حكم الغمز بالعين على سبيل الضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحدث أحيانا ونحن نتجاذب حديث الفكاهة أنا وأصحابي أن أقوم أنا أو أى فرد من الأصدقاء بالغمز بعينه على موقف معين للضحك، فهل هذا حرام؟ لوجود الآية الكريمة (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وكذلك الآية الكريمة (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في لسان العرب: الهمّاز العيابون في الغيب واللّماز المغتابون بالحضرة ومنه قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] . انظر مادة همز، وفي تفسير ابن كثير: قال الله تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11] ، قال ابن عباس همزة لمزة، طعان معياب، وقال الربيع بن أنس الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه ... 4/709.
وجاءت تفسيرات أخرى كثيرة للكلمتين، منها أن الهمز هو الطعن بالعين أو باللسان أو هما معاً، واللمز مثل ذلك ... فتبين أن المقصود حقيقة إنما هو الغيبة والاستهزاء، وقد نهى الله عن ذلك، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:11-12] .
وبناء على ذلك فإذا كان الذي تفعلونه من الغمز بالعين على موقف معين للضحك، فيه استهزاء أو اغتياب لأحد الحاضرين أو الغائبين فهو حرام، وإن كان إنما هو لمجرد المتعة والضحك، وليس من ورائه سخرية فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(9/3319)
الاشتغال بالتكسب.. أم الانقطاع للعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في الذي لا يريد العمل بدعوى التفرغ للذهاب إلى المسجد، علماً بأنه يتلقى مبلغاً شهرياً من الحكومة الهولندية (الشوماج) ؟ وجزاكم الله خير الثواب على عملكم القيم، وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الكسب على مراتب، فقد يكون فرضاً إذا توصل به إلى ما هو فرض، كنفقة العيال والزوجة وقضاء الدين وإنقاذ النفس، ثم هو بعد ذلك إما مندوب أو مباح أو محرم.
ثم إن الشخص إذا حصل ما لا بد منه بطريق مشروع كالتكسب أو الهبة ونحو ذلك، فهل الأفضل له أن يشتغل بالكسب أم يتفرغ للعبادة؟ اختلف العلماء في أيهما أفضل، فقالت طائفة: الأفضل الاشتغال بالتكسب لأن منفعة الكسب تعم بينما منفعة العبادة تخص الشخص نفسه.
وقالت طائفة وهم الأكثر: إن التفرغ للعبادة أفضل، وقالوا: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يشتغلوا بالكسب في عامة الأوقات، وكان اشتغالهم بالعبادة أكثر من اشتغالهم بالكسب، ولا شك أنهم كانوا يختارون لأنفسهم أعلى الدرجات.
وجاء في مطالب أولي النهى: وقع خلاف هل الأفضل كسب المال وصرفه لمستحقيه أو الانقطاع للعبادة وترك مخالطة الناس؟ ويتجه الأصح الأول لتعدي نفعه لا مطلقاً ... من أنه إذا صرف في نفقة وجهاد فهو أفضل، وإلا فالمنقطع للعبادة أفضل، وهو متجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(9/3320)
حكم غيبة الوالد ولده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل غيبة الأب لأبنائه حلال، وماذا أفعل إذا كان أبي يغتاب إخواني أمامي، هل يجوز لي سماعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة حرام باتفاق الفقهاء وتحريمها ثابت بالكتاب والسنة، وذهب كثير من العلماء إلى أنها كبيرة من كبائر الذنوب، ونقل بعضهم الاتفاق على ذلك، قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق. رواه المنذري وغيره وإسناده صحيح.
وقال في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام. رواه البخاري، والأحاديث في هذا كثيرة جداً.
وهذا عام لكل أحد في كل أحد، إلا ما ورد النص الشرعي بتخصيصه كالفاسق المجاهر يذكر بفسقه ونحو ذلك، وليس من ذلك كون المغتاب والداً فهذا لا يبيح له غيبة ولده، فالغيبة منهي عنها مطلقاً لقول الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] ، وإذا كان أبوك يغتاب فالواجب نصحه بالتي هي أحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1424(9/3321)
الثناء لا يبطل العمل الخالص لله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في حيرة من أمري، فعندما اجتمع مع جماعة نتحدث في أمور الدين ألقى إعجابا بينهم وهذا ما يسبب لي فرحا وأحيانا أحدث نفسي وأقول لقد أعجبت الناس، ثم أعود وأقول لا أنويها لله فقط، فأي النيتين تؤخذ بعين الاعتبار؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -وفقنا الله وإياك لطاعته وإخلاص العمل له- أن كل عمل ابتغي به غير الله أو أشرك فيه غير الله، فإنما هو طاقة أهدرت وسراب مضمحل، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] .
وأخرج الإمام مسلم وابن ماجه وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.
فهذه أدلة صريحة على أن العمل لا يصح أن تكون فيه نسبة أو التفاته إلى غير الله تعالى، وأما إذا كان العمل خالصاً لله تعالى، لم يدخله رياء ولا سمعة فحمده الناس عليه دون أن يقع منه تعرض لذلك، فهذا لا يضره، بل هو بشرى له كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم وابن ماجه وأحمد عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه، قال: تلك عاجل بشرى المؤمن.
قال النووي: وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق ...
وفرح المرء بما يصدر عنه من الطاعات لا يضر، بل هو دليل على إيمانه، روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ساءتك سيئتك وسرتك حسنتك فأنت مؤمن. أخرجه الإمام أحمد.
والخلاصة أن إشراك غير الله في العمل مبطل له ومحبط للأجر، سواء كانت نية الإشراك حصلت في البداية أو أثناء العمل، وأن ما يجده المرء من السرور بما يصدر عنه من الطاعات، وما يجده مع ذلك من ثناء الناس فإنه لا يضر العمل إذا ظل صاحبه مخلصاً، بل إن ذلك دليل على إيمانه وحب الله له كما مر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/3322)
الصبر على أذى الناس من عزائم الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: أريد أن أقدم شكوى ضد امرأة اتهمت زوجتي بتهمة باطلة وادعت أن زوجتي قد سحرت ابنتها لكي تقع في الفاحشة. وذلك بعد أن انكشف أمر ابنتها التي كانت على علاقة برجل غير زوجها. وسؤالي هو إلى من أقدم شكواي؟ وما هو المطلوب مني في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا ننصحك بالصبر والصفح عمن ظلمك، فإن ذلك أكثر لك أجرا وأحظى لك في الآخرة عند الله.
قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40] . وقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] .
وأما إذا كنت لا تريد الصفح ولا تقبل إلا الشكوى، فإن محل ذلك المحاكم الشرعية، فلك أن ترفع موضوعك إلى أقرب حاكم شرعي في بلدتك لرفع الظلم عن زوجتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(9/3323)
المؤمن ليس بالخب ولا ينخدع به
[السُّؤَالُ]
ـ[أدير شركة توزيع والمندوبون يسرقونني وأنا أتسامح ولكنهم يكررون السرقة وأحاول إصلاحهم دون جدوى، ولا أريد قطع أرزاقهم فيضرون غيري، وإخوتي شركائي ويريدون إجراء قانونياً ضدهم، ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشكر الله لك على هذه العاطفة الطيبة والتسامح الكبير، ونسأل الله أن يثيبك عليه، قال الله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] ، وقال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] .
ومع ما تقرر من فضيلة العفو عن المسيء والصفح عنه، إلا أنه لا ينبغي أن يخرج ذلك عن حد الاعتدال حتى يدرج المتسامح في صف المغفلين والسذج، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بالخب والا الخب يخدعني. والخبّ هو: المخادع الغادر.
فلا يكون المؤمن مخادعاً غادراً كما لا يسمح بأن يغدر به، ونصيحتنا أن تنصح هؤلاء المندوبين وتحذرهم، فإن عادوا إلى فعلهم وتمادوا في غيهم فينبغي أن تتخذ فيهم الإجراء القانوني، إن كان هذا الإجراء إجراءً عادلاً، وإلا طردتهم من أعمالهم، وحذرت منهم من لا يعرف حالهم من أصحاب الشركات، فإن الدين النصيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1424(9/3324)
حديث النفس لا يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الذكر بالسوء في القلب غيبة من دون النطق باللسان؟ وكيف أتخلص من هذا الشيء فإنه شيء لا إرادي؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يعتبر ذلك غيبة، لأن الغيبة قد عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته. رواه مسلم وغيره.
وعليه؛ فإن حديث النفس وما يدور فيها لا يعد غيبة، ولا مؤاخذة على التفكير في المعصية من غير عقد نية ولا عزم على فعلها.
وللمزيد من التفصيل في هذا الموضوع راجعي الجوابين التاليين:
20456 / 8685
لكن ينبغي للمسلم تطهير نفسه ما أمكن من مثل هذه الخواطر وعدم الاسترسال فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(9/3325)
حال المرأة لدى مخاطبتها الرجال الأجانب
[السُّؤَالُ]
ـ[آية كريمه بينت خلق الحياة في المرأة اذكر هذه الآية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يظهر لنا هل يقصد السائل خُلُق الحياء أم خَلق الحياة؟
والراجح أنه يقصد خلق الحياء، وعليه، ففي قوله عز وجل: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص: 25] . بيان لما ينبغي أن تكون عليه المرأة حال مخاطبتها للرجال الأجانب عنها.
روى الطبري في تفسيره عن عمر بن الخطاب أنه قال: فأقبلت إليه ليست بسلفع من النساء خرّاجة ولاّجة، واضعة ثوبها على وجهها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1424(9/3326)
لا يجوز أن يعير صاحب البلاء ببلائه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض الاخوة يعيرون شخصاً أصيب بمرض، ويؤذونه بكلامهم وهم يقولون له هذه الجملة (أكيد قد اقترفت ذنباً حتى عاقبك الله وأصابك بهذا) ، أرجو منكم أن توجهوا لي نصيحة أقدمها لهؤلاء الإخوة وهل صحيح ما يقولون هذه الجملة وإن كانت صحيحة فالأمر بين الله وبين عبده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للإخوة المذكورين أن يعيروا صاحب البلاء ببلائه، ولا أن يتهموه بأن ما وقع عليه من بلاء إنما هو بذنوبه، فقد دل الشرع على أن المصائب والبلايا قسمان:
الأول: عقاب على الذنوب والمعاصي، قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
وقال الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165] .
الثاني: ابتلاء محبة ورضى، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه. رواه البخاري وغيره، وقال: إذا أحب الله قوماً ابتلاهم. رواه أحمد وقال الأرناؤوط إسناده جيد، وبناءً على هذا فلا يجوز لأحد الجزم بأحد الاحتمالين بدون دليل، وإلا كان ممن قال الله فيهم: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] .
ولمعرفة المزيد عن ذلك لك ولإخوانك راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31289، 31702، 13270، 13849، 15197، 18306.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1424(9/3327)
ماهية الغيبة والنميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد من حضرت الشيخ أن يشرح لي النميمة والغيبة شرحاً مبسطاً مع بعض الأمثلة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغيبة والنميمة من الأخلاق الدنيئة التي حرمها الإسلام:
1- الغيبة: هي ذكر الشخص الغائب بما يكره مما هو فيه، فإن لم يكن فيه فهو بهتان، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم في صحيحه.
2- أما النميمة: فهي نقل الكلام على وجه الإفساد بين شخصين حتى تسود الكراهية والوحشة بينهما.
ويكفي في بيان جرم وعظم هذه المعصية قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1424(9/3328)
المنافسة في الطاعة محمودة والحسد مذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا بصراحة أرغب في أن أذهب إلى العمرة وأن أزور مكة والمدينة، وأحيانا وأنا أشاهد مكة على التلفاز أرى أناسا أحس بالغيرة الشديدة من الناس الموجودين في الكعبة، فهل هذا الشعور حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان شعورك بالغيرة من الناس الموجودين في الحرم الشريف معناه عندك أنك تحسدينهم على هذه النعمة، وتتمنين أن تزول عنهم فهذا حرام، وإن كنت إنما تقصدين بهذه الغيرة أنك تحبين أن تحصلي على مثل هذه النعمة دون أن تزول عن أصحابها، فهذا مما يسمى بالغبطة، وهي محمودة إن كانت في الطاعة، ومباحة إن كانت في الجائز، ومذمومة إن كانت في المعصية، قال ابن حجر في فتح الباري: وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازاً، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة فهو محمود ... ، وإن كان في المعصية فهو مذموم.. وإن كان في الجائزات فهو مباح.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(9/3329)
هل يعاقب ممن حرق بيته وسيارته بمثل فعله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل هل يجوز لي الانتقام من الذي حرق بيتي وسيارتي..؟ مع الشكر الجزيل.
والحمد لله رب العالمين الجبار القهار.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيشرع ابتداء لمن اعتُدى على ماله أن يدافع عنه فإن قتل في سبيل ذلك فهو شهيد، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون ماله فهو شهيد.
كما أنه يجب على من أتلف شيئاً أن يعوض صاحب الحق قيمة ما أتلف له إن كان مقوماً، أو يعوضه مثله إن كان مثلياً، والمثلي ما حصره كيل أو وزن أو عدد، والمقوم ما ليس كذلك.
فإن امتنع عن ذلك فلك رفع أمره إلى الجهات المختصة لإلزامه بدفع العوض وإجباره عليه، وإن أمكن استيفاء الحق منه بأية وسيلة أخرى جاز، وهو ما يعرف بمسألة الظفر، وانظرها في الفتوى رقم:
18260.
وأما أن تحرق بيته وسيارته، فإن ذلك من الفساد في الأرض الذي نهى الله ورسوله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1424(9/3330)
يحرم على الإنسان أن يماطل في أداء ما عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تقول في رجل أخذ من شخص شيئا وقال سأرده لك ثم لم يرده بالمماطلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما يأخذه الإنسان من آخر إن لم يكن هبةً لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون مما ينتفع به ويبقى أصله، وهذا يسمى عارية ويجب على المستعير ردها لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من أتمنك ولا تخن من خانك. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث يوسف بن ماهك وصححه الألباني.
الثانية: أن يكون مما يتلف بالاستعمال وهذا يسمى قرضاً، وهذا يجب الوفاء به، فيحرم على الإنسان أن يماطل في أداء ما عليه سواء كان قرضاً أو عارية.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. رواه الشيخان من حديث أبي هريرة.
وإذا علم صاحب الحق أنه لن يتمكن من إرجاع حقه، فله رفع أمره إلى الجهات المختصة لينتزعوا له حقه من المماطل، ولا حرج عليه في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شوال 1424(9/3331)
الطريقة المثلى للتعامل مع من لا يثق بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع الشخص الذي لا يثق بالله؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرء عليه أن يتعامل مع الناس بحسب ما تقتضيه المصلحة مع عدم مخالفة أمر الله تعالى، وهذا ما يجعلنا ننصح السائل بأن يحاول علاج الشخص المذكور، ويمكنه ذلك بتذكيره الدائم بالله، وبيان أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والتركيز على قدرة الله، والإيمان بأن العطاء والمنع بيده سبحانه وحده، واليقين بقدر الله تعالى, وأن ما أخطاء العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، ويمكنك أن تعرض عليه هاتين الفتويين التاليتين: 21491، 23867.
كما يمكنك الاستعانة على تغيير سلوكه بأمره بكثرة التعبد والذكر، مع ملاحظة نِعَمِ الله تعالى على جميع المخلوقات، كالطير والحيوان والحشرات فضلاً عن الإنسان، وكيف تكفل الله برزقها مع ضعفها، قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6] .
والله نسأل أن يهدينا وإياك سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شوال 1424(9/3332)
الكذب إثم عظيم تجب التوبة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من كان يقول كلاما كذبا وفي أثناء الكلام قال والله على هذا الكلام غير متعمد أو قاصد ولكن قالها ناسيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمتبادر من السؤال أن هذا الشخص قد أتى إثما عظيما لتعمده الكذب من غير أن يكون له مبرر شرعي في ذلك، وعلى هذا، فالواجب عليه الآن التوبة والاستغفار ولا شيء عليه إن شاء الله تعالى في اليمين التي أقسمها، لأنه لم يكن متعمدا لها، وبالتالي فهي لغو، وانظر الفتوى رقم: 1910.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1424(9/3333)
لا ثواب لعمل قصد به غير وجه الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أخلص النية
السلام عليكم ... وكل عام وأنتم بخير.
لقد أقترب رمضان.. وأنا لي بيت أريد أن أدعو الأصدقاء، والأقارب ... وأنا بإذن الله أعمله للتقرب إلى الله وزيادة في الحسنات إن شاء الله، ولكني أنا أريد أن أتقن الأكل، على كل أنا طعامي جيد ... خصوصاً وأن صديقاتي يعرفن أنني أجيد الطبخ، ولكني لا أريد أن أعمل لكي يقال ... وقد قيل ولأكسب الأجر.. فكيف أخلص النية تماماً فأنا لا أريد أن أخسر أجر الإفطار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإخلاص النية أساس العمل، فلا يقبل الله تعالى عملاً قصد به صاحبه غير الله عز وجل من الرياء والمباهاة، هذا هو الأساس الأول لقبول العمل، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.. رواه البخاري ومسلم.
أما الأساس الثاني فهو صلاح العمل، بحيث يوافق السنة إذا كان عبادة أو يكون قربة يتقرب بها إلى الله تعالى، وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه الآية الكريمة: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] .
ولا شك أن إطعام الطعام من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وخاصة إذا كان ذلك في رمضان الذي يتضاعف فيه أجر الأعمال الصالحة، ففي الصحيحين وغيرهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير، قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
وقد أحسنت السائلة الكريمة عندما حرصت على إخلاص النية في عملها لله تعالى، فكل عمل قصد به غير الله تعالى فلا قيمة له عند الله تعالى ولا ثواب لصاحبه يوم القيامة، بل ربما يكون وبالاً على صاحبه، نسأل الله تعالى السلامة.
فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.
ومما يعين العبد على الإخلاص في العمل الاعتقاد الجازم بأن الناس كلهم لو اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فلا يعمل شيئاً لأجلهم ولا يترك شيئاً من أجلهم، وإنما يعمل أو يترك لله تعالى وحده لا شريك له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(9/3334)
الصبر على أذى الإخوان والصفح عنهم من معالي الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعرفت إلى صديق وتعاملت معه بما يرضي الله حتى إني كنت أناديه بكلمة يا أخي وأساعده, ومر بظروف فرفض مساعدتي له لكني أصررت فما كان منه إلا أن نعتني بالشاذ وخاصمني، لكني أنا من بادر للمصالحة، ثم بادرت ثانية في رمضان وتمت المصالحة. هل أنا أخطأت بمؤاخاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك قد أحسنت في مساعدتك صديقك ومعاملته بالرفق والإحسان، ولن يضيع جهدك هذا إن شاء الله، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
كما كنتَ مصيبا في الصبر على أذاه والصفح عنه والمبادرة إلى مصالحته، ونذكرك بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
وحاصل الأمر أنك قد قمت بحق المؤاخاة وأحسنت صحبتك صديقك هذا، وعليك أن تثبت على هذه الطريقة في المعاملة لغيرك، والله يوفقك للخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(9/3335)
السرقة من الوالدين كالسرقة من الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت محتاجة لمبلغ من المال ولم أجد فأخذت ذهب أمي وبعته وهي لم تعلم أنه أنا واتهمت الخادمة ولم أستطع تبرئتها، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسرقة على الوالدين كالسرقة على الغير، وإن كانت اليد لا تقطع للشبهة.
وعلى هذا، فالواجب عليك التوبة من تلك المعصية الدنيئة واعلمي أن من شروط قبولها رد ذلك الذهب بعينه إن وجد، فإن تعذر ذلك، فرد قيمته إلى أمك مباشرة مع طلب الصفح إن لم تترتب عليه مفسدة، وإلا، فيمكنك رده بأي وسيلة كاعتباره هدية منك لها مثلا.
كما أن عليك أن تطلبي العفو من تلك الخادمة التي اتهمت بسببك بالسرقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/3336)
الإسراف محرم على كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في الإسراف في إنارة المساجد في شهر رمضان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسراف محرم على كل حال، لأنه إهدار لنعمة الله تعالى، وإضاعة للمال الذي جعلنا الله تعالى أمناء عليه، وجعله قياما لنا، ولو كان ذلك في إنارة المساجد أو تشييدها، وراجع في هذا الفتوى رقم: 9320، 19064.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/3337)
المستشار مؤتمن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد قمت بخطوبة صديقتي لصديق زوجي، علما بأنني أخفيت بعض الحقائق ونحن فى بلاد الغربة، وبحمد الله تم الزواج وأتت العروس إلى زوجها، وكانت المفاجأة أنها ليست صغيرة وأنها شبه أمية، والآن أنا أعيش فى عذاب، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الشخص قد استشارك، أو طلب منك في المرأة التي يريدها مواصفات هي غير موجودة في صديقتك، أو حدثته بخلاف الواقع، فإن هذا كله يعد من الخيانة والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن. رواه الترمذي، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم، وراجعي الفتوى رقم:
وعليه فالواجب عليك التوبة من ذلك وطلب السماح ممن خنته وغررتِ به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/3338)
العفو عند القدرة عليه أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في طفولتي حاول أحد الأشخاص استدراجي ومحاولة الاعتداء علي، ولكنني قاومت وأنجاني الله سبحانه وتعالى قبل أن ينال مني ذلك الشخص، اليوم لازالت هذه الحادثة تمر ببالي ولا أستطيع أن أنساها، أستطيع الآن بإذن الله أن أنتقم لنفسي وآخذ حقي من ذلك الشخص، ولكنني أتردد خوفا من الله، هل يجوز لي أن أنتقم من ذلك الشخص أم أعفو عنه، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] .
ولكن عظه وذكره بالله إن استطعت، فإن كان يعتدي على غيرك وقدرت على كف شره بأن تبلغ عنه السلطات المحلية، فافعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وغيره، وانظر الفتوى رقم: 33964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(9/3339)
المعاصي تفسد حياة المرء وتنغص عليه عيشه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وبي مرض جلدي يدعى بالصدفية، ويقول الأطباء إنه ليس له علاج، ولقد تزوجت ولم أخبر خطيبي بأني مريضة وهو لا يعرف شيئاً ولكن دائما تحدث المشاكل بيني وبين زوجي، فهل هذا عقاب من الله، وأريد أن أتوب فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا الأمراض التي تثبت الحق في فسخ النكاح في الفتوى رقم: 19935.
فإن كان هذا المرض واحداً منها فالواجب إعلام الزوج به، وإن لم يكن كذلك لم يلزمك إعلام الزوج به.
وفساد حياة الإنسان سببه في الغالب معاصيه وذنوبه، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .
فعليك بالإكثار من التوبة والاستغفار، ومحاسبة نفسك بالنظر في الواجبات والمحرمات، وتدارك ما فات من واجب واجتناب ما قد يكون ارتكب من الحرام، ومناصحة زوجك ليفعل ذلك، لعل الله عز وجل أن يصلح حالكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1424(9/3340)
الأمانة لغة واصطلاحا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأمانة لغة واصطلاحاً؟ ماهي أنواعها؟ وما هي الأمانة التي عرضت على الإنسان؟ هل يمكنكم إرسال رد مفصل عبر بريدي الإلكتروني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأمانة لغة ضد الخيانة، قال في لسان العرب: الأمانة والأمنة نقيض الخيانة لأنه يؤمن أذاه.
وهي شرعاً تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية وغيرها، وبهذا فسرت في الآية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 31088.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1424(9/3341)
مال المسلم لا يحل إلا بطيب من نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اتفقت انا واثنان من زملائي على إنجاز عمل نقدمه لمدرسنا، وكلف هذا العمل مبلغا من المال وتقاسمنا المبلغ لكنني تقاسمته بحيث إني أدفع أقل من كل واحد منهم بـ3 ريالات ولم أطلعهم على هذا الفعل بحكم إني أنا الذي ذهبت إلى الخطاط؟ فما حكم ذلك؟ وماذا يترتب علي؟ أفيدوني حفظكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعلته من إيهام زميليك أنك دفعت مثلهما وليس الأمر كذلك في واقع الأمر خطأ منك، لأن فيه غشاً وتغريراً، والواجب عليك إعلام زميليك بما فعلت، فإن رضيا بذلك فلا حرج، وإلا لزمك رد الزائد لكل منهما، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، فإذا لم تطب نفساهما بالزيادة فقد وجب ردها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1424(9/3342)
يريد أن يكذب على زوجته ليخفي عنها راتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أكذب على زوجتي في مسألة راتبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن الكذب محرم، كما قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه.
ويستثنى من ذلك جواز الكذب لتحقيق مصلحة لا تتحقق إلا به، دون إلحاق مضرة بالغير، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا. زاد مسلم قالت: ولم أسمعه -تعني النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذبا إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
ورأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير.
قال ابن الجوزي: وضابطه: أن كل مقصد محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب. انتهى.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز لك أن تلجأ للكذب لتخفي عن زوجتك راتبك، لأنه بإمكانك أن تخفي عنها ذلك باستعمال المعاريض، فإن في استعمال المعاريض مندوحة عن الكذب، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 1126، والفتوى رقم: 29059، ويشترط أن يكون هذا الإخفاء لا يترتب عليه حرمانها من حق من حقوقها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1424(9/3343)
لا يجوز لعن المسلم المعين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يُسَرّ بِلَعْن المتبرجات أم يجهر به، وهل يشمل اللعن المتزوجات وغيرهن، لأن ظاهر الحديث لعن المتزوجات فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق أن بينا أنه لا يجوز لعن المعين من المسلمين أو من غيرهم، وأنه يجوز ذلك على وجه العموم، تراجع في هذا الفتويان التاليتان: 36517، والفتوى رقم: 36541.
وأما الإسرار بذلك أو الجهر به فيرجع إلى ما تقتضيه المصلحة الشرعية في ذلك، وأما الحكم في الحديث فهو عام، فيشمل المرأة المتزوجة وغيرها من النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(9/3344)
يعاقب المرء على نيته الفاسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي لفتاة تتعمد إظهار شعر رأسها أمام شقيقها لتظهر أنها أجمل من زوجته؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل هو جواز أن تبدي المرأة لمحارمها كالأب والأخ ونحوهما ما جرت العادة بكشفه ومنه الشعر، وراجع لذلك الفتوى رقم: 1265، والفتوى رقم: 20445.
أما إذا أدى هذا الكشف للفتنة بها من محرمها فيحرم، وكذلك يحرم عليها الكشف إن كان لها غرض محرم مثل أن تريد إغاظة زوجة أخيها أو إثارة الكراهية لزوجته بسبب عدم جمالها أو الشعور بأنه خدع فيها.
ومثل هذا العمل المشين والنية الفاسدة تعاقب عليها المرأة لعموم الأدلة في ذلك ومنها الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري وغيره: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى.... الحديث.
وقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم من أفسد على رجل زوجته أو أفسد على امرأة زوجها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده. أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(9/3345)
ذم السؤال من غير ضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة والصدقة للخال القادر على العمل لكسله وحبه للسؤال من أقربائه، ولا يرضى إن أعطيناه القليل، وهو يتكبر عما يرضى به السائل، بقوله كيف تعطوني القليل وأموالكم كثيرة! ما الحكم الشرعي في التعامل معه، وهل يجوز زجره وعدم إعطائه شيئا، وهل يجوز لنا أبناء أخته طرده، وللعلم هو صاحب عيال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي التنبيه إلى أمرين:
أولاً: أن الخال المذكور إذا كان قادراً على العمل ولكنه يتكاسل عنه، فلا يستحق الزكاة، كما في الفتوى رقم: 11254.
ولكن إذا كان عياله محتاجين للنفقة فيجوز دفع الزكاة إليهم نظراً لحاجتهم.
ثانياً: ينبغي نصح هذا الشخص بالبعد عن السؤال مع التنبيه على الوعيد المترتب عليه، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم. وهذا لفظ البخاري، والمزعة: القطعة؛ كما في فتح الباري.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمراً، فليستقلّ أو ليستكثر.
كذلك أيضاً نصحه بالابتعاد عن التكبر مع فقره فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ وملك كذاب وعائل مستكبر. رواه مسلم وغيره.
وتنبغي لكم معاملة خالكم برفق ونصحه، والبعد عن الإساءة إليه، فإن له رحما وحرمة، وتنبغي لكم صلته بشيء من صدقاتكم أو هداياكم لا من الزكاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(9/3346)
الحالات التي يرخص فيها الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكذب حرام في جميع صوره؟ أنا طالبة في كلية، وبعض الأحيان تطلب مني زميلة أن أكتب لها اسمها في الحضور وهي ليست حاضرة. أبي رجل عصبي جدا، ودائما يقول لنا إذا تكلم أحد في التليفون يريده نقول له إنه ليس موجودا (أبى) لكي لا يرد عليه. وأنا لا أجرؤ أن أقول له إن هذا حرام فماذا أفعل؟ حاولت أن أتهرب من الرد على التليفون لكن أحد إخوتي يقع في المشكلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب حرام، ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
ومن ذلك أن تقولي عن أبيك إنه غير موجود، وتقصدين أنه غير موجود أمامك أو في غرفتك ونحو ذلك.
وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة، للغير تذكر، فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.، والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة، وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب. وعلى هذا، فكتابة زميلتك في كشف الحضور بينما هي غائبة لا تجوز، لأنه كذب بلا حاجة، كما أنه غش محرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم.
وكذلك لا يجوز لك أن تقولي لمن سأل عن والدك إنه غير موجود، بينما هو موجود، لأن ذلك كذب يمكن الاستغناء عنه بالمعاريض، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 29059، 29954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/3347)
يريد أن ينتشل أخاه من وحل الضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم انا عمرى 24 وعندي أخي يصغرني بسنة، أنا والحمد لله أعبد الله وأخافه، ولكن أخي شيطان يمشي على الأرض فهو والله لم يعرف منكراً إلا عمله ولا كبيرة إلا فعلها، حاولنا التكلم معه ولكن لم ينفع لأن الشيطان مستحوذ عليه، وأنا الآن هجرته ولا أتكلم معه، ولكن عندي والداي يهتمان به وأتعبهما كثيراً، أرجو منكم النصيحة؟ وبارك الله فيكم. أرجو أن ترسلوها على بريدي الإلكتروني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحمد لله الذي منَّ عليك بالهداية والتوفيق للعمل الصالح، ونسأل الله لك المزيد من الخير والصلاح والفلاح، كما نسأل الله لأخيك الهداية من الضلال، والرشد بعد الغي والتوبة بعد العصيان، ولا نرى شيئاً يجب عليك تجاه أخيك إلا أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتدعو الله له بالإقلاع عما هو فيه، فإن أبى ووجدت أن هجره سيؤدي إلى إقلاعه عن المعصية، فاهجره، وإن وجدت أنه لا يُجدي، أو أنه يزيده طغياناً فاترك الهجر حينئذ لأنه لا مصلحة فيه، فالهجر يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20346، 14139، 18120، 24833، 20096. ويجب على والديك أيضاً نصحه وزجره، واستعمال الأسلوب الأمثل الذي ترجى منه هدايته، ومما يساعده على ذلك اختيار صحبة صالحة له تأمره بالخير وتعينه عليه، وإعانته على فعل الصلوات في أوقاتها، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(9/3348)
هل يأثم من منع تعليم العلم غير الواجب
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم"، أنا لدي والحمد لله علم بسيط في الكمبيوتر، ولقد كنت أقدم ما أعرف لزملائي في العمل.. ولكن مؤخراً تأكدت أن بعضهم يستهزئ بي حتى عندما أقدم لهم خدمة في هذا المجال، فتوقفت عن تقديم أي خدمة لهم، فهل هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحديث أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وقد كان المرجو من زملائك أن يشكروا لك ما تقدمه لهم من خدمة ومعونة، وأن يكافئوك على ما قدمت لهم بالشكر والدعاء وما تيسر من الهدايا أو المساعدة في بعض الأعمال، لما في الحديث: من أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني والأرناؤوط.
ولما في الحديث: من لا يشكر الناس لا يشكر الله. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وننصحك أنت أيضاً بالتحلي بضبط النفس والصبر، فقد يكون ما يصدر منهم من باب المزاح والدعابة، وإن تأكدت من تعمدهم إذايتك فلا مانع من إيقاف معونتك لهم لأنها لم تكن واجبة أصلاً، ولكن الأفضل هو دفع إساءتهم بالإحسان فإن ذلك أنجح لك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 1764، والفتوى رقم: 2732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(9/3349)
من مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعفو الرجل عن من اعتدى عليه وهو لا يقدر على الرد عليه؟ ألا يعد ذلك هوانا وذلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تظافرت نصوص القرآن والسنة على فضل العفو والصفح، وأنه سبيل لعزة المظلوم عند الله تعالى، وقد مضت الأدلة على هذا في الفتوى رقم: 27841
وهذا الأجر يعم كل مظلوم سواء كان قادراً على الانتقام فصفح أو عاجزاً عنه، وذلك لعدم ورود ما يدل على التفريق بينهما شرعاً.
ولا يتصور بحال أن يكون ذلك منقصة بل هو رفعة؛ لأن المظلوم بفعله ذلك تفضل على من ظلمه بعدم مكافأته على ذلك الخلق المشين شرعاً وطبعاً، لعموم قول الله تعالى: والعافين عن الناس، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: وتعفو عمن ظلمك.، قال الخادمي: مالاً أو بدناً أو عرضاً سيما عند القدرة.، وقال العدوي في حاشيته عند قول صاحب الرسالة: ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك.، قال: أي تعدى عليك بشتم أو ضرب أو أخذ مال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(9/3350)
الإيثار والأثرة
[السُّؤَالُ]
ـ[الإيثار تعريفه، شروطه نواقضه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي رحمه الله: الإيثار هو: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. تفسير القرطبي 18/26.
فالإيثار أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه، وعكسه الأثرة وهي: استئثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
والأنصار هم الذين نزل فيهم قول الله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] .
والإيثار ضده الشح، فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه، والشحيح حريص على ما ليس بيده.
ومن خلال هذه التعاريف للإيثار وضده تتبين الشروط والنواقض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1424(9/3351)
إفشاء السر من المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لي صديقة وقد خنتها بأن كشفت عنها سرا كانت قد أئتمنتني عليه، وفي لحظة غضب كشفت ذاك السر لأهلي، وأنا نادمة على ذلك وأشعر بالخوف من الله، وإن صارحتها فستسوء أمورنا مع بعض، فماذا أفعل لأكفر عن خيانتي لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإفشاء السر من المحرمات التي حذر الإسلام المسلم من الوقوع فيها، لما يترتب على الإفشاء من الفساد، إلا إذا دعت مصلحة راجحة فلا حرج، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 7634.
وعلى هذا فنقول لهذه الأخت لقد أتيت ذنبا تجب عليك التوبة فيه، والاستغفار لإقدامك على إفشاء سر صديقتك الذي ائتمنتك عليه.
فإن كان بإمكانك مصارحتها بذك وطلب الصفح منها فافعلي، إلا إذا علمت أن ذلك قد يؤدي إلى مفسدة فلا تصارحيها بذلك، ولكن اطلبي منها الصفح على العموم وتحججي بأن الإنسان من الصعب عليه القيام بحق الصحبة كاملاً، أو كلاً ما نحو هذا، فإن رضيت فأحمدي الله تعالى، وإلا فاستغفري الله تعالى لها لعل الله تعالى يرضيها عنك ويعفوعنك بسبب ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(9/3352)
ظاهرة الانحلال الخلقي.. الداء والدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[تفسير ظاهرة الانحلال الخلقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتحول الأخلاق عن منهج الإسلام طامة كبرى، ومصيبة عظمى، بها تزول الأمم، وتغشى حياتها الظلم، فتارة يقعون في الشهوات، وتارة تتخطفهم الأهواء، وأخرى يهوون في واد سحيق من الغي والضلال، فهذا يزني، وآخر يكذب، وثالث يرتشي.. الخ.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والسبب الرئيسي في هذا الانحلال هو البعد عن منهج الله الواحد ذي الجلال، فقد جعل الله تعالى شريعته عصمة من الخطأ، ونجاة من الزلل، فهي خير كلها وبركة كلها، وسعادة كلها، بها بقاء العالم وسعادته، فيها رشده وسلامته، ويبدأ الانحلال الأخلاقي من بداية تكوين الأسرة، فالخطأ الذي ينشأ عن اختيار الزوجة يؤدي إلى الإضرار بالأبناء والبنات، والأبناء والبنات هم أمل المستقبل وأساس الأمة، فإذا فسدوا كانت الأمة بلا أخلاق.
ومما يؤدي إلى الفساد كذلك: ترك المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفساد مناهج التعليم وفقرها من التوجيهات الربانية والحكم الإلهية، وفقد المسلمين القدوة الصالحة التي بها يتشبهون وبمنهجها يأتسون، ولمعرفة كثير عن ذلك مع بعض العلاجات المفيدة، راجع الفتاوى التالية أرقامها: 31473، 35586، 34161، 26411، 30945، 18996.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(9/3353)
لا تباح النميمة بين فاسق وسالم من الفسق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الغيبة والنميمة للفاسق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة المتعلقة بالفاسق قد جاء التفصيل فيها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17373، 6710، 34639.
أما النميمة فهي نقل الكلام على وجه الإفساد بين شخصين حتى تسود الكراهية والوحشة بينهما.
والفاسق فرد من المسلمين ولا يجوز إيقاع العداوة بينه وبين مسلم آخر، وقد ثبت الوعيد الشديد في من يمارس هذه المعصية القبيحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام. رواه مسلم.
كما ثبت في الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول.
وعليه فإن المسلم يجب عليه الابتعاد عن النميمة وغيرها من المحرمات، ولا يبيح النميمة كونها بين فاسق ومسلم آخر سالم من الفسق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(9/3354)
دعت عليه امرأة فساء حالها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق أصيب بسوء الحال، وعندها اكتشفنا أن سيدة قد دعت عليه وأمسكت عليه نوعاً من الأذكار وهو مظلوم، فكيف الحل؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الشخص قد ظلم هذه المرأة فليطلب عفوها، فعسى الله أن يعفو عنه، وإن كان لم يظلمها،
وقد يكون ما أصابه بسبب حسد، أو معصية، أو نحو ذلك من أسباب البلاء، ولم نفهم تحديداً ما تعني بقولك أمسكت عليه نوعاً من الأذكار، فإذا كنت تقصد أن هذه المرأة سحرت هذا الشخص، فقد بينا طرق علاج السحر في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1257، 5148، 5689.
وإذا كنت تقصد شيئاً آخر فبينه، ولتحذر من الذهاب إلى الدجالين والكهنة، وراجع الفتوى رقم: 8198.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(9/3355)
المجاهرة بالمعصية لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث أن تم فض غشاء البكارة بيني وبين خطيبي بطريقة غير شرعية، ولم يكن العقد قد حصل بعد، وقمنا أنا وهو بالتوبة النصوحه والندم على فعلتنا، وبعد ذلك قام بالإنكار بحجة أنه لم ير الدم، ولكنه رأى قطعة جلد من الغشاء، فماذا أفعل معه، على الرغم من أنه أعلن هذا أمام الناس؟ أريد حلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أنكما قد ارتكبتما ذنبا كبيراً من أعظم الكبائر لقيامكما بفعل فاحشة الزنا، وهذا أمر في غاية الحرمة والخطورة، ولعل ما يدور بينكما الآن من تنافر وتشاح هو ثمرة لفعلتكما الشنيعة.
وعليه فالواجب عليكما التوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة، فعسى الله عز وجل أن يكفر بها عنكما آثار تلك المعصية، قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ، وقال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات [هود:114] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد وغيره.
كما أن في المجاهرة بهذه المعصية أمام الناس ذنباً آخر، إذ كان عليكما الستر على أنفسكما وعدم إبداء ذلك للآخرين.
والآن وقد حصل ما حصل فالذي ننصح به هذه السائلة إضافة إلى ما سبق هو أن تحل مشكلتها مع هذا الرجل بهدوء، وذلك إما بزواجه منها بعد أن تتحقق من توبته إلى الله عز وجل وبعد استبرائها من الزنا، وإما بفسخ الخطوبة إن كان لا يزال مصراً على معصيته، وكذا إن كانت ترى أنه سيظل مقيماً على تشويه سمعتها بين الملأ.
ولتعلم الأخت أنها إن كانت صادقة في توبتها مع ربها سبحانه، فإنه سيعوضها برجل آخر أحسن، وذلك في حال ما إذا لم يحصل الوفاق بينها وبين خطيبها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1424(9/3356)
على المرء أن يحفظ سر زوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زوج استحلفته زوجته بالله أن لا يفشي سرها الذي لا يعرفه أحد سواها ووالديها حلفاً يحاسب عليه يوم القيامة أمام الله، ولكنه أفشاه لأهله عندما وقعت مشكلة بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالزوج آثم بذلك، وتجب عليه التوبة وطلب العفو من زوجته، وكفارة اليمين التي حنث فيها، وانظري في حفظ السر الفتوى رقم: 20723.
وفي كفارة اليمين الفتوى رقم: 204، والفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(9/3357)
الأدلة على تحريم الإفساد بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعزاء سؤالي:
هل يجوز لأخي الزوجة أو أحد من أفراد عائلتها أن يفتي بمعصية أوامر الزوج لزوجته، طبعاً في غير معصية الله وأن يغير موافقتها على هذه الأوامر؟ وما هو عقاب ذلك في حال عدم جواز ذلك مدعماً بالحجة من القرآن الكريم والحديث الشريف إذا سمحتم. جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لأهل الزوجة تحريضها على مخالفة زوجها ومعصيته، وإن كان ما يدعونها إلى فعله ليس محرماً، والدليل على ذلك من القرآن كل نص ورد فيه النهي عن الإفساد، والدليل على ذلك من السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. رواه أحمد وانظر الفتوى رقم: 21551 والفتوى رقم:
30336
ومن سعى من أهل الزوجة لإفسادها على زوجها، فإنه ينصح فإن كف وإلا زجر، بأن يرفع الزوج أمره إلى القضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(9/3358)
الإسراف يختلف من شخص لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول قائل إذا كان حذاء رخيص الثمن يكفي الإنسان واشترى حذاء غاليا فهو محاسب، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن الإسراف وحذرنا من التبذير.
قال تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31] .
وقال تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الاسراء:26- 27] .
والإسراف هو مجاوزة الحد، إلا أنه ينبغي أن يُعْلَم أن الإسراف يختلف من شخص لآخر بحسب الغنى والفقر، فصاحب الملايين مثلا، لو اشترى حذاء بخمسمائة ريال، لم يُعَدَّ مسرفا، والذي لا يملك إلا ألف ريال، لو اشترى حذاء بخمسمائة ريال كان مسرفا، وقد عرض نفسه للمحاسبة.
وإن كان التوسط والاقتصاد في العيش وعدم الترفه مما رغب فيه الشرع.
قال صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون، ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني
والبذاذة ترك الترفه والتنطع في اللباس ونحوه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله تبارك وتعالى، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره الله تعالى في حلل الإيمان أيتهن شاء. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
ولمزيد من الفائدة حول هذا الموضوع، نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 17775، والفتوى رقم 25935.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1424(9/3359)
على الأب أن يبعد ولده عن قرناء السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ولد عمره عشر سنوات، اكتشفت أن الشباب الذين يلعب معهم قد مارسوا معه اللواط وقد أصبت بصدمة شديدة ولا أعرف كيف الحل هل يسبب له هذا في المستقبل إدمان على هذه الفاحشة وجزاكم الله عني ألف خير الرد ضروري لأني عاجز ولا أعرف كيف أعمل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السبب الرئيس في ما حصل لولدك هو رفقاء السوء، وما أكثرهم في زماننا هذا، حيث كثرت الفتن، وفتحت على الناس أبوابها، ولا ينجو منها إلا من اعتزلها، وفارق أسبابها، والواجب على كل من ولاه الله أمر صبية صغار أن يتقي الله فيهم، فيجلب لهم أسباب النجاة ويحول بينهم وبين أسابب الهلكة والفساد، أما وقد حصل ما حصل فما عليك الآن إلا أن تبعد ولدك عن هذه الصحبة السيئة، وأن تعوضه عن ذلك بصحبة أخرى صالحة، وأن تقترب منه أكثر من ذي قبل، ففي قربك منه مصلحة كبيرة، حيث يعتاد منك الخلق الحسن والسلوك الطيب، ومن المناسب في هذه السن أن تعلق ولدك بالمسجد ومن فيه من أهل الخير والصلاح، كالإمام والمؤذن وبعض المصلين الذين تلمس فيهم ذلك، علماً بأنه من السهل تدارك هذا الأمر في الوقت الحاضر، إذ الأمر لا يزال في بدايته، وعليك بمراجعة كتاب تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان، كما تمكنك مراجعة قسم الاستشارات الطبية والأسرية بالشبكة الإسلامية، وراجع الفتوى رقم: 32575 والفتوى رقم:
16534
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(9/3360)
ما فعله أمر منكر ومحرم شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قبلني شاب كان يدرس معي مرة، وقال لي إنه يحبني ويريد أن يربط معي علاقة، ماذا يعني بالعلاقة وماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما فعله الشاب من تقبيلك أمر منكر ومحرم شرعاً، وكان الواجب عليك أن تمنعيه من ذلك.
وننصح السائلة بالتوبة إلى الله عز وجل من هذا الذنب، وذلك بالندم على ما كان والعزم على عدم العودة إلى مثل هذا الفعل.
كما ننصحها بالابتعاد عنه وعن أمثاله من الذئاب البشرية، التي لا هم لها إلا الحصول على شهواتها، ولو كان على حساب الدين والشرف.
ونذكر هذه السائلة بقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (الأحزاب: 33) .
والواجب عليها أيضاً المحافظة على الحجاب الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، فإنه صون للمرأة وحفظ لها من عبث العابثين.
وأما قول السائلة: ويريد أن يربط معي علاقة ... إلخ.
إن كان يقصد بالعلاقة الزواج الشرعي، فالواجب عليه أن يأتي البيوت من أبوابها، فيتقدم إلى وليك لخطبتك ويتقيد بقيود الشرع المطهر.
ولا يأتي بمثل هذه الطريقة المخزية التي تدل على قلة الحياء.
وقول السائلة: ماذا أفعل؟ الواجب عليك الابتعاد عنه وعدم مخاطبته، لا هاتفياً ولا مباشرة، وتحرم عليك الخلوة به إلى أن تتم الرابطة الزوجية بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(9/3361)
لا حرج عليك فيما فعلت
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لي زميل بعملي حاول أكثر من مرة معرفة أسرار مديري ولكني كنت أرفض برفق، مع العلم بأنني لم أذكر محاولاته هذه لمديري، ولكنه قام بمحاولة معرفة كلمة السر الخاصة بجهاز الكمبيوتر الذي أعمل عليه لمعرفة بعض الأسرار، فقمت بالشكوى لمديري الذي عنفه بشدة، ومن المحتمل أن يؤذى في عمله هذا، هل أسأت التصرف، مع العلم بأنني كانت نيتي هي حماية عملي وسريته، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان الأمر كما ذكرت فلا حرج عليك، وكان الأولى من ذلك نصحه وتذكيره بالله قبل إبلاغ المدير.
وما قمت به هو من حفظ الأمانة التي أوكلت إليك، ونصيحتنا لزميلك هي قوله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه مالك في الموطأ، وأحمد في المسند وغيرهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/3362)
فصل المفرط في العمل ليس ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[أستاذي الكريم أنا أعمل بشركة في ورشة الصيانة، ولدي في الورشة شاب مهمل ومزعج ويحاول التهرب دوما من العمل ويصل في بعض الأحيان إلى إزعاجي ورفض العمل، أفكر في فصله من العمل ولكن أخشي أن أكون قطعت رزقه وأعاقب من الله عز وجل على ذلك أفيدوني أفادكم الله ونفعنا بعلمكم ماذا أصنع؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ينبغي عليك فعله تجاه هذا الشاب هو النصيحة أولاً، ومحاولة معرفة سبب تصرفاته هذه وعلاجها، فإن لم يفلح معه هذا الأسلوب فلا حرج في فصله، وليس هذا من الظلم إذ الظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه، وعقوبة هذا الشخص وضع للشيء في موضعه، فلا تعد ظلماً.
كما أنك مطالب شرعاً ببذل كل ما يصلح العمل، ووجود مثل هذا الشخص مما ينافي ذلك، وعليه فلا نرى حرجاً من فصله إن استنفدت جميع طرق العلاج له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/3363)
السعي بين الناس بالنميمة من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذاعقاب الفتنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر من سؤالك أنك تقصد بالفتنة، ما هو سبب لها من نقل الكلام بين الناس للإفساد بينهم، وهو ما يعبر عنه في الشرع بالنميمة، فإن كان هذا هو المقصود، فنقول: إن السعي بين الناس بالنميمة من كبائر المنكرات التي ورد الشرع بالتحذير منها، وردت بذلك نصوص من القرآن، قد سبق أن ذكرناها في الفتوى رقم: 18577.
ونصوص أخرى من السنة قد سبق ذكرها في الفتوى رقم: 9350، ومنها: ما ورد بعدم دخوله الجنة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وإن كنت تقصد بالفتنة أمراً آخر فنرجو أن تبينه حتى يجاب عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/3364)
الكذب محرم إلا إذا ترتبت عليه مصلحة شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
زوج أختى يعمل فى ليبيا وأختي مدرسة بمصر، وهو تعاقد مع شركة فى ليبيا عقدا غير صحيح، يعنى هو لا يعمل فى هذه الشركة لكي تأخذ زوجته إجازة بدون مرتب، فهل هذا العمل يعتبر غشا أم حلالا أم حراما؟ أفيدونا حفظكم الله للإسلام، نتمنى الرد باللغة العربية لأني لا أعرف كيف أترجم، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعله هذا الشخص يعتبر كذباً والكذب حرام، إلا إذا ترتبت عليه مصلحة شرعية معتبرة، كالكذب للإصلاح بين الناس وعلى الزوجة وفي الحرب، كما في الحديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. رواه الشيخان وغيرهما.
وفي مسلم: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث، في الحرب وحديث الرجل لامرأته والإصلاح بين الناس.
وهذه الأشياء الثلاثة كالمثال على جواز الكذب لما فيه مصلحة معتبرة.
وعليه فإذا كان هذا الرجل إنما كتب هذا العقد ليتوصل إلى الاجتماع بزوجته، وإعفاف كل منهما للآخر، وليس يترتب عليه ضرر، فلا نرى بأساً فيه، لما يترتب عليه من مصلحة مقصودة للشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/3365)
الظالم إن مات من غير توبة فهو تحت المشيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الظالم الذي يظلم الآخرين بشتى وسائل الظلم..التي تصل إلى (القتل والسلب والنهب والبطش ... الخ من عظائم الأمور وصغائرها.. ولكن أتاه أمر الله بمن هو أشد منه بطشاً وقوة (من غير ملته) فخسف به الأرض ولكن لم يمت.. فإذا ما توفي هذا الشخص أوقتل في اي مكان او زمان كان في من يُعد من أهل النار أم من أهل الجنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الظلم حرام لجميع خلق الله تعالى وصاحبه متوعد بالعذاب الأليم، يقول الله عز وجل: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً) (هود:18-19) وقال: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ) (ابراهيم:42-43) .
وفي الصحيح: " الظلم ظلمات يوم القيامة " رواه البخاري.
ومع هذا الوعيد فإن الظالم إذا لم يتب ومات موحداً، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وأنفذ وعيده وإن شاء غفر له، والعباد لا بد أن يأخذوا حقهم منه.
ولا نحكم نحن على أحد مات من أهل القبلة أنه في النار أو الجنة، إلا بخبر من الله ورسوله أن فلاناً من أهل النار وفلاناً من أهل الجنة، وهذا لا سبيل إليه إلا في زمن الوحي، وقد انقطع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وننصح بمراجعة الفتوى رقم:
4625 للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(9/3366)
صديقتها ارتكبت كبيرة وعجزت عن تقديم النصح لها
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقتي ارتكبت معصية كبيرة ولا أستطيع تقديم النصيحة لها، ما حكم سماعي لكلامها وما تفعله من معصية مع التزامي الصمت والسكوت عما تفعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حث الشرع الكريم على النصيحة، وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى المقامات، في قوله عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه. إذا ثبت هذا، فعليكِ أيتها الأخت السائلة أن تبذلي النصح لصديقتكِ، ولا يحملنكِ الحياء أو مهابة الناس أن تتركي نصحها، فلعل الله تعالى أن يجعلكِ سببا في هدايتها، فيثبت لكِ الأجر العظيم عند الله تعالى، فإن لم تنته عن هذه المعصية بعد نصحكِ إياها، أو لم تقومي بنصحها، فلا يجوز لكِ الاستمرار في مصاحبتها والحالة هذه، لما قد يترتب على ذلك من فتنتك في دينك.
روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. أما حديثكِ معها أو سماعكِ لكلامها، فإن كان الامتناع عن ذلك قد يكون زاجرا لها عن هذه المعصية، فافعلي، وإلا فلا مانع من الحديث إليها أو سماع كلامها، ما دام فيما هو مباح شرعا، ولا تمكنيها من إسماعكِ ما يتعلق بفجورها ومعصيتها، وذكريها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.
ولمزيد من الفائدة راجعي الفتويين التاليتين: 27020، 35364.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(9/3367)
ادفع بالتي هي أحسن السيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما رأيكم في شخص يشتمني أنا وبعض أفراد عائلتي ببعض الكلام الفاحش؟ في رأيكم كيف أرد عليه؟ وإذا لم أرد عليه فسوف يقال بأنني خائف منه وأنا لا أريد المشاكل، وعندما أقول له اسكت يقول أنا أمزح معك، هل من حقي أن أتعارك معه ضربا؟ أفيدوني أثابكم الله.
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن سب المسلم وشتمه وإهانته أمور كلها في غاية الحرمة والإثم، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وقال كذلك: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على تعظيم المسلم وصون عرضه، وعليه، فالواجب على هذا الرجل الذي يشتمك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يستسمحك فيما قام به تجاهك، فإن تاب واعتذر، فاقبل عذره وسامحه، وإن أصر على فسقه، فننصحك بالصبر ومقابلة إساءته بالإحسان طلبا للأجر من الله عز وجل.
يقول الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] .
ويقول سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35] .
كما ننصحك أيضا باعتزال مجالسة هذا الشخص توقيا لأخلاقه السيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(9/3368)
ذم المبالغة في تناول الملذات والتنعم
[السُّؤَالُ]
ـ[عدد كثير من العائلات الغنية في هذا الزمان تذهب أموالهم في كماليات الحياة، فإذا جاء وقت الزكاة لا يبلغ مالهم النصاب، فما توجيهكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان خليفة في ما أعطاه الله تعالى من مال، والله تعالى هو المالك له حقيقة، قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه) (الحديد:7) .
فعلى الإنسان أن يحسن التصرف في نعمة المال فإنه مسؤول عنها، فقد أخرج الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ".
وليحذر المسلم من المبالغة في تناول الملذات والإغراق في التنعم، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ففي مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن قال: "إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين".
وانظر الفتوى رقم: 9266 والفتوى رقم: 31942
وإذا نقص المال عن النصاب عند حولان الحول عليه فلا زكاة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(9/3369)
أنواع الخوف وحكم كل نوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخوف من الجن والإنس شرك بالله؟ مع الاعتقاد بأن الله هو النافع الضار، علما بأني أكره الشرك بالله وأخاف من أن أقع فيه ولا نية ولا قصد لي في ذلك، أفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخوف أنواع: فمنه ما يجده كل إنسان بطبيعته، كالخوف مما يؤذي، كأن يخاف مما يضره من أعداء الجن والإنس والحيوانات المفترسة..
فهذا خوف جِبِلِّي، لا علاقة له بالشرك، وقد يقع لبعض الأنبياء، قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [الشعراء: 14] .
ومنه ما هو بمعنى الخضوع والتذلل واعتقاد النفع والضر في الشيء الذي يخاف، فهذا النوع من الخوف لا يجوز، وهو من الشرك الأكبر.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والخوف أقسام، فمنه خوف التذلل والتعظيم والخضوع.. وهو ما يسمى بخوف السر، وهذا لا يصلح إلا لله تعالى، فمن أشرك فيه مع الله غيره فهو مشرك شركا أكبر، وذلك مثل أن يخاف من الأصنام والأموات، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم، كما يفعل بعض عباد القبور..
الثاني: الخوف الطبيعي والجبلي: فهذا في الأصل مباح، لقول الله تعالى عن موسى: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّب [القصص: 21] .
وعلى هذا، فإن خوفك مما يضرك أو يؤذيك لا يعد شركا، لأنك لا تقصد تعظيمه أو اعتقاد النفع والضر فيه لذاته.
ولمزيد من الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 13277.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(9/3370)
السعي في طلب الرزق فضيلة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشخص الذي يتوفى في العمل (طلب المعيشة لإطعام أولاده) ؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن السعي في طلب الرزق فضيلة عظيمة، وقد حث عليه الإسلام ورغب فيه ترغيباً شديداً، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15] .
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة.
فمن مات وهو في هذا السبيل فلا شك أنه على خير، إن كان في طلب الحلال، ولكن لا نعلم دليلاً من الشرع على أنه يحكم عليه بحكم خاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1424(9/3371)
المبتلى بالمعاصي عليه أن يستر على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[من سنة كنت أتكلم مع شاب، ولكن كانت العلاقة لمدة قصيرة جدا لاتتجاوز يومين فقط، ثم وبفضل الله تعالى قد تبت، وبعد ذلك تقدم لخطبتي شاب آخر، ولكن هو على دين وخلق ولله الحمد هل يجب علي أن أخبره بالعلاقة التي كنت فيها أم لا؟ مع العلم بأنه لم يسألني أو يفتح معي أي موضوع له علاقة به. وجزاكم الله كل خير. /كيف لي أن أقرأ الرد على سؤالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد إذا أذنب ثم ستر الله عليه، فينبغي عليه أن لا يفضح نفسه، بل يسترها ويتوب إلى الله عز وجل، ويندم على ما فعل، وهذا يكفيه.
وعليه، فلا يلزمك إخبار من خطبك بما صدر منك في الماضي من العلاقة الآثمة بذلك الشاب.
وفي الحديث: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا عليه. رواه الحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(9/3372)
معنى الإحسان في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الإحسان في القرآن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاءت كلمة الإحسان في القرآن الكريم كلمة جامعة بحيث شملت الحياة كلها، كعلائق الإنسان بخالقه جل وعلا، وعلائقه بالمخلوقات قاطبة، ومن ذلك قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان [النحل:90] .
قال الشوكاني في تفسيره نقلا عن ابن جرير وغيره: أجمع آية في كتاب الله للخير والشر: الآية التي في النحل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان [النحل:90] .
ثم إن الله تعالى بعد أن أمر بالإحسان على العموم خص أناسا بعينهم في قوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] .
وبين المولى سبحانه في آية أخرى شمولية عدله وحكمته في جزائه لكل محسن، برا كان أو فاجرا: هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ [الرحمن:60] .
قال ابن عطية في تفسيره: ومن أهل العلم من اعتبر الآية شاملة للبر والفاجر، أي بمعنى أن البر يجازى في الآخرة، وأن الفاجر في الدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1424(9/3373)
الحب المحمود.. والحب المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أي حديث له علاقة بالحب وشكرا لكم وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود أنك تريد ذكر حديث نبوي يتعلق بالحب، فقد ورد حديث: من عشق وكتم وعف فمات، فهو شهيد. وفي سنده ضعف، لكن معناه صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر هذا الحديث: لكن المعنى الذي ذكره دل عليه الكتاب والسنة، فإن الله أمرنا بالتقوى والصبر، فمن التقوى أن يعفَّ عن كل ما حرمه الله، من نظر بعين، ومن لفظ لسان، ومن حركة بيد ورجل. وروى ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
وإن كنت تقصد حكم الشرع فيما يتعلق بالحديث عن الحب، فإن الحب ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المحرم، ويتعلق بالتغني بمحاسن الأجنبيات والأحاديث الغرامية التي تؤجج نار الشهوة، وتبعث على ارتكاب ما حرم الله تعالى، فهذا لا يشتغل به إلا أصحاب القلوب الخالية من محبة الله تعالى، والتي استحوذ عليها الشيطان فصار ينفث فيها من وساوسه.
فعلى الأخ السائل البعد عن مثل هذه الأحاديث، وليكفَّ لسانه عن الخوض فيما لا يرضي الله تعالى، فإن إطلاق اللسان في ذلك من الخطورة بمكان.
فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. وما بين لحييه: يعني اللسان، وما بين رجليه: يعني الفرج.
وأخرج الترمذي وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الفم والفرج.
وننصح السائل بما يلي:
1-المبادرة إلى الزواج إن استطاع ذلك، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، حيث قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه.
2-البعد عن رفقاء السوء الذين يضيعون أوقاتهم بمثل هذه الأحاديث الهابطة.
3- أن يشغل نفسه ببعض الأمور النافعة، كتعلم كتاب الله تعالى أو حفظ بعض الأحاديث النبوية، ونحو ذلك، ولا يترك نفسه في فراغ يجلب لها الأفكار الخبيثة والخواطر الرديئة.
أما القسم الثاني من الحب: فهو الممدوح، وهو الحب في الله تعالى، وتفصيل هذا يرجع فيه إلى الجوابين التاليين: 8663، 13147.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(9/3374)
لا يكون المسلم فاحشا ولا متفحشا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي أخ أسبه وأشتمه بشكل عادي كنوع من الملاعبة وهو محلل الذنب هل يجوز أن يحلله؟ أم علي ذنب وبماذا تنصحني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سب المسلم وشتمه حرام سواء رضي بهذا المسبوب أم لم يرض، وفي الحديث: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. رواه البخاري، وروى أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسان ويده.
هذا ولتعلم أن المسلم أبعد الناس عن الفحش والتفحش هازلاً كان أو جاداً.
روى عبد الله بن عمرو قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً رواه البخاري.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، فليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، نسأل الله لنا ولك حسن الاقتداء وسلامة المقصد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(9/3375)
هل يأثم إذا سب من سبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أسب أخواتي سواء الكبرى أو الصغرى ولكن عندما تسبني أختي الكبيرة أو الصغيرة أرد عليها بنفس الكلمة فهل آثم بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه، وأحمد وغيرهما.
فينبغي للمسلم أن يهذب لسانه من كل لفظ قبيح، وإذا سبه أحد فليعف وليصفح وليرد بالحسنى، قال الله تعالى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109] .
وقال سبحانه وتعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] .
وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون:96] .
وإذا كان الشخص المسيء قريباً فهو أولى بالصفح والعفو والإحسان، أما عن حكم المسألة فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه: مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله فيقول: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير، فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه، لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه لأن أباه لم يظلمه. 402/3، وعليه فلست آثماً في ما فعلت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(9/3376)
أدلة من القرآن والسنة على الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن ألقي محاضرة في كيفية الالتزام بالمواعيد والمحافظة على العهود والالتزام بالواجبات التي علينا والاعتذار إن لم نستطع فهل لديكم القدرة في مساعدتي بتزويدي بالأحاديث والآيات التي تبين ذلك.
ولكم الأجر من الله العظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكرك على اهتمامك بالدعوة إلى الله عز وجل وغرس الأخلاق العالية والآداب الحميدة في قلوب الناس ونذكرك بقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقد سبقت لنا عدة فتاوى عن الوفاء بالوعد والعهد والالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات، وفيها أدلة من القرآن والسنة وكلام أهل العلم بما يفي بطلبك، وهي ذات الأرقام التالية: 5797، 6938، 25974، 26391، 12178.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(9/3377)
المعاريض.. والخروج من المأزق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سألني أحد عن معاشي وأنا لا أريد إخباره (خوفا من الحسد) هل يحق لي أن أكذب عليه أم ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي المعاريض مندوحة عن الكذب أي سعة ومخرج عنه، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه "باب المعاريض مندوحة عن الكذب" واستدل بقول أم سليم لزوجها أبي طلحة حين سألها عن ولده المريض: هدأ نفسه وأرجو أن يكون قد استراح. ففهم منها زوجها أن الصبي قد تعافى من المرض، لأن قولها هدأ نفسه -بفتح الفاء- مشعر بنومه، والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته، وهي قصدت أنه قد انقطع بالكلية بالموت، وفهم من قولها "استراح" أي من المرض، وهي قصدت استراح من نكد الدنيا وألم المرض، فهي صادقة باعتبار مرادها، وهذا هو التعريض، وخبرها غير مطابق للأمر الذي فهمه زوجها لكن ما قالته حق.
وعليه، فإذا سئلت عن مقدار معاشك ولم ترد التصريح للسائل بجوابه الصريح، فيمكنك أن تذكر مبلغاً لا تحسد عليه فتقول مثلاً معاشي ألف، وقد يزيد وتقصد أنه زائد حقيقة، لأن حرف "قد" إذا دخلت على الفعل المضارع يصح أن يراد بها التحقيق كما في قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الأحزاب:18] .
أي أن الله يعلم المعوقين حقيقة، وهو ما قصدته، وتدخل عليه وتدل على التقليل، أي أنهم قد يزيدونك أحياناً وهو ما سيفهمه السائل، ويمكنك أن تستخدم غير هذا الجواب مما فيه احتمال وتعريض.
وننبه الأخ السائل إلى أنه لا ينبغي الإكثار من المعاريض حتى لا تجر صاحبها إلى الكذب الصريح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(9/3378)
استسمح من أخيك
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصباح الباكر ...
ذهبت أنا وأخي لإ إحضار الفول والخبز..
وشرينا وكان الأخ الأصغر قلت له افتح الباب يقول أنا سكرته بالغلط وقاعد أقوله ملعون الين العصر وش اسوي علشان احلله؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المسلم حفظ لسانه من الفحشاء والكلام القبيح من الشتم والسب واللعن..
فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا الفاحش ولا البذي. ويتأكد النهي والتحريم إذا كان ذلك لأخيه المسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. رواه البخاري ومسلم
وعلى هذا، فإن عليك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره وتستسمح من أخيك.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والهداية.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 35538، 6923.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(9/3379)
كل من هو أكبر منك سنا يستحق التقدير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقصود من حديث الرسول: "ليس منا من لم يحترم كبيرنا" هل الكبير هو الشخص العجوز؟ أو أي إنسان أكبر مني، حتى لو بسنة أواثنتين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فروى أبو داود والترمذي واللفظ له من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.
قال في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: لم يوقر: من الوقير، أي يعظم "كبيرنا" هو شامل للشاب والشيخ. اهـ.
وبهذا يُعلم أن من كان أكبر منك سنا، فإنه استحق منك الاحترام والتقدير، ولا يشترط أن يكون شيخا كبيرا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(9/3380)
إكرام الأصدقاء وأهلهم من شعب الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أم صديقي تعاملني كابنها، هل علي برها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على المسلم أن يحترم أخاه المسلم، وخاصة إذا كان كبير السن، فتوقير الكبير والرحمة بالصغير من شعب الإيمان التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، ففي سنن الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.
وروى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حُرّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وعلى هذا، فعليك أن تكرم أم صديقك، وخاصة إذا كان من الأقارب والجيران.. ويتأكد احترامها وبرها إذا كانت أمك من الرضاعة أو خالة لك من الرضاعة.. فقد كان صلى الله عليه وسلم يكرم أقاربه من الرضاعة، كما في سنن أبي داود. مع ملاحظة أنها إذا لم تكن محرما لك برضاع أو نسب، فإنها تعتبر أجنبية عنك، ولا تجوز لك مصافحتها أو الخلوة بها ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1424(9/3381)
التشديد في الغيبة للصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[من أذنب في نهار رمضان بارتكاب غيبة لإنسان فما حكم صومه؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن اغتاب إنساناً وهو صائم فصومه صحيح عند جماهير العلماء، وحكى ذلك ابن قدامة إجماعاً، وقال النووي في المجموع: فلو اغتاب في صومه عصى ولم يبطل صومه عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة؛ إلا الأوزاعي فقال: يبطل صومه بالغيبة. انتهى.
ولكنه مع ذلك قد عصى الله وارتكب ذنباً عظيماً، لأن الغيبة محرمة سواء كان الإنسان صائماً أم لا، وتعظم حرمتها ويشتد وزرها في الصيام الذي يجب على الإنسان أن يجتهد فيه في التحرز من الآثام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] ، وقال صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. رواه البخاري والترمذي وغيرهما، وبوب عليه الترمذي "باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم"، وراجع الفتوى رقم: 6710، والفتوى رقم: 29929.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1424(9/3382)
لعن المعين من خصائصه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد، شيخنا الكريم، عرفنا أن اللعن منهي عنه وأنه ليس من أخلاق الموحد، طيب في الجانب الآخر نرى أن الرسول قبل موته لعن اليهود والنصارى عموما، ولكن أيضا ثبت في صحيح مسلم أن رجلين دخلا على النبي فأغضباه فسبهما ولعنهما بأعينهما ثم دعا لهما. فكيف نوفق بين الأمرين؟ وهل هناك ضوابط في اللعن ومن يلعن ومن لا يجوز؟ وهل يجوز لعن المعين؟ ... بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فيجوز لعن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وكذا من ثبت فسقه من المسلمين بفعل ما يوجب اللعن، كشرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك، ولكن يكون لعنهم على وجه العموم دون التعيين، إلا من علم موته على الكفر، فيجوز لعنه معينا كفرعون وهامان، كما صرح بذلك الغزالي وابن العربي والرملي في فتاويه وغيرهم. ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 36517. وأما لعن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المعينين، كالذي وسم الحمار في وجهه، وكالرجلين اللذين أغضباه فسبهما ولعنهما، وكلا الحديثين في صحيح مسلم فإن هذا من خصائصه، لأنه لا يلعن إلا المستحق لذلك، فإن لم يكن مستحقا فقد أخذ عهدا على الله أن يجعل ذلك للملعون زكاة وأجرا يوم القيامة، كما في الصحيحين، وليس ذلك لأحد غيره. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1424(9/3383)
الكذب في البيع يمحق البركة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله.
أنا وأخي نعمل معا في شركة وهي لنا والحمد لله المشكلة هي أن أخي يقوم بالكذب أحيانا في التجارة فهل المال الذي يدخل على الشركة حرام؟ مع العلم بأني لا أكذب وهل نصيبي الذي هو النصف حرام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مطالب بأن يكون صادقاً في جميع تصرفاته مبتعداً عن الكذب والغش، لذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وعليه، فإنا نهنئك على اتصافك بالصدق في المعاملة، وعليك بنصح أخيك حتى يكف عن ممارسة الكذب بغية الحصول على كسب مادي، مع تنبيهه على أن الكذب في البيع سبب لمحق البركة، ولن يعود على صاحبه بخير، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا.
أما الصدق في المعاملة فثوابه عظيم من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء. وهو في صحيح الترغيب والترهيب والسلسلة الصحيحة للشيخ الألباني.
أما نصيبك من المال المذكور فلا يحرم عليك وغايته أن يكون مال شبهة، وقد قال في شأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. متفق عليه.
وعليه، فترك نصيبك من المال المذكور إنما يكون من باب الورع والاحتياط، ولا يجب عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1424(9/3384)
العفو والصفح غير واجب، بل مرغب فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين طلب الإسلام التسامح وادفع بالتي هي أحسن وبين الجهاد لأخذ الحق من مسلم أو كافر، أي كيف يوازن المسلم بين حب التسامح من جهة والحرص على عدم ضياع حقه من جهة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أباح الله للمسلم السعي للحصول على حقوقه، والقصاص ممن ظلمه بحيث لا يتعدى ولا يجور، فقال الله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126] .
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ* وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:39-40] .
ومع هذا فقد أمر الله بالصفح والعفو والتجاوز عن المسيء، ووعد على ذلك بجزيل الثواب وحسن المآب، فقال الله تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126] .
وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] .
وقال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وبهذا نجد أن الإسلام قد شرع للمرء الحصول على حقه، ورغبه وحثه على التنازل، فمن أراد حقه أخذه ولا حرج عليه، ومن سمحت به نفسه كان ذلك خيراً له، وهذا ما لا تعارض فيه البتة، لأن العفو والصفح غير واجب، بل غايته أن الشرع رغّب فيه، وحث عليه من باب الاستحباب، وجعل الحصول على الحق مشروعاً فلا تعارض، ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36349، 23257، 33964، 24753.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1424(9/3385)
المداراة تنتظمها الأحكام الخمسة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين مداراة السفهاء والحمقى والسكوت عن الإساءة من باب التسامح ومطالبة المسلم بالشجاعة وأخذ حقه وعدم السكوت عن الإساءة وكلمة عمر ابن الخطاب: يعجبني من الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول لا بملء فيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد عرف العلماء المداراة بأنها بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا.
وقيل هي: ملاينة الناس ومعاشرتهم بالحسنى من غير ثلم في الدين، في أي جهة من الجهات، والإغضاء عن مخالفاتهم في بعض الأحيان. وأصلها: المدارأة من الدرء وهو الدفع.
ومن ذلك اتقاء الفسقة والظلمة ببعض الكلمات الحقة، وبالتبسم في وجوههم، من غير إقرار لهم أو معاونة، فإن ذلك من المداهنة المحرمة. ويدل على مشروعية المداراة ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلَّق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، متى عهدتني فحّاشاً، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. ذكر ذلك البخاري في صحيحه.
وهذه المداراة مباحة، وقد تكون واجبة إن كان يتوصل بها إلى دفع ظلم أو دفع محرمات لا تندفع إلا بذلك. وقد تكون مندوبة إن كانت وسيلة لمندوب. وقد تكون مكروهة إن كانت عن ضعف، ولا ضرورة تقتضيها، بل خور في الطبع. وقد تكون مكروهة إن كانت وسيلة للوقوع في مكروه. هكذا ذكر القرافي في الفروق، رحمه الله.
ومنه تعلم أن هذه المداراة لها موضعها، وللشجاعة والصدع بالحق موضعهما كذلك، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه.
وينبغي أن تعلم أن المسامحة والعفو عن الظالم والإحسان إليه على ذلك من القربات المستحبات، كما دلت على ذلك الأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا. رواه مسلم.
وانظر الفتويين التاليتين: 24753، 13741.
وأما الأثر الذي ذكرته عن عمر رضي الله عنه، فلم نقف عليه في ما بين أيدينا من مصادر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(9/3386)
الكذب على الأطفال.. مباح أم حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب على الأطفال حتى لا ألبي بعض مطالبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب على الأطفال محرم كالكذب على الكبار، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال صبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة، وصححه الأرناؤوط وقال: على شرط الشيخين.
وفي الكذب على الأطفال من المضار ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك:
- تعويد الأطفال على الكذب إن هم علموا بذلك.
- فقد ثقة الطفل في أبويه حينما يجرب عليهما الكذب.
وغير ذلك من المضار، لكن بوجه عام إذا اضطر المرء إلى الكذب، وكان في كذبه مصلحة محققة مع عدم الإضرار بالغير، فقد أباح العلماء له ذلك، وقد بيناه في الفتوى رقم: 25629.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب المعاريض مندوحة عن الكذب. ا. هـ
ومعنى المعاريض: أن يتكلم بكلام يقصد منه شيئاً، وظاهر لفظه يدل على غير ما قصد، كما كان يقول أبو بكر حينما سئل وهو مهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا معك؟ فكان يقول: هادٍ يهديني رواه أحمد وغيره، وهو صحيح.
فيفهم السامع أنه يقصد بالهادي الدليل الذي يدل على الطريق، وهو يقصد الهادي الذي يهدي إلى الله تعالى، وذلك لئلا يعلموا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤذوه.
فما كان من باب تحصيل المصلحة دون الإضرار بأحد جاز فيه الكذب على الأطفال وغيرهم، والمعاريض في هذه الحالة أفضل، وما لم تكن فيه مصلحة فلا يجوز الكذب فيه بحال، وراجع الفتوى رقم: 26391، والفتوى رقم: 35308.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1424(9/3387)
من مكارم الأخلاق تشاور الزوجين في الأمور المشتركة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق الرجل على خطيبته أن يفرض عليها مراسم الزواج على النمط الإسلامي وأن تكون في زي إسلامي وماذا يفعل إن أصرت هي على عكس ذلك؟ وما حكم الشرع في إتمام الزواج من عدمه وفقاً لرغبة الزوج؟. أفادكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مطالب بأن تكون جميع تصرفاته موافقة لشرع الله تعالى، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] .
وقال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد. متفق عليه.
وعليه، فنهنئ السائل الكريم على رغبته في أن تكون مراسم زواجه وعرسه وفق الشرع الكريم، ونسأل الله تعالى له التوفيق والثبات على الحق.
فإذا أردت أن يكون زواجك موافقاً لشرع الله تعالى، فابتعد عن الأمور المحرمة مثل: الاختلاط بين الجنسين، الإسراف، والتبذير، استعمال آلات اللهو المحرمة كالمزامير.
وأنت مسؤول عن كل ذلك، كما يجب عليك أن تكون زوجتك مرتدية الحجاب الشرعي، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.
وإذا امتنعت زوجتك من ذلك، فعليك إقناعها بالتقيد بذلك، ولا يحل لك السكوت على المنكر في أهِلكَ.
والزوج هو صاحب القرار الأول والأخير في النكاح، فعليه ما يترتب على الزواج من صداق ونفقة ومسكن وغيرها، وبيده الطلاق، وكل الأمور المتعلقة بعقد النكاح، ففي تفسير ابن كثير عند قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ: عن عيسى بن عاصم قال: سمعت شريحاً يقول: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح، فقلت: ولي المرأة، فقال علي: لا، بل هو الزوج.
إلى أن قال ابن كثير أيضاً: ومأخذ هذا القول أن الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الزوج، فإن بيده عقدها وإبرامها ونقضها وانهدامها.
إلا أنه من باب مكارم الأخلاق التشاور مع الأهل في الأمور المشتركة بين الزوجين، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستشير أمهات المؤمنين تطييباً لخواطرهن، واستجلاء للموقف المصيب.
فالمقصود إذاً أن المسلم يجب أن تكون جميع تصرفاته خاضعة لشرع الله، ولا يجوز له انتهاك حرمات الله إرضاءً لغيره، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وراجع الفتوى رقم: 8283.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/3388)
حكم لعن المرأة المتبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز لعن المتبرجات لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، علي رُؤُسُهنِّ كأسنمةِ البُختِ، العنوهُنَّ فإنهن الملعونات»
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم. والحديث صححه أحمد شاكر، وحسنه الألباني، وضبط قوله: كأشباه الرجال بالحاء المهملة. وذكر أن الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى هذه السيارات المركوبة اليوم، وإلى ما يفعله بعض الرجال من إحضار نسائهم إلى المساجد متبرجات. وانظر السلسلة الصحيحة (6/411) .
وأما لعن المرأة المتبرجة، ولعن كل معين، ففيه خلاف بين الفقهاء، وجمهورهم على منع ذلك. وانظر الفتاوى التالية: 10853، 21453، 8569.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/3389)
الأدلة من القرآن والسنة على المساواة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أرد على شخص قال إن الإسلام دين العنصرية، بأحاديث وآيات قرآنية لأثبت العكس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من المسلَّمات أن الإسلام دين المساواة بين الناس من حيث الجنس، لا يفضل جنسًا ولا لونًا على غيره، وجعل ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] .
وكل آيات الخطاب في القرآن إنما هي إما لكافة الناس مؤمنهم وكافرهم، أو للمؤمنين، أو للكافرين، أو بعض صنوفهم، ولسيت لجنس معين منهم، وهذا يدل على عدم اعتبار التفاضل بالعنصر أو الجنس.
ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: لَيَنْتَهِيّنَ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الّذينَ مَاتُوا إِنّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنّمَ. أَوْ لَيَكُونُنّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجُعَلِ الّذِي يُدَهْدِهُ الْخرءَ بِأَنْفِهِ. إِنّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبّيّةَ الْجَاهِلِيّةِ وَفَخْرَهَا بِالاَبَاءِ. إِنّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقيّ وَفَاجِرٌ شَقيّ. النّاسُ كُلّهُمْ بَنُو آدَمَ. وآدَمُ خُلِقَ مِنَ تُرَابِ أخرجه الترمذي وحسنه.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 30143.
وللرد على من يتهم الإسلام بالعنصرية راجع الفتوى رقم: 6069.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/3390)
يجوز لعن المتبرجات بمجموعهن لا بأعيانهن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز لعن المتبرجات لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، علي رؤسهن كأسنمةِ البُختِ، العنوهُنَّ فإنهن الملعونات»
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لعن المعينين من المسلمين أو من غيرهم في الراجح من أقوال أهل العلم، ويدخل في ذلك لعن المتبرجة، لأننا لا ندري ما يختم لها به، لكن يجوز أن يقال: لعنة الله على المتبرجات هكذا على وجه العموم، قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر: فالمعين لا يجوز لعنه وإن كان فاسقا. اهـ وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: وصرحوا أيضا بأنه لا يجوز لعن فاسق مسلم معين. اهـ وقد مضى بيان ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية: 10853، 36047، 30017، 6561.
أما عن الأمر الوارد في الحديث بلعن المتبرجات فمحمول على لعن مجموعهن لا أعيانهن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1424(9/3391)
حكم لعن المتبرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
هل يجوز لعن المتبرجات لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، على رُؤُسُهنِّ كأسنمةِ البُختِ، العنوهُنَّ فإنهن الملعونات» وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الطبراني وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: يكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهنَّ كأسنمة البختِ العجاف، العنوهنَّ فإنهنَّ ملعونات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وغيرها.
وفي الحديث جواز لعن المتبرجات على وجه الإجمال، أما المتبرجة المعينة، فإنه لا يجوز لعنها، كما هومبين في الفتويين التاليتين: 10853، 30017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(9/3392)
بلوغ المقصد بالعمل الجاد المخلص مع الاستعانة بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أملك عزيمة كبيرة وأطمع أن أكون مثل أحمد زويل وأنفع بلدي، ولكن كيف وكيف أتخلص من الشيطان فأنا لا أجد من ينصحني، وتأكدوا أن الأيام ستثبت ذلك ولكن كيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على المسلم أن يكون ذا همة عاليةٍ في طلب معالي الأمور، بعيدًا عن سفاسفها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ. وَلاَ تَعْجِزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ كذا لم يُصبني كذا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المسلمَ على العمل الجاد والتحصيل، مستعينًا على تحقيق ذلك بالله عز وجل، متجنبًا للعجز ومواطنه، وأن لا يفتح على نفسه باب اللوم والندم إذا فاته المطلوب؛ لأن ذلك يجره إلى السخط والجزع.
والإسلام يدعو المسلم إلى عمران الكون وإصلاح المجتمع، وأن ينفع إخوانه المسلمين. ولكن لابد أن ينتبه إلى أن المسلم ينبغي له أن يريد وجه الله بكل عمل صالح يعمله، ولا يكون الدافعُ له على منفعة المسلمين مصالحَ دنيوية دون النظر إلى مرضاة الله عز وجل، كما أن الواجب على المسلم أن يكون محافظًا على أوامرِ اللهِ، متجنبًا لنواهيه. حتى يتخلص من الشيطان ووساوسه. وقد قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] . وعليه أن يصحب الأخيار الذين يدلونه على الخير ويُرَغِّبونه فيه. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(9/3393)
الصبر على أذى الخلق من علامات قوة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ناس ومن أهلي قذفوا أمي وزوجتي، وقذفوني أيضا وشوهوا سمعتنا بالزنا وكل كلام قبيح ونشروا هذا الخبر لكل الناس واستخدموا السحر ضدنا أيضا، وأوقعوا أهلي في الزنا، هل علي أن أعمل مثلهم؟ وهل علي ذنب إذا رددت بالمثل يعلم الله بما جرى لي وأنا صابر لله، ولكنهم مازالوا إلى الآن 8 سنين في شتمهم وحقدهم، نرجو المساعدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصبر على أذى الخلق من علامات قوة الإيمان، فقد قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] ، وقال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126] ، وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] .
وفي سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا للنَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلمِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُّ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. وصححه الألباني.
وفي سنن ابن ماجه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى أَنْ يَنْتَصِرْ دَعَاهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخْيّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَ. وحسنه الألباني.
وقد قال الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] .
ولذا فإننا نهيب بالأخ الكريم أن يزداد صبرًا، وأن يعفو ويصفح، ولا نجد مانعًا من أن يستعين بأهل الخير لدفع الظلم عن نفسه، أو أن يرفع أمره للقضاء، ما لم تترتب على ذلك مفسدة أكبر منه. وقد سبق أن بيَّنَّا فضل تحمل الأذى والصبر عليه في الفتاوى التالية: 1764، 13685، 12167.
أما عن وقوع أهلك في الزنا بسببهم، فلا يجوز لك بحال أن تتسبب لهم في مثله؛ لأن الزنا فعل قبيح محرم شرعًا، فالرد على فاعله بالمثل لا يجوز، إذ قد حدد الشرع عقوبة الزاني وهي الجلد للبكر، والرجم للمحصن، ولم يبح الرد عليه بمثله بحال. والواجب على أهلك التوبة مما حصل؛ لأن الزنا ذنب عظيم تجب التوبة منه حالاً. قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
والواجب على من فعلوا ذلك أن يتوبوا إلى الله تعالى أيضًا مما اقترفوه من السحر وغيره، فإتيان السحرة واستخدام السحر كبيرة من الكبائر. وقد مضى بيان حكم السحر وإتيان السحرة في الفتويين التاليتين: 20371، 11104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1424(9/3394)
كيف تقضي على الإفراط في الضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
هل هناك أذكار معينة للسيطره على الضحك؟ لأني لا أستطيع السيطرة على نفسي في معظم الأوقات، مما جعلني أنطوي لهذا السبب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالضحك منه المحمود ومنه المذموم، وقد بيَّنَّا ذلك مفصلاً بأدلته في الفتوى رقم: 30423، فلتراجع.
وليس هناك ذكر محدد يقوله الإنسان ليطرد عن نفسه الضحك فيما نعلم. ولكن على المسلم أن يشغل نفسه بمعالي الأمور، ويتحرز عن الاشتغال بسفاسفها، فيحرص على أن يلتقي بالناس ويجتمع معهم على الخير من الذكر ومدارسة ما يفيد من الدين والدنيا، ولا بأس إن تخلل ذلك ضحك بقدره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(9/3395)
مدى تحمل العبد الإثم لضعف الحنان تجاه أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا متزوج من حوالي أربعة سنوات - ولله الحمد - ورزقت - بفضل الله - بطفلين بنت وولد، ولكني لا أحس بطعم الأبوة والحنين التي أراها في الآخرين وكلام الناس في ذلك، وأيضا نفس الإحساس تجاه الزوجة ليست بالدرجة المشوقة، ولا إحساس الزوج، فهل من حل لمشكلتي؟ وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحنو على الأبناء والشفقة عليهم والرحمة بهم، أمر مركوز في فِطَرِ غالب المخلوقات، حتى البهائم؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنّ للهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ. أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامّ. فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ. وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ. وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَىَ وَلَدِهَا.
وهذا الحنو وهذه الرحمة مما يتفاوت فيه الناس، كما هو مشاهد؛ ففي الصحيحين وغيرهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ الْحَسَنَ بِنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بِنْ حَابِسٍ التَّمِيمِي جَالِسًا، فَقَال الأَقْرَعُ: إِنّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبّلْتُ وَاحِداً مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ.
وقد جاء في حديث آخر ما يدل على أن عدم الرحمة بالأولاد والشفقة بهم سببه قسوة القلب وانعدام الرحمة فيه؛ ففي الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: أَتُقَبّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنّا، وَاللهِ مَا نُقَبّلُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرّحْمَةَ. واللفظ لمسلم.
لذا فعلى الأخ السائل أن يعطف على أولاده وزوجته، وأن يتذكر أن الولد من أجلِّ نعم الله تعالى على العبد، وأن له حقوقًا لا يجوز التقصير فيها، مثل: القيام برعايته وحضانته وجميع مصالحه المادية والمعنوية. ومن قام تجاه ولده بأداء ما أوجبه الله من ذلك، ولم يبق إلا برودة المشاعر نحوه وضعف الإحساس وحنان الأبوة ونحو ذلك، فليس عليه إثم إذا لم يبق إلا ما لا قدرة له عليه من عمل القلب، إذ ما في القلب من المحبة والمودة غير مقدور للعبد، بدليل قول الله عز وجل: وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63] ، بعد قوله: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63] ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم: اللهُمّ هَذَا قَسْمِي فِي مَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلَمْني فِي مَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ. رواه أصحاب السنن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1424(9/3396)
محل جواز تقبيل الصبي في فمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث:
مجمع الزوائد للهيثمي ص.314
15150- وعن أنس قال: لما أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد
كان - أحسبه قال- جميلاً، فقلت: والله لأسوأنك، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث يقع قضيبك. قال: فانقبض.
رواه البزار والطبراني بأسانيد ورجاله وثقوا.
فهل يصح القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الحسين في فيه؟
ألا يعتبر ذلك إهانة للنبي صلى الله عليه وسلم وللحسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال من حديث أنس، رواه البزار وغيره.
قال ابن كثير رحمه الله: تفرد به البزار من هذا الوجه، وقال: لا نعلم رواه عن حميد غير يونس بن عبدة وهو رجل من أهل البصرة مشهور، وليس به بأس.
وقال الهيثمي: ورجاله وثقوا.
ولا مانع من تقبيل الصبي على جهة الرحمة والشفقة به في أي موضع من وجهه ولو في فمه.
قال الرملي رحمه الله في نهاية المحتاج:
ولا بأس بتقبيل وجه صبي رحمة ومودة.
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في أسنى المطالب: وتقبيل خد طفل ولو لغيره لا يشتهى وسائر أطرافه شفقة ورحمة مستحب للأخبار الصحيحة في ذلك، أما تقبيلها بشهوة فحرام. اهـ
وقد صحت الأحاديث بتقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين.
ففي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يرحم لا يُرْحم.
وفي سنن أبي داود أن المقبل كان الحسين.
وأي غضاضة في رحمة الكبير للصغير وتقبيله وملاعبته؟ بل الغضاضة في من نزع الله الرحمة من قلبه فاستنكف عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1424(9/3397)
هل للإسلام جنسية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للإسلام جنسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أي شخص أقر بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا، فإنه يدخل في عموم المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الجهوي.
وعليه، فإنه يثبت له حق الأخوة الإسلامية. قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] .
وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه متفق عليه، واللفظ للبخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
والناظر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد فيهم العربي والحبشي والفارسي وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(9/3398)
المعيار هو التثبت والتبين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أكون حائرة في أمر مثل صديقة تقول لي كلاما كثيرا وأشك في عدم صدقها، فأدعو الله أقول يا رب إن كانت تكذب أحلم بأختي، وإن كانت صادقة أحلم بها وأحيانا أحلم بها وأحيانا بأختي،؟ فهل ذلك حرام وإن كان لا، فهل صحيح هذا أم لا أرجو الرد وعدم الإهمال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت صديقتك ثقة، فالأصل تصديقها فيما تقول، وإذا علم عنها الكذب فالأصل عدم تصديقها، بل الواجب التثبت والتبين، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] .
وما تقومين به ليس سبيلاً صحيحًا للتثبت؛ لأن الرؤيا تكون من الله، وتكون من الشيطان، وتكون من حديث نفس، والشيطان حريص على الإفساد بين الناس، فقد يتمثل لك بصورة صديقتك مما يجعلك تشكين فيها وتخاصمينها، وهي في حقيقة الأمر صادقة، ولذا فننصحك بالتثبت بسبيل أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1424(9/3399)
نصيحة لمتزوجة ابتليت بحب قبل الزواج ومسيطر على فكرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتلاني الله بالحب قبل الزواج ولم يجعل لي نصيبا.
تزوجت من زوج فاضل يعلم الله مدى حبي له وإخلاصي وخدمتي له ولأطفالي، وإني كنت أعمل الليل بالنهار لتوفير لقمة العيش، وهاجرت إلى أوربا
ما يحصل أحيانا أن الأول يأتي إلى بالي دون إرادتي، أتذكره كثيرا وأشعر بالذنب تجاه زوجي وإن صارت الآن في فترات بعيدة بعد 16 عام من الزواج وأقول ربي لا تحاسبني على ما ليس بيدي وهو من عندك، أزيد من حبي لزوجي وأطفالي الأدهى من هذا أشعر بأني حرمت منه في الدنيا وأقول ربي إن حرمتني من وصاله في الدنيا لا تحرمني منه في الآخرة وبعدها أندم وتصورت أنني نسيته لأفاجأ به يظهر مرور الكرام في تقرير تلفزيوني وظللت أياما أتذكره
هل سيحاسبني الله؟ أفتوني جزاكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحياة الزوجية رباط وثيق، وميثاق غليظ يقوم على الإخلاص في الألفة والمودة والمحبة، التي يكون نتاجها الوفاء والرحمة والسكن والاطمئنان، وقد أباح الله للزوج أن يتزوج أكثر من واحدة بشرط ألاَّ يزيد على أربع نسوة، ولم يبح للزوجة إلا زوجًا واحدًا، وهذا من حِكْمةِ الله تعالى؛ لأن التعدد يليق بالرجل ولا يليق بالمرأة، فإذا منع الله تعالى المرأة من الزواج بأكثر من زوج، والزواج حلال في الأصل، فلأن يمنعها من التفات قلبها إلى غير زوجها من باب أولى؛ لأن ذلك حرام في الأصل، وتعلق القلب بغير الزوج معصية للرب، وخيانة للزوج لا يرضاها الله تعالى، ولا يُقرُّ عليها خُلُق أو دين.
فالواجب على الأخت السائلة أن تتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه قديمًا مع الشخص المذكور، إذ الحب الذي شاع بين الرجال والنساء بصفته المعروفة محرم شرعًا؛ لأنه زلَّة تتبعها زلات، وخُطوة إلى الشر تتبعها خُطوات، ولا يتم الإقلاع عمَّا وقعتِ فيه إلا بكثرة الاستغفار، والمداومة على الأذكار، واستحضار عظم حق الزوج في النفس، مع تذكر الموت الذي قد يأتيك وأنتِ على هذا الحال، فتخرج نفسكِ وأنتِ عاصيةً لله. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] ، وقال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] .
كما أننا ننصح الأخت السائلة بأن تشغل أوقاتها دائمًا، فتارة تتعبد، وتارة تجالس زوجها، وتارة تهتم بأبنائها، وتارة تحضر درسًا علميًّا نافعًا، أو تلتقي ببعض الصالحات، ونحو ذلك مما يشغل الفكر عن الانشغال بما ذكرتِ. ولتراجعي الفتاوى التالية: 20459، 5714، 9360، 24376.
ففيها فوائد كثيرة ينفعك الله بها، ونسأل الله عز وجل أن يهد قلبكِ، وأن يلهمكِ رشدك، إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1424(9/3400)
التحذير من البخل والشح
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق بخيل جداً، وصل الأمر به إلى حد أن بخله صار يؤثر على علاقتنا ببعض، وكذلك زوجته، للأسف مصابة بهذا الداء، إلى حد أنها تحاول قطع العلاقات مع كل من حولها تفادياً لبذل ولو درهم واحد، حتى أن هذا الصديق وزوجته صارا لا يتصلان بأحد ممن حولهم عبر الهاتف، حتى لا يتكلفوا ولو ربع درهم. أريد أن أنصحهم ولو بمقال لطيف عن هذا الداء وآثاره السلبية على خلق المسلم، وعواقبه الوخيمة عند الله. فأرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نشرت الشبكة مقالاً عن الجشع والبخل يمكنك الوصول إليه بالدخول على تزكية وأخلاق من الصفحة الرئيسية، ثم الدخول على الأخلاق، ثم على مساوئ الأخلاق، ثم على الشح. وراجع أيضًا الفتوى رقم: 35141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(9/3401)
الصلح خير والحج صحيح.
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات رجل وله خصومة وخصمه يريد الحج، وهذا الخصم يريد الحج فماذا يفعل لإنهاء هذه الخصومة ويصح حجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أولاً أنه لا تأثير للخصومة على صحة الحج، لكن لا شك أن السعي للصلح أمر واجب، إذ لا يحل للمسلم هجر أخيه المسلم إلا لمبرر شرعي، كما سبق أن بيَّنَّا في الفتوى رقم: 7120.
ومن كانت عنده لأخيه مظلمة أو كانت بينه وبينه شحناء، فعليه أن يستسمحه أو يرد إليه مظلمته إن وقع منه تقصير في حقه، أو أن يعفو عنه إن كان مظلومًا، ونذكِّرْ هنا بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنّةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً. إِلاّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: أنظِروا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا.
هذا في ما إذا كان هذا الخصم حيًّا، فإن كان قد مات، كما قد يفهم من عبارة السائل، فإن كان هذا الميت ظالمًا فليعف عنه الحي، وإن كان مظلومًا في مال، فليرد هذا المال إلى ورثته، أو يتصدق به عنه صاحبه إن لم يعرف ورثته. وإن كان مظلومًا في عِرضٍ، فليدع له وليستغفر له. هذا إذا كان مسلمًا؛ فإن كان كافرًا، فالتصدق بالمال يكون بنية التخلص من حق الغير، وأما الدعاء والاستغفار فلا، إذ لا حق للكافر في ذلك، كما قال الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(9/3402)
علاقات الحب المحرم بين الأصدقاء نهايتها لواط أو زنا أو سحاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المحبة بين الأصدقاء المتعلقة بالوله والشوق وغير ذلك؟ أفيدوني رعاكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمحبة التي تكون بين الفتيان أو بين الفتيات، أو بين الفتيان والفتيات، على سبيل ما يسمونه بالوله أو الدردشة والشوق ونحو ذلك، لا تخلو من محاذير شرعية، كالنظر المحرم، والخلوة، ثم الوقوع في اللواط أو الزنا أو السحاق، كما هو مشهور في قصص واقعية كثيرة، ولذا فالواجب على الشباب الحذر منها والبعد عنها، واستبدالها بالمحبة في الله عز وجل، والحديث في العلم النافع، واللقاء على طاعة الله، ونحو ذلك. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 12450، 1932، 10570، 7413.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1424(9/3403)
ضابط ما يباح أو يجب من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتقدم بطلب للحصول على جواز سفر في بلادنا خصوصا أن الغلاف للجواز فيه نقص في البلاد وقال لي أحد الأشخاص إذا كنت تريد أن تتقدم للحصول عليه يجب أن تقدم تقريراً طبياً على أساس أنني مريض مع العلم أنني لست مريضاً هل هذا جائز؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الكذب معصية ذميمة ولا يتصف به المؤمن. روى مالك في موطئه من حديث صفوان بن سليم: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم. فقيل له: أيكون بخيلاً؟ فقال: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن كذَّابًا؟ فقال: لا.
ومع هذا فإن الكذب يباح في بعض الأحيان. قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط كما في الإحياء أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعًا. فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك. (2/326) .
وبناء على ذلك، فإذا كان الجواز تدعو إليه الحاجة، ولم تجد له وسيلة غير تقديم تقرير طبي بأنك مريض، فلا حرج عليك في تقديم هذا التقرير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/3404)
تقبيل اليد.. بين الاستحباب والكراهة الشديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي زوجة تصر كل يوم على أن تقبل يدي كل صباح كنوع من أنواع الطاعة، فهل هذا حرام؟ وإذا كان حلالا فمن هم الذين يجوز للمرء تقبيل أيديهم؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تقبيل اليد قد ثبت في أحاديث صحيحة أنه فُعِلَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما أخرجه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فحاص الناس حيصة، فكنت في من حاص ... قال: فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون؛ فأقبل إلينا فقال: "لا بل أنتم العكارون" قال: فدنونا فقبلنا يده.
وتقبيل اليد جائز أو مستحب إن كان المفعول له من أهل العلم والصلاح والشرف، ونحو ذلك من الأمور الدينية، لا إن كان من أصحاب الغنى والشوكة. قال ابن حجر في فتح الباري: ... قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا، فمكروه شديد الكراهة ... اهـ
وهذا الحكم عام في الرجال والنساء بالنسبة لمحارمهنَّ. وأما تقبيل الزوجة يد زوجها للغرض المذكور في السؤال، فلم نقف له على دليل يأمر به أو ينهى عنه، والأحوط تركه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(9/3405)
لا يجوز الكلام بين المحارم فيما يخدش الحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تبادل الشاب غير المتزوج الرسائل الجنسية عبر الهاتف النقال مع شقيقته؟
علما بأن هذا الشاب عمره 23 عاما ومحافظ على دينه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة بين الأخ وأخته محاطة في الشرع بما يؤدي إلى سلامة الصدور، وحفظ الدين، ودوام الألفة والمودة، فجعل الله تعالى الأخ محرمًا لأخته، يجوز له أن يخلو بها، ويسافر معها، ويرى منها ما لا يجوز لغيره أن يراه، كالساقين والذراعين والنازل من الشعر؛ لأن ذلك يبدو منها عند مهنتها غالبًا، فيشق عليها التحرز منه في البيت مع وجود المحارم. وراجع في هذه الفتوى رقم: 20445.
والواجب على المحرم أن يلتزم مع محارمه الأدب في الكلام والنظر والمزاح ونحوه، فلا يجوز له أن ينطق بما فيه خدش للحياء، ومخالفة لأمر الله تعالى. وإن تبادل العبارات التي تصف العلاقة الجنسية أو تشجع عليها بين غير الزوجين من أعظم المنكر، لما فيه من الحث على الفاحشة، والقرب من الزنا، وقد قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] ، وقال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] . وفي الحديث الصحيح: إن الله لا يحب الفاحش والمتفحش. رواه أبو داود وصححه الألباني.
والفاحش: هو الفَحِشُ في كلامه وفعاله.
إضافة إلى ذلك، فإن تبادل مثل هذه الرسائل فيه منافاة للحياء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء من الإيمان. رواه البخاري ومسلم، وقال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت. رواه البخاري وغيره.
وإننا لننصح هذا الأخ وأخته أن يتقيا الله تعالى بترك ما يفعلانه من مخالفة، والندم على ما فات منها، والعزم على عدم العودة إليها أبدًا، والله نسأل أن يهديهما سواء السبيل، وأن يجنبهما الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(9/3406)
لا يشغلنك حق عن حق
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمكن لشخص مثلي في الثالث ثانوي معيدة سنتها حاولت جاهدة أن تدرس مع العلم بأنها اهتدت ودعت من كل قلبها أن تحاول أن تدرس وقد فقدت كل الطموح والأمل في مستقبلها ولم يبق لها سوى العيش للصلاة وعمرها 18 سنة أن تفعل؟ خصوصاً أن أهلها شمتوا بها كثيراً في السنة السابقة لدرجة التجريح ونتيجة الامتحانات لم تظهر بعد وهي قلقة جداً ولا تعرف ماذا تقول لأهلها وهي مرت بظروف صعبة في حياتها.
أتاسف لإطالة السؤال عليكم ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولهذه الأخت الهداية والثبات على دينه حتى نلقاه وهو راضٍ عنَّا، ونسأله سبحانه أن يوفقنا وإياها لرضاه.
واعلمي أختي الكريمة أن الاستقامة على أمر الله لا تدعو إلى الخمول والكسل والإهمال، بل إنها تدعو إلى الجد والاجتهاد والعمل. قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ... رواه مسلم.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بكل من العجز والكسل. رواه البخاري ومسلم.
فعلى هذه الأخت أن تجتهد في دراستها أكثر من ذي قبل، حتى تعطي أهلها والناس جميعًا عن الاستقامة والالتزام فكرة صحيحة، ونقول لها: إياك أن يشغلك حق عن حق، فإن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حقٍ حقه.
وننصحك بمجالسة الصالحات المجتهدات النشيطات، اللواتي يساعدنك على الاستقامة والتفوق والنجاح، وننصحك أيضًا باللجوء إلى الله أولاً وآخرًا بأن يسهل أمرك ويصلح حالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(9/3407)
أحسنت بالنصح ولم تحسن باختيار الوسيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبة لي اسمها (ش) علمت من أختي (ص) أنها على اتصال بشاب غريب عن طريق الهاتف، وأردت نصحها عن هذا الفعل، ولكن خفت أن أسبب بينها وبين أختي (ص) مشاكل، ففضلت أن أقول لها إنني رأيت رؤيا وأخبرت بها شيخا يفسر الأحلام، فقال لي إن تفسير الحلم أنها تقوم بعمل خاطئ لا يرضي الله، وأنه يجب عليها تركه حالا والتوبة إلى الله، علما بأنني لم أحلم بشيء، وأنني لم أسأل مفسرا ولكن قلت لها هذا الكلام لأنصحها ولكن بطريقه غير مباشرة.
فهل علي ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن النصيحة من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه تعالى، ولعظم شأنها جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة، كما في حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. رواه مسلم.
والنصيحة للأرقاب بر وصلة. فعلى هذا فإنك قد أحسنت بحرصك على نصح هذه الفتاة، إلا أنك لم تحسني اختيار الوسيلة، وإن كنا نرجو أن تؤجري على نيتك، إذ أن هذا الذي فعلتيه من الكذب الصريح، وهنالك من الوسائل المشروعة ما يتحقق به المقصود دون أن يترتب عليها ضرر يلحق بأختك، ككتابة رسالة من شخص مجهول تتضمن نصيحة، أو نحو ذلك من استخدام المعاريض. وقد ورد في النهي عن الكذب في الحلم خاصة حديث رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل. فلا تعودي لمثلها.
ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتويين: 1824، 7562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(9/3408)
عنصرية جديدة أفرزتها الجاهلية الحديثة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
شكراً لاتاحة الفرصة
سؤالي غريب بعض الشيء ولكنه متفشي في مجتمعاتنا العربية وهو كراهية جنسية معينة لجنسية أخرى واعتقاد أن الجنسية الفلانية أناس غير جيدين أو كذابين أو نصابين وما إلى ذلك وهل يجوز أن يعامل إنسان ما بحكم مسبق على أنه من جنسية كذا وبالتالي فهو غير جيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يحمل في قلبه البغض والكراهية لإخوانه المسلمين لمجرد أنهم يحملون جنسية معينة، أو ينسبون إلى جهة أو قبيلة أو عنصر. فإن هذه نظرة جاهلية أبطلها الإسلام، وعنصرية جديدة أبرزتها الجاهلية الحديثة، عندما قسمت العالم الإسلامي إلى جنسيات عدة وأوطان مختلفة.
ومبدأ التعميم مبدأ غير سليم يرفضه العقل الصحيح والشرع الصريح. قال الله تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] .
والناس بجبلتهم مختلفون ولو كانوا إخوة أشقاء، فهم مختلفون في الطباع والأذواق وفي الاستقامة والانحراف، كاختلافهم في الألسنة والألوان، وكل ذلك من آيات الله تعالى في هذا الكون وعظيم قدرته في هذه الحياة. فلا ينبغي للمسلم أن يكون ناقمًا على جنسية معينة وتعميمها بوصف - سواء كان صوابًا أو خطأً - قد اتصف به بعض أفرادها، فهذا ليس من الحكمة ولا من الإنصاف أو العدل.
والتعصب لمبدأ الجنس أو القوم أمر ممقوت طبعًا ومرفوض شرعًا، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ... إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهينّ أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكوننّ أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن. رواه أحمد وأبو داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: ... دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: فإنها خبيثة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] .
وعليه فإن مفهوم القومية أو الوطنية أو الجهة، مفهوم جاهلي خاطئ يرفضه الإسلام، فلا قومية ولا جنسية أرفع من التقوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1424(9/3409)
أنفع دواء لعلاج العشق
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى د. عبد الله الفقيه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سبق وأن أرسل لك سؤال عن فتاة أحبت رجلاً عن طريق الإنترنت (عبر الماسنجر) وأنا هو: قرأت ردك على سؤال الفتاة والحمد لله أني حصلت على فتاة أبصرتني لما أنا فيه وأنا كنت أريد أن أسألها نفس السؤال وعندما سألتها ردت علي بأن ردي على سؤالك سيكون في الرسالة التي سأرسلها لك وكانت فتواك.
الحمد لله على كل حال تبين لي أن الفتاة محترمة وصاحبة دين المشكلة أني أواجه الآن صعوبة نسيانها وخاصة بعد أن عرفت الآن مدى تعلقها بربنا سبحانه وتعالى ماذا أفعل؟
وإذا سمحت أن تبعثي ايميلك لكي أكون في صلة معك في حالة احتياجي لك..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً أن تتوب إلى الله تعالى، وتكثر الاستغفار من إقامتك لهذه العلاقة المحرمة بينك وبين هذه الفتاة.
ومادام أن أهل الفتاة رفضوك، فليس أمامك إلا أن تبتعد عنها وتبحث عن فتاة أخرى ذات خلق ودين، فإن الزواج كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أغض للبصر وأحصن للفرج.
أما علاج داء عشقها، فهو بأن تملأ قلبك بخواطر الإيمان بحبه سبحانه وتعالى وتوحيده، والتفكر في آياته، والخوف من غضبه وعذابه، ودعائه سبحانه وتعالى بأن يصرف عنك حبها.
ويبين ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" بقوله: ودواء هذا الداء القتَّال أن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد، إنما هو من جهله، وغفلة قلبه عن الله تعالى، فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه، وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] .
وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور، فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ كما قال:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
وفقك الله وهداك، وأصلح بالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(9/3410)
محاذير السخرية والاستهزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأعزاء أريد منكم أن تقولوا لي ما هي الحالة التي أعيش فيها والحمد لله على كل شيء.
أنا يا إخواني أريد أن أحقق شخصيتي ولا أريد أن يستهزئ أحد بي ولكن عندما يمزح أو يضحك معي الناس أحس أنهم يحبون المسخرة وأنا أدرس في الجامعة ولا أحب الخلطة الكبيرة ولكن أفضل واحدا أو أثنين أمشي معهم ولا أحب أن يلقبني أحد أي لقب فأنا أكره الألقاب وأخاف من أخي الكبير الذي دوما يستهزئ ويسخر مني
فما هي هذه الحالة؟
أسألكم بالله الإجابة والرد علي في أقرب صورة وأن ترسلوا لي حل هذا الموضوع.
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] .
في هذه الآية الكريمة نهى الله عن أخلاق ذميمة ثلاثة:
1- نهى عن السخرية، وهي الاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم وتحقيرهم، وهذا يخالف الآداب الإسلامية. قال أحد السلف: لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا>
ولله در الشاعر حين قال:
احفظ لسانك لا تقل فتبتلى ... إن البلاء موكل بالمنطق
2- ونهى عن اللمز، وهو الغمز بالوجه - مثلاً - أو تحريك الشفاه بما لا يفهم. قال الإمام ابن كثير: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) : تساوي، (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [الآية29] في سورة النساء.
3- ونهى عن التنابز بالألقاب، وهو نهيٌ عام في كل لقب يكره المسلم أن ينادى به. قال الإمام ابن كثير في قوله جل وعلا: (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ) : أي بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه.
فلا يجوز لمسلم أن يستهزئ بك بأي وجه كان، وحسب من يفعل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
ولا ريب أن أي إنسان عندما يواجه بسخرية فإنه يغضب، ولكن هنا نقطة يجب أن تتنبه إليها، وهي: أن بعض الناس قد يقصد المزاح المشروع دون أن يقصد أن يسخر منك، ودون أن يعلم أن هذا المزاح يغضبك، فينبغي أن تتفهم هذا، ولا تغضب من مزاح مقبول تتوافر فيه الضوابط الشرعية التي أوضحناها في الفتوى رقم: 10123.
والغضب من هذا المزاح قد يقطع جسورًا من التواصل بينك وبين إخوانك، ولذا فننصحك بترك الحساسية من هذا النوع من المزاح.
