى ومراقبته، والإكثار من ذكره، والإخلاص له في القول والعمل. وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 29172. وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 80958.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(9/4602)
صحبة الأخيار وترك صحبة الأشرار
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنتين كنت قد رافقت صحبة قد قادتني إلى فعل ندمت عليه ومازلت نادما عليه إلى هذا اليوم.
لقد أرادوا الذهاب إلى أحد البيوت المشبوهة (بيت للدعارة) ولقد أقنعوني بالذهاب معهم بحجة أنك لا زلت شابا وتحتاج إلى وقت حتى تتزوج ولا تكون متخلفا وذا عقلية قديمة وأشياء من قبيل ذلك.. وبصراحة قد غلبتني نفسي وذهبت معهم وارتكبت ذلك الإثم العظيم (الزنى) ومنذ ذلك اليوم وأنا أعيش في ندم وخوف ... خوف من أن أكون قد أخذت مرضا من تللك الفتاة وندما شديدا على ما فعلت..مع العلم أنني لم أقم بأي تحليل أو اختبار للتأكد من أنني حامل لذلك المرض أم لا..ففكرة أنني مصاب بذلك المرض (الإيدز) لوحدها تصيبني بالجزع وفي كثير من الأحيان أفكر بأن أفتعل حادثا إذا تبين أنني مصاب بذلك المرض والعياذ بالله..والله يا سادة لا يمر يوم إلا وأنا أفكر بذلك الإثم والندم عليه والخوف من غضب وسخط الله علي ... وأنا الآن والحمد لله مقيم للصلاة وقارئ لكتاب الله عز وجل ... وقد تركت تلك الصحبة منذ زمن واستبدلتها بصحبة خيرة تخاف الله وتتجنب معصيته ... فهل تقبل توبتي أم أنني من الخاسرين (عندما ارتكبت ذلك الإثم لم أكن قد تجاوزت ال 18 من العمر وأنا الآن طالب جامعي في السنة الثانية في كليه الهندسة المدنية)
أفيدونا من علمكم جزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالندم عن الذنب والخوف من حصول العقوبة والاشتغال بالعمل الصالح وصحبة أهل الخير والبعد عن الصحبة الرذيلة، فإن هذه المسائل هي أعظم وسائل التوبة، فالندم توبة كما في حديث الحاكم.
واعتزال الصحبة الشريرة والانتقال منها لصحبة أهل الخير هو الوسيلة التي أرشد العالم إليها قاتل المائة نفس لما استرشده كما في حديث مسلم، والإكثار من العمل الصالح بعد صدق التوبة أعظم أسباب حصول رحمة الله وغفرانه وتوبته. قال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39}
فعليك بمواصلة الطريق في تحصيل أسباب الهداية والاستقامة، واحرص على الزواج إن أمكنك وإلا فواظب على نوافل الصيام وعلى غض البصر واعمر وقتك بما ينفع من عمل صالح وتعلم علم نافع، وواظب على الأذكار المقيدة والمطلقة والتعاويذ المأثورة، ونرجو الله تعالى أن يرزقك بالتوبة وإقام الصلاة فلاح الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أن الفلاح هو حصول المرغوب والأمن من المرهوب، فأحسن الظن بالله تعالى فهو عند ظن عبده به وأكثر الدعاء وسؤال الله العافية وأن يصرف عنك شر ما قضى فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء، وإياك والتفكير في الانتحار مهما كانت الأحوال فإن قاتل النفس من أعظم الناس جرما، وعليك بستر نفسك ولا تخبر أحدا بما حصل، واستشعر مراقبة الله عليك واطلاعه على ما في قلبك في كل حال.
وراجع في خطر الزنى وقتل النفس والوسائل المساعدة على التوبة والاستقامة والسلامة من المخاوف الفتاوى التالية أرقامها: 74336، 54026، 76270، 72497، 96431، 96257، 73010.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(9/4603)
تستر من وقع في الخطيئة بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسألكم في موضوع أرقني كثيراً وهو أنني كنت على علاقة بشاب وأخطأت معه ولكني تبت إلى الله وندمت ندماً شديداً، والآن أصلح من أعمالي كي يتقبل الله توبتي، لكن قرأت في فتوى لموقع الإسلام اليوم أن الفتاة التي تخطئ عليها أن تخبر زوجها بذلك، فهل إذا تقدم لي شخص يجب أن أخبره بما حصل، على العلم بأنني لا أدري إن كنت بكراً أم لا، لأنني لا أستطيع أن أكشف خوفاً من النتيجة، ولأنني لا أعرف طبيبة تستر علي أمري، وهل يجب أن أتزوج من الشخص الذي أخطأ معي، على العلم بأن العلاقة انتهت ولا أرغب بالزواج منه لما سببه لي إلا إذا تاب وتغير، وسؤالي الأخير: إن كان يجب أن أستر ما فعلته عندما يتقدم لخطبتي شخص فماذا أفعل تجاه تأنيب الضمير الذي سوف يلازمني إن لم أبدأ حياتي الزوجية بالصراحة وإحساسي بأنني أخفي شيئا عن زوجي وأغشه، وأخيراً: ادعوا لي بالهداية وأن يستر الله علي بزوج يعفني ويعوضني عما مضى، فأنا في حاجة لزوج يعينني على طاعة ربي؟ وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يقبل توبتك، ويغسل حوبتك، ويغفر خطيئتك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن عليك أن تستتري بستر الله عليك، ولا تذكري ما كان منك لخاطب أو زوج أو غيره من الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
فلا يجب ذكر ما وقع منك للزوج، وإن سأل عن سبب فقدان البكارة فيمكنك التعريض والكناية، وأنها قد تزول بأسباب كثيرة كالوثوب والقفز وغير ذلك دون أن تخبريه بخطيئتك، لكن إن اشترط البكارة عند العقد فذلك يثبت له الخيار إن تبين عدم وجودها، ولعل ذلك هو ما ذكر في الموقع المشار إليه لا أن تتطفل المرأة فتخبر زوجها بسوابقها. فلا تخبري أحداً بما كان، واستتري بستر الله، وأحسني التوبة والإنابة إليه، وأبشري بمغفرته وعفوه، ولا يجب عليك أن تتزوجي بذلك الرجل، ولكنه إن تاب فلا حرج عليكما أن تتزوجا، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 1677.
وأما تأنيب الضمير والإحساس بالذنب فينبغي ألا يكون بعد صدق التوبة فحسبك أن الله وفقك للتوبة، وهداك للاستقامة، فينبغي أن تفرحي بذلك فرحاً ينسيك كل ما كان، ففي الحديث: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه أحمد والترمذي. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وربما كان العكس إذا فضحت نفسك، وكشفت ستر الله عليك، فيلومك زوجك، وربما احتقرك، وأفشى سرك لغيره، وشهر بك فتجدين حينئذ من الذلة والصغار وتأنيب الضمير ما لم يكن لو سترت نفسك، كما أرشدك إلى ذلك نبيك عليه الصلاة والسلام فيما بيناه آنفاً.
ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقك زوجاً صالحاً تقر به عينك، وتسعد به نفسك؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وننصحك بالإكثار من الدعاء، بقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74} ، وقوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة:201} ، ولمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 78157، والفتوى رقم: 5047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(9/4604)
لا أثر لثناء الناس على العبد بعد فعل الخير على الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بعمل خيري ورأتني زميلة لي (أظن) أنها قد شكت بأني ارتكبت إثم سماع الأغاني وأنا لم أسمع فلما علمت أنها رأتني وأنا أعمل العمل الخيري فرحت لأني أريد أن تعلم أن بي خيرا وليس كما أظن أنها ظنت, علما بأني لم أتعمد ذلك ولم أرد أن يراني أحد، سؤالي هل هذا يعتبر رياء والعياذ بالله، أنا لم أقصد أن تمدحني حتى لو كان في نفسها، ولكن لا أريد أن تشعر بأني أفعل المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عمل عملاً مخلصاً فيه لله تعالى ثم اطلع عليه أحد فسُّر بذلك لا يعد مرائياً، لأن الرياء هو إيقاع القربة مقصوداً بها منفعة الناس أو مدحهم، وأما ثناء الناس على العبد بعد العمل فلا أثر له على الإخلاص، وكذا إذا فرح هو بكونهم أظهر الله لهم عمله الصالح، وستر عنهم عمله السيئ، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41236، 45059، 10992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1428(9/4605)
دلالات الشعور بنقص كمال التوجه إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب يبتغي رضى الله في نفسه وطاعته لله. كنت منذ زمن قريب مقصر في حق ربي علي وما زلت ولكن الآن وأنا أحاول العودة لربي أجد بداخلي إحساسا أني أفعل الطاعات رياء ونفاقا ولو فعلت شيئا سرا أجد في نفسي العجب والفرح بما فعلت وإن كان قليلا. أنا أعرف أني مهما فعلت من طاعات لن أوفي حق ربي إلا برحمته ولكن عندما أتذكر ورع وخوف الصحابة والسلف الصالح وطريقة عبادتهم وعندما أتذكر موقف سيدنا عمر وخوفه من أن يكون من المنافقين الذين ذكرهم سيدنا محمد أجد نفسي لست إلا عبدا مصرا يفرح بفتات الطاعة وأجد العجب والنفاق قد تملكا نفسي. هل يقدر العبد أن ينافق ربه وهو يعلم ما بنفسه؟؟ وكيف يتقي العبد النفاق والعجب؟ وهل لو كنت من الناس الذين يهمهم نظر الناس له أكون منافقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على العودة إلى الاستقامة على شرع الله تعالى والابتعاد عما كنت عليه من التقصير في حق الله تعالى، ونبشرك بأن الله تعالى يقبل توبة عبده بل ويفرح بها، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ {الزمر:53} ، وقال أيضا: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110} ، وراجع الفتوى رقم: 77561.
وما تشعر به من إحساس داخلي وشكوك بكونك تفعل الطاعات نفاقا فقد يكون هذا مجرد شعور بنقص في كمال التوجه إلى الله تعالى أو بضعف في مراقبته، ومن النادر السلامة من مثل هذا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 76713. وكذلك بالنسبة للشعور بالرياء أو العجب، وراجع الفتوى رقم: 14440.
وقد يكون الأمر راجعا لكيد الشيطان ووساوسه للتشويش عليك ولتثبيطك عن فعل الطاعات بحجة عدم قبولها منك بسبب وسوسة الرياء أو النفاق أو العجب، والفرح بفعل الطاعة مع السلامة من الرياء والعجب دليل على قوة الإيمان وكماله؛ كما في الفتوى رقم: 71417.
وعلاج النفاق تقدم بيانه في الفتوى رقم: 5815، والفتوى رقم: 94258.
كما سبق علاج العجب والرياء في الفتوى رقم: 63817، والفتوى رقم: 8523.
والخوف من النفاق صفة من صفات السلف الصالح لكن لا ينبغي أن يصل ذلك الخوف إلى درجة اليأس والقنوط وراجع الفتوى رقم: 55443، والفتوى رقم: 68464.
وعبارة [فتات الطاعة] غير لائقة فإن كل طاعة لله تعالى فعلها المسلم مع الإخلاص فيها والسلامة مما يبطلها سيجد ثوابها عند الله تعالى مهما كانت قليلة، ولا ينبغي له احتقار أي شيء من الطاعات لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:40} وقال صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. رواه الإمام مسلم في صحيحه، وإذا كان الإنسان يهتم بنظر الناس إليه بمعنى أنه يجتهد في تحسين الطاعة من أجل نظر الناس إليه فهذا ليس بنفاق بل هو رياء ويسمى بالشرك الخفي، وإن كان المقصود أنه يخلص في الطاعة لله تعالى ثم بعد اطلاع الناس على عمله فرح بذلك فلا حرج عليه، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 10992. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 65194.
وأما قولك: هل يقدر العبد أن ينافق ربه فلم نفهم مرادك به لكن نقول: إنه من الممكن اتصاف الإنسان ببعض صفات المنافقين مع اعتقاده أن الله تعالى مطلع على ما في قلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(9/4606)
هواتف تحذير من التفريط في جنب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يتعلق بحالة شخصية حدثت لي يوم الأمس قبل طرح الحالة أود أن أتكلم عن نفسي، أنا وبكل صراحة شاب أبلغ من العمر 20 عاماً أفوت الكثير من الصلوات ولست ملتزماً أبداً وأرتكب الكثير من المعاصي وأعتقد لا داعي لأن أتكلم عن نفسي فقد وصلت الفكرة لكم على ما أظن، الحكايه تبدأ أنني بدأت بالالتزام ببعض الصلوات منذ حوالي شهرين ولم أكن أفوت صلاة الجمعة على الأقل فأنا كنت أفوت الكثير من الصلوات لكني كنت ملتزماً بصلاة الجمعة وفي آخر أسبوعين لم أذهب لصلاة الجمعة بسبب السهر والتأخر في النوم فلم أكن أستيقظ في وقتها، بالأمس نمت متأخراً قليلاً ولكني لم أنم متعمداً بل كنت جالساً وغفوت واستيقظت قبيل إقامة صلاه الفجر بعدة دقائق ووجدت نفسي عطشاناً جداً فذهبت لشرب العصير المفضل لي فلم أجد إلا زجاجة واحدة وأنهيتها في دقيقة وكنت مازلت أحس بالعطش الشديد وكنت أريد الذهاب للسوبر ماركت لكي أشتري غيرها
ولكن كان هناك شيء بداخلي يقول لي لا تذهب ابق مكانك، المهم خرجت من المنزل لأحس بإحساس غريب بعد أن خرجت من باب الصالة المؤدي إلى ساحه بيتنا وأحسست أن هناك أحدا معي يراقبني وسمعت بعدها بثوان شخصا يصرخ ويتوعد وما إلى ذلك ولكن الصوت بدأ وكأنه يخرج من فم شخص بجانبي تعرفت على الصوت فالصوت كان صوت شخص يقيم في حينا وهذا الشخص يشرب الخمور وما إلى ذلك خفت كثيراً وعندها ذهبت إلى باب الشارع وبكل صراحة كنت أفكر في الذهاب للصلاة قبل الذهاب للسوبر ماركت ولن أقول أني كنت جاداً 100% لكن تلك الفكرة راودتني، المهم فتحت باب الشارع فوجدت هذا الشخص قادماً من ناحية المسجد وهو يصرخ ويتوعد، فبكل صراحة لم أرد أن أحتك به فركبت سيارتي وأنهيت فكرة الذهاب للصلاة من عقلي وذهبت على الفور للسوبر ماركت كي لا يتحرش بي فقد بدا وكأنه قد شرب الكثير وفقد حاسيته بالكامل وأنا في الطريق
تفقدت جوالي فوجدت مكالمة لم يرد عليها مع أني متأكد أنني قد رأيت جوالي عندما استيقظت ولم يكن هناك مكالمات لكن لم أهتم فهي ليست المرة الأولى التي يريني فيها الجوال معلومات خاطئة بشأن المكالمات التي لم يرد عليها، وكان الرقم من خارج قطر ولم أتعرف عليه اتصلت فرد علي شخص ما يقول أنه الشيخ الفلان الفلاني ولا أتذكر الاسم بالضبط لكن كان أحمد الدادات أو الديدات شيء من هذا القبيل فقلت له أهلاً وسهلاً، ماذا تريد آمر يا شيخ فقال لي كنا في حلقة صلاة استخارة أو شيء من هذا القبيل لم أفهم ما كان يريده بالضبط وقال لي لقد رأينا رقمك على طبق من نور فقلت له ماذا، فقال رأينا رقمك على طبق من نور فقلت له استغفر الله استغفر ربك وأقفلت الهاتف، ولكني لم أرتح من بعدها بمدة بسيطة رجعت للبيت ولم أرتح للجلوس في الغرفة فاتصلت بصديقي وخرجت معه وعدت بعدها بساعة فقد كانت الشمس قد أشرقت بعدها بساعة تقريباً حاولت النوم من جديد لكني كنت أحس بأحد بجنبي وكنت أسمع أصواتاً في رأسي حاولت النوم من جديد فغطيت عيني لبرهة، ورأيت في الحلم أني في ساحة منزلنا وكان هناك أحد بجانبي يكلمني ويقول أشياء لا أتذكرها، ولكنها كانت مخيفة فقد كنت أحس بالخوف وأحاول الاستيقاظ وعندما انتهى صرخ صرخة أفزعتني وجعلتني أستيقط وأنا أهتز وأنتفض في مكاني وحتى وأنا مستيقظ كنت أحس بصرخته في عقلي الباطن ولا أعرف ماذا أفعل وبعدها بدقيقة تقريباً من ذكر اسم الله والتعوذ بدأت أحس بأني عدت إلى حالتي الطبيعية بكل صراحة لا أعرف ماذا أفعل أحس بخوف شديد ولا أعرف ماذا علي أن أفعل الآن، عندما أعلمت أمي بالأمر (مع العلم بأني أخبرتها القصة لغاية رجوعي للمنزل ولم أخبرها بمنامي والحلم والقيام وأنا أنتفض في مكاني لأني أخبرتها بتلك القصة عندما عدت للمنزل وقبل أن أنام وأتعرض للحالة الثانية) المهم عندما قلت لها ذلك أخبرتني ربما أنه جني مسلم أراد لك أن تصلي الفجر ونصحتني بالصلاة وقالت لي على الأقل أنت كنت تصلي الجمعة، ولكن منذ أسبوعين نحاول إيقاظك وأنت لا تستيقظ وقالت لي اترك عنك هذه الأفعال وأقم صلاتك واهتم بدينك وحياتك ومن هذه النصائح، خلاصة الكلام أنا وبكل صراحة أحس بإحساس يجبرني بأن علي الالتزام وترك هذه الأفعال وأحس أن هذه رسالة من رب العالمين كي أهتدي وأترك المعاصي، أتمنى من سيادتكم أن تجيبوني بالتفسير الذي ترونه من خلال قصتي، أنا أومن بأن هذه رسالة لكي أهتدي وأقيم صلواتي وأترك المعاصي
لكن لدي فضول في معرفه تفسيركم للحالة التي مررت بها بالأمس والتي جعلتني أخاف كثيراً وأحس بعدم الأمان، مع العلم بأني أصبحت أخاف البقاء وحيداً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمد الله تعالى وتشكره أن هداك للإيمان ووفقك للتوبة وأداء الصلوات فلتبشر ولتستقم على هذا الطريق، ولعل ما وقع لك إنذار وتحذير من التمادي في طريق الخطأ والتهاون بالصلاة وغيرها من الطاعات.
وأما الاتصال الذي جاءك من الخارج فلعله كان من ناصح لك مشفق على حالك ويريد لك الخير والاستقامة، ولا يمكننا أن نقطع فيه بشيء، وبإمكانك أن تستفسر عن أمره وعن ما رأيت أهل الاختصاص في تعبير الرؤيا لأن مركزنا مختص بالفتاوى الشرعية، هذا ونسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وننصحك بتقوى الله تعالى والمحافظة على فرائضه والبعد عن نواهيه فهذا هوسبيل السعادة في الدارين، ومما يعينك على الاستقامة مجاهدة النفس على الطاعة، ومنعها من اتباع الهوى والشهوات، والإكثار من الدعاء لنفسك بالهداية، وصحبة الصالحين وملازمة مجالس الخير والبعد عن الفساد وأهله، وربما تجد صعوبة في بداية الأمر، لكنك إذا صبرت وجاهدت نفسك ستجد لذة الطاعة وحلاوة الإيمان وطمأنينة القلب، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، ولتعلم أن الصلاة عماد الدين ولا حظ في الإسلام لمن تركها، ولذلك لا بد من المحافظة عليها، فبالمحافظة عليها تترك كل ما يتنافى معها مما لا يرضي الله -إن شاء الله- كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ... {العنكبوت:45} ، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الموضوع في الفتوى رقم: 45712، والفتوى رقم: 1145 وعلى ما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(9/4607)
دفع البلاء بالدعاء والرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير، شخص مصاب بمرض المس أو الصرع وقد صال وجال باحثا عن أفضل الرقاة الشرعيين لتخليصه من هذا البلاء وقد استنجد حتى برقاة شرعيين من داخل المملكة السعودية باعتبار الشخص مقيم في الجزائر، لكن بدون جدوى وقد نصحه بعض الرقاة بحفظ سورة البقرة عسى أن تذهب عنه هذا البأس، لكنه يقول لا شيء تغير على الإطلاق وما يزيد الأمر تعقيدا هو إصرار ذلك الجني على عدم الخروج من هذا الجسد حتى يهلك معه ويقر هذا الشخص أن ذنوبه ومعاصيه كانت كبيرة في الماضي، فهل هذا المرض هو ابتلاء من رب العالمين جراء المعاصي والذنوب الكبيرة، وما هي الطرق الشرعية الصحيحة لذهاب هذا البأس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكن الجزم بأن ما يحصل من الابتلاءات سببه ذنوب أو غيرها، ولكن الله شرع للمسلم دفع البلاء بالدعاء والرقية والعلاج المشروع.
فعلى هذا الأخ أن يُخْلِص، ويصدق في التوبة إلى الله تعالى مما سبق من الذنوب، وأن يواصل الرقية والعلاج، وسؤال الله الشفاء، وألا بعجل، ففي الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ يا رسول الله، قال: يقول: قد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
ولا حرج في التردد على أكثر من راق لعله يصادف من هو مستجاب الدعوة فينفعه الله تعالى به. وأما قراءة البقرة وسماعها فهو مفيد إن شاء الله في طرد الشياطين. وراجع بعض التوصيات في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 79707، 49953، 45956، 75084، 58095، 32655، 40302، 20491، 93185، 75534.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1428(9/4608)
لا يوصف مرتكبو الكبائر بالتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجعلكم ذخراً ونصراً لدين الله، أنا لست من أهل العلم ولا شك أن أصحاب العلم الضئيل أمثالي قد ينطلي عليهم أشياء لا يعلمون الأدلة الصحيحية عليها، وقد حدث شيء أريد أن أسأل عنه، وهل هذا الشيء شرعي، والسؤال هو: هل يجوز لأحد أن يرى النبي في اليقظة، هذا الأمر قاله المفتي في بلادنا، ثم قال إن المرسي أبو العباس كان معه تلامذته يزنون أو هو يزني ويمشي على الماء وأن الرجل يمكن أن يزني ويبقى من الأولياء، وهل النبي يأتي في الرؤيا لكي يبلغني بأن أقرأ قل هو الله أحد 1000مرة من أجل أن يحصل أمر معين وجواز عمل عمليات ترقيع وأشياء من هذا القبيل ... ثم ما هو: صوفي وهل الصوفية شيء جيد، يعني إذا كانت هناك جماعة صوفية في بلادي يجتمعون في مساجد الأولياء يذكرون الله ويتركون مشاغل الدنيا ومن ثم الزهد، فهل أنضم لهم وأساعدهم في هذه الأعمال، أرجو الرد بسرعة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن هذا السؤال عدة أسئلة: عن إمكان رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة وعن تبليغه في الرؤيا وعن أولياء الصوفية وكيفية التعامل معهم ...
أما عن رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة بعد وفاته فلا تصح لأنها غير ممكنة، وسبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 55529.
وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم في النوم فهي ممكنة شرعاً وعقلا ودلت عليها نصوص الشرع والواقع، ولكن لا يثبت بها شرع جديد لأن الله تعالى أكمل الدين في حياته -صلى الله عليه وسلم- ولم يقبضه حتى أتم تبليغه فلم يترك خيراً يقرب إلى الله إلا دل عليه، ولا شراً يبعد عنه إلا حذر منه، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 9991.
وأما أولياء الله فهم المتقون الذين قال الله تعالى في وصفهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون َ {يونس:63} ، والمتقون هم الممتثلون لأوامر الله في السر والعلانية، المجتنبون لنواهيه في السر والعلانية، كما قال صاحب المرشد:
وحاصل التقوى اجتناب وامتثال * في ظاهر وباطن بذا تنال.
فلا يمكن أن يوصف الزناة ومرتكبو الكبائر بالتقوى التي هو السمة الأولى لأولياء الله تعالى، وقد سبق بيان الضوابط التي تميز أولياء الله عن غيرهم في الفتوى: 25852.
وأما عن الصوفية المعاصرة فإنها لا تخلو من البدع والخرافات والضلالات، وبعضها مليء بالبدع الغليظة التي تؤدي بأصحابها إلى الكفر والعياذ بالله، وسبق بيان شيء من ذلك في الفتوى رقم: 8500، والفتوى رقم: 57271، فنرجو أن تطلع عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما، ولذلك ننصح السائل الكريم بتقوى الله تعالى والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والابتعاد عن أهل البدع والأهواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1428(9/4609)
التوبة بقصد الحصول على ما فات من الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التوبة من الذنب لأجل أن يرد الله ما حرمني إياه بسبب المعصية شرك أو حرام، فلقد سمعت في حلقة 12 في شرح كتاب التوحيد للشيخ صالح آل الشيخ أن ابتغاء العبد بعبادة لم يذكر الشرع أن لها ثواب في الدنيا ثواب الدنيا يعد شركاً أصغر، فإن كان صحيحا فلماذا يعد شركاً وليس حراما فقط، ولماذا يسمى حراماً ونحن مخلصون فيه لله، فأرجو التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شروط التوبة الصادقة الخالصة أن يكون الحامل عليها هو ابتغاء رضوان الله تعالى وعفوه، وليست بقصد الحصول على ما فات من أمور الدنيا بسبب المعصية؛ لأن هذا معناه أنه لولا فوات هذا الأمر والرغبة في الحصول عليه مرة أخرى ما تاب هذا العاصي فهذه التوبة ليست توبة صادقة، ولكن لو كان فوات هذا الأمر سبباً في توبة العاصي فتاب مخلصاً صادقاً فتوبته تامة لا نقص فيها لأنه تنبه بهذه العقوبة فتاب وأناب إلى ربه لا بقصد الحصول على ذلك الفائت، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا. ثم أورد قول الله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {هود:15-16} ، وكان هذا العمل شركاً أصغر لأنه ابتغى بعمل الآخرة حطام الدنيا، روى أبو داود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله -عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة. أي ريحها الطيب لأنه محض عمل الآخرة للدنيا.
وأما من عمل صالحاً لله رجاء أن يكرمه الله تعالى بالمنافع ويدفع عنه المكاره فلا يكون عمله شركاً، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في القول المفيد شرح كتاب التوحيد: الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين- حسني الدنيا وحسني الآخرة- فلا شيء عليه لأن الله يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. فرغبة في التقوى بذكر المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(9/4610)
التوبة والعمل الصالح من أسباب الفلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد ارتكبت معاصي وقمت بالتوبة وأداء العمرة والحج بفضل الله ومنذ أن أقلعت عن الكبائر وقمت بالتوبة راجيا من الله القبول وأنا في اختبار مستمر في جميع أموري وتكاد تكون حياتي متوقفة، فقد تركت عملي منذ أكثر من سنتين والتحقت بعمل آخر ولكني تركته بعد سبعة أشهر وقمت بالهجرة إلي بلد آخر ساعيا للرزق في بلاد غير بلادي وبعيدا عن زوجتي التي لم أرزق منها بأبناء بعد، علما بأني تزوجت منذ ثلاث سنين وحاولنا طريقة أطفال الأنابيب ولم يقدر الله العزيز الحكيم، وقد نفذ كل مالي الذي ادخرته، وتقريبا كل من ساعدتهم قد رحلوا عني وعاملوني معاملة قاسية جدا إلا زوجتي وأخي الصغير قد سخرهما الله ليقفا بجانبي حيث إنني لم أبخل علي أي أحد عند الرخاء سواء بالمال أو المساعدة للالتحاق بعمل، بفضل الله أود أن أعلم فضيلتكم أني راض تماما بقضاء الله عز وجل ومفوض أمري له سبحانه وأعلم علم اليقين أن ما يصيبني هو من جراء ذنوبي، لذلك أقوم بالاستغفار المستمر وصلاة الحاجة والأذكار، وهذا السرد ليس شكوى لقضاء الله ولكن لتعلموا حالتي لعلها تخدم في الإجابة علي السؤال، هل لقبول التوبة علامات، علما بأنني كنت علي طاعة وكنت في ضيق من حالي فلما دعوت الله أعطاني من فضله وفتح علي جميع أسباب الرزق، ولكني عصيت واتبعت الشيطان فتدهورت أموري وسد طريقي تماما ثم أقلعت وتبت كما ذكرت في أول رسالتي، وما هي علامات غضب الله على العبد، وما هي سبل رفع غضب الله إذا ما وقع، عندي غضب شديد تجاه الأشخاص الذين كانوا يتوددون لي عندما كنت في منصب كبير فمنهم الملتحي والمصلي وأشعر أنني لا أريد التعامل مع الناس إلا في إطار محدود سواء المترددين علي المساجد أو غيرهم فمعظمهم استغلني ونافقني وكذب علي وأراد إيذائي ومكر ضدي، فكيف أطبق الآية "ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وما هو الأسلوب الأمثل لعدم مشاركة الآخرين في خصوصياتي بالرغم من حشر أنفهم في مالا يعنيهم، هل عدم قول الحقيقة وافتعال قصص غير حقيقية يجوز لرد أذى المخادعين والذين ينقلون الكلام ويتجسسون ويتحايلون والأعداء الذين يرتدون قناع الأصدقاء ثم نفاجأ أنهم منافقون وكذابون، هل يجوز الدعاء بدعاء سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام "رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب" والنية ليست أن يعطيني الله ما أعطي رسوله سليمان، ولكن خزائن الله ملأى وأنا أطمع في ما عند الله من ملكه الذي لا يعطيه غيره إنه علي كل شيء قدير، بما تنصحوني أفعله لعل الله يرفع عني الابتلاء ويعطيني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك ونسكك وجميع أعمالك ورضاك بالقدر، ونفيدك أن التوبة والعمل الصالح من أسباب الرحمة وتحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة، وبالحفاظ على الطاعات والأذكار والأدعية المأثورة يحفظ الله العبد من المصائب ويرفع عنه ما أصابه منها فارفع شر المقضى بالدعاء المأثور في القنوت: وقنا شر ما قضيت.
وأكثر من الدعاء عملاً بالحديث لا يرد القدر إلا الدعاء، واستعن بالله، واسأله ساعات الإجابة مقدماً السؤال بالاسم الأعظم ومستعيناً بالصلوات، أن يسهل أمورك ويرزقك النجاح في جميع مهامك. واعلم أن التوبة إذا توفرت شروطها يرجى من الله أن تكون مقبولة، لأن الله وعد بذلك في كتابه. وأما أسباب غضب الله تعالى فاعظمها الكفر والفرار من الزحف والقتل العمد والطغيان، فكل هذه توعد الله أصحابها بالغضب في القرآن، وأسباب رفع الغضب منها ومن غيرها تكون بالتوبة الصادقة، وقد سبق أن بينا الأعمال التي تمحى بها الذنوب وينال بها رضى الله تعالى في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51247، 74127، 47241.
وأما عن الأشخاص الذين كانوا يعاملونك بما ذكرت سابقاً فننصحك بالاستعاذة بالله دائماً، والحفاظ على الطاعات والتعاويذ المأثورة للسلامة من شر كل من أراد إيقاع الشر بك، ولا تتهم أحداً بالسوء من غير بينة، وخالق الناس بخلق حسن ولا حرج عليك في التحفظ ممن لا تأمنه وعدم إطلاعه على أمورك الخصوصية دون أن تكذب، وإذا كان هناك خوف من الذين يسألونك ولم يمكنك التملص من إجابتهم فاحذر الكذب، واستعمل المعاريض والتورية، ففيها مندوحة عن الكذب. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64122، 57039، 75026، 46051، 57129، 69805، 56174، 1764، 37533.
وأما الدعاء بدعوة سليمان فإنه يعتبر من الدعاء بالمستحيل لأن سليمان دعا بأن يعطى ملكاً لا يناله أحد بعده، وقد استجاب الله له، وقد عد النووي سؤال منازل الأنبياء من الاعتداء في الدعاء. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 56770، والفتوى رقم: 37632، 31019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(9/4611)
حفظ اللسان وتطهير النفوس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرشدنا الإسلام إلى جملة من الأمور نحفظ بها ألسنتنا ونطهر بها نفوسنا، اذكر هذه الأمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نصوص الوحي من القرآن والسنة مليئة بالحث على حفظ اللسان والتحذير من خطره، فقد قال الله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ٌ {ق:18} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما بين له عدة نصائح وتوجيهات تكون سبباً في دخوله الجنة وبعده عن النار: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الفم والفرج. رواه الترمذي وقال هذا حديث صحيح غريب.
وأما ما يزكي النفس ويطهرها ويقرب إلى الله تعالى فهو تقوى الله، والمحافظة على فرائضه، والبعد عن معاصيه، وعمل العبد ما استطاع من أعمال الخير والنوافل، والإكثار من ذكر الله تعالى، والمحافظة على الأذكار المأثورة في الصبح والمساء وعقب الصلوات ... والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، وصحبة الصالحين، وحضور مجالس العلم النافع ... وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 66522، 60347، 59868 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1428(9/4612)
المنع من الله لا يدل على عدم الرضا والحب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة محافظة على صلاتي والحمد لله أصلي النوافل وأصوم دائما حتى في أيام الحر ولساني لا يفتر من ذكر الله تعالى والاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء، ولكن كلما حملت أجهض ويخيب أملي، فهل هذا دليل على عدم قبول أعمالي فأنا أصل رحمي قدر المستطاع وأتصدق وأتقي الله، ولكن ماذا عساي أن أفعل ليستجيب الله تعالى لدعائي؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك سعيك، وتقبل منك، ونسأله سبحانه أن يثبتك على طاعته، ويرضيك بقضائه وقدره، ويصبرك على مصيبتك، ويثيبك عليها، ويمن عليك بالولد الصالح الطيب عاجلاً غير آجل.
أختي الفاضلة: نوصيك بمواصلة العمل الصالح والدعاء الصادق الخالص في أن يمن الله عليك بالولد، ونذكرك بأن بعد العسر يسراً، وبعد الكرب فرجاً، فالأحوال تتغير وتتبدل بإذن الله تعالى، فاصبري ولا تجزعي ولا تجعلي للوساوس سبيلاً إلى نفسك، فتقصري في طاعة الله، وتظني أنه يبغضك، فالمن بالنعم ليس دليلاً دائماً على حب الله للعبد، ولا منعها دليلاً على بغضه، كما قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا ... {الفجر:15- 16} ، أي ليس هذا صحيحاً، فقد ينعم الله على الكافر ابتلاء واستدراجاً، ويمنع المؤمن ابتلاء وتكفيراً لذنوبه ورفعة لدرجاته، فعدم حملك ليس دليلاً على عدم قبول أعمالك أو بغض الله لك، بل قد يكون ذلك لمصلحة يعلمها الله تعالى، كما قال الله تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} ، وقال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، ولعل الله يمن عليك بالولد الصالح عن قريب، فلا تعجلي. وفقنا الله وإياك لطاعته ورضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(9/4613)
ابتعاد الشيطان عن بيت يسمع فيه الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأذان الذي يصدر من المساجد ونسمعه داخل البيوت يطرد الشياطين، أنا أقرأ سورة البقرة أحيانا فماهي الأذكار التي تبعد الجن من البيت بالليل، حيث إني لا أستطيع أن أنام في الظلمة؟ ولكم جزيل الشكر والامتنان على معلوماتكم القيمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأذان سبب لطرد الشيطان ونفوره بدليل ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت. انتهى.
وعليه فإن الشيطان مدة سماعه للأذان يبتعد من البيوت التي تقع في المدى الذي يصله صوت المؤذن ولا يحصل ذلك بعد انتهاء الأذان إذا لم يوجد سبب آخر لطرده منها، والأشياء التي تكون سبباً في بعده وطرده من البيوت قد تقدم بيان بعضها في الفتوى رقم: 78664، والفتوى رقم: 5689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1428(9/4614)
الطريقة المثلى لنصح من ابتليت بداء السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة أسرية تتمثل في أن ابنة خالتي والتي تبلغ من العمر (28) عاما تمارس السرقة منذ الطفولة بعلم أفراد الأسرة (الأم والأخوات) وللأسف فضلت الأسرة تجاهل هذه المشكلة عوضا عن حلها، علما بأن أمي حاولت التحدث مع خالتي بهذا الشأن فما كان منها إلا أن انفعلت وأنكرت هذا الأمر مما أدى بأمي إلى عدم مناقشة الأمر مرة أخرى معها تفاديا لأثارة غضبها خاصة وأنها مريضة بالسكري، للأسف أخذ هذا الأمر بالانتشار وعلم به بعض المقربين دون محاولة للتدخل لنفس الأسباب، أمي تشعر بتأنيب الضمير والتقصير لأنها لم تحاول التحدث مع بنت أختها في هذا الأمر بصورة مباشرة وهي مترددة في هذا الأمر، علما بأني أشجعها على هذه الخطوة خاصة وأنا أعلم بأن بنت خالتي ليست إنسانة سيئة بالمطلق وأميل للاعتقاد بأن هذه العادة السيئة تكونت لديها منذ الصغر كمحاولة منها للفت نظر أمها وأبيها، فأرجو أن تنصحوني أنا ووالدتي في كيفية مفاتحتها ومصارحتها بهذا الموضوع دون أن نثير غضبها أو نشعرها بصورة غيرة مقصودة بإنها إنسانة سيئة؟ وجزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تحققتم من أن الفتاة المشار إليها تسرق فينبغي لكم نصحها وعدم الإحجام، فالدين النصيحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغييره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فناصحوها ولا تترددوا ولتكن نصيحتكم لها مزينة بزينة اللين والرفق وبيان حكم الله تعالى في السرقة ووجوب التوبة منها وافتحوا لها باب الرجاء، وأن فيها -أي في الفتاة- من الأخلاق الفاضلة ما هو كفيل بالقضاء على داء السرقة، واستعينوا على نصحها بالكتب والأشرطة والرسائل التي تعالج هذه الجريمة مع الإكثار من الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(9/4615)
وصايا مهمة للتخلص من أسر المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى الرد على سؤالي في أقرب وقت لأهميته في حياتي مشكلتي تكمن في إجازتي الصيفية إلى بلدي قبل سنتين حيث أقيم خارج وطني وفي تلك الزيارة المشؤومة تعرفت على فتاة ونزغ الشيطان وحصل الشر (الزنى) وليست هذه هي المشكلة فحسب بل المشكلة أن ضميري لم يؤنبني على فعلتي بل ولا زال الشيطان يذكرني بالفتاة وأحسست أن قلبي متيم بها جداً رغم بعد المسافة وانقطاع التواصل (رغم أنني حافظ للقرآن الكريم) وكلما أحاول التوبة أجد نفسي أمارة بالسوء بل إلى درجة يمكن أن أقع في الخطيئة مرة ثانية لو توفرت الفرصة والعياذ بالله فما هو الحل الأنجح أريد إرشادي لخطوات عملية وشروط التوبة معروفة ولكن أريد التوبة عن قناعة لا عن عجز أو عدم توفر فرصة للفاحشة رغم أنني متزوج ولي أولاد فهل يا ترى السبب في وقوعي في الفاحشة هو أنني غير مقتنع بزوجتي وهل الزواج بالأخرى يمكن أن يكون سببا في البعد عن الفاحشة أرجو الرد ولكم جزيل الشكر كما أتمنى طرح سؤالي على شخص يتفهم الحالة النفسية أريد إرشاد عملي لا وعظي فأنا أعرف جريمة الزنا وعقوبتها؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استشعارك لخطورة الأمر مؤشر خير، وبما أنك تحفظ القرآن الكريم وتعلم حرمة وعقوبة الزنى، فنرجو أن ينفعك الله بعلمك ويرزقك القوة على نفسك وشيطانك، ونوصيك ببعض الأمور لعلها تساعدك، فاحرص على الإكثار من مطالعة كتب التفسير وكتب الحديث والرقائق لتزداد علماً بخطورة الفواحش، وما توعد الله به الزناة من العقوبة حتى يتولد عندك الندم على ما سبق، فإن الندم عرفه أهل العلم بأنه توجع القلب وتحزنه لما فعل وتمنى كونه لم يفعله، والندم من أساسيات التوبة وهو علامة صدقها، ففي الحديث: الندم توبة. رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
ويضاف إلى هذا أن استشعار ما في خزائن الله من أنواع العقوبات والعذاب العظيم يكبح جماح النفوس عن الشهوات المباحة، فأحرى ما كان محرماً وسبباً لتلك العقوبات، ففي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. وأكثر كذلك من النظر والمطالعة في الحديث عن الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فطالع في صفات عظمته وجبروته وانتقامه، واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس وبخطرات نفوسهم حتى يتولد عندك من استشعار المراقبة ما يولد فيك الحياء من الله تعالى ومهابته وخشيته بالغيب، وأكثر سؤال الله أن يعفك ويعيذك من الشر ويعصمك من الفتن، وحافظ على الأذكار المقيدة والمطلقة فإنها تحميك من الشيطان، وبرمج لنفسك برنامجاً تشغل به وقتك وقلبك وطاقتك عن التفكر في الرذيلة، فاستشعر حاجة الأمة للعلماء في هذا بعد ما مات كثير من العلماء الأجلاء في هذه السنوات الأخيرة، فاشتغل بتعلم تفسير القرآن الذي حفظته وتدبر معانيه، وتعلم من السنة النبوية والسيرة بيان القرآن والحياة الذي تنزل فيها والتطبيق العملي لذلك الجيل المبارك الذين رباهم القرآن وعاشوه تلاوة وعملاً وخضوعاً لأحكامه وانقياداً لها، واشتغل بتعليم زوجك وأولادك واصحب من الأخيار من يساعدك ويعينك على البر والاستقامة، وتذكر دائماً نعمة الله عليك بالزواج فاستعف بزوجتك الحلال فإن معها مثل الذي مع تلك، ولكنه حلال، وفي استعماله أجر عظيم وثواب جزيل، وإذا إمكنك زواج تلك المرأة الثانية وتأكدت من كونها تابت إلى الله فهو أمر حسن، لأن الزواج هو الحل الأمثل للمتحابين، فاستخر الله في ذلك، واستشر أهلك في الزواج بها، ولا تطلع أحداً أبداً على ما وقع منك من ذنب، فإن اطلاع أي أحد على ذلك يعتبر معصية ثانية تنضاف إلى معصية الفاحشة، وإذا علمت منها صدق التوبة، وعلمت من نفسك القدرة على القيام بما أوجب الله من العدل والإنفاق فتزوج بها، ففي الحديث: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصحح إسناده الهيثمي والألباني.
هذا، ويمكن أن تراجع قسم الاستشارات بالشبكة ليرشدوك فيما يفيد حالتك النفسية. وراجع للمزيد من الخطوات العملية في الإقلاع عن الفاحشة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72497، 34932، 72509، 73902، 30425، 70674، 32928، 5874، 73937، 29464.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(9/4616)
العلاقة بين الدين والأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضراتكم تفسير معنى "ذات دين وخلق" وهل هناك تعارض بين الدين والخلق، وكذلك ما الفرق بين الخلق والأخلاق؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الدين والخلق، فالخلق جزء من الدين، وبقدر نقص الأخلاق ينقص الدين، وقد روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له.
فالأمانة وحفظ العهد من الأخلاق، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وبين الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدين بقوله: (من ترضون دينه) أراد أن يؤكد على جزء من الدين قد يكون مفقوداً أو ضعيفاً عند بعض المتدينين وهو الأخلاق، وهذا من أساليب العرب، فإنهم يذكرون الخاص بعد العام تنبيهاً وتأكيداً، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وغيره. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد يُسأل عن عمره، والعمر يشمل مراحل الحياة كلها ومنها الشباب، ثم قال: (وعن شبابه فيم أبلاه) فخص مرحلة الشباب بالذكر لتعظيم شأن هذه المرحلة العمرية لكونها زمن القوة والنشاط والعطاء.
وعليه فنقول: إن الدين يشمل الأخلاق، ويمكننا أن نقول الدين كله هو الأخلاق إن فهمنا الأخلاق بأنها عامة وشاملة لخلق العبد مع ربه، وخلقه مع نفسه، وخلقه مع الناس، وخلقه مع سائر المخلوقات، إذا فهمنا الأخلاق بهذا الاعتبار فيمكننا أن نقول إن الدين هو الأخلاق، وإن الأخلاق هي الدين، وأما إذا نظرنا إلى أن الخلق هو تصرف الإنسان مع الناس، فقد يكون الإنسان حسن الخلق مع الناس ولكنه شارب خمر، أو مفرطاً في صلاته ونحو ذلك، فيكون عنده ضعف في التدين، وقد يكون الإنسان محافظاً على الصلاة والفرائض وممتنعاً عن المحرمات ولكنه غليظ الطبع معجب بنفسه، فيكون في تدينه الفردي مقبولاً وفي تعامله مع الآخرين مرفوضاً، وقد بين صاحب تحفة الأحوذي هذا باختصار فقال: (إذا خطب إليكم) أي طلب منكم أن تزوجوه امرأة من أولادكم وأقاربكم (من ترضون) أي تستحسنون (دينه) أي ديانته (وخلقه) أي معاشرته. انتهى، ولا فرق بين الأخلاق والخلق، فإن الأخلاق جمع خلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(9/4617)
مقامات العمل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد مقامات للعمل في الإسلام، وهل توجد أمثلة للصحابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقامات في الإسلام ثلاثة هي: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، وهذه المقامات هي التي وردت في حديث جبريل المخرج في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد: أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت. قال: فعجبنا له، يسأل ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ... الحديث.
وقد أورد بعض أهل العلم أمثلة على هذه المقامات، يقول ابن القيم في شرح منازل السائرين: الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، فيجب على العبد أن يكون راضياً به بلا حرج ولا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض. قال الله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. فأقسم سبحانه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله، ويرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، ويسلموا لحكمه، وهذا حقيقة الرضا بحكمه، فالتحكيم في مقام الإسلام وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان.
وليس من شك في أن الصحابة -رضي الله عنهم- هم أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي فهم أشد الناس تمسكاً بالدين وأحرص الناس على التحلي بكل ما من شأنه أن يقرب إلى الله والبعد عن كل ما من شأنه أن يبعد عن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(9/4618)
ملك لا يساوي شربة وبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قصة تقول أن ملكا كان في صحراء فانقطع ماؤه، فلقي رجلا صالحا معه ماء، فقال له الملك أعطيك نصف ملكي مقابل شربة من الماء فأعطاه، ثم أراد الملك أن يبول فتعسَّر، فجاء إلى الرجل الصالح يطلب العلاج، فقال له الرجل الصالح أعالجك مقابل النصف الآخر من ملكك فرضي الملك، فقال له الرجل الصالح لا حاجة لي في ملك يعدل شربة ماء وبولة. ما حقيقة هذه القصة ومن أبطالها، أرجو تزويدي بالنص المعتمد إن وجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على قصة بهذا اللفظ، ولكن ورد في كتب التاريخ مثل تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الخلفاء للسيوطي ... ما يشبه ألفاظها ومعناها قالوا: دخل ابن السماك على الرشيد يوماً فبينما هو عنده إذ استسقى ماء، فأتى بقلة من ماء- وفي الإحياء: فقال لابن السماك عظني- فلما أهوى بالماء إلى فيه ليشربه قال له ابن السماك: على رسلك يا أمير المؤمنين أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت هذه الشربة فبكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب، هنأك الله، فلما شربها، قال له: أسالك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت خروجها من بدنك فبماذا كنت تشتريها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السماك: إن ملكاً قيمته شربة ماء وبولة لجدير ألا ينافس فيه! فبكى هارون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(9/4619)
الحرمان من الإنجاب.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يحيرني فأخي زوجته لا تنجب وأختي تأخذ دواء لا تستطيع التوقف لكي تنجب، وأنا أجهضت أكثر من مرة، فهل هذا والعياذ بالله دليل على عقاب أو سخط، وماذا علي فعله ليرزقنا الله الطفل؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنجاب رزق من الله، قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى:49-50} ، والرزق قد يحرم الله منه العبد بسبب ذنب أذنبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه وقال في الزوائد: إسناد حسن، وصححه السيوطي.
وقد يحرمه الله تعالى الرزق لحكمة أخرى كالابتلاء، فإن صبر وحمد الله تعالى نال الرفعة والأجر، وإن سخط كان له السخط، وقد بين الله تعالى في كتابه خطأ من ظن أن ضيق الرزق يعتبر إهانة في جميع الحالات، وأن سعة الرزق يعتبر إكراماً في جميع الحالات، وبين الله تعالى أنه قد يوسع على الكافر ويضيق على المؤمن، قال سبحانه وتعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ {الفجر:15-16-17} ، جاء في تفسير الجلالين ما نصه: (فأما الإنسان) الكافر (إذا ما ابتلاه) اختبره (ربه فأكرمه) بالمال وغيره (ونعمه فيقول ربي أكرمن) ، (وأما إذا ما ابتلاه) ربه (فقدر) ضيق (عليه رزقه فيقول ربي أهانن) . (كلا) ردع، أي ليس الإكرام بالغنى، والإهانة بالفقر، وإنما هو بالطاعة والمعصية، وكفار مكة لا ينتبهون لذلك. انتهى.
ويقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات: يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا (قدر عليه رزقه) أي: ضيقه، فصار يقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان: بقوله (كلا) أي: ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. انتهى.
وعليه؛ فعليكم أن تثقوا بالله تعالى وتقوموا بما أوجب عليكم، وتوجهوا إليه تعالى بالدعاء أن يمن عليكم بالذرية الصالحة، وانظري الفتوى رقم: 15268، وعليكم أيضاً أن تبذلوا الأسباب وتطلبوا العلاج، فإن رزقكم الله تعالى ذلك فالحمد لله على ما أعطى، وإن منعكم فالحمد لله على ما منع، وعليكم بالصبر، فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 56479.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(9/4620)
السعادة الحقيقية
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توصيل رسالتى إلى فضيلة الشيخ محمد جبريل وهذه أمانة، أقسم بالله العظيم أن ما أقوله هو الحقيقة بالأوراق والله على ما أقول شهيد كنت مسيحية والله منّ علي بالإسلام منذ 25 سنة بعد إسلامي بأربعة شهور تقريبا تزوجت من شخص لم أكن أعرفه من قبل حيث إنني من الصعيد واشهرت إسلامي فى الإسكندرية، وكان زوجي غير ملتزم وبعد 19 سنة زواج طلقني بسبب أيمان الطلاق وتركني وأولادي من غير مصاريف نهائيا كنت أعرف تجويد القرآن بفضل الله فخرجت أحفظ الناس القرآن بأجر منذ 5 سنوات، ولكنى تعبت من اللف فى الشوارع وطلوع السلالم حيث إن سني الآن 42 سنة دخلت معهد إعداد الدعاة لكي أعرف دينى وحفظت 10 أجزاء من القرآن الكريم والحمل ثقل علي لأن الحياة صعبة قوي علي، حيث إن أولادى فى مراحل التعليم المختلفةـ، فهل يريد الله أن يجعل مساعدتي على أيديكم لتأخذوا الأجر فى الدنيا والآخرة يارب حد يسمع شكوتي أريد أن أكمل تربية أولادى وأريد أن أتفرغ لديني، فهل من مجيب لشكواي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فندعوك -أيتها الأخت الكريمة- إلى حمد الله تعالى على ما منّ عليك به من الإسلام، وإنقاذك من ظلمات الكفر، وما يسره لك من حفظ للقرآن وتعليمه للناس، ففي الحديث الشريف: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري. ثم هوني على نفسك واعلمي أن الرزق بيد الله وحده، وأن الإنسان مهما سعى في طلب الرزق فلن يأتيه إلا ما كتبه الله له، ومهما حيل بينه وبين رزقه فإن رزقه آتيه كما يأتيه أجله، فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله. الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
ثم اعلمي أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضى، وعليك بدعاء الله في أوقات الإجابة، وخصوصا بالأدعية المأثورة، ومن ذلك ما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، ومن فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. وغير ذلك من الأدعية المأثورة التي تجدينها في كتب الأدعية والأذكار ومنها كتاب الأذكار للإمام النووي.
ثم إننا نعتذر لك عن توصيل رسالتك إلى فضيلة الشيخ المذكور في السؤال؛ فإنه لا صلة بيننا وبينه، ونسأل الله أن يعينك، ويرفع الضرر عنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(9/4621)
التفكير في المستقبل في ميزان الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التفكير في المستقبل والإعداد له ينافي الشريعة الإسلامية مثل الإعداد للدراسة أو الزواج أو الإعداد للسفر أم على الإنسان أن لا يفكر بهذه الأشياء في المستقبل كأن يقول سوف أتزوج فلانة بإذن الله وسوف كذا وكذا، وهل يعتبر هذا الشيء تجرؤا لأن كل شيء زائل ولا أحد يضمن شيئا، وهل إذا فكر بهذه الأشياء يعتبر نوعا من التنبؤ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتفكير في المستقبل والإعداد له وطلب الرزق والسفر من أجله والإعداد للدراسة والزواج.... لا يتنافى شيء منها مع الشريعة الإسلامية، بل قد يكون بعض هذه الأمور مأموراً به إذا كان من أجل إقامة واجب أو الابتعاد عن أمر محرم.
وإنما المنهي عنه هو أن يجعل المرء همه كله في الدنيا الفانية، صارفاً النظر عن الآخرة، كما أن النظر للمستقبل ووضع الخطط من أجله لا يعتبر تنبؤاً، ولكن على الناظر للمستقبل أن يعلم أن المستقبل المتمثل في الموت والقبر وما بعد ذلك أولى بالاهتمام والتخطيط من المستقبل الدنيوي. ولك أن تراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 93096.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(9/4622)
الحل في شغل القلب بحب الله وذكره ومطالعة سير الصالحين والعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أنا لا أقدر نسيان خطيبي الذي تركته من أكثر من سنة حتى الآن ولا أستطيع التفكير في غيره، مع العلم بأني أنا التي تركته لكثرة أفعاله المشينة وكذبه علي دائماً، وأنا أعرف أني لم آخذ غير نصيبي، ولكن لا أستطيع نسيانه فأجيبوني بسرعة حتى أعرف ماذا أفعل؟ آسفة للإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا ملأت قلبك بحب الله تعالى، واشتغلت بما ينفعك من علم نافع وعمل صالح، واجتهدت في تلاوة كتاب الله ومطالعة الكتب النافعة فإنك بإذن الله تعالى ستنسين هذا الرجل، ومما ننصحك بمطالعته مما لا يحتاج إلى من يشرحه لك ويبين لك معانيه كتب السيرة، وتراجم العلماء والصالحين، وتراجم الصحابيات والتابعيات فستجدين فيها متعة ودافعاً إلى الخير.
وقد قيل لأحد السلف ألا تجالسنا، فقال: لا حاجة لي في مجالستكم، فإني أجالس فلاناً وفلاناً، وذكر أسماء جماعة من الصحابة والتابعين، فقيل له: وكيف تجالسهم وقد ماتوا؟ فقال: أطالع سيرهم وأخبارهم. وجالسي الأخوات المؤمنات، فإن مجالستهن عون لك على الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(9/4623)
ما خامر العقل وخدر الجسم فهو حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[من يغضب الله عليه أكثر (شارب الخمر أم مدمن المخدرات) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخمر كل ما خامر العقل وغطاه، ولذلك فكل ما يغطي العقل ويخدر الجسم فهو حرام، وكل من يتناول الخمر أو يستعمل المخدرات بأي وسيلة فهو متعرض لغضب الله تعالى وعقابه، فلا اعتبار لاختلاف المسميات والمصطلحات، فالجميع كبيرة من أكبر الكبائر، وكلا الأمرين اعتداء على حدود الله وإفساد لنور العقل الذي شرف الله به الإنسان.
واحتقار بعض الذنوب والتهوين منها من أسباب الهلاك والبعد عن الله تعالى، وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى المعصية ولكن انظر إلى من عصيت. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، وإن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار. رواه مسلم. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 30686، والفتوى رقم: 1108، والفتوى رقم: 57174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1428(9/4624)
لا يحمل أحد إثم أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مطلق منذ سنتين ونصف وعندي3 بنات وأحب طليقتي وقد عادت منذ مدة طالبة العودة لي ولأطفالها المشكلة تكمن بأنها أصبحت بدون حجاب وبعقلية مختلفة عما كانت عليه، فهل إذا تزوجتها وهي على هذا الحال علي إثمها، مع العلم بأني أحاول أن أعيدها إلى الطريق القويم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمبدأ في الإسلام أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يحمل أحد إثم أحد: وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ {العنكبوت:12} ، لكن يتحمل الشخص من الإثم بقدر ما فرط فيما يجب عليه تجاه من هم تحت ولايته، مثل ما يتحمله الأب من إثم تجاه تفريطه في تربية ابنه، وعدم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ومثل ذلك يقال في الزوجة، فإذا ما قمت بما يجب عليك من نصحها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإلزامها بالحجاب ونحو ذلك فلا تتحمل شيئاً من إثمها، لكن لا ننصحك بالزواج بها إلا إذا تغير حالها والتزمت بحجابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(9/4625)
كف النفس عن هواها شأن العقلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه أبلغ من العمر 25 سنة وأحب شابا لدرجة جنونية وقد جاء لخطبتي 6 مرات، ولكن يكون الرفض من أهلي في كل مرة لأسباب لا يرضاها الدين ومنها أن والديه مطلقان وأنه سوري ونحن فلسطينون.. مع العلم لا يوجد سبب شرعي لرفضه.. وبقي الحال 5 سنوات.. وفي النهاية الشاب ارتبط بغيري لهدف إقامته بالدولة التي يعمل بها وإعطائه الجنسية وقد قرب عرسه.. ولكن أنا لم أستطع الارتباط أو حتى التفكير بغيره ولهذه اللحظة أشعر بأنني إذا ارتبطت بغيره سوف أظلمه معي ... ولي على هذا الحال سنة و3 أشهر ... وأنا بحاجة كبيرة للجنس.. فأقيم علاقة على الهاتف مع شاب وأمارس معه على الهاتف وأصل لما أنا بحاجته.. أعلم أنه خطأ كبير لكن أشعر أنه أخف من إقامة علاقة واقعية ... أريد أن أعرف ما الحكم الشرعي لما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها المسلمة أن الله تعالى منحك من فضله سمعاً وبصراً وعقلاً وقدرة، وأمرك بالاستقامة على شريعته، والاهتداء بتعاليم الوحي الشريف، والذي أعطاك هو القادر على سلب ما أعطى، قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ {الأنعام:46} ، والعاقل هو من يشكر الله على نعمه، ويخشى أشد الخشية من الوقوع في أي أمر يغضب الله تعالى، قال سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40-41} ، فكفي عما تفعلينه، وتوبي إلى الله تعالى، وأقلعي عن هذا الفعل الشنيع الذي تمارسينه، واعزمي عزيمة صادقة على أن تغلبي شهوتك، ولا تعودي لهذا الفعل بعد ذلك أبداً، واعلمي أن اللذات تنسى وتبقى الحسرات.
وما كان لأهلك أن يمنعوا من تقدم إليك إذا كان صاحب دين وخلق، بل على ولي المرأة أن يسعى في تزويجها، ويبحث لها عن الكفء الذي يحفظها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: يا علي: ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً. رواه الإمام أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: 74800.
وبما أن هذا الرجل قد ارتبط بغيرك فعليك أن تصرفي ذهنك عن التفكير فيه، وأكثري من دعاء الله تبارك وتعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وننصحك أختنا الكريمة بأن تفكري في الأمر تفكيراً متأنياً، ولا تجعلي العاطفة تعصف بحياتك، وتحيلها إلى حياة تعيسة بعيدة عن القيم والأخلاق والدين، وافترضي أن هذا الرجل قد مات فماذا كنت ستفعلين، هل ستظلين مشغولة البال به، فاتقي الله تعالى، واعلمي أن أمر النكاح بيد الله تعالى، وأن ما كتب لك ستنالينه، فلا حاجة إلى تعظيم القضية، وننصحك بقبول من تقدم لك إذا كان صاحب دين وخلق، وفقك الله لمرضاته، وصرف عنك السوء والفحشاء، وصانك من الذئاب البشرية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1428(9/4626)
التمسك بالدين واجب شرعي لا موضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أصبح التدين موضة هذا العصر ووسيلة لكسب القوت عند بعض المذيعات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول إن التدين هو التمسك بالدين والاستقامة عليه، وهو بهذا المعنى ليس موضة، بل هو واجب على كل أحد؛ لأن الله تعالى أمر عباده في كتابه بالاستقامة فقال: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ {فصلت: 6} وقال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {هود:112} وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين بالاستقامة فقال: قل آمنت بالله ثم استقم. رواه الترمذي. فلا يصح أن يعبر عن الاستقامة والتدين بأنه موضة العصر بل هو واجب شرعي، وإذا وجد من الناس أو المذيعات من التزمت الحجاب الشرعي، وبدأت في طريق الاستقامة فلا يجوز اتهامها بأنها تفعل ذلك لكسب القوت، بل هذا عمل تشكر عليه والواقع يدل على أن المذيعات يتخذن التبرج والسفور وسيلة لكسب القوت وليس الاستقامة، فاحذري أختي السائلة اتهام النيات والدخول فيها فإن النية محلها القلب، ولا يعلم ما في القلب إلا الله تعالى. وانظري للفائدة الفتوى رقم: 27242، حول حكم عمل المرأة كمذيعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(9/4627)
الشعور الدائم بأن المنغصات تقع بسبب الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العيش مع الإحساس الدائم أن كل ما يحدث لي من منغصات هو بسبب ذنوبي أمر طبيعي أم لا، وكيف يمكن التخلص من هذا الإحساس القاتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رجوع العبد باللائمة على نفسه كلما أصابته مصيبة واستشعاره دائماً أن ذلك بسبب ذنوبه مؤشر خير، لأن أسباب الابتلاء كثيرة وأعظمها خطرا الذنوب والمعاصي، فقد يبتلى أصحابها لعلهم يتوبون ويرجعون، كما قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} ، وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى:30} ، وقال تعالى في شأن أهل أحد رضي الله عنهم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ {آل عمران:165} .
فالإحساس بكون المنغصات في الحياة بسبب الذنوب ليس مما يحزن، والواجب أن يكثر العبد من الاستغفار دائماً ويحرص على الإكثار من الطاعات والتوبة دائماً كلما وقع منه تقصير في الطاعات أو اقتراف لبعض الذنوب، فبالإكثار من الاستغفار والعمل الصالح بعد المعاصي يثيب الله العبد بالرحمات، كما قال الله تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110} ، وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39} ، وعلى المؤمن كذلك أن يستشعر الوعود الطيبة التي وعد الله بها الطائعين المتقين في الدنيا والآخرة، وأن يتذكر أن أتعاب الدنيا قليلة ومنقطعة وأهم شيء فيها هو تحصيل رضوان الله حتى يسعد العبد في الدارين، وعليه أن يحذر من تشويش الشيطان وإيهامه بما يدعوه لليأس والقنوط من رحمة الله أو التضجر من قضائه وقدره، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44737، 52671، 33697، 76092، 39553، 37667.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(9/4628)
مدى تعلق الورع بالخروج من خلاف العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع هو أني مقبل على الزواج وقربت من الانتهاء من أكثر مستلزماته ولكني محتاج إلى بعض المال لقضاء القليل الباقي والتمتع بفترة زواجي الأولى أنا وزوجتي، شيخي الفاضل قرأت لفضيلتكم عن موضوع التورق ولكن ما أقلقني هو اختلاف العلماء فيه وخاصة أني قرأت أن ابن عباس له رأي فيه أنه محرم، فهل لا يعتد برأي ابن عباس بالنسبة لهذا، وهو من القرون الخيرية، وأيضا قرأت أن الرسول دعا للأمة ألا يجتمع علماؤها على ضلال، فهل إجماع العلماء على أن التورق كما قرأت لفضيلتكم يعتبر اباحة له، وقد سمعت فتوى لابن عثيمين أن ليس به شيء والتورع عنه أفضل، وهذه الكلمة هي ما يتعبني في أي أمر، فأنا في أمور الدين أحب اللجوء إلى ما ليس فيه أدنى ذرة شك وليس فيه شبهة، فأخاف جدا من أن أبدأ حياتي مع زوجتي بمال به شبهة حرام، وخاصة على اختلاف العلماء عليه بل إن التورق سوف يحل لي مشكلة كبيرة هي أني أريد أن أبدأ مشروعا خاصا بي ولا أجد المال فأردت أيضا أن أتورق وأبدأ مشروعي، فبكل صراحة خائف من الحرام وأخشى أن يكون خوفي هذا ليس خوف تورع لأن الأمر فيه حل من العماء، فأجمد حياتي بما يسر الله به علي خاصة وأنه سوف يحل مشاكل كثيرة لي فكلما سمعت أن التورع عنه أفضل وقفت، فما رأي فضيلكتم كابن لك، أرجوك أفيدوني كابنكم، وجزيت عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الورع من مراتب الدين التي ندب إليها الشرع، وحقيقة الورع ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وأصل الورع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. رواه البخاري ومسلم.
إذا تقرر ذلك فهل من الورع الخروج من خلاف العلماء، فإذا اختلفوا مثلا في فعل هل هو مباح أو حرام، فالورع الترك أم أن ذلك لا يعد ورعا، فالجواب أن من أهل العلم من ذهب إلى أن ذلك من الورع، ومنهم من ذهب إلى أنه ليس من الورع. جاء في كتاب أنوار البروق ما يلي: المسألة الأولى: اختلف الأصل (القرافي) وابن الشاط في أن الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان هل يعد من الورع أو لا يعد منه؟ فذهب الأصل إلى أنه يعد منه، وقال: فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أو حرام؟ فالورع الترك، أو هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب حتى يجزئ عن الواجب على المذهب، وإن اختلفوا فيه هل هو مندوب أو حرام؟ فالورع الترك، أو مكروه أو واجب فالورع الفعل حذرا من العقاب في ترك الواجب، وفعل المكروه لا يضره، وإن اختلفوا هل هو مشروع أم لا؟ فالورع الفعل، لأن القائل بالمشروعية مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي، والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات ... اهـ
وذهب الإمام ابن الشاط إلى أن الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان لا يعد من الورع. وقال: لا يصح ما قاله الشهاب لوجوه: الوجه الأول: أنه مبني على أن الورع في ذلك توقع العقاب وأي عقاب يتوقع في ذلك، أما على القول بتصويب أحد القولين أو الأقوال دون غيره فالإجماع منعقد على عدم تأثيم المخطئ وعدم تعيينه فلا يصح دخول الورع في خلاف العلماء على هذا الوجه. الوجه الثاني: أنه لا دليل على دخول الورع في ذلك غير ما يتوهم من توقع الإثم والعقاب، وذلك منتف بالدليل الإجماعي القطعي ... الوجه الرابع: أنه لم يحفظ التنبيه في ذلك عن واحد من أصحابه يعني الصحابة رضي الله عنهم، ولا غيرهم من السلف المتقدم. اهـ
وعلى كل فإن الخروج من اختلاف العلماء إذا قلنا به مندوب ليس بواجب قطعا، والمندوب يقابل المكروه، والكراهة تزول بأدنى حاجة.
وفي المسألة المعروضة يذكر الأخ السائل حاجته إلى التورق، فلا معنى إذاً للورع في هذه الصورة مع وجود الحاجة، لأن غاية أمره ما لو أخذ برأي المجيز بترك المعاملة المختلف في جوازها أنه أتى مكروها، وقد تقدم أن الكراهة تزول بأدنى حاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(9/4629)
النصيحة لمن يشعر بأنه أسير فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أخى العزيز بارك الله فيكم وأتمنى منكم الإجابة على هذا السؤال.. ولكم مني كل الشكر والتقدير.. أنا شاب أصوم وأصلى ولا أكذب ولا أحب المشاكل وأبلغ من العمر 35 عاما إلا أن لدي شعور منذ زمن بعيد بالمعصية والمعصية هنا الهم النساء دائما وأبداً أشعر بأني سوف يكون لدي صديقات وسوف يكون لي معهن قصص وقصص غرامية وطال هذا الحلم الثقيل وهذا يفسد علي توبتي أو استقامتي، علما بأني لست من صائدي النساء ولا أجيد هذا أبداً، فأنا أتمنى أن أجد الطريقة المثلى كي أتخلص من هذا الشعور حتى أخلص لله تعالى ويكون عملي نقيا من كل شائبة، أتمنى النصيحة منكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على طاعته والبعد عن معصيته ... وأما ما ننصحك به فهو تقوى الله تعالى في السر والعلانية، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. رواه البخاري ومسلم.
ومما يعينك على البعد من المعصية والتفكير بها هو استشعار مراقبة الله تعالى لك وأنه مطلع على سرك وعلانيتك ويعلم ما توسوس به نفسك ... كما ننصحك بما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم الشباب حيث قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
كما ننصحك بالمحافظة على حضور الدروس ومجالس أهل العلم وصحبة الصالحين، والبعد عن أهل الفساد وأماكنهم وغض النظر عما حرم الله تعالى.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في هذا الموضوع وعن التفكير وحديث النفس في الفتوى رقم: 36423، والفتوى رقم: 28477.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(9/4630)
الزاني لا يوصف بالعفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصبح الشخص غير عفيف إذا زنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يرتكب جريمة الزنا لا يمكن أن يوصف بالعفاف أو الطهر، ولكنه إذا تاب التوبة النصوح وعف عن المعاصي فإن الله تعالى يتوب عليه؛ لأن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، ومن تاب من الزنا توبة مستوفية الشروط وعف عن الوقوع فيه مع إمكانية حصوله عليه فإنه يسمى عفيفاً. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 43426، والفتوى رقم: 31455.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(9/4631)
الخسران الحقيقي هو خسران الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة ولم أعد في الفترة الأخيرة قادرة على أن أعيش حياتي المعتادة بل صرت أعاني من اكتئاب شديد في حالات كثيرة. وقد كان علي واجبات دراسية ظننت أنني أكملتها كلها، ثم تبين لي بعد أيام من تسليم الأوراق أنني تركت الإجابة على أسئلة مهمة جدا فيها، وأنا حزينة ولم أعهد ذلك في نفسي من قبل وأنا أحاول الصبر على هذه الشدة والاستمرار على الامتثال بأوامر الله بالصلاة والصوم وتلاوة القرآن ونحو ذلك. ولكني مكتئبة جدا ولا أستطيع النوم في الليل بل ولا أستطيع أن آكل في اليوم ثلاث مرات ولا أدري ماذا أفعل؟ وأنا في الحقيقة أحب ربي وأخشاه وأؤمن أنه لا ينبغي لي الكسل ولا اليأس مما حدث وقد قرأت الفتاوى المتعلقة بالشدة واليأس والرجاء ونحو ذلك فأرجو منكم أن تذكروا لي شيئا تنصحوني به للثبات على فعل ما هو صواب. وقد اقترب موعد اختبارات نهاية العام لكن عدم إنجازي واجباتي الدراسية مؤخرا يقلقني حتى صرت لا أستطيع التركيز في الموااد الدراسية الأخرى وأنا لا أنكر أنني قد ارتكبت ذنوبا في حياتي، فماذا أفعل حتى يبارك الله لي ويغفر لي ذنوبي ويعينني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن مفتاح السعادة في خزانة طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع الله وأطاع رسوله ففعل الفرائض واجتنب المحرمات فإنه يسعد في الدنيا فيذهب عنه القلق والاكتئاب، ويسعد في الآخرة قال الله تعالى:"فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون " (الأنعام الآية 48) وقال تعالى:" أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب " (الرعد الآية 28) .
فاحرصي على فعل الطاعات واحذري أشد الحذر من الذنوب كبيرها وصغيرها فإنها سبب كل قلق واكتئاب.
كما أنه لا ينبغي للمؤمن أن يعطي الدنيا أكثر من حجمها، فالحزن الشديد على فوات أمر من أمور الدنيا قد يكون علامة على تعلق القلب بها، فلا داعي للحزن الشديد والاكتئاب لأجل فوات الإجابة عن بعض الواجبات الدراسية وابذلي جهدك فيما يستقبلك من الدراسة والامتحان واعلمي أن الدنيا لا يدوم فيها نجاح ومن لم يتذوق طعم الفشل أحياناً لم يعرف قيمة النجاح وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم:" حق على الله أن لا يرتفع شيء لا وضعه " رواه البخاري. فينبغي للمسلم أن يحرص على ما ينفعه ومع ذلك ليوطن نفسه على أنه قد يصيبه الفشل وليعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الخسران الحقيقي هو خسران الآخرة والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1428(9/4632)
الصبر وعدم الالتفات للتهم الباطلة
[السُّؤَالُ]
ـ[حاولت كثيرا أن أقنع أسرتي وأهلي بأهمية التمسك بالكتاب والسنة، حيث إنهم في أغلب الأحيان يتبعون العادات والتقاليد التي لم يرد لها ذكر في الكتاب والسنة، ولكني عندما أقول لهم ذلك يتهمونني بالضلال فماذا أفعل؟ لقد اعتنقت الإسلام وأحمد الله عزوجل على أن هداني إلى الطريق المستقيم، فتيسر لي الالتزام بديني لأنال رضا ربي عزوجل، وقد حاولت أن أترك زوجي لأنه لا يصلي، لكنه الآن بدأ يصلي، وإن لم يترك الذنوب الأخرى مثل القمار والغيبة ولا حتى الاستهزاء بي بقوله لي إنه لا فائدة من صلاتي إن لم أكن مطيعة له، ولكن كيف لا أعصيه وهو لم يكن في يوم من الأيام مدافعا عني أو منفقا علي؟ وهذا هو سر غضبي الشديد عليه. فماذا أفعل؟ أنا في أمس الحاجة إلى إجابتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نوصي الأخت السائلة بالصبر والاستمساك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والاستقامة عليهما، ولا تلتفت لاتهام أهلها لها بالضلال، فقد اتهم المشركون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتهم الرسل من قبله بمثل ذلك وأشد وقد قال الله تعالى لنبيه:" فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" فاصبري على الاستقامة واستمري في دعوة أهلك بالحكمة والموعظة الحسنة لعل الله تعالى يهديهم بك واجعلي نصب عينيك قول الله تبارك وتعالى:" {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين} [فصلت: 33)
وأما ما ذكر عن الزوج من أنه يقامر ويغتاب فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى فالقمار كبيرة من كبائر الذنوب والغيبة كذلك وأمرهما خطير، ولتبذل الأخت السائلة جهدها في نصحه برفق وحكمة ولتستعن على ذلك بالكتب والأشرطة الإسلامية، وكذلك بأهل الخير والصلاح من الأسرة أو الجيران والأقرباء. ولتكثر من الدعاء فإن الدعاء باب عظيم يغفل عنه كثير من الناس مع أن الله تعالى قال في كتابه:" ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " (غافر:60)
وأما قول الزوج لا فائدة من الصلاة ما لم تطع زوجها، فلا شك أن طاعة الزوج في المعروف واجبة ولكن لا يصح أن يقال ما فائدة الصلاة لأن الصلاة عنوان الإيمان الصادق وعمود الدين وهي الفارق بين الكفر والإيمان والصادق والكاذب والإخلال بها أشد وأطم من الإخلال بطاعة الزوج.
وما ذكرته أيضا ًأنه لا ينفق عليها فهذا ذنب آخر أيضاً لأن نفقة الزوج على زوجته واجبة بالكتاب والسنة والإجماع فإذا لم ينفق الزوج على زوجته فللزوجة الحق في الأخذ من ماله بغير إذنه بقدر ما يكفيها وأولادها فإن لم تستطع فلها أن ترفع الأمر للقضاء الشرعي ليجبره على النفقة فإن لم تتمكن فلها فسخ النكاح. ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1428(9/4633)
إطلاق البصر من أسباب فساد الدين والدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أسرة إسلام ويب ... جزاكم الله كل خير، مشكلتي أن خطيبتي فقدت الثقه فى بعد أن شعرت نحوي بأني لا أغض البصر، ولكنى ملتزم بالصلاة وأعلم أن ما أفعله خطأ وأنوي التوبة إلى الله وأدعو الله أن يعجله بزواجي، فأرجو أن تساعدوني في أن أقضي فترة الخطوبة على خير ومن غير معصية (فكيف أستطيع خلال هذه الفترة أن أفهم شخصية خطيبتي وما هو نوع الحوار الذي يمكن أن نتبادله وكيف أستطيع أن أرغبها في خلال هذه الفترة وأعيد الثقة بيننا مرة أخرى، علما بأنها أصغر مني10سنوات وهي من أقاربي) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل وفقك الله لما يحبه ويرضاه، ورزقك الله برد اليقين، وطمأنينة الإيمان، وملأ قلبك بمحبته، وصرف عنك السوء والفحشاء، أن إطلاق العنان للنظر باب من أبواب فساد الدين والدنيا، وسبب من أسباب الحسرات والآلام، ومتى استمرأت النفس هذا المرض عسر عليها فراقه، وصعب عليها الفطام عنه، فإن النظرة تولد الخاطر، والخاطر يولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع، ولذا فإن العقلاء يدركون أن الصبر على غض الطرف أيسر من الصبر على ألم ما بعده، قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والعبد ما دام ذاعين يقلبها * في أعين الغيد موقوف على خطر
يسر ناظره ما ضر خاطره * لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
واعلم أخي الكريم أن لغض البصر فوائد جمة، يجتهد العقلاء في تحصيلها، ومن ذلك:
أولاً: تخليص القلب من الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فأضر شيء على القلب إرسال البصر، فإنه يريه ما لا سبيل إلى وصوله ولا صبر له عنه، وذلك غاية الألم.
ثانياً: أن غض الطرف يورث القلب نوراً وإشراقاً، يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورث ظلمة وكآبة.
ثالثاً: أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته، فإذا استنار القلب صحت الفراسة، قال شجاع الكرماني رحمه الله تعالى: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات وأكل من الحلال، لم تخطئ فراسته.
رابعاً: أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشف له بسرعة، ونفذ من بعضها إلى بعض، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم، وانسد عليه باب العلم وأحجم.
خامساً: أن غض البصر يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.
سادساً: أن غض البصر يورث القلب سروراً وفرحة أعظم من الالتذاذ بالنظر، فإنه لما كف لذته وحبس شهوته لله تعالى وفيهما مضرة نفسه الأمارة بالسوء عوضه الله سبحانه مسرة ولذة أكمل منهما.
سابعاً: أن غض البصر يخلص القلب من أسر الشهوة، فلا أسر أشد من أسر الشهوة والهوى، فإن أسير الشهوة كعصفورة في كف طفل يسومها سوء العذاب والطفل يلهو ويلعب، وفوائد غض البصر كثيرة وفيما ذكرنا كفاية، ومتى أطلق البصر حدث له من العقوبات ضد ما ذكرنا من الفوائد.
فاجتهد أخي الكريم في غض بصرك، واعلم أن الله تعالى مطلع عليك يكره منك هذا الفعل، فلا تجعل ربك أهون الناظرين إليك، فتب وأصدق في توبتك، واجتنب مواطن التبرج والسفور، واحذر من كيد عدوك الشيطان الرجيم، ولا بأس أن تخبر خطيبتك بتوبتك، ولكن ينبغي أن تعلم أيضاً أن خطيبتك أجنبية عنك، فلا يجوز لك النظر إليها ولا الخلوة بها ولا الحديث معها إلا عند الحاجة، ومتى رأت خطيبتك أنك قد طبقت غض البصر معها فلعل ذلك يكون مما يغير نظرتها إليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(9/4634)
التوبة وعدم القنوط من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسرفت في حق الناس وحق الله واستحللت مالا ليس بمالي وحين أردت العودة إلي الله بإعطاء كل ذي حق حقه كل الأمور ضدي لم تتيسر بل ازددت دينا، سؤالي هو: أنا أشعر بأن الله لا يقبل توبتي ولا يريدني من أهل الجنة لأني كل ما أحاول أن أصلح غلطي يفتح لي أشياء تجعلني لا أستطيع أن أصلح غلطي، والآن أشعر بيأس شديد ولا أعرف ماذا أفعل، حزين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يقبل التوبة ممن تاب إليه مخلصاً مستجمعاً شرائط التوبة، فقد قال سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، ومن شروط التوبة الصادقة رد الحقوق إلى أصحابها، لما في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الإمام أحمد.
وفي الحديث: من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
وننصحك بالاستعانة بالله في أداء الحقوق حتى تقضي جميع ما عليك، وإياك والقنوط والملل من الدعاء، ففي الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. رواه مسلم. وراجع في أدعية قضاء الدين وفي شروط التوبة والتحلل من المظالم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74572، 68104، 70322، 71377، 73937، 48858.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(9/4635)
الحب في الله وحشر المرء يوم القيامة مع من أحب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الحب في الله؟ وكيف يحشر المرء مع من أحب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحبة في الله تعالى تكون بأن يحب الشخص لكونه مستقيماً على طاعته لله تعالى، مبتعداً عن معاصيه، وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان معنى المحبة في الله وفي بيان ثمراتها، فانظري في ذلك الفتوى رقم: 64315، والفتوى رقم: 36991.
وأما قول السائلة (كيف يحشر المرء مع من أحب) فإن كان المقصود من سؤالها المعنى فالمعنى هو أن الله تعالى يحشره يوم القيامة بعد البعث والنشور مع من أحبه في مكان واحدٍ، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: أي يحشر مع محبوبه ويكون رفيقاً لمطلوبه، قال الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. انتهى، وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(9/4636)
الجد والعزم على المواصلة في طريق الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[أستحلفكم بالله أن تساعدوني فأنا محبة لله عز وجل، ولكن أحس أني مقصرة دائما في حقه أصلي فأحس أن صلاتي غير كافية أدرس فأحس أن دراستي للتفوق فقط، وليس أدعو الله كثيراً ليساعدني فيرحمني ويساعدني، ولكن لم أؤد حقه لا أقوم الليل، ولكن أصلي الفجر حاضراً فأحس أنني مقصرة أرتدي الحجاب، ولكن لا ارتدي الجلباب، فهل هذا يعد نفاقا لا أصل إلى خير الدنيا فقط، بربكم ساعدوني بسرعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بما أعطاك الله تعالى من محبته، والقيام بالصلوات المفروضة والتستر، ونفيدك أن شعورك بالتقصير، ورغبتك في إخلاص العمل، وخوفك من عدم القبول، وحبك للقيام بالنوافل وفي الحجاب الكامل أمر محمود، فينبغي أن تجدي وتقوي عزمك على المواصلة في طريق الهداية حتى تقومي بجميع الطاعات الواجبة وغيرها.
وينبغي أن تنوي في دراستك تعلم ما ينفعك وينفع أمتك، وأن تستشعري أنك تقومين بهذا الواجب لخدمة الأمة لا للتفوق فقط، وواصلي الدعاء وسؤال الله الهداية للقيام بالطاعات كلها، عملاً بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً {البقرة:208} ، وأكثري من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وراجعي في وسائل تقوية الإيمان وأسباب استجابة الدعاء وفي موضوع الحجاب الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74264، 6745، 75178، 60745، 44737، 47200، 52671، 59502، 75359، 20825.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1428(9/4637)
كفارة من قبل امرأة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من قبل امرأة أجنبية عنه، فهل طبيعة ونية القبلة تحدد الحكم الشرعي، وهل عليه الزواج من تلك الفتاة ليكفر عن ذنبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقبلة ونحوها من الذنوب والمعاصي التي يجب تجنبها والابتعاد عن أسبابها والإكثار من الاستغفار وفعل الحسنات بعد حصولها لأنها تكفر السيئات، وليس لها حد شرعي أو عقوبة مقدرة، فقد أخرج الشيخان رضي الله عنهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. قال الرجل: ألي هذه؟ قال: لمن عمل بها من أمتي. وفي رواية لمسلم أنه قال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه وتلا عليه هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة، قال: بل للناس كافة.
فهذا هو كفارة ذلك الفعل، ولا يختلف حكمها باختلاف النية فهي معصية نويت أم لم تنو، لكن ربما يزداد الإثم والقبح إذا كانت هنالك جرأة من الفاعل على انتهاك حرمات الله ونحو ذلك، وربما خف الإثم إذا كانت للرحمة والشفقة، فالمعصية قد يصحبها من الذل والانكسار ما يخففها، وقد يصحبها من الجرأة ما يعظم وزرها وهكذا، وأما هل يجب الزواج من المرأة تكفيراً عن الخطيئة؟ فلا يجب ذلك؛ وإنما يجب الستر عليها وعلى نفسك، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27276، 47011، 17321.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1428(9/4638)
عقوبة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، نعطيهم على أساس الدين، وهم لا يعترفون بنا، فما هو جزاؤهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكل الأموال بالباطل حرام، وفاعله معرض للوعيد الشديد الوارد في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا {سورة النساء: 29-30} . وقوله صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يوفي الذي عليه، أخذ من سيئات صاحبه ثم طرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله.
وفي مسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان. وراجع الفتوى رقم: 24580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(9/4639)
المصائب والبلايا بين رفعة الدرجات والعقوبات
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف الإنسان أن ما يصيبه من بلاء عقاب من الله جل جلاله أم حب منه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث: إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه. وهل يدخل في هذا البلاء الإنقاص من بعض العبادات كقيام الليل حيث لم أعد أستطيع النهوض وأكتفي بصلاة ركعتين وأسأل الله أن يرزقنا قيام الليل، فأفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثرة المصائب والبلايا والمنغصات التي تصيب الإنسان لها حالتان:
الأولى: أن تصيب المسلم المستقيم على دينه الصابر على بلاء ربه، فهو امتحان واختبار لتكفير ذنبه ورفعة درجته، وليست دليلاً على غضب الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه. رواه البخاري وأحمد.
وإن الله تعالى إذا أحب عبداً ابتلاه حتى يلقاه نقياً من ذنوبه، فيدخله جنته ودار كرامته حيث لا نصب ولا وصب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة. رواه الترمذي وأحمد بإسناد حسن.
الثانية: أن تصيب المسلم العاصي البعيد عن الدين وتعاليمه المتسخط على أقداره، فهي عقوبات وتنبيهات يعذبه الله بها في الدنيا قبل الآخرة، كما قال الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21} ، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون َ {الروم:41} .
ومن العقوبات التي تنزل بالمسلم أن يقصر في العبادات والطاعات التي اعتاد فعلها بغير عذر، وهي عقوبة حرمان الكمال والترقي في درجات الصالحين، وليس عقوبة يعاقب عليه ما لم تكن الطاعات التي تركها واجبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(9/4640)
كيفية الإنابة إلى الله لمن ابتعد عن الطريق السوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة، أني أعيش مرحلة صعبة في حياتي فلم أعد أصلي ولم أعد أقرأ القرآن ولم أعد أذكر الله، لقد تغيرت كثيراً ولا أعرف لماذا، فأرجوكم ساعدوني لأرجع الشخص الذي يصلي ويصدق ويقوم الليل ويذكر الله ليلاً نهارا إن شاء الله؟ وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع الجميل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما قلت إنك صرت عليه من ترك الصلاة والابتعاد عن قراءة القرآن وعن ذكر الله ... يعتبر بحق توغلا خطيراً في الانحراف والابتعاد عن الدين، وخصوصاً إذا كنت من قبل مصلياً ومصدقاً وقواماً لليل وذكاراً الله ليل نهار.. إن هذا التغير في السيرة والانتكاس عن الاستقامة يغلب أن يكون سببه مصاحبة رفقاء السوء، فلرفقاء السوء آثار كبيرة على شخصيات رفقائهم، ولك أن تراجع في هذا وفي الخطوات المعينة على تجنب رفقاء السوء الفتوى رقم: 9163.
ثم اعلم أنك قد بلغت سن التكليف، وأن الله تعالى قد كلف الحفظة بكتابة كل ما يصدر منك، قال الله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الانفطار:10-11-12} ، ثم اعلم أنك إذا تبت إلى الله وعدت إلى استقامتك، فإن الله تعالى قد يجعل لك خاتمة حسنة، يبدل سيئاتك حسنات، قال الله تعالى في شأن التائبين بعد الإسراف في الذنوب: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
وفي حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة. متفق عليه. ومنها حديث ابن مسعود في الصحيحين: فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار.
وندعوك أخيراً إلى مراجعة هذه الفتوى المتعلقة بترك الصلاة، ورقمها: 6061، ونسأل الله أن يهدينا وإياك ويأخذ بنواصينا جميعاً إلى اتباع شرعه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(9/4641)
نصائح لزوج ابتلي بحب النساء وإطلاق البصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة, متزوج ولي من الأبناء اثنان والحمد لله،
أنا شاب من البحرين ومشكلتي هي رغبتي في النساء, وكما هو معروف أحوال بلدنا فهي ممتلئة بفتن النساء حتى في العمل حيث إن عملي فيه اختلاط (أعمل في إدارة حكومية) , وبدأت أنقطع عن الذهاب إلى السوق مع زوجتي من كثرة وجود النساء وعدم قدرتي على غض البصر مع أني متدين من قبل أن أتزوج، ولكن مشكلتي هي أولاً: رغبتي في النساء, وقد فكرت أن أتزوج بأخرى، ولكن ظروفي لا تسمح في الوقت الحالي إذ أنا أدرس بالجامعة وأسكن بشقة والراتب والحمد لله يكفيني أنا وزوجتي فقط, ومن جهة أخرى زوجتي ضد فكرة التعدد وهي متشددة بهذه المسألة, فلا أعلم ماذا أفعل فرغبة النساء بدأت تؤثر حتى في تديني من حيث إني عدت أمارس العادة السرية للأسف الشديد، فأرجو التوجيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها الأخ الحبيب أن النوازع البشرية مما لا ينفك عنها أحد إلا بأن يوجد ما يغلبها ويقهرها، ونحن نذكر لك أموراً إن قدرتها شغلتك عن ما يشغلك:
أولاً: اعلم أن الله مطلع عليك، ناظر إليك، يعلم سرك ونجواك، وقد أمرك فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، فإذا أردت زكاة النفس، وطهارة القلب فلا تدخل على قلبك ما يشغلك عن أمر الله تعالى ويدفعك إلى المحرمات.
ثانياً: اشغل لسانك بالذكر، وقلبك بالفكر، وجوارحك بالطاعات، فإن الذكر يخرجك من الموت إلى الحياة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقوك: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت.
وإن الفكر يخرجك من الغفلة إلى الحضور، فتستشعر رقابة الله عليك، والغفلة تخرج من المراقبة إلى دهاليز الشقاء، ولذا نهى الله تعالى عن طاعة الغافلين: فقال سبحانه وتعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} ، وإن عمل الجوارح يُمَرِّسها على فعل الخيرات، وترك المنكرات، حتى قال الشاعر:
تعود بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبضٍ لم تُجبْه أَنامِلُه
ثالثاً: طالع سير الصحابة الأبرار والتابعين الأخيار، ومواقف الصالحين، وكيف كان جهادهم لأنفسهم، وكيف قهروا نزوات النفوس، وخضعت جباههم للملك القدوس، فإن في قصصهم عبرة، وفي كلماتهم خبرة، عاشوا للمبادئ، وبذلوا الأموال والأرواح في سبيل نصرة دينهم، وحماية هوية أمتهم، فشغلهم ذلك عن المطعم والمتاع والشهوة.
رابعاً: أكثر من الصيام، فإنه نعم اللجام، وقد أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من عجز عن الزواج بالصوم، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.
خامساً: إذا تمكنت من الزواج مالاً وبدناً، وغلب على ظنك أنه العلاج لمرضك فلا تتأخر عن تناوله.
سادساً: نذكرك بأن هادم اللذات ومفرق الجماعات سيحل بساحتك دون ميعاد، فكن أخي على استعداد، لا تغتر بشهوة تذهب لذتها وتبقى حسرتها، فأقبل على ما ينفعك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(9/4642)
الحكمة من ابتلاء الصغار
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى:"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممّن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير.
تفسير: قل فلم يعذبكم بذنوبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وفي الآخرة بالنار أياما معدودة بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهم كفر والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عليهم ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما كلها سواء في كونه خلقا وملكا وإليه المصير فيجازيكم كلا بما كسب
قال فلم يعذبكم بذنوبكم في الدنيا
السؤال: هذا معناه أن الله يعذبهم بسبب ذنوبهم فيوجد بعض المولودين يكون الله قد عذبهم عن طريق مرض معين أو عاهة مستديمة كأن يكون أعمى أو مقطوعة إحدى رجليه أو ساقيه منذ الولادة ماذا عمل ليستحق هذا المصير هل هو أذنب وإذا كان هذا بلاء فهل على الطفل الصغير أن يصبر على هذا البلاء حيث إنه غير مكلف بعد وعموما قد أوضحت الآيه أن العذاب دائما يكون بسبب الذنوب.
فأرجو التوضيح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك في خطورة الذنوب وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات، فكم أهلك الله بسببها المجتمعات، وكم ينتظر المشركين ومن لم يغفر الله لهم من العصاة في الآخرة من أنواع النكال والعذاب، فقد أخبر الله عن قو م ثمود وعاد وقوم نوح وفرعون وغيرهم أنهم هلكوا بسبب الذنوب.