أما بالنسبة لمعاملة أخيك لك فننصحك بأن تصارحه بشعورك في لطف وترفق، وأطلعه على هذه الفتوى.
ويمكنك أن توسط أحد الصالحين الذين يحترمهم أخوك، ليبين له أنه لا تجوز له السخرية منك، وأن هذا يدخل في معصية الله.
وختامًا نوصيك بالتالي:
1- أن تحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان. فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية. رواه أحمد.
2- أن تحافظ على الفرائض وتكثر من النوافل، وفي الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه. رواه البخاري.
3- أن تكثر من ذكر الله، فذكر الله حصن حصين، يشرح النفس ويطمئن القلب، ويصلنا بالله، ويطرح الشيطان. قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] .
4- أن تديم قراءة القرآن، فإنه حبل الله المتين، والصراط المستقيم، والنور الهادي، والحياة الدافقة، من أخذ به عصم، ومن عمل به سعد، وهو يقوّم القلوب، ويصلح النفوس. قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] .
5- أن تكثر من الدعاء، فقد قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] ، وأن تلحَّ على الله أن يثبتك ويحفظك من شياطين الجن والإنس، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
6- الصحبة الطيبة، وحضور مجالس العلم، والسعي إلى لقاء الإخوة في الله، وسماع الندوات الخيرة. قال صلى الله عليه وسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في مَنْ عنده. رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 29853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(9/3411)
لعن المؤمن كقتله
[السُّؤَالُ]
ـ[- زوجي دائما في فمه كلمة اللعن (أي الله يلعنك) حين يغضب من أي شيء بسيط وأقول له لا تقول اللعن لأنه حرام عليك لعن المسلم أو المسلمة فيقول لا فماذا أفعل؟
حفظكم الله وجزكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاللعن خلق ذميم ينافي أخلاق أهل الإيمان؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. رواه البخاري ومسلم.
وقال: لعن المؤمن كقتله. رواه البخاري ومسلم.
وقال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد، والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
وراجعي في حكم لعن الرجل امرأته الفتوى رقم: 6561.
وراجعي في خطورة التعود على اللعن الفتوى رقم: 6923.
وأما علاج ذلك فبالدعاء له، وبيان الحكم الشرعي له، وتذكيره بأهمية التعود على الصبر والصفح، وتبيين مخاطر اللعن له.
ومن أعظم المخاطر في لعن الإنسان ولده ونفسه أنه قد يستجاب دعاؤه فتقع عليه اللعنة؛ ففي الحديث أن رجلاً لعن جملاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم. رواه مسلم.
وفي الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي، وصححه الألباني.
هذا ونوصيك أنت بالصبر عليه والحلم ومقابلة إساءته بالإحسان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3412)
اعمل الخير ولا تبال بكلام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا، أحب عمل الخير لكل الناس عندما أعمل خيرا يفهمون خطأ، فأضطر أن أسكت وألا أتكلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً لحرصك على الخير للناس فهذا يدل على صلاح القلب وحسن النية.
ونقول لك اعمل الخير ولا تبال بكلام الناس، فإن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وليكن همك الأول والأخير هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(9/3413)
علاج داء الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم يا مَنْ آمنوا بالله عز وجل
أنا أم ولي طفلان أحس بالإيمان في قلبي ولكنني دائما مشغولة ولكنني والحمد لله أصلي الوقت بوقته كنت قبل زواجي أحب القراءة الدينية كثيراً أما الآن لا أعرف ما حدث لي وهذا ليس ذنب زوجي والعياذ بالله فإنه رجل تقي يقرأ القرآن يومياً أعانه الله ولكني لا أعرف ما الذي أنا فيه ونادمة على ذلك أشد الندم فهل هذا لهو الحياة؟
أفيدوني أفادكم الله وأفيدوني كيف أربي أولادي من غير عصبية فأنا شديدة العصبية.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن خدمة الزوج وطاعته، وتربية الأبناء ورعايتهم عمل صالح، وواجب عظيم، وليس هو من لهو الحياة، بل إن احتسبت المرأة وقتها وجهدها كان لها من وراء ذلك ثواب كبير. وليس معنى ذلك أن تنشغل برعاية بيتها عن طلب العلم، لا سيما ما يجب عليها تعلمه من أمور دينها، بل تجعل لذلك وقتًا ولو قليلاً، بحيث لا تترك التفقه في دينها، ولا تترك أعمالها وأولادها.
ويمكنها أن تستعين على ذلك - مثلاً - بوضع جهاز تسجيل خاص للمطبخ تستمع من خلاله إلى إذاعة القرآن الكريم، أو بعض الأشرطة المفيدة كالمحاضرات والدروس والخطب أثناء انشغالها في المطبخ.
وعليها في كل ذلك بطلب الاستعانة والتوفيق من الله عز وجل، فإذا أعان الله العبد على أولاده وعمله، وسدده ووفقه أفلح وأنجح، وإن خُذل ووكل إلى نفسه كان العذاب والشقاء، كما قيل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ... فأوّل ما يجني عليه اجتهاده
واستعيني بما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها، عندما جاءته فسألته خادمًا تستعين به على أعمال البيت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبرين الله أربعًا وثلاثين. رواه البخاري.
أما بالنسبة لعصبيتك وانفعالك على أولادك، فعليك في ذلك بمجاهدة نفسك، فإنما الحلم بالتحلم. قيل للأحنف بن قيس: ما الحلم؟ قال: أن تصبر على ما تكره قليلاً.
كما عليك بالاستعاذة عند الانفعال والغضب، فعن سلمان بن صرد قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فاحمر وجه أحدهما، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه البخاري.
فهوني على نفسك، وارحمي فلذة كبدك إذا أخطأ خطأً يسيرًا: سكب العصير، علا صوته، لعب في بيته، وقعت اللقمة من فمه، نقص درجة في اختبار، تشاجر مع أخته أو أخيه. كلها أمور يمكن علاجها بهدوء بدون صراخ أو تهديد. وتذكري دائمًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. رواه ابن حبان.
هداك الله، وأعانك، وأصلح بالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3414)
طرق نصح الفتاة المنحرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على إحدى الفتيات في مكان عملي وبعد فترة وجيزة اكتشفت أنها فاحشة فابتعدت عنها ولم أفش سرها. الآن هي تعمل في مكتب آخر صاحب هذا المكتب ماجن مشهور والمكان نفسه له ملف لدى سلطات الآداب وعلمت وبما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الفتاة من أبرز عناصر هذا الملف وأنها مازالت تمارس المجون رغم أنها قد تزوجت والأمر أنها تتوقع طفلا. أنا الآن حائرة هل أصمت وأنا أرى صديقات لي على خلق ودين يصاحبنها دون أن يدرين من تكون أم أخبرهن وأفضح سرها عسى أن يهدينها ويرشدنها بأنفسهن- فليس لي عليها تأثير حتى أنصحها وأهديها- علما بأن هؤلاء الصديقات لهن صلة رحم بزوجها فإن بحن بالسر كنت سببا في طلاقها وأنا لا أريد ذلك خصوصا وأن هناك طفل قادم. أفكر في الذهاب إلى ذويها- أمها وأبيها - فهم أحرص على سترها من صديقاتها. وأحيانا أرى الصمت أفضل. أفتوني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك قد أحسنت عندما ابتعدت عن صحبة هذه الفتاة المنحرفة؛ لأن القرين له تأثير على من يصحبه؛ فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسكِ إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحة طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحًا خبيثة. متفق عليه.
ومن النصيحة أن تنصحيها هي أولاً ولا تفشي سرها لأحد، فإذا لم يفد ذلك فأخبري والديها بما هي عليه من أخلاق فاسدة، إذا كنت تتوقعين فائدة من ذلك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وإذا لم يفد والداها، فبلغي سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فعن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
فإن فعلت ذلك برئت ذمتك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(9/3415)
مصاحبة الفاجر من اتباع خطوات الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زوجي يعرف زميلا له في العمل هذا الزميل يرتكب المعاصي الكبيرة مثل الزنا والخيانة أي يخون رجلا في زوجته كل ما يقلقني هو أنه يتكلم مع زوجي كثيراً جداً في هذه الأمور بافتخار بما يعمله في مغامراته وزوجي على قدر الاستطاعة ينصحه ولكنه يسمعه وهذا ما يقلقني أشعر أنه مدخل عظيم للشيطان قلت له لا تسمع له ولكنه يقول أنا أريد أن أنصحه ولكني لا أرى أي نصيحة أنا أرى فقط استماعاً وإنصاتاً مما يقلقني وقلت له ذات يوم هذا الرجل إنما يتكلم بلسان الشيطان ليجرك أنت لكنه غير مقتنع بما أقول أود أن أمنعه أو أجعله يتوقف من الكلام مع هذا الرجل ماذا أفعل؟ ولو كتبتم له كلمة سوف أريه إياها.
جزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيرًا لحرصك على زوجك وهدايته وغيرتك عليه، وما ذكرته من أن هذا الرجل إنما يستدرج زوجك للحرام، وأن الشيطان ينطق على لسانه كلام صحيح، فعلى زوجك أن يترك الاستماع إليه، لأن الشيطان يزين ذلك للنفس، وليقتصر في حديثه معه على النصح والنهي عن المنكر، وليعلم أن الصاحب ساحب، وأن الشيطان له خطوات إلى الحرام. قال تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأنعام:142] .
وعلى زوجك أن يذكّر هذا الرجل بالله واليوم الآخر، والجنة والنار، والحساب والعقاب، وأن المجاهر على خطر عظيم، ويذكر له قوله صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين رواه البخاري ومسلم.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(9/3416)
كيف نمنع العلاقات الآثمة بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أريد أن أسألكم عن أمر يحيرني وأتمنى أن أجد عندكم الإجابة.
باختصار لقد اكتشفت بالصدفة أن أختي على علاقة مع شخص وقد كانت صدمة كبيرة لي وقد فكرت أن أقول لأمي أو لأبي عن هذا الأمر لكنني تراجعت عن ذلك وذلك حتى لا يحدث أمر أندم عليه فيما بعد خصوصا أن والدي مريض لكنني بنفس الوقت أحس بأنني يجب أن أفعل شيئا ولذلك أود منكم أن تدلوني وتفيدوني بنصيحكتم.
جزاكم الله كل خير.
ما الذي يجب علي أن أفعله في حالتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذكِّر أختك بالله، وخوّفها الفضيحة في الدنيا والآخرة؛ وأخبرها بأن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تجوز إلا في ظل زواج شرعي، وأن الشيطان لا يفتأ يستدرج الإنسان من ذنب إلى ما هو أعظم منه حتى يهلكه، ولهذا حذرنا الله من اتباع خطواته فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21] .
وكم من فتاة فقدت عرضها بسبب اتباعها لخطوات الشيطان التي من مبادئها هذه العلاقات المحرمة مع الشباب، فإن تابت وأنابت فالحمد لله، وإلا فأخبر أباك بالأمر لكي ينصحها، إلا أن تخشى أن يزيد مرضه أو تخشى موته، فيكفي في هذه الحالة أن تخبر والدتك بالأمر، وأن تتعاون معها في منع أختك من هذه العلاقة، ولو بحرمانها من الخروج واستعمال التليفون، وتمكنك الاستعانة في نصيحتها بإسماعها بعض الأشرطة النافعة، كشريط "عندما ينتحر العفاف"، ونحو ذلك من الأشرطة النافعة، وأطلعها على هذه الفتوى، والفتوى رقم: 17214، والفتوى رقم: 12744، والفتوى رقم: 9360.
وإذا كان هذا الشخص الذي على علاقة معها يمكن منعه من هذه العلاقة بوعظ أو تهديد، أو رفع أمره إلى من يستطيع منعه، وجب ذلك.
ونسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يهدي أختك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(9/3417)
البخل.. تعريفه.. وأدلة ذمه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو البخيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف في حد البخل، فقيل هو: منع ما لا ينفع منعه ولا يضر بذله. وقيل: منع الواجب. وقيل: طلب اليسير ومنع الحقير. وقيل هو: أن يرى الرجل ما ينفقه تلفًا وما يمسكه شرفًا. وقيل: إمساك المال حيث يجب بذله بحكم الشرع كالزكاة، أو بحكم المروءة كالهدية ونحوها للأقارب والجيران والأصدقاء، وترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات.
وقيل غير ذلك. ولعل البخل يتناول كل ما ذكر، والأخير أشمل من غيره.
والبخل مذموم في كتاب الله تعالى. قال الله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180] .
وروى البخاري في الأدب المفرد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأي داء أدوى من البخل.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق أنه قال لجابر بن عبد الله: وأي داء أدوأ من البخل. قالها ثلاثًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(9/3418)
العدل.. مفهومه.. شموليته.. وثمراته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. ما هو مفهوم العدل في الإسلام؟ وهل يجب العدل المادي والمعنوي دائما؟ حتى عند اختلال الأمور، بحيث أحيانا يكون العدل في أمر ما ظلما لبعض الناس"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العدل منحصر في وضع الشيء حيث أمر الله تعالى أن يوضع، لأنه تعالى العليم بما يصلح هذا الكون أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .
والعدل مقصد إسلامي في كل نواحي الحياة، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1- العدل في الحكم بين الناس: قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] . وقال تعالى مخاطبًا نبيه داود عليه الصلاة والسلام: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26] .
2- في المعاملة مع الأعداء: قال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] .
3- في المعاملة مع النفس في شأن عدم الإضرار بها: فقد ذكر البخاري في الصحيح أن سلمان رضي الله عنه زار أبا الدرداء رضي الله عنه فوجده قد أنهك نفسه بسبب العبادة، فقال له: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى أبو الدرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال: صدق سلمان.
4- في المعاملة مع الزوجات في شأن الإنفاق والقسم في المبيت، وثبت الوعيد الشديد في الإخلال بذلك. كما قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقَّه مائل. رواه أبو داود وغيره.
5- في المعاملة مع الأولاد: بعدم تفضيل بعضهم على بعض في العطية وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري وغيره.
وللعدل فوائد جليلة وثمرات وفيرة، منها:
· محبة الله تعالى؛ كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42] .
· دخول صاحبه في ظل الله تعالى في الآخرة، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام العادل ضمن السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذلك في الحديث المتفق عليه.
· علو المنزلة عند الله تعالى يوم القيامة، فقد روى مسلم في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمنِ عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
وتكثر ثمرات العدل عندما يقل العمل به ويعم الظلم؛ لأن الطاعة يعظم ثوابها كلما عظمت المشقة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: إن من ورائكم أيَّام الصبر، المتمسك فيهنَّ يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. ثلاث مرات أو أربعًا. رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
ويمكن الرجوع في هذا الموضوع لتمام الفائدة إلى الفتويين التاليتين: 24086، 29786.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(9/3419)
من وسائل إشغال الزوج عن رؤية الأفلام الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يحب الأفلام الإباحية وأنا أجلس معه لكي أنصحه وأخاف أن يزني إذا لم أجلس معه أو أن يرى هذه من وراء ظهري هل عليّ إثم؟ أين أجد المساعدة بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام شرع الزواج لحكم عظيمة، ومن أهمها تحصين الزوجين وإعفافهما وإبعادهما عن الوقوع في الحرام؛ ففي حديث الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم من رأى امرأة فوقعت في نفسه أن يرجع إلى زوجته ليعف نفسه بها، فقال: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه. رواه مسلم.
وبناء على هذا، فإنه قد سبق بيان تحريم مشاهدة الأفلام الإباحية في الفتوى رقم: 3605.
وهذه الحرمة شاملة لكما معا.
وننصحك بأن تبيني حكم مشاهدة الأفلام الإباحية لزوجك وتنصحيه، ويجب أن لا تشاركيه في المشاهدة. وعليك أن تحاولي تسليته عنها بمؤانسته وإمتاعه بأنواع الطرف والمداعبة، لعله يتسلى بك عن المواقع الخبيثة عملاً بالحديث السابق.
وحاولي أن تبرمجي معه برنامجًا علميًّا بحيث تحفظان من القرآن والأحاديث ما تيسر، واجعلا في هذا البرنامج وقتًا لمدارسة قصص السلف الصالح.
وأكثري الدعاء له بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للشاب الذي استأذنه في الزنا: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وراجعي الفتوى رقم: 8635.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(9/3420)
الاتهام بدون بينة بهتان وإثم مبين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد نقاش حاد مع أهلي بخصوص زوجتي وأنه لا بد من تطليقها لأنها عملت لي عمل سحر, قمت بالتشاجر مع زوجتي، وقد كنت غضبان ومنفعلا، وقد رميت عليها يمين الطلاق " طالق, طالق طالق بالثلاث". لم أتتحقق من أمر السحر, وكنت تحت تأثير الغضب الذي أفقدني صوابي وتلفظت الطلاق. لدي ابنتان وزوجتي تصر على أنها بريئة من أي شيء نسب لها، وأنها تريد العودة إلى عصمتي. لم يمر أكثر من أسبوع على هذا الأمر، وهذه أول مرة أتلفظ فيها بالطلاق, أفيدونا جزاكم الله خيرا، ما مشروعية هذا الطلاق؟ وإمكانية إرجاع زوجتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلاق الثلاث سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 5584 والفتوى رقم: 3754.
أما اتهام أهلك لزوجتك بعمل السحر من غير بينة، فكان الواجب عليك ألا تخوض معهم فيه، بل تنصحهم بالكفِّ عنه، وتسعى في التأليف بينهم. فإن من البهتان والإثم المبين الذي تجب التوبة منه أن ينسب المرء لمؤمنٍ أو مؤمنة ما هو بريء منه، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] .
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1424(9/3421)
إنظار المعسر واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذالموقع، وبعد:
فماذا على من استلف مبلغا لمدة معينة ولم يجده في تلك المدة؟ ثم هل يصح البيع إذا لم يشهد عليه وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أعسر وقت حلول الدين وجب على صاحب الدين أن ينظره إلى حين ميسرة؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] .
ولما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه"، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك.
أما الإشهاد فالبيع يصح بدونه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
14532.
والله أعلم.82303
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1424(9/3422)
المداراة مع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فهل صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنا نبش في وجوه قوم قلوبنا تلعنهم) ومن الذي روى الحديث؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الأثر لا يصح حديثاً، وفي سنده إلى أبي الدرداء ضعف، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه (باب المداراة مع الناس، ويُذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم) ، ومعنى نكشر: نبتسم.
وأورده مسنداً إلى أبي الدرداء الإمام البيهقي في شعب الإيمان، ولفظه: إنا لنكشر في وجوه أقوام، ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتلعنهم.
وأورد الإمام البخاري تحت التبويب السابق عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول؟! فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو وَدَعَه الناس اتقاء فحشه والحديث رواه مسلم أيضاً.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وأشار المصنف بالترجمة (أي التبويب) إلى ما ورد فيه -أي الأحاديث- على غير شرطه، واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه، فما ورد فيه صريحا حديث لجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مداراة الناس صدقة أخرجه بن عدي والطبراني في الأوسط، وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه، وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف.
قوله ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر الساكنة وكسر المعجمة، قوله: في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم، كذا للأكثر بالعين المهملة واللام الساكنة والنون، وللكشميهني بالقاف الساكنة قبل اللام المكسورة ثم تحتانية ساكنة من القِلا بكسر القاف مقصور وهو البغض، وبهذه الرواية جزم ابن التين ومثله في تفسير المزمل من الكشاف، وهذا الأثر وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء، فذكر مثله وزاد: ونضحك إليهم، وذكره بلفظ اللعن ولم يذكره الدينوري في إسناده جبير بن نفير.
والكشر بالشين المعجمة وفتح أوله ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم الكشرة كالعشرة.
قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو في، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه. انتهى كلام الحافظ.
وقال الإمام الغزالي في الإحياء: ولكن هذا ورد في الإقبال وفي الكشر والتبسم، فأما الثناء -أي على الفاسق- فهو كذب صراح، ولا يجوز إلا لضرورة أو إكراه يباح الكذب بمثله، كما ذكرناه في آفة الكذب، بل لا يجوز الثناء ولا التصديق ولا تحريك الرأس في معرض التقرير، على كل كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو منافق، بل ينبغي أن ينكر، فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1424(9/3423)
اقترفتما شهادة الزور والكذب وإثم التعاون عليهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في الجامعة وفي أحد السنين كالعادة جاء موسم الامتحانات وكان هناك امتحان لا أريد أن أمتحنه بسبب عدم استعدادي له جيداً وفي نظام الجامعة يمكن للشخص أن يؤجل الامتحان بشرط أن يحضر تقريراً من الطبيب يفيد بحالة المرض فذهبت إلى الطبيب وطلبت منه أن يكتب لي تقريرا يفيد أني مريض لكي أؤجل الامتحان فكتب الطبيب لي التقرير والحقيقة أني معافى ولا يبدو علي أثر المرض ويرى الطبيب هذه الحالة في أيضا وبعد ذلك سلمت التقرير إلى مشرف الامتحانات فاعتمده فامتحنت الامتحان التعويضي فنلت فيه درجات عالية هل الدرجات التي نلتها في هذا الامتحان حلال في حقي؟ أرجو الإجابة على السؤال المتعلق بالدرجات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا التقرير الطبي الذي يثبت أنك في حالة مرضية لا تستطيع معها الامتحان وأنت لست كذلك، عبارة عن شهادة زور، وهي من أكبر الكبائر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور. متفق عليه.
ولذا فتجب عليك وعلى الطبيب الذي كتب هذا التقرير التوبة إلى الله وكثرة الاستغفار، فقد جمعتما بين إثم القول والشهادة بالزور والكذب، وإثم التعاون على ذلك. وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] .
فمن تاب تاب الله عليه، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 28748.
وأما بالنسبة لما حصلت عليه من الدرجات في الامتحان التعويضي، فهي حلال إن كنت حصلت عليها بمجهودك دون غش في الإجابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/3424)
حكم الأكل من مال الزكاة الذي أعطي لليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من رجل يكفل أبناء أخيه المتوفى منذ 20 عاما ونحن كعائلة واحدة نأكل في بيتهم ويأكلون في بيتنا ولكن ما حكم الزكاة التي تأتيهم هل يجوز لنا الأكل منها؟ حيث أننا لا نريد أن نشعرهم أنهم أيتام ولا نريد الأكل من الزكاة التي تأتيهم ولكننا في نفس الوقت نخاف من أن الأكل من زكاتهم حرام فما حكم الدين في ذلك؟
الرجاء الرد في اسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المال الذي وصل إلى اليتامى عن طريق الزكاة أو الصدقة أو الهبة يُعدُّ ملكًا لهم، وتجري عليه أحكام مالهم الأصلي، لا يجوز أكله بغير حق شرعي، ولا التصرف فيه إلا للمصلحة.
ومع أن الإسلام شدد في مال اليتيم وحذر من أكله أو إتلافه ظلمًا، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10] .
فإنه أباح مخالطتهم والتعامل معهم للمصلحة، ولا سيما إذا كان ذلك يطمئن قلوبهم ويشرح صدورهم وتأنس به نفوسهم، فإنه مطلوب شرعًا لما فيه من إدخال السرور على اليتيم، ورفع الحرج عن مخالطيهم.
قال الله تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220] .
وعلى هذا، فلا مانع من الأكل في بيت أقاربكم اليتامى، ولو كان ذلك من مالهم الذي وصل إليهم عن طريق الزكاة، ولو كنتم أغنياء، فقد أهدت بريرة للنبي صلى الله عليه وسلم لحمًا، فقيل له: هذا تصدق به على بريرة. فقال: هو لها صدقة ولنا هدية. رواه البخاري ومسلم.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 10970.
هذا ولا يفوتنا أن ننبه السائلة إلى أن اليتيم هو الصغير الذي مات أبوه. أما من بلغ سن الرشد التي هي خمسة عشر عامًا، أو ثمانية عشر عامًا على الأكثر فإنه لا يسمى يتيمًا، ولا تنطبق عليه أحكام اليتيم، وعليه فمن مات أبوه قبل عشرين عامًا لا يسمى يتيمًا بحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/3425)
ليس من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم إذا تحدثت مع أختي أو أي أحد بقصد الخير مثلاً: فاطمة علمتني طريقة أكلة أو بنت الجيران حصة أعلمتني عن المحل الفلاني أو تكلمت عن موقف مضحك حدث بيني وبين بنت خالي أو قلت المديرة فلانة طلبت منا أن نفعل كذا، هل يعتبر ذلك غيبة؟ مع أنني لأحش في أحد منهم وإنما بقصد الخير؟؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً حتى أفيد غيري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس ما ذكرت من الغيبة؛ لأن الغيبة هي ذكر المسلم لأخيه المسلم بشيء يكرهه في حال غيابه. وانظري الفتوى رقم:
29956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(9/3426)
حكم الواسطة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هو حكم الواسطة أو التوصية بالمدارس مثلا؟ كأن يقول فلان (زميلهم) للمدرسين أن الطالب الفلاني ابن عمي أو حتى يوصيه عليه هل فيه ظلم لبقية الطلبة بحكم أن المدرس سيهتم بالطالب الذي يعرفه وربما يراعيه عند وضع الدرجات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان سيترتب على ذلك الاهتمام به على حساب الطلاب الآخرين، أو يترتب على ذلك محاباته بإعطائه درجات لا يستحقها، فلا تجوز هذه الواسطة.
أما إذا كانت هذه الواسطة سببًا لإيصال حق الطالب إليه، فلا بأس بها، بل قد تكون واجبة إذا تعينت طريقًا إلى إيصال الحق إلى مستحقه، كأن يكون المدرس ظالمًا للطالب لا يعطي الحق إلا لمن له به أو بقريبه معرفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(9/3427)
متى تجوز الغيبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عراقية وأعيش في العراق وكنا ولازلنا نغتاب الرئيس السابق للعراق ألا يندرج حديثنا في الغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المغتاب على أقسام:
الأول: أن يكون كافراً، فهذا لا حرمة له.
والثاني: الفاسق المجاهر، فتجوز غيبته فيما جاهر به.
والثالث: من عدا ذلك، فلا تجوز غيبتهم إلا إذا كانت في ذلك مصلحة، وقد تقدمت أجوبة فيها ذكر الحالات التي تجوز فيها الغيبة، فراجع مثلاً الفتاوى التالية: 17373، 31883، 17592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(9/3428)
لا يترتب الإثم بمجرد المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب أصيب بالإيدز فهل له من توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجرد الإصابة بالمرض ليست إثمًا يلزم الإنسان التوبة منه، لكن إذا كان المقصود بالسؤال وقوع هذا الشاب في الفاحشة التي سببت له الإصابة بالمرض، فهو حينئذ قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب تجب عليه التوبة منها.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 23595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(9/3429)
المراد بالكذب في حق المرأة والزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من بعض الناس أن كذب الزوج على زوجته في بعض الأشياء والحالات حلال يرجى التصحيح والتوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا. وزاد مسلم في روايته: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبٌ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ، وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا. هذا من حيث الرواية. وأما من حيث الفقه فقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح اتفاق العلماء على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو في ما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها، أو أخذ حقّ ما ليس له أو لها. وقد اختلف العلماء في المراد بالكذب في هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى أن المراد حقيقة الكذب لكن بقصد الإصلاح، قالوا: لأن الكذب المذموم إنما هو ما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة. وقال آخرون: إن المراد بالكذب هنا التورية والتعريض بأن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه. ومثلوا لهذا في حق الرجل مع زوجته أن يعدها بأن يحسن إليها ويكسوها وينوي إن قدر الله ذلك. وقد نقل هذا الخلاف الحافظ في الفتح والنووي في شرحه على مسلم، ثم قال النووي بعده: وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين، والله أعلم. اهـ فتبين بهذا المقصود بالكذب، وأنه ما تتحقق به المصلحة الشرعية من حسن العشرة، ووجوب الود والمحبة، لا ما يتبادر إلى الأذهان من الإطلاق. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(9/3430)
آفات الدعوة إلى العصبية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إمام مسجد يدعو إلى العصبية القبلية ويحث الناس عليها، ويقول ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولبني فلان، ويقول: الذي لا يؤيد قبيلته في الانتخابات يأتي يوم القيامة وقد كتب على جبينه خائن. هل يكفر؟ ما حكم الصلاة خلفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدعوة إلى العصبية القبلية من أمور الجاهلية التي يجب الابتعاد عنها؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولَهُ وَالْذِينَ آمَنُوا الْذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَولَّ الله حِزْبُ اللهُ هُمْ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56] ، ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّها النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنَدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]
ولمزيد من الفائدة عن هذا تراجع الفتوى رقم:
28152، والفتوى رقم: 27966.
وبهذا يتبين أن ما قام به هذا الإمام خطأ ويجب عليه التوبة منه، لاسيما وقد افترى حكماً، وهو أن من لم يتعصب في الانتخابات القبلية يأتي يوم القيامة وقد كتب على جبينه خائن، وهذه فرية تخالف الشرع، وكان على هذا الرجل أن يقول: انتخبوا الرجل الصالح الأمين الذي يقدر على إنكار المنكر ونفع الناس، ونحو ذلك.
أما الصلاة خلف الفاسق والمبتدع فقد سبق حكمهما في الفتوى رقم:
7332، والفتوى رقم: 11155.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(9/3431)
لطم الخدود عند المصيبة حكمه وكفارته
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في مشادة مع ابني وهو في الثانوية العامة وفي الامتحانات لم يكن يذاكر وهو بارد الأعصاب جدا لدرجة أني لطمت على وجهي ما حكم هذا وما كفارته؟
أنا أدعو كثيراً على ابنتي وابني عندما أكون في مشادة معهم ما حكم ذلك وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لطم الخدود عند المصيبة حرام، وهو من فعل أهل الجاهلية، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية.
وليس في لطم الخد كفارة، وإنما على المرأة أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فتندم على هذا الفعل، وتستغفر الله عز وجل، وتعزم على أن لا تعود.
وأما الدعاء على الأولاد فهو منهي عنه أيضا، فقد روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسْأل فيها عطاء فيستجاب لكم. حديث صحيح.
فقد يدعو الوالد أو الوالدة على ولده بشرٍ فيستجاب دعاؤه، فيكون الوالدان أول النادمين، ويتمنيان أنهما لم يدعوا عليه.
فننصح السائلة بعدم الدعاء على أولادها إلا بخير، وأن تتلطف في نصحهم لعهلم يستجيبون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/3432)
سب المسلم.. الجائز والحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا يندرج سباب الحاكم إذا كان مجرماً ضمن الحديث الشريف "سباب المسلم فسوق"؟ وهل ينتقص ذلك من حسنات المرء إن لم يقع عليه ظلم مباشر من هذا الحاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. وعليه.. فلا يجوز سب المسلم العدل حاكماً كان أو محكوماً، فمن فعل ذلك استحق التعزير. قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وإن سبوا الأئمة وغيرهم من أهل العدل عزروا، إلا إن عرَّضوا بالسب فلا يعزرون. اهـ.
أما من لم يكن من أهل العدل، بل عرف بالظلم أو الفسق فيجوز سبه. قال الإمام المحدث العراقي بعد ذكر قول أسيد بن الحضير لـ سعد بن عبادة: كذبت لعمر الله ... قال العراقي: وفيه جواز سب المتعصب في الباطل والمتكلم بنكر. اهـ.
وقال الإمام ابن الهمام الحنفي في فتح القدير: أما لو قال لفاسق يا فاسق أو للَّص يالص أو للفاجر يا فاجر لا شيء عليه. اهـ
وقال الإمام الصنعاني في سبل السلام: وأما الفاسق فقد اختلف العلماء في جواز سبه بما هو مرتكب له من المعاصي، فذهب الأكثر إلى جوازه. اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يعلن أباه؛ لأن أباه لم يظلمه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/3433)
مدح الأخ في غيابه لا حرج فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الغيبة بالذكر الحسن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان الغيبة المحرمة وتعريفها والترهيب منها في الفتوى رقم:
6710
وأما مدحك أخاك في غيابه بذكر ما هو فيه من الخصال المستحسنة فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(9/3434)
أنجع الوسائل لاكتساب القناعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكتسب الإنسان المسلم المؤمن بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر صفة القناعة وهي صفة أحاول بكل جهدي وأنا إنسانة والحمدالله مؤمنة بالله والقضاء والقدر أن أكتسبها، ولكن عقلي لا ينفك يعيشني في جو أحلام اليقظة التي سيطرت على تفكيري بطريقة أثرت على حياتي سلبيا وأبعث هذه الرسالة سيدي الشيخ لأنني لم أعد أستطيع أن أركز في صلاتي ولا في أشياء كثيرة في حياتي، ولا أعلم كيف السبيل لأكتسابها وأعلم أنني حاولت بكل جهدي والله العظيم أن أكتسبها، ولكن أحلام اليقظة التي أعيش فيها لا تجعلنى أعيش حياتي الفعلية فأفكر كثيراً بأنني أتمنى أن أكون شخصاً آخر أو أتمنى أن يحصل لي شيء مثل الآخرين وهذا له تأثير جداً سيء على نفسيتي ولذلك أريد الحل لمشكلتي هذه بأسرع حال حتى أعود أعبد ربي وأشكره وأنا مرتاحة البال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القناعة رتبة علية ومنزلة جليلة وهي مع الإيمان عنوان الفلاح وسبيل النجاة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
والقناعة هي الغنى الحقيقي وصاحبها أغنى الناس وإن كان حافي القدمين في الحديث: ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس. رواه البخاري.
قال ابن حجر: ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيراً ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشرهه وحرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني. انتهى.
والقناعة كلمة ظلمها كثير من الناس فظنوا أنها تعني الرضا بالدون وحياة الهون، وضعف الهمة عن معالي الأمور وإماتة الرغبة في الطموح، وهذه ليست القناعة المطلوبة شرعاً، إنما القناعة تهذيب للطمع ومنع للجشع وهي كذلك رضا الإنسان بما وهبه الله وقسم له مما لا يستطيع تغييره، فلا يظل يعيش في الأماني فإن الأماني رأس مال المفالسين.
وهذه القناعة يمكن اكتسابها بأمور منها:
1- الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم لأمره واليقين بأنه المعطي المانع، وأن تدبيره للإنسان أفضل من تدبير الإنسان لنفسه.
2- التدرب على اكتساب هذا الخلُق ولو بتكلفه وتصنعه في البداية حتى يصير سجية وصفة أصلية في الشخص، وفي الحديث: من يستعفف يعفه الله. رواه البخاري.
3- أن يعلم أن القناعة مصدرعظيم للقوة، والإنسان يحب أن يكون قوياً، ولا يكون قوياً إلا إذا كان قنوعاً، ولا يذل الإنسان مثل الطمع.
ورحم الله الشافعي القائل:
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً ... وإذا مت لست أعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي ... نفس حر ترى المذلة كفراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري ... فلماذا أخاف زيداً وعمراً.
4- أن يعلم أن ما كان عاجزاً عنه شرعاً وقدراً فطلبه وتمنيه مما نهى الله تعالى عنه بقوله: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(9/3435)
الأخوة القائمة على التقوى خير ما يحوزه المرء
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقتان كانتا متعاونتين على الشر دائما، وبعد مدة تابتا ولكن عادتا إلى المعاصي وتابتا مرة أخرى ولكن عادتا إليها من جديد، ومنذ فترة قصيرة سمعت أنهما بسبب كثرة عودتهما إلى المعاصي، ولكن أرادت كل واحدة منهما وبصدق أن تصلح ما في الأخرى فأصبحتا تحفظان القرآن وتقرآنه فيما بينهما، وأصبحت مكالماتهما الهاتفية لا تخلو من اسم الله والخوف منه، هل صداقتهما جائزه أم لا؟ هل تستطيعان بعد مشيئة الله أن تستمرا أم يجب على كل واحدة منهما ترك الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الحق تبارك وتعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] .
ويقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عند البخاري ومسلم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ... وينطبق هذا الوصف والوعد بالثواب عليه على كل مسلمَيْن تحابا في الله، فما دامت هاتان الفتاتان قد تابتا توبة نصوحاً، وأصلحتا وصار حالهما ما ذكر في السؤال فصداقتهما صحيحة، وعسى أن تكون كفارة لهما عما سلف من المعاصي، فعليهما أن تتعاونا على البر والتقوى، وأن تبتعدا عن ارتكاب المحرمات، ولكن إن عاد اجتماعهما سبباً للتعاون على الآثام فالواجب أن تفترقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(9/3436)
قابل السيئة بالحسنة تحسن العلاقة ولو بعد حين
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع مسلمين من جنسيات أخرى وأنا أعمل في بلد غير بلدي، وهم يتعمدون مضايقتي ويتكتلون علي ويحاولون أخذ المعلومات الخاصة بالعمل مني حتي لا يصير لي دور، وبالتالي فصلي من العمل؟
أنا في حيرة أريد ألا أغضب الله وأتذكر أن المؤمنين إخوة، ولكن ما يفعلونه يجعلني أشعر بالكره تجاههم، وهذا ليس من الإسلام؟ أرجو الرد السريع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً لحرصك على حسن المعاملة والبعد عما لا يجوز من الأخلاق، فزادك الله حرصاً.
واعلم أن رد السيئة بالحسنة والعفو والصفح جدير بأن يحسن العلاقة بينكم ولو بعد حين، قال تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ، واعلم أنك إن فعلت ذلك فإن أجرك عند الله عظيم قال تعالى (فمن عفى وأصلح فأجره على الله ... ) .
وما تجده في قلبك تجاههم من الكره بسبب إساءتهم ليس عليك فيه شيء، وراجع الفتوى رقم 2732
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(9/3437)
شكر القلب واللسان والجوارح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
السؤال: كيف يكون الشكر لله سبحانه وتعالى مثلا أعد الله بأن أشكره إذا تحقق مرادي فكيف يكون الشكر لله عز وجل وكيف يكون التصدق لوجه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشكر لله سبحانه وتعالى يكون بالقلب واللسان والجوارح.
بالقلب: بأن تعتقد أن هذه النعمة التي حصلت لك إنما هي من فضل الله عليك، كما قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله. [النحل:53]
وباللسان: بالتحدث بنعم الله عليك من باب إضافتها إليه سبحانه وتعالى، وليس من باب التفاخر على العباد، كما قال تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث. [الضحى:11]
وبالجوارح: بتسخيرها في طاعة الله عز وجل، كما قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً (سبأ: من الآية13) .
كما يكون الشكر بصرف هذه النعمة وتسخيرها في مرضات الله، والابتعاد عما حرم الله سبحانه وتعالى.
وأما كيف يكون التصدق لوجه الله، فيكون بإخراج المال وإعطائه للفقراء والمساكين وغيرهم من أهل الحاجة، طلبا لثواب الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1424(9/3438)
ترغبه زوجا لدينه وأمها ترفض لمبررات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: أنا أخطأت ولكن أريد منكم التنوير، لقد أحببت شاباً يصلي في المسجد الصلوات الخمس
وباراً بوالديه (إن شاء الله) وكنت أنا شخصيا أوقظه لصلاة الفجر والحمد لله أنه لم يختلِ بي أو حتى طلب ذلك، ولقد بادلني الحب في الله واتفقنا على الزواج ولقد أوفى بوعده وخطبني ثلات مرات، ولكن والدتي ترفض، والأسباب هي أني صغيرة ولأنه يدرس بالخارج، أسألكم بالله ما الحل؟ وأنا أحببته في الله وهو كذلك، أريد الجواب في أسرع وقت؟ للعلم أنا عرفته بواسطة الإنترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك أن تقطعي كل علاقة بهذا الشاب حتى يأذن الله أن تجتمعا تحت لواء الشريعة زوجين طاهرين نقيين، وكل علاقة قبل ذلك هي استدراج من الشيطان، فحذارِ من اتباع خطواته والوقوع في شباكه.
ولك أن تسعي في إقناع أهلك بالزواج مع توسيط بعض أقاربك كعمك أو خالك، ولا يدفعنّك الحياء إلى السكوت الذي قد تعقبه -والعياذ بالله- فتن تسخط الله تعالى عليك، وحينئذ لا تنفعك الدنيا بجميع شهواتها، وقد سبقت لنا فتاوى حول هذا الموضوع، من ذلك الفتاوى بالأرقام التالية: 29340، 24451، 15025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1424(9/3439)
بين أفضلية الصمت أو النطق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله، حديث شريف، نريد تخريج الحديث: قال صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين، والصمت أفضل والصيام جنة، والصمت أفضل، والصدقة تطفىء غضب الرب، والصمت أفضل، والجهاد سنام الدين، والصمت أفضل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نجد لهذا الحديث أصلاً في كتب السنة المعتمدة، ثم إن الصمت ليس بأفضل عن السكوت مطلقاً فضلاً عن أن يكون أفضل من الصلاة أو الصيام أو الصدقة أو الجهاد، فإن الصمت عن قول الباطل لا شك في فضليته، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. وأما من حيث المقارنة بين الكلام بالخير والسكوت فقد قال السفاريني في كتابه غذاء الألباب: والمعتمد أن الكلام أفضل لأنه من باب التحلية، والسكوت من باب التخلية، ولأن المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادة، وذلك أن غاية ما يحصل للساكت السلامة، وهي حاصلة لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير.
ونقل عن الحافظ ابن رجب أنه قال: تذاكروا عند الأحنف بن قيس: أيهما أفضل الصمت أو النطق؟ فقال الأحنف: النطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه.
ونقل عن رجل أنه قال عند عمر بن عبد العزيز الصامت على علم كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالاً، وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه.
ومن أراد المزيد فليطالع هذا الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(9/3440)
استتري بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد معرفة الحكم الشرعي في الموضوع التالي: رجل متدين تزوج فتاة كانت تزني مع غيره دون علمه رغم أنه سألها وأجابت بالنفي وبعد الزواج منها زنت مع غيره دون علمه ولكنها تابت فهل يجب أن تخبره أم ماذا تفعل مع العلم بأنه قد زنى معها قبل الزواج منها، رغم أنه رجل متدين لكن الشيطان أغواه وتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذه الفتاة أن تتوب إلى الله تعالى قبل أن ينزل بها هادم اللذات ومفرق الجماعات، وتكون الفضيحة العظمى على رؤوس الأشهاد في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
ولا ينبغي لهذه المرأة أن تخبر زوجها بشيء بل عليها أن تستتر بستر الله، وقد جاءت امرأة وقالت إنها زنت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: استتري بستر الله. والحديث رواه أحمد وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1424(9/3441)
الوعد هل يعتبر نذرا
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ما كنت طالبا كنت أقول عندما أعمل سأقدم لفلان شيئا ولآخر شيئا، وهكذا، فبعض الأشخاص أذكر ما قلت أنني سأقدمه، والبعض الآخر لا أذكره، والآن عندما عملت أرى أنني ليس في استطاعتي تقديم ذلك، فماذا علي فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك: إذا عملت سأقدم لفلان كذا ولفلان كذا، يستحب الوفاء به، لأنه إحسان إلى الآخرين، فإن لم تستطع، فلا شيء عليك، لأن الصيغة ليست من صيغ النذر.
ولمزيد الفائدة، تراجع الفتوى رقم:
12729. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(9/3442)
تغيير الاسم وضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تغيير اسم (تامر) حيث إن اسمي لا يليق بسني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تغيير الاسم لا حرج فيه إن شاء الله إن كانت ثم مصلحة شرعية مترتبة على ذلك، أو دفعاً لضرر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تغيير أسماء أشخاص بعينهم، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
5444.
فعلى هذا يجوز لك تغيير اسمك دفعاً لهذا الضرر النفسي عنك، ولمعرفة أفضل الأسماء وما نُهِي عنه منها راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
9196، 10793، 8900.
ثم إن ههنا أمراً لا بد من التنبه له، وهو عمل كل ما من شأنه أن يفوت تضييع ما لك من حقوق على الناس أو ما عليك من حقوق للناس، بتوثيق هذا التغيير للاسم عند جهة معتبرة شرعاً، وإعلان ذلك في الوسائل التي يتحقق بها المقصود من أجهزة الإعلام أو غيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(9/3443)
ستر المؤمن على نفسه وغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا فعلت شيئا وأردت أن أتوب منه ولا أحد غيري يعلمه، هل من الممكن أن أتوب دون أن أقول ذلك لأحد، وهل أستر الشيء الذي حدث ويكون بيني وبين الله، وماذا أفعل إذا عرف أحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب عليك إذا اقترفت ذنبا أن تتوب منه وأن تستتر بستر الله عز وجل، ولا تفضح نفسك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه عن أبي هريرة.
وأخرج الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. وأخرجه مالك في الموطإ مرسلا عن زيد بن أسلم.
وإذا علم أحد الناس بذنبك، فلست مؤاخذا بعلمه إن لم يكن إعلامه حصل منك، وليس له أن يفشي ذلك عنك، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. [النور:19] .
وانظر الفتوى رقم:
1039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1424(9/3444)
رويدك يا من سيطر عليك حب فتاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب وقد تعرفت في الشهور الماضية على فتاة أحببتها حبا يفوق الوصف، ورجوت من الله تعالى أن تكون زوجة لي وهي كذلك، ولكني في هذه الفتره لا أقدر على التقدم لخطبتها، وفي نفس الوقت لا أقدر أن أتخلى عنها
مهما كان الأمر، ومنذ أن عرفتها وحتى الآن ونحن نتواصل عبر الهاتف وكل ما يدور من كلام بيننا يخلو
من الغلط أو المحظور، ولكننا بدأنا في هذه الأيام نشعر بتأنيب الضمير على ما نحن فيه، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نفترق فلا ندري ما العمل، أنا الآن في حيرة كبيرة جداً من أمري، أرجو من الله المساعدة ثم من إخواني؟ وجزاكم الله خيراً دلوني على الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما قولك إنك أحببت هذه الفتاة حباً يفوق الوصف وأنك لا تستطيع التخلي عنها.... إلخ، فهذا الكلام -الذي يدل على فراغ قلبك إلا من هوى هذه الفتاة- كلام خطير يجب أن تراجع نفسك وتقف معها وقفة لأجله، فليست الدنيا أيها الأخ الكريم حباً وهياماً، بل هناك من الواجبات والمسؤوليات التي كُلفنا بها ما يلهيك عن حبك هذا، تُرى ما هو الحيز الذي تشغله العبادة من قلبك ووقتك، كم من القرآن تقرأ في اليوم، وكم من النوافل تصلي في اليوم؟ هل تؤلمك مآسي المسلمين ومصائبهم أم أنك ترى أن مصيبتك أعظم المصائب، وأن ما عداها من المصائب حقير.
إننا على يقين أنك لو شغلت نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك وتفاعلت مع هموم وقضايا أمتك لما وجدت وقتاً تتفكر فيه في شأن هذه الفتاه؟ فضلاً عن الاتصال بها.
ثم لتعلم أن هذا الحب الذي تجده تجاه هذه الفتاة غالب الظن أنه حب زائف يتلاشى بعد أن يطلع كل منكما على حقيقة صاحبه، وقد أجريت دراسات عديدة ميدانية وثبت أن الزواج المبني على حب وتعارف سابق يبوء بالفشل وينتهي بالطلاق.
والخلاصة: إما أن تتزوج هذه الفتاة، وإما أن تقطع علاقتك واتصالك بها إلى أن تتزوجها، وعليك بالتوبة بما صدر منك قبل من التعرف عليها والاتصال بها، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9431، 4220، 5707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1424(9/3445)
ولوغ اللسان في الأعراض خطر ماحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشتغل ولكنني ملتزمة بالأمور الدينية وبالزي الشرعي ولكنني تعرضت في هذه الفترة إلى مضايقات من الزملاء (يقولون علي كلام يخدش الحياء) والسؤال هو: ما الحكم في من يتفوه بهذه الأكاذيب وخصوصاً ممن يدعون الإسلام ظاهرياً أي يقومون بإعفاء اللحية ويتكلمون أمام الناس في الأمور الدينية؟
وشكراً، أتمنى أن تقدموا النصيحة لهؤلاء الناس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتوى برقم:
3859 ذكرنا فيها حكم عمل المرأة والضوابط التي يجوز بها، وأن من اضطرت لعمل تختلط فيه مع الرجال يجب عليها أن تقتصر في مخاطبتهم على الحاجة، ولا تلين لهم الكلام وتخضع فيه، هذا بالنسبة للمرأة.
أما الرجل فيجب عليه هو الآخر غض بصره عن المرأة وصون لسانه عن كل ما حرم الله تعالى من الكلام البذيء والغيبة والسخرية والكذب، فعلى هؤلاء أن يتقوا الله تعالى وأن يتذكروا خطر اللسان وما يجر إلى من أطلقه غير مبالٍ من الويلات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق. رواه البخاري.
وفيه أيضاً من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ... إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المليئة بالتحذير من إطلاق اللسان، وبالوعيد الموجه للذين يطلقون لألسنتهم العنان في أعراض الناس وفي الكذب وغير ذلك، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بأعراض المسلمات العفيفات فإن الأمر فيهن أشد وأشد.
والكذب والسخرية من الناس وولوغ اللسان في أعراضهم أمر خطير من كل إنسان، وتتأكد الخطورة ويعظم الإثم إذا صدر ذلك ممن يظن به الالتزام ومعرفة الحكم الشرعي إذ المفترض أن يكون قدوة للناس ومحل اعتبار عندهم، فإذا كان يصدر منه ما يخالف حاله ويناقض ما يعلمه كان ذلك ذنباً على ذنب، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا للعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/3446)
تخيل محاسن امرأة بين الجواز والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون الرجل شهيته مفتوحة ويريد أن ينزل المنويات طبعا يريد أن يفكر بأحد لكي يهدأ، هل التفكير مثلا بأحد حرام أم ماذا، أنا متأسف لهذا الكلام ولكنني لا أستطيع التعبير بشيء آخر؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن التفكير في محاسن امرأة أجنبية من المحرمات التي يحرم على المسلم فعله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. رواه مسلم.
أما التفكير في الزوجة فلا حرج فيه لأنه أبيح أصلاً ملامستها والنظر إلى بدنها، ولا شك أن التفكير أخف من ذلك.
وعلى هذا.. فإن كان تفيكر السائل مقتصر على أعضاء زوجته ومحاسنها فلا حرج عليه في ذلك، وإن كان ذلك في أجنبية فلا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/3447)
المداراة مندوب إليها محمود صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال من حرم المُداراة حرم التوفيق، كيف السبيل إلى ذلك، جزاكم الله خيراً، لأني لا أستطيع الكذب وصدقي جرني إلى متاهات كبيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمداراة هي ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا، وقال الحافظ ابن حجر نقلاً عن ابن بطال: المداراة هي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم، في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. انتهى من الفتح.
وعلى هذا فالمدارة مندوب إليها محمود صاحبها، وقد فسر قول الله ت عالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة. أي الفحش والأذى بالسلام والمداراة، وبوب الب خاري باباً في صحيحه فقال: باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبي الدراداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم. انتهى.
ومما تقدم تعلم أن الكذب ليس له دخل في المداراة فالمداري لا يكذ ب في قوله، وإنما يلين القول ويترك الإغلاظ والشدة، وكذلك يجب التفريق بين المداراة والمداهنة، فالمداهنة محرمة وهي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنك ار عليه، بينما المداراة الإنكار عليه والنهي عن فعله بلطف القول والفعل ولا سيما إ ذا احتيج إلى تألفه، وقال القرطبي: المداراة بذل الدنيا لصلاح الدين والدنيا، والمداهنة بذل ال دين لإصلاح الدنيا. انتهى من كلام ابن بطال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1424(9/3448)
علاقة الحب بامرأة متزوجة من أقبح المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم علاقة حب مع امرأة متزوجة وكيف أتخلص من هذه العلاقة وما يتوجب علي بعد التخلص منها مع العلم بأن هذه المرأة متواجدة معي فى بيت واحد وما العلاقة التي يسمح بها الإسلام مع النساء التي تربطني بهن صلات قرابة، وأرجو الرد بسرعة لأني في حيرة من أمري؟ وجزكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علاقة الحب بامرأة متزوجة من أقبح المحرمات، فعن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن أحدكم برأسه بمخيط من حديد أهون عليه من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني وصححه الألباني.
فكيف بما هو أشد من لمس اليد؟ ثم كيف بالإثم إذا كان حاصلاً مع حليلة الغير؟ وانظر الفتوى رقم: 24376.
واعلم أن هذه العلاقة إذا أفضت إلى الزنا كان الذنب فظيعاً والخطب جليلاً، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك. متفق عليه.
وأما عن كيفية التخلص من هذه العلاقة، فإنه بمقاطعة تلك المرأة وقطع كل السبل الموصلة إليها كيف كانت مشقة ذلك عليك، بل الأحسن أن تفارق البلد الذي يجمعك بها إن استطعت، فلا مشقة أشد من غضب الله.
ثم بعد التخلص من هذه العلاقة، عليك بالتوبة والإخلاص لله تعالى وكثرة الأعمال الصالحة وتجنب أماكن الإثارة ورفقاء السوء، عسى الله أن يبدل سيئاتك حسنات، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
وأما العلاقة بالنساء اللاتي بينك وبينهن قرابة فإن كُنّ من محارمك نحو الأخت والعمة والخالة وبنت الأخ، ومثل ذلك ما كان محرماً من الرضاعة، فلك أن ترى منهن الوجه والأطراف وما يظهر غالباً -دون شهوة- قال ابن قدامة: ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما. المغني ج7ص454.
وإن كن أجنبيات عنك كبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك، فليس لك أن ترى منهن شيئاً، وليس لك أن تختلي بهن، قال الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ، وقال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] .
وروى الشيخان من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، قال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.، وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلونّ أحد بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1424(9/3449)
التفسير الشرعي لقول ابن عمرو "إني لاحيت أبي.."
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تفسير قول عبد الله بن عمرو بن العاص (إني على خصام أو خلاف مع أبي) للرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة 3 مرات متتالية، فأراد معرفة حقيقة عمله ثم أخبره بأن الخصام غيرصحيح، ولكم مني جزيل الشكر ووفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه أحمد في مسنده، وعبد الرزاق في مصنفه عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال -وكدت أن أحتقر عمله- قلت: يا عبد الله؛ إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ماهو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
وأما قوله (فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا) ، ثم قوله بعد ذلك (إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر) فهو قول أراد به الوصول إلى مصلحة دينية راجحة، ولذا قال الحافظ في الفتح: الكذب وإن كان قبيحا مخلا، لكنه قد يحسن في مواضع.
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: وبالجملة، يجوز للإنسان أن يظهر قولا وفعلا مقصوده به مقصود صالح، وإن ظن الناس أنه قصد به غير ما قصد به إذا كانت فيه مصلحة دينية مثل: دفع الكفار عن المسلمين، أو الاحتيال على إبطال حيلة محرمة أو نحو ذلك، فهذه حيلة جائزة، وإنما المحرم مثل أن يقصد بالعقود الشرعية ونحوها غير ما شرعت العقود له، فيصير مخادعا لله، كما أن الأول خادع الناس ومقصوده حصول الشيء الذي حرمه الله لولا تلك الحيلة وسقوط الشيء الذي يوجبه الله تعالى لولا تلك الحيلة، كما أن الأول مقصوده إظهار دين الله ودفع معصية الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(9/3450)
لا تعارض بين البر بالأم والإحسان لأولاد أختك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة ولي أخت متزوجة ومن سنين اضطرت هذه الأخت أن تسافر وتركت أولادها مع أمي (جدة الأولاد) وفي رعايتي، إلا أن أمي منعتني أن أقوم بالطهي لهم أو بغسيل الملابس ورفضت هي أن تقوم بهذه الأعمال إلا أقل القليل _ رحمها الله _ وكانت ابنة أختي عمرها 12 سنه تقوم بهذه الأعمال بالإضافة إلى المذاكرة، ولقد كانت ضعيفة جدا وهزيلة، بل إن أمي كانت تطلب مني أن أطهو لها أشهى أنواع الطعام في بيتي لها فقط، ثم أذهب بها لها وتأكل وأولاد أختي ينظرون إليها وكانت تدعو ابنتي فقط لتأكل معها، ولقد طاوعتها أنا في كل هذه الأمور لأنها أمي _رحمها الله_ فهل أنا مخطئه في أن أطعتها؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي أنه ليس من الأخلاق الإسلامية أن تأكل أمك -رحمها الله-أشهى أنواع الطعام وأحفادها أولاد أختك ينظرون إليها، وبهم من الهزال والحاجة إليه ما ذكرت، وليس من الأخلاق الإسلامية أن تعامل أمك هؤلاء الصغار بتلك القسوة والجفاء، فأنت -إذن- أمام واجبين اثنين ليسا متناقضين.
الواجب الأول: البر بأمك، وهو آكدها لما ورد من الجزاء الوافر للبار والعقاب الشديد للعاق.
روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم. وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه.
والواجب الثاني: أداء الأمانة التي أودعتك أختك من رعاية أولادها، وليس من أداء تلك الأمانة أن تتركيهم يتعرضون لتلك القسوة ويحرمون كل ذلك الحرمان، فوجوب البر بأمك لا يتناقض مع وجوب الوفاء بأمانتك، فإذا أديت للأم جميع حقوقها عليك، فليس لها بعد ذلك أن تمنعك من الوفاء بواجباتك الأخرى.
روى علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في المعصية، إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
وعسى الله أن يكفر عنك خطيئتك بسبب ما أنت فيه من انكسار قلب وعاطفة جياشة تجاه هؤلاء الصغار، ثم نوصيك بهؤلاء الصغار، والإحسان إليهم ولو كانت أمهم معهم، وذلك تداركا لما كان وقع منك عن تقصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(9/3451)
عناية الإسلام بالطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة ومصداقية الحديث الشريف هذا: "النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان"؟
أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فـ (النظافة من الإيمان والوساخة من الشيطان) ليس حديثاً نبوياً، وأما معناه فصحيح وردت به نصوص الكتاب والسنة الكثيرة الآمرة بالطهارة والنظافة في البدن والملبس والمسكن، كقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا وبات معه ملك في شعاره. رواه الطبراني، وقال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد.
وقوله صلى الله عليه وسلم: طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تطهر أفنيتها رواه الترمذي والطبراني، واللفظ له. قال الإمام الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(9/3452)
لا تجد المؤمن كذابا.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أستفسر عن الحديث الشريف عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيزني المؤمن (أو المسلم) قال: نعم، ثم سئل أيزني المؤمن (أو المسلم) قال: نعم، ثم سئل أيكذب المؤمن (أو المسلم) قال: لا، ما هي صحة الحديث وكيف هو نصه؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولا تنسونا من دعواتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي في الشُّعَب وابن أبي الدنيا وابن عبد البر في التمهيد، وقد جمع الإمام إسماعيل بن محمد العجلوني طرقه في كتابه كشف الخفاء ومزيل الإلباس، وتكلم عليها بما يكفي فقال رحمه الله ج2/142: ولمالك في الموطأ عن صفوان بن سليم مرسلا أو معضلا: قيل: يا رسول الله، المؤمن يكون جبانا؟ قال: نعم، قيل: يكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: يكون كذابا؟ قال: لا. ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت مقتصرا على الكذب، وجعل السائل أبا الدرداء. ولابن أبي الدنيا في الصمت أيضا عن حسان بن عطية قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تجد المؤمن كذابا.
وللبزار وأبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص رفعه: يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب. وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وأبي أمامة وغيرهم وأمثلها حديث سعد، لكن ضعف البيهقي رفعه وقال الدارقطني: الموقوف أشبه بالصواب، لكن حكمه الرفع على الصحيح لأنه لا مجال للرأي فيه كذا في المقاصد، وقال النجم بعد أن ذكر فيه روايات: وروى ابن أبي الدنيا عن عمر قال: لا يكون المؤمن كذابا. وفي التنزيل: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(9/3453)
سلمي عليها فإن ردت وإلا باءت بالإثم
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي زميلة في العمل قطعت عني السلام بسبب عدم دعوتها لخطبتي ورفضت المباركة لي وحتى لم تبارك لي زواجي، وشاء الله أن تمت خطبتها فذهبت وباركت لها وهي مازالت على حالها فقلت لا مانع في أن أسلم عليها، ولكنها ترفض الرد بالرغم من محاولتي المستمرة من شهر مايو العام الماضي وحتى الآن، فماذا أفعل أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيرا. ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليك أن تفعليه الآن هو أن تواصلي التسليم على صديقتك وعيادتها إذا مرضت، وترضيتها بكل الوسائل، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
فإذا واصلت قطيعتك وهجرانك بعد كل ذلك خرجتِ من القطيعة وباءتْ هي بالإثم، روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم. رواه أبو داود في السنن، وزاد أحمد: وخرج المسلم من الهجرة.
ثم إن في الفتوى رقم:
25074 تفصيلاً في الموضوع فلتراجعيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(9/3454)
مساعدة المسلمين ومواساتهم تجسيد للأخوة الإيمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام فى التخلف عن مساعدة المسلمين فى العراق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي لكل مسلم أن يشارك إخوانه في أحزانهم وأتراحهم، ويواسيهم بما يستيطيع من مال، خاصة إذا كان هذا الأخ أو الإخوة في أمس الحاجة إلى ذلك كما هو حال إخواننا في العراق، وذلك تحقيقاً لمعنى الأخوة الإسلامية التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أصدق تعبير فقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: في هذا الحديث تعظيم لحقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا.
وعلى هذا فإنه يجدر بكل مسلم يسمع عن معاناة إخوانه في العراق ألاّ يتوانى عن تقديم يد المساعدة إليهم وليعلم أنه بذلك يقدم لنفسه أجراً كبيراً عند ربه سبحانه، قال الله تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1424(9/3455)
بين الصبر والدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعاء يتعارض مع الصبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يتعارض الدعاء مع الصبر، فقد يصبر الإنسان على القضاء ويدعو الله أن يكشف عنه ما أصابه فيجمع بين الصبر والدعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثا. وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم.
ولكن إذا كان الإنسان يستطيع الصبر على بقاء المرض والبلاء عليه محتسبا الأجر عند الله فهذا أفضل، لحديث الصحيحين أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها.
فقد استنبط ابن حجر في فتح الباري من هذا الحديث مسائل منها:
أن الصبر على البلاء يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وجواز ترك التداوي، وأن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنفع من العلاج بالعقاقير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3456)
المبالغة في التنعم مخالف لهدي السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أني أملك مبلغ 10000 دينار واشتريت ب 600 دينار كبوت أو جاكيت فهل ذلك إسراف وتبذير حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى جعل المال بيد الإنسان وديعة وجعله خليفة فيه، كما قال الله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد:7] .
فعلى المسلم أن يعلم أن ما آتاه الله تعالى من نعمة المال يعتبر ابتلاء له، هل يؤدي شكر نعمة الله تعالى فيه وينفق في وجوه الخير، أم يضرب فيه يميناً وشمالاً ولا يُراعي حقوق الله تعالى فيه.
كما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى سائله عن وجوه اكتساب المال ووجوه إنفاقه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. رواه البزار والطبراني والدارمي والترمذي وقال: حسن صحيح.
والمبالغة في التنعم بأنواع ملذات الدينا وشهواتها مخالف لهدي السلف الصالح، وسبب لنقصان درجة الإنسان عند الله تعالى يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: وإياك التنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين. رواه الإمام أحمد كما في مشكاة المصابيح، وأخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعن ابن عمر قال: لا يصيب أحد من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريماً. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وهو أيضاً في شعب الإيمان، وللمزيد من الفائدة في الموضوع يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 17775.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(9/3457)
الحب في عصر النبوة والصحابة
[السُّؤَالُ]
ـ[في العادات والتقاليد الحب لايجوز وأيام الرسول كان يوجد قصص حب فكيف هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحب أنواع متعددة أعلاها درجة حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ولمعرفة هذه الأنواع والحكم عليها راجع الفتاوى التالية: 5707، 5219، 4220.
وعليه، فإن كان المقصود بالحب المسؤول عنه في عهد الصحابة رضون الله عليهم أنهم كانوا يحبون زوجاتهم ويبجلونهن، فهذا أمر محمود شرعاً وطبعاً، ودليل على حسن خلقهم ورفعة أخلاقهم، وذلك أن الإنسان بطبعه يميل إلى ذلك، خاصة إذا انضاف إلى ذلك كون المرأة على قدر كبير من الخلق والدين، ولأن هذا يدخل ضمن المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها بقوله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] .
ومعلوم من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب زوجاته، قال ابن مفلح في زاد المعاد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب نساءه، وكان أحبهن إليه عائشة رضي الله عنها، ولم تكن محبته لها ولا لأحد سوى ربه نهاية الحب. هـ
أما إن قصد بقصص الحب مثل ما عليه الناس اليوم من الفساد والبعد عن الدين والأخلاق، فلا شك أن الصحابة بعيدون عن ذلك كل البعد، إذ كيف يظن بهم ذلك وهم صفوة الله تعالى من خلقه بعد رسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرف هذا كل من درس سيرتهم وتاريخهم رضوان الله عليهم أجمعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(9/3458)
علة النهي عن سب الشمس وشبهها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب الشمس أو القمر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز سب الشمس أو القمر لأن الله تعالى سخرهما لمنفعة الخلق، كما قال الله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ [إبراهيم:33] .
قال الإمام ابن جرير الطبري: يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار لصلاح أنفسكم ومعاشكم. انتهى.
وقد روى أبو داود عن ابن عباس أن رجلاً لعن الريح. وفي رواية: أن رجلاً نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه.
فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الريح التي نازعته رداءه لأنها مأمورة، قد أمرها الله ليس لها إرادة أو اختيار.
وهكذا من سب الشمس والقمر على أذى لحقه منهما ينهى عن ذلك، لأن سبه بغير حق، لأنهما مسخران مأموران ليس لهما إرادة أو اختيار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1424(9/3459)
الأدلة الزاجرة عن الإسراف والتبذير
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الحوافز الذاتية لتجنب الإسراف والتبذير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] .
فأخبر سبحانه أنه لا يحب المسرفين وكفى بهذا زاجراً ورادعاً عن الإسراف، أن تسلب عنك محبة الله وأن يجلب عليك سخطه ومقته، وأي خير يبقى للإنسان؟! بل أي سماء تظله وأي أرض تقله إن لم يحبه مولاه وخالقه؟!!.
ومفهوم الآية الكريمة أن الله يحب المقتصدين المعتدلين، بل هم عباد الله حقاً الذين وصفهم في آخر سورة الفرقان.. وكان من ضمن صفاتهم الحميدة وخصالهم الطيبة أنهم أهل التوسط والاعتدال، قال الله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً*........ [الفرقان:63]-إلى قوله تعالى- وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67] .
وقال الله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء:29] .
فهنا مثل ضربه الله للمسرف بالملوم المحسور، والحسير هو البعير الذي ذهبت قوته فلا انبعاث له، فمن أنفق فوق طاقته وأخرج أكثر من دخله قعد حسيراً عن نفع نفسه وغيره، بسبب ما فعله من الإسراف، ولله در القائل: ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطاً ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ولمعرفة معنى الإسراف والتبذير تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9266، والفتوى رقم: 12649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(9/3460)
العلاقات المباحة والعلاقات المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي العلاقات الصحيحة والطاهرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعلاقات الصحيحة الطاهرة هي التي أباحها الله تعالى أو أمر بها، كعلاقة الطاعة مع الوالدين، وعلاقة المحبة بين الزوجين، وعلاقة الرحمة بين المسلمين ونحو ذلك.
والعلاقات المحرمة هي التي تكون بين الرجال والنساء على غير منهج الإسلام، أو العلاقات الشذوذية أعاذ الله المسلمين مما يغضبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1424(9/3461)
إبداء العمل الصالح تابع لنية الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[اتفقت معنا أخت على عمل جدول (ورد يومي) وهذا عمل طيب والحمد لله فهل يجوز لهذه الأخت أن تنظر في جدول كل واحدة منا وتعلق عليه كتابة للمتابعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الطاعات الإخفاء والإسرار بها، إلا ما كان يؤدى علانية، أو كان لقصد آخر صحيح مثل أن يفعل الإنسان طاعة ويظهرها ليقتدي به غيره، فيها فلا حرج في ذلك.
وعليه، فنرى أنه لا بأس باطلاع هذه الأخت على جداول ما تقمن به من الطاعات من أجل المتابعة والحث، وذلك بشرط أمن الرياء.
أما إن كان يؤدي للرياء فلا يجوز، أما إن خلا من الرياء فجائز لأنه من باب التعاون على البر والتقوى والتنافس على عمل الخير، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] .
وقال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/3462)
معنى الإنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد فما هي الإنابة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإنابة التوبة والندم على ما سلف من سيئ العمل.
قال صاحب تحفة الأحوذي: (منيباً) أي راجعاً، قيل: التوبة رجوع من المعصية إلى الطاعة، والإنابة من الغفلة إلى الذكر والفكرة، والأوبة من الغيبة إلى الحضور والمشاهدة.
وقال صاحب عون المعبود: الإنابة الرجوع إلى الله بالتوبة، يقال: أناب إذا أقبل ورجع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/3463)
تمني الموت بين المنع والاستحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أؤدي فروضي كاملة وأخاف الله ولكنني أتمنى الموت لنفسي سواء كنت شهيدا أو لم أكن,
فما حكم التمني للموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتمني الموت بسبب مضار الحياة الدنيا كالمرض والفقر ونحو ذلك لا ينبغي للمسلم، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي. رواه البخاري.
وإنما منع المؤمن من تمني الموت المطلق لأن ذلك مشعر بنوع اعتراض على قدر الله، وفيه حرمان من الأعمال الصالحة التي ترفع درجة المؤمن عند الله، فإن خير الناس من طال عمره وحسن عمله.
أما تمني الشخص الموت شهيداً فهو من أفضل المُنى، وقد تمناه الصالحون قبلنا، وفي الحديث: من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه. رواه مسلم.
وكذلك لا كراهة في تمني الموت إذا خاف المؤمن على نفسه ضرراً في دينه أو فتنة فيه، وقد فعله خلائق من السلف عند خوف الفتنة، كما أن مفهوم الحديث السابق يدل على عدم الكراهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(9/3464)
حكم الكذب لتحصيل حق مظلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أحد العاملين في بقالة الادعاء بأني أعطيته مبلغ 1000 (ألف) ريال سعودي وذلك بغرض الحصول على هذا المبلغ من كفيله حيث إنه لم يستلم راتبه لمدة 10 (عشرة) أشهر وأنا متأكد من صحة هذه المعلومة ولقد وافقته على ذلك فما حكم الدين في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أكل أموال الناس بالباطل يعد من عظائم الذنوب وكبائر الرذائل، وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، وذكر منهم: رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يعطه أجره.
إلا أن الإثم لا يقابل بإثم مثله فلا يجوز لك الكذب لأجل إعانة هذا المظلوم على أخذ حقه من ذاك الظالم الغاشم، وعليك التوبة إن حصل.
والواجب عليك هو أن تذكِّر ذلك الظالم بالله واليوم الآخر، أو توسِّط له من يذكره ممن له كلمة عليه، أو يرفع الشخص المظلوم أمره إلى القضاء والجهات المختصة.
والله المستعان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1424(9/3465)
محبة شاذة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كانت بين إحدى الأخوات وزميلتها محبة شديدة لدرجة أنه كانت بينهن المكالمات الهاتفية يوميا، وفي يوم من الأيام قبلتها على شفتيها قبلة شديدة لدرجة أن شفتي زميلتها قد أحمرت احمراراً بسيطاً، وقد تكرر مثل ذلك عدة مرات ولكنها كانت قُبلة خفيفة، ولقد ضمَّتها عدة مرات، والسؤال: هل هي آثمة بسبب هذا الفعل؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر لنا في السؤال أن هذه المحبة قد تعدت المحبة الشرعية والعادية إلى المحبة الشاذة، حيث صار فيها تقبيل على الشفاه، وضم وما شابه ذلك، وهذا الأمر خطير وقد يقود إلى ما لا تحمد عقباه من الشذوذ.
وعلى السائلة لزاماً مراجعة الفتوى رقم: 8424، والفتوى رقم: 8547.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(9/3466)
التهمة لا تثبت إلا بالبينة الواضحة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي خادمة، ومنذ قدومها منذ عام ونصف ونحن نشعر بأن الأمور بشكل عام تتردى، لها شخصية غريبة وعندها سرعة بديهة وحب استطلاع شديد، عند أول قدومها وجدنا معها ورقة مكتوب عليها كلام عربي غير مفهوم ولغات أخرى، وقمنا بتقطيع هذه الورقة ورميها، سؤالي: هل يمكن أن يكون الذي يجري معنا هو نوع من الحسد أو السحر من طرفها، وماذا نفعل إذا كان كذلك؟ أم أن الذي يحصل هو من عند الله كنوع من الاختبار أو الحساب وليس له علاقة بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز أخذ الناس بمجرد الظن والتخمين، لأن التهمة لا تثبت على من نسبت إليه إلا بالبينة الواضحة والبرهان الظاهر، لاسيما السحر لأنه من الأمور التي لا تظهر لكل أحد، وقد سُحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرف أنه مسحور حتى أوحى إليه الله بذلك، ولذلك فإننا نقول: ينبغي عليكم الأخذ بالاحتياط وطلب العلاج بالرقية الشرعية من أهل العلم والتقوى، بغض النظر عن الخادمة، فإذا ثبت لديكم أنها قامت بعمل سحر أو غيره مما يضر بكم، فلكم حينئذ طلب حقكم منها بالطرق المشروعة.
وليُعلم أن الأفضل في أيامنا هذه أن تستغني البيوت عن الخادمات لما عُلم من تضرر البيوت بهن، في الأموال والأولاد، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة ملحة، وليكن اختيار الخادمة مناسباً بحيث تكون صاحبة خلق ودين، ولتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
18210، 26760، 4310، 5252.
وإننا لنوصيكم بالتحلي بالصبر على قدر الله تعالى، مع المداومة على طاعته، فإن البلاء لا ينزل إلا بمعصية ولا يُرفع إلى بتوبة، نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1424(9/3467)
من لعن شيئا ليس له بأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لعن شيء جماد أو شيء غير ملموس مثلا من الإثم، وماذا يترتب على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي للمسلم أن يكون بعيداً عن اللعن والسب، وغيره من الأوصاف التي تتنافى مع الأخلاق والأوصاف الحميدة التي يحسن بالمسلم الاتصاف بها.
روى البخاري عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً.
وفي الترمذي عن سالم بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكون المؤمن لعاناً.
ولهذا منع العلماء لعن كل شيء ليس أهلاً للعن كالحيوان والحمار والريح ونحو ذلك، لأن اللعنة إذا لم تصادف محلاً رجعت على صاحبها.
قال صاحب بريقة محمودية -بعد أن تحدث عن جواز لعن السارق والواصلة والمستوصلة وغيرهم ممن وردت السنة بلعنهم- قال: ولا يجوز -يعني اللعن- لحيوان ولا جماد، وقد ورد التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن لعن الريح والبرغوث. انتهى.
وقال صاحب الزواجر: لعن جميع الحيوانات والجمادات كله مذموم.
والأصل في هذا حديث ابن عباس وفيه: لا تلعن الريح فإنها مأمورة، وأنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه. رواه أبو داود والترمذي.
وقال الألباني في السلسلة: إنه صحيح.
والحاصل أنه لا يجوز لعن الجمادات ونحوها مما ليس أهلاً للعن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(9/3468)
توبة من العبد.. وتوبة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم،،،،
هل التوبة تأتي بإرادتنا أم عندما يأذن الله عز وجل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوبة نوعان:
- توبة من العبد إلى الله، بالندم على ما مضى والإقلاع عنه، والعزم على عدم العود، فهذا من عمل العبد، ولا يقع إلا بإذن الله.
- وتوبة من الله على العبد بقبوله والمغفرة له، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء:17)
ولمعرفة التوبة المقبولة راجع الفتوى رقم: 5450 وراجع الفتوى رقم:
4054 والفتوى رقم: 26413
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3469)
حقوق المسلمين بعضهم على بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[نظرة واقعية عن العجزة والمسنين في بلاد الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعجزة والمسنون في الإسلام هم أب أو أم تجب طاعتهما والإحسان إليهما، أو ولد ذكراً كان أو أنثى فتجب تربيته والنفقة عليه، وهكذا الأرحام والأقارب، فلهم حق الصلة والإحسان، وعموماً فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا ويرحم صغيرنا. رواه أحمد.
ولكل مسلم حق على إخوانه المسلمين، ومن هذه الحقوق التي وردت بها الأحاديث على وجه الإجمال:
1- أن تسلم عليه إذا لقيته.
2- وتجيبه إذا دعاك.
3- وتشمته إذا عطس.
4- وتعوده إذا مرض.
5- وتشهد جنازته إذا مات.
6- وتبر قسمه إذا أقسم عليك.
7- وتنصح له إذا استنصحك.
8- وتحفظه بظهر الغيب.
9- وتحب له ما تحب لنفسك.
10- وتكره له ما تكره لنفسك.
11- وأن تعين محسنهم.
12- وأن تستغفر لمذنبهم.
13- وألاَّ تؤذي أحداً منهم ولو بنظرة يكون فيها ازدراء أو احتقار.
14- وأن تتواضع لكل مسلم.
15- وألاَّ تغتابه ولا تسمع غيبة فيه.
16- وأن تقيل عثرته.
17- وأن تعفو عن زلته.
18- وألاَّ تدخل على أحد منهم داره إلا بإذنه.
19- وأن تخالق المسلمين بخلق حسن.
20- وأن توقر العلماء.
21- وأن ترحم الصبيان.
22- وأن تكرم ذا الشيبة المسلم.
23- وأن تكون مع الخلق رفيقاً ليناً.
إلى غير ذلك من الحقوق المطلوب فعلها لعامة المسلمين.
ولا شك أن العجزة والمسنين يجب أن ينالوا مزيد عناية لشدة حاجتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(9/3470)
الحب الدافع للنكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب فتاة وتكلمت مع أهلها عن الزواج، فهل هذا حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الحب لهذه الفتاة مجرد ميلٍ إليها لم يتجاوز إلى أمر محرم من نظر أو لقاء أو نحو ذلك، ودفع هذا الميل إلى الزواج بتلك الفتاة، وكانت تتوافر فيها صفات الزوجة الصالحة، فلا حرج في ذلك لأن هذا الميل فطري وفي مثل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه.
وإذا كان هذا الحب قد أوقع أو سيوقع في ما حرم الله من النظر والخلوة والمحادثة واللقاء ونحو ذلك، فإنه محرم ولو كنت تنوي إتمام هذا الحب بالزواج، وكون أهل الفتاة راضين بذلك لا يبيح ما حرم الله، بل إن رضاهم بهذه العلاقة مع ابنتهم دون أن يسبق ذلك عقد النكاح دياثة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث. رواه أحمد.
وقد فصلنا الكلام في حكم الحب بين الرجل والمرأة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4220، 1464، 1753، 5714.
وبينا علاج الحب المحرم في الفتاوى التالية: 13147، 11069، 9360، 8663.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(9/3471)
من سرق مالا فعليه أن يرده إلى صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
أذكر أني عندما كنت صغيرة سرقت مائة درهم من ابنة خالتي ولكني أخاف أن أقول لها ذلك لأني سأقع من عيون الأهل ولا أعرف كيف أرجع نقودها أرجوكم أفيدوني قبل أن تسافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من سرق مالاً أن يرده إلى صاحبه، سواء سرقه قبل سن التكليف أو بعده، ولا يشترط إعلام صاحب الحق بذلك، بل يمكن رده إليه بإرساله عن طريق الحوالة، أو وضعه في حسابه الخاص، أو إلقائه في بيته أو حقيبته، ونحو ذلك.
ولمزيد من الفائدة تُراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23877، 22921، 21859.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(9/3472)
الإفساد بين الزوجين محرم تحريما شديدا
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على رجل طيب القلب يريد الطلاق من زوجته لأنه يشك في أخلاقها فهل علاقتي به في هذه الفترة سوف تؤثر عليه على أن يأخذ القرار المناسب الطلاق أم البقاء معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الإسلام أكد على أهمية استقرار الحياة الزوجية بين الزوجين، ولذا سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ. قال الله سبحانه: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21] .
وإذا كانت العلاقة بين الزوجين على هذا النحو من التأكيد فإنه لا ينبغي الإخلال بها ولا التهوين من شأنها.
وقد حرم الإسلام تحريماً شديداً الإفساد بين الزوجين، أخرج أبو داوود وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده.
وبناء على هذا؛ فلا يجوز للسائلة ولا غيرها أن تكون سبباً في تطليق هذه المرأة من زوجها، كما أن عليها التوبة من هذه العلاقة الآثمة التي حصلت بينها وبين هذا الرجل، لأن الإسلام يمنع منعاً باتاً أي علاقة بين الرجال والنساء الأجانب خارج دائرة الزواج.
أما بالنسبة للشك في أخلاق زوجة الرجل المذكور.. فإن كان المقصود هو اتهامها بالزنا فهذا أمر غير جائز شرعاً؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم [لحجرات: 12] .
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
10077.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(9/3473)
الأصل تحريم أعراض الناس إلا ما استثناه الشارع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هناك مواقع على شبكة الإنترنت.... تتكلم سلبيا عن بعض الأشخاص المعروفين.... بحجة إظهار الحق....
هل دخول هذه المواقع وقراءة هذه الأخبار (السلبية) يعتبر مثل حضور مجلس غيبة؟ وما الواجب تجاه مثل هذه المواقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهؤلاء الأشخاص المعرفون المشهورون إن كانت لهم معاص فلا يخلون من حالتين: إما أن يكونوا مجاهرين بمعاصيهم، وإما أن يكونوا غير مجاهرين، فإن كانوا غير مجاهرين بها فلا يجوز الخوض فيها ويجب الستر عليهم، ويعد أي موقع يتناولهم مجلساً من مجالس الغيبة التي يجب نصح أصحابها أو مجانبتها بعدم قراءة ما فيها من أخبار فيها التشهير بأولئك الأشخاص.
وأما إن كان هؤلاء من المجاهرين بمعاصيهم، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا غيبة لفاسق مجاهر بفسقه، وذهب آخرون إلى أن ذلك لا يجوز إلا لمصلحة راجحة وهو الذي رجحه غير واحد من أهل العلم كالإمام النووي وهو الذي نختاره.
فأي مصلحة في الاطلاع على أخبارٍ غاية ما فيها إما إشاعة الفاحشة وإما هتك الأعراض وكشف الأسرار المختلفة, وإما تأليب العامة على الخاصة، وتجرئة السفهاء والجهلة على العلماء والدعاة، وبالجملة فالأصل هو تحريم أعراض الناس، وعدم الخوض فيها إلا ما استثناه الشارع لكون مصلحته راجحة، لأن أعراض الناس محمية، وهي حفرة من حفر النار كما قال بعض السلف.
أما إن كانت هذه المواقع تعنى حقاً بإظهار الحق كما يفعله بعض العلماء والدعاة، فإن كان المقصد هو ذلك، واتبع الأسلوب الشرعي في بيان الحق ورجحت المصلحة فلا بأس بالنظر فيها وقراءة ما فيها مما يتعلق ببيان الحق؛ ولو كان الحديث عن أناس معروفين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(9/3474)
على أصحاب الديون إنظارك إلى ميسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت أعمل موظفاً في قطاع خاص وقررت أن أفتح مشروعاً خاصاً بي فقمت بشراء مقهى للإنترنت بمبلغ ثمانية عشر ألف دينار أردني وقد استدنت من هذا المبلغ الكبير حوالي خمسة عشر ألف دينار من أصدقائي والآن وبعد مرور أكثر من سنتين وجدت أن هذا المقهى لا يرتاده في الغالب إلا الشباب لمشاهدة المواقع الجنسية والشات وغيرها من الأمور التي فيها مضيعة للوقت.
وأنا الآن أعيش حالة غير مستقرة من هذا الوضع وأريد أن أتخلص من هذا المقهى بأي شكل من الأشكال وقد حاولت بيعه بأي ثمن ولكن في المرات الثلاثه باءت محاولات البيع بالفشل والأسباب أنهم لا يريدون أن يتورطوا في عمل مختلط بالحرام وأحيانا كثيرة أفكر في إغلاقه ولكن عندي صديق استلفت منه مبلغاً كبيراً والآن هو بحاجة ماسة له أعلموني؟ جزاكم الله خيراً ماهي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنذكر السائل الكريم بقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب [الطلاق:3] ، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا [الطلاق:4] .
فإذا استطعت أن تراقب المحل وتنهى رواده عن المنكر فبها ونعمت، وبإمكانك أن تضع البرامج التي تمنع الأشياء المحرمة وهذا سهل وهو معروف عند أهل الاختصاص من الفنيين.
وإذا لم تستطع السيطرة عليه فإن عليك التخلص منه بأي وسيلة شرعية حتى لا يصبح وكراً للفساد وعونا على الإثم والعدوان، ولا يجوز لك أن تبيعه لشخص تعلم أنه يسمح باستخدامه فيما لا يرضي الله تعالى، وإذا لم تستطع التخلص منه إلا بالخسارة ولم يكن لديك ما تسدد به الديون فإن على أصحابها إنظارك إلى ميسرة، نسأل الله تعالى أن ييسر أمورك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(9/3475)
أعمال الملتزم بالشرع أحرى بالقبول
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أهب القرآن والصدقة إلى أمي التي توفيت وهل يتوجب أن أكون ملتزمة كي يقبل الله ما أفعله لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا خلاف العلماء في وصول ثواب القربات من الأحياء إلى الأموات في فتاوى لنا سابقة منها الفتوى رقم: 3406.
ورجحنا في تلك الفتاوى أن ثواب تلك القربات يصل إلى الأموات وينفعهم الله به؛ لأن فاعل تلك القربات قد ملك ثوابها فيصح منه أن يهبه لمن يشاء ممن لم يقم به مانع من ذلك كالكفر والعياذ بالله تعالى.
وتلك الهبة تحصل بالنية المجردة عن القول أو المصحوبة به كأن يقول الشخص: اللهم اجعل ثواب هذا العمل لفلان ونحو ذلك.
وأما سؤالك هل الالتزام بالدين شرط قبول الطاعات والقربات؟ فالجواب أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً ولا يظلم أحداً مثقال ذرة ويجزي كل عامل بعمله؛ كما قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]
ولاشك أن الملتزمين بشرع الله تعالى التزاماً كاملاً المتقين لربهم حق التقوى أعمالهم أوفر ثواباً وأحرى بالقبول.
قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] .
وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1424(9/3476)
ليس من المجاهرة المذمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مضمونه أن كل الأمة معافى إلا المجاهرين لكني أحيانا أقول لصديقتي من باب التحسر والندم: لم أصل أمس الضحى أو نسيت قراءة الورد اليومي من القرآن أو تكاسلت عن فعل كذا.. هل يدخل هذا ضمن المجاهرين الذين لا يعفى عنهم؟
وجزاكم الله خيرا.. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمجاهر المذموم هو من يرتكب المعصية أو الذنب فيستره الله ثم يظهر ذنبه ويحدث به، كما هو مبين في الفتوى رقم: 29331.
أما ترك صلاة الضحى أو نسيان قراءة الورد اليومي من القرآن ونحوها من النوافل فليست من المعاصي والذنوب في شيء والتحديث بها ليس مجاهرة بالمعاصي،
لكن ليحذر المسلم من الرياء لأن من بواعثه البعد عن ألم المذمة، أي أن الشخص قد يترك النافلة ثم يحدث بذلك مظهراً الأسف ومبدياً الأعذار للناس حتى لا يذموه على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3477)
أعرض عن الجاهلين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما هو الحل مع من يعيّرك ويشتمك أمام الناس السكوت له وذهاب كرامتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحل الصحيح مع من يشتمك ويعيرك ويسفه عليك هو الإعراض عنه، قال الله تعالى عن عباده المؤمنين: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] ،
وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] ،
وبهذا الخلق العظيم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون من بعدهم، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي –كلمة زجر- يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل –أي الكثير- ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين؛ إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها وكان وقافاً عند كتاب الله.
فانظر أخي الكريم إلى هذا الأدب الرفيع والخلق السامي، بعكس ما يقع من كثير من الناس فإنهم يردون على السفيه بسفاهة أخرى وربما زادوا عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: وإن أمرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عباس بن كليب قال أتاني مؤمل الشاعر فقال: قد علمت أنك لا تروي الشعر ولكن اسمع هذه الأبيات الثلاثة إذا أساء إليك لئيم أبداً فامتثلها ولا تجبه:
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت
لئيم القوم يشتمني فيخطيئ ... ولو دمه سفكت فما خطأت
فلست بشاتم أبداً لئيماً ... ... ... خزيت لئن أشاتمه خزيت
وفي لفظ آخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبهُ فخير من إجابته السكوت
فإن أجبته فرجت عنه ... وإن خليته كمداً يموت
ونسب إلى الشافعي رحمه الله قوله:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة فأزيد حلماً ... كعود زاده الإحراق طيباً
فتمثل سيرة هؤلاء الأخيار وأعرض عن الجاهلين يرتفع قدرك ويعظم شأنك وتحفظ كرامتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3478)
انصح تقربا لله لا لحظ النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[المديرة في العمل قامت بإيذائي وتسببت في خصم يومين من عملي بحجة أنني مقصر في عملي ولكن المسألة أنني لا أتودد إليها كما هو الحال من باقي الموظفين.هل يجوز لي أن أشكيها إلى المسؤولين في أعمال غير سوية تقوم بها خلال الدوام الرسمي مثل استغلال الموظفين في التسوق والطبخ والغسيل في ساعات الدوام من غير أن تعلم أنني أنا الذي قمت بالشكوى وذلك حتى أنتقم لنفسي وحتى أظهر فسادها الإداري؟ ودمتم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت ترى أنك مظلوم فيما قامت به هذه المديرة من خصم من راتبك دون وجه حق فإن بإمكانك رفع الأمر إلى من هو أعلى منها من المسؤولين لينصفك منها، فإن هذا هو السبيل الصحيح في علاج مثل هذه الحالة، أما استغلالها لنفوذها في تحقيق ما لا يجوز لها شرعاً فلا شك أنه أمر محرم، والقيام بإبلاغ المسؤولين بذلك أمر واجب لأنه من باب النصيحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم." رواه مسلم عن تميم الداري.
لكن ننبه السائل إلى أنه لا يجوز أن يكون إبلاغ المسؤولين بهذا الأمر من باب الانتقام للنفس، فإن سكوته على هذا وهو يعلمه أمر منكر، فعليه أن يحسن القصد ويصحح النية بأن يفعل ذلك بنية التقرب إلى الله تعالى، وقياماً بواجب المسؤولية، ولمعرفة الحكم الشرعي في استخدام الموظف لما يخص العمل في أموره الخاصة نحيل السائل إلى الفتوى رقم: 22557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3479)
حكم لعن الكافرين والفاسقين وشتمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
وجزاكم الله خيراً ... هل يجوز للمسلم شتم ولعن المنافقين والكفار وكذلك التافهين من المطربين؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في المسلم أنه يمسك لسانه عن لعن أي ملخوق، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء." رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
لكن يباح للمسلم أن يلعن أصحاب الكفر والفسوق على وجه العموم كأن يقول: لعنة الله على الكافرين، لعنة الله على الفاسقين، قال الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: (ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين.) انتهى.
أما لعن الكافر والفاسق المعينين، كأن تقول لعنة الله على فلان –وتذكره بعينه- فهذا موضع خلاف بين العلماء، والراجح –والله أعلم- عدم جوازه، لعموم الأدلة الدالة على النهي عن اللعن، وإعفاف اللسان عنه، قال الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: (وأما لعن المعين من كافر، أو فاسق، قضية ظواهر الأحاديث الجواز، وأشارالغزالي إلى تحريمه، إلا من عُلم موته على الكفر، وكالإنسان في تحريم لعنه بقية الحيوانات.) انتهى، وراجع الفتوى رقم: 10853.
وأما شتم أصحاب المعاصي، فإنه لا يجوز على إطلاقه ولا يمنع على إطلاقه، فمحل جوازه حيث اقتضت المصلحة ذلك كتحذير الناس منه، أو إظهار مقامه بالنسبة للدين، ومحل المنع حيث لا توجد مصلحة من ذلك، لأن الأصل عدم الجواز، ولا ينتقل عنه إلا لدليل أو مصلحة، وراجع الفتوى رقم: 21816.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3480)
مجرد نقل خبر عن شخص هل يعتبر غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نقل الخبر أو سرد موقف يعد من باب الغيبة وكيف التمييز بينهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس مجرد نقل خبر عن شخص أو نقل موقف حصل له غيبة محرمة، إلا إذا كان يكره ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم.
وسبق بيان علاجها وما يجوز منها في الفتوى رقم: 6710 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(9/3481)
الصراحة أو المعاريض تغني عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في صيدلية يأتي أناس للسؤال عن صرف فأخبرهم أنه لا يوجد بينما يوجد، وأكون في حاجة لهذا الصرف من أجل العمل، فهل أنا آثم وماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحل لك أن تكذب على هؤلاء ولكن كن صريحاً معهم وأخبرهم بأن لديك صرفاً ولكنك في حاجة إليه لعملك، وليس في هذا أي حرج شرعي، والواجب عليك التوبة مما صنعت والحذر من العود إليه.
ولك أن تستعمل التورية، بأن تجيبهم بما يفهمون منه عدم وجود الصرف عندك، كأن تقول مثلا: لا يوجد، وتقصد أنه لا يوجد صرف زائد على حاجتك، وقد صح عن عمران بن عصين قوله: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " رواه البخاري في الأدب المفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3482)
سبيل التخلص من الغيبة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ألتقي مع بعض الزملاء في وقت الفراغ وأثناء الدوام الرسمي نتحدث في أمور كثيرة ويفضي ذلك إلى التحدث عن بعض الناس معلوم فسادهم وللحذر منهم وقد نتحدث عن أناس نشكك في سوء سلوكهم. هل ذلك حرام؟ وإن كان حراما فهل هناك سبيل للتخلص من مثل تلك الجلسات التي ربما تكون فيها غيبة من دون أن أخسر زملائي ولا يفهموني خطأ. وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ذكر الشخص بما يكره حال غيبته غيبة محرمة لا تحل إلا لغرض صحيح، وقد ذكرنا الأغراض المبيحة للغيبة في الفتوى رقم: 6082 والفتوى رقم: 6710 فلتراجع.
وأما السبيل إلى التخلص من هذا العمل المحرم فهو خوف الله تعالى وخشية عذابه، واعتزال مجالس الغيبة، ثم عليك نصح هؤلاء الزملاء بأن هذا العمل محرم لا يحل، وتذكيرهم بالله تعالى وما أعده الله للمغتابين، فإن استجابوا فالحمد لله، وإلا وجب عليك اعتزال تلك المجالس وهجرها، مع بيان سبب الهجر لكي يعرف هؤلاء الزملاء سبب الهجر فلا يأخذوا في أنفسهم عليك، بل يحمدون لك هذا التصرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/3483)
على الساب أن يبادر بالتوبة النصوح والنطق بالشهادتين.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم من ليبيا وقعت في الكثير من الذنوب القولية التي تسبب الكفر مثل السباب والنكت، وبعدما تبت منها أواجه الكثيرمن الوساوس، وحتى أني أحياناً أتلفظ ببعض الكلام الذي لا يجوز في حق الدين وماهوأعلى من غير أن أقصد، وكلما حرصت على ألا أقوله فإني أقوله من غيرأن أقصده أرجو إجابتي وماذا أفعل إذا قلت ما يكفر حتى أتوب؟
والسلام عليكم.أرجوالرد بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ما يصدر منك من السب في حق الله تعالى أوالنبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد الأنبياء أو الملائكة فهذا لا شك أنه من المكفرات التي تخرج الإنسان من الملة والعياذ بالله، وكذلك يقال في النكت إن كانت تتضمن سخرية أو استهزاء بالله أو رسله أو القرآن أو أي حكم من أحكام الدين، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] .
فإن كان ما قلته من الكلام الذي يكفر قائله وقلته عالماً به وبأنه يكفّر وكنت طائعاً مختاراً، فقد وقع منك الكفر -عياذاً بالله- والواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح والنطق بالشهادتين واستئناف حياة جديدة في الإسلام، وعدم الاستهانة بالألفاظ فإن أكثر ما يكب الناس على وجوههم في النار حصائد ألسنتهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وتجب عليك مجاهدة نفسك في ضبط لسانك، وألا تخرج منك كلمة تكفر بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم. رواه البخاري عن أبي هريرة، وفي رواية لهما: يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب. نسأل الله لنا ولك العافية والسلامة، ولعلاج الوساوس نحيلك إلى الفتوى رقم:
18353.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1424(9/3484)
الحب من الأمور القلبية التي لا يتحكم فيها الإنسان.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة غير متزوجة وأحب أحد الدعاة المعروفين في هذا البلد وأتمنى أن أتزوج به.. أفكر به كثيراً ولم أخبر أحداً بهذا الحب لأني أشعر بأنه لا يجوز لي أن أحب شخصاً قبل الزواج ولكني لا أتحدث معه بالهاتف ولا أراسله وهو لا يعرفني ولا يعرف عائلتي ولا المنطقة التي أعيش بها فهل ما أفعله محرم وماذا يجب علي أن أفعل؟ وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا مؤاخذة ولا إثم على الحب ما دام لا يترتب عليه شيء من وسائل الفتنة كالخلوة ونحوها لأن الحب من الأمور القلبية التي لا يتحكم فيها الإنسان ولا يطيق دفعها.
وإنما يحرم ما يترتب عليه مما يجر إلى الحرام، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1424(9/3485)
عقيدة المسلم تملي عليه الصدق والوفاء بالعهد
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقيم مع زوجي وولدي في دولة أوروبية وهناك يُخصص لكل طفل يولد مبلغ من المال شهرياً مادام ذلك الطفل مقيماً في تلك الدولة فإن علموا أن هذا الطفل يقيم مع أمه أو والديه في دولة أخرى يتوقفون عن إعطائه ذلك المال (وهو ليس بالمبلغ القليل لمن يعيش في دولة عربية) وبالفعل عدت مع زوجي إلى بلدنا العربي وننوي الاستقرار ولكن يمكننا أخذ هذا المبلغ دون علم الحكومة باستقرارنا في دولة أخرى.
1- فهل هذا المال من حقنا أم أنه مال حرام علينا لا يجوز لنا أخذه ويكون هذا غشاً؟
2- وإن كان حراماً فهل علينا أن نعلم الحكومة بإقامتنا خارج دولتهم فلا يرسلوا لنا شيئاً أم نأخذه ونتصدق به على فقراء المسلمين؟
3- وإن لم نتمكن من إخبارهم ولكنهم قد يكتشفون بعد فترة معينة فماذا نفعل بالمال الذي سيرسلونه في تلك الفترة في حال لم نستطع إرجاعه للحكومة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم أصدق الناس وأوفاهم بالعهود والعقود، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود.
وأنتم إنما أخذتم ذلك المبلغ بشرط فمتى انتفى ذلك الشرط لم يعد لكم حق في المال، ولا يحل لكم أخذه ويجب إرجاعه إلى أهله فإن عجزتم عن إرجاعه فأنفقوه على الفقراء والمساكين.
كما عليكم أن تعلموا هذه الجهة بأنكم عدتم إلى بلادكم على جهة الاستقرار، وإلا كان هذا من الغش والكذب والمسلم أبعد ما يكون عن الكذب مع كل الناس مسلمهم وكافرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1424(9/3486)
اللعن لا يؤثر في الملعون إلا إذا كان مستحقا للعن.
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس هداهم الله يلعنون والعياذ بالله ولا يفكرون في عاقبة اللعن كأن يقول أحدهم لأحد الله يلعنك فترجع اللعنة عليه لكن إذا لعن أم أحد أو أباه ما ذنبهما إذا رجعت عليهما اللعنة أو ابن عاق قال لا أريد أن يدخل والداي الجنة فما ذنبهما إذا طردا من رحمة الله حتى بعض الناس يلعن وهو لا يدري لعن أم أحد أو أباه في لحظة غضب، فهل في هذه الحالات يطرد الوالدان من رحمة الله والعياذ بالله أم لا يطردان، وبعض الناس إذا توفي والداه صاحب رفقة سيئة فيلعن كثيراً كأن يلعن أم أحد أو أباه فهل ترجع عليهما اللعنة أم لا وهل يعذب الوالدان في الآخرة أم يعذب الابن وما ذنبهما إذا عذبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق أن تكلمنا عن خطورة اللعن في الفتوى رقم:
8334، والفتوى رقم: 6561.
وأما قولك عن الأبوين "فما ذنبهما إذا طردا من رحمة الله" فالجواب عليه: اللعن لا يؤثر في الملعون إلا إذا كان مستحقاً للعن، فإن لم يكن مستحقاً رجعت على اللاعن ففي الحديث: إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً رجعت إلى قائلها.
ومن سب أو لعن أبا مسلم فقام الآخر بسب أبيه فهو آثم مرتين ومرتكب لجرمين، أما الأول فبسبه ولعنه لوالد صاحبه وأما الثاني فبتسببه في لعن أبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1424(9/3487)
الشكوى بغرض النصيحة والمشورة لا تعد غيبة.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد الاستفسار عن شيء جزاكم الله خيراً.
هل إذا كانت صديقة تشكو لي عن مشاكلها مثلا من أختها، أو زوجها، يعني باختصار من أحد معارفها، من أجل التفريج عن ما بداخلها، وفي بعض الأحيان للمشورة، هل يعتبر هذا نميمة أوغيبة؟
وكذلك العكس صحيح، أكون أنا في بعض الأوقات أحكي لها عن همومي ومشاكلي من أقربائي، أنتظر الإجابة منكم؟ وجزاكم الله خيراً عن كل ما تفعلونه من أجل التعريف بديننا وتنوير المسلمين الى الطريق المستقيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اغتياب الناس في أعراضهم وأكل لحومهم من كبائر الذنوب كما صرح بذلك جمع من أهل العلم.
ولاتجوز الغيبة إلا إذا تعينت وسيلةً وحيدةً لتحقيق مصلحة معتبرة أو دفع مفسدة مرتقبة، وقد بينا تعريف الغيبة وحكمها والحالات التي تجوز فيها في فتاوى لنا سابقة منها الفتوى رقم: 6710، والفتوى رقم: 6082.
وبناء على ما هو مقرر في الفتويين المشار إليهما، فإذا كان ما يدور بينك وبين صديقتك من باب المشورة وطلب النصح فلا حرج في ذلك بشرط أن تقتصرا في ذلك على ما تدعو إليه الحاجة، وأن لا تفشيا شيئا من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1424(9/3488)
ما يحرم من الغيبة وما يباح منها.
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم الغيبة في حال ما إذا كان هذا الشخص قد أساء لي وأخبرت أحداً بهدف الشكوى فقط وليس للسوء والنميمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغيبة خلق ذميم تأباه النفوس السليمة والفطر المستقيمة، وقد ورد النهي عنها صريحاً في القرآن كما في قول الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
كما جاءت السنة بذمها والتحذير من فعلها، وعدها كثير من العلماء من الكبائر، ولا تباح الغيبة إلا لغرض محمود كالجرح والتعديل لرواة الحديث وكبيان حال المجاهرين بالفسق، ونحو ذلك على ما بيناه في الفتوى رقم:
6710.
ومن الحالات التي تجوز فيها الغيبة ذكر مساوئ المرء طلباً للحق منه عن طريق السلطان أو القاضي أو غيرهما ممن يملكون أخذ الحقوق لأصحابها، كما يجوز ذكر مساوئه لمن يستشار في مثل هذه الأمور لطلب المشورة منه.
أما إذا كان بقصد التشهير أو النيل من عرضه تشفيًّا فيه، فهذا لا يجوز بحال، وتجب التوبة منه فوراً، بالإقلاع عنه والندم على ما فات منه، والعزم على عدم العودة إليه أبداً.
وراجع الفتوى رقم:
28705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1423(9/3489)
الصدق في البيع يؤدي إلى الخير والبركة.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
أنا أعمل في مجال تجارة قطع غيار السيارات، وأستورد بعض البضائع من تايوان والصين ولكن عندما يسألني الزبائن الذين يشترون مني لا أقول عن مصدرها وأكتفي بأن أقول إنها ليست أصلية، فهل في هذا شيء وفقكم الله؟
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما. رواه البخاري ومسلم.
فالصدق في البيع واجب وسبب في الخير والبركة، والكذب والغش حرام وسبب في محق البركة.
وعليه فإن المشتري إذا سألك عن مصدر البضاعة فلا يجوز لك كتمان ذلك، بل تخبره ولا تكتفي بقولك إنها ليست أصلية؛ لأن البضائع تتفاوت جودة بحسب مصدر إنتاجها، وهو ما سألك إلا لذلك، وأنت ما كتمته إلا لأنك تعلم أن علمه بالمصدر قد لا يشجعه على شراء البضاعة فتكتم ذلك وهذا من الغش، ومن كتمان عيب السلعة الذي يجب عليك تجنبه، والله سييسر لك تجارتك وربحك إن فعلت ذلك؛ لأنه تعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1423(9/3490)
حب الرجل لامرأة أو العكس.. الجائز والمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أنني أحببت شابا عن طريق الإنترنت ونهايته كانت الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلاقات الحب والتعارف بين الرجال والنساء على الإنترنت وغيره ولو لقصد الزواج لا تجوز، لمفاسدها الكثيرة وللمحاذير الشرعية التي فيها، والمبينة في الفتوى رقم:
9463، والفتوى رقم: 210.
وأما حب الرجل لامرأة أو العكس فإن كان بكسب وتسبب فإنه محرم، وإن كان بغير ذلك فلا حرج فيه إذا لم يؤد إلى تفريط في واجب أو وقوع في محرم، كما هو مبين في الفتوى رقم:
4220.
أما الآن وقد تم الزواج فنسأل الله لكما الستر والعفاف والهداية والاستقامة، لكن عليكما التوبة مما بدر منكما من علاقة وتعارف قبل الزواج، مع الإكثار من الاستغفار والحذر من الوقوع في مثل هذه المحاذير مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1423(9/3491)
كلمات من الغيبة وأخرى ليست منها.
[السُّؤَالُ]
ـ[أودُّ إعلام فضيلتكم أنني أرجو بأسئلتي هذه الورع والتقوى
هل من الغيبة:
1. أن أقول ما قاله فلان؟
2. أن أقول ما أتوقع من فلان فعله؟
3. أن أقول شعوري تجاه فلان؟
4. أن أقول ماذا يقصد فلان بقول كذا أو فعل كذا؟
5. أن أقول عن فلان كلاما غير جيّد ولكن يمكنني قوله في وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما هي الغيبة بقوله: ذِكْرُكَ أخاك بما يكره، فقيل له: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم.
وبهذا يتضح الجواب عن سؤالك الخامس، وأنه لا يجوز أن تتكلم عليه بكلام غير جيد، أما أن تقول ما قاله فلان فإن كان نقل هذا الكلام على جهة الإفساد بين صاحب القول والمنقول إليه فليس بغيبة، ولكنه نميمة وهي من الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه. والقتات هو النمام.
وإن كان هذا الكلام الذي تنقله قد دار في مجلس بينك وبين صاحبه ولا يحب صاحبه إفشاءه، فإفشاؤك له ليس بغيبة ولكنه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما المجالس بالأمانة. أخرجه أبو الشيخ والخطيب.
أما أن تقول ما تتوقع أن يفعله فلان، فإن كان على جهة سوء الظن وفلان هذا ظاهره العدالة، فليس أيضاً بغيبة، ولكنه لا يجوز لأنه إساءة ظن بأخيك المسلم، وقد حرمه الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] . وقد يدخل في البهتان.
وإن كان أخوك بخلاف ما ظننت كما في الحديث المتقدم فإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، وإن كان من غير سوء ظن فالأولى تركه؛ لأنه قد يتحقق توقعك وقد لا يتحقق.
أما إخبارك عما يقصده فلان بقوله وفعله فلا يجوز؛ لأنه إخبار بالغيب وبما لا تعلمه، قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] ، إلا إن كان غلب على ظنك أو تيقنت أن ذلك مقصده وتعلق ببيان ذلك مصلحة ظاهرة.
وأما إخبارك عن شعورك تجاه فلان فليس بغيبة، فإن كان بأنك تحبه لدينه أو تبغضه لفسقه فلا حرج، وإن كان لغير ذلك فالأولى تركه؛ لأن حب المسلم وبغضه ينبغي أن يكون لله كما قال صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد والبيهقي وغيرهما، وننبه هنا إلى أمر يتعلق بالنقطة الخامسة وهو أن كون الشخص قادرا على أن يذكر آخر بالأمر الذي يكرهه في وجهه ليس مسوغا لذكره به في حال غيبته لأن العلة في تحريم الغيبة هي كونها اذية، والأذية محرمة على كل حال سواء أكانت في غيبة الشخص أم كانت في حضوره بل لو قيل إنها في الحضور أشد تحريما لما كان ذلك ببعيد، وقد قال تعالى ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)) ، والله أعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(9/3492)
العفو عند الإساءة من خلق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما موقفنا من اتجاه الشخص الذي يغار منا؟
2- هل حب الشهرة مذموم في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالموقف الشرعي من المسلم الذي ظهرت منه أمارات تدل على غيرته منا أو حقده علينا هو أن ندفع بالتي هي أحسن كما قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] .
وقد أمر تعالى أن نقابل المسيء بالإحسان ليرده ذلك إلى الموالاة والمصافاة، فيدخل في الإحسان إليه قضاء حاجته وإسداء الجميل إليه والعفو والصفح عنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر بالصبر عند الغضب، وبالحلم عند الجهل، وبالعفو عند الإساءة.
واعلم بأن حب الشهرة مذموم، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] .
وقال صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله تعالى يوم القيامة ثوباً مثله ثم يلهب فيه النار. رواه أبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(9/3493)
ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا
[السُّؤَالُ]
ـ[تربطني بجاري علاقة أخوية متميزة وفجأة انقلب علي 180 درجة إلى أشد أنواع الخصوم فهو لم يترك شتيمة أو نعتاً سيئاً إلا ووجهه إلي ثم شهّر بي بين الناس ثم ضربني أمام الناس كل ذلك من خلال وشاية أني تكلمت عليه بسوء وكنت أترجاه أن يتروى من التهم وأن يدخر شيئاً من الشتائم لأجل الإصلاح ولكنه لم يترك شيئاً من الشتائم، وبعد دخول أهل الخير والتحقق من الكلام المنسوب إلي تبين ولله الحمد براءتي والآن يريد المصلحون أن تعود الأمور إلى نصابها ولكني أرفض مجالسته ومسامحته بعد ما فعل
وطلبا لمغفرة الله سامحته ووعدت المصلحين إذا رأيته أن أقول له السلام عليكم ولكن دون مصافحته والسؤال هل أنا آثم لعدم مصافحته أم لا......لأني لا أستطيع رؤيته وملامسته أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعله جارك من شتمك وضربك أمام الآخرين بناء على وشاية لم يتثبت منها ظلم كبير، واعتداء سافر، وكان ينبغي له أن يتمثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] .
وحتى لو تثبت من صحة هذه الوشاية فما كان ينبغي له أن يقدم على ما أقدم عليه، فهناك طرق جائزة يستطيع الوصول بها إلى حقه بدلاً من هذه الأفعال المحرمة.
ولكن قد ندب الله للعفو عن المسيء فقال جل وعلا: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] . وقال صلى الله عليه وسلم: ... وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًا.. رواه مسلم.