قال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ {الأنعام:6} وقال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ {الأنفال:54} وقال: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) {غافر:21} وقال تعالى: وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ {العنكبوت:38} وقال تعالى في شأن ثمود وقوم شعيب: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {الأعراف:78}
فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الذنوب من أسباب العذاب، ولكن ليس فيها ما يدل على أن الابتلاء لا يكون إلا بالذنوب، فقد يبتلى بعض الناس لحكم أخرى منها: رفعة درجاتهم وزيادة حسناتهم، ويدل لهذا ما في الحديث: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. رواه الترمذي وصححه الألباني. وفي الحديث: إ ن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم.. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فما ناله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البلاء والحصار في الشعب قبل الهجرة ليس بسبب الذنوب، وولادة الولد أعمى أو معاقا ليس بسبب الذنوب لأنه لم يقع منه ذنب وليس مكلفا، وإنما هو ابتلاء قد يرفعه الله تعالى به ويكرم والديه وذويه إذا صبروا على البلاء، فكم من شخص ولد أعمى وأكرمه الله بكثير من الميزات في الدنيا مع ما أعده له في الآخرة، فهذا قتادة بن دعامة السدوسي الشافعي إمام المفسرين والمحدثين ولد أعمى وأكرمه الله بوافر النعم، فقد ذكر العيني في شرح البخاري أنه أجمع على جلالته وحفظه وتوثيقه وإتقانه وفضله، وذكر الذهبي في التذكرة أن المغيرة بن مقسم وعلي بن زيد بن جدعان وحفص بن عمر وأبو العباس الرازي ولدوا عميانا وأكرمهم الله بالذكاء والحفظ والعلم، وقد ذكر أهل الأدب والتاريخ أن بشار بن برد الشاعر ولد أعمى. قال ابن كثير في البداية: ولد أعمى، وقال الشعر وهو دون عشر سنين، وله التشبيهات التي لم يهتد إليها البصراء، وقد أثنى عليه الأصمعي والجاحظ وأبو تمام وأبو عبيدة.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية والخطيب في تاريخ بغداد أن الحسن بن علي بن ثابت المقري ولد أعمى، وكان يحضر مجلس ابن الأنباري فيحفظ ما يقول وما يمليه كله. وذكر أنه نظم قصيدة في القراءات السبع، وكانت تعجب بعض العلماء.
وبناء على ما تقدم يُعلم أن ابتلاء الصغار ليس بسبب الذنوب، ويشرع لهم الصبر على البلاء، ولكنه ليس واجبا عليهم. وقد بسطنا الكلام على الموضوع في عدة فتاوى سابقة، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 68299، 25874، 27048، 73815، 75670، 76048، 52762، 75084، 70392، 31887.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1428(9/4643)
من قال دعاء الاستغفار ولم يتب
[السُّؤَالُ]
ـ[يدعو المسلم بهذا الدعاء أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه.
فهل عندما يدعو بها هكذا إذا لم يتب تكتب عليه سيئة وعليه أن يدعو اللهم اغفر لي وتب علي؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء الذي ذكرته في سؤالك دعاء شرعي، ففي سنن أبي داود عن بلال بن يسار قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فارا من الزحف.
ومن قاله ثم لم يتب مما يعمله من المعاصي فإنه لا يكون عاصيا بقوله لهذا الدعاء، ولكن التوبة واجبة كما في الفتوى رقم: 22721، والفتوى رقم: 20811، ومن لم يتب من ذنوبه فهو آثم سواء دعا بهذا الدعاء أو لم يدع به. وأما حديث: إذا قال العبد: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم عاد، ثم قالها، ثم عاد، ثم قالها، ثم عاد، ثم قالها، ثم عاد ثم قالها كتبه الله في الرابعة من الكاذبين. فهو ضعيف جدا، قال الشوكاني رحمه الله: في إسناده الفضل بن عيسى كذاب.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(9/4644)
بكاء النبي وصحابته من خشية الله
[السُّؤَالُ]
ـ[البكاء من خشيه الله شيء جميل جداً، ومن بكى من خشية الله أظله الله في ظله، فأريد نماذج عن الرسول وصحابته في البكاء من خشية الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان كثير البكاء من خشية الله تعالى، ومن أمثلة ذلك ما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي، قلت: يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا. قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وفي سنن النسائي وغيره عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي. وصححه الشيخ الألباني، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 47174.
وبالنسبة للصحابة رضوان الله تعالى عنهم فلهم في ذلك مواقف كثيرة لا يتسع المقام لتتبعها، فلذا نقتصر على نماذج منها:
عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم إن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين. متفق عليه واللفظ للبخاري.
وفي المصنف لابن أبي شيبة: عن أبي رجاء قال: كان هذا المكان من ابن عباس مجرى الدموع مثل الشراك البالي من الدموع.
- عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
- عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: كان عمر إذا صلى أخرج الناس من المسجد فأخذ إلينا، فلما رأى أصحابه ألقى الدرة وجلس فقال: ادعوا، فدعوا، قال: فجعل يدعو ويدعو حتى انتهت الدعوة إلي، فدعوت وأنا مملوك، فرأيته دعا وبكى بكاء ولا تبكيه الثكلى فقلت في نفسي: هذا الذي تقولون: إنه غليظ.
- عن عبد الله بن شداد أنه قال: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ.
- عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ. فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.
- عن شقيق بن سلمة قال: دخلنا على خباب نعوده فقال: في هذا التابوت ثمانون ألف ما شددتها بخيط ولا منعتها من سائل، فقالوا: علام تبكي؟ قال: مضى أصحابي ولم تنقصهم الدنيا شيئاً، وبقينا حتى ما نجد لها موضعاً إلا التراب.
- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت عبد الله بن عمرو وهو يبكي، فنظرت إليه فقال: أتعجب أبكي من خشية الله، فإن لم تبكوا حتى يقول أحدكم: ايه، ايه، إن هذا القمر ليبكي من خشية الله تعالى. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(9/4645)
هل يعاقب من توفي عن ابنة غير محجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفي خالي وكانت له بنت غير محجبة فهل يعاقب عليها وهل يمكن أن يدخل النار وهو كان مصليا ولا يقطع فرضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم خالكم ونرجو أن تترحموا عليه وتكثروا من الاستغفار له والتصدق، ونفيدكم أنه إن كان لم يقصر في تعليم البنت ونهيها عن المنكر فنرجو أن لا يصله أي سوء بسببها، وأما إن كان لم يقم بواجب تربيتها على الدين ونصحها وتعليمها ووقايتها من النار فإن أمره إلى الله، فقد يعفو عنه وقد يجازيه على ما يستحق، وقد تكاثر حسناته سيئاته فتغلبها، إلا أنا ننبه إلى أن من مات قد أفضى إلى ما قدم، فليكن هم الأحياء رحمته والدعاء والاستغفار له والتصدق والحج عنه إن تيسر، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 80949، 70105، 73465، 71658، 67114، 58740، 68992، 67401، 50942، 49195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(9/4646)
الموازنة بين أمور الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[فأنا أعمل في دائرة حكومية ودوامي من الساعة 8 إلى 3 وخلال هذه الفترة يصعب علي ذكر الله وتعلم العلم الشرعي لمخالطة الناس وكثرة المشاغل، فبماذا تنصحونني حتى لا أكون مذنبا وأكون على الطريق الحق، وهل أترك هذا العمل لأن الدوام فيه طويل وأبحث عن غيره، وهل يمكن والحالة هذه أن أكون من طلاب العلم مع العلم بأن طلب العلم يحتاج إلى وقت وتفرغ، فبماذا تنصحونني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 78581، والفتوى رقم: 51180. أن العلم الشرعي منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، ولا يأثم المسلم إلا إذا ترك تعلم ما يجب عليه تعلمه، وأما العلم المستحب فلا يكون مذنباً إذا فرط في تعلمه، وإن كان قد فاته خير كثير، لا شك أن الجمع بين تعلم العلم وكثرة مخالطة الناس والانشغال بالعمل والوظيفة ليس سهلا، ومع ذلك فلا ينبغي للمسلم أن يستغرق وقته كله في أمور الدنيا على حساب ما يتعلق بالآخرة.
بل ينبغي أن يوازن بين ذلك فعند ما يجد فرصة للتعلم انتهزها، وعندما يجد فرصة للاستغفار والحمد وسائر ذكر الله تعالى انتهزها أيضاً، ولو أثناء العمل لأن ذلك لا يكلفه شيئاً، وعليه أن ينتبه للصلاة في وقتها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 37188، لترى فيها نصيحتنا لمن هو في مثل حالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1428(9/4647)
الفرح رجاء الثواب من علامات الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة أيام كنت أشاهد برنامج الشيخ محمد حسين يعقوب وقال آية من كتاب الله تعالى وهي بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ... صدق الله العظيم، وبعد عدة لحظات ذهبت لأصلي صلاة العشاء بالمسجد وفي الركعة الثانية صلى بنا الإمام بنفس الآية بعد عدة آيات فخفت أن أكون مقصوداً بتلك الآيات فأسألكم بالذي لا إله إلا هو أن ترشدوني إلى ما يجب علي أن أفعل إن كنت فعلا مقصوداً بالآيات لأنني أخاف الله سبحانه وتعالى، مع العلم بأنني حديث عهد بتوبة وأحاول قدر المستطاع أن أصلح نفسي بفعل الخير واجتناب كبائر الذنوب، ولا أظن وربي أعلم بنفسي مني أنني أحب أن أحمد بما لم أفعل وإذا تقربت إلى ربي بعمل صالح كصيام مثلا فإنني أخفيه عن الآخرين حتى أنني أكذب إن سألني أحدهم في الصباح هل أفطرت أجيبه أجل فعلت حتى لا أخبره بأنني صائم وكذلك لا أحب أن يراني أحد وأنا أتصدق بصدقة ولو يسيرة جدا؟ وجزاكم الله خيراً، وجعلكم صالحين مصلحين مهتدين وهداني وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تخوف العبد من آيات الوعيد أمر محمود شرعاً، والقرآن يحكم على جميع الناس، فعلى كل عبد أن يعرض نفسه عليه ويتخوف مما فيه من الوعيد، ويرجو حصول ما جاء فيه من الوعود الطيبة، فيواظب على الطاعات ويتوب من التقصير والمعاصي.
وأما فرح العبد حين يذكر في القرآن الترغيب في بعض الأعمال التي يعلم من نفسه أنه كان يفعلها سابقاً فيفرح رجاء الثواب فغير مذموم ولا يدل على الرياء بل إنه من علامات الإيمان، كما يدل له الحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي وصححه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: من سرته حسنته لكونه راجياً ثوابها موقنا بنفعها ... وراجع للمزيد من التفصيل حول الأمر ولمنع الكذب في إخفاء الطاعات والترغيب في ستر العمل الذي لم يؤمر العبد بإظهاره، انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 45448، 56410، 41236، 80550، 65194، 67184، 59673، 71417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1428(9/4648)
التائب العاجز عن رد الحقوق لأصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأعزاء من المعروف ان شروط قبول التوبة هي الإقلاع عن المعصية والندم على تلك المعصية والتصميم على عدم العودة للمعصية ورد الحقوق لأصحابها. حسنا فإذا توفرت الشروط الثلاث الأولى ولم يتوفر لمن يرغب في التوبة المقدرة على رد الحقوق خاصة اذا كانت حقوقا مادية وصمم أصحاب هذه الحقوق على أن تردها لهم فورا أو تدخل السجن وأنا لدي النية في ردها فما العمل أفيدوني وأغيثوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالعزم على التوبة، وننبهك إلى أن أصحاب الحقوق يجب أن تعطي لهم حقوقهم إن لم يسامحوا فيها، لما في الحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد والترمذي، وقال حسن صحيح.
وإذا كنت الآن غير قادر على رد الحقوق لأصحابها فإنها تبقى في ذمتك إلى أن يتيسر عليك ردها، وعلى أصحاب الحقوق أن ينظروك إلى حين الميسرة، لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}
وعلى السلطات التي تسجنك أن تتفهم الأمر، فإن تحققت من إعسارك أقنعت أصحاب الحقوق بوجوب النظرة، وسلمتك من السجن إن شاء الله.
هذا، وننصحك بالاستعانة بالله وسؤاله أن يقضي دينك ويسلمك مما تخاف، ومن وسائل الاستجابة صدق التوبة وطيب المأكل والمشرب والملبس، والدعاء بالأدعية المأثورة في الدَّين، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 75727، 70045، 33345، 47763.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(9/4649)
إصلاح الزوج هدف كبير وطريق طويل
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنني أصبحت من التائبات منذ مدة قصيرة، أقوم بجميع واجباتي كمسلمة وأحاول أن أصلح جميع أسرتي، وقد نجحت في نهي زوجي عن شرب الخمر وهذا الأمر أسعدني جداً فهو أصبح يصلي منذ أشهر، لكنه لا يريد قراءة القرآن ولا مشاهدة الدروس الدينية ولا الصلاة بالمسجد في جميع الأوقات، فهو لا يريد تطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، من ناحية أخرى ومنذ أن أصبح لا يشرب الخمر، اعتاد أن يذهب إلى القهوة لملاقاة أصدقائه ولعب الورق (بدون أجر) وقد كنت أعترض دائما على هذا وأدعوه للصلاة في وقتها والتقرب من الله لكن يقول لي إنه يصلي فقط ولا يريد أن يتعمق في الدين، والمشكلة أنه كذب علي أخيراً وقال لي إنه يشتغل متأخرا في حين أنه كان بصحبة أصدقائه بالقهوة للعب الورق، وحين غضبت وقلت له إنه لا يجب أن يكذب علي وهذا حرام، قال لي إنه كذب لكي لا أغضب عليه، لقد انفعلت وقلت له إنه كذاب وإن حياته معي أحسبها كذبا في كذب ... مع العلم بأن زوجي يحبني كثيرا ويحاول دائما إرضائي وأحيانا أحس أنه يصلي ليرضيني فقط لا ليرضي الخالق سبحانه، فهو حين يغضب علي أصبح لا يصلي. إني محتارة جدا، وأريد إيجاد حل لإصلاحه، أعينوني من فضلكم أنا أحب زوجي كثيرا ولا أريد فراقه، أجيبوني من فضلم فقد بعثت إليكم رسائل من قبل ولم تجيبوني، فأرجو الإجابة سريعة فإنني في حاجة أكيدة لذلك؟ شكرا جزيلا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما رسائلك السابقة فلعلها لم تصلنا لأنه ليس من عادتنا إهمال رسائل مراسلينا، وفيما يخص رسالتك هذه فإننا نهنئك أولاً بما ذكرته من توبتك والقيام بجميع واجباتك كمسلمة، ومحاولتك إصلاح جميع أسرتك، كما نهنئك بنجاحك في إقناع زوجك بترك شرب الخمر، وبكونه أصبح يصلي منذ أشهر.
وأما رفضه لقراءة القرآن ومشاهدة الدروس الدينية والصلاة في المسجد في جميع الأوقات ... وامتناعه من تطبيق كامل لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.. واعتياده الذهاب إلى القهوة لملاقاة أصدقائه ولعب الورق، وقوله إنه لا يريد أن يتعمق في الدين ... وما ذكرته عنه من الكذب، وشعورك بأنه إنما يقوم بالصلاة إرضاء لك لا ليرضي الخالق سبحانه، بدليل أنه حين يغضب عليك يصبح لا يصلي ... نقول: إنه ليس من شك في أن هذه أخطاء كبيرة جداً، ولكنا نطمع أن يهتدي زوجك، لأن ما ذكرته عنه يفيد أنه كان في مستوى من الفسق بعيد جداً، وليس من السهل أن ينسجم في لحظة واحدة ويطبق جميع التعاليم الدينية.
فننصحك -إذاً- بمواصلة دعوته وتوجيهه، وبالدعاء له بالهداية، واغتنمي أوقات صحوه وتوجهه إليك، وتجنبي الإلحاح عليه أوقات غضبه وصدوده عنك، واعلمي أنك إن وفقك الله لجره إلى الاستقامة، فإن لك في ذلك خيراً كثيراً، فقد جاء في الحديث الشريف: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه، فلا تنسي أن الهدف كبير والطريق طويل، ونسأل الله أن يعينك ويكلل سعيك بالنجاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(9/4650)
تخويف الشيطان للإنسان وكيفية التحصن منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوسوس الشيطان للإنسان بالخوف لكي ينسيه ذكر الله، علما بأن الخوف يكون من أشياء غريبة مثل قلة النوم أو الإصابة بمرض نفسي وعند الاتجاه لله أكثر تنتهي هذه الهواجس وكيف أتجنبها، علما بأن مداخل الشيطان الأخرى لم تفلح معي مثل التشكيك بالله أو التقصير فى الصدقات والحمد لله أتنبه إليها وأزيد فيها أو الغضب من الناس وهل قوة التمسك بالله وحرماته تزيد من غضب الشيطان فتقويه على الإنسان أكثر، وهل لي ثواب فى المجاهدة هذه وهل أستطيع أن أتجنبها نهائياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيطان عدو للإنسان، وحريص على إغوائه بشتى الوسائل، ويغضب عليه كلما تمسك بالطاعات، وقد ذكر بعض من يتكلمون على أمور السحر وعلاجه، أن من الأنواع التي يعملها الشياطين للإنسان موضوع الخوف فيخوفونه من كل شيء حتى يترك الطاعات والذهاب للمساجد، كما يستخدم غير ذلك من الوسائل للصد عن ذكر الله تعالى، فأي وسيلة تمكنه من الإنسان يستخدمها لينسيه ذكر الله، كما قال الله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ {المجادلة:19} .
وعلاج الأمر بالتمسك بطاعة الله تعالى، والاستعاذة به، ومجاهدة الشيطان كلما حاول النيل منه، وله في ذلك أجر عظيم. وراجعي في بعض الوسائل التي تحصن من شره الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33860، 64558، 72511، 58076، 74342، 54744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(9/4651)
الالتزام بالطاعات ونصيحة الأهل بالحكمة والموعظة الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبلغ من العمر 22 عاما المشكلة لدي أني دائم الخلاف مع أسرتي، فلدي اثنتان من البنات أخواتي 20 و28 و3 إخوان رجال 26،18،15 وأبي وأمي، فأنا في خصام مع أختي الصغرى منذ 6 سنوات، بسبب حبها للأغاني والموضة مع أنها محجبة وتركها للصلاة تماما، وصديقاتها البنات، فى قمة التبرج، وبدون حجاب، فرأت أنها بخصامها لي قد استراحت من كلامي لها، بالرغم من محاولاتي التصالح معها وبدون فائدة، وأختى الكبرى تخرج كثيراً من البيت وأنا لا أعلم إلى أين تذهب فهي لا تفعل شيئا خطأ، ولكن احتراما لرجولتي، وأنها دائما تسعى لأن تسوء العلاقة بيني وبين والدتي، وهكذا مع بقية إخوتي فى خصام دائم أو على فترات، فالبيت عندنا لا يسمع فيه القرآن إلا إذا أنا شغلت الأشرطة، وأبى لا يصلي ويسب الدين كثيراً وأمي فى قمة الإهمال فى شؤون البيت أي أسرة مفككة فماذا أفعل فأنا كلما اجتهدت فى العبادة قلت أنت من أهل النار بسبب علاقتك السيئة مع أهلك وعصبيتي مع أمي تجعلني أتهم نفسي بالعقوق وبسبب هذا الشعور أقصر فى العبادة وأكون دائما فى صراع مع نفسي مما تسبب لي فى فشل دراسي ذريع بعد تفوقي المبهر الآن تركت كلية العلوم بعد 5 سنوات وحولت إلى دراسة التجارة، هذه مشكلة حياتي فماذا أفعل حيال هذا بحكم الشرع؟ وجزاكم الله عني الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتك على طريق الحق ويعينك على القيام بالواجب ... وننصحك بالمحافظة على عبادتك وأداء فرائضك وما استطعت من النوافل وأعمال الخير فذلك رأس مالك ورصيدك لما بعد هذه الحياة وزادك في طريق الدعوة والعون لك على صبر وتحمل ما تلاقيه من إعراض الأهل ومشاكل الحياة، كما ننصحك بعدم اليأس من اهتداء أهلك وعدم قبولهم لنصحك.
وأكثر من الدعاء لهم في صلاتك وخارجها فلعل الله تعالى يهديهم ويصلح حالهم على يديك، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. فإذا أديت واجبك والنصح لأهلك بالحكمة والموعظة الحسنة وبالترغيب فيما عند الله تعالى من الثواب للمطيع وبالترهيب فيما أعد للعصاة من العذاب فقد أديت الذي عليك وأنت من المأجورين عند الله تعالى إن شاء الله، ولا يضرك بعد ذلك انحراف الأهل وعدم قبولهم الحق، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56} ، فالهداية بيد الله تعالى، وعلينا النصح والإرشاد والدعوة بالحكمة، ولتحذر من الغلظة والفظاظة ... فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.. وللمزيد من والتفصيل نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 77733، والفتوى رقم: 11705، والفتوى رقم: 9867، والفتوى رقم: 28313.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(9/4652)
نية فعل المعصية والتوبة بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك خطأ في أن ينوي الإنسان المعصية والتوبة من بعدها فوراً، وهل يعتبر هذا معصية أو كبيرة، فأفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا نوى الإنسان المعصية ولم يعملها ولم يباشر أسبابها ولم يصمم العزم على فعلها فإنا نرجو أن لا يأثم لمجرد تلك النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ... ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه. رواه أحمد وإسناده صحيح على شرط الشيخين، كما قال شعيب الأرناؤوط.
وانظر في ذلك الفتوى رقم: 27493 في بيان مدى مسؤولية الإنسان عن العزم والهاجس والخواطر، وتكمن خطورة ما ذكره الأخ السائل فيما لو نوى الإنسان فعل المعصية والتوبة بعدها في أنه ربما يفعل المعصية ويأتيه الأجل قبل التوبة، بل ربما يأتيه الأجل وهو مباشر لتلك المعصية والعياذ بالله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالخواتيم. رواه البخاري.
فمن ختم له بمعصية فقد شقي والعياذ بالله، ثم إنه لو عاش لربما لا يوفق للتوبة عقاباً له على معصيته، فعلى العبد أن يتقي الله سبحانه وتعالى ويحذر خطوات الشيطان التي يستدرجه بها إلى المعصية فيزين له المعصية ويمنيه بالتوبة بعدها، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:168-169} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(9/4653)
لا سور خاصة في القرآن لجلب الرزق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السور القرآنية التي أفتحها صباحاً في محل العمل والتي فيها فائدة للرزق وتبعد الحسد والعين عن محل التجارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس في القرآن سور خاصة لجلب الرزق، لكن القرآن كله خير وبركة، فللمسلم أن يقرأ ما يشاء من القرآن، وليتق الله تعالى، ويتسبب في طلب الرزق الحلال بالطرق الشرعية، فإن هذا من أسباب جلب الرزق، وللوقاية من العين تنبغي المواظبة على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين مساءً وصباحاً وعند النوم ثلاث مرات، ولا بأس بقراءة هذه السور في الدكان أيضاً.
ولبيان أسباب الوقاية من الحسد وأسباب جلب الرزق يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24972، 27373، 28652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(9/4654)
الصبر على العقم والرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أين العدالة....
من الأمور التي تعين الشخص على مواصلة حياته بشكل سليم هو حس العدالة ... ومع غياب العدالة فإن الوضع يصبح سيئا جدا ... خاصة إذا ظن المرء خيرا بمصدر العدالة فإذ به يجد الحرمان.... حلمت دوما بابن أو ابنة احملهم بين يدي.. أربيهم على عبادة الله وطلب العلم قبل الزواج ... سلكت طريق الالتزام ... أداوم على الصلاة جماعة ... أسبق المؤذن دوما عند صلاة الفجر ... حفظت القرآن الكريم ... درست علم الحديث ... لا تفوتني صلاة الليل ... نصف راتبي يذهب إلى الجمعيات الخيرية وأتجه دوما إلى جمعية مختلفة ما إن يبدأ الموظفون يلفتون النظر إلي خوفا من الرياء ... لا أتوقف عن الدعاء ... أصل الرحم ... أعتمر كل شهر ولم يكتب لي الحج.... تزوجت وشرطي الوحيد أن تكون الزوجة ملتزمة.... انتظرت سنة كاملة بعد الزواج ... لم يحصل إنجاب ... قمت بالفحص فإذا بي أعاني من أعلى درجات العقم ... ويخبرني الطبيب بكل برود أن أنسى الإنجاب لأن حالتي مستعصية جدا.... لماذا أنا.... ماذا فعلت.... لم أزن يوما ... لم آكل هللة ربا.... دوما أحفظ لساني.... لم أوذ أحدا.... خيري يسبق دوما ... أصل الرحم ولا أنقطع عن المسجد.... أقرأ في الجرائد ... ابن شارون متهم باختلاس وتلاعب.... لم أنظر للأمر أنه قضية فساد ... أو استغلال للسلطة ... لكني أحاول فهم السبب الذي جعل المجرم الغني عن التعريف ينعم بما حرمت منه.... أقرأ عن من باع ابنته لكي يشتري حقنة مخدرات.... عجبا ... مدمن مخدرات ينعم بالأبوة وأنا محروم منها.... والأمثلة كثيرة.... بحثت وبحثت وسألت ... أريد أن أعرف لماذا أنا محروم من الأبوة وقد كنت أدعو كل ليلة أن يرزقني الله الذرية الصالحة ... ما ذنب زوجتي التي فجعت بالخبر ... عاداتنا تحرمها من طلب الطلاق ... فهي محرومة من الأمومة ... وها هي تقترب من سن اليأس.... بكيت ودعوت سنينا عديدة ... وها أنا ذا محروم.... أردت تربية يتيم أو يتيمة منذ سنين فإذا بدار رعاية الأيتام تضعني على قائمة الانتظار الطويلة بحجة عدم وجود أيتام في الدار التي ذهبت إليها ... وحسب النظام لا أستطيع الطلب في منطقة غير منطقتي من أجل أن يستطيع الموظفون تفقد حال اليتيم بشكل دوري..... عجبا عجبا ... حرمت من الإنجاب ... وحرمت من رعاية اليتيم.... اقتربت من الخمسين ... وزوجتي ستصل سن اليأس قريبا.... أريد إجابة ... لماذا لا أجد أي إجابة شافية....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بالاشتغال بدراسة العلم الشرعي، والحفاظ على الصلاة والقيام بأعمال الخير، ونسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يتقبل منك، وأن يثبتك على الحق ويوفقك للمزيد من فعل أوامره واجتناب نواهيه، والرضى بقدره وأن يفرج عنك، وأن يسهل أمرك، وأن يصلح حالك، إنه سميع مجيب.
ثم إنا نربأ بك وأنت في هذا المستوى المعرفي والتعبدي أن تتهم ربك، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك وعلمك ما لم تكن تعلم.
ففكر في نفسك وانظر هل حرمك الله من شيء هو لك وأعطاه لغيرك، أم أن الكون كله ملك لله يفعل فيه ما يشاء فيخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما.
أما درست أن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، أنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وهو عدل حكيم رحيم بالبشرية، وقد دبر أمورهم بحكمة بالغة وعدل، وقسم بينهم أرزاقهم، وله أن يأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما شاء، وأن يختار لهم ما شاء، ويعطيهم ما شاء ويمنعهم مما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده حكيم في تدبيره لأمور خلقه، ويجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} . كما قال أحدهم:
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
ومع هذا فأحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن الظلم، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {فصلت:46} ، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {الكهف:49} ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {يوسف:6} ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ {البقرة:143} ،
واعلم أن الله يبتلي عباده بالمنع كما يبتليهم بالعطاء، هل يشكرون أم لا وهل يصبرون أم لا، كما قال الله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الأعراف:168} ، وقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وقال جل من قائل: فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-16} .
أي ما كل من وسعت عليه أكرمته ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء والضراء، فمن رزق الشكر والصبر فقد رزق الخير كله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
فعليك أخي أن تحسن الظن بالله وترضى بقضائه وتسعى في إصلاح علاقتك به، وننصحك بكثرة تذكر نعم الله وشكرها فإن ذلك سبب المزيد والفلاح، قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69} ، وقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7} .
وداوم على اللجوء إلى الله وسؤاله أن يذهب عنك داء العقم، ولا تقنط بسبب قول الأطباء: إن مرضك قد لا يكون قابلا للعلاج، فقد أذهبه الله عن زوج إبراهيم، وعن امرأة زكريا، وكانت كل منهما في ذلك الوقت عجوزا عقيما وكان زوجها شيخا كبيرا.
فزكريا عليه السلام، لم يمنعه كبر سنه ووهن عظمه، وعقر امرأته من أن يتوجه إلى ربه قائلا: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا {مريم:4}
فاستجاب له ربه قائلا: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم:7] .
وأخبر تعالى عنه في سورة آل عمران أنه قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى (آل عمران: 38- 39) .
وقال تعالى في سورة الأنبياء: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:89-90] .
فواظب على الدعاء ساعات الإجابة، وادع بالاسم الأعظم ولا تعجل ولا تقنط، بل ثق بوعد الله بالاستجابة، فقد قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء.
وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
والدعاء آخر الليل مظنة للإجابة لما في الحديث: ينزل ربنا سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يسألني فأعطيه ومن يستغفر لي فأغفر له. متفق عليه.
وبقدر حسن ظن العبد بالله يعامله الله، كما في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني. ولبيان أسباب إجابة الدعاء راجع في ذلك الفتوى رقم: 11571، الفتوى رقم: 71758.
وعليك بالاكثار من الاستغفار، لإخبار الحق عز وجل أنه سبب كبير لتحصيل المال والولد فقال سبحانه حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ {نوح: 10-12} .
ومن أعظم الأسباب للشفاء من جميع الأسقام بما فيها العقم قراءة القرآن والرقية به، لأنه شفاء، كما قال ربنا: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} .
وانظر الفتوى رقم: 19900، ولا بأس بقراءة القرآن في الماء ثم الاستحمام به طلبا للشفاء.
هذا ويشرع مع الإكثار من الاستغفار والدعاء، بذل ما تيسر من الأسباب المادية بطلب العلاج ومقابلة واستشارة أهل الاختصاص من الأطباء الآخرين سوى هذا الطبيب الذي قنطك. فإن الله تعالى جعل لكل داء دواء، فقد ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل.
وقد ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتداوي؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونؤكد الوصية بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة كثيرا للعمرة والحج إن تيسر لك، وأكثر من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62318، والفتوى رقم: 34521.
ثم إنا نلفت نظرك إلى أن تصرف الله في جعل هذا عقيما وهذا ولودا لا يخلو من حكم، فقد قال الله تعالى: للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49-50] .
فتأمل هذا التذييل الذي ختم به -سبحانه الآية- في قوله: إنه عليم قدير أي أن هبة الذكور أو هبة الإناث أو المنع من ذلك، كل ذلك تابع لعلمه -سبحانه- وقدرته، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقا مهملا عريا عن الحكمة، لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات، فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. اهـ
فمن عرف أن ربه خالق السماوات والأرض، ومالكها والمتصرف فيها، يعطي لمن يشاء ويمنع عمن يشاء فيرزق من يشاء ذرية إناثا وذكورا ويهب من يشاء ذكورا فقط أو إناثا فقط، ويمنع ذلك عمن يشاء فيجعله عقيما بلا نسل، وأن كل ذلك تابع لعلمه وحكمته، اطمأن قلبه بقضاء الله وقدره وفوض أمره له ورضي بما يختار له مولاه سبحانه، فقد قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
وقال جل وعلا: لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ {النور:11} .
وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين عند كلامه على الرضى: أن منع الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء وابتلاءه إياه عافية، قال سفيان الثورى: منعه عطاء وذلك: أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم وإنما نظر فى خير عبده المؤمن فمنعه اختيارا وحسن نظر.
وهذا كما قال فإنه سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له ساءه ذلك القضاء أو سره فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء وإن كان في صورة المنع ونعمة وإن كانت في صورة محنة وبلاؤه وعافيته وإن كان في صورة بلية ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل وكان ملائما لطبعه ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى وكان في حال القلة أعظم شكرا من حال الكثرة وهذه كانت حال السلف ...
فالراضي: هو الذي يعد نعم الله عليه فيما يكرهه أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه كما قال بعض العارفين: يا ابن آدم نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحب، وقد قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ {البقرة: 216} وقد قال بعض العارفين: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك ولا أمرضك إلا ليشفيك ولا أماتك إلا ليحييك فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه. اهـ
ثم اعلم أن كثيرا ممن ظاهرهم منعمون هم في الحقيقة مستدرجون بنعم الله وهم لا يشعرون، فلو فكرت في نفسك لعلمت أنك في عافية إذا راقبت المبتلين من حولك ممن فقدوا صحتهم أو بعض أعضائهم أو عقولهم أو عائلهم الوحيد، وإن أعظم الناس بلاء هم الذين استلب إيمانهم ونقص في الله يقينهم فالمؤمن الحقيقي فائز بالظفر بوعد الله بفلاح الدارين، وشارون وغيره من الكفار مبتلون ومصابون بأخطر البلاء ومحرومون من أعظم نعمة وهي نعمة الدين الذي ينال به فلاح الدارين، وراجع في توضيح وأدلة ذلك الفتوى رقم: 76268، والفتوى رقم: 47005.
وأما ما يظهر لبعض الناس من فوز الكفار بالسعادة فإنما هو من الاستدراج، ففي الحديث: إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام: 44} . رواه أحمد والبيهقي في الشعب، والطبراني في الكبير وصححه الألباني.
هذا ويشرع لزوجك أن تطلب الطلاق إذا كانت ترغب في الولد ويجوز لك أن تتكرم عليها بالطلاق كما يجوز أن تشترط عليها أن تفتدي منك وراجع الفتوى رقم: 49015.
فالإنجاب من أهم مقاصد النكاح لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالنكاح بالمكاثرة كما في الحديث: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه العراقي والألباني.
ثم انه يشرع لك الزواج بغيرها ويحسن إخبارها بموضوعك فإن الأحاديث طافحة بالأوامر بالزواج وبيان فائدته في تحصين الإنسان وإكمال دينه وإعفافه، إضافة إلى فائدة التناسل، ومن ذلك حديث الصحيحين: من استطاع منكم الباءة فليتزوج.... وحديث الحاكم: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه.
وقد ذكر الفقهاء أن النكاح يندب للراغب فيه إذا كان لا يرجو النسل، وقد ذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد أحب للعقيم أن يبين أمره للزوجة.
وبناء عليه.. فيشرع أن تتزوج توقيا للفتن واتباعا للسنة وتحصينا لنفسك ولزوجك، فيمكن أن تكفل أرملة ذات أيتام، ويمكن أن تكفل أيما لم تعد في سن الإنجاب، أو تجد زوجة عقيما تحتاج لمثلك، ويمكن أن تتزوج امرأة صغيرة في سن الإنجاب وتخبرها بما ذكر الأطباء، كما قال الإمام أحمد حتى لا تكون غاشا لها ثم تتضرعان إلى الله بالدعاء، وهو قادر على أن يعطيكما كما أعطى زكريا ولدا من امرأة عاقر فاستغرب وقال: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ {آل عمران:40} .
فأجابه الله: كذلك الله يفعل ما يشاء.
وأما كفالة اليتامى فمرغب فيها، ففي الحديث: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة. رواه مسلم.
وفي الحديث: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك. أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
ويمكن أن تستعين بمن تثق فيه وتوكله على إيصال النفقة لليتيم في منطقة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1428(9/4655)
عاقبة الظالمين وأجر من صبر على ظلم أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على موقعكم وأطلب منكم أن تكتبوا في المقالات شيئا عن من يظلم أخاه عمداً ومتجبرا عليه بأن لا حول ولا قوة له ويظلمه فقط بأنه وجده فقط صابرا ومتسمحا ويتخذ الحديث من أحبه الله سلط عليه من يظلمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظلم من أقبح المعاصي وأشدها عقوبة ... يقول الله عز وجل: أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {هود:18} ، ويقول الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {إبراهيم:42-43} ، وإن من فضل الله تعالى على عباده أن حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، فقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ... ويقول أيضاً: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ. متفق عليه. ويقول أيضاً: واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام ثم يقول الله جلا جلاله: لأنصرنك ولو بعد حين. كما ثبت في أحاديث في الصحيحين والمسند وغير ذلك، ونصوص الوحي من القرآن والسنة مليئة بالوعيد الشديد للظالمين.
ولذلك فإن على هذا الأخ أن يتقي الله تعالى ويكف عن الظلم، وليعلم أن الظلم من الأخ ومن الكبير والمسؤول ... يكون أشد تحريما وأعظم قبحاً، لأن المفروض فيه أن يحافظ على أخيه ويحفظه من مكروه ويرعاه ومن كل ضرر، فإذا صدر الظلم من الكبير للصغير ومن القوي للضعيف ومن الأخ لأخيه ... كان ذلك أعظم جرماً وأشد عقوبة، وقديما قيل:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * على الحر من وقع الحسام المهند
وليتذكر هذا الأخ الذي يصبر على أذى أخيه الأكبر وظلمه له ماله من الخير الكثير والثواب الجزيل إذا احتسب ذلك عند الله تعالى فقد قال سبحانه وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما تقول، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. وأما الحديث الذي ذكره السائل فلم نقف عليه فيما اطلعنا عليه من المراجع، ولكن جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(9/4656)
ما يفعل الأخ ليحول دون ممارسة أخيه السرقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يقوم بسرقة أمي وأبي مثلا / مال وأواني..ملابس يقوم ببيعها. فمن فضلكم ما واجب الأبوين اتجاه ابنهم وهذا الابن عمره 18.5سنة وكان يقوم بهذه السرقة من 9 سنوات....وأنا أخوه عمري 13سنة ... وشكرا على تفهمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك على أخيك وعليك -إذا كنت قادرا على النصيحة- أن تقوم بنصح أخيك وتبين له أن ما يفعله لا يجوز، فإذا لم تكن قادرا فيمكن أن تستعين بأحد الأقارب ممن يعرف بالخير والصلاح أو توعز لإمام مسجدكم ليتناول موضوع السرقة في خطبه ودروسه، فإن قبل النصيحة واستجاب للموعظة وتاب إلى الله ورد ما يمكنه رده من هذه المسروقات ولو بطريقة غير مباشرة وحرص على ذلك، فالحمد لله، وإلا فأعلم والديك ليقوما بواجبهما في تأديبه وإصلاحه فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ. {التحريم: 6} قال علي في تفسير هذه الآية: علموهم وأدبوهم. رواه الطبري في التفسير والبيهقي في الشعب. وراجع لمعرفة المزيد حول ما يجب على الوالدين تجاه أبنائهما الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30148، 8610، 55386، 18158.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(9/4657)
لا تنافي بين البلاء والحياة الطيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: كيف يمكن أن أوفق بين قوله تعالى "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بلاء الله للمؤمنين أمر مهم لهم لا ينافي إسعاد الله لهم ولا يعارض تكريمه إياهم بأنواع التكريم، فالبلاء يكون سبباً لتكفير السيئات ورفع الدرجات، وأهل الإيمان يظلون مرتاحين صابرين، ويسعون في رفعه بالصبر والدعاء والاستقامة على الطاعات، والأمثلة على كونهم ظلوا في سعادة وارتياح بال وطمأنينة مهما كانت الابتلاءات كثيرة،
فمن ذلك ابتلاء إبراهيم عليه السلام بالإلقاء في النار لم يجعله يفزع أو يفر من قومه، وكذلك ابتلاء أيوب عليه السلام وبلال وأصحاب الأخدود وغيرهم، وكان شيخ الإسلام رحمه الله يقول وهو في السجن: ما يفعل أعدائي بي، أنا جنتي في صدري، إن قتلي شهادة، وطردي سياحة، وسجني خلوة ... وقال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف. وراجع في تعريف الحياة الطيبة ومعرفة أسباب تحصيلها وأسباب كشف البلاء الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47005، 52762، 64831، 76048، 27048، 68749، 48446، 41347، 69742، 35046، 31768، 29172، 76048.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/4658)
وسائل استجلاب فرج الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل في ما أمر به من ابتلاء واختبار وامتحانات الله لي، إني صابر، لكن حياتي معطلة تعطيلا فظيعا يكاد يقتل قلبي ويقتلني ولن أكذب أرتكب بعض المعاصي فعلاً وأنسى أني ملتح وأنسى أنه من المفترض أني شاب يراه الناس متدينا وملتزما، أريد أن أفهم هل يأتي فرج الله قريبا وهل أنجو من الحياة الصعبة هذه وكيف أنجو أنا شبه مدمر، فأرجوكم أفيدوني كيف التغيير، مع العلم بأني أثق أن التغيير يأتي من الله قولوا لي كيف أستعطف قلب الله علي، هذا هو سؤالي أرجوكم أجيبوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان واختبار ... كما قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2} ، وعلى العبد أن يرضى بذلك ويشكر في السراء ويصبر في الضراء، ولتعلم -أخي السائل- أن من أسباب البلايا والرزايا والقلق ... ارتكاب المعاصي وعدم الرضى بقضاء الله تعالى وقدره، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30} .
ولذلك فإن عليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى والإخلاص في العمل والتخلص من كل مخالفة شرعية، وأقبل على ربك في الثلث الأخير من الليل، وسله العافية والشفاء والرحمة، وتذكر قوله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح:6} ، واعلم أن الفرج مع الصبر والالتجاء إلى الله، فبالاستقامة الحقيقية والتوجه إلى الله تعالى يأتي الفرج، ونسأل الله أن يشفيك ويعافيك ويفرج عنك.. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 27524، 64295، 52539.
هذا ولتعلم أن على العبد أن يختار العبارات الأديبة اللائقة برب العزة جل جلاله، ولا يجوز للمسلم أن يتلفظ بهذه العبارة التي قلت (كيف أستعطف..) فالله سبحانه وتعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في محكم كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/4659)
أجر العمرة والحجة والخروج من المصلى بعد الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أجلس بعد الفجر بشكل يومي حتى أنال أجر العمرة والحج، ولكن المشكلة التي تقابلني هي أنني لا أستطيع أن أبقى في مصلاي حتى الشروق لأنني بعد الصلاة يجب على أن أوقظ زوجي للصلاة في المسجد ويمكن لطفلي أن يستيقظ خلال هذه الفترة وأرضعه، فهل بذلك انتفى صحة الفوز بالعمرة والحج أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر الأخت السائلة لحرصها على سنة الجلوس في المصلى بعد الفجر إلى الشروق، ونرجو من الله تعالى لها الثواب وإن لم تتمكن من البقاء في مصلاها، فقد دلت السنة على أن من كان حريصاً على عبادةٍ وحال بينه وبينها عذر؛ فإنه ينال ثوابها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً. رواه البخاري.
كما دلت السنة أيضاً على أن المسلم يؤجر على نيته الصالحة وإن لم يعمل كأنه عمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي تمنى أن له مالاً وعمل فيه عمل فلان من الخير، فقال: ... فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء.... رواه الترمذي.
فما دامت الأخت السائلة صادقة النية في حرصها على البقاء في مصلاها، وحال دون ذلك عذر، فهي مأجورة إن شاء الله تعالى، لا سيما وأنها تقوم بعمل صالح وهو إيقاظ زوجها لصلاة الفجر، وهذا أجر آخر لها لأن الدال على الخير كفاعله، كما أنها إذا أيقظت زوجها ورجعت إلى مصلاها وجلست فيه فإنها تنال الأجر إن شاء الله تعالى. وانظري في ذلك الفتوى رقم: 57839.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/4660)
التحذير من فتنة النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب البنات وكلام الشعر المعسول، ولكن إذا سمعت القرآن الكريم وكلام الله أحبه أيضاً فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي على المسلمين عموماً والشباب خصوصاً أن يحذروا من الافتتان بالنساء والاختلاط بهن والحديث معهن من غير ضرورة، وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في التحذير من فتنة النساء وسبل الوقاية منها، فانظر الفتوى رقم: 36423، والفتوى رقم: 30991، والفتوى رقم: 33105، وكذلك أصدرنا فتوى في بيان حكم شعر الغزل وهي برقم: 18243، والفتوى رقم: 31012.
وإننا ننصح الأخ السائل بتقوى الله تعالى والاستعداد ليوم يشيب فيه الرضيع وتضع فيه كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فوالله إنه ليوم مهول يحق أن ننشغل به عن سفاسف الأمور، واذكر قول الله تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {البقرة:281} ، ونسأل الله تعالى أن يطهر قلبك ويحصن فرجك ويعينك على غض بصرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(9/4661)
الاستغفار من أسباب تحصيل الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السور في القرآن التي أقرؤها للحمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم سورة معينة أو آيات مخصوصة تقرأ لحصول الحمل، ولكن الله تعالى بين في كتابه أن الاستغفار من أسباب تحصيل الأولاد فقال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح10-12} . وانظري الفتوى رقم: 47576.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(9/4662)
نصائح نافعة للتخص من الشعور باليأس من الإنجاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة دائما ما كان يرتابني شعور أني من المستحيل أني أتزوج وبالرغم من ذلك تمت خطبتي وساتزوج قريباً إن شاء الله والآن يرتابني شعور لا استطيع مقاومته أني لا استطيع الإنجاب ماذا أفعل لا تغلب على هذا الشعور؟ وهل هناك دعاء لذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن ييسر أمر زواجك، وأن يرزقك زوجا صالحا، وأن يهب لك منه ذرية صالحة تقر بها عينك.
واعلمي أنه ينبغي للمسلم أن يفتح أبواب الأمل أمام نفسه، وأن يحسن ظنه بربه، وأن يعلق به رجاءه، فما خاب من رجاه، وما رد من أحسن الظن به، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. فإذا كانت بالمسلم حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فليضرع إلى الرب الكريم، فقد أمر سبحانه بسؤاله، وهو يحب أن يسأل ويغضب إن لم يسأل، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60} غافر60] وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. وهو حديث حسن.
ولا ينبغي للمسلم أن يدع للشيطان سبيلا إلى نفسه، فيوقعه بوساوسه في اليأس من روح الله والقنوط من رحمته، فيدخل على الكبائر من أوسع أبوابها، قال تعالى: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف 87] وقال سبحانه: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}
وخلاصة الأمر أن ما أنت فيه ليس إلا مجرد وساوس وأوهام فلا تلتفتي إليها، بل أعرضي عنها كل الإعراض، وتوجهي إلى ربك في أمورك كلها، ومن ذلك أمر الذرية، فهو القائل عز وجل: للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {سورة الشورى 49- 50} . ويمكنك أن تتدبري بعض قصص القرآن الدالة على قدرة الله على هبة الذرية مع تعطل الأسباب الظاهرة، كما هو الحال في قصة إبراهيم عليه السلام في سورة هود وغيرها من السور، وقصة زكريا عليه السلام في سورة مريم وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(9/4663)
المؤمن يرجو رحمة ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة أعاني من علامات الساعة لأنني من حثالة الناس حيث أفكر بأن الله يعاقبني لأنني مشركة وأفكر أفكارا جنسية وأفكار نجسة عن الله. وانني أدخل النار لآلاف السنوات وهذه الأعراض بدأت عام 1993. حيث كنت أحاسب بأن تنقلب بي الدنيا كعذاب قوم لوط!!! ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما جاءتك هذه الخواطر، وأن تصرفي ذهنك عنها بالكلية، وأن تشغلي نفسك ووقتك بما يفيدك من علم نافع أو عمل مثمر مفيد أو تسلية مباحة، وأن تصحبي بعض الأخوات الخيرات الملتزمات، وأن تبتعدي عن الخلوة والانفراد بنفسك، وتوبي إلى الله تعلى توبة صادقة وأكثري من العمل الصالح والذكر فذلك سبب الغفران والرحمة.
فقد قال الله تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39} وإياك واليأس من الغفران والرحمة فإن الله غفور تواب رحيم، يعفو عن التائب الصادق في توبته مهما عظم ذنبه، وقد قال سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53} ولا بأس أن تراجعي بعض الأطباء النفسانيين، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 60628، 3171، 187، 76732، 75046، 74718، 71337، 70476.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(9/4664)
ثواب عمل الصبي.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل صلاة من بنت عمرها 7 سنوات، وهل هي التي تأخذ الأجر أم الوالدان؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصبي إذا بلغ سبع سنوات تصح منه الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود وغيره.
وما يقوم به من عبادة صلاة أو غيرها يكون الثواب خاصاً به عند جمهور أهل العلم، ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: وقال جمهور العلماء: وثواب عبادة الصبي له. انتهى.
وقد فصل الكلام في ذلك الشيخ محمد عليش المالكي في فتح العلي المالك مجيباً على السؤال التالي: (ما قولكم) في ثواب عمل الصبي هل هو له خاصة أو له ولأبويه أو لأبويه خاصة وهل على السواء أو التفاوت بينوا. فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، المعتمد أن ثواب عمل الصبي له خاصة، ولوالديه ثواب التسبب فيه، قال الحطاب رحمه الله تعالى: قال القرافي في كتاب اليواقيت في المواقيت: والحق أن البلوغ ليس شرطاً في ذلك أي خطاب الندب والكراهة، وأن الصبي يندب له ويحصل له أجر المندوبات إذا فعلها لحديث الخثعمية. وقيل: إنه لا ثواب له ولا هو مخاطب بندب ولا غيره؛ بل المخاطب الولي وأمر الصبي بالعبادة على سبيل الإصلاح كرياضة الدابة؛ لحديث: رفع القلم عن ثلاث ... والجواب: أن حديث الخثعمية أخص من هذا فيقدم الخاص على العام. انتهى.
قال ابن رشد إن الصغير لا تكتب عليه السيئات، وتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال، وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد في شرح أول حديث منه وهو حديث الخثعمية قال: حدثنا عبد الواحد بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد البزار قال: حدثنا علي بن المديني قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا يحيى عن أبي العالية الرياحي قال: قال عمر بن الخطاب: تكتب للصغير حسناته ولا تكتب عليه سيئاته. انتهى.
وقال المقري في قواعده: قال عمر: تكتب للصبي حسناته، ولا تكتب عليه سيئاته. وحكي عن بعض المبتدعة خلاف هذا ولا يلتفت إليه. انتهى.
وقال في المقدمات: والصواب عندي أنهما أي الصبي والولي جميعاً مندوبان إلى ذلك مأجوران عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمرأة التي أخذت بضبعي الصبي وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. وهذا واضح. انتهى.
وقال الجزولي: واختلف لمن أجر صلاة الصبي؟ فقيل: لوالديه ويكون بينهما نصفين. وقيل: الثلث للأب والثلثان للأم. وضعف بعضهم هذا كله وقال: إنما يكون للصبي. والحديث يرد على من قال: إنه لوالديه لأنه قال في الحديث: إن الصبيان يتفاوتون في الدرجات في الجنة على قدر أعمالهم في الدنيا كما يتفاوت الكبار. ويؤيده قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. انتهى.
وعبارة المجموع: وللصبي ثواب ما طلب منه على التحقيق وإن كان لأبويه ثواب التسبب، فقد ورد كما في الخطاب وغيره تفاوت الصبيان بالأعمال. والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى على سيدنا محمد وآله وسلم. انتهى.
وعليه؛ فالبنت المذكورة تثاب على صلاتها ويكون الثواب خاصاً بها عند جمهور أهل العلم، وإذا قام والداها بأمرها بالصلاة وحثها على المحافظة عليها فلهما ثواب التسبب في الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(9/4665)
من وسائل كسب الأصدقاء ومحبة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحاول أن يكون لي أصدقاء ولكن بدون جدوى، فماذا تنصحوني وما معنى حديث الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف، فأرجو التوضيح والتفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى، والمحافظة على فرائضه، والاستقامة على شرعه، والتقرب إليه بما استطعت من النوافل وأعمال الخير، فذلك الذي يجلب لك محبة الله تعالى ومحبة عباده، وهو الذي يرزقك السعادة في الدنيا والآخرة، ففي الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... الحديث رواه البخاري، وإذا أحب الله العبد وضع له القبول في الأرض فأحبه الناس ... ومن وسائل كسب الأصدقاء ومحبة الناس الزهد فيما في أيديهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس. رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع.. ومن وسائل كسب الأصدقاء: الإحسان إلى الناس ومساعدتهم وحب الخير لهم وتقديرهم والاهتمام بهم.. قال بعض الحكماء:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فطال ما استعبد الإنسان إحسان
وقال بعضهم: إذا أردت أن تكون مهما فكن مهتما.
كما ننصحك باختيار الأصدقاء الصالحين وصحبتهم، والبعد عن أصدقاء السوء ومصاحبتهم. وقد بينا فضل ذلك وفوائده في الفتوى رقم: 9163 فنرجو أن تطلع عليها.
وأما حديث الأرواح جنود مجندة فهو في الصحيحين وغيرهما، وقد وضحنا معناه بالتفصيل وأقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم: 64949 نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4666)
التوبة النصوح تمحق أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت كبيرة من الكبائر منذ فترة من الزمن وتبت توبة أعتقد أنها ليست كافية لغفران الذنب فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحمد الله تعالى الذي أنقذك من المعصية، ووفقك للتوبة منها، ولتعلم أن التوبة النصوح المستوفية لشروطها تمحو ما قبلها، ولو كان أعظم الذنوب وأكبر الكبائر حتى الكفر والشرك الأكبر إذا تاب صاحبه قبل الله توبته، وسبق بيان شروط التوبة في الفتوى رقم: 29785.
وقد وعد الله عباده التائبين بقبول توبتهم ومحو سيئاتهم إذا تابوا وعادوا إليه، فقال الله تعالى وقوله الحق ووعده الصدق: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، ومن فضل الله على عباده أن من تاب منهم وعمل صالحاً بدل الله سيئاته حسنات، فقال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
والذي عليك أن تفعله هو الاستقامة على طاعة الله تعالى، وعمل ما استطعت من أعمال الخير والنوافل، وتجديد التوبة والاستمرار على ذلك، وبإمكانك أن تطلع للفائدة على الفتوى رقم: 35144، 43946.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4667)
علاج من تراوده امرأة عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متزوج تعرفت على فتاة وأحببتها حبا طاهرا وطلبت منها الزواج ولكنها تريد أن تقيم معي علاقة جنسية قبل الزواج وأنا الآن في حالة نفسية يرثى لها بسبب صراع العقل والنفس وسؤالي هو هل من حل شرعي للخروج من هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلاج يا أخي الكريم في الأمور التالية:
أولاً: أعرض عن هذه المرأة فوراً، فهي والله حبلٌ من حبال إبليس، يريد الشيطان أن يزين لك الحرام حتى تقع في سخط الله، وحتى تكون ممن اتبعوا الشيطان ووقعوا في شباكه والعياذ بالله، وهذه المرأة لا خير لك فيها، إذْ لو كانت ذات دين وصلاح ما طلبت منك ما تطلبه الفاجرات الخبيثات.
ثانياً: تذكر أن الشهوة تُنْسى وتبقى حسرتها، فكيف يقع المسلم في ما يعلم أنه سبيل من سبل الشيطان، وأنه طريق إلى النار والعياذ بالله، واسمع قول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا التي رآها، - ورؤيا الأنبياء حق – بأنه رأى في النار: ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ ..فقال له الملك: والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ... الخ
ثالثاً: تذكر الموت، وأنه قد ينزل بك وأنت على سخط الله ومعصيته.
رابعاً: اشغل نفسك بطاعة الله تعالى، ولا تدع لفكرك مجالاً في أن يَنْسَاقَ وراء الشهوة، فإن هذا سبيل غير المؤمنين.
خامساً: لا ينبغي أن يقع الخلاف بين عقلك ونفسك، فإن النفس تحب الشهوات والملذات، ولا شهوة عند العقلاء، ولا ملذَّة عند أولي الألباب أعظم من الجنة.
سادساً: اشغل نفسك بالصيام فإنه يضعف الشهوة، ويقي من الفحشاء.
وخلاصة القول أن عليك أن تعرض عن هذه المرأة تماماً، وأن تشتغل بزوجتك التي أحلها الله لك، وإن الشيطان يُزَهِّدُ في الحلال، ويرغب في الحرام، فلا تكن ممن أطاع الشيطان.
وفقك الله لمرضاته، وصرف عنك السوء والفحشاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4668)
معاملة الخنثى.. نظرة شرعية إنسانية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إيضاحا حول موضوع قليل التناول والذي يخص فئة وهم ذوو جسم ذكر، ولكن الهرمونات الأنثوية متغلبة عندهم أي يميلون جنسيا إلى جنس أمثالهم وتلك طبيعتهم البيولوجية لا أتكلم عن المتشبهين بالنساء. فلم أجد مقالا يشفي الصدر في كيفية تعايش هذه الفئة وسط المجتمع, هل تطبق عليهم أحكام الرجال أم النساء وذلك في شتى المجالات كالصلاة هل تصح في جماعة الرجال وهل يجوز الاختلاء بالرجل أو النظر إليه وهل يجوز لهم الزواج بالنساء رغم انجذابهم الجنسي لبنفس نوعهم وما إلى ذلك ,أرجو منكم فضيلة الشيخ أن تفيدونا لأن نتيجة لنقص التوعية بالنسبة لهذا الموضوع نرى هذه الفئة من المجتمع مهمشة في مجتمعاتنا العربية ومعرضة لنظرة من التمييز العنصري رغم أن تلك هي طبيعتهم البيولوجية ولم يتشبهوا بالنساء.أرجو فضيلة الشيخ أن تستوضحوا لنا هذا الأمر وجزاكم الله خيرا. شكرا على هذا الموقع النافع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذ كان الشخص من هؤلاء فيه خصوصيات الذكور فإنه يتعامل مع الناس على هذا الأساس، ويعامله الناس كذلك، فيصلي مع الرجال في صلاة الجماعة، ويتزوج امرأة إن أراد الزواج كغيره من الرجال، وأما الخلوة به ونحو ذلك فينبغي اجتنابها، لما قد يترتب على ذلك من الفتنة.
وما وجد فيه من ميول أنثوية فهو ابتلاء من الله تعالى فيجب عليه أن يتقي الله، فلا يقدم على ارتكاب أمر محرم. ثم إن هذه الميول قد تكون مجرد أمور نفسية يمكن معالجتها بالصبر والذكر والالتجاء إلى الله. ولا بأس بأن يعرض الواحد منهم نفسه على طبيب نفسي يثق به.
وعلى عامة الناس أن يتقوا الله في التعامل مع أمثال هؤلاء، وعليهم أن يكونوا عونا لهم في العلاج وتجاوز هذه المحنة؛ لا أن يزيدوهم محنة على محنتهم بالسخرية منهم ونبذهم ونحو ذلك. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 67793، والفتوى رقم 59332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4669)
كيف يتوب من دعا إلى ضلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال (ص) من سن سنة حسنه فله أجرها وأجر من عملها ومن سن سنة سيئة فله إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة. ماذا يفعل من انطبق عليه الجزء الثاني من الحديث في أشياء كثيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى أن من دعا غيره إلى معصية أو ضلال فإنه يحمل إثمه وإثم من تبعه، كما دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، وذكرناها في الفتوى رقم: 14246، والفتوى رقم: 34134، والفتوى رقم: 53414.
والواجب على من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة مستجمعة لشروط التوبة من الندم على ما فات، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، ثم إن كان قادراً على إزالة ذلك المنكر الذي تسبب فيه ودعا الناس إليه فالواجب عليه أيضاً أن يزيله، فإن لم يستطع أن يزيل أثر ذلك المنكر فنرجو أن تكون توبته صحيحة إن شاء الله تعالى.
وقد تكلم العلماء على توبة من دعا غيره إلى ضلال وبقي أثر تلك الدعوة بعد توبته، هل تعتبر توبته صحيحة؟ قال الشنقيطي في أضواء البيان بعد أن ذكر عدة أمثلة: فجمهور أهل الأصول على أن توبته في كل الأمثلة صحيحة لأن التوبة واجبة عليه، وقد فعل من هذا الواجب ما يقدر عليه، وما لا قدرة عليه معذور فيه؛ لقول الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وانظر كلامه في تفسير سورة النور.
والخلاصة أننا نوصي من سن سنة سيئة أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وليعلم أن الله تعالى قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4670)
قول الأجنبي للأجنبية أنهما لن ينسيا بعضها ينافي التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب فتاة وتركتها عندما عرفت أن ذلك حرام وهي أيضا عرفت بذلك فتركتني وقالت إنها لن تنساني وأنا أيضاً وارتدت الإسدال بعد ذلك أردت الالتزام ولم أستطع التواصل في ذلك وأشعر بالاحتياج إليها وهي التي تحمسني من أجل الالتزام فلا أعرف ماذا أفعل وأنا أريد أن ألتزم، ولكني ضعيف جداً فى إرادتي وعزيمتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنْت، وأحسنَت هذه الفتاة في ترككما هذه العلاقة العاطفية التي كانت بينكما، وليكن ذلك منكما توبة نصوحاً، فإن هذا من أعظم ما يعين على الاستقامة، وراجع في شروط التوبة النصوح الفتوى رقم: 5450.
وإن كانت هذه الفتاة على دين وخلق فما يمنعك أن تتقدم لخطبتها من أهلها والزواج منها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه، فإن تيسر هذا الزواج فالحمد لله، وإلا فيجب على كل منكما أن يصرف قلبه عن الآخر، فمن الخطأ أن يقول كل منكما أنه لن ينسى الآخر، بل إن هذا مما ينافي التوبة النصوح. وراجع في علاج العشق الفتوى رقم: 9360.
وينبغي أن تعلم أن استقامة المسلم على طاعة الله أمر واجب عليه على كل حال، لأن في ذلك فوزه بالجنة ونجاته من النار، ولا ينبغي أن يعلق ذلك بالزواج أو غيره، وانظر في الوسائل التي تعين على الهداية والاستقامة الفتوى رقم: 21750، والفتوى رقم: 1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4671)
النصيحة لأم تريد التوبة لولدها من معاصيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد أنا امرأة متزوجة عمري بالخمسينيات، أخاف الله تعالى، تقية، حاجة بيت الله الحرام, لدي أولاد كبار كلهم متخرجون والحمد لله لكن هناك واحد عمره 22 سنة ولد عاق أدعو الله دائما أن يهديه, لا يصلي ويسرف في الشراب واستعملت معه كل الوسائل ما نفع معه شيء، أدعو له ليلا ونهارا وكنت زرت بيت الله الحرام عدة مرات ودعوت له, واستعملت له الرقية في الماء والزيت، مع العلم أنه يخاف الله ويقول إنه يندم دائما عندما يشرب الخمر إلى درجة أنه يكره نفسه ويتعارك مع الناس ويعمل حوادث بالسيارة عند الشرب والحمد لله دائما ينجو من الخطر وكان يصاحب بنتا فأرادت أن يتزوجها لكن هو كان يخرج معها بس للهو حيث إنها من عائلة غير محترمة وليست أهل دين وخلق. ولكنه كلما يريد التخلص منها ويبتعد عنها فقط لمدة ثم يرجع لها وقامت تهدده أحيانا إذا فارقها, مع أنه ألاحظ أنه يريد التوبة ولكن لا يستطع خاصة شرب الخمر مع أنني أدعو له وأتصدق. وحاولت أن أزوجه وأبحث له عن بنت الحلال حتى هو يريد أن يتزوج ولكنه على هذه الحال أحس أنني قد أظلم البنت التي سيتزوجها مع أن حالته المادية متمكنة ومتوفرة.
فأرجو يا سماحة الشيخ أن تنظروا في هذا الأمر وتفيدوني بما عساي أفعل لأخلص ابني من هذه الدوامة ويرجع إلى الطريق الصحيح وحتى يطمئن قلبي عليه. وجزاكم الله خير جزاء بما تقدمون من نصائح وإرشادات.
أرجو من سماحتكم الرد على ضمن موسوعتكم لأتمكن من قراءة الجواب, وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح لك ذريتك ويجعلها قرة عين لك في الدنيا والآخرة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونقول لك: لا تقنطي ولا تيأسي من روح الله ورحمته، فالقلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، ومن موانع استجابة الدعاء اليأس والقنوط والاستعجال كما في الحديث عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يارسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول:" قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويدع الدعاء.
واعلمي أن من أقوى الأسباب تأثيرا على السلوك وأنفعها اختيار الصحبة الصالحة ومفارقة المكان الذي عصى العبد فيه ربه، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وانظري الفتوى رقم: 69465.
فننصحك باختيار رفقة صالحة له تنأى به عما هو فيه من المنكرات العظيمة، سيما التهاون بالصلاة وشرب الخمر وإقامة العلاقات المحرمة مع الفتيات إلى غير ذلك مما هو عليه. وانظري في حكم ذلك وخطورته الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6012، 1145، 1108.
وإذا استطعت السفر به مدة من الزمن عن ذلك المكان إلى مكان أهله صالحون، تتوطن نفسه على فعل الخير وترك المنكر فهو أولى وأحسن. واجتهدي في الدعاء وأكثري منه سيما في أوقات مظنة استجابته، كما بيناها في الفتويين رقم: 2150، 2395.
وإذا وجدت له فتاة صالحة ذات خلق ودين ورضيت به زوجا فذلك مما ينفعه بإذن الله، ويساعد في تقويم سلوكه وإعفافه عن الحرام. وليس في ذلك ظلم لها ما لم تخدع بذكر ما ليس فيه من الصفات، كأن يذكر لها أنه تقي ونحوه. ولها هي أن تسأل عنه وتستفصل عن حاله وعن خلقه ودينه، ثم إن شاءت بعد ذلك قبلته، وإن شاءت ردته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/4672)
علاج من لا يرتاح لسماع القرآن ودروس العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لا ترتاح لسماع القرآن أو الدروس الدينية فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن سماع القرآن أو الدروس الدينية مدعاة إلى الارتياح وطمأنينة النفس بالنسبة لأصحاب القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} ، ولكن القلب إذا أظلم بسبب ارتكاب المعاصي نفر من كل خير، وقد يصل به الحال إلى الاشمئزاز من أي ذكر لله عز وجل، قال الله تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {الزمر:45} .
وعليه، فالذي ننصحك به لعلاج زوجتك من هذه الظاهرة الخطيرة هو أن تأمرها بالاشتغال بالقرآن، والحفاظ على أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج والنوم. وأن تحضها على التوبة الصادقة، والالتزام بالصلاة في وقتها، والبعد عن مقارفة المعاصي ومجالسة أهلها، وسماع الموسيقى ونظر المحرمات، وغير ذلك مما هو معلوم.
وإذا استمرت على تلك الحال فلا نرى إلا أن قلبها سيستنير بنور الهداية، فتبدأ في القرب من ربها شيئاً فشيئاً، وسيزول عنها -لا محالة- ما كانت عليه من النفور من القرآن والدروس الدينية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1428(9/4673)
موقف الأخت من أختها التي ترتكب الحرام وتصر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم مرة أخرى للرد والاستماع إلينا وأتمنى لهذه الشبكة الاستمرار ... جزاكم الله خيراً، مشكلتي أني أنا الكبرى يتيمة الأب، أمي تعاني من مرض نفسي لما كانت تعانيه مع أبي رحمه الله لدي أخت واحدة أصغر مني بـ 5 سنوات قاسية جداً وفظة مع أمي تعاملها كما لو كانت خادمة تشتمها أحيانا نسكن مع جدتي التي أعتبرها أمي من شدة حنانها ورعايتها لنا، ألا أن أختي تجازيها بسرقتها ومؤخراً ارتكبت كبيرة من أعظم الكبائر أقامت علاقة مع أخي زوجة خالي وحملت منه إلا أن أخوالي فرضوا عليه الزواج منها وتزوجها وأسقط هو وهي الجنين دون علمنا ولحنان جدتي لم تطردها من المنزل وعارضت أخوالي وحتى لا يزيد المرض على أمي سامحناها اعتقاداً منا أنها سوف تتغير وتتوب إلى الله وتتحجب، للعلم فأنا محتجبة وأصلي وأذهب لدار القرآن لتعلمه فهي لا تشبهني في أي شيء لاحظنا أن هذه المشاكل زادتها شراً فما زالت تسرقنا، أصبحنا نخاف من ترك محفظتنا وعلمت أين تخبئ جدتي النقود فسرقت المفتاح وأخرجت عليها وبالصدفة وجدناها كانت صدمة قوية أصبحنا نبكي ليل نهار لا نعرف ماذا نفعل، علما بأن أمي تطلب منا ألا نخبر أخوالي بالسرقة حتى لا يكبر الموضوع، حاولت أن أنصحها حتى أنني طبعت بعض الفتاوى عن عقوق الوالدين وعن السرقة من موقعكم وقرأتها، لكن بدون جدوى أحيانا أفكر في قتلها حتى نرتاح منها أرشدوني في أقرب وقت؟ جزاكم الله خيراً، أتمنى أن تفهموا قصدي ماذا نفعل معها لتعرف الذي هي عليه من كفر زيادة أنها تلبس ملابس نستحي منها وأخوالي في صراع دائم معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك جملة من الأمور المنكرة التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها أختك هداها الله وأصلحها، وقد بينا حكمها وما يترتب عليها في فتاوى سابقة نحيلك عليها اختصاراً، فانظري في حكم العقوق وخطورته الفتوى رقم: 17754، والفتوى رقم: 25001، وفي وجوب البر بالجدة الفتوى رقم: 51313، وفي حكم السرقة وما يجب على مرتكبها الفتوى رقم: 6022، وفي حكم الزنى وعقوبته الفتوى رقم: 8740، وفي الإجهاض وحكم تزوج الزاني بمن زنا بها وحملت منه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6012، 1880، 32888 وفي حكم لباس المرأة وضوابطه الفتوى رقم: 6745.
وننبهك أيتها السائلة الكريمة إلى خطورة التكفير وعدم التساهل في إطلاقه، فلا بد له من ضوابط بيناها في الفتوى رقم: 721، فاحفظي لسانك منه، وكذلك قولك هل أقتلها ولعلك لا تقصدين حقيقة ذلك لحرمة دم المسلم وبشاعة إثم قاتله وحسبنا في ذلك قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وانظري الفتوى رقم: 10808، والفتوى رقم: 1940 وإقامة الحدود ليست لآحاد الناس وعامتهم، وإنما للأمام أو نائبه فحسب، فإياك إياك أن يستدرجك الشيطان إلى ما يفسد دينك ودنياك.
وخلاصة القول: إن أختك ترتكب جملة من الأمور المحرمة الخطيرة، وواجبكم نحوها هو النصح وتغيير تلك المنكرات كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وننبه إلى أنه يدرك بالرفق واللين ما لا يدرك بالعنف والشدة، فاستمروا في نصحها ووعظها واجتهدوا في الدعاء لها، وإذا امكنكم إيجاد صحبة صالحة لها وإبعادها عن صديقات السوء وحبائل الشيطان فذلك من أنفع العلاج وأكثره تأثيراً على السلوك، كما قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(9/4674)
أجر البراءتين هل هو خاص بالرجال دون النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت الاستفسار عن كيفيه الفوز بالبراءتين التي يحصل عليها من صلى في جماعة أربعين يوما لا تفوته تكبيرة الإحرام أم هي خاصة بالرجال فقط؟
وإن كانت جائزة لي فأرجو منكم أن تفيدوني علما بأنه خلال الأربعين يوما لا بد أن تأتيني العادة الشهرية أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا عنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحصول على هذه الفضيلة ليس خاصا بالرجال إذ ليس هناك مانع من حصول المرأة على البراءتين المذكورتين في الحديث، إذا هي واظبت على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في المكان الذي تصلي فيه أربعين يوما، ولو تخللت ذلك الدورة الشهرية؛ لأن ذلك خارج عن إرادتها، فقد لا يكون سببا للحرمان من هذا الأجر ما دامت نيتها المواظبة على إدراك تكبيرة الإحرام طيلة المدة المذكورة ولم تتوقف عن ذلك إلا مدة العذر، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عما قيل إنه حديث وهو نية المرء أبلغ من عمله فقال: هذا الكلام قاله غير واحد وبعضهم يذكره مرفوعا وبيانه من وجوه:
أحدها: أن النية المجردة من العمل يثاب عليها، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأئمة أن من عمل الأعمال الصالحة بغير إخلاص لله لم يقبل من ذلك، وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة.
الثاني: أن من نوى الخير وعمل منه مقدوره وعجز عن إكماله كان له أجرعامله، وذكر رحمه الله على ذلك أدلة كثيرة. وللفائدة ينظر الفتوى رقم: 45325
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(9/4675)
نصائح نافعة للمرأة الشابة العزباء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاماً، لست متزوجة مشكلتي أني أعاني من الشهوة والتي تنتابني حينما أرى بعض اللقطات في بعض القنوات الغربية وتظل هذه اللقطات في مخيلتي بل وأضيف عليها أشياء من مخيلتي وسرعان ما أستغفر ربي وأخاف العاقبة، ولكن سرعان ما تعاودني، إني أعاني منها في الليل والنهار في الحلم واليقظة، تنتابني في بعض الأحيان يوميا، وأحيانا أخرى فقط بعض الأيام وتفارقني، علما بأني أخاف رب العالمين وأستغفره كثيراً ومشكلتي أنه في تلك الحالة أشعر بارتفاع حرارة جسمي وزيادة نبضات قلبي بالإضافة إلى أني أشعر بإلتصاق فخذي واحتكاكهما وأشعر حينها برغبة كبيرة ومتعة أكبر، علما وأن مدة هذه الحالة لا تتجوز الدقيقتين أو الثلاث ألاحظ بعدها بعض الإفرازات التي ليس لها لون أحيانا وصفراء أحياناً أخرى، وأستغفر الله كثيراً وأشعر بندم كبير جداً، لقد زرت طبيبا واستشرته وأخبرني أنه أمر يحدث وهو عادي بحكم العمر وأنه لا يوجد ما يخيف طبيا، أني أتمنى أن لا تعاودني هذه الحالة مرة أخرى، أقسم أني أخاف ربي وأخاف سخطه وأرجو رضاه وما يؤلمني هو شعوري بأن ما ينتابني أي تلك الحالة يبعدني عن ربي ويكثر من ذنوبي، كل ما أرجوه هو أن تنفعوني بما من الله به عليكم من علم، أني أريد أن أعرف الناحية الشرعية لهذه الحالة أي ما يقوله الشرع في هذه الحالة والناحية الطبية العلمية وهل لهذا تأثير علي كفتاة عذراء؟ وجعل الله كل حرف في ميزان حسناتكم وجزاكم عني وعن كل سائل خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يوفقك لكل خير، ونرشدك أيتها الأخت الكريمة إلى ما يلي:
1) أن تبادري إلى الزواج قدر طاقتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. ولا مانع أن تطلب المرأة من وليها أن يبحث لها عن الرجل الصالح، ولا حرج على الولي في ذلك بل إنه مطلوب منه، فقد عرض عمر ابنته حفصة على كل من أبي بكر وعثمان ليزوجها بأحدهما، وعرض الرجل الصالح ابنته على موسى عليه السلام ليتزوجها، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41016، 56602، 59404، 59421، 60347، 65812.
2) فإن لم يتيسر لك الزواج، فعليك بكثرة الصوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الشباب عند العجز عن الزواج إلى الصوم فإنه مما يخفف الشهوة.
3) اجتنبي الأسباب المهيجة للشهوة، من النظر المحرم إلى الصور، والأفلام الخليعة ومما يهيج الشهوة الاستماع إلى الأغاني.
4) اشغلي وقتك بالعمل النافع، لا تدعي للشيطان وقتاً يشغلك فيه بالمعاصي، أكثري من تلاوة القرآن، ومطالعة سير الصالحين والصالحات، فإن ذلك مما يرفع الهمة، ويقوي العزيمة.
5) جالسي النساء الصالحات واختلطي بهن وتجنبي المجالس التي تبعدك عن الله تعالى، إذا فعلت ما سبق فنحن إن شاء الله على ثقة أن الله تعالى سيوفقك للخير، وسيسهل لك أمورك، وراجعي الفتوى رقم: 93604.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(9/4676)
كل امرئ محاسب بعمله يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت سألت سابقا عن حكم العمل بالمحاماة بقوانين غير ما أنزل الله وجاءني الرد منكم وحين قلت هذا الرد لأحد الناس قال لي إن ولي الأمر فقط هو الذي سيحاسب لأنه هو من سمح بالعمل بهذه القوانين لكن القضاة والمحامين لا ذنب عليهم فقلت له لا طاعة لمخلوق في معصية وسكت لكي لا أنطق بباطل, فما رأي حضراتكم ومن كان منا على خطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن القواعد التي قررها القرآن الكريم قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر:38} ، وتؤيد هذه الآية في المعنى الكثير من الآيات، فكل امرئ محاسب بعمله يوم القيامة، فلا يجوز للمسلم ارتكاب المنكر بحجة أن فلاناً من الناس هو السبب فيه، وأنه وحده الذي سيتحمل وزره، وبهذا يتبين لك أن صاحبك هو المخطئ -إن كان فعلاً قد قال ما نسبت إليه- وانظر في ذلك الفتوى رقم: 31070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1428(9/4677)
هل يجلب المغترب زوجته إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال: أيهما أولى أن يعيش الرجل وزوجته في أرض الغربة معاً على ما فيه من تكاليف المعيشة وهو قادر عليها والحمد لله، ولكنه لا يتمكن من التوفير وتجميع المال للأيام المقبلة، مثل بناء بيت لهم أو غيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأولى للرجل إذا كان مغترباً واستطاع اصطحاب زوجته معه أن يصطحبها لما في ذلك من إعفاف بعضهم لبعض واستقرار نفسي لهما، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسافر بإحدى زوجاته فيقرع بينهن مع أنه لم يكن ليمكث أو يستقر مدة طويلة في سفره، فما بالك إذاً بمن يجلس سنة أو سنتين أو أكثر عن أهله، ولذا ذكر أهل العلم مدة لا يجوز للرجل تجاوزها دون رضا زوجته وإذنها له بذلك، وقد بيناها في الفتوى رقم: 10254، والفتوى رقم: 22429.
فإن كانت المدة أقل أو رضيت الزوجة بمكث الزوج أكثر، فإذا استطاع جلبها إليه وإقامتها معه فهو خير لهما، وإذا لم يستطع أو كان في ذلك مشقة عليه فليصطلحا على فترة محددة لئلا يعيش طول الزمن مغترباً عنها في جمع المال، وقد يموت قبل جمعه وقد لا يتيسر له، كما أن هذا ليس من الإجمال في الطلب الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن يطلبه أحدكم بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته.
وقال صلى الله عليه وسلم: أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما خلق له. رواهما ابن ماجه وأبو نعيم وسعيد بن منصور عن أبي حميد وأبي أمامة بألفاظ متقاربة. فوجود الزوجة مع زوجها لن ينقص رزقه كما أن بقاءها بعيداً عنه لن يزيد في رزقه، بل ربما يكون وجودها معه أكثر بركة لرزقه، لأنه كلما كان نشيط النفس حاضر الذهن أمكنه مضاعفة عمله فيزيد دخله، لكن إن اتفق رأيهما على أن المصلحة تقتضي أن يعيش منفرداً في الغربة لفترة لكي يبني بيتاً، ولم يكن في ذلك تعريض لأحدهما للوقوع في معصية فهذا حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1428(9/4678)
غض المرأة بصرها وماذا تفعل إن رغبت في الزواج من معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 26 سنة وأعمل وأسكن في مدينة غير المدينة التي يوجد فيها أهلي، دائما أرى شبابا من مدينتي في نفس المدينة التي أعمل بها، الحمد لله أنا أصلي وألبس حجابا وملابس فضفاضة، كثير منهم يحاولون لفت نظري وأنا والحمد لله لا أصغي إليهم، ودائما أحاول تجنب النظر إليهم وتجاهلهم، لكن كثير من صديقاتي يقولون لي بأنني غبية لأني لم أجعل أحداً منهم يهتم بي ويطلبني للزواج، وفعلا وصدقا أنا لا أحاول مجرد المحاولة للنظر إليهم لأن النظرة من الشيطان، وأقول لهن إنها ليست هذه الطريقة المناسبة للفت نظر الشباب لي بل الأجدى لهم والأدعى أن يخطبوني لديني والتزامي، عقلي يحدثني مرات عديدة لو أني أنظر نظرة واحدة احتمال يشجع أحدهم على خطبتي، لكني والحمد لله أعرف أن هذا سوف يجرني للحسرة والندامة، فأرجو أن تدلوني على الطريق الصحيح؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحفظ لك دينك، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يرزقك زوجاً صالحاً، وقد أحسنت في غضك بصرك عن النظر إلى هؤلاء الشباب، وهذا من شأن المؤمنات، قال الله تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ... {النور:31} ، وينبغي أن تكوني على حذر مما نصحك به بعض صديقاتك من النظر إلى هؤلاء الشباب، فإن النظر سهم من سهام إبليس، فقد يجرك به إلى عواقب لا تحمد. وراجعي للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 15196، والفتوى رقم: 55044.
ولو رغبت في الزواج من أحد هؤلاء الشباب أو غيرهم، وتبين لك باستشارة الثقات أهليته للزواج منك لحسن دينه وخلقه، فلا بأس بأن تعرضي نفسك عليه في حدود الأدب والاحتشام وعلى وجه لا تلحقك منه شبهة. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 68662.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1428(9/4679)
مداخل الشيطان واستدراجه حتى يوقع المرء في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في السنة الثانية بإحدى كليات القمة ومتدينة والحمد لله لكني متخبطة ولا أعلم هل أنا صح أم خاطئة فقصتي بدأت عندما جمعني مع زميلي في السنة الأولى عمل خيري واحد في الكلية لقد كونا جمعية خيرية في الكلية لمساعدة المحتاجين فقد كانت العملية بالصدفة البحتة فهو لا يعرفني من قبل ولا أنا حتى كنت أعرفه وكان من الطبيعي أن نأخذ إيميلات بعض وكنا نتحدث في أمور الشغل على النت وفي يوم عرفت منه أنه غير ملتزم بالصلاة فحدثته أن يلتزم بالصلاة ويقترب من الله وبالفعل كان يصلي الصلوات في المسجد وأنا بطبيعة نشاطاتي الاجتماعية كنت قد تعاملت مع العديد من الشباب الملتزمين لكن لم يلفت نظري أنا أو أختي سوى هذا الشاب الذي بالفعل به صفات نادرة الوجود الآن، من رجولة شهامة وأدب وغيرها حتى أنه قد تعامل مع أمي في أكثر من موقف وقد لفت نظرها أيضا أخلاقه وفي نفسي كنت أتمناه زوجا لي وفي يوم فاجأني أنه يريد خطبتي من أبي وقد قال لي إنه بعد التخرج سوف يسافر عاما أو اثنين لتكوين نفسه لأن أقاربه وأخاه يعيشون أيضا بنفس البلد وعندما فاتحت أمي قالت لي إن أبي لن يوافق أن أخطب له إلا بعد التخرج ولأني أنا وهو ملتزمان دينيا كنا نرفض تماما التحدث على انفراد في الكلية أو في أي شىء يخص موضوعنا ولكن كان لا بد أن يستمر الكلام على النت لأن هناك مصالح ناس محتاجين يجب ألا تتاثر وكنا نتناقش بها على النت لأني أعمل هكذا أيضا مع باقي الشبان لأني لا أحب الاختلاط في الجامعة ولكن الشيء الذي يخوفني هو أننا في بعض الوقت يخرج الكلام بيني وبينه عن إطار الشغل ونبدأ نتحدث عن طموح كل واحد منا وأفكاره وما هي تطلعات كل واحد فينا في زوجته أو زوجه وأنا كنت حريصة على هذه النقطة تحديدا لكي يزود من طاعته ولا يكتفي فقط بالصلاة لأني أريد أن أتزوج شخصا يصلي بي قيام الليل ويكون حافظا لكتاب الله وعندما كان يخرج هو عن حدود الكلام مثل إنه يحبني أو مثل هذا من الكلام كنت أصده وأتوقف عن التحدث معه حتى أنه عاهدني أنه لن يفعل هكذا مرة أخرى وقال لي إنه بذلك قد يطمئن أني سوف أحافظ على كرامته كما أحافظ على كرامته أبي ولكنني أخاف أيضا من أننا نتحدث طويلا على النت على الرغم أن كلامنا لا يخرج عن هذه الحدود المشكلة أنني أحبه بالفعل وأرفض كل من يتقدم لخطبتي فهو ليس زميلى فقط في النشاط الخيرى بل أيضا في السيكشن يعني أراه كل يوم أكثر مما أرى أهلي لكننا لا نتحدث أبدا في الكلية ولا أستطيع أن أنساه. لقد وهبني الله قدرة أنا وأختي الحكم على شخصية الناس ونحن نراه أنه بالفعل ممتاز ويحبني بالفعل ويخاف جدا على سمعتى أن أتحدث معه أمام الناس بدون أختي السؤال هنا هل حديثي معه على النت حرام على الرغم أن أمي تعلم بهذا جيدا. أنا وأمي واثقان أن أبي سوف يقبل به إذا تخرجنا لأنه من أسرة ممتازة في كل شيء لكني مستحيل أن أفاتح أبي في هذا الموضوع الآن لأنه قد يجبرني أن أخطب غصبا عني لشخص آخر. ملحوظة يبقى لنا على التخرج حوالي 3 سنين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الشيطان لا يقود المسلم إلى الوقوع في المعصية لأول وهلة، وإنما يستدرجه إليها حتى يوقعه فيها، ولذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {النور:21} . فقد يكون المدخل مباحا كما هو الحال هنا، فإن محادثة المرأة الرجل جائزة في الجملة إذا دعت إليها حاجة، وروعيت فيها الضوابط الشرعية، ولكن انظري إلى ما حدث بعدها من خروج المحادثة إلى إطار آخر وهو الحديث عن الطموح، ثم عبارات الحب، وربما يحدث فيما بعد ما لا تحمد عقباه ولا يخطر منك على بال. فالواجب عليك قطع هذه العلاقة مع هذا الشاب وترك محادثته، وما ذكرت من أمر العمل الخيري وغيره فيمكنك القيام به بالتعاون مع أخواتك أو غير ذلك من السبل المشروعة. واعلمي أن علم أمك بحدوث تلك المحادثات بينك وبين هذا الشاب لا يسوغ لك القيام بها أو الاستمرار فيها.
ولا ريب أن النكاح هو أنفع شيء للمتحابين، فإن تيسر هذا النكاح عاجلا أم آجلا فذلك خير، وإذا لم يتيسر هذا النكاح في الآجل وتقدم الكفء لخطبتك، فلا ينبغي لك تأخير الزواج لمجرد انتظار هذا الشاب، فإن في المبادرة إلى الزواج خيرا، ثم إن هذا الشاب قد يخذلك ويتزوج من غيرك بعد انتظارك إياه كل تلك المدة، كما قد يحصل أحيانا والواقع خير شاهد، فتكونين بعد ذلك الخاسر الأكبر فتندمين حيث لا ينفع الندم. وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى: 1932، 20296، 37015.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1428(9/4680)
يقبل الله التوبة ولو أذنب العبد ثم تاب مئات المرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كلما تبت إلى الله رجعت مرة أخرى للذنب أحيانا متعمدة وأحيانا دون تعمد وعبادتي قلت على الرغم من محافظتي على الصلاة على وقتها ولكن ذكري لله قل قراءة القرآن أيضا قلت أشعر أن قلبي لا يشعر بلذة الإيمان فأنا أسمع أغاني وقرآنا وأعلم أنه لابد أن تختار واحدا فقط أشعر بالنفاق سؤالي كيف أتوب إلى الله ولا أعود للذنب أبدا؟ كيف أرجع إلى الله كيف أتقيه ما استطعت؟ كيف أشعر بأنه راض عني؟ أرجو الرد السريع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بالحفاظ على الصلاة في وقتها، ونوصيك بتجديد التوبة والاجتهاد في التخلص التام من الرجوع للمعاصي، ولا تيأسي من رحمة الله وقبوله التوبة كلما تبت، فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه، فإذا أذنب مرة أخرى وتاب تاب عليه أيضا، ولو تكرر ذلك منه مئات المرات، كما قال النووي. وراجعي في المزيد في موضوع التوبة وفي الترغيب في الذكر وتلاوة القرآن وتحريم الأغاني وخطورة النفاق، وأن الخوف منه يدل على الإيمان الفتاوى التالية أرقامها: 92966، 59782، 37130، 66001، 54316، 73937، 76975، 68464، 55686، 29853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1428(9/4681)
كون المصائب ابتلاء أو عقاب لا يعلمها إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي / كيف التفريق بين المصيبة أو المشكلة أنها عقاب من الله أو ابتلاء من الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 69389 بعض الحكم مما يصيب العبد من المصائب فنرجو الاطلاع عليها.
ثم إن الحياة كلها ابتلاء بالنسبة للإنسان بخيرها وشرها، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} وقوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:165} والمصائب والمشاكل من جملة ما يعرض للإنسان في هذه الدنيا إما ابتلاء لصبره ورضاه بمقدور ربه أو رفعه لدرجات، وإما عقاب وتنبيه له. وحقيقة العلم في ذلك والحكمة منه وهل هو ابتلاء أو عقاب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. والواجب على العبد هو أن يتوب إلى الله تعالى ويصبر لقضاء الله وقدره، ويعتبر بما يحصل له. وقد فصلنا أنواع الابتلاءات وما يعرض للمرء من ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44891، 45184، 64586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1428(9/4682)
المؤمن يبصر الرحمة من خلال البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعاني من تعب دائم وإرهاق وأوجاع في أماكن كثيرة في جسمه وقد أجرى العديد من الفحوصات ولم يتبين فيها أي شيء وهذا أمر دائم منذ عدة أعوام منذ أن تزوجنا (ونحن لم نرزق بالأطفال بالرغم من عدم وجود سبب لعدم الإنجاب لكن نحن والحمد لله متوكلين على الله) ، ولا أعلم إن كان هناك شيء ما مثل سحر أو عين أو شيء من هذا القبيل وذلك لأنه تلازمه الأحلام بشكل مستمر أحلام مزعجة أو مرعبة بشكل أصح بالإضافة أنه يحس بشيء يضربه في أماكن عدة في جسده وألم في رأسه كأن هناك شيئا ما يدخل من أذنيه ويخرج منها فيستيقظ فزعاً جداً وتعاوده في أغلب الأحيان أكثر من مرة في نفس الليلة وطبعا يستيقظ في اليوم التالي في تعب جسدي شديد وبنفسية سيئة على الأقل في الصباح حتى تمر ساعات اليوم وينسى ما حدث في الليل وقد زادت هذه الحالة في هذه الأيام وأصبح لا يرغب في الذهاب إلى العمل، حتى مع العلم بأنه دائم الصلاة والدعاء وقراءة القرآن وحفظه أيضا لا أعلم ماذا أفعل، فأنا أنظر إليه ولا أستطيع فعل شيء له ولا أستطيع التحمل وأنا أراه يتعذب، فأرجو أن تفيدوني في إيجاد حل لمشكلتي وإلى من أتوجه، مع العلم بأننا نسكن هنا في قطر فأرجو إعلامي إن كان هناك من يستطيع مساعدتي في هذا فأتوجه إليه بعد أن تفتوني في الأمر إن كان هناك سحر، وهل ممكن علاجه، فقد اطلعت على الفتاوى الموجودة، لكن لم أستطع أن أعلم بالتحديد ما يجب عمله؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين جميعا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك إلى من تتوجهين؟ فجوابه أن تتوجهي إلى الله تعالى، فإنه وحده هو الذي بيده الأمر كله، فننصحكم باللجوء إليه، والإلحاح عليه في الدعاء، وقد وعد الله الكريم بإجابة المضطر، فقال: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ {النمل:62} ، واعلمي أنه لا يوجد داء إلا وله دواء، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لم ينزل داء أو لم يخلق داء إلا أنزل أو خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله؛ إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت. رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ولمسلم عن جابر يرفعه: لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل.
واعلمي كذلك أن الله جلت قدرته يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله تعالى، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه ابن ماجه.
ولا بأس بأن تلجؤوا إلى شخص معروف بالرقية الشرعية إذا كنتم تخشون أن يكون الذي بزوجك سحر، ويوجد في البلد الذي أنتم فيه أشخاص زكتهم وزارة الأوقاف وقبلت رقيتهم. وإن سألتم المشايخ الموجودين في قسم توجيه الأئمة والخطباء التابع لإدارة المساجد دلوكم عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(9/4683)
نصائح لاجتناب المعاصي والذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لما أقوم بعمل صالح أو أدعو إلى الله أتبعها بالمعصية؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا تفسير لما يحصل لك، إلا أنا نفيدك أن الشيطان قد حلف على إغواء الناس وإضلالهم، وهو لا يسأم من مواصلة العمل في تحقيق ما عزم عليه، ولقد صدق ظنه على كثير من الناس فاتبعوه.
فننصحك بالإكثار من العمل الصالح، وأن تجددي التوبة كلما حصل منك خطأ أو ذنب، ونرجو الله أن يغفر لك كل ذنب استغفرت منه، وأكثرت بعده من الأعمال الصالحة، وجاهدي نفسك في الإقلاع عن جميع الذنوب، واستعيني بالله في تحقيق ذلك، وأكثري من مجالسة أهل الخير ومن مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب.
وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73902، 76210، 31768، 33860، 73937، 69905، 56356، 76643، 66163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(9/4684)
الأدب والخلق الحسن من أفضل ما يكسبه المرء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأدب الضائع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم ما تقصده من هذا السؤال، وعلى أية حال فإن الأدب والأخلاق الحسنة هي من أفضل ما يكسبه المرء، فقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثاً أو مرتين، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً. رواه أحمد.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. رواه مالك في الموطأ. وفي صحيح البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خيركم أحسنكم خلقاً. ففي هذه الأحاديث بيان عظمة الأخلاق في الإسلام، والأخلاق هي أساس بناء الأمم كما قال القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(9/4685)
معرفة ثلث الليل الآخر وحكم الانتفاع بمكافأة حفظ القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية أود أن اشكر كل العاملين والقائمين على هذا الموقع الرائع والذي أعتبره جزءا مني وألجأ إليه في الكثير من الأمور والحمد لله فقد استفدت كثيراً منه بفضل الله تعالى، عندي سؤالان هما: أي ساعة تقريبا يكون الثلث الأخير من الليل حيث إني وبحمد الله تعالى أسيقظ لصلاة الفجر قبل الأذان تقريبا بـ 45 دقيقة, فهل الصلاة التي أصليها تكون في وقت الثلث الأخير أم لا؟
السؤال الثاني هو: أني وبحمد الله أحفظ القرآن الكريم في مركز لتحفيظ القرآن وهذا المركز يعطي على حفظ كل جزء 5 دنانير أي ما يعادل 30 ريالا، سؤالي هو هل آخذ هذا المال أم أتصدق به فأفيدوني أرجوكم، أخيراً أرجو أن تدعو لي بحفظ كتاب الله كله والعمل به وتثبيته إن شاء الله لي ولجميع المسلمين وأن تدعو لي أن يرزقني الله الزوج الصالح؟ وجعله الله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 19243 بيان طريقة معرفة ثلث الليل الآخر وصلاتك التي تؤدينها إن كانت قبل طلوع الفجر فهي واقعة في ثلث الليل الآخر، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 34845.