وقد أحسنت - بارك الله فيك - بأنك سامحته طلباً لمغفرة الله، ووعدت المصلحين - جزاهم الله خيراً - بأن تلقي عليه السلام، فتتميم عملك الطيب أن تصافحه، ليذهب ما في القلوب من الشحناء، قال صلى الله عليه وسلم: دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفسي محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم. رواه أحمد والترمذي.
وقال أيضاً: إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما. رواه أبو داود وأبو يعلى.
وروى الضياء في المختارة عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمدا الله تعالى جميعاً إلا تفرقا وليس بينهما خطيئة. وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولا إثم عليك في ترك مصافحته عند ملاقاته، لأن المصافحة سنة عند لقاء المسلم بأخيه المسلم، ولكن ينبغي لك أن تفعل هذا حرصاً على نيل رضا الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(9/3494)
التعريض لخداع المخاطب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة.. يوجد لدي أصدقاء لا يعرفوني ألا وقت حاجتهم إلي، فلا يتصلون بي طوال العام الدراسي ولكن عندما يكونون بحاجة إلى كتب من عندي تراهم يتصلون ليل نهار، السؤال هو: هل يمكن أن أكذب عليهم بأن أقول أني لا أملك هذا الكتاب أو مثلا أضعت ذلك الكتاب مع العلم بأني أملكه ولكني لا أريد إعطائه إياهم وفي نفس الوقت لا أريد جمع أعداء بدلا من أصدقاء؟؟ أي بأختصار هل يوجد ما يسمى بالكذبة البيضاء حتى لا تسوء الأمور أكثر؟؟؟
افيدوني افادكم الله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الكذب أنه حرام، وليس هناك كذب أبيض وآخر أسود؛ بل الكذب كله من أقبح الذنوب وفواحش العيوب قال الله تعالى: فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران: 61]
وقال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
ولكن ثمت حالات رخص العلماء فيها بالكذب، وتراجع هذه الحالات في الفتوى رقم:
7432.
ونقول للأخت السائلة: الأولى أن تكوني واضحة مع هولاء الناس , فإن وجدت حرجاً في هذا الموضوع فيمكنك استعمال المعاريض فإن فيها مندوحة عن الكذب، والمعاريض: هي أن يطلق الشخص كلاماً يحتمل معنيين يكون ظاهراً في واحد منهما، ويريد المعنى الآخر، وهو نوع من الخداع إلا أنه يجوز عند الحاجة , قال النووي في الأذكار: قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحه شرعية راجحه على خداع المخاطب أو دعت حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض , فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1423(9/3495)
حكم اغتنام وقت العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استخدام وقت العمل في المذاكرة مثلا في أوقات الفراغ يجوز لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاستغلال الإنسان لأوقات فراغه في العمل أمر محمود؛ لأن الشرع الحكيم حث المسلم على اغتنام وقته وشغله بما هو مفيد ونافع كأمور الدين وشبه ذلك من أمور الدنيا، ومن ذلك مذاكرة طالب العلم ليزداد من المعارف، فقد أخرج الحاكم في المستدرك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه " اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " وكون الإنسان يعمل عند غيره لا يمنعه ذلك من الاستفادة من وقت فراغه استفادة لا تخل بعمله المنوط به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1423(9/3496)
المعاريض بديل مشروع عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تريدني أكذب عندما يتصل أحد ولم ترد الرد عليه وتقسم علي وتغضب مني لفترة عندما أرفض وتنهرني وتقول سوف أدعو عليك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الكذب معصية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه.
وعليه؛ فلا تجوز طاعة والدتك في أمرها لك بالكذب، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن لك أن تستعملي المعاريض، والمعاريض جمع مِعْراض، وهو ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم، ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض، فكان بعضهم يقول لخادمه: إذا جاء من يطلبه ولا غرض له بلقيه قل له: ما هو هون، يريد به الهاون الذي يدق فيه، ونحو ذلك من المعاريض.
وانظري الفتوى رقم:
1126، والفتوى رقم: 1824 K والفتوى رقم: 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1423(9/3497)
الضرر لا يزال بالضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر أن هناك ظلما بائنا وقع علي وأنني أكنُّ حقداً للناس الذين ظلموني فهم ينكرون أي شيء أقوم به ويصفون الفضل لأنفسهم وبذلك يصلون إلى أعلى المراتب بينما أنا صاحب الأفكار والمنفذ الفعلي لها ولكنهم لهم أساليب ملتوية تأخذ العقول وينسبون كل شيء لأنفسهم فهل من الممكن أن أضرهم وأنا أستطيع ذلك وهل هو حرام أم حلال أرجو الإفادة حفظكم الله ورعاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لمسلم أن يُكِنَّ حقداً على أخيه المسلم ولا ضغينة ولا بغضاء؛ لأن الأصل في المسلم أن يكون سليم الصدر على إخوانه يحسن إلى من أساء إليه، ويعفو عن من ظلمه، ويصل من قطعه لقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] .
وقوله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63] .
ولقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] .
وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا.
وإذا كان لك حق تشعر أنك سُلبته فلك الحق أن تأخذه وتطالب به بالوسائل المشروعة من غير إضرار بأحد، فلا ضرر ولا ضِرار في الإسلام، ومن القواعد المقررة عند فقهاء الإسلام: الضرر لا يزال بالضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/3498)
حبها موجب النار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أحب فنانة مكسيكية وأعلق صورها في غرفتي؟ وشكراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز حب هذه المرأة بحال، وذلك لعدة أمور هي:
الأمر الأول: أنه لا يجوز أصلاً القصد إلى تعلق القلب بحب امرأة، لما يترتب على ذلك من أمور منكرة ومحرمة.
الأمر الثاني: أنها مغنية، ويكفي هذا شرًّا وبلاء، فإن الغناء محرم شرعاً. وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 987.
الأمر الثالث: أنها قد تكون كافرة، فالأمر حينئذ أشد جرماً وأعظم إثماً، إذ أن الإسلام قد حرَّم محبة الكافرين، كما في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرء مع من أحب. رواه البخاري ومسلم.
أما صورها.. فلا يجوز لك اقتناؤها فضلاً عن تعليقها، إذ أن اقتناء صور ذوات الأرواح محرم، فكيف إذا كانت صورة لامرأة؟
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
4371.
وفي ختام هذا الجواب ننصح الأخ السائل أن يعمر قلبه بحب الله تعالى الذي يقتضي عبادته، وبحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقتضي طاعته واتباعه، وبذلك ينصرف قلبه عن كل حب يخالف حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
كما أننا نرجو منه الإطلاع على الفتوى رقم:
5707 ففيها تفصيل حسن عن حكم الحب في الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(9/3499)
الحفاظ على الصحبة الطيبة خير
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة كنت أعزها في الله والله يعلم وكنت أنا وهي بمثابة الأخوات ولكنها لسبب أجهله تغيرت ولم تعد كما كانت وعندما صارحتها قالت هكذا أنا ومن تريدني صديقة فلتتقبلني كما أنا لم أفهم ردها ولكني فسرته أنها أصبحت أعلى مقاماً ولم تعد تحتاجني صديقة فهي أكملت دراستها العليا من ماجستير ودكتوراه وأنا لا زلت كما أنا موظفة بدرجة الثانوية العامة، سؤالي كيف أتعامل مع مثل هذه الصديقة التي نسيت الود والعشرة التي بيننا وتحولت إلى أخرى لم أعد أعرفها؟ أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصداقة والمحبة بين المسلمين مقصد عظيم من مقاصد الإسلام يؤجر الإنسان عليه إذا راعى في ذلك الشرع بحيث لا يصحب الإنسان إلا الأخيار الأتقياء، ممن وطنوا نفسهم على الطاعة والتزموا بمنهج الدين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وغيره.
وذلك لما للصحبة من تأثير على الرفيق كما جاء ذلك مبيناً في قوله صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. رواه مسلم.
وعليه.. فيبغي للسائلة أن تحافظ على علاقتها بزميلتها إن كانت متصفة بالدين والخلق، وذلك بالبحث عن الأسباب المؤدية إلى هذا الفتور في العلاقة وإزالتها، ولا بأس بالاستعانة بإحدى الصديقات حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
أما إن كانت هذه الصديقة على غير ما ذكرنا فاحمدي ربك أن خلصك من شرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1423(9/3500)
مسامحة مشروطة بدفع مبلغ مالي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذا الزمان إذا ظلم إنسان مسلم إنسانا مسلما وذهب ليسامحه يشترط عليه أموراً لأجل المسامحة كأن يشترط عددا معينا من المال أو شيئا آخر فهل هذا الاشتراط له سند في الشرع أم يكفي المسامحة بدون أي قيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مسامحة الإنسان لمن ظلمه أمر ندب إليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه [الشورى:40] . وقوله بعد ذلك: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى:43] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وكذلك رواه مالك وغيرهما.
والمسامحة لا تكون بشرط دفع مبلغ من المال، فإن هذا من الجشع وقلة المروءة وأكل أموال الناس بالباطل، إلا أن تكون المظلمة مالاً، فاشترط ربه رد ماله إليه فله الحق في ذلك، ولكن من ابتلي بشخص لا يسامحه ولا يحله إلا إذا دفع له مالاً وأراد ذلك فله أن يرضيه بالمال، وذلك خير له من أن تظل المظلمة في رقبته يؤديها له من حسناته يوم القيامة، والله المستعان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(9/3501)
محل جواز تقبيل الأطفال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري26 سنة، أعزب مواظب على صلاتي، ولكن مشكلتي أني عندما أداعب الأطفال تنشط غريزتي بدون قصد وتخرج قطرات ماء شفاف، فهل هذا حرام وينقض الطهارة الكبرى، أريحوني؟ جزاكم الله خيراً. ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل هو جواز تقبيل الأطفال مودة وشفقة ورحمة، بل قد نصَّ بعض الفقهاء على استحبابه، ففي تحفة المحتاج في الفقه الشافعي: ولا بأس بتقبيل وجه طفل رحمة ... إلخ. عبارة الروض: وتقبيل خدِّ طفل ولو لغيره لا يشتهى، وأطراف شفته مستحب. انتهى
ودليل استجابه ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يُرحم. هذا فيما إذا كان على سبيل الشفقة والرحمة.
أما إن كان للذة فلا يجوز ولو مع المحارم، قال القرافي في كتابه الفروق: بلغني عن بعض العلماء أنهم كانوا يتحاشون تقبيل أولادهم في أفواههم ويقبلونهم في أعناقهم ورؤوسهم، محتجين بأن الله تعالى حرم الاستمتاع بالمحارم، والاستمتاع هو: أن يجد لذة بالقبلة، فمن كان يجد لذة بها امتنع ذلك في حقه، ومن كان يستوي عنده الخد والفم والرأس والعنق وجميع الجسد عنده سواء، وإنما يفعل ذلك على وجه الجبران والحنان، فهذا هو المباح، وأما غير ذلك فلا، قلت: وهذا كلام صحيح لا مرية فيه. انتهى
بنا ءعلى ما تقدم فما دام السائل يجد لذة عند التقبيل فلا يجوز له الإقدام عليه ولو بلا قصد؛ لأن ذلك ذريعة إلى ارتكاب المحرم.
أما الماء الشفاف الذي يخرج عند اللذة فهو المذي وهو سائل نجس ناقض للوضوء ويجب غسله إذا أصاب البدن أو الثوب، لكنه لا يوجب الطهارة الكبرى.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
996.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(9/3502)
جدول التنافس في الخير والطاعة بين الأصدقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن 6 اصدقاء نجتمع كل 15 يوما في بيت أحدنا على برنامج يتضمن القرآن عند الافتتاح والأربعين النووية ومنهاج المسلم وموعظة صاحب البيت ورجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن ووالختم بالدعاء.
ومن بين برامجنا ورقة نملؤها نسميها جدول التنافس كل شهر تتضمن ورد من القرآن، الصلوات الخمس في المسجد، والصيام، وصلة الرحم، وعندما نواظب على ملئها تكون النتائج طيبة وعند عدم ملئها تكون النتائج سلبية من تفريط في تلاوة القرآن، ما حكم الشرع في هذا الجدول.
وجازاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاكم الله خيراً ووفقكم وسدد خطاكم وثبتكم على ما تقومون به من أعمال البر، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
أما عن الاستمارة المذكورة جدول التنافس فإذا كان المقصود منها حث النفس ودفعها إلى المنافسة من الخيرات ابتغاء وجه الله فإن ذلك داخل في قوله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] .
وإذا كان المقصود هو الرياء والسمعة من أجل أن يقال فلان أفضل من فلان ونحو ذلك، فإن ذلك من الرياء - عافانا الله وإياكم - وهذا الأمر يحتاج إلى جهادٍ للنفس ويختلف باختلاف الأشخاص، فمن الناس من يجعل ذلك حثًّا للنفس لئلا تكسل وتتقاعس عن الطاعة وهو يريد وجه الله، ومنهم من غرضه ثناء الناس عليه ومدحهم له.
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى التالية:
10992 18265
24345.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/3503)
الغيبة المباحة وضوابطها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لي ابنة عم أنا وهي كالأختين، فدائما عند حدوث مشكلات بيني وبين صديقاتي، أو بينها وبين صديقاتها نقول لبعض ما جرى ونشكي، ويتم أثناء الشكوى ذكر الأسماء، ولكن ذلك حتى نقدر أن يحدد كل منا من هي الصديقة الوفية من غيرها ومن علينا تركها، فهل ذلك يعد غيبة؟ فقد قرأت كتابا عن الغيبة وأفادني وعلمت أن علي أن لا أغتاب أبداً بإذن الله؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود من هذا الحديث الذي يجري بينكما هو التحذير ممن لا يجوز مصاحبته فجائز بشرط الاقتصار على قدر الحاجة منه دون التوسع والإسراف فيه، وإن خلا من هذا القصد فحرام لا يجوز؛ إذ الأصل في الغيبة التحريم.
يقول الإمام ابن حجر الهيتمي: الأصل في الغيبة الحرمة، وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها قوله: الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سرًّا فيجوز إجماعاً، بل يجب، وكأن يشير وإن لم يُستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي. وقد علم في ذلك الغير قبيحاً منفراً كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج ... نعم الشرط أن يقصد بذلك بذل النصيحة لوجه الله - تعالى - دون حظ آخر، وكثيرا ما يغفل الإنسان عن ذلك فيلبس عليه الشيطان ويحمله على التكلم به حينئذ لا نصحا، ويزين له أنه نصح وخير انتهى.
وللمزيد فيما يجوز من الغيبة وما لا يجوز انظري الفتوى رقم: 6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1423(9/3504)
الظن السيء بالآخرين خلق ذميم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته وبعد
ما حكم الشريعة في امرأة تشك في زوجها رغم أنهم متزوجان منذ18 سنة ولهم ثلاث بنات أكبرهن 17 ونصف رغم أن الزوج أقسم لزوجته على القرآن الكريم أنه ليس له أي علاقة بأي امرأة أخرى؟
والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول لهذه الزوجة: إن واجبك هو حسن الظن بزوجك كغيره من المسلمين.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] .
ولفظ اجتنبوا تدل على التحريم، وفي الحديث المتفق عليه: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
فدل على أن سوء الظن بالمسلمين حرام وهو معدود من الكبائر عند أهل العلم، وقال الإمام النووي في شرحه للحديث المذكور: المراد النهي عن سوء الظن. قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس , فإن ذلك فوق ما يملك الإنسان التحكم فيه، ومراد الخطابي: أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه، قال الإمام الغزالي: سبب تحريم سوء الظن أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل تأويلاً.
وأنت هنا تشكين في زوجك، وهذا ذنب عظيم لأنه تهمة لمسلم يغير؟
وهي قادحة في دينه وعرضه، فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الذنب، وتقدمي النصيحة لزوجك, للحديث الذي أخرجه مسلم: الدين النصيحة.
وعليك أن تقبلي عذره وتُصدقيه، ولا تكوني ممن يفتحون قلوبهم أمام الوساوس والشكوك، لما فيها من الإثم وفتح أسباب الخلاف, بغير مبرر، وتعاوني معه على ما يرضي الله تعالى.
فإن الله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] .
وفقنا الله وإياك لطاعته, والبعد عما يسخطه تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(9/3505)
الغيبة بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ...
شخص يطلب من زملائه في العمل (كلا على حدة) أن يعطوه مبلغا من المال على أن يرجعها لاحقا (مبالغ صغيرة) ولم يقم هذا الشخص بإرجاع ما أخذ (لا أعلم إذا كان في ضائقة أم لا) فهل يجوز التشهير به....مثل الكلام عليه بأنه نصاب وحرامي ويجب الحذر منه وذلك في مكان عام فيه من فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز أنه يّذكر مسلم بما يكره؛ لأن ذلك من الغيبة، إلا أن الغيبة قد تباح أحياناً للمصلحة، فإذا كان هذا الشخص نصاباً وسارقاً ولا يرد للناس حقوقهم فإنه لا بأس في ذكره بذلك، لأجل أن يحذره الناس، وسواء كان ذلك في مكان خاص أو مكان عام، إلا أن ذكره لا يكون للتندر والضحك وإشباع شهوة النفس بالحديث عن الآخرين، ولكن يكون لأجل التحذير فقط وبما يفي بالغرض.
أما إذا كان هذا الشخص معسراً أو لا يعلم حاله فإنه لا يجوز أبداً الكذب عليه فإن في ذلك غيبة وبهتان، ولكن لا بأس بأن يقال فلان معسر أو لا نعلم حاله إذا كان هناك ما يدعو لذلك.
وإن ثبت أنه موسر مماطل فإن هذا يُحل عرضه وعقوبته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وحل عرضه بأن يقال: مطلني فلان، أو يقال له: يا ظالم يا معتدي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(9/3506)
الدعوة إلى المحرم مع الفعل أشد حرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) والفساد كما هو معلوم يشمل إفساد العقيدة بتعبيد الناس لغير الله وغيرها من الأمور العقدية والإفساد في الخلق والإفساد الاقتصادي والإفساد السياسي والإفساد الاجتماعي وهنا أتوقف من الأمور المفسدة في المجتمع يقينا بما لا يقبل الشك هو الطبيقية المصطنعة تحت مسميات عدة قبيلي، حضيري، صلبي, عبد. وكل فئة لا تتزوج من الأخرى بحكم المجتمع سؤالي هل يكون الإفساد بمجرد الدعوة إلى هذه الأمور؟ أم أنه يشمل أيضا التمسك بها مع العلم بعدم موافقتها للشرع؟ مع العلم أن حتى هذا يحدث إفسادا في المجتمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما كان محرماً شرعاً انصب التحريم على فعله والتمسك به وعلى الدعوة إليه؛ لأن الفعل المنكر والدعوة إلى المنكر منكر، لكن الدعوة إلى المحرم مع الفعل أشد حرمة وإثمًا من مجرد الفعل؛ لأن المنكر حينئذٍ يتعدى فاعله إلى غيره فيتحمل وزره ووزر من اتبعه، وذلك لما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(9/3507)
نقل الكلام إلى المسؤول بين مصلحة العمل وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الغيبة ونقل الكلام للمدير في العمل بحجة المحافظة على مصلحة العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله عز وجل الغيبة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] .
فشبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً، ومر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أحمد وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.
وتفسير الغيبة جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
إذا تقرر هذا.. فإذا كان الكلام على الآخرين لا تتعلق به مصلحة العمل فهو الغيبة المذكورة، وكذلك نقل الكلام إلى المسئول إذا لم تتعلق به مصلحة العمل فهو نميمة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها أعظم تحذير فقال عندما مر على قبرين: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى، وإن شرار عباد الله من هذه الأمة المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت. رواه أحمد وابن حبان والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه، والقتات هو النمام.
وإذا كان الكلام على الآخرين أو نقل الكلام إلى المسؤول تتعلق به مصلحة العمل، فلا حرج فيه، ولكن ينبغي أن يعلم أن مصلحة العمل ليست بالهوى أو التشهي، إنما تعرف بالشيء الذي يترتب على عدم تلافيه أو إبلاغه للمسئول تعثر سير العمل أو ظلم للآخرين، وانظر الفتوى رقم:
8005.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(9/3508)
الرفق في النصيحة تؤتي ثمارها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم التعامل مع أخوات أصغر سنا وغير مطيعات ولا يؤدين الصلاة إلا نادراً هل يجوز مقاطعتهن علما بأن الصبر قد نفذ والطامة الكبرى بأن الأم تؤيد معظم تصرفاتهن فما الحل في رأيكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزادك الله حرصا ووفقك لما فيه رضاه، ونسأل الله الهداية لك ولأمك ولأخواتك.
وننصحك بعدم اليأس من اهتداء أخواتك وأدائهن للصلاة وقيامهن بما أوجب الله عليهن , فعليك بالمزيد من الصبر والاستمرار في نصحهن وتخويفهن بالله وعقوبته خاصة لمن ترك الصلاة أو تهاون فيها, وترغيبهن فيما أعده الله للمطيعات مثل قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] .
وكذلك عليك مناصحة أمك لتكون عونا لك على استقامة أخواتك, وعليك بالأسلوب اللين الطيب خاصة مع والدتك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لعائشة: عليك بالرفق فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم.
ولمعرفة بعض الأدلة في أهمية الصلاة وحكم تاركها وعقوبته للاستعانة بها في نصح أخواتك يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1423(9/3509)
نقل أخبار الموظفين للمدير قد يجب تارة ويحرم أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من ينقل الكلام إلى مدير إدارة مثلا أن يقول فلان حضر وهذا ما وقع على ورقة الحضور؟؟؟ وما الحل؟؟ جزاكم الله خير الجزاء؟؟؟؟ أرجو الإجابة بسرعة؟؟ وشكراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان هذا الشخص هو المسؤول عن متابعة حضور وانصراف الموظفين أو كلفَّه المدير بهذا العمل فهذا لا شيء فيه، وهو عمل مشروع وبه تنضبط مصالح الناس وشؤون العمل، وليس هذا من النميمة المحرمة، بل هو من الإخبار بما يعود بالنفع، يقول الله تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:20] .
فهذا الرجل أحسن بنقل كلام الملأ إلى موسى إذ كان سبباً في نجاته منهم، قال ابن دقيق العيد: فالنميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضر الغير بتركها، لم تكن ممنوعة. انتهى إحكام الأحكام.
فإذا كان هذا في مصلحة الفرد فمن باب أولى ما كان في مصلحة العمل الذي تبنى عليه مصالح الجماعة.
جاء في الزواجر عن اقتراف الكبائر: قال النووي: فلو دعت إلى النميمة حاجة فلا مانع منها، كما إذا أخبره أن إنساناً يريد الفتك به أو بأهله أو بماله أو أخبر الإمام أو من له ولاية بأن فلاناً يسعى بما فيه مفسدة.
ويجب على المتولي الكشف عن ذلك وإزالته، وكذا ما أشبه ذلك فكلُهُ لا حرمة فيه؛ بل قد يجب تارة ويندب أخرى بحسب المواطن..... انتهى
وأما إذا خلت النميمة من تلك المصالح المتقدم بعضها فإنها محرمة ولا يحل لمسلم فعلها، وفي الحديث: لا يدخل الجنة قتات -يعني نمام-. رواه الترمذي وأحمد.
والتخلص من هذا المرض يكون بتذكير النمام بالله تعالى وترهيبه مما أعده للنمام، وكذلك بالانصراف عنه وعدم سماع كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1423(9/3510)
الحب المطلوب شرعا والحب المحرم شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في الـ17 من عمري أعمل مع مؤسسة دعوية في المدرسة أقوم وبعض الزملاء بأنشطة طرح الفكر الوسطي المعتدل ولكل واحد عدة أشخاص يعمل معهم في الدعوة الفردية فأما أنا فاعمل على تقوية علاقتي مع من اخترت ليكون أحد خادمي هذا الفكر ففي مرحلة التعارف الشخصي ومرحلة معايشة هذا الشخص أعجبت بهذا الشخص إعجابا كبيرا وأردت وتمنيت أن يكون هو أحد جنود الدعوة ولكني في الحين والآخر أحس أنني أحبه كثيرا وكلما أحاسب نفسي أبرر هذا الأمر بالحب في الله وأن الهدف هو الإصلاح ولكن حبي له يفوق حبي لإخوتي في العمل الإسلامي فهل في هذا خلل أو ما يخالف الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب بين شخصين يختلف حكمه بحسب نوعه:
فهناك الحب في الله المطلوب شرعاً والمحمود طبعاً، وهناك الحب المحرم شرعاً ... ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم: 8424.
وبما أنك قد تعلمت من شرع الله وسرت في طريق الدعوة إلى الله تعالى فينبغي أن تعلم من أي نوع من أنواع الحب هذا الذي تجده في نفسك لهذا الشخص، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: استفت نفسك، استفت قلبك ... البر ما اطمأننت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. رواه أحمد والدارمي، وأصله في صحيح مسلم.
وعلى ذلك فإذا أحسست أن حبك لهذا الشخص هو من النوع المحرم أو قد يفضي إلى المحرم فيجب عليك الابتعاد عنه كل البعد، أما إذا شككت فقط، فننصحك بالابتعاد عن هذا النوع من الإعجاب وعن الشخص الذي لا يكون حبه عادياً أو في الله تعالى تغليباً لجانب المصلحة والسلامة وسداً للذريعة، لأن السلامة لا يعدلها شيء، ومن القواعد الفقهية المسلمة"أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(9/3511)
من جاهر بالمعصية جهلا هل يدخل في الوعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فلو أن هناك شخص لم يكن يعلم هذا الحديث أو نسيه أو لم يكن يفهم معناه وحدث أن فعل معصية وجاهر بها بعد ذلك فما حكمه؟ وهل نسيانه للحديث يشفع له أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل الكريم حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه".
فلو أن شخصاً عمل معصية بينه وبين ربه وستر نفسه، فإن عليه ذنباً واحداً، وهو عمل المعصية، أما إذا جهر بهذا الذنب أو ذكره لغيره، فإن هذا يُعتبر ذنباً آخر.
قال العلماء: والحديث يدل على أن من استتر بستر الله تعالى عافاه الله من الفضيحة والعقاب بستره، وعدم المعاقبة عليه، والمؤاخذة في الآخرة.
أما من كشف نفسه، فإن الحديث يدل على أنه ليس بمعافى، وأنه مأخوذ بالذنب.
وعلى هذا، فحكم المجاهرة بالذنب أنه ذنب آخر -كما قلنا- ولعل جهله ونسيانه وخطأه يرفع عنه الإثم إن شاء الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه.
وعلى كل حال، فالمسلم يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من كل الذنوب امتثالاً لأمر الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم:8] .
فإن لم يتب فهو من الظالمين، كما قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(9/3512)
دردشة الزوجة مع أجنبي من الخيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما حكم الزوجة التي تخون زوجها باتصالها بشخص غريب عنها والدردشة معه ثم تشكي له من زوجها وأغلب كلامها عليه كذب؟ ولا تزال تعيش مع زوجها وهو لا يعلم بخيانتها أما أهله فهم على علم بالأمر فما حكم الزوجة وأهل الزوج لتسترهم على الموضوع؟
أرجو الإجابة لأهمية الأمر.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قامت به هذه المرأة من اتصال وعلاقة مع رجل أجنبي عنها إثم ومعصية وخيانة لزوجها، وتدنيس لعرضها، فيجب عليها التوبة من ذلك والإقلاع عنه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 22368.
ومن واجب من اطلع على علاقتها المحرمة أن ينصحها، فإن لم ترتدع، فيجب عليه إخبار زوجها حتى يقطع دابر هذه العلاقة التي قد تؤدي إلى الفاحشة، ومشاكلها مع زوجها إن وجدت تعالج بالطرق الشرعية، وبنظر أهله وأهلها، لا بالشكوى إلى الأخدان والعشاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(9/3513)
التفاخر بالأنساب جاهلية قديمة مذمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التفاخر بالأنساب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتفاخر بالأنساب محرم، وهو من خصال الجاهلية المذمومة، وقد جاء الإسلام بإبطاله والنهي، عنه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) [الحجرات:11] . وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13] .
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت".
وروى أيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة ... ".
وقد ذكر البخاري مثله موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الأولين والآخرين كان يقول: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" رواه الترمذي وابن ماجه.
ولا حرج أن يتعلم الرجل نسبه، بل يطلب منه ذلك شرعاً ليعرف أرحامه وأقرباءه ويصلهم، وقد روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1423(9/3514)
الشكوى.. بين الرخصة والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته
ما الحكم في ما نكتبه من خواطر النفس وعلي سبيل المثال كقولنا إننا نعيش في أسى أو أن أصف حالة ألمت بي سواء أكانت ألما أو فرحا؟ وجزاكم الله عنا ألف خير أفيدوني أفادكم الله....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج على المسلم في أن يتكلم عن حاله أو أن يكتب ذلك فيصف فيه أموراً تمر به أو مرضاً يبين أعراضه لطبيب ما لم يكن في ذلك اعتراض على مقدور أو تأفف بمكتوب قضاه الله على عبده، وقد قال نبي الله أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] .
وفي البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وا رأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه ... الحديث.
وقد بوب البخاري في صحيحه باباً تعرض فيه لتلك المسألة فقال يرحمه الله: باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام "مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، قال الحافظ في الفتح: أما قوله "إني وجع" فترجم به في كتاب الأدب المفرد، وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء -يعني بنت أبي بكر وهي أمهما- وأسماء وجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعت.... الحديث.
وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً، فقلت: أصبحت بحمد الله بارئاً؟ قال: أما إني على ما ترى وجع ... فذكر القصة. أخرجه الطبراني.
وأما قوله "وا رأساه" فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب، وأما قوله "اشتد بي الوجع" فهو في حديث سعد الذي في آخر الباب، وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال: هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعياً ولم يذكره للمخلوقين، قلت: لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يُمنع، رداً على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من الله ليس ممنوعاً، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك، فكأن مراد البخاري أن الذي يجوز من شكوى المريض ما كان على طريق الطلب من الله، أو على غير طريق السخط للقدر، والتضجر، والله أعلم.
قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه، كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموماً حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، والله أعلم.
وروى أحمد في الزهد عن طاووس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك، ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى، ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخط للقضاء، وتورث شماتة الأعداء، وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقاً.
فالحاصل أن الشكوى ليست مرغوباً فيها ولا ينهى عنها لمن احتاج إلى ذلك ولم يصل إلى مرحلة التضجر، والتسخط من قدر الله كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1423(9/3515)
ما يؤاخذ به المرء عند الغضب وما لا يؤاخذ.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عصبية كثيراً وكل ما يمر الزمن تزداد عصبيتي فهل الله يحاسبني على ما يصدر مني أثناء العصبية علما بأنني أتوب مع بداية كل يوم جديد وأنوي عدم تكرار ذلك ولكن أرجع وأعصب وتصدر مني أشياء مخالفه للشرع ومنها الصراخ على من أمامي بصوت عال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الغضب والتوتر والانفعال وعلاج ذلك في الفتاوى التالية:
17652 -
24820 -
8038 فراجيعها لزاماً.
أما عن الإثم بسبب ما تقولين عند الغضب، فإذا كان ما تقولينه هو من الإثم ولم يصل بك الغضب إلى مرحلة الإغلاق فإنك تأثمين ويجب عليك التوبة من ذلك، وإن تكرر ذلك فجددي التوبة. أما إذا بلغ بك الغضب مرحلة الإغلاق بحيث لا تعين ما تقولين -وهذا نادر الوقوع عادة- فإنه لا إثم عليك إن شاء الله، وعليك أن تتجنبي الأسباب التي تثير غضبك، وتجاهدي نفسك على التحلي بالحلم، وكظم الغيظ، والاستعاذة بالله دائماً من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1423(9/3516)
العصبية المحمودة والعصبية المنتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك تمييز طبقي في المجتمع الذي أعيش فيه وبالرغم من التطور إلا أنه لايزال يسيطر على كثير من الأفراد مثل أنت من القبيلة هذه أو أنا من الأسرة تلك والسؤال هل يجوز لي ترك الصلاة إذا تبين لي أن الإمام ممن ينتمي إلى قبيلة معينة أو بالأحرى له فكر عنصري؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتعصب بالباطل للعرق أو للجنس أو للوطن أو لشيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ ادّعَى دَعْوَى الْجَاهِلّيةِ، فَإِنّهُ مِنْ جُثَى جَهَنّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولُ الله وَإِنْ صَلّى وَصَامَ؟ فَقَالَ وَإِنْ صَلّى وَصَامَ. فَادْعُوا بِدَعْوَى الله الّذِي سَمَاكُم المُسْلِمِينَ المُؤْمِنينَ عِبَادَ الله". رواه الترمذي.
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ. غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَنَادَىَ الْمُهَاجِرُ أَوِ الْمُهَاجِرُونَ: يَالَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَادَىَ الأَنْصَارِيّ: يَالَ الأَنْصَارِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا هَذَا دَعْوَىَ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ؟ ".
فرغم أن كلاً من مسمى المهاجرين ومسمى الأنصار مسمى شرعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك -دعوى الجاهلية- لأنه دعوى إلى التعاضد والتناصر باعتبار هذا الانتماء لا باعتبار الحق والباطل.
أما إذا كان الانتساب للقبيلة أو الجماعة أو الوطن لمجرد التعارف والتعاون لا التفاخر والتشاجر فلا مانع من ذلك؛ بل هو مما خلق الله الناس عليه وله.
يقول شيخ الإسلام: المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقاً فعلى أصل الجاهلية. فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب. انتهى من اقتضاء الصراط المستقم.
والتعصب المذموم وإن كان محرماً فإن الصلاة لا تبطل خلف صاحبه لمجرد كونه متعصباً تعصباً مذموماً، كما هو مبين في الفتوى رقم:
21471.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1423(9/3517)
ثمرات العفو عن الظالم لا تقارن بالانتصاف منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الشريعة في خصام المسلم الذي يتسبب في ضرر لمسلم آخر..هل يجوز الامتناع عن مصالحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى حرم أذية المسلم وإلحاق الضرر به في نفسه وعرضه وماله؛ بل حرم الظلم عموماً تحريماً غليظاً، قال الله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:42] .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] .
ويقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.... أخرجه مسلم وغيره.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.... وهذا لفظ مسلم ... إلى غير ذلك من نصوص الوحي الكثيرة المشهورة.
وإذا كان الله تعالى حرم الظلم ابتداء.. فإن حكمته ورحمته سبحانه وتعالى اقتضت أن يحث المظلوم على الصبر والصفح عمن ظلمه ودفع السيئة بالحسنة، مع أنه مكنه -بمقتضى عدله بين خلقه- من أن ينتصر لنفسه ويدفع الظلم عنه.
قال الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى] .
فأثبت الله للمظلوم حقه في الانتصار لنفسه ودفع الظلم عنه عدلاً منه سبحانه وتعالى، وحثه في أول الآيات وآخرها على العفو والصفح والمصالحة رحمة منه وحكمة، لما في ذلك من لمِّ الشمل وسد باب الفرقة والتنازع الذي قد يؤدي إلى ماهو أشنع وأفظع، ولما فيه من قطع دابر الشيطان وما يريده من إيقاع العداوات والبغضاء بين الناس.
وقد وعد الله تعالى المظلوم بنتائج طيبة جراء عفوه وصفحه ومنها ما تقدم، ومنها أنه بعفوه وصفحه قد يصير الظالم ولياً رحيماً مسالماً، وأن الله سبحانه وتعالى يرفع قدر المظلوم ويعزه، على خلاف ما تتصوره العامة من الناس حيث يظنون العفو مذلة، والصفح مسكنة.
قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35] .
وفي المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن فإنه: ما نقص مالَ عبد صدقةٌ، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر.... وقد أخرج مسلم في صحيحه مثله.
هذا ولتعلم -أيها الأخ السائل- بما بيناه لك أن الخصام والسباب والمقاطعة والامتناع عن المصالحة ليس هو السبيل السوي للانتصاف من الظالم وردعه، ورد الحق للمظلوم، وإنما السبيل السوي في التعامل مع الظلم إما بالعفو عنه والصفح إذا لم تترتب على ذلك مفسدة أعظم، وإما برفع ظلمه ودفع شره من غير تعد ولا عدوان، سواء كان ذلك من المظلوم نفسه في الحالات التي له فيها أن يأخذ حقه لنفسه، أو من غيره من سلطان أو جماعة المسلمين، وهم مطالبون شرعاً برفع الظلم عن المظلوم ونصره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1423(9/3518)
ذكر الشخص بما يكره يعتبر من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تأتي إلي والدتي لزيارتي وتحكي معي عن أمور كثيرة منها أخبار إخوتي البنات والذكور وكذلك عن زوجات إخوتي وما يفعلن معها من أفعال غير مرضية وأتجاوب معها في الحديث.
وما سبق يتكرر أيضا عند زيارة حماتي لي وتحكي لي عن كل ما يحدث بينها وبين زوجات إخوة زوجي وأيضا أتجاوب معها في الحديث، فهل سماعي وتجاوبي معهن في الحديث يكون إثماً ونميمة أحاسب عليه أمام الله سبحانه وتعالى.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ذكر أمك وأم زوجك لزوجات أولادهن أو غيرهن بما يكرهن يعد من الغيبة، فلا يجوز لهن ذلك إلا إذا كان القصد هو إخبارك بذلك لنصحهن أو إبلاغ أزواجهن لمنعهن من سوء معاملتهن للأم.
وإذا لم يكن هذا هو القصد فإنه يجب عليك نهيهن عن ذلك، وتحويل الحديث إلى غير هذا الموضوع، وعليك بإخبارهن عن معنى الغيبة وخطورتها، ولو بطريقة غير مباشرة، كما ينبغي لك أن تسعي للإصلاح بين أمك وأم زوجك وبين زوجات أولادهن.
ولمزيد فائدة فيما يتعلق بالغيبة راجعي الفتاوى التالية:
6710 9350 17592
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(9/3519)
مرض العشق ودواؤه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحب حرام؟ اعني أن أعشق رجلاً وأن أتمناه لي زوجاً فأقابله وأتقرب إليه فهو معي دائماً دون أن أعصي الله أنا أحس بأني أحبه جداً فهل حبي له يجوز؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي -وفقك الله لطاعته- أن العشق مرض من أمراض القلوب لأنه لا يتمكن إلا من قلب فارغ من محبة الله معرض عنه متعوض عنه بغيره، كما قال ابن القيم رحمه الله في كتابه النافع "الداء والدواء"، ولكن لو كان العشق من غير تسبب الإنسان فيه وتهييجه كرجل وقع بصره على امرأة فعشقها ولم يعمل بسببها محرماً كخلوة ومراسلة ونحوهما، ففي هذه الحالة يكون معذوراً، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج ناجح لهذا المرض، ألا وهو الزواج، كما قال صلى الله علي وسلم: لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه عن ابن عباس وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
فإن أمكن أن تتزوجي من هذا الرجل فوكلي من يدعوه ليتقدم للزواج منك لعل الله أن يقدر في ذلك خيراً.
واعلمي أن لقاءه والحديث معه، والخلوة به ونحوها من الأمور المحرمة ولو لم تؤد إلى الوقوع في الفاحشة الكبرى، وكثيراً ما يفضي مثل هذا العشق وتوابعه إلى الفاحشة فلتحذري من ذلك أشد الحذر.
واشغلي نفسك بالطاعات من الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والتضرع لله أن يصرف عنك هذا العشق.
هذا وللعشق جملة علاجات يتدرج فيها الإنسان بسطها الإمام ابن القيم في كتابه المذكور في أول الجواب، يمكنك قراءتها فيه أو الرجوع إلى ملخصها في الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1423(9/3520)
أسلوب إيضاح الخطأ للعالم والمتعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التكلم عن المشايخ وتحذير الناس منهم إذا وجدنا عيبا فيهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهؤلاء المشايخ إن كانوا علماء فيجب احترامهم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد. وإن كانوا دعاة أو طلاباً للعلم فعليه أن يحترمهم كذلك، لسمو منزلتهم عند الله، فأما الدعاة فقال فيهم رب العالمين: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وأما طلاب العلم فقال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ... . رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وصححه الألباني، فإذا أخطأوا فلا بأس بتذكيرهم باحترام وتوقير، وحسبنا أنهم سيعودون إلى الجادة والصواب، فشيمة أهل التقى أنهم إذا ذُكِّروا يتذكرون، وإذا تذكروا فإلى الحق يرجعون، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201] وراجع الفتوى رقم: 10332 وأما إذا وقعوا في البدعة فلمعرفة كيفية التعامل معهم راجع الفتوى رقم: 19998 وأما إذا كانوا يفتون بغير علم فراجع الفتوى رقم: 14585 ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
17373 والفتوى رقم: 26119
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(9/3521)
حكم ما صدر من المكلف من أقوال وأفعال دون قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم الشتيمة غير المقصودة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] .
وروى ابن ماجه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
وعلى هذا فإن ما صدر من المكلف من أقوال وأفعال دون قصد غير مؤاخذ به شرعاً، إلا إذا كان في الفعل إتلاف لأموال الناس فإنه ضامن لما أتلف، لأن العمد والخطأ في أموال الناس سواء، لكنه لا إثم عليه في الخطأ.
والحاصل أنه لا إثم في الشتم ... غير المقصود لأن الأعمال بالنيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1423(9/3522)
الأصل في المسلم السلامة فلا يؤخذ بظن
[السُّؤَالُ]
ـ[تعاقدنا مع إمام شاب صلى بنا مدة عام لا يتوفرعلى أوراق الإقامة فطلبنا منه أن يعود إلى المغرب لكي
نرسل له الضمانة إلى القنصليةالهولندية ولما عاد أخبرنا أحد المصلين معنا أنه شاهدالإمام مع بنت
متزوجة في مكان خال من الناس، فأرسلنا فاكس إلى القنصلية الهولندية لكي لا تسلم الفيزا للإمام
لأن لا أحد يريد أن يصلي خلفه، فغضبت عائلته ووصفتنا بالمنافقين هل نحن كجماعة ما قمنا به يخالف الشرع وهل نحن منافقون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي نراه هو أنه لا يوجد مسوغ لفسخ التعاقد بينكم وبين هذا الرجل وذلك لسببين:
الأول: أنه أقام بين أظهركم سنة كاملة ويبدو من خلال سؤالكم أنه لم تكن لكم عليه أي ملاحظة، ولعل السبب فيما نسب إليه هو أنه قد يكون بينه وبين تلك المرأة محرمية أو وجدها في مكان عام، وكان له أو لها منه حاجة شرعية.. إذ يجوز للرجل أن يكلم امرأة أجنبية عنه إذا انتفت الخلوة، والتزم كل منهما بأحكام الشرع، ودعت الحاجة إلى الكلام ولربما كان ناقل الخبر إليكم بينه وبين الرجل المذكور عدواة فأراد أن يشوه سمعته لديكم، أو يكون وهم، والأصل في المسلم السلامة فلا يؤخذ بظن.
الثاني: أن الرجل قد تكلف مبالغ في سبيل دخول تلك البلاد، وقد كان بمرور الزمن يأمل الحصول على إقامة تخوله العمل أو الدراسة فعطل كل ذلك، وعاد إلى بلده بوعد منكم، فعليكم أن ترسلوا له الإقامة، وأخبروه بما حدث حتى لا يدخل في خاطره شيء، وأخبروا الناس بأنه لا يجوز أن يؤاخذ الإنسان بالظنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1423(9/3523)
يترك أمر التكييف وما شابه للمسؤولين عن المكان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الرجل الذي يغلق المكيفات وهذا مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة داخل المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تشغيل المكيفات أو إقفالها من اختصاص القائمين على المسجد كالإمام والمؤذن ونحوهما، وعلى المصلين أن يتركوا لهم مثل هذا الأمر لأنهم الأدرى بأحوال الناس.
وليس لأحد أن يقفل المكيف إن كان ذلك يؤدي إلى ارتفاع الحرارة داخل المسجد لأن مثل هذا التصرف يضر بالآخرين، ويؤدي بهم إلى عدم الخشوع والطمأنينة أثناء الصلاة.
لذا ينبغي أن تراعى أحوال المصلين ويؤخذ برأيهم في مثل هذه الأمور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1423(9/3524)
حكم إفشاء السر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأسرار الزوجية التي يجب على الزوجين عدم التحدث عنها أو الإفصاح عنها أمام الآخرين؟ أريد شرحاً مفصلاً عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على حكم إفشاء ما يقع بين الزوجين من أمور الاستمتاع في الفتوى رقم:
12911.
أما إفشاء ما عدا هذا من الأسرار.. فإن كان في إفشائه ضرر أو طلب أحد الزوجين من الآخر كتمانه فلا يجوز إفشاؤه، وليس هذا خاصاً بالزوجين، وإنما هو عام لكل الناس لما خرجه أبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة.
قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1423(9/3525)
الحب.. حكمه وضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بكلية العلاج الطبيعي ولي زميلة وأنا وهي الآن بالفرقة الثانية ولقد أحببتها نعم أحببتها ولكني غير موافق على ما يحدث في الجامعة من اختلاط وتبرج نهائياً لذلك أبعث هذا السؤال كي تفيدوني، هل أصارحها بهذا الحب؟ للعلم لقد حاولت مرة واحدة أن أكلمها وبالفعل كلمتها ولكن لم أستطع أن أجمع أي كلمة أمامها وانصرفت دون أن أعبر عن أي حديث أو أي مشاعر ولقد قالت لي إنها لا تكلم بنين وهذا ما زاد حبي لها ومنذ ذلك اليوم لم أكلمها أو أنظر إليها، ما أريده هو أن أصارحها بحبي لها أنا حيران ما أنوي عليه أن تكون هي زوجتي على سنة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) أفيدوني بالله عليكم، والله ما تقولونه من شرع وسُنن هو الذي سأطبقه. جزاكم الله كل الخير.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزئ السائل خيراً على حرصه على معرفة الحق والاستقامة على طريقه، ونحيله على جواب سابق عن الحب وأنواعه وحكم كل نوع ففيه ما يكفي ويشفي، وهذا الجواب تحت الرقم:
5714، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
4220.
وفي ختام هذا الجواب فإننا ننصحه بأن يتقي الله ويغض بصره عما حرم الله تعالى، إذ أن النظر هو مبدأ الشر، وهو بريد الزنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1423(9/3526)
هل يجب الوفاء لمن طلب الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو: إذا طلب منك شخص أن تدعو له وأنت قلت له إن شاء الله هل يعتبر الدعاء له أمانة يجب أداؤها؟ وهل إن طلب منك الدعاء له لا يكون هذا الدعاء إلا عن ظهر الغيب- أي من الأدعية المجابة شخص دعاء لأخيه بظهر الغيب -؟ وجزاكم الله عنا كل خير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز للمسلم طلب الدعاء من أخيه المسلم، كما هو مبين في الفتوى رقم:
18397.
ومن طُلِب منه الدعاء فقال: إن شاء الله فإنه يشرع له أن يفعل ذلك، وليس ذلك بواجب، بل مستحب، وذلك لأمرين:
الأول: أن الوفاء بالوعد مستحب ما لم يكن في عدم الوفاء ضرر فيجب حينئذ.
الثاني: أن قول: إن شاء الله.. استثناء لا يلزمه معه الوفاء لو كان الأمر واجباً من نذر أو يمين فكيف بالمستحبات.
ومن طلب منك الدعاء ثم دعوت له في حال غيابه، فهذا دعاء بظهر الغيب يرجى إجابته كما في الحديث، وإن دعوت له في حال حضوره فليس دعاء بظهر الغيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1423(9/3527)
النصيحة ... منزلتها.. وكيفيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النصيحة في الدين والسنة النبوية الشريفة، وأمثلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنصيحة واجبة بين المسلمين، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر] .
وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
أما الأمثلة على النصيحة من السنة النبوية فأكثر من أن تحصر، وكذا نصائح الصحابة فيما بينهم ونصائحهم لمن بعدهم، وكذا نصائح السلف فيما بينهم، ويطلب ذلك في مظانه من كتب السنة والسير.
والأصل في النصيحة أن تكون بالرفق واللين وبالتي هي أحسن حتى مع الفسقة والفجار، قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] .
وراجع الفتوى رقم:
3058 - والفتوى رقم: 3716.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1423(9/3528)
تبادل الأشعار بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز تبادل الأشعار الغرامية وغير الغرامية؟
أرجو إفادتي (بين الفتيات)
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه الأشعار تعبر عن الاحترام والتوقير والحب لمن كتبت له، فهذا لا مانع منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه. رواه ابن المبارك في الزهد، وصححه الألباني.
أما إذا اشتملت هذه الأشعار على ألفاظ العشق وما يثير الشهوات، أو كانت مدحاً مبالغاً فيه، فهذا لا يجوز لأنه محرم في ذاته، ولما يفضي إليه من أمور محرمة، كإثارة الشهوات وضياع الأوقات، وتعلق القلوب بغير الله تعالى، ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها: 16342 8424 3158
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(9/3529)
التساهل في أمر الغيبة ليس من خلق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة ولكنني أقع في اللغو والغيبة كثيراً وأستغفر الله بعد ذلك فماذا أفعل أفيدوني جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المرء أن يقلع عن السيئات، ويبادر إلى الخيرات، ويحرص كل الحرص على استدراك ما فات واغتنام ما هو آت، ويتوب من الذنوب والآفات، فإن العمر غير مضمون، الموت متوقع لكل مخلوق بين لحظة وأخرى، ولتعلمي أيتها الأخت السائلة أن الغيبة واللغو في الكلام أمران محرمان، تساهل فيهما كثير من الناس، حتى صار ذلك لهم من العادات، وقد دل على حرمة ذلك القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن فقوله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
وأما السنة، فما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة.... الحديث.
وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجه بلفظ: يمشي بالغيبة.
فالواجب على الأخت السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من ذلك قبل أن يفجأها الموت وهي على حالتها تلك، فيأخذ من اغتابتهم من حسناتها، لأن حقوق العباد موكولة إلى العباد، ولا يغفرها الله تعالى حتى يرضى أصحابها، ولمعرفة ما ذكرنا بتفصيل أكثر، مع ذكر كيفية التوبة من الغيبة راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 21226 -
24940 -
2259 -
26119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1423(9/3530)
الفرح باهتداءالناس على يديك ليس رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
مع مجيء شهر رمضان أردت أن أقنع بعض أصدقائي بصلاة التراويح ابتغاء رضاء الله علي لكني وبما أني ملتزم حديثا منذ ما يقارب ثلاث سنوات وعمري لا يتجاوز 26 سنة أخاف أن يكون هذا نوع من الرياء لأني أفرح عندما أجد نفسي أنصح أصدقائي وأزداد فرحا عندما أجد استجابة.
لكني في قرارة نفسي لا أريد إلا أن أفيد أصدقائي بما استمعت إليه من دروس وأحاديث النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام.
هل أنا على صواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطالما أن فرحك ليس منشؤه الرياء وحب السمعة، وإنما من شعورك بالحرص على نصيحة وهداية زملائك فلا شيء عليك، فإن المؤمن يفرح بقيامه بما أوجب الله عليه من النصيحة، ويفرح باهتداء الناس واستجابتهم له، قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [يونس: 58] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأمر بأمر ويستجيب الناس له يفرح ويسر، حتى يستنير وجهه، فأبشر فإنك على خير إن شاء الله، وجاهد نفسك على الإخلاص، وواصل دعوتك لأصحابك وزملائك، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.. كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1423(9/3531)
الكذب لأجل الإصلاح قربة وعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقوم بإصلاح ذات البين بين صديقين لي وقد كذبت على أحدهما في المسجد أن الآخر يذكره بالخصال الحميدة وفور خروجي من المسجد أحسست بالذنب لأنني كذبت في مكان مقدس ما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت فأنت مثاب -إن شاء الله- تعالى وقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. رواه مسلم.
وقد أحسنت قولاً وفعلاً، ولا شك أن الكذب في الأماكن المقدسة أشد تحريماً، ولكنك في عرف الشرع لست كذاباً إنما أنت مصلح والإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، وراجع الفتوى رقم:
19478.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1423(9/3532)
التأفف بين الحرمة والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التأفف (بمعنى النفخ) حلال أم حرام؟ أم مكروه ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتأفف في حق الوالدين محرم لا يجوز بحال لورود النهي عنه في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُف [الإسراء:23] .
وهو في حق الله تعالى إذا أنزل مقدوره بالإنسان أشد تحريماً لأنه يشعر بالضجر والسخط وعدم الصبر والتسليم لأمر الله وحكمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وابن ماجه.
وهو في غير ما ذكرنا مكروه لأنه ينافي مكارم الأخلاق وجميل الصفات، وانظر الفتوى رقم:
15197 - ورقم:
23586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1423(9/3533)
أحب أعوان إبليس وأقربهم منه منزلة.
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقال لرجل يصلي ولكن يفسد بين الناس وخاصة عائلته؟ فما الحل ليكف عن ذلك؟ (الرجل غني كثيرا) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشخص الذي يفسد بين الناس هو من جند الشيطان المقربين إليه لأنه يمارس مهمة الشيطان بين المؤمنين، فقد روى مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً. قال: ثم يجيىء أحدهم يقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته! قال: فيدنيه ويقول: نعم أنت. قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه.
وما يفعله هذا الشخص يعد من كبائر الذنوب، وقد روى الترمذي وقال: حسن غريب عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل. الخب هو الخداع الذي يفسد بين الناس بالخداع.. كما في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي.
وفعله هذا يعتبر من الإفساد في الأرض، والله تعالى لا يحب المفسدين.
والواجب نصح هذا الشخص وبيان خطر فعله وقبيح أثره، وهذا الشخص لم ينتفع من صلاته لأنه لم يؤدها كما أمر الله ورسوله ولو أداها كما شرعت لنهته عن هذا الفعل القبيح، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] .
وقد روى الطبراني في الكبير بسند فيه ضعف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً. ومع هذا فالواجب عليه أن يواصل أداء الصلاة وينصح بإحسانها فإنها ستنفعه ولو بعد حين، فقد روى أحمد والبزار والطحاوي والبغوي والكلاباذي وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق! فقال: سينهاه ماتقول أو قال: ستمنعه صلاته.
نسأل الله تعالى أن يمن عليه بالتوبة والإصلاح بين الناس بدل الإفساد بينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1423(9/3534)
الكذب.. معناه.. حكمه وأقسامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد محاضرة عن الكذب من فضلكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى ذكر الكذب في محكم كتابه في نحو مائتي آية، كلها إما على سبيل الذم، وإما على سبيل تبيان سوء عاقبة الفاعل.
والكذب هو الإخبار بالشيء بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد. وهو كبيرة تجر صاحبها -والعياذ بالله- إلى النار، كما في الحديث المتفق عليه: " إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً." ويؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله قال تعالى: (قتل الخراصون) أي لعن الكذابون، وقال (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) وهو من خصال أهل النفاق، كما جاء في صحيح مسلم: " آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان."
وبالجملة فإن الكذب محرم.. وهو على عدة أقسام: منه الكذب على الله ورسوله، وهذا متعاطيه مقعده محجوز له في النار، كما في الحديث المتواتر: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار." ومنه الكذب على الناس كي يضحكهم أو يجلب أنظارهم إليه ونحو ذلك، ومنه أن يقول: رأيت في منامي كذا وهو كاذب، وهذا قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: " من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل." والحديث عن الكذب يطول، ولم يرخص في شيء منه إلا في مواطن ثلاث: في الحرب، وإصلاح ذات البين، وحديث الرجل إلى امرأته، وحديث المرأة إلى زوجها، كما في زيادة مسلم في حديث أم كلثوم حيث روى عنها أنها قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني: الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
نرجو الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الصادقين، فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1423(9/3535)
يوشك الصديق أن يوافق صديقه على ما هو عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف شاباً يشرب الخمر ويرتكب الكثير من المعاصي وهو يحبني فهل يجوز أن أسأل عنه أو أن أتودد إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرء المسلم مأمور بأن يحسن اختيار من يصاحبهم، وأن يجتنب رفقاء السوء، الذين يعاقرون الخمور، ويباشرون الفواحش، لما في صحبتهم من الداء، وما في مجالستهم من الوباء، ولأن الصديق يوشك أن يوافق صديقه على ما هو عليه، ولو أنكره عليه في بداية الأمر، وقد مضى بيان معنى الصحبة والصداقة مع بيان الآثار المترتبة على ذلك، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها:
24857 -
23215 -
22005.
وبناء على ذلك فإننا نقول للأخ السائل: إياك ومخالطة مثل هذا الشاب المذكور، ولو كان يحبك كما ذكرت، واحذر من الاختلاط به أو مجالسته، أو صحبته، وهذا لا يمنع أن تكلمه وتراه في حدود ضيقة جداً من باب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والواجب في ذلك أن يضبط بالمصلحة، فحيث كان الاتصال به والكلام معه سيؤثر في تعديل سلوكه وإقلاعه عن المعاصي فالاختلاط به أولى، وحيث كان ذلك سيؤدي إلى ضررك أنت، أو علمت أنه لن يغير من سلوكه، فالسلامة لا يعدلها شيء، فيكون الأولى عدم الاختلاط معه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
22411 -
14139 -
21242.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1423(9/3536)
من أضر الأشياء على الشخص بغضه للنصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أصلي لا أعرف لماذا؟ ولكن إذا هممت بأن لا أقطع أي وقت يراودني الشيطان فلا أصلي كما أني لا أسمع نصيحة من أحد بل أقوم بالغناء أو أسد أذني وخاصة من أختي الصغيرة التي تكرر نصحها لي باستمرار وأنا الآن عمري 19 سنة فأرجو أن تجيب على سؤالي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ترك الصلاة أمر عظيم وجرم كبير يستحق به صاحبه أشد العقوبة ألم تسمع قول الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر:42-44] .
وقال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد.
فاتق الله واعلم أنك على خطر عظيم إن لم يتداركك الله برحمة منه فتصلي وتترك ما أنت فيه.
واعلم أن من أضر الأشياء على الشخص بغضه للنصيحة واستكباره عن الانقياد للحق، كما قال تعالى عن القوم الظالمين: وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79] .
وقال عن قوم نوح: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً [نوح:7] .
فهل تريد أن تكون بهذه الصفة التي ذم الله أهلها وعاقبهم بأشد العقوبات.
ثم اعلم أنك بهذا التصرف تعين الشيطان على نفسك بل تمكنه منها، فاسمع نصيحة أهل الخير واصحبهم وجالسهم، فهذا من أهم ما يعينك على المحافظة على الصلوات، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1423(9/3537)
ضوابط الغيبة المباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يغتاب المؤمن شخصاً مبتدعا إذا كان الشخص المبتدع يعلم بأنه يقوم بشيء محرم وثانياً إذا لم يكن يعلم. أم لا يجوز]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أصل الغيبة محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
وقال صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم وغيره.
إلا أنه قد يعرض للأمر المحرم ما يبيح فعله، وللغيبة أحوال تجيزها وقد بيناها مستوفاة في الفتوى رقم:
6710 - والفتوى رقم: 17373.
ومن هذه الأحوال: التحذير من المبتدع بما يبصر الناس ببدعته ويحصنهم من الوقوع فيها، لكن يجب ألا يتعدى المحذر حدود ما دعت الحاجة إليه في ارتكاب المنهي عنه، وذلك بأن يكتفي بذكر الخصال التي تؤدي المقصود من التحذير وهو الإرشاد والتوجيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهم عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن القدح في الشخص، فهذا من عمل الشيطان، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، بل يكون الناصح قصده أن يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه. انتهى
وقد ذكر نحواً من هذا اللكنوي في كتابه الرفع والتكميل في الجرح والتعديل.
ولا فرق في جواز غيبة المبتدع بين كونه عالماً ببدعته، وكونه غير عالم بها، لأن حاجة الناس إلى الحذر منها تقتضي الجواز دون نظر إلى نية فاعلها أو حاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1423(9/3538)
أوكد العهود معاهدة الله عز وجل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي مضحك نوعا ما ولكن أرجو الإجابة عليه.. أنا أحب أكل الفحم وفي فترة ظننت أنه ضار ولم أستطع أن أتخلص من عادة أكله فقلت في نفسي ولا أعرف إن كنت لفظتها ... أعاهدك يارب أني لن آكل الفحم بعد اليوم.. وكل ذلك لإجبار نفسي على ترك عادة أكل الفحم
لكن بعد أن تبين لي أن أكله ليس ضاراً وإلا ما أكله العديد من الناس ... فعدت لأكله من جديد
ما حكم ذلك..... وهل أنا مذنبة ... وهل علي كفارة وتوبة؟؟؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنما قالته السائلة من أنها تلفظت بأعاهد ربي على أن لا أفعل كذا، قد اختلف أهل العلم فيه هل تنعقد به اليمين أم لا؟
والراجح من أقوالهم -إن شاء الله- أنه ليس بيمين، وهو ما رجحه الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير.
وننبه السائلة إلى أن الله تعالى أوجب الوفاء بالعهد، ونفى الدين عمن لا عهد له؛ فقال تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم
وقال تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا دين لمن لا عهد له." رواه أحمد.
وعلى هذا؛ فعلى المسلم أن يرعى عهوده على العموم، وأهمها وأعظمها ما عاهد عليه الله ما لم يكن معصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1423(9/3539)
الرفاهية ... بين الإباحة والذم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أعمال سعودي ناجح في أعمالي لي زوجة و 4 أبناء أسكن منزلا فخما أحيط فيه عائلتي بوسائل الرفاهية الحديثة المباحة أغير سيارتي سنويا وأسافر في عطل الصيف خارج البلاد أبنائي وزوجتي مثال للاستقامة والطاعة وأولادي متفوقون دراسياً أحرص على إخراج الصدقات والزكاة في أوقاتها وأدعم جمعيات خيرية فهل الرفاهية التي أحيط بها نفسي من قبيل التبذير المحرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسراف والتبذير محرمان، قال الله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء:27] .
وقال الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] .
وقد سبق بيان ذلك وافياً مع توضيح معنى الإسراف والتبذير في الفتاوى التالية أرقامها: 19064، 9266، 12649.
فإذا كان ما تفعله في بيتك وطعامك وشرابك موافقاً لتعريف التبذير والإسراف في الفتاوى التي ذكرناها، فلا يجوز لك فعله، ويجب عليك الإقلاع عنه والتوبة منه بالندم والعزم على عدم العودة إليه أبداً، وإن لم يصل ما تفعل إلى الحد المذكور فليس ذلك من الإسراف والتبذير، وإن كان الاقتصاد في العيش وعدم الترفه مما يحث عليه الشرع ويندب إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون، ألا تسمعون: إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان. رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
والبذاذة: التقحل، وهو التجوز في اللباس وعدم التكلف فيه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ومن ترك أن يلبس صالح الثياب، وهو يقدر عليه تواضعاً لله تبارك وتعالى، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق، حتى يخيره الله تعالى في حلل الإيمان أيتهن شاء. رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط ... وغير ذلك من النصوص.
لكننا ننبه السائل إلى أن حد الإسراف يختلف من شخص لآخر بحسب الغنى والفقر وقد بينا ذلك وافياً في الفتوى رقم: 17775.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 14414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1423(9/3540)
حكم الكذب خوفا على الوظيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ليس من طبعي الكذب أو التملق فإذا طلب مني صاحب العمل مجاراته في الكذب على العملاء لأن هذا هو طبعه هل أرتكب ذنبا إذا طاوعته في كذبه هذا لأنني خائف على وظيفتي وعلى أكل عيشي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك الكذب على العملاء إرضاءً لصاحب العمل، ومجاراة له، لأن اعتياد الكذب من الكبائر التي تفضي بصاحبها إلى النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة: " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا." أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وهذا لفظ مسلم. والكذب في البيع والشراء من الكبائر، وقد توعد الله صاحبه وعيداً شديداً قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم." قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: " المسبل والمنَّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب." رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
فعليك بالصدق في قولك، والرزق أمره بيد الله تعالى، قال سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا [الطلاق: 2-3]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1423(9/3541)
وما آفة الأخبار إلا رواتها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نسمع في الجزائر كلاماً من بعض الإخوة الملتزمين ويقولون إنهم جلسوا في مجلس الشيخ صالح العثيمين وسمعوا منه فتوى بأن الدكتور طارق السويدان فيه شبهة من الشيعة ويرجى عدم سماعه, مع العلم أننا استفدنا من كثير من علمه وأشرطته من السيرة وحياة الصحابة وغيرها من الأشرطة أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان القول في أشرطة الدكتور طارق سويدان في الفتوى رقم:
10815 - والفتوى رقم:
21777، وتبين منها أنه لا يصح إطلاق القول بالاستفادة من هذه الأشرطة؛ لأن كثيرًا من الناس لا يميزون بين الصحيح والسقيم، لا سيما أنها تحتوي على ذكر ما حصل بين الصحابة من فتنة، وهذا أمر لا يستوعبه كل الناس، ولا يستطيعون فهمه الفهم الأمثل.
أما ما نقل عن الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله، فلا نعلم أنه قال مثل هذه العبارة، وعلى ناقلها أن يتقي الله تعالى، ولا يتسرع في نشر شيء لم يسمعه بأذنيه، فقد قالوا قديمًا: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
وراجع الفتوى رقم:
18788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1423(9/3542)
لا شأن للزوج بما حصل قبل الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ما بين الثامنة والعاشرة لا أتذكر وكان ابناء عمتي يأتون إلى منزلنا لمشاهدة التلفاز والتلفاز في حجرة نومنا نحن الأطفال حيث لي أخوان 3 أولاد وكنت صغيرة لا أعي لأي شيء من الجنس وكان ابن عمتي يداعبني بإخراج عضوه الذكري وأنا في نوم عميق ولا أدري ماذا كان يفعل بي وعندما كبرت وبلغت أدركت ماذا كان يفعل أما وقتها كنت غير مدركة ماذا كان يفعل لأني كنت صغيرة ولا أعي لشيء من ذلك
هل هذا يعتبر زنا مع العلم أني في وقتها كنت غير مدركة لأي شيء من هذا وأنا الآن متزوجة ولدي ثلاثة أطفال فهل أقص لزوجي عن ذلك الماضي الذى ليس لي أي ذنب فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان لا يعاقب على ما يفعله من الذنوب قبل البلوغ، والبلوغ يحصل بواحد من أمور أربعة:
الأول: الاحتلام. الثاني: نبات شعر العانة. الثالث: بلوغ خمسة عشر عامًا. الرابع: الحيض بالنسبة للمرأة.
فإذا حصل واحد من هذه اعتبر الإنسان بالغًا وجرى عليه التكليف وحوسب على ما يفعله من الذنوب، وأما قبل ذلك فلا.
والذي ظهر لنا من حال السائلة أن هذا الذي حدث كان قبل بلوغها، وعليه فلا إثم عليها، وينبغي أن تجعل من هذه الحادثة درسًا في تربية أبنائها وبناتها، وزاجراً عماَّ اعتاده الناس من التساهل في اختلاط الأبناء والبنات.
وعلى افتراض أن ما حدث كان بعد البلوغ فينبغي للسائلة أن تستر نفسها كما سترها الله ولا تخبر بذلك أحدًا، وإياك ثم إياك أن يصل هذا الخبر إلى زوجك، فربما ترتب عليه مفاسد دون مصلحة ترجى من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1423(9/3543)
الأصل في المسلمين السلامة من كل سوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة في السادسة والثلاثين من عمري، متزوجة وعندي من الأولاد اثنان في المرحلة الابتدائية. زوجي يلح علي بشدة أن أنجب للمرة الثالثة وأنا أرفض ذلك بسبب تخوفي الشديد منه حيث إنني قد اكتشفت أن له نزوات كثيرة وأخطاء جسيمة جعلتني أفقد الثقة به تماما أعيش معه علي أنه أب لأولادي فقط رغم معاملته المثالية لي. أستطيع أن أقول إنه لولا ذلك العيب الشنيع لصنف وجي زوجي مثاليا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. وحتى لا أطيل على فضيلتكم أسأل هل يجيز لي الشرع الامتناع عن الإنجاب لعدم ثقتي التامة به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبق أن أجبنا عن حكم تأخير الإنجاب لعذر كالذي ذكرت، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 15099، 10432، 18375.
ولا ندري ما هي النزوات التي لزوجك، ولكن نقول لك: لا ينبغي للمسلم أن يسيء الظن بغيره إلا بحجة واضحة وقرينة غالبة، ولا ينبغي أن يتوهم الإنسان أشياء لا حقيقة لها في واقع الأمر، والأصل في المسلمين السلامة من كل سوء، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل دامغ لا يقبل الشك ولا التأويل هذا بالإضافة إلى أنه لا ينبغي الحكم على الشخص بأنه شخص سيء بمجرد أن يقع منه الخطأ مرة أو مرتين أو ثلاثًا، فلا يحكم على الشخص بأنه سيئ إلا إذا كان ارتكب السيئات بسجية من سجاياه وليس أمراً عارضًا، فكل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1423(9/3544)
حكم الكذب لتحصيل غرض محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
توفي ابن عمي منذ 5 سنوات وعليه ديون وترك مالاً يكفي لتسديد الديون وأكثر. ترك والدين كبيرين (الأب حوالي 75 سنة الآن والأم 70 سنة) وابن وحيد (غير بالغ حوالي 18 سنة الآن) . للمتوفى أخ غير وارث بالطبع (عمره 42 سنة الآن) يتصرف في التركة ولا يرغب في تسديد ديون أخيه المتوفى رغم المحاولات العديدة معه كونه اعتاد على هذا السلوك فهو لا يؤدي حتى ديونه الخاصة رغم أنه موسع.
سؤالي: هل يجوز أن نكذب على أخ المتوفى بالقول له بأننا رأينا أخاك في المنام وهو يستنجد -مثلا- ليلين قلبه ويسدد ديون أخيه كون جميع الطرق لا تجدي معه.
ملاحظة: لست بصاحب دين ولكن أردت فعل ذلك لما أجده في نفسي من إنكار لتصرفات هذا الأخ في مال المتوفى وعدم تسديد ديونه؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على هذا الأخ أن يتقي الله تعالى في أخيه المتوفى، ويؤدي الدين الواجب عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه. رواه الترمذي وحسنه وصححه السيوطي.
وقد مضى بيان أهمية ذلك في الفتوى رقم:
4062.
ودين الميت مقدم على الوصية، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
6159.
فإن تم نصح هذا الأخ، واستعملتم معه سبل الإصلاح المشروعة ولم تجدوا من ذلك فائدة، إلا أن تكذبوا عليه بما ذكرتم، وكان ذلك سيؤدي إلى رضوخه للأمر المطلوب، فلا مانع من هذا الفعل، قال في دقائق أولي النُّهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس، ومحارب، ولزوجة فقط، قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به. انتهى
وقال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى
وإن كان الأفضل أن تستعمل المعاريض، قال الإمام البخاري في صحيحه: باب المعاريض مندوحة عن الكذب. انتهى
وراجع الفتوى رقم:
7758.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1423(9/3545)
ذكر شخص دون أن يعرفه السامع ليس غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذكرت شخصاً دون ذكر الاسم فهل هو غيبة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا لم تذكره بوصف يميز به بحيث يعرفه السامع فلا يسمى هذا غيبة، وراجع الفتوى رقم: 6082 - والفتوى رقم:
18728.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3546)
حب الشهرة ... مخاطرعظيمة ومحاذير
[السُّؤَالُ]
ـ[حلمي الوحيد في الحياة هو أن أكون رائدة فضاء وأن أكون مشهورة كل من في الدنيا يعرف اسمي فهل هذا يخالف الدين الإسلامي حتى لو كنت متحجبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي -وفقك الله- أن محبة الشهرة والظهور، والتماس ذلك وطلبه بما لا يباح شرعاً من أكبر المحرمات، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله عنه حتى ينزعه. رواه ابن ماجه من حديث أبي ذر بإسناد جيد كما قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة. رواه أحمد وأبو داود. وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، ثم يلهب فيه النار. أخرجه أبو داود.
والمقصود بثوب الشهرة أي ثوب يشتهر به بين الناس ولما كان ذلك محرماً، كان جزاء مرتكبه أن يلبسه الله (ثوب مذلة) معاملة له بنقيض قصده، وذلك لأن محبة الشهرة والظهور يدلان على التكبر وحب العلو على الآخرين، وقد قال الله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] .
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. رواه مسلم.
ويدل أيضاً على العجب بالنفس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: بينما رجل يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. رواه مسلم.
واعلمي أختي الكريمة أن السعادة ليست في الشهرة فكم من شخص مشهور بين الناس وهو قد حرم من السعادة، وصدق من قال:
هبوني حياة لا تروع بالأسى ... وسيان عندي شهرة وخمول
وإنما السعادة في الإيمان والعمل الصالح، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] .
وقال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] .
وكم من إنسان مغمور بين الناس، لو أقسم على الله لأبره، قال صلى الله عليه وسلم: كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره. رواه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح حسن من هذا الوجه.
وعمل المرأة كرائدة فضاء، أو نحو ذلك مما هو من أعمال الرجال، لا يتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.
كما أنه يتنافى مع ما يجب لها من صيانة وبعد عن مخالطة الرجال، وقد قال الله تعالى لخير نساء الأمة: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ [الأحزاب:33] .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها. رواه ابن خزيمة.
فننصح السائلة بأن تحول اهتمامها نحو ما ينفعها عند الله من التنافس في الخير، كحفظ القرآن، والدعوة إلى الله، ومساعدة المحتاجين وتكون نيتها في هذا العمل خالصة لله من دون الناس، قال الله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] .
قال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك أحد إلى الله فافعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1423(9/3547)
الكذب والقذف بالباطل بهتان وإثم مبين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في من ظنت بزوج أختها ظن السوء ثم بدون دليل ذهبت إلى أختها وأخبرتها بأن زوجها يسكر ويزني ويمارس كل أنواع المحرمات وأقسم بالله بأنه بريء من هذه التهم وهو الآن يحافظ على الصلاة ويقرأ القرآن والزوجة تصدق تماماً كلام الأخت ماذا تنصح الزوج؟ والزوجة؟ والأخت؟ وبارك الله فيكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب على الناس وقذفهم بالباطل بلا برهان من البهتان الذي حرمه الله ورسوله؛ كما قال تعالى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنّ [الممتحنة:12] .
فدخل فيه قذف أهل الإحصان، والكذب على الناس، وقذفهم بالباطل وما ليس فيهم، وسائر ضروب الكذب. أفاده الجصاص في أحكام القرآن.
ويقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] .
وإذا كان الأمر على وفق ما ورد في السؤال فإن هذه الأخت جمعت في فعلتها هذه البهتان والنميمة، ويجب عليها التوبة إلى الله والسعي لإصلاح ما أفسدته، وذلك بتكذيب نفسها عند أختها، والاستغفار والدعاء لزوج أختها، أما الزوجة فعليها أن تذب عن عرض زوجها، وتدفع عنه التهم الباطلة، والدعاوى الكاذبة، وأن تمنع وتزجر أختها عن ذلك، وعلى الزوج أن يستعين بالله تعالى ويصبر، وأن يبتعد عن المواطن التي يساء به الظن فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1423(9/3548)
حكم حب أخت الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أحب أخت زوجته هل حرام وماذا عليه إن كان حراما من عقاب وما كفارة ذلك؟ . جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للإنسان أن يتعلق بحب فتاة لا يجوز له الزواج منها، ومن ذلك أخت الزوجة، فإنها محرمة حال بقاء أختها في عصمته بل عليه أن يقطع كل تفكير في ذلك، ويشغل نفسه بذكر الله، وفعل الطاعات، والتفكير فيما هو أعظم من ذلك كالدعوة إلى الله، والارتقاء بأمة القرآن والإسلام من حال الاضطهاد والاستضعاف إلى حال القوة والتمكين، فمن جعل ذلك همه أفلح.
وكلامنا في حب لا يجر على صاحبه نظرة محرمة أو كلمة فاحشة أو مواعدة آثمة، فإن جر إلى ذلك فيحرم مطلقاً سواء كان حبه لفتاة يمكن زواجها أو لا يمكنه زواجها.
وانظر الفتاوى التالية: 19354 4220 8663 10258
9360
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(9/3549)
منزلة الصبر والصابرين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنارجل غير وسيم وبي عاهة تجعل الناس يسخرون مني وليس لدي إمكانييات لعلاج هذه العاهة فهل من معين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نوجه نصحنا إلى من لديه سعة أن يمد إليك يد العون والمواساة؛ لأن الإسلام دين الرحمة والشفقة والتكافل، والإنسان مأمور بإنفاق ما يستطيع أن ينفقه في وجوه البر والإحسان؛ لأن الله استخلفه في أرضه وأمره بالرحمة بعباده، وكلفه بالإنفاق من ماله الذي استخلفه فيه، قال تعالى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7] . وقال تعالى: وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفَّس عن مؤمنٍ كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
ثم إنه عليك أن تصبر على ما أصابك وتحتسب الأجر في مصابك عند الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الشورى:36] .
ولك فيمن سبقك إلى الابتلاء أسوة حسنة، فقد مدح الله نبيه أيوب عليه السلام على صبره، قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44] .
وقد ذكر القرآن في وصية لقمان لابنه: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17] .
وفي حديث المرأة التي اشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت أن يعافيك، قالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. متفق عليه من حديث ابن عباس.
فالصبر على البلاء وعلى قدر الله خيره وشره حلوه ومره موجب لحصول ما أعد الله للصابرين الذين مدحهم الله وأثنى عليهم في كثير من آيات القرآن، قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155- 157] .
وفي صحيح مسلم أحاديث متعددة تصرح بأن كل بلاء أو كرب أو ألم نفسي أو بدني يصيب المسلم تحط به سيئاته وترفع به درجاته.
ومن ذلك: ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصبٍ ولا سقمٍ ولا حزنٍ حتى الهم يهمه إلا كُفِّر به من سيئاته.
فنصيحتنا لك أن تصبر على أمر الله وقضائه بقلبٍ مطمئن ولسانٍ شاكر ولتعلم أن ذلك خير لك في عاجل أمرك وآجله. وأنه يوجد كثيرون في وضع أسوأ منك: إما نفسياً وإما بدنيّاً، فلا تفتك الفرصة وأقبل على الله تعالى.
وننصح ذوي النوايا الحسنة بقديم العون إليك، وأمثالك من المصابين والمنكوبين الذين لا يقفون بالأبواب، ولا يجدون من يوصل شكواهم أو يعرف بواقعهم، فإن في مواساتهم خيراً كثيراً وأجراً وفيراً. والله يرحمنا وإياهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(9/3550)
التفرغ للعبادة أم العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي والآن عندنا عطلة في شهر رمضان وقد تحصلت على عمل في محل ملابس
فما هوالأفضل أن أتفرغ للعبادة وأقامة الليل فى شهر رمضان أو أن أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان عندك من المال ما يفي بحوائجك فالأولى لك هو التفرغ للعبادة، وإحياء الليل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر ونحو ذلك، وأما إذا لم يكن عندك من المال ما يفي بحوائجك، فالأولى أن تقوم بالعمل، ولا تكن عالة على الآخرين، وينبغي لك أن تقوم بالصلاة وقراءة القرآن والذكر ونحو ذلك حسب قدرتك، كما ينبغي أن تكون في عملك مثالاً حيًّا للعامل الصالح الذي يدعو الناس بقوله وعمله وصدقه وخلقه، وفي ذلك من الأجر والثواب شيء عظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(9/3551)
ماهية الندم والتوبة من الغيبة والاستهزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب اعتدت الاستهزاء والسخرية من بعض المدرسين مع علمي بأن الغيبه حرام ولكني كنت في غفلة من أمري، وأنا الآن نادم ولا أستطيع مصارحة المدرسين بما قلته وكذلك أبغض بعضهم لأسباب شخصيه ولهذا لا أستطيع الدعاء لهم بالخير فماذا أفعل؟ وإذا كانت الغيبة لا تقتصر على المدرسين فقط فهل يكفي قولي اللهم اغفر لمن اغتبت أم ينبغي أن أدعو لكل منهم باسمه؟ أفتوني مأجورين..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السخرية بالناس محرمة لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ [الحجرات:11] .
ولأن هذا الخلق - أعني احتقار الناس والاستهزاء بهم - من الكبر، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقالوا: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس.
ومعنى بطر الحق: دفعه، ومعنى غمط الناس: احتقارهم.
فما دمت نادمًا فهذا من علامات التوبة، فالله تعالى يقبل توبة التائبين، فهو القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
فعليك أولاً بالإقلاع الكامل عن هذا الذنب، ثم الندم على ما سبق من ذنب، ثم العزم على ألاَّ تعود إليه أبدًا. وعليك بكثرة الاستغفار وكثرة الأعمال الصالحة.
وأما من اغتبتهم فاطلب منهم العفو والمسامحة لما قد صدر منك تجاههم، ولا تذكر لهم كلامك فيهم تفصيلاً فنقول: أنا قلت فيكم كذا وكذا؛ لأن ذلك يوغر الصدور ويولد الحقد، ولكن اذكره جملة، فقل: سامحوني لما قد صدر مني تجاهكم من غيبة أو وقوع في أعراضكم، هذا إذا كنت تعلم أن ذلك لن يولد كراهية بينكم وحقدًا، فإن كان سيؤدي إلى ذلك فأكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب وذكر محاسنهم في المجالس التي اغتبتهم فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(9/3552)
لا تعارض بين التعلم وإخلاص النية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قاعدة في البيت بعد انتهائي من الدراسة وأحببت أن التحق بسلسلة حفظ القرآن وفي نفس الوقت أريد الاستفادة في أمور ديني كيف أخلص النية حتى تكون خالصة لوجه الله عز وجل؟
أفيدوني أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إخلاص النية في الأعمال هو الركيزة الأولى التي يقوم على أساسها، ويقبل بها العمل.
أما الثانية فهي صلاح العمل، وصلاح العمل هو موافقته لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] .
كما في آيات أخرى كثيرة من كتاب الله عز وجل منها قول الله عز وجل: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2] .
قال أحد علماء السلف: أصوبه وأخلصه، قيل: وما أصوبه وأخلصه؟ قال: أصوبه ما وافق السنة، وأخلصه ما ابتغي به وجه الله تعالى.
ومن أهم ما يعين على الإخلاص اعتقاد المرء الجازم بأن الناس كلهم لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
فبهذا لا يعمل شيئاً من أجلهم، ولا يترك شيئاً من أجلهم، وإنما يعمل أو يترك لله وحده لا شريك له.
ثم إذا حصل الإخلاص فلا مانع أن يدرس المسلم أو يعلم أو يستفيد من خبرته وعلمه في الجانب الدنيوي المشروع.
فقد كان الصحابة يتحرجون من العمل في مواسم الحج، فأنزل الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:198] .
وعلى هذا، فعلى المسلم أن يحرص على إخلاص النية أولاً، ولا حرج بعد ذلك في الابتغاء من فضل الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(9/3553)
أثر الجليس الصالح والجليس السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أثر الجليس الصالح والجليس السوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الإنسان وجعله ميَّالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم، وهذه المخالطة لها أثرها الذي لا يُنكر في سلوك الإنسان ومنهجه، والجليس سبب رئيس في سعادة جليسه أو شقائه، دلَّ على ذلك الشرع والعقل والواقع، يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:27- 29] .
وفي الحديث: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبًا، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة. متفق عليه.
فمن جالس الصالحين الأخيار جنى ثمارًا يانعة وخيرات وافرة، أهمها حصول بركة مجالستهم وإن لم يكن عمله بالغًا مبلغ عملهم كما في الحديث:.. وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. رواه الشيخان.
وكذلك التأثر بعلمهم وعملهم وأخلاقهم عن طريق القدوة، فهي أبلغ من المقال، وفي الحديث: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الترمذي وحسَّنه.
ومنها تبصير جلسائه له بعيوبه وجهات النقص فيه ومواطن العلل عنده، فيعمد إلى معالجتها وإصلاحها، وفي الحديث: المؤمن مرآة المؤمن. رواه أبو داود، وحسَّنه العراقي وابن حجر.
ومنها أن مجالستهم جالبة لمحبة الله كما في الحديث: قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتاحبين فيَّ والمتجالسين فيَّ. رواه مالك وصحح إسناده ابن عبد البر والمنذري والنووي.
وفي مقابل ما يستفيده المرء من دينه ودنياه من مجالسة الصالحين، يحصل له أضعاف ذلك من الضرر في دينه ودنياه من مخالطة الفاسدين والزائغين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1423(9/3554)
نصائح لإطفاء نار التوتر والغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعاني من سرعة التوتر من مواقف حياتية كثيرة، سواء في الشارع، في العمل أو ربما في البيت. كثيرون مثلي ولكني أجد أن هناك من هو أقل تأثراُ أو يوصف بالحليم.
أنا أحب هذه الخصلة وأحب أن أتحلى بها وحاولت كثيرا ولم أنجح. سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلًم ... كيف أطبق الحديث. أرشدوني وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلم من أعظم الأخلاق الإيمانية، وإلى ذلك وقعت الإشارة في القرآن الكريم في قوله تعالى في وصف المتقين: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى: 37] .
وقوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران: 134] .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة رواه مسلم.
ومن الوسائل المعينة لك على التحلي بهذا الخلق:
1/ البعد عن أسباب الغضب: قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: لا تغضب، قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. أخرجه الإمام مالك في الموطأ، والإمام أحمد في المسند.
2/ السكوت عند الغضب: إذا غضب أحدكم فليسكت رواه أحمد.
3/ الاستعاذة بالله من الشيطان: فعن سليمان بن صُرَد الصحابي رضي الله عنه قال:
كنتُ جالساً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجلان يَسْتَبَّان، وأحدُهما قد احمرّ وجهُه وانتفختْ أوداجُه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قالَ: أعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، ذَهَبَ مِنْهُ ما يَجِدُ" رواه البخاري ومسلم.
3/ تغيير الوضع الذي يكون عليه الإنسان، أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح أن أبا ذر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع. صححه الألباني رحمه الله في مشكاة المصابيح.
4/ مجاهدة النفس على التحلم: قال صلى الله عليه وسلم: إنما الحلم بالتحلم. رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان.
فلا يمكن الاتصاف بهذا الخلق دون مجاهدة، وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) .
5/ التأمل في حلم الله على عباده، وكم في القرآن من وصف الله تعالى لنفسه بالحليم الغفور.
6/ تعويد النفس على الصبر، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) [الفرقان:20] .
7/ تعويد النفس على العفو، قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40] .
وقال أيضاً: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22] .
8/ التأمل في حسن الجزاء: قال صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء. رواه أحمد.
9/ الإكثار من ذكر الله، فإنه يقضي على التوتر النفسي، ويكسب المسلم أريحية معروفة، قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28] .
10/ اللجوء إلى المرح عند الغضب، فحين يحتدم النقاش ويطول الجدال، فإن ابتسامة لبقة لها تأثيرها في تلطيف الجو المشحون.
عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عالياً، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل أبو بكر قال لعائشة: لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله، ورفع يده ليلطمها، فحجزه رسول الله، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل!!. أخرجه أبو داود بإسناد حسن.
إن هذه الدعابة المرحة من الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجته في هذا الموقف المتأزم تدفع الغضب، وتحل محله الحلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(9/3555)
من ستر مسلما ستره الله
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من بنت بكر وعند الدخول بها وجدتها غير بكر فسترت عليها وأصبح لدينا ولدان وهي مطيعة جداً والحمد لله فهل أنا أخطأت لعدم إبلاغ أهلها؟ أم أنا على صواب؟ وهل جزائي عند رب العالمين السيئة أم الحسنة؟
أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله تعالى خيراً على ما فعلت، ونرجو أن تكون مثاباً عند الله تعالى على سترك لهذه المسلمة.
وننبهك إلى ان فقدانها لبكارتها قد لا يكون بسبب جريمة ارتكبتها، فإن لزوال البكارة أسباباً عديدة.
وعلى ذلك، فلا تظن بها سوءاً ما لم تقر هي به، أو تجد عليه بينة قطعية لا ريب فيها، لأن الأصل في المسلمات العفة والإحصان، ولذلك من رمى إحداهن بالفاحشة من غير بينة قاطعة وجب عليه حد القذف، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:4] .
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:23] .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يارسول الله، وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
واعلم أنه لا ينبغي لك أن تسأل زوجتك عن سبب زوال بكارتها، وإنما عليك أن تحسن الظن بها، وتحمل الأمر على أحسن المحامل، وأن تقطع الشكوك عن قلبك، فقد يكون مصدرها من الشيطان ليكدر عليك صفو حياتك مع زوجتك، ويفرق بينكما، ويهدم بيتكما، فاقطع عليه الطريق.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 7128، 11620، 19950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1423(9/3556)
علاج عشق فتاة لأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قصتي بدأت منذ سن 12 وإلى 18 وهو الإعجاب وتطوره إلى أخطر المراحل والخوف من إحساسي القاتل عندما أرى فتاة من الماضي والتي كان شعوري لها من خطر ولكن لم يحصل أي شيء خطير وما الحل لقتل ذاك الشعور المحرم؟؟؟؟ أنجدوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحل لما تعانين منه هو الإقبال على الله تعالى، والانقطاع عن كل ما يمت لهذا الموضوع بصلة.
وأن تملئي وقتك بالأعمال النافعة الدينية أو الدنيوية، وتكثري من الأدعية لله تعالى أن يطهر قلبك، ويحفظ بدنك من الشرور والآثام.
ولمزيد من التفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم:
8424
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1423(9/3557)
عشق النساء ... الداء والدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على فتاة أحببتها بكل جوارحي لكنها خدعتني وأنا الآن أتعذب أرجو منك كلمة طيبة قبل أن أفقد الصواب أريد منك نصيحة لوجه الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن التعارف بين الجنسين في الفتوى رقم 1769 والفتوى رقم 9463
وتقدم الكلام عن العشق والتعلق والعلاج في الفتوى رقم 9360 والفتوى رقم 21253 والفتوى رقم 16259 والفتوى رقم 14156 فراجعها لزاماً تجد فيها بغيتك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1423(9/3558)
الستر على المسلم الصالح أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إحدى جاراتنا وتركت عندنا خادمتها وزوجها موجود وقالت أن ندعها تذهب مرة في الأسبوع لتغسل ملابس زوجها ولكنه حاول الاعتداء على الخادمة فمنعتها من الذهاب إليه مرة ثانية فهل ذلك من حقي؟ وإذا عادت الزوجة هل أخبرها بما حدث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: لا يجوز أن تترك هذه الخادمة أو غيرها تذهب إلى رجل بمفرده في داره ولو لم يبد منه شيء مريب، لحرمة خلوته بها، ولما يترتب على ذلك من مفاسد وخيمة.
وأما ما حدث، فيجب منكم إحسان الظن بالمسلم، وعدم اتهامه بما يخدش عدالته إلا ببينة، فإذا كانت هذه الخادمة مسلمة، وظاهراً عليها الاستقامة، والبعد عن الكذب، فلا بأس بأن تنصحي زوجته عند الرجوع، فيما بينك وبينها بأن تتحرى الأمر، وتخبريها أن ذلك نقلاً عن الخادمة. هذا إذا كان هذا الزوج يظهر عليه عدم الاستقامة والصلاح، ويمكن أن يتكرر منه ذلك.
أما إن كان ظاهر الصلاح، فينبغي لك ستره وعدم إخبار زوجته لفضيلة الستر على المسلم المبينة في الفتوى رقم: 1039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1423(9/3559)
المسامحة أفضل من الدعاء على خائن الأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أمَّنْت فتاة على إيصال أمانة منذ ست شهور ولم تؤدها -هل أنا مذنبة إذا دعوت عليها (أن يصيبها شر) لنقضها الأمانة وأكلها حقي وهي مازالت تتهرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما أقدمت عليه هذه الفتاة من خيانة للأمانة وتضييع للحقوق أمر محرم لا يجوز شرعاً.. وقد أكد المولى سبحانه وتعالى على وجوب أداء الأمانة، فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء:58) . وقال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72) .
وتضييع الأمانة من صفات المنافقين الذميمة، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا أوعد أخلف، وإذا أوتمن خان.
ومن حقك أن تطالبي بحقك، أو تسامحي وهو الأفضل، وإذا لم تؤد إليك حقك فيجوز لك أن تذكريها بسوء أو تدعي عليها، لقوله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148) .
ولكن الأفضل هو العفو والمسامحة كما مر.. ولتفصيل ذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
5338
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1423(9/3560)
مجاهدة النفس على الإخلاص تبعد شبح الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أكره الرياء ولكن عندما أصلي أقول في نفسي إن الناس يروني وأنا أصلي فيقولون إن هذا صلاته كذا وكذا مع أني لا أحسن الصلاة وقتها فهل هذا رياء مع أني أكره الرياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان حريص على إفساد عبادة المرء ودينه، فلا بد من مجاهدته والتعوذ بالله منه، وبما أنك تكره الرياء، وتكره هذه الخواطر التي تأتيك أثناء الصلاة فأنت على خير إن شاء الله، وعليك أن تحسن صلاتك، وتجاهد نفسك على الإخلاص، وراجع لزاماً الفتاوى التالية:
23080 10992 10396
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1423(9/3561)
كلام ابن القيم في الحب والعشق لا يخرج عما أفتينا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله بارك الله فيكم
سؤالي هنا عن الحب في الله هناك من يحب مثلا صديقة له في الدراسة ويتبادل معها كلمات الحب بالرسائل لبعدها عنه وقد يتعرف على أخت له في الله عبر ركن التعارف في المجلات والرسائل فهل تجوز مثل هذه العلاقة؟ علما بأن ابن القيم قد فصل القول في القضية في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الحب والعشق، وماذا يفعل من ابتلي بذلك، وضوابط جواز ذلك، وعدم جوازه إلى غير ذلك مما يتعلق بالحب والعشق مما سأل عنه السائل، ومما لم يسأل عنه، وذلك في الفتاوى التالية: 1109، 4220، 8663، 7806، 9360، فراجعها لزاماً.
وكلام ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين وغيرها لا يخرج عن التفصيل الذي ذكرناه في تلك الفتاوى، فراجع مثلاً الفصول التي عقدها للكلام على العشق والنظر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1423(9/3562)
يكره السؤال في ما لا يعني
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أعمل في شركة لبيع المنتوجات وأحيانا أقوم بشراء بعض المنتوجات من صاحب العمل (بعلمه طبعا) للمتاجرة فيها وبيعها فيما بعد ويقوم صاحب العمل ببيعي البضاعة بنفس السعر الذي يبيع به للزبائن الآخرين لكن المشكلة أنه يضغط علي في السؤال عن السعر الذي أبيع به البضاعة التي اشتريتها منه فأضطر إلى أن أقول له أني أبيعها بسعر أقل من السعر الذي أبيع به حتى لا يرفع السعر عليِ فهل أنا مذنب في الكذب عليه؟ وهل تنطبق عليّ الآية الكريمة: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) ؟ وهل من حقه أن يسألني عن مقدار ربحي من البضاعة؟ وهل أنا ملزم بالرد عليه لأنه صاحب العمل؟ علماً بأنه يبيعني البضاعة بنفس السعر الذي يبيع به الزبائن الآخرين.
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي لصاحب العمل أن يسألك عن السعر الذي تبيع به ما تشتريه منه، خصوصاً إذا وجد أن في ذلك نوع إحراج لك، ولست ملزماً بالرد عليه، وبما أنه هو صاحب العمل فإن لك في المعاريض (التورية) مندوحة عن الكذب، أما الآية الكريمة فمعناها أنكم تجعلون بدل شكر الله على رزقه إياكم أنكم تكذبون رسله، كقول القائل، جعلت إحساني إساءة منك إلي، وهذا المعنى هو الذي يفهم من سياق الآيات، لا ما فهمه الأخ السائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1423(9/3563)
الغيرة على الزوج محمودة في حدودها الطبيعية
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متزوج من امرأة ويحسن معاملتها ولكنه لا يعرف ما تريد حيث أنه وكلما أراد الخروج أو أتاه أي اتصال اتهمته بأنه يخونها. ولا يمر يوم وإلا تريد الخروج فيه سواء بيت أهلها أو التسوق المهم هو الخروج خارج المنزل::: وقد ضاقت الأمور بهذا الرجل لتصرفات زوجته وكم من مرة أراد أن يطلقها نظراً لهذا التصرف:: فما رأي الإسلام في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من طبيعة المرأة التي جبلت عليها الغيرة على زوجها، وهذا شيء لم تسلم منه أي امرأة مهما بلغت من الدين والتقوى، ولو سلمت امرأة من هذا لكان أولى بذلك أمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات.
أخرج مسلم في صحيحه عن عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "ما لك ياعائشة أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك ... الحديث".
والحقيقة أنه ليس في الغيرة حرج ما دام ذلك في حدود المعقول.
أما إذا كانت المرأة تحاسب زوجها، وتغار عليه في كل صغيرة وكبيرة يعملها، فهذا غير مقبول لأنه يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا سعادة فيها ولا هناء، فعلى المرأة المذكورة وغيرها أن يتقين الله في أزواجهن، وليتركن الأمور طبيعية هادئة، وإلا فليعلمن أن عقوبة الله تعالى لهن بالمرصاد لتسببهن في أذية أزواجهن بالغيرة عليهن من دون أسباب وجيهة.
وأما ما أشار إليه السائل من خروج تلك المرأة المتكرر من بيت زوجها، فلتعلم أنه لا يجوز لها ذلك إلا بإذن من زوجها، وإذا خرجت بإذن منه ينبغي أن يكون خروجها مضبوطاً بالضوابط الشرعية، فلا تخرج إلا إلى أهلها أو أقاربها، أو حاجاتها التي لا تجد وسيلة للحصول عليها إلا بالخروج، ولا تخرج إلا وهي ساترة جميع بدنها، وغير متطيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1423(9/3564)
الكبر ... تعريفه ودوافعه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أريد أن أعرف المعنى الشامل والكامل لتعريف التكبر والمتكبر وهل هو الذي يتظاهر على الناس بما عنده أم ماذا وجزاكم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر، فقال: "الكبر بطر الحق، وغمط الناس" رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وغمط الناس" معناه: احتقارهم. ا. هـ
وقد يكون الحامل للشخص على الكبر هو الجاه، وقد يكون المال، وقد يكون الحسب والنسب، وقد يكون بغير سبب، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل -أي فقير- مستكبر".
قال النووي: العائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة في الدنيا، لكونه ظاهراً فيها، وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره ... ا. هـ
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
15082
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(9/3565)
إفشاء السر واجب في بعض الأحوال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ائتمن شخص آخر على سر وأقسم بالله ألا يقوله لأحد ولكن هذا السر يؤذي شخصاً ولا بد من التحدث به حتى لا يؤذى شخص آخر فهل له كفارة صيام ثلاثة أيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على الإنسان أن يحفظ السر الذي اؤتمن عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. رواه أحمد بسند حسن.
وروى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة.
لكن من علم أن غيره سيصيبه أذى يمكن دفعه بإخباره، لزمه ذلك، ولا حرج عليك في إفشاء السر حينئذ، ومثال ذلك: أن يخبره شخص بأنه يعزم على إلحاق أذى معين بفلان -بغير حق- واستكتمه الخبر، فلا حرج عليه في تنبيه هذا المقصود وتحذيره، لا على وجه النميمة والإفساد بينهما ولكن على وجه النصح والتحذير.
وإن كان أقسم ألا يخبر أحداً بما اؤتمن عليه، لزمه حينئذ أن يكفر كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقية، فإن لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيام، لقوله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(9/3566)
أدب نداء الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصحابة ينادونه باسمه أم بكنيته؟ وهل يجوز مناداته باسمه بقول يا محمد؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63] .
قال القرطبي: يريد: يصيح من بعيد: يا أبا القاسم!، بل عظموه، كما قال الله تعالى في الحجرات: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:3] .
وقال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى قولوا: يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا: يا محمد بتجهم.... انتهى
ومنه يعلم أنه قد نهي الصحابة عن أن ينادوه صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد أو كنيته المجردة، وأمروا أن يخاطبوه برسول الله أو نبي الله مع خفض الصوت والوقار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(9/3567)
التحايل لبخس الورثة حقهم حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل توفي وترك إرثا (منزلين وقطعة أرض وعشرين ألفاً) أحدهذه المنازل يسكنه معظم الورثة بدون أن يدفعوا إيجارات مطلقاً لمدة ست سنوات بعد وفاة الوالد وعند التقسيم أرادوا تقييم المنزل بسكانه مما يعمل على بخس ثمنه, ثم أرادوا تقييم باقي الميراث حسب أهوائهم وهذا يضر باقي الورثة فما هو رأي الشرع في هذه المسألة حتى يأخذ كل ذي حق حقه؟ أفيدونا رحمكم الله عز وجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز أبداً التحايل لإسقاط أو إنقاص حقوق الورثة أو بعضهم من التركة كما تقدم في الفتوى رقم:
13699، والفتوى رقم:
10823.
وعليه فإن للورثة الذين لا يسكنون في البيت الموروث الحق في مطالبة من يسكنون فيه بقدر نصيبهم منه.
أما فيما يتعلق بتقويم التركة، فإنه لا يجوز أن يكون حسب الأهواء، بل لا بد أن يكون حسب الواقع في السوق، وننصح في مثل هذه القضايا أن ترفع إلى المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(9/3568)
التوكل ومنزلته من الدين والإيمان.
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتوكل على الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتوكل على الله من أعظم المنازل والمقامات عند الله تعالى بل هو علامة الإيمان، قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] .
وقال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122] .
ومن توكل على الله تعالى كفاه وهداه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] .
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوكل، فقال: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل:79] .
وقال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب:3] .
وثبت في الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما وفيه: ... ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب. ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون.
وفي الترمذي من حديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً.
وفي السنن الأربع من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر، كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي.
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها، ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العالمين، وعموم التوكل.
ثم بين العلامة ابن القيم أحوال المتوكلين فقال: فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه وفي محابه وتنفيذ أوامره، ودون هؤلاء من يتوكل عليه في استقامة في نفسه، وحفظ حاله مع الله فارغاً عن الناس، ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله من الرزق أو عافية أو نصر على عدو أو زوجة أو ولد ونحو ذلك، ودون هؤلاء من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش.
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله.. فإن كان هذا الشيء محبوباً مرضياً عند الله كان للعبد فيه العاقبة المحمودة، وإن كان هذا الشيء مسخوطاً مبغوضاً عند الله كان للعبد فيه المضرة والخسارة.
والتوكل كما قال العلامة ابن القيم: هو عمل القلب، فليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإدراكات.
واعلم أخي أن طريق التوكل هو الاعتماد على الله، وعلم القلب بكفايته سبحانه لعبادة، مع التسليم والرضى والثقة بالله، والطمأنينة إليه سبحانه، وتعلق القلب به في كل حال، والبراءة من الحول والقوة إلا به. ولا ينافي هذا كله الأخذ بالأسباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(9/3569)
السبيل الذي تسلكه فتاة تلاحقها المشاكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 19 عاما ولكن حياتي كلها مشاكل.. كلما أخرج من مشكلة أدخل في مشكلة أخرى مع أنني إنسانة طيبة ولا أحب أن أؤذي أي شخص وأحس بأن النحاسة تلاحقني فماذا أفعل؟؟ وهل هناك آيات قرآنية لدفع النحاسة والمشاكل.. للعلم أنا مداومة على الصلاة وقراءة القرآن ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نسأل الله أن يجنبك المكاره ما ظهر منها وما بطن، ثم اعلمي أن أفضل حل لمشكلتك وأنجع علاج لها هو أن تتوجهي إلى الله تعالى في أوقات إجابة الدعاء، وتسأليه بأن يذهب عنك هذه الأزمات، وأن يصلح حالك، فهو وحده سبحانه القادر على ذلك، ثم عليك بملازمة الصبر والطاعة، ومداومة الأذكار في الصباح والمساء، فهي حرز وأمان لمن كان مطيعاً لله سبحانه، ومن الأسباب التي تساعدك على ذلك مصاحبة الصالحات، واجتناب المعاصي كلها، لما ثبت أنها سبب فيما يصيب العبد من المصائب. قال سبحانه (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)
ثم اعلمي بعد هذا كله أن الله قد يبتلي من يحبه، فليس حصول البلاء دليلاً على عدم حب الله للعبد إذا صبر واحتسب الأجر عند الله، والدنيا دار امتحان وبلاء، وراجعي الجواب 10174
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1423(9/3570)
البخل على الزوجة والكرم مع الأهل ليس من شأن السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة من بلاد الشام متزوجة من رجل من بلاد المغرب ألحظ من زوجي ميلاً شديداً لأمه فهو بخيل جداً علي وشديد الكرم مع والدته وهناك أمور كثيرة لا يمكنني حصرها الآن لكن أشك بأن زوجي مسحور والله أعلم لكن سؤالي هو كيف يمكنني أن أرقيه بحيث لا يعلم أو بالأصح ما هو علاج السحر ... ؟؟ والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا نرى في تصرف زوجك تجاه أمه شيئاً يجعلك تشكين في كونه مسحوراً.
فإكرام الوالدين، والمبالغة فيه من الخصال الطيبة التي أمر الشرع بها الأولاد تجاه آبائهم وأمهاتهم، كما قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت:8] .
وفي الحديث أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
وأما بخله الشديد عليك، فلا يدل بالضرورة على أنه مسحور، فكثير من الأزواج مصاب بداء البخل والتقتير على أهله، وليس مسحوراً.
وننصحك بمصارحة زوجك، والتفاهم معه، فهذا أولى من الشك الذي لا مسوغ له، وبالنسبة لسؤالك عن علاج المسحور، فإنك تجدينه في الفتوى رقم:
5252.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1423(9/3571)
التصفيق والضرب بالدف ليست من شيم الرجولة
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم تصفيق الرجال وقت ضرب الدف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فضرب الرجال للدف والتصفيق محرمان لما فيهما من التشبه بالنساء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كما رخص -أي النبي صلى الله عليه وسلم- للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف؛ بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء، والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهين من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء. ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
21492، والفتوى رقم:
663.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1423(9/3572)
اليأس والقنوط من رحمة الله أكبر خطيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعربأنني منبوذة ومكروهة من قبل الله تعالى وذلك لكثرة دعوته سبحانه ولم يستجب لي تركت الصلاة لأنني مشتتة التفكير وحزينة القلب فدلوني ماذا أفعل مع أنني أقرأ المعوذات وأستعيذ من الشيطان الرجيم وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا الشعور تلبيس من الشيطان بدليل أنه أوصل إلى ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وانظري الفتوى رقم 15037
وليس بين الله وبين عباده نسب بل أقربهم إليه أتقاهم، وفي البخاري من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه قال " إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذرعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة ".
وتركك للصلاة يزيدك هماً وغماً وتشتيتاً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر توجه للصلاة، وهي قرة عين المؤمن، وراحته، وانظري الفتوى رقم 4307
واليأس والقنوط من رحمة الله غلط كبير، وما نشأ عن ذلك من ترك الدعاء غلط آخر. وانظري الفتوى رقم 22431 والفتوى رقم 21386
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(9/3573)
التصفيق من أعمال الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم التصفيق للرجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التصفيق ليس من شأن الرجال، وقد كرهه كثير من أهل العلم للرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما التصفيق للنساء. رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ.
والتصفيق من أعمال الجاهلية عند العبادة أو الاعجاب بشيء حدث، ولهذا يستعمله أهل الجاهلية الحديثة كثيراً.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم:
22647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(9/3574)
اليد العليا خير من اليد السفلى
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
أنا متزوج ولدي طفل وأبحث عن عمل منذ أربعة شهور ولم أجد سوى في الخارج السعودية ... أين يجب أن أترك زوجتي حتى أستطيع أخذها فيما بعد ... أسرتي هي أم أب أخت وخمسة شباب. أملك بيتا وزوجتي والدها متوفى وأمها تزوجت برجل بعد أن أنجبت منه أربعة أولاد مرض وفقد عقله أي أن الوضع صعب ... لا أعرف ماذا يجب أن أشرح عنه حتى تكون الإجابة سهلة عليكم وأنا يهمني أن أحكم الشرع في حياتي ... شكرا لكم وصلى الله على سيدنا محمد ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مطالب بالعمل والتكسب الحلال ليصون به ماء وجهه عن مسألة الناس ويؤدي واجبه ويتصدق ...
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه.
ولا يخفى ما في هذا الحديث من الترغيب في العمل والاكتساب الحلال، فإذا لم تجد العمل في بلدك، ووجدته في السعودية أو غيرها من بلاد المسلمين، فلا مانع شرعاً من الذهاب إلى العمل بصحبة الزوجة أو تركها مع الأهل حتى تعود إليها أو تلحق بك في مكان عملك بصحبة أحد محارمها.
وإذا كان حالك كما وصفت، فإن طلب العمل في حقك متأكد لمساعدة والديك وإخوانك وأهل زوجتك......
وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى.......
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(9/3575)
كيف تكون عبدا شكورا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون العبد شكورالله؟ أقصد طريقة العمل ليصل إلى هذه الدرجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشكر الله عز وجل يقوم على ثلاثة أركان وهي:
الأول: شكر القلب وذلك باعترافه بنعمة الله عليه.
الثاني: شكر اللسان بالثناء عليه بها.
الثالث: شكر الجوارح وذلك بالاستعانة بها على مرضاته.
قال ابن القيم رحمه الله في عدة الصابرين: وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان لا يكون شكوراً إلا بمجموعها أحدها: اعترافه بنعمة الله عليه، والثاني: الثناء عليه بها، والثالث: الاستعانة بها على مرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(9/3576)
حكم غيبة الكفار والمبتدعة وأهل الكتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو عن غيبة النصارى هل هي جائزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغيبة محرمة سواء كانت في حق المسلم أو حق الكافر إذا كان ذمياً، أما إذا كان محارباً، فتجوز بشرط ألا يقول المغتاب إلا حقا، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: وسئل الغزالي في فتاويه عن غيبة الكافر؟ فقال هي في حق المسلم محذورة لثلاث علل: الإيذاء، وتنقيص خلق الله، فإن الله خالق لأفعال العباد، وتضييع الوقت بما لا يعني.. قال: والأولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف الأولى، وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الإيذاء لأن الشرع عصم عرضه ودمه وماله، قال في الخادم: والأولى هي الصواب، وقد روى ابن حبان في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع يهودياً أو نصرانياً فله النار. ومعنى سمعه أسمعه بما يؤذيه، ولا كلام بعد هذا أي لظهور دلالته على الحرمة. قال الغزالي: وأما الحربي فليس بمحرم على الأولى، ويكره على الثانية، والثالثة. وأما المبتدع، فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم، وأما ذكره ببدعته فليس مكروهاً، وقال ابن المنذر في قوله صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره.
فيه دليل على أن من ليس أخاك من اليهود والنصارى أو سائر أهل الملل أو من أخرجته بدعة ابتدعها إلى غير دين الإسلام لا غيبة له. قال في الخادم: وهذا قد ينازع فيه ما قالوه في السوم على سوم أخيه ونحوه. والمنازعة واضحة فالوجه، بل الصواب تحريم غيبة الذمي كما تقرر أولاً. انتهى كلام ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(9/3577)
الصداقة..... مفهومها ... وصفات الصديق الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مفهوم الصداقة فى الإسلام؟ وما هو تعريف أو مواصفات الصديق الحسن فى الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصداقة هي: الصحبة عن محبة، وهي مأخوذة من الصدق لأن الصديق يصُدق صديقه وُيَصِّدُقه.
وقد حث الشرع على مصادقة الأخيار والبعد عن مصادقة الأشرار، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير........... رواه مسلم.