وإذا كان انتسابك لمركز تحفيظ القرآن بقصد الحفظ فقط من غير قصد الحصول على مال ولا تشوف إليه، وكان المركز يقوم بتشجيع من يحفظ جزءاً مثلاً بدفع مبلغ معين فلا حرج عليك في الانتفاع بالمبلغ المذكور، ولك التصدق به إن شئت، وراجعي فيه الفتوى رقم: 58637.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك حفظ القرآن الكريم، وأن يمن عليك بزوج صالح، وأن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(9/4686)
الخوف من الرياء لا يصد عن العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أحافظ على أغلب السنن ولله الحمد ولكن مشكلتي أنني أخاف من الرياء بحيث إنه بدأت تقل الطاعات خوفا من أن يراني أحد فتصبح رياء وأعلم أن العمل لا يكون رياء إلا إذا كانت النية كذلك ولله الحمد أنني لا أقوم بالعمل إلا إذا ابتغيت به وجه الله فماذا أفعل وكلما شكوت إلى أمي ذلك تقول لي مازلت صغيرة في السن والإيمان متذبذب لديك وإن هذا سيتلاشى عندما تكبرين وأنا لا أرى أن العمر مقياس الإيمان مع العلم أنني أحس أن بعض الأيام أحب العبادة وأقبل عليها أكثر من أيام أخرى وخاصة وقت الإجازات أحس أن الإيمان يرتفع بعكس أيام المدرسة عمري (16) عاما؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا في حرصك على الالتزام بالسنن، ونسأله سبحانه أن يزيدك حرصا على الخير. وأبشري بما يسرك إن دمت على الاستقامة وأنت في مثل هذا العمر الذي قد يعظم فيه الأجر.
والخوف من الرياء من شأن أهل الإيمان، ولكن تثبيط النفس به عن عمل الصالحات من كيد الشيطان، فينبغي أن تكوني على حذر. وراجعي الفتويين: 30366، 65194. وإذا قمت بالعمل مخلصة فيه ابتداء فهذا هو الأهم، وإذا طرأ عليك الرياء فيجب عليك مدافعته، فإن فعلت فإنه لا يضرك، وراجعي تفصيل ذلك بالفتوى رقم: 13997.
وأما أمر الإيمان فلا علاقة له بالعمر، فكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كانوا شبابا، وكان إيمانهم كالجبال، فينبغي على كل مكلف أن يحرص على ازدياد إيمانه وأن يتعاهده.
ولا ريب أن الإيمان له فترات، فيزيد أحيانا وينقص أحيانا، وخاصة عند وجود الشواغل كأمر الدراسة التي ذكرت ونحو ذلك، ولكن ينبغي لك أن تحرصي على تحصيل كل وسيلة تكون سببا في زيادة الإيمان، ومن ذلك الحرص على العلم النافع والعمل الصالح والتواصل مع الأخوات الصالحات المؤمنات. وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى: 25854، 33262، 51169.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(9/4687)
هل يعاقب الوالد بذنوب ولده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحاسب والداي على معصيتي إن كانا متوفيين؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عدل الله تعالى أنه لا يعاقب أحدا بذنب غيره. قال تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} وقال تعالى: كُلُ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ. {الطور: 21} والوالد لا يعاقب بذنب ولده وإنما يعاقب على ذنوبه هو فقط، ومن الذنوب تقصيره في تربيته أولاده وعدم نصحه لهم. وانظر الفتوى رقم: 73465، وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدَّثر:38}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1428(9/4688)
هل يغفر الله تعالى للمرتد إن تاب وأناب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله توبة من قام بالكفر؟ وأعوذ بالله؟
لو أن أحدا وطئ المصحف الشريف بقدميه، ولجأ إلى ساحر كافر وهو يعلم، هل بعد كل هذا تقبل توبته؟ مع كل ما يذكر بالقرآن الكريم ما معناه أن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر فقط لمن يعملون السوء بجهالة؟ فما حال من يفعل كل هذا وهو يعلم ويريد التوبة، الله يجزيكم الخير أرجو أن أريح هذا الشخص الذي يريد التوبة النصوح وكيف يتوب؟ حتى تقبل توبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن وطء المصحف أو إلقاءه بالقذارة أو نحو ذلك من أنواع الإهانة يعتبر ردة مخرجة عن الملة والعياذ بالله تعالى.
أما الذهاب إلى الساحر فإنه معصية كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 71777، والفتوى رقم: 66422، ومن فعل ذلك كله وتاب إلى الله تعالى توبة صادقة قبلت توبته إن شاء الله تعالى، لقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {الزُّمر:53} وقوله صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. والآية الثانية المشار إليها ليس معناها أن من عمل معصية وهو يعلم أنها معصية لم تقبل توبته بل معناها أنه بذلك الفعل يرتكب جهالة حتى يتوب إلى الله تعالى وينزع عنها كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 73437، قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) يعم الكفر والمعاصي فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. قال قتادة: أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا. انتهى.
ولبيان شروط التوبة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 6796.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1428(9/4689)
أمور يستعين بها السالك في الطريق إلى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي القيم الروحية التي توجه الإنسان اتجاه نفسه خالقه غيره ومحيطه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم ما يساعد على تحقيق ما سألت عنه الاشتغال بالقرآن والإكثار من تلاوته وقيام الليل به مع التدبر والإكثار من مطالعة كتب الترغيب والترهيب والرقائق وصحبة أهل الخير وتذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة والتحلي بمحاسن الأخلاق والبعد عن مساوئها، والإكثار من ذكر الله والحفاظ على الصلاة في وقتها، مع الإكثار من سؤال الله الهداية والاستقامة والحرص على أداء الحقوق والمعاشرة بالحسنى للأقربين والجيران وجميع الناس.
والموضوع على كل يشمل جميع أمور الدين، لأن الدين يتمثل في أداء حق الله وحق النفس وحق الخلق، فوسائل الهداية للالتزام بأمر الله في جميع شعب الحياة في التعبدات والأخلاق والمعاشرات والمعاملات يتعين البحث عنها والسعى في العمل بها حتى يكسب العبد الهدى لأمر الله في جميع هذه الأمور، وراجع للاطلاع على بعض هذه الأسباب وللمزيد من التفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76210، 31768، 76425، 76270، 73825، 67063، 52011، 43604، 35645، 35122، 30758، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(9/4690)
قاتلوا الحسين إذا تابوا فهل يغفر الله لهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح القول بأن الله تعالى لا يغفر لقاتلي الحسين، لما ارتكبوا من جريمة شنعاء في حق العترة المحمدية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقتل الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أبيه كان في عهد يزيد بن معاوية، وقد كان ذلك من الأمور العظيمة، ومن المنكرات الجسيمة التي قام بها، قال عنه الذهبي: افتتح دولته بمقتل الحسين واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، ولم يبارك له في عمره. انتهى.
وكان قتله رضي الله عنه على أيدي أعوان عامل يزيد: عبيد الله بن زياد -عاملهم الله بما يستحقون- وذلك في مأساة هزت المجتمع المسلم في وقتها، وألقت بظلالها عليه فيما بعد، وقتل المسلم أياً كان يعتبر جرماً عظيماً وذنباً كبيراً، قال الله تعالى في كتابه: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقاً - ومعنى معنقاً: خفيف الظهر سريع السير- صالحا ما لم يصب دما حراماً، فإذا أصاب دما حراما بلح. أي أعيا وانقطع. وروى ابن ماجه وغيره عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق.
فدلت هذ الآيات والأحاديث على عظم جرم مثل هذا الفعل وقد ذهب ابن عباس وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة والضحاك والحسن إلى أنه لا توبة لقاتل العمد، وإذا كان كل هذا في قتل أي مسلم، فما بالك بقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته؟ ومع كل هذا، فإن القول بأن الله تعالى لا يغفر لقاتلي الحسين رضي الله عنه يعتبر قولاً على الله بغير حق، فالصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أن القاتل أياً كان نوع قتله داخل في عموم قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(9/4691)
الخوف من الموت هل يعد دليلا على نقص الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية جزاكم الله خيراً على موقعكم هذا المنير، توفيت جدتي منذ أسبوع ومنذ هذا الأسبوع وأنا في خوف شديد فلقد رأيت لأول مرة في حياتي إنسانا يحتضر ويموت أمامي، جدتي سيدة عجوز وكانت تعاني من بتر في إحدى قدميها منذ ثلاث عشرة سنة وكانت مقيمة عندنا أبناؤها ليسوا بارين بها كانوا لا يأتون لزيارتها إلا كل ثلاث أسابيع مرة أو حتى شهر ونصف على الرغم من قصر المسافة بيننا وبينهم حتى أمي جاءت عليها فترة تضجرت منها وتمنت لو أن أحدا من أبنائها يأخذها فترة حيث كانت جدتي رحمها الله فاقدة الوعي في الفترة الأخيرة من حياتها ولك أن تتخيل أي إنسان فاقد درجة من الوعي ماذا يفعل، أما بالنسبة لي فقد كنت متعاطفة معها إلى حد ما وأقوم على طلباتها قدر المستطاع وكانت دائما تدعو لي، أما بالنسبة لآخر يومين من حياتها لا أستطيع أن أمحيهم من ذاكرتي ما حييت كما ذكرت أنا لأول مرة أري شخصا يحتضر وكنت لا أعرف ماذا أصنع لها فأسرعت وأحضرت كتاب صحيح الأذكار واستخرجت الدعاء الذي يقال للمحتضر وسبحان من قواني على هذا حيث إنني أخاف جداً وحتى أنني قلت لها قولي لا إله إلا الله إعمالاً بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ورأيتها تحرك شفتيها بهذه الكلمة وبعد قليل فارقت الحياة كما أنني رأيتها وهي تغسل، أما بالنسبة للسؤال فهو: لقد سئمت الحياة منذ هذا الموقف وعرفت كيف معنى الحياة وأشعر بالخوف الشديد، فهل هذا الخوف دليل على نقص الإيمان، كما أنني خائفة جداً من القبر وما سيحدث فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف من الموت يعتبر من الخوف الطبيعي، لأن الموت مصيبة يحصل بها انقطاع المؤمن عن المزيد من العمل الصالح ويحصل بها يُتْمُ الولد، قال الله تعالى: ... فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ {المائدة:106) ، وبناء عليه فإن الخوف من الموت لا يدل بمفرده على نقص الإيمان، بل إن تذكر الموت أمر مطلوب شرعاً، لما في الحديث: أكثروا من ذكر هادم اللذات. رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد حض الشرع على زيارة الموتى لأنها تذكر بالآخرة، كما في الحديث: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة. رواه مسلم. وعلى المسلم أن يجعل من خوفه من الموت حافراً له على استكمال الإيمان والعمل الصالح في جميع شعب حياته، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {آل عمران:102} ، ونسأل الله أن يحسن عزاءكم في جدتكم، ونذكركم بما في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73790، 13448، 43006، 29469، 22947، 75355.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(9/4692)
يكفر الذنب بالتوبة النصوح
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أدرس بدولة كفر وأنا في هذه الفترة لم أكن ملتزما بالصلاة وكنت أشرب الخمر ومصاحبا لفتاة لمدة 7 سنوات، وكنت أخونها مع أخريات ومع انتهاء دراستي لقد غادرت هذا البلد ولم أتزوج منها كونها غير مسلمة وهذه الفتاة كانت يتيمة، فهل قول الله تعالى ينطبق عليها (فأما اليتيم فلا تقهر) ، وأنا كيف حضرت إلى بلدي وأنا لم أوفق في أي شيء لا في زواج ولا في عمل ولا في أمر أقصده وإن كان وراءه خير أحيانا أفكر بأن ذلك نتيجة الطيش الذي عشت فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أنك في فترة دراستك في البلد التي وصفتها بأنها بلد كفر لم تكن ملتزماً بالصلاة، وأنك كنت تشرب الخمر، وتصاحب الفتيات وتخونهن، إلى آخر ما ذكرته ... أقول: إن ما ذكرته من هذه الأمور يدل بوضوح على أن الدراسة في بلدان الكفر لمن لم تتمكن عقيدته ويترسخ إيمانه تعتبر خطراً عظيماً، ومن العجيب أن الذي يهمك من كل هذا وتريد السؤال عنه هو ما إذا كانت علاقتك بتلك الفتاة ينطبق عليها قول الله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {الضحى:9} ، فاعلم أن ما ذكرته من أعمال ينطبق عليه أولاً قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} ، والمراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها، فكيف بمن تركها كلياً، وينطبق عليه أيضاً قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} ، أي يؤخرونها عن وقتها المؤقت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: فقد حبط عمله. كما ينطبق عليه أيضاً قول الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال، قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار. رواه مسلم وغيره.
وأما عن اليتيمة فيجب أن تعلم أولاً أن وصف اليتيم يزول بوصول الشخص إلى مرحلة البلوغ، وعليه فإذا كنت قد أكرهتها على فعل الفاحشة معك وهي لا تزال غير بالغة فلا شك أنك بذلك تكون داخلاً في قول الله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {الضحى:9} ، وعلى أية حال، فإن الله تعالى يكفر الذنب بالتوبة النصوح، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم:8} ، وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، فبادر إلى التوبة مما اقترفته، واندم عليه واعقد العزم على أنك لن تعود إلى مثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(9/4693)
من الطرق المثلى التي يخدم بها المسلم دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 31 سنة أحاول بقدر الإمكان أن أنفذ أوامر الإسلام وسنة رسول الله ولكن فى فترة كبيرة من حياتي كنت غافلا عن تعاليم ديني وأوامره ولذلك ليس عندي قدر كبير من العلم، ولكني هذه الفترة أحاول أن أحضر مجالس العلم وأستمع إلى شرائط علماء الإسلام وأتفقد المواقع الإسلامية على النت لكي أستفيد، السؤال الأول: أريد أن يكون لي دور إيجابي لكي تستفيد مني الأمة فماذا أفعل،؟
السؤال الثانى: أنا عضو فى جمعية خيرية تقوم بجميع الأعمال الخيرية من حملات علاج للمحتاجين والأيتام وجمع تبرعات ورعاية المسنين وتنظيم حفلات للأطفال المرضى والمعاقين ليشعروا بالبهجة والسرور وأعمال أخرى تفيد المجتمع هل هذه الأعمال كافية ليكون الشخص إيجابيا تستفيد منه الأمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاهتمام بدراسة العلوم الشرعية؛ فاحرص على حفظ القرآن وتمنَّ على الله أن يجعلك من حملته الذين يعلمونه ويؤمون الناس به، واحرص على تعلم الأحكام الشرعية مع تعلم ما أمكن من أدلتها، واعمل بما علمت وعلمه لمن يحتاج، فمن أعظم ما يفيد الأمة في هذا الزمن الذي توفرت فيه الوسائل وقل العلماء أن يعتني أصحاب الأهلية بالعلوم الشرعية تعلماً وتعليماً، فابحث عن بعض الأذكياء وبرمج معهم برامج تعليمية فعلمهم إن كنت مستطيعاً أو اصحبهم معك لبعض أهل العلم الذين يوثق بهم، وحاول أن تنشئ بعض الشباب تنشئة علمية حتى يتعلموا فروض الكفايات ويعلموها للناس.
وأما الأعمال الخيرية فهي مفيدة ونسأل الله أن يتقبل منك ومن أصحاب الجمعية أعمالكم، ولكنه يتعين استعمال تلك الخدمات والاستفادة منها بجعلها وسيلة لربط الناس بالله وتقوية إيمانهم، وهذه المساعدات لها أثر شديد على نفوس المحتاجين لها، فقد أضل النصارى كثيراً من الناس عن طريق أنشطتهم ومساعداتهم للطبقات الضعيفة، فعلى المسلمين أن يهتموا بهذا الجانب ويجعلوه وسيلة لتمسك هؤلاء بدينهم.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59868، 57232، 54159.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(9/4694)
الإخبار بالمعصية لغرض شرعي هل هو من المجاهرة
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله وبارك لكم وفيكم، سؤالي هو عن الفتوي رقم 81071، لقد اختلط علي الأمر في هذه الفتوى وأطرح سؤالي قائلاً: ألا يعد إخبار الزوجة لزوجها بهذا الأمر إن اقترفته مجاهرة بالذنب، فأرجو توضيح هذه الفتوى لي لأن الأمر تلبس علي ولم أفهم محتواها جيداً؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين ما إذا اخبرت المرأة زوجها بحصول ما علق عليه طلاقها ولو كان ذلك فاحشة أو غيرها وبين إرشاد الشارع إلى الستر وتحريم المجاهرة بالمعصية، لأن هذا ليس من المجاهرة المنهي عنها للحاجة إليه فهو كمن أقر عند القاضي ليقيم عليه الحد، قال الشيرازي في المهذب: فإن لم يظهر ذلك فالأولى أن يستره على نفسه ... ، وإن أظهره لم يأثم لأن ماعزا والغامدية اعترفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمهما ولم ينكر عليهما.
والمجاهرة المنهي عنها إنما هي هتك ستر الله عن العاصي والتحدث بها لغير غرض شرعي معتبر، والمرأة هنا إن حدثت زوجها بما كان منها فإن ذلك ليس من المجاهرة المنهي عنها، ولا ينبغي أن تصرح له وتذكر تفاصيل ما ألمت به لكن تذكر له أن ما علق عليه طلاقها قد حصل ويجب على زوجها أن يسترها ولا يذكر سبب فراقه إياها، وإن سئل فليعرض ولا يصرح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1428(9/4695)
التفكير في المستقبل البعيد والقريب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة أني أفكر في المستقبل كثيرا ولا أفكر في الموت إلا قليلا. وكيف أفعل لكي لا أصاب بالغرور؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم العاقل أن يصب تفكيره على المستقبل البعيد والمصير المجهول الذي يعلم أنه صائر إليه لا محالة مهما طال الزمن: مصير الجنة والنار وأهوال القيامة المصير الذي يقول الله تعالى عنه: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار:13-14) ويقول تعالى عنه: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ {الشورى: 7}
ومصير الموت وما بعد الموت الذي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على ذكره والتفكير فيه فقال: أكثروا من ذكر هاذم اللذات - يعني الموت - فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه. رواه ابن حبان في صحيحه.
وأما التفكير في المستقبل القريب فلا ينبغي للعاقل أن ينهمك فيه أو يجعله أكبر همه، وعليه الأخذ بالأسباب والتوكل على الله بعد ذلك، وأما تجنب الغرور والعجب فيكون بالتواضع والخضوع لله تعالى والتبرؤ من الحول والقوة ونسبة ما عند العبد من نعم إلى الله تعالى.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 3508، 63817، 32856، 5903.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1428(9/4696)
التسابق الحقيقي إنما يكون في الفوز بدرجات الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود منكم التكرم في مساعدتي في كيفية التصرف مع من يمتلك صفات ليست لدي ويتعالى بها علي، فهؤلاء أعيش معهم ويهمني أن أعرف كيف أرد عدوانهم فهناك أخي الذي يستخدم قوته البدنية إذا حصل معه احتدام في النقاش وهناك زوجة أخي الجميلة التي رفضت أن أخرج معها يوم زفافها واستبدلت بي بنات من جماعتها جميلات رغم أن من المتعارف عليه عندنا أن أخوات العريس والعروسة هن من يقمن بزف العروس وهذا حصل وأنا صغيرة ونفس الشيء تكرر مع كثير من الجميلات اللاتي قابلتهن في حياتي يكن مغرورات على الرغم أن هذا هبة من الله، وأنا الآن أريد أن أتصرف بشكل سليم فأنا حريصة جداً أن لا أظلم أحدا ولا أطيق أبداً أن يذلني أحد بشيء لمجرد أنني لا أمتلكه، فهل الأسلوب الانسحابي وعدم المواجهة هو الأفضل مع أخي أم ماذا وأنا أردت أن أستشيركم لأني أردت أن تكون تصرفاتي قائمة على أرضية سليمة وأريد وأنا أقوم بأي تصرف أن أكون قوية وواثقة أن هذا هو التصرف الصحيح القوي وليس حيلة أخدع بها نفسي تجرني إلى مزيد من القهر والعذاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم أخوك ومن ذكرتهن من الجميلات التي قلت إنهن يرفضنك ويستبدلنك بالبنات الأخرى الجميلات أن هذا سوء خلق وتعال على الناس بزخرف الدنيا، وأن الواجب على العبد أن يتخلى عن حظوظ النفس وشهواتها التي تدفعه لحب ذاته، والتعالي على الآخرين، والفخر بما أوتي من جمال أو قوة أو جاه أو منصب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد. رواه مسلم وغيره.
أما أنت -أيتها الأخت الكريمة- فنوصيك بالصبر والرضا بما قسمه الله لك، فإن زخارف الدنيا ليست هي مجال التغابن بين المسلمين، وإنما التغابن والتسابق يكون في درجات الآخرة، فقوي ثقتك بالله، واطلبي ما عنده، وثقي بنفسك، واحمليها على فضائل الأمور ومعاليها، وازهدي في الأمور التافهة، ولا شك في أن الأسلوب الانسحابي وعدم المواجهة هو الأفضل في التعامل مع من لا يحكم العقل، فقد قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1428(9/4697)
التوبة ودعاء العبد ربه أن ينسيه ذنوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل, حفظك الله ... وبعد: أنا علمت أن الله عز وجل عندما يعفو عن التائب فمعنى ذلك أن ينسيه ذنبه فلي عدة أسئلة مهمة جداً حول هذا الموضوع وأرجو من الله تعالى الإجابة الوافية عليها لو تكرمتم ... أذكر أنه قبل توبتي وفي أحد المشاكل الزوجية أسمعت زوجي وقتها كلمة جارحة جدا عندما أتذكرها أكاد أجن وأستغفر ربي كثيراً وأبكي وأقول في نفسي لماذا خرجت مني هذه الكلمة، فهل كنت وقتها فاقدة عقلي وذلك من شدة ندمي وتعجبي من نفسي كيف نطقتها فأتعبتني كثيراً وقد مرت سنوات عديدة عليها فكل مرة أقول ما في إلا أن أطلب من زوجي أن يسامحني عليها وبنفس الوقت لا أتجرأ أن أعيد قولها، فكنت في عذاب فقررت أخيراً أن أذكر له ذلك وأنا بوضع مربك للغاية فقال لي وبكل تأكيد وحتى تعجب مني قال لي: أنت لم تقولي لي ذلك أي يقصد الكلمة الجارحة التي ذكرتها له.. وكررت عليه أني قلتها وهو مصمم ومتأكد من ذاكرته القوية وينفي أن أكون قد قلتها وأحضر لي دليلا على عدم قولي لتلك الكلمة له ونفي توجيهها له فقال أولا لو كنت قلتها لقمت فورا بطلاقك أو أنه لشدة إهانتها أكون قد فقدت أعصابي وذلك يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وأكيد أكون أنا وأنت كذلك متذكرين تلك الآثار، وثانيا أنت زوجتي وأعرفك مؤدبة لا تتجرئي على إلقاء هذه الكلمات، أنا لحظتها فعلا تعجبت من أمري فقلت له ربما، ولكن قلت له على أي حال سامحني، فقال أنا مسامحك دنيا وآخرة، لكنني ذكرت هذا الموضع لأخي وهو إنسان متدين جدا وعنده العلم الشرعي فقال لي أنت حقا تكوني بلحظة العصبية الشديدة قد قلت له ذلك وعندما تبت إلى الله ومع ندمك الصادق وكثرة استغفارك يكون الله تعالى قد عفا عنك وعندما يعفو الله عز وجل فإنه يُنسي الذنب، فأتساءل لو كان الله عز وجل قد عفا عني أليس كان من الرحمة لي أن أنسى أنا الذنب أو أنا وزوجي معا, والله يا أخي الفاضل لا أقول ذلك إلا للاطمئنان بعفو الله عني.
الاستفسار الآخر.. أريد من فضلك أن أفهم حقيقة المغفرة وأنا كما قلت سمعت أن معناها أن العبد ينسى ذنوبه، فهل مثلا إذا أنا أذنبت وأسرفت فيه على نفسي وكان قد علم به شخص ما، فهل إذا تبت منه وغفر لي الله عز وجل هل ينسيني إياه وينسي ذلك الشخص الذي علم بحقيقة فعلي، وحادثة أخرى ... وهي أني كنت أضايق أمي بكلامي وبرفع صوتي عليها قبل توبتي فلما تبت كنت أتألم جدا عندما أتذكر ذلك فكنت في كل مرة أتصل بالتليفون معها أطلب منها السماح فتقول يا بنتي أنت لم تفعلي شيئا معي حتى لو كنت كذلك فكان عن جهل وتضحك وهي مبسوطة ولا كأني كنت أسمعها أي كلمة تضايقها طيلة حياتي، لو قلنا إن الله عز وجل قد غفر لي وأنسى أمي ذلك لماذا لم أنس أنا وأظل أحترق داخليا وأتألم من الندم، سؤال مهم الله يرضى عنكم تجيبوني عليه، هل يصح أن أطلب من الله في دعائي أن ينسيني ذنوبي, وذلك لأني تأتي علي لحظات أو أيام أكاد أجن عندما أتذكرها طبعا مع حرصي الشديد على ملازمة الأستغفار والتوبة ومراقبة تفسي في السر والعلن حتى أنه من شدة تعبي وتعجبي من نفسي أنني كيف كنت أعمل هكذا وأحكي هكذا أصل لدرجة أقول في نفسي لا لا ليس معقولا أني فعلت هذا هذا حلم أو هذه ليست نفسي صدقني أقول ذلك حتى أنجو بعقلي، فأرجو من الله تعالى يا أخي الفاضل أن تجيبني على كل استفسار بدقة ولا تهمل أي منه لأني بحاجة ماسة للإجابة الشافية بإذن الله تعالى؟ سددكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن زوجك من أنه مصمم ومتأكد من ذاكرته القوية، وأنه ينفي أن تكوني قد قلت له تلك الكلمة الجارحة، وما ذكرت أنه أحضره لك من دليل على عدم قولك لتلك الكلمة له، وأنك لو كنت قلتها لقام فوراً بطلاقك أو لكان من شدة إهانتها قد فقد التحكم في أعصابه، وأنه من المؤكد أن تكوني أنت وإياه متذكرين تلك الآثار، وأنه يعرفك مؤدبة لا تتجرئين على إلقاء مثل هذه الكلمات ... وما ذكرته عن أمك من قولها لك: يا ابنتي! أنت لم تفعلي شيئاً معي، وما ذكرته من ضحكها وبسطتها ... أقول: إن هذه الأمور كلها وغيرها مما فصلته في سؤالك، تدل بوضوح على أن تلك الأخطاء لم تصدر منك، وإنما يوسوس لك الشيطان بها ليتعبك وينغص عليك سعادتك واستراحتك.
ولو افترضنا -جدلاً- أنك قد ارتكبت شيئاً من تلك الأخطاء، فإن الشرط الأول من شروط التوبة هو الندم، وأنت في أشد ندم على هذه الأمور، كما أن الذنوب التي فيها حقوق للعباد يشترط لعفوها أن يعفو أصحابها عن حقوقهم، وأنت قد ذكرت عن أمك وزوجك ما ذكرته من المسامحة والرضا عنك.
واعلمي أن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، كما روى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهوني على نفسك ولا تتركي الشيطان يلعب بك، ثم اعلمي أنه ليس من دليل على أن الله عز وجل عندما يعفو عن التائب أنه لا بد أن ينسيه ذنبه.
وفيما إذا كان يصح أن تطلبي من الله في دعائك أن ينسيك ذنوبك، فجوابه أن الله تعالى قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة عليه، ما لم يكن آثماً أو قطيعة رحم، وعليه فلا حرج في أن تطلبي ذلك من الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1428(9/4698)
الطريق إلى تذوق حلاوة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا أشعر بحلاوة الإيمان وأذني لا تحب سماع القرآن بل أفضل أن أقرأه على سماعه؟ وما الحل؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يريد أن يذوق حلاوة الإيمان ولذته لا بد أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأن يحب أهل الإيمان ويكره أهل الكفر، ففي الحديث: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: ذاق طعم الإيمان: من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا. رواه مسلم.
والرضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ليس مجرد كلمة يقولها اللسان، وإنما سلوك معلوم وتوجه صادق والتزام بما جاء به الشرع الحنيف.
فعلى الأخت الكريمة –لكي تبلغ هدفها- أن تحافظ على الفرائض وتكثر من النوافل والطاعات، فقد جاء في الحديث الشريف: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ... الحديث.
وإذا اتصفت بهذه الصفات وتقربت إلى الله تعالى بالطاعات، فلا شك أنها ستجد حلاوة الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وإذا لم تجد حلاوة الإيمان بعد هذا فلتعلم أنها قد أخلت -قطعا- بشيء من هذه الأمور، أو أنها لم تأت بها على الوجه الصحيح.
وما ذكرته من أن أذنها لا تحب سماع القرآن هو أيضا ناتج عن نفس السبب الذي نتج عنه عدم شعورها بحلاوة الإيمان. فإذا عالجت المسألة علاجا صحيحا فسيزول عنها الأمران إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(9/4699)
ترك الذنب خوفا من عقاب الرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن التوبة النصوح بأن يندم الإنسان على ما فعل ويكره أن يرد إليه ثانية، فما بال الذي يترك الذنب خوفاً من الله وعقابه وليس كرهاً للذنب، فهل هو منافق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترك المعصية خوفاً من غضب الله تعالى وعقابه ليس من علامات النفاق، وإنما هو من علامات مراقبة العبد ربه جل وعلا، فقد امتدح الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ {المعارج:27} ، وقال تعالى مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {الأنعام:15} .
ونصوص الوحي في هذا المعنى كثيرة، ولكن الخوف المحمود هو الذي يدفع صاحبه إلى العمل الصالح ولا يؤدي به إلى اليأس والقنوط، والمنهج الصحيح أن يجمع العبد بين عناصر العبادة الثلاثة: الخوف والرجاء والمحبة، كما قال الله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الأنبياء:90} ، والأفضل أن يغلب العبد جانب الخوف في حال صحته، وأن يغلب جانب الرجاء في حال مرضه، وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25072، 33728، 46155.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(9/4700)
فتاوى حول الربانيين وصفاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة الربانية في الإسلام، وما هي صفات الربانيين في الإسلام، المعذرة أريد نبذة عن حياة الشيخ أحمد ديدات، وهل من المكروه على أمثالي قراءة كتب المناظرات في علم مقارنة الأديان، باعتباري غير متخصص؟ وجزاكم الله خيراً، وبارك لكم في أعمالكم وصحتكم وأولادكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71100، 53377، 18859، 73607، 29347، 74500.
وراجع حياة الشيخ في مقالات الشبكة الموجودة بقسم الدعوة والإعلام، ويمكنك أن تراجع موقعه على الإنترنت.
واعلم أنه لا حرج عليك في قراءة كتب المناظرات التي يوضح فيها الحق، وأكثر من سؤال الله الهدى للحق دائماً والتثبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1428(9/4701)
وسائل تعين على غض البصر وقلة الكلام والطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل المعينة على ما يلي: غض البصر- ذكر الله كثيراً- قلة الطعام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما غض البصر فإن أعظم الوسائل التي تعين العبد عليه فهو مراقبة الله تعالى والحياء منه واستشعار معيته، وأنه يرى العبد ويطلع عليه، وكذلك الزواج أو الصوم لمن عجز عن الزواج، وانظري في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28873، 71122، 18768.
وأما قلة الكلام فإن مما يعين على قلة الكلام في غير ذكر الله استحضار خطورة اللسان، والعلم بأن أكثر ما يدخل الناس النار بسببه يوم القيامة هو اللسان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ... وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد إلسنتهم.
فإذا استشعر العبد خطورة اللسان، وأنه ربما يهوي به في النار سبعين خريفاً بسبب كلمة واحدة، فإنه حينئذ سيقل كلامه ويحترز أن لا يتكلم إلا بخير. وانظري الفتوى رقم: 48888، والفتوى رقم: 65531.
وكذلك كثرة الذكر مما يعين عليه استحضار ما أعده الله تعالى للذاكرين والذاكرات من الثواب يوم القيامة، فإن العلم بفضل الشيء يبعث الرغبة فيه والعمل لتحصيله، كما أن الرفقة الصالحة خير معين للعبد على ذكر الله تعالى. وانظري ما كتبه الإمام ابن القيم عن فوائد الذكر في كتابه (الوابل الصيب) فقد ذكر ما يقارب مائة فائدة.
وأما التقليل من الأكل وعدم الإكثار منه فمما يعين عليه معرفة مضار الإكثار من الأكل، فكثرة الأكل تورث الخمول، فيتكاسل العبد عن الطاعة ويفوته خير كثير، كما أن كثرة الأكل تورث الأمراض والأسقام فالبطن بيت الداء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وانظري للأهمية في الفتوى رقم: 2298، والفتوى رقم: 48493.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1428(9/4702)
هل الصدقة تكفر الكبائر مع الصغائر
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث للنبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الصدقة تمحو الخطيئة.........الخ
السؤال: هل الصدقة تمحو الخطيئة وإن كانت من الكبائر مثل الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذا النوع من الأحاديث هل ما ورد فيه هو تكفير الصغائر فقط وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة. أم أنه تكفير الجميع على قولين مشهورين:
الأول: أنه تكفير الصغائر فقط، وعليه الأكثر وقيدوا هذا الحديث وأمثاله بالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى عند شرح حديث: كَانَتْ كَفَّارَة لِمَا قَبْلهَا مِنْ الذُّنُوب مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَة وَذَلِكَ الدَّهْر كُلّه. قال: مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوب كُلّهَا تُغْفَر إِلَّا الْكَبَائِر فَإِنَّهَا لَا تُغْفَر، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الذُّنُوب تُغْفَر مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَة، ثم قال رحمه الله: قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث مِنْ غُفْرَان الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَة هُوَ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة، وَأَنَّ الْكَبَائِر إِنَّمَا تُكَفِّرهَا التَّوْبَة أَوْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى وَفَضْله.
الثاني: أنه يكفر الصغائر والكبائر وهو رأي طائفة وقد نصره شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أورد الحديث المذكور ثم قال: وَسُؤَالُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَقُولُوا الْحَسَنَاتُ إنَّمَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ فَقَطْ فَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا تُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: " مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ " فَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِوُجُوهِ. أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَاءَ فِي الْفَرَائِضِ. كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فَالْفَرَائِضُ مَعَ تَرْكِ الْكَبَائِرِ مُقْتَضِيَةٌ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الزَّائِدَةُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَوَابٌ آخَرُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ.
وَفِي السُّنَنِ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ. فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ إنْ حُمِلَ عَلَى الصَّغَائِرِ أَوْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ مَعَ التَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ. فَكَمَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْكُفْرِ لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُغْفَرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الصَّغَائِرِ الْمُكَفَّرَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ فَإِنْ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قِيلَ: اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ ثُمَّ يُصْنَعُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ كَذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ. وَهَذَا لَا يُنَافِي مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ مَعَ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَأَشْهَرُ وَهَذَا غَرِيبٌ رَفْعُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْر لِعُمَرِ؛ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي " رِسَالَتِهِ فِي الصَّلَاةِ ". وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبُولَ النَّافِلَةِ يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ عَلَيْهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى النَّافِلَةِ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ النَّافِلَةَ مَعَ نَقْصِ الْفَرِيضَةِ كَانَتْ جَبْرًا لَهَا وَإِكْمَالًا لَهَا. فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَوَابُ نَافِلَةٍ.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1428(9/4703)
ترك التدخين ونصرة سيد المرسلين
[السُّؤَالُ]
ـ[من النصرة المحمدية ترك المنهيات هل الذي يدخن نصر محمدا صلى الله عليه وسلم؟ ما هو المدى الذي يتم فيه النصرة، انصحوا نصيحة شاملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتدخين من المحرمات التي ورد الشرع الحنيف يحث على الابتعاد منها، لما يشتمل عليه من الضرر، وكنا قد بينا حكمه من قبل، فلك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 1671.
وإذا صح أن من النصرة المحمدية ترك المنهيات، كما قلت أنت -وهو صحيح- يستنتج من ذلك أن الذي يدخن قد أخل بجزء من مناصرته لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يجوز أن يجلس ويقول: ما دمت قد أخللت بجزء من مناصرة محمد صلى الله عليه وسلم فلا داعي إلى القيام بأي مجهود في هذا السبيل، بل الواجب عليه أن يترك التدخين وغيره من المحرمات، ويقوم لنصرة الدين، وقبل أن يتيسر له ترك ذلك فعليه أن لا يترك نصرة الدين، لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
ثم المجالات التي يمكن أن تتم فيها النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، ويمكن تلخيصها في عبارة واحدة هي التمسك بما جاء به من الدين، والذي ننصحك به وننصح به سائر المسلمين هو تعلم هذا الدين، والوقوف عند حدوده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(9/4704)
هل يحشرالمبتلى الصابر مع أيوب عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا مرض شخص بمرض مستعص (بسبب ذنوبه الشنيعة وكان هذا المرض -العقاب- سببا في هدايته) ، وشفاه الله بعد المعالجة بالرقية الشرعية والدعاء فقط، سيحشر يوم القيامة مع نبينا أيوب ويكون ممن يدخلون الجنة بغير حساب، أم إذا شفي لا يكون له هذا الأجر، أعرف رغم استفساري أن الله عز وجل كريم جواد، لكن بسؤالي هذا أريد قطع وساوس الشيطان وأكون على بصيرة من أمري؟ جزاكم الله أحسن الجزاء -الفردوس الأعلى-.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يبتلي عبده بما شاء من الابتلاءات لعله ينيب إليه ويتوب، كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ {الأنعام:42} فإذا تاب العبد بعد الابتلاء فإنه قد نجح في الامتحان، وعليه أن يحمد الله على كرمه وهدايته له، وإذا مست الابتلاءات المؤمن كفر الله تعالى بها من سيئاته ورفع درجاته في الجنة، كما في الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري. وفي الحديث: م ايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وأما كونه يحشر مع أيوب عليه الصلاة والسلام فلا نعلم دليلاً عليه، ثم أن ابتلاء الأنبياء أشد من ابتلاء غيرهم، كما في الحديث: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.... رواه البخاري. ولكنه يرجى للمسلم أن يجتمع مع النبيين في الجنة وإن لم يبلغ مرتبتهم، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد من الموضوع: 61088، 4539، 25874، 75163، 76268، 19002، 31887.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1428(9/4705)
التوبة الصادقة تمحق الذنوب جميعا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أناس لا يغفر الله لهم إذا استغفروا، وهل هناك قصة لشخص كان يعمل نباشا للقبور فسرق كفنا لفتاة ميتة واقترف معها الفاحشة والعياذ بالله ثم ذهب للرسول صلى الله عليه وسلم وحدثه عن ذنبه وأنه يريد أن يتوب وكان يبكي بكاءاً حاراً فلم يجبه النبي؟ جزاكم الله عنا خيراً.. وكفانا بفضله ورحمته شرور أنفسنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك عما إذا كان يوجد أناس لا يغفر الله لهم إذا استغفروا، فجوابه أن الله تعالى يغفر بالتوبة جميع الذنوب، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وفضل الله على التائب عظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
ولكن التوبة لها شروط لا تتم إلا بها، ويمكنك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 5450، وأما القصة التي سألت عنها فلم نقف عليها في شيء مما أتيح لنا النظر فيه من المصادر، ولا نظن أن أحداً ممن تشرفوا بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم يصدر منه مثل هذا الفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1428(9/4706)
الخوف والرجاء مطيتان
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل سؤالي هو: إني منذ فترة وأنا لا أشاهد أي شيء سوى شيخنا الفاضل عمر عبد الكافي، لكن لا أعلم أصبحت أخاف كثيراً وأشعر باكتئاب فظيع وأني لن أدخل الجنة، مع العلم بأني الحمد لله إنسانه متزوجة وملتزمة بديني، ولكن لا أخلو من بعض الهفوات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين على المسلم أن يظل دائماً بين الخوف والرجاء، وعليه أن يقوي جانب الرجاء حينما يريد الشيطان أن يلبس عليه ويقنطه من الرحمة، ويقوي الخوف عندما يريد تأمينه من سخط الله وغضبه، ويدل لتأكيد الحرص على الأمرين، قوله تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا {الأعراف:56} ، وقوله في وصف بعض الأنبياء: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء:90} ، ويدل لخطورة اليأس وأمن غضب الله قوله تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56} ، وقوله تعالى: أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ {الأعراف:99} ، وقال الناظم:
والخوف والرجاء واجبان * بوفقهم ومتلازمان
لأن محض الخوف يأس والأمل * مجردا أَمْنٌ وكل انحظل
قو الرجا إذا العدو جعلا * يقطع من نفع المثاب الأملا
وهكذا إذا وجدت كسلا * حصل عند قصدك التنفلا
وبناء عليه فننصحك بالإكثار من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، والنظر في كتب السير، وبالحفاظ على الصلاة والأذكار المقيدة والمطلقة، والتوبة الصادقة والإنابة لله كلما حصلت منك هفوه، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73364، 65393، 46678، 34952، 33728، 25072، 21032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1428(9/4707)
واجب المسلم في أيام الغربة والفتن
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع المتميز وأقول إنني عندي أسرة كبيرة الابن الثالث في العائلة لقد تعرضت لعدة فتن كبيرة ولا شك أن هذا الزمان زمن الغربة الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ملاحظة إلى علماء المسلمين لماذا لا يتكلمون عن الحق ولماذا بعدت السياسة عن الدين فأصبحت كلها قوانين وضعية ونريد التطور فهذا ليس حراما، ولكن عندى تعليق وهو نحن عندنا هدف كبير وهو عبادة الرحمن لماذا لا تقام دار فتوى إسلامية تضم كل علماء المسلمين وتكون بالخلافة ولا تعتمد أي فتوى إلا من هذه الدار لأن هذا زمن الغربة وهو نفس زمن غربة الرسول في أول الإسلام، لكن زمن غربة الرسول كان يوجد الرسول فهو منصور من الله، لكن في الزمان الغريب وبهذه الدار أي دار الفتوى تكون قد كونت جسدا إسلاميا واحدا وأقول إنه يمثل جسد الرسول، لكن نقترب من ذلك لكي نسحق هذه الفتن لأن هذه الفتن تجعل شبابنا في حيرة أي مد وجزر فيصابون بالإحباط والاكتئاب ولاحظت أيضاً كل السياسة العربية تتكلم عن الأمة العربية، هل نحن في عصر الجاهلية يجب أن نتكلم عن الأمة الإسلامية، أريد أن أسألكم وهو أنني أريد أن أغادر المدينة وأتجه إلى البرية لأعيش عيشة الكفاف مع الطبيعة وأمارس ديني لأنني في الحقيقة متعرض للعديد من الفتن، ولكن لا أقول إنني تقي أو أن إيماني قوي جداً، ولكن لما رأيت مع نفسي أن العادات والتقاليد التي ربطتنا في صعوبة الزواج، والتي تكمن في البيت فلا بد إن كنت ساكنا بين هؤلاء الناس يسألونك هل عندك بيت وهل عندك سيارة وهل عندك نقال ونظرت إلى أن بعض الناس الذين يعيشون في البرية لا يهتمون إلى هذا فقلت لنفسى لماذا لا أعيش بينهم وأبعد عن الفتن وأهتم بأمور ديني ولو عشت وحدي لأنني ما أراه فى هذا الزمان من النفاق فخفت أن أكون كذلك ومن الفتن تجعلني أتشبث بالدنيا، ولكن عندما أفكر في هذا الموضوع يؤرقني إخوتي وأخواتي، فماذا يفعلون، مع العلم بأنني مهندس كمبيوتر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح قولك: إن عندنا هدفاً كبيراً وهو عبادة الرحمن، وأنه يجب أن نتكلم عن الحق وعن الأمة الإسلامية قبل أن نتكلم عن السياسة وعن الشؤون العربية، وأن السياسة لا يجوز أن تبعدنا عن الدين، وأنه لا يجوز أن نستبدل قوانين الإسلام بالقوانين الوضعية، وصحيح أيضاً ما ذكرته من الفتن التي كثرت في هذا الزمان، وأن هذا الزمان هو زمان الغربة الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح مسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.
ثم قولك: لماذا لا تقام دار فتوى إسلامية تضم كل علماء المسلمين، ولا تعتمد أي فتوى إلا من هذه الدار؟ هو تساؤل وارد أيضاً، ولكنه -ولله الحمد- قد انتبه إليه العالم الإسلامي، وهو التحدي الذي دعا الأمة إلى الانتقال من فقه الفتاوى الفردية إلى فقه المجامع الفقهية، ولا شك أن القضايا الكبرى المستجدة في هذا العصر لا ينبغي أن يفتي فيها عالم واحد، وإنما يكون النظر فيها لجميع أهل العلم من كافة بلدان العالم.
وقولك: إنك تريد أن تغادر المدينة وتتجه إلى البرية لتعيش عيشة الكفاف مع الطبيعة وتمارس دينك لكثرة ما يعترض سبيلك من الفتن، هو رأي مصيب وقد يكون هو المتعين عليك إذا كنت لا تستطيع النجاة من الفتن إلا به، وأما إن كنت تستطيع دفع الفتن مع البقاء مختلطاً بالناس فإن ذلك يكون هو الأفضل لك، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. قال الشيخ الألباني صحيح، ونسأل الله العلي القدير أن يجنبنا وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1428(9/4708)
صبر الزوجين على تحري الحلال وتجنب الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي طفلان، زوجتي والحمد لله تحجبت بعد العديد من المجهودات وبمشيئة من الله عز وجل، ولكنها يراودها قلق غريب ودائم من الحجاب وذلك للتغريبة التي حصلت في بلادنا للمسلمين، لأن السائد في بلادنا المسلم لا التزام له سوى الصلاة ويعيش مثل الناس يقترض بالربا لشراء سيارة ولبناء مسكن ويحلق اللحية ليتمكن من العمل وينزع الحجاب للحصول على عمل، وهذا أحرجني في بناء أسرتي، وذلك لأني توكلت على الله وعزمت على عدم الالتجاء إلى القروض ولا إلى نزع الحجاب لأسترزق، وهذا التوجه أرهق زوجتي وجعلها دائما تشعر بعدم الاستقرار وتنوي تارة نزع الحجاب وتارة تطلب الطلاق وترى بأني أنغص عليها حياتها؛ فهل أعتبر نفسي بأني أمسكها ضرارا، هل رفضي للطلاق وتأكيدي لها بأنني لا أطلقها مهما كان الأمر منافيا لتعاليم الإسلام، وهل أنني مذنب في الإرهاق النفسي الذي أسببه لها، أريد حلا من فضيلتكم خاصة وأن علاقتنا على محبة كبيرة وبيتنا سعيد إذا ما لم نتطرق إلى تلك الاشكاليات؛ علما بأني لا أجد أن أصبرها وأخرجها من الوضعية النفسية المتأزمة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك، ويوفقك لما يحبه ويرضاه، ويغنيك بحلاله عن حرامه، ويباعد بينك وبين معاصيه، وجواباً على سؤالك نقول: إن قرارك بعدم اللجوء إلى المعاملات المحرمة والأعمال المشبوهة قرار صائب وفعل سديد، وينبغي لزوجتك أن تعينك عليه، وتكون مثل تلك المرأة الصالحة التي توصي زوجها حين يخرج للكسب قائلة: اتق الله فينا ولا تطعمنا حراماً، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن يتق الله ييسر أمره ويرزقه من حيث لا يحتسب كما في قوله: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3} ، ولا يجوز لزوجتك أن تسألك الطلاق لمثل هذا، ونعيذها أن تكون كمن قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. وروى ابن ماجه في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسأل المرأة زوجها طلاقها من غير كنهه فتجد ريح الجنة. وعدم نزولك عند رغبتها في الفراق هو الأولى، ولا إثم عليك فيه ما دمت لم تمنعها حقاً من حقوقها، وننصحكما بالصبر وتجاوز الخلافات البسيطة، وينبغي لك أن تجيبها إلى ما تسألك من المباح فتوسع عليها إن كان ذلك في مقدورك وطاقتك من غير إسراف ولا تقتير، ودون التكسب من الحرام أو الوقوع فيه، قال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ {الطلاق:6} ، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8622، 48166، 49823.
وننصحك بكثرة الدعاء أن ترزقا المودة والرحمة والألفة، وأن يصلحها الله لك كما أصلح لزكريا زوجه، ونوصيكما بالصبر وتقوى الله عز وجل، فمن اتقاه سهل أمره، وفرج كربه، وأبدله من عسره يسراً، ورزقه من حيث لا يحتسب. وللفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 1867، والفتوى رقم: 71662.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(9/4709)
لله على العبد عبودية في السراء والضراء
[السُّؤَالُ]
ـ[فهل ما أمر به ابتلاء أو لا، إني أعاني هذا العام من عدم التحصيل الجيد في الدراسة فقد كنت في العام السابق أحصل على الدرجة °1 في قسمي، ولكن كنت لا أصلي وأفعل بعض السيئات أما في هذا العام فإني تبت إلى الله عز وجل وأقوم لصلاة الفجر وقد ختمت القرآن، ولكني أعاني من عدم التحصيل الجيد، وإني أحاول جاهدا للرجوع ولو قليلا كما كنت سابقا، وإني أخشى أن أخيب ظن والدي، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نستبعد فيما ذكرته من أنك كنت تحصل على الدرجة °1 في قسمك في الوقت الذي كنت فيه لا تصلي وتفعل بعض السيئات، ثم في هذا العام الذي تبت فيه إلى الله عز وجل وصرت تقوم لصلاة الفجر، وختمت القرآن ... ومع هذا صرت تعاني من عدم التحصيل الجيد.. إلى آخر ما ذكرته..
أقول: إننا لا نستبعد أن يكون هذا وسواس من الشيطان يريد به أن يبين لك أن الحالة التي كنت عليها خير لك مما صرت إليه، والشيطان قد علمت عداوته لابن آدم من قبل، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6} ، وقال تعالى مخبراً عما قطعه الشيطان على نفسه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {ص:82-83} .
وعلى أية حال فإننا نريد أن ننبهك إلى أن ما يصيب المؤمن من السراء والضراء ليس هو المعيار الذي يحكم به على ما إذا كان آخذاً الطريق الصحيح أم لا، وإنما يكون كل ذلك لحكم كثيرة لا يعلمها إلا الله، يقول ابن القيم في إغاثة اللهفان:.... ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء وفي حال العافية والبلاء وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال لا تحصل إلا بها ولا يستقيم القلب بدونها كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد والجوع والعطش والتعب والنصب وأضدادها فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني والاستقامة المطلوبة منه ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع ... فاثبت -أيها الأخ الكريم- على ما ذكرته من التوبة، ولا تلتفت إلى وساوس الشيطان، وابذل ما استطعت من جهد في سبيل التحصيل الدراسي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(9/4710)
رحمة الله لا يتعاظمها ذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يرى أن صدام حسين شهيد، مستدلا بحديث البخاري في الشخص الذي قتل مائة نفس ثم غفر الله له يشير لما خرج مهاجرا إلى القرية الصالحة ... أرجو بيان الحكم في ذلك، وتوجيه الحديث المذكور، وهل الحاكم الظالم القاتل الطاغية إذا تاب، وقُتِل يمكن أن يكون شهيدا، وما حكم جرائمه السابقة ... أشكركم على هذا الموقع العظيم وهذه الخدمة العظيمة المباركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رحمة الله واسعة لا يتعاظمها ذنب فهو واسع المغفرة، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان:68} ونزل [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ {الزُّمر:53} ومن أدلة ذلك أيضا الحديث المشار إليه بالسؤال وهو حديث الذي قتل مائة نفس فقد غفر الله تعالى له كل تلك الجرائم عندما علم منه صدق التوبة، وذلك على الله يسير.
وأما لفظ الشهيد فيطلق في الأصل على من قتل وهو يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 80080، 80209.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1428(9/4711)
حقيقة النية وكيفية تجديدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صيغة تجديد النية في كل يوم وكيف أعرف إن كان عملي خالصا لوجه الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنية في اصطلاح الشرع عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا ومحلها من الجسم القلب
ولا خلاف بين العلماء في أنها شرط لصحة العبادات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. رواه البخاري.
والنية يراد بها أمران: تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا ما يعني الفقهاء ببيانه ويراد بها تمييز المراد والمعبود، وهذا هو الإخلاص أن يراد بالعبادة وجه الله تعالى، وهذا ما يهتم ببيانه أرباب السلوك والمتكلمون في العقائد، وهذا الإخلاص يحتاج إلى مجاهدة ولا يحتاج الإنسان إلى تجديد النية كل يوم فحسب وإنما يحتاج إليها عند مزاولة كل عمل ولا صيغة لها معينة فيكفيه أن يدور في نفسه عند صلاة الظهر مثلا أنها صلاة الظهر المفروضة وأنه يفعلها لله وليس رياء أو سمعة، ولا يحتاج إلى أن يتلفظ بذلك، كما أنه ينبغي له أن يحسن نيته عند الأمور العادية فإنه يثاب عليها، كأن ينوي بنومه وأكله إعطاء النفس حقها والتقوي على الطاعة فيثاب على ذلك المباح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(9/4712)
من رقائق لقمان الحكيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم , وإذا كان كذلك , فما درجته:
إن لقمان قال لابنه: يا بني حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أجد شيئاً هو أثقل من جار السوء، وذقت المرار فلم أذق شيئاً هو أمر من الفقر يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك. يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلي صاحبه. يا بني أحضر الجنائز ولا تحضر العرس فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشجيك الدنيا.
يا بني لا تأكل شبعاً على شبع فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله يا بني لا تكن حلواً فتبلع ولا مراً فتلفظ.
شعب الإيمان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ المذكور ليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه البيهقي في شعب الإيمان من قول الحسن البصري أن لقمان قال لابنه.. إلخ. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء عن عكرمة من قول لقمان مختصرا مع زيادة: ولو أن الكلام من فضة لكان الصمت من ذهب. وقد ذهب بعضهم إلى تحسين هذه الآثار بمجموع طرقها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(9/4713)
الغيرة على المحارم والغضب إذا انتهكت حرمات الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي إن زوجتي سافرت إلى المغرب برفقة ابني البالغ من العمر 31 سنة وبالمناسبة كان هناك عرس لبنت أختها وكان العرس مختلطا وكان الكل يرقص الأخوات وإخوانهن وعائلة العريس وكان هناك رجل بآلة التصوير وأخذ صوراً لكل الحاضرين وكانت زوجتي من جملتهم فأخذ لها ذلك المصور عدة صور سواء مع العروس بنت أختها والعريس وصور لوحدها وكانت متبرجة الرأس عاري والماكياج بكثرة، أنا لم أكن حاضراً فلما رأيت تلك الصور والله غضبت غضباً شديداً ولم أعاتبها حتى أسألكم سيدي ما هو الحكم في هذا التصوير والتبرج وهي تقول إنها كانت مع ابنها وأخواتها ونسائهم والآخرون من عائلة العريس، وشكراً سيدي المفتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من لوازم إيمان العبد غيرته على محارم الله، وغضبه إذا انتهكت حرمات الله، وقد أحسنت فيما وقع منك من غضب بسبب ما حصل من زوجتك من تبرج وسفور إن ثبت ذلك عنها، وهي تكون بذلك قد أساءت إذ لا يجوز للمرأة إبداء زيتها أمام الرجال الأجانب ولو كانت بحضرة آخرين، فإذا انضم إلى ذلك وقوع الاختلاط والرقص وتصوير النساء كان الأمر أشد والفتنة أعظم. وراجع حكم تصوير حفلات الزفاف بالفتويين: 76961، 66409.
فالواجب عليك أن تنصح زوجتك بالتوبة إلى الله، وعدم العودة لمثل ذلك في المستقبل. وراجع في حكم المكياج الفتوى رقم: 4052.
ونوصيك بالحرص على تعليم أهلك أمور دينهم، وتربيتهم على الإيمان والخشية من الرحمن، وقبل ذلك أن تكون أنت قدوة لهم في الخير. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 6675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(9/4714)
نصائح لمن يغويها الشيطان وابتليت بمرض قلبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدخل على المواقع الإباحية لرغبتي في مشاهدة الأفلام الجنسية لكن لا أستطيع الوصول لفيلم والمشكلة أني نفسي أشاهد فيلم جنس وبدأت أفكر في الجنس باعتباري ولد أفعله مع بنت وأنا عارفة أن هذا حرام ماذا أفعل أرجو الرد على الموقع لأني لا أعرف كيف أفتح الإيميل الخاص بي، أرجو ذكر العقاب وكفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه الحرص على رضى الله والتمسك بدينه والبعد عما يسخطه، وعليه أن يعلم أن وقته وجميع طاقاته أمانة عنده فلا يسوغ أن يضيع وقته وماله وطاقته وفكره وعقله ونظره في التفكير في الحرام ونظر الحرام، فقد نص أهل العلم على حرمة التفكير في فعل الحرام وحرمة التفكير في محاسن الأجانب، فالتفكير في فعل المعاصي قد يجر للوقوع فيها أو العزم عليها وكل من ذلك محرم، فقد ذكر النووي في شرح مسلم: أن العبد مؤاخذ بأعمال القلوب، وإن العزم على السيئات يكتب على العبد. وعلاج هذه المسألة أن تحرص المسلمة على دعاء الله أن يعفها، وأن تشحن وقتها بما يفيد من عمل صالح، وتكثر من ذكر الله والتعوذ من الشيطان كلما خطرت الأفكار الخبيثة بقلبها، وأن تحرص على ألا تفتح من المواقع إلا مواقع مفيدة. فلتستغن بسماع القرآن والنظر في كتب التفسير والفقة والحديث، والكتب التي تتحدث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وعليها أن تصطحب زميلات تقيات يساعدنها على الاستقامة، ويتعاون معها على طلب العلم الشرعي، وعليها ألا تخلو بالكمبيوتر، وأن تجعله في مكان تجلس فيه مع أمها أو أختها، وأن تستشعر دائما مراقبة الله تعالى فهو يعلم ما في الصدور من الخواطر والأفكار، فلتستحي من أن يرى الله في قلبها تفكرا في عمل ما يسخطه، أو يرى من عينها نظرا لما حرمه، فكما تحرص المرأة على نظافة محل نظر الناس منها كوجهها وثيابها فلتحرص على نظافة وجمال محل نظر الله وهو القلب والأعمال ففي الحديث: إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم.
وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 76495، 75237، 68468، 66041، 76975، 71122، 68673، 32981، 69805، 33860، 32243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(9/4715)
غيرة المسلم على زوجته ومحارمه ونساء الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كي لا أطيل عليك رسالتي ولا أضيق عليك بكلماتي فإني شاب في مقتبل عمري كانت لي عادة سيئة اعتدت عليها نتيجة لعوامل عدة ربما أهمها رفاقي فهم يجمعون في صفاتهم من طيب الأخلاق وأقبحها، أما طيبها فهو ناتج عن تربيتهم، وأما عن أقبحها فهو ناتج عن التأثيرات الممارسة علينا من جهات عدة والتي لا أظنك تجهلها أما عن العادة التي كنت معتادا عليها فليست غريبة ولا جديدة فنسبة كبيرة من شباب اليوم يدمنون المواقع الإباحية وأنا كنت أحدهم بل أني كنت أمهر من كثير منهم في اختيار أنواع هذه المواقع حتى استقر بي الحال في موقع كنت أعلم حق العلم أنه يهودي ولكن كنت أظن أن خلفيتي وثقافتي ستجعلني محميا من السموم التي يبثونها في هذا الموقع اللعين فقد كان هناك في هذا الموقع قسم يخص القصص الإباحية وهناك كنت أذهب دائما لأني أحب أن يخاطب عقلي وكنت دائما أعرف السهام والمواقع التي يريد بها الكاتب تسميم عقلي وكنت بارعا في تحليلها وتجنبها ولكن يبدو أنني لم أكن بارعا في حماية نفسي من جزء منها والتي تؤثر في اليوم بعد أن هجرتها -وهداني الله له الحمد والشكر - ومن بين تلك السهام التي يوجهونها إلي كشاب أو مسلم أو ربما إنسان هو سهم يقتل الغيرة فجل ما يميز المسلم العربي خصوصا غيرته على دينه وعرضه ولكني فوجئت أن هذا السهم قد جرحني وأثر في، فمنذ يومين كنت أقرأ قصة ترويها أخت عن ما يفعلونه دناة الأرض في العراق فما اهتز لي جفن بعد أن كانت تدمع عيناي لرؤية امرأة تصيح وتنوح على ابن لها قتلوه أو زوج لها أخذوه،وكنت أحزن شديد الحزن لأني لا أستطيع فعل شيء لهذه الأم أو تلك الأخت ولكن خفت على نفسي اليوم فها أنا اليوم لا أنتبه ولا أكترث لما سمعت عن تلك الأخت ربما لأن ما كانوا يفعلونه بها كنت أعلمه ورأيته كثيرا في تلك المواقع الخبيثة فما سمعته منها لم يكن جديدا علي أو ربما لأني أعرف قصصا لشباب مسلم يفعلون هكذا ببنات مسلمات فقد سمعت قصصا أبطالها عرب مسلم يغتصبون وينتهكون عرضهم بأيديهم وعندما قرأت هذه القصة استهزأت نفسي بها لأنها تطلب أن ينقذها المجرمون من مجرمين أمثالهم. سيدي الفاضل رجائي أن ترد على رسالتي وإن لم تكن أنت المختص فدلني على من أستطيع إبلاغه بحالي فإني أريد أن أعرف هل ماتت غيرتي أم لا وإن ماتت كيف أحييها ولله الفضل أولا وآخرا وهو المحي والمميت؟
عذرا على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن غيرة الرجل على زوجه ومحارمه ونساء الأمة محمودة وهي علامة على كمال الرجولة والشهامة، وتركها دياثة مذمومة شرعا وطبعا، وهذا ما جعل الدفاع عن العرض مشروعا، ومن مات في سبيل ذلك عد شهيدا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل دون أهله فهو شهيد. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وقد مدح ذو الرمة بلال بن أبي بردة فأثنى على غيرته على نساء البلد والسعي في حمايتهن ممن يتعدى عليهن فقال فيه:
يغار بلال غيرة عربية ... على العربيات المغيبات في المصر.
وضعيف الغيرة يخاف عليه من الوعيد الوارد في الديوث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمترجلة، والديوث. رواه أحمد والنسائي، وراجع في خطورة التفرج على المواقع الخبيثة، وعلاج الإدمان عليه، وفي وجوب التوبة، وفي بعض ما يلزم المسلم تجاه المظلومين من الأمة، وفي التخلص من رفقاء السوء الفتاوى التالية أرقامها: 76975، 47694، 75447، 9163، 76425، 74330، 65677، 50470، 23243، 59061، 6617، 70674، 3605، هذا وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات في الشبكة وفي إسلام أون لاين للمزيد في الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(9/4716)
كيف يعرف المرء أنه على الحق وأن خلقه حسن
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو عدم إهمال سؤالي ولو كان بسيطاً، لأنه كثير من الناس سيستفيدون منه بإذن الله تعالى، وهو في ظل الظروف التي تحيط بالعالم أجمع كيف يعرف الإنسان أنه على حق، فقد تختلط عليه الأمور، فكيف يعرف أنه مؤمن حق الإيمان وكيف يعرف أنه مسلم حق الإسلام، وكيف يعرف أنه على خلق حسن، فمثلاً قد يفعل الإنسان شيئا بسيطا مثل إماطة الأذى عن الطريق أو أن يطعم قطة ضالة، فهل يعتبر هذا خلق حسن أم إيمان أم لا يعتبر شيئاً، وهل يؤجر وما حكم أنه فعل ذلك مقلداً مثلاً أحداً، فهل يأخذ الأجر وهل يترك الإنسان مثل هذه الأمور البسيطة حيث يقول ربما لا تساوي شيئاً؟ أعانكم الله لكل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من يريد أن يعلم هل هو على الحق أم لا؟ أن يتعلم الحق ويصحب أهل الحق ويعمل بالحق ويتخلق بما حمده الناس من مكارم الأخلاق، ويعرض نفسه على ما تعلمه فيجعل القرآن والسنة مرآة له يعرض نفسه عليها، ويسألها هل هو متحقق بما فيهما من الصفات والأخلاق الحميدة، وهل هو متخل عما ورد ذمه فيهما من الصفات الذميمة، وهل هو قائم بما أوجب الله عليه وأمره به، وهل هو قائم بترك ما نهاه الله عنه.
وفي مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي: عن الأحنف بن قيس أنه كان جالساً يوماً فعرضت له هذه الآية: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. فانتبه فقال: علي بالمصحف، لألتمس ذكري اليوم حتى أعلم مع من أنا ومن أشبه، فنشر المصحف فمر بقوم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم، ومر بقوم: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون. ومر بقوم: يبيتون لربهم سجداً وقياماً. ومر بقوم: ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. ومر بقوم: يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. ومر بقوم: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.
قال: فوقف ثم قال: اللهم لست أعرف نفسي ههنا ثم أخذ في السبيل الآخر. فمر بقوم: إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون. ومر بقوم: إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون. ومر بقوم يقال لهم: ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين. قال فوقف ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء. قال: فما زال يقلب الورق ويلتمس حتى وقع على هذه الآية: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. فقال: اللهم هؤلاء.
وأما إماطة الأذى عن الطريق فهو من شعب الإيمان، وإطعام الدواب من العبادات المرغب فيها شرعاً، ففي الحديث: في كل كبد رطبة أجر.
ومن عمل هذا لا يريد به غير الله نرجو الله أن يثيبه عليه ولا يضره أن يكون مقلداً فيه غيره، فقد ينال المقلد أجراً بسبب اتباعك له، إن كان قد قصد وجه الله بما فعله، وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74127، 34585، 42230.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(9/4717)
اهتمام العبد الطائع بالمصالح الدنيوية هل هو مذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال عن الحكمة العطائية: اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيمن طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي العظيم الجاه وعلى آله وأصحابة أجمعين..
سيدي سؤالي حول هذه الحكمة العظيمة كيف لي أن أوفق في اجتهادي في عملي وطلبي أن أطور نفسي بالعمل لأحصل على أفضل المراتب حتى لو احتاج الأمر لتغيير العمل بل والانتقال من بلد لآخر لكسب الرزق أي التخطيط للمستقبل كما يدعو إليه كثير من دعاة العصر وباسم الإسلام وسوق الأحاديث الشريفة مثل صناع الحياة والدكتور إبراهيم الفقي وبين هذه الحكمة دون أن أكون ممن انطمست بصيرته والعياذ بالله، وخصوصا أنني أعمل بالغربة والآن وبعد اتخاذ الأسباب بالبحث عن عمل في بلدي وجدت العمل المناسب فهل سعيي بالبحث وتطوير نفسي أو اتخاذ القرار في تغيير عملي إلى بلادي هو اجتهاد فيما ضمن لي؟ لكم جزيل الشكر إن سمح وقتكم للإجابة وإن لم يسمح فلكم مني الحب والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اهتمام العبد الطائع لله تعالى والمستقيم على دينه بما تطمح له النفس من تحقيق المصالح الدنيوية لا حرج فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم.
وإنما المذموم إيثار الدنيا على الآخرة، والانهماك في تحصيل الرزق المضمون، وتضييع المأمورات التي كلف بها العبد، فيحرص على الحضور بمتجره ويضيع الحضور للصلاة في الجماعة، ويحرص على الترقى في تخصصه الدراسي، ويضيع تعلم ما يصلح به دينه من تعلم أمور الإيمان والعبادات، ويحرص على إرضاء من يرى أنهم يفيدونه في مصلحة دنيوية، ولا يهتم بإرضاء الله الذي بيده تحقيق مصالح العباد في الدارين.
فاحرص أخي على الاهتمام بدينك، واهتم أيضاً بما تطمح له من تطوير نفسك، وأنفق مما تتحصل عليه في وجوه الخير كالإنفاق على الأهل وصلة الأرحام ومنفعة المسلمين، ويلزمك التحري في البعد عما يخدش دينك أو يؤثر على الاستقامة من ترك الطاعات والانشغال عنها أو مخالطة أهل الضلال والفساد ومشاركتهم فيما هم فيه. وإن عرض أمام خياران في أمر ما فاحرص على الأسلم لدينك دائماً، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71143، 58722، 63043، 57583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(9/4718)
خطوات عمليه لعدم الوقوع في الرذيلة ثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء الرد على مشكلتي حيث إني حافظ للقراءن وملتزم ولعب على الشيطان ذات مرة ووقعت بفتاة وليس هذه المشكلة فحسب بل المشكلة الأكبر من ذلك أني لم أحس بجرم الذنب ونفسي تراودني بالفتاة لولا أنها بعيدة عني أرجو مساعدتي بخطوات عملية لا وعظية حيث إني اعرف أنه جرم كبير ولا بد من التوبة ولكن أريد خطوات عملية تجعلني أندم على ما فات وأحس بالذنب ولا أعود رغم أنني متزوج ولست مرتاحا كثيراً مع زوجتي من حيث الجنس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن ما وقعت فيه من الزنا ذنب عظيم وجرم كبير، ويزداد الأمر قبحا وشناعة أنه صدر من متزوج، والأقبح والأشنع أنه صدر من حافظ لكتاب الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألا تخشى أن يكون لك شبه بمن قال الله فيه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ {الأعراف: 175-176}
ألا وَقَرْتَ كتاب الله تعالى الذي تحفظه بين جنبيك وأنت تتقلب في حضن تلك البغية؟ ماذا نقول لك وأنت تحفظ قول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32} ألم تستحضر قول الله تعالى: ِ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان:68-69} فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولكن اعلم أن باب التوبة مفتوح مادامت روحك في بدنك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. والتوبة معروضة بعد. رواه البخاري ومسلم وقبل ذلك قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70} فبادر إلى التوبة والندم قبل فوات الاوان، وأعظم ما يشعرك بخطورة ما أقدمت عليه ويحملك على الندم قراءة كتاب الله تعالى بتدبر فاقرأ القرآن الذي تحفظه وتدبر ما فيه من آيات الوعيد التي قال الله فيها: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ {ق:37} فإن لم تتعظ ولم تندم فابك على نفسك، واعلم أنك على خطر عظيم.
وأما قولك " لا وعظية" فاعلم أن غياب واعظ الله في قبلك هو الذي أوقعك فيما وقعت فيه، فلا تستهن بالوعظ وقد قال الله لنبيه: وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً {النساء: 63} أي انصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم، فاتق الله أخي السائل في نفسك وفيما أودعه الله تعالى في قلبك من كتابه وعظمه حق تعظيمه.
ثم إن علمت من نفسك أن زوجتك لا تكفيك في إشباع رغبتك فقد أباح الله لك نكاح أكثر من واحدة إلى الأربع، وجعل الله أيضا الصيام لجاما لثورة الشهوة، والرفقة الصالحة خير معين لك على تقوى الله، ودعاء الله تعالى والالتجاء إليه أعظم معين لك، فكل هذه خطوات عملية تمكنك من البعد عن الوقوع في تلك الرذيلة ثانية، وانظر الفتوى رقم: 37359، والفتوى رقم: 70674.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(9/4719)
سعادة المرء بنعمة المال والبنين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك سعادة في المال والبنون؟ وهل الله أمرنا أن نسعد في الدنيا أم لا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمال والبنون من نعم الله تعالى التي ينعم بها على من شاء من عباده، وهما من زينة الحياة الدنيا بنص كتاب الله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا {الكهف 46} وقد امتن الله على بعض عباده بهذه النعم كما في قوله سبحانه حكاية عن هود عليه السلام مع قومه: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الشعراء 132 - 134] وليس هنالك ما يمنع شرعا من أن يسعد المرء بهذه النعم ما دام ذلك على الوجه المشروع.
وليعلم أن السعادة الحقيقية سعادة من يستغل مثل هذه النعم في طاعة ربه سبحانه، فيراعي طلب المال من السبيل الحلال، وينفقه في الحلال وسبل الخير طلبا لرضا رب العزة والجلال، ويتعاهد أولاده بحسن التربية والتوجيه ليكونوا قرة عين له، فمن دعاء عباد الرحمن رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {لفرقان 74} ليعلم أيضا أن المال والبنين ربما كانا مصدرا للشقاء كما قال تعالى: َلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {التوبة:55} وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 29172.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(9/4720)
عبادة المرأة حال حيضها وطهرها والخوف من النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ماذا يجب علي أن أفعل في أيام الحيض من عبادة تقربني إلى الله لأني أحس إني أكون كويسة في كل الشهر وفي هذه الأيام أشعر أني أبتعد عن الله سبحانه وتعالي وأكون متضايقة من نفسي جدا ولا أدري لماذا حتى الأذكار لا أقولها وأنسي إني أقولها وحاسة إني لا أعمل أي حاجة كويسة خالص في هذه الأيام وأبذل جهدا كبيرا بعد ذلك لأعود لما كنت عليه من ذكر وقرءان وعبادة وأخشى أن أكون من المنافقين أخشي جدا من النفاق أرجو الإفادة والنصيحة والاهتمام وجزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بمستغرب من المرأة المؤمنة أن يكون منها الحرص على عبادة ربها على أكمل وجه، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة وهي تبكي، فقال:" مالك أنفست؟ " قالت: نعم، قال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. فإذا منع الحيض المرأة من أداء بعض العبادات فلا يمنعها من أداء عبادات أخر، وقد سبق أن بينا أنه لا حرج على المرأة في أن تذكر الله تعالى في أيام الحيض بما في ذلك تلاوة القرآن عن ظهر قلب من غير مس للمصحف، راجعي في هذا الفتوى رقم: 73899،.ثم إن امتثال الحائض لأمر ربها وتركها لما نهاها عن أدائه من العبادات في أيام حيضها قربة تنال بها الأجر والثواب بإذن العزيز الوهاب.
وأما الخوف من النفاق فهو أمر محمود، وهو من علامات أهل الإيمان كما بينا بالفتوى رقم: 71070، ولكن ينبغي أن يكون هذا الشعور دافعا إلى الاجتهاد في الطاعات واجتناب المعاصي والسيئات. ويجب الحذر من أن يكون هذا الخوف مدخلا للشيطان يوقع به المرء في حبائل الوساوس والأوهام، واليأس من رحمة الملك العلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(9/4721)
الإكثار من التلاوة وأداء الصلوات في المسجد في جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أعمل في مكان يسمح لي فيه بالصلاة في وقتها جماعة في المسجد وكذلك أداء السنن الرواتب، لكن العمل ووقت المواصلات يكون 12 ساعة يومياً بالإضافة إلى أن العمل مرهق ويحتاج لمجهود عضلي وذهني مما يؤدى إلى كثرة ساعات نومي وبالتالي أقصر في تلاوة القراَن فقد لا أقرأ لعدة أيام وإذا قرأت أقرأ بعض الصفحات ولا أقرأ جزءا كما كنت أفعل من قبل وكذلك تركت الحفظ والمراجعة، كذلك ينتهي العمل بعد صلاة المغرب فأخرج سريعاً حتى أذهب للبيت مبكراً حيث إن المواصلات تأخذ ساعة ونصف ساعة مما يؤدى إلى أن العشاء يؤذن علي وأنا راكب للمواصلات مما يؤدي إلى أداء الصلاة بعد 35 أو 40 دقيقة من الأذان ولكن جماعة في المسجد بعد انتهاء الجماعة الأولى يكون هناك أناس متأخرون مثلي فنصلي جماعة ثانية أو ثالثة وبعد انتهاء الصلاة أكمل مشوار المواصلات حيث إني أنزل من المواصلات لألحق الصلاة في المسجد ثم أركب مرة أخرى بعد أدائي للصلاة المواصلات حتى أصل للبيت
فماذا ترشدونى إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على حرصك على تلاوة القرآن وأداء الصلاة في وقتها جماعة في المسجد.
وننصحك بالإكثار من تلاوة القرآن وبإمكانك الاشتغال بتلاوته في الفترة الزمنية التي تستغرقها رحلتك إلى مكان العمل ذهابا وإيابا، وإذا كنت لا تستطيع القراءة من حفظك فاستصحب مصحفا للتلاوة منه، واحرص على ختمه في أربعين يوما فأقل، وراجع الفتوى رقم: 54579، والفتوى رقم: 7069.
ولا يلزمك النزول من وسيلة المواصلات لتؤدي صلاة العشاء في المسجد فإذا وصلت إلى مسكنك ووجدت جماعة تصلي في مسجد فصل معهم وإلا فصل في بيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(9/4722)
الكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[سبحان الله وبحمده100 مرة في اليوم يقال في فضلها: حطت خطاياك ولو كانت مثل زبد البحر. رواه مسلم، هل يغفر الله بها الكبائر أيضا مثل إتيان الزوجة في دبرها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال العلماء: معنى حطت خطاياه أي ذنوبه المتعلقة بحقوق الله تعالى من صغائر الذنوب على الراجح.
فالكبائر لا تكفرها الأعمال الصالحة، ولا بد لها من تخصيص التوبة بها لأن الإطلاق في الحديث المذكور مقيد بأحاديث اخرى منها قوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله.
ونقل النووي عن القاضي عياض: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وهو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة، أو رحمة الله وفضله.
وعلى هذا.. فإن على من أتى زوجته في دبرها أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى لأن ذلك من كبائر الذنوب التي لا بد من تخصيصها بالتوبة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة في دبرها. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وقد قال أهل العلم إن اللعن لا يكون إلا على الكبيرة، وبالتوبة النصوح تمحى السيئات وتبدل بالحسنات؛ كما قال الله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 35144، 75791.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(9/4723)
حكم الترحم على من ختم له بالنطق بشهادة التوحيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من فضلكم معرفة حكم موت صدام حسين وهل يوجب الترحم عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن من ختم له بالنطق بشهادة التوحيد عند موته فهي علامة خير يرجى له بها الخير. راجع في هذا الفتوى رقم: 80080، ومن كان حاله كذلك يجوز الترحم عليه والدعاء له بخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(9/4724)
زواج الزاني من الزانية وهل العفيفة محرمة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ..
وبعد: في محكم التنزيل آيتان: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات إلى آخرها , الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة (إلى آخر الآية) اتضح من الآيتين أمران. أولهما هل هذا أمر من الله تعالى أم قدر الله سبحانه وتعالى لمن ابتلي بالزنا بمعنى أن الله لم يقدر للزاني إلا امرأة زانية والمرأة الصالحة العفيفة قدرها الله لزوج صالح لم يزن في حياته, وإذا كان الزاني تاب بصدق وإخلاص توبة نصوحا فهل يجد زوجة صالحة.؟
وهل نحكم على الراقصات العاريات المغنيات والمطربات واللواتي يختلين بغير المحارم بأنها زانيات؟ وهل الله حرم على الزناة المرأة الصالحة والعفيفة والمحتشمة؟
بينوا تؤجروا.
نذير القاسمي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا تفصيل القول في معنى الآيتين، وفي حكم زواج الزاني بالزانية وخلاف العلماء في ذلك، وفي الترهيب من التبرج والفواحش وعلاج من وقع في ذلك في عدة فتاوى سابقة، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 53577، 5662، 33972، 38866، 11295، 62719، 36807، 71198، 67978، 66102، 72497.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1427(9/4725)
علاج قلة التركيز في العبادة والرغبة عن النوافل
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبحت منذ فترة غير قادرة على التركيز في العبادة ولا أحب فعل النوافل وأحاول أن أعود للوضع الطبيعي لكني غير قادرة، وأحاول أن أبحث هل هناك معصية جديدة في حياتي لكن لم أستطيع التوصل إليها.
أفيدوني بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من نقص القدرة على التركيز في العبادة وعدم الرغبة في فعل النوافل قد ذكر أهل العلم له عدة أسباب منها:
· الغلو والتشدد في الدين، ففي سنن النسائي وابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
· الإكثار من المباحات؛ لأنه يؤدي إلى سيطرة الشهوات، والتكاسل عن الطاعات. والله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] .
· قلة تذكر الموت والدار الآخرة، فإن من شغل بعمل الدنيا انصرف عن هم الآخرة.
· التقصير في عمل اليوم والليلة، كالتقصير في بعض الواجبات.
· مصاحبة أهل السوء.
· الوقوع في المعاصي.
وللعلاج ينبغي أن تعيدي النظر فيما كان عليه حالك لتعرفي أي هذه الأمور كان هو السبب، وننصحك بما يلي:
1- البعد عن المعاصي والسيئات كبيرها وصغيرها.
2- المواظبة على عمل اليوم والليلة من صلاة وذكر وعبادة.
3- استغلال الأوقات الفاضلة، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
4- صحبة الصالحين.
5- معرفة سنن الله في الكون وأن الله يبتلي عباده المؤمنين ليظهر إيمانهم وصبرهم وصدقهم ويرفع درجتهم.
6- معرفة مداخل الشيطان وأنه واقف لعباد الله في الطريق يريد أن يصدهم عن طريق الله المستقيم.
7- إعطاء النفس مقدارا من الراحة بالمباح حتى لا تمل وتفتر وتنقطع.
8- مداومة النظر في كتب السيرة والتاريخ والتراجم لمعرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هو والرعيل الأول من السلف، والسعي إلى الاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.
9- تذكر الموت وما بعده من سؤال الملكين في القبر ومن ظلمته، والميزان والصراط والجنة والنار، فمن تذكر ذلك جعله في شغل بالآخرة عن الدنيا.
10- التزود من العلم النافع.
11- محاسبة النفس بصورة مستمرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1427(9/4726)
من ختم له بشهادة التوحيد ترجى له الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال
إذا قال الشخص قبل موته (إعدامه) لا اله إلا الله محمد رسول الله وكان خلال حياته قد ظلم وقتل فهل يعتبر من أهل الجنة بناء على قول الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وكيف ممكن لشخص أن يقول الشهادة قبل موته وهو إنسان لم يكن في حياته يخاف الله (ظلم وقتل) ألم يقل الله في القرآن الكريم (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) سورة إبراهيم
الرجاء الرد بالأدلة الشرعية. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنيبغي أن يعلم أولا أنه لا يصح أن يحكم على أحد بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كالعشرة المبشرين، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أم العلاء قالت عن عثمان بن مظعون بعد موته فشهادتي عليك لقد أكرمك الله..قال لها: وما يدريك أن الله أكرمه؟!! رواه البخاري. وانظر الفتوى رقم: 47610.
ولكن من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فإنه يرجى له دخول الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. رواه أحمد وأبو داود. وانظر معنى الحديث في الفتوى رقم: 12801.
فكل من ختم له بشهادة التوحيد ترجى له الجنة ولو كان ظالما فاسقا، والله تعالى حكم عدل لا يظلم عبده حسنة ولا يضيع عنده حق لمظلوم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
وقال أيضا: إن الرجل ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ... الأعمال بالخواتيم. رواه البخاري
فكم من عامل يعمل الشر في الظاهر وفيه خصلة حميدة خفية يتداركه الله بسببها برحمة منه وفضل، فيختم له بخير، ورحمة الله واسعة، وذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها، ولما قال رجل لرجل عاص: والله لا يغفر الله لك، قال الله تعالى: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك. والحديث رواه مسلم.
وأما الآية التي استدل بها الأخ السائل فهي لا تعارض ما ذكرنا وقد قال الله في آخرها: وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ {ابراهيم: 27} . قال في فتح القدير: يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه ولا يسأل عما يفعل.
وانظر تفسير الآية في الفتوى رقم: 27868.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(9/4727)
هل يعاقب القريب بذنب قريبه
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرة المستشار المحترم أرجو الإجابة على سؤالي:
إذا أنا ارتكبت أي ذنب صحيح أعاقب مثلا بمرض أحد من إخوتي أو أي أحد من أهلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العدالة الإلهية والحكمة الإسلامية تقتضي ألا يؤخذ أحد بذنب غيره مهما كان قربه منه.
فقد قال الله عز وجل: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} وقال تعالى: [كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ] {المدَّثر:38} وقال تعالى: لهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ {البقرة: 286} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على هذا المعنى.
لكن قد يبتلى الإنسان بمصيبة في بدنه أو ماله أو غير ذلك ويكون ذك مجرد ابتلاء في حقه، وليس عقابا على ذنوب اقترفها، وذلك مثل ما يصيب الأطفال والمجانين ونحوهم ويكون ذلك الابتلاء عقوبة لمن يحبه من أهله ويؤذيه ابتلاؤه في نفس الوقت.
فقد روى ابن كثير في التفسير بسنده عند قول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {الشورى: من الآية30} عن أبي البلاد قال: قلت للعلاء بن بدر وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وقد ذهب بصري وأنا غلام؟ قال: فبذنوب والدك.
وعلى هذا، فيكون ما يصيب القريب من الآلام النفسية عقوبة له، وأما صاحب المصيبة فقد يكون ذلك مجرد ابتلاء في حقه، ولم يؤاخذ في النهاية بذنب قريبة كما هو الأصل الذي تدل عليه الآيات والقواعد العامة للشرع.
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتويين: 62589، 73732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(9/4728)
المعروف بارتكاب الزنا هل يستثنى من الأمر بالستر
[السُّؤَالُ]
ـ[أسألكم بالله عليكم في الفتوى الصادرة بخصوص علة العقوبة الشرعية للزنا وهل يمكن تعميمها على الأشخاص حتى وإن كان قد افتضح أمره أمام صحبته بل وتكرر منه الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت بقولك:"هل يمكن تعميم [العقوبة الشرعية للزنا] على الأشخاص حتى وإن كان قد افتضح أمره أمام صحبته وتكرر منه الأمر"، تعني ما إذا كان الشخص الذي اشتهر بالزنا مستثنى من الأمر بالستر على نفسه أم لا، فالجواب أنه ليس مستثنى من ذلك، وإنما هو مأمور -كغيره- بالتوبة من تلك الفاحشة العظيمة، وبأن لا يزيدها قبحا بالمجاهرة بها. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه عن أبي هريرة.
وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. وأخرجه مالك في الموطإ مرسلا عن زيد بن أسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1427(9/4729)
من الكتب المفيدة في الوعظ والنصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كتب المواعظ والنصيحة، وكتب تجمع كلمات لقمان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أعظم كتاب وأهمه في الوعظ والنصيحة وغيرهما هو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ففي سنن الدارمي وجامع الترمذي وغيرهما في وصف هذا الكتاب العظيم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتن.. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء.. ولا يخلق على كثرة الرد.. ولا تنقضي عجائبه.. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
الحديث تكلم أهل العلم في سنده ولكن معناه صحيح.
ومن الكتب المفيدة في الوعظ والنصيحة كتب السنة كلها وخاصة كتاب رياض الصالحين للإمام النووي، وكتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.
ومن الكتب المفيدة أيضا في هذا الموضوع كتب ابن القيم وابن رجب الحنبلي وابن الجوزي ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي والاذكار للنووي وغيرها.
وأما أقوال لقمان الحكيم فتجدها في كتب الآثار كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق؛ كما تجدها في كتب التفسير عند قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ {لقمان: من الآية12}
ولم نقف على كتاب خاص يجمع هذه الأقوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1427(9/4730)
أعظم الغنى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أكون غنيا مع العلم أني متعلم جامعي وذو شخصية متوسطة
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك ما يمنع شرعا من أن يتطلع المسلم إلى الغنى إذا حصل ذلك منه وفقا لضوابط الشرع، وراجع في هذا الفتويين: 48719، 70823.
واعلم أن أعظم الغنى الغنى بالله سبحانه، وما أحسن ما نسب إلى الشعبي رحمه الله من قوله شعرا:
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد: إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1427(9/4731)
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهل يؤاخذ النائم بما يراه
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل يجب أن نحب الرسول كما نحب الله؟
2- عندما أرى في النوم أني أرتكب معاصي هل يعني أني ارتكبتها فعلا؟ لأني في المنام أجد نفسي أني أستطيع أن أفكر وأتحرك كما أريد.أفيدوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحبة الله تعالى هي أصل الدين وفرض على كل مسلم ومسلمة، بل على كل إنسان.
قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ {البقرة: 165}
فإذا كان من أحب شيئا غير الله كمحبة الله يكون قد اتخذ لله ندا فكيف بمن لم يحب الله والعياذ بالله.
وكما يجب علينا أن نحب الله تعالى يجب علينا كذلك أن نحب رسوله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
فالمؤمن يحب الله ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة الله في قلبه أعظم من محبة من سواه، ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا. فالله هو الخالق الرزاق المنعم المالك للخلق أجمعين، فوجب أن تكون محبته أعظم من محبة من سواه.
وأما قول السائل عندما أرى ... فجوابه أن النائم لا يؤاخذ بما يراه في نومه ولا يكتب عليه كأنه عمله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ. .. رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
فمادام الإنسان نائما فإنه غير مؤاخذ، وانظر لذلك الفتوى رقم: 17884. وللفائدة أيضا نحيلك للفتوى رقم: 22296.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1427(9/4732)
وقت الإنسان هو عمره وهدفه عبادة ربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم أن تساعدوني أنا فتاة عمري21 ما زلت أدرس في الباكلوريا، المشكلة هي أن الوقت يمر من غير ما أعمل أي شيء، أحس أني تائهة في هذه الحياة وليس عندي هدف كلما أريد أن أذاكر أجد نفسي ضعيفة. فهل يمكن تساعدوني كي أقوي عزيمتي وأعمل شيئا ينفعني وينفع الأمة الإسلامية جمعاء. أنا دائما أحط من قيمة نفسي دائما أقول إني لا أساوي شيئا، أعيش أحيانا أطلب من الله أن يتوفني. وجزاكم الله خيرا على مساعدتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الحفظ والتوفيق لما يحبه ويرضاه، ولتعلمي أن خير ما يعينك على المحافظة على الوقت من الضياع هو المحافظة على أداء ما افترض الله تعالى عليك، وخاصة الصلاة التي وزعها الله تعالى على الوقت هذا التوزيع الرائع، فكلما أراد الإنسان أن يغفل أو يترك الوقت يضيع منه جاء وقت الصلاة ونادى المنادي: حي على الصلاة لينبه الغافل ويذكر الناسي، قال الله تعالى: إ نَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً {النساء: 103}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: وأولها: عن عمره فيما أفناه ... ، فوقت الإنسان هو عمره فلا ينبغي أبدا أن يضيع منه بغير فائدة تعود عليه في دينه أو دنياه، ولا ينبغي للمسلم أن ينشغل إلا بحسنة لمعاده أو درهم لمعاشه؛ كما قال بعض الحكماء.
واعلمي أن هدف المسلم في هذه الحياة هو عبادة الله تعالى وعمارة الأرض وإقامة الحق والعدل، فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} وقال تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود: 61}
وباتباعك للشرع تعبدين الله تعالى، وبمساهمتك في إقامة الحق بأي وسيلة تكونين قد حققت الهدف الأساسي من الوجود، وبذلك تنالين السعادة في الدنيا والفوز بالنعيم المقيم الأبدي في الآخرة. فقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}
وأما تمني الوفاة لضر أصاب العبد فإنه لا يجوز، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه البخاري ومسلم.
ولا شك أن زيادة الحياة خير للمسلم ليزداد من الخير ويرجع عن الشر، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد في الفتاوى: 5904، 33780، 37952، كما أن بإمكانك أن تراسلي قسم الاشتشارات النفسية بالشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1427(9/4733)
حقيقة الزهد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان عادي لست متدينا أي لست حريصا على النوافل والسنن وأقترف أحيانا ذنوبا صغيرة أدعو الله أن يغفرها لي ولكن أشعر دائما بزهد أراه أحيانا ويراه بعض الناس عدم طموح فمثلا رزقني الله بطفل وطفلة وعندي من المال لآكل وأشرب أن أعيش حياتي اليومية بما يكفيني والحمد الله وقد أساعد الآخرين، وإذا قالت لي زوجتي مثلا إنها تحلم بأن يكون لدينا فيلا ومزرعة أقول لها إن هذا طمع علما بأنها لا تطالبني بأكثر من وسعنا ولكن مجرد أمنيات أو عندما قال لي صديق إنه ذهب ليحج ولم يكن معه مال يكفيه لما بعد الحج فطلب من الله أن يرزقه مالا لأنه آثر أن يحج وبالفعل رزق بالمال الوفير قلت له لماذا لم تطلب الآخرة مع الدنيا وطلبت الدنيا فحسب؟ وأتذكر الحديث القدسي الخاص بركض الوحش في البرية، وليس عندي سيارة ولا أتمنى ذلك برغم أنني قد أحتاج إليها أحيانا. وكل أملي في الدنيا هو ستر الله علي وأن يغنيني عن الحاجة للآخرين خاصة أنني أكره الاستعانة بالناس إلا في أضيق الحدود، ولا أحب أن أجازف بأموالي في تجارة لأنني لست أحسنها ولكن الكثير يحثونني على ذلك ويقولون إن الرزق الوفير فيها. ولا أفكر كثيرا في المستقبل بل أحاول أن أحسن ما أفعله في حاضري وكل ما أرجوه أن يبارك الله في أولادي وألا يحيدوا عن سبيل الله. وعندما أفرح بأمر أو أرزق بمال أقول لنفسي في حينها لا تفرح كثيرا فإن النعمة لا تدوم وأقول اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه. ودائما ما أحسب حسابا للنتائج السلبية قبل الإيجابية في أي فعل أقدم عليه وكثيرا أيضا عندما أرى مصائب الآخرين أخشى أن تحدث لي مثلها وأدعو الله أن يبعدها عني وأقول إذا وقعت لي مثلها فما بيدي حيلة إلا الرضا بما وقع لي ولكن أقول لنفسي أيضا بشروا ولا تنفروا، ولا أثق في أن كل ما أفعله يرضي الله. وهكذا وأشياء كثيرة من هذا القبيل تدور في خلدي. لا أدعي أنني مثالي فأنا كثيرا ما أخطئ وأظل أعاتب نفسي، وأقرض بعض الشعر بيني وبين نفسي وعندما أعيد قراءته أراه متشائما، فهل هذا زهد بالفعل؟ أم سلبية؟ أم سوداوية؟ أم ماذا؟ وما حكم ذلك؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حقيقة الزهد كما بينها أهل العلم هي: خلو القلب من التعلق بما لا ينفع العبد في الآخرة، وقال بعضهم الزهد: إخراج الدنيا من القلب وجعلها في اليد استعدادا لبذلها وإنفاقها فيما يرضي الله تعالى، وكان بعض السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم يملكون الأموال الطائلة؛ ولكنهم كانوا أزهد الناس في الدنيا وأكثر إنفاقا لها في السر والعلانية فهذا هو الزهد الحقيقي. ولذلك فلا مانع شرعا أن يسعى المسلم لكسب المال بالوجوه الشرعية لأن ذلك لا ينافي الزهد.