وقد قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
ومن الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الصديق حتى يكون صديقاً صالحاً: الوفاء - الأمانة - والصدق - والبذل- والثناء - والبعد عن ضد ذلك من الصفات.
والصداقة إذا لم تكن على الطاعة فإنها تنقلب يوم القيامة إلى عداوة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3578)
عواقب تعلق القلب بمن لا يحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري لي زميل بالدراسة وأحببته كثيراً ولكن لم يعلم أهلى بهذا الحب وهذا الامر يقلقني وأحس بأن ضميرى يؤنبني فهل يغضب علي الله وهل أخطات في حق والدي الذي أحبه كثيراً علماً بأني لم أخرج معه ولا حتى أتحدث معه فقط حب كبير في قلبي والآن وبعد مرور سنة على هذا الحب كلما يأتيني أحد ليخطبني لا يستمر موضوعه فهل انا اذنبت (ضميري يعذبني) أرجو النصح وإحالة ادعية تريح ضميري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يعلق قلبه بما لا يحل له، ولعل ما أصابك من إعراض الخُطاب عنك هو بسبب الذنوب والتعلق بشخص لا يحل لك التعلق به.
فننصحك بالتوبة إلى الله تعالى، والالتزام بطاعته، والمحافظة على الأذكار والأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يجعل لك مخرجًا.. ولزيادة التفصيل والأدلة نحيلك إلى الفتوى:
12814، والفتوى رقم:
4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(9/3579)
ليس المسلم بالفاحش ولا البذيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حُكم الدين في الزوجة التي تسُب (تشتم) أهل الزوج والزوج أيضاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المرأة المسلمة التي ترجو ثواب ربها، وتخاف عقابه أن تحترم زوجها وتعامله معاملة طيبة، فإنها إن فعلت ذلك سعدت في الدنيا والآخرة، وفازت بجنة عرضها السموات والأرض، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" رواه ابن حبان.
ويدخل في طاعة الزوج واحترامه الأدب معه ومع أهله في الألفاظ والمعاملة.
وعلى هذا، فعلى المرأة المذكورة أن تلتزم بآداب الإسلام مع زوجها وأهله، ومع سائر الناس.
وننصح بمراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 4180، 11963، 1032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1423(9/3580)
وعد لا يجب الوفاء به.
[السُّؤَالُ]
ـ[وعدت ربي وعدا فقلت
وعد مني يا رب لا أتزوج وإني قادم إليك شهيدا. هل الوعد سليم. جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المسلم مطالب بالوفاء بعهده، وإنجاز وعده، ولا شك أن وعد الله تعالى أحق بالوفاء، وأعظم في التأكيد، قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91] .
وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] .
ولكن هذا النوع من الوعد لا يجب الوفاء به لأنه مخالف للسنة، وهو ليس يميناً حتى تلزم منه الكفارة، وليس عليك إلا أن تستغفر الله تعالى، وتتوب إليه، وتتزوج امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
والزواج لا يتعارض مع حصول المقاصد المحمودة، بل ربما كان عونا عليها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أتقى الناس وأعبدهم لله وأحرصهم على الخير وكانوا متزوجين، وقد نال كثير منهم الشهادة في سبيل الله.
والخلاصة: أن هذا الوعد لا يجب الوفاء به، وأن الأولى هو اتباع السنة، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم:
17555.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(9/3581)
دلالة سكوت الشارع عن ذكر حكمة شيء ما
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم..
ما الحكمة من خلق السماوات والأرض في 6 أيام مع قدرة الله سبحانه على قول كن فيكون.. وهل علي شيء في مثل هذه الأسئلة؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان الحكمة من خلق السماوات والأرض في ستة أيام في الفتوى رقم:
15819 والفتوى رقم:
22344.
والسؤال عن مثل هذه الأشياء لا شيء فيه، وإن كان ترك السؤال عنها أولى من السؤال عنها، لأنه لا يترتب على الجهل بها ضرر، كما أنه لا يترتب على العلم بها عمل، والمرء مأمور بأن يسأل عما ينفعه ويحرص عليه. وسكوت الشارع عن أمر كهذا وعدم التنصيص على علته، من أكبر الأدلة على عدم انتفاعنا بعلمه إذا علمناه، لأن الله تعالى لم يترك خيراً إلا وأمرنا وأرشدنا إليه، ولم يترك شراً وإلا وحذرنا منه ونهانا عنه، ويكفي أن الصحابة رضي الله عنهم، لم يسألوا عن ذلك، وهم أحرص الناس على الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(9/3582)
ما فعلته تجسس ونميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا استفسر، لي أخ وجدته يتكلم مع زوجته في التليفون فسمعت المكالمة لأني وجدت أنهم يتكلمون عن والدي، ووالدتي بكلام سبب لي الضيق لأنهما يعيشان من خير والدي، فقلت لوالدي الذي سمعت وكان هدفي أن أحرجهم لئلا يعملوا ذلك مرة أخرى هل بذلك أكون فتانة وفي حكم الجاسوس أرجو أن تريحوني أرجوكم حيث نيتي كانت صافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ارتكبت بفعلك هذا محذورين شرعيين:
الأول: الاستماع إلى من يكره الاستماع لحديثه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة. رواه البخاري.
والثاني: النميمة حيث نقلت كلام أخيك إلى والديك مما سبب فساد العلاقة بينهم، وهذه هي النميمة.
وكان ينبغي ألا تستمعي إلى أخيك وزوجته، فإن بلغك عنهما بغير طريق التجسس أنهما يتكلمان بما يسيء إلى الوالدين بادرت بمناصحتهما وتذكيرهما بأن الله مطلع عليهما، وذكري أخاك على وجه الخصوص بأن هذا من العقوق وهو من أكبر الكبائر، وذكريهما بإحسان الوالدين والواجب عليك الآن هو التوبة من ذلك، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:
6710
2259
17784
1174.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(9/3583)
التصفيق بين الإباحة والنهي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التصفيق حرام إذا كان مصاحب الإنشاد بالدف في الفرح للنساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتصفيق عموماً له حالتان:
الأولى: أن يكون داخل الصلاة لمن نابه شيء، وهذا منهي عنه للرجال مستحب للنساء، فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء.
والثانية: أن يكون خارج الصلاة.. والتصفيق خارج الصلاة على قسمين:
الأول: أن يكون لحاجة، كالاستئذان والتنبيه وملاعبة النساء لأطفالهن أو تحسين النشيد ونحو ذلك فهذا جائز، قال في حاشية الجمل 1/432: وأفتى شيخنا الرملي بأنه لا يحرم حيث لم يقصد به اللعب...... وإن احتيج إليه لتحسين صناعة من إنشاد ونحوه، ومنه ما تفعله النساء عند ملاعبة أولادهن. انتهى
والثاني: أن يكون لغير حاجة، وهذا منهي عنه.. فمن العلماء من حرمه ومنهم من كرهه، ودليل النهي قوله تعالى عن المشركين: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنفال:35] .
قال المفسرون التصدية: التصفيق.
وعليه، فلا بأس في ما ذكر في السؤال إذا خلا من محاذير شرعية أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(9/3584)
ظلم الأخ لأخيه أعظم قبحا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أردت أن أسأل عنه هو أن لدي أخاً أكبر مني ولكنه ليس أكبر أخ لي وهو يعاملني بطريقة سيئة والمشكلة أن جميع أفراد البيت يقفون بجانبه حتى أمي مع العلم أن أبي متوفى ويصدقونه ويلقون اللوم علي فماذا علي أن أفعل وبارك الله فيكم....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من نعم الله تعالى على العباد أنه حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، حيث قال سبحانه في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. رواه مسلم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: الظلم ظلمات يوم القيامة. رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وبهذا يتضح خطورة إيذاء المسلم.
وعلى هذا فإنما يلقاه هذا السائل من أخيه مما يدخل في حكم الظلم والأذى وهو أمر محرم بين جميع المسلمين، فكيف به بين الأخ وأخيه؟! وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير، قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. رواه مسلم.
وقال النووي عند شرحه للحديث: معناه من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل..
ولكننا ننصح السائل بالصبر والتحمل فإن الصبر محمود العاقبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1423(9/3585)
رخص الشرع في مثل هذه الحالة بالكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا كذبت المرأة على زوجها تفاديا لحدوث مشكلة ثم ندمت على ذلك فكيف تكفر عن هذا الذنب ... أفيدونا وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كذب الزوجة على زوجها مرخص فيه شرعاً لما يترتب على ذلك من مصالح راجحة مقصودة للشرع، من استقرار الحياة الزوجية، وحسن المعاشرة بين الزوج وزوجته.
إذا ثبت هذا، فإنه لا حرج إن شاء الله على هذه الزوجة فيما وقع منها من كذب على زوجها، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
7432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1423(9/3586)
الحكمة ضالة المؤمن من أي صدرت
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ماحكم الذي يفتي وهو لا يصلي؟ وما حكم نصيحته إذا كانت صحيحه؟ هل نصغي لنصيحته؟
فمثلا يقول / أنت تظلم الناس وهذا لا يجوز ويرشدني إلى الطريق الصحيح ولكن كيف أسمع له وهو لا يصلي وجزاكم الله خيراً،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فذكر الحديث- فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان.
قال ابن حجر في شرحه: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم -أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن، وأن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها، وأن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به، وأن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن، ولا يكون بذلك مؤمناً. انتهى
وبهذا تعلم أيها الأخ السائل أن المؤمن يبحث عن الفائدة ليعمل بها، ولا يضره حال من علمه إياها، لأن إثمه على نفسه، وعليك أن ترد لهذا الرجل معروفه بالمعروف، فكما أنه نصحك لمصلحتك، فعليك كذلك أن تبادر بنصحه لمصلحته، فترك الصلاة كبيرة من الكبائر، وتاركها كافر عند جمع من أهل العلم، ولمعرفة ذلك بالتفصيل راجع الفتوى رقم:
21166 والفتوى رقم: 6061.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1423(9/3587)
الوفاء بالعهد من صفات أولي الألباب
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي بأني أعاهد نفسي على أن لا أفعل شياً وبعد ذلك أحلف لا أقدر على العهد هل علي شيء مثلا أن لا أتفرج على مسلسل أفيدوني جز اكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوفاء بالعهد من الصفات الحميدة التي مدح الله تعالى بها عباده وأمرهم بها فقال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20) وذم أولئك الذين ينقضون العهد وهم المنافقون، ولتفاصيل أحكام الوفاء بالعهد ونقضه وأدلته وما يترتب على ذلك نحيلك إلى الفتوى رقم: 6938
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(9/3588)
كفالة أطفال غير المسلمين ... رؤية شرعية واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن يتكفل رجل مسلم بأطفال أجانب لكي ينشئهم على الدين الإسلامي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن كفالة الأيتام ومساعدة المحتاجين من أعظم الطاعات، وأجل القربات، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ". وفيهما أن رسول الله عليه وسلم قال: " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ". وأحسبه قال: كالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر.
وقال صلى الله عليه وسلم " في كل كبد رطبة أجر ". رواه البخاري.
هذا عن عمل الخير عموماً وخاصة كفالة الأيتام، فقد حث الإسلام على عمل الخير وقرنه بالركوع والسجود وعبادة الله تعالى، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77) ولكن الأولى بالمسلم أن يوجه خيره إلى المسلمين بل إلى الأتقياء منهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي " رواه الترمذي عن أبي سعيد، وقال صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة، وهي على الرحم ثنتان: صدقة وصلة " رواه الترمذي.
وقد اختلف الفقهاء في جواز صدقة التطوع على الكافر، وإن كان الراجح من أقوالهم جوازها عليه، لقوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان:8) والأسير في ذلك الوقت كافر.
ولاشك أن كفالة أبناء المسلمين أفضل وأجرها أعظم وتنشئتهم على الإسلام أسهل، وخاصة أن المنظمات التنصيرية في العالم تتلقف أبناء فقراء المسلمين لتنصيرهم.
والحاصل أن الإسلام حث على فعل الخير، وجعل في كل كبد رطبة صدقة حتى في الحيوانات العجماوات، ولكن الأولى بالمسلم أن يجعل الصدقة في المسلمين والأتقياء منهم على وجه الخصوص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/3589)
الخطر يداهم من يخالل مقترفي الفواحش
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ما حكم من يصادق شخصا فاسقاً (يأتي اللواط) مع علمه بحرمته.؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مصاحبة مثل هذا الشخص لا تجوز، لما فيها من الرضا بفعله وعدم الإنكار عليه، ولأن عادة الله جرت بأن المريض يعدي السليم، فيوشك أن يقع قرين صاحب المعصية فيما وقع فيه قرينه، فالفتن أخاذة، من استشرفها استشرفته، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: مثل الجليس الصالح، ومثل الجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. رواه البخاري ومسلم.
وقد بينا كثيراً من الفوائد التي تتصل باختيار الصحبة الصالحة في الفتوى رقم:
20995.
ولمعرفة السبل المخلصة من رفقاء السوء راجع الفتوى رقم:
9163.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
1208.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/3590)
المفلسون من هذه الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....
سؤالي هو: إنسان يستهزئ ويحتقر بإنسان آخر في الدنيا نتيجة مرضه المزمن وعدم زواجه ولا يوجد لديه أهل إلا عدد بسيط ولم يستطع متابعة دراسته إلا بعد سنوات طويلة ولم يعمل نتيجة مرضه وهذا كله نصيب من الله سبحانه وتعالى وابتلاء ولكن بعض الناس الذين أنعم الله عليهم يحسبون هذا الشخص تافها ولا يساوي شيئاً في نظرهم. سؤالي هو في يوم القيامة إذا أنعم الله على هذا الشخص الضعيف بمنزلة عالية نتيجة صبره في دنياه فهل سيعلم ذلك الشخص الذي كان مستهزئا بمنزلة هذا الإنسان وأنه هو الآن في درجة أقل منه وأن هذا الشخص أقوى وأعز منه عند الله سبحانه وتعالى؟ جزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاءت النصوص الشرعية بإثبات المقاصة بين العباد، فلا يدخلون الجنة حتى يأخذ المظلوم حقه من الظالم، والنصوص في هذا المعنى كثيرة، قال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ". رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة. رواه البخاري.
فهذه النصوص وأمثالها تدل على أن المظلوم يلقى ظالمه ويأخذ منه حقه، وحينها يعلم الظالم عاقبة ظلمه، وهذا المستهزئ السافر بهذا المريض قد وقع في مظلمة الواجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويتحلل ممن ظلمه، قبل أن يقف لتلك المقاصة في تلك المواقف العظيمة.
ومما يجدر التنبيه إليه أن أهل الإيمان إذا دخلوا الجنة نزع الله عز وجل من قلوبهم الغل والحقد والحسد، فلا تحاسد ولا غل ولا حقد في الجنة، فكل راضٍ بما أعطاه الله، كما قال الله عنهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1423(9/3591)
قرائن الحب في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب شابا أكبر مني أحبه أكثر من نفسي. فهل هذا يسمى حب في الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الحب إذا كان من أجل دينه، وطاعته لله تعالى، وكان من أجل ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليس هنالك هدف دنيوي من ورائه فهو حب في الله، وقربة إليه، وهو من أوثق عرى الإيمان، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
5707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1423(9/3592)
الإصلاح والتأليف بين القلوب تنال به الدرجات العلى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته
نحن نسكن في بيت والدنا ومنا أربعة أخوات واجتماعنا شبه يومي ولكن زياراتنا لبعضنا البعض منقطعة خصوصا في بيت كل واحدة منا وباستمرار تكون بيننا شحناء في الصدور ويمر الشهر وما نتكلم مع بعضنا البعض وإنما السلام نرده على بعض أرجو من فضيلتكم إفتائي في ما نحن عليه؟ وجزاكم الله كل خير....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله تعالى قطع الرحم، ولعن فاعله فقال جل شأنه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. متفق عليه.
وفوق ذلك فإن الشحناء محرمة في دين الله ولو كانت مع غير ذي الرحم، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. أخرجه البخاري ومسلم.
فكيف إذا كان الهجر والشحناء بين شقيقات أمرهن الله بصلة الأرحام وحرم عليهن قطعها -كما سبق-؟ ليس هذا فحسب بل قد أنعم الله عليكن بنعمة عظيمة كان يجب أن تشكرنها ولا تكفرنها، وهي نعمة الجوار والقرب من بعضكن، فالواجب عليكن أن تتقين الله تعالى وأن تتركن الشحناء والبغضاء.
وإنا نوصي السائلة الكريمة بأن تسعى في الإصلاح بين شقيقاتها وفي إعادة حبل الوداد بينهن من جديد، ولتعلم أنها إن فعلت فأجرها عند الله عظيم، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] .
ولا جناح عليك إذا ادعيت مثلاً لواحدة منهن أو أكثر أن الأخرى تحبها أو تثني عليها في سبيل الإصلاح بينهن فإن ذلك لا يعد كذباً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.
والله المسؤول أن يؤلف بينكن وأن يذهب عنكن رجز الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3593)
العاصي.. بين الستر عليه والتشهير به
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يحق لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يشهر بصاحب المنكر عند الخلائق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل فيمن اطلع على المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، لما ورد في قصة ماعز رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لرجل من أسلم يقال له: هزال، يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك. رواه مالك في الموطأ مرسلاً، والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في الكبير.
هذا فيمن لم يكن مجاهراً بالمعصية.
أما من كان مجاهراً بالمعصية فإنه يجوز التشهير به وفضح أمره، قال الحافظ في الفتح: وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به.
ونقل أيضاً عن ابن العربي وهو يتحدث عن الستر على النفس قوله: هذا كله في غير المجاهر، فأما إذا كان متظاهراً بالفاحشة مجاهراً، فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1423(9/3594)
الحكمة في النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تحريم تشبيك الأصابع هل هذا يقتصر على صلاة الجمعة أو جميع الصلوات وجزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة شامل لصلاة الجمعة وغيرها من الصلوات، والحكمة فيه ما جاء في بعض الروايات من أن التشبيك من الشيطان، أو لأنه من العبث كما أفاده الشراح، وانظر ما سبق في الفتوى رقم: 7080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1423(9/3595)
لا خير في من لا يألف ولا يؤلف
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو حكم من يفرقون بين المتحابين في الله ويقومون بالفتنة وتشويه سمعة أحدهم باتهامه بأمور شنيعة من أجل أن يفرقوا بينه وبين أخيه في الله؟ وهل يجب على المتحابين في الله أن يتفرقوا بسبب الضغوط الكبيرة عليهم؟ مع العلم أن الفرق في السن بين المتحابين في الله هو 3 سنوات؟ وجزاكم الله تعالى خيراً.. .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسعي بين المسلمين بالفتنة واتهامهم بما ليس فيهم معصية وبهتان وإثم مبين، فالله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه سقاه الله من ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج. أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن عمر.
فعلى من وقع في ذلك الكف عنه، والتوبة منه، وإصلاح ما أفسد مع الإكثار من الاستغفار، والبعد عن قرناء السوء.
كما ينبغي على من تحابا في الله أن تكون علاقتهما محكومة بأحكام الشرع، وأن يجتنبا مواطن الريبة، ولا يعرضا نفسيهما للتهمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(9/3596)
تستحب الشفاعة في ما ليس بحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام المعارف للحصول على المشاريع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في الاستشفاع بالوجهاء، ونحوهم لنيل حق، لأمره صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لذوي الحاجات، ففي الصحيحين: اشفعوا تؤجروا. ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1423(9/3597)
الوصفات الثلاث الباعثة على الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الوسائل المعينة على الصبر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تحدث شيخ الإسلام وطبيب القلوب ابن القيم الجوزية عن الصبر في كتابه العظيم "مدارج السالكين" وقد ذكر أموراً كثيرة ننصح بالرجوع إليها. ومما ذكر مما يتعلق بسؤالنا ما قاله في 2/ 167، حيث قال: هذه ثلاثة أشياء تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء:
إحداها: ملاحظة حسن الجزاء، وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخف حمل البلاء لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها لما يلاحظه من لذة عاقبتها، وظفره بها، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحب العاجل، وإنما خاصة العقل تلمح العواقب ومطالعة الغايات، وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم، لا يدرك بالنعيم وأن من رافق الراحة، فارق الراحة وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكريم الكرائم
ويكبر في عين الصغير صغيرها ... وتصغر في عين العظيم العظائم
والقصد أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.
والثاني: انتظار روح الفرج يعني راحته ونسيمه ولذته.
فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة. ولاسيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل، وبه وبغيره يفهم معنى اسمه "اللطيف".
والثالث: تهوين البلية بأمرين:
أحدهما: أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده.. فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرة من بحر.
الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي. وتعداد أيادي المنن يتعلق بالحال، وملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج يتعلق بالمستقبل. وأحدهما في الدنيا والثاني يوم الجزاء. انتهى المراد
وقال في موضع آخر: فصل وهو على ثلاثة أنواع صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله:
فالأول: أول الاستعانة به ورؤيته أنه هو المصير، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] .
يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.. لا لإظهار قوة النفس، والاستحماد إلى الخلق وغير ذلك من الأعراض.
والثالث: الصبر مع الله وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه ومع أحكامه الدينية صابرا نفسه معها، سائراً بسيرهما مقيماً بإقامتها يتوجه معها أين توجهت ركائبها، وينزل معها أين استقلت مضاربها، فهذا معنى كونه صابرا مع الله أي قد جعل نفسه وقفاً على أوامره ومحابه وهو أشد أنواع الصبر وأصعبها وهو صبر الصديقين. انتهى
ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بالصبر راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
8601
9297
17964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1423(9/3598)
شعار أهل الجاهلية التصفيق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم التصفيق للرجال في الأعراس والمناسبات الدينيّة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التصفيق ليس من الأعمال المحمودة بالنسبة للرجال، وقد كرهه بعض العلماء ومنعه بعضهم، وعدوه من اللهو الباطل أو من التشبه بعبادة أهل الجاهلية عند البيت. قال تعالى عن وصف عبادتهم: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنفال:35] .
والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، فهو إذاً من أعمال أهل الجاهلية وشعارات أهل الغفلة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن فعله للرجال، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما التصفيق للنساء. فدل هذا على أنه لا ينبغي للرجال.
ويمكن للرجل أن يعبر عن مشاعره بالتكبير أو غير ذلك من العبادات المفيدة أو الشعارات والكلمات المناسبة للمقام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(9/3599)
حقيقة الثقة بالله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
سؤالي ببساطة هو: كيف نثق بالله؟ وما حقيقة الثقة بالله؟ أشكر لكم حسن صنيعكم، وأرجوا عدم إهمال سؤالي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالثقة لغة: الائتمان، يقال وثق فلان بفلان إذا ائتمنه، والثقة هي أحد التعاريف التي عرف العلماء بها التوكل على الله، قال ابن القيم: ومنهم من يفسره بالثقة بالله، والطمأنينة إليه، والسكون إليه. انتهى مدارج السالكين.
وقال: قال ابن عطاء: التوكل ألا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها، ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها. انتهى
وهذا يعني عدم تعلق القلب بما في أيدي الناس، والوثوق بما في يدي الله تعالى، وهذه هي حقيقة الثقة بالله تعالى، وينضم إلى ذلك اليقين الراسخ بأن الله لا يخلف وعده، وأنه على كل شيء قدير، قال تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6] .
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20] .
لأن العبد إذا اصطحب هذه الأمور، واحتوى عليها قلبه، لم ييأس عند الفقر والمرض والبلاء بأنواعه، ولم يبطر عند الغنى والعافية والخير بأنواعه، والثقة في الله أيضاً تتضمن الإيمان بقضائه وقدره الذي لا يخرج عنه شيء من هذا الكون، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] .
وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان2] .
فكيف يثق العبد بعد إيمانه بقدر الله بغير من قدَّر الأقدار وقلب الليل والنهار؟!! ولمعرفة معنى التوكل وحقيقته، راجع الفتوى رقم:
18784 والفتوى رقم: 20041.
وللاطلاع على عدم منافاة الأخذ بالأسباب، للإيمان بالقدر والتوكل على الله والثقة فيه، راجع الفتوى رقم:
20441 والفتوى رقم: 15012 والفتوى رقم: 17513 والفتوى رقم: 6074 والفتوى رقم:
11808.
وننصح الأخ الكريم بقراءة مختصر منهاج القاصدين، وتهذيب مدارج السالكين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(9/3600)
اللجوء إلى التورية خير من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أدرس في الخارج وأمضيت 4 سنوات من أجل الدراسة ولم أوفق في حين أني أخبرت والدي بأني وفقت والآن أريد التوبة ولا أدري ماذا أفعل في حين لو علم والدي ربما يموت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأعلم أن الكذب محرم تحريماً شديداً، وهو ينافي الصدق الذي هو أساس الإيمان، ولذلك لا يطبع عليه مؤمن حقاً، فقد أخرج مالك في الموطأ: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال لا.
فعليك بالتوبة إلى الله من ذلك، ويجب عليك أن تلزم نفسك بالصدق، وأن تتحراه، وكان الأولى بك أن لا تكذب على أبيك، وتخبره بحقيقة الأمر إلا إذا كان سيتضرر من ذلك ضرراً كبيراً، فعليك باستكمال دراستك لتحقيق رغبته، وإذا سألك عن ذلك، فيمكنك اللجوء إلى التورية، ومعاريض الكلام دون أن تقع في الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(9/3601)
هل يجوز لعن أصحاب المجون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعن المطربين؟ خاصه أولئك الذين يعرفون بمجونهم؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الراجح من أقوال العلماء أنه لا يجوز لعن المعيَّن، ويجوز عندهم بإجماع لعن الجنس إذا كان مستحقاً للعن.
قال بعضهم:
ولا يجوز لعن شخص عُيِّناً ... وجاز لعن الجنس عند الفطنا
ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الإطلاع على الفتوى رقم:
10853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1423(9/3602)
فمن عفا وأصلح فأجره على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
في أحد الأيام كنت ماراً بطريق ترابي وإذ بسيارة تقفل الطريق أمامي فطلبت من صاحبها وهو رجل كبير السن الابتعاد قليلاً حتى أمر وكنت في عجلة من أمري لتوصيل زوجتي إلى المدرسة وكان الجو حاراً ولكن صاحب السيارة لم يبتعد بحجة أن السيارة معطلة ولا يستطيع تحريكها مع العلم بأنها كانت في مرتفع ويمكن له دفعها للوراء قليلا، المهم أنني حاولت المرور من جانبها صاعداً على جانبي الطريق وعند مروري قلت لله (الله لا يربحك يا حاج) فقال بارك الله فيك، وبعد ذهابي ندمت أشد الندم على ما تلفظت به تجاه ذلك الرجل وعند عودتي التقيته يسير على قدميه فوقفت له وطلبت منه أن يسامحني ولكنه رفض وبشدة. فما حكم الشرع في ذلك وكيف أكفر عن خطئي هذا أفيدوني أفادكم الله.
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما كان يجوز لك أن تتلفظ بمثل هذا الدعاء على مسلم بدون وجه حق، فالرجل معذور بعطل سيارته، ويزداد الحرج عليك بسبب أنه مسن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي عن أنس.
وحيث إنه حصل ما حصل فإن ندمك على هذا الذنب توبة لك فيما بينك وبين الله، أما حق الرجل فلا يسقط إلا بإسقاطه هو له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه. رواه البخاري.
فعليك أن تبذل الجهد لاسترضائه وطلب السماح منه، فإن أبى بعد ذلك فاستغفر له، وأكثر من فعل الحسنات لتسدد منها لأمثال هذا يوم القيامة ما لهم عليك من حقوق.
وقد أحسن الرجل في رده على إساءتك لكنه لم يوفق للأفضل عندما طلبت منه المسامحة لأن الله يقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] .
وأنت أسأت في إساءتك إليه وأحسنت في رجوعك إلى الحق واسترضائك له، والله جل وعلا غافر الذنب وقابل التوب، وهو يحب المحسنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(9/3603)
ما ورد في الحياء والأمانة من حديثه صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
برجاء إفادتي عن حديث سمعت جزءاً منه وهو: ينزل جبريل فى آخر الزمان ليرفع عشر جواهر الأمانة والحياء ... ولم أدرك الباقي.. فهل هذا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ولك جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبعد البحث والاطلاع في مظان الأحاديث الصحيحة والأحاديث الضعيفة والموضوعة، لم نقف على حديث بهذا النص.
وقد ورد في رفع الأمانة من الأحاديث الصحيحة، ما ثبت في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها، قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت ... الحديث.
وقد ورد أيضاً في رفع الحياء من الأحاديث الصحيحة ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1424(9/3604)
حكم ذكر الناس للضحك والتسلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب قطري أبلغ من العمر 18 عاماً وأنا قليل الصلاة لكني أكثر من سماع القرآن ولا أعمل الفواحش وكل ما أريد الاستمرار في الطريق الصحيح أحيد عن هذا الطريق المنير وأرجع لطريق الظلمة وعدم الصلاة ولا أعرف لماذا وإني لا أملك أصدقاء لكي أقول إنه من أصدقاء السوء وأبي وأمي يصليان وإخواني صلاتهم قليلة الرجاء الرد علي بأسرع وقت لأني الآن أتحسر على هذه الأيام لأني الآن ملتزم بالصلاة لكني أذكر الناس من ورائهم بسبيل الضحك هل يجوز ذكر الناس وما الطريقة لإبعاد هذه العادة السيئة عني رجاء ساعدوني يا إخوان الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن ترك الصلاة جرم عظيم، عده كثير من أهل العلم كفراً مخرجاً من الملة، كما هو مبين في الفتوى رقم:
6061 فعليك أن تقدر نعمة الله عليك بأن هداك بعد الضلالة إلى الحق والخير، فتشكر هذه النعمة بالقول والعمل، وعليك أن تتخير من الأصحاب من يعينونك على طاعة الله عز وجل، وستجدهم في المساجد، ومجالس العلم، وحلق الذكر.
وأما ذكرك للناس في غيبتهم بما يكرهون فإنه محرم، ولو كان على سبيل الضحك والمزاح، لأن هذا من الغيبة التي حرمت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل عدها كثير من العلماء من كبائر الذنوب، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6710 فعليك بالتخلص منها، والتحلل ممن اغتبتهم بطلب المسامحة منه؛ إلا أن يكون في إخبارك لهم إفساد للمودة، أو جلب للمشاكل بينكم، فاستغفر لهم لعل الله يغفر لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(9/3605)
أسباب الافتراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى الافتراء؟ وماهي شخصية المفتري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب والافتراء محرم شرعاً، وممجوج عرفاً، وممقوت أدباً، ولا يلجأ إليه إلا دنيء.
وقد تقدمت التفاصيل عن ذلك في الفتوى رقم:
14729 والفتوى رقم: 3809.
أما عن سبب ذلك فهو رقة الدين، وانخرام المروءة، وعدم المراقبة لله، ونسيان اليوم الآخر والحساب والعقاب، وهوان النفس على صاحبها.
وأما عن شخصية المفتري، فهي شخصية دنيئة، ممقوته منبوذة في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(9/3606)
المن المذموم والمن المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للأب أن يمن على ابنه بالمصروف الذي يعطيه الأب للابن والابن ما زال في مرحلة الدراسة أم لا يحق له؟ لأن مصروف الابن في هذه المرحلة واجب على الأب كما يجب على الابن البرّ بوالديه علما أن الأب حالته المادية جيدة جدا.
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نفقة الابن على أبيه قد تكون واجبة عليه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 295.
فإن كانت واجبة عليه، فلا وجه لمنِّه، لأنه يقوم بما أوجبه الله تعالى عليه، وهو هنا بمثابة من يمن على الفقراء بأنه أخرج لهم الزكاة الواجبة عليه.
أما إن كانت نفقة الولد غير واجبة على والده، وأنفق عليه أبوه تفضلاً وإحساناً منه، فلا ريب أنه مأجور على ذلك إن قصد به وجه الله والدار الآخرة، لكن بشرط أن لا يمنّ، لأن المنّ معصية تحبط ثواب الصدقة.
قال النووي في المجموع: ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة، ويحرم المن بها، فلو منَّ بطل ثوابه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264] .
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" رواه مسلم انتهى.
وقد نص العلماء -كالحنابلة- على أن المنّ من كبائر الذنوب، لكن الواهب إن عامله من أحسن إليه بالإساءة فلا يحرم عليه المنّ حينئذ.
قال ابن حزم: ولا يحل لأحد أن يمنّ بما فعل من خير إلا من كثر إحسانه وعومل بالمساءة، فله أن يعدد حسناته. انتهى
واستدل بقصة قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم في حنين عندما أخذ الأنصار في أنفسهم، فخطبهم صلى الله عليه وسلم قائلاً، كما في الصحيحين: "يا معشر الأنصار: ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، ومتفرقين فجمعكم الله، ويقولون: الله ورسوله أمن، فقال: ألا تجيبوني، فقالوا: الله ورسوله أمن، فقال: أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا، وكان من الأمر كذا وكذا لأشياء عددها".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(9/3607)
انتهاك أعراض المسلمين بهتان وإثم مبين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على هذا المجهود الجبار الذي أرجو من المولى عز وجل أن يبارك لكم فيه ويعز به الإسلام والمسلمين..
سؤالي هو: ما حكم تركيب صور المسلمين بما لا يليق؟ وما واجبنا تجاه من يفعل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
إن الحفاظ على أعراض المسلمين أمر واجب، وأذيتهم وانتهاك أعراضهم قد نهى عنه الله تعالى في كتابه، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58] .
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".
فالواجب على من اطلع عليه أو علم منه القيام بهذا الفعل الإنكار عليه، وتخويفه بالله تعالى، وإن لم ينته، فليبلغ عنه الجهات المسؤولة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/3608)
الاستمرار في العمل أفضل مع الثقة بالنفس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حدثت لي ظروف صعبة جدا في العمل كنت أنا السبب فيها مما جعلهم يعتقدون أني مجنون وأصبحت محرجا جدا منهم ولا أستطيع الرد عليهم فى أي شيء مما جعلهم يتجرؤون علي بالقول ويتفننون في مضايقتي وفي التعدي بالكلام السيء وللحق فقد أصبح لدي حالة نفسية من العمل وأخاف من كل شيء حولي وأنا أصبحت لا أستطيع أن أستمر في هذا العمل وأحس أن أعصابي تحترق كل يوم وينظرون إلي نظرة ضعف ولكني لا أستطيع أن أتخذ قرار ترك العمل نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها البلد ولا أعرف ماذا أفعل هل تنصحوني بأن أتحمل وأستمر حتى أجد عملاً آخر أم أتوكل على الله وأترك العمل حفاظا على كرامتي وأمكث في البيت حتى يرزقني الله بعمل آخر وهل إذا تركت العمل أكون بذلك ناكراً لنعمة الله بأنني أعمل وأحصل على مرتب جيد
أرجو ان تنصحوني ماذا أفعل؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي المسلم أن الابتلاء سنة كونية، والصبر عليه رفعة للدرجات، كفارة للسيئات، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
فنصيحتنا لك أولاً الثقة بالنفس، وعدم الاستجابة للاستفزازات، ولتتبع الوصفات الست لعلاج القلق النفسي الواردة في الفتوى رقم:
16790، ويمكنك أيضاً مراجعة قسم الاستشارات النفسية بالشبكة.
كما أننا نرى أنك إذا حصلت على عمل آخر في بيئة أفضل فلتنتقل إليه وتترك هذه البيئة التي أنت فيها، وإلا فالأفضل الاستمرار ما لم تخش أن يترتب على استمرارك ضرر على صحتك أو كرامتك، ولا يعتبر تركك للعمل حينئذ كفراناً للنعم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(9/3609)
ترويع الطفل وحرمانه خلق ذميم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 20 عام حدثت لنا مناسبة فرح وكنت مسؤلة على توزيع الحلوى وكانت هناك بنت صغيرة عمرها تقريبا 5 سنوات تجري ورائي لكي أعطيها حلوى وأنا تعمدت ألا أعطيها وصرخت في وجهها وبعد فترة شعرت بالذنب الشديد إلى أنني حلمت بموقف مشابه بهذا الموقف ولم أعد أتذكر الطفلة لكي أعوضها على ما فعلته معها والآن ضميري يؤنبني فماذا أفعل كي يغفر الله ذنبي
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك بعد ما عرفت أن ما فعلته خطأ فإن عليك التوبة، والاستغفار، والصدقة، والإكثار من النوافل وأعمال البر، فقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن أذية المسلم، وإهانته، وترويعه بغير حق شرعي، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً.
وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وما دمت قد بحثت عن هذه الطفلة التي روعت ولم تجديها حتى ترضيها فليس عليك إلا التوبة والاستغفار.
والندم على ما فات لعل الله تعالى أن يبدل لك السيئات بالحسنات، فقد قال جل من قائل: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/3610)
المؤمن يقبل الاعتذار
[السُّؤَالُ]
ـ[آذيت صديقة بالكلام واعتذرت إليها،ولم تصالحني وضميري يؤنبني على ذلك فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان عدوٌ للإنسان يسعى بشتى الوسائل للإيقاع بين المؤمنين، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم.
والواجب على المسلمين حينئذٍ السعي إلى الصلح؛ لأن الصلح خير، فإذا كنت قد أخطأت في حق صديقتك وتقدمت بالاعتذار إليها فلم تقبل، فتكونين قد أديت ما عليك، ففي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصدُّ هذا ويصدُّ هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. واللفظ للبخاري.
وإن نصيحتنا لصديقتك أن تقبل منك الاعتذار، فإن الله تعالى سيجزيها على ذلك خيراً بإذنه سبحانه.
وإننا نصحك أنت بمواصلة محاولة الصلح معها دون ملل أو كلل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(9/3611)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل يد الحاكم أي رئيس البلد؟؟؟
وجزاكم الله خيرا ,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الحاكم أو هذا الرئيس من أهل الخير والصلاح والعدل فإنه لا بأس بتقبيل يده لأجل ذلك لا لأجل سلطانه، وانظر الفتوى رقم:
13930 والفتوى رقم:
906
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1423(9/3612)
شروط جواز تنبيه الخاطب إلى عيوب المخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء منكم إعطائي جواباً حول ما إذا سألني أحد الأشخاص المقربين لي عن رأيي بفتاة يريد الزواج منها، إذا كانت جيدة أم لا وكانت هذه الفتاة ليست من مواصفات الفتاة المسلمة المؤمنة الصالحة وكانت هذه الفتاة على نفس القرابة لي منه تقريبا فماذا يكون ردي له؟
هل إذا قلت له الحقيقة أكون قد ظلمت الفتاة؟ وهل إذا قلت له غير الحقيقة أكون قد ظلمت الشاب؟
الرجاء إجابتي مع الاستبيان بأ حاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن إذا أمكن.
وجزاكم الله عنا الخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم مأمور بستر عيوب أخيه، والاحتراز عن ذكرها للناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري عن عبد الله بن عمر.
وراجع في هذا الفتوى رقم:
1039 فقد ذكرنا فيها كثيراً من الأدلة على ذلك.
لكن قد يَرِدُ على هذا الحكم العام من الأحوال ما يجعله مباحاً، بل قد يكون واجباً، ولا يعد ذلك من الغيبة المحرمة، ومن ذلك إبداء العيوب المؤثرة للخاطب أو المخطوبة، لأن ذلك من النصح في الدين الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم عن تميم الداري.
وقد مضى بيان الأحوال التي تبيح أوتوجب ذكر عيوب المسلم في الفتوى رقم:
17373.
وبناءً على ذلك فإنه لا حرج عليك في تنبيه الخاطب إلى العيوب التي علمتها وتيقنت منها، بشرط أن تكون هذه العيوب مما يؤثر في الحياة الزوجية، أما العيوب التي وصلت إليها بالظن والتخمين، دون دليل عليها، أو التي لا تؤثر في الحياة الزوجية، أو كانت الفتاة تتصف بها لكنها تابت منها وأقلعت عنها، فلا يجوز لك التحدث بها لأن ذلك من الغيبة المحرمة، وفيه مخالفة صريحة للأحاديث التي دعت إلى ستر المسلمين، والحفاظ على سمعتهم، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
14572.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1423(9/3613)
حكم الوعد إذا لم يصل إلى حد النذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأختي قطعنا وعدا بيننا بحفظ بعض سور من القرآن الكريم ولو آية كل يوم أثناء الإجازة الصيفية ولكن أصبحنا نشعر بالعجز أحيانا وأحيانا أخرى نحفظه ولكن ليس يوميا كما اتفقنا فما الحكم الشرعي في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان ما صدر من السائلة وأختها لم يصل إلى حد النذر فإنه لا إثم عليهما في تخلفهما عن الوفاء فيما تعاهدتا عليه، وإن كان الأولى الوفاء بالوعد، وخاصة إذا كان ذلك في أمر فاضل كحفظ كتاب الله تعالى.
أما إن قصدت بهذا التعهد نذراً فهذا يجب الوفاء به ما لم يمنع منه مانع معتبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه. رواه البخاري عن عائشة، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
3274 والفتوى رقم:
1339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(9/3614)
حكم الكذب على الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي طفلتان وتغربت بحكم عملي عن أهلي فترة طويله ليس لها تاريخ محدد وكنت أعاني من بعض المشاكل الزوجية الأساسيه لحياة الرجل وتزوجت من امرأة مسيحية أسلمت قبل الزواج منها وحسن إسلامها فكراً وعملاً ولما علمت زوجتي الأولى غضبت وهددت بطلب الطلاق فأفهمتها أني طلقت الثانية ولم أفعل في الواقع فهل من إثم؟ ثم أني أخرت عملية الإنجاب من الأخرى حتى أطمئن على استقرار العشرة معها وخوفا من أن أضطر للطلاق فتتفسخ الأسرة الجديدة واعاني من احتمال بعدي عن أبنائي منها ولا سيما أنها إذا وقع الطلاق ستعيش في غير دار الإسلام. فهل من إثم على تأخير الإنجاب منها؟
نسال لكم ولنا الرحمة من الله وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس في كذب الزوج على زوجته لإصلاحها وحسن عشرتها، وعلى هذا المذاهب الأربعة، إلا أن المالكية كرهوا ذلك.
وعليه، فلا إثم عليك -إن شاء الله- في كذبك على الزوجة الأولى بإخبارك لها بطلاق الزوجة الثانية، والأولى لك أن تستخدم المعاريض، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، ثم حاول إقناعها بنفسك أو بمن له كلمة عليها بأن الله قد أباح التعدد، أو رغَّب فيه، فقال سبحانه وتعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) [النساء:3] .
إلا أن الله سبحانه قد شرط لذلك العدل، فقال: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء:3] .
أما بالنسبة لتأخير الإنجاب حتى تتضح معالم العلاقة بين الزوجين، فإنه لا بأس به، وقد تقدم لذلك تفاصيل تجدها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15099، 7291، 16855، 5536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1423(9/3615)
قد يقع اللعن على الملعون لو كان يستحقه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
في إحدى الأيام وقعت بيني وبين زوجي مناوشات طفيفة لأسباب تافهة فتزايدنا بالكلام فما كان منه ألا أن لعنني هذا وبيننا عشرة تفوق 40 سنة وأنا لا أزال معه والآن هل هذه اللعنة ستلاحقني للأبد أم هناك طريقة للتخلص منها؟
أرجو أن توضحوا لي حكمها وما يترتب عن الفاعل والمفعول به وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللعن منهي عنه خصوصاً بين الزوجين وقد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8334، 10853، 14525، 14715.
أما بالنسبة لقول السائلة: هل هذه اللعنة ستلاحقني إلى الأبد؟ فالجواب أن الأمر، ليس كذلك إلا أن الملعون إذا كان مستحقاً للعن، فقد يقع عليه، وإذا لم يكن مستحقاً رجعت للقائل.
أما عن التخلص من اللعنة وآثارها، فإنه أمر هين، وذلك بالتوبة الصادقة، والندم والاستغفار من كل ذنب من اللاعن والملعون، أما اللاعن فلأنه قد ارتكب ممنوعاً، وأما الملعون فلئلا تقع عليه اللعنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1423(9/3616)
الوفاء مطلوب شرعا لمن عاهد فتاة على الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المصطفى المختار.
كنت مرتبطاً مع فتاة من العائلة وعاهدتها على الزواج ولكنني قررت أخيراً أن أخلف وعدي لأنني لم أكن أحبها. أرجو أن تدلوني بالحل وكفارة إخلاف العهد ومعذرة عن تدني التعبير؟ جزاكم الله خيرا.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً لا يجوز للرجل المسلم أن يكاتب أو يحادث امرأة ليست زوجة له ولا هي من محارمه إلا لحاجة وبقدرها وفي حدود الأدب وأحكام الشرع.
فمن أراد الزواج من فتاة معينة فليتقدم لخطبتها الخطبة الشرعية من وليها، ولا يربط معها علاقات ومعاهدات معينة وهي مازالت أجنبية عنه، فإن ذلك مما لا يجوز في الإسلام، وعهدك لها بالزواج منها لا تلزمك كفارة لخلفه ولكن الوفاء به مطلوب شرعاً، ويتأكد طلبه إذا كانت قد ردت الخطاب بناء على وعدك لها وراجع الفتوى رقم:
12729
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(9/3617)
السؤال من غير ضرورة منهي عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إرسال رسائل للاستغاثة من الحال الذي يعيشه الإنسان لعل وعسى يجد المساعدة من أهل الخير أم تعتبر مما ذمه الشرع وهو سؤال ما عند الغير وماهي الحالات التي يستغيث فيها الإنسان ولاة الأمر والقائمين على الخير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل مدح الفقراء المتعففين بقوله سبحانه: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] .
وذم الإسلام المسألة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس على وجهه مزعة لحم. رواه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالعبد لابد له من رزق وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبداً لله فقيراً إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبداً لذلك المخلوق فقيراً إليه، ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنما أبيحت للضرورة. انتهى
وقال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم من تحل لهم المسألة بقوله: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة. رواه مسلم.
وعليه، فإن كنت غنياً عن ما في أيدي الناس أو قادراً على الكسب ووجدت ما تغني به نفسك فلا يجوز لك المسألة وطلب الناس، وإن كنت مضطراً فذلك مباح لك، وخير لك الاستعفاف عن الناس، فإن الله يقول: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32] . وقال سبحانه: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْق [العنكبوت:17] .
وفي السنن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: إذا سألت فاسأل الله.
ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر. رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(9/3618)
هل يجوز غيبة المجاهر بالمعصية والفجور
[السُّؤَالُ]
ـ[ممثلة وراقصة معروفة ومشهورة وهي تفتخر بعملها هذا سواء الرقص أو تمثيل الأدوار الخليعة هل يجوز لنا أن نقول عنها إنها غير شريفة أو زانية؟ أم يدخل ذلك في نطاق قذف المحصنات علما بأنها تقول عن نفسها بأنها مسلمة كما تدعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الغيبة الحرمة، إلاّ في مواضع استثنيت من ذلك لا تحرم فيها الغيبة، بل وقد تجب في بعضها.
ومن المواطن التي لا تحرم فيها الغيبة من جاهر بالمعصية، فمثل هذا تجوز غيبته بلا نزاع بين العلماء، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وعلى هذا دلت السنة الصحيحة، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة".
ولأن من جاهر بالفسق لا يتألم بذكره به، بل قد يفرح ويسر بذلك، كما أشار إلى ذلك السائل في سؤاله فلم تضر غيبته.
وأما القذف بالزنا فلا يجوز الإقدام عليه لمن ليس له بينة عليه، وذلك بوجود أربعة شهود يشهدون برؤية الزنا صريحاً، وهو أن يكون ذكر الرجل داخلاً في فرج المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1423(9/3619)
هل يصح الأخذ من مال من وعد بما فيه التزام مقابله دون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[وعدني أحد بإقراضي مالاً لشراء سيارة فاشتريتها بالكلمة ولما ذهبت للذي وعدني بالمال لإحضاره لم يف بوعده فحجزت له سلعة تعادل نصف المال الذي وعدني به دون علمه فما حكم الشرع في هذا الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يلزم هذا الشخص الوفاء بما وعدك به من القرض، إذ أن الوعد الذي يترتب عليه دخول الموعود في كلفة يلزم الوفاء به إلا لعذر، وقد صدر بذلك قرار من المجمع الفقهي وهو مضمن في الفتوى تحت رقم: 4984 فلتراجع، وراجع الفتوى رقم: 12729.
وإذا لم يلتزم هذا الشخص بما وعد به، فإنه لا حرج عليك -إن شاء الله- في أخذ ما يقابل هذا القرض من ماله دفعاً للضرر الواقع عليك، وإن كان ذلك دون علمه به، ثم إذا أخذته وصار في يدك، فإنه يجب عليك أن تطلعه على حقيقة الأمر، وأنك فعلت ما فعلت استناداً إلى فتوى شرعية، ثم اكتب له وثيقة بما أخذت منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(9/3620)
مقام التوكل ... أنواعه ودرجاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أذكر أنواع التوكل مع حكم كل نوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- شارحاً تفاوت الناس في مقام التوكل ومبيناً أنواعه يقول: فأولياؤه -أي الله جل جلاله- وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه وفي محابه وتنفيذ أوامره، ودون هؤلاء من يتوكل عليه في استقامته في نفسه وحفظ حاله مع الله فارغاً من الناس، ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله منه من رزق أو عافية أو نصر على عدو أو زوجة أو ولد ونحو ذلك.
فأفضل التوكل: التوكل في الواجب -أي واجب الحق- وواجب الخلق- وواجب النفس- وأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية أو دفع مفسدة دينية وهو توكل الأنبياء، وإقامة دين الله ودفع فساد المفسدين في الأرض.. وهذا توكل ورثتهم.
ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم، فمن متوكل على الله في حصول الملك، ومن متوكل في حصول رغيف.
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله، فإن كان محبوباً له مرضياً كانت له فيه العاقبة المحمودة، وإن كان مسخوطاً مبغوضاً كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه، وإن كان مباحاً حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه؛ إن لم يستعن به على طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(9/3621)
نصائح لمن تعلق قلبه بامرأة ولا يقدر على أعباء الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنا شاب في المرحلة الجامعية ولدي زميلة في الجامعة أنا معجب بها لأنها متدينة وعلى خلق المشكلة تكمن في أنني احتاج لحوالي عشرة أعوام حتى أتمكن من الزواج مع العلم أن علاقتي بها حتى الآن في حدود فهل تنصحني أن أتحدث معها في أمر الزواج في الوقت الراهن؟ وعلى كل حال فما هي الطريقة الأمثل للتعامل في هذه الحالة.
وجزاك الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا ندعو الله عز وجل أن ييسر لأخينا السائل أموره، ويعينه على الزواج، ويكفيه بالحلال عن الحرام.
وهنا مسائل لابد من التنبيه عليها:
الأولى: وجوب حفظ النظر عما حرم الله عز وجل، فإن الله سبحانه أمر المؤمنين، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30] .
ويجب على المؤمن التسليم لحكم الله عز وجل، فقد قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36] .
وفي إطلاق البصر مفاسد وآلام لا يخبرك بها إلا من جرب هذا الطريق، ومن أعظم ذلك ألم القلب بتعلقه فيما يرى ثم لا يقدر عليه، وصدق الشاعر حين قال:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ... ولا عن بعضه أنت صابر
الثانية: لا يجوز للرجل ربط علاقة مع امرأة، وإن كان ينوي الزواج بها، فإن هذا باب يفتحه الشيطان ليجر المسلم إلى ما لا تحمد عقباه، ومن أراد خطبة المرأة فليتوجه إلى أوليائها ليخطبها منهم.
الثالثة: نصيحة نوجهها للأخ السائل، وهي أن لا يشغل قلبه بالنساء والزواج، طالما أنه لا يقدر على الزواج الآن، فإن هذا من شأنه أن يجر له أنواعاً من المتاعب والآلام، والأولى له إن كان يريد الراحة من العناء والتعب أن يتمثل قول الله عز وجل: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:33] .
ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم لشباب الأمة الإسلامية بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" رواه البخاري ومسلم.
فعلى الأخ أن يشغل نفسه بالدراسة، وفيما يتيسر له من الأعمال، والجد والاجتهاد فيما يحتاجه لزواجه، مع الاشتغال بذكر الله عز وجل، والإكثار من الطاعات، وخاصة الصيام، فإن هذا عون له على تحقيق مقاصده -إن شاء الله-.
ولا ينبغي له أن يتعلق الآن بامرأة معينة، فربما وصل حبها على قلبه، ولم يستطع زواجها الآن، وربما تزوجت غيره، فيحصل له من الآلام ما يندم معه حينئذٍ، ولكن لا ينفع الندم.
وقد سبق أن بينا علاج العشق في فتوى سابقة برقم: 9360 فليرجع الأخ السائل إليها، ففيها فوائد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1423(9/3622)
حكم غيبة الكفرة والدعاء عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز غيبة المسيح والكفار وسبهم والدعاء عليهم أم لا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان قصد السائل بكلمة "المسيح" عيسى ابن مريم عليه السلام، فلا تجوز غيبة نبي أو سبه أو الدعاء عليه، فقد نقل القاضي عياض: الإجماع على أن من أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم الكذب فيما بلغه أو أخبر به، أو سبه أو استخف به أو بأحد من الأنبياء أو أزرى عليهم أو آذاهم، فهو كافر. ذكره صاحب مواهب الجليل.
وإن كان المقصود بذلك المسيحيين النصارى فحكمهم حكم بقية الكفار فيجوز غيبتهم وسبهم، وقد عقد البخاري رحمه الله باب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وأورد تحته حديث عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة -أو ابن العشيرة- فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام، قال: أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس -أو ودعه الناس- اتقاء فحشه. فإذا كان في حق المسلم، ففي الكافر أولى.
وقد ثبت الدعاء عليهم في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، في دعائه عليه الصلاة والسلام على رعل وذكوان عندما قتلوا القراء.
وعليه، فسب الكفار وآلهتهم جائز في الأصل، لكن إذا خيف أن يترتب على ذلك ضرر أكبر كسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أودين الإسلام، فلا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك.
قال القرطبي: لأنه بمنزلة البعث على المعصية فجاء النهي سداً للذريعة، فقال تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم [الأنعام:108] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(9/3623)
حكم من يزيد أيام بدل التنقل بحجة إخلاف الشركة الوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في شركة اتصالات طبيعة عملي تجعلني أتنقل كثيراً أتقاضى على كل يوم مبلغ 200 درهم كتعويض على التنقل عندما بدأت العمل لاحظت أن الجميع يملؤون بيانات تزيد من حيث عدد الأيام على العدد الحقيقي (مثلاً عوض ملء 5 أيام كأيام تنقل يملؤون 7) المسألة معللة عندي شخصياً بما يلي:
ـ عندما بدأت العمل وعدوني بأجر 6500 درهم لكنهم لم يعطوني سوى 4000.
ـ يعملون معنا بعض الأجانب ويتقاضون على التنقل 1000 درهم بدلاً من 200 التي نأخذها نحن أهل البلد علماً أنهم يعملون نفس عملنا تماماً.
ـ في غالب الأحيان نعمل السبت والأحد التي هي عطلتنا الأسبوعية وحتى بعض الأوقات الليلية.
أرجو منكم سيدي أن تبينوا لي هل ما آخذ من نقود حلال في ظل هذه المعطيات؟.
وجزاكم الله عن الإسلام كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز لك أن تكتب عدد أيام التنقل سبعة إذا كانت خمسة، لأن في ذلك محظورين:
الأول: أن ذلك من الكذب والغش.
والثاني: أن في ذلك أخذاً للمال بغير حق، وكون بعض الأجانب يتقاضون أجرة أكثر منكم لا يسوغ لكم الكذب، وأخذ المال بغير حق.
أما بالنسبة لوعدهم لك براتب (6500) ثم إخلافهم لذلك، فإن كان المقصود هنا بالوعد هو العقد المتفق عليه بينكم، فإنه لا يجوز لهم إخلافه، ولك أن تطالب بالباقي، فإن أبو، فلك أخذه ولو من غير علمهم.
أما إذا كان المقصود أنهم قالوا لك: إننا سنزيدك في الراتب، ثم لم يوفوا بذلك، فإنه لا يجوز لك أخذ ما زاد على المتفق عليه في العقد.
وأما عملكم في عطلة الأسبوع، فإن كان داخلاً في العقد بنفس الراتب، فإنه لا يجوز لكم أخذ ما زاد عن الراتب المتفق عليه، وإذا لم يكن داخلاً، فمن حقكم أن ترفضوا، فإن أبوا، فلكم أن تطلبوا مقابل ذلك، وراجع الفتوى رقم: 1752.
وننبه هنا إلى أنه من العجيب أن تكون الإجازة الأسبوعية في بلد مسلم هي السبت والأحد، إذ السبت والأحد هما: عيدا اليهود والنصارى، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن" متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1423(9/3624)
إخبار الشخص بما وقع عليه من ظلم هل يعتبر غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا فتاة أعمل فة شركة والحمد لله ملتزمة في ملابسي وأحاول أن ألتزم فة كلامي وجوهري إني عندما أغضب من إحدى صديقاتي وجيراني أحتاج للتحدت مع أحد عن الموقف أعتبرها غيبة وأشعر بالذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لم ندر ما هو سؤال الأخت فإن كان السؤال عن عمل المرأة فقد تقدم الجواب عنه في فتاوى سابقة فلتراجع الأرقام التالية:
5181
3859
8386.
وأما الغيبة فقد عرفها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه فقال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. رواه مسلم.
فلا يجوز ذكر المسلم في غيبته بشيء يكرهه، وإن كان فيه، ولكن قد تجوز الغيبة لحاجة بقدر تلك الحاجة. وقد حصر العلماء المواطن التي تجوز فيها الغيبة بعد تتبعهم للأحاديث النبوية في ستة مواطن منها: التظلم أي إخبار الشخص بما وقع عليه من الظلم لمن يعين على دفع المظلمة فإن كان ما يقع للأخت من هذا النوع فلا بأس بقدر الحاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(9/3625)
الظنون بالزوجة التي لا تستند على دليل لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
نرجوا من أهل العلم أن يفيدوني في سؤالي هذا وهو كالتالي:
إنني أشك في زوجتي بالزنا أعاذنا الله من ذلك وذلك لأني وجدت باب غرفتنا مفتوحا ذات ليلة في رمضان وأنا راجع من صلاة القيام وكان لي ابن عم في هذا البيت ولم يوجد غيرهما، فظننت أنهم سمعوا حركتي قادما فكل واحد هرب ولم يستطيعا أن يغلقا الباب مما دعاني للشك , وأنا حيران الآن بين أن أطلقها أو أمسك لأنني في شك واحتمال الشك عندي كبير مما جعلني في حيرة كبيرة أكاد أجن من هذا الموقف فلا أدري من أين أحصل على حقيقة الأمر حتى أطمئن (بنتيجة طلاق أو إمساك) . أريد من فضيلتكم الإجابة المقنعة، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل أن نجيب الأخ السائل، نحب أن ننبه أولاً، إلى أنه لا يجوز أن يترك ابن عمه في البيت وحده مع زوجته، لأنها خلوة محرمة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
والحمو: هو أخو الزوج، ومن في حكمه من أقاربه، كابن الأخ وابن العم.
وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم:
8975 والفتوى رقم:
3819 والفتوى رقم:
3178 والفتوى رقم:
18575 والفتوى رقم: 10542 والفتوى رقم: 3783.
ولعل ما حصل لك من شك خير برهان على صدق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه يجب عليك ألا تترك هذا الوضع قائماً، لما فيه من المخالفة الواضحة لأمر الله تعالى، ولا بد أن تتوب من هذا التفريط قبل أن يؤدي بك إلى ما لا تحمد عقباه.
أما بالنسبة لما حصل لك من شك، فأمر غير جائز شرعاً، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث.
وقد سبق بيان حكم الظن في الفتوى رقم:
10077 والفتوى رقم: 15185.
وقد بين الله في كتابه الشروط التي يجب أن تتوفر لإثبات جريمة الزنا، فقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] .
وقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6] .
أما مجرد الشك أو الظن فلا يحل لمسلم بحال من الأحوال.
ولذا فإننا نؤكد على الزوج بأن لا يدع أحداً يخلو بالزوجة غير محارمها، وأن يدع تلك الظنون التي لا تستند على دليل معتبر، وأن يمسك زوجته ما دام في نفسه مجرد ظنون أو أوهام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/3626)
أخلاقيات وسلوكيات التاجر المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن القواعد والأصول التي يجب مراعاتها في التجارة؟ .وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما ينبغي أن يستقر في يقين التاجر المسلم أن المال مال الله عز وجل، وأن الناس مستخلفون فيه، وأنه ليس للمستخلف أن يخرج عن إرادة المالك الحق ومقصوده، فإن فعل ذلك فقد أهليته للاستخلاف فربما تحولت النعمة عنه إلى غيره، وربما بقيت في يده لكنه مسيء مسوؤل عن القليل والكثير منها.
والشريعة التي يدين بها التاجر المسلم قد حفت التجارة بجملة من الضوابط التي من شأنها أن تجعل هذا التاجر تاجراً نقياً ربانياً أداة لبناء المجتمع والتراحم مع الآخرين بعيداً عن الجشع والأنانية.
ونوجز هذه الضوابط بما يلي:
أولاً: النية الصالحة، وهي سبب لتحويل العادات إلى عبادات، وتتمثل في ابتغاء الخير لنفسه وإعفافها عن الحرام وصيانتها عن ذل السؤال، واتخاذ التجارة وسيلة لصلة الأرحام وإيتاء ذي القربى، كما تتمثل في ابتغاء الخير للآخرين بالمشاركة في بناء الأمة حاضراً ومستقبلاً، وتحريرها من الاعتماد على الآخرين، وتوفير الحاجات العامة التي يعد توفيرها من فروض الكفايات، وما أشبه هذا من المقاصد.
ثانياً: الخلق الحسن: مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعقود وحسن القضاء والاقتضاء وإنظار المعسر، وتجنب المطل في سداد الديون، وإعطاء الحقوق، وتجنب الغش، والتدليس، ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة الحميدة.
ونحن معشر المسلمين نرى أن حسن الخلق قوام الدين والدنيا.. فالبر: حسن الخلق، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، والتاجر المسلم حين يتحلى بحسن الخلق لا ينطلق في ذلك من منطلق نفعي بحت كما يفعل الآخرون، ولكنه ينطلق من موقف ديني ثابت قائم على طاعة الله والاقتداء برسوله وابتغاء الأجر من وراء ذلك، وما قد يحصل من منافع أخرى كرواج التجارة، وكثرة العملاء فإنما يكون بالقصد التابع وليس بالقصد الأصلي.
ثالثاً: التعامل في الطيبات: فالتاجر المسلم لا يستوي عنده الخبيث والطيب ولو أعجبه كثرة الخبيث، بل يحل الحلال ويحرم الحرام، ويقف حيث أوقفه الله فلا تستزله لعاعة الدنيا وبريق الربح ليرتكب ما حرم الله عليه، فالتجارة في المحرمات كالخمر والخنزير والميتة وأدوات الفساد لا تخطر على باله فضلاً عن أن يتورط فيها، وهذا ما يميز هذا التاجر الصالح عن أولئك الاقتصاديين الذين يتساوى في نظرهم مشروع القمار ومشروع الإعمار.
رابعاً: أداء الحقوق دون مطل أو تسويف، وعلى رأس ذلك حقوق الله عز وجل في المال من الزكوات المفروضة ثم حقوق العباد كأجرة الأجير ودين صاحب الدين.
خامساً: تجنب الربا وما كان ذريعة ووسيلة إليه من العقود الفاسدة، فالمرابون محاربون لله ورسوله والربا من السبع الموبقات، وصاحبه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سادساً: تجنب أكل أموال الناس بالباطل، فحرمة مال المسلم كحرمة دمه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه، ومن صور أكل أموال الناس بالباطل الغش والتدليس والمقامرة والغرر والاحتكار والرشوة وما شابه ذلك.
سابعاً: تجنب الإضرار بالآخرين: فالمستثمر المسلم منافس شريف تحكمه في جميع أعماله الاستثمارية قاعدة: لا ضرر ولا ضرار. وهي إحدى قواعد الفقه الكلية التي يندرج تحتها من المسائل مالا يحصى.
ثامناً: الالتزام باللوائح والقوانين التي لا تخالف الشريعة الإسلامية حتى لا يضع نفسه تحت طائلة العقوبات المالية في حالة مخالفة هذه اللوائح.
تاسعاً: موالاة المؤمنين فالتاجر المسلم ناصح لأمته، وفيٌ لعهدها لا يعاون عليه خصومها، ولا يدخل في استثمار مع أعدائها يلحق بها الضرر.
عاشراً: تعلم أحكام المعاملات في الشريعة الإسلامية، وهذا يجب الابتداء به قبل كل ذلك، فإن العلم قائد، والعمل تابع. وقد ثبت أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان يضرب من وجده في السوق وهو لا يعرف أحكام البيع والشراء، ويقول: لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في ديننا. رواه الترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(9/3627)
مبنى المسلم على السلامة وحسن الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدي مشروع جديد ويحتاج إلى شريك وهذا الشريك موظف في الدولة يتقاضى مرتبا عادياً مع العلم أنه مدير قسم ذات علاقة بالشركات الأجنبية. وليس له عمل آخر وظهر عليه الغنى في وقت قصير مما يدل على بعض الشك في ماله أحلال أم حرام.
هل لي أن أشاركه في هذا المشروع. هل لي علاقة في مصدر ماله حلالا كان أم لا.
هل الواجب علي أن أسأل عن مصدر ماله. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن يُحْمَل أمر المسلم على السلامة، وأن يحسن الظن به، وأن تلتمس له الأعذار ما وجد إلى ذلك سبيلاً. قال الحسن -رحمه الله-: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] .
قال العلامة ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين حيث قال: إن بعض الظن إثم، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، ثم قال -رحمه الله- ولاتجسسوا: أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولاتتبعوها، ودعوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن زلاته، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي.
ولهذا نقول للأخ السائل: لا حرج عليك في مشاركة ذلك الرجل، وإن كنت تشك أنه يكتسب أموالاً من حرام. ولست مطالباً بالسؤال عن ماله من أين اكتسبه؟ ولا كيف اكتسبه؟ أما إذا تيقنت أنه قد اكتسب ماله من الحرام أو غلب ذلك على ظنك لقرينة واضحة ترجح ذلك، فلا يجوز لك والحالة هذه أن تشاركه.
وننصحك إذا كنت مستريباً في أمره أن تعرض صفحاً عن مشاركته لأن السلامة لا يعدلها شيء، ولكن ليس لك البحث والتفتيش عن مصدر ماله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلا ما يريبك. رواه الترمذي والنسائي من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(9/3628)
تخيل شخصية وتزويجها بأخرى ... خداع وتضليل
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى الخيانه العقلية أي التفكير بغير الزوج وهل اختراع شخصية وهمية وتزويجها من شخصية وهمية أخرى خيانة لاسيما إذا كانت تعوض نواقص الإنسان الأصلي وربما أستطيع تحويلها إلى قصه على ورق
وشكراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للمرأة أن تفكر في غير زوجها لأن ذلك يجرها إلى التعلق بمن تفكرت فيه، ويزهدها في زوجها، وربما كان ذلك -وهو الغالب- سبباً للمشاكل والنفرة بين الزوجين، وربما أدى للطلاق وتشتيت الأسرة. وعلىالمرأة أن تقنع وترضى بما قسم الله لها، وفي ذلك صلاح دينها ودنياها.
وإذا كان تفكيرها بغير زوجها حال وطء زوجها لها فهو محرم كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم:
15699 والفتوى رقم: 15558.
وأما التفكير في اختراع شخصية وهمية وتزويجها بشخصية أخرى وهمية أيضاً فهذا عبث ولعب وضياع للأوقات فيما لا فائدة فيه، فكيف إذا وصل الأمر إلى كتابة ذلك على الورق!! فهو حرام لأنه كذب وتزوير لشيء لا حقيقة له، ولأنه قد يفضي إلى بعض ما تقدم.
والواجب على المسلم أن يشتغل بما ينفعه في دينه ودنياه نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1423(9/3629)
القول المشروع في تزكية شخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب وهو شيخ في الدين ومن الأولياء الصالحين يقوم الآن بعمل ماجستير في الشريعة وهو يبحث عن الموضوع التالي: دراسة مفصلة عن آيات الفلاح في القران الكريم وعن كتب في آيات الفلاح ومفسرين وماذا أخبروا عن هذه الآيات العظيمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الموقع ليس من اختصاص مثل هذه البحوث، وإنما يختص بالرد على الأسئلة التي ترد بخصوص الأحكام الشرعية، وهذا الباحث لا شك أنه مؤهل لاستقصاء الآيات التي وردت بخصوص هذا الموضوع من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وما في تفسيرها من كتب الأئمة المفسرين المعتبرين كالطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
أما قولك في السؤال "من الأولياء الصالحين" فإن هذه تزكية لا تجوز، وإن كنت قد رأيت منه الاستقامة وسلامة في المعتقد واتباع السنة واجتناب البدعة والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحينئذ يمكنك أن تقول: من الأولياء الصالحين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً.. دون أن يصاحب ذلك اعتقاد النفع والضر فيه أو أنه يعلم الغيب أو غيرها من المعتقدات الفاسدة المنتشرة في كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/3630)
عادة الله في هتك أستار منتقصي العلماء معلومة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ماهي عقوبة من يلعن العلماء والدعاة كلما رأهم في التلفزيون ويكذبهم ويحارب من يسمعهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لعن المسلم محرم في دين الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لعن المؤمن كقتله" متفق عليه، ويقول أيضاً: "سباب المسلم فسوق" متفق عليه.
ويزداد هذا الإثم، ويتضاعف هذا الجرم إذا وجه اللعن والسب للعلماء الذي هم ورثة الأنبياء، ومرجعية الناس، وهم الذين استشهدهم الله على وحدانيته، وقرن شهادتهم بشهادة ملائكته، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) ُ [آل عمران:18] .
إلى غير ذلك مما هو معروف من قدر ومكانة للعلماء عند الله وفي دينه، ومن تناولهم بلعن أو سب بقدح أو طعن أو تنقصهم، فإنما سب نفسه، وجلب لها غضب الله وسخطه وتعرض لعذابه ونقمته.
قال أبو القاسم الحافظ بن عساكر: لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة. انتهى.
أما من يلعن جملة العلماء والدعاة إلى الله، ويكذبهم، ويحارب من يسمعهم، فنخشى عليه من الردة والكفر، لأن هذا ليس عداوة لشخص منهم، وإنما عداوة للطائفة التي تحمل دين الله، ومن عادى مسلماً وحاربه لدينه فقد ارتد وخرج من ملة الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/3631)
فضل الأخوة في الله ومقتضياتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أثر الأخوة في الله؟ وهل شيء من الشعر عن الأخوة في الله ما هو؟
أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأخوة في الله من أعظم نعم الله على المؤمنين، ومن ثمرات الإيمان، قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103] .
وهذه الأخوة الإسلامية تقتضي أموراً كثيرة منها:
أولاً: المحبة.
ثانياً: النصرة.
ثالثاً: التعاون والتكافل والتراحم.
رابعاً: الإيثار.
خامساً: إفشاء السلام.
سادساً: السلامة من الأذى وغيرها.
ومما ورد في الأخوة في النسب -والأخوة في الله أولى منها- قول الشاعر:
أخاك أخاك إن في لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح
وقال آخر:
دعاة إلى الحق لسنا نرى له فدية دون بذل الدم
تآخت على الله أرواحنا إخاء يروع بناء الزمن
وباتت فدى الحق آجالنا بتوجيه قرآننا المؤتمن
رقاق إذا ما الدجى زارنا غمرنا محاربينا بالحزن
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(9/3632)
التوسط بحكمة للإصلاح بين أم وابنها قربة عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي كانت متزوجه من رجل وانفصلت عنه وقد أنجبت منه ولدا وإن والدتي قد تنازلت عن الولد بسبب سوء تصرفه وبعدها ارتبطت بوالدي وأنجبتني وقد توفي والدي وسافرنا أنا وأمي إلى بلد عربي للعمل أريد أن أتصل بأخي وخصوصاً وهو الآن ساكن لوحده ولكنني أخاف من معرفة والدتي بذلك وأنها تعاملني برقة وحنان منقطع النظير ولقد تصرف معها أخي بفظاظه عند انفصالها من أبيه وقد كان والده هو المخطئ أخبروني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي ينبغي عليك هو أن تسلك مسلك الحكمة في معالجة هذا الأمر، فإن الإصلاح من أعظم القربات، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] .
ولمكانة الإصلاح جعله النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الأمور الثلاثة التي يرخص فيها الكذب، ففي الصحيحين من حديث أم كلثوم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً أو يقول خيراً. وفي رواية مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
فاستعمل كل أسلوب يقرب الشقة بينهما، بأن تخبر كل واحد من الطرفين أن الآخر يريد الإصلاح معه، أو أنه يحبه، وتحاول أن تعطي كل واحد منهما هدية باسم الآخر، لعل الله أن يوفق بينهما ويجعلك سبباً في ذلك.
أما الاتصال بأخيك فلا شك أنه واجب. ولكن يمكنك أن تحقق ذلك بأي وسيلة اتصال من بريد أو هاتف ونحوهما دون السفر إليه ودون أن تطلع أمك على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/3633)
المدح ... بين الإباحة والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للمؤمن أن يهجر أخاه إذا مدحه مديحاً غير مبالغ فيه كمنادته يا شيخ لأنه معلمه في القرآن، أو أن يقول له أنت ثقة لدينا.. علماً أنه يحبه في الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يحق للمؤمن أن يهجر أخاه إذا مدحه بمثل كلمة "يا شيخ" لأن هذه عبارة احترام وتقدير منه لمعلمه، واعتراف منه بفضله عليه، أو مدحه بكلمة "أنت ثقة" لكن ينبغي أن يقيد ذلك بكلمة "أحسبك كذلك ولا أزكي على الله أحداً".
والذي يكره من المدح هو المغالاة فيه أو من خيف عليه الفتنة، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يثني على رجل يطريه في المدحة، فقال: أهلكتم -أو قطعتم- ظهر الرجل. وعقد البخاري عليه باب: ما يكره من التمادح.
وأورد بعده باب: من أثنى على أخيه بما يعلم، وأورد فيه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(9/3634)
يحب امرأة متزوجة فهل يأثم على ما في قلبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متزوج يحب امرأة غير زوجته ولا يستطيع الزواج منها لأنها متزوجة ولا يقوم بأي مخالفة شرعية هل يأثم على ما في قلبه من حب لهذه المرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للإنسان أن يعلق قلبه بامرأة أجنبية عنه، ويسترسل في التفكير في ذلك، لأن حديث النفس وإن كان لا يؤاخذ به إلا أنه قد يصير عزماً يأثم به، إذ أن في هذا ذريعة إلى دخول الشيطان على النفس وفتنتها بهذه المرأة.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هوى النفس من وسائل الزنا، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه مسلم، ولكن ما دام الحب شيئاً في القلب ولا يعمل بمقتضاه فلا إثم فيه بمجرده.
وعلى كلٍ، فالواجب عليك هو تقوى الله تعالى، وبذل الوسع في صرف النفس عن التفكير في هذه المرأة، واعلم أن قلب المسلم لا ينبغي له أن يشتغل بغير ربه والتفكير في معاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(9/3635)
المتقي كلما مسه طائف من الشيطان أحدث توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب فى السابعة والثلاثين من العمر متقٍ وأقيم الصلاة وأخاف الله في كل شيء أفعله ألا أن المشكلة التي أعاني منها هي ممارستي العادة السرية حيث أني غير متزوج حتى الآن وأنت تعرف مغريات الحياة الحاضرة فما هو الإثم الذي يقع علي؟ وهل علي كفارة أؤديها في كل مرة أمارس هذه العادة السيئة؟ حيث حاولت مرات كثيرة أن أقلع عنها إلا أني لم أفلح حتى الآن فما هو حكم الشرع في هذا؟
أفتونا يرحكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم الاستمناء (العادة السرية) في فتوى سابقة برقم: 7170 فلتراجع.
وننبه الأخ السائل إلى أمرين:
الأول: لا ينبغي للإنسان أن يحسن الظن بنفسه وينسبها إلى الصلاح، فإن ذلك في غالب الأحوال يقودها إلى الغرور، وربما استصغرت معاصيها ظناً أن هناك من الحسنات ما يربو على المعاصي ويزيد، وهذا بداية الهلاك، والله عز وجل يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [لنجم:32] .
ولا بأس بأن يفرح الشخص إذا عمل طاعة، ويحزن إذا عمل معصية، فإن ذلك من علامات الإيمان، ولكن لا ينبغي أن ينسب نفسه إلى الزكاة والطهارة من الذنوب فيهلكها.
الثاني: ليست هناك كفارة للوقوع في الاستمناء، بل الواجب التوبة، وهي لا تصح إلا بشروط ثلاثة:
الأول: الندم على ما فات.
الثاني: العزم على أن لا يعود إلى الذنب في المستقبل.
الثالث: الإقلاع عنه في الحال.
وعلى المؤمن أن يتوب إلى الله عز وجل قبل أن يفجأه الموت وهو على ذنبه، وعليه أن يستعين بالله تعالى، ويتخذ الأسباب التي تعينه على التوبة، ويصدق مع الله عز وجل في التوبة، وسيعينه الله.
ولا يضره بعد ذلك إذا ضعف ووقع تحت سيطرة إبليس والهوى في لحظة ضعف فقارف الذنب مرة أخرى، بل عليه أن يتوب مرة أخرى بشروط التوبة السابقة، وهكذا كلما أحدث ذنباً أحدث توبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1423(9/3636)
الظلامة ترد بقدرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال فضيلتكم عن موقف الإسلام من:
إذا أهانني شخص ما في العمل أو في أي موقف آخر فسب أبي أو أمي بكلمات بذيئة ثم حدثت بيني وبينه مشاجرة علما بأنه هو من بدأ الخلاف أصلاً ماذا إذا احتدم الأمر وقتلت هذا الرجل هل يكون موقف الإسلام هنا أن القاتل والمقتول في النار؟ أم أنه يجب أن أدافع عن حقي حتى إذا احتدم الأمر؟ وهل يكون مقبولاً أن أبتلع الإهانة وأصمت ما موقف الإسلام من ذلك؟
أفيدوني جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الشريعة أن العقوبة بقدر الجريمة، لقول الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل:126] .
يقول الإمام الطبري في تفسيره 7/665: من ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال ممن ظلمه أكثر مما نال الظالم منه، وتكون الزيادة على ذلك تعدياً وإسرافاً حرمه الله تعالى بقوله: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190] .
فمن تجاوز ما أذن الله له فيه استحق من العقوبة في الدنيا والآخرة بقدر تعديه.
هذا.. وإن كان الله تعالى أذن للمؤمن أن يعاقب من اعتدى عليه بمثل ما ظلمه، إلا أنه ندبه إلى الصبر عن عقوبته، وترك ذلك احتساباً وابتغاء لما عند الله من الثواب، كما قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134] .
وروى الترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(9/3637)
كيف تتجنب أذى الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة فتح وجهها عند ذهابها للمدرسة رغم أنها تذهب في الحافلة مع أنها جميلة وتتحجب وبعض المرات تذهب ومعها أمها وتفتح وجهها عندما تتسوق وتضع القليل من المكياج ما حكمه وما الأفضل لتجنب المشاكل والاذى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم كشف الوجه ومسائل أخرى تتعلق بالحجاب والسفور والمكياج في الفتاوى التالية:
1111
6226
4052.
أما بالنسبة لسؤالك عن كيفية تجنب المشاكل والأذى، فإذا كان المقصود المشاكل والأذى الحاصل من الشباب الضائع هداهم الله، فإن السبيل لتجنب ذلك هو المحافظة على الحجاب بشروطه الشرعية فهؤلاء الشباب عندما يرون البنت محافظة على حجابها فإنهم لايتجرأون أن يؤذوها بشيء، أما إذا رأوها متبرجة فإنهم يطمعون فيها.
وإذا كان المقصود عموم الأذى والمشاكل من النساء أو غيرهن؟ فإن تجنب ذلك يكون بحسن الخلق، ودفع السيئة بالحسنة، والصبر والاستعانة بالله، والوسائل في ذلك كثيرة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية والصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/3638)
المؤمن قوام بالقسط على نفسه أو أقاربه ولو فقراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في شخص يعمل في شركة ومن إحدى امتيازات الشركة علاج العاملين ومن يكفولنهم تدفع الشركة خمسة وسبعين في المائة من سعر الأدوية ونحن عندنا العلاج مكلف والشخص هذا لديه بعض الأقارب لا يستطيعون فقراء لايملكون حق العلاج فيكتبون روشتات الأدوية بأسمائهم فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المسلم إذا أبرم عقداً مع أحد أن يفي بشروط هذا العقد ما لم يشمل على ما حرمه الله تعالى، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعلى هذا، فإذا كان عقد العمل مع هذه الشركة ينص على أنها تتحمل دفع خمسة وسبعين في المائة من قيمة الأدوية للعاملين ولمن يكفلونهم فقط، فلا يجوز الاحتيال بكتابة روشتات بأسماء أشخاص آخرين لا يشملهم العقد؛ وإن كانوا من أقرباء العاملين أو من الفقراء، فإن هذا التصرف يعد من أخذ أموال الغير بالباطل ومن الكذب والخيانة، ولا شك أن كلا الأمرين محرم في الإسلام تحريماً شديدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/3639)
المسلم الصادق لا يخون العقود مع كل الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنا مجبر على دفع فواتير المستشفيات وشركات التليفون في أمريكا قبل عودتي الداْئمة إلى وطني , مع العلم أنني لا أملك كثيرا من المال؟
والسلام عليكم.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا استحقت عليك هذه الفواتير بموجب عقود أبرمتها، وتعهدات ألزمت بالوفاء بها، فيجب عليك سدادها، فالله تعالى أمر بالوفاء بالعقود مع كل الناس، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] .
والمسلم مطالب شرعاً باحترام قوانين البلد التي أذن له بالدخول إليها، ما لم تخالف هذه القوانين شريعة الإسلام، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعلى المسلمين عموماً وعلى من يمثلونهم في الخارج خصوصاً أن يكونوا نماذج طيبة للمسلم الصادق الوعد الذي لا يخون ولا يغدر، وأن يمتثلوا أمر ربهم القائل في كتابه العزيز: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] . وقال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1423(9/3640)
بواعث الإخلاص ومدافعة النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لما قرأت بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تصف صفات المنافقين شعرت أنها توجد فيَّ، لا أجد الإخلاص في قلبي كما كنت أجده قبل سنوات، لا أصلي جميع الصلوات إذا كنت وحيداً وإذا كان أحد معي ويذكرني بالصلاة أصليها، وأشعر أنني مخطئة، وأنني مسيئة فهل يوجد أي دعاء حتى يرجع إخلاصي في قلبي، وإذا لم يكن أي دعاء فماذا أفعل؟ لأني أكره نفسي لأجل هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإخلاص شأنه عظيم، قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5] .
ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان له خالصاً، قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: "من سمَّع سمع الله به، ومن راءى رَاءَى الله به" ومما يعين على الإخلاص:
1/ استحضار عظمة الله، وأن النفع كله بيده، فإن حياة الإنسان وصحته وهواءه وماءه وأرضه وسماءه بيد الله، وليس لأحد تصرف في صغير ولا كبير حتى يقصد بالعمل أو بشيء منه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) [الأعراف:194] .
وقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:13-14] .
2/ مجاهدة النفس على الإخلاص، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] .
3/ العلم بخطر الرياء، فقد حذر الله منه بقوله: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65] .
4/ أن تستعين بدعاء الله سبحانه بأن يوفقك للإخلاص، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً نتخلص به من الرياء، فقد روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: أيها الناس: اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه؟ وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع" رواه أحمد.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بقوله: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة" رواه ابن ماجه عن أنس بسند صحيح.
أما ما ذكرت بشأن التهاون بالصلاة، فإن الصلاة شأنها عظيم، وعقاب تاركها أليم، قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (مريم:59-60) .
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4-5) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والترمذي والنسائي عن بريدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني في الأوسط، والضياء المقدسي في المختارة بسند صحيح.
وعلى المسلم أن يكون على أشد الحذر من الوقوع في صفات المنافقين، فالله يحذر ويتوعد بقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) [النساء:145] .
وقد ذكر الله أن من صفاتهم الكسل عن الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:142] .
أما ما تشعرين به من التألم على حالك من التقصير، والكراهية لما تقعين فيه من التهاون، فهذا دليل الخير الكامن عندك، فعليك أن تتزودي بفعل الخيرات حتى ينتصر داعي الهدى على داعي الهوى، وبواعث الخير على بواعث الشر.
والله الموفق والهادي إلى سبل الرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(9/3641)
معنى المجاهرة بالمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى المجاهرة بالمعاصي؟ ولو تحدث الانسان عن معصية فعلها بغير افتخار فهل هذه تعتبر مجاهرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد فسر المجاهرة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
فيجب على الإنسان أن لا يذكر الذنوب التي قارفها وسترها الله عليه، سواء كان ذكرها على سبيل الافتخار أو على سبيل الاتعاظ، وانظر الفتوى رقم:
7518 والفتوى رقم:
3743 والفتوى رقم:
1863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1423(9/3642)
المودة والرحمة في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآية الكريمة التي تنص على الرحمة والمودة بين الناس؟
الرجاء الإفادة في أسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد في القرآن ذكر المودة والرحمة بين الأزواج في سورة الروم، حيث قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21] .
وورد في السنة ذكر المودة والرحمة بين المؤمنين في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". رواه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
وورد في السنة أيضاً الرحمة بين الناس في قوله عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما إلى غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1423(9/3643)
التوكل الحقيقي، وأدعية لقضاء الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى التوكل على الله؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يكون من المتوكلين حقا عليه؟ وأن يفوض أمره إليه وخصوصا إذا شعر بأن هناك ظلماً واقعاً عليه؟ وهل هناك دعاء مأثور لزيادة الرزق وقضاء الحاجات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوكل مأخوذ من الوكالة، يقال: وكل فلان أمره إلى فلان أي فوض أمره إليه واعتمد فيه عليه، فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء: الشفقة والقوة والهداية، إذا عرف هذا فقس عليه التوكل على الله سبحانه وتعالى، وإذا ثبت في نفسك أنه لا فاعل سواه واعتقدت مع ذلك أنه تام العلم والقدرة والرحمة، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، اتكل قلبك عليه وحده لا محالة ولم يلتفت إلى غيره بوجه.
فإن كنت لا تجد هذه الحالة من نفسك فسببه أحد أمرين:
- إما ضعف اليقين بأحد هذه الخصال.
- وإما ضعف القلب باستيلاء الجبن عليه، وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه. أهـ. من منهاج القاصدين.
فإذاً لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعاً.
وقد يظن بعض الناس أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب وهذا ظن الجهال، فليس من شرط التوكل ترك مباشرة الأسباب الدافعة للضرر والرافعة للظلم، بل الواجب السعي لإزالة الضرر وجلب المصالح، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: من الآية159] .
فأمره بالأخذ بالأسباب، وهي هنا الاستشارة في الأمور وتقليب النظر فيها، فإذا اطمأن قلبه وعزمت نفسه عليه توكل على الله في فعل ذلك، فهذا سيد المتوكلين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخل بشيء من الأسباب ... ظاهر بين درعين يوم أحد ولم يحضر الصف قط عرياناً، واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة، وكان يدخر لأهله قوت سنة، وإذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد، فالواجب على المسلمين أن يفهموا التوكل كما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما السؤال عن دعاء مأثور لزيادة الرزق وقضاء الحاجات، فنرشد السائل إلى حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: "يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني" رواه أبو داود، وقال الإمام الشوكاني: لا مطعن في إسناد هذا الحديث، تحفة الذاكرين ص71.
وإلى ما رواه الترمذي وقال: حديث حسن عن علي رضي الله عنه: أن مكاتباً جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني. قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل دين أداه الله عنك. قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(9/3644)
لا تكون الغيبة إلا عن أناس معلومين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التعميم كأن يقال: جميع البنات لا يفهمن هل هذا من الغيبة؟ وإذا كان مثلا في الراديو شخص يتحدث ونحن لا نعرفه فهل تكون غيبة إذا تكلمنا عليه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة هي ذكرك أخاك المسلم بما يكرهه، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول جميع البنات لا يفهمن تجنٍ في الحكم وتعميم غير صحيح. إذ أن منهن من هي كذلك ومنهن من ليست كذلك وليس ذلك من الغيبة، ففي الفتاوى الهندية: ومن اغتاب أهل كورة أو قرية لم تكن غيبة حتى يسمي قوماً معروفين. كذا في السراجية. انتهى
وفي شرح النيل عن ماضي خان من علماء الترك قال: اغتاب رجل أهل قرية فقال: أهل القرية كذا، لم يكن ذلك غيبة لأنه لا يريد جميع أهل القرية، بل المراد البعض وهو مجهول فلا شيء على السامع لأن المذكور مجهول. ولا يحسن هذا التعميم ولو أراد الخصوص، وقال السمرقندي: لا تكون الغيبة إلا عن قوم معلومين فلو قلت أهل معد كذا بخلاء أو قوم سوء فلا يكون ذلك غيبة لأن فيهم البار والفاجر، وعلم أنه لم يرد الجميع. والكف عن ذلك أفضل. انتهى
والتكلم على رجل مسلم بما يكره حرام سواء كان في الراديو أو غيره وسواء كنتم تعرفونه أولا تعرفونه، ولمزيد معرفة عن أحكام الغيبة راجع الفتوى رقم:
6710 والفتوى رقم:
6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3645)
محاباة الناس في الوظائف ... نظرة إنسانية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن تقلد منصباً في الدولة عالي المستوى أن يوظف من يشاء ويفصل من يشاء حتى ولو كان هذا الموظف إنساناً يعمل بنزاهة وباجتهاد؟ وماعقوبة من يفعل هذا في الدنيا والآخرة؟ وفقط يساعد ذويه وأقرباءه.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محاباة الأقارب والأصحاب على حساب الغير، أمر ينبذه الشرع ويأباه العقل، وتنفر منه الطباع السليمة، لأنه ظلم بين، وإجحاف واضح واعتداء على حقوق الآخرين، واستغلال للمنصب والجاه فيما لا يحبه الله ولا يرضاه، وقد بين الله عاقبة الظلم في القرآن، ووضحها نبينا عليه الصلاة والسلام أوضح بيان، فقال عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ [ابراهيم:43] .
وقال تبارك وتعالى: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22] .
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
قال الإمام النووي -رحمه الله-، قال القاضي: قيل هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه، لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً، حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد. انتهى
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا.
وفضلاً عن أن فاعل مثل هذا الأمر يُعد من الظالمين، فإنه في الحقيقة قد شهد شهادة زور، بتوظيف من يشاء وفصل من يشاء بمجرد الهوى والتشهي، وذلك لأن توظيفه للذي وظفه لقربه منه أو صحبته له، من غير أن يكون أهلاً لما وظفه فيه، شهادة له بأنه كفء وهذه شهادة زور. والذي فصله من وظيفته مع قيامه بعمله على الوجه الأكمل، شهادة عليه بأنه غير كفء وهذه شهادة زور أيضاً، وقد أمر الله تعالى بالعدل بين جميع الناس، ولو كان الأمر متردداً بين قريب وبعيد، فقال الله عز وجل: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152] .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين [النساء:135] . وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] .
روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يقولها حتى قلنا ليته سكت.
وكان الواجب على هذا المسؤول أن يفتح أبوابه لموظفيه ويسمع منهم ويستفيد من خبراتهم بدلاً من الإيذاء لهم والافتراء عليهم والتصرف في مصائرهم بما يعود عليهم بالضرر العاجل، ويكفي ترهيباً لمثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ولاه الله -عز وجل- شيئاً من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره. رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال في عون المعبود: وقال القاضي: المراد باحتجاب الله عنه أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1423(9/3646)
أولى الناس بتجنب الغيبة والحرام هم العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تكلم العلماء بعضهم على بعض أم لا وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى حرم الغيبة ونهى عنها وشبه من يغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً، مما يدل على بشاعتها وخطورة أمرها، فقال جل من قائل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] .
وعرفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ذكرك أخاك بما يكره.... رواه مسلم.
وإذا تقرر أن الغيبة من المحرمات فإن أولى الناس بتجنب الحرام هم العلماء لأنهم يعرفون الحكم ويعرفون ما يترتب على مخالفة أوامر الله تعالى.
لذا نقول للسائل: إن تكلم العلماء بعضهم على بعض إذا كنت تقصد به الغيبة ونحوها -كما هو الظاهر- لا يجوز، لأن الغيبة حرام بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة. واغتياب العلماء أشد حرمة من اغتياب غيرهم، لما فيه من مزيد الاستهانة لحملة الشريعة وورثة الأنبياء والغض من مرتبتهم، ومما انتشر بين الناس وشاع على ألسنتهم أن لحوم العلماء مسمومة.
ولكن يستثنى من الغيبة ما دعت إليه المصلحة من بيان أخطاء بعض أهل العلم التي وقعوا فيها بحكم طبيعتهم البشرية، فللعالم أن يبين للناس خطأ غيره من العلماء لئلا يقلدونه في ذلك الخطأ؛ بل قد يكون واجباً ذلك نصحاً للأمة وتبييناً للحق، ومن هذا الباب باب يسمى (بالجرح والتعديل) فيذكر فيه وَهْم الراوي أونسيانه أو كثرة غلطه وضعف حفظه، فهذا ونحوه مستثنى من الغيبة للمصلحة المترتبة عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(9/3647)
الاستهزاء بعبادات أهل الكتاب لا ينبغي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المباح أن أستهزئ بالديانات الأخرى مثلاً أن أقول إن صيام أهل الديانة النصرانية كلام فارغ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الديانات الموجودة اليوم - سوى الإسلام - قد دخلها التحريف والتبديل والتغيير، والنصرانية واليهودية اليوم لا تمثلان الدين الذي جاء به موسى وعيسى عليهما السلام.
ومع هذا فلا يجوز الاستهزاء بشي من العبادات المذكورة في كتابهم المقدس لاحتمال أنها لم يدخلها التحريف، فيكون المستهزئ حينئذ قد استهزأ بشيء شرعه الله تعالى في وقت من الأوقات.
ولو على أنها عبادات مخترعة من قبل أحبارهم ورهبانهم فلا ينبغي الاستهزاء بها أيضاً، سداً لذريعة الاستهزاء بشرائع الإسلام التي أنزلها الله تعالى، والخلاف الذي بين المسلمين والنصارى أعظم من الخلاف في فرع من الفروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1423(9/3648)
عادة الله في هتك أستار منتقصي العلماء معلومة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي لبعض طلبة العلم الذين لا يتورعون عن قذف العلماء والحكام في البلاد الإسلامية ويتفننون في اتهامهم بالعمالة للسلطة أو غيرها مما يجعل الناس في حيرة عظيمة وجزاكم الله خيرا,,,,]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن عرف عنه حب الدين ونصرته والعمل له من العلماء والحكام وعامة الأمة فلا يجوز التعرض له بهمز أو لمز أو طعن في عرضه أو تشويه سمعته، لأن هذا من الظلم والبغي الذي نهى الله عنه. ويخشى على صاحبه تعجيل العقوبة له في الدنيا قبل الآخرة.
وليعلم أن شأن العلماء في الإسلام عظيم، وأن لحومهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة. كما هو مبين في الفتوى رقم:
4402.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(9/3649)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو (هل يجوز للرجل أن ينزل إلى الصلاة في المسجد ويترك زوجته وبناته في السيارة سواء
كان ذلك في سفر أو في حضر) وبارك الله فيك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج على الإنسان أن يترك زوجته وبناته في السيارة ويذهب هو لحاجته، سواء ذهب للصلاة أو لغيرها ثم يعود إليهم، وسواء كان ذلك في السفر أو كان في الحضر، إلا إذا كان المكان الذي سيتركهن فيه تحفه مخاطر لا يؤمن على مثلهم منها فلا يجوز له ذلك.
لكن إذا كان في المسجد مكان مخصص لصلاة النساء فالأولى أن تنزل المرأة وتصلي مع الجماعة إذا خشيت أن يفوتها أول الوقت إن هي انتظرت العودة إلى المنزل، ومثلها في ذلك البنات إذا كن تجاوزن سن التمييز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1423(9/3650)
التكلم في عرض المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من قال أو ادعى أن فلاناً من الناس:1 - أنه عاق بحق الله ... 2-أنه كاذب
وهو ليس متأكداً مما قاله.الرجاء إفادتنا أفادكم الله مع ذكر الدليل من القرآن الكريم والسنة المشرفة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أذية المسلمين وشتمهم بلا مسوغ من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] . وقال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] .
وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام: عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. روا هـ البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه. رواه مسلم.
فلا شك أن سب المؤمن والتكلم في عرضه بما يعيبه بغير حق حرام بإجماع الأمة، ولا شك أيضاً أن فاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا أن يتوب ويصلح كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5] .
ويعظم الذنب ويغلظ عندما يكون الكلام في عرض المسلم وشتمه بالكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(9/3651)
الحب المفرط ومخاطره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أحب امرأة حباً لا يوصف يرهقني جداً أحبها من دون أن أحب شيئاً من جسدها السحاق لا أفسر به تصرفاتي تجاهها أتمنى الإجابة عما استطيع فعله؟ جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تجاوز حبك لها حد الاعتدال بحيث أصبح شاغلاً لفكرك ومسيطراً على خاطرك فقد وقعت في المحذور وهو عشق المرأة للمرأة، وإن لم يصل إلى حد الوقوع معها في المحظور شرعي، إلا أنه قد يؤدي إليه في حال ما، فعليك بقطع هذا الفكر والإقبال على الله بالطاعة، والابتعاد عن هذه الفتاة قدر المستطاع، مع دعاء الله أن يصرف عنك ذلك، وانظري الفتوى رقم:
8424 والفتوى رقم:
8663.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(9/3652)
الهدي الشرعي لعلاج من هاج غضبه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة متزوجة ولي أولاد وما يضايقني فعلا هي حالات العصبية الشديدة التي تنتابني عندما يخطئ الأولاد في أي شئ مثلا عدم الالتزام بمسؤولياتهم من حفظ القرآن أو أعمال المنزل ولا أعرف ماذا أفعل لكي أتصرف بهدوء وألا أكون بهذه الحالة من ردة الفعل. أرجو إفادتي بما أفعل وجزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلاج من هاج غضبه في عدة أمور منها: أن يحذر نفسه من عاقبة غضبه وتصرفاته.
ومنها: أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى لا على مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله؟! ومنها: أن يستحضر الفضل العظيم لمن كتم غضبه وعفا عمن أغضبه. يقول الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] .
ومن العلاج أيضاً: أن يسكن الغاضب ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن كان قائماً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وأن يتوضأ، وأن يدعو بصلاح الأمور كلها ومن الأدعية المناسبة هنا: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت".
وأخيراً فأحذر السائلة من أن يجرها الغضب للدعاء على أولادها فدعوة الأم على ولدها مستجابة. ولتراجع الفتوى رقم:
6807.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(9/3653)
من مداخل الشيطان الخفية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أود منكم الإجابة على الاستفسار هذا وجزاكم الله الخير كله ووفقكم لما يحبه ويرضاه
وهو أنني عندما أقوم بأي عمل خير قاصدةً به وجه الله أقول في نفسي إنني قصدت إرضاء وجه الله في ذلك العمل أو أي كلام خير لوجه الله أقول هل أنا حقا صادقة لأنني أعلم أن الله عز وجل خلقنا وهو أعلم بنا وبداخلنا وبأعمق من ذلك فربما أكون غير صادقة في هذا التوجه لوجه الله مع أنني في نفسي أقصده ولا أعرف هل أنا صائبة في تفكيري هذا أم ماذا؟ وأرجو من الله التسديد والصواب لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل وأن يوحده بالقصد والإرادة، وأن يحذر على نفسه من الرياء أو إرادة الدنيا بعمله أو ما شابه ذلك من المقاصد التي تبطل عمله وقد تصل به إلى الشرك والعياذ بالله، وليعلم المسلم أن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلاَّ ما كان خالصاً لوجهه، وقد صح في الحديث أن الله عز وجل يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم وغيره.
ولكن على المسلم كذلك أن لا يفتح للشيطان باباً ويجعل له عليه سلطاناً فيشككه في نيته وقصده، وربما قاده بعد ذلك إلى ترك العمل بحجة فقد الإخلاص، وهذا مدخل من مداخل الشيطان الخفية التي يجب على العبد التحرز منها.
بل الواجب إخلاص القصد لله ومحاربة النفس من التوجه لغيره، وما عرض بعد ذلك من وساوس لا ينبغي الالتفات إليها فإنها من الشيطان، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1424(9/3654)
حكم التحريض على طلب الطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة زوجي تطالبني أن أترك لها زوجها وأطلب منه الطلاق هل هذا يرضي الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لها مطالبتك بترك زوجك وطلب الطلاق منه، ولا تستجيبي لها في ذلك لأنها عاصيه لله في طلبها هذا. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
14810.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(9/3655)
هل يعتبر الخجل مرضا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن لي القضاء على المرض النفسي الذي يدعى الوسواس أي أنا كثير الخجل حتى أنني لا أستطيع الكلام مع الناس أي أنهم سيخرون مني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ما تعاني منه هو الخجل فقط فهذا ليس مرضاً أصلاً، وراجع الفتوى رقم:
16873 والفتوى رقم: 1796.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(9/3656)
شروط جواز دلالة الدائن على مكان الغريم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم وبعد:
صديق معي في الغربة ولكن علمت من صاحب محل أن هذا الصديق لم يسدد باقي الحساب لصاحب المحل من أكثر من سنة وطلب مني صاحب المحل عنوان صديقي ليسلمه للشرطة هل يجب أن أعطي صاحب المحل عنوان صديقي؟ مع العلم أن صديقي وضعه المادي وسط وعلمت أنه يوجد محلات أخرى تلاحقه بهذا الشاْن.
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مطل الغني ظلمٌ، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" رواه البخاري ومسلم وغيرها، والمطل معناه تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، فإذا حصل هذا من قادر على السداد، فإنه ظلم لا يجوز، وينبغي للآخرين أن يكفوه عن هذا الظلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً! فقال رجل: إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره" رواه البخاري.
فينبغي أن ينصح هذا الأخ بسداد الديون، ويرهب من مغبة الموت وحقوق الناس في ذمته.
وأما دلالة الغريم عليه، فإن ذلك أمر جائز لأنه رفع ظلم عن مظلوم، وهذا بشرط أن يعلم قدرته على السداد، فإن علم عجزه عن السداد وخشي من أن يسجن إن هو وجد فلا يجوز له أن يدل عليه، لما في ذلك من التعاون على الإثم، والله جل وعلا يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] .
ولا شك أن إلزام المعسر بالأداء ظلم، فالواجب هو إنظاره حتى يتيسر حاله، أو إسقاط الدين عليه، قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1423(9/3657)
وأما السائل فلا تنهر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم إعطاء المتسولين في الشوارع المال وغيره بقصد عدم تشجيعهم على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى قد رغب في الصدقة، ووعد عليها بالخير الكثير، والثواب الجزيل، فقال: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج:24-25] .
وذم بالمقابل البخل وأهله، فقال: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) [آل عمران:180] .
وانطلاقاً من هذه النصوص وغيرها الداعية والمرغبة في الصدقة والإنفاق من جهة، والتي تذم البخل وأهله من جهة أخرى، فلا ينبغي للمسلم أن يرد سائلاً ويبخل عليه، وخصوصاً إذا جهل حاله، أو علم أنه من الذين تحق لهم المسألة، سواء كان التسول في الشارع، أو في غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(9/3658)
الدال على الخير كفاعله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي معهد لتدريب الحاسب الآلي واللغات وأرغب بإعطاء تبرع عيني وهو عبارة عن دورات بدون مقابل للأفراد غير القادرين على دفع قيمة الدورة وسوف تعود الدورة عليه بالمنفعة إما له شخصياً أو في مجال عمله أو تعينه على الحصول على عمل وأقوم بالبحث عن هؤلاء الأفراد عن طريق مراسلة اللجان الخيرية الإسلامية ووزارة الشؤون.... ونظرا لارتفاع قيمة بعض الدورات ولا أستطيع التبرع بقيمتها كلها فسؤالي: هل يجوز أن أطلب تبرعات من أهل الخير ليتم سداد جزء أو سداد كل قيمة الدورة للفرد الملتحق بهذه الدورات؟ علماً بأنني صاحبة المعهد وهذا التبرع سيعود عليّ بالمنفعة بسبب تسجيل ذلك الفرد بالدورة فهل يجوز ذلك؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دلَّ على خير، فله أجر فاعله" رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله، فلم يجد عنده ما يحمله، فدله على آخر فحمله، فأتى النبي صلى الله عيه وسلم فأخبره، فقال: "إن الدال على الخير كفاعله" رواه الترمذي.
فهذان الحديثان وما في معناهما يحثان المسلمين على المسارعة إلى فعل الخير والدلالة عليه، أو المشاركة فيه بوجه من الوجوه ولو قلّ، ولا شك أن الأخت السائلة بدلالة أهل الخير على هؤلاء المحتاجين إلى هذا العلم النافع مأجورة مثابة إن شاء الله إذا أخلصت نيتها، ولا يضرها إن استفادت هي من وراء هذا المشروع الخيري فلكل امرئ ما نوى، وهذا بشرط أن تصرف التبرعات في مصارفها التي تبرع بها من أجلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1423(9/3659)
حكم إعطاء جهة العمل نقودا بدل التزامها تأمين مسكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بجهة استشارية في مجال المقاولات وينص العقد على أن المقاول عليه أن يوفر المسكن ووسيلة الانتقال والمأكل للجهة الاستشارية وخاصة أن العملية خارج المدينة إلا أن المقاول لم يوفر ما تم الاتفاق عليه ودفع قيمة نقدية كل شهر حتى الانتهاء من العملية والسؤال هنا:
هل يجوز أخذ هذا المبلغ الشهري وتوزيعه على العاملين بالمشروع من الجهة الاستشارية علما بأنه يوجد مقر لنا تتولى مسؤوليته شركة أخرى لمقاولة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] ، ويقول في سورة الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء:34] .
ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم". رواه أبو داود وصححه السيوطي.
وانطلاقاً من هذه الآيات الآمرة بالوفاء بالعقود والالتزام بالعهود يتضح أنه من الواجب على من التزم لعامل مسكناً ووسيلة نقل لزمه ذلك، ولا يجوز له أن يخل بما اتفق عليه، لكن إذا تراضيا - العامل وجهة العمل - على مبلغ مقابل السكن والنقل فلا حرج، ثم إن حصول العامل على سكن من جهة أخرى لا تسقط حقه في ما التزمت له به جهة عمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1423(9/3660)
الصبر ... تعريفه ... ومراتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الصبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالصبر في اللغة: الحبس. ومنه قولهم: قتل فلان صبراً، أي حبس حتى قتل.
وفي الشرع: حبس النفس على طاعة الله واجتناب معاصيه، وعدم التسخط على قضاء الله وقدره.
وبهذا يعرف أن الصبر في الشرع على ثلاثة أقسام:
الأول: صبر على طاعة الله بامتثال الأوامر التي كلفنا بها.
الثاني: صبر على اجتناب معصية الله عز وجل.
والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة.
والقسمان الأولان أشرف وأعلى من القسم الثالث الذي لا يعرف أكثر الناس غيره، وذلك أن الصبر في القسمين الأولين اختياري، أي بإمكان الإنسان أن يصبر فيفعل الطاعة ويجتنب المعصية، وبقدرته أن لا يصبر فيعطي نفسه هواها فيترك الطاعة ويرتكب المعصية.
وأما في القسم الثالث: فإن القدر نافذ لا محالة صبر أو لم يصبر إلا أنه إن صبر أُجر وقدر الله نافذ، وإن سخط أثم وقدر الله نافذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1423(9/3661)
سب اليهود الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل من المعقول أن نشتم اليهود بالرغم من كرهنا لهم هل يجوز أن نتلفظ عليهم بألفاظ ذميمة بالرغم من أن الإسلام منع من الاعتداء على الآخرين بأي شكل لأن الإسلام دين المعاملة والاحترام؟
وشكرا لكم على هذا الموقع المتميز.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن وصف اليهود بالأوصاف القبيحة المعروفة عنهم كالحقد والبغي والحسد والبخل والجبن وغير ذلك جائز. وقد ورد ذلك في آيات كثيرة من القرآن، مثل قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64] .
واقرأ إن شئت أوصافهم في سورة البقرة وسورة المائدة وغيرها.
وإذا كان سبهم يؤدي بهم إلى سب الله تعالى أو إلى سب رسوله صلى الله عليه وسلم فعلى المسلم أن يتركه، استجابة لقول الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ....... [الأنعام:108] .
أما سب الأشخاص منهم بأعيانهم فإنه لا يجوز؛ إلا إذا كان في معرض الرد بالمثل على من سبوه على أن الأولى ترك ذلك أيضا، وهذا في العموم لأنه قد يدخل في التفحش الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة كما في صحيح مسلم: لما جاء اليهود فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: السام عليك يا أبا القاسم -يعنون الموت- فردت عليهم عائشة بقولها: وعليكم السام واللعنة والغضب، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم، مهلاً يا عائشة! فإن الله لا يجب الفحش ولا التفحش، واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لهم "وعليكم" أي عليكم ما قلتم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(9/3662)
الحب دون علم الجنس الآخر ... داء ودواء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب ابن خالي ولكنه يصغرني ولا أستطيع البوح لأحد كيف أستطيع حل هذه العقدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان حبك له لم يحملك على حرام، كالنظر إليه والخلوة به واللقاء معه ونحو ذلك من المخالفات الشرعية، ولم يؤدِ بك إلى تفريطك في واجب، أو تضييعك لحق، فلا حرج عليك فيه ما لم يتجاوز ذلك حد الاعتدال، وعليك أن تسعي في الزواج منه، وإن كان يصغرك في السن، إذ لا مانع شرعاً ولا عقلا من ذلك إن كان ذا دين وخلق. فإن كان الزواج منه متعذرا من جهته هو، أو لأي سبب آخر، فعليك أن تقطعي تفكيرك فيه وتعلقك به، ولعل الله ييسر لك زوجاً خيراً منه. ولعلاج العشق انظري الجواب رقم:
9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1423(9/3663)
عدد ألفاظ الغيبة والنميمة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة ذكرت الغيبة والنميمة في القرآن مع الاستدلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89] . ومن تمام نعمة الله علينا وكمال الدين العظيم أنه لم يترك شيئاً ينفعنا أو يقربنا إلى الله تعالى إلا دلنا عليه، ولم يترك شيئاً يضرنا أو يبعدنا عن الله تعالى إلا حذرنا منه، ومن ذلك الأخلاق الذميمة والتي من ضمنها الغيبة والنميمة.
فقد ورد التحذير منهما باسمهما تارة وبمعناهما تارة أخرى، فأما الغيبة فقد جاء التحذير منها باسمها في سورة الحجرات في قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] . وجاء التحذير منها والوعيد الشديد لمن يفعلها بالهمز واللمز والإشارة: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] .
وأما النميمة فجاء التحذير منها بلفظها في سورة القلم في قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ*هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ*مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم:10-11] . وجاء التحذير منها بمعناها في شأن المنافقين: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47] . وكذلك جاء التحذير منها في شأن اليهود: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41] .