وأما القناعة المحمودة شرعا فإنها لا تعني الكسل وضعف الهمة وعدم الطموح وعدم التطلع إلى الأفضل في أي مجال من مجالات الحياة، ولكنها الرضى بما قسم الله للعبد ولجم النفس عن الطمع فيما عند الناس، لذلك ينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة يسعى لاكتساب الأفضل دائما وبكل وسيلة مشروعة لنفسه ولمجتمعة ولأمته، كما كان عظماء هذه الأمة، فقد قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن لي نفسا تواقة، كلما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها، حتى نالت الخلافة، وإنني الآن أتوق إلى الجنة وأرجو أن أنالها. كما في البداية والنهاية وحلية الأولياء.
وأما ملاحظتك على صديقك أنه لم يطلب الآخرة فهي واردة وفي مجالها، فقد علمنا الله عز وجل في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في القرآن الكريم: رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {البقرة: 201} .
وأما قولك: اللهم إني لا أسألك رد القضاء. فإنه لا ينبغي لما فيه من عدم الرغبة والإلحاح في الدعاء الجزم فيه وهي أمور مطلوبة في الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى فليكن دعاؤك برغبة، وهذا الدعاء غير مشروع لما ذكرنا. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى: 1044، 50125، 5146، 34019، 60227.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1427(9/4734)
الترياق الشافي لليائس من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ، أرجوكم عقيدتي في خطر، وأنا لم أعد أعرف السعادة، هل الله لم يتعهد برحمة من تكررت ردته، وإن ندم رغم أني في23 من العمر؟
يا شيخ أنا غير راض عن حال ديني، فأنا ممن يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم شر انقلبوا على دينهم وربهم، وانقطعوا عن الصلاة، وأقول السوء في حق الله وأتوب.
الآن لم أعد أتجرأ على الله، لكن تكررت إساءتي لله مرات ومرات، والآن أنا نادم.
يا شيخ، أنا أشركت الشرك الأكبر بالله أكثر من ثلاث مرات، وكله شرك مخرج من الملة.
الآن لم أعد أتجرأ على الله بسوء القول، وأريد أن أتوب وأهاجر في سبيل الله إن وجدت سبيلا، ولكن أخاف قول الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمنوا ثم كَفَرُوا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازْدَادُوا كُفْرًا لم يكن الله ليغفر لهم) ، لم أعد أعرف ما أفعل فإني أعلم أن الله شديد العقاب، وأنا لا أقدر على ابتلاء الدنيا فكيف بعذاب الآخرة، هل رحمة الله لا تشمل مغفرة إساءتي لله رغم أني أبذل ما بوسعي. أصبحت أتمنى لو لم أكن شيئا حتى إني أصلي وأخاف أن لا تقبل صلاتي. بل أسأل الله ألا يدخلني نارا ولا جنة، ولكن أن يعيدني ترابا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى مما بدر منك سابقا، وأن تحرص على الاستقامة على الإيمان والطاعة، وتحذر كل الحذر من الوقوع في أي مظهر من مظاهر الشرك، وتستعين بالله تعالى في تحصيل الاستقامة وتستعيذ به من الشرك.
وعليك بالدعاء الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه حيث قال له: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
واعلم أن الله غفور رحيم يغفر جميع الذنوب بما فيها الارتداد إذا صدق العبد في التوبة.
فعليك بالإتيان بكلمة التوحيد كلما صدرت من فمك هفوة، وواظب على الصلاة وحضور مجالس العلم، وأكثر من النظر في كتب الترغيب والترهيب.
وإياك أن يحملك الشيطان على اليأس من الرحمة ومواصلة طريق الضلال، فقد قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزُّمر:53}
وراجع في موضوع آية النساء، وفي موضوع هجر أماكن السوء وأهمية الصحبة الصالحة لمن أراد الاستقامة الفتاوى التالية أرقامها: 51043، 26170، 72546، 72497، 31768، 6990، 62681.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(9/4735)
لا يخيب من يعلق رجاءه بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعيش مع والدتي وأخي الذي لا يعمل وله سوابق مع القانون. قام أخي مؤخراً بعملية نصب تورطت فيها أمي بعد أن قامت بتوقيع على وصل أمانة بالنيابة عنه وتم القبض عليه وعليها لأنهم لا يستطيعون تسديد المبلغ وهم الآن في السجن.
أمي مريضة وخائفة أن تموت في السجن ولا أحد يساعدني في محنتي لا قريب ولا بعيد بل الكل تخلى عني والجيران يتشمتون بنا. أنا دائماً أدعو الله أن يفرج كربتنا ويفرج على أمي ولا أستسلم لليأس.
أرجو النصيحة وكلمة طيبة تقوي عزيمتي وتساعدني في محنتي وأرجو دعوتكم لنا بالفرج القريب.
وشكراً لكم وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففد أحسنت في حرصك على البر بأمك والسعي في حل مشكلتها هذه، وكذا ما ذكرت من عدم استسلامك لليأس وإكثارك من دعاء الله تعالى أن يفرج عنكم هذا الكرب، وهذا ما نؤكد عليك الاستمرار فيه، فما خاب من علق رجاءه بالله تعالى، ولا ريب أن الصبر على البلاء من أعظم ما يستعين به المبتلى ويتسلى به في تجاوز محنته، وراجعي في فضل الصبر وثواب الصابرين الفتاوى: 73815، 13270، 25111.
وعليك بالاستعانة بالله أولا في سبيل مساعيك لحل هذه المشكلة، ثم الاستعانة بالثقات والعقلاء من الناس، ولن تعدمي بإذن الله تعالى من يعينك في إثبات براءة أمك إن كانت بريئة فعلا، أو سداد هذا المبلغ إن ثبت كونه مستحقا عليهما، ثم إن ثبت ما ذكرت من كون أخيك هو السبب وأنه فعلا قد قام بعملية الاحتيال هذه، فالواجب نصحه وتذكيره بالله تعالى وبسوء عاقبة ما أقدم عليه وخاصة عقوقه بأمه وإساءته لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1427(9/4736)
أثر نار الندم فيمن يريد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الرد بسرعة: أنا شاب متزوج والحمد لله ولقد تعرفت على فتاة قبل الزواج عن طريق التليفون ولم نلتق أبدا ولقد قطعت علاقتي بها قبل الزواج مباشرة وفي يوم حدثت مشكلة بيني وبين زوجتي فتكلمت مع هذه الفتاة مرة أخرى ثم تطور الكلام لمرة أخرى ولكن هذه المرة كان الكلام جنسيا لدرجة الإثارة والآن أنا نادم على ما فعلت ولا أطيق نفسي لدرجة أنني لا أنام ماذا أفعل هل أخبر زوجتي أم لا ولقد عزمت ألا أعود أبدا لهذا الذنب أبدا إن شاء الله أنا أحب زوجتي وهي أيضا ولكنه الشيطان أعوذ بالله منه؟
أعينوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أخي الكريم أن تتوب إلى الله تعالى مما فعلت، والتوبة الصادقة لا تكون إلا بعد معرفة خطر الذنب، فإن الذنب هو الحائل بينك وبين كل محبوب والموقع لك في كل خطر ومرهوب، فإذا علمت ذلك اشتعلت في النفس نار الندم ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد.
وهذا الشعور له أثر في الماضي وأثر في الحال وأثر في المستقبل، أما أثره في الماضي فندم وحسرة بسبب فعل المعصية، وأما أثره في الحال فإقلاع عن الذنب، وأما أثره في المستقبل فعزيمة صادقة على عدم العودة إلى الذنب إلى الممات، ولا تخبر أحدا بالاتصال الذي تم، واستر على نفسك، فإنه ذنب سترك الله فيه، فكيف تكشف ستر الله عنك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(9/4737)
الأخذ بالأسباب وعدم الاعتماد عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الصواب أنك مثلا تنام 4 ساعات وتطلب من الله أن يكفيك إياها وأن تجتهد إلا قليلا وأن تطلب من الله أن يفهمك ويعينك على النجاح؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المقصود من السؤال، وعلى العموم فإن المسلم مطالب بأخذ الأسباب مهما كانت وعدم الاعتماد عليها أساسا. فمن سنن الله الثابتة في هذا الكون ترتيب النتائج على الأسباب، وقد استدل أهل العلم على ذلك بآيات من كتاب الله وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها قول الله تعالى لمريم عليها السلام وهي في حالة ولادة: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {مريم:25}
وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي في شأن ناقته: أعقلها وتوكل.. رواه الترمذي وغيره.
ولذلك، فمن نام ساعات قليلة وسأل الله تعالى أن يكفيه بها فقد أخذ بالأسباب، وكذلك من اجتهد في الدراسة أو غيرها قليلا ثم سأل الله تعالى أن يرزقه الفهم أو النجاح فقد أخذ بالأسباب المأمور بها شرعا، وإن كان الأفضل له بذل الوسع ثم الدعاء بعد ذلك.
وقد قال أهل العلم: الأخذ بالأسباب عبادة والاعتماد عليها شرك، ومن أخذ بالأسباب ولو كانت ضعيفة ثم اعتمد على الله تعالى فقد امتثل.
وكان عراك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة خرج من المسجد فوقف على بابه فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. رواه الطبراني وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(9/4738)
إذا أتلف الزميل مال زميله وكتم عنه ذلك فكيف يتحلل منه
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل لي موقف أثناء مذاكرتي مع أصدقائي منذ سنة أو أكثر، كان مع أحد أصدقائي قاموس ناطق غالي الثمن وأثناء مذاكرتنا أذن العصر فخرجنا للصلاة ولكني عدت قبلهم فأخرجت القاموس من دولابي لأن صاحبه قد وضعه في دولابي قبل النزول وتأكد من قفل الدولاب حتى لا يسرقه أحد لأننا كنا نذاكر في المدينة الجامعية حينها المهم أخرجت القاموس وبحثت فيه عن كلمة ولكني وضعته على السرير ونسيت أن أضعه في مكان آمن وأثناء عودتي إلى السرير وضعت قدمي على الموضع الذي وضعت فيه القاموس من قبل ولكن من غير قصد ونتج عن هذا أن شاشة القاموس تلفت كل هذا حدث قبل رجوع زملائي فقمت بوضعه في الدولاب بسرعة حتى لا يشك أحد في أنني السبب في تلفه وعندما رجعوا وأخرجنا القاموس لنذاكر وجدوه تلف بالطبع وأنا الوحيد الذي أعرف ولكن ادعيت كذبا أي مثلي مثلهم لا أعلم ماذا حدث حيث إنني أولا خفت من غضب صديقي مني والله يعلم أنني أعزه ثانيا أنني خفت من السعر الغالي للقاموس حيث لا يمكنني دفع تعويضا له ومر على هذا الموقف زمن كما ذكرت ولكن ضميرى يؤنبني من وقت لآخر ومازال صاحب القاموس صديقي ويكن لي كل تقدير واحترام آسف نسيت لقد ظن صاحب القاموس أن السبب في هذا التلف هو وجود واحد من أصدقائنا كنا نظن أنه حاسد وأنا قد استغواني الشيطان وجعلته يظن أنه هو السبب الحقيقي لهذا وما زال يعتقد بهذا حتى الآن، فأنا أسأل عن حكم الله ورسوله في هذا وما الواجب علي فعله بحيث أن لا أخسر صديقي ولا يعلم أنني السبب الرئيسي في هذا حقيقة أنا لا أعلم هل قام بإصلاح القاموس أم لا فماذا أفعل إن كان قد أصلحه وماذا أفعل إن لم يصلحه الرجاء الرد في أسرع وقت أعانكم الله ووفقكم إلى كل خير؟
وجزاكم عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام صان دم المسلم وماله وعرضه، وحرم التعدي على هذه الأشياء، ولهذا ركز صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع على تلك المسائل، فقال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. متفق عليه.
فلا يجوز لمسلم أن يأخذ من مال أخيه المسلم إلا إذا كان ذلك عن رضا منه وطيب نفس، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه. أخرجه الدارقطني وأحمد والبيهقي وغيرهم وصححه الألباني.
وقد ذكر الفقهاء أن من أتلف شيئا ضمنه ولزمه إصلاحه ولو كان نائما، وبناء عليه فيلزمك التحلل من زميلك باستسماحه أو برد أرش هذا الجهاز الذي أخذته دون إذنه وذلك بدفع ما نقص من قيمة الجهاز وإن كان تلف تلفا كليا فعليك تعويضه بجهاز كامل أو بثمنه، قال المواق في التاج والإكليل: من جنى على بهيمة شيئا فعليه ما نقصها فإن قتلها غرم قيمتها بالغة ما بلغت. اهـ.
ولا يشترط عند رده إخبار صاحبك بتفاصيل الموضوع بل المهم رده إليه بأي طريقة لا تسبب مفاسد أخرى، وإنما يلزم إخباره عند استسماحك إياه، وبادر بالتحلل من زميلك قبل أن تموت فيطالبك بهذا الحق في يوم القيامة ويؤخذ من حسناتك لتوفيه حقه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: من كانت عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
ثم إنه مما يجب عليك فعله هو أن تبين له أن الأخ الذي كان يظن به ظنا سيئا ليس هو من فعل ذلك قطعا، ثم تب أنت إلى الله مما وقع منك في جانب هذا الأخ واستسمحه ولو بدون أن تصرح له بالسبب إذا كان في ذلك مفسدة كبرى، فالله جل وعلا يقول: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {النساء: 112} فقد فسر أهل العلم الخطيئة هنا بأنها تكون عن عمد وعن غير عمد، ففسرها بذلك غير واحد من المفسرين. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 48105، 43949، 9215.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/4739)
وعيد من خلا بمحارم الله فانتهكها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابة في الـ 18.الحمد لله ملتزمة وأصلي فرضي وأحتشم بلبسي وأنصح من حولي وأقرأ القرآن بين الحين والآخر. ولكن عندي مشكلة متعبة جدا ويصعب علي جدا الابتعاد عنها وأرجو منكم مساعدتي
أنا عندما أجلس على الانترنت أشاهد صورا (رسوما متحركة) جنسيه وإباحية
وهذه الصور جدا تثيرني ... والأدهى أنني لا أثار إلا إذا شاهدت صورا لفتيات!!
أنا فعلا أتضايق من فعلي هذا وكل مرة بعد مشاهدتي لهذه الصور أعزم وأعاهد نفسي على عدم الرجوع لمشاهدتها وأدعو ربي أن يغفر لي ذنبي ويسامحني ...
ولكني لا أستطيع فكلما وجدت الفرصة المناسبة ذهبت لأشاهد هذه الصور.
هل علي إثم لأنني أشاهد صورا غير حقيقية؟
وإذا كنت أأثم ماذا يجب على أن أفعل لأكفر عن ذنبي؟
وهل يعتبر فعلي (رياء) لأني أظهر بمظهر الصالحة أمام أهلي وأقاربي وأصدقائي؟
وشيء آخر.. أنا أخاف على نفسي بان أكون شاذة لأني أستثار لصور الفتيات مثلي ولا أستثار كثيرا لصور الأولاد؟
أرجوكم ساعدوني أنا غير راضية عن حالي هذا أشعر بأني أخون ثقة أهلي لي وأغضب ربي كيف أبتعد عن فعلي وأكفر عن ذنبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز النظر إلى الصور الإباحية في الصور المتحركة أو غيرها.
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وذلك لما فيه من إطلاق البصر فيما حرم الله، والذي يؤدي بدوره إلى الوقوع في الأفكار والخواطر الشيطانية، واستعمال الطرق المحرمة في الاستمتاع.
والواجب على من وقع في مثل هذا الأمر أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى قبل أن يفجأه الموت وهو على حالة لا يرضى عنها ربه، والتوبة تتحقق بترك الذنب والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه.
وعليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وليس سترك نفسك من الرياء، بل انه عمل بالحديث الذي ذكرناه سابقا، لكنه يتعين الانتباه إلى أن الذي لا يستحي من الله ولا يعظم حدوده، وإنما يراقب الناس ويراعي البشر فإن وجد بين الناس أظهر تعظيم الحدود والحرمات والفرائض، فإن خلى بنفسه سرعان ما ينتهكها ويجعل الله أحقر الناظرين إليه، قد توعده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ثوبان والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
فيجب عليك أن تقلعي عن كل ذنب، وتتوبي إلى الله وتراقبيه في السر والعلن، فإن من يعظم ملاحظة الناس إليه، ويستهين بنظر الله إليه لم يكن من المتقين الأبرار.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59157، 46691، 3127، 32520، 6617، 57110. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/4740)
حكم من مات ولم يرد المظالم إلى أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يرتكب كبيرة ولا يكشف أمره أو يقتص منه في الدنيا ثم تاب عنها ومات ولكن دون أن يعيد الحقوق لأصحابها أو يكفر عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر النووي رحمه الله أن من شروط التوبة من الذنب الذي يتعلق بحقوق الآخرين أن يتحلل من صاحب الحق، ويكون التحلل بالسماح من صاحب الحق أو بإعطائه حقه.
ويدل لهذا ما في حديث البخاري: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
ويحسن لمن علم بهذا الأمر أن يرحم هذا الميت، ويسأل أصحاب الحقوق أن يتكرموا بالعفو عنه أو أن يتكرم هو بإعطائهم حقهم حتى يبرأ الميت من الحق. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 36835، 34977، 49395، 46016، 26174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/4741)
كيفية الجمع بين قيام الليل ومذاكرة الدروس ومراجعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية أخرج من المنزل مع السابعة صباحا وأرجع مع السابعة مساء، لذا لا يكون لدي وقت كاف للمذاكرة والمراجعة، المشكلة أنني إن أقمت الليل أنام في الفصل، أرجوكم أفيدوني كيف يمكنني أن أنسق بين قيام الليل والعبادات والدراسة حيث إني جد مقصرة وإيماني ضعيف؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بأن تبرمجي لنفسك برنامجا يمكنك من الاستيقاظ آخر الليل ولو نصف ساعة أو أقل فتصلي ثلاث ركعات فما فوق، وتكثري الدعاء في هذا الوقت الذي يستجاب فيه الدعاء، وأيقني أن الدعاء في هذا الوقت من أعظم الأسباب المساعدة لك على استيعاب الدروس والنجاح، واحرصي مع ذلك أن تبرمجي وقتا لمذاكرة الدروس، وأكثري سؤال الله أن يبارك لك في وقتك ويصلح أمورك كلها، وإذا كان الاستيقاظ آخر الليل صعبا عليك فاحرصي على الوتر أول الليل وصلي معه ما تيسر، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2115، 311، 66391، 53582.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/4742)
هل يؤاخذ من تسبب في زوال عقله متعمدا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان عاصيا لله وأصابه الحمق (ذهب عقله) إما بسبب المخدرات أو بغير سبب هـ ذا المخدر، أيجعله الله من الذين يدخلون الجنة بغير حساب يعني ممن رفع عنهم القلم، أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقل مناط التكليف وكل تكليف يشترط له العقل، ومن فضل الله على عباده أنه إذا أخذ ما وهب (العقل) أسقط ما أوجب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل وعن الصغير حتى يشب. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وعلى هذا، ففاقد العقل بسبب مرض أو جنون أو غير ذلك مرفوع عنه القلم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر الفتوى رقم: 38109.
وأما من تسبب في زوال عقله متعمدا مختارا فظاهر عموم الأدلة الشرعية أنه لا يدخل في مفهوم هذا الحديث وأمثاله.
فقد حرم الإسلام تناول كل ما يذهب العقل ورتب على من فعل به ذلك استحقاق دية القتل كاملة، وقد قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا {النساء: 29-30}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ وغيره. ولا ضرر أشد من ذهاب العقل، روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم تقبل له صلاة سبعا، فإن مات فيهن مات كافرا، وفي رواية: فإن أذهب عقله عن شيء من الفرائض لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن مات فيهن مات كافرا.
والحديث تكلم فيه أهل العلم وضعفه بعضهم، وقد رواه ابن ابي شيبة في المصنف وأحمد في المسند أيضا.
وأما حديث: دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله، فقد رواه البيهقي والبزار والديلمي، وهو حديث ضعيف كما قال الألباني وغيره..
وقيل معناه: البله عن شهوات الدنيا وزينتها والحبائل التي للشيطان فيها. كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ {النور: 23} أي الغافلات عما يرمين به من الفحشاء لا يتفكرن فيها ولا تخطر بقلوبهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1427(9/4743)
الأعمال الجوارحية والنطقية
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات ... لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله تقسيم للأعمال، فهناك أعمال قلبية وأعمال جوارحية وأعمال نطقية، جاء في شرحه للأعمال النطقية هذه العبارة (لا أعلم شيئا من الجوارح أكثر عملا من اللسان; اللهم إلا أن تكون العين أو الأذن) ، فسؤالي نورالله بصيرتكم: هل العينان والأذنان من الأعمال الجوارحية أم النطقية، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعلوم أن النطق وظيفة لأعضاء الفم التي هي: اللسان والشفتان والأسنان واللثة واللهاة والحنك والحلق، ومعلوم أيضاً أن وظيفة العينين هي الإبصار ووظيفة الأذنين هي السمع.
ثم إن الجوارح ومفردها جارحة، تطلق على أعضاء البدن التي يقع منها كسب، قال في مختار الصحاح: جوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها. وفي لسان العرب: وجوارح الإنسان أعضاؤه وعوامل جسده كيديه ورجليه، واحدتها جارحة، لأنهن يجرحن الخير والشر أي يكسبنه.
ومن هذا يتبين لك أن ما ينسب إلى العين والأذن هو من الأعمال الجوارحية، وكذا ما ينسب إلى اللسان، لأن كل واحد من الثلاثة عضو من أعضاء الإنسان، فهو بذلك جارحة، وقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: لا أعلم شيئاً من الجوارح أكثر عملا من اللسان، اللهم إلا أن تكون العين أو الأذن. إنما يقصد به المعنى العام للجوارح الذي يدخل فيه سائر أعضاء البدن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1427(9/4744)
نصح الأخ التارك للصلاة والمبتلى بالنظر للمحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي تارك للصلاة أسال الله له ولنا الهداية، وأنا دائما أنصحه وهو إذا كنا نشاهد أحد دروس المشايخ في التلفاز جلس معنا وإذا خلا بنفسه يشاهد ما يغضب الله ورسوله وأحس كأنه قد ران على قلبه والعياذ بالله فهو يستمع للمواعظ البالغة ولا يطبقها، وقد أصبحت أشعر بالجفاء تجاهه، فماذا أفعل معه، لا تنسونا من دعائكم وأرجو أن تدعوا له بالهداية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكره الأخ السائل عن أخيه من تركه للصلاة ومشاهدته لما يغضب الله تعالى كل ذلك محرم، فترك الصلاة كفر والعياذ بالله، وعده كثير من العلماء كفراً أكبر مخرجاً من الملة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 1846.
والنظر إلى الصور المحرمة ذنب يستوجب أيضاً التوبة إلى الله تعالى وهو خلاف ما أمر الله به من غض البصر وخلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم: ... لا تتبع النظر النظرة.. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 1529.
والذي نوصي به الأخ السائل هو أن يستمر في نصح أخيه وتذكيره بالله تعالى وبعقوبته، وليستعن على نصحه بالكتب والأشرطة التي تتحدث عن خطورة ترك الصلاة وخطورة النظر إلى المحرمات، واستعن على نصحه بمن له تأثير عليه من الأقارب والأصدقاء، فلعل الله تعالى يهديه، والله هو الذي يحيي القلوب بعد موتها ويشفيها من أسقامها سبحانه وتعالى، وإننا نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يهدي أخاك وسائر عصاة المسلمين للاستقامة والتوبة، وانظر الفتوى رقم: 13288 وفيها بيان بعض الطرق المفيدة في نصيحة العصاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1427(9/4745)
أمور تعين على التخلص من العلاقة المحرمة بغير الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص متزوج وعندي ثلاثة أطفال منذ سبع سنوات تقريبا وأصل زواجي من زوجتي وهي ابنة عمتي كان على أساس ديني فأنا كنت على جانب من التدين جيد وهي كذلك ولكن للأسف طرأ على حياتنا متغيرات ومشاكل جمة أفقدتنا روح الدين في حياتنا الزوجية وأنا أيضا ابتعدت عن الدين وعن الدروس التي كنت أعتادها قبل الزواج وفي أول سني زواجي وبعد ذلك البعد بدأت معي فتنة المصاحبة للنساء عن طريق الانترنت وطرق أخرى وبدأت معي كسبيل تسلية لا أكثر ولم أكن أعي خطورتها وشدة حرمتها وخاصة أنني متزوج وزاد الأمر سوءا اطلاع زوجتي على هذا الشيء بطريقة أو أخرى وأما قاصمة الظهر والمصيبة التي اعترتني في ديني وحياتي هو أنه في خلال إجازة الصيف المنصرم وأنا أحضر دورة للغة الفرنسية مختلطة في بلد من البلاد العربية صاحبت فتاة في تلك الدورة على أساس أنها علاقة صداقة فقط ولم أطلعها في بداية الأمر على أمر زواجي لا بقصد الكذب بل بل لعدم الإحساس بضرورة ذلك كون العلاقة لن تتعدى مدة هذه الدورة فإذا بالفتاة تتعلق بي شيئا فشيئا وبشكل متسارع جدا إلى أن أصبح التعلق في نهاية الدورة عشقا وهياما وأنا بدوري تعلقت بها أيضا ولكن كنت أحسبه تعلقا وقتيا إلى أن تنتهي هذه الدورة ولكن للأسف زاد الأمر سوءا وتمادت العلاقة إلى مقابلة يومية خلال فترة الإجازة التي امتدت شهرين تقريبا وبعد الإجازة إلى دخول شهر رمضان المبارك المنصرم وعندها أدركت أنني في ورطة فأحببت أن أخبر الفتاة بأمر زواجي وبالفعل كانت نيتي هي أن تكرهني وتبتعد عني إذ أن ألم التعلق بها وتعلقها بي بدأ يؤلم قلبي وروحي وخاصة خلال شهر رمضان أبدت حزنا شديدا إثر مصارحتها بالحقيقة وقررنا عندها أن نتعقل وننهي العلاقة التي أساسها بدأ على حرام وكذب وهي سافرت إلى بلد عملها وأنا كذلك ولكن للأسف لا أنا ولا هي استطاع أن يتماسك ويبقي على انقطاع العلاقة فإلى هذه الساعة لا تزال بيننا اتصالات هاتفية ومراسلات الكترونية ولكن بدون هدف ولا جدوى فمرة نتفق على أن نفترق وأخرى على أن نجد حلا لهذا التعلق والعشق المؤلم وأنا بدوري عندما شعرت بخطورة هذا الأمر توجهت فورا منذ أسبوع إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرمي نفسي وهمومي وآلامي في أحضان أنوار الرسول عليه الصلاة والسلام وقد دعوت الله كثيرا وتوسلت بأسمائه وبرسوله بأن ينسيني ويخرج من قلبي حب تلك الفتاة ويخرج حبي من قلبها وبالفعل شعرت بارتياح كبير دام أسبوعا فقط وإذ بهذا الشعور القابض والمؤلم يعود إلي ويزعجني ولا أكاد معه أتابع حياتي بشكل طبيعي فصورة تلك الفتاة تراودني في كل ساعة في عملي في بيتي في نومي وأنا أشعر بأنني لست الزوج المتدين الذي عهدته من قبل الذي كان لا يقبل بتعلق قلبه بغير من الأغيار سوى الله عز وجل فأنا ألجأ إلى الله أولا ثم إلى أولي العلم واليقين وأهل الاختصاص الديني لكي ينقذوني من هذه الورطة التي أنا جنيتها على نفسي فلا أنا أستطيع أن أنهي علاقتي مع هذه الفتاة وفي نفس الوقت لا أستطيع الزواج بها لعدة أسباب من بينها عدم خسران زوجتي وأولادي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك إنه سميع مجيب، وأما ما ذكرت من حالك وما آل إليه أمرك فسببه الاستهانة بالمعاصي جليلها وحقيرها، وعدم امتثال أوامر المولى جل وعلا حيث قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30} وقوله: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32} وقد تدرج بك الشيطان حتى آل بك الحال إلى ما أنت عليه، ولا يزال بك يغريك ويوسوس لك ويزين لك المعاصي ويخففها في عينك حتى يوقعك فيما هو أعظم فأنت مبتغاه وإفسادك هو غايته، وقد أقسم على ذلك كما أخبر تعالى عنه في قوله: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا {النساء: 119} هذا هو الداء، والدواء هو امتثال ما أمر الله تعالى به من غض البصر وحفظ الجوارح والاستعانة بالصبر والصلاة والاستعاذة من الشيطان بالذكر وقراءة القرآن قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف: 200} واعلم أن علاقتك بتلك الفتاة محرمة ويجب عليك قطعها والكف عن محادثتها ومراسلتها، وينبغي أن تغير عنوانك البريدي ورقم هاتفك وجميع عناوينك التي بيدها وتقطع كل سبيل قد يوصلك إليها أو يربطك بها، اقرأ ما قرره العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى لعلاج العشق في الفتوى رقم: 9360، واعلم أن خير ما يعينك على الالتزام مصاحبة أهل الخير ومجالسة الصالحين والبعد عن أصدقاء السوء كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف: 28} وهذا ما وجدته بالفعل خلال أسبوع من الطاعات والتجاء إلى الله تعالى، فلا تصدق إيحاء الشيطان بأنك عاجز عن نسيان هذه الفتاة، بل تيقن أن النفس كالرحى تطحن ما يصل إليها، فإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فاستعن بالله تعالى، واملأ وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك.
وقد ذكرت في سؤالك أنك زرت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وشرفت بالصلاة فيه والاطراح بين يدي الله عز وجل وعنده إمعانا في التوبة وطمعا في المغفرة، وقد توسلت إليه بأسمائه وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وللتوسل ضوابط فمنه ما هو مشروع ومنه ما هو ممنوع وقد بينا ذلك مفصلا في الفتويين: 4413، 16690، وللفائدة ننصحك بمراجعة الفتويين: 1072، 11945.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1427(9/4746)
علامات حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله وبارك لكم وبارك لنا فيكم.
سؤالي هو: كيف أقيس حبي لله ورسوله؟ وما هي دلالة هذا الحب على الفعل والقول وعلى الروح والبدن؟
شاكر ومقدر لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 74127، 47241، 41765، 71891، 46720، 24565، 76411، 21885، 20634، 20879، 27513.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(9/4747)
وسائل تعين على منع الابن من محادثة النساء على الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أمنع ابني الشاب من التكلم مع البنات على الإنترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبإمكان الأخت السائلة إن شاء الله تعالى أن تمنع ابنها من التحدث مع النساء عن طريق الإنترنت أو غيره بعدة وسائل منها:
أولاً: دعاء الله بأن يطهر قلبه ويحصن فرجه كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب منه أن يأذن له في الزنى، ومن المعلوم أن دعاء الله تعالى من أفضل سبل علاج المشاكل، لا سيما دعاء الوالدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات لا ترد، دعوة الوالد لولده ... الحديث رواه الضياء في المختارة وصححه الألباني ورواه ابن ماجه أيضاً.
ثانياً: بإسداء النصيحة له وتذكيره بالله تعالى وتخويفه بعذابه، فقد قال الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {الذاريات:55} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذكر ذكر. رواه الطبراني وصححه الألباني.
ثالثاً: الاستعانة بمن له تأثير عليه من إخوانه وأخواته أو والده، وكذلك إهداؤه بعض الكتب والأشرطة التي تعالج الموضوع.
رابعاً: محاولة إبعاده عن رفقاء السوء الذين يزينون له الباطل، فهم أبالسة في صورة بشر، ومحاولة حثه على صحبة الصالحين الذين يكونون له عوناً في الدنيا والآخرة.
خامساً: إذا لم يجد فيه ما سبق فلا مناص من قطع الإنترنت عنه في البيت، وفي أمثلة العرب (آخر الدواء الكي) ، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح، فلا تسمحي له باستخدام الإنترنت، ولا يكن بيتك مكاناً لمعصية الله تعالى، ولا تيأسي من نصحه والدعاء له لعل الله أن يهديه رشده.
سادساً: المبادرة بزواجه إن كانت ظروفكم تسمح بذلك، فإن كانت لا تسمح فانصحيه بالصوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1427(9/4748)
خمسة شروط للتوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[واحد كان يسرق الناس من جيوبهم (محفظات) في السوق وسرق الرجل الذي كان يشتغل معه في البقالة كم من مرة والآن هذا الشخص تاب إلى الله فكيف يرد النقود المسروقة من السوق وهو ينسى كم سرق والناس الذين سرقهم وصاحب البقالة أيضا لا يذكر، إذا كان هذا الشخص فقيراً ماذا يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسرقة ذنب عظيم وخسة قبيحة للغاية، قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن.... الحديث. متفق عليه.
لكن الله جل وعلا من سعة رحمته بعباده قد شرع لهم التوبة والإنابة إليه وحثهم عليها ورغبهم فيها، ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذنوبه، فمن جملة ذلك قوله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {الزمر:53-54} ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة، ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام رحمهم الله تعالى، وإذا علم ذلك فإن التائب لا يكون تائباً حقاً إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:
الشرط الأول: الإخلاص وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل.
الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الثالث: الندم على فعله.
الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه.
الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.
وينضاف شرط آخر يتعلق بحقوق العباد وهو أنه لا بد أن يبذل قدر طاقته ووسعه في رد المسروقات إلى أصحابها، فإن عجز عن معرفة أصحابها بعد محاولات متكررة وبحث جاد فليتصدق بتلك المسروقات -إن كانت موجودة- وإن كانت غير موجودة فليتصدق بقيمتها إن كان قادراً على ذلك، على أنه متى ما وجد أصحابها خيرهم بين أن يرد عليهم مثل ما أخذ منهم أو قيمته وبين أن يقبلوها صدقة عنهم.
ثم إن عليه أن يكثر من أعمال البر، فإن أصحاب الحقوق قد يطالبونه بها يوم القيامة، والله حكم عدل فقد يوفيهم إياها من حسناته، فعليه أن يكثر من الحسنات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1427(9/4749)
مدى صحة وقبول طاعات مقترف الفاحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الشخص غير طاهر (نجس) لمدة معينة، يعني بعض الناس يقولون بأن الشخص بعد الزنى يكون نجسا 40 يوما لا يقبل منه عمل ولا صلاة ولا صوم، فهل مقدمات الزنى تنجس نفس المدى، والعادة السرية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الزنا كبيرة من أعظم كبائر الذنوب، وفاحشة من أعظم الفواحش، كما أن العادة السرية ومقدمات الزنا من الذنوب أيضاً، وعلى من ألمَّ بشيء من ذلك أن يتقي الله تعالى ويبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} .
ومما يعين على التخلص والابتعاد عن هذه المعاصي ما سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 5871 فالرجاء مراجعتها.
ورغم أن الزنا كبيرة من أعظم الكبائر وأن العادة السرية ومقدمات الزنا كل ذلك محرم، فإنه لا صحة لما قيل من أن مرتكب هذه الأمور يتنجس أربعين يوماً، ولا يقبل منه عمل، بل إنه إن تاب بعد انتهائه من المعصية توبة صادقة تاب الله عليه وقبل منه أعماله إذا توفرت فيها شروط قبول العبادة، أما إذا لم يتب إلى الله تعالى فإنه إذا صلى فإن صلاته صحيحة بحيث لا يطالب بقضائها، وتبرأ بها ذمته، وكذلك صيامه وسائر أعماله الصالحة، لكن القبول لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد لا يقبل منه بسبب إصراره على المعاصي، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة:27} ، وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 7170، والفتوى رقم: 50871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(9/4750)
المسئولية الفردية
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم: تأخذ المرأة إلى النار معها أربعة: أخاها وأباها و ... " قال لي صديق أنه ألزم أخته ارتداء الحجاب وبعد عقد قرانها طلب (سمح) لها زوجها بارتداء ما تريد. هل يلحق به إثم علما أنها تقول له أنا الآن في ذمة زوجي وليس لك شأن بي وكيف نوفق بين هذا والحديث السالف الذكر إذ ما زال يعتقد أنه يحاسب إن سمح لها بذلك؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ الذي قلت إنه حديث ونسبته إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم– والذي ذكرت منه: تأخذ المرأة إلى النار معها أربعة: أخاها وأباها و ... " لم نقف عليه فيما أتيح لنا البحث فيه من مصادر الحديث، ولا نراه حديثا؛ وذلك لأنه لم يرد: لا في الأحاديث الصحيحة ولا في الضعيفة. ولأنه –أيضا- يتعارض مع قول الله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} . وقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر: 38} .
ومع هذا فالله عز وجل قد استرعى الوالدين أولادهما والأزواج أزواجهم وكلفهم تأديبهم وإصلاحهم بما يقيهم من النار، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6} .
وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ... الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وبناء على ما ذكر، فالواجب على المرء أن يسعى في إصلاح أهله، وإذا بذل ما له من الوسع سقط عنه التكليف، وكان الإثم على العاصي وحده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(9/4751)
من تاب توبة نصوحا تاب الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحاسب نفسي منذ بلوغي قبل أن أحاسب وقد بدأت في إنزال المني في سن الثالثة عشرة والنصف تقريبا، ولكني لا أذكر متي نبت شعر عانتي الخشن وينتابني شعور وشكوك أنه قد يكون نبت منذ سنوات قبل إنزال المني فكيف الحل بهذه القضية، وهل يحاسب المسلم على أي فواحش ارتكبها قبل البلوغ، فأرجو الإفادة؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل علامات البلوغ الشرعية، ويمكنك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 10024.
والمرء قبل أن يظهر عليه بعض هذه العلامات لا يأثم بارتكابه شيئاً من المخالفات الشرعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. كما في المسند والسنن.
وأما بعد البلوغ فإنه يكتب عليه ما ارتكبه من المخالفات، ولكن الله تعالى قد تكفل لمن اجتنب الكبائر أن يكفر عنه الصغائر من السيئات، قال الله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا {النساء:31} ، كما أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الشريف، وقد قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222} ، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وعليه فحل المشكلة يسير على من يسره الله عليه، وهو أن تتوب إلى الله من جميع الذنوب توبة خالصة، نادماً على كل ما كان قد صدر منك، وعازماً على أن لا تعود إلى مثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(9/4752)
حكم ترك التعلم حتى يسلم من العقاب إذا أذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان العبد عالما بعقوبة الذنب ففعله فعليه وزر ذنبه أما إذا كان لا يعلم عقوبتة ففعله فقد تجاوز الله عزوجل عن الخطأ فقد يتخلل إلى بعض صدور الناس ترك التفقه والعلم بالدين حتى لا يقعوا في الإثم بسبب أنهم يعلمون ولا يرفع عنهم الخطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإصرار العبد على بقائه جاهلا لأجل أن لا يعاقب على الذنوب لجهله هذه حجة واهية، بل هي من تلبيس الشيطان؛ لأن المسلم مطالب أصلا بطلب العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهما.
فيجب على المسلم أن يطلب العلم الذي لا بد له منه ولا يقوم دينه إلا به، كتعلم أحكام الطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك مما يتعين على كل مسلم، كما أن المسلم مطالب بالبعد عن المعاصي والذنوب كما قال تعالى: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} والبعد عن الذنوب لا يمكن إلا بعد العلم بها وبالطرق الموصلة إليها، فإذا أصر الإنسان على البقاء على جهله لم يكن معذورا في وقوعه في المعصية لأنه مفرط في تعلم دينه وما يجب وما يحرم عليه، وأما من بذل جهده في تعلم دينه ومعرفة الواجب عليه والمحرم عليه، ثم وقع بعد ذلك في ذنب من الذنوب جاهلا بالحكم فهذا يرجى له المغفرة وأن يعذر لجهله. وانظر للأهمية الفتوى رقم: 2242، والفتوى رقم: 19084، وفيهما التفصيل في بيان ما يعذر فيه بالجهل وما لا يعذر فيه بالجهل، وانظر الفتوى رقم: 56544، في بيان العلم الواجب على كل مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(9/4753)
فتاوى حول التوبة وكيفيتها وتكرارها
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم أنا عبد حقير كثير المعاصي وعندما أصاب بشيء أنقطع عن الصلاة وأسب الله ثم أتوب، وتكرر هذا الأمر عدة مرات وكل مرة أقول ستكون هذه المرة توبتي نصوحا إلا أنني لم أعد أسب الله، ولكن أنقطع عن الصلاة، والآن أريد أن أتوب توبة نصوحا وأصبر على قدري وأتغلب عن عدم ثباتي على التوبة، يا شيخ أنا ارتددت بالقول والفعل أكثر من ثلاث مرات، وقول الحنابلة بأن من تكررت ردته فالله لا يقبل توبته يخيفني فأخاف أن يكونوا صادقين، وأن ألتزم وتوبتي غير مقبولة، فأنا الآن أصلي، فهل هذا يعني أن صلاتي غير مقبولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 66660، 71499، 6061، 25809، 12447، 70270، 62008، 47422، 46846، 45561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(9/4754)
عدم الجمال لا يدل على غضب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غير جميلة وأحيانا يقابلني أناس في الشارع ويقولون لي إني (وحشه) المهم أنهم لا يعرفونني ومع ذلك يضايقونني ولا أدري ما الذي يستفيدونه من ذلك والمهم عندي أن أعرف هل ربنا غضبان علي لأني (وحشه) والناس يجرحونني
وساعات لما يضايقني أحد في الشغل وأحس بالإهانة وأتذكر دائما (الله يعز من يشاء ويذل من يشاء) أحس ساعتها أن ربنا غضبان علي وهذا يؤلمني جدا مع أني أحاول على قدر ما أستطيع أن أراعي ربنا في كل حاجة أعملها ولأني أريد أن أعيش حياة صحيحة على قدر ما أستطيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أختنا الفاضلة أن تهوني على نفسك، وأن تعلمي أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، وخير ما يتسلى به المؤمن فيها إذا ابتلي الصبر، ففي ذلك حسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وارجعي الفتوى رقم: 5249، وإن الجمال أو عدمه من تقدير الله تعالى، وليس للإنسان دخل فيه، فلا يقال إنه خلق قبيحا من أجل غضب الله عليه، نعم قد يبتلي الله المؤمن بشيء من المصائب بسبب بعض المعاصي التي ارتكبها كسخرية الناس منه ونحو ذلك، ولكن هذا ليس مطردا، فقد تكون المصيبة لمجرد الامتحان، وليس عقابا. وعلى المسلم أن يتوب من معاصيه على كل حال قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} وتراجع الفتوى رقم: 65816، وهاهنا أمر ينبغي التنبه له وهو أن أمر الجمال نسبي يختلف تقديره من شخص لآخر، فمن يراه أحد الناس قبيحا قد يراه آخر على خلاف ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(9/4755)
كيف تكون من أهل الآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضحوا لي كيف يجعل المسلم همه هو الفوز في الآخرة بدل السعي وراء ملذات الدنيا؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم ما يعين المسلم على جعل الآخرة أكبر همه:
أولا: تذكر الموت.. فإن الموت ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا كثير إلا قلله، وإذا جعل العبد الموت بين عينيه كان ذلك أعظم باعث له للعمل والإكثار من الطاعات والبعد عن السيئات، وانظر الفتوى رقم: 22445.
ثانيا: الاكثار من تلاوة القرآن وتدبره، وتذكر ما أعده الله تعالى لأهل طاعته من الكرامة، وما أعده لأهل معصيته من الخزي والذل والندامة.
ثالثا: الشعور بالتقصير في حق الله تعالى.. فإذا شعر العبد أنه مقصر في طاعته لربه كان ذلك سببا في نشاطه.
رابعا: صحبة الصالحين.. فإنهم نعم العون للعبد في طريقة إلى الله تعالى، يذكرونه إذا نسي، وينبهونه إذا غفل ويحببونه في الآخرة، ويزهدونه في الدنيا الفانية، وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 17666، والفتوى رقم: 33818، والفتوى رقم: 66109.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(9/4756)
الصبر على الابتلاء بضيق ذات اليد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ما يمر به الشباب من ضيق ذات اليد وعدم وجود مال للزواج من البلاء الذي ذكر في القرآن في سورة البقرة: (ولنبلونكم بشيء من الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) ، وهل إذا عف الشاب عن الوقوع في الحرام وصبر على هذا البلاء يدخله الله الجنة وكذلك الفتيات، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يمر به الشباب من ضيق ذات اليد هو من البلاء، وأن من صبر على البلاء نال أجر الصابرين، ومن سخط وقع عليه عقوبة الساخطين، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السُّخْط.
ولكننا ننبه إلى مسألة مهمة وهي أن الله عز وجل اقتضت حكمته ولطفه بعباده أن يصرف أمورهم بما فيه المصلحة لهم، قال ابن كثير: أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 66358.
وانظر الفتوى رقم: 27048 ففيها بيان أسباب البلاء وأدعية كشفه.