والخلاصة: أن الغيبة ذكرت مرتين في القرآن الكريم مرة بلفظها ومرة بمعناها، وأن النميمة ذكرت ثلاث مرات مرة بلفظها ومرتين بمعناها، هذا ما وقفنا عليه، والمهم هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي، سواء انفردت أم تعددت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1423(9/3664)
يختلف حد الإسراف غنى وفقرا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما هو الحد الفاصل بين التمتع بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وبين الإسراف والتبذير وبمعنى أوضح هل يجوز لرجل شديد الثراء أن يقوم بإخراج الزكاة بأن يشتري لزوجته خاتماً بمليون مثلاً أو أن يشتري سيارة بمئات الألوف؟
فتح الله عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أوضح تعالى في كتابه الكريم المنهج القويم الذي ينبغي على العبد أن يسير عليه حال الإنفاق، فقال مادحاً عباده المؤمنين واصفاً لهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان:67] .
قال ابن كثير رحمه الله: أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلاً خياراً، وخير الأمور أوسطها.
والإسراف كما قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وإما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتأنق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
هذا، والله تعالى قال في كتابه: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل:71] .
فمكاسب العباد مختلفة وأرزاقهم متفاوتة، وبالتالي تختلف النفقات من شخص إلى شخص، ومن بيت إلى بيت، ومن طبقة إلى طبقة، فيعد إسرافاً في حق بعض الناس ما لا يعد إسرافاً في حق غيره نتيجة للتفاوت في الرزق بينهم، فمن يملك الملايين ليس كمن لا يملكها، وما أحسن ما قال العلامة عبد العزيز المحمد السلمان: فمن تجاوز طاقته مباراة لمن هم أغنى منه وأقدر كان مسرفاً.
وعلى هذا، فمن كان يملك ألفا ليس كمن يملك مليوناً مثلاً، فإذا كان المتعارف عليه فيمن هم في طبقة صاحب الألف أنه إذا اشترى لواحد خاتماً مثلاً يشتريه بمائة فاشترى بمائتين فهذا إسراف، فكيف إذا اشتراه بألف فأنفق كل ما يملك، وهذا قد يحدث من كثير من الناس ينفق كل ما معه في شراء بعض الكماليات ثم يعجز عما يجب عليه من النفقات، فهذا هو عين الإسراف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(9/3665)
العلاقة بين الحياء والحجاب هي علاقة تلازم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما علاقة الحجاب بالحياء؟
وهل الحياء في المرأة يختلف عن الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياء شرعاً كما عرفه أهل العلم -هو خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق- هذا هو الحياء شرعاً، فإذا عرفنا حقيقته علمنا أن الاتصاف بهذا الخلق الكريم والتحلي به يمنع صاحبه من الإقدام على ماحرم الله تعالى مثل: السفور والتبرج بالنسبة للمرأة، إذ يجب عليها الستر الكامل والاحتشام، فإذا اتصفت بصفة الحياء منعها ذلك من فعل المحرمات والوقوع في القبائح.
وإذا تقرر هذا علمنا أن العلاقة بين الحياء والحجاب بالنسبة للمرأة هي علاقة تلازم بمعنى أنه لا يوجد الحياء في المرأة إلا وجد الحجاب والاحتشام.
أما الرجل فإنه يختلف عن المرأة هنا لأن ترك الحجاب في حقة ليس محرماً ولا مستقبحاً بل هو أمر مطلوب منه طلباً لازماً، فليس كالمرأة.
وبهذا يتبين للسائل أن الحياء الشرعي يكون مشروعاً أو واجباً في بعض الحالات على المرأة دون الرجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(9/3666)
علامات صدق المحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مكانة محبة علماء الدين والشيوخ والتمني في الاقتداء بخلقهم.؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محبة أهل الإيمان من الإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواها، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب، وله ما اكتسب " رواه الترمذي وحسنه. وفي الترمذي أيضاً من حديث صفوان بن عسال قال جاء أعرابي جهوري الصوت قال: يا محمد، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم. فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب "
وفي الترمذي أيضا من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عزوجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"
واعلم أخي الكريم أن من علامة صدق المحبة الاقتداء بأفعال من أحببت، ولذا يقول الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران:31]
وطاعة أمره، وصدق من قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
وقال الحسن البصري رحمه الله: لا تغتر يا ابن آدم بقوله: أنت مع من أحببت. فإنه من أحب قوما تبع آثارهم، واعلم أنك لا تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم وحتى تأخذ بهديهم وتقتدي بسنتهم وتصبح وتمسي على مناهجهم حرصاً على أن تكون منهم.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(9/3667)
الغيرة المحبوبة لله والغيرة المبغوضة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان متزوج ولما أخرج من البيت يرتابني إحساس بأن زوجتي تخرج من البيت دون استشارتي، ولربما تلتقي بشخص آخر غيري، فأريد جزاكم الله خيراً تفسيراً لهذا دقيقاً مدققاً لهذا؟ وكيف يمكنني أن أعالجه؟ سواء أكان صائبا أم كان غير صائب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان إحساسك هذا مبنياً على قرائن معتبرة وواقعة فينبغي لك التحقق من ذلك، فلا يجوز للشخص أن يتغافل عن أهله إذا رأى منهم ما يدعو إلى الريبة، أمَّا إن كان الأمر مجرد غيرة مفرطة أو سوء ظن بزوجتك، فهذا مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] وفي الحديث: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
وبوبَّ الإمام البخاري في كتاب النكاح: باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم، ثم روى حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً. قال الحافظ ابن حجر: وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم.
والذي ننصح به الأخ أن لا يسمح للظنون والوساوس الشيطانية أن تفسد عليه بيته أو أن تهدم أسرته، وتعكر حياته، وعلاجه تقوى الله وإحسان الظن بأهله وقطع وساوس الشيطان والاستعانة بالله عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(9/3668)
الهدي النبوي لعلاج الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل فأنا سريعة التصرف في أي شيء دون أي تفكير وهذا يجعلني دائما أحس بالندم بعد أي كلام أقوله في وقت غضب فماذا أفعل؟
وشكرا ... ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا ننصح الأخت السائلة بأن تبتعد عن كل ما يثير حفيظتها ويسبب لها الغضب، وذلك كالجدال والمراء وحضور بعض المجالس، والحديث عن مواضيع معينة.
وأن تعود نفسها الصبر والحلم والأناة وكظم الغيظ والرفق في كل أمورها، فإن الصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة. "والأناة: التثبت وترك العجلة".
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله رفيق يجب الرفق في الأمر كله. وفي رواية: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.، وعنها رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. رواه مسلم. وقال أيضاً: ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله. رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه بعدم الغضب عندما طلب وصية جامعة فقال له: لا تغضب- فردد مراراً، وفي كلها يقول له صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الغضب غريزة جبل عليها الإنسان، لكنه ينهاه عن ترك العمل بمقتضى الغضب إذا غضب، فيجاهد نفسه ويقاومها بكظم الغيظ، وليتذكر غضب الله تعالى، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومما يعين على عدم التأثر بالغضب أن يغير الشخص الحالة التي هو عليها وقت الغضب، وأن يمسك لسانه فلا يتلكم، وإذا استطاع أن يتوضأ فليفعل.
والخلاصة أن على السائلة الكريمة أن تعود نفسها التأني والصبر، وإذا حدث لها غضب فلتمسك لسانها ولا تتكلم، ولتغير حالها وتتوضأ، ولتستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فكل ذلك معين لها بإذن الله تعالى. وراجعي الفتوى رقم:
8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1423(9/3669)
لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ظلمني أحد الناس في حق لي فهل يجوز لي غيبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمظلوم أن يغتابَ منْ ظلمه عند من يكون سبباً لإنصافه، لقول الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) [النساء:148] ، ولذلك استثنى العلماء ستة مواطن تجوز فيها الغيبة هذا أحدها، وقد نظم الجميع الكمال بقوله:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
وروى أحمد وأبو داود والنسائي بسند حسنه الحافظ عن الشريد بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته". أي منع المدين الدائن حقه مع قدرته على القضاء ظلم يحل الكلام في عرضه، وإنزال العقوبة به.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(9/3670)
ثمرة العبادة تهذيب النفس وتقويم عوج الطبع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم من يتكلم دائما بالفاحشة ويصلي ويصوم وعندما نصحته قال هذه عادة ولا يمكن التخلص منها. وهل في الشريعةالإسلامية ما يستدل بذلك. جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى شرع العبادات لتثمر السلوك القويم والأخلاق الفاضلة والخوف مما يسخط الرب تعالى، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ، وقال: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر [العنكبوت:45] ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] .
ومن لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله تعالى إلا بعداً كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.
وليعلم هذا الأخ المسلم أن اللسان من الخطورة بمكان، فقد ثبت في سنن الترمذي بسند صحيح عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني بأمر أعتصم به؟ قال:"قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخوف ما تخاف عليََّ؟ فأخذ بلسان نفسه.
فالواجب عليه أن يتقي الله تعالى، وليعلم أنه إذا أراد ترك هذه العادة مخافة الله تعالى أن الله سييسر له أمره، وراجع الفتوى رقم:
6923.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(9/3671)
لا منافاة بين الاستخارة والاستشارة وبين التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين التوكل على الله والاستشارة والتردد في الاختيار؟ بالرغم أنني متوكل دائماً أتردد وأستخير
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض بين توكل المؤمن على ربه في أمر ما، وبين استخارته لربه فيه، واستشارته لأهل الخبرة والثقة، فكل ذلك حث عليه الشرع وأمر به، فالإنسان إذا أراد أمراً، فعليه أن يتوكل على الله في تحصيله، ومن توكل على ربه تكفل به وأعانه، وهذا لا ينافي أن يستخير أو يستشير، فالأخذ بهما وبغيرهما من الأسباب الشرعية أو الحسية لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره.
فعلى المسلم أن يعلق قلبه بالله، وجوارحه بالأسباب. وهذا هو توكل المؤمنين، فإذا أردت أمراً فصل صلاة الاستخارة وادع بدعائها، واستشر أهل الخبرة والثقة، ثم بعد ذلك توكل على ربك ولا تتردد، فلن ييسر لك الله بعد ذلك إلا ما هو خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1423(9/3672)
ما يقتضيه فقه الواقع في مخاطبة المرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: هل يجوز لي متابعة فتاة والتكلم معها لسؤالها إن كان يمكنني التقدم لخطبتها؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من أن يحادث الرجل المرأة لحاجة كأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو تعليم، أو بيع وشراء، أو أن يعرض عليها رغبته في الزواج بها، من غير خلوة ولا خضوع بالقول، وأن تكون المرأة متحجبة بالحجاب الشرعي الساتر لجميع بدنها، إن أُمنت الفتنة، مع أن الأولى في حق الخاطب أن يتوجه إلى أولياء أمر المرأة، ويعرض عليهم رغبته في الزواج منها.
وهذا الحكم الذي ذكرناه وبينا ضوابطه إنما يكون في المجتمع المسلم الذي يطبق أحكام الشرع، ويراقب الله في أفعاله وأقواله، وعلى كل فرد في هذا المجتمع وازع التقوى والخوف من الله، ولكن لما كثر الفساد، وضعف الوازع الديني في قلوب الناس، وأصبحت الشروط والضوابط التي ذكرناها عزيزة نادرة الوجود، وأصبح كثير من المستفتين يأخذون بأطراف الفتاوى دون نظر إلى قيودها وشروطها، بغيتهم الوصول إلى ما يريدون وما تهوى أنفسهم محتجين بفتوى فلان وعلان، وقد تكون الفتوى في أحايين كثيرة على خلاف ما فهموا منها، لما كان الأمر كذلك اقتضى ذلك كله إعمالاً لفقه الواقع وسداً لذرائع الفساد أن يمنع الرجل من محادثة المرأة الأجنبية في شؤون الزواج بها دون وجود محرم لها.
وعليه، فلا يجوز لك متابعة هذه الفتاة للحديث معها، لأن ذلك مدعاة للفتنة، وسوء ظن الناس بك وبها، والطريق الصحيح المأمون هو التوجه إلى أولياء أمرها، أو إرسال إحدى قريباتك إليها لمعرفة موافقتها.
والله نسأل أن يوفقنا وإياك لصالح العمل، وأن يجنبنا وإياك مكائد الشيطان والزلل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(9/3673)
قد تجب الغيبة أو تباح لغرض شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذكر الشخص الفاسق بما فيه للتحذير منه وهوغائب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذكر الفاسق بما فيه للتحذير منه جائز؛ وقد يجب ذلك. قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الأصل في الغيبة الحرمة؛ وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها. ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها قوله: الرابع:تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية، أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سراً فيجوز إجماعاً بل يجب. وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي، وقد علم في ذلك الغير قبيحاً منفراً كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج.....الخامس: أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهراً وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما تجاهروا به دون غيره، فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون له سبب آخر مما مر انتهى.
وانظر الفتوى رقم:
6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(9/3674)
التصرف مع خائن الأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا خان صديق ما الأمانة فهل يكون من الواجب على صديقه أن ينصحه فقط أم يبلغ صاحب الشأن الذي تمت خيانة أمانته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن علم من أخيه المسلم خيانة للآخرين، فالواجب عليه أن ينصحه، ويبين له أن الخيانة ليست من صفات المؤمنين، وإنما هي من صفات المنافقين والكافرين، وصاحبها مكروه عند الله تبارك وتعالى، كما قال الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال:58] .
ويحثه على رد الحقوق لأهلها وطلب العفو منهم إن أمكنه ذلك، ولا يخبر الذين خانهم صديقه لأن الله تعالى ستير يحب الستر، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
إلا أنه يستثنى من هذا الشخص الذي كثرت خيانته، ولم يقبل النصيحة، فهذا لا ينبغي الستر عليه، بل ينبغي فضحه وكشف أمره للناس ليحذروه ولا يأتمنوه مرة أخرى، لأنه ليس أهلاً لأن يؤتمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(9/3675)
أقوال العلماء في الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أهل الحي المساعدة في بناء مسجد فقلت لهم عندي قطعة أرض بعد بيعها سوف أساهم بثمنها وقبل بيعها قمت بدفع نصف ثمنها لبناء المسجد وبعد بيع قطة الأرض وجدت أسرة معدمة ليس لها دخل ولا تجد القوت اليومي هل يجوز إعطاؤها باقي ثمن الأرض أو جزءاً منه لتدبير معيشتها أفيدوني ولكم جزيل الشكر.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على ما تقدم من مال في مساعدة المسلمين وإعمار بيوت الله تعالى، وتقبل الله منك، ولتعلم أن ما صدر منك يعتبر مجرد وعد منك بالمساعدة بثمن القطعة الأرضية في بناء المسجد، والوفاء بالوعد مختلف فيه بين الفقهاء، فالجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة يرون الوفاء به مستحباً، قال السرخسي من الحنفية في المبسوط: "والإنسان مندوب إلى الوفاء بالوعد، من غير أن يكون ذلك مستحقاً عليه" انتهى.
وقال البهوتي من الحنابلة في كشَّاف القناع: "لا يلزم الوفاء بالوعد. نص عليه -يعني الإمام أحمد- وقاله أكثر العلماء" انتهى.
وقال النووي من الشافعية في الأذكار: "قد أجمع العلماء على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه، فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أم مستحب؟ فيه خلاف بينهم، ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولكن لا يأثم" انتهى.
وذهب المالكية إلى أنه ملزم إذا كان بسبب أو دخل الموعود بالوعد في شيء، قال القرافي في الفروق (الفرق 214) مانصه: "وجه الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يقتضي بعضها الوفاء به، وبعضها عدم الوفاء به، أنه إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم، كما قال مالك وابن القاسم وسحنون أو وعده مقروناً بذكر سبب" انتهى.
وقال في موضع آخر: "أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق" انتهى.
والراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور، وبناءً عليه، فإنه لاحرج عليك في صرف بقية ثمن الأرض في غير المسجد، لاسيما إذا ترجحت لديك حاجة هؤلاء المذكورين على حاجة المسجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1423(9/3676)
الستر على من وقع في موجب للحد أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب مسلم أدرس في الخارج وقد فعلت الزنا وتبت إلى الله وأرجو منه أن يقبل توبتي ويوجد حوالي خمسة أشخاص مثلي ونريد أن نتطهر من ذنوبنا قبل أن نلاقي ربنا، وإن كان الحكم أن يجلد كل منا 100 جلدة فنحن موافقون، فهل من الممكن أن يجلد كل منا الآخر؟ إن لم يكن كذلك فما الحل؟ ونرجو من فضيله الشيخ أن يراعي أننا لا نريد أن يفضح أمرنا بعد أن ستره الله الرحمن الرحيم!
إن كان ممكنا ذللك فما هي طريقه الجلد؟ وما هي أوصاف الجالد؟
وإن كان غير ذلك أرجو أن تشرح لنا بالتفصيل
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي عليك هو أن تستر على نفسك ما وقعت فيه من الكبائر وتكتفي بالتوبة إلى الله تعالى، وبالرجوع إليه والندم على ما كان منك، وكذلك الأشخاص الذين ذكرت أنهم مثلك وقعوا فيما وقعت فيه فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويندموا على ما صدر منهم ويستروا على أنفسهم حيث ستر الله عليهم، فإن الحدود إنما يقيمها السلطان بشرط أن يعترف الإنسان أمامه أو تقوم بينة نادرة الحصول، وذلك كله للستر على المسلمين، أما أنت والأشخاص الذين ذكرت فاستروا على أنفسكم حيث ستركم الله، وأخلصوا في التوبة إلى الله، فإن الله يحب التوابين، ويقبل التوبة عن عباده، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الموطأ وغيره أنه قال: " أيها الناس: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهاكم الله عنها، ومن أصاب من ذلك شيئاً فليستتر" ففي هذا الحديث أن ستر المسلم على نفسه ما وقع فيه من الكبائر الموجبة للحدود والتوبة منها والندم عليها والإقلاع عنها أولى به من الإقرار بذلك على نفسه، ولو وجد سلطة شرعية تقيم عليه الحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1423(9/3677)
كيف يتصرف مع العامل الخائن
[السُّؤَالُ]
ـ[أملك محلاً لبيع الأدوات الكهربائية ويعمل لدي عامل واحد فقط ساورني الشك فيه فقمت بعمل جرد عليه فتبين لي عجز في الإيراد في فترة لا تتجاوز خمسة أشهر مبلغ 1500جنيه مصري علماً بأن راتبه150جنيها
لست أدري ماذا أفعل معه
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا تبين أن هذا العامل خائن وليس بأمين فأنت بالخيار في فعل الآتي معه:
1- أن تستدعيه وتصارحه فيما بينك وبينه وتبين له خيانته وتنصحه بالتوبة، والكف عنها، وتطلب منه رد ما يمكن أن يكون قد أخذه، وتلتزم له بعدم فضحه وكشف أمره للناس.
2- فإن أنكر، فإما أن ترفعه للقضاء وتظهر ما عندك من البيانات الدالة على خيانته، فإن لم تتمكن من إثبات البينة الكافية لزمته اليمين وليس لك إلا ذلك، وبعد ذلك تبعده عن العمل لأنه غيرصالح له، لأن الله تعالى حكى عن ابنة شعيب مقراَّ لها أن الصالح للإجارة على العمل من اتصف بصفتين أساسيتين: الأولى: القدرة على العمل، والثانية: الأمانة فيه، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26] .
3- أن تبعده عن العمل بدون إبداء سبب الطرد وتستر عليه، لعل الله تعالى يستر عليك ما يكون من عثراتك، ويتوب عليه هو ويهديه إلى الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/3678)
الاعتداء على المعتمر أعظم جرما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اعتداء معتمر على معتمر داخل الحرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم أن يعتدي على مسلم في أي وقت وفي أي مكان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "فلا تظالموا ... " الحديث، ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" متفق عليه.
أما اعتداء المسلم على أخيه المتلبس بالعمرة، فهذا أعظم ذنباً وأكبر جرماً، لأنه في البلد الحرام، والذنوب تعظم وتغلظ بحسب الزمان والمكان، كما أن الحسنات تضاعف كذلك، فاعتداؤه عليه -أصلاً- جريمة، وكونها في البلد الحرام جريمة أخرى، وكونه محرماً جريمة ثالثة، وكون ذلك داخل المسجد الحرام جريمة رابعة.
قال تعالى في شأن المسجد الحرام: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) [آل عمران:97] ، وقال المولى عز وجل: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25] .
فالواجب على من وقع منه هذا الاعتداء أولاً أن يتوب إلى الله تعالى، ثم يطلب العفو من الشخص الذي اعتدى عليه قبل فوات الأوان، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْه" أخرجه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/3679)
العلة في النهي عن سب آلهة الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شتم أو لعن غير المسلم بسبب أو بدون سبب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن سب المشركين وسب آلهتهم لا بأس به، وكذلك لعنهم على وجه العموم بغير تحديد شخص بعينه. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة:28] ، وقال تعالى: (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة:89] .
وقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود، لما حرم عليهم شحومها، جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
إلا أننا نهينا عن مواجهتهم بسب آلهتهم حتى لا يسبوا الله تعالى، قال عز وجل: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:108] .
قال ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى ناهياً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو: الله لا إله إلا هو. ا. هـ
وقال القرطبي رحمه الله: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم وكنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك. أ. هـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/3680)
الحياء المحمود والحياء المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من الخجل الشديد جدا الذي يمنعني من ممارسة الحياة الطبيعية فماذا أفعل حتى أتغلب على خجلي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحياء شعبة من شعب الإيمان، كما ورد بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
وفي الحديث أيضاً أن الحياء خير كله. رواه مسلم.
والمقصود بهذا الحياء الممدوح صاحبه الحياء الشرعي، وهو الذي يعرفه أهل العلم بقولهم:"الحياء خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق".
فإذا كان الحياء بهذه الصفة يبعث على القيام بالحقوق -سواء كانت لله أو لخلقه- ويمنع من فعل القبائح فإنه خير، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي للإنسان أن يفرح بنعمة الله عليه إن رزقه هذا الحياء، ولا يحزن إن فاتته بعض الأغراض الدنيوية التي كان يُقَدِّرُ هو أنه لولا الحياء لحصل عليها، فإن هذا في الحقيقة وهم، لأن ما كتبه الله للعبد سيأتيه لا محالة.
وأما إذا كان الحياء يجر إلى ترك واجب أو فعل محرم فإنه ليس حياءاً شرعياً، بل هو تلبيس الشيطان على صاحبه، فعليه أن يراقب الله، فإنه أولى بأن يستحي منه سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1423(9/3681)
الشعور بمصاب المسلمين من الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[دائما أفكر في هموم ومشاكل غيري فأشعر بالشفقة والضيق من أجلهم لدرجة أن ذلك يفسد علي حياتي لاستمرار التفكير....فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشعور المسلم بهموم إخوانه المسلمين أمر مطلوب، بل هو دليل على صدق إيمانه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" متفق عليه من حديث النعمان بن بشير.
وهو دليل على أن شعور المسلم بأحوال إخوانه المسلمين أو انعكاس أحوالهم في السراء والضراء عليه دليل على اتصافه بصفات المسلمين.
ولكن ينبغي للمسلم أن لا يشغله ذلك الهم ولا ييأس من العمل للإسلام والدعوة إلى الله والقيام بأعماله. وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حثنا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها" رواه أحمد من حديث أنس
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(9/3682)
لا تغضب!!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل عمري 35 سنة عصبي وحاد المزاج إلى درجة أني أفقد التركيز ولا أعلم ما أقول والأمر معي في زيادة مستمرة رغم تقربي إلى الله ورغم أن قلبي طيب جداً وأراعي الله في كثير من الأمور وكثيراً ما أبكي على عصبيتي وأندم حيث أن الحق بسب عصبيتي والذي يكون معي لو لم أغضب إلا أنه يتحول ضدي بسبب الغضب ما العمل؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنوصيك بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لمن استوصاه: "لا تغضب".
وانظر الفتوى رقم: 15906، والفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1423(9/3683)
حدود جواز تبادل كلمات الحب بين فتاتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن ترسل بنت إلى بنت أخرى رسائل فيها كلمات حب عن طريق الجوال أو البريد الألكتروني كصداقة وقرابة وليس إعجاب
أجيبوني بأسرع وقت ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بأس بذلك، ما لم يتعد الحدود المعتادة إلى كلام يدل على وجود علاقات شاذة بين الفتاتين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه" رواه ابن المبارك في الزهد وصححه الألباني. ولمزيد فائدة راجعي الفتاوى التالية أرقامها:
3158 1109 14949
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1423(9/3684)
من خطوات الشيطان إلى الفاحشة الكلام مع الفتيات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أعاني من مشكلة مع البنات، أنا الآن أصلي كل صلاة في وقتها والحمد لله، المهم أنا كنت معتاداً أن أكلم البنات والآن مشكلتي إذا لم أكلم بنتاً أعاكس البنات أريد منكم أن تدلوني على شيء أفعله لكي أتخلص من هذا مع علمي أنه غلط كبير
والسلام عليكم وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الهداية والثبات على الدين، أما بالنسبة لسؤالك فاعلم أن الكلام مع النساء الأصل فيه أنه لا يكون إلا إذا وجد له غرض، وإلا كان من خطوات الشيطان إلى الفواحش والعياذ بالله، وكما قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فكلام فسلام فموعد فلقاء
أما بالنسبة لمعاكسة البنات فراجع له الفتوى رقم:
621 والفتوى رقم: 12928
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1423(9/3685)
الدواء الشافي لمن تعلق قلبه بفتاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أحب فتاة ولكن هي لا تحبني وأنا لا أقوى على فراقها أو التفكير في ذلك إنها من أقاربي ماذا عساي أفعل؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً يجب عليك أن تتقي الله في تعلقك بتلك الفتاة، فلا يدفعك ذلك إلى محرم أو إلى تضييع واجب، وعليك أن تسعى للزواج من هذه الفتاة عن طريق أهلك وتوسيط من يقنعها بذلك، فإن امتنعت فذلك حق لها، وما عليك إلا أن تبحث عن امرأة ذات دين وخلق فتتزوجها تنسيك ما مضى وفات. ولعل الله سبحانه وتعالى اختار لك ذلك وصرف عنك تلك الفتاة لأمر يعلمه، فالله يقول (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216] ،ويقول سبحانه (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19] ، ويجب عليك أن ترضى بقضاء الله وقدره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
واشغل نفسك ووقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، واصرف فكرك عن الخواطر والأفكار التي تجلب لك ما لا تحمد عقباه، والجأ إلى الله تعالى أن يذهب ما بك وأن يسهل أمرك وأن يختار لك ما فيه الخير، وانظر الجواب رقم:
9360
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1423(9/3686)
يعظم إثم السب لمن له حق على الساب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في المرأة التي تسب والدي وأهل زوجها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسب المسلم فسوق، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ويشتد الإثم إذا كان السب لمن له حق على الساب، كسب المرأة لزوجها، أو لأهله، أو لغيرهم ممن له حق عليها.
وتستحق على ذلك العقوبة والتأديب بما يردعها عن غيها وقبيح صنيعها، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 4373، والفتوى رقم: 7068.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1423(9/3687)
الأدلة على جواز اتخاذ الخليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوزذكر لفظ خليل بمعنى أن فلانا خليلي مع العلم بأنه عندما توفي النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليه أبو بكر الصديق فقال (وآه صفياه وآه حبيباه وآه خليلاه) هل هذه المنزلة بين الأصحاب تجوز؟ أم لا تجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ خليلاً فيقول: خليلي محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال: أبو هريرة رضي الله عنه "أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد" متفق عليه.
وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما دخل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، ووضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه "وانبياه، واخليلاه، واصفياه " رواه أحمد، وذكره الألباني في صحيح الشمائل المحمدية.
ويجوز للشخص أيضاً أن يتخذ خليلاً صالحاً غير النبي صلى الله عليه وسلم، لما رواه أحمد، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتخذ خليلاً غير ربه سبحانه وتعالى، لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لا تخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي" وروى مسلم عن جندب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" ولا يتعارض هذا مع اتخاذ غيره له خليلاً، قال النووي -رحمه الله- لأن الممتنع أن يتخذ النبي- صلى الله عليه وسلم - غيره خليلاً، ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً" وأما ما رواه الواحدي في تفسيره عن أبي أمامة ووأبو الحسن الحربي في فوائده واللفظ له عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس، دخلت عليه وهو يقول "إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي أبو بكر، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً" قال: الحافظ ابن حجر في الفتح " والخبران واهيان " وقال:"وقد تواترت هذه الأحاديث - الصحيحة - على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس" لأن الخلة هي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه، وإنما قال: النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن خلته كانت مقصورة على حب الله تعالى، فليس فيها لغيره متسع ولا شركة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1423(9/3688)
الشجاعة ... تعريفها..فضل الأخذ بها..والفرق بينها وبين القوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ماهو تعريف الشجاعة في الإسلام- هل هو عدم الخوف أو هو إخافة الخصم أوهو إظهار الحزم والشدة أو هو القدرة على ردع الخصم-وهل يوجد نص قرآني أو حديث شريف يبين ذلك- وأيهما أفضل كثرة العلم أو كثرة الشجاعة- وما هي الخطوات العلمية والعملية في اكتساب صفة الشجاعة.
والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشجاعة كما عرفها ابن القيم -رحمه الله- هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. فهناك تغاير بين القوة والشجاعة فالصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر وغيره أقوى منه لكنه برز على الصحابة كلهم بشجاعته التي هي ثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال.
وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة في حث المؤمنين على الأخذ بأسباب القوة، وعلى الثبات في وجه الأعداء والإقدام في سبيل الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرسه".
بل جُعل رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل سيفه ورمحه، فقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".
ويكفي الشجاع المؤمن شرفا أن الله يحبه قال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4) .
وأخرج أحمد عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ("ثلاثة يحبهم الله ... وذكر منهم: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه… الحديث".
ويكفي الجبان مذمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يتعوذ من هذه الصفة، فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات لا يدعهن كان يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبةالرجال" رواه النسائي.
فكل من الشجاعة والقوة خلق فاضل يتحلى به أهل الإيمان، وسبب من أسباب نشر هذا الدين بين الأنام.
فالله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، وبالسيف والسنان، فقال تعالى:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قوام هذا الدين كتاب يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هادياًُ ونصيراً.
وهناك فرق بين طلب العلم وبين الشجاعة فطلب العلم فريضة وقربة، بينما الشجاعة خلق جبلي أو مكتسب، وطلب العلم لا يكون إلا من المؤمنين، بينما الشجاعة هي خلق مشترك بين المؤمنين وغيرهم، وإن كان أكمل أنواعها لأهل الإيمان.
والشجاعة يمكن اكتسابها بالتعود على الإقدام، وإزالة حواجز الخوف والتضرع إلى الله والتعوذ به من الجبن والخور، ويمكن أن يرجع في كل ذلك إلى كتاب الفروسية
لابن القيم رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(9/3689)
غير القادر على الزواج هل يلزم تنفيذ وعده
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إني قد عاهدت نفسي وعاهدت المرأة التي أحببت أني لن أتزوج غيرها وأشهدت الله على ذلك لأني قد عاهدتها بالزواج ولكن هناك عقبات المال أمامنا فما الحكم في ذلك؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للرجل المسلم أن يكاتب أو يحادث امرأة أجنبية عنه إلا لحاجة وبقدرها، وفي حدود الأدب وأحكام الشرع، سداً للذريعة ودرءاً للفتنة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم.
وعليه، فلا يجوز لك التكلم مع تلك المرأة في الحب وقضايا الزواج، وعليكما بالتوبة إلى الله والاستغفار من ذلك، وإن أردت الزواج منها فتقدم لخطبتها خطبة شرعية من وليها، وإن كنت غير قادر على ذلك فاصرف النظر عن الأمر حتى ييسر الله لك الزواج منها أو من غيرها.
وعهدك لها بالزواج منها لا يلزمك الوفاء به، ولا تأثم لذلك ما دمت غير قادر على ذلك، لأنه من باب الوعد المبين في الجواب رقم: 12729
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1423(9/3690)
لا تغضب لأمور الدنيا، ولتغضب كغضب رسول الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم ربي كل خير.
أود أن أسألكم عن أمر لطالما جعلني أشعر بالذنب والحزن. أنا امرأة متزوجة وأؤدي كافة الفروض والحمد والشكر لله.المشكلة أن زوجي عند أتفه الأسباب يغضب علي ويظل يكرر هذه العبارة لأنه يعلم أنني أخاف ربي كثيراً وأخاف أن أغضبه. فماهي الحالات التي يحق للرجل فيها أن يغضب على زوجته وتكون مستجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنوصي هذا الزوج أولاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءه رجل فقال للنبي صلى الله عليه وسلم، أوصني قال "لا تغضب. فردد مراراً قال: لا تغضب" رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وروى الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت: يا رسول الله قل لي قولاً أنتفع به وأَقلل: قال "لا تغضب ولك الجنة".
قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب" خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين.
ولو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لا ستحيا من قبح صورته، ثم إن الحياة الزوجية لابد أن تقوم على التفاهم والتغاضي عن الهفوات. وانظري الفتاوى التالية:
2589 3698 8779 9560
وعلى الزوج إن رأى من زوجته ما يغضبه أن يصبر ويعالج الأمر بالتي هي أحسن، وليس هناك حالات محصورة ذات عدد يحق فيها للزوج الغضب دون غيرها، والأمر يرجع إلى نفوس الأزواج فما يغضب هذا قد لا يغضب ذاك، وأحق ما يستوجب الغضب إن رأى من أهله انتهاكاً لحرمات الله، فقد كان من سجايا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لحدود الله إذا انتهكت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(9/3691)
تخريب بيت من خرب بيتي ... رؤية إنسانية
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم"
هل يجوز لي أن أخرب بيت إنسانة قد قامت بتخريب بيتي وكانت السبب في طلاقي من زوجي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما فعلته صاحبتك من تخريب بيتك وإفساد أسرتك وتشتيتها جريمة كبيرة، وخيانة عظيمة، فالرسول صلى الله وسلم يقول: " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده " رواه أبو داود وغيره. ولا شك أن هناك روايات تدل ظواهرها على جواز مناصفة المعتدي بقدر اعتدائه، لكن بما أن تخريب البيت وتفكيك الأسرة قد تترتب عليه أضرار لغير المعتدي كالزوج والأولاد، فلا يجوز السعي فيه بحال من الأحوال ولا الرد به، لكننا ننصح السائلة بالصبر والعفو، فالله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولن يذهب حق لأحد أبداً هدراً، وما منا أحد إلا وسيمر بيوم يحتاج فيه لمزيد من الحسنات والنقص من الخطايا والسيئات، والله جل وعلا يقول: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) [الشورى:40] ويقول في نفس السورة: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) [الشورى:43] فنسأل الله عز وجل التوفيق لنا ولك ولجميع المسلمين.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(9/3692)
السخرية من الآخرين خلق مذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسخر من الأشخاص دائماً ويعلق على كل صغيرة وكبيرة إن كانت صحيحة أو خطأ؟
وجزاكم الله كل خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسخرية من الناس حرام، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11] .
أي: لا يسخر رجال من رجال، ولا نساء من نساء، لأن الساخر لا يدري، فلعل من سخر منه أعلى وأعظم شأناً عند الله تعالى، ولأن الساخر بسخريته من غيره يضع نفسه في مكانٍ أعلى منه، لأنه لا يسخر منه في أمر إلا وهو يعتقد الكمال لنفسه فيه، فأراد الله أن ينبهه إلى أن ذلك قد يكون على عكس ما يظن، وقد نهانا الله عن تزكية نفوسنا، فقال: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [لنجم:32] .
وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء:49] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(9/3693)
بعض الظن إثم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يظن بالناس ظن السوء دائماً ويوجه اتهامات للشخص من غير أن يكون موجوداً أو يسمع رأيه؟
وجزاكم الله كل خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز سوء الظن بالناس دون بينة، وذلك لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات:12] .
فقد نهى الله عز وجل عن كثير من الظن، لأن بعضه إثم، سداً لذريعة الشحناء والبغضاء والحقد والغل، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ... " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وتوجيه الاتهامات للناس في غيابهم غيبة محرمة بنص القرآن، كما في قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات:12] . وقال صلى الله عليه وسلم: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره" رواه أبو داود عن أبي هريرة، وفي رواية عند مالك والخرائطي في مساوئ الأخلاق: الغيبة أن تذكر الرجل بما فيه من خلقه.
وانظر صحيح الجامع، وينبغي على الحاضرين ألا يستمعوا لهذه الغيبة، لأن السامع مشارك القائل في الإثم، وينبغي عليهم أن ينصحوه ويأمروه بالسكوت أو ينصرفوا عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1423(9/3694)
التصفير سيما المشركين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التصفير والتنغم به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نقل بعض أهل العلم كراهة التصفير منهم ابن مفلح -رحمه الله- في كتابه (الآداب الشرعية) .
وقد ذم الله عز وجل المشركين بقوله: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال:35] .
قال القاضي ابن العربي رحمه الله: قيل المكاء: الصفير. والتصدية: التصفيق.
فإنهم أقاموا الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح، فينبغي للمسلم اجتناب مثل هذا العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3695)
المخاطبة بين الجنسين دون المحارم (إني أحبك في الله) باب فتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للمرأة أن تقول للرجل سواء من المحارم أم غير المحارم العبارة التالية: (أحبك في الله) . أم العبارة مقتصرة على نفس النوع من الجنس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قول الرجل للمرأة أو المرأة للرجل: (إني أحبك في الله) لم يُعهد عن السلف الصالحين، وإن كان معنى الجملة صحيحاً، بل يجب على المؤمن أن يكون محباً للمؤمنين والمؤمنات، بأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يفرح لفرحهم، وأن يحزن لحزنهم، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحب أحدكم صاحبه، فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه لله" رواه ابن المبارك في الزهد عن أبي ذر وصححه الألباني.
فظاهر هذا الحديث يدل على أنه أراد الرجال، ولا مانع أن يشمل النساء بمعنى أن المرأة إذا أحبت المرأة جاز أن تقول لها: (إني أحبكِ في الله) وقد أفاد هذا المعنى المناوي في كتابه (فيض القدير) .
أما قول الرجل ذلك للمرأة أو قول المرأة للرجل، فهذا ما لا يتناوله الحديث، ولأن ذلك يفتح باب فتنة عظيمة قد تؤدي إلى الكبائر والعظائم، نعوذ بالله من ذلك.
وقد سبق أن أجبنا على هذا الموضوع برقم: 1109.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1423(9/3696)
التثبت في اتهام الناس لئلا يصاب قوم بجهالة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في من يكذب على الناس وهو صائم الصبريات أي 6 يام بعد شهر رمضان ثم ينكر ويقسم بالله أنه لم يفعل ذلك رغم الشهود والأدلة التي ضده. وما حكم مسؤوله الذي يعرف سلوكه الخراب ولا يفعل شيئاً لأنه أي الإنسان الكاذب ينشط في نقابة عمالية. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب محرماً تحريماً شديداً في الشرع لمنافاته للصدق، والذي هو أساس الإيمان، ولذلك لا يطبع المؤمن الحق على الكذب، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" فإذا علم من حال الأخ المذكور الكذب فعليكم بنصحه وتذكيره بالخير الذي عنده من صيام وعبادة، وأن من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وأنه يجب عليه الابتعاد عن الكذب، فإن فيه الهلكة مهما ظن أنه ينجيه، وعلى المسؤول عنه إن لم يحسن حاله عدم إسداء أي مسؤولية إليه، لأن مثله لا يؤمن على عمل، لكن عليكم التنبه إلى أن وجود أدلة وشهود ضد هذا الأخ مع نفيه لها بيمينه لا يلزم منه كذبه، فقد يكون هناك لبس في الأمر لا يستبين إلا بالرجوع إلى القضاء. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني.".
فـ عيسى ابن مريم صدق الرجل في حلفه، وكذب عينه فيما ظهر له من كون المأخوذ سرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، ونحو ذلك. وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) في تأويل الحديث: (والحق أن الله كان في قلبه -أي عيسى- أجلَّ من أن يحلف به أحد كاذباً، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره، فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح) انتهى.
فعلى المسلم التحري والتثبت في اتهام الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1423(9/3697)
لا تأثير للعن على أحكام الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الرجل لزوجته لعنك الله في حالة الرضا أو حالة من الغضب مرة أو ثلاثا أو العكس بأن قالت الزوجة لزوجها لعنك الله مرة أو ثلاثا في حالة الرضا أو حالة من الغضب فما الحكم في ذلك؟ وماذا يترتب على ذلك من أحكام أفيدونا وجزاك الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز أن يلعن الرجل زوجته ولا المرأة زوجها، سواء في حالة الرضا أو في حالة الغضب، مرة أو أكثر وراجع لذلك الفتوى رقم 6561 والفتوى رقم 12746 والواجب على من بدر منه هذا هو التوبة والندم والاستغفار، وعدم العودة لمثل ذلك.
ولا يؤثر هذا اللعن على العلاقة بين الزوجين فيما يتعلق بالطلاق والظهار ونحو ذلك، والواجب فقط هو التوبة- كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1423(9/3698)
الحقد: تعريفه ... ومعرفة علاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر إني حقود وحاسد تجاه الآخرين وهذا يتعبني بشدة فأرجو أن أتخلص من ذلك فأعطني الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحسد قد سبق بيان علاجه في الجواب رقم: 5557، فليراجع.
وأما الحقد، فقد ذمه الله تعالى في كتابه، وكذا نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله: "ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه".
قال في فيض القدير رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني عن ابن عباس بإسناد حسن.
ومما يعالج الحقد ويذهبه إن شاء الله تعالى:
1/ الإهداء والمصافحة:
قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا، فإن الهدية تذهب وحر الصدر" رواه أحمد والترمذي.
وقال ابن رجب: وخرجه غيره بلفظ: "تهادوا تحابوا" وفي البزار عن أنس مرفوعاً: "تهادوا، فإن الهدية تسل السخيمة".
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال: تصافحوا، فإنه يذهب الشحناء.
وقال الحسن: المصافحة تزيد في المودة.
وقال الإمام الزرقاني: وحر الصدر: أي غله وغشه وحقده.
2/ صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
قال صلى الله عليه وسلم: "صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر. قال المنذري: ورجاله رجال الصحيح.
3/ ما سبق من علاج الحسد هو - أيضاً - علاج للحقد، لأن الحقد والحسد بينهما تلازم.
قال الهيثمي في الزواجر: الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب فكانا بمنزلة خصلة واحدة، فلذلك جمعتها في ترجمة واحدة، لأن ذم كل يستلزم ذم الآخر، إذ ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل، وأصله بالعكس.
ومن الأدوية المهمة في علاج الحسد ما أرشد إليه الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء:32] .
فنهى سبحانه عن تمني ما في يد الآخرين وحسدهم عليه، ودلّ العباد على البديل النافع في الدين والدنيا وهو السؤال والطلب من الله سبحانه، فإن ذلك عبادة يؤجر عليها العبد، ووسيلة لتحصيله مطلوبة إذا أراد الله ذلك.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يطهر قلوبنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1423(9/3699)
بيان عيوب المطلق لمصلحة الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....
أتمنى أن تجيبوا على سؤالي جزاكم الله خيراً.
أنا طلقت رغما عني مع وجود عيوب في طليقي وبعض الناس يسألني عن سبب الطلاق وأحس أن الهدف من وراء سؤالهم هو أن شخصا ما يريد التقدم إلي وفي نفس الوقت يريد معرفة السبب من وراء طلاقي فهل يجوز لي أن أبوح لهم عن عيوبه الأخلاقية؟ والتي كانت السبب في انفصالنا أم أضحي وأستره وأبقى بدون زواج طول عمري.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم ستر عيوب أخيه المسلم والاحتراز من ذكرها للناس، كما هو مبين في الجواب رقم: 1039.
لكن إذا كان سكوتك عن عيب مطلقك يصد عنك الخطاب، فيجوز لك ذكر عيبه بشرط الصدق والعدل، ووجود الحاجة لذلك، وأن تقتصري على العيب الذي ترين أن كتمه يخل بمصلحة زواجك، وهذا ليس من الغيبة المحرمة.
قال العز بن عبد السلام: الغيبة مفسدة محرمة؛ لكنها جائزة إذا تضمنت مصلحة واجبة التحصيل، أو جائزة التحصيل انتهى.
وفي مسائل الزواج إذا استشير الإنسان في شخص فعليه أن يبين له عيوبه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لفاطمة بنت قيس - حين شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبوجهم -: "أما معاوية فرجل صلعوك لا مال له. وأما أبوجهم: فلا يضع العصا عن عاتقه". متفق عليه.
فرسول الله نصحها بعدم الزواج من أحدهما مبيناً عيوب كلٍ منهما، فمن باب أولى أن تبيني عيب مطلقك حتى لا تتهمي بسبب ذلك، ويصرف عنك الخطاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(9/3700)
لعن المسلم من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعن الزوج لزوجته؟ علماً بأن هذه اللعنة غير مقصودة وخرجت من الزوج عن طريق المزح وقال لها: ليش يا ملعونة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرابطة الزوجية مبناها وأسها التعاطف والاحترام المتبادل والتوقير، وكل ما من شأنه أن يخل بهذه الرابطة أو يكدر صفوها يجب تجنبه؛ ولا سيما اللعن، وما في معناه من السب والشتم والكلام البذيء، فالذي يلعن زوجته لا ريب أنه ارتكب إثماً مبيناً، من حيث أنه اعتدى وظلم زوجته بذلك. وانظر الجواب رقم: 6897.
ومن حيث أنه تلفظ باللعن المنهي عنه، كما في الجواب رقم: 8334.
فلا يجوز لمسلم أن يلعن مسلماً ولو هازلاً، لأن المنكر يأثم فاعله، سواء كان جاداً أو هازلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(9/3701)
أقوال أهل العلم في بناء القباب زينة للمنازل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم بناء القبة (القباب) في العمائر والفلل الحديثة كديكور يزين المنازل ويعطيها رونقاً جميلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم التطاول في البناء والتوسع فيه وزخرفته بما في ذلك القباب ونحوها:
فمنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه، ومنهم من قال بكراهته.
ولعل هذا القول الأخير هو القول الوسط لتماشيه مع أدلة المجيزين، وعدم منافاته لأدلة المحرمين. وذلك لأنه ورد في القرآن الكريم ذم الإسراف والنهي عنه. والإنكار على أهل الأبنية المرتفعة لغير حاجة، وأن ذلك من العبث، فقال جل من قائل: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون*وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) [الشعراء:128-129] كما ورد أيضاً في السنة أن ما لا حاجة فيه من بناء فهو وبال على صاحبه، ففي سنن أبي داود عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: "أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فَرَأَى قُبّةً مُشْرِفَةً فقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: هَذِهِ لِفُلاَنٍ - رَجُلٍ مِنَ الانْصَارِ - قال: فَسَكَتَ وَحَمَلَهَا في نَفْسِهِ حَتّى إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسَلّمُ عَلَيْهِ في النّاسِ أَعْرَضَ عَنْهُ، صَنَعَ ذَلِكَ مِرَاراً حَتّى عَرَفَ الرّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ وَالإعْرَاضِ عَنْهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَصحَابِهِ، فقَالَ: وَالله إِنّي لأنْكِرُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قالُوا: خَرَجَ فَرَأَى قُبّتَكَ، فَرَجَعَ الرّجُلُ إِلَى قُبّتِهِ فَهَدَمَهَا حتّى سَوّاهَا بالأرض، ِ فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلمْ يَرَهَا فَقَالَ: مَا فَعَلَتِ الْقُبّةُ؟ قالُوا: شَكَا إِلَيْنَا صَاحِبُهَا إِعْرَاضَكَ عَنْهُ، فأَخْبَرْنَاهُ، فَهَدَمَهَا، فقَالَ: أَمَا إِنّ كُلّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلا مَا لا، إِلا مَا لا" - يَعْنِي - مَا لا بُدّ مِنْهُ. والحديث صححه الألباني.
هذه بعض أدلة المانعين من التوسع في البنيان، ولكن بما أنها لا يوجد فيها تصريح بالتحريم، رأينا رجحان قول القائلين بالكراهة حملاً لذلك النهي وما في معناه على التنزيه، ولم نقل بالإباحة المطلقة نظراً للنصوص السابقة، ولهذا فإنا نرى أن بناء القبب في العماير والفلل لغير حاجة، من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يصون ماله عن الإسراف فيها، وأن يضن بوقته عن الاشتغال فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1423(9/3702)
خلاصة ما ذكره العلماء في أثر الرياء على العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[-رجل أتى بأصل الإيمان وكان يرائي ببعض الأعمال.هل يدخل الجنة ابتداءا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد ذم الرياء في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: (فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون*الذين هم يراءون) [الماعون:4-6] وقوله: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهف:110] وقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه" رواه مسلم، ورواه ابن ماجه بلفظ: "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك". وأما أثر الرياء على العمل ففيه تفصيل، ذكره الإمام ابن رجب الجنبلي وغيره ونحن نذكر كلام ابن رجب بشيء من الاختصار.
قال رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام: 1-فتارة يكون الرياء محضاً بحيث لا يراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله عز وجل: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله، ويشاركه الرياء:
فإن شاركه في أصله، فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضاً. كالحديث السابق: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك" وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل، فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك" وخرج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له" فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له" ثم قال "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه". ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً، وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
-وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطراً دفعه، فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه، فهل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
فأما إذا عمل العمل لله خالصاً، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك، لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" خرجه مسلم.
قال ابن رجب رحمه الله: وبالجملة؛ فما أحسن قول سهل بن عبد الله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب. وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر. فهذا حاصل ما ذكره العلماء في أثر الرياء على العمل.
وعليه، فمن أتى بأصل الإيمان ودخل الرياء على بعض أعماله، فقد يؤدي إلى حبوط هذه الأعمال على نحو ما سبق، فيكون تاركاً للواجب وفاعلاً للحرام، بل الرياء من الشرك الأصغر، ومن كانت هذه حاله، ومات دون توبة فأمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له وأدخله الجنة ابتداء، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم أدخله الجنة، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة في سائر أهل المعاصي والكبائر إذا سلموا من الكفر الأكبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1422(9/3703)
وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ناقشك مسلم ثم قام بضربك فهل يجو لك أن تضربه بالمقابل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشارع الحكيم أذن لمن اعتدي عليه بضرب أو سب أو غير ذلك أن يرد بالمثل، ويأخذ بحقه، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة:194] .
وقال: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى:40] .
ولكن لا شك أن العفو عن المعتدين والتغاضي عن المسيئين أفضل وأكثر أجراً، قال تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:40] .
فالصبر على الأذى، وكظم الغيظ من صفات المتقين الوارثين للجنة، المستحقين لمغفرة الله ورضاه يوم القيامة، فالله يقول: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133-134] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قبله رضا يوم القيامة" رواه الطبراني وغيره بألفاظ مختلفة عن ابن عمر وغيره..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3704)
الوفاء بالعهد سمة الصالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعرف فتاة وكنت أكذب عليها وأقول إني سأتزوجها ووعدتها بذلك ولكني لا أستطيع أن أتزوج فتاة تعرف هذا وهذا وسمعتها غير طيبة فأنا لا أريد أن أتزوج هذه الفتاة ولكن ماذا أفعل بالوعد الذي وعدته إياها أفتوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح هذا السائل بالتوبة إلى الله من الكذب والابتعاد عنه، وعدم الالتزام بشيء لا ينوي الوفاء به، ثم إن كانت هذه المرأة صالحة وطيبة ومستقيمة على دين الله وأوامره، فينبغي الوفاء بالعهد معها، وإن كانت غير ذلك، فليبتعد عنها، لأن الاستقامة والتمسك بالدين هما المعيار الأساسي لاختيار الزوجة، ولا يجوز للرجل أن يقيم علاقة محرمة مع أجنبية عنه.
وفيما يتعلق بالوفاء بالعهد نحيلك إلى الفتوى رقم:
5797
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3705)
هل يجوز الكذب لمن خاف على نفسه الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يحلف ويضع يده على القرآن الكريم بأن لا يفعل أمرا ما ويوقع اليمين على نفسه ما كفارة ذلك اليمين؟
2- ماحكم من يكذب خوفا من الحسد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في الكذب أنه حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من أقبح الذنوب وفواحش العيوب، وقد رخص العلماء فيه في بعض الحالات تراجع في جواب سابق برقم: 7432.
وأما الكذب خوفاً من الحسد، فلا يجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب" رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وقال المنذري: رواه الإمام أحمد عن شيخه عمر بن هارون، وفيه خلاف، وبقية رواته ثقات.
ثم إنه ليس الكذب واقياً لك من شر الحسد، إنما الذي ينفعك في رد شره هو الأذكار الشرعية، والتحصينات النبوية، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي وردت في كتب الأذكار.
وعليك أن تعلم أن في المعاريض مندوحة عن الكذب، فلك إذا خشيت من شيء أن تعرِّض تعريضاً يخرجك من الوقوع فيما تخاف منه، ولا تكون به كاذباً.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1422(9/3706)
الدعاء لمن اغتبته وذكر محاسنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف لي أن أفعل لكي يغفر لي ربي وقد اغتبت شخصاً أحبه وهذا الأخير قد توفي من بعد وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة -عافانا الله منها- كبيرة من الكبائر التي نهى الله عنها في القرآن، فقال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) [الحجرات:12] فقد ذكر الله تعالى المغتاب بهذا الوصف الذميم تنفيراً له من هذه المعصية، وإظهاراً لقبحها.
والواجب عليك أن تتحلل من اغتبته إن كان حياً، وإن لم تستطع التحلل منه لموته، أو خوفاً من لحوق ضرر بك فعليك أن تدعو له، وأن تذكر ما تعرف فيه من محاسن في مثل الأماكن التي ذكرته فيها بسوء.
وراجع الفتوى رقم:
4603
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1422(9/3707)
أمسك عليك زوجك
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ----أنا إنسان مسلم سافرت إلى الخارج بقصد الدراسة وهناك تزوجت بفتاة أجنبية مند خمس سنوات دون أن أخبر أهلي وأنا الآن سوف أنهي دراستي وأعود إلى بلادي مع زوجتي ولكن أهلي يرفضون فكرة الزواج من أجنبية ولن يتقبلوا أن أكون متزوجا من أجنبية مع العلم أن زوجتي قد دخلت الإسلام؟ هل أقوم بتطليق زوجتي كما يريد أهلي مني؟ أم أخالف رغبتهم وأصطحبها معي إلى بلدي وتبقى زوجتي؟ أرجو من سماحتكم أن تتفضلوا وتجيبوا على سؤالي بأسرع وقت ممكن --وجزاكم الله خيرا ---]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن لا تفارق هذه المرأة، وخاصة إذا كان إسلامها قد حسن ودانت به حقاً والتزمت بشرع الله تعالى، لأن مفارقتك لها على هذا الوضع قد يعرضها للفتنة، وقد يصل ذلك إلى الارتداد عن الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية كما أن فيه شيئاً من ظلمها وخديعتها، لأنها لو علمت أنك ستطلقها لما وافقت على زواجك منها غالباً.
وفي تطليقك لها أيضاً إساءة إلى سمعة الشباب المسلمين الذين يذهبون إلى تلك البلاد للدراسة، أو ما شابهها من الأغراض المشروعة.
لهذه الاعتبارات نقول لك احتفظ بزوجتك -بارك الله لك فيها- إن كانت مسلمة ذات دين وخلق، واسع في إقناع أهلك بها بحكمة وتأن.
وراجع الجواب رقم 1549
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(9/3708)
في التورية مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-جزاكم الله خير الجزاء وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم
يعمل معى بعض الخبراء الأجانب وقد عرضت عليهم الإسلام فوجدت واحداً منهم نصارنياً والآخر بوذياً وقد تقبلوا الكلام بصدر رحب ولكني أفتقر إلى الأسلوب والتدرج في الدعوة مع هؤلاء فأرجوأن تدلونى على الطريقة أو الأسلوب وجزاكم الله خيرا.
معذرة هل هناك مواقع على الإنترنت متخصصة في تعليم الدعوة الفردية والجماعية؟
2-سألني صديق أنه أثناء شهر رمضان وبالتحديد في آخره كان معسر وبالتحديد لم يكن يملك سوى 15 جنيه مصرى وبالتالى أقترض فهل كانت تجب عليه زكاة فطر أم لا؟
3-هل يجوز الكذب لإبعاد الرياء، مثلا إذا أردت إخراج صدقة وأردت ألا يعرف أحد فهل ممكن أن أكذب وأقول إنها لا تخصني وإن شخصا آخر هو الذي دفعها وبالقياس على باقي الحالات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب حرام بالكتاب والسنة والإجماع، ولا يجوز الكذب -في الحالة المذكورة في السؤال- وإن كان القصد طيبا، ولكن بإمكانك التورية فتقول:-مثلا- هذه الصدقة من أحد المسلمين، وتقصد بها نفسك.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1422(9/3709)
علاقة المسلم بأخيه مبنية على الأخلاق الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ماحكم الشخص الذي يخون الأمانة والشخض الذي يكيد لك من وراء ظهرك؟
كيف أختار شريكة الحياة من المنطلق الديني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة بين المسلمين مبناها على النصح لكل مسلم، والألفة والمحبة والإخاء والتعاون ونحوها من المعاني السامية العظيمة، وقد حرم الإسلام ما هو ضد هذه المعاني من التباغض والتدابر والخيانة والكيد وغيرها من المعاني السيئة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" متفق عليه.
أما الخيانة فقد قال الله تعالى فيها: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [الأنفال:27] وقال سبحانه: (إن الله يأمركم أتؤدوا الأمانات إلى أهلها..) [النساء:58]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1422(9/3710)
حكم إقامة علاقة مع تجار الحشيش ومصاهرتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[1-في منطقتنا كثير من الناس يزرعون ويتاجرون في الحشيش، ولهم علاقات متنوعة مع المجتمع، زيارات، عمل، تصاهر ... فما حكم ذلك؟ وما رأيكم في القاعدة التي تقول الحرام لا يتعلق بذمتين؟ والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي لمن تعرف على هؤلاء أن ينصحهم، لقوله تعالى: (كنتم خير أُمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) [آل عمران: 110] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه البخاري.
فإن لم ينفعهم النصح هُجروا من باب الزجر لهم عن هذا الفعل الشنيع، والهجر له فقهه، لأنه أحياناً يأتي بنتيجة عكسية، فينبغي عدم الهجر إن لم تكن له فائدة، ومن أحسن الكتب في ذلك ما كتبه الحافظ السيوطي في رسالته: (الزجر بالهجر) .
ويتصل بهذا حكم الأكل من طعامهم وقبول هداياهم، وهو لا يجوز إن كان جميع مالهم مكتسباً عن طريق العمل في زراعة الحشيش، أو التجارة فيه لأنه كسب خبيث، وقد نص على عدم جواز الأكل عند من كسبه حرام. صاحب الإقناع من الحنابلة، وصاحب حاشية العدوي على الخرشي من المالكية، وإن كان مالاً مختلطاً، فيه الحرام والحلال، فيجوز الأكل منه مع الكراهة، لكن لو كان أكثره حرام، فترك الأكل منه أولى وأحوط، وانظر فتوى رقم:
6880 ففيها تفصيل ذلك.
وأما عن زياراتهم فحكمها يدور مع المصلحة، فإن كان في زيارتهم مصلحة من أمر بمعروف ونهي عن منكر وترغيب في طاعة، فإن زيارتهم حينئذ مشروعة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغشى المشركين في مجالسهم للدعوة والنصح. ويشترط أيضاً ألا يؤدي ذلك إلى وقوع زائرهم في محرم، وأن يأمن على عياله وأهل بيته من شر مخالطتهم، فأصحاب هذا النوع من المنكرات يبحثون دائما عن ضحايا جدد، وأكثر ضحاياهم من النساء والقصر، وأما عن مصاهرتهم، فلا يجوز لولي امرأة أن يرمي بها في مواطن الهلكة، لأن ذلك من خيانة المسؤولية التي أولاه الله إياها، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته… الحديث" رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.
فكيف يزج الولي بمن تولى أمرها في حجر رجل كهذا، والزواج من بناتهم جائز، إن عُلم عنهن الدين والخلق والبغض لما عليه أولياؤهم وذووهم.
أما عن القاعدة: (الحرام لا يتعلق بذمتين) فراجع الفتوى رقم: 6880 تجد تفصيل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(9/3711)
الوفاء بالوعد بين الإلزام والتخيير
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عاهدت صديقة لي وأنا في سن السابعة عشر أن أسمي ابنتي إذا تزوجت على إسمها ومضت الأيام وافترقنا وتزوجت وأنجبت ابنتي البكر ولم أسمها على اسمها وأنا حامل الآن وسأنجب أنثى إن شاء الله فهل إذا لم أسمها باسم صديقتي أكتب من المنافقين عند الله وينالني إثم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأخت السائلة دخلت فيما يسمى في الشرع بالوعد في أمر من أمور المعروف والبر، بشرط أن يكون اسم صديقتها من الأسماء المشروعة، ويراجع في ذلك الجواب:
10794 وعلى أنه من الأسماء المشروعة فما حكم هذا الوعد؟
ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن الوفاء بالوعد مستحب لا واجب، فمن ترك الوفاء به فلا إثم عليه، لكن يكون قد ارتكب مكروها كراهة تنزيهية، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الوفاء مطلقاً، كابن شبرمة -رحمه الله- انظر المحلى8/28 ويعني أصحاب القول الأخير: أن الواعد إذا لم يف فهو آثم، وذهب بعض العلماء إلى التفصيل في ذلك، فقال: إن كان الموعود دخل بسبب الوعد في شيء يناله ضرر بالتراجع عنه، وجب الوفاء به، وإلا لم يجب الوفاء به، وكان مستحباً.
انظر الفروق4/25 وهذا هو مشهور مذهب مالك، وهو أقرب هذه الأقوال إلى الصواب، وأشبهها بما يتماشى مع مقاصد الشرع وقواعده.
أما القول بعدم وجوب الوفاء بالوعد الذي ترتب على إخلافه ضرر بالموعود، فلا يتماشى مع مقاصد الشرع وقواعده، وإن لم يترتب على الموعود ضرر فالوفاء بالوعد مستحب وليس بواجب. ومما جاء في الترغيب في الوفاء بالوعد: قوله تعالى في مدح إبراهيم: (وإبراهيم الذي وفى) [النجم: 37] وفي مدح إسماعيل: (إنه كان صادق الوعد) [مريم:54]
ومما جاء في ذم خلف الوعد: ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" وفي صحيح مسلم: "إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر"
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1422(9/3712)
الإسراف والتبذير
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم ...
أريد أن أستفسر حول التبذير والإسراف وماورد من كتاب والسنة بخصوص هذا الموضوع وإذا أمكن إرشادي إلى الكتب في هذا الموضوع لأنني أود كتابة بحث عن هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمشهور أن الإسراف والتبذير بمعنى واحد، وهما يشملان الأقوال والأفعال وغيرهما، ومن العلماء من فرق بينهما فقال:
- التبذير: الجهل بمواقع الحقوق.
- والسرف: الجهل بمقادير الحقوق.
قال ابن عابدين رحمه الله: التبذير يستعمل في المشهور بمعنى الإسراف، والتحقيق أن بينهما فرقاً، وهو أن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي. ا. هـ.
ومنهم من فرق تفريقاً آخر، فخص التبذير بإنفاق المال في المعاصي، وتفريقه في غير حق، وقال: إن الإسراف هو مجاوزة الحد، سواء كان في الأموال أم غيرها، كالإسراف في القتل والكلام وغير ذلك.
وقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة تحذر منهما معاً، قال الله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء:26-27] .
وقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31] .
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب قول الله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) [لأعراف:32] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس، ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة.
وقد أورد الحافظ في الفتح عند شرحه لهذا الباب أحاديث وفوائد تتعلق بالإسراف والتبذير. نسأل الله لنا ولأخينا الإعانة والسداد. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(9/3713)
من عفا وأصلح فأجره على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أذا غضبت الزوجة وخاطبت زوجها بشكل لا يليق وندمت على ذلك. فما الحكم في ذلك خاصة إذا أغضب ذلك الأمر زوجها إلى حد ما?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغضب مصدر لكثير من التصرفات غير اللائقة، ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له أحد الصحابة: أوصني. قال: "لا تغضب". فردد مراراً فقال: "لا تغضب" رواه البخاري.
ولهذا ينبغي الاحتراس من أسباب الغضب، والزوجة يجب عليها أن تحترم زوجها وتطيعه، كما يجب عليه هو أن يحترمها، فالزوجان ينبغي أن تكون العلاقة بينهما علاقة احترام، كما ينبغي أن يكون هو الحال بين كل اثنين تربطهما علاقة، وحق الزوج على زوجته عظيم جداً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي والحاكم.
وعلى كل حال فإذا صدر من الزوجة في حال غضبها ما لا يليق بزوجها ثم ندمت على ذلك وتراجعت عنه، فينبغي للزوج أن يصفح عنها ويعفو، وتعود الأمور إلى نصابها لأن الله تعالى يقول: (وأن تعفو أقرب للتقوى) [البقرة:237] فهي أخطأت وتابت من الخطأ، والخطأ صفة بشرية لا دواء لها إلا التوبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون" أخرجه أحمد والترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1422(9/3714)
مناداة الشخص بلقبه ... استحباب أم كراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء للشخص بلقبه بدلا من اسمه الحقيقي؟ جزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان هذا اللقب مما لا يكرهه هذا الشخص فيجوز، وإن كان مما يكرهه فلا يجوز ذكره بما يكره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره" رواه مسلم.
ولقوله سبحانه وتعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب) [الحجرات:11] أي الألقاب المكروهة، وأما الألقاب الحسنة التي يحبها من لقب بها فلا بأس، وقد لقب النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه، كتلقيبه لخالد بن الوليد بسيف الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1422(9/3715)
النصيحة والصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي دائما تتكلم من ورائي لأنني لم أنجب حتى الآن مع أن العيب من زوجي أي ابنها لكن سامحها الله وتتمنى زواجه بغيري مع علمها بضعف ابنها, هل أسكت عنها؟ أم أخبر زوجي مع أنني والله أني أخاف المشاكل؟ أفيدوني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخت السائلة بالصبر على أم زوجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، والله عز وجل قد أخبر في كتابه بأنه مع الصابرين، وهذه المعية تقتضي الحفظ والدفاع عنهم، ولها مع ذلك أن تبذل النصيحة لأم زوجها بالحسنى، وتحذرها من عقوبة إيذاء المسلم.
وأما إخبار زوجها بذلك: فإن كان سيؤدي إلى عقوقة لأمه والإساءة إليها فلا ينبغي للأخت أن تفعل ذلك حتى لا تكون سبباً في وقوعه في الإثم والحرج.
ويمكنها أن تستعين بغير زوجها ممن يقدر على نصح هذه المرأة. والصبر خير علاج لمثل هذه الأدواء.
والعلماء رحمهم الله يقولون:
الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1422(9/3716)
حكم من يخفي ذنوبه عن الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[إخفاء المسلم لعيوبه مما يتوضح للغير أنه مستقيم هل ذلك رياء ونفاق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إخفاء المسلم لذنوبه وعدم مجاهرته بها ليس رياءً ولا نفاقاً، بل هو أمر مطلوب، وقد حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" متفق عليه.
وهناك فرق بين من يخفي سيئاته حياءً من الله ومن الناس، وبين من يتزيا بغير زيه، فيظهر للناس أنه يعمل الصالحات ولم يعملها، فالأول: ممدوح، ولعل حياءه أن يقوده للتوبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الحياء خير كله" رواه مسلم.
والثاني: مذموم داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" رواه مسلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(9/3717)
سلب حقوق الآخرين المساعدة على ذلك ظلم وزور
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهى عقوبة من يساعد أويعاون علىسرقة عمل ومجهودالفرد وينسبه لفرد آخر وماهي عقوبة الفرد الساكت على ذلك الذي نسب له العمل دون وجه حق؟
... ... ... والله الموفق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أمكن تمييز عمل فرد وجهده عن غيره، فهو أحق به، وبنسبته إليه، ولا يجوز لأحد أن يسلبه حقه أو أن ينسبه إلى غيره، ومن يفعل ذلك متعمداً يعد ظالماً، وكاذباً في ادعائه وشاهد زور، وهو معرض لعقاب الله سبحانه، والواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه، وإعادة الحق إلى صاحبه، وأما من يعينه على سلب حقوق الآخرين فهو مخطئ ومعتدٍ أيضاً، لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وعليه التوبة أيضاً. وأما الساكت عن إنكار المنكر (التجاوزات المذكورة) فربما كان لا يستطيع الإنكار، أو كان يلحقه ضرر محقق جراء ذلك فعندئذ لا يلزمه شيء، بخلاف ما إذا كان يستطيع الإنكار ولا يلحقه ضرر معتبر، فعندئذ يجب عليه إنكار المنكر وإحقاق الحق، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(9/3718)
الظلم ... تعريفه وعقوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الظلم وما عاقبة الظالم هل تكون له في الدنيا قبل الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الظلم تعريفه الشرعي هو التعدي عن الحق إلى الباطل، وهو ينقسم إلى قسمين: ظلم أكبر، وظلم أصغر، فالظلم الأكبر هو الكفر، أما الأصغر فهو ما دون الكفر من التجاوزات التي منها كبائر الذنوب وصغائرها.
والظلم بجميع أنواعه عاقبته وخيمة إن لم يتب منه صاحبه أو يعف الله عنه، فما أعده الله للكفار من النار والخلود فيها، وللعصاة من دخول جهنم والعذاب البرزخي، كل ذلك نتيجة لظلمهم، هذا في الآخرة.
أما في الدنيا، فإن الله تعالى يعجل للظالمين من العقوبة ما شاء حسبما اقتضته حكمته، كغرق فرعون في البحر، والصيحة التي أخذت قوم ثمود، والريح العاصفة التي أرسلت على عاد قوم هود، هذه عقوبات لهم عاجلة، ولعذاب الآخرة أكبر.
وهنالك بعض العقوبات الدنيوية يكفر الله بها عن الظالمين ما ارتكبوه مثل الحدود الشرعية، كقطع يد السارق، وجلد أو رجم الزاني ونحو ذلك، فهذه الحدود مكفرات عن أصحابها ما ارتكبوه من سرقة - مثلاً - أو زنى.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1422(9/3719)
سلب حقوق الغير والمساعدة على ذلك ظلم وزور
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهى عقوبة من يساعد أويعاون علىسرقة عمل ومجهودالفرد وينسبه لفرد آخر وماهي عقوبةالفرد الساكت على ذلك الذي نسب له العمل دون وجه حق؟
... ... ... والله الموفق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أمكن تمييز سعمل فرد وجهده عن غيره، فهو أحق به، وبنسبته إليه، ولا يجوز لأحد أن يسلبه حقه أو أن ينسبه إلى غيره، ومن يفعل ذلك متعمداً يعد ظالماً، وكاذباً في ادعائه وشاهد زور، وهو معرض لعقاب الله سبحانه، والواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه، وإعادة الحق إلى صاحبه، وأما من يعينه على سلب حقوق الآخرين فهو مخطئ ومعتدٍ أيضاً، لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وعليه التوبة أيضاً. وأما الساكت عن إنكار المنكر (التجاوزات المذكورة) فربما كان لا يستطيع الإنكار، أو كان يلحقه ضرر محقق جراء ذلك فعندئذ لا يلزمه شيء، بخلاف ما إذا كان يستطيع الإنكار ولا يلحقه ضرر معتبر، فعندئذ يجب عليه إنكار المنكر وإحقاق الحق، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1422(9/3720)
تنظيف الشارع من الأذى من شعب الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يجوز التفحيط في الشوارع مع الدليل
ماحكم الاغاني التي تصدر من الجوال
ماحكم رمي القوارير من السيارة في الشارع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطريق "الشارع" من المرافق المشتركة بين كافة الناس، فلا يجوز أن يضيق عليهم فيها، ولا أن يؤذوا برمي الزجاج فيها، أو الشوك، أو أي شيء يؤذيهم، فأذية المسلمين عامة محرمة شرعاً، توعد الله مرتكبيها، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها في أكثر من حديث. لهذا فلا يجوز رمي القوارير في الشارع، ولا الأحجار، ولا أي مؤذ.
فالشارع الحكيم رغب في تنظيف الشوارع من كل المؤذيات؛ بل جعلها شعبة من شعب الإيمان فقال -كما في صحيح مسلم-: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.. إلى آخره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1422(9/3721)
التمادي في الاتصال بالأجنبي بحجة الاستفسار عن الدين لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تتحدث مع شيخ هاتفيا باستمرار، ليس دائما لسؤال أسئلة دينية ولكنها ترتاح للكلام مع هذا الشيخ، مع العلم بأن زوجته تتضايق كثيرا من هذه المحادثات، علما بأن الشيخ يشجعها على مكالمته بحيث إنه يقول بأنهما: لا يعملان شيئا خاطئا، وأيضا فهما لم يريا بعضا أبداً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي أن تكون الأسئلة جادة وهادفة، وأن تكون الأجوبة على قدر الحاجة بعيدة عن الاستطراد وما لا فائدة منه، وأن لا تخضع المرأة بالقول في كلامها، لقوله تعالى: (إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) [الأحزاب: 32] ومن الخضوع بالقول: ترخيم الصوت، وترقيقه، ولا يخفى أنه إذا كان صوتها مما يتلذذ به السامع أو يخشى منه الفتنة على نفسه فيحرم عليه استماعه.
وعلى أية حال فنحن لا نعرف طبيعة هذه المحادثات المستمرة بين تلك المرأة وذلك الشيخ حتى نحكم عليها، غير أننا ننصح الطرفين بعدم الاستمرار في هذه المحادثات خشية الفتنة عليهما، أو على أحدهما، وأن تتذكر هذه المرأة أنها أجنبية عن هذا الشيخ، فهي ليست زوجاً له، ولا من محارمه، فلتقتصر على الأسئلة الضرورية لها، أو تسأل غيره من المشايخ الذين يوثق بورعهم وعلمهم وتقواهم، خاصة وأن زوجة ذلك الشيخ تتضايق كثيراً من هذه المحادثات المستمرة، فلا داعي لأن تتسبب تلك المرأة في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1422(9/3722)
حكم إعلام الزوج بتمزق غشاء البكارة جراء حادث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
سؤالي هو: إني متزوجة منذ عشر سنوات، وعندما كنت صغيرة لا أذكر كم كان عمري، وكنت مع والدتي في المزرعة، فوقعت على شيء في الأرض فأصاب بكارتي، فسألتني أمي هل حدث لكي شيء، فقلت: لا. ولم أخبر أحداً - لا يعلم ذلك إلا الله - ولما تزوجت لم يسألني زوجي عن هذا الشيء حتى مضى من زواجنا ثمان سنوات فأعطاه أحد أصدقائه كتاب تحفة العروس، وإذا بزوجي يقرأ عن الليلة الأولى، فقال لي: إنه لم يحدث لنا هذا الشيء، فأخبرته بالقصة كاملة فهل هذا صحيح أم لا فإني أخاف أن أكون ممن سترهم الله فكشفوا ستره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكان الأولى أن تكتمي الأمر، وأن لا تخبري به أحداً، لأن الشيطان قد يلقي الظنون السيئة في قلب زوجك، إلا إذا علمت أن سكوتك سيزيد الأمر تعقيداً، فلا حرج عليك حينئذ أن تخبريه.
أما أن تكوني قد هتكت ستر الله عليك فلا، لأن ما وقع لك في الأصل ليس عن ذنب اقترفتيه، وإنما هو حادث طبيعي، فإخبارك بما نشأ عنه ليس فيه ما يجعلك ممن كشف عن نفسه ستر الله عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1422(9/3723)
أحسن لمن أساء إليك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أحب أن أجلس مع أخت زوجي ولا أحبها لمواقف سخيفة معى وتعاليها علي هل كرهي لها حرام أم حلال؟ وأرجو الإفادة في هذه النقطة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه.
فالواجب على المسلم هو أن يحب الخير لأخيه المسلم، كما يحبه لنفسه، وأن يكره له من الشر ما يكره لنفسه، هذا هو مقتضى كمال الإيمان، والاتصاف بصفات المؤمنين الذين هم أهل تواد وتراحم وتعاطف.
وعليه، فإذا كان عدم حبك لأخت زوجك هذه لا يصل إلى حد القطيعة والحسد، وإنما هو كره قلبي لا تستطيعين التحكم فيه، فهذا لا إثم عليك فيه، لأن أعمال القلب لا قدرة للإنسان على التحكم فيها، ولكن ينبغي أن لا يظهر أثر ذلك على علاقتك معها، فلا تقاطعيها ولا تسبيها، بل قابلي مواقفها معك غير المرضية وتعاليها عليك قابلي كل ذلك بالإحسان إليها، والتغاضي عنها، واقرئي بتمعن قول الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1422(9/3724)
توبة من وقع في أعراض الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من هتك عرض أخيه أو شقيقه المؤمن؟ وماذا يتوجب عليه إذا أراد التوبة إلى الله -عز وجل- توبة خالصة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى حرم أعراض المسلمين وأموالهم، فأي اعتداء على عرض لمسلم، سواء كان غيبة أو أذية أخرى، أو أي تعد، فإنه يعد حراما ومعصية، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ... " إلى آخر الحديث.
فيجب على من ارتكب شيئاً من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ولا بد في صحة التوبة إذا كانت مما يتعلق بحقوق المخلوقين التي ليست مالا من استحلالهم منها، وطلب العفو منهم ولو كان ذلك بمقابل، بالإضافة إلى شروط التوبة المعروفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1422(9/3725)
الرجل يعمل الخير.. فيحمده الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شكر الناس لي على عمل الخير يعتبررياء أوسمعة؟ مع أنني لا أطلب من أحد الشكر وهل الزكاة إذا كانت في العلن فيها شىء مع العلم ان الشيطان يوسوس لى بذلك وانا استعين باللة على طردة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شكر الناس لك وثناءهم عليك لفعل الخيرات هو من عاجل بشراك، فليس ضار لك إلا إذا حرصت على مدحهم وثنائهم وتطلعت إليه، فقد يجرك ذلك إلى الرياء والعياذ بالله.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: قيل: يا رسول الله:" أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟
فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن" وقد ذكره الإمام النووي في كتابه (رياض الصالحين) وبوب عليه: (بيان ما يتوهم أنه رياء، وليس هو رياء) وقال النووي أيضاً في شرحه لصحيح مسلم: (قال العلماء: معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له، فيحببه إلى الخلق -كما سبق في الحديث-، ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم، وإلا فالتعرض مذموم) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1422(9/3726)
الابتلاء بالحب ... العلاج يسير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحب حرام أم حلال وهل له حدود خاصة من جانب المرأة وكيف للمسلمة العاقلة أن تتصرف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتصرف الذي ينبغي لمن ابتلي بالحب سواء كان رجلاً أو امرأة هو تقوى الله تعالى، وغض الطرف حتى يجد سبيلاً إلى الزواج بالمحبوب، وإلا صرف قلبه لئلا يضيع حدود الله وواجباته، ولكيفية التصرف في الحب قبل الزواج يراجع الجواب رقم: 4220
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1422(9/3727)
حكم الأكل والتصرف بمال اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوجد لي ابنتا عم متوفى وهن يسكن معي في نفس البيت ويأكلن وينمن عندي ويوجد لهن راتب
شهري مقداره 120 دينارا أردنيا، هل يجوز لي أن آخذ هذا الراتب وأضمه إلي راتبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبنتا عمك إما أن تكونا بالغتين وإما أن تكونا غير بالغتين، فإن كانتا بالغتين راشدتين فادفع إليهما مالهما إن طلبتاه، قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [النساء:6] .
ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، ولا حرج أن تتفق معهما على أخذ جزء من الراتب مقابل السكن والنفقة، كما أنه لا حرج في أن تتفق معهما على أخذ الجزء الباقي لتنميته لهما بالتجارة.
وعلى كلٍ فالبنت مادامت راشدة لا يحق لأحد أن يتصرف في مالها إلا بإذنها. قال شيخ الإسلام ابن -تيمية رحمه الله- تعالى في معرض حديثه عن حكم إجبار الأب لابنته البكر على الزواج: (فإذا كان أبوها لا يتصرف بالقليل من مالها بدون إذنها فكيف يكرهها على بذل بضعها، وعشرة من تكرهه ولا ترغب في البقاء معه) .
وإن كانتا (بنتا عمك) غير بالغتين، فإن الله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10] .
فأكل مال اليتيم ظلماً من كبائر الذنوب، ولكن الله تعالى رخص للفقير القائم على ولاية اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف، قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) [النساء:6] .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أنزلت هذه الآية في ولي اليتيم (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) بقدر قيامه عليه. قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين: أجرة مثله، أو قدر حاجته. واختلفوا هل يرد إذ اأيسر؟ على قولين: أحدهما: لا، لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل.
الثاني: نعم، لأن مال اليتيم على الحظر، وإنما أبيح للحاجة فيرد بدله، كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة)
والأول أرجح.
ولا بأس من المخالطة في الطعام والشراب، وهو المقصود بقوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم) [البقرة: 220] أي ضيق عليكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1422(9/3728)
علاج الكسل والخمول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يفعل المسلم لينبذ الخمول عن نفسه في أداء العبادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان كسول بطبعه عن الأمور التي فيها شيء من المشقة، وخاصة إذا كانت من أعمال الخير والطاعة، فأعداؤه من النفس والشيطان وغيرهما يحفون به، يزينون له القبيح، ويقبحون في نظره الحسن، فالنفس الأمارة بالسوء تأمره بالسوء ولا تدعوه لما فيه الخير، والشيطان يوسوسه ويكيد له، فيصده عن ذكر الله تعالى، ويكسله عن طاعته، فإذاً لابد للإنسان من دافع قوي من: رجاء ثواب أو خوف عذاب ينشطه ويدفعه إلى عبادة ربه، ولا بد له أيضاً من همة عالية، وعزم مصمم يسموان به، وينهضان به عن مستنقعات الكسل والخمول.
ثم إن من أقوى أسباب الاستقامة، ونبذ الخمول هو الاستعانة بالله تعالى والالتجاء إليه، والعمل بمقتضى كتابه أمراً ونهياً، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها أيضاً مصاحبة أهل الخير الذين يدلون على الطاعة ويرغبون فيها، مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين.
فالأخذ بهذه الأسباب عن نية صادقة هو العلاج الوحيد لمرض الكسل والخمول، وعليك بالدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وهو: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1422(9/3729)
بواعث الاخلاص ومدافعة النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لما قرأت بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تصف صفات المنافقين شعرت أنها توجد فيَّ لا أجد الإخلاص في قلبي كما كنت أجده قبل سنوات، لا أصلي جميع الصلوات إذا كنت وحيداً وإذا كان أحد معي ويذكرني بالصلاة أصليها، وأشعر أنني مخطئة، وأنني مسيئة فهل يوجد أي دعاء حتى يرجع إخلاصي في قلبي إذا لم يكن أي دعاء فماذا أفعل؟ لأني أكره نفسي على ما أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإخلاص شأنه عظيم، قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5] .
ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان له خالصاً، قال تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: "من سمَّع سمع الله به، ومن راءى رَاءَى الله به" ومما يعين على الإخلاص:
1/ استحضار عظمة الله، وأن النفع كله بيده، فإن حياة الإنسان وصحته وهواءه وماءه وأرضه وسماءه بيد الله، وليس لأحد تصرف في صغير ولا كبير حتى يقصد بالعمل أو بشيء منه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) [الأعراف:194] .
وقال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:13-14] .
2/ مجاهدة النفس على الإخلاص، فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] .
3/ العلم بخطر الرياء، فقد حذر الله منه بقوله: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65] .
4/ أن تستعين بدعاء الله سبحانه بأن يوفقك للإخلاص، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً نتخلص به من الرياء، فقد روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: أيها الناس: اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه؟ وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع" رواه أحمد.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بقوله: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة" رواه ابن ماجه عن أنس بسند صحيح.
أما ما ذكرت بشأن التهاون بالصلاة، فإن الصلاة شأنها عظيم، وعقاب تاركها أليم، قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) (مريم:59-60) .
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4-5) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والترمذي والنسائي عن بريدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني في الأوسط، والضياء المقدسي في المختارة بسند صحيح.
وعلى المسلم أن يكون على أشد الحذر من الوقوع في صفات المنافقين، فالله يحذر ويتوعد بقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) [النساء:145] .
وقد ذكر الله أن من صفاتهم الكسل عن الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:142] .
أما ما تشعرين به من التألم على حالك من التقصير، والكراهية لما تقعين فيه من التهاون، فهذا دليل الخير الكامن عندك، فعليك أن تتزودي بفعل الخيرات حتى ينتصر داعي الهدى على داعي الهوى، وبواعث الخير على بواعث الشر.
والله الموفق والهادي إلى سبل الرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1423(9/3730)
تدافع عوامل الخير والشر في النفس البشرية ... الأسباب والعلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته أما بعد: إن النفس أمارة بالسوء ولوامة وغير ذلك، السؤال: هل الأنفس البشرية متساوية بحبها للسوء وللشر والفساد وهل هي متساوية في حبها للخير وعدم الفساد أم أنها تختلف من شخص لآخر وأرجو ذكر الأحاديث والأدلة والبراهين والتوضيح الشديد وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بني آدم خلقوا من نفس واحدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) [النساء:1] .
وفي نفس الإنسان عموماً نزوع إلى الهوى والشهوة، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41] .
وقال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) [آل عمران:14] .
ولكن نسبة الهوى والشهوة عند الناس تتفاوت بسبب عوامل من الإنسان، وعوامل من البيئة.
فمن أهم عوامل الإنسان في نفسه علمه بربه، وخوفه من عقابه، قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) [الإنسان:9-10] .
فالذي دفعهم إلى فعل الخير والبر هو خوفهم من الله سبحانه ومن عقابه ورجاؤهم لثوابه.
ومن ذلك مجاهدة الإنسان لنفسه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69] .
وأما العوامل المؤثرة في الإنسان من البيئة، فهي كثيرة، من أهمها:
1/ الرفقة: فالمرء على دين خليله، وجاء في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه".
2/ مقدار الصلاح العام، أو الفساد العام في المجتمع، فقد رود في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب. فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً. فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالمٍ. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ". فدله على البيئة الصالحة التي تعينه على الخير.
ولما كانت منابع الخير والشر موجودة لدى النفس، ولديها الدوافع لفعل كل منهما، كان من صفاتها الأساسية الفطرية أنها لوامة لذاتها على ما تكسب من شر، ما لم يمت حس الخير لديها أو يتخدر، وكان من صفاتها أيضا أن تشعر بالطمأنينة عند فعل الخير.
وحينما تتجه إلى فعل الشر تدفعها إليه وساوس الاستمتاع بلذته، وتسويلات حب العاجلة، والرغبة بزينة الحياة الدنيا، فهي بالنظر إلى هذا الجانب موسوسة مسولة، وتعتمد في وسواسها وتسويلاتها على الأوهام والظنون، وينتهي الأمر بها إلى أن تكون أمارة بالسوء، فإما أن تستجيب بعد ذلك لنداء هذا الجانب، وإما أن ترفض.
وحينما تتجه إلى فعل الخير تدفعها إليه دوافع الخير الراقية فيها، والرغبة في رضوان الله، والجزاء الكريم الذي أعده للمتقين، وهذه الدوافع يقترن بها واعظ يعظ بالخير في داخل كيان الإنسان، كما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي والنسائي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى حنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه! فإنك أن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة: محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله في قلب كل مسلم".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1422(9/3731)
الخوف من النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لما قرأت بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تصف صفات المنافقين شعرت أنها توجد فيَّ، لا أجد الإخلاص في قلبي كما كنت أجده قبل سنوات، لا أصلي جميع الصلوات إذا كنت وحيداً وإذا كان أحد معي ويذكرني بالصلاة أصليها، وأشعر أنني مخطئة، وأنني مسيئة فهل يوجد أي دعاء حتى يرجع إخلاصي في قلبي، وإذا لم يكن أي دعاء فماذا أفعل؟ لأني أكره نفسي لأجل هذا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد هنا من بيان عدة أمور:
أولاً: قد ذكرت أنك لا تصلين جميع الصلوات إذا كنت وحدك، وإنما تصلينها إذا ذكرك بها غيرك. وترك بعض الصلوات المفروضة مصيبة عظيمة، وخطر كبير، وكبيرة من أعظم الكبائر، وقد توعد الله المتكاسلين عن الصلوات المفروضة بقوله: (فويل للمصلين *الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون: 4،5] ومعنى ساهون: أي يؤخرون الصلاة عن وقتها، ويكون الأمر أشد إذا أخرها ولم يؤدها. فعليك بالتوبة وأكثري من الاستغفار، ولا تتركي الصلاة أبداً.
ثانياً: مما يعين على الطاعة وأداء الصلاة في وقتها: الرفقة الصالحة، فعليك بمصاحبة الصالحات اللائي يدللنك على الخير ويحضضنك عليه.
ثالثا: ومما يعين على ذلك أيضاً: الاهتمام بشأن الصلاة ومواعيد الأذان، فإذا ما أذن المؤذن فعليك بالمبادرة بالصلاة، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال: " الصلاة لوقتها " ويجب أن تعلمي أن الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة. فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر " رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وأبو داود.
فإذا أيقنت بعظمة الصلاة في قلبك دفعك ذلك إلى المحافظة عليها، وقد قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238]
رابعاً: ومما يعينك على المحافظة على الصلاة الإكثار من الطاعات، ومن ذكر الله تعالى، والبعد عن البيئة السيئة، والمنكرات والفواحش، لأن البيئة السيئة والمنكرات تقسي القلب، وتمرضه، وتظلمه، فإذا أردت التخلص من قسوة القلب، فالزمي الطاعات، واتركي المنكرات.
خامساً: لا بد من العمل، حيث لا يكفي ترك العمل مع الدعاء، لأن الله تعالى يقول: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) [الكهف: 30] ويقول: (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [العنكبوت: 69]
سادساً: لا يوجد دعاء مخصوص لأجل المحافظة على الصلاة، ويمكنك الدعاء بقولك: (اللهم حبب إلي الصلاة وارزقني المحافظة عليها) أو (اللهم وفقني لأصلي جميع الصلوات) أو (اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) .. إلخ
وأخيراً: أكثري من تلاوة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار، مع الاهتمام بشأن الصلاة وعدم تركها مهما كثرت الأشغال والصوارف.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1422(9/3732)
الظن السيء.. حكمه.. وكفارته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة الظن السيء بشخص ما ثم يتبين أنه بريء مما نسب إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله تعالى سوء الظن بالمؤمن ونهى عنه، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12]
أي: أيها المصدقون بالله ورسوله ابتعدوا عن كثير من الظن، ومن الظن المطلوب الابتعاد عنه أن يظن بأهل الخير سوء، وهذا هو الظن القبيح، وهو متعلق بمن ظاهره الخير والصلاح والأمانة. قال ابن عباس في الآية: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن إلا خيراً.
أما الفاسق المجاهر بالفجور، كمن يسكر علانية، أو يصاحب الفاجرات فيجوز ظن السوء به.
وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم سوء الظن بالمؤمن، منها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا… " الحديث.
ومنها ما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: " ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده! لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خيراً" وهذا في مجرد الظن الذي لم يخرج على اللسان.
أما التكلم بمقتضى الظن المنهي عنه فإن ذلك أعظم إثماً لأنه من الرجم بالغيب، وهو القول بلا علم وذلك أمر عظيم. منه ما يصل إلى حد الكبيرة كالقذف، فترتب عليه أحكامه، ومنه ما هو دون الكبيرة ولكنه حرام، تجب التوبة منه إلى الله تعالى، ومن شروطها استسماح صاحب الحق الذي تكلم في عرضه، ولا كفارة له إلا ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1422(9/3733)
ما أكل أحد طعاما خيرا من عمل يده
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما رأي الفقه في مهاجري شمال أمريكا المسلمين الذين رضوا بالمساعدة الحكومية الشهرية (وهي نفقة تغطي المصروفات الشهرية) وأغلقوا باب الجد والاجتهاد والبحث عن العمل حبا في الراحة والدعة؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
... فلا يمكن إطلاق الأحكام هكذا على (مهاجري شمال أمريكا المسلمين) أو غيرهم دون التثبت والتأني، وما أدراك أنهم قد (أغلقوا باب الجد والاجتهاد والبحث عن العمل حباً في الراحة والدعة) ! فلربما بحث الكثير منهم عن عمل ولم يتوفر له، أو لم يجد ما يناسبه من أعمال، أو عرضت لهم موانع أخرى. وعلى أية حال فالمسلم مطالب بالجد والاجتهاد والبحث عن العمل، قال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) [الملك:15] ولربما اعتمد البعض على المساعدة الحكومية ولم ينشط للعمل والكسب، وفجأة منعت عنهم المساعدات أو طردوا من البلاد فيجدون أنفسهم بلا عمل ولا مال، ويصبحون في موقف سيئ، وربما أدى بهم ذلك إلى التسول واستجداء الناس، فيتعرض أبناؤهم وزوجاتهم إلى ما لا تحمد عقباه. ويحضرنا في هذا المقام قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري. فأكل المرء من عمل يد له فضيلة عظيمة، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1422(9/3734)
الكلام عن الأخرين ... ما يباح منه وما يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التحدث لشخص عن أحداث وأشياء حدثت مع ناس آخرين من باب الترويح عن النفس ومشاركة الهموم.هل تعتبر غيبة أم لا علما بأن كل هذه الأحداث حصلت فعلا وتخصني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة هي ذكرك أخاك في غيبته بما يكره لو كان حاضراً، وعليه فما يحدث به الشخص غيره إذا كان خاصاً به هو، أو يشترك فيه مع غيره ولكن ليس فيه تنقيص للغير، ولا غض من كرامته ولا كشف لأمور لا يود الكشف عنها فإنه يعتبر خارجاً عن حد الغيبة، ولكن ينظر فيه بعد ذلك، فإذا كان عن محرمات ارتكبها الشخص المتحدث فلا يجوز لأنه من المجاهرة المحرمة، وإن كان عن المسائل المباحة بقصد الترويح والتسلي فهذا جائز، لكن لا ينبغي للإنسان أن يكثر الحديث بما لا فائدة فيه، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" ومن كلام الحكماء: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1422(9/3735)
علاج العشق، كما قرره ابن القيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وقعت في العشق الطاهر وقد واصلت في مراسلة المحبوب وبعد ذلك انقطعت وذلك اتقاء لأي حرام ولكنني ضعت ومرضت ولم أستطع مواصلة حياتي بشكل طبيعي، وهو كذلك على ما أعتقد فهل المواصلة حرام أم مكروهة؟
وهل العشق الطاهر حرام؟
وهل التعلق بشخص حرام علماً أن هذا خارج عن النفس؟
وما حكم المواصلة مع المحبوب عن بعد علماً أنه حب طاهر غرضه الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نرى أنه لابد من ذكر مقدمة مهمة في هذا الموضوع قبل الجواب عن هذه الأسئلة وهي: أن العشق مرض من أمراض القلب، وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي عند الحديث عن هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق.
قال ابن القيم: هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم، عز على الأطباء دواؤه، وأعيى العليل داؤه… إلى أن قال: وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24]
فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فصرف المسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف، العشق حركة قلب فارغ، يعني: فارغاً مما سوى معشوقه…
والعشق مركب من أمرين: استحسان للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق، وقد أعيت علة العشق على كثير من العقلاء، وتكلم فيها بعضهم بكلام يرغب عن ذكره إلى الصواب، ثم قال: والمقصود أن العشق لما كان مرضاً من الأمراض، كان قابلاً للعلاج، وله أنواع من العلاج، فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً، فهو علاجه، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" فدل المحب على علاجين: أصلي وبدلي، وأمره بالأصلي: وهو العلاج الذي وضع لهذا الداء، فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلاً. وروى ابن ماجه في " سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لم نر للمتحابين مثل النكاح" … إلخ ما قال في زاد المعاد (4/265) وعلى هذا فيمكننا أن نركز الكلام حول العشق في نقاط:
1- العشق مرض من أمراض القلب ولا بد من علاجه.
2- العشق منه حلال ومنه حرام كما قال ابن القيم رحمه الله (4/276) وسنوضح ذلك فيما يلي:
3- من طرق العلاج للعشق بين الرجل والمرأة الزواج -إذا كان ممكناً- وهو أصل العلاج وأنفعه.
4- إن كان لا يوجد سبيل لوصول العاشق إلى معشوقه قدراً أو شرعاً كأن تكون المرأة متزوجة من غير العاشق، أو كان العشق بين اثنين لا يمكن زواجهما مثل: الزبال مع بنت الملك…وهكذا، فمن علاجه كما يقول ابن القيم: إشعار نفسه اليأس منه فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه.
5- فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس فقد انحرف الطبع انحرافاً شديداً فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس، وروحه متعلقة بالصعود إليها، والدوران معها في فلكها، وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين…
6- فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء، ولم تطاوعه لهذه المعالجة، فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلته، وما تمنعه من مصالحها. فإنها أجلب شيء لمفاسد الدنيا، وأعظم شيء تعطيلاً لمصالحها، فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره، وقوام مصالحه.
7- فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء، فليتذكر قبائح المحبوب، وما يدعوه إلى النفرة عنه، فإنه إن طلبها وتأملها، وجدها أضعاف محاسنه التي تدعوا إلى حبه، وليسأل جيرانه عما خفي عليه منها، فإن المحاسن كما هي داعية الحب والإرادة، فالمساوئ داعية البغض والنفرة، فليوازن بين الداعيين، وليحب أسبقهما وأقربهما منه باباً، ولا يكن ممن غره لون جمال على جسم أبرص مجذوم، وليجاوز بصره حسن الصورة إلى قبح الفعل، وليعبر من حسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب.
8- وأخيراً كما يقول ابن القيم رحمه الله: فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثاً به، متضرعاً متذللاً، مستكيناً، فمتى وفق لذلك، فقد قرع باب التوفيق فليعف وليكتم، ولا يشبب بذكر المحبوب، ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للأذى، فإنه يكون ظالماً متعدياً (زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم) (4/275) .
أما قول ابن القيم رحمه الله بأن العشق منه حلال، ومنه حرام فبيانه: أن من العشق الحرام عشق الرجل امرأة غيره، أو عشقه للمردان والبغايا. وأما الحلال فهو الذي يكون بين الرجل وزوجته ولم يتجاوز حد الاعتدال، ولم يؤد إلى الوقوع في محرم أو ترك واجب من واجبات الدين. وبناء على ذلك نقول: لا يجوز لك إرسال الرسائل إلى المحبوب لأنكما أجنبيان عن بعضكما البعض، ولا تجوز المواصلة بينكما بأي طريقة أخرى، وإذا كنتما تريدان الزواج فلماذا لا تقدمان عليه؟ فإما الزواج إذا كان ذلك ممكنا، مع الصبر والتقى حتى يتم ذلك، أو قطع الصلة دون تردد، فإذا كان تعلق الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل خارجاً عن النفس، فلا يجوز أن يتخذ حجة لإقامة علاقة مع الطرف الآخر، أو مواصلته أو مراسلته، ولكن إن كان يستطيع الزواج منه فليتقدم لخطبته، وليعجل وليستعن بالله، وإذا كان لا يستطيع الزواج منه فليقطع صلته به تماماً، ولييأس منه تماماً كما تقدم، وليشغل نفسه بما ينفعه في دينه ودنياه. ونسأل الله أن يصرف عنه هذا التعلق الذي لا فائدة منه ولا جدوى، وأن يعوضه عن ذلك بالحلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1422(9/3736)
مصاحبة المغتاب والنمام ومفشي الأسرار تردي الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أعرف حكم الشرع في هذا:
لدي صديقة ولكن أريد تجنبها ولا أريد أن أحدثها في الهاتف فكلما أرى رقمها لا أرد ولكن إذا شاهدتها في مكان سيكون بينى وبينها فقط سلام ولا بأس إذا دار حديث قصير
لأنها تتحدث عن أسرار بيتهم وعن أسرار زوجات إخوتها وأنا لا أثق فيها وأنا أعلم أن أي كلام سأقوله لها سوف تذيعه بين أصدقائها وإنها كثيرة التدخل في شؤون أصدقائها وتحدث مشاكل كثيرة فأنا أريد أن أتجنبها ولا أضيع وقتي في القيل والقال ولا أريد أن أسمع أخبار وأسرار الناس]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه المرأة إذا كانت بهذه الصفات التي ذكرت، فلا تجوز مصاحبتها ومصادقتها، والواجب نصحها وتحذيرها من الوقوع في أعراض المسلمين، وإفشاء أسرارهم، واغتيابهم والنمِّ بينهم، ولابد أن تعلم أن الغيبة والنميمية محرمتان بالكتاب والسنة والإجماع، وهما من كبائر الذنوب، والواجب التوبة منهما.
أما الغيبة، فهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، فقيل: يا رسول الله: "أرأيت لو كان فيه ما أقول؟ " قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهته" رواه مسلم، ومعنى بهته: كذبت عليه.
وقد نهى الله عن الغيبة فقال: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات:12] .
وأما النميمة، فهي: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد ذم الله النمام بقوله: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم:11] .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" رواه مسلم.
وأما الإجماع، فقد نقل الإمام ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر قول الحافظ المنذري: أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله - عز وجل - انتهى.
وأما إفشاء الأسرار، فلا يجوز أيضاً: لأن أصحابها قد ائتمنوا من أطلعوه عليها، فلا يجوز لمن اطلع عليها أن يفشيها، لما رواه أحمد في مسنده عن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته"، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1422(9/3737)
الخوف المحقق من ظالم يبيح الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإنسان عند افترائه على السلطان خوفاً منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب خصلة دنيئة مذمومة شرعاً وعادة، ولا يطبع عليها مؤمن قط، لما في المسند: "يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلاّ الخيانة والكذب".
وقد ورد في غير المسند بألفاظ أخرى.
وقد رغب الشرع في الصدق، وحذر من الكذب أيَّ تحذير، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم الكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً".
وقد نص أهل العلم على أن الإنسان إذا خاف على نفسه أو ماله من ظالم يعتدي عليه: سلطاناً أو غيره، ولم يمكنه دفعه إلاّ بالكذب جاز له أن يكذب، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، لقول الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] .
والأولى أن يورِّي ويعرِّض إن أمكنه ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(9/3738)
جزاء الإحسان الإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حق المسلم على أخيه المسلم وماحكم حالة أخ مسلم ساعدناه بحق الإسلام علينا وعليه فأخذ المساعدة بيمينه وأتبعها أذى بشماله فتحولت لموقف لا أعرف إن دافعت عن نفسي برد أذاه قرأها الراؤون بأنني انقلبت عليه بسيف مسلم وأنه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار علما أن أذاه لم يرد بالإحسان ثانية فهل أحاربه وأنقلب عليه بكل مامنحني الله من قوة أم أتحمل أذاه علما أن ضرره سيصل لذريتي وأولادي فضلا عن أمني شخصيا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللمسلم على المسلم جملة من الحقوق، وقد سبق بيانها تحت الفتوى رقم: 6719
وأما ما ذكرته من إعانتك لأخيك، ومقابلته الإحسان بالإساءة، فنسأل الله أن يأجرك على ما قدمت، ونوصيك بالعفو والصفح والتحمل قدر ما تستطيع، مع عدم تعريضك لنفسك أو أهلك للضرر.
وعليك أن توازن بين الأمرين: بين كف أذاه، وبين محاولة إصلاحه والإحسان إليه.
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1422(9/3739)
حب الفتاة لدينها والرغبة في زواجها لا بأس به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حبي لفتاة من دون علم أهلها حرام أم مكروه؟
ما الأفضل في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما بعد فإن ميلك إلى الفتاة إن كان بقصد الزواج، ولم يصاحب ميلك القلبي إليها لقاءات، أو مخاطبات، أو خلوات، وما شابه من المحظورات، وكانت الفتاة ذات دين وخلق حسن وحجاب شرعي، فلا بأس بهذا الميل القلبي، على أن يعقبه مباشرة تقدمك إلى أهلها لخطبتها، فإن رضوا بك زوجاً فبها ونعمت، وإن ردوك، فأعرض عن هذه الفتاة، واصرف قلبك واشغله عنها بما ينفعك ولا يضرها.
وادع لها بالتوفيق.
وأما غير ذلك من استرسال في التعلق بها، ولقائها، ومخاطبتها، وكتمان ذلك عن أهلها، فهو حرام، وخيانة.
ولمعرفة المزيد راجع الفتوى 4220
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(9/3740)
الضرورة المبيحة لكشف الأسرار
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على سؤالى فى أقرب وقت ممكن.
ما معنى العهد في الإسلام؟ فقد تعاهدت مع رجل بأن لا أفشي لأحد ما بيننا، أو بالأصح أن لا أقول لأحد ما قاله لي مع أن ذلك السر غير أخلاقي وطلبه شنيع وحرام، وأريد فقط أن أحكي ما دار بيننا لأي
أحد حتى أستريح لكني أخاف من العهد الذي بيننا مع أن ذلك الرجل هو الذي طلب مني أن نتعاهد فوافقت مع إني لم أكن مقتنعة بذلك. أتمنى أن تفهموا قصدي. فهل سيعاقبني الله إذا أخللت بذلك العهد؟
أشكركم، وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن كان الرجل استودعك سراً بأن يأتي حراماً في المستقبل، وكان ما هو عازم عليه فيه ما هو مضر بالغير، فهذا سرّ لا بدّ من إفشائه، لمنع حدوث الفعل المضر، وليقتصر في الإفشاء على ما يزول به الضرر، فإن كان يزول بإفشائه إلى واحد منع أن يفش لاثنين.
وأما إن كان قد استودعك سراً بأنه ارتكب فيما مضى حراماً، والتزمت أنت بكتمان السرّ، وليست هناك حاجة في إفشائه، فعليك كتمان السرّ. ولمعرفة المزيد راجعي الفتوى رقم: 7634.
وهناك مالا بد أن ننبهك عليه، وهو أنك امرأة، فإن لم يكن ذلك الرجل زوجا لك فقد أخطأت بالسماح له بأن يخلو بك، وينبسط معك في الحديث، حتى وصل الأمر بكما إلى أن يبثّك مكنون صدره من أمور مخجلة، فعليك بالتوبة والاستغفار من لقائك بهذا الرجل، والعزم المصمم على أن لا تلتقي برجل أجنبي، سواء كان هو أم غيره، وانصرفي للعبادة، ومخالطة النساء الصالحات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(9/3741)
العشق بين النساء وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أن تحب الفتاة فتاة حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب الواقع بين شخصين أنواع:
1/ فهناك الحب الطبيعي، كالحب الحاصل بين الأخت وأختها، والبنت وولديها.
2/ وهناك حب شرعي، ناشئ عن وجود التآخي في الله عز وجل، وعلامته أنه يزيد بازدياد الطاعة، وينقص بنقصانها، وهذا الحب هو الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" متفق عليه.
3/ وهناك حب شهواني، كحب الرجل للمرأة والعكس، ومنه ما هو محمود، ومنه ما هو محرم مذموم.
ومن هذا النوع ما يكون باعثه الشذوذ، كتعلق الرجل بالرجل، والفتاة بالفتاة، وهذه الظاهرة الشاذة تسمى في بعض المجتمعات بالإعجاب، وحقيقتها هي أنها من العشق المحرم، وهو من تعلق القلب بغير الله تعالى، ولهذا عدَّه بعض أهل العلم من الشرك.
ولهذا العشق مفاسد ومضار متنوعة منها: انصراف الإنسان عن ربه وخالقه إلى مخلوق ضعيف يضره ولا ينفعه.
ومنها: حصول الهم والغم في الدنيا، والعذاب في الآخرة، مالم يتداركه الله برحمته.
ومنها: استدعاؤه صوراً من الحرام، كالنظر واللمس والتقبيل بشهوة، وربما قاد الرجل إلى اللواط، والمرأة إلى السحاق، وهذا هلاك محقق.
ومنها: ضعف الرغبة الجنسية الطبيعية، وقد يؤدي هذا إلى إخفاق المرأة في العلاقة مع زوجها، وتوقان نفسها لما اعتادته من الحرام.
وخير علاج لهذا المرض أن يقبل الإنسان على ربه تعالى، وأن يعلم أنه لا لذة ولا سرور إلا في الصلة به ومناجاته، وأن كل محبوب دون الله عائق في السير إليه.
ويجب أن يبتعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى هذا المحرم، من الخلوة ومتابعة النظر، وتبادل الرسائل والصور، ونحو ذلك، مع سؤال الله الشفاء والمعافاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1422(9/3742)
عقوبة آكل مال اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو جزاء آكل أموال اليتامي ظلما من الكتاب والسنة والإجماع مع شرح مفصل؟ وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أكد النهي عن أكل مال اليتيم ظلماً، فقال جل من قائل: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) [الإسراء: 34] . وقال: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً) [النساء: 2] .
ثم ذكر آية مفردة في وعيد من يأكل أموال اليتامى، وحدد فيها نوع الجزاء والعقاب، فقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) [النساء: 10] ، أي إذا أكلوا مال اليتامى بلا سبب، فإنما يأكلون في بطونهم ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" قال السدي، يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه وأنفه وعينيه، فيعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وروى ابن مردويه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً"، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحرِّج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتنابهما رواه ابن مردويه.
وقد ذكر سبحانه وتعالى الأكل، إلا أن المراد منه كل أنواع الإتلافات، فإن ضرر اليتيم لا يختلف بأن يكون إتلاف ماله بالأكل، أو بطريق آخر، فأكل مال اليتيم ظلماً إذاً كبيرة بالإجماع.
كما أن النار هي جزاء آكله وهذا ثابت كتاباً وسنة وإجماعاً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1422(9/3743)
البعد عن الصور المثيرة حفظ للدين
[السُّؤَالُ]
ـ[دعائي لا يستجاب (الرجاء الدعوة لي بالمغفرة) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولك، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يهدينا وإياك سواء السبيل، وسندعو لك بظهر الغيب، ونبشرك أن الدعاء بظهر الغيب مستجاب، وننصحك بقراءة الفتوى رقم: href="ShowFatwa.php?lang=A&Option=FatwaId&Id=2149 ">2149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(9/3744)
البعد عن الصور المثيرة حفظا للدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الصحف تحتوي على صور سيدات فغصب على الواحد أن ينظر اليها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحرم على الرجل أن ينظر إلى تلك الصور التي تكون في الصحف، لما في النظر إليها من مخالفة أمر الله تعالى للمؤمنين بغض أبصارهم، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) [النور: 30] .
ولما في إدامة النظر إليها من إثارة الغرائز. ومن المعلوم أن الذين يضعون تلك الصور - غالباً - يختارون وبعناية ما كان منها أشد اجتذاباً، وأكثر إغراء، ترويجاً لمجلاتهم وصحفهم. وعلى المسلم الذي يؤمن بالله، ويرجو لقاءه أن يغض بصره عما حرم الله تعالى، وعما كان وسيلة إلى ما حرم الله تعالى، وأن يشكر نعم الله تعالى عليه، والتي من جملتها نعمة البصر، ويحفظها باستخدامها فيما أباح وشرع، وصونها عما نهى عنه زرجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(9/3745)
أحاديث نبوية زاجرة عن اللعن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إن من يلعن لا تقبل له صلاة لمدة أربعين يوما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نعثر على حديث بهذا المعنى.
وقد وردت أحاديث كثيرة فيها الزجر عن لعن من لا يستحق اللعن، والتحذير الشديد منه، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على ملة غير الإسلام، فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله".
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها".
وروى الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر.
كما أن تسبب المرء في أن يُلعن والداه أيضاً من الكبائر، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه".
والعقوبة التي ذكرها السائل وردت في ذنوب أخرى غير اللعن، منها أن من أتى عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما في صحيح مسلم، ومنها أن من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين أيضاً، كما في المسند والسنن. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(9/3746)
الصلح خير ... مع المصارحة والنصح
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق من الملتزمين، وفي يوم من الأيام كنت أتحدث مع أحد الطلاب المستهترين وما كنت أعرف ذلك، فهجرني صاحبي الملتزم، وأصبح لا يكلمني ويخبر أصدقائي الآخرين بذلك مما أدى إلى أن يقاطعونني، وإني أريد أن أتصالح معهم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم المتمسك بدينه نادر في أيامنا هذه، ومن وجد صديقاً ملتزماً عابداً صالحاً، فعليه أن يحرص على صداقته، فحرصك على استدامة الصلة بينك وبين الأصدقاء الصالحين حسن.
وإن كانوا هجروك لما غلب على ظنهم من أنك تصاحب العصاة والفسقة، فيمكن أن تزيل عنك تلك الشبهة بمصارحتهم بأن ظنهم لم يكن في محله، وأن تحدثك مع ذلك المستهتر إنما كان أمراً عابراً، ولم تكن تعلم أنه مستهتر، وأنك لا تحرص عليه، بل تكره مصاحبة أمثاله، وتبين لهم أنك حريص على مصاحبة الأخيار، ثم تقول لهم: هبوا أني أخطأت في محادثة ذلك المستهتر، لكني عدت إلى الصواب، فماذا يمنعكم من إرجاع الوضع إلى ما كان عليه؟
ثم أما كان الأولى بكم أن تستفهموا مني عن الموضوع، وتنصحوني؟
ونظن - والله أعلم - أن هذا الذي ينبغي أن تفعله، فإن كانوا أهل خير فسيقبلون منك حديثك، وتعود - بعون الله - لصحبتهم، وإلا فقف عند هذا الحد، وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، واصبر، عسى الله أن يخلف عليك بأصدقاء صالحين غيرهم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1422(9/3747)
العرس الإسلامي ... ومحاولة تذليل العقبات المعترضة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد إقامة حفل عرس إسلامي وأهلي غير موافقين أريد استشارة حول إمكانية إقناعهم بذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أراد طاعة الله تعالى في امتثال أوامره واجتناب نواهيه مخلصاً وسعى لذلك أعانه الله تعالى، ويسر له سلوك السبيل لأداء الطاعات، قال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم) [محمد:17] . وأنت تريد الطاعة في أن يكون عرسك وحفلُه شرعيان، فالله يعينك ويوفقك لفعل الخير. ولكي تقنع أهلك بذلك عليك:
أولاً: أن تصلي صلاة الحاجة بأن يشرح الله صدور أهلك لما فيه الحق من مرادك، وأن تجتهد بالدعاء لذلك.
ثانياً: أن تبين لهم أن الإسلام يدعو إلى الفرحة والسرور والاجتماع في مناسبة الزواج، فشرع الوليمة، والغناء المباح بضرب الدف، وشرع التهنئة فيما بين المسلمين في هذه المناسبة، وشرع التهادي فقد روى الشيخان وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم أولم وأمر بالوليمة للعرس.
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رَفَّأَ الإنسان إذا تزوج قال: " بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير،" وأما بالنسبة إلى الغناء وضرب الدف فقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف"،
وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين رضي الله عنهما قالا: (إنه رخص لنا في اللهو عند العرس..) وروى البخاري وابن ماجه والطبراني من حديث عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو"، وفي رواية:" فهل بعثتم معها جارية تضرب الدف وتغني".
فتبين لهم ذلك، وتقول لهم: إن هذا لا بد أن يكون في حدود ما شرع الله، وباجتناب ما نهى عنه سبحانه، فلا اختلاط ولا تبرج ولا موسيقى ولا رقص، ولا غناء فاحش أو بذيء، ولا أي منكر. هذا هو الممنوع، وما عداه فلي ولكم فيه فسحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1422(9/3748)
لا تيأسي من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
أنا امرأة متزوجه ولدي طفلان فضيلة الشيخ إنني محرجة وخائفة من الله تعالى من الذنب الكبير الذي اقترفته.. بدأت مشكلتي عند اكتشافي أن لزوجي علاقة غرامية بإحدى الأجنبيات وعرفت أيضا أنه قد وقع فى الزنا.... فجن جنوني فأصبحت أتخبط يمينا وشمالا ونتيجة لإهماله لي وعدم معاشرتي وقعت أنا أيضا في الزنا لا أدري ما الطربقة التى أستطيع بها التكفير عن ذنبي العظيم. أرجو الإفادة إنني أتعذب خوفا من عذاب الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنكِ عالمة بأن ما وقعت فيه من فاحشة ذنب كبير، وخوفك الشديد مِن الله تعالى، ومِن أن يقع بك عذابه كفيلان - إن شاء الله - بأن يجعلاك لا تقعين مرة أخرى في شيء من تلك القاذورات، وما دمت لست مصرةً على هذه الكبيرة فالله يعفو ويغفر، وما عليك إلا: التوبة النصوح الصادقة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار..) [التحريم: 8] .
واندمي على ما فعلت كلما ذكرته، وتصدقي مِن مالك، أخذاً بوصيته صلى الله عليه وسلم للنساء بالصدقة حيث قال: "تصدقن ولو من حليكن" رواه البخاري، وروى الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع عن ميتة السوء".
وأكثري من الأعمال الصالحة، والدوام على العبادة، قال تعالى - بعدما ذكر سوء عاقبة الزنا وغيره- (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان: 70] .
ومن الأعمال الصالحات التي يمحو بها الله كل الذنوب (الحج) ، قال صلى الله عليه وسلم: "من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه" متفق عليه.
وعليك بملازمة الصلاة، والحجاب، وعدم التبرج، والابتعاد عن صديقات السوء، ومواطن الفتن، وعدم الاختلاط بالرجال، وعليك بالاختلاط بالنساء الصالحات المؤمنات، والتفتي إلى تربية أولادك والاهتمام بشؤون البيت، وكلما ذكرت خطيئتك التي فعلت فابكِ ندماً، قال صلى الله عليه وسلم: "يا عقبة احرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" رواه أحمد.
واعلمي أنك إذا تبت وندمت ولم ترجعي إلى ذنبك واستغفرت، فإن الله تعالى يقبلك ويقبل منك، ويعفو عنك، ويغفر لك، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: 53] .
وقال سبحانه: (غافر الذنب وقابل التوب) [غافر: 3] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم وأحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1422(9/3749)
الغضب وسبيل دفعه وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة وأم لأربعة أطفال وعمري ثلاثون سنة. عندما أتعامل مع الناس أكون في غاية الطيبة والهدوء حتى لو تعرضت للإساءة فلا أستطيع الرد إلا بالبكاء ولكني على النقيض تماما مع أسرتي فإذا تعرضت لأي موقف يغضبني أثور ولا أستطيع التحكم في نفسي وربما شتمت زوجي وأولادي وتطاولت عليهم وأنا أعلم تمام العلم أن هذا لا يجوز ولكني لا أستطيع كبح غضبي والعياذ بالله وأعود أستغفر ربي وأعتذر وزوجي يتفهم أن هذا خارج عن طبيعتي ولذلك فهو يسامحني على الدوام ولكن ذلك بالتأكيد يؤثر سلبا على أطفالي فمن المفروض أنني قدوة أمامهم 0 فماذا أفعل وهل علي إثم في ذلك لأنني أخاف أن أكون أعصي الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: لا تغضب، فردد مراراً، فقال: لا تغضب" وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله ".
قال ابن التين: " جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب" خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوبَ عليه فنيتقص ذلك من دينه".
وسبيل العلاج منه بتجنب أسبابه ومهيجاته، وعليه يخرَّج قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" أي اجتنب أسباب الغضب، فعليك أن تنظري ما الذي يثير غضبك وحنقك فاجتنبيه.
واعلمي أن الزوج هو أولى الناس بالمعروف وبالصبر على ما يصدر منه، فكيف تعامليه أسوأ مما تعاملين غيره؟!! وكذلك الأولاد؛ بل عليك أن تتعاملي مع أخطائهم على أنها وافع تجب معالجته لا بالغصب فإن ذلك لا يحل المشكلة بل ربما زاد الطين بلة.
وإذا أحسست بالغضب فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فقد استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" متفق عليه من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.
فإن اشتد عليك الغضب أكثر فإن كنت قائمة فاجلسي، أو قاعدة فاتكئي، أو متكئة فاضطجعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا غضبت فإن كنت قائماً فاقعد، وإن كنت قاعداً فاتكئ، وإن كنت متكئاً فاضطجع" أخرجه ابن أبي الدنيا، وقال العراقي في تخريج الإحياء إسناده صحيح.
ومن سبل دفع الغضب وإسكانه: الوضوء. فقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه.
ولنتذكر مع ذلك فضيلة كظم الغيظ وأنها من صفة المحسنين الذين يحبهم الحق سبحانه، قال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران: 134] .
وتعدد هذه الطرق وتنوعها في علاج الغضب يبين لنا مبلغ اهتمام الشارع الحكيم بهذه الطبيعة الإنسانية، وكيفية التعامل معها، لعظم الآثار المترتبة على ذلك، فكم من أسر قد هدمت، وعلاقات قد قطعت، ودماء قد سفكت كل ذلك في ساعة غضب لم يحسب لها حساب. فينبغي للمسلم أن يدافع ويجاهد نفسه، وأن يتحلى بصفة الحلم. فقد قال صلى الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1422(9/3750)
هل على المرأة من حرج إذا أحبت رجلا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب ابن عمي كثيراً وأحلم عنه كثيراً ولا أدري هل هذا الحب والحلم من الله ينزله لي أم هو خرافات وأنا في أمريكا وهو في اليمن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حب المرأة غير المتزوجة لرجل إذا لم يتعد دائرة الإعجاب ومحبة الزواج منه ولم يؤد إلى محرَّم، كخلوة ومجالسة ومحادثة فاحشة، أو إلى انشغال عن الواجبات فإنَّ صاحبته معذورة. أما إذا أدى إلى ما ذكر ونحوه فإنه يحرم. وللمزيد انظر فتوى رقم 5707 وأما الحلم فإن كان المراد به الاحتلام أي رؤيا الجماع أو المباشرة مما يحدث معه إنزال المني غالباً،
فلا يأثم صاحبه وليس عليه شيء إلا الاغتسال إذا أنزل، وإن لم ينزل فلا غسل عليه، يستوي في هذا الرجل والمرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1422(9/3751)
المعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مسلم أتيت إلى رومانيا للدراسة، وكنت على ضلال وقد تزوجت من امرأة رومانية أسلمت بعد ذلك وحسن إسلامها، أما الآن وقد هدانا الله وننوي عمل عائلة مسلمة، أخفيت زواجي منها عن أهلي والآن أريد أن أخبرهم بذلك، فهل يجوز لي شرعاً أن أكذب على أهلي بأن أخبرهم مثلاً أنها كانت عذراء علماً بأنها لم تكن كذلك، أيضاً أني تعرفت عليها في المسجد مع أنه لم يكن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحل الصحيح لمثل حالتك هذه هو أن تستخدم التعريض والتورية، وهي أن تطلق كلاماً يحتمل معنيين: يكون ظاهراً في واحد منهما وتريد المعنى الآخر، وهو نوع من الخداع، إلا أنه يجوز عند الحاجة. قال النووي في الأذكار: وقال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو دعت حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً. انتهى
فإن تعذر عليك التعريض ولم يكن أمامك إلا المصارحة بحقيقة ما حصل أو الكذب، فلك أن تكذب في هذه الحالة لأنك بهذا تزيل البغض والكره الذي سيحدث بين زوجتك وأهلك، وتنمي بينهما خيراً، ففي الصحيحين عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً" ولأنك بالكذب -أيضاً- تدفع مفسدة التشهير بزوجتك والإساءة إليها وكشف سترها بعد توبتها وإسلامها. فلهذا كله يجوز لك الكذب بشرط أن يتعين وسيلة لدفع هذه المفسدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(9/3752)
صلاح الظاهر والباطن
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي هو: شخص ذهب إلى أمريكا وفتح تجارة عامة على مستوى ضخم ولكن رأس المال كان بفتح حسابات صورية في البنوك وأخذ بضاعة من الشركات الكبرى أمريكية ويابانية وعربية و ... وكان في نيّته عدم السداد بعد استواء العملية وهذا ما حصل فعلا، فقد باع البضاعة (تحت ليل) ولم يسدد منها لأحد.غادر أمريكا سرا دون أن يودع جيرانه.
عندما حضر إلى الوطن لبس ثياب الورع والتقى وحج بيت الله الحرام وأطال لحيته و ...
ما أريده من حضراتكم هو: كيف أتعامل مع هذا الشخص؟ هل أتعامل معه كرجل تقي ثقة؛ أم كرجل محتال كما عهدته؟ وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان يوزن بقصده وعمله الصادر عن قصد، لا بما يُظهر ويتخفى تحته، قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" رواه مسلم.
والتعامل مع الناس يكون على هذا الأساس، فصاحبك هذا إن كان ممن تاب واستقام، وعلامة ذلك ردّ الحقوق إلى أصحابها، واستئناف حياة مالية نظيفة صافية لا يكدرها غش ولا خداع، فمدّ له يد المصافحة واتخذه صاحباً.
وإن أصرّ على ما كان عليه مِن تحايل فانصحه أولاً وبيّن له خطر ما هو عليه مِن إثم وظلم، وإلاّ فبيّن له أنك ستهجره لبقائه على معصيته وإصراره عليها، والله تعالى يقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) [هود: 113] . والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1422(9/3753)
الأصل في الأسرار الكتمان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ائتمنني صديق لي على سر، أو دار بيننا حديث واستحلفني بالله أن لا أحدث به أحدا آخر مهما كانت الظروف، هل يحق لي أن أخبر به أحداً آخر إذا استحلفني الشخص الآخر أن أخبره بما دار بيني وبين صديقي؟ أو إذا هددني شخص آخر بأن أخبره بما حدث أو ائتمنني عليه صديقي؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإفشاء السر منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق صاحب السر، روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة ". وقال الحسن: (إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك) .
فإفشاؤك سر صديقك للغير متوقف على التالي:
1- إن التزمت لصديقك بعدم إفشاء السر فلا تفشه، وإن لم تلتزم وكان في إفشاء السر مصلحة راجحة فلا حرج في إفشاء السر، هذا ما علق به ابن حجر على الحديث النبوي الذي رواه الشيخان في إفشاء بلال سراً للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث طلبت منه امرأة ابن مسعود وامرأة من الأنصار أن يسأل لهما النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء وأن لا يخبره بأنهما صاحبتا السؤال، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أخبره.
2- يمكنك استعمال المعاريض في كلامك في شأن السر، والمعاريض: هي التورية بالشيء عن الشيء، قال عمر بن الخطاب وابن عباس وغيرهما: أَمَا في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب؟
3- إذا كان تهديد من هددك شديداً، كالتهديد بالقتل أو قطع عضو، أو ضرب شديد، أو إلحاق أذى يشق تحمله فلك أن تفشي السر ما لم يترتب على إفشائه ضرر بدني بالآخر، فإن ترتب عليه، فلا يجوز لك إفشاؤه إذا لا يزال الضرر بالضرر، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهو عليه" رواه ابن ماجه والحاكم.
ولله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1422(9/3754)
الكبيرة.. تعريفها.. كفارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفا رة مرتكب الكبيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم أن الكبيرة تكفرها التوبة النصوح، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) [التحريم: 8] ، قالوا: وعسى من الله محققة.
والتوبة النصوح هي التي اجتمع فيها الإقلاع عن الذنب، والندم على ارتكابه، والعزم على أن لا يعود أبداً، وإذا كانت فيه مظلمة لأحد تحلله منها، فالله تبارك وتعالى يقبل التوبة من الكافر والمسلم العاصي بمنه وكرمه، كما وعد في كتابه حيث قال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) [الشورى: 25] .
وهناك بعض الحالات اختلف فيها الفقهاء من حيث القبول، نظراً للأدلة الشرعية الخاصة بها، والخلاف فيها إنما هو في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم. وأما قبولها في الباطن، وغفرانه تعالى لمن تاب وأقلع ظاهر وباطناً فلا خلاف فيه.
فإن الله تعالى لم يسدَّ باب التوبة عن أحد من خلقه، وقد قال تعالى في المنافقين (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأؤلئك مع المؤمنين) [النساء: 146] ، ولا كبيرة أكبر من النفاق. والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1422(9/3755)
الإخبار بالمعصية مكروه إلا ما كان على وجه الاستفتاء والنصح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكون فضح المعاصي والمنكرات حراما لطلب الاستفتاء من علماء في الدين الإسلامى؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم إن ألم بذنب أن يتوب منه، وأن يستتر بستر الله عز وجل فلا يفضح نفسه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يافلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" رواه البخاري. غير أن العلماء نصوا على جواز أن يُعْلِمَ الإنسان غيره من أهل العلم بما فعل طلباً للنصيحة وللاستفتاء. قال الإمام النووي: فيكره على من ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها، بل يقلع ويندم ويعزم على أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها، أو ما يَسْلَمْ به من الوقوع في السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له، أو نحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة. وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء، لا على السؤال والاستفتاء" انتهى من فيض القدير للمناوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1422(9/3756)
إخلاص النية لا يتم إلا بالعمل الخالص الصواب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يمكن إخلاص النية وكيف يمكن الحفاظ على ذلك الإخلاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإخلاص هو: إرادة الإنسان بعمله وجه الله تعالى.
وسبيل الوصول إليه بأن يعلم الإنسان أن الله تعالى هو المستحق وحده للعبادة، وأنه المنعم المتفضل الذي لا يليق بعبده أن يلتفت إلى غيره، وأن كل عمل أريد به غير وجه الله، فهو عمل حابط مردود.
قال الله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) [هود: 15، 16] .
وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم.
وروى ابن خزيمة في صحيحه بإسناد حسن عن محمود بن لبيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الرجال إليه، فذلك شرك السرائر".
وقال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [الملك: 2] .
قال الفضيل بن عياض في تفسير العمل الحسن: أخلصه وأصوبه، فقيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة. انتهى.
وينبغي للعبد أن يتعاهد إخلاصه، وأن يحاسب نفسه، وأن يفتش في أحوالها، فإن الإخلاص عزيز، وهو أشد شيء على النفس، كما قال التابعي الجليل ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1422(9/3757)
الحسد: معناه ومراتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحسد في الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحسد: بفتح السين مصدر حسد، ومعناه في اللغة: تمني الحاسد زوال نعمة المحسود.
وهو في الشرع أعم منه في اللغة، فقد ذكر العلماء له أربع مراتب:
الأولى: أن يحب الحاسد زوال النعمة عن المحسود، وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا في غاية الخبث.
الثانية: أن يحب زوال النعمة عن المحسود وتحولها إليه، لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في داره الحسنة، وامرأته الجميلة.
الثالثة: أن لا يشتهي الحاسد عين النعمة لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحبَّ زوالها كي لا يظهر التفاوت بينهما.
الرابعة: الغبطة، وهي: أن يشتهي لنفسه مثل النعمة التي لغيره، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه.
وهذه الأخيرة هي المرتبة المعفو عنها إن كانت في شأن دنيوي، والمندوب إليها إن كانت في شأن ديني.
والثالثة: فيها مذموم، وفيها غير مذموم، والأولى والثانية مذمومتان بإطلاق، وتسمية الأخيرة حسداً فيه تجوُّز وتوسع، ولهذا تسمى الغبطة أيضا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1421(9/3758)
بيان معنى النظرة الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ينظر إلى النساء ويقول النظرة الأولى جائزة ثم يغض البصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالبصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، ولذلك كثر السقوط من جهته، فغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما تخشى منه الفتنة، لكن النظرة الأولى خارجة عن التكليف، وإنما يؤاخذ بما زاد عليها، فقد أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة" وهو حديث حسن.
وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري.
قال الإمام النووي في كلامه على هذا الحديث معنى نظر الفجاءة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم، لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1421(9/3759)
الأحوال التي يجوز هجر المسلم فيها فوق ثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[متي يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". رواه البخاري.
وقد اعتبر السلف وجمهور الأئمة الابتداع في العقائد من الأسباب المشروعة للهجر، وأوجبوا هجران أهل الأهواء من المبتدعة، الذين يجاهرون ببدعهم أو يدعون إليها.
وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه،
أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.
ومن أسباب الهجر الشرعي فوق ثلاث هجران أصحاب المعاصي المجاهرين بها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك من غير عذر، كما في قصة كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم.
ويجوز الهجر فوق ثلاث للزوجه الناشز إلا أن هجرها لا يكون إلا في المضجع، وليس في كل الأحول، كما قال تعالى (واهجروهن في المضاجع) [النساء:34] بعد العظة والنصيحة وبالجملة فإن الهجر علاج، ولا يصار إليه إلا إذا تحقق أو غلب على الظن أن هجر المهجور أنفع - في الجملة - من وصله، فإن كان العكس لم يشرع الهجر، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً
وعدماً. على أنه يشرع للمسلم إذا هجر أخاه لسبب مشروع أن يرد السلام ولو بصوت منخفض إذا رأى أن المصلحة في الإسرار برد السلام.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1421(9/3760)
النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة وفي ما كان حكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[1-ورد النهي عن تشبيك الاصابع في الصلاه فما حكمها قبل الصلاه في المسجد وكذلك بعد الصلاة آمل التدليل على الإجابة
2-أحافظ على صلاة الجماعة في المسجد ولكن أحيانا أكون متعبا فأصلي في أول الوقت في المنزل لكي أخلد للراحه آملا إجابتي مفصلا عن ذلك مع التدليل وذكر آراء علماء مذاهب أهل السنة في هذا الموضوع فأنا طالب علم وأريد التثبت حول هذه المسألة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فالنهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة ثابت في ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة".
قال العلامة المباركفورى في شرحه على الترمذي (والحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة، وفيه أنه يكتب لقاصد الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه) انتهى.
واعلم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث أنه شبك أصابعه في المسجد، وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث وحديث النهي: بأن التشبيك وقع لسبب، ذلك كقصد التشبيه في قوله " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه " وأن النهي إنما هو عن التشبيك للعبث.
قال الشوكاني (وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه، أو يجمع بما ذكره المصنف- يعني صاحب المنتقي - من أن فعله صلى الله عليه وسلم لذلك نادر يرفع التحريم لا يرفع الكراهة، ولكن يبعد أن يفعل صلى الله عليه وسلم ما كان مكروها. والأولى أن يقال: أن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة، وفعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم، كما تقرر في الأصول) انتهى كلام الشوكاني.
والحاصل أن التشبيك منهي عنه في الصلاة، وفيما كان في حكم الصلاة، وذلك من خروج الإنسان إلى المسجد، وأثناء انتظاره للصلاة فيه وعند رجوعه، ودل على الأخير ما رواه الحاكم في التشبيك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه " قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1421(9/3761)
تأديب الزوجة التي لا تحترم والدة زوجها يكون بالوسائل المشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في امرأة تتعدى على أم زوجها بالسب والقذف يوميا ولا يستطيع السيطرة عليها، علما بأنه غير راض على ذلك وله منها ولدان؟ ماذا يفعل معها؟
أفيدونا افادكم الله وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة التي تسب أم زوجها وتسيء إليها وتهينها لا شك أنها قد ارتكبت إثماً عظيماً، وقارفت ذنباً جسيماً من أعظم المحرمات وأسوء المخالفات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" متفق عليه. ويقول: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" رواه الترمذي. لا سيما إذا انضم إلى ذلك كونها في حق أم الزوج الذي أوجب الله تعالى طاعته ولزوم أمره، ومن المعلوم أن الإساءة إلى الأم إساءة إلى ولدها وإهانة له، لذا فإن الواجب على مثل هذه المرأة أن تسارع إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى، والاعتذار عما فرط منها في حق والدة زوجها، وحق زوجها، ولتعلم أن أذية الأحماء قد سماها الله تعالى بالفاحشة المبينة في تفسير طائفة من العلماء الإجلاء لها بذلك في قوله عز من قائل (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [النساء:19] وفي حالة ما إذا لم تكفَّ هذه المرأة عما اعتادته من السب والقذف غير المبرر فعلى زوجها أن يزجرها عن ذلك ويردعها، حتى لو أدى ذلك إلى هجرها، فإن لم يُجد ضربها ضرباً غير مبرح. فإن هذا هو مقتضى القوامة التي له عليها، لصيانة مكانة الأم.
وعدم رضى هذا الرجل بسب زوجته لأمه لا يكفي وحده، بل لا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانة مكانة الأم، إما بردع -كما قدمنا- أو بإفراد كل واحدة منهما بمكان وحدها، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/3762)
الإحسان إلى الإنسان مستحب ولو كان سكرانا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منكم الإجابة على هذا السؤال:
نحن شباب نجتمع في مقر لنا يوميا خلال شهر رمضان وذات يوم بالليل أقبل علينا سكران يريد ماء وأظنه كان غير مسلم. فالشباب الذين كانوا معنا لم يعطوه شيئا وقالوا إنه سكران ولايستحق أن تعطوه.فهل هم فعلوا الصواب أم جانبوه.
وهل ورد في ذلك نصوص شرعية؟
أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي كان ينبغي أن تفعلوه هو أن تعطوا لهذا الرجل الماء الذي طلب منكم، ولكم في ذلك أجر إن قصدتم به وجه الله تعالى، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم:" بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فتزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثري من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبدٍ رطبة أجر" متفق عليه.
ثم عليكم بعد ذلك أن تأخذوه وتدعوه إلى الإسلام - إن كان غير مسلم - وتبينوا له محاسنه وسماحته ويسره، وأنه الدين الحق عند الله تعالى الذي ينجي صاحبه يوم القيامة من عذاب الله، إلى غير ذلك من أساليب الدعوة والترغيب بالحكمة والموعظة الحسنة.
وإن كان مسلماً فالواجب أن تدعوه إلى الالتزام بشرع الله تعالى، وأن توضحوا له أنه لا يليق بالمسلم الذي يؤمن بالله ويرجو لقاءه أن، يرتكب مثل هذا الأمر المحرم الشنيع. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1421(9/3763)
نشر المعاصي المستترة يفسد العلاقات والقلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
لقد كان لي علاقات محرمة مع فتيات قبل أن أتزوج، وقد تبت وتركت كل تلك الافعال ولله الحمد. لكن إحداهن وفى احدى المناسبات أخبرت زوجتى أنها كانت تراسلني، فجن جنون زوجتي فسألتني كي تتحقق من الخبر فأنكرت كل شئ وطلبت منى أن أحلف لها فحلفت لأنه إن لم أحلف سنضطر إلى الفراق إلى الأبد. وماذا أفعل مع تلك المرأة التي تحاول زرع المشاكل بيني وبين زوجتي، مع العلم أنها متزوجة من أحد ابناء عمي ولها منه أربعة أولاد. فما الحكم فى الحلف لزوجتى لتخمد نار المشاكل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ينبغي عليك أن تفعله في هذا المقام أن تحسن العلاقة بينك وبين زوجتك، وتجعلها خيراً مما كانت، وأن تشعرها بمكانتها عندك، ومنزلتها في قلبك، وتظهر لها من جميل الأخلاق، وحميد الصفات فوق ما كانت تعهد منك، مما ينسيها هذا الموقف من تلك المرأة.
وعليك أن تتجاهل هذه الفتاة تجاهلاً تاماً من غير أن تخبر زوجها، أو أحداً آخر بما كان بينكما، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر".
وقال ابن عباس: (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر) . رواهما أبو داود.
ولأن معرفتهم بما كان بينكما، وما تقوم به الآن، أو ما فعلته الآن، قد تؤدي إلى قطيعة الرحم بينك وبين أبناء عمومتك، أو إلى فراقها من زوجها.
واجتهد في تذكيرها بالستر على ما ارتكبه العبد من معاص، والتحذير من الوقيعة بين المسلمين، لاسيما بين الزوجة وزوجها، ويكون ذلك بطريق غير مباشر عن طريق إهداء زوجها شريطاً، أو رسالة دعوية تحمل المعاني السابقة.
وأما كذبك على زوجتك وإنكارك لما قالته الفتاة فلا شيء فيه، وهو من الكذب المرخص فيه. قال النووي رحمه الله: (الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصد محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إذا كان تحصيل المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجبا كان الكذب واجباً) . أ. هـ.
والمقصود هو دوام حسن العشرة بينك وبين زوجتك، وهذا أمر قصد إليه الشرع، وحث عليه. وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً".
وفي رواية لمسلم: "لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ذلك، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
وأما حلفك على ذلك لها، فكان الواجب عليك ألا تحلف، وتدفع ذلك عنك، وتقنعها بما استطعت من حجج غير الحلف، ولو اضطررت إلى ذلك اضطراراً كان لك في التعريض مندوحة عن الحلف الكاذب، وهو اليمين الغموس، وحيث وقع الحلف منك، فعليك التوبة والاستغفار، وقال الشافعي بوجوب الكفارة في اليمين الغموس، لدخوله في عموم الأيمان. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1421(9/3764)
خلف العهد مع الله على ترك المحرم معصية فوق معصية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي وفقكم الله هو: ماحكم من أخلف عهدا مع الله، كأن أعاهد الله أن لا أدخن، وأخلف عهدي وأدخن ماذا علي جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان العهد بمعنى التلفظ باليمين، فإنك بمخالفتك له تحنث، ويلزمك كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام.
وإن كان العهد مجرداً من اليمين، فإن الإخلال به مع الخَلْق من مساوئ الأخلاق التي حذر منها الشارع الكريم، فكيف إذا كان مع الله، وعلى ترك معصيته، فإن الوفاء به يكون آكد والإخلال به أشنع، وقد امتدح الله المؤمنين بصدقهم في عهدهم معه سبحانه فقال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) [الأحزاب: 23] .
وبين سبحانه أن من صفات المنافقين التفلت من عهد الله فقال: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولاً) [الأحزاب: 15] . أي: هم مسؤولون عن توليهم وإدبارهم.
ولكن لا يلزم كفارة إن لم تتلفظ بيمين، وإنما يكفيك التوبة والاستغفار، والإكثار من الطاعات، وينبغي لك العزم الجازم على ترك التدخين لما فيه من ضرر على دينك ودنياك. وانظر في ذلك الفتوى رقم 1819، 6449 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1421(9/3765)
الإعجاب: ماهيته وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإعجاب حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإعجاب قريب من الكبر، إلا أن الإعجاب يكون في العمل، والكبر يكون في النفس، والإعجاب هو أن يرى الإنسان عمله فيعجب به ويستعظمه ويستكثره. والكبر فسره النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "بأنه: بطر الحق وغمط الناس"، فهو رد الحق وعدم قبوله، واحتقار الناس والترفع عليهم، واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس وله الفضل عليهم، وكلاهما ـ أي الإعجاب والكبر ـ خلق مذموم ومحرم شرعاً. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". والأحاديث الواردة في ذم الإعجاب والكبر كثيرة جداً. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1421(9/3766)
الغيبة والنميمة وما يتعلق بهما من أحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إعطائي تعريفاً واضحاً لكلمة (الغيبة) ، وكذلك (النميمة) ، وكذلك (الهمز) ، و (اللمز) كما جاء في قول الله تعالى (ويل لكل همزة لمزة) صدق الله العظيم.
أفادكم الله وجعلكم عونا لكل مسلم في أي من بقاع الأرض. وسؤالي هذا موجه لكم من أمريكا ولعله يفيدني ويفيد الكثير من زملائي، حيث أنني أشعر أن تلك الكلمات تعبر عن مرض عصرنا ومرض كل إنسان، لعلنا نقدر على علاج أنفسنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغيبة: عرفها العلماء بأنها اسم من اغتاب اغتياباً، إذا ذكر أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: "قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته" رواه مسلم.
والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعدَّها كثير من العلماء من الكبائر، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً فقال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) [الحجرات: 12] .
ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب، ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: "من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.
وأسبابها الباعثة عليها كثيرة منها: الحسد، واحتقار المغتاب، والسخرية منه، ومجاراة رفقاء السوء، وأن يذكره بنقص ليظهر كمال نفسه ورفعتها، وربما ساقها مظهراً الشفقة والرحمة، وربما حمله عليها إظهار الغضب لله فيما يَدَّعي.. إلى غير ذلك من الأسباب.
وأما علاجها فله طريقان: طريق مجمل، وطريق مفصل كما ذكر الغزالي فالأول:
أن يتذكر قبح هذه المعصية، وما مثل الله به لأهلها، بأن مثلهم مثل آكلي لحوم البشر، وأنه يُعرِّض حسناته إلى أن تسلب منه بالوقوع في أعراض الآخرين، فإنه تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه بدلاً عما استباحه من عرضه، فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفاً من ذلك.
أما طريق علاجها على التفصيل: فينظر إلى حال نفسه، ويتأمل السبب الباعث له على الغيبة فيقطعه، فإن علاج كل علةٍ بقطع سببها.
فإن وقع العبد في هذا الذنب فليرجع إلى الله سبحانه وليتب إليه، وليبدأ فليتحلل ممن اغتابه، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" متفق عليه من حديث أبي هريرة، فإن خشي إن تحلله أن تثور ثائرته ولم يتحصل مقصود الشارع من التحلل، وهو الصلح والألفة، فليدع له، وليذكره بما فيه من الخير في مجالسه التي اغتابه فيها، ومما ينبغي التنبه له أن الشارع أباح الغيبة لأسباب محددة من باب الدخول في أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما وهي:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم، وغيره. والله أعلم.
أما الهمز واللمز: فهما من أقسام الغيبة المحرمة، فالهَّماز بالقول، واللمَّاز بالفعل، قال الإمام الغزالي: الذكر باللسان إنما حُرِّم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام. ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها: "دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي: أنها قصيرة، فقال عليه السلام: اغتبتها" أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة.
أما النميمة: فهي السعي للإيقاع في الفتنة والوحشة، كمن ينقل كلاماً بين صديقين، أو زوجين للإفساد بينهما، سواء كان ما نقله حقاً وصدقاً، أم باطلاً وكذباً، وسواء قصد الإفساد أم لا، فالعبرة بما يؤول إليه الأمر، فإن أدى نقل كلامه إلى فساد ذات البين فهي النميمة، وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقد قال تعالى: (هماز مشاءٍ بنميم) [القلم: 11] .
أما السنة فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول" متفق عليه، وروى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة".
وأما الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل ـ انتهى.
وليحذر المسلم هذا الداء العضال، وليجعل بينه وبينه جُنَّة تقيه لفح جهنم وحرها يوم القيامة، وليسع في الإصلاح ما استطاع. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1421(9/3767)
النصح والإرشاد لمن خالف، وإلا فالتبليغ لجهة الاختصاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في عدم إبلاغ المشرفة على الطالبات بأن الطالبات يحضرن الأشياء المخالفة لنظم وقوانين المدرسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب أولاً نحو الطالبات اللاتي يخالفن الأنظمة والقوانين المدرسية الشرعية تقديم النصح لهن، وأمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المخالفة، ويكون أمرهن بالحكمة والموعظة الحسنة فإذا استجبن فذلك المطلوب، وإذا لم يستجبن وتمادين في المخالفة، وكانت تلك المخالفة محرمة في ذاتها، أو كانت تسبب ضرراً عليهن أو على الآخرين، فهنا يبلغ عنهن من أجل أن يردعن عن تلك المعصية، وأن يدفع الضرر الحاصل على غيرهن من ارتكاب تلك المخالفة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1421(9/3768)
اللعن من الذنوب الكبيرة، وخاصة للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يلعن زوجته باستمرار على أتفه الأسباب، رغم أن جميع حقوقه الزوجية مجابة بماذا تنصحونه؟
جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للزوج أن يلعن زوجته، سواء كانت مقصرة في حقوقه، أو قائمة بواجباتها حافظة لحقوقه.
ولعن الزوج زوجته أمر منكر، وهو من كبائر الذنوب، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولعن المؤمن كقتله" متفق عليه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" متفق عليه.
والمؤمن لا يكون لعاناً ولا طعاناً، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن غريب. ومن عرف عنه هذا، وكانت هذه أخلاقه، فإنه يُحرم يوم القيامة من أن يكون شفيعاً، أو شهيداً لأحد، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة".
فالواجب على الزوج التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، وأن يستحل زوجته من سبه لها، ومن تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، وعليه أن يعاشر زوجته بالمعروف قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19] .
وليعلم أنه قدوة لزوجته أولاً، ولأولاده ثانياً، حيث إنهم يأخذون منه، وبه يقتدون في أعمالهم، وعليه أن يستشعر حجم المسؤلية الملقاة عليه. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1421(9/3769)
التورية على مريض الزهايمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حرام الكذب علي مريض الزهايمر عندما يسأل إذا كان قد صلي أم لا، بالقول له لقد صليت بينما هو لم يصل، لأنه في حالة القول بأنك لم تصل فإنه يسأل أسئلة كثيرة عن اتجاه القبلة وعدد الركعات.....الخ ثم ينسى ويعاود السؤال مرة أخرى بدرجة تثير من أمامه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في استعمال التورية مع هذا المريض، كأن يقال له: صليت، ومراد القائل أنك صليت فيما مضى ونحو ذلك.
وفي هذا خروج عن الكذب، ودفع للمشقة الناتجة عن كثرة أسئلته، وإراحة له أيضا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1421(9/3770)
من عجز عن رد الأموال المسروقة وأراد التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهوحكم من يسرق أموال الناس ثم يعجز عن إرجاعها لفقره ... هل له توبة مقبولة عند الله وهل من سبيل إلى خلاصه يوم القيامه من العذاب؟ وشكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أهلها -أو ورثتهم إن كانوا هم قد ماتوا - إذا كان ذلك مما يتعلق بحقوق الآدميين، فإن لم يرجعها إليهم لفقره فعليه أن يستحل منهم، فإن أحلّوه منها فهو كمن أرجعها، وإن لم يحلوه فهو في حكم الغارم، يأخذ من الزكاة مايقضي به ديونه، مع مايجب عليه من الاستغفار والدعاء لهم في مقابل ما أخذه من حقوقهم، أما إذا كان قادرا على أدائها ولكنه لا يعرفهم ولا ورثتهم، أولا يعرف أماكن وجودهم فإن عليه أن يتصدق بها عنهم، مع صدق التوبة والإكثار من فعل الحسنات. وعلى كل فمتى ما قدر ما على إرجاعها بأي وسيلة مشروعة وجب عليه ذلك، وإن لم يقدر وكان أحسن التوبة فيما بينه وبين الله فنرجو الله جل وعلا أن يقبل توبته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1421(9/3771)
كرم الأخلاق يقتضي العفو عن زلات الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
شخص أخطأ في عرض أخيه، ولكنه ندم وطلب من أخيه الصفح والمسامحة ولكن أخاه رفض أن يسامحه مع أن الشخص صادق وتاب عن ذنبه.
السؤال: هل يقبل الله سبحانه وتعالى توبة هذا الشخص المذنب مع أن صاحب الحق لم يعف عنه. والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب على من ارتكب خطأ نحو أخيه، بالنيل من عرضه بغيبة، أوسب، أو لعن، أو نحو ذلك أن يستسمحه، ويطلب منه الصفح والعفو عما بدر منه، وعلى الأخ الذي نيل من عرضه أن يقبل عذر أخيه، فإن العذر عند كرام الناس مقبول، كما قيل. والله تبارك وتعالى أعد جنته للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وهو ـ سبحانه ـ يعطي بمنه وكرمه هذا العافي أعظم من حقه الذي تنازل عنه، كيف لا وهو الذي دعاه إلى العفو! . ولكن الشيطان هاهنا حريص على إبقاء أسباب العداوة وغل الصدور الموجب للقطيعة بين المسلم وأخيه. وإذا لم يقبل العذر فليس أمام من يقع في أعراض الناس إلا الإكثار من أعمال البر، وتنويع الأعمال التي تزداد بها الحسنات، فقد ورد في الحديث الصحيح أن "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه الإمام أحمد وغيره.
فمن فعل ما يجب عليه نحو أخيه كما سبق، واستكمل باقي شروط التوبة، فالله تبارك وتعالى يقبل توبته، لأن من تاب تاب الله عليه، ولا منافاة بين قبول التوبة من الله ـ الذي يمن بتجاوزه عن حقه تعالى ـ وبين تمسك صاحب الحق بحقه الذي يعني أنه قد يستوفيه من حسنات من نال منه يوم القيامة.
وقد يكون من تمام توبة الله عليه، وكرمه وحبه للتوابين أن يتولى هو إرضاء الخصم عنه بدون أن يأخذ شيئاً من حسناته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1421(9/3772)
التدخل بين البائع والمشتري بنصيحة أحدهما حول البضاعة أو الثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أسال عن حديث: (دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض) هل هو صحيح؟
وإذا تدخل شخص بين بائع ومشتري فنصح البائع وقال له إن سلعتك هذه تباع بسعر أغلى من سعرك هذا أو قال للمشتري وجدتها بأقل من هذا السعر فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه بدون لفظ "في غفلاتهم" فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
وروى أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه" والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3385. والمراد بذلك أن يقدم الغريب ـ بدويا أو غيره ـ بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول له البلدي: اتركه عندي لأبيعه لك على التدريج بسعر أعلى، فهذا الأمر حرام بشرط أن يكون عالما بالنهي، فلو لم يكن عالماً بالنهي، أو كان المتاع مما لا يحتاج إليه في البلد، ولا يؤثر فيه قلة ذلك المجلوب لم يحرم.
وأما تدخل شخص بين البائع والمشتري، فيقول للبائع هذه توجد بسعر أعلى، أو يقول للمشتري توجد بسعر أقل. فلا يجوز لعموم الحديثين السابقين؛ إذ السعر قد يتفاوت من بائع لآخر، ومن سلعة لأخرى، وحتى في السلعة الواحدة بحسب جودتها، إلا إذا وجد الشخص ضرراً بالغاً على أحدهما وغشا ظاهراً، أو استنصحه أحدهما فله التدخل بينهما بالنصح والمشورة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3773)
متى تباح الغيبة، وهل التحدث بقصة إنسان من غير تعيين يعد من الغيبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذكرت قصة شخص فعل شيئا خطأ - دون ذكر اسمه - بقصد الاعتبار وعدم الوقوع في ذلك الخطأ، مع العلم بأن الحاضرين لا يعرفون ذلك الشخص الذي أقصده. هل تعتبر غيبة، أم هي جائزة لما فيها من نفع؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ذكر القصة للعبرة والعظة دون ذكر أصحابها أو معرفة السامعين بهم جائز، وليس من الغيبة في شيء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا…." متفق عليه، وغيره من الأحاديث التي فيها ذكر أفعال دون ذكر أصحابها تحذيراً من فعلها. وعليه فالغيبة لا تكون إلا مع التعيين، أو الإبهام مع معرفة السامعين بالمتكلم عنه، لأن معرفتهم حينئذ تنزل منزلة التعيين، لحصول التنقيص في حق المتكلم عنه، والمرء حسيب نفسه، وإنما الأعمال بالنيات، وليحذر المسلم أن يخرج غيبته في قالب من الصلاح، كأن يقول: مسكين فلان - ويسميه - فعل كذا وكذا، فيظن السامع أنه مشفق على من يغتابه، وهو متشف يكاد يَشرِق بغيظه. والله المستعان.
واعلم أخي السائل أن الغيبة لاتباح إلا لغرض شرعي، وقد ذكر أهل العلم ستة أسباب تبيح الغيبة، وهي:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كالخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم، وغيره. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1421(9/3774)
كيفية التخلص من صفات المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما علاج الوقوع في صفات المنافقين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاج الشافي لمن ابتلي بالوقوع في صفات المنافقين أجارانا الله والمسلمين منها، هو تجنبها والابتعاد عنها، والتوبة الصادقة إلى الله عز وجل منها، والاتصاف بصفات المؤمنين الصادقين. جاء في الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر" فقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يدعها" بيان منه لعلاج من ابتلي بذلك المرض الخطير، فإن من تجمعت فيه تلك الصفات القبيحة ـ الكذب وما بعده ـ لم تٌبق من إيمانه شيئاً وصار منافقاً خالصاً، إذ هي بمنزلة الأمراض الخطيرة التي متى تجمعت في جسم أفسدته وقضت عليه، ومن كانت فيه خصلة واحدة منها كانت فيه صفة من صفات المنافقين وصار فيه إيمان ونفاق، فإن استمرت فيه تلك الخصلة ولم يعالجها بعلاجها فلربما قضت على ما معه من الإيمان، وإن تاب منها إلى الله عز وجل واتصف بضدها من صفات المؤمنين برئ من النفاق، وتكامل إيمانه ـ والحمد لله ـ
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3775)
الخلف بالوعد والتوبة منه.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الواجب فعله بعد خلف الوعد (هل هناك كفارة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوفاء بالعهد والميثاق والوعد كل هذه من الأخلاق المهمة في ديننا الحنيف قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1] ، وقال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) [الإسراء: 34] .
كما حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من إخلاف الوعد، وبين أنه خصلة من خصال النفاق، فقال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر" متفق عليه.
وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يخلف وعده إلا إذا كان الإخلاف لعذر شرعي، والواجب على من ابتلي بخلف الوعد من غير عذر شرعي التوبة إلى الله، والإكثار من الاستغفار والندم، فإن الله يتوب على من تاب، كما يجب الحرص على الوفاء بالوعد لأنه من صفات الصادقين المخلصين.
... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3776)
حكم الحب في الإسلام.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم عفوا على هذا السؤال ولكن اعذروني.
هل الحب حرام؟ مع جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب ـ وهو الميل إلى الشيءـ أنواع شتى، منه ما هو مشروع ومنه ما هو مذموم، ومنه الجبلي الفطري، والاختياري المكتسب.
- فمحبة الله ورسوله فرض على كل مسلم ومسلمة، بل إن تلك المحبة شرط من شروط الإيمان. قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة: 165] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" متفق عليه. وهذه المحبة تستلزم طاعة المحبوب، إذ من أحب أحداً سارع في رضاه، ومن زعم أنه يحب الله ورسوله ثم خالف أمرهما أو اتبع سبيلاً لم يشرعاه فقد أقام البرهان على بطلان دعواه.
- وحب المؤمنين والعلماء والصالحين: وذلك من أفضل القرب وأجل العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه. وللطبراني عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله عز وجل" وكما يحب العبد المؤمنين الصالحين، واجب عليه كذلك أن يبغض الكافرين وأهل الفجور والمعاصي، كل بحسبه.
ومن أنواع الحب:
- محبة الزوجة والأولاد: فحب الزوجة أمر جبلي مكتسب، إذ يميل المرء إلى زوجته بالفطرة ويسكن إليها، ويزيد في حبه لها إن كانت جميلة، أو ذات خلق ودين، أو لديها من الصفات ما يجعل قلب زوجها يميل إليها. وكذا محبة الولد أمر فطري. ولا يؤاخذ المرء إذا أحب أحد أولاده أكثر من الآخر، ولا إحدى زوجتيه ـ إن كان له زوجتان أكثر من الزوجة الأخرى. لأن المحبة من الأمور القلبية التي ليس للإنسان فيها خيار، ولا قدرة له على التحكم فيها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه الترمذي. وإنما يحرم أن يفضل المحبوب على غيره بالعطايا أو بغيرها مما يملك من غير مسوغ. قال تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" [النساء: 128] . وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" رواه النسائي والحاكم. وعنه أيضاً قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" متفق عليه. والمراد بالميل: الميل في القسم والإنفاق، لا في المحبة.
- محبة الوالدين وسائر القرابات: فكل إنسان مفطور على حب أبويه. إذ هما من أحسن إليه صغيراً وسهر عليه وتعب من أجله. وهذه الأنواع من الحب مندوب إليها مأمور بها، أمر إيجاب أو استحباب، على تفصيل في الشرع، ليس هذا مكان تفصيله.
- الحب بين الفتيان والفتيات: وهذا قسمان: الأول: رجل قُذف في قبله حب امرأة فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها وإلا فإنه يصرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه فيضيع حدود الله وواجباته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتاحبين مثل النكاح" رواه ابن ماجه.
الثاني: من تمكن الحب من قلبه مع عدم قدرته على إعفاف نفسه حتى انقلب هذا إلى عشق، وغالب ذلك عشق صور ومحاسن. وهذا اللون من الحب محرم، وعواقبه وخيمة.
والعشق مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء علاجه وأعيى العليل دواؤه، وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، وأقبح ذلك حب المردان من الذكور، فإنه شذوذ وقبح.
وإذا امتلأ القلب بمحبة الله والشوق إليه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور.
وأكثر من يقيم علاقات من حب أو نحوه قبل الشروع في الزواج إذا ظفر بمحبوبه وتزوجه يصيبه الفتور وتحدث نفرة في العلاقة بينهما، لأن كلا منهما يطلع على عيوب من صاحبه لم يكن يعلمها من قبل. وإذا كان عاشقاً صده ذلك عن كثير من الواجبات. ولقد بين الشارع الحكيم علاج الحب بصورة عملية، وحدد مصارف الشهوة التي تذكي جذوته، بدءاً بغض البصر، والبعد عن المثيرات، ودوام المراقبة، وكسر الشهوة بالصيام وعند القدرة على النكاح بالزواج، وحدد المعيار في الاختيار، وأن الرجل عليه أن يظفر بذات الدين، وهذا هو المقياس الذي به يختار به المرء شريكة حياته. قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3777)
حكم الحب في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم عفوا على هذا السؤال ولكن اعذروني.
هل الحب حرام؟ مع جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحب ـ وهو الميل إلى الشيءـ أنواع شتى، منه ما هو مشروع ومنه ما هو مذموم، ومنه الجبلي الفطري، والاختياري المكتسب.
- فمحبة الله ورسوله فرض على كل مسلم ومسلمة، بل إن تلك المحبة شرط من شروط الإيمان. قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة: 165] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" متفق عليه. وهذه المحبة تستلزم طاعة المحبوب، إذ من أحب أحداً سارع في رضاه، ومن زعم أنه يحب الله ورسوله ثم خالف أمرهما أو اتبع سبيلاً لم يشرعاه فقد أقام البرهان على بطلان دعواه.
- وحب المؤمنين والعلماء والصالحين: وذلك من أفضل القرب وأجل العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه. وللطبراني عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله عز وجل" وكما يحب العبد المؤمنين الصالحين، واجب عليه كذلك أن يبغض الكافرين وأهل الفجور والمعاصي، كل بحسبه.
ومن أنواع الحب:
- محبة الزوجة والأولاد: فحب الزوجة أمر جبلي مكتسب، إذ يميل المرء إلى زوجته بالفطرة ويسكن إليها، ويزيد في حبه لها إن كانت جميلة، أو ذات خلق ودين، أو لديها من الصفات ما يجعل قلب زوجها يميل إليها. وكذا محبة الولد أمر فطري. ولا يؤاخذ المرء إذا أحب أحد أولاده أكثر من الآخر، ولا إحدى زوجتيه ـ إن كان له زوجتان أكثر من الزوجة الأخرى. لأن المحبة من الأمور القلبية التي ليس للإنسان فيها خيار، ولا قدرة له على التحكم فيها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه الترمذي. وإنما يحرم أن يفضل المحبوب على غيره بالعطايا أو بغيرها مما يملك من غير مسوغ. قال تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" [النساء: 128] . وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" رواه النسائي والحاكم. وعنه أيضاً قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" متفق عليه. والمراد بالميل: الميل في القسم والإنفاق، لا في المحبة.
- محبة الوالدين وسائر القرابات: فكل إنسان مفطور على حب أبويه. إذ هما من أحسن إليه صغيراً وسهر عليه وتعب من أجله. وهذه الأنواع من الحب مندوب إليها مأمور بها، أمر إيجاب أو استحباب، على تفصيل في الشرع، ليس هذا مكان تفصيله.
- الحب بين الفتيان والفتيات: وهذا قسمان: الأول: رجل قُذف في قلبه حب امرأة فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها وإلا فإنه يصرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه فيضيع حدود الله وواجباته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتاحبين مثل النكاح" رواه ابن ماجه.
الثاني: من تمكن الحب من قلبه مع عدم قدرته على إعفاف نفسه حتى انقلب هذا إلى عشق، وغالب ذلك عشق صور ومحاسن. وهذا اللون من الحب محرم، وعواقبه وخيمة.
والعشق مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء علاجه وأعيى العليل دواؤه، وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، وأقبح ذلك حب المردان من الذكور، فإنه شذوذ وقبح.
وإذا امتلأ القلب بمحبة الله والشوق إليه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور.
وأكثر من يقيم علاقات من حب أو نحوه قبل الشروع في الزواج إذا ظفر بمحبوبه وتزوجه يصيبه الفتور وتحدث نفرة في العلاقة بينهما، لأن كلا منهما يطلع على عيوب من صاحبه لم يكن يعلمها من قبل. وإذا كان عاشقاً صده ذلك عن كثير من الواجبات. ولقد بين الشارع الحكيم علاج الحب بصورة عملية، وحدد مصارف الشهوة التي تذكي جذوته، بدءاً بغض البصر، والبعد عن المثيرات، ودوام المراقبة، وكسر الشهوة بالصيام وعند القدرة على النكاح بالزواج، وحدد المعيار في الاختيار، وأن الرجل عليه أن يظفر بذات الدين، وهذا هو المقياس الذي به يختار به المرء شريكة حياته. قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1422(9/3778)
غض البصر واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أدرس بثانوية يوجد بها بعض المدرسات اللواتي لا يرتدين الحجاب. فهل يجوز النظر إليهم عند اللقاء في الدرس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يجب عليك أن تغض بصرك عن أولئك المدرسات التي لا يرتدين الحجاب الشرعي. قال الله تعالى: (وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما يصنعون) [النور: 30] . وعليك أن تبحث عن مدرسة تسلم من هذا المنكر لتنتقل إليها.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3779)
علاج الحسد.
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم انا شاب مؤمن وملتزم بجميع الفروض ولكنني أعاني من مشكلة ألا وهي الحسد فمع أنني أحب الخير للناس جميعا لكنني أتألم عندما أعلم أن شخصا ما أفضل مني في المال والشكل والمنصب إني والله أعلم أتألم من هذه المشكلة وأريد أن أجد لها حلا أرشدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الغرائز التي جبل عليها معظم الناس الرغبة في التفوق على الآخرين في المال والجمال والمنصب.
وينقسم الناس في التعامل مع هذه الرغبة إلى قسمين: قسم يرضى بما قسمه الله تعالى، ويسعى لتحقيق تلك الرغبة بالطرق المشروعة، ولا يحسد الآخرين على ما قسمه الله تعالى لهم، أي لا يتمنى زوال ما عندهم، وهذه غبطة وليست الحسد المذموم وهذا حال المؤمن فإنه يغبط ولا يحسد.
وقسم ثان لا يرضى بقسمة الله تعالى، ولا يعرف طريقاً لتحقيق تلك الرغبة إلا بحسد الآخرين على ما أعطاهم الله، والتسخط على قسمته لهم، فيحترق قلبه كمداً وتتراكم عليه الآثام والأوزار ولن يجلب لنفسه إلا ما كتب الله له في سابق االأزل. وهذا حال إبليس وأوليائه. وبهذا تعلم أن حب المرء لعلو المنزلة ووفرة الحظ في حدود ما أحل الله ليس مذموماً في حد ذاته، لأنه من أصل تكوين الإنسان الخلقي، وإنما المذموم شرعاً وعقلاً عدم الرضا بقسمة الله تعالى، والاعتراض عليها، ومحاولة تحقيق تلك الرغبة بالطرق التي حرمها الله تعالى. ومما يعين المرء على الاتصاف بحال المؤمنين الراضين استشعار الأمور التالية:
1- أن كل شيء هو بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه لا معقب لحكمه ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، فإن رزق الله لا يقدمه حرص حريص ولا تزيده كراهية كاره.
2- أن ينظر المرء إلى من هو دونه منزلة في أمور الدنيا، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" كما في السنن والمسند.
3- أن يعلم المرء أن التفوق الذي تستحق المنافسة عليه والغبطة فيه هو ما كان في طاعة الله تعالى والتقرب إليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حسد إلا في اثنتين رجل أعطاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" والحديث في الصحيحين وغيرهما.
4- أن الحسد نار تأكل قلب الحاسد ولا تضر المحسود، فإنه دليل على ضعف النفس وقلة الحيلة، كما أنه مضيعة لوقت الحاسد، مضر بصحته، مفسد لتفكيره، وهو مما يحط من منزلة المرء بين الناس، وكما قيل: الحسود لا يسود.
5- ومما يعين على علاج آثار الحسد السيئة: الاشتغال بخاصة نفسك وتدبير شئون حياتك، ومحاولة البذل والإحسان إلى الناس، فإن الإحسان والحسد لا يجتمعان. وتذكر أن الغنى غنى النفس، وليس كثرة العرض من مال ونحوه.
... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3780)
الكذب لتصغير السن لا يجوز.
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي لاعب كرة قدم يريد استخراج جواز سفر بعمر أصغر من عمره الحقيقي حتى يستطيع الالتحاق بالنادي وليس في ذلك ضرر لأي شخص هل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب حرام كما هو معروف، وقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" متفق عليه.
ونحن نرى أن الحالة المسؤول عنها لا يجوز الكذب من أجل تحصيلها. بل لعل فوات هذه الفرصة خير له في عاقبة أمره. فإن هذا المجال ليس مما تتطلع إليه النفوس الزكية التقية. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3781)
تخيل صور النساء من الأخلاق المذمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل محرم أن يقوم الرجل بالتخيل بمشاهد جنسية لأي امرأة ويترتب على ذلك أنه يشعر بالشهوة بهدف المتعة؟ وهل يعتبر ذلك زنا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخواطر العابرة التي تمر بالإنسان من حديث نفس أو تخيلات، لا يترتب عليها إثم ولا تعتبر زنى ما دامت كذلك، أما الاسترسال فيها وتمتيع الخاطر بها فلا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه به، لما فيه من تعريض النفس للمثيرات والوساوس الشيطانية.
ولأنه مدعاة إلى ارتكاب المحرمات والاستجابة للغرائز البهيمية، وبالتالي فهو وسيلة إلى الحرام، يدل على ذلك ما رواه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها". والأولى للمسلم أن يشغل ذلك الفراغ بما يعود عليه بما ينفعه في دنياه وأخراه. ولا يترك الشيطان يلعب به، فهو مسؤول عن وقته فيمَ أفناه؟
وليعلم الأخ السائل أن الاسترسال في هذه التخيلات قد يتحول إلى نوع إدمان، فيصبح المرء أسيراً لها، وقد يؤثر هذا على علاقته بزوجته التي قد لا يرى فيها ما يتخيله في تلك النساء المتوهمات. فلا هو ظفر بما تخيل، ولا سلم في تفكيره فرضي بما قسم الله له. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3782)
الربح وسماحة البائع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي نسبة الربح الحلال من رأس المال؟ ولكم جزيل الشكر،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد في الشرع تحديد للربح لا تجوز مجاوزته على الراجح من أقوال أهل العلم.
ولكن لا ينبغي للتاجر المسلم أن يكون جشعاً أنانياً، لا يهمه في تجارته إلا الجانب المادي فقط، وإنما يجب أن يكون الجانب الخلقي في صدارة اهتماماته وأهدافه، فيراعي العامة في بيعه لهم وشرائه منهم وفي كل معاملاته، وليجعل دائماً نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" والحديث في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3783)
الصغير إذا سرق لا إثم عليه، ويرد ما سرق.
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سرق شخص من محل وهو في الثامنة من عمره، وهو الآن في السابعة عشر , فهل عليه ذنب يجب أن يكفر عنه؟ وماذا يجب أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصبي إذا سرق فلا حد عليه ولا إثم لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة ومنهم الصبي حتى يبلغ" رواه أبو داود.
ويجب عليه إذا بلغ أن يرد المال الذي أخذ أو أتلف إلى أهله، لأن ضمان المتلفات لا يشترط فيه التكليف فعلى هذا الشاب أن يرد ما أخذ من هذا المحل لأهله أو يستحلهم منه بأن يطلب منهم أن يسامحوه فيه، وليس عليه أكثر من ذلك. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3784)
الصفح والعفو والصبر على الأذى من عزم الأمور.
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتدت امرأة على زوجتي بكلام قبيح جداً ووصفتها بأنها بنت يهود دون سبب مقبول سوى أننا عرفنا ذلك بأنها قالتها غيرةً من زوجتي ويطالبنا الناس بالمصالحة ونحن لا مانع لدينا من ذلك على أن تعتذر لزوجتي ولكنها ترفض ذلك، أليس من حق زوجتي أن تطلب الاعتذار قبل المصالحة أم أننا نتحمل الإثم في المقاطعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما أقدمت عليه هذه المرأة من سب زوجتك وقولها عنها أنها بنت يهود أمر منكر، ومحرم ظاهر، إذ لا يجوز للمسلم سب أخيه ولا الاعتداء عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" متفق عليه.
وقوله " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء " رواه الترمذي وأحمد.
ومن وقع عليه السب والأذى كان بين ثلاثة خيارات:
الأول: أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين، كما قال تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.) [آل عمران:133،134]
وقال تعالى: (فمن عفى وأصلح فأجره على الله) [الشورى:40] وقال: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) [النور:] [النور:22] .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " وما جاء في معناها من النصوص كثير.
والخيار الثاني: الإمساك عن العفو والصفح ليلقي المذنب ربه بما اقترف من الإثم.
لكن - كما قال بعض السلف - ما يفيدك أن يعذب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت.
أما الخيار الثالث: فهو المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز. لقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله) [الشورى: 40] وقوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً إن تبدوا خيراً أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً) [النساء: 140،149] وقوله تعالى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) [الشورى:41-43]
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب. ومما يؤكد ذلك أن الآيات التي أفادت إباحة المقابلة بالمثل قرنت بالدعوة والترغيب في العفو، والعفو معناه تحمل الإساءة والصبر على آثارها في النفس أو العرض أو غيرهما، رجاء ثواب الله وحسن العاقبة لديه. وعليه فمن اختار مقام العفو والصفح لم يطلب الاعتذار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3785)
كيفية التوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يتوب عليّ الله من الجنس رغم أني أدعوه بذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الله تعالى بالتوبة وحث عليها، قال عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً) [التحريم: 8) .
والتوبة النصوح هي التي لا عودة بعدها إلى الذنب. قال قتادة: النصوح الصادقة الناصحة الخالصة. وقال صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" رواه مسلم وقال أيضا: "ويتوب الله على من تاب".
فمن تاب توبة صادقة، خالصة مستوفية لشروطها، في زمن الإمكان، تاب الله تعالى عليه مما كان منه، ولو عظم. وهذا خبر الله ووعده. والله لا يخلف الميعاد.
وكثير من الناس يتوبون توبة غير صادقة، أو يصدقون في التوبة ولكنهم لا يأخذون بالأسباب التي من مقتضياتها ألا يعود التائب إلى ما كان عليه من معاص مرة أخرى.
وشروط التوبة الصادقة إذا كان الذنب بين العبد وبين الله، ولا تتعلق بحق آدمي: أن يقلع العبد عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم ألا يعود إليها أبداً، وإذا كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فتزيد شرطاً رابعاً: وهو أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا رده إليه، أو قذفاً طلب منه العفو أو مكنه منه، أو غيبة استحله منها، ونحو ذلك.
وقد يكون من أسباب وقوعك في الحرام مع إعلان توبتك أنك لا تأخذ بالأسباب اللازمة للبعد منه، وأنك ترعى حول الحمى، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه. فإطلاق البصر في النساء أو الصور الخليعة، والخلوة بالأجنبيات وعدم التحرز من ذلك من أسباب الوقوع في الحرام.
والله جل وعلا حرم ذلك، لأنه وسيلة إلى الحرام، وهو من خطوات الشيطان، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) [التوبة: 21] .
فاصدق مع الله يصدقك الله تعالى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3786)
لا يأثم غير البالغ بارتكابه الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يذنب الطفل عندما يرتكب الذنوب والجرائم وعند أي سن يبدأ الله بمحاسبته على ذنوبه وحسناته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطفل إذا ارتكب ذنوباً قبل بلوغه فإنها لا تكتب عليه، لأن القلم مرفوع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" رواه أبوداود والترمذي.
فهو غير مكلف بفعل الواجبات، واجتناب المحرمات. وإن كان يجب على أهله وأوليائه منعه منها، وتعويده على كراهيتها واجتنابها.
ويندب في حقه التزام الفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود.
ولحديث المرأة التي رفعت صبيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر". رواه مسلم.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الصبي تكتب له حسناته ولا تكتب عليه سيئاته. وهذا هو الصحيح عند العلماء. فإذا بلغ الصبي الحلم فإنه يحاسب على جميع أعماله كما يحاسب الكبير. وللبلوغ علامات يعرف بها وهي مذكورة في السؤال رقم 4490.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3787)
اصبري واحتسبي
[السُّؤَالُ]
ـ[الأخوة الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا مسلمة أعيش في بريطانيا وتزوجت من مسلم لا يصلي وكان هدفي أن أهديه إلى تقوى الله وفعلا بدأ بالصلاة واكتشفت بعد أربعة اشهر من الزواج أنه كان يصلي محاباة فقط وأنه ينافقني وأهلي ولم يدخل الإيمان قلبه واكتشفت أنه يحب الحرام في العلاقة الزوجية وأنه كانت لديه عشيقة وقبضوا عليهم بالجرم المشهود بناءا على مصدر موثوق وأخرجوا من البلد العربي هذا فقط دون عقاب الحد. واكتشفت أيضا أنه زور لي بطاقة ائتمان وأنه يعمل دون علم الحكومة البريطانية وبدون السماح بالعمل وأنه يدخر مبلغ عشرة آلاف جنيه استرليني ويشكو دائما الفقر ولا يحمد نعمة الله لدرجة أنني عرضت عليه أن يبيع الذهب الذي قدمه لي مهرا. طلقني مرتين خلال الأربعة شهور وأخيرا طلقني الطلقة الثالثة وأنا الآن حامل في الشهر السابع. لم يعطني أي حق مثل المؤخر والمتعة ونفقة شهور العدة. الآن أنا يمكنني أن أبلغ الشرطة وأهلي يحثونني على ذلك مع العلم أنني قد لا أسترجع بذلك حقي. فهل لكم أن تنصحونني شاكرين هل أبلغ ضده أم لا فأنا في حيرة من أمري. أنتظر ردكم وجزاكم الله كل الخير. أختكم في الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تعلمين أنك إذا بلغت الشرطة لا يكون ذلك سببا في استرجاع حقك من هذا الرجل فالأولى أن تتركيه، وسوف يغنيك الله من فضله عنه، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً) [النساء: 130] وسيلقى جزاءه، إن في الدنيا، أو في الآخرة. كما أن أجرك قد وقع على الله -إن شاء الله - جزاء ما بذلت من جهد في سبيل هدايته والصبر على معاملته غير اللائقة. واعلمي أنك إذا دخلت معه في المحاكم فسيكون هذا نوعاً من الانتصار للنفس، إذا كان لا يمكن الحصول على حق مالي، فيذهب أجرك. أما وقد تفرقتما، وأراحك الله منه، فاحتسبي الأجر، واسألي الله عوضاً خيراً منه، وفرج الله قريب من عباده الصادقين المظلومين، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1422(9/3788)
الوعد الذي يترتب عليه كلفة يجب الوفاء به إلا لعذر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله أنا أعمل في بنك ربوي وهذا البنك له إدارة مستقلة بالخدمات الإسلامية وطريقة تمويل هذه الإدارة هي أن يتقدم العميل للبنك بطلب سيارة معينة ثم يوقع (معاهدة) بالشراء من البنك بعد ما يشتريها البنك وإذا أخل العميل بعهده يتحمل كافة الأضرار التي تلحق البنك مع العلم أن البنك لم يحز السيارة إلى رحله فما حكم هذه المعاملة وماهى الحيازة الشرعية وما هي ضوابطها وماحكم عملي في هذا البنك ... أفتونا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم أن العمل في البنك الربوي لا يجوز لأن العامل فيه إما أن يباشر صفقات ربوية وإما أن يكون عوناً لمن يباشرها وكل ذلك لا يجوز شرعاً وراجع الفتو رقم: 1009
وأما الإدارة المستقلة التي ذكرت فإن كانت فعلاً مستقلة استقالاً حقيقياً عن ذلك البنك من حيث رأس مالها وأرباحها ورواتب موظفيها، وكانت صفقاتها التي تجريها مضبوطة بأحكام الشريعة الإسلامية فإنه يجوز العمل فيها والتعامل معها وتمويل المشاريع عن طريقها.
لأن العلاقة بينها وبين البنك الربوي كالعلاقة بين دكانين لشخص واحد أحد الدكانين ببيع الخمور والمحرمات والآخر يبيع ما أحل الله، وكل واحد منهما مستقل عن الآخر في رأس ماله وأرباحه، ولا شك أن التعامل مع الدكان الذي يبيع المباحات مباح.
والمثال الذي ذكرته جائز إذا تم حسب الضوابط الشرعية وراجع الفتوى رقم:
1608 والفتوى رقم: 1621
وأما إلزام العميل بتحمل الأضرار التي تلحق الجهة الممولة جرَّاء تراجع العميل عن وعده بالشراء لغير عذر فهو جائز لدفع الضرر عن تلك الجهة الممولة، وذلك بناءً على أن الوعد الذي يترتب عليه دخول الموعود في كلفة يلزم الوفاء به إلا العذر.
وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في قراره بشأن الوفاء بالوعد في بيع المرابحة، حيث ورد فيه ما يلي: "يكون (الوعد) ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إمّا بتنفيذ الوعد وإما بتعويض الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر". وهنالك وجهة نظر أخرى لبعض أهل العلم وهي أنه ينبغي للمصارف الإسلامية في مثل هذه الحالات أن تستوثق لنفسها وتدفع الضرر عنها بأن تطلب من العميل أن يعطيها عربوناً تعرف به مدى جديته في الموضوع ويكون دافعاً له على المضي قدماً في إتمام الصفقة. فإن تمت الصفقة حسب ذلك العربون من الثمن، وإن تراجع العميل لغير سبب أخذ المصرف العربون في مقابل الضرر الذي لحقه.
وينبغي للعميل أيضاً أن يدرس الصفقة قبل أن يدخل فيها دراسة وافية حتى لا يقع عليه ضرر كان بالإمكان تفاديه.
وأما النقطة الأخيرة التي ذكرت في سؤالك وهي مسألة الحيازة فالجواب فيها: أنه لابّد من حصول الحيازة الشرعية إلاّ أنها تختلف باختلاف البيع فالسيارة يكفي في حيازتها أن يبعث إليها البنك مندوباً يفحصها ويتفقد حالها ومواصفاتها، فإن كانت على حسب ما هو مطلوب وتم البيع فلا حرج بعد ذلك أن يتركها البنك عند الشركة أو المعرض الذي اشتراها منه حتى يبيعها لعميله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3789)
الفرق بين التورية والكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين التورية والكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتورية لغة: مصدر وًّرى الشيء يوريه تورية أخفاه وستره. وهي في الاصطلاح: أن يتكلم المتكلم بكلام له معنى ظاهر متبادر للسامع، وله معنى آخر خفي. ومقصود المتكلم هو هذا المعنى الخفي، إلا أنه ورّاه وأخفاه بذلك المعنى الظاهر المتبادر. ويلجأ المتكلم عادة لهذا الأسلوب إذا كان لا يريد الإخبار بالحقيقة لسبب ما، ولا يرضى بالوقوع في الكذب.
من أمثلة ذلك" ما رأيت زيداً " فهذه الجملة تدل على معنى ظاهر متبادر وهو نفي رؤيتك لزيد، وتحمل معنى آخر خفياً وهو نفي أن تكون قد أصبت رِئة زيد، سألك أحد هل رأيت زيداً؟ وكنت قد رأيته إلا أنك لا تريد أن تخبر بذلك إما لخوفك على زيد من ذلك الشخص، وإما لسبب آخر، ولا ترضى لنفسك الوقوع في الكذب فتوري قائلاً " ما رأيته " فيفهم السامع المعنى المتبادر، وأنت تقصد المعنى الخفي.
والتورية في الأصل غير مذمومة من الناحية الشرعية إلا إذا توصل بها إلى إحقاق باطل أو إبطال حق أو نحو ذلك.
أما الكذب فهو الإخبار بالشيء على خلاف الواقع.
وهو في الأصل محرم مذموم شرعاً وعادة، ولا يجوز الإقدام عليه إلا لضرورة لا يمكن دفعها بغيره.
وبهذا التعريف لكل من التورية والكذب، ومعرفة الحكم الشرعي لكل واحد منهما تعرف الفرق بينهما.
... ... ... ... والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1421(9/3790)
بيان صفة من فسد من العلماء والعباد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول سفيان بن عيينة: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى". ما المقصود بهذا القول؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الكلام الذي نقلته عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى معناه أن من فسد من علماء هذه الأمة وضل على علم ففيه شبه باليهود لأنهم ضلوا وأضلوا على علم فغضب الله عليهم.
وأن من فسد من عُبَّاد هذه الأمة وضل ففيه شبه بالنصارى الذين عبدوا الله على جهل فضلوا سواء السبيل. وأما الذين أنعم الله عليهم من هذه الأمة وغيرها فهم الذين علموا الحق والهدى فعملوا بذلك واتبعوا الصراط المستقيم.
ولذلك أمرنا أن نكرر هذه الآيات مرات في اليوم وهي قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) [الفاتحة: 5، 7] .
وقد ذكر المفسرون أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود، وأن المراد بالضالين النصارى. ولا شك أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3791)
غض البصر من الواجبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس بثانوية يوجد بها بعض المدرسات اللواتي لا يرتدين الحجاب. فهل يجوز النظر إليهن عند اللقاء في الدرس]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك أن تغض بصرك عن أولئك المدرسات التي لا يرتدين الحجاب الشرعي. قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) [النور: 30] . وعليك أن تبحث عن مدرسة تسلم من هذا المنكر لتنتقل إليها.
. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3792)
لا حرج في ذكر الإنسان اسم والدته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نذكر أسماء أمهاتنا أو أخواتنا لأصدقائنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا دعت الحاجة إلى ذكر الإنسان اسم أمه أو أخته أمام أصدقائه أو غيرهم من الناس، فلا حرج في ذلك، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة لا يتحرجون من ذلك، ومن طالع كتب السير والتراجم رأى ترجمة فلانة بنت فلان، وهكذا بأسماء النساء وأسماء آبائهن.
لكن الأولى والأكمل أن يعبر الإنسان عن زوجه وأخته بأم فلان، وعن والدته بقوله: أمي أو والدتي، براً وإحساناً وتقديراً، إلا إذا كان ذكر الاسم مطلوباً، فلا حرج في ذلك كما تقدم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3793)
التكلم بالألفاظ القبيحة لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم استخدام اللفظ التالي (هذا شكله غلط) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا يجوز استعمال لفظ (هذا شكله غلط) بل هي لفظة منكرة يجب نبذها والتنفير منها لأنها مصادمة لنص القرآن والسنة قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين: 4] . وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) [الإسراء: 70] ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لطم الوجه لأن الله خلق آدم على صورته أي صورة المضروب، ولذا كان من إكرام بني آدم عدم التقبيح أو الضرب على الوجه. فقول (هذا شكله غلط) فيه إساءة أدب مع الله، فكأنه ينسب الغلط إلى الخالق لأن المخلوق لا دخل له بوجه ولا هو خلق وجهه. فهو بهذا يعيب الصانع والعياذ بالله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3794)
التخلص من هذا العمل الشائن بغض البصر واستشعار عظم الذنب..
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان ملتزم ولكن أشعر بالميل الجنسي إلى الرجال ولا أقدر على التخلص من هذا الشعور وأنا أصلي ماهو الحل في هده الحالة الرجاء نصحي اذا كنت مريضا نفسيا فكيف أعالج وهل يفسد الوضوء عندما أصافح رجلا وأشعر برغبة تجاهه حتى ولو كانت خارج إرادتي. والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ...
اعلم أخي الحبيب وفقني الله وإياك أن التفكير في المعصية ناتج عن فراغ لا يشغله الإنسان بالنافع من العمل، أو تعريض الإنسان نفسه للمثيرات، وقد يكون ذلك لخبث في نفس الإنسان، فعلى المرء أن يكثر من طاعة الله ويكثر من ذكره تعالى، وأن يسأله أن يعصمه من الزلل ويتقرب إلى مولاة بشتى القرب. ثم اعلم عصمك الله أن مفسدة اللواط من أعظم المفاسد ولذلك كانت عقوبته من أعظم العقوبات ولقد فطر الله الإنسان على أن يميل الذكر للأنثى والأنثى للذكر ومن خرج عن هذا الأصل كان خارجاً عن الفطرة. بل قال بعض العلماء إن مفسدة اللواط تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من القتل ولم يفعل هذه الفعلة قبل قوم لوط أحد من العالمين قال تعالى: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) [الأعراف:80] . وقال تعالى: (أتأتون الذكران من العالمين) [الشعراء:165] . وقد قال أحد خلفاء بني أمية لولا أن الله قص علينا قصة قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكراً وقد عاقبهم الله بما لم يعاقب به أمة غيرهم فجمع عليهم أنواعاً من العقوبات من الإهلاك وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء وطمس أعينهم فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمة سواهم وذلك لعظيم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها. وقد ثبت عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه وجد في بعض المناطق رجلاً ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فاستشار أبو بكر الصديقُ الصحابةَ رضي الله عنهم، فكان علي رضي الله عنه أشدهم قولاً فيه فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه، وقال ابن عباس ينظر أعلى ما في القرية من بنيان أو جبل فيرمي اللوطي من فوقه منكساً، وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول" رواه أصحاب السنن، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عمل قوم لوط ثلاثاً ولم يلعن أحداً من أهل الكبائر ثلاثا إلاّ من فعل هذا. وعلاج ذلك يكون بالابتعاد عن النظر إلى الرجال الذين تتلذذ بالنظر إليهم فإن النظر إلى المردان بشهوة محرم باتفاق العلماء قال في مغنى المحتاج "ويحرم النظر امرد.. بشهوة بالإجماع ولا يختص هذا الأمر بالأمرد بل النظر إلى الملتحي وإلى النساء المحارم بشهوة حرام مطلقاً. وقال ابن تيمية: "والنظر إلى وجه الأمرد بالشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة سواء كانت الشهوة شهوة الوطء، أو كانت شهوة التلذذ كما يتلذذ بالنظر إلى وجه الأجنبية كان معلوماً لكل أحد أن هذا حرام فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى.
وقال البيهقي في باب ما جاء في النظر إلى الغلام والأمرد بالشهوة.
قال الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) وفيما ذكر من الآية غنية عن غيرها وفتنة ظاهرة لا يحتاج إلى خبر يبينها. انتهى.
فاتق الله واشغل نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك وأذكر أن هذا يخرم رجولة الإنسان وعليك بمراقبة الله عز وجل وأن الله مطلع على عملك، وكذلك البعد عن رفاق السوء، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. كذلك عليك أن تتزوج وتكوُّن أسرة تسكن إليها وتستقر معها. وأما بالنسبة لنقص الوضوء فإن خرج منك مذي فإن وضوءك ينتقض وإلا فلا. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1421(9/3795)
لا يطبع المؤمن على الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في أوقات كثيرة أكذب.. وعقدت قراني على فتاة أعرف أنها تكره الكذب جدا ولا تتمنى أن تتزوج من رجل كثير الكذب وهي لا تعرف أني كثير الكذب.. فما حكم هذا الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم أن الكذب محرم تحريماً شديداً وهو ينافي الصدق الذي هو أساس الإيمان، ولذلك لا يطبع عليه مؤمن حقاً، ففي الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: "نعم". فقيل له أيكون المؤمن بخيلا؟ ً فقال: "نعم". فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال:" لا".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
فعليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً وتلزم نفسك بالصدق وتحريه وأن تبتعد كل البعد عن الكذب.
ثم إن عقد قرانك بهذه الفتاة صحيح فامض قدماً في إكمال زواجك بها واترك هذه الخصلة الذميمة إلى الأبد.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3796)
على من سئل عن قيامه بمعصية أن يعرض في الجواب ولا يكذب.
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مؤمن ومتدين وأصلي ومعروف بين الناس بحسن خلقي00 ولكني أكذب على أصدقائى عندما يسألوني عما إذا كنت أمارس العادة السرية أم لا مع العلم أنني أحاول جديا أن أتوقف عنها 0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فأيها الأخ الكريم: نسأل الله تعالى أن يثبتك على ما أنت عليه من الخير وأن يصرف عنك مالا يرضاه الله تعالى من قول وعمل وأن يُصلحنا وإياك وجميع المسلمين وأن يجعل سرنا خيراً من علانيتنا، وأن يجعل علانيتنا خيراً.
ثم اعلم أن ممارسة العادة السرية لا تجوز فهي اعتداء وتعد لما أحل الله تعالى إلى ما حرم.
ثم إن الكذب أيضاً خصلة ذميمة ممقوتة عند الله تعالى ويجب على المؤمن أن يبتعد عنها.
ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ".
والكذب ينافي الصدق الذي هو أساس الإيمان، ولذلك كان المؤمن لا يطبع على الكذب، كما في الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً؟ ، فقال "نعم"، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال " نعم"، فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟: فقال "لا".
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى من الكذب ومن ممارسة العادة السرية، ولا تقر بارتكاب الذنب أمام أصدقائك ولا غيرهم، فإن ذلك من المجاهرة بالذنب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلاّ المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ".
وإذا سألوك فلا تقر لهم بالمعصية ولا تكذب، ولكن قل لهم مثلاً: نعوذ بالله من ذلك، أو من يستطيع أن يجترئ على الله ويفعل ذلك، أو نحو ذلك من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3797)
حدود التناصح بين الإخوة
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى أي مدى يمكن للشخص المسلم أن يتدخل في أمور أخيه المسلم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على كل مسلم النصح لأخيه المسلم في كل أمر من أمور دينه أو دنياه، وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال:" لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". فعلى المسلم أن يكون تدخله في أمور أخيه المسلم بالنصح له كما ينصح لنفسه، فإذا رآه مقدماً على أمر يضره في دينه أو دنياه فعليه أن يبين له ذلك بأسلوب حكيم نابع من خالص النصح. فإن قبل نصحه فذلك المطلوب، وإن لم يقبله ولم تكن له عليه ولاية يكن الناصح قد أدى ما عليه وبذل النصح وبرأت ذمته.
ومن حق المسلم على المسلم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حسب استطاعته. لقوله صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3798)
لا يجوز مشاهدة الأفلام الجنسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في النظر إلى أفلام الجنس لرجل متزوج وذلك لنية تعلم بعض الأوضاع الجنسية فقط لا غير ودون التلذذ بذلك؟ وما حكم مشاهدتها لغير المتزوجين بغرض التخفيف من حدة الشهوة؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما وصل إليه حال المسلمين من ردة في الأخلاق وانقلاب في المفاهيم، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟. رواه البخاري. فاتبع المسلمون عادات الغرب الوقحة وتركوا شريعة الله تعالى السمحة التي تأمر بالفضيلة وتحث على مكارم الأخلاق. وقد أمر الله تعالى بغض الأبصار عن محارم الناس وعوراتهم فقال: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن…) [النور: 30/31] . ولا يجوز النظر إلى عورة أحد إلا عند الضرورة الملجئة كنظر الطبيب إلى العورة ونحو ذلك.
وأما دعوى التعلم من هذه المناظر القبيحة، أو التغلب على الفتور، فإنها دعوى متهافتة إذ بإمكانه التعلم والتغلب على الفتور بالقراءة في كتب السنة والفقه في كتب النكاح منها، ففيها بعض التفاصيل في هذا الجانب.
أما الأضرار التي يقع فيها الناظر إلى هذه المناظر من إفساد مزاجه على زوجته، وقسوة قلبه، وزهده في الحلال، واشتياقه لمواقعة المحرم.. وغيرها فهي أمور محققة. فلا يجوز النظر إلى هذه الأفلام ولا إدخالها البيوت حيث إن الله تعالى أمر بغض الأبصار وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ العورات إلا من الأزواج وملك اليمين. قال صلى الله عليه وسلم: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" رواه الترمذي.
وإذا كانت هذه المفاسد ثابتة في حق المتزوج، فإن إفسادها لغير المتزوجين أعظم، وخطرها عليهم أكبر، لأنها تجرئهم على الفواحش، وتهونها في نفوسهم، وتفقدهم المناعة، وتقضي على صبرهم عنها.
وهذه كلها أمور مناقضة لحالهم، ولما هو مطلوب منهم عقلاً وشرعاً، وهو البعد عن مواطن الإثارة، وغض البصر والتعفف. قال تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) [النور: 33] .
هذا والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرزقهم الرشد في دينهم. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1422(9/3799)
الأحكام المترتبة على لمس دبر المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من اصطدمت يده في دبر امراة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعدو هذه المرأة أن تكون زوجة لهذا اللامس أو غير زوجة، فإن كانت، فإن كانت غير زوجة له فإما أن يكون بقصد أو من غير قصد، فإن قصد إلى ذلك فقد ارتكب محرماً وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من هذه الفعلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" [رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني] . واليد تزني كما قال صلى الله عليه وسلم وزناها اللمس - والحديث متفق عليه، فعلى من فعل ذلك التوبة والاستغفار والعزم على عدم العودة لمثل ذلك مع الندم على ما بدر وسبق. وأما إن كان بغير قصد، فإن الله تعالى يقول: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) [البقرة: 286] . وإن كانت زوجته فلا حرج في ذلك قصده أو لم يقصد، وعلى كل الأحوال لا تنتقض طهارته إلاّ إن خرج منه شيء كمذي أو نحوه أما بمجرد اللمس فلا تنتقض الطهارة في أظهر أقوال أهل العلم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3800)
يستحب لمن أحب أخا في الله أن يعلمه أنه يحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد: من كان يحب أناساً في الله ولم يعلمهم بذلك،هل له الأجر المتحابون في الله أي (الناس الذين يغبطهم الأنبياء والمرسلون....الخ) الحديث؟. وهل ينال المسلم هذه المنزلة بالخروج إلى الدعوة إلى الله فقط أم بطرق أخرى؟ كيف يرتقي الإنسان ليصل إلى درجة الإحسان؟ من أصابه الرياء أو وسوسة قلبه فماذا يجب عليه فعله؟ بما ينال المسلم الدرجات العليا من الجنة؟ وما الكتب التي تعين على ذلك؟ كيف الخشوع في الصلاة؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبهأما بعد:
فإن محبة المسلمين وتمني الخير لهم والدعاء لهم لا شك أن هذا من أوثق عرى الإيمان وهي تدل على صدق هذا الرجل في إيمانه وولائه لإخوانه، والله تعالى يقول: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) . [التوبة: 67] . ولا شك أن من أحب أحداً من المسلمين نال أجراً عظيماً وإن لم يخبره أنه يحبه، لكنه لو أخبره لكان حسناً حتى تبقى المودة والمحبة بينهما، لكن ينبه إلى أمر مهم وهو أننا حينما نحب أحداً ينبغي أن نسأل أنفسنا، لماذا نحب فلاناً من الناس، فإن كان الجواب أننا نحبه لما نراه من صدق في إيمانه وإحسانه في عبادة ربه فحسن، وأما إن كان الجواب أننا نحب فلاناً لمجرد المشاكلة في الطباع والموافقة في الهوى والرأي فإن دعوى محبتنا له في الله ليست صحيحة. وأما سؤالك الثاني، فالجواب عنه هو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". [متفق عليه] . وأما الخوف من الرياء فهذا شيء محمود أن يحاسب الإنسان نفسه دائماً ويراقب الله لكن لا يوصله هذا إلى مرحلة الوسوسة في عدم القبول، فيفضي ذلك إلى أن يترك العمل بالكلية، وإنما يجاهد نفسه قدر استطاعته في أن يكون مقصده وجه الله. وكل عمل يحبه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فحرى بالمؤمن عمله حتى ترتفع درجاته عند الله. وأما السؤال المتعلق بالخشوع في الصلاة: فالخشوع توفيق من الله وله أسبابه الجالية له، وما عليك إلا أن تدعو الله بأن يرزقك ويمن به عليك ولتحرص على الاستعداد للصلاة قبل وقتها ولو بفترة قصيرة مع تدبر ما تقرؤه والتحري في أكل الحلال، كل هذا يعين إن شاء الله على الخشوع والطمأنينة والله الموفق. وننصحك بالقراءة في الكتب التالية: مدارج السالكين لابن القيم، صيد الخاطر لابن الجوزي، لذة المناجاة لطايس الجميلي، مع المداومة على قدر ولو يسير من القرآن الكريم مع التدبر. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3801)
يجب على المرء إصلاح غيره بالحكمة وحسن التفكير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي: أنا متزوج والحمد لله، ولكن مشكلتي أن والد زوجتي متدين ويصلي جميع الصلوات في المسجد ويتكلم عن الدين والإسلام والأخلاق، والحمد لله على ذلك، ولكن صوته عال جدا دائم الصراخ في البيت على عكس حاله في الخارج والمسجد والمشكلة الثانية أنه أحيانا يتكلم بكلام بذيء (لا يدل على أنه ملتزم بدينه: وهذا أدى إلى أن بعض الأشخاص يكرهون الدين بسببه، وأحيانا يقول لي ذلك الكلام البذيء غير المحترم. فماذا أفعل معه أثابكم الله؟ أرجو الرد بسرعة. ... وفقكم الله لما يحبه ويرضاه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
فإن العبادات التي يؤديها المسلم –إن أداها بحقها- فستحدث أثرها على سلوكه وأخلاقه. قال تعالى في شأن الصلاة: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45] وقال في شأن الزكاة (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) [التوبة:103] وهكذا الصيام والحج وسائر العبادات. والخلق الحسن من أكثر الأسباب لدخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم عند ما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: " تقوى الله وحسن الخلق " رواه الترمذي والمؤمن لا يكون بذيئاً ولا فاحشاً ولا طعاناً. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي رواه الترمذي وابن حبان. ولذلك كان حصاد اللسان السيئ سبباً لكب الناس على وجوههم في النار " وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. فعليك أن تنصحه بما سبق وأن تبين له عظم ما يأتي وأن هذه الألفاظ التي يتفوه بها قد تجر عليه سخط الله تعالى وأن الرجل القدوة ينبغي عليه أن يكون قدوة في أقواله وأفعاله على السواء وأنه ليس ثم انفصال بين الفرائض ومعاملة الخلق. وعليك أن تبين له خطر ما هو عليه وأن ذلك قد يؤثر على أهلك وأقاربك وعلى علاقتهم بك وبه وأن ذلك قد يجر إلى قطيعة بينك وبينهم ولا يخفى ما سيترتب عليها من المفاسد، ومن الوسائل النافعة لإيصال هذه النصائح إليه أن تهدي إليه شريطا أو كتابا عن آفات اللسان، أو أن تطلب من خطيب المسجد أو واعظه أن يتناول هذا الموضوع في خطبة أو موعظة هذا والله نسأل أن يوفقك للصواب. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3802)
التوبة النصوح واللجوء إلى الله حماية من القنوط
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعلم أن الله غفور رحيم ولكني خائف ألا يغفر الله لي. فكيف أحمي نفسي من القنوط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم رحمك الله أن من أسماء الله الحسنى الغفور الرحيم، فهو غفور لعباده رحيم بهم قال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) [طه: 82] أي وإني كثير المغفرة لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله وآمن بالله وعمل صالحاً. وقال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) [آل عمران: 135-136] .وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". ... والعبد الذي يذنب ويعلم أن له رباً يأخذ بالذنب ويعفو يكون منكسرا لربه خاضعا لجنابه متذللا لعظمته. ... ومن رحمة الله بعباده الذين قد تابوا مما عملوا أن سيئاتهم يبدلها المولى تعالى حسنات. (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) [الفرقان: 70] . ... ونهى الله تعالى عباده عن القنوط من رحمة مولاهم، وكيف يقنط العبد والله جل وعلا من أسمائه الحسنى الغفور والعفو الرحيم والغفار والتواب. قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: 53] . ... وهذا لمن رجع عن المعاصي التي كان قد اقترفها. ولذلك قال تبارك وتعالى: (نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) [الحجر: 49] وأما من تسول له نفسه السيئات فعليه أن يتذكر قوله تعالى: (وأن عذابي هو العذاب الأليم) [الحجر: 50] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3803)
لا يحل الجنس إلا فيما أذن الشرع به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجنس مباح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ...
فإن الله تعالى أحل الطيبات للمؤمنين وحرم عليهم الخبائث ومن جملة الطيبات إتيان النساء الذي عده النبي صلى الله عليه وسلم من سنته فقد قال صلى الله عليه وسلم:" فإني أصوم وأفطر وأصلي وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني" رواه ابن أبي حاتم وأصله في الصحيحين. فالجنس مباح مع من أباحه الله عليك ومحرم مع من حرمه الله عليك. وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فقال عز من قائل سبحانه: (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون.) [المؤمنون: 5-7] . فدلت هذه الآيات الكريمات على أن المرء عليه أن يحفظ فرجه إلا عن زوجته أو ما ملكت يمينه وإن ابتغى إفراغ شهوته في غير ذلك فإن الله جل وعلا قد نعته بالعدوان لأنه قد اعتدى على ما حرم الله عليه. والجنس المأذون فيه شرعا يعتبر من الطيبات التي أحلها الله ويكون صاحبه مأجورا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وفي بضع أحدكم صدقة فقالوا أو يأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أريت لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر…الخ" الحديث رواه مسلم.
وأما الذي لم يأذن فيه فقد جعله الله من الخبائث بل سماه فاحشة، وذلك لفحشه وشدة توغله في مجاوزة الحدود.
... ... ... والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3804)
اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام دليل حبه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف حب النبي صلى الله عليه وسلم أرجو إفادتي وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحب النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكزات الإيمان وأساسياته لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأبرز ما يتجسد فيه حب النبي صلى الله عليه وسلم طاعته واتباعه والاقتداء به في كل شيء، وتحكيم الشرع الذي جاء به في الصغير والكبير مع الانقياد التام ظاهراً وباطناً قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) [النساء:65]
فإن أردت كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب أن لها صيغاً كثيرة، أصحها الصلاة الإبراهيمية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فعن أبي محمد كعب بن عجرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: خرج علينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقلنا: يا رَسُول اللَّهِ قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3805)
ادفع بالتي هي أحسن.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.. هل يؤاخذنا الله سبحانه وتعالى عن كراهيتنا لشخص معين دون إظهار ذلك له أو لغيره وكذللك دون إيذائه مع العلم انه تسبب في ايذائى فى الماضى ولم يتلق منى أي لوم وبيني وبين نفسي الآن أتمنى أن يتلقى عقابا من الله سيحانه وتعالى فهل ذللك حرام أم لا علما بأن هذا الشخص كان أذاه لي نفسيا وتسبب فى اكتائبى لفترة لا بأس بها ... أفيدونى أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيجب على المسلم أن يحب لله تعالى ويبغض لله تعالى وأن يغضب لله تعالى ويرضى لله تعالى وذلك من أقوى عرى الأيمان.
ولا ينبغي أن يكون ذلك لمجرد الهوى والانتصار للنفس إذا ظلم بل ينبغي له أن يعفو ويصفح ويتجاوز إذا تعلق الأمر به خاصة.
قال تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) [البقرة:237] وقال تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله [الشورى:40] ثم قال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور) [الشورى:43]
وفي المسند والسنن عن أبي كبشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر"
فننصحك أن تعفو عن هذا الشخص وتصفح رجاء لما وعد الله به وتحاول أن تزيل من قلبك بغضه وكراهيته بأن تقابل إساءته بالإحسان قال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت:34] وهذا من أكبر الأمور ثقلاً على النفس البشرية فلذلك كان من نصيب صاحب الحظ الأوفر من الخير قال تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت:35]
فإن عجزت عن ذلك وملكت نفسك من أن تحملك على أن تنتقم منه بما لا يجوز لك شرعاً فإن الله سبحانه وتعالى لن يؤاخذك على ما في قلبك من بغضه وكراهيته لأنه كان السبب في ذلك وإن دعوت عليه فلا تدع عليه بأكثر مما ظلمك به وإن عفوت فذلك أفضل كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3806)
تقوى الله والشعور بالخوف منه والاستعانة بالدعاء تعصم من الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال الكمبيوتر، والإنترنت متاح لي في أي وقت، خلال عملي على الكمبيوتر أجد نفسي وبطريقة لا شعورية أزور المواقع اللا أخلاقية، حاولت في كثير من الأحيان تجنبها، والابتعاد عنها قدر الإمكان لكني بعد يوم أو يومين أجد نفسي منساقا إليها مرة أخرى بطريقة لا إرادية، وإذا دخلت إليها أحاول الخروج منها قدر الإمكان لكني أفشل في كثير من الأحيان، وأجد قوة غريبة وجبارة فوق استطاعتي تدفعني إلى متابعة هذه المواقع ومشاهدتها. السؤال: أرجو أن ترشدوني إلى الطريقة التي أستطيع بها مقاومة هذه الرغبة الجامحة والابتعاد عن هذه المواقع بعزيمة قوية وقناعة تامة.. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الطريقة المثلى التي تستطيع من خلالها التغلب على هذا الأمر هي تقوية إيمانك بالله تعالى وتصديقك بوعده ووعيده وذلك بكثرة تلاوة كتاب الله مع تدبر معانيه وكثرة ذكر الله ومجالسة أهل الخير وحضور مجالس العلم والوعظ والتذكير. وعليك أن تكثر الالتجاء إلى الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى وأن يرزقك الاستقامة على الإيمان ومقتضياته وأن يبعدك عما فيه معصيته وسخطه. واستعن بالله تعالى على ذلك مع صدق نية وقوة عزم على الخير واستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم فإن الذي يدفعك إلى مشاهدة تلك المواقع الخبيثة ويغريك بها وبغيرها مما يضرك في الدنيا والآخرة هو الشيطان فإنه عدو مبين وقد قطع على نفسه الخبيثة عهداً أن يغوي من عباد الله من استطاع أن يغويه منهم. قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) [يس: 60] . وقال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) [فاطر: 6] . وقال تعالى مخبراً عما قطعه الشيطان على نفسه: (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) [ص: 82] . فإذا علمت علم اليقين أنه عدو لك وأنه إنما يدفعك إلى ما يضرك في الدنيا والآخرة وصدقت في إيمانك بالله تعالى وبوعده ووعيده وجعلت ذلك نصب عينيك دائماً فتستطيع بإذن الله تعالى وتوفيقه التغلب على ما تعانيه وننصحك بأن تحاول أن تغير نوعية العمل فحاول أن يكون عملك في مجال بعيد من هذه المواقع ولو أدى ذلك إلى الانتقال الكامل عن العمل في قطاع الكمبيوتر فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: "الراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه". هذا والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3807)
من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أصحاب الفضيلة أرجو إجابتي على هذا السؤال وهو: لقد اصطدمت سيارتي قديما بسيارة وتسببت في أضرار لهذه السيارة وللأسف أني لم أقف، فماذا علي لكي أبرئ ذمتي في ذلك علما أنه لا يمكنني الآن العثور على صاحب السيارة وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
عليك أن تتوب إلى الله تعالى وتكثر من الاستغفار وتبحث باستمرار قدر استطاعتك عن صاحب السيارة التي دعمتها عسى أن تجده فتوفيه حقه، فإن من شروط التوبة ردّ المظالم إلى أهلها. فإن وجدته فأعطه حقه واطلب منه الصفح والمسامحة وإن لم تجده فأكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة واعلم أن أصحاب الحقوق إن لم تصل إليهم في الدنيا فستوفى من حسناتك يوم القيامة وأكثر من الحسنات ليوم التقاضي يوم لا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3808)
معنى البر والإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من فضيلة العلماء إفادتي عن:
مفهوم البر والإحسان في الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه وسلم أما بعد:
سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن البر فقال:" البر حسن الخلق" رواه البخاري وسئل عن الإحسان، فقال:" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" [رواه البخاري] .
وقد ورد معنى البر في القرآن بأنه هو عين التقوى قال تعالى: (ولكن البر من اتقى) [البقرة: 189] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3809)
على الزوجين بذل النصح وإرشاد أهلهما وعدم قطع رحميهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولي من زوجتي طفل حديث الولادة، وقد حدثت خلافات عائلية أدت إلى أن أقاطع أهل زوجتي وعدم زيارتهم أو التحدث إليهم مع العلم بأنني لم أمنع زوجتي من مقاطعتهم بل على العكس كنت دائما ناصحا لها وأوصيها بوالدتها ووالدها حتى ولو أدى هذا الأمر أن يطلبوا منها الطلاق فعليها أن تطيعهم ولم أمنعها من أن تقوم بزيارتهم أو الاتصال بهم بأي وسيلة كانت ومع ذلك زادت الخلافات بيني شخصيا وبين أهلها حتى إنهم طلبوا منها أن تطلب الطلاق ولكنها رفضت ذلك مما أدى إلى أن والدها قام بضربها على رفضها هذا وقد حلف أن يطلقها، وقد قالت لي زوجتي بأنها تريد أن تقاطع أهلها من أجل البقاء معي والسفر معي إلى السعودية حيث أعمل.... لذا فإنني في حيرة من أمري لنني لا أريدها أن تقاطع أهلها لأن في هذا الأمر قطع للأرحام وفي نفس الوقت لا أريد أن أعيد علاقتي مع أهل زوجتي لأنهم أناس قد أخذتهم دنياهم من آخرتهم وألهتهم عن طاعة الله وتطبيق أوامره، مع العلم بأنني في بداية زواجي قمت بتعليمها الصلاة والحث عليها وعدم التكاسل بها وقدمت لها أدلة كثيرة على ذلك حتى واظبت على الصلاة ووضعت الحجاب بعد طول عناء والحمد لله وفقت في ذلك وعندما حدثت الخلافات لم يتبادر إلى ذهن أهلها إن كانت تصلي أم لا وللعلم فقط إذا عادت علاقتي مع أهل زوجتي فإنه من المؤكد بأنهم سوف يتدخلون في حياتي الشخصية بيني وبين زوجتي وهذا الأمر لن أسمح به حتى ولو وصل الأمر إلى الطلاق والسبب في هذا الأمر هو هيمنة أم زوجتي على زوجها وفرض أوامرها عليه.....لذا أرجو من حضرتكم بأن تفيدونا بما هو خير لي ولزوجتي التى لا أستطيع أن أتخلى عنها ولا عن ابني الذي لم أره لغاية هذه اللحظة؟ ودمتم مع العلم بأن أهل زوجتي بالأردن وأنا أعمل بالسعودية ومنزل الزوجية في السعودية جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فننصحك أن تمسك عليك زوجتك فإنه يبدو من كلامك أن فيها خيراً كثيراً. وإن كنت تخشى من أهلها أن يفسدوا عليك دينها أو أخلاقها فلا حرج عليك أن تذهب بها إلى بلد غير البلد الذي هم فيه. بل إن ذلك هو الواجب عليك لتقيها بذلك من نار جهنم كما أمرك ربك حيث يقول: (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً…) [التحريم: 6] واتركها على اتصال معهم من بعيد عن طريق المكاتبة أو المكالمة الهاتفية. وعليكما أن تبذلا لهم النصح وأن تجتهدا في دعوتهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة. وعلى زوجتك من ذلك النصيب الأوفر لأنهم قد يكونون أسمع لكلامها وأكثر تأثراً به وادعو الله لهم بالهداية والتوفيق. عسى الله أن يلهمهم رشدهم ويشرح صدورهم للهداية.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3810)
لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم أبلغ من العمر 16سنة، اشتركت في خدمة الإنترنت منذ بداية عام 1420هـ، وكان هناك صديق لي ملتزم أيضا، فقال لي إنه من واجبنا في الإنترنت أن نساعد في حجب المواقع السيئة عن شباب الإسلام، وأنه قد ساعد في إغلاق أكثر من موقع، فعدت إلى البيت وكان ذلك في بداية شهر رمضان من المدرسة، وأخذت أجرب أن أجد مواقع لأرسل عنوانها إلى ذوي الشأن، فوقعت على موقع مليء بصور رجال عراة، وكان في بداية الموقع لا يظهر إلا صدورهم، فقلت لنفسي إن الصدر ليس من العورة، وتعمقت في الموقع حتى صارت الصور عارية تماما، وظهرت الصور دفعة واحدة فأغمضت عيني وأرسلت العنوان، وفي اليوم الثاني في الصباح ذهبت إلى الموقع لأرى إن حجب أم لا، فوجدته لم يحجب، وتعمقت في الموقع ثانية ولكن لم أدقق في الصور، فرن الهاتف ووجدت صديقا قديما لي على الهاتف لم يكن ملتزما، فسألني ماذا أفعل فقلت له قصتي، فقال إنه لا حرج علي لأن الرجل يمكنه النظر إلى عورة الرجل برضاه، وإن هؤلاء الذين وضعوا الموقع راضين بما يفعلون، فاحترت في أمري، وأنا في رمضان، فأغلقت الجهاز على أن أعود في الليل بعد الفطور وأرى هذا الموقع، فما حكم فعلي؟ وجزاكم الله خيراً على إتاحة هذه الفرصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
أخي الكريم بارك الله فيك ووفقك وثبتك على الخير وشكر لك سعيك على الخير وغيرتك على الإسلام والمسلمين. ولكن عليك أن تعلم أنك ما زلت في مرحلة خطيرة من العمر سريع التأثر قليل التجربة ومن الطبيعي أن تكون حصيلتك من العلم الشرعي قليلة، مما يجعلك أعزل لا سلاح لديك تحصن به نفسك وترد به شبها قد ترد عليك وقد تجر وأنت لا تدري إلى ما يضرك لذلك عليك أن تبتعد عن هذه المواقع الخبيثة المضرة فمحافظتك على نفسك ودينك مقدمة بالنسبة لك على محافظتك على الآخرين. واعلم أنّ ما أخبرك به صديقك هذا غير صحيح فالرجل لا يجوز له أن ينظر إلى عورة الرجل سواء كان ذلك برضاه أم بغير رضاه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة" أخرجه مسلم وأحمد. والله اعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3811)
الأولى بالمسلم أن يعفو عمن ظلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص ظلمني وأكل مالي بالباطل، ثم توفي إلى رحمة الله وفي القلب ألم شديد منه، وهناك مثل يقول: الموت مجبة الأحقاد. فإن كان قلبي لا يسامحه، وأجد غضاضة وألما كلما تذكرته. فهل علي وزر في ذلك؟ ثم ما هو الأسلم في ديني؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
ليس عليك وزر فيما تجده جراء تذكرك لظلم ذلك الشخص لك. نسأل الله تعالى أن يتجاوز عن الجميع. والأفضل لك والأقرب إلى التقوى أن تعفو عن هذا الرجل وتصفح وتغفر له عسى الله أن يغفر لك ويعفو عنك يوم تكون فيه في أمس الحاجة إلى عفو الله تعالى ومغفرته. قال تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) . [البقرة:237] وقال: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) . [الشورى: 40 ـ43] . وقال تعالى: (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) . [التغابن: 14] والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3812)
الغيرة منها المحمود ومنها المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... ماهي الغيرة وما أسبابها؟ خصوصا الغيرة الواقعة بين النساء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: ... ... ...
الغَيَْرةُ بفتح الغين: هي الحمية والأنفة وهي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. ... وقد تكون الغيرة شديدة بين النساء بعضهن بعضا. وبواعث الغيرة، كثيرة منها: ... 1. ضعف الإيمان في القلب وعدم الخوف من الله مما يجعل المرأة تتكلم على أختها المسلمة أو على زوجها حتى تروي غليل غيرتها. ... 2. مايبثه الشيطان في قلوب النساء من أوهام وخيالات وظنون سيئة مما يجعل المرأة تشك في تصرفات من حولها وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم. أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. ... 3. الحقد والحسد وحب السمعة وهذا يظهر من خلال بعض الأقوال أو الأفعال السيئة التي تظهر على سلوك المرأة. ... 4. الإحساس بالنقص عند المرأة فقد ينقدح في ذهنها أن غيرها من أخواتها أفضل منها بدليل أن عندهن ما لا تملكه فيكون سبباً قوياً ودافعاً لغيرتها وتنقيصها للأخريات. ... ... ... وهذا المذكور آنفاً هو الغيرة المذمومة بين النساء مطلقاً. أما الغيرة المحمودة فلها مفهومها الخاص بها وصورها المعروفة. وكذلك هناك الغيرة بين الزوجين ولها صورها ودوافعها لكنها ليست المقصودة بالسؤال. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3813)
إطلاق النظر يفسد القلب وفيه ضرر كبير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم النظرة الحرام في الدنيا والآخرة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، قال الله تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [النحل:18] . وجوارح الإنسان ينبغي أن تحفظ عما حرّم عليها، فلا ينظر بالعين إلا إلى ما أذن في النظر إليه. وإطلاق البصر مضاره كثيرة منها: 1/ أن الناظر ارتكب معصية تعرضه لسخط الله. 2/ النظرة المحرمة تذهب بلذة العبادة وحلاوة المناجاة لله سبحانه. 3/ النظرة المحرمة سبب لحرمان الشخص العلم النافع له. فعلى من حدثته نفسه بالنظرة أن يعلم أن الله له بالمرصاد فهو سبحانه: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) [غافر: 19] ولا تخفى عليه خافية، فهو مطلع عليه على كل حال، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3814)
يحرم الكذب لما فيه من المفاسد الدينية والدنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب على الأب إذا كانت الحقيقة تؤذي الابن، بحيث يقول الابن الكذب لأبيه ليتجنب غضبه؟ وجزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى إذا حرّم أمراً فإنما يحرمه للمفسدة التي فيه سواءً كان هذا التحريم للأمر ذاته، أو لأمرٍ خارج عنه. والكذب مفسدته ذاتية أي أن هذه المعصية في نفسها هي مفسدة فالكذب بجميع صوره، وأشكاله حرام سواء على الأب أو المدرس أو المسؤول أو غير ذلك. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة:119] وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" [رواه الترمذي وهو صحيح] . وبإمكانك أن تدفع غضب والدك بطريقة أخرى مباحة كأن تُعَرِّض عليه فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب وإياك واللجوء إلى ما يغضب الله. ثم يا أخي ما يدريك لعل الله إذا علم منك الصدق ينجيك من غضب والدك ويجعله يرضى عنك فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس" [رواه ابن حبان وهو صحيح] فالله نسأل أن يوفقنا وإياك. وأن يجنبنا جميعاً الخطأ والزلل. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3815)
قابل ما تجده من أذى بالإحسان والصبر الجميل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ... أنا شاب كرهت أناسا من أهلي لسوء معاملتهم لي فماذا أفعل معهم؟ ... وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فصلة الرحم من القضايا التي حثنا عليها ديننا الحنيف والقرآن الكريم والسنة مملوآن بالآيات والأحاديث التي ترشد إلى ذلك. فالله جل وعلا قد قرن قطع الأرحام بالفساد في الأرض. قال الله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) [محمد: 22] . فيا أخي الكريم إن كانت المعاملة السيئة التي سببها أهلك لك بسبب أمرٍ ديني كأن تكون أمرتهم بمعروف أو نهيتهم عن منكر وهم بدورهم لم يتقبلوا منك وناصبوك العداء فاصبر واحتسب الأجر عند الله وأشفق على أهلك وتمن لهم الخير والهداية، وليكن لك في رسول الله أسوة حسنة وإن كانت المعاملة السيئة سببها أمر دنيوي أو مشاكل عائلية، فلا تقابل الإساءة بالإساءة، ولكن قابل ما تجده من أذى بالإحسان وبالصبر الجميل ولتكن هذه الآية أمامك وهي قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت: 34، 35] . ونذكرك أخيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل يشكو إليه سوء معاملة أقاربه له قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويُسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال: "لئن كنت كما قلت فإنما تسفهم المل (الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك" [رواه مسلم وأحمد وأبو داود] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3816)
وجوب الحذر من العلاقة غير الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن اللرحيم ... أنا طالبة جامعية أبلغ من العمر 20 عاما ملتزمة وأرغب في المزيد من الهداية، مررت بتجربة أريد التحدث إليكم بها وأرجو إيضاح الحكم الشرعي وأفضل السبل والحلول وإن شاء الله على درب الهدى سائرون. كنت من أول دخولي للجامعة، الطالبة النشيطة التي ترغب في إفادة الطالبات وكان عندي من قوة الإرادة التي بداخلي ما يحفزني في عمل الخير والنشاطات الإسلامية مع الاهتمام بدراستي، وفي تلك المرحلة كنت ألاحظ على طالب الاهتمام بي من خلال نظراته وتبسماته ووجوده في مبنى التخصص الذي أدرسه ومراقبته لي مع أنه يدرس في تخصص آخر، ولكن يبقى دائما قريباً من المكان الذي أكون فيه، ومع العلم أنه طالب ملتزم ومن طلاب المسجد النشيطين وكان في اتحاد الطلبة في الجامعة وكان اتحادنا طلاب الكتلة الإسلامية، وبعد فترة من تلك المرحلة تخرج الطالب من الجامعة (وهو صديق لأخي المقيم في الإمارات) وذهب إلى الإمارات للعمل بها واتضح لي أنه سوف يأتي العام القادم إلى الأردن لزيارة أهله هنا ... وأنا الآن متعرضة لموقف حرج حيث يتقدم لي العديد من الخطاب ومما يرغب أهلي في تزويجهم لي ولكن قلبي معلق بذلك الشاب من دون التحدث معه ولا مقابلته لأي مرة (نظرا لالتزامنا نحن الاثنين) ولكن مشاعري مرتبطة به لأنه ذلك الشاب الذي أتمناه الملتزم الخلوق ومن يتقدم لي إليّ الآن فقط الخلوقين من غير الالتزام الذي أريده ولا أدري كيف أواجه أهلي في الحقيقة مع العلم أنني صرحت لوالدتي بذلك الشعور ولم تنكر موافقتها عليه إذا جاء (مع العلم أنه جاء لأخي في الإمارات عدد من الخطاب ولم يخبرني بأسمائهم واحتمال أن يكون ذلك الشاب منهم لذلك عندي الشعور بالأمل في السنة القادمة عن قدوم ذلك الشاب إلى الأردن وإيضاح الموقف على أكمله. سؤالي الآن هل ذلك الشعور الذي أشعر به ينكرة الدين وما حكم ذلك؟ وما الحكم في رفضي لكل الخطاب لحال أن يأتي ذلك الشاب من الإمارات في السنة القادمة ومعرفة الواقع إن كان يريدني أم لا؟ مع العلم إنني فقط في العشرين من عمري أي في بداية حياتي وإدراكي للواقع والمسؤولية. وما العمل إذا أجبرني والدي على الزواج أو لمجرد الخطبة لشخص هو في نظره المثالي وفي نظري أنا الخيانة له لأنني أحب غيره ... أرجو أخباري بسرعة ما الحكم مما أسلفت سابقاً وبالتفسير لو تفضلتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
أولاً نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق، والسداد والخيرة في الأمر كله. والأمر الذي ذكرته حساس ودقيق فينبغي التعامل معه بشيء من الحيطة والحذر، ونصيحتنا لك هي كالتالي: 1. أولاً: الحذر كل الحذر أن تربطك أي علاقة غير شرعية بهذا الشاب أو غيره، فعواقب ذلك وخيمة جداً. والشيطان قد يستدرج الإنسان شيئاً فشيئاً بنظرة خاطفة وكلمة عابرة أو مكالمة هاتفية حتى يصطاده بحبائله. وكما قلا الشاعر: كل المصائب مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر ثانياً: استخيري الله تعالى الاستخارة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال ويسمي حاجته". ثالثاً: استشيري من تثقين فيه من أهلك ممن تعرفين منهم النصح والأمانة. وإن فعلت هذا فسيقدر الله لك ما فيه الخير عاجلاً وآجلاً. رابعاً: شعورك تجاه ذلك الشاب لا حرج فيه بشرط أن لا يجر ذلك إلى ما حرم الله تعالى. وأحدد لك التأكيد على الحذر كل الحذر أن تربطك أي علاقة غير شرعية بأي أحد وعليك بالأخذ بالحيطة في ذلك إلى أقصى حد. خامساً: رفضك لكل خاطب لا ينبغي أن يستمر إلى ما لا حد له رجاء أمر غير مؤكد الحصول. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" كما في الترمذي وابن ماجه. ولا بأس أن تتصلي بأخيك الذي قلت إنه صديق لهذا الشاب وتستشيريه لعله يبوح لك بأمر يكون فيه حل لهذه المشكلة. سادساً: ينبغي لك أن تقنعي والدك مباشرة أو عبر والدتك بأن لا يجبرك على الزواج ممن لا ترضينه بل يترك لك الحق في القرار النهائي فيمن يكون زوجاً لك وأباً لأولادك ومن ستعيشين معه مستقبلك وبيني له أن الشرع مكنك من ذلك الحق ما دمت رشيدة عاقلة كما في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البكر تستأذن قلت إن البكر تستحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذنها صماتها" والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1422(9/3817)
لا تحمل في قلبك كراهية لمسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هل يعاقبنا الله عز وجل إذا حملنا الكراهية لبعض الأشخاص مع محاولة التخلص من هذه الكراهية التي تشعرنا بالذنب مع العلم بأن تصرفات هؤلاء الأشخاص معنا هي التي تدفعنا لذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ...
يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقو الله لعلكم ترحمون) . [الحجرات: 10] . وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث". والناس على قسمين: محب وكاره وكل واحد منهما أحد رجلين، إما محب للخير وكاره للشر، وإما بالعكس. فمحبة أهل الخير على الخير واجبة، وكراهيتهم حرام وإثم وعقاب، ومحبة صاحب الشر على الشر حرام وإثم مبين وقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". وقال عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". [رواه مسلم] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. فعليك أخي المسلم بكراهية أهل السوء ومحبة أهل الخير خالصاً لله رب العالمين فإن ذلك مغنم وخير كله. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3818)
لا ينبغي تقبيل الزوجة على وجه الاستمتاع أمام أبنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقبيل الزوجة أمام أبنائها سواءاً كانو مميزين أو غير مميزين لما يحدث أمامهم؟ ولكم جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا بأس بتقبيل الزوج لزوجته أمام أبنائه تقبيلاً ينم عن الاحترام والتقدير والعطف، ويشعر الأولاد بوجود الحب والتآلف بين أفراد الأسرة، كأن يكون هنالك سبب معتبر لذلك يعرفه الأولاد ولا يثير استغرابهم.
وأما التقبيل على وجه الاستمتاع والتلذذ فيجب ألا يطلع عليه الأولاد المميزون، لما لذلك ممن الآثار السيئة عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3819)
أمر الشرع بغض البصر عما حرم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز النظر إلى مذيعة الأخبار في التلفاز خصوصا في قناة الجزيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
...
أمر الله جل وعلا بغض البصر عما حرم الله، والأمر جاء للرجال والنساء قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) . [النور: 31] . فلا يجوز للمرء أن ينظر إلى المذيعات في أي قناة كانت حيث الفتنة بهن أشد لما هن عليه من التبرج والسفور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" [رواه الترمذي وأبو داود وحسنه] . والله نسأل أن يحفظ المسلمين وأن يهديهم سبيل الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3820)
من الإساءة البالغة نشر خبر لا يريد صاحبه أن ينتشر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وجزاكم الله خيرا على هذا الجهد وجعله الله فى موازين حسناتكم سؤالى هو: نعرف بان الغيبة من الكبائر وهى ذكرك أخاك بما يكره. ولدي بعض الإسئلة حول هذا الموضوع
1- هل يعتبر ذكر خبر عن شخص وهو لا يريد أن ينتشر هذا الخبر من الغيبة.
2- هل هى غيبة ان تتحدث مع الزوجة فى "أخبار" أو "صفات" أو "رأى فى شخص".. أرجو أن تفيدوننا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغيبة ذكرك أخاك بما يكره من القدح في هيئته وصفته وخلقه ونحو ذلك. وأما نشر خبره الذي لا يحب نشره فهذا إساءة له واعتداء على رغبته، وإن صدر ذلك من مؤتمن على الخبر كان خيانة. وقد جاء في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه ... ... ... ...، فكما أن المرء يحب ستر بعض أحواله، وإخفاء بعض أخباره، فينبغي أن يقدر رغبة الآخرين في ذلك، هذا ومن أهل العلم من عرف النميمة بأنها كشف الستر عما يكره قائله أو مالكه ظهوره، وعليه فإن هذا داخل في النميمة، وقد أجمع العلماء على أنها كبيرة بينما لم يجمعوا على أن الغيبة كبيرة، وإن كان الراجح أنها كذلك، قال بعضهم:
والنَّمُّ هتك الستر عما يكره قائله أو ربه ظهوره
وهو كبر باتفاق الجلهْ كما عليه جُلُّهم في الأكلهْ.
وبهذا تعلم أن ذكر خبر شخص لا يريد له أن يذكر إن لم يكن أعظم إثما من الغيبة فليس دونها.
أما الحديث مع الزوجة عن أخبار أو صفات شخص ما، فهذا راجع إلى ما سبق بيانه، فإن كان ذلك متضمنا القدح فيه ووصفه بما لا يحب فهي غيبة. وإن كان ذلك يفضي إلى نشر خبره الذي حرص على ستره كان إساءة واعتداء. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3821)
في المعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي والدة مصابة بمرض بالقلب وكثيرا ما ألجأ بالكذب عليها حينما تسألني عن إخوتي أو بعض الأمور التي أعلم أنني لو قلت لها حقيقتها ستغضب وقد ننقلها إلى المستشفى وقد يتضاعف عليها المرض لكبر سنها وأنا أعلم حقيقة أن ذلك سيقع غالبا، فما حكم الكذب عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإنه لا يجوز الكذب في هذه الحال، ويمكنك اللجوء إلى التورية والمعاريض وهي سوق الألفاظ العامة التي تفهم الوالدة منها سلامة إخوانك، كأن تقول فلان بخير أو صحيح سليم وتقصد أنه كان صحيحا بالأمس، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب. وإن احتجت إلى القسم على ما تخبر به من المعاني الصحيحة فلا بأس، شريطة ألا يتعلق بها حق للغير تكون توريتك وقسمك مانعاً من استيفائه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1421(9/3822)
تبادل ألفاظ الحب ولو كان في الله بين الرجال والنساء من خطوات الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حب في الله بين الرجال والنساء؟ هل يوجد ما يمنع أن تقول امرأة لرجل في معرض حديثهاعبارة "أحبك في الله" ويرد عليها "أحبك الله الذي أحببتني فيه"؟ علماً أن هذا حدث أثناء حوار بنّاء في إحدى المنتديات على الإنترنت. وعندما آخى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار, هل آخى بين الرجال والنساء، أم بين الرجال والرجال وبين النساء والنساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ... ... ...
فالحب في الله جل وعلا من أوثق عرى الإيمان، ويجد به العبد حلاوة الإيمان، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار". وعن ابن عباس رضي الله عنه قال:" أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار. ونساء المهاجرين داخلات بالتبع في المؤاخاة ولم يرد دليل يخصص استقلالها بالأمر. ولقد حث الشارع الحكيم على إعلام المرء من يحبه في الله جل وعلا بذلك وهو خاص للرجال مع الرجال والنساء مع النساء، وأما بين الرجال والنساء فيكون من طريق العموم، أن المؤمن يحب جميع المؤمنات والمرأة تحب جميع المؤمنين الطائعين، وأما التخصيص فإنه باب شر مستطير لم يأت به دليل ونحذر المسلمين من أمثال هذه الأمور خاصة على مواقع الحوار والمحادثة عبر الإنترنت، فهذا من خطوات الشيطان التي أمر الله جل وعلا بالابتعاد عنها قال الله جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) . [النور:21] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(9/3823)
إذا كان الصدق قد يترتب عليه ضرر بإنسان برئ فلا مانع من التعريض أو الكذب بحسب الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب في أمور خطيرة لتجنب ما هو أخطر منها؟ ولكم جزيل الشكر مقدماً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ...
فإن الصدق مأمور به العبد لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) . [التوبة:119] . وقد قال صلى الله عليه وسلم:"عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور فإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" [رواه مسلم] . وإذا كان الصدق واجباً فإن الكذب محرم وقد استثنى الشارع الحكيم من الصدق الغيبة فإنها وإن كانت حقا فهي محرمة، وهي ذكرك أخاك بما يكره مما هو متصف به فإن لم يكن فيه فقد بهته، كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال:" ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال" إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ... وكذلك يستثنى من الكذب: الكذب في الحرب وفي الصلح بين المتخاصمين وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها فقد روى أبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها". وكذلك إذا فر إنسان مظلوم من ظالم له يريد قتله وعلمت بمكانه فلا يجوز لك أن تخبر به. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3824)
استحباب ستر عيوب أخيك المسلم لهذا الأدلة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استر عيب أخيك يستر الله عيبك يوم القيامة" ما هي العيوب المقصودة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
قال تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [النور: 19] . وروى الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان رضَي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته". وفي الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيّما رجل شد عضد امرئ من الناس في خصومة لا علم له بها، فهو في سخط الله حتى ينزع عنها، وأيّما رجل قال بشفاعته دون حد من حدود الله أن يقام فقد عاند الله حقاً، وأقدم على سخطه، وعليه لعنة تتابع إلى يوم القيامة. وأيّما رجل أشاع على مسلم كلمة وهو منها بريء يرى أن يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله تعالى أن يرميه بها في النار. ثم تلا قوله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) " [رواه الطبراني عن أبي الدرداء] . وروى الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة".
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3825)
اعقد على الفتاة وتحدث معها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في العشرين من عمري وأحب فتاة من نفس العمر وأريد أن أتزوجها ولكن لانزال نكمل الدراسة الجامعية في جامعتين مختلفتين، ومعظم أهلي يعلمون بالأمر هل يجوز لي أن أتكلم مع هذه الفتاة علما بأن الحديث لا يتعدى حدود الأدب والإسلام، وذلك يكون مرة واحدة في الشهر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
اعلم أخي المبارك: أن الذي يظهر من سؤالك الأدب والحشمة وأسأل الله أن يوفقك للخير وأن يحصنك عن الحرام.. وأما بخصوص سؤالك.. فإن من القواعد المقررة في الشرع ما يسمى بقاعدة " سد الذرائع".. وهي بمعنى سد الطرق التي قد تؤدي إلا ما لا تحمد عقباه. فإني أخشى عليك من خلال الكلام الوقوع في أمور قد لا تتمنى في المستقبل أنها تقع، ولعل من أهمها: شغل القلب والفكر بما لا طائل تحته، ولربما فترت عزيمتك وضعف تركيزك أثناء المذاكرة والدراسة من أثر بعض الكلمات التي قد تصدر بشكل عفوي. والأمر الثاني وهو أنه مالم توجد مصلحة مطلوبة من الكلام مع هذه الفتاة أو غيرها من النساء اللاتي هن أجانب عليك، فالمنع من الكلام معهن هو المفتى به. أضف إلى ذلك أن هذه المرأة قد لا تتزوج بها مستقبلاً حسبما ذكرت، فتكون قد وقعت في محذور أنت في غنى عنه. وأما الذي أنصحك به أن تتقدم لهذه الأسرة بخطبة هذه الفتاة والعقد عليها، ثم بعد ذلك إن أحببت أن تؤخر الدخول بها إلى أجل فهنا يحل لك الكلام معها وبدون أي حرج ـ وإذا لم تفعل هذا فاجتنب الكلام معها ... ووفقك الله لكل خير.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3826)
لا يكره تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه وعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم تقبيل يد الشيخ وهل من حرج إذا كانت بنية الاحترام والتقدير والتواضع للشيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فتقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من قال: لا يكره بل يستحب، ومنهم من منعه. فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فلا ينبغي أن يختلف في منعه. والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3827)
غض بصرك عن النظر إلى الحرام واتق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مواظب على الصلاة، ومع أنني متزوج لكني أنظر إلى النساء كثيراً، وهذه العادة ملازمة لي منذ الشباب إلى الآن، ولم أتب منها ماذا أفعل. فأنا تعودت على ذلك، مع العلم أني لم أخن زوجتي يوما من الأيام؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:
اعلم أن من دلائل الإيمان غض البصر عن الحرام كما قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) [النور: 30] ومن تعود على إطلاق بصره لما لا يحل له فليتق الله، وليراع شكر هذه النعمة فلا يستعملها في معاصي الله، فإن من تمام شكر الله أن تستخدم هذه الجوارح في مرضاة الله، وكما أنك لا تحب أن يرى الناس ويتابعو أهلك فلا ترضى هذا لنفسك. والله عز وجل يوفقك للخير ويجنبك الشر. وفيما رزقك الله من الحلال غنية عن ذلك. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3828)
أمور تعين على الالتزام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في العشرين من عمري أحب الصلاة كثيراً وأشعر بالراحة والسكينة حين أؤديها ولكني خلال العشر سنوات الماضية لم أكن أؤديها بشكل منتظم وأشعر بالحزن والندم على ذلك فكيف لي أن أحافظ على حق الله علي أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاعلم أيها الأخ المبارك أن الشيطان حريص على إضلال العبد وإفساده وإيقاعه في المهالك. وإنه ليفهم من خلال سؤالك بداية خير تعيشها ألا وهي لوم النفس وتأنيبها على التقصير في حق الله سبحانه وتعالى. فإنه متى ما ملك العبد هذه النفس التي تؤنبه بين فترة وأخرى فإنه يكون على خير أما أهل النفوس الميتة والقلوب القاسية فإنهم لا يهتمون بأنفسهم ولا فيما ينوبها من تقصير فالواجب عليك أخي الكريم أن تعلم أن الذي أمرك بالصلاة هو الله الذي خلقك ورزقك وأعطاك من الصحة والعافية والسعة في المعيشة مالم يعطه لكثير من عباده وفوق هذا كله أنعم عليك بنعمة الإيمان به وهي أعظم نعمة أنعم بها الله على عباده فلا تقابل هذه النعم بالتقصير في حق الله. ثم إنه من المهم أن تعرف ما هو سبب تهاونك في الصلاة هل السبب أصدقاء السوء أو أن السبب في ذلك كان بسبب معصية من المعاصي كنظرة إلى حرام أو معصية للوالدين أو غير ذلك مما يكون سبباً في حرمان الشخص من الطاعة، ثم اعلم أخي الكريم أنك لو قرأت في سير الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم لرأيتهم يحافظون على الصلاة ويحزنون الحزن الشديد على فوات تكبيرة الإحرام فضلاً على فوات صلاة بأكملها بل نقل عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام منذ أربعين سنة. فليكن في أمثال هؤلاء الصالحين أسوة وقدوة حسنة ثم اعلم أخيراً أن لهذه الصلاة أوقاتا محددة كما قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) [النساء:103] فلا تؤد صلاة في غير وقتها وإن فاتك شيء منها فاقضها واحرص على العودة إلى ما كنت عليه من خير وطمأنينة وسكينة وأكثر من الاستغفار فإن الشخص ما يبتلى إلا بذنوبه وقانا الله وإياك من شر الذنوب. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3829)
اعتذارك لزوجك عن الخطأ أو التقصير مطلوب شرعا وهو من حسن العشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي وكنت في حالة عصبية يرثى لها وحدث جدال بيني وبين زوجي بعد ذلك. ومن شدة ثورتي وغضبي وشد أعصابي مزقت فستاني أمامه فما حكم ذلك وهل عليّ إثم في هذا أم لا. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
فإنك أيتها السائلة أذنبت بما عملت في تلك الحالة، ولا ينبغي للمسلم والمسلمة أن يفعل شيئاً من العمل بهذا الشكل، لأنه استجابة لنداء الشيطان، فالشيطان في حال الغضب يغلب الإنسان ويسيطر عليه بحيث يحركه كيف يشاء. ويصبح الإنسان كريشة في مهب الريح في يد الشيطان. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل وقد طلب منه أن يوصيه: "لا تغضب فردد مراراً فقال: لا تغضب" [رواه البخاري] . فننصح السائلة ألا تعود إلى هذا الفعل وأن تتوب إلى الله عز وجل وأن تعتذر لزوجها. والله الموفق لكل خير. وصلى الله على النبي الأمي وآله وصحبه وسلم. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3830)
انتشار مغازلة البنات نذير خطر وأسبابها كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المسؤول عن انتشار ظاهرة مغازلة البنات، وماحكم هذه الممارسة من الجنسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
...
فإن مغازلة البنات من العادات السيئة والذنوب الكبيرة التي انتشرت عند كثيرٍ من الشباب وللأسف الشديد فالمتتبع لأصول هذه الظاهرة السيئة يجد أن أصلها يكمن في ضعف الوازع الديني عند الناس وعدم خوفهم من الله وتركهم مراقبة الله سبحانه وتعالى، وفساد التربية في البيوت والمجتمعات، رجالا ونساء. وإن من أسباب انتشار هذه الظاهرة ماتقوم به كثير من وسائل الإعلام من نشرٍ للرذيلة وتشجيع لها، ومحاصرة وتضييق لأبواب الفضيلة في وجوه الناس، وإن الشاب الغيور على عرضه يأنف من مثل هذه التصرفات الطائشة التي غالباً ما تصدر من عدم التزام الشاب بأوامر الله فإنك لا تكاد ترى شاباً اشتهر بالمغازلة إلا ووجدته غير محافظ على الصلاة ولا يغض بصره، وتجد قلبه خاوياً هائماً يميناً ويساراً بملاحقة ومتابعة البنات ونسي هذا الشاب، أو تناسى أن الناس لا يرضون هذا لبناتهم وهو كذلك لا يرضى هذا الفعل لأهله إلا إذا عدم الغيرة بالكلية. أين هذا الشاب الذي يعطل قواه وطاقته في ملاحقة البنات ويعزف عن التفكير الجاد فيما يعود بالنفع عليه وعلى بلده ومجتمعه! ألا يعلم هذا الشاب أن الله سيسأله عن هذه القوة والطاقة التي يهدرها في غير محلها! ألم يسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه) رواه الترمذي وغيره وهو صحيح. ألا يرى هذا الشاب ما يصيب أمته من إذلال واحتقار، فيربي نفسه على العزة والكرامة. لم لايقرأ هذا الشاب قصص فتيان الصحابة وكيف كان الواحد منهم يبكي إذا رد عن الجهاد؟! لله در نفوس امتلأت بحب الله وبحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحت بكل غالٍ ورخيصٍ وخابت وخسرت نفوس تتبعت كل دني وخسيس. ألا فمن ابتلي بهذا المرض فليعالجه من أساسه، وهو أن هذا الشاب إنما أتى من قبل إطلاقه لبصره ولو أنه استجاب لقول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) [النور: 30] لأراح نفسه. ثم على من أراد التخلص من هذا الداء أن يبحث عن الحلال وسوف يعينه الله على تحصيله إن شاء الله فقد جاء في الحديث الصحيح: (ثلاثة حقٌ على الله إعانتهم وذكر منهم: الناكح يريد العفاف) رواه أحمد وهو صحيح. وعلى الفتيات أن يتقين الله في أنفسهن ولايخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، ولايتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، ولايعرضن أنفسن بزينتهن في أماكن الزحام ومواطن اجتماع الرجال، ولتعلم الفتيات أنهن شريكات في الأثم، بل قد يكن أصله وسببه. وأنهن في سخط الله يرحن ويغدون، إن لم يحجزن أنفسهن عن مساخط الله، ولاتخدعهن ضحكات مسمومة وأحاديث ناعمة في ظاهرها، خبيثة المصدر والمقصد في حقيقتها، وليعتبرن بألوف من أخواتهن جرفهن التيار، فضاع المستقبل والشرف والمتعة معا، وبقي الهم وتوبيخ الضمير، وفوق ذلك سخط العلي الكبير. والله المستعان وهو بكل حال أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1421(9/3831)
مصاحبة أهل الصلاح تبعدك عن المعاصي واستماع الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أحب الخير والعمل في ما أمره الله والانتهاء عن ما نهى عنه ولكن حينما توجد عندي أشرطة إسلامية أستمع إليها وعندما أفقدها ويكون عندي أشرطة غنائية أسمعها لعدم وجود البديل فما هو الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
هذا الشخص فيه خير وشر وهو يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فما يفعله من خير يثاب عليه، وما يفعله من حرام فإنه يستحق عليه العقوبة، ويرجى له من الله التوبة، قال تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم) [التوبة: 102] . وإن مات ولم يتب فأمره إلى الله، هو أعلم بمقدار حسناته وسيئاته. وكونه إذا تيسر له سبيل الطاعة أطاع، وإذا تيسر له سبيل المعصية عصى، فإنما يدل على قلة الوازع لديه وعدم تمكن الإيمان من قلبه، فعليه إذا أراد أن يبتعد عن المعصية أن يقطع السبيل عليها، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) [النور: 21] .
وقطع سبيله المعصية يكون بالبعد عنها، وكذلك عليه أن يصاحب أهل الخير الذين يدلونه على طاعة الله، وأن يتجافى عن صديق السوء، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل كما صح في الحديث وهو في سنن أبي داود والترمذي.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3832)
مدار التفضيل بين الناس بالإيمان والتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابعث هذه الرساله وكلي أمل بأن تجيبوا على سؤالي بوضوح تام وجزاكم الله خيرا. هناك قوم يلقبون بالسادات, يقال بأن الرجل منهم سيد والمرأه سيده, والسؤال هو: مامعنى السادات؟ والى من ينتمون وما أصلهم؟ والى أي مذهب ينتمون؟ وما مكانتهم في الإسلام؟ أريد معرفة كل شيء عنهم، وبالتفصيل، والسؤال الثاني: هل نستطيع الزواج منهم؟ الرجاء إرسال الإجابه بأسرع وقت ممكن على البريد الالكتروني:ms50011 usa.net وجزاكم الله خيرا كثيرا، وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه أما بعد:
فتطلق بعض المجتمعات على المنتسبين إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ذرية الحسن أو الحسين لقب السادة أو الأشراف. ومن عُلم أنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حرم عليه أخذ الصدقة، وأعطي من خمس الغنيمة. ومدار التفضيل والتشريف في الإسلام على الإيمان والتقوى، كما قال سبحانه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) . [الحجرات: 13] . والزواج من هؤلاء جائز كالزواج من غيرهم من المسلمين. والواجب على الزوج أن يبحث عن ذات الدين والخلق، كما يجب على ولي الزوجة البحث لها عن الزوج الكفؤ الذي يراقب الله تعالى ويتقيه. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3833)
التوبة المستوفية لشروطها تمحو الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول صاحبي: كنت أسير في طريق خال فرأيت بنتين في عمر الثامنة تقريبا فأخرجت ذكري ومشيت عليهما فما أن رأتاني حتى جريتا في نفس اللحظة مذعورتين كل في اتجاه من غير اتفاق منهما. وسؤاله: هل تكفيه التوبة أم أنه من الآثام المستمرة؛ لخوفه من تأثير هذا عليهما في مستقبلهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عزوجل لا يحب الفحش ولا التفحش، وما فعله صاحبك هذا يعد من الفحش في الفعل، ومن المحرمات، وينم عن عدم حياء من الله ومن نفسه ومن الناس.
فعن معاوية القشيري رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ، قُلْتُ وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي، ثم الألباني.
ومع قبح هذا الفعل وشناعته إلا أن باب التوبة مفتوح مهما عظم الذنب، ومادام صاحبك قد ندم على هذا الفعل، فالندم هو أصل التوبة، وليضف إلى هذا الندم الاستغفار والعزم على عدم العودة إلى هذا الفعل فهذا يكفيه إن شاء الله تعالى. فقد قال سبحانه: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. {لأنفال: من الآية33} .
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53} .
وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
ولا يعد هذا الذنب من الذنوب المستمرة بل إن تاب منه تاب الله عليه، وليسأل الله تعالى أن يعافي هاتين الفتاتين، وأن يوفقهما، ولمزيد من الفائدة راجع الفتويين: 54900، 51247.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(9/3834)
علامات الإخلاص في حب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أحبكم فى الله، أريد أن أسأل كيف حقق الصحابة الإخلاص ليصلوا إلى هذه الدرجة من حب الله ورسوله؟ وهل حب المرأة لبيتها وزوجها وأولادها يتعارض مع أنه لا يجوز أن يكون فى القلب إلا حب الله فقط؟ وما هي العلامات التي بها أعرف أنه ليس فى قلبي إلا حب الله ورسوله فقط؟ أرجو أن أكون وضحت سؤالي لأن هذا الموضوع يشغلني ليل نهار؟ وجزاكم الله كل خير وبارك فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يبلغك الدرجات الرفيعة العالية في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واعلمي أن ما وصل إليه الصحابة رضي الله عنهم من إخلاص المحبة لله إنما وصلوا إليه بتوفيق الله عز وجل، ثم بأخذهم بأسباب ذلك، وقد ذكرنا ما يعين الإنسان على تحقيق محبة الله وترسيخها في قلبه، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47241، 22296، 4014، 24565، 71891.
وليس هناك تعارض بالضرورة بين محبة المرأة لربها وبين محبتها لبيتها وزوجها وأولادها، فالمحبة على أنواع متعددة، وليست كل محبة لشيء من الأشياء تكون شركاً، وقد سبق بيان أقسام المحبة في الفتوى رقم: 27513. فراجعيها للأهمية.
وأما علامات إخلاص المحبة لله فمنها: حب لقاء الله تعالى في الجنة، فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته، وهذا لا ينافي كراهة الموت، فإن المؤمن يكره الموت، ولقاء الله بعد الموت ... وعلامة هذا الدؤوب في العمل، واستغراق الهم في الاستعداد. ومنها أن يكون مؤثراً ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه، فيجتنب اتباع الهوى، ويعرض عن دعة الكسل، ولا يزال مواظباً على طاعة الله تعالى متقرباً إليه بالنوافل ... ومن العلامات أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى، لا يفتر عنه لسانه، ولا يخلو عنه قلبه، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به، فعلامة حب الله تعالى حب ذكره، وحب القرآن الذي هو كلامه، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع ما جاء به، قال الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. آل عمران 31. فإذن علامة المحبة كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التنعيم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة، ومتى غلب الحب والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحب والأنس قلبه، حتى لا يفهم أمور الدنيا، ما لم تتكرر على سمعه مراراً، مثل العاشق الولهان.
ومنها أن يتأسف على ما يفوته من ذكر الله تعالى، ويتنعم بالطاعة ولا يستثقلها، ويسقط عنه تعبها ... ومنها أن يكون شفيقاً على جميع عباد الله، رحيماً بهم، شديداً على أعدائه، كما قال الله تعالى: أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ. ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصرفه عن الغضب له صارف، فهذه علامات المحبة، فمن اجتمعت فيه فقد تمت محبته، وصفا في الآخرة شرابه، ومن امتزج بحبه حب غير الله، تنعم في الآخرة بقدر حبه، فيمزج شرابه بشيء من شراب المقربين، كما قال عز وجل: إ نَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ... إلى قوله: يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ. فقوبل الخالص بالصرف، والمشوب بالمشوب: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. ومنها أن يكون في حبه خائفاً بين الهيبة والتعظيم، فإن الخوف لا يضاد المحبة، ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم، وبعضها أشد من بعض، فأولها خوف الإعراض وأشد منه خوف الحجاب، وأشد منه خوف الإبعاد، ومنها كتمان الحب، واجتناب الدعوى، والتوقي من إظهار الوجد والمحبة، تعظيماً للمحبوب وإجلالا له، وهيبة وغيرة على سره، فإن الحب سر من أسرار الحبيب، وقد يقع المحب في دهش وسكر، فيظهر عليه الحب من غير قصد، فهو في ذلك معذور، كما قال بعضهم ومن قلبه مع غيره كيف حاله؟! ومن سره في جفنه كيف يكتم؟! . من مختصر منهاج القاصدين مع بعض الحذف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1430(9/3835)
العمل قصد الرغبة في تيسير أمور الدنيا والآخرة لا ينافي الإخلاص
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أتمنى إفادتي به لأنه مسبب لي حيرة وارتباكاً.. أنا والحمد لله ملتزمة بصلواتي المفروضة وأصوم وأزكي وأخاف ربي.. مع العلم إني لست متدينة لكني والحمد لله أؤدي العبادات المفروضة وأقول الأذكار الصباحية تقريبا كل يوم.. وكل ما احتجت شيئاً من أمور الدنيا أدعو ربي إيمانا مني بأنه سبحانه وتعالى يحب أن يسمع دعاء عبيده، وأنه سميع مجيب حتى لو تأخر في الإجابة.. ولكن ماهي المشكلة.. أنا مثل معظم الناس.. أحيانا أغفل عن ذكر الله ولي بعض الذنوب، وأحاول دائما أن أستغفر، ولكن أحيانا عندما يهّم بي أمر أو أن أكون في مأزق، أو بحاجة إلى أمور دنيوية كالزيادة في الرزق أو الزواج من رجل مناسب أو النجاح وغيره.. فإني أكثر من الاستغفار تطبيقا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : من لزم الاستغفار يجعل الله له ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. فأستغفر بكثرة وبحرقة ... ولكن قرأت في أحد مواقع الإنترنت أن أي عمل تعبدي يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ولطلب الآخرة، وإلاّ سيكون نوعا من الشرك الأصغر، أو بمعنى إذا كان الإخلاص وسيلة للحصول على شيء دنيوي فإنه يعتبر نقصا في الإيمان (وشركا أصغر) .. وأنا لا أريد أن أكون ناقصة إيمان بل أريد أن يرضى الله عني في الدنيا والآخرة، ولكن من الطبيعي أن يبتغي الإنسان بعض الحاجات من الدنيا ولذلك وجد الدعاء.. ولكن الذي يحيرني الآن هو أني أشعر بشيء من التناقض بين حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الاستغفار وبين ما ذكر أعلاه.. أنا أعلم أن المقصود هو يجب أن يتعّبد المؤمن وهو خالص النية لوجه الله وللأجر وليس أن يعتبره وسيلة فقط للحصول على الأمور الدنيوية، وهذا ما أقوم به ولله الحمد.. ولكني الآن واقعة في مشكلة وهي أني كلما أستغفر تطبيقا للحديث أعلاه أشعر كأني منافقة وخصوصا إذا كنت محتاجة شيئا من ربي كالزواج أو النجاح في حياتي أو الخروج من مشكلة.. فأرجو حل هذا اللبس؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب نريد أولاً أن ننبهك إلى الخطأ في قولك (لست متدينة) فمن جهة يجب على المسلم أن يكون متديناً أي قائماً بالواجبات مجتنباً للمحرمات كما أمره خالقه، ومن جهة أخرى فإن هذه العبارة متناقضة مع ما ذكرته من حرصك على أن يرضى الله عنك في الدنيا والآخرة.. ومما لا شك فيه أنه يجب على المسلم أن يقصد بأعماله الصالحة ابتغاء وجه ال له والإخلاص له فيها سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ {الزمر:11} ، وقال أيضاً: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:6} ، وثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
وعليه، فإذا قام المسلم بالذكر المعين وليس له غرض إلا أن يحصل ما تضمنه ما ترتب عليه من حظ دنيوي فإن ذلك ينافي الإخلاص، وأما إن قصده تبعاً لأدائه الذكر لله تعالى فلا حرج في ذلك، قال ملا علي القاري في شرحه على مشكاة المصابيح أثناء شرحه لبعض الأحاديث: وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل وطلب حصوله لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى لا لغرض ولا لعوض. انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه للأربعين النووية عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. قال: وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأس من أن يقصده المسلم في أن ييسر على إخوانه رغبة فيما عند الله -جل وعلا- ورغبة في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة، لأن هذا كما ذكرنا في شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات. لا ينافي الإخلاص. فإن العمل إذا رتب عليه الثواب في الدنيا أو في الدنيا والآخرة وجاءت الشريعة بذلك فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا والإخلاص له لا حرج فيه. انتهى.. فنرجو بهذا البيان أن يكون قد اتضح لك الأمر وزال عنك الإشكال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1430(9/3836)
أثر الصلاة والصوم والزكاة في طمأنينة النفس وراحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد توضيحا للعبادات من صلاة وصيام وزكاة، وما لذلك من أثر كبير في علاج حالات التوتر والقلق والاكتئاب وغير ذلك في بضعة أسطر ـ من فضلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد الموحد لله تعالى المنقادَ لشرعه الواقفَ عند حدوده هو أسعد الناس وأكثرهم طمأنينة وسكينة، لأنه يعلم: من ربه؟ وما الغاية التي خلق من أجلها؟ وما حكمة الابتلاء؟ وما مصيره بعد الموت؟ وماذا له لو كان من المحسنين؟ وماذا عليه لو لم يكن كذلك؟ ولذلك قال إبراهيم بن أدهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ـ يعني من السعادة وطمأنينة القلب ـ لجالدونا عليه بالسيوف.
وانظر أثر الإيمان في حياة المسلم في الفتاوى التالية أرقامها: 38814، 115393، 29172.
وأما أثر الصلاة خاصة في حصول السكينة وطمأنينة القلب وراحته، فانظره في الفتويين رقم: 28759، ورقم: 117997.
وأما أثر أداء الزكاة في طمأنينة القلب وسكينته فظاهر، لأن الشخص إذا كان مدينًا لعبد مثلِهِ، فإنه لا يستطيع أن ينام من الهم، ولا يستريح باله إلا إذا قضى ما عليه من ديون، فإذا كان الأمر كذلك وكان دين الله أحق بالقضاء، فإن الذي يؤدي الزكاة طيبة بها نفسه يكون في راحة لا يعلمها إلا الله ولا يجد الهم إلى قلبه طريقًا خاصة إذا كان ممن يتحرى الطيب من ماله ويتحرى المستحقين من المؤمنين ليتيقن من وصول الزكاة لمستحقيها.
هذا، وإن الصيام مما اختص الله تعالى به نفسه، قال سبحانه وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به. رواه البخاري ومسلم.
فلا شك ـ إذًا ـ أن تطمئن نفس المؤمن ويذهب عنها الضيق والوساوس إذا كان العبد ممن صام لله تعالى، لما تجلبه طاعة المحبوب من الفرح والسكينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(9/3837)
أعظم الكرامة لزوم الاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي كل يوم وأقرأ القرآن أيضا وأصوم وكل شيء بفضل الله وعلاقتي جيدة مع الله ... في اعتكافي بالمسجد في رمضان وجدت كل إمام يأتي سواء شاب أو رجل كان ذا صوت جميل، وأنا أتمني أن لو أؤم بالناس مرة واحدة، وقلت يجب أن أدعو الله أن يتحقق ذلك، وأن أدعوه أن يصبح صوتي جميلا حتي يتقبلني الناس، مع العلم أني أبلغ من العمر16 فقلت وأنا أفكر هناك كرامات يعطيها الله للمحسنين، ثم جاءت فكرة أني أريد أن أكون من المحسنين ومن أولياء الله حتي يجعل الله لي كرامة الصوت الجميل، فكيف أن أكون من المحسنين؟ مع العلم بأني في كثير من الأحيان أدعو الله ويستجيب لي، وباختصار كيف أكون من المحسنين ومن أولياء الله الذين يعطيهم كرامات، ولا بأس فإن جمال الصوت يترتب عليه الكثير، وأنا أريد منه فقط أن أصبح إماما لا غير؟ هذا وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرفنا القرآن الكريم من هم أولياء الله، فقال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس:26-63} ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في هذا الباب أن يعلم الرجل أن أولياء الله هم الذين نعتهم الله في كتابه حيث قال: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وفى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ... انتهى.
وقال السعدي في بهجة قلوب الأبرار: أولياء الله قاموا بالفرائض والنوافل، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه، ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم، فإن سمعوا سمعوا بالله، وإن أبصروا فلله، وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله، ومع تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة، إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم، وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم ... ووصف النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل مطابق لوصف الله لهم بالإيمان والتقوى في قوله: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا؛ لأن الإيمان يشمل العقائد وأعمال القلوب والجوارح، والتقوى ترك جميع المحرمات. انتهى.
ولا يتأهل العبد لذلك بمثل مراقبة الله تعالى واستحضار علمه بحال عبده واطلاعه عن ظاهره وباطنه، ولذلك قال سبحانه قبل هذه الآية قوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {يونس:61} ، قال السعدي: يخبر تعالى عن عموم مشاهدته واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم، وفي ضمن هذا الدعوة لمراقبته على الدوام. انتهى.
وهذا هو مقام الإحسان الذي هو أعلى مقامات الدين، فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. متفق عليه.
والمقصود أن مراقبة الله تعالى تعين على طاعته واجتناب معصيته والاجتهاد في عبادته فرضا ونفلا، وهذا هو طريق ولايته سبحانه لعبده، وما يترتب عليها من الفوز بمحبته وكرامته وتوفيقه وتسديده وإجابته لدعائه. فليحرص السائل الكريم على إصلاح باطنه قبل ظاهره، وقلبه قبل هيئته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم. وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65619، 4478، 25852.
ثم ليعلم السائل الكريم أن الحرص على الإمامة إذا لم يكن لغرض شرعي من مؤهَّل لها، فهي مدحضة مزلة، ويخشى على صاحبها أن يكون دافعه لذلك الرياء وحب الظهور وطلب السمعة والصدارة في الناس، وهذا داء عضال يحبط عمل صاحبه ويفسده، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له. فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له. ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه. رواه النسائي، وصححه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. قال الطيبي ـ كما في مرقاة المفاتيح: معناه ليس ذئبان جائعان أرسلا في جماعة من جنس الغنم بأشد إفساداً لتلك الغنم من حرص المرء على المال والجاه، فإن إفساده لدين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين لجماعة من الغنم إذا أرسلا فيها، أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ويجر إلى التنعم في المباحات ... وأما الجاه فكفى به إفساداً أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال، وهو الشرك الخفي فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة فهو أفسد وأفسد. انتهى. وراجع للمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10992، 45693، 123818، 45965.
وأما بخصوص رغبة السائل في الصوت الجميل وتطلعه إلى أن يمنحه الله إياه من باب الكرامة، فإن هذا وإن كان داخلا فيما يقدر عليه الله تعالى، إلا أنه ينبغي أن يشتغل بغير ذلك، فإن هذا شيء قد فرغ منه وأولى بالأخ الكريم أن يشغل نفسه بالاستقامة على أمر الله تعالى، فإن أعظم الكرامة لزوم الاستقامة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. ونقل القشيري في رسالته عن أبي علي الجوزجائي قوله: كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربُك عز وجل يطالبك بالاستقامة. انتهى. ونقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وقال الألوسي في روح المعاني: قوله سبحانه: وَمَا كَانَ لِر سُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ. فيه منع طلب الكرامات. انتهى.. ومن جهة أخرى فقد ذكر ابن الجزري في فصل آداب الدعاء من كتابه عدة الحصن الحصين أن لا يدعو بأمر قد فرغ منه ولا بمستحيل. ونقل ذلك عنه السفاريني في غذاء الألباب وذكر نحوه ابن الإمام في سلاح المؤمن في الدعاء.
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين: وجه ذلك أن الشيء إذا قد فرغ منه لم يتعلق بالدعاء فيه فائدة، وقد روى مسلم والنسائي ما يدل على ذلك من حديث أم حبيبة رضي الله عنها، لما سمعها تدعو النبي صلى الله عليه وسلم ولأبيها ولأخيها بأن يمتعها الله بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: لن يعجل الله شيئاً قد أجله ... الحديث. قوله (ولا بمستحيل) وجه ذلك أن الدعاء بالمستحيل هو من الاعتداء في الدعاء. انتهى.
ويكفي الأخ السائل من ذلك أن يسأل الله من فضله على وجه العموم، عملاً بما يشير إليه قوله تعالى: وَلاَ تَتَمَنو اْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {النساء:321} ، وأخيراً ننبه السائل الكريم أنه ينبغي للعبد حين يدعو أن يلتمس أدعية القرآن والسنة ويكتفي بهما، ففيها الخير والبركة والكفاية، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها-: يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(9/3838)
التوبة من الزنا والعلاقات المحرمة ووجوب تمسك المسلمة بحجابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ارتكبت فواحش كثيرة وأريد التوبة والتكفير عن كل ذنوبي. كنت لابسة حجابا ونزعته، ولبست ملابس غير محتشمة في البحر مع الشباب. زنيت مع الشباب في رمضان، كنت أنا وصاحبي نتعانق ونبوس بعضنا بالليل. أنا أحب صاحبي حب مجانين، وأريد أن أنساه لتقبل توبتي، أنا الآن لابسة حجابي خوفا من الله، لكن مازلت أحب التبرج، ولما أرى البنات أغار، كنت أدعو ربي في استخارتي أنه إن كان صاحبي من نصيبي أعطني لفرنسا لأنه يدرس بفرنسا، لكن لما سرقوا ووضعوا لي صورا بالمايوه رفضني، لكن لا أستطيع العيش من دونه. أطلب من إخوتي المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك التوبة النصوح من هذه الذنوب، فالزنا جرم عظيم وكبيرة من الكبائر، وراجعي فيه الفتوى رقم: 1591.
كما أن التبرج أمر خطير وباب إلى الفساد عظيم، جاء الوعيد الشديد بشأنه، فانظري بخصوصه الفتوى رقم: 8569. فالبدار البدار إلى التوبة، واحمدي الله تعالى أن أبقاك حتى تتمكني من التوبة، فكيف يكون حالك لو لقيت الله تعالى وأنت على تلك الذنوب، وختم لك بالخاتمة السيئة. وراجعي شروط التوبة بالفتوى رقم: 5450.
وقد أحسنت بلبسك الحجاب خوفا من الله تعالى، وميل نفسك إلى التبرج من نزغات الشيطان، وإذا نفث الشيطان في نفسك الغيرة من المتبرجات واستحسان أمرهن، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وتذكري ما جاء من الوعيد في حقهن، وإذا قمت بمدافعة هذه الوساوس فإنها لا تضرك، وراجعي الفتوى رقم: 45134.
وعليك بأن تكثري من دعاء الله تعالى أن يرزقك الاستقامة والثبات على الحق، وراجعي الوسائل التي تعين على الثبات بالفتوى رقم: 1208، والفتوى رقم: 12744.
وسبق أيضا بيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان في الفتويين رقم: 33860، 56356.
واعلمي أنه لا يجوز للمرأة أن تكون على علاقة مع رجل أجنبي عنها، فيجب عليك قطع العلاقة مع هذا الشاب.
وإن كنت ترغبين في زواجه منك، وتاب إلى الله مما ذكرته عنه معك وحسنت توبته، فاسألي الله تعالى أن ييسر لك ذلك، وما كان ينبغي أن تسألي الله أن يعطيك لفرنسا فإن الهجرة إلى بلاد الكفر لا تجوز إلا في حدود ضيقة بيناها في الفتوى رقم: 2007.
وإن لم يكن راغبا في الزواج منك فلا تتبعيه نفسك، ولعل الله تعالى يرزقك زوجا خيرا منه، وما يدريك أن يكون في زواجك من هذا الشاب خير لك، ففوضي الأمر لله تعالى، قال سبحانه: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة:216}
وإذا لم يكن هذا الشاب قد تاب وأناب فلا تقبلي به زوجا.
وأما نسيانه فأمر سهل إن عقدت العزم وصدقت مع الله، قال تعالى: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ {محمد:21} وهنالك أمور تعين على علاج العشق ذكرناها بالفتوى رقم: 9360 فراجعيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(9/3839)
الأدلة على عظيم قدرة الخالق كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كرم من كرم الله علينا وجودكم في هذا العصر الرهيب الذي كثرت فيه الأقاويل، وعندكم الكلام العدل والفصل والسؤال: ما صحة هذا الكلام؟ في روسيا ظهرت آيات قرآنية وأحاديث نبوية على جلد رضيع اسمه: علي بشير.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك إلى طاعته وخدمة دينه وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يجنبنا الخطأ والزلل.
ولا ندري إن كان هذا الذي ذكرته قد وقع فعلا أم لا، وعلى تقدير وقوعه، فإن مثل هذا ليس بممتنع على القدرة الإلهية والمهم في الأمر ثبوته، ولا نرى للمسلمين أن ينساقوا وراء هذه الأخبار الغربية ـ وإن كانت ممكنة ـ وفي ما بثه تعالى في الكون من دلائل قدرته وعظيم قدره عبرة للمعتبرين وحجة على المعاندين، قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت53} .
وللأهمية ومزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 68373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(9/3840)
مضادات الحزن والوحشة واكآبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 18 سنة وفي أول سنة جامعية ومشكلتي لا تلخص في سطور، ولكن سأذكر لكم جوهرها
أنا شاب اجتمعت في ثلاث صفات لا أتمنى أن توجد لأحد غيري كي لا يعاني ما أعاني: الشك والوسواس في أتفه الأشياء، فإذا كان عندي امتحان فالهم يشوش علي وأنا أضحك، لكن تتحول الضحكة إلى هم ونكد إضافة إلى الشك في الأشياء قبل ما أفعلها أتردد وأشك أنني لا أقدر أن أفعل شيئا حتى السواقة أخاف منها ـ رغم أنني كنت أحبها ـ وأحس دائما أنني حقير وتافه ومستواي أنزل من قدمي وبالذات عندما أرى شخصا واثقا من نفسه وأحس أنني غير موفق رغم أنني ـ ولله الحمد ـ أصلي كل الفروض وأغلبها جماعة ـ في الجامعة أو المسجد ـ وأحيانا الفجر لا أصليها في جماعة وأقوم الليل وأستغفر ودائما قبل ما أستغفر أقول: يا رب ابتغي به مغفرة ذنبي وأن توفقني لكذاـ فهل هذا صحيح وجائز؟ وأحس أنني غير مستجاب الدعاء، وبعد الثانوية خاب ظني في الجامعة وانتقلت عن التخصص الذي كنت أريده، فبعض الناس يقولون لي يمكن أن لا يكون لك فيه خير والآن تخصصي عادي جدا ـ محاسبة ـ وأخاف أن لا أشتغل بعد ما أتخرج أو في ما لا يرضي الله مثل: البنوك الربوية والشركات والاحتيال على الناس، ولا أدري هل أغير التخصص أم لا؟ لأنني أخاف أن أذهب إلى الهندسة ولا أقدر عليها ـ رغم أن نتائجي ممتازة من أول ابتدائي ـ فأنا فاقد الثقة بنفسي، وأحيانا أدعو ربي أن يؤتيني علما يغنيني به عن الجامعة وأنفع به الأمة وأرفع به من شأنها بين الأمم، فهل هذا مشروع؟ وعندي امتحان بعد 5 أيام ومن حين بدأت أهم به ـ رغم أنني أدرس له ـ أحس أن دعائي غير مستجاب، كما أنني أعترف أن لي بعض الذنوب مثل: سماع الأغاني، لكن الشطان يغلبني وأرجع لها ـ رغم أنني أتوب قبلها ـ لكن أرجع، فهل الذنوب تؤخر الفرج؟ أعرف أنني لم أرتب سؤالي، والله حالتي لا يعلم بها إلا الله ولا يقدر أن يفرج همي إلا الله، وادعوا لي بالتوفيق في حياتي ودراستي لا تنساني يا شيخ أنتم أناس فضلاء ونحن بحاجة لدعائكم في السجود وفي كل موضع، لأنني والله صرت أفكر في الانتحار ولا يردني عنه إلا أنني ذاهب إلى النار ـ نسال الله العافية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يذهب عنك الهم والضيق والحزن وأن يبدلك مكانه فرحا وسرورا وسعة وحبورا, ونسأله سبحانه أن يصرف عنك شر نفسك ويقيك سيئات عملك ويرد عنك كيد الشياطين.
واعلم ـ أيها السائل ـ أن الله سبحانه بحكمته وفضله قد جعل الرضا والفرح والسرور والنشاط والأنس وقرة العين في طاعته وامتثال أوامره, قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل:97} . وقال سبحانه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {طه:123} .
وجعل أضداد هذه من الهم والحزن والضيق واليأس والكآبة في التفريط في الطاعة وفعل المعصية, فما يجده الإنسان من هم وغم وضيق في الصدر ونكد في العيش، فإنه ـ غالبا ما يكون ـ ثمرة من ثمرات المعاصي النكدة ونتاج من نتاجها المر, قال الله سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} . وقال سبحانه: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا {النساء: 123} .
يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي: ومنها: عقوبات المعاصي وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله جل وعلا, ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة ـ وما لجرح بميت ايلام ـ وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب. فالله المستعان.
ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ـ ولاسيما أهل الخير منهم ـ فإنه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن, وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه.
وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وإمرأتي.
ومنها: تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا. انتهى بتصرف.
فإن أردت خلاصا مما أنت فيه فالزم طاعة ربك وداوم على عبادته وذكره، فإن الذكر له أثر عظيم في شرح الصدر وتفريج الهم, قال سبحانه: أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} .
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا.
وإياك أن يحملك ما تجد من ضيق وهمٍّ على القنوط من رحمة الله أو اليأس من روحه سبحانه، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون, ولا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به أو بلاء أصابه, لأن هذا مما يدل على الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
وأعظم من ذلك وأقبح الإقدام على الانتحار وقتل النفس، فإنه من أعظم الكبائر وأشنعها, وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10397.
واعلم أن ما أصابك إنما هو من قضاء الله سبحانه, وقضاؤه سبحانه خير لعبده المؤمن, فالزم الرضا بقضاء ربك يملأ قلبك رضا وسرورا, يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في مدارج السالكين: أن من ملأ قلبه من الرضى بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمنا وقناعة وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضى: امتلأ قلبه بضد ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه، فالرضى يفرغ القلب لله، والسخط يفرغ القلب من الله. انتهى.
أما ما تذكر من استغفارك بغرض مغفرة الذنوب والتوفيق في أمورك فهذا هو المطلوب منك, فإن الله سبحانه جعل الاستغفار سببا لتحصيل خيري الدنيا والآخرة, قال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:11, 10، 12} . وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 25249.
ولا حرج عليك أن تدعو الله أن يرزقك علما نافعا تستغني به عن جامعتك ـ ما دمت تأخذ بأسباب التعلم ـ وإن كنا لا نرى أن تترك الدراسة أو أن تفريط فيها، فإن الدراسة في الجامعات المتخصصة والحصول على الشهادات من أسباب القوة التي ندب الله تعالى المسلمين إلى الأخذ بها.
وراجع أسباب إجابة الدعاء والطاعات المؤثرة في ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 113160، 106353
, 11571.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(9/3841)
التوكل على الله لا يعني ترك التدبير والحيطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس اتصالات متزوج وأعمل بشركة كبيرة وبمرتب كبير، لكنني مللت من هذا العمل، لأنني لا أحبه وأخاف أن لا أتقنه وتكون الفلوس حراما، والعمل الذي أحبه أسعى الآن وأبحث بجد عن فرصة فيه، والسؤال: هل أبقى بعملي حتى أجد فرصة مناسبة؟ أم أتركه وأتوكل على الله وأبحث بجد وبيقين أن الله لا يضيعنا ـ أنا وزوجتي؟ مع العلم أن العمل الذي أحبه به مستقبل لي أكبر من الذي أعمل فيه الآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام عملك الحالي مباحا، فتركك له قبل أن تجد عملا بديلا ليس من اليقين ولا من التوكل الذي أمرنا به وإنما هو تسرع وتفريط، وربما كان فيه إضاعة لك ولأهل بيتك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وأحمد، وحسنه الألباني.
والتوكل على الله واليقين به لا يعني ترك التدبير وأخذ الحيطة والحذر، بل قد أمرنا الله بذلك، فقال: وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ {النساء:102} .
فعليك أن تستمر في عملك طالما لم تجد عملا غيره، واحرص على إتقانه، واستعن بالله ولا تعجز، وتذكر قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. رواه أبو يعلى والبيهقي في الشعب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ونسأل الله سبحانه أن ييسر لك العمل الذي تحبه وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه ويزيدك قربا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(9/3842)
المسلم مطالب بالتخلي عن المعاصي صغيرها وكبيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال لم أستطع أن أجد له جواباً شافياً لي، فأرجو أن تفيدوني بعلمكم قدر المستطاع. أنا شاب عمري 17 سنة, والحمد لله أن الله هداني وتركت المعاصي الصغيرة, فأنا الآن أصلي الصلوات والسنن, وآمر بالمعووف وأزكي, وأصوم وأقوم الليل وأحفظ القرآن وأسمع كثيراً من الخطب الإسلامية وهكذا، ولا نزكي على الله أحدا، فأنا أعلم أني مذنب وأحتاج إلى استغفار كثير، لأننا نحن البشر كلنا مقصرون في عبادة الله عز وجل، وقد نرتكب بعض المعاصي فنرجو من الله قبول التوبة , ولكن هنالك شيء واحد يجعلني أفكر كثيراً وهو أن الله عز وجل رحيم غفور لدرجة أن من فعل السيئات (وأنا أتكلم عن الصغائر) وصلى الصلوات الخمس وصام فإن هذه الأعمال تذهب السيئات وأيضاً قوله نعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما [سورة النساء: 31] .
وقوله عز وجل الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [سورة النجم: 32] وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وقيل من صلى الصلوات الخمس وصام رمضان واجتنب الموبقات قيل له ادخل الجنة بسلام. فسؤالي هو هل يعني ذلك أن من تجرأ على الله وارتكب المعاصي كالاستماع للأغاني المهيجة للشهوات أو كالذي ينظر إلى الصور الفاضحة والماجنة، أو كالذي يصافح النساء أو ما شابه ذلك, فهل هو من الذين يقول له ادخل الجنة بغير حساب فإن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب ولا حاجة إلى استغفار؟ أم أنهم سيعذبون قدر معاصيهم ان لم يتوبوا..فأنا عندما أرى هذه الذنوب منتشرة عند الشباب فأقول لنفسي هل من خاف ربه واجتنب جميع نواهيه يكون مثل الذي يرتكب الصغائر ويجتنب الكبائر؟ وهل درجة المعاصي التي ذكرتها, تكون تحت "قال أنس بن مالك رضي الله عنه «إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات» رواه البخاري، والموبقات أي المهلكات.
فان هذه المسألة أخاف منها لأنها-والعياذ بالله- تشجعني في ارتكاب الصغائر. وأنا أعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء. ولكن هل يجوز الاعتماد على رحمة الله مع العمل بالصلاة والصيام وارتكاب الكبائر فهل بهذا تكفر الذنوب التي أراها مفسدة للأخلاق، أرجو منكم التوضيح؟ وأثابكم الله وأدخلم جناته جنات عدن. وشكرأً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم. ولكن هذه الوعود وغيرها من الله تعالى ورسوله يجب أن لا تكون مسوغة للعبد أن ينتهك الستر الذي بينه وبين الله تعالى وأن لا تجعله يقتحم مساخطة سبحانه، لأسباب منها:
1- أن المعاصي وإن لم تكن من كبائر الذنوب إلا أن الله تعالى يكرهها ويكره فاعلها ويتوعده بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَليِ مٌ {النور:63} ، وقال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت!. وقال ابن مسعود: المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب مر بأنفه فقال به هكذا. أي هشه وأزاحه بيده. رواه البخاري.
2- أن إدمان الصغائر يورث في القلب استخفافاً واستهانة بالآمر الناهي سبحانه وتعالى، وهذا الاستخفاف وتلك الاستهانة من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
3- أن الوعد الذي في النصوص متعلق بالصغائر، وإنما تظل المعصية صغيرة إذا لم يصر عليها العبد، فإن أصر على فعلها وداوم عليها لم تبق صغيرة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ولا بد لمن أراد تكفير سيئاته بما يفعله من الحسنات أن لا يكون مصراً عليها، كما قال تعالى: وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} ، وعلى ضوء ما سبق يمكن فهم قول أنس رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات. رواه البخاري. قال المناوي: محقرات الذنوب أي صغائرها، لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة. انتهى. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 124964.
4- أن فاعل المعصية وإن كانت من الصغائر لا يأمن أن يختم له بها فتكون آخر أعماله وعليها يلقى الله تعالى، ولتتدبر قول الله سبحانه وتعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون* أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْ مُحْسِنِينَ {الزمر: 54-55-56-57-58} .
5- أن أداء صورة العبادات على وجه تسقط به المطالبة لا يكفي لحصول الوعد بتكفير السيئات ولا لحصول باقي الآثار المترتبة على أدائها، كصيانة العبد وحفظه عن ارتكاب ما يسخط الله، وذلك كما في قوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ، فكم من مصلٍ يغشى المنكرات ويبارز الله بالمعاصي ولم تنهه صلاته؟! وإنما كان ذلك لأنه لم يقمها على وجه من الحسن والإتقان يتضمن الإخلاص وتجريد المقصود الذي حمله على إنشاء تلك العبادة، ويتضمن كذلك المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة أدائها، ويتضمن أيضاً الخوف والإشفاق من ردها وعدم قبولها، ولا يسعد بالتوفيق لإحسان العبادة التي تترتب آثارها عليها من هو مقيم على معاصي الله مستخفاً بأمره ونهيه بحجة أنه مجتنب للكبائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(9/3843)
هل الشكوى تنافي الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا صبر الإنسان على ابتلاء ثم تحدث به، أو صبر على معصية ثم وقع فيها ثم تاب. وهكذا في صبر بين ابتلاء على حدة وصبر على حدة. فهل يكون قد ذهب كل ما بناه من صبر في لحظة؟ وهل إذا تحدث عن مشكلته لشخص ممكن أن يعطيه نصائح إن شاء الله فهل في ذلك شيء؟ وهل إذا قال له مثلا لقد تعبت لأنه يريد أن يحسس المستمع بمدى الثقل الذي فيه ليصدقه، فهل في ذلك جزع أو تسخط. أو قال إني في بلاء ليدعو له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يحب الصابرين ويجازيهم في الآخرة أعظم الجزاء. قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب. {الزمر:10} .
وحقيقة الصبر الشرعية هي: حَبْس النَّفْس عَنْ الْمَكْرُوه، وَعَقْد اللِّسَان عَنْ الشَّكْوَى، وَالْمُكَابَدَة فِي تَحَمُّله، وَانْتِظَار الْفَرَج. وهذا أَحْسَن مَا وُصِفَ بِهِ الصَّبْر كما قال الحافظ في (الفتح) .
وعلى هذا، فإن الشكوى التي لا تَسخُّط فيها إنما تنافي كمال الصبر ولا تنافي أصله، ولك من الأجر على الصبر بقدر ما تحققت فيك خصالُه، وانظر الفتوى رقم: 28045.
وتهون الشكوى إن كان الحامل عليها طلب الدواءِ أو الدعاءِ أو إسداءِ النصيحة.
أما قول المبتلى لشخص ما: (لقد تعبت) ـ يريد إخباره فقط فهذا لا حرج فيه قال الله تعالى عن نبيه موسى أنه قال: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. {الكهف:62} .
هذا، وليت الشكوى تكون لله؛ يبثه المصاب همه (وهو أعلم بحاله) ويظهر فقره وضعفه وقلة حيلته! وعلى قدر توجه القلب لله تكون المعونة وتتحقق الحكمة من الابتلاء، وانظر الفتوى رقم: 13270.
هذا، وإذا صبر العبد عن المعصية أو على البلاء حينًا ثم وقع في تلك المعصية أو تسخط من ذلك البلاء، فإنه يأثم بذلك، ولكن يُكتب له صبره السابق ولا يذهب هدرًا؛ فما كان الله ليُضِيع أجر المحسنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(9/3844)
من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في درس علم هل ينال أجر حجة وعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في حديث: أن من استمع إلى درس علم فى المسجد كان له أجر حجة، وأن من خرج من بيته متطهرا لصلاة الفريضة فصلاها كان له أجر حجة.
فهل هذا صحيح؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو داود عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم.
وأما أجر حجة لمن استمع درساً في المسجد فلا نعلم حديثاً فيه، ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة. رواه الطبراني، وقال الألباني إسناده جيد.
ونحوه عند الترمذي بلفظ: من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة.
فيرجى لمن صلى الفجر في المسجد وجلس في حلقة علم أن ينال هذا الأجر، لأن حلق العلم حلقة ذكر لله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1430(9/3845)
استيفاء المظلوم حقه يوم القيامة ممن ظلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الجزاء الذي أحصل عليه في الآخرة كمظلوم من البعض؟ مع الإيضاح لنوع الجزاء إذا كان الظالم مسلماً، وأيضا في حالة إذا كان الظالم غير مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المظلوم إذا لم يعف عن حقه أو يحصل عليه في الدنيا، فلا شك أنه سوف يحصل عليه كاملاً في الآخرة، قال الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء:47} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.. فإذا كان الظالم مسلماً أخذ من حسناته للمظلوم، وإذا لم يكن له حسنات أو كان غير مسلم أخذ من سيئاته فطرحت عليه، فيكون ذلك نجاة له من المؤاخذة بها.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه مسلم.
فلن يضيع حق عند الله تعالى، هذا إذا لم يعف عن الظالم، أما من عفا وأصلح فإن أجره على الله تعالى، فقد قال سبحانه وتعالى في من يفضلون العفو عن الناس: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.. وقال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.. إلى قوله تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّ اسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 127825، والفتوى رقم: 68186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1430(9/3846)
تمني البلاء والموت ليس من الهدي النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي وكان ومازال هو أكثر من أحببت على هذه الدنيا وأكثر من أحبني، توفي منذ 12 يوما, ألمي شديد وحزني عليه لا يضاهيه حزن، أتحدث مع من حولي بما أشعر به ولكن لم يفهمني أحد فرأيت أن أكتب إليكم لعلي أجد من يفهمني.
أحمد الله على كل شيء, وأعرف أن لكل أجل كتاب, لا تستقدمون ساعة ولا تستأخرون, مؤمنة بقضاء الله وأدعو له بالرحمة والمغفرة.
لكن.. عندما أكون وحدي يصيبني هاجس لعين, أقول لنفسي معقول هذا خلاص لن أراه ثانية معقول لن أسمع صوته, لا، أكيد أنا أحلم وسأستيقظ وأجد كل هذا حلم وأحس برأسي بتدور وأدوخ كأني في دوامة, وكأني تايهة في الدنيا ولست فيها, نايمة وصاحية, إحساس غريب مهما وصفته لن أعرف أن أوصله مثل ما أحسه.
كنت دائماً أدعو الله أن يطول في عمري لغاية ما أولادي يكبروا وأطمئن عليهم لكي لا يتعبوا من بعدي, لكن فجأة أصبحت أرحب بفكرة الموت وبدأت أوصي أني لما أموت أدفن مع والدي في نفس المقبرة, وأصبحت أتعجل الموت أريد أن أكون معه في نفس المكان, بل والأكثر أني أتمنى وبصدق أن أصاب بنفس المرض الذي أصابه وإني أحس وأعيش نفس الألم الذي أحسه.
يمكن أن يكون الرد لا تفكري مثل هذا التفكير وتمني الموت والمرض حرام واعترض على قضاء الله.
لكن أنا أحمد ربنا على كل شيء والحمد لله ولست معترضة على قضائه والعياذ بالله, كل نفسِ ذائقة الموت, وأحمد ربنا أنه رحمه من الألم والحمد لله هو ميت وهو راضي وحامد ربنا وشاكره، ولم يكن يقول غير الحمد لله حتى في شدة الألم كان يحمد ربنا وكانت آخر عمل له صلاة العشاء قبل دخوله في غيبوبة.
كل الأفكار التي تدور في رأسي وإحساسي ليست اعتراضا على أمر الله, لكني غير قادرة على السيطرة على تفكيري وإحساسي.
هل هذا حرام؟ هل تفكيري هذا ذنب علي لازم أكفر عنه؟ أنا أتكلم بصدق مسألة تمني أني أمرض بنفس مرضه وأني أموت وأدفن معه هذه مسألة لا تفارقني.
أنا أصلي والحمد لله والدي كان السبب في التزامي بالصلاة الله يرحمه ويغفر له ويجعل مثواه الجنة.
أسألكم الدعاء له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم والدك وأن يرزقكم حسن العزاء وجميل الصبر، ونعزيكم بما ذكرنا في الفتوى رقم: 73790 ونفيدكم أن تمني الموت منهي عنه كما في الحديث: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحييني ما دامت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه مسلم.
وبين صلى الله عليه وسلم أهمية طول العمر لمن وفقه الله للطاعة كما في الحديث: خير الناس من طال عمره وحسن عمله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد حض صلى الله عليه وسلم على سؤال الله العافية، كما في الحديث: أسألوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد ذكر النووي في شرح مسلم أنه يكره تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه.. انتهى.
وبناء عليه؛ فإن من الخطأ تمني الموت والإصابة بمثل مرض الوالد، وعيكم أن تكثروا الترحم والاستغفار له والتصدق عنه والحج والاعتمار إن تيسر، واشتغلوا بتربية الأبناء تربية شرعية لعل الله يجعل فيهم خلفا عن الوالد.
وراجعي الفتوى رقم: 124823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1430(9/3847)
نصائح لمن تحس من نفسها إدبارا وتهاونا في الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص: في أنني منذ ذقت حلاوة الإيمان والتقرب إلى الله منذ أن رزقني الله بزوج صالح تزوجني وأنا في سن 15عاما فأرشدني إلي الطريق الصحيح وألبسني الحجاب وعلمني قراءة القرآن والأذكار فكنت أحافظ على الأذكار والصلوات والاستغفار وكنت أدعو الله أن يرزقني بولد نسعد به ـ والحمد لله ـ استجاب الله الدعاء ومرت شهور وتكاسلت وفقدت طعم الإيمان، وأنا الآن جسد بلا روح، ف أنا ـ والحمد لله ـ لم أفعل ما حرمه الله، ولكن تكاسلت عن الأذكار وبدأت أتهاون بالصلاة ولا أحس بالخشوع وحتى الآن أتمنى ولدا ثانيا ولم أرزق به وأستغفر الله، ولكن الاستغفار فباللسان لا بالقلب وأقول هذا بسبب الابتعاد عن الله.
فأرشدوني ـ بارك الله فيكم ـ لأعود إلي الله وأحس بالخشوع في الصلاة والدعاء وأكون سعيدة في حياتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بما أنعم الله به عليك، ونفيدك أن للنفوس إقبالا وإدبارا، وننصحك بالإكثار من الاستغفار دائما فالإكثار منه مشروع للعصاة وللطائعين.
وأكثري من ذكر الله وإذا حان وقت الصلاة فاستعدي لها في أول وقتها في أقصى مكان من بيتك وصلى الرواتب إن كانت مما تسن قبلها راتبة، وصلي في مكان لا يوجد به مرئي ولا مسموع يشغل القلب، واصرفي الشواغل الذهنية عن قلبك واشغليه بتدبر ما تقرئين من أذكار وأدعية وقرآن، وإذا شرد ذهنك فجاهدي نفسك في رده لينشغل بتدبر ما يقرأ وأكثري من مطالعة فضائل الخشوع والإنابة وقصص سير السلف، وابتعدي عن الاهتمام بالأمور التافهة التي تشغل القلب وتضعف مستوى العاطفة الإيمانية.
وهناك رسالة لطيفة للشيخ الفاضل محمد المنجد عنوانها: 33سببا للخشوع في الصلاة، نرجو مطالعتها والاستفادة منها.
واحرصي على التعاون مع زوجك على برنامج رباني بحيث تجلسان جلسات إيمانية تتدارسان فيها ما يقوي الإيمان وينشط للطاعات وأهم ذلك نصوص الوحيين فطالعا يوميا فيها واعملا بما قرأتما، فإن العمل بالعلم وسيلة الهدى والثبات، كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا {النساء:66-68} .
وأكثري سؤال الله الثبات وتجديد الإيمان في قلبك، ففي الحديث: إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فأسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. رواه الحاكم، وصححه الألباني.
وروي عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه البخاري في الأدب المفرد. وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1430(9/3848)
التزام المرأة بالشرع يصونها ويحفظ لها كرامتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولي طفلان، ولكنني منفصلة ـ شرعيا ـ عن زوجي أقصد لا أعاشره في الفراش، لأنه لا يرغب في ذلك، وحينما يحاول التقرب مني أشعر بأنه مرغم على ذلك وحاولت أن أصلح ما بيني وبينه بلا جدوى، وأنا مازلت شابة في الثلاثينات من العمر أسكن في دولة أجنبية وبدأنا فعلا بإجراءات الانفصال الرسمية وكنت أعرف زميلا لي في بلدي يعمل معي في نفس الشركة قبل اللجوء إلى الغربة وحكيت له حكايتي لأنني أعتبره بمثابة أخ وصديق وثقت فيه، ولأنني أعرفه منذ زمن بعيد، فقال لي ما دمت قررت الانفصال ـ وفعلا قمت بإجراءاته ـ أعرض عليك الزواج، فإن وافقتني أصبر لاكتمال انفصالك والعدة ـ مع العلم أنني لم أعاشر زوجي منذ سنتين ونصف أي بعد ولادة ابني الثاني مباشرة ـ فوافقت، لما أعرف عنه من طيب أخلاق، ولأنني محتاجة إلى رجل مسلم معي في غربتي فلا أستطيع العيش وحدي في بلد أجنبي كالذي أنا فيه، فبدأنا بأحاديث طيبة واعتيادية وعبر لي عن مشاعره نحوي، وفي يوم من الأيام عرض علي أن أفتح له كاميرا ليراني عبر النت فوافقت، لأنه أقسم لي أنه يعتبرني زوجته أمام الله وبدأ يطلب مني أشياء، ولكنني لم أمتثل له فبدأ بكل الوسائل والمحاولات وأفهمني أنه يريد أن يطمئن أن جسمي سليما وأنني غير مشوهة، خاصة أنني تعرضت لحادث هنا في الغربة وأن هذا من حقه، لأنه سوف يتزوجني، وفعلا قمت بجعله يرى بعضا من ساقي ويدي التي تعرضت للحادث وأيضا شعري، ولكن بدأ يطلب أكثر فلم أمتثل له ورفضت وأخبرته أنني أخاف الله، فقال إنني أشهد الله أنك زوجتي فقلت له إنني أصدقك، ولكنني لا أستطيع أن أغضب الله، وحاول مرة أخرى فرفضت إلى أن ابتعد وبدأ يتملص مني، وكلما حاولت الاتصال به يرفض المكالمة، علما أنني أتصل من مكان بعيد جدا عن البلد الذي يقيم هو فيه ـ بلدي ـ فإما أن أريه جسدي أو يهجرني للأبد، فعلمت أنني كنت ضحية له فدعوت الله أن لا يرى خيرا في حياته أبدا، لأنه خدعني ورأى أجزاء من جسمي بحجة أنني زوجته وأقسم بالله أنه لن يتركني وبعد ذلك ذهب ليخطب أخرى، ولكنهم رفضوه وكلما يتجه ليخطب امرأة يرفضونه، والآن جاءني يرجوني أن أقف معه وأساعده وأستمع لشكواه وأن أقف معه كأخت وصديقة، ولكنني لا أريد أن تكون لي به أي علاقة من أي نوع، وسؤالي هو: هل سيغفر الله لي، لأنني أستغفره ليلا ونهارا ولم أرتكب خطيئة يوما وملتزمة بصلاتي وصومي ويأتي هذا الرجل ليزلني هكذا، إنني أتعذب كل يوم آلاف المرات، لأنني أحب الله وأتقرب منه دائما ولكنني صدقت هذا الرجل الماكر وجعلته يرى أجزاء من جسمي، فهل سيغفر الله لي؟ لقد تبت إليه توبة خالصة وهل سيعفو الله عن مثل هؤلاء الرجال الذين هم أشباه الرجال ولا يملكون غيرة الرجل أو نخوته ويقومون بخداع النساء بحجة الحب ويقسمون بالله أنهم أمناء والحقيقة أنهم غير ذلك.
فحسبي الله ونعم الوكيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وضع الشرع حدوداً للعلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية، تضمن طهارة المجتمع وصيانة الأعراض وتحفظ كرامة المرأة وتنأى بها أن تكون وسيلة للعبث والتسلية، فلا يقرّ الشرع علاقة زمالة أو صداقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه، لما يجرّه ذلك من الفتن وينطوي عليه من المفاسد والشرور.
وما كان بينك وبين هذا الرجل هو أثر لتفريطك وتهاونك في تلك الحدود واتباعك لخطوات الشيطان متعللة بأنّك في طريقك للطلاق ناسية أنّك لا زلت في عصمة زوج، وقد اتفق العلماء على حرمة التعريض بخطبة المطلقة الرجعية، فكيف بالتصريح بخطبة المرأة المتزوجة التي لم تطلق؟ لا شكّ أنّ ما قام به هذا الرجل من وعدك بالزواج وانتهاك حرمتك منكر شنيع وهو تخبيب لك على زوجك، وهو من الكبائر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبّب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.
بل ذهب بعض العلماء إلى عدم صحة زواج المرأة ممن خبّبها على زوجها، معاقبة له بنقيض قصده، وانظري الفتوى رقم: 118100.
فالواجب عليك قطع كل علاقة بهذا الرجل والمبادرة بالتوبة، واعلمي أنّه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثمّ تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة النصوح تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود له.
وننصحك ببذل وسعك لإصلاح حالك مع زوجك فذاك خير من الفراق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(9/3849)
علاج تكرار الذنوب بعد التوبة منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أخوكم في الإسلام، أنقذوني قبل فوات الأوان، أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة، أعزب، موظف محترم، أعاني منذ صغري من عدة عادات سيئة وأعمال قبيحة أقوم بها مثل زنا المحارم، والعادة السرية، وقد عزمت عدة مرات على التوبة النصوح، فأصلي وأنضبط في عبادتي، وبعدها بفترة قليلة أعود كما كنت في السابق، للعلم أنني عشت مرحلة الطفولة صعبة جدا في مجتمع متخلف وجاهل، أذكر أني قمت باللواط عدة مرات، وقد فعلوه علي مرتين من طرف أبناء العمومة، وأنا لا يتجاوز سني 10 سنوات، كما كنت أرى وأشاهد الزنا والخيانة في أوساط عائلتي وعائلات الأقارب وكنت لا أحتمله، كما أني كنت ولا زلت أقوم بالزنا مع قريبة لي قد تكون ابنة أختي وأنا خالها بحكم أنهم يقولون إنها رضعت من أختي الكبرى، وأزيدكم علما أني آتيها من الدبر وهي من تطلب مني ذلك، كما أني إلى الآن أمارس اللواط وأحب ممارسته بكثرة هو والعادة السرية، كما أني في رمضان هذا أنام على بطني، وأقوم بالتفكير بالشهوة وأتحرك على بطني حتى آتي بشهوتي ويخرج مني المني في نهار رمضان، فعلتها مرتين في رمضان هذا، وعدة مرات مع البنات أثناء تقبيلهن وتحضينهن حتى يخرج مني المني وأفرغه في سروالي، أمور كثيرة أقوم بها وأعلم أنها لا ترضي الله، بل هي من الكبائر، ولكن أنا أقوم بها ولا أدري لماذا؟ ساعدوني أرجوكم فأنا في ورطة وأريد حلاً لحياتي ولا أدري ماذا سأفعل؟
اسمحوا لي على هذا الكلام، فأنا وضعت كل ثقتي فيكم، فأنقذوني أنقذوني بكل وسيلة؟ أخوكم في الله الضائع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك- أيها السائل- أن ما تقوم به من هذه الأفعال إنما هو من كبائر الإثم والفواحش التي توجب غضب الله ولعنته، وقد بينا طرفاً من قبح هذه الأفعال في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 111123، 3970، 115724، 1869، 7170.
والواجب عليك أن تبتعد تماماً عن قريبتك هذه التي تمارس معها الفاحشة، وأن تقطع كل علاقة لك بها، فإن اضطررت إلى لقائها فاحرص على ألا تختلي بها، أو أن ترى شيئاً من زينتها، واعلم أن ما تعاني منه من عدم ثباتك على طريق التوبة يستوجب منك مراجعة علاقتك بربك ومدى قيامك بحقه سبحانه عليك، لأن مثل هذه المعاصي التي يبتلى بها المرء ويجد صعوبة في التخلص منها غالباً ما تكون بسبب تقصيره في أداء واجب أو مداومته على فعل محرم، فيكون من عقوبة ذلك أن يقع في هذه المعصية، وقد نص العلماء على أن ترك الواجبات من أسباب الابتلاء بالمعاصي وتسلط الشياطين، لقوله سبحانه: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. {الزخرف:36} ، وقوله جل وعلا: ... فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. {المائدة:14} ، ولا يمنعك رجوعك إلى فعل المعصية أن تبادر إلى التوبة مرة أخرى، ولو تكرر منك ذلك مرات ومرات، فإن الله غفور رحيم، يقبل التوبة من عبده وإن تكرر منه الذنب، لكن بشرط أن تكون التوبة صادقة، أما المستهتر بالتوبة بحيث يتوب بلسانه وقلبه مقيم على طلب المعصية، فهذا حري أن ترد عليه التوبة ولا تقبل منه.. وأكثر من ذكر الله سبحانه وإقامة الصلاة المفروضة والمندوبة، فإن الصلاة لها أثر كبير في نهي صاحبها عن مواقعة الفواحش، قال سبحانه:.. إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. {العنكبوت:45} .
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا قال لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى حصناً حصيناً فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وأما حكم الاستمناء في نهار رمضان فقد بيناه في الفتويين: 10509، 68830.
وراجع الفتويين التاليتين: 72497، 96257 ففيهما نصائح نافعة لمن ابتلي بهذه الفواحش، والفتوى رقم: 6995 فإن بها نصائح لمن غلبته شهوته.
وفي النهاية ننبهك على أن أقاربك هؤلاء المنهمكين في المعصية لهم عليك حق النصيحة والوعظ، فإن أصروا على ما هم فيه، فواجب عليك هجرهم خصوصاً مع ما ذكرت من تأثرك بهم وبأخلاقهم السيئة، وراجع في هجر الفاسق الفتوى رقم: 119581.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(9/3850)
المسامحة العامة للميت هل تدخل فيها الغيبة ونحوها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل توفى فقام أخوه بالذهاب إلى جميع أصدقائه وجميع من كانوا يحكون معه ـ سواء بحكم العمل أو غير ذلك ـ وطلب هذا الأخ أن يقوم أصدقاء المتوفى بمسامحته عن كل شيء فكان كل واحد منهم يقول سامحه الله عن كل شيء.
السؤال: هل هذه المسامحة تشمل الغيبة التي كان قد اغتاب بها هذا الشخص؟ وهل هذه المسامحة تشمل جميع الإساءات ـ إن وجدت ـ والتي صدرت من المتوفى بحق أصدقائه؟.
أفيدوني جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن مسامحة هؤلاء لصديقهم أو زميلهم تشمل الغيبة وغيرها، لأن أخاه طلب منهم مسامحته عن كل شيء ولم يصدر منهم استثناء، بل دعوا الله له بالمسامحة عن كل شيء.
ولفضل المسامحة والعفو انظر الفتاوى التالية أرقامها: 24753، 39037، 76612.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(9/3851)
نصائح لعلاج الأزمة في العلاقة مع الله والوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، أريد النصح من حضرتكم لأنه تردى بي الحال وأغلقت علي كل الأبواب وأريد النصح والترشيد، أنا كنت فتاة متفوقة في دراستي وكنت أحصل على جائزة الطالبة المثالية كل سنة، وقد كنت قريبة جداً من الله وأتعبد وأقرأ في الدين، وتحجبت في سن صغيرة جداً، لكن عندما بلغت من العمر 17 عاما، لم تكن علاقتي بوالدتي جيدة لأني أنا كنت بنتها الوحيدة ولدي أخوان فقط فهي كانت تريدني دائما رمزا للكمال، وتريد أن لا يكون في أي خطأ في تصرفاتي وعلمي وديني وحتى شكلي، وهي كانت تخاف علي فلم يكن لي صديقات وحتى في المدرسة كنت دائما أجلس لوحدي في ركن ما ولا أختلط مع أحد، وقد كانت أمي دائما توبخني وتعايرني على أني أخيب آمالها، أحسست أن الدنيا أغلقت في وجهي ففعلت أشياء رهيبة أولها تدني مستواي الدراسي جداً ثم أصبحت أنغلق على نفسي وتراودني أفكار سوداوية في أذية نفسي أو أحد ما، إلي أن وصلت في يوم من الأيام أني أقدمت على الانتحار وابتلعت بعض الحبوب، وقد كنت وقتها لا أعي ماذا أفعل، كنت لا أستطيع التفاهم مع أحد، وفكرت أنه ليس لي فائدة في الوجود، وأني لن أرضي أحدا، ولكن الحمد لله قد نجوت من الموت، لكن مشكلتي الحقيقية من هنا بدأت، لقد أصبحت من ذلك اليوم أرتد إلى الخلف، وأصبحت أسوأ مما كنت عليه، لقد ارتكبت ذنوبا أشعر بالخجل أندم عليها وأصلي وأسجد وأطلب الغفران، ولكن لساني لا يقوى على قولها لأني أشعر بالخجل من نفسي، ثم أرجع وأفعلها ثانية أي أنه أصبحت عادة لدي، لقد أصبحت أبتعد شيئا فشيئا عن طاعة الله، أصبحت أكذب كثيراً، وأغضب والدي، وأتكلم معهما بقلة احترام، وأصبحت أبغضهما ولا أدري لماذا، ثم أصبحت وأنا أخجل من قول هذا أتفرج على الأفلام الإباحية والمواقع غير الأخلاقيه أتفرج عليها دون خجل أو حياء، أصبحت أشعر وكأن الحياء قد مات بداخلي إلى أن اصبحت شبه مدمنة عليها مع أني كلما أتفرج على هذه الأشياء أصاب بالقرف والمرض وأكره نفسي وأكتئب وأتمني الموت، وأرجع أفكر مرة أخرى في الانتحار وأندم وأصلي وأستغفر الله، ثم ما أن أواجه أي مشكلة أمامي أجد نفسي أهرب إلى هذه المواقع وأشعر بنفس الشيء.
أنا إنسانة حائرة أتخبط في هذه الدنيا، ولا أعلم ماذا أريد أو ماذا أفعل، إني في نفس الدوامة منذ 6 سنوات إلي الآن ولم أتغير، ما أريده منكم أن تساعدوني كيف أتخلص من فكرة الانتحار التي أفكر فيها كل يوم وفي كل جدال أو نقاش أو مشكلة تحدث معي، كيف أعالج نفسي من إدمان الأفلام الإباحية وهذه المواقع، كيف أجد الطريق الذي أتفاهم به مع والدي إنهما الآن في سن كبيرة، وأنا لا أعرف كيف أتفاهم معهما وأتصرف معهما فكل ما نتحدث يؤول الأمر إلى مشاجرة كبيرة بيني وبينهم ومعايرة بحالتي، كيف أرجع علاقتي بربي وأحيي قلبي الذي مات من الذنوب والمعاصي، وأرجع الحياء إلى نفسي؟ شكراً.. وبارك الله فيكم.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أن الله سبحانه بحكمته وفضله قد جعل الرضا والفرح والسرور والنشاط والأنس وقرة العين في طاعته وامتثال أوامره، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل:97} ، وقال سبحانه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {طه:123} ، وجعل أضداد هذه من الهم والحزن والضيق واليأس والكآبة في التفريط في الطاعة وفعل المعصية، فما يجده الإنسان من هم وغم وضيق في الصدر ونكد في العيش فإن هذا غالباً ما يكون ثمرة من ثمرات المعاصي النكدة ونتاج من نتاجها المر، قال الله سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} ، وقد قال سبحانه: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا {النساء:123} ، فما يشعر به الإنسان من ضيق أو هم أو غم أو وحشة في قلبه أو تعسير في أمره فإن هذا غالباً ما يكون بسبب ذنوبه ومعاصيه.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي: ومنها (عقوبات المعاصي) : وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله جل وعلا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام، وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان، ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً من نفسه، وقال بعض السلف إني لأعصي الله فارى ذلك في خلق دابتي وامراتي، ومنها تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا. انتهى بتصرف.
بل إن ما يبتلي به العبد من معاص وعادات قبيحة يكرهها ويبغضها ولا يستطيع الإقلاع عنها، فإن هذا غالباً ما يكون بسبب معصية أخرى، لأن من جزاء الحسنة حسنة مثلها ومن جزاء السيئة سيئة مثلها، وقد نص العلماء على أن ترك الواجبات من أسباب الابتلاء بالمعاصي وتسلط الشياطين، لقوله سبحانه: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} ، وقوله جل وعلا: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {المائدة:14} .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:..
غن ترك الواجب سبب لفعل المحرم، قال الله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ. فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سبباً لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين، وكان هذا دليلاً على أن ترك الواجب يكون سبباً لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.
فراجعي أيتها السائلة علاقتك بربك وجددي توبة لما كان منك من تقصير في فعل محظور أو ترك واجب، ثم عليك بالانطراح على باب الله سبحانه والابتهال إليه والإلحاح عليه في الدعاء أن يعافيك مما تجدينه في صدرك وأن يصرف عنك شرور نفسك ويكفيك كيد الشيطان ومكره، واسأليه سبحانه أن يصرف عنك مشاهدة هذه المناظر المحرمة فإنها أضر شيء على القلب، ولا يرجى للإنسان صلاح ولا هدى وهو مقيم على مشاهدة هذه المنكرات، وقد بينا خطرها على دين المرء وخلقه. وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 117920، 76130، 3605.
واصرفي عنك هذا التفكير الشيطاني في الانتحار وقتل النفس، فإن هذا من أعظم الذنوب وأقبحها بالإضافة إلى أنه لا يحقق لأصحابه ما يتوهمون فيه من الراحة فإنهم وإن هربوا به من شقاء الدنيا، فإنهم ينتقلون إلى الشقاء الأعظم في نار الجحيم والعياذ بالله، وللمزيد من الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 10397، أما ما تجدين من أزمة في علاقتك بوالديك فهذا يمكن علاجه بأمور:
أولها: أن تتذكري عظم قدر الوالدين فإن حقهما هو أكبر الحقوق وأعظمها بعد حق الله سبحانه، وقد بينا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 76174.
ثانياً: أن تجاهدي نفسك في الصبر على ما يحدث منهما من هفوات في حقك، ولا تستجيبي لداعي الشيطان والنفس الامارة، فتقابلي إساءتهما -إن وجدت- بمثلها.
ثالثاً: أن تتوددي إليهما وتتقربي منهما ولو بتكلف فإن الإحسان له أثر كبير في تأليف القلوب وإزالة ما فيها من نفور.
رابعاً: أن تكثري من الدعاء أن يؤلف الله بينك وبينهما وأن يصلح ذات بينكم.. نسأل الله سبحانه أن يهديكم سواء السبيل، وأن يؤلف بين قلوبكم ويصرف عنكم كيد الشيطان، وننصحك بمراجعة قسم الاستشارات في الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1430(9/3852)
تذكر المعصية هل هو دليل على عدم رضا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ـ والحمد لله ـ لا أسمع الأغاني منذ أكثر من 5 سنوات, لكن منذ شهر تقريبا أصبحت أستيقظ الصبح وفي رأسي مقطع من الأغاني التي كنت أستمع إليها من قبل، ف هل هذا دليل على المعاصي التي كنت أرتكبها؟ أم لعدم رضى الله عني؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله أن وفقك لترك سماع الأغاني ونسأله سبحانه أن يثبتك على صراطه المستقيم ويزيدك هدى، ونفيدك بأن مجرد تذكر المعصية دون تلذذ بها، ليس دليلاً على عدم رضا الله أو ارتكاب معصية، ولكن عليك أن تحذري من استدراج الشيطان لك ووسوسته وتزيينه للمعصية، فإن الشيطان قد يوسوس للإنسان حين تذكره لمعصية حتى يحن إليها، فلا بد حينئذ من تناسيها وعدم الاسترسال مع تذكرها، وإن تذكرتها في وقت ما فأحدثي في نفسك ندماً وانكساراً حتى تزداد حسناتك، وانظري الفتوى رقم: 54998.
ونسأل الله تعالى أن يقوي إيمانك ويرفع درجاتك حتى تلحقي بالسابقين المقربين، الذين قيل في وصف قلوبهم: فإذا استيقظ هذا القلب من منامه صعد إلى الله بهمه وحبه وأشواقه مشتاقاً إليه طالباً له محتاجاً إليه عاكفاً عليه فحال كحال المحب الذي غاب عن محبوبه الذي لا غنى له عنه ولا بد له منه، وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النفس والطعام والشراب، فإذا نام غاب عنه، فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه وإلى الشوق الشديد والحب المقلق فحبيبه آخر خطراته عند منامه وأولها عند استيقاظه، كما قال بعض المحبين لمحبوبه:
وآخر شيء أنت في كل هجعة * وأول شيء أنت عند هبوبي.
فإذا استيقظ أحدهم إلى قلبه هذا الشأن فأول ما يجري على لسانه ذكر محبوبه والتوجه إليه واستعطافه والتملق بين يديه والاستعانة به أن لا يخلي بينه وبين نفسه وأن لا يكله إليها فيكله إلى ضعف وعجز وذنب وخطيئة، بل يكلؤه كلاءة الوليد الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً، فأول ما يبدأ به الحمد لله الذي أحياناً بعد ما أماتنا وإليه النشور متدبراً لمعناها من ذكر نعمة الله عليه بأن أحياه بعد موته الذي هو أخو الموت وأعاده إلى حاله سوياً سليماً محفوظاً مما لا يعلمه ولا يخطر بباله من المؤذيات أو الأذى.
من كتاب طريق الهجرتين لابن القيم ـ رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(9/3853)
نصائح لمن أسكرته المعصية فوقع في الزنا ثم أفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في إحدى البلدان الآسيوية من فضلكم هل من توبة، كنت شابا أعظم شعائر الله وملتزما وتذوقت طعم حلاوة الإيمان فنعم النعم. بحلول الفتن على بلدي الأصلي اضطررت أن أهاجر هجرة شرعية مدة 10 سنوات منفيا عنه، خلال مدة هجرتي زلت قدمي وطوعت لي نفسي اقتراف الكبائر وكنت أعلم ما يترتب على ارتكابها ففعلتها تارة إن الله غفور رحيم، تارة اتباع الهوى تارة لتعالمي وجهلي وظلم نفسي أرجوكم أفيدونا. فبمجرد عزيمتي على التوبة النصوح والعودة إلى الله عودة صادقة فتبت من تلك الكبائر وكذلك بعض المعاصي، من حينئذ حتى يومنا هذا وأنا في حالة نفسية حتى صرت أتمنى لولم تلدني أمي، تارة أقول إنه ختم على قلبي أو أنا من الذين لن يغفر لهم الله، ومن الذين سلب الإيمان من قلوبهم وهذا لمخالفة أمره، وعند محاولاتي التضرع والبكاء إلى الله تغلب على ذهني أفكار إلحادية حتى تمنعني من الدعاء تاركة إياي أقول فيها الله جعل علي غشاوة، وتارة عند تلاوة للقرآن أحس أنه علي حسرة وبمحاولات للتدبر تلازمني تلك الأفكار الإلحادية نافية لي كل شيء حتى صرت لا أنام وأخاف من كل شيء وهذه الحالة معي ل 3 سنوات. ماذا علي لاقترافي للزنا وإرغامي تلك التي اقترفت تلك الكبيرة على إسقاط الحمل وذلك باتباع هواي وجهلي وشهواتي بتأويلي فتوى لصاحب جامع الحكم أنه لا شيء لإسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح للضرورة. فعلت هذا في الفترة المسماة وكما ذكرت بمجرد توبتي صارت تلازمني تلك الأفكار وأصبحت أقول إني قتلت نفسا متعمدا فليغفر الله لي ولهذا ما أنا عليه الآن ولمدة 3 سنوات فأجركم على الله أفيدونا بدواء شاف بجواب كاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فباب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو يعاين الموت ويتيقنه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
فهنيئا للتائب الصادق الذي يُتبِع سيئاته بحسنات ماحية، كما قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني.
فالله تعالى يحب المغفرة، فيغفر تعالى لمن يتوب إليه ويستغفره، كما جاء في الحديث الشريف: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه مسلم. ونبشر السائل الكريم بقول الله سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان: 70} .
فعليك أخي الكريم أن تنشغل بتحصيل توبة نصوح جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليها أبدا، مع رد المظالم إلى أهلها إن كان هناك مظالم. ثم اجتهد في تقوية إيمانك ورغبتك في الاستقامة، وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي، وبيان شروط التوبة ودلائل قبولها وما ينبغي فعله عندها، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450، 75958، 29785، 2969.
وبالنسبة للإجهاض المذكور في السؤال فإنه محرم حتى ولو كان قبل نفخ الروح في الجنين، وراجع الفتوى رقم: 60900.
أما بالنسبة للأفكار الإلحادية التي تشكو منها فلا شك أن للشيطان الرجيم ثم للبلد التي هاجرت إليها أعظم الأثر في وجودها واستمرارها، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وسارع بقدر طاقتك أن تهجر هذه البلد إلى بلد مسلم تتقوى بأهله على طاعة الله تعالى. وراجع الفتويين: 114503، 48325. وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1430(9/3854)
كتب في الرقائق وتزكية النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ذكر كتباً تتحدث عن تزكية النفس؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتب الرقائق والسلوك عموماً محورها وغايتها هو تزكية النفس، ومن أبرز تلك الكتب كتب العلامة ابن قيم الجوزية مثل: لداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان- طريق الهجرتين- مدارج السالكين. مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي- تلبيس إبليس لابن الجوزي. ومما يعين على تزكية النفس مطالعة كتب الترغيب والترهيب، ككتاب الترغيب والترهيب للمنذري، أو صحيح الترغيب والترهيب للألباني، وكذلك الكتب المتعلقة بأحوال الموتى والدار الآخرة، ككتاب حادي الأرواح لابن القيم، وكتاب التخويف من النار لابن رجب، وكتاب التذكرة للقرطبي، فإن هذه من أنفع العلوم لصلاح الباطن وحصول الاستقامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1430(9/3855)
رحمة الله تعالى أوسع من ذنوبك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الصواب وماذا أفعل وكيف أتوب بعد ما أفطرت عمدا- شتم, سب, زنيت, أكلت, شربت, شتمت أمي, أبي وضربت وفقدت صوابي حتى شتمت ربي، محمد صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما أقدم على فعله السائل أمر عظيم وذنب كبير جمع بين الكفر بالله تعالى والعقوق، وكبيرة الزنا والإفطار عمدا, وكل واحدة من تلك الذنوب تهلك صاحبها فكيف إذا اجتمعت! ومع ذلك فإن عفو الله أعظم ورحمة الله تعالى أوسع من ذنوبك ومن تاب تاب الله عليه, وقد قال الله تعالى في كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53} .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر.. اهـ
فعلى السائل أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى توبة صادقة من كل ذنب فعله, فيسلم بأن يشهد شهادة التوحيد لكونه ارتد بسب الله وسب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وليغتسل لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر ثمامة ابن أثال لما أسلم أن يغتسل. رواه عبد الرزاق. وليندم على ذنوبه كلها وفي الحديث الصحيح: ... النَّدَمُ تَوْبَةٌ ... رواه أحمد وابن ماجه. وبأن يعزم عزما أكيدا على عدم العودة إليها, وأن يجتهد في بر والديه واسترضائهما, ولا يلزمه قضاء الصيام والصلاة عند جمهور أهل العلم لأن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء ما فاته من الصيام أو الصلاة حال ردته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في حكم قضاء المرتد ما فاته من الصلاة أو الصيام: وفيه للعلماء ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه لا يقضي ما تركه في الردة ولا قبلها لا من صلاة ولا صيام ولا زكاة بناء على أن الردة أحبطت عمله وأنه إذا عاد عاد بإسلام جديد فيستأنف العمل كما هو معروف في مذهب أبي حنيفة ومالك وقول في مذهب أحمد.
والثاني: أنه يقضي ما تركه في الردة وقبلها وهذا قول الشافعي وإحدى الروايات عن أحمد
والثالث: أنه لا يقضي ما تركه في الردة ويقضي ما تركه قبلها كالرواية المشهورة عن أحمد.. اهـ
وانظر الفتاوى: 127746 , 124149 , 126044. وهذه الأخيرة عن كفر ساب الله وكيفية توبته.
وقول السائل وشتمت ربي، محمد صلى الله عليه وسلم نحسب أنه خطأ في الكتابة وأنه يقصد أنه شتم ربه وشتم النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا كان يقصد حقيقة ما كتبه فهذا كفر آخر فإن اعتقاد أن الرب هو النبي صلى الله عليه وسلم كفر مخرج من الملة وإنما الرب هو الله جل جلاله.
ومحمد صلى الله عليه وسلم رسوله الذي أرسله بهذا الشريعة التي نحن عليها وهو بشر كسائر البشر إلا أنه أفضل الخلق ولا يجوز أن يعتقد فيه غير هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1430(9/3856)
كمال أجر العمل الصالح باستحضار النية
[السُّؤَالُ]
ـ[الشخص الذي يربي ولده أو يبر بأمه أو يفعل الخير بدون أن تكون لديه نية لله هل يأخذ أجرا أي مثلا يربي ابنه لأنه يحب ابنه وهذا ما جرت به العادة فهل يأخذ أجرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكثر العلماء على أن العبد لا يؤجر على عمله إلا إذا نوى به وجه الله، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120085.
وذهب بعض العلماء إلى أن المسلم يؤجر على أعمال الخير من غير نية اكتفاء بعموم قصده للخير وطلبه لطاعة الله في الجملة.
قال ابن رجب الحنبلي: وقد قال أبو سليمان الداراني: من عمل عمل خير من غير نية كفاه نية اختياره للإسلام على غيره من الأديان، فظاهر هذا أنه يثاب عليه من غير نية بالكلية لأنه بدخوله في الإسلام مختار لأعمال الخير في الجملة فيثاب على كل عمل يعمله منها بتلك النية. والله أعلم. جامع العلوم والحكم.
وعلى كل الأحوال فإن قيام المسلم بهذه الأعمال خير وفيها نفع ومصالح له ولغيره، لكن الأولى والأكمل للمسلم أن يجتهد ما استطاع في إخلاص العمل لله واستحضار النية عند الأعمال واحتساب الأجر، فذلك بلا شك أصلح لقلبه وأعظم لأجره قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. {النساء:114} .
قال السعدي: فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء. ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل. تفسير السعدي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(9/3857)
عوامل الخوف من الله ومن عذاب القبر والحساب وعلاماته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أزيد خوفي من عذاب القبر والحساب؟ ومن الله سبحانه وتعالى؟ وكيف أعرف أنني أخاف منهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يزيد الخوف من العذاب أن يكثر الإنسان من المطالعة في كتب الرقائق والترغيب والترهيب، فبقدر كثرة اطلاع الإنسان على الأهوال التي تحصل في القبر ويوم القيامة يعظم الخوف عند الإنسان، ويضاف إلى هذا إكثار الدعاء.
ومن أمارات الخوف: البكاء عند إتيان المقابر، فقد روى أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبتل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 127228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(9/3858)
التوبة المستكملة لشروطها تمحو ما قبلها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعلمنا من القرآن الكريم: أن الطيبين للطيبات والطيبات للطيبين، والخبيثون للخبيثات والخبيثات للخبيثين.
والسؤال: هل إذا أخطأ الإنسان وفعل ذنبا ـ سواء كان كبيرا أو صغيرا ـ ثم تاب منه إلى الله عز وجل بشروط التوبة؟ يجعله ذلك إذا تزوج أو تزوجت ـ خبيثا ـ وأنها ستظل أو سيظل بهذا الذنب خبيثا أو خبيثة؟ أم رجوعها أو رجوعه إلى الله ـ بإذن الله ـ يجعله أو يجعلها من أحب خلق الله وأطيبهم؟.
أسأل الله أن يكون سؤالي واضحا.]ـ
[الفَتْوَى]
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة الصادقة المستكملة لشروط التوبة تمحو ما قبلها، لما في الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجة، وحسنه ابن حجر.
بل، إن من تاب وأكثرالأعمال الصالحة تبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-70} .
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 33972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(9/3859)
من تاب من مواعدة الفتيات هل يلزمه شيء تجاههن
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل: حتى وقت قريب كنت شابا عابثا منصرفا إلى الدنيا وملذاتها، وكنت أقيم علاقات محرمة مع الكثير من الفتيات في وقت واحد ـ والحمد لله ـ صحى قلبي وعدت إلى ربي وبكيت حرقة وندما على ما فعلت وأسأل الله أن يقبل توبتي، طلبت من والداي البحث لي عن زوجة ذات دين وخلق ووجداها وهما في طور التفاهم وأسأل الله أن تكون فاتحة خير علي، ومشكلتي هي في من كنت أواعدهن من الفتيات ولم أجد طريقة لأخبرهن بالحقيقة، حقيقة أني كنت عابثا والله هداني، فكرت في قول الحقيقة مباشرة، ولكن الحقيقة سبقتني إذ عرف بعضهن أنني كنت عابثا وأنني كنت أواعدهن في وقت واحد، فانهلن علي بالدعاء بالشر وقلن لي أنهن لن يسامحنني أبداً، أنا أعرف أن الله غفور رحيم وأنني أرجو عفوه ومحسن الظن به، ولكن عدم مسامحتهن لي، هل يرتب عليها إثم؟ وهل يكن خصوما لي يوم لا ظل إلا ظل الله تبارك وتعلى؟ أرشدوني، كيف أمحو ذنوبي الآن في الدنيا قبل أن أقف بين يدي الرحمن بارك الله فيكم؟ فقلبي يعتصر وأخاف أن أعاني من تبعات ذنوبي، بارككم الرحمن وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يثبت خطاك على سبيل التوبة والإنابة وأن يغفر لك ما أسلفت من ذنوب ويكفر عنك ما كسبت من سيئات، واعلم أنه لا يلزمك شيء تجاه هؤلاء الفتيات وليس لهن عليك حقوق، ولا تعد لمحادثتهن ـ ولو بالاعتذارعما كان ـ لأنه يفتح عليك أبواب الفتنة مرة أخرى، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 114706.
وكل ما يلزمك هو أن تحفظ قلبك وتقيم نفسك على طريق التوبة والعمل الصالح، ثم ننصحك بالإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة، فقد قال الله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1430(9/3860)
هل يأثم إذا ناول شخصا هاتفا فاستخدمه في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مرة في السوق فمر رجل بالقرب مني فسقط هاتفه النقال وسقطت بطاريته أسفل سيارتي فطلب مني عندما أحرك سيارتي أن أحضر له البطارية فأحضرتها له، وسؤالي: هل علي إثم إذا استخدم الهاتف استخداما خاطئا؟ لأنني أنا من أحضر له البطارية.
فأفيدوني، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المعاونة على المعصية تعتبر معصية، فقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2} .
ومناولة الهاتف أوغيره لصاحبه بعد سقوطه منه ليست من هذا الباب، لأن الغالب على الهاتف أنه يستخدم في الخير وفي المباح كغيره من الأدوات، فينبغي أن يكون في إحضاره لصاحبه أجر وصدقة لمن فعل ذلك، لأنه من المعروف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس قال: تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته ـ فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه ـ صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة.
وقال صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1430(9/3861)
قوارب النجاة لمن وقع في حبائل الشيطان والمعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي وأستاذي لن أطيل عليكم إن شاء الله
مشكلتي للأسف طويلة: لقد استشرى بقلبي مرض حاولت الصمود معه طيلة عام كامل ما ازددت فيه إلا مرضاً.
أنا شاب في التاسعة عشرة من عمري، معظم ما فات من عمري كان مثل أي إنسان غير ملتزم ولكن فيه ما رزقني الله به من حسن فطرة وتربية صالحة ولله الحمد إلى أن من الله عليّ بنعمة الالتزام منذ حوالي 4 أعوام. عشت فيه أياماً غاية الروعة -في نظري- ما بين صلاة وقيام وصيام وطلب علم شرعي إلى أن جاءني وقت دب في قلبي بوادر مرض قلبي فيه، لم أهتم كثيراً، انشغلت بنفسي وبمذاكرتي إلى أن بدأت التقليل من صحبة الأخيار إلى أن وصل بي الحال إلى شبه ميؤوس منه، من الله علي بعمرة في شعبان قبل الماضي كانت أروع أيام حياتي، ولكن وبكل أسف ما لبثت هذه الروعة أن تستمر أكثر من حوالي ثلاثة أيام الأوائل من تلك العمرة الجميلة حتى جاءني بعض من الفتور حتى وأنا في العمرة، علماً بأن هناك شيءٌ ما بدأت فعله في آخر فترة قبل العمرة ألا وهو -بكل أسف- فتنة المواقع الإباحية، رجعت من العمرة بخفي حنين ضاحكاً على نفسي بأني تغيرت وكنت متأكداً تماماً من عدم التغيير. المهم ما لبث صمودي أمام ذنوبي قبل العمرة أن يفتر إلى أن جاءت الطامة. رجعت للإباحيات في رمضان وأنا صائم!!! ولكن الغريب في الأمر أني إلى تلك الفترة العصيبة لم أكن لأستمني مع أني كنت تستثار شهوتي من تلك الإباحيات القذرة. استمر بي الحال قيام ونظر محرم إلى أن انتهى رمضان. أصبح عامي بين رمضان قبل السابق وما تلاه هو أسوأ عام مر علي في حياتي، كله منغصات، فقد كنت دائم الحزن على نفسي شارد الذهن أفكر في حالي مع ربي ولكن كل هذا وبكل أسف لا يجدي لي حلاً عملياً جذرياً أبداً ثم أنسى وأكرر. المهم وصل بي حالي وبكل أسف إلى ما لم أكن أفعله قبل التزامي إلا نادراً ألا وهو بكل أسف وحزن: الاستمناء. وبالطبع كان شيءٌ متوقع بل وطبيعي، فكنت قرابة الشهر أنظر إلى تلك المحرمات حتى وأنا صائم والشياطين مسلسلة فكيف لا أستمني وأنا غير صائم والشياطين غير مسلسلة؟! المهم كان احتقاري لنفسي يزداد يوماً عن يوم وبالتالي كنت أرى نفسي غير ملتزم بالمرة، وكان يترتب على ذلك:
1- تضييع لصلاة الجماعة بل أوقات كثيرة لصلاة معينة كلية عن أوقاتها وذلك لخروج المني من فرجي فيجب عليّ الاغتسال وما دمت كنت أرى نفسي مذنباً فكيف كنت أشحذ همتي للصلاة إذن؟
2- محاولة عمل أي ذنب كنت أتوق إلى شهوته كسماع الأغاني والمعازف، وهذا وقتها كان من أكثر ما يلح عليّ فبكل أسف كنت أقع في ذلك.
ولكن سبحان الله كان الله يمن علي بنعمة التوبة، ولكن ما لبثت في تلك الحال القصيرة إلى أن أدمنت الاستمناء للأسف. ومع كل مرة أيضاً أتوب وأندم فأرجع، والله أوقات كثيرة كنت أستمني في اليوم الواحد حوالي ثلاث مرات.
وصل بي الحال إلى رمضان والحقيقة أني لم أكن قد استعددت أصلاً له لسببين:
1- لم أكن آبه بالموقف كما ينبغي.
2- كان عندي دراسة صيفية وقتها أنهيتها قبل رمضان بحوالي أسبوع فلا وقت إذن.
دخلت رمضان وأنا بين رهبة ورغبة، رهبة من رمضان ألا أستغله، ورغبه في رمضان أن أستغله.
بالطبع يومين حماسة ثم النكسة والطامة الكبرى، استمنيت في نهار رمضان، مرة تلو مرة تلو مرة حتى وصلت في آخر الشهر أني استمنيت وبكل أسف ستة أيامٍ كاملة، وهذا ما لم يحدث معي أبداً في حياتي كلها بطولها وعرضها أن أفطر عمداً في رمضان. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنا الآن لا أعرف ماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله؟
أخيراً بالطبع لا أجد لي عذراً في الإطالة عليكم إلا خطورة الموقف وثقل ما أحمله في صدري فاعذروني.
أرجو الرد وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يهديك سواء السبيل ويثبت أقدامك على التوبة والإنابة ويصرف عنك كيد الشياطين.
واعلم أيها الأخ أنك قد خضت في مستنقع آسن من المعاصي والكبائر التي لا يخفى عليك شرها وقبحها، فمن ذلك تصفح هذه المواقع الشيطانية، مما فتح عليك أبواب الفتنة فقادك إلى التفريط في الصلاة والاستمناء، وهتك حرمة الشهر المعظم وسماع الأغاني والمعازف وكل ذلك حرام كما هو معلوم، وبعضه من كبائر الذنوب.
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله سبحانه من هذه الذنوب ثم مجاهدة نفسك للثبات على طريق التوبة والعمل الصالح، ولا تستجب لداعي الكسل والفتور، وراجع الفتوى رقم: 17666. ففيها بيان لأسباب الفتور وطرق علاجه والتغلب عليه.
وراجع الفتوى رقم: 10800. فإن فيها وسائل نافعة لتقوية الإيمان. والفتوى رقم: 31768. ففيها إرشادات للمحافظة على الإيمان والثبات عليه، وراجع الأسباب المعينة على التخلص من العادة السرية في الفتوى رقم: 7170. وحكم تأخير الصلاة عن وقتها في الفتوى رقم: 18839.
وراجع حكم الاستمناء في نهار رمضان وما يترتب عليه في الفتوى رقم: 7828. وحكم الغناء في الفتوى رقم: 987.
وفي النهاية ننبهك إلى أن الوقوع في بعض المعاصي لا يسوغ ترك الصلاة ولا التفريط في حضورها في جماعة فهذا من مكايد الشيطان، ومن مكايده التي يتيقن عليك الحذر منها القنوط من رحمة الله تعالى، فإن الله يغفر الذنوب جميعا إذا تاب العبد إليه، فسارع في التوبة الصادقة وأبشر بمغفرة الله تعالى وعفوه، كما بيناه في الفتوى رقم: 25531.
وراجع حكم صلاة الجماعة في الفتويين: 1798، 5153.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(9/3862)
هل توجد علاقة بين الزوجة وما يحل بزوجها من كوارث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أقطن في بلاد المهجر.. منذ سنة تزوجت والحمد لله من فتاة ذات دين وخلق، ومن أسرة طيبة، يسكنون في نفس البلد الذي أقطن فيه، منذ يوم زواجي وأنا أواجه ضيقا وشدة وأشياء غريبة.. فقدت عملي، وتعاظمت ديوني مع العلم أن زوجتي تساعدني ماديا، فقدت حافظة نقودي ووثائقي بأكملها وأنا راكب في القطار، تعطلت سيارتي وأنا ذاهب الى حفل زفافي، وجدت عقربا سوداء في بيتي بعدعقد القران وقبل دخول زوجتي اليه.. زوجتي الآن حامل، وأنا لم أعد أقوى على التفكير.. سؤالي: هل هناك حكمة وراء هاته الأشياء التي أواجهها.. ادعو لي وأفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا نزلت المصائب على العبد أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه ويراجع حاله مع الله، فإنّه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: 30} .
قال السعدي في تفسيره: يخبر تعالى أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم، وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو الله عنه أكثر، فإن الله لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون. اهـ
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. .
وقال ابن الجوزي: قال الفضيل بن عياض: إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي.
وقال أبو سليمان الداراني: من صفى صفي له، ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله. اهـ من كتاب ذم الهوى.
فعليك أخي بتجديد التوبة إلى الله، والمحافظة على الفرائض، واجتناب المعاصي الظاهرة والباطنة، حتى يصلح الله أمرك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد: 11} .
وإذا لازمت التقوى فستجد التيسير في أمورك ـ بإذن الله ـ قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4} .
ونوصيك ـ أيها الأخ الحبيب ـ بملازمة ذكر الله تعالى، لا سيما أذكار الصباح والمساء وأذكارالنوم، وأذكار دخول الخلاء، وكذا نوصيك بالاكثار من قراءة القرآن.
وننبّه السائل إلى أنّ الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز، إلا في حالات معينة وبضوابط مبينة في الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(9/3863)
قد لا يعاجل الله العاصي بالعقوبة في الدنيا استدراجا له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أن الله سبحانه وتعالى قد لا يعاقب الإنسان الذي ارتكب إثما عظيما جداً ومن الخطايا الكبيرة بل على العكس قد يعطيه ما يتمناه ويسعده، فأنا في حيرة من أمري لقد ارتكبت معصية كبيرة جداً ولا أعلم إن كان ربي سيسامحني عليها؟ وأنا الآن أعاني من عقوبة ربانية لا أتمناها لعدو ولا لصديق فقد أخذني الله أخذ عزيز مقتدر وحالي كمن يركض بين الناس وهو مشتعل الجسد وروحه لائبة ولا يجد من يطفئه فقط ينادي ربه ويستسمحه بالغفران والصفح، لقد وصلت إلى الحضيض وعشعشت الأمراض في بدني أكاد لا أصحو منها، وضعف جسدي وبشرتي أصبحت صفراء بعد بياضها ولا أبالغ والله شاهد علي أنني في 23 من عمري وغزا الشيب شعري لشدة ما أعاني من الآم وتأنيب ضمير، ووساوس وهموم وخوف وقلق وغضب، وندم وحسرة على ما فعلته وعلى حالي الذي أنا فيه. فإلى متى ستستمر حالتي هذه؟ لا علم لي. فهل لها نهاية؟ ومتى أخاف أن تفلت زمام الأمور من يدي واقترف ما لم أحمد عقباه. أرجع لسؤالي أن من ارتكب خطيئتي ذاتها بعينها أعطاه الله ما تمناه وزاد في صحته وهو الآن ينعم براحة ما بعدها راحة. لماذا! وعندما أحدثه يقول إنه يستغفر الله كثيراً ويرجو أن لا يعاقبه، مع العلم أنه لم يعرف الله إلا بعد أن أعطاه ما تمنى وأنا تقتلني الغيرة والحسد منه، وزادني ألما فوق ألمي كأنه جزء من عقوبتي وعندما يرى حالي يقول لماذا أنا منهكة نفسي وتفكيري بالقلق من عقوبة الله بل إن هناك أدعية للاستغفار فلأقرأها وينتهي الأمر ولا أوذي نفسي هكذا، للعلم فإنه من مذهب غير مذهب أهل السنة والجماعة ويقول بأني إذا اتبعت مذهبهم أو على الأقل طلبت من أهل البيت فإنهم لن يخذلوني، وأنا الآن حائرة في أمري لأن راحته مقابل المأساة التي أعيشها مغرية، ومستعدة أن أفعل أي شيء يريحني من عذاباتي هذه. أعتذر عن الإطالة وأرجو منكم الجواب الوافي؟ وحفظكم الله من كل مكروه وسوء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدنيا دار عمل لا دار جزاء، والآخرة هي دار الحساب والجزاء، والله تعالى حليم قد لا يعاجل العاصي بالعقوبة، بل قد يفتح عليه الدنيا استدراجاً، قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. {الأنعام:44} . وقد يعجل الله للعاصي شيئاً من العقوبة ليرجع إلى ربه ويتوب من معصيته، والسعيد من يبادر بالتوبة ويرجع إلى ربه. واعلمي أنه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثم تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} . بل إن الله تعالى يحب التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة النصوح تمحو ما قبلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العود له، فبادري بالتوبة النصوح وأقبلي على ربك وأبشري خيراً، ولا تدعي للشيطان مجالاً ليخذلك ويوهن عزيمتك ويلقي اليأس في قلبك فالمؤمن لا ييأس أبداً، قال تعالى: ... إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. {يوسف:87} . فما تذكرينه عن حالك وقنوطك أمر يتنافى مع ما تقرر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من سعة رحمه الله التي وسعت كل شيء أفلا تسعك، فأقبلي على الله بصدق فإن الله لا يرد من أتاه نادماً طائعاً. واحرصي على مصاحبة الصالحات من أهل السنة اللاتي يذكرنك بالله ويكن عوناً لك على الطاعة، واحذري كل الحذر من مصاحبة أهل البدع المنحرفات اللاتي إنما يردن إزاغتك عن طريق الحق ويزين لك طريق الباطل، ويحملنك على التعلق بغير الله والتماس الهدي في غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ويحاولن أن يقتنصن مرحلة الضعف التي تمرين بها لإضلالك، واعلمي أنه لا نجاة للعبد إلا بالالتجاء إلى الله وحده والاعتصام بما كان عليه النبي صلى الله وسلم وصحابته الكرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1430(9/3864)
شروط التوبة المتعلقة بحقوق الأدمي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن إذا أراد الإنسان التوبة من الكذب هل عليه أن يخبر من كذب عليه؟ فأرجوكم أن توضحوا كل الآراء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة من المعصية التي تتعلق بحق آدمي يشترط فيها مع شروط التوبة المعروفة شرط آخر وهو أن يبرأ من حق صاحبها، سواء كانت مما يستوفى كالمال ونحوه، أو مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب وغير ذلك، وهذا هو المعروف في مذهب الأئمة (مالك وأبي حنيفة والشافعي) ، ورجحه الغزالي والقرطبي والنووي وغيرهم. انظر مدارج السالكين لابن القيم، إحياء علوم الدين، تفسير القرطبي، الأذكار ل لنووي.
واحتجوا على هذا بأدلة، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
قال البغوي: قوله: فليتحلله: أي ليسأله أن يجعله في حل من قبله، يقال: تحللته واستحللته: إذا سألته أن يجعلك في حل، ومعناه: أن يقطع دعواه ويترك مظلمته. شرح السنة للبغوي.
وقالوا: ولأن في هذه الجناية حقين: حقا لله وحقاً للآدمي فالتوبة منها بتحلل الآدمي لأجل حقه والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه. مدارج السالكين.
فهذا قول من يشترط استحلال الآدمي في كل الذنوب ما يستوفى منها وما لا يستوفى كالكذب والغيبة..
والقول الآخر في المسألة: هو ما ذهب إليه جمع من العلماء وهو أن الحق إذا كان مما يستوفى كمالٍ ونحوه يرده إلى صاحبه، وإن كان مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار وذكره بخير، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أن هذا قول الأكثرين ورجحه ابن القيم، وذكر العلامة السفاريني أن هذا قول الجمهور، واحتجوا بما يلي:
1- أن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى بعد أن كان مستريحاً قبل سماعه.
2- أن هناك فرقاً بين الحقوق المالية وغيرها، لأن الحقوق المالية ينتفع بها إذا رجعت إليه بخلاف الكذب والغيبة والنميمة، ولأنه إذا أخبره بها لم تؤذه بل تزيده فرحاً وسروراً. وهذا القول الثاني هو الأقوى والأرجح، فعلى هذا لا يجب عليك الإخبار بأنك كذبت، ولكن عليك أن تتوب إلى الله، وأن تحسن لمن كذبت عليهم، وللمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الآداب الشرعية لابن مفلح، غذاء الألباب، ولوامع الأنوار البهية كلاهما للسفاريني. ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين: 5450، 29785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(9/3865)
الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أسمع فيلما به بعض المشاهد المثيرة، وبها قبلات عديدة، وبعد الانتهاء من سماع الفيلم اكتشفت أن غياري الداخلي به بعض من النجاسة التي خرجت نتيجة لمشاهدة المشاهد المثيرة، فسؤالي هو هل هذا الشيء مني أم مذي، وهل أحتاج إلى الاغتسال، أم أكتفي بالوضوء فقط، وما جزاء ذلك عند الله، هل يعتبر كبيرة من الكبائر، أم هذا من الصغائر؟ ووفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسائل اللزج الشفاف الذي يخرج عند التفكير في الشهوة أو رؤية ما يثيرها يسمى مذياً، وحكمه أنه نجس وناقض للوضوء، ويغسل الذكر منه، ولا يوجب خروجه الغسل لأنه ليس منياً، وانظر التفصيل في ذلك في الفتوى رقم: 19959.
ويجب عليك أخي السائل أن تتقي الله تعالى، وتكف عن رؤية تلك الأفلام، فالله جل وعلا أمر بغض البصر، فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، وإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى خطوة من خطوات الشيطان التي يستدرج بها العبد لإيقاعه في الزنا؛ ولذا أمر الله تعالى بغض البصر قبل أن يأمر بحفظ الفرج، والنظر إلى المحرمات يفسد القلب ويضعف الإيمان، فاتق الله تعالى.
وأما السؤال عما إذا كان هذا من الصغائر أم الكبائر، فجوابه أنه لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، قال رجل لابن عباس: كم الكبائر؟ سبع؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار ... رواه ابن جرير. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:.. ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.. رواه أحمد وصححه الألباني.
فاتق الله تعالى وتب إليه يغفر لك الله ولو كان ذنبك كبيراً، وإن أصررت على رؤية تلك المشاهد فأنت في خطر عظيم، حتى وإن كان ذنبك في أصله صغيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1430(9/3866)
التائب من الزنا توبة نصوحا هل تقبل توبته
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وأنتم بخير سؤالى هو: شخص زنى وكان يلوم نفسه حتى فى حالة الزنا ولا يكمل ما يفعل، ثم مع الأسف يعود بعد فترة قريبة ويفعل مقدمات الزنا ثم يلوم نفسه، ثم يعود. والآن هو تائب منذ أكثر من أربع سنوات ويرجو أن يحقق قوله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما. يسأل: 1- هل نقش فى قلبه السواد؟ 2- هل يقتص منه فى الدنيا كزوجته أو أخته أو شئ علماً بأنه لم يكن محصنا وقت هذا الفعل؟ 3- هل لأحد حق عنده من أصحاب الحقوق يوم القيامه إلا الله الغفور الرحيم الستار علماً بأنه لا يعلم بهذا الأمر إلا الله ولم يعد لهذا الفعل ولا لشبهه، وتزوج امرأة صالحة ولله الحمد؟ ونأسف جدا جدا على الإطالة وجزا الله القائمين على هذا العمل خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب التي تجلب غضب الله، لكن مهما عظم ذنب العبد ثمّ تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته. قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} .
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود له، أمّا بخصوص الاقتصاص من الزاني في أهله فقد سبق أن بينّا أننا لم نقف على دليل صحيح يفيد اشتراط ذلك، وانظر الفتوى رقم: 127118
ثم إنّ التوبة النصوح تمحو أثر الذنب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
فإذا كان هذا الشخص قد تاب توبة صادقة، فلا يخش على قلبه من أثر الذنب، بل إنّ القلب يعود بعد التوبة أقرب إلى الله وأكثر حباً له وشوقاً إليه وإقبالاً على طاعته واستشعاراً لحلاوة الطاعة.
ولا يشترط لصحة التوبة استحلال زوج من زنى بها أو وليّها، وإنّما الواجب على من وقع في هذا الذنب أن يستر على نفسه ولا يخبر أحداً، وانظر الفتويين: 122218، 124029
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1430(9/3867)
المسارعة إلى التوبة من العلاقة المحرمة طوق نجاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن تتكرموا عليّ بالفتوى. أسأل الله أن يكرمني بالهداية والمغفرة، تعرفت إلى رجل وتحدثنا بواسطة الهاتف ويريد أن يتقدم لخطبتي بعد شهر رمضان لكني أخبرته برفض أهلي وبأن زواجنا مستحيل، وهو يصر بأن يتزوجني، أنا تعلقت فيه وكنت أعلم بأن محادثتي له حرام لكني كنت غبية ومغفلة لأني جعلت عواطفي تتحكم بي، أخبرني بأنه كان يعمل في إحدى دول الخليج قبل عدة سنوات وتعرف إلى امرأة مطلقة وتقدم لخطبتها ووالدها وافق لكن طلب منه أن يسأل أخاها إن كان سيوافق وطبعا الأخ رفض وهي حاولت الانتحار بإحراق نفسها لكن نجت وتم تزويجها لرجل كهل وهي شابة، ما جعلني أشعر بالرعب أنه مارس معها الحرام طوال سنتين على أساس أنهما سيتزوجان ولأن أباها كان موافقا وعذره الثاني أنه كان في بداية العشرينات من عمره وعازب وأنها أغرته، ولكن الآن هو تائب ويريد طريق الحلال رغم الإغراءات والفتن، وأخبرني أيضا أنه بعد حادثتها بعدة أشهر أصيب بالعجز ويتعالج ولم ير نتيجة. عندي عدة أسئلة وأرجوكم أن لا تدعوني بدون أجوبة، ماذا أفعل كي أكفر عن ذنبي لأني تحدثت معه وتماديت معه في الكلام وكأننا زوجان؟ أشعر بالغثيان من نفسي وبأني صرت قذرة بسبب محادثتي معه وأريد التوبة وبنفس الوقت أفكر فيه فماذا أفعل؟ هو أخبرني بأنه مارس معها الفاحشة خلال شهر رمضان وبعد أذان الفجر طوال السنتين فما هي كفارة ذنبه؟ حضرة الشيخ هو تائب وكانت العبرة تغطه عندما كان يحكي وأسأل الله له المغفرة، أريد أن أخبره بأن عليه كفارة وبأن التوبة لا تسقط الكفارة فكيف؟ هل تنصحني بأن أرسل له رسالة بواسطة الجوال، لأن الإنترنت لا يستعمله على حسب قوله؟ أسأل الله العفو والعافية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك هو أن تسارعي بالتوبة إلى الله جل وعلا مما كان منك من علاقة مع هذا الرجل، فإن مثل هذه العلاقات محرمة لا شك في تحريمها وهي ذريعة قوية إلى فساد الدين والخلق وفضيحة الدنيا وخزي الآخرة، وقد رأيت ما جرت عليه مثل هذه العلاقات من وقوع في محارم الله وانتهاك لحدوده، وراجعي الفتويين: 116825، 109089.
واعلمي أنه لا تتحقق توبتك من هذا الذنب إلا بقطع كل علاقة لك بهذا الرجل فلا تحدثيه ولا يحدثك، وانصرفي عنه تمام الإنصراف فلا تنشغلي بأموره ولا بتوبته ولا بما يجب عليه من كفارة هتك حرمة الصوم بالفواحش، فهذا أمر هو وحده المسؤول عنه والواجب عليه أن يستفتي فيه أهل العلم إن كان جاداً في التوبة. واحذري أن تشغلي نفسك حتى بمجرد التفكير فيه خصوصاً بعد أن ظهر لك صعوبة الزواج به نظراً لرفض أهلك وامتناعهم. وعليك بنفسك فالزمي الندم على ما كان منك وأكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة المكفرة، من صلاة وصيام وصدقة فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات، قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود:114} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1430(9/3868)
خطوات لعلاج اليأس والتخلص من أسر الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل إليكم معاناتي بعد يأس شديد من الحياة والرغبة في تركها, أنا شاب مسلم بالاسم فقط فلم أفعل أي شيء يدل على أنني مسلم وسني هي 20 ففي صغري تعرضت للتحرش الجنسي أكثر من مرة مما دفعني الآن على إدمان العادة السرية وممارسة الشذوذ الجنسي والمشكلة أنني لا أحس أنني أمتلك قلبا فلا أتعظ أبدا سمعت الكثير من الخطب المؤثرة والمبكية، ولكنني كنت أتأثر حين أسمعها وبعدها بوقت قصيرأعود لممارسة أفعالي السيئة, ولا أحس بلذة حين أمارس مثل هذه الأشياء ولا أعرف، لماذا أمارسها حقا؟ وكثيرا ما أفعل أفعالا شنيعة مع معرفة عواقبها فأنا أعرف حكم الإفطار متعمدا في رمضان، ولكنني أفطر بلا سبب وأنتهز وجودي في البيت وحيدا في نهار رمضان لمشاهدة المواد الإباحية, فأنا دائم التفكير في الجنس حتى في الصلاة التي نادرا ما أصليها، فعندما يذهب والدي ووالدتي إلى المسجد المجاور للصلاة أنتهز الفرصة لأجلس وحيدا لأمارس العادة السرية وعلى الرغم من سماعي القرآن من المسجد المجاور فصوته يتردد في أذني فأنا فعلا بلا قلب وبلا أمل في الحياة, فأنا لا أمتلك ذلك القدر من أصحاب السوء الذين يمكن أن يؤثروا علي بهذه الطريقة فمعظمهم يعرفون الله ويتقونه، بل أنا لا أعرف، لماذا هم أصلا يصاحبونني؟ فعندما نكون معا ثم يذهبون للصلاة ويدعونني للذهاب معهم أخترع الحجج لأمتنع عن دخول المسجد, ولدي مشكلة أخرى مع والدي فهو يدعي الإيمان والتقوى ويذهب للصلاة في المسجد إلخ، ومنذ فترة وجدت سيديهات خاصة به تحتوى على مواد إباحية ولكي أتأكد أكثر تابعت تاريخ التصفح والمواقع التي كان يدخل عليها ولم أتفاجأ حين وجدت مواقع إباحية ولكنني لم أواجهه بما عرفته عنه حتى الآن ولا أنوي مواجهته حتى لا أتسبب في تفكك الأسرة.
أماعن حياتي فأنا لا أمتلك فعلا حياة فحياتي كلها عبارة عن الجنس والتليفزيون ثم الأكل والنوم، هل لو كنت كافرا سيكون هذا أفضل لي؟ فأنا أعلم أن الله يشاهدني عندما أشاهد المواد الإباحية ويظل ذلك الصوت يتردد في أذني ـ إن الله يشاهدني ـ فهل أجعله أهون الناظرين إلي؟ ولكنني أتجاهل هذا الصوت الذي يختفي بسرعة بلا أي اهتمام مني، فأنا معروف عند الناس بالشاب المؤدب الخلوق الطيب ولوعرفوا حقيقتي لاستبدلوني بمداسهم فأنا مطلع وأعرف خطورة ما أفعله وأنا أعظ الناس، ولكنني لا أستجيب, وقد حاولت الانتحار العديد من المرات ولكنني كنت أفكر أن في الدنيا أملا لأتوب بدلا من الموت كافرا, ورجعت عندما تخيلت، ماذا يمكن أن يحدث لأمي عندما تكتشف حقيقتي القذرة؟ فأنا الذي خنت ثقتها وانحرفت عن الطريق السوي الذي نشأت عليه فكثيرا ما تتوسل إلي لأذهب للصلاة في المسجد، ولكنني أعمى القلب، فماذا أقول؟ أنا أعرف أن الله يغفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر وأعلم أيضا أن الله شديد العقاب ولا أشك أن الإسلام هو الدين الحق، ولكنني لا أستجيب.
وأرجوكم لا تخذلوني وأجيبوا على سؤالي، كيف أتوب وأنا أعمى القلب؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري أيها السائل، ما الذي يحملك على العيش في هذه المعيشة الضنك الموحشة؟ خصوصا وأنت تعلم علم اليقين سبب ما أنت فيه من البلوى والشقاء وتعلم العلاج الشافي والدواء الناجع, ولكن قعدت بك همتك وخانتك عزيمتك عن اللحاق بركب التائبين العابدين.
فبادر ـ رحمك الله ـ إلى مجاهدة نفسك واعلم أن مجاهدة النفس هي النجاة لك ـ بإذن الله ـ مما أنت فيه من بلاء واعلم أن الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة أكثرها مكتسب، فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبى الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه.
وعلاج ما أنت فيه يكون بأمور: أولا: أن تتوب إلى الله توبة صادقة وتندم على تفريطك في حقه سبحانه وتعزم على الإقلاع عن هذه المعصية، ومن تاب تاب الله عليه, وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 5450.
ثانيا: أن تشغل وقتك بطاعة الله، وكثرة ذكره سبحانه وتعالى، فبطاعة الله يحيا المرء حياة طيبة، ومن كان مع الله كان الله معه، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل: 97} .
وقال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {طه: 123} .
وبذكر الله يعمر القلب ويطمئن.
قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ {البقرة: 152} .
وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. متفق عليه.
ثالثا: سد المنافذ والأبواب الموصلة إلى تلك الفواحش، ويكون ذلك بغض البصرعن النساء والمردان وعدم الخلوة بهم، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30} .
وعليك أن تبتعد كل البعد عما يثير الشهوة ويهيجها من تلك الوسائل الشيطانية من الصور الخليعة والمواقع الإباحية ونحو ذلك.
رابعا: عليك بالزواج، فالزواج وسيلة ناجعة لعلاج المشكلات الجنسية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
فالمرء روح وجسد، وقد شرع الله من الأحكام ما يرتفع بالروح والجسد إلى أسمى مراتب الفضيلة، ولذا شرع الزواج، وجعل مجامعة الرجل لأهله صدقة، قال صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة. رواه مسلم.
خامسا: عليك بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والانكسار أمام الخالق سبحانه، فإن الله سبحانه وعد بقبول الدعاء، خصوصا دعاء المضطرين، فقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186} .
وقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} .
وقال عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل: 62} .
سادسا: عليك بزيارة القبور وتذكر الموتى، وتخيل نفسك وأنت في عدادهم، وقد فارقت الدنيا، وتركت لذاتها وشهواتها، وفني كل ذلك وبقي الإثم والحسرات.
وفي النهاية نذكرك بحرمة ما تفعله من التجسس على أبيك وتتبع عوراته، فهذا حرام في حق عموم المسلمين وهو في حق الوالدين أشد حرمة, قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} .
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته. رواه البيهقي في الشعب، وأبو يعلى في مسنده.
وراجع حرمة الانتحار في الفتوى رقم: 10397.
وننصحك أيضا بمراسلة قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(9/3869)
التوبة من الغيبة والتجسس والتوبة العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قبل احتلامي أفعل الكثير من المنكرات من الغيبة والكذب والاطلاع على أسرار الناس إلخ، ولكنني الآن أشك في أنني عندما كنت أفعل تلك المنكرات كنت بالغا، لأن الشعر ـ في أغلب ظني ـ حول العانة كان خشنا، بل أنا شبه متأكد، وعندما كنت أعلم أن الشعر من علامات البلوغ، ولكنني لم أكن أعرف حد ـ خشونة الشعر ـ ولم أتعلم ذلك، لأنني قد أكون تكاسلت عن البحث ومعرفة الحقيقة، وسؤالي الآن: هل علي أن أخبر من اغتبت ومن تصنت أو تجسست عليه؟ وقد أكون نسيت الكثير، وهل علي إثم من تلك المنكرات السابقة وعلي التوبة منها؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وبينا علامات بلوغ الذكر والأنثى في الفتوى رقم: 10024، وذكرنا أن من العلامات: الإنبات وهو: ظهور شعر العانة، وهو الذي يحتاج في إزالته إلى نحو الحلق، دون الزغب الصغير الذي ينبت للصغير، وأن القول بأن الإنبات علامة للبلوغ مطلقاً هو مذهب الحنابلة والمالكية، وأما الحنفية والشافعية فلم يعتبروا نبات الشعر دليلا على البلوغ، وقد سبق بيان قولهم بالتفصيل في الفتوى رقم: 78640، فراجعها.
والراجح ـ والله أعلم ـ هو ثبوت البلوغ بوجود الشعر الخشن حول العانة، وقد سبق أن هذا هو مذهب المالكية والحنابلة ـ رحمهم الله.
وبناء على ما سبق: فقد كنت بالغا وقت ارتكابك لهذه المعاصي المذكورة في السؤال، فيجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتندم على ما فعلته، ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين رقم: 5450، ورقم: 29785.
ولأن المعاصي المذكورة من الغيبة والتجسس تتعلق بحق آدمي، فقد اشترط بعض العلماء شرطا إضافيا على شروط التوبة من المعاصي التي هي حق لله وحده، وهو: استحلال من اغتبته أو تجسست عليه وطلب عفوه عنك، وهذا هو المعروف في مذهب الأئمة: مالك وأبي حنيفة والشافعي، ورجحه الغزالي والقرطبي والنووي وغيرهم، وانظر: مدارج السالكين لابن القيم، وإحياء علوم الدين، وتفسير القرطبي، والأذكار للنووي.
والقول الآخر في المسألة: هو ما ذهب إليه جمع من العلماء، وهو: أن الحق إذا كان مما لا يستوفى كالغيبة والنميمة والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار وذكره بخير، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أن هذا قول الأكثرين ورجحه ابن القيم، وذكر العلامة السفاريني أن هذا قول الجمهور، وهذا القول الثاني هو الأقوى والأرجح، فعلى هذا لا يجب عليك إخبار من اغتبته أو تجسست عليه، ولكن عليك أن تتوب إلى الله، وأن تحسن لمن اغتبتهم وتستغفر لهم، وتذكرهم بما فيهم من الصفات الحسنة عند من اغتبتهم عنده، ولمزيد من التفصيل راجع: الآداب الشرعية لابن مفلح، وغذاء الألباب، ولوامع الأنوارالبهية كلاهما للسفاريني.
ولمعرفة أدلة الفريقين راجع الفتويين رقم: 18180، ورقم: 36984.
وأما ما لا تعلمه من الذنوب التي قد ارتكبتها قديما وكنت بالغا وقت ارتكابها فيجب عليك أن تتوب منها، ولا يشترط لصحة التوبة أن تجلس تتذكر كل ذنب لتتوب منه، بل يكفي أن تتوب منها توبة عامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فَمَنْ تَابَ تَوْبَةً عَامَّةً كَانَتْ هَذِهِ التَّوْبَةُ مُقْتَضِيَةً لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَعْيَانَ الذُّنُوبِ إلَّا أَنْ يُعَارِضَ هَذَا الْعَامَّ مُعَارِضٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ إيَّاهُ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَسَنٌ لَيْسَ بِقَبِيحِ فَمَا كَانَ لَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّوْبَةِ وَأَمَّا مَا كَانَ لَوْ حَضَرَ بِعَيْنِهِ لَكَانَ مِمَّا يَتُوبُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّوْبَةَ الْعَامَّةَ شَامِلَتُهُ. انتهى من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1430(9/3870)
التائب من الزنا وما يلزم إذا زنا بذات زوج
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي ارتكب الزنا أكثر من مرة، في كل مرة يتوب ثم يرجع ولكن الآن شعر بذنبه ويريد أن يتوب توبة نصوحا. هل تقبل توبته؟ وبالنسبه للحديث هذا أن من زنى بامرأة كانت متزوجة كان عليها وعليه في القبر نصف عذاب هذه الأمة فإذا كان يوم القيامة يحكم الله سبحانه وتعالى زوجها في حسناته. هذا إن كان بغير علمه؟
ماذا عليه أن يفعل حتى لا تكتب حسناته لزوج المرأة التى زنى بها غير التوبة النصوح والندم على ما فعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا من كبائر الذنوب التي تجلب غضب الله والتي توعّد الله فاعلها بالخزي والعذاب في الدنيا والآخرة إذا لم يتب توبة صادقة، أمّا إذا تاب توبة نصوحاً فإنّ الله يعفو عنه ويغفر له. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى:25} .
والتوبة النصوح تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العود له، ولا يشترط لصحة التوبة من الزنى استحلال زوج من زنى بها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 124029.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(9/3871)
هل ينال الجالس في المسجد لطلوع الشمس ثواب المعتمر من كل وجه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن قراءة القرآن من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الضحى عند الشروق تكتب عمرة. فهل هذا صحيح؟
ويقال إن من العمرة للعمرة كفارة لما بينهما، وأنا قمت بأداء العمرة منذ 5 سنوات. فهل لو كتبت الفترة من الفجر للشروق فى العبادة كعمرة فهل تُغفر الذنوب مابين العمرة السابقة وهذه لو كتبت عمرة؟
وهل يوجد فرق لو كتبت عمرة فى رمضان أو غير رمضان؟ وهل يوجد فرق فى الثواب فى رمضان عن غير رمضان؟ أنتظر ردكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلا على صحة ما ذكرته من أن قراءة القرآن بعد الفجر إلى طلوع الشمس تعدل ثواب عمرة، وإنما الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قريب من هذا المعنى حديث رواه الترمذي وغيره عن أنس رضي الله عنه واختلف العلماء في صحته ولفظه: من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
وفي هذا الحديث فضيلة الجلوس وذكر الله بعد صلاة الصبح في جماعة حتى تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد ذلك.
وأما الحديث الثاني الذي أشرت إليه وهو أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما فثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وليس معنى تشبيه ثواب الجلوس بالعمرة والحجة أن يكون لمن جلس ثواب المعتمر من كل وجه، بل هذا دليل على عظم ثواب الجلوس، وأما تكفير الذنوب الوارد في الحديث فمنوط بالعمرة المشروعة والتي ورد الشرع بالترغيب فيها والحث عليها، وقال بوجوبها كثير من أهل العلم.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قال الطيبي: هذا التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل ترغيبا، أو شبه استيفاء أجر المصلي تاما بالنسبة إليه باستيفاء أجر الحاج تاما بالنسبة إليه.
وأما وصف الحج والعمرة بالتمام فإشارة إلى المبالغة كذا في المرقاة. انتهى.
ومع هذا ففضل الله واسع ورحمته عظيمة، وقد قال تعالى: إن ربك واسع المغفرة.
فمن حرص على تحصيل الثواب الوارد في هذا الحديث فيرجى له أن ينال مغفرة الله تعالى، وأما فضل هذه الجلسة في رمضان فلا شك في أنه أكبر من غيره فإن الطاعات في رمضان تعظم أجورها ويتضاعف ثوابها.
كما يومئ إليه ما في الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة صدقة في رمضان. وثبت في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجة. وفي رواية: معي.
وهذا كله يدل على أن رمضان لشرفه وفضله موسم تضاعف فيه أجور العاملين ويزيد ثوابهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(9/3872)
حكم كتابة مواعظ مشتملة على ذكر معاص للتنفير منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب قصصا دينية وفيها مواعظ، ويجب علي دائما كتابة المعاصي ومساوئها لأوصل الفكرة أن التوبة من المعاصي أفضل، وللعلم فأنا لا أكتب عن الكبائر، ولكن فقط عن التدخين وسماع الأغاني وهكذا، فهل ما أفعله هو مجاهرة بالمعصية؟ علما بأن قصدي منها هو إفادة الشباب المسلمين على الخصوص.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكاية أخبار المعاصي مع الحض على التوبة وبيان مخاطرها لا حرج فيها ولو كانت المعاصي من الكبائر ويدل لذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قصة توبة من قتل مائة نفس، كما في صحيح مسلم، ويتعين الإكثار من ذكر نصوص الوحي ففيها عظيم الأثر في قمع الناس عن التعلق بالمعاصي والشهوات وجرهم إلى عمل الخيرات، والأولى أن يشغل المسلم طاقته ووقته في تعلم القرآن والسنة وتفهم معانيهما والدعوة وترغيب الناس وإنذارهم بهما، فقد فشا في الناس الجهل بهما ولم يعد من السائغ أن ينشغل الناس بالكتابات والقصص تأليفاً ومطالعة وهم ذو جهل شديد بنصوص الوحي، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 71699، 113856، 50006، 75917.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1430(9/3873)
السبيل إلى تفريج الهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أمر بفترة عدم توفيق في أغلب أمور حياتي الدنيوية ولا أعلم، هل هو ابتلاء من الله أوغضب أوعسر؟ أتمنى أن يكون بعده يسر ـ إن شاء الله، ولله الحمد على كل حال ـ أسأل عن دعاء أدعو به وألزمه، أوعمل أعمله ليفرج الله عليّ ما ضاق عليّ من أموري.
وأسألكم الدعاء؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن ييسر لك كل أمرعسير وأن يجعل لك من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ولتعلمي أن المسلم لا يصيبه شيء في هذه الحياة إلا كان كفارة لذنوبه ورفعاً في درجاته، ففي الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ـ حتى الشوكة يشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خيرـ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ـ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
فاصبري وأبشري بالخير العاجل والآجل، فقد قال الله تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {الطلاق:7} .
وقال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح:5} .
ومن الأدعية المأثورة العامة التي تفرج الهم وتكشف الغم: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون لم يدع بها عبد مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له. رواه الترمذي وغيره.
وفي رواية له: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ومن ذلك كثرة الاستغفار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 113676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1430(9/3874)
أسباب عدم قبول العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلمت أنني أصلي وأنا جالسة من غير عذر، وتفسير الحلم عدم قبول العمل، مع أنني أصوم وأصلي وأستغفر وأدعو، وهذا التفسير جعلني مكتئبة ومتوترة، وجعل الشيطان يوسوس لي بأن دعائي لم يستجب بسبب أن عملي لن يقبل، وأحب أن أعرف ماهي أسباب عدم قبول الأعمال؟ مع العلم أنني عندما أصلي لا أركز في الصلاة ودائمة التفكير.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من اختصاصنا تعبير الرؤيا ولذلك فإننا لا نقول بتفسير هذه الرؤيا بما ذكرت ولا بغيره ولا يلزم القطع بتعبير الرؤيا على العموم ولا يبنى عليها حكم شرعي، ولذلك ننصح السائلة الكريمة بتقوى الله تعالى والحذر من وساوس الشيطان والمحافظة على أداء الفرائض بإخلاص، وخاصة الصلوات المفروضة، فإن هذه الفرائض هي رأس مال العبد، وأما أسباب عدم قبول العمل فمن أهمها وأخطرها عدم الإخلاص فيها ومخالفتها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم وموافقا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم.
ومن هنا قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا يكمل قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 120958، 20604، 11052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(9/3875)
حقيقة الندم وعلامته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتوب ولكن لدي صعوبة كبيرة في أن أشعر بالندم، فكيف أحصل عليه؟ إلا أنني قرأت على شبكة الإنترنت أنني ما دمت أريد التوبة فذلك ندم، فهل هذا صحيح؟.
أرجوكم أجيبوني بسرعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 22293، بيان ما يعينك على تحقيق الندم، والظاهر أن الندم شيء زائد على مجرد إرادة التوبة، قال الغزالي في الإحياء: وأما الندم فهو: توجع القلب عند شعوره بفوات المحبوب، وعلامته طول الحسرة والحزن، وانسكاب الدمع، وطول البكاء والفكر، فألم الندم كلما كان أشد كان تكفيرالذنوب به أرجى فعلامة صحة الندم رقة القلب وغزارة الدمع.
ونقل ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية عن ابن عقيل قوله في الإرشاد: وأن يكون إذا ذكرها انزعج قلبه وتغيرت صفته ولم يرتح لذكرها ولا ينمق في المجالس صفتها، فمن فعل ذلك لم تكن توبة، ألا ترى أن المعتذر إلى المظلوم من ظلمه متى كان ضاحكاً مستبشراً مطمئناً عند ذكره الظلم استدل به على عدم الندم، وقلة الفكرة بالجرم السابق، وعدم الاكتراث بخدمة المعتذر إليه ويجعل كالمستهزئ، تكرر ذلك منه أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(9/3876)
الطريق إلى تحقيق الخشية والمراقبة لله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[خشية الناس من الناس تكون أحيانا أكبر من خشية الإنسان من الله، فما أسباب ذلك؟ وكيف يعزز الإنسان مراقبته لله عز وجل ويزيد من خشيته له في السر والعلن؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخشية الإنسان الناس كخشية الله أو أشد خشية إنما تكون بسبب ضعف توحيد الله عز وجل في قلبه، وجهله بقدر ربه وعظمته فلو قدر الله حق قدره ما خشي إلا الله، فإنه سبحانه أحق أن يخشى، ولذلك قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {فاطر:28} .
قال أحمد بن عاصم: من كان بالله أعرف كان له أخوف. مدارج السالكين.
وقال ابن القيم: وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية.
وفي رواية: خوفاً.
وقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى.
وقال: ومقام الخشية جامع لمقام المعرفة بالله والمعرفة بحق عبوديته، فمتى عرف الله وعرف حقه اشتدت خشيته له، كما قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء.
فالعلماء به وبأمره هم أهل خشيته، قال النبي أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية. مدارج السالكين.
وأما عن مراقبة العبد لربه فيقول ابن القيم: ومقام المراقبة جامع للمعرفة مع الخشية فبحسبهما يصح مقام المراقبة.
وقال: المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين. مدارج السالكين.
وأما عن تعزيز الإنسان مراقبته لله فيقول ابن القيم: ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة: معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً. ويعينه عليها أيضاً: معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها: دخول النار، والحجاب عن الرب تعالى، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم، فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يشترى بها كنزا من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبداً الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه: خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ. إغاثة اللهفان.
وقد قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: وينبغي أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفي العمل، هل حركه عليه هوى النفس أو المحرك له هو الله تعالى خاصة؟ فإن كان الله تعالى أمضاه وإلا تركه، وهذا هو الإخلاص.
قال الحسن: رحم الله ـ عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر، فهذه مراقبة العبد في الطاعة وهو أن يكون مخلصاً فيها، ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع، ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو من نعمة لا بد له من الشكر عليها، ولا يخلو من بلية لا بد من الصبر عليها، وكل ذلك من المراقبة.
وانظر للمزيد من الفائدة الفتويين رقم: 96753، ورقم: 37142 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(9/3877)
حرمة التهاجر وأهمية التوبة والسعي للصلح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب تخاصمت مع أحد معارفي خصومة بلغت حد القطيعة، فشكل بعض شباب حينا لجنة سرية مكونة من بضعة أشخاص هدفها حل هذه المشكلة قبل أن تتفاقم فعقدت جلسات حوار طويلة مفادها تقصي الأحداث التي جرت بيني وبين هذا الشخص لكي يحددوا، من الظالم؟ ومن المظلوم؟ وخلال هذه الجلسات كذبت على هذه اللجنة في بعض الجزئيات وكذلك فعل خصمي فكان الكذب من كلا الطرفين فلم تجد اللجنة حلا لخلافنا بدعوى أن القضية بالغة التعقيد، ولكي لا تتفاقم هذه المشكلة وتصبح مشكة بين عائلاتنا أرغمونا على أن نتجاوزها وأخذوا منا عهدا على أن لانعيد طرحها مرة أخرى وأن تبقى سرا دفينا بيننا وفي خضم السجال الحاصل بيننا وأثناء فض هذا النزاع أنبني ضميري لأنني كذبت فتبت إلى الله من فعلتي وبعثت رسالة إلى خصمي قلت فيها: أنا أطلب منك أن تسامحني إن أخطأت فيك يوما من الأيام، وطلبي هذا إنما يأتي لتبرئة ذمتي أمام الله، فهل إذا بعثت رسالتي هذه إلى لجنة التحكيم أكون قد كفرت عن ذنبي؟ مع العلم أنني كتبت في الرسالة عبارة إن أخطأت ولم أقل إني كذبت مخافة أن يسلب مني حقي، لأن خصمي لم يعترف بكذبه أبدا، فهل ما قمت به يكفر ذنبي؟ فإن كان لايكفر خطيئتي فدلوني إلى الحل الأسلم، وأرجوكم أن تدعو الله كي يغفر لي ذنبي، فوالله إنني أعيش في وضع نفسي صعب جدا مخافة أن أكون قد ظلمت خصمي فلا يغفر الله لي، مع العلم أن الظلم كان متبادلامن كلا الطرفين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الإسلام التهاجر بين المسلمين بعضهم بعضا وحرم كل ما يؤدي إلى هذا التهاجر من التباغض والحسد والشحناء والكذب، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ. رواه البخاري ومسلم.
وحث على الصلح بين الإخوة في الإيمان وبين أن خير المتخاصمين هو من يبدأ بإنهاء القطيعة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ. رواه البخاري ومسلم.
ومما يبين أثر الخصام القبيح ويحث على إصلاح ذات البين بين المسلمين وعدم التقاطع من أجل الدنيا ماورد من عدم المغفرة للمتخاصمين حتى يصطلحا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. رواه مسلم.
وندمك أيها السائل على ما كان منك من كذب ورغبتك في أن يسامحك الذي تخاصمه هو بادرة خير على طريق توبتك، فقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
والتوبة الصحيحة لابد من توفر هذه الشروط فيها:
1- الإقلاع عن الذنب، وتركه تماماً.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها أو استحلالهم أي: طلب مسامحتهم، هذا إن كان الذنب يتعلق بحقوق الناس.
وقد سبق بيان هذه الشروط بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 5976، 29785، 42083، فراجعها.
فيجب عليك ـ إذن ـ لتصح توبتك أن تستغفر الله من هذا الكذب الذي فعلته وأن تندم على ذلك وأن تعزم بقلبك على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وإن كنت قد نلت بهذا الكذب حقا من أخيك لم تكن تستحقه فيجب رده إليه أو طلب مسامحته لك في هذا الحق، وإن كنت قد كذبت بشيء لم يفعله أمام لجنة التحكيم تلك فلتطلب مسامحته على ذلك، فإن لم يسامحك فلتبين هذا لتلك اللجنة عسى أن يعفو الله عنك، ولا يضر إن كتبت فيها أنك أخطأت بدلا من كذبت فالكذب نوع من الخطإ والمهم أن تزيل ما وقع من ظلم على خصمك نتيجة هذا الكذب.
ويجب أن تعلم أن كون خصمك كذب عليك فهذا لا يبيح لك الكذب عليه أيضا فأنت مأمور بالصدق والأمانة حتى وإن خان الناس أو كذبوا فلا يقابل هذا بالمثل وهذا هو الواجب وهو أدب الإسلام الذي أدب به أتباعه، فعَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ الْمَكِّيِّ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِفُلَانٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إِلَيْهِمْ فَأَدْرَكْتُ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلَيْهَا قَالَ: قُلْتُ أَقْبِضُ الْأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهِ مِنْكَ قَالَ لَا حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رواه أحمد وأبوداود وصححه الألباني.
فإذا فعلت ما ذكرنا نحو خصمك، واستكملت باقي شروط التوبة، فالله تبارك وتعالى يقبل توبتك، وقد يكون من تمام توبة الله عليك، وكرمه وحبه للتوابين أن يتولى هو إرضاء الخصم عنك بدون أن يأخذ شيئاً من حسناتك، إن لم يسامحك خصمك، وقد قال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(9/3878)
التوبة إذا كانت في سكرات الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من كان يعمل بالمعاصي وكان لايصلي ولا يصوم يعني مايعمل خيرا قط غير أنه كثيرا مايكتسب السيئات، ثم حضرته سكرة الموت ثم تاب بعد ذلك وهو لم يعلم أنه حضرته سكرات الموت إنما يظن أنه حي ولم يأته الموت فتاب وهو في ظنه ذلك ولكن الحقيقة أنه تاب عندما حضرته سكرات الموت. هل هذا الشخص تقبل منه توبته, لأنه لم يعلم أن توبته التي أحدثها كانت في سكرات الموت أفتونا مأجورين من الله؟ أرجو ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء- كما قال الإمام النووي في شرح مسلم - على قبول توبة العبد ما لم يغرغر كما جاء في الحديث: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
والغرغرة هي الحشرجة التي تحدث للمريض عند بلوغ الروح الحلقوم وغالبا ما يتيقن صاحبها الموت عندها أو يعاين ملك الموت قال الله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ... الآية.
وعلى ذلك فإن كان المقصود بالسكرة المذكورة: الغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم فإن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع صاحبها ولا تقبل منه كما هو صريح الآية والحديث.
أما إذا كان القصد بالسكرة الإغماء أو الغيبوبة التي تحدث لبعض المرضى في مرض موته ثم تزول عنهم قبل حصول الغرغرة فالظاهر أن هذه لا تمنع من قبول التوبة كغيرها من الأمراض وذلك لما رواه البخاري وغيره أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار. وفي رواية الإمام أحمد وغيره: فاسلم ثم مات ...
وأما كون الشخص لا يعلم أنه سيموت فالظاهر أنه لا اعتبار له مع وجود الغرغرة نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك حسن الخاتمة.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 108702، 73437.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1430(9/3879)
من أهدى ثواب عمله لشخص ثم أراد صرفه لشخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن أقرأ القرآن الكريم وقريب من أن أختمه إن شاء الله وقلت لشخص أنا ختمت القرآن لك ولكن تراجعت وأريد أن أضعه باسم أمي. هل يمكن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إهداء ثواب القربة للغير جائز، فإذا كنت أهديته لشخص وأخبرته بذلك فلا يمكن صرفه لشخص آخر. ولكن الفرصة لا تزال متاحة لك فاحرص على ختمات أخرى. واهد ثوابها أو ثواب بعضها إلى أمك، وراجع الفتويين: 15604، 32689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(9/3880)
حديث صحيح في أحوال الآخرة وفضل التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم من الأيام قرأت حديثا مطولا عن أحوال يوم القيامة، وعن ما سيحصل لليهود والنصارى فيه إلخ، المهم أنه من ضمن أحوال يوم القيامة حال المتوكلين على الله المفوضين أمرهم إليه وأنهم ـ على حسب ما أتذكره ـ يدخلون الجنة بغير حساب، وسؤالي هو:
ما مدى صحة هذا الحديث؟ وما جزاء المتوكلين عند ربهم في الدنيا والآخرة؟.
الرجاء التفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظرهاهنا وهاهنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال ـ نعم ـ فقام آخر فقال أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة. متفق عليه.
وانظر لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 21343، 110983.
وأما جزاء المتوكلين فأعظمه نيل محبة الله جل وعلا، والتي هي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {آل عمران:159} .
ومن ذلك تحقيق الإيمان وكماله، فلا يكمل إيمان العبد إلا بالتوكل على الله وحده، قال تعالى: وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {المائدة:23} .
كما أن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بكفاية من يتوكل عليه، قال تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق:3} .
فمن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله، قال عز وجل: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {الأنفال:49} .
أي: عزيز لا يذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ بجنابه والتجأ إلى ذمامه وحماه، وحكيم لا يقصرعن تدبير من توكل على تدبيره. اهـ من إحياء علوم الدين.
وقال صلى الله عليه وسلم: لوأنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
أي: تذهب أول النهار جياعا وتعود آخره شباعا.
وجاء في إحياء علوم الدين: وأعظم بمقام موسوم بمحبة الله تعالى صاحبه، ومضمون كفاية الله تعالى ملابسه، فمن الله تعالى حسبه وكافيه ومحبه ومراعيه فقد فاز الفوز العظيم، فإن المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1430(9/3881)
سرق وهو صغير مالا من أبيه وألصق التهمة بابن خاله
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء عدم إحالتي على مواضيع ذات صلة.
عندما كنت صغيرا قمت بسرقة مبلغ من المال من والدي منذ 12عاما واستنفدته كله في الأكل والحلويات، وعندما اكتشف أمري ألصقت التهمة بابن خالي وقلت لهم إنه هو من حرضني على السرقة من أجل أن نشتري دراجة نلعب بها وهو بريء من هذه التهمة التي ألصقتها به، والآن عمري 28 سنة ولا أستطيع أن أطلب منه أن يسامحني لاستحيائي منه حياء شديدا، ف هل أعيد المبلغ الذي سرقته لأبي وأتصدق بمثله عن ابن خالي الذي ألصقت به التهمة ب قصد أن يعفو الله عني؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لم تكن بالغا وقت هذه السرقة، فإن الإثم مرفوع عنك، لقوله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِم. رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك ـ واللفظ له ـ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
ووقد ذكرنا علامات البلوغ وسنّه في الفتوى رقم: 12330 فراجعها.
ومع سقوط الإثم عن غير البالغ إلا أنه يجب عليه رد ما سرقه من أموال الناس، كما بينا في الفتوى رقم: 23877، فرد المال الذي سرقته من والدك أو اطلب منه السماح، وأما ابن خالك فإنه لا يجب عليك إن كنت صغيرا حينها أن تطلب منه المسامحة، ولا يجب عليك أيضا التصدق عنه بمثل المبلغ المذكورأوغيره، ولكن حاول الإحسان إليه ما استطعت، ونسأل الله أن يصلح ذات بينكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(9/3882)
ليس كل ابتلاء شرا وعقوبة للمبتلى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبه في الجامعة ملتزمة والحمد لله، في الامتحانات السابقة لم أنجح في مادتين ومنها واحدة بسبب نصف درجة فقط، ولكن وفقني الله في باقي المواد، ولكن المادتين اللتين لم أنجح فيهما هما اللتان ساعدت فيهما طلبة كثر جدا ولم أبخل عليهم بأي معلومة، بل وقمت بعدة مشاوير من أجلهم. فسؤالي هل هذا غضب من ربي علي أنه لم يوفقني مع ما بذلته من جهد وتعب ومساعدة غيري؟ وهل سعيي وراء الحصول على نصف الدرجة يجوز أم أرضى بقضاء الله وأسكت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يأجرك فيما أصابك، وأن يجعل ما قدمته من خير لزملائك في ميزان حسناتك، والمصائب التي تعرض للإنسان قد تكون عقوبة له بسبب ذنوبه، كما في قوله تعالى: مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا. {النساء:79} . وقوله: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ. {الشورى:30} .
وقد تكون بسبب محبة الله له، ليكفر عنه سيئاته ويرفع درجاته، ف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني.
وقد تكون للعبد درجة عند الله لا يستطيع أن يصل إليها بعمله، فيبتليه الله بما يكفر عن سيئاته أو يرفع من درجاته حتى يوصله إليها.
قال ابن القيم: وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجل الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان....
... فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل الى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء؟. مفتاح دار السعادة.
وقال الألباني رحمه الله في السلسة الصحيحة عقب إيراده عدة أحاديث في أشد الناس بلاء: وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيمانا، ازداد ابتلاء وامتحانا، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة، ونحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى. وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر، كان أشد الناس حتى الأنبياء بلاء، فالبلاء غالبا دليل خير، وليس نذير شر، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الآتي: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، والله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ... وسنده حسن ... ... وهذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق وهو أن البلاء إنما يكون خيرا، وأن صاحبه يكون محبوبا عند الله تعالى، إذا صبر على بلاء الله تعالى، ورضي بقضاء الله عز وجل. ويشهد لذلك الحديث الآتي: عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن. اهـ باختصار.
وراجعي حكم الابتلاء في الفتويين: 13270، 27585.
أما سعيك لرفع درجتك في الامتحان فلا يجوز، طالما كانت النتيجة عادلة، فإن كان فيها ظلم أو احتمل كونها كذلك، فلا حرج عليك في السعي لإعادة النظر فيها، وليس في ذلك تعارض مع الرضا بقضاء الله وقدره، وإنما هو من الأخذ بالأسباب المشروعة، ومن مدافعة القدر بالقدر. وانظري الفتوى رقم: 49916.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(9/3883)
هل المسروق يأخذ من السارق سبعمائة حسنة عن كل قرش
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث فى تحريم السرقة يقول إن أخذ عبد شيئاً من عبد آخر بالسرقة فيأتيان يوم القيامة فيأخذ المسروق منه من السارق 700 حسنة عن كل قرش أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تحريم السرقة دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن الأحاديث الثابتة فيه حديث الصحيحين: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده.
وأما الوعيد المذكور في السؤال فلم نطلع على حديث في خصوصه، ولكنه ثبت في الأحاديث أن المظلوم يقضي له من حسنات ظالمه كما في حديث البخاري: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1430(9/3884)
الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره
[السُّؤَالُ]
ـ[موضوعي باختصار: إنني مؤمنة بالله إيمانا قويا لكنني كثيرا ما أنتكس ويؤثر الشيطان في وذنبي كبير وشديد فكيف يغفر الله لي هذا الذنب؟ لا أعلم حتى إنني سئمت التفكير والعيش، وأفكر في الانتحار، وأعرف أنه تفكير خاطئ وذنبي هو: أنني قد أحببت فتاة حبا شديدا كحب المرأة لزوجها، وبعد لقاءاتنا الكثيرة طلبت مني أن أفض غشاء البكارة وحدث ما حدث دون وعي، وأنا نادمة أشد الندم، لقد انقلبت حياتي رأسا على عقب وأحس بأنني لست أنا، وأنا حقا في الواقع إنسانة خيرة لا أمدح نفسي لكنني أفعل الخير وأحبه لغيري حقا، وأريد شيئا واحدا ـ حتى وإن كلفني ذلك اعتزال الدنيا كلها ـ أريد مرضاة الله عز وجل ورسوله، والآن أصبحت أنا وتلك الفتاة ندعو إلى الخير وكل منا يساعد الآخر في أن يهتدي إلى طريق الخير، نريد أن نكون أخوات متحابات في الله، وهذا سيتم بإذنه، أريد أن أكفر عن ذنبي فقط، تعبت وسئمت الحياة بأكملها.
كيف؟ أيغفر الله هذا الذنب العظيم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في عدة فتاوى بيان ما هو مشروع وما هو ممنوع فيما يتعلق بالحب بين النساء، فيمكنك مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 95373، 68862، 104388.
ولا شك أن مثل هذا الحب الذي يصل إلى درجة العشق من الحب المذموم شرعا ومن تسويل الشيطان للإنسان، وقد قادكما به إلى ذلك المنكر الغريب المنحرف عن الفطرة انحرافا لا يكاد لا يتصور.
ومن الخير أن يندم المرء على أمر فعله، ولكن الواجب أن يكون هذا الندم توبة نصوحا تتوفر شروطها، والتي سبق بيانها بالفتوى رقم: 5450، ومن تاب تاب الله عليه، فمغفرة الله تعالى واسعة فلا يتعاظمها ذنب، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وقال أيضا: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ {النجم:23} .
فنوصيك أن تحسني الظن بربك وأن تحرصي على الإحسان في المستقبل وأن تجتنبي كل وسيلة قد تقودك إلى الوقوع في تلك المنكرات مرة أخرى، وقد أحسنتما بالسير معا في طريق الخير والدعوة إلى الله، ولعل هذا يكون من أكبر ما يعينكما على الثبات على سبيل الرشاد.
هذا والذي نراه هو بأن تبتعد كل منكما عن الأخرى حتى لا يجركما التواجد في مكان واحد إلى العودة إلى هذا الأمر الشنيع والشاذ مرة أخرى.
وأما الانتحار فهو الداء العضال ولا يفكر فيه المؤمن فضلا عن أن يفعله، وهو ليس بدواء، بل انتقال من شقاء إلى شقاء أعظم، وراجعي فيه الفتوى رقم: 10397.
بقي أن ننبه إلى أن هنالك تفصيلا فيما يتعلق بما يلزم في جناية إزالة غشاء البكارة فنرجو أن تراجعيه بالفتوى رقم: 20931.
... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1430(9/3885)
يصيبها العجب ولا تشعر بحقيقة الاستغفار
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي: أنني لم أعص الله ومع ذلك لا أحس بحقيقة الاستغفار، حيث إنني عندما أحاول الاستقامة على طاعة الله فأفلح بتوفيق من الله وأبتعد عن المعاصي يصيبني حين ذاك العجب بنفسي، فحينما أريد أن أستغفر الله مع استحضار ذنوبي يقول لي الشيطان أي ذنوب؟ أنت لم تفعلي شيئا، مع علمي أننا كلنا خطاؤون فلا أقدر على استحضارها فيذهب خشوعي وأصاب بالغرور، ولكن لما أعصي الله أحس بجريمتي وظلمي لنفسي فأستغفر الله من كل قلبي وأحس بمرارة المعصية، فهذه الحالة تؤخرني عن الوصول إلى الدرجات العليا من الإيمان، ومرت السنوات وأنا على هذا الحال ولم تصلح علاقتي مع الله وأنا محترقة جدا من هذا الوضع، فحتى لما أريد أن أستحضر المعاصي التي مضت تقول لي نفسي لقد تبت فتاب الله عليك، فماذا أفعل؟ وما هو الحل؟ وكيف كان الصحابة رضوان الله عليهم؟ مع ما كانوا عليه يخافون ولوج النار، أما نحن فصرنا آمنين نقول لا نفعل تلك الجرائم الكبرى التي تستحق ولوجنا الى النار فالله غفور رحيم، مع علمي أن هذا الكلام خطأ.
أفيدوني جزاكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لله سبحانه هو المُنعِم عليك بإيجادك وإيجاد أعمالك، فلا معنى لعجب عامل بعمله، ولا عالم بعلمه، ولا جميل بجماله، ولا غني بغناه، إذ كلّ ذلك من فضل الله تعالى، وفي الصحيحين: أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ.
وإن العبد مهما عمل من طاعات فهو يرجو من الله الشكور قبولها، ولكنه لا يعلم هل قبلت أم لا؟ فالقبول لا يكون إلا من المتقين، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة: 27} .
ومن الذي يجزم لنفسه أنه اتقى الله في كل عمل يعمله، فالنفس فيها آفات كثيرة من الغفلة والرياء وحب الظهور وهوى النفس وغير ذلك، وهل تعلمين معنى التقوى؟ قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: التَّقْوَى: أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللَّهِ تَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ.
وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هذا المعنى وبين حقيقة استغفارالمؤمنين في كلام مفيد له يحتاج إلى تدبر، قال ـ رحمه الله ـ في رسالة التوبة: والتقوى في العمل بشيئين: أحدهما: إخلاصه لله وهو أن يريد به وجه الله لا يشرك بعبادة ربه أحدا، والثاني: أن يكون مما أمره الله به وأحبه فيكون موافقا للشريعة لا من الدين الذي شرعه من لم يأذن الله له، وهذا كما قال الفضيل بن عياض في قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. هود: من الآية7.
قال: أخلصه وأصوبه، وذلك أن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقْبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فالسعيد يخاف في أعماله أن لا يكون صادقا في إخلاصه الدين لله، أوأن لا تكون موافقة لما أمر الله به على لسان رسوله، ولهذا كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، فذكرالبخاري عن أبي عالية قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ولهذا كانوا يستثنون فيقول أحدهم: أنا مؤمن ـ إن شاء الله ـ ومثل هؤلاء يستغفرون الله مما علموه أو لم يعلموه من التقصير والتعدي ويتوبون من ذلك، وهذا مشروع للأنبياء والمؤمنين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة ثلاثا، وقال تعالى: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ. آل عمران: من الآية17.
قالوا: كانوا يحيون الليل صلاة ثم يقعدون في السحر يستغفرون فيختمون قيام الليل بالاستغفار.
وقال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ* ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. البقرة:199.
وقال تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً. النصر:1-3. انتهى.
وأيضا قد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون:60} .
وقد يظن البعض أنهم يذنبون ويخافون من الله معاقبتهم على الذنوب يوم القيامة، وليس الأمر كذلك، فعن عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وَمَا أَحْسَن قَوْل أَبِي عُثْمَان الْجِيزِيّ: مِنْ عَلَامَة السَّعَادَة أَنْ تُطِيع, وَتَخَاف أنْ لَا تُقْبَلَ، وَمِنْ عَلَامَة الشَّقَاء أنْ تَعْصِي وَتَرْجُو أنْ تَنْجُوَ.
فالحل أختنا أن يكون عندك خوف ورجاء صحيحين، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرحه لباب: الرَّجَاء مَعَ الْخَوْف من صحيح البخاري: أيْ اِسْتِحْبَاب ذَلِكَ, فَلَا يَقْطَع النَّظَر فِي الرَّجَاء عَنْ الْخَوْف وَلَا فِي الْخَوْف عَنْ الرَّجَاء لِئَلَّا يُفْضِي فِي الْأَوَّل إِلَى الْمَكْر وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقُنُوط وَكُلّ مِنْهُمَا مَذْمُوم, وَالْمَقْصُود مِنْ الرَّجَاء أنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ تَقْصِير فَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ وَيَرْجُو أنْ يَمْحُوَ عَنْهُ ذَنْبَهُ, وَكَذَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُ طَاعَة يَرْجُو قَبُولهَا. انتهى.
واعلمي أن المغفرة تقع لمن وصفهم الله بقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} .
فما يؤمنك إذا تعمدت الذنب أن يوفقك الله للتوبة، فهل تضمنين عمرك وحياتك؟ وإذا عشت واستغفرت، فهل تضمنين قبول الله لاستغفارك؟ فاعملي صالحا مع رجاء القبول، وإن أذنبت فاستغفري الله عزوجل فهو غفار الذنوب، وتذكري مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على التوبة والاستغفار وهو سيد المطيعين وسيد ولد آدم أجمعين، وقد قال ابْن عُمَرَ: كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَقُومَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ. رواه أبوداود وابن ماجة والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.
وننصحك بطلب العلم فهو الذي يزيل هذه الشبهات، وكثرة ذكر الموت، والاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، مع معرفة صفات المؤمنين المذكورة في الكتاب والسنة، فكل هذا سيثبتك ـ إن شاء الله ـ على الطاعة ويذيقك حلاوتها، ويبين لك أنه لا أحد ممن نورالله بصيرته يتعمد المعصية ليحس بحلاوة الاستغفار، ولمعرفة خطر العجب وعلاجه راجعي الفتوى رقم: 118700.
وراجعي هذا الرابط: http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=10237
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(9/3886)
التوبة من التهاون بترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 17وغير منتظمة في صلواتي وذلك يحزنني كثيرا لأن الإنسان لا يعرف متى يومه، وأريد أن أتوب لله توبة نصوحة على أن لا أكرر ذلك، وكذلك أريد أن أختم المصحف الشريف. فسؤالي: ماذا أفعل قبل أداء صلاتي هل أتصدق أو أكتفي بالاستغفار؟ وهل هناك توبة للمتهاون في صلاته؟ أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله عزوجل في كتابه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ. {الماعون:4} .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مفوتون لأركانها، وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم. انتهى.
وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله: اخْتُلِفَ فِي الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْوَعِيدُ بِالْوَيْلِ هُنَا. وَالْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْهَوْنَ عَنْ أَدَائِهَا، وَيَتَسَاهَلُونَ فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.
والتهاون بأداء الصلاة كبيرة من كبائر الذنوب، والعلماء مختلفون في كفر تارك الصلاة المتهاون بها وقد ذكرنا أقوالهم في الفتويين: 12448، 70270 فراجعيهما.
فالواجب عليك الآن أن تتوبي إلى الله توبة نصوحا، وأن تستغفري من هذا الذنب العظيم، وتندمي على ترك ما فاتك من صلوات، وتعزمي على ألا تعودي لترك الصلاة مرة أخرى، واعلمي أن الله عزوجل يقبل التوبة الصادقة ويثيب عليها، فإن الله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ. {غافر:3} .
وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} .
وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) : مِنْ الْغَرْغَرَةِ أَيْ مَا لَمْ تَبْلُغْ الرُّوحُ إِلَى الْحُلْقُومِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْمَوْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْت الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ. تحفة الأحوذي بشرح الترمذي.
قال الإمام النووي رحمه الله: وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا ... وَاَللَّه أَعْلَم ".
ومع التوبة يجب عليك القضاء للصلوات التي فاتتك، فأكثر العلماء يرون وجوب قضاء جميع الصلوات التي تحققت من تركها، وإذا لم تضبطي عددها فواصلي القضاء حتى يغلب على ظنك براءة الذمة، وهذا الذي نفتي به، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 97471. وراجعي أيضا في ذلك الفتويين: 61320، 70806.
وأما عن كيفية قضاء الصلوات الفائتة فذلك يكون بما لا يشق عليك، وراجعي كيفية القضاء وطريقة حساب الصلوات الفائتة في الفتويين التاليتين: 70806، 61320.
فهذا هو الواجب عليك فعله لتتوبي من التهاون بترك الصلاة، وأكثري من الاستغفار وفعل الحسنات كتلاوة القرآن والإكثار من النوافل. فقد قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود:114} .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني.
ثم نبشر السائلة بقول الله سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان: 70} . ونسأل الله أن يتقبل توبتك وأن يثبتك على الخير والتقى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(9/3887)
خطورة المداومة على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[كل ما أريد أن أسأل عنه بإيجاز: هل من الممكن أن تكون معصية يفعلها الإنسان كالعادة السرية مثلا أصبح الموضوع كالإدمان وأنا أحاول كثيرا التوقف عنها ولكن دائما أفشل. هل من الممكن أن يكون هذا ابتلاء من الله علما بأنني آخذ في الاعتبار كل الحلول فأمارس الرياضة وأداوم علي الصوم لا أعرف بنتا طيلة حياتي ومع ذلك أفشل. فهل من الممكن أن يكون هذا ابتلاء أم أن هذا نتاج ما تشتهيه نفسي؟ أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بالعادة السرّية عادة خبيثة منكرة لها آثارها السيئة على فاعلها، في دينه ونفسيته وصحته، وهي لا تعالج مشكلة الشهوة كما يتوهم البعض، وقد سبق بيان تحريمها وكيفية التخلص منها في الفتويين: 5524، 7170.
واعلم أنّ تهاون العبد ومداومته على المعصية يورث في النفس إلف المعصية.
قال ابن القيم: ومنها أنّ المعاصي تزرع أمثالها وتولّد بعضها بعضاً حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها ... وقال: حتى أن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها إلا لما يجد من الألم بمفارقتها. الجواب الكافي.
وأمّا الاحتجاج بالقدر على الوقوع في المعاصي فهو مسلك خاطئ مخالف للشرع والعقل وهو حيلة نفسية لتبرير الوقوع في المعاصي والهروب من مجاهدة النفس وحملها على الاستقامة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 107019.
ولمعرفة المزيد مما يعين على التغلب على الشهوة وغض البصر نوصيك بمراجعة الفتويين: 36423، 23231.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(9/3888)
هل التقرب إلى الله بالعبادة مع ملاحظة حظ النفس فيها يعد رياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد من الله علي بالهداية والتوفيق بعد طول شرود عنه تعالى، وأصبحت أجد لذة عظيمة ما بعدها لذة في طلب العلم الشرعي، وشراء وجمع الكتب الشرعية الصحيحة وعلى الكتاب والسنة ونهج سلفنا الصالح، حتى أنني كرهت التلفزيون جدا وأصبحت أسهر بعد العمل للقراءة والتعلم، ولكن يأتيني أحيانا هاجس شيطاني يقول لي إن هذه اللذة تؤثر على إخلاصك فيجب عليك تحصيل العلم لوجه الله تعالى فقط. فهل الشعور بلذة طلب العلم وجمع الكتب الصحيحة والسرور بها ينقص من الإخلاص؟ أم يمكن أن نعتبره نورا من الله قد وضعه في عبده ليهديه ويصلح باله؟ علما أن كتب الرقائق والآخرة والعقيدة قد أفادتني كثيرا وأعانتني على إرجاع الحقوق لأصحابها والبعد عن الحرام وكثير من الذنوب. أرجو بعض التفصيل المفيد والذي تعودناه من إجاباتكم الشافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالهداية، ونسأل الله جل وعلا أن يديمها عليك ويثبتك عليها.
وأما ما تجده من لذة في طلب العلم وشراء وجمع كتبه، فإن كانت تلك اللذة استبشاراً بنعمة الله تعالى وفرحاً بفضله وتطلعاً إلى قبوله، ورجاءً في ثوابه، فهذا أمر طيب، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
ومما يدل على أن حصول اللذة للإنسان في التعبد والعمل الصالح لا يقدح في إخلاصه، قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: أقم الصلاة أرحنا بها. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
أما إن كانت تلك اللذة بسبب إشباع شهوة القراءة وحب التملك والاستكثار، فهذه إنما هي حظ نفس وقضاء وطر لها.
ففي مختصر منهاج القاصدين: نتكلم الآن فيمن انبعث لقصد التقرب، ولكن امتزج بهذا الباعث باعث آخر، إما من الرياء، أو من غيره من حظوظ النفس.
ومثال ذلك، أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب، أو يعتق عبدًا ليتخلص من مؤونته وسوء خلقه، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر، أو للتخلص من شر يعرض له، أو يغزو ليمارس الحرب ويتعلم أسبابها، أو يصلى بالليل وله غرض في دفع النعاس عن نفسه ليراقب رحله أو أهله، أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه من المال، أو يشتغل بالتدريس ليفرح بلذة الكلام، ونحو ذلك، فمتى كان باعثه التقرب إلى الله تعالى ولكن انضاف إليه خاطر من هذه الخواطر حتى صار العمل أخف عليه بسبب من هذه الأمور، فقد خرج عمله عن حد الإخلاص.
وعموما فننصحك بدوام اليقظة والمراقبة، والحذر من محبطات الأعمال، والمداومة على تصفية نيتك من الشوائب حتى تحقق الإخلاص، ولا تترك طلب العلم وإن كانت اللذه التي تجدها من النوع الثاني، وجاهد نفسك لتخليص نيتك من تلك الشوائب، فقد كان كثير من العلماء في أول طريقهم يطلبون العلم للذته ولم يزل بهم الحال حتى أصلح الله نياتهم ولذلك قالوا: طلبنا العلم لغير الله ـ أي للذته ـ فأبى العلم أن يكون إلا لله.
وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1430(9/3889)
من كان صادقا في توبته فإن الله يقبل منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وعلى خلق والكل يصفني بذلك وملتزمة، لكن في مجال الشغل تعرفت على شاب وكان يريد الارتباط بي ولم يكن يعلم أننى متزوجة، ولما سأل عني في المدرسة عرف أننى متزوجة، وبعد ذلك صارحني بحبه وبدأت في الكلام معه وذكرت له أننى أحبه ـ لكنى في الحقيقة لا ـ ولكن هو تعود على الكلام معي ـ سواء على التليفون المحمول أو على النت ـ وتطورت العلاقة وبدأت أقابله في الخارج في ـ كوفي شوب ـ وبدأ يلمسني ويقبلنى وكنت أرفض في الأول ولكن بعد ذلك تجاوبت معه وتقابلنا أكثر من مرة ووقعت في الزنا معه، وفى كل مرة كنت أندم أشد الندم وكنت أتحدث معه عن ذلك، وهو على استعداد تام أن يحدث الطلاق بيني وبين زوجي حتى يستطيع أن يتزوجني، مع العلم أن لدي طفلين فقط، وصدقني لو قلت لك إننى فعلا نادمة أشد الندم في هذاالوقت، وفى حالة لا تتخيلها من الغضب لما حدث لي، لأننى ملتزمة ويحصل هذا لي، ولا أتخيل نفسي وقعت في الكبائر ـ حتى إنني دائما كنت أنصح الناس، وحينما يحتاج أي شخص إلى نصيحة يطلبها مني ـ وزوجي يثق في ثقة لا حدود لها، وبصدق لا أتخيل نفسي فعلت هذه المعصية، وأريد أن أتوب توبة نصوحا إلي الله، فأرجو إفادتي، ماذا أفعل لكي يتقبل الله توبتي؟ وهل فعلا يتقبلها الله؟ لأنني أريد أن أطمئن وأرجع ثانية لقربى من الله، وترجع لي ثانية الثقة في نفسي، لأننى خائفة جدا من عذاب ربنا، وأرجو أن يسامحني على الزنا، وللعلم إنني طول حياتي ملتزمة، فلا أصدق أنني وقعت في الزنا، ولا أتخيل نفسي هي التي وقعت في الزنا ـ حتى إنني في حياتي تنازلت عن أشياء لأرضي ربي، فمثلا: كنت ألبس السروال ورفضت ارتداءه، وكنت أنزل للبحر وأحب نزوله جدا ولمجرد إحساسي أن اللبس من الممكن أن يكون ملفتا أثناء خروجي من البحر للتصاقه بالجسم قررت عدم نزول البحر نهائيا، ومنعت قدرما أستطيع نفسي من مشاهدة التلفزيون ما عدا القنوات الدينية، وأصوم الإثنين والخميس وأصلي الفرض والسنة وأحفظ القرآن وأتعلم التجويد، وأريد أيضا وأحاول أن أتكلم مع هذا الشاب وتذكيره بالله وأحاول أن يتوب هو أيضا إلى الله، أرجو الإفادة سريعا، وخصوصا اليوم قبل رمضان، وهل ربنا يتقبل توبتي فعلا ويبدل سيئاتى حسنات؟ وماذا أفعل لكي أكفر عن ذنبي؟ وما هي كفارة الزنا؟ أرجو الإفادة سريعا، لأنني في نار ونادمة أشد الندم لما وقعت فيه، ولماذا حدث هذا لي وأنا أحب ربنا وأحاول طوال حياتي أن أكون قريبة منه؟ أرجو الرد سريعا، ولكم جزيل الشكر، وآسفة على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يتوب عليك وأن يغفر لك ما كان منك من هذه الذنوب العظيمة التي انتهكت بها حرمات الله وضيعت أمانته وخنت زوجك وأذنت لهذا الفاجر أن يعبث بعرضك ويدنسه, وهذا من تلاعب الشيطان بك بسبب اتباعك لخطواته، فإنك ما كنت لتصلي لهذه الفاحشة إلا بعد تهاون كبير ومرحلة طويلة من التنازلات التي بدأت بالعمل في الأماكن المختلطة، والعمل فيها غير جائز، كما بيناه في الفتوى رقم: 522.
ثم بالتعرف على هذا الشاب، والتعارف بين المرأة والرجال الأجانب محرم وعواقبه وخيمة, ثم بالانبساط في العلاقة معه ومقابلته حتى وقع المحظور، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولكن مع هذا كله فباب التوبة مفتوح ورحمة الله واسعة ومن تاب إلى الله وصدق في توبته فإنه الله يقبل منه ويغفر له ويبدل سيئاته حسنات, فعليك بالتوبة إلى الله سبحانه، ولا تتحقق التوبة إلا بقطع كل علاقة لك بهذا الإنسان الأثيم، فلا تحدثيه ولا تقابليه ولا تردي على هواتفه مهما حدث، واحذري أن يستزلك الشيطان تحت غطاء دعوة هذا الفاجر إلى التوبة ليعيدك إلى حبائله مرة أخرى, ثم عليك بالصدق في التوبة وسد الأبواب الموصلة إلى الفتن، فعليك أن تتركي العمل في الأماكن المختلطة, ثم تحتاطي في محادثة الرجال، فلا تحادثيهم إلا عند الضرورة أو الحاجة وبالضوابط الشرعية, ثم الزمي الندم على ما كان منك وأكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة المكفرة, من صلاة وصيام وصدقة، فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات، قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
ثم عليك بكتمان ما حدث عن جميع الناس ـ وخصوصا زوجك ـ فلا تعلمي بذلك أحدا أبدا, نسأل الله سبحانه أن يثبت أقدامك على طريق التوبة وأن يذهب عنك رجس الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(9/3890)
حال أهل الخشية عند التلاوة والذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الجليل إني والحمد لله عند ذكر اسم الله العظيم أو ما يخص من بعض آيات كتاب الله تعالى أو بعض الأحاديث عن رسولنا الكريم، وما يخص بر الوالدين والله يقشعر بدني وتفيض عيني بالبكاء. فهل أكون ممن خصهم الله تعالى: الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. وماذا يعني خفقان قلبي أني اشعر بقرب رب العزة مني وقت سجودي لكن ليس في كل الأحوال؟ وجزاكم الله تعالى عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد ذكر في القران أن أهل الخشية تقشعر جلودهم، وتوجل قلوبهم عند سماع القرآن وما فيه من الوعد والوعيد، وعند ذكر الله فقد قال الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. {الزمر:23} .
وقال تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. {الأنفال:2} .
وثبت في الحديث أن: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. كما في صحيح مسلم.
فنرجو الله لك الخير، ونوصيك بتدبر معاني القرآن ومعاني الأذكار والأدعية التي تقرأ في السجود، وبالإكثارمن مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وبالحرص على متابعة السنة في كل حال وأبشري بالخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(9/3891)
الجمع بين الخوف والرجاء في العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: كيف نوفق ونجمع بين حسن الظن بالله تعالى عند عمل الطاعات أو الدعاء بأنه جل شأنه سوف يتقبلها ويثيبنا عليها خيرا، وبين تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة قوله تعالى: والذين يأتون ما آتوا وقلوبهم وجلة.
حيث قال: لا يا بنت الصديق هم الذين يفعلون الطاعات ويخافون أن لا تتقبل منهم؟ وفي حال كون الحالتين محمودتين فأيهما أفضل للمؤمن؟ أن يطمئن لثواب الله، مع عدم تأكده من القبول؟ أم الخوف من حصول شيء يحبط عمله دون أن يدري، ولكن بشرط أن لا يصل لليأس أبدا؟ بل يسأل الله دوما القبول والتوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن الموفق يجمع في عبادته بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ {الزمر: 9} .
قال ابن كثير: قوله: يَحْذرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ.
أي: في حال عبادته خائف راج، ولا بد في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب، ولهذا قال: يَحْذرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ.
فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه. اهـ.
وكثيرا ما يقترن بالخوف والرجاء أمر ثالث وهو التذكير بعظمة الله تعالى ونعمه المتكاثرة على عباده، مما يثمر محبة الله تعالى، وبهذا تتحقق عبودية الله، كما في قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ {غافر:3} .
وقد سبق أن بينا أن عبادة الله لا تتم إلا بالحب والخوف والرجاء، وذلك في الفتوى رقم: 65393، فراجعها للأهمية، ومنها ستعلم أن تغليب جانب الخوف مدة الحياة أفضل، كما سبق نقله عن ابن كثير، وأنه لا تعارض بين خوف العبد من عدم القبول وبين رجائه في رحمة الله وحسن ظنه به سبحانه، فإن هذا هو حال المؤمنين، يوصفون من جهة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون: 60} .
ومن جهة أخرى بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ {فاطر:29، 30} .
قال ابن كثير: يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ.
أي: يرجون ثوابا عند الله لا بد من حصوله. اهـ.
وذلك أن الخوف من عدم القبول لا يعني القطع بذلك، وإنما يعني عدم الركون إلى العمل وعدم القطع بالقبول، وأن يتمحض الاتكال على رحمة الله وفضله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن ينجي أحدا منكم عمله.
وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة. متفق عليه.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: باب الرجاء مع الخوف.
فقال الحافظ ابن حجر في ـ الفتح: أي استحباب ذلك، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحوعنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع، فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو.
وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة، وقيل: الأولى أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه، وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى، ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر، فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته، ويؤيده حديث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.
وقال آخرون: لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن، ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في ـ القول المفيد على كتاب التوحيد: الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله، وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: ينبغي أن يكون سائرا إلى الله بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه، فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله.
وقال بعض العلماء: إن كان مريضا غلَّب جانب الرجاء، وإن كان صحيحا غلب جانب الخوف.
وقال بعض العلماء: إذا نظر إلى رحمة الله وفضله، غلَّب جانب الرجاء، وإذا نظر إلى فعله وعمله، غلَّب جانب الخوف لتحصل التوبة، ويستدلون بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.
أي: خائفة أن لا يكون تقبل منهم لتقصيرأوقصور، وهذا القول جيد. وقيل: يغلب الرجاء عند فعل الطاعة، ليحسن الظن بالله، ويغلِّب جانب الخوف إذا هم بالمعصية، لئلا ينتهك حرمات الله. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 44737، ورقم: 25072.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(9/3892)
الوقوع في معصية الله هل يسوغ ترك العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أواظب على حفظ وقراءة ورد من القرآن قدره ما يقارب الساعة على الأقل يوميا، ولا أستطيع النوم أو أحس بذنب إن لم أفعل ذلك، حيث إنني اقتربت من ختم القرآن حفظا، ووالله ما أصابنى هم إلا والقرآن يزيله، ولكني أضيع صلاة الفجر وأفعل بعض المعاصي، وأحاول الاستيقاظ من النوم فهناك أسباب منها العمل. فهل يتقبل الله مني قراءتي؟ أو هل بعد المعصية يجوز لي أن أقرأ.. فإني إن تركت هذا الورد أحس بتأنيب شديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن فعل المعصية لا يبرر ترك الطاعة، بل إن تركها يزيد الطينة بلة، فإن الحسنات والسيئات يوزنان يوم القيامة، والعبرة بالغالب، وليس من شرط قبول الحسنات العصمة من السيئات، وقد قال تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {التوبة:102} . والعاقل هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يزيل به أثر السيئات، كما قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. {هود:114} . ويوضح هذا سبب نزول هذه الآية. فعن ابن مسعود: أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه هذه الآية، فقال الرجل: ألي هذه؟ قال صلى الله عليه وسلم: لمن عمل بها من أمتي. رواه البخاري ومسلم.
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه الترمذي. وقال: حسن صحيح، وأحمد وحسنه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضراً أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر محتم، فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات، فإنه أبلغ في المحو.
والذنوب يزول موجبها بأشياء، أحدها: التوبة. والثاني: الاستغفار من غير توبة، فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والاستغفار فهو الكمال. والثالث: الأعمال الصالحة المكفرة، إما الكفارات المقدرة، كما يكفر المجامع في رمضان والمظاهر والمرتكب لبعض محظورات الحج أو تارك بعض واجباته، أو قاتل الصيد بالكفارات المقدرة، وهي أربعة أجناس هدي وعتق وصدقة وصيام.. وإما الكفارات المطلقة، كما قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله وولده، يكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد دل على ذلك القرآن والأحاديث الصحاح في التكفير بالصلوات الخمس والجمعة والصيام والحج وسائر الأعمال التي يقال فيها: من قال كذا وعمل كذا غفر له، أو غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي كثيرة لمن تلقاها من السنن خصوصاً ما صنف في فضائل الأعمال.
واعلم أن العناية بهذا من أشد ما بالإنسان الحاجة إليه، فإن الإنسان من حين يبلغ خصوصاً في هذه الأزمنة ونحوها من أزمنة الفترات التي تشبه الجاهلية من بعض الوجوه، فإن الإنسان الذي ينشأ بين أهل عمل ودين قد يتلطخ من أمور الجاهلية بعدة أشياء، فكيف بغير هذا ... فأنفع ما للخاصة والعامة العلم بما يخلص النفوس من هذه الورطات وهو إتباع السيئات الحسنات. انتهى.
وقال أيضاً رحمه الله: وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصاً لله موافقاً لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصياً في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعاً في غيره، والتوبة من بعض الذنوب دون بعض كفعل بعض الحسنات المأمور بها دون بعض. انتهى.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 66719 أنه يصح فعل الطاعات مع تلبس المرء ببعض المعاصي، وراجع في ذلك أيضاً الفتوى رقم: 114154.
فلتحرص أخي الكريم على ملازمة وردك ولا يصدنك عنه ما قدر يبدر منك من تقصير أو تخليط، ولتحرص في الوقت نفسه على تزكية نفسك بتقوى الله واجتناب القاذورات التي حرمها الله، وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي وبيان شروط التوبة وبيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450، 33860، 56356.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1430(9/3893)
الحب لغير الله من أسباب فقد لذة الطاعة وحلاوة الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[المشكلة هي فساد قلبي، فأنا لا أجد أي لذة في العبادات، ولا أجد أي رغبة في تعلم القرآن والعلم الشرعي، مع أنني حريص عليه جدا، والمشكلة انعدام الرغبة، وسأحكي لكم ما أحس بأنه السبب في ما يحدث لي: فأنا أحب أحد لاعبي كرة القدم حبا شديدا لا يوصف وهو الدافع الأكبر لي لمشاهدة الفريق الذي أشجعه من أجله وأبحث عن أخباره دائما وأنتظر لقاءاته التليفزيونية وأفكر فيه كثيرا، ولكني ـ والحمد لله ـ لا أحبه حبا جنسيا ولكني معجب به جدا وأتحسر ألما عندما يصاب، فهل هذا الحب محرم؟ وهل هذا عشق؟ مع أنني قرأت للإمام ابن القيم أن من شروط العشق تفضيل حقوق المعشوق على حقوق الله، ولكني عندما أشاهده في مباراة ويؤذن للصلاة أذهب للصلاة في المسجد جماعة وأترك مشاهدته، ولذا فأنا فضلت حقوق الله عليه، وأحيط سيادتكم علما بأنني غير راض عن هذا الحب وأتمنى أن أكرهه وأدعو الله بأن ينزع حبه من قلبي، فهل هذا يفسد القلب؟ وأنا أعلم أن القلب لا يمتلىء إلا بحب واحد فقط هوحب الله، فهل هذا يؤثر على حبي لله؟ علما أيضا بأنني أعشق امرأة رغما عن أنفي وأجاهد نفسي أن أنزع حبها من قلبي ولكني لا أستطيع، وأرجوكم أن تدعو لي بشفاء القلب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك العافية والشفاء، وأن يصرف عنك ظاهر الإثم وباطنه، ويقيك شر نفسك والشيطان.
واعلم أيها السائل أن من أفسد الأشياء للقلب تعلقه بغير الله سبحانه ـ سواء بحب الدنيا وجمع المال أو بحب الأشخاص وعشق الصور ونحو ذلك ـ وما ذكرته من حبك لهذه المرأة حبا شديدا أوصلك إلى عشقها، لا شك أنه خطر عظيم، وقد بينا خطر العشق وأثره في إفساد الدين وتضييع مصالح الدنيا والآخرة، وسبل علاجه في الفتاوى التالية أرقامها: 117632، 9360، 27626.
وأما حبك لهذا اللاعب بهذه الطريقة فلا شك أنه مذموم، ويكفي في بيان ذم هذا الحب بغضك له وارتيابك فيه ورغبتك في التخلص منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد: يا وابصة استفت قلبك، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.
وما نقلت عن ابن القيم من أنه جعل علامة العشق تقديم حق المعشوق على حق الله نقل في غير محله، فإن ابن القيم إنما يتحدث في هذا عن العشق الذي بلغ غايته وتجاوز مداه وقارب أن يصل بصاحبه إلى حد الشرك والعياذ بالله، وأما ما دون ذلك فقد يقع العشق في قلب إنسان ولا يمنعه ذلك من تقديم بعض حقوق الله على حق معشوقه، وهذا في الظاهر. أما في الباطن، فإنه يكون مشتغلا بالعبادة بجوارحه فقط أما قلبه فإنه يكون غالبا مع معشوقه ومحبوبه.
فالواجب عليك ـ رحمك الله ـ أن تجتهد في التخلص من هذه الآفات، فإن تخلصت منها فستفتح لك ـ إن شاء الله ـ أبواب الذكر والطاعة والإقبال على الله جل وعلا، ونذكرك بأن المبالغة في الحب مذمومة على كل حال حتى ولو كان الحب مشروعا، فقد روى أبو داود وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما. صححه الألباني. كما نذكرك أن الواجب على المؤمن أن يجعل حبه لله وفي الله، فيحب أهل الإيمان والذكر والطاعة لا أن يبذل حبه ووده لأهل اللهو واللعب والخوض.
وراجع فضل الحب في الله وعلاماته في الفتاوى التالية أرقامها: 64315، 52433، 21881. وراجع ضوابط مشاهدة مباريات كرة القدم في الفتوى رقم: 453.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1430(9/3894)
سبل استجلاب توفيق الله لعبده
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسباب توفيق الله لعبده كحفظ القرآن وتوفيقه للبعد عن المعاصي؟ إلخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن توفيق الله للعبد نعمة يهبها سبحانه وتعالى من كان راغبًا في الصلاح حريصًا على الخير سالكًا طريق الاستقامة، وعلى قدر تلك الرغبة في الصلاح وذلك الحرص على الخير يكون توفيق الله للعبد وتيسير الطريق له، فقد أراد الله جل في علاه أن يجعل الهُدى ثمرة للجهد والصبر والرغبة في الاهتداء، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} .
وإن المتأمل في نصوص الوحيين يجد أن بعضها يؤكد بعضا في تقرير هذه السُّنة الإلهية، ومن هذه النصوص قوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ {محمد: 7} .
وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ {الأنفال: 29} . وقوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {الطلاق: 2} .
وقوله صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.
إذن ليس على طالب المعالي إلا أن يصدق النية ويعزم العزمة، والله لن يخيب رجاءه فهو جواد كريم
فإن كانت عندك الرغبة الجادة في ترك المعاصي وحفظ كتاب الله تعالى فانفض غبار النوم عن عينك وشمر عن ساعد الجد، وإذا رأى الله منك هذا الإقبال فإنه سيشرح صدرك ويعينك ويسددك، كما نوصيك أن تجتهد في اتخاذ صحبة صالحة من الشباب المستقيم لتتعاون معهم على الخير، وهذه بعض الفتاوى السابقة التي فيها طائفة من الوسائل المعينة على الاستقامة وترك المعاصي. 10800، 1208، 16610، 12744، 21743، 6603، 31768، 15219، 3792، 19370، 12928، 21750.
ولمعرفة وسائل عملية لحفظ القرآن انظر الفتاوى التالية أرقامها: 47397، 9145، 3913، 65084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1430(9/3895)
لا عقاب للأبناء على أخطاء آبائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: ما المقصود بهذه الآية الكريمة؟ ولا تزر وازرة وزر أخرى.
يوجد مثل عربي يقول: الآباء يزرعون والأبناء يحصدون، وهذا ما نلمسه على أرض الواقع، فالكثير من الآباء يخطئون في حياتهم والأبناء يدفعون الثمن، مع أن الأبناء لا دخل لهم بما كان يفعله الأب أو الأم، فلماذا يعاقب الابن على أعمال أبيه ويدفع الثمن ويظلم في حياته؟ وكيف يتصرف الابن إذاعرف أن أباه كان في الماضي مثلا: إنسانا ظالما أو سيئا الخ؟ حتى لا يدفع ثمن أخطاء أبيه.
ولكم مني جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الآية: أنه لا تحمل نفس حمل أخرى فكل واحد مكلف تكليفا خاصا ويتحمل أوزراه وذنوبه، ولا يسوغ أن يحمل الأبناء أخطاء آبائهم، فالشرع لا يعاقب الأبناء على ذنوب وحدود ارتكبها آباؤهم إن لم يشاركوهم في الذنب، ولا يوجب الشرع أيضا على الأبناء أن يقضوا ديون آبائهم وإنما رغب في ذلك من دون إيجاب، وإذا عرف الابن أن أباه صدر منه بعض الأخطاء فعليه من باب النصح أن يحضه على التوبة والتخلص من المظالم والتحلل من أصحاب الحقوق، وعليه أيضا أن يكثر من التعوذ وسؤال الله العافية والدعاء بأن يستره الله وأباه، وأن يعصم من أن يوصم بأخطاء أبيه، وإذا فعلت ذلك وكانت هنالك أخطاء من الأب فلن يضار هو بها ـ إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/3896)
أسباب الفتور وضعف الإيمان والكسل في الطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 عاما، وفي سنوات عمري الأخيرة ومنذ كنت فتاة في سن16 التزمت التزاما يرضي الله، ولكن لا شك بأن التقصير وارد، فأنا أسعى لرضى ربي وأقرأ القرآن وأحفظه ولا أسمع الأغاني وأترك كل الأمور التي أعلم أنها محرمة وأحاول الابتعاد عن كل شي يغضب ربي وأصوم الاثنين والخميس وكذلك لا أكلم الأجانب، وأنا لا أذكر هذا للافتخار بنفسي ـ لا والله ـ وإنما فقط لأحدثكم بما جرى لي وكيف أصبح إيماني؟ من فترة وجيزة تخرجت من الجامعة وتخصصي حقوق وأنا أتدرب ولا أعاني من مشاكل إيمانية بعملي فأنا محجبة وألتزم الأدب وأتجنب الضحك والحديث مع الرجال وكل هذا يجعلهم يصفونني بالجمود والجدية وأنا سعيدة بذلك، ولكن المشكله التي أرهقتني وجعلت عيوني تجافي النوم هي: أنني أجد اليوم في نفسي تصرفات لا يعلمها أحد غيري وهي سلبية وأكاد أخجل من نفسي وأكرهها بات إيماني يضعف يوما بعد يوم وصيامي قل وقراءتي القرآن قلت وأنا كل يوم أنظر إلى المصحف وأبكي، لأنني هجرته ليوم أو يومين وأبكي لأنني لا أستيقظ الفجر وكل يوم أشعر بشيء يكبلني ويرهقني يبعدني عن ربي، ولكن ما يؤلمني رغم ذلك هو أن الله معي فأنا اليوم سيئة التقكير أفكر بالدنيا وملذاتها وحين أبدأ صلاتي وأذكر أنني أصبحت كذلك أشعر وكأن نفسي تخرج مني، وملك الموت يحيطني، ويراقبني الله فيضيق نفسي ولا أستطيع أن أكمل القراءة في الصلاة فأظل ساجدة فأرتاح ويتكرر الحال معي، أنا فعلا حزينة وأرغب بالرجوع إلى ما كنت عليه وأكثر ولكنني ظلمت من أناس حولي وضغوطات الحياة أثرت علي بشكل سيء حتى بت أكره الناس وأكره من حولي فبعدت عن ربي، أريد حلا الله يجزيكم كل خير، أريد خطوات عملية وأنا بإذنه ـ جل وعلا ـ سأتبعها أنا أسمع الدروس لكي تعينني ولكنها غير كافية صدري ضاق من ذنوبي وكرهي لنفسي وبت أتمرد على كل شيء حولي، لأنني بطاعتي ومبادئي ظلمت، لأن هناك أناسا لايقدررون إلا على أناس طيبين وملتزمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يربط على قلبك ويثبتك على الدين ويهديك إلى صراطه المستقيم.
واعلمي أيتها السائلة أن من أسباب الخذلان والزلل التي يغفل عنها كثير من الناس: تضييع بعض الواجبات سواء كانت من العبادات الظاهرة كصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، أو من العبادات الباطنة كالإخلاص والتوكل على الله والخوف منه والرجاء في رحمته وغير ذلك، فهذا التقصير غالبا ما يجر صاحبه إلى فعل المعاصي أو يثبطه عن فعل الطاعات التي اعتاد فعلها، وفي ذلك يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: أن ترك الواجب سبب لفعل المحرم، قال تعالى: ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. فهذا نص فى أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.
فالواجب عليك أن تقفي وقفة مع نفسك تراجعين فيها قيامك بأوامر الله ـ سبحانه ـ وتستدركين ما ضيعت من ذلك، ومن الأمور التي يجب على السالك إلى الله ـ سبحانه ـ أن يحذر منها جيدا صغائر الذنوب ومحقراتها، فإن الشخص كثيرا ما يستهين ببعض الصغائر من نظرة أو ابتسامة ونحو ذلك فلا يحس بأثرها سريعا ولكنه مع مرور الوقت والاستكثار من هذه الصغائر يجد نفسه وقد هوى إيمانه مرة واحدة فيظل يتحسر ويتساءل من أين دهيت؟ وغفل أن هذا الرصيد المتراكم من الصغائر والمحقرات إن لم يتب عنه لا بد وأن يظهر أثره ولو بعد حين، وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا فأنضجوا ما فيها. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات.
وكان هلال بن سعد ـ رحمه الله ـ يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
ومن الأمور التي ينبغي الحذر منها أيضا الاستكثار من المباحات والاستغراق في الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا فإن الإكثار من المباحات سبب لفساد القلب وقسوته, جاء في فتح الباري: ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام. والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها، فيها من الزيادة: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات، فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية، وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. انتهى.
وننصحك بمراجعة الفتويين رقم: 10800 , ورقم: 31768، ففيهما وسائل نافعة لتقوية الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(9/3897)
القلب يعود بعد التوبة أقرب إلى الله وأكثر حبا له
[السُّؤَالُ]
ـ[ربنا يغفر، ارتكبت ذنبا مع رجل عرفته في العمل،وأنا الآن مهما قلت في أشد الندم. فهل يقبلني الله؟ وهل أعترف لزوجي وأتحمل العواقب؟ مع العلم والله أنى سيدة محترمة وعلاقتي بالله جيدة، وكنت أدعوه أن يبعد ذلك عني ولكن ذلك ما حدث، وأنا الآن أصبحت حياتي بكاء دائما حتى الصلاة لا أستطيع أن أتكلم فيها من البكاء. فهل يقبلني الله؟ وماذا أفعل مع زوجي؟ وهل ممكن أن أمارس حياتي كما كنت بحب الله ورسوله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإقامة المرأة علاقة غير مشروعة مع رجل أجنبي أمر منكر محرّم، وإذا كان ذلك من امرأة متزوجة كان الذنب أشدّ وأشنع، لكن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنّه مهما عظم ذنب العبد وكثرت ذنوبه ثمّ تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53} .
بل إنّه تعالى يفرح بتوبة عبده ويحب التوابين، واعلمي أنّ الوقوع في مثل هذه المعاصي إنّما يكون لتفريطٍ وتهاونٍ في حدود الله، فقد وضع الشرع حدوداً لتعامل الرجال والنساء تصون العفة وتحمي العرض وتحافظ على طهارة القلوب، فمن ذلك تحريم الخلوة، وتحريم الخضوع بالقول، ومنع الكلام بغير حاجة، والأمر بالحجاب وغض البصر، فاحذري أن تتهاوني في هذه الحدود، وعليك بالاعتصام بالله ودعائه أن يجنّبك الفتن.
فعليك بصدق التوبة، وذلك بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العود، مع سترك على نفسك، فلا تخبري زوجك ولا غيره بما وقعت فيه من معصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
واطلبي من زوجك المسامحة والفعو بصيغة عامة دون أن تصرحي له بما صدر منك، كأن تقولي له: اعف عني عن ما كان من ظلمي لك وتقصيري في حقك ونحو ذلك. وينبغي أن تجتهدي في الإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية.
واعلمي أنّك - بإذن الله- تعودين بعد التوبة أفضل مّما كنت عليه، فإنّ القلب يعود بعد التوبة أقرب إلى الله وأكثر حباً له وشوقاً إليه وإقبالاً على طاعته واستشعاراً لحلاوة الطاعة، وإذا لم يجد العبد ذلك بعد التوبة فذلك لضعف صدقه في توبته، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 5646
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1430(9/3898)
لا مؤاخذة على الخطأ والجهل
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بافتائي في المسألة التالية وبالسرعة الممكنة لأن الموضوع حساس للغاية بارك الله فيكم:
كنت أستمع إلى درس بعنوان: الرخص في العبادت. في إذاعة القرآن الكريم، وقد ذكر الشيخ الحديث: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم. ولم أتنبه لحظتها إلى أنه قال:قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكنت أظنه كلام الشيخ نفسه فقلت لنفسي:لا يا شيخ كيف؟ مستغربا من الكلام إذ كيف بمن نعس ورقد أن يعود ثانية إلى الصلاة وأنا هنا أقيس على نفسي، وبعدها تنبهت إلى أن ذلك القول كان حديثا للرسول فلمت نفسي كثيرا، وأنا الآن خائف جدا وعندي وساوس أن أحسب عند الله عز وجل من المستهزئين المرتدين مصداقا لقوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
أرجو إفادتي ماذا علي أن أفعل؟ وهل التوبة والندم والاستغفار تكفي؟ وإذا كنت الآن في عداد المرتدين فماذا أفعل؟ وماذا عن عباداتي السابقة من زكاة وصلاة وصيام وحج، الخ ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث المذكور متفق على صحته ولفظه: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه. والحكمة منه ظاهرة جدا كما أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث من أدلة يسر الشريعة ورفعها الحرج عن المكلفين.
وأما أنت فزادك الله حرصا على الخير، واعلم هداك الله أن ما وقع في نفسك ممّا لا حرج عليك فيه، فإنك لم تقصد الاعتراض على كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لعدم شعورك بأنه من كلامه صلى الله عليه وسلم، فالإثم مرفوع عنك إن شاء الله فضلا عمّا هو أكبر من ذلك من الردة والعياذ بالله، فالأمر أهون بكثير ممّا تصورته، والله قد رفع عن عباده الحرج فلم يؤاخذهم بحديث النفس حتى يعملوا أو يتكلموا كما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يؤاخذهم بالخطأ وما فعلوه عن جهل، كما قال تعالى: رَبَّنَا لَتُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. {البقرة: 286} ، وقال الله في جوابها: قد فعلت. أخرجه مسلم.
وليس ما وقع في نفسك من الاعتراض على ما ظننته كلاما لهذا الشيخ من الاستهزاء بوجه، والذي ننصحك به أيها الأخ الفاضل أن تجتهد في التفقه في الدين، وأن تترك الوسوسة في أمر الإيمان فإن هذا قد يفتح عليك بابا من الشر، والأصل بقاء إسلام العبد حتى يقوم دليل يقيني ينقل عن هذا الأصل، وفقنا الله وإياك لما فيه مرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/3899)
لم يعط أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة
[السُّؤَالُ]
ـ[يعجز الكلام عن تفسير المشاعر، أما الكلمات فلا تكفي للتعبير: أخي-هداه الله- تصرفاته غير مقبولة وهذا ما سبب لأمي اضطرابا نفسيا، وصارت تلقي باللوم على نفسها أنها هي من تسببت فيما هو عليه الآن، وأخبرتها أن هذا ابتلاء من الله تعالى لمدى صبرنا وكيفية تعاملنا مع هذا الإشكال، لكنها تقول لي إنه ليس كذلك بل هو عقاب من الله تعالى عما أهملته في الماضي، لكني أخبرتها وما زلت أخبرها أنه لا علاقة لماضيها بالحاضر الذي تعيشه لأنها كانت تجهل كثيرا من الأمور بما فيها الأمور الدينية، لكن مازالت تلوم نفسها.
أما عن تصرفات أخي فهو انعزل عن الدراسة وهو يسهر طول الليل خارج البيت إذ يدخل الساعة01 ليلا ثم يشاهد التلفاز حتى الفجر دون أن يصليه، ثم إنه غير متمسك بالله كما يجب، مع أن الطابع الديني غالب على بيتنا وأهله، كما أنه لا يحب الجلوس معنا ويتهرب من ذلك، ثم إن الشك يراودنا في أنه يدخن، إضافة إلى أنه لا يسمع منا النصح كيفما كان، مع العلم أنه أصابه سحر منذ 7 سنوات وعولج منه وبيتنا كذلك، فنحن نجد على الجدران أوساخا غريبة هي على شكل قطرات بنية اللون، وكلما أزلناها وجدناها في مكان آخر،
وأنا فسرت حالته على أنها جاءت بتأثير السحر كعدم سماعه لأمي ونفوره منا ومن البيت، أما بعض الأعراض النفسية التي يمر بها فبسبب ما حل به، وحتى تصرفاته السيئة كالتدخين أعتقد أنه كسبها أثناء مرضه. لا أدري التفسير الصحيح لما يمر به فهذه مجرد وجهة نظر؟ فما رأيكم؟ ثم إني تركت عندكم وصية وهي أن تدعو له بالهداية والثبات في الدراسة، والبعد عن أصحاب السوء والتدخين، وأن يرفع عنه وعنا هذا السحر. هذه أمانة في يد قارئها فلا تنسونا خصوصا في رمضان بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الله الهداية والإيمان والعافية لنا ولكم ولشباب الأمة، ونوصيكم بطلب ذلك ففي الحديث: سلوا الله اليقين والمعافاة، فإنه لم يعط أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة. رواه أحمد وصححه الألباني.
وأما ما يحصل لأخيكم فليس عندنا تفسير له إلا أنا ننصحكم بمواصلة نصحه، ويشرع القيام برقيته بالرقية الشرعية، واحرصوا على إبعاده عن رفاق السوء، وأن يصطحب الرفقة الصالحة التي تدل على الخير وتعين عليه، وقد سبق أن ذكرنا الرقية الشرعية وعلاج مظاهر انحراف الشباب في فتاوى سابقة فراجعي منها الفتاوى التالية أرقامها: 102922، 105390، 80694.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(9/3900)
هل تقبل توبة المستهزئ بالله ورسله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أعرف كيف يغفر الله لمن استهزأ به وبالأنبياء، وبالقرآن، ويبدل سيئاته حسنات؟ وكيف يعيش بين المسلمين؟ هذا في حال التوبة. وهل من المعقول أن التوبة تحول هذا الرجل من رجل كافر بأشد أشكال الاستهزاء بالله إلى رجل صالح؟ وهل معقول أنه يمكن له الزواج بشرع الله؟ أنا أريد أن أعرف ما الحكمة من قبول توبة هؤلاء مع كل هذه الجرأة على الخالق في حال توبتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، وأن مبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره، وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 118200.
وأما الاستهزاء بالله تعالى أو كتابه أو أنبيائه فكفر مخرج من الملة والعياذ بالله، ومع ذلك فمن تاب منه صحت توبته وقبلت إن استوفت شروطها، ومحت ما كان قبلها من الذنب مهما كانت شدة استهزائه، وجاز تزويجه وعاش مع المسلمين بلا فرق بينه وبينهم، وقد كان من الصحابة رضي الله عنهم من هم معادون للدين قبل أن يسلموا ثم منّ الله عليهم بالإسلام فصاروا إلى فضل الله وكرامته. واعلم أن الاستهزاء بالله كفر إلا أن يكون وسوسة وهواجس نفس فإن العبد لا يؤاخذ به. وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتويان: 121183، 118361.
كما سبق في الفتوى رقم: 34955 أن بينا معنى تبديل السيئات حسنات، وأن الردة إن تاب منها صاحبها تدخل في هذا التبديل إن شاء الله لأنها من السيئات. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 80871، 33975، 123958.
ومن حكمة ذلك أن تظهر آثار أسماء الله وصفاته في خلقه، فهو سبحانه واسع المغفرة ورحمته وسعت كل شيء، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فهو الرحمن الرحيم، العفو الكريم، الرءوف الحليم، التواب الغفور ... فإذا تاب الله على من سبه واستهزأ به وغفر له وعفا عنه ووفَّقه للإنابة وجعله من أوليائه الصالحين ـ شهدنا بذلك آثار هذه الأسماء وتعلقت قلوبنا برحمته وعفوه وكرمه ورأفته ولم نيأس من رحمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1430(9/3901)
من حرض غيره على منكر ثم ندم هل يأثم إذا فعل غيره المنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدثت مع فتاة كان بيني وبينها صداقة، وتحدثت معها عن الجنس وسألتها هل أنت عذراء أم لا؟ وردت على سؤالي قالت: لا، ولكنى أخاف أن يؤثر نوع الحديث عليها فيما بعد، وأخاف أن يكون في نوعية الكلام نوع من التحريض وأنا أشعر بألم شديد وأريد أن أتوب، وفى نفس الوقت أخاف من أن تفكر في كلامي فيما بعد وتتأثر وأريد أن أتوب عن ما فعلت. فماذا أفعل ونصحتها في نهاية الحديث بأن تتقرب من الله ولكني نادم على ما قلت وأخاف أن أكون من أدوات التشجيع على ارتكاب المعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بالصداقة بين الشباب والفتيات هو أمر لا يقرّه الشرع، وهو باب شر وفساد عظيم، وانظر الفتوى رقم: 1072.
والكلام مع الأجنبية إنما يجوز عند الحاجة المعتبرة شرعاً مع التزام الحشمة والحياء والاقتصار على قدر الحاجة.
فما كان منك من التحدث مع تلك الفتاة في أمور الجنس هو أمر مخالف للشرع، وفعل منكر يتنافى مع الحياء والأدب، والواجب عليكما التوبة من ذلك، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود، فما تشعر به من الألم لما فعلته هو علامة خير وطريق للتوبة الصادقة، فعليك بقطع كل علاقة بتلك الفتاة، والتزام