ومن أحب وعشق ثم سيطر على مشاعره وربطها برباط الشرع، وقيدها بأدب الإسلام فقد أصاب خيراً كبيراً، فإن كان مع هذا قائماً بما أوجب الله عليه مجتنباً ما حرم الله عليه فنرجو له الجنة، وانظر الفتوى رقم: 55167، والفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(9/4757)
التوبة وترك التبتل وزيارة قبر الأجنبية للاعتبار
[السُّؤَالُ]
ـ[عنوانها (وإذا استنصحك فانصحه) أنصحوني أثابكم الله، أتمنى أن تهتموا بالإجابة على رسالتي وتقدروا ظروفي النفسية الصعبة، سأحكي لكم قصتي:
أنا شاب مسلم متدين أحفظ كتاب الله والحمد لله وأواظب على صلاتي في المسجد غالبا، ولكن لا يوجد إنسان لا يذنب أو يخطىء ... قصتي أني أدرس دراستي الجامعية في بلد عربي غير بلدي الأصلي وأثناء دراستي تعرفت عبر الإيميل على فتاة من نفس بلدي ومدينتي الأصلية متدينه محافظة على صلاتها على خلق عال ومن أسرة محترمة, حقيقة أعجبنا ببعض وأعلم أننا وقعنا في خطأ بسبب أني كنت أكلمها بدون علم أهلها ورأيت صورة وجهها أيضا، ولكن لم نتقابل مطلقا حقيقة، ولكن يعلم الله أني كنت جادا في خطبتها فور عودتي إلى بلدي في الإجازة، ولم يكن يوجد ما يمنع زواجنا، وكانت تعاني من مشكلة صحية وكانت تستخدم دواء ألا أن تقوم بعملية جراحية، لأن هناك خطورة كبيرة عليها في الحمل والولادة بدون إجراء العملية، وكانت خائفه جداً من العملية، ولكني شجعتها بعد أن قام أحد أقربائي بعمل العملية وكانت ناجحة جداً وسألت طبيبا وخبرني أنها عملية سهلة وقد قاموا بالكثير منها، المهم أني عدت إلى بلدي في اجازتي الدراسية الصيفية وأنا عازم على خطبتها، ولكن إرادة الله أنها كانت مسافرة إلى بلد آخر لإجراء العملية مع أهلها ووصلني خبر أنها توفيت بعد أن أجرت العملية بسبب مضاعفات بعد إجراء العملية رغم أن الطبيب الذي أجرى العملية أيضا أخبرهم بأن العملية ليست خطيرة، الحقيقة أني صدمت صدمة كبيرة بسبب حبي الشديد لها وتعلقي بها ورغبتي في الزواج منها، وأيضا بسبب إحساسي بالذنب من علاقتي بها وأنها أكثر من مرة أرادت تركي بسبب أنها تريد التوبة بعد أن قطعت علاقتها بالشات مطلقا، ولكني كنت أؤكد لها أنني إن شاء الله سأتقدم لها عند عودتي في الصيف وكنت صادقا في وعدي لها وأشعر الآن أني كنت السبب في منعها من التوبة ويجب علي التكفير عن ذنبي وتعويضها بعد موتها وأخاف عليها أن تتعذب بسبب علاقتنا، وكلامنا بدون علم أهلها على الإيميل، وأيضا إحساسي بالذنب أني نصحتها بإجراء العملية مع أنها كان من الممكن أن تكمل حياتها دون إجراء هذه العملية، إن شاء الله قررت عدم الزواج من أخرى لكي لا أظلم فتاة أخرى بسبب تعلق قلبي بالأولى وحسب علمي أعرف أن هناك من كبار مشايخ العلم لم يتزوجوا طيلة حياتهم، وعزمت إن شاء الله أيضا على التوبة وعدم التكلم مع أي بنت عبر الإيميل أو عبر أي وسيلة أخرى، وأتمنى أن أقوم بشيء لمصلحتها يفيدها في آخرتها رحمها الله، سؤالي: هل يجوز لي الدعاء لها والصدقة عنها والعمرة عنها وزيارة قبرها أن عرفت مكانه وسائر الأعمال الخيرية مع أنها ليست قريبتي، علما بأنها اعتمرت في رمضان العام الماضي، أعلم أن الله يجمع كل إنسان من الصالحين بزوجته في الجنة إن كانوا من أهلها، فهل لي أن أدعو الله أن يدخلني وإياها الجنة ويجمعني بها في الجنة، فهل هو جائز شرعا؟ واعذروني على الإطالة وأتمنى أن تقرؤوها جيدا وتجيبوني إجابة شافية مفصلة وأتمنى أيضا النصيحة منكم وأن تدعو لها بالرحمة والمغفرة وتدعو لي بالهداية والتوفيق.. جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يقوي عزمك على التوبة، وأن يتقبلها منك، أما عزمك على عدم الزواج فهذا لا ينبغي، لأنه مخالف لسنة المرسلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من رغب عن سنتي فليس مني، ومن سنته صلى الله عليه وسلم أنه يتزوج النساء، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 62986.
أما إحساسك بالذنب أنك حلت بين الفتاة وبين التوبة، فيكفيك فيه أن تتوب إلى الله عز وجل من ذلك، ولا بأس أن تهدي لها ثواب الأعمال الصالحة، وانظر الفتوى رقم: 2288.
ولا بأس بزيارة قبرها إذا كان على سبيل الاعتبار وللدعاء لها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 7410، والفتوى رقم: 31401.
وأما إحساسك بالذنب لأنك نصحتها بإجراء العملية المذكورة، فلا نرى أنك قد أذنبت بذلك، لأنك لم تغشها في نصيحتك، أما الموت فهو بيد الله، وما العملية إلا سبب، ولن تموت نفس قبل أن تستكمل أجلها.
وأما الدعاء بأن تكون زوجتك في الجنة، فلا ندري هل ينفع وهل يستجاب، لكن ليكن همك دخول الجنة، فإن فيها ما تشتهيه الأنفس، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 76697، ونسأل الله للمتوفاة الرحمة والمغفرة والرضوان، وللأخ السائل التوفيق والصلاح والهداية لما يحب ربنا ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1427(9/4758)
الاعتدال في الغيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد:
أحاول أن أبحث عن بداية أبدأ بها موضوعي أو أن أجد عنوانا مناسبا ولكن لم أجد أنسب من تسمية مشكلتي "الغيرة" , فوجدت أن أبدا بالحديث عما أعانيه وأسبابه لعلكم تجدون لي مشكورين حلا لهذه المشكلة أنا شخص يعاني جدا من الغيرة على عائلتي وأقربائي وأصحابي ويمتد ذلك حتى على من لا أعرفهم, الأمر الذي يسبب لي أرقا كبيرا عندما أرى بعض المواقف أو بعض الأشخاص خاصة النساء وتعاملاتهن وطبيعة لباسهن. أعاني من هذه المشكلة بشكل كبير خاصة بالجزء الذي يخص الناس الذين لا أعرفهم, أما بالنسبة لأقربائي فقد تأقلمت مع مرور الوقت على ذلك خاصة أنهم يبذلون ما في وسعهم لإتباع الحق وكنت كثيرا أحملهم ذنب تصرفات الآخرين الأمر الذي تخطيته قليلا.
كل ذلك تخطيته نوعا ما وتأقلمت عليه مع مرور الزمن, لكن المشكلة الحقيقة التي لم أستطع حلها أو التخلص منها لما تسببه لي من أرق وقلق ونفسية متعبة ومريضة وسلبية جدا من المجتمع والزمن ألا وهي غيرتي على الإسلام. غيرتي على الإسلام ورفضي لما يحصل في هذه الأيام لانتهاك لحرمة الإسلام بصورة وقحة وعلنية وبلا مبالاة لأكثر الأمور وضوحا وصراحة في الإسلام كلبس الحجاب مثلا, ففي الوقت الذي يجب فيه مناقشة طريقة لبس الحجاب, نجد الناس تتهاون بلبس الحجاب وتناقش وبكل وقاحة وجوبه أو عدم وجوبه. غيرتي هذه تجعلني دائم الشعور بالذنب وأنه علي أن أقوم بشيء ما, ولكن كل المجتمع وحتى أقربائي للأسف يهدمون عزائمي ويكسرون أجنحتي بقولهم الدائم لي: "من أنت حتى تغير المجتمع أو تؤثر فيه" أو "كيف لشخص واحد أن يغير مجتمع" أو "يكفي أن تصلح نفسك وأهل بيتك", أحاول أن أكون في كل تصرف لي أو عمل أقوم به صاحب رسالة, لكني اشعر أني لا أقوم بواجبي على أكمل وجه, خاصة أني لا أرتضي بالحلول الوسط, فإما أن يكون الشيء كاملا وإلا فلا, فمعظم من أقابلهم يناقشونني بنفس الطريقة وطبيعة التفكير التي يمكن أن أوضحها بالموقف التالي:
عندما سألت قريبة لي عن معرفتها بأحكام اللباس وما مدى صحة لباسها حيث إنها ترتدي بناطيل ضيقة وقمصان أضيق, وتلبس الحجاب ولكن يكون جزءا كبير من عنقها واضحا وظاهرا, فتجيبني كما يجيب الكثيرون, نحن في زمان القابض على الإسلام كالقابض على الجمر وكونها تلبس الحجاب هو عمل كبير وبطولي وستدخل أعلى درجات الجنة للبسها الحجاب فقط دون التقيد بأحكام اللباس كاملة. هذا أحد المواقف وقس على ذلك مواقف كثيرة وأفكار غريبة. أصبحت الصلاة إسقاط فرض لا غير
الزكاة عبارة عن نسبة معينة يتفاخر دافعها بما لديه من مال
والكثير من الأمور الأخرى, وفي النهاية يقولون لك إن الله غفور رحيم, وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها, ويتناسون أن الله شديد العقاب. لا تجد شخصا يكون صادقا مع نفسه, لا تستطيع أن تعامل أحدا, لدرجة أنني أحاول أن أمشي دون أن أحاول أن ألتفت يمنة أو يسرة, وجهي في الأرض دائما, أشعر بالعار لما نحن فيه, لدرجة أنني أعتقد أن العمليات الانتحارية التي تستهدف اليهود غير صحيحة, والأولى أن نقوم بتفجير عربنا والقضاء على هذا النسل الفاسد عل وعسى أن يبدلنا الله نسلا أفضل ويفهمون الإسلام ويطبقونه أكثر منا. ليس إلى هذا الحد فقط, وإنما يتعداه لدرجة اعتقادي أن مشايخنا بما فيهم أنتم لا يقومون بواجبهم على أكمل وجه اتجاه إسلامنا رمز عزتنا وكرامتنا وعليائنا, اعذروني لهذه الأفكار التي كثيرا ما تراودني, ولكن لو أننا نقوم بواجبنا اتجاه الإسلام لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من انحطاط وذل وهوان. أعتذر لكم مرة أخرى, ولكنني أؤمن أننا في هذا الزمن نفكر بالقيام بما هو أقل خطأ وليس ما هو صحيح لأن احتمال عمل الأمر الصحيح احتماله ضئيل إلى معدوم. أرجو إفادتي بما يجب علي أن أفكر به أو أقوم به لأنني أعاني كثيرا من هذه الأفكار وأجد نفسي دائما مقصرا وأشعر أنني أحيا في العصر الخطأ والزمان الخطأ لا أعلم إذا كان في طلبي التالي تعد على قوانين وأسس الموقع, ولكني أرجو إرسال تعليقكم على البريد الالكتروني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة من علامات الإيمان، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه.
وفي حديث آخر: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
فما أنت فيه من الغيرة على الدين أمر طيب، ولكن ينبغي أن لا يغيب عنك أن كل أمر خرج عن حد الوسط والاعتدال صار مذموما. والشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا ... رواه البخاري.
والتوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع. وهذا لا يعني أننا نأمرك بالرضا بالمنكر، وترك تغييره ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإنما يعني أن من الحكمة أن تقتصد في إنكارك لئلا يسأمك الناس ويملوا نصيحتك.
وليس من الحكمة قولك: إنك لا ترتضى بالحلول الوسط، وأن الشيء إما أن يكون كاملا وإلا فلا. فلا شك في أن بعض الشر أهون من بعض، وأن ما لا يدرك كله لا يترك كله.
ونسأل الله أن يعينك على ما تقوم به من الخير، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا خيرا لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1427(9/4759)
تستر من وقع في المعصية بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة كنت قد استشرتكم في موضوع (2127766 و 2127777) ولكن بقيت لدي مشكلة وهو أنّ ضميري يؤنبني تجاه خطيبي الذّي أحبه كثيراً وأشعر دوما بأنّي أخونه وأعرف في نفس الوقت أنّي لو صارحته بالأمر لن يغفر لي مهما كان لأنّه إنسان متق ويعرف حدود الله، صدّقوني إخوتي بقدر محبّتي له بقدر ما أتمنى أحيانا أنّي لم أعرفه ولم أعرف أحداً بعد ما حصل لي ما حصل مع خطيبي السابق الذّي كنت قد حدّثتكم عنه في المرة السابقة، وإنّ ما يزيد في تعذيبي أنّي لا أعرف ما حصل لي بالضبط أي هل فقدت عذريتي أم لا، لأنّها كانت أوّل تجربة لي وكنت متوترة حتّى أنّي لم أشعر بما حصل لي بالتحديد، لو كانت لدي طريقة للتأكد من ذلك لفعلت حتى لا أظلم خطيبي الحالي وأنفصل عنه لأنّي لا أستطيع وضعه أمام الأمر الواقع كما أنّي لن أقدر على مواجهته لو انكشف الأمر وبالفعل تبيّن أنّي غير عذراء لا قدّر الله، إخواني ساعدوني فأملي الوحيد هو أن أجد لديكم حلا علّه يخفّف عنّي ما أشعر به من يأس وتأنيب ضمير تجاه خطيبي وعائلتي والله بالدرجة الأولى، سؤالي إخواني هل من طريقة أعرف من خلالها إن كنت عذراء أم لا هذا مع العلم وإنّي لا أقدر حتى للذهاب إلى الطبيب للكشف عنّي لأنّي أجد في ذلك حرجا كبيرا بالنسبة لي ثمّ ماذا سأقول هل أنّي عذراء أم لا؟ هذا مع العلم بأنّه لدي شعور بأنّي لازلت عذراء، ولكن يقتلني الشّك ثمّ أنّي أفضل التأكد من وضعيتي قبل أن أتزوّج لأنّه لو تبينّ لي أنّي فاقدة لعذريتي فسألغي فكرة الزواج نهائيا بدل أن أجلب العار لعائلتي التّي طالما عرفت بأخلاقها الكريمة وأخلق مشكلة أنا غير قادرة على مواجهتها، إخواني الأعزّء لقد وجدت في هذه البوابه متنفسا حتّى أستطيع البوح بهذه المسألة التّي لا يعلمها حتّى أقرب الناس لي، شكرا لكم مسبقا والرّجاء إجابتي في أقرب وقت ممكن لأنّي أعيش على أعصابي ولم أعد أتحمّل ولا أعرف ما أفعل، سامحني الله وأبقى عليّ الستر وعلى جميع المؤمنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يذهب عنك الهموم والغموم، وأن يرزقك السعادة والطمأنينة، وانشراح الصدر وقبول التوبة والاستقامة على الصراط المستقيم.
وننصحك ايتها السائلة الكريمة بالإعراض عما تجدينه من وساوس وأوهام فقد تبت إلى ربك وستر عليك، فلا تفضحي نفسك ولا تحدثي خطيبك أو غيره بما كان منك، ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن زيد بن أسلم.
فاستتري بستر الله ولا تخبري أحداً، وإذا سألك زوجك وكنت فعلاً غير بكر فلك أن توري له بأن تقولي له أن البكارة قد تزول بأمور كثيرة كاندفاق الحيض والركوب على الحاد وبالعادة السرية وغيرها، كما قدمنا في الفتاوى السابقة، ولا داعي للتأكد عند الطبيبة أو غيرها لحرمة كشف العورة إلا لضرورة، ولا ضرورة هنا تبيح ذلك، وانظري الفتوى رقم: 61699، 18469.
ولو افترضنا أنك غير عذراء فلا ينبغي لك أن تعرضي عن الزواج لما في ذلك من تعريض نفسك للحرام والاستجابة لوساوس الشيطان فقد يكون زوجك ممن لا يهتم بذلك ولا يهمه ماضي المرء بعد استقامته وصلاح حاله، واعلمي أن أكثر ما تجدينه من وساوس هو من الشيطان فاطرديه عنك بالذكر وقراءة القرآن والتوبة النصوح إلى الكريم الرحمن، وسيجعل لك من أمرك يسراً، ويشرح صدرك لما هو خير لك فهو ولي الصالحين، نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياك من أولئك إنه سميع مجيب. وللفائدة انظري الفتوى رقم: 20941.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(9/4760)
وسائل الثبات على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الإجابة على سؤالي وهو:
أنا أول مرة تعرفت على شاب وقامت بيننا علاقة لم تصل إلى مرحلة الجماع بل اقتصرت على بعض مقدماته، وتركني، وشاءت الصدف أن أحببت شخصا أصغر مني وأحس بحبي له فصارت بيننا علاقة، وكانت كذلك من دون جماع، وكان وعدني أنه سيتزوج ولكنه لن يتركني، ولكن بعد أن وجد خطيبته تركني وأنكر وعوده، تمنيت لو أنه أتى وقال نريد أن نتوب، لكن لأنه وجد البديل تركني وهو الآن سعيد وأنا تعيسة مع أني أنا وإياه ارتكبنا نفس الغلط وحاولت أن أنتقم منه لكني لم أستطع، وتبت لكن من ضياعي راسلت على الشات وتعرفت على شبان وأقمت علاقات ولكن لم أكن مرتاحة لهذه العلاقات ودائما أطلب من ربي أنه يبعد عني كل حرام، وأنا الآن مع بداية شهر رمضان قررت التوبة نهائيا بإذن الله، أرجو مساعدتي، الله يوفقكم لما فيه الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بهذا القرار، وإنه بحق أفضل قرار اتخذتيه في حياتك، قرار التوبة والرجوع إلى الله وهجر معصيته سبحانه، قرار الانضمام إلى حزب الله السعداء المفلحين ومفارقة حزب الشيطان الخاسرين، نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على قرار التوبة ويجعلها توبة نصوحا، ولكي لا يكون هذا القرار قرارا آنيا ثم يذهب أدراج الرياح فالمطلوب منك أن تقوي إيمانك وتزيدي معرفتك بالله عز وجل، من عرف الله اتقاه، ولذا كان العلماء يقولون: أخشى الخلق لله أعرفهم به.
ومما يفيد في تقوية الإيمان تلاوة كتاب الله العزيز وتدبره والاجتهاد في العمل به، وقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسير الصالحين والتائبين، ومصاحبتهم في الواقع، وترك الرفقة السيئة التي تغري بالذنب وتدعو إليه، وهجر وسائل الإغواء والإفساد، وهذا الأمر في غاية الأهمية، فالتخلية قبل التحلية، ولعل التجربة السابقة تكون عبرة لك وعظة وتبصرة لك بسوء عاقبة المعصية والصحبة الخاسرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1427(9/4761)
ثواب الصبر على فقد الولد
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني أكرمكم الله:
توفي لي ابن 3 سنوات كان يختلف عن أقرانه من حيث الحركة وميوله إلى القفز والكهرباء وغيرها من الأشياء المضرة وعلمت بعد وفاته من قريب لنا دكتور أنه صرح لوالده أنه يعاني من كهرباء في الرأس ولابد له من علاج ونحن في طريق الخروج من المنزل حيث سبقني للنزول بدقيقة على الأكثر وكان يعتاد النزول إلى من تذهب به إلى الحضانة كل يوم. وخلال الدقيقة كنت (أحمل ابني الرضيع وحقائب معي وأغلق الباب) وقد قفز أو نظر بشكل عشوائي فوقع في فناء البيت حيث نحن في الطابق الرابع ومات خلال ساعتين. فهل علي شيء اتجاه ابني فلذة كبدي لأنني أحس دائما بتقصيراتجاهه مع أن زوجي ومن حولي يقولون لي هذا قضاء الله وما قصرتى لأنة من الصعب السيطرة الكاملة على طفل بهذه الظروف والطاقة غير العادية وإننا متوقعون أن نسمع إصابته أو وفاته في أي وقت مما كانوا يشاهدون عند زيارتهم.وإذا كان علي فدية فأنا لا أمتلك مالا لأنني ربة منزل ولمن أعطيها وأرتجف خوفاً ألا آخذ ثواب صبري على موته لهذا السبب أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن نوصيك بالصبر، والرضا بقضاء الله وقدره. ونسأل الله أن يعوضك خيرا مما فقدت، وأن يثيبك على ذلك ثواب الصابرين المحتسبين.
واعلمي أن الله قد وعد الصابر على فقد ولده بالجنة، كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة ".
ووعده ببيت في الجنة، كما في رواية الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: "قبضتم ولد عبدي؟ " فيقولون: نعم، فيقول: "قبضتم ثمرة فؤاده؟ " فيقولون: نعم. فيقول: "ماذا قال عبدي؟ " فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: "ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ".
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن كان الأمر على ما وصفت، فإنا لم نتبين فيه ما يدل على أنه قد حصل منك تفريط أو تقصير في حق ابنك، وبالتالي فليس عليك شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(9/4762)
فتاوى على طريق الاستقامة والتوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من الصومال، أؤمن بالله حق الإيمان, ولكن ينقصني العمل, والمشكلة أنني مبتلى بأربع ابتلاءات: فتنة النساء, ونكاح اليد, وصحبة السوء, وأني مقصر في صلاتي, جعلها الشيطان علي مثل الجبل الذي يصعب الوصول إليه، وأنني والله إذا أتاني مذكر أرجع فأتوب إلى الله, ولكن أخرج فألتقي بأصحاب السوء فأرجع كما كنت..! , وأعود إلى البيت فأحاسب نفسي على ما أفعل، فأرجو منك يا شيخنا أن تنصحني بأقرب المخارج من هذا العذاب الذي أعيشه؟ ولكم جزيل الثواب من الله رب الأرباب!.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59332، 41016، 52421، 76270، 10263، 26170، 30425، 69465، 72497، 30184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(9/4763)
من تاب بسبب الآثار السيئة للذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بالتوبة ... عندما يذنب الإنسان ثم يقرر التوبة لأنه بدأ يشعر بالأذى الناتج عن هذا الذنب ... أي أن الدافع الرئيسي هي النتائج السيئة للذنب ... هل تكون نية التوبة صحيحة؟ ... أعلم أن التوبة يجب أن تكون خالصة لله تعالى وأن يكون الدافع لها هو الشعور بالذنب لمخالفة أوامر الله بغض النظر عما قد يحصل نتيجة اقتراف الذنب ... لكن لو كان الشعور بالذنب مختلطا بدوافع أخرى للتوبة، فهل تصح؟
أتمنى أن يكون سؤالي واضحا وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون شعور العبد بالنتائج السلبية للذنوب هو سبب التوبة لا حرج فيه لأن الله تعالى يبتلي عباده بالمصائب ليتذكروا ويخبتوا إليه؛ كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم: 41} وقال تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الأعراف: 168} وبناء عليه فإنه لا يمنع صحة التوبة أن يكون الدافع لها هو شعور العبد بأخطار الذنوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1427(9/4764)
الرضا بما قسم الله وعدم الاغترار بمظاهر الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى كثيرا من الناس في مرح وراحة نفسية وابتسامة وأنا أكون في هم وغم وحزن مع العلم أن ظاهرهم لا يدل على الصلاح وأنا ظاهري يدل على الصلاح، فهل السبب الباطن فقد تكون بواطنهم أصلح من باطني أم السبب في حالتهم النفسية واستقرارهم الأسري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 77458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1427(9/4765)
وسائل معينة على العفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم والحمد لله.. أبحث عن عمل منذ سنة ونصف ولكن بلا جدوى.. قررت أن أكمل الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه لأنها تؤهلني للوظيفة أكثر.. ولكن تخصصي يا شيوخنا الأفاضل متوفر إما في الولايات المتحدة أو أورويا أو كندا.. أو بالأحرى المنح المتوفرة عندنا في فلسطين فقط إلى هذه البلاد.. ولكن يا شيوخنا الأفاضل أنا أعزب.. شهوتي لدى النساء عالية إلى حد ما ولكن الحمد لله محصن نفسي بفضل الله عزوجل.. ولكن اذا سافرت الى الغرب أخشى على نفسي من الوقوع في الزنا.. وفي نفس الوقت إن لم أذهب فقد ضيعت على نفسي فرصة العمر بالنسبة لي.. فهل أذهب أم لا؟ أنا بعثت لكم لأن لي صديقا مثلي ولكن ذهب إلى مصر ليكمل دراساته العليا لكنه خلال شهرين بدأ يخاف على نفسه من الوقوع في الزنا.. قبل فترة كان على حافة الزنا لولا أن الله ستر ولم يفعله الحمد لله.. فهو ملتزم.. وهذا ما خوفني.. إذا في مصر كان على حافة الزنا فكيف الغرب؟ ومقاومتي للبنات أخف من مقاومته.. فهل أذهب أم لا؟ أم ماذا أفعل..
للعلم بأني لست مقتدرا على الزواج.. حتى أهلي لا يملكون القدرة على أن يزوجوني من أجل أن أعف نفسي وأذهب إلى الغرب..
أرشدوني بارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاستعانة بالله تعالى أن يرزقك رزقا حلالا مباركا وبالتضرع إليه وسؤاله بإلحاح أن يحصن فرجك ويحفظك من الوقوع في المعاصي.
وقد شرع الله بعض الأسباب المساعدة على ذلك:
فمنها الزواج لمن استطاعه فإن لم يتيسر فعليه بالإكثار من الصوم لما في حديث الصحيحين: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
ومن الأدعية المأثورة المهمة الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي يعني فرجه. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ومنها الدعاء الوارد في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
ومن الوسائل المعينة على العفة الصحبة الصالحة وكثرة النظر في وعد الله ووعيده وفي الترغيب والترهيب وشحن الوقت بما ينفع من دراسة أو كسب أو رياضة وعدم الإكثار من الأطعمة التي تثير الغريزة كاللحوم والبيض وما أشبه ذلك، وقد ذكر بعض العارفين بطب الأعشاب أن ابتلاع وزن درهم من الحناء يخفف حدة الشهوة.
وأما عن إكمال الدراسة والبحث عن وظيفة أكبر فلا حرج فيه إلا أنه يتعين عليك أولا البحث عن بلد تأمن فيه على دينك وأخلاقك وعرضك.
وإن لم يتيسر لك إلا الجامعات الأمريكية أو الكندية أو الأوربية فابحث عن فروعها الموجودة بالعالم الإسلامي أو ابحث عن طريقة للحصول على وظيفة مرتبها عال ولو في بلد من العالم الإسلامي غير وطنك.
فلعلك تحصل مرتبا يساعدك على مصاريف إكمال الدراسة في الجامعات التجارية.
وإن لم يتيسر لك إلا بلاد الغرب فاعمل الاحتياطات اللازمة لحفظ دينك واستخر الله تعالى واستشر بعض من سافروا هناك.
واعلم أن أهم ما يتعين الحفاظ عليه هو الدين فهو رأس مال المسلم، الإنسان قد يموت وهو شاب وقد يموت في شهره الأول من الدراسة.
فإذا مات فقيرا وهو ذو دين فيرجى له من الله أن يعطيه كل خير، وإذا مات هو منغمس في المعاصي فيخاف عليه من العذاب الأليم.
فعليك أن تبحث عن عناوين أهل الخير وتحرص على البقاء معهم أكثر ما يمكن من الوقت، وتعاون معهم على ما هم فيه من الخير، وتعلم منهم ما تحتاج له وعلمهم مما عندك واحرص على المواظبة على الصلاة والذكر المأثور ومطالعة كتب الترغيب والترهيب. فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. والذكر يطرد الشيطان.
والعلم بالوعيد يقمع النفوس عن الأهواء والشهوات.
وإذا تيسر لك هناك سبيل للزواج ولو من امرأة تكبرك سنا فاحرص عليه لأن الزواج أحصن للفرج وأغض للبصر.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 72497، 32928، 5871، 16688، 20969، 34751، 46936، 58722، 14334، 27977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(9/4766)
المخلصون "بفتح اللام وكسرها" تعريفهم.. فضلهم ومنزلتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري إن كان من الصواب أن أسال هذا السؤال ولكن قبل أن أسأل أريد أن أؤكد لنفسي قبلكم, أن الله عليم حكيم , خبير بعباده يؤتي فضله لمن يشاء, ومشيئته مرتبطة بعلمه وحكمته لا يسأل عما يفعل, ولكي أظن أن الله لا يفعل شيئا إلا لحكمة قد تخفى علينا نحن العامة , ولكنها لا تخفى بفضل من الله على أهل العلم والذكر وقبل أن أسال أستغفر الله كثيرا لخوفي أنه قد لا يجوز السؤال.
...
سؤالي: عن المخلصين. بفتح اللام وهم الصفوة. قد آتاهم الله من فضله ولكني سمعت أن المخلصين بكسر اللام يجاهدون أنفسهم وما يحوي قلوبهم من رياء وحسد....ومن أمراض القلوب , وإذا ما صدقوا رفعهم الله إلى رتبة المخلصين بفتح اللام. الذين خلقوا وقلوبهم صافية نقية.أريد أن أسأل كيف يمكن أن يكون ذلك؟ وأن يكون الذي يجاهد نفسه أقل درجة من الذي لا يجاهد؟ ثم خطر على قلبي خاطر. فقلت إن المخلصين بفتح اللام كفوا أنفسهم. ولكن مسؤوليتهم أكبر فهم لهم مسؤولية إصلاح البشر والنفوس. ولكن الذي يجاهد نفسه ليس مكلفا بإصلاح نفسه. لا أدري إن كان هذا الجواب ممكنا أم لا. أفيدوني بالجواب. يرحمني الله وإياكم؟
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المخلصين بالفتح هم الذين أخلصهم الله واصطفاهم واختارهم لطاعته؛ كما قال تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {ص: 46 ـ 47} وأما المخلصون بالكسر فهم الذين أخلصوا لله تعالى في أعمالهم فعبدوه مخلصين له الدين، وبتعريف الأمرين يعرف فعلا أن الذين أخلصوا قاموا بالأعمال بإخلاص، وهذا يستدعي منهم عملا؛ ولكنه لا يستلزم رفعتهم على الذين أخلصهم الله واصطفاهم، فإن أولئك عندهم أعمال صالحة يعملونها بإخلاص، وقد يجتمع الأمران فيهم فهم مخلصون في أعمالهم لله وقد أخلصهم الله تعالى واصطفاهم واختارهم لطاعته، ولذلك قرئ وصف عباد الله الذين نمى إليهم يوسف عليه السلام بالمخلصين بالفتح كما في قراءة نافع والكوفيين، وبالمخلصين بالكسر كما في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وذلك في قوله تعالى في شأن يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {يوسف: 24} فالمخلصون بالفتح عندهم أعمال وهم يجاهدون في الله تعالى، فقد جاهد إبراهيم وإسحاق ويعقوب كما هو معلوم من حياتهم، وقد أخبر الله أنه أخلصهم كما في آيات ص وآية يوسف، ومثل هؤلاء موسى عليه السلام فقد وصفه الله بأنه كان مخلصا؛ كما في قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {مريم: 51} وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر كان مخلصا بكسر اللام من الإخلاص في العبادة، وقرأ الكوفيون مخلصا بفتح اللام بمعنى أنه كان مصطفى؛ كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي {الأعراف: 144} وراجعي تفسير ابن كثير والألوسي وشروح الشاطبية.
وأما كون المخلص ليس مكلفا بإصلاح نفسه فهو غير صحيح، فإن المخلص مكلف بإصلاح نفسه وإصلاح غيره، فهو ينصح الناس ويأمرهم وينهاهم عملا بما في الحديث: الدين النصيحة. وبما في الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. وبقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110} وبقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {البقرة: 104}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(9/4767)
حكم من بيت القتل ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من بيت القتل ثم تاب بعدها. مع بيان الحكم الشرعي في القتل العمد والخطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ارتكاب قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق جريمة من أعظم الجرائم وكبيرة من أكبر الكبائر، فقد قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {الفرقان: 69} وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء: 93، وأما من عزم على القتل ولم يعمله فإن ذلك يعتبر معصية وتكتب عليه سيئة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. رواه البخاري.
هذا ما لم يكن تركه من خشية الله تعالى، فإن كان تركه خوفا من الله وامتثالا لشرعه فإنه تكتب له حسنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. رواه البخاري ومسلم.
والحاصل أن تبييت القتل والعزم عليه معصية من أعظم المعاصي، وعلى المسلم أن يبادر بالتوبة منه إلى الله تعالى، وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 20234، 32048، وأما أنواع القتل فقد سبق بيان حكمها وبيان ما يترتب عليها بالتفصيل في الفتوى رقم: 11470، نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1427(9/4768)
ما يفعله التائب حيال معاصيه السابقة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتوب الإنسان هل يجب عليه أن يصحح ما فعله من كبائر أم ينساها ويبدأ كأنه دخل الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على من عصى الله تعالى أن يصحح ما فعله فيتوب توبة صادقة نصوحا، وإن كان الذنب متعلقا بحق الآدميين يؤدي لهم حقوقهم، ويكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة ويضرع إلى الله تعالى ويسأله بإلحاح أن يعفو عنه ذنبه، وعليه أن يحسن الظن بالله في قبول توبته وليس عليه تكلف نسيان الذنب أو تذكره دائما.
وراجع شروط صحة التوبة والوسائل المعينة على الاستقامة في الفتاوى التالية أرقامها: 29785، 64768، 53431، 60044.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(9/4769)
هل ينال الحريص على ثواب الطاعة كاملا لو كان يجهل الثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، أحد معاني الحديث أن الأجر يكتب بحسب نية الإنسان، سؤالي هو: بالنسبة للعبادات التي ورد فيها أكثر من نية ثابتة بالأحاديث الصحيحة، إذا تذكرت بعض النيات ونسيت أن أنوي البعض الآخر أو لا أعلمه أصلا فهل يكتب لي أجر فضل العمل كله (ما نويته وما نسيته أو ما لا أعلمه) ، مثال: قول سبحان الله وبحمده 100 مرة يغفر الذنوب (الصغائر) وأيضا بكل واحدة يغرس لك نخلة في الجنة، فهل إذا نويت النية الأولي مثلا ونسيت الثانية وشرعت في الأذكار فهل يكتب لي الأجر الآخر لأنه ثابت في حديث صحيح أم لا يكتب لي الأجر لأنني لم أنوه، كذلك تعدد النيات في الصوم، وفي المكث في المسجد، والمشي إلى المسجد، وفي الصدقة، وكثير من الأعمال الأخرى، حيث إن أي عمل في الإسلام غالبا له أكثر من فضل، ولذلك قالوا: العلماء تجار نوايا وأنا من عامة المسلمين وأكيد هناك نوايا لأعمال أنا أعملها ولها فضائل أخرى أنا لا أعلمها، فهل يكتب لي فضل العمل بكل نية أتذكرها وأنويها، أم يكتب لي كل فضائل هذا العمل طالما هي ثابتة وأنا فعلتها حتى وإن كنت علمت البعض وجهلت البعض الآخر؟ جزاكم الله خيراً ونفعكم بعلمكم وزادكم من فضله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الإنسان حريصاً على الحصول على جميع ثواب تلك الطاعة التي يريد فعلها، لكنه نسي بعض ذلك الثواب أو جهله فإنه -إن شاء الله تعالى- يحصل على جميع ثواب تلك الطاعة ولو نسي بعضه أو جهله، هذا ما تقتضيه سعة رحمة الله تعالى وعظيم وفضله، وراجع الفتوى رقم: 64233.
والمسلم دائماً يسعى للتفقه في أمور دينه، وكلما تفقه في دينه أكثر كان ذلك أوفر له ثواباً وخيراً عند الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(9/4770)
موقف الزوجة من زوجها إذا زنا ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجي كان زنى وتاب فما التصرف السليم؟ وما هي كفارة ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم إذا وقع في الزنا مع التوبة إلى الله أن يستر على نفسه فلا يخبر بذلك أحدا ولا يلزمه شيء من الكفارة، وتراجع الفتوى رقم: 1095، وإذا ثبت لزوجته وقوعه في الزنا بإقراره هو مثلا فالواجب عليها أن تستر عليه، وما دام قد تاب إلى الله فلتعاشره كأن شيئا لم يكن، وينبغي أن تكون عونا له على إعفاف نفسه بحسن التبعل والتزين له، وعليها أن تذكره بالحذر من الوسائل الداعية للوقوع في هذه الفاحشة كالخلوة ونحوها، وتراجع الفتوى رقم: 14126، ونختم هذا الجواب بتوجيه عام للأزواج أنه لا يجوز تكلف البحث عما إذا كان أحدهما قد زنى أم لا، والأصل في المسلم السلامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1427(9/4771)
البعد عن أسباب الذنب والحرص على الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أذنبت ذنبا عظيما والحمد لله تاب الله علي منه ولكن أذنبته مجددا وأكرمني الله وتاب علي مرة أخرى ولكن أشعر كثيرا بأن الله لم يرض عني ولم يقبل توبتي وما يشعرني ذلك أني علمت أن في قصة الثلاثة الذين خلفوا أنزل الله سبحانه وتعالى آية التوبة عليهم بعد 50 ليلة من انعزال كعب بن مالك عن الناس أي بعد 50 ليلة من توبته وهو صحابي أي أن همته وصدقه في التوبة أعلي مني أنا لا أعترض على حكمة الله وقضائه لكن أريد أن أعلم ما الحكمة في ذلك؟ أعتذر عن الإطالة لكن من شروط التوبة البعد عن أسباب الذنب والكلية التي أرجو من الله أن يوفقني إليها لها صلة بذنبي هل إن قدر الله سبحانه وتعالى أن أحصل إن شاء الله على مجموعها أدخلها أم لا؟
وجزاكم الله عنا كل خير وأرجو الدعاء لكم ولي ولجميع المسلمين والمسلمات الهداية والصلاح والتوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان قويا في دينه يعنف عليه أكثر من ضعفة الدين، فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري نقلا عن السهيلي: أنه إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنها كالنكث لبيعتهم كذا قال ابن بطال قال السهيلي ولا أعرف له وجها غير الذي قال. اهـ.
وقد ذكر ابن حجر في الفتح وجها آخر: وهو أنه أذا استنفر الإمام الجيش عموما لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد تخلف، وذكر ابن حجر أيضا في جملة فوائد الحديث: أن منها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين.
وأما البعد عن أسباب الذنب فهو متعين على التائب، فاستعيني بالله واحرصي على أسباب الاستقامة على التوبة وحاولي اللحاق بكلية أخرى، فإن لم تجدي كلية مناسبة فادخلي في هذه الكلية مع التحفظ التام من قرب أسباب الذنب ومخالطة أهل السوء، واستغرقي وقتك واعملي تفكيرك في المراجعة للدروس وفي تعلم ما تيسر لك من العلم الشرعي، واحرصي على صحبة المؤمنات الملتزمات وحافظي على الصلوات في أوقاتها، وواظبي على الأذكار المقيدة والمطلقة، وأكثري من مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 56129، 59868، 72497، 26170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(9/4772)
لا يتحمل المرء وزر غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يحيرني منذ زمن: اشتريت جهاز استقبال فضائي "دش" قبل زواجي حيث كنت أعيش في بيت في حيز بيت والدي الذي رفض وجود الدش، فقمت بعد 3 أيام من تركيبه بنزعه إرضاء لوالدي. ثم ذهبت لأخي وقلت له أريد أن أركب الدش في بيتك وعند الحاجة إليه تعيده لي.
وبعد 4 سنوات طلبت من أخي الدش فرفض رفضا قاطعاً، فقلت له أنا لا أتحمل الذنب. فقال: لا، أنا سأتفرج والذنب ذنبك، أنت من دعاني إلى هذه الضلالة. أنا بصراحة لا أستطيع أخذه منه بالقوة وخائف من الذنب، فماذا أفعل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن والدك كان مصيبا في منع دخول الجهاز لبيته، وأنك أخطأت في تركيبه في بيت أخيك إذا كنت تعلم أنه سيستخدمه في الحرام فقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} وكان عليك أن تتخلص منه، وقد سبق بيان حكم مشاهدة القنوات الفاسدة والأفلام الخليعة ونرجو أن تطلع على ذلك في الفتويين: 53821، 14366، وعلى ما أحيل عليه فيهما.
وأما كونك تتحمل وزره بعد ما أردت إزالة الجهاز من بيته ورفضه لذلك فإنه غير صحيح ما دمت صادقا في إزالته لمنع المنكر فإن الله تعالى يقول: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164} والذي ننصحك به هو المبادرة إلى التوبة النصوح إلى الله عز وجل، وأن تحاول إزالة الجهاز من بيت أخيك بكل ما تستطيع، فإذا لم تستطع فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولتعلم أن من شروط صحة التوبة وقبولها الإقلاع عن الذنب وإزالة آثاره إن أمكن ذلك، وانظر الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(9/4773)
يتوب ثم يهوي.. الداء والدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أبلغ من العمر 33 سنة، مشكلتي يا إخواني كبيرة جدا وحياتي غير مستقرة، ولكن الأمل في الله كبير، وسوف أشرح لكم هذه المشكلة، فأنا شخص أقترف جميع المعاصي: شرب الخمر والربا والكذب والنفاق وعقوق الوالدين، حاولت أن أتوب وألتزم بقدر الإمكان والتزمت فترة طويلة تقارب السنة ولكني عدت إلى نفس الحالة وتبت أكثر من مرة والتزمت ولكني عدت يا إخواني أنا والله أتألم من داخلي على الذي أعمله وأعيش حياة ليست فيها الراحة إلا بعض الأوقات وأصبت منذ فتره بعجز جنسي والآن لا أقدر أن أعاشر زوجتي، أيضا تراكمت علي الديون والآن أريد أصلي ولكن لا أقدر وأحس بضيق ونفور من الصلاة، يا إخواني أنا تعبت ومللت وأريد أن أرجع إلى الله ولكن والله لا أقدر، حاولت أكثر من مرة ولا نتيجة أنا أحس أن بي عملا أو عينا، المهم فيه أمر خطأ في حياتي، وأيضا قرأت فتوى لأحد العلماء تقول إن شارب الخمر إذا تاب من الشرب وعاد إليه أكثر من خمس مرات لا تجوز توبته وأنا تبت أكثر من مرة ثم عدت، هل فعلا توبتي لا تجوز، أرجوكم أرجوكم أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالإنابة إلى الله تعالى بصدق، وأن تعزم على نفسك بالتوبة وتجاهدها على الاستقامة والالتزام بدين الله تعالى، والبعد عن اقتراف جميع المعاصي، وأن تحرص على البر بوالديك والإحسان إليهما وطاعتهما فيما هو مشروع.
ولا يحملنك انتكاسك ورجوعك للمعاصي بعض الأحيان أن تقنط من قبول توبتك أو أن تفرط في بعض الأعمال ولاسيما الصلاة فتركها هو أعظم الذنوب بعد الشرك، فإياك والتواني في إقامتها في الجماعة، واستعن بها على هدايتك وبعدك عن الفحشاء، ففيها سؤال الهداية التي تعهد الله بالاستجابة لمن دعا به حاضر القلب مخلصا موقنا بالإجابة، وقد أخبر سبحانه أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فاحمل نفسك على القيام بها فإن فيها راحة القلب والعون على قضاء المطالب كلها.
وأكثر من الدعاء المأثور: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ولا مانع أن ترقي نفسك بالرقية الشرعية أو أن تسترقي من جرب منه النفع من أهل الاستقامة وصلاح المعتقد، ولو لم تكن مصابا بعين أو مس فقد نص النووي على جواز الرقية لغير المصاب.
وأما القول بأن شارب الخمر لا تقبل توبته بعدما تاب من شربه، فقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله صلاة أربعين صباحا ... إلى أن قال في المرة الرابعة: فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال.
وقد حمل أهل العلم هذا الحديث على أنه للزجر والتهديد، قال المباركفوري في شرح الترمذي: هذا مبالغة في الوعيد والزجر الشديد، وإلا فقد ورد: ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة. رواه أبو داود والترمذي.
وبناء عليه فلا تتوان في التوبة مهما عظم جرمك وكثر شربك، واحرص على أن تستر نفسك وتجأر إلى الله تعالى أن يرزقك توبة صادقة، وتذكر حديث البخاري: أن عبدا أصاب ذنبا، فقال: رب أذنبت فاغفر لي، فقال ربه علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا، فقال رب أذنبت فاغفره. .إلى أن قال في الثالثة: غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
قال النووي: أي ما دام يذنب ويتوب. اهـ. أي يتوب التوبة المشروعة بأركانها وهي أن يندم على ما فات من الذنب ويقلع عنه في الحال ويعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، وهذا يدل على أن توبتك مشروعة دائما، ونرجو الله أن يقبلها منك ما لم تصل الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، وراجع في التفصيل فيما ذكرنا، وفي الوسائل المساعدة على تقوية الإيمان، وعلى قضاء الدينن وفي علاج الضعف الجنسي الفتاوى التالية أرقامها: 66163، 61553، 17308، 24031، 57184، 61553، 70322، 8343، 4307، 67949، 47551.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(9/4774)
فرح الله بتوبة العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في هذه الإسرائيلية ما يتعارض مع تعاليم ديننا؟؟؟؟
سأل موسى عليه السلام ربه يوماً يارب.. ماذا تجيب عبدك العاصي إذا ناداك قائلاً يارب؟؟ فقال المولى سبحانه وتعالى لنبيّه موسى يا موسى.. أقول: لبّيك عبدي لبّيك عبدي لبّيك عبدي..ثلاثاً ثم سأله موسى: يارب..وماذا ترد إذا ناداك عبدك الصالح قائلاً: يارب؟ فقال المولى سبحانه وتعالى: ياموسى.. أقول: لبّيك عبدي فقال موسى عليه السلام: يارب.. ناداك عبدك العاصي فقلت لبّيك عبدي ثلاثاً.. وناداك الصالح فقلت لبّيك عبدي واحدة؟ فقال المولى عز وجل: ياموسى.. حينما ناداني عبدي الصالح اعتمد على عمله.. وحينما ناداني عبدي العاصي اعتمد على رحمتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نرى فى هذه الإسرائيلية ما يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، ذلك أنها تفيد أن الله تعالى يُقبل على العبد العاصي الذي يطلب العفو والرحمة مفتقرا إليه متوسلا إليه بمحض الافتقار فأحب الله منه ذلك، ولا غرابة في أن يعطي الله العبد إن كان هذا حاله ما لا يعطيه من أطاعه وركن إلى عمله، وقد وردت أحاديث صحيحة تؤكد حب الله للتائبين. ففي الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح.
وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ... الحديث رواه الترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(9/4775)
الحسنة تغسل دنس السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرتكب ذنبا ليس كثيراً، فهل صحيح أني لو فعلت حسنات تذهب هذه الذنوب، وأن كل حسنة بعشرة أمثالها أي تذهب عشرة ذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الكتاب والسنة أن فعل الحسنة يمحو ويذهب السيئة، قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي وحسنه، ففعل الحسنة يغسل دنس السيئة لكن يحسن التنبيه لعدة أمور:
الأول: أن هذا خاص بصغائر الذنوب دون كبائرها في قول جمهور أهل العلم، قال في تحفة الأحوذي: لكن خصه الجمهور بالصغائر. انتهى، أما الكبائر فلا بد لها من حسنة التوبة الصادقة المستجمعة للشروط المذكورة في الفتوى رقم: 5450.
ثانياً: أن السيئة المتعلقة بحقوق الآدميين لا بد لها من الاستحلال منهم أو رد الحقوق إليهم، قال في فيض القدير: إن ذا يخص من عمومه السيئة المتعلقة بآدمي فلا يمحها إلا الاستحلال مع بيان جهة الظلامة إن أمكن ولم يترتب عليه مفسدة وإلا فالمرجو كفاية الاستغفار والدعاء.
ثالثاً: أن يكون الإنسان على خوف ووجل من الذنوب التي وقع فيها، وأن لا يغتر بكون الحسنة تمحو السيئة فإنه لا يدري هل يقبل منه العمل الصالح ويؤجر عليه أم لا؟ فالمؤمن يرى ذنوبه كالجبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه كالذباب قال بيديه هكذا فطار.
وأما ما ذكره السائل من أن الحسنة تمحو عشر سيئات فهذا لا نعلم دليلاً عليه، وهذا خلاف ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. مع أن الحسنة يثاب عليها العبد بعشر حسنات، كما قال الله تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا {الأنعام:160} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1427(9/4776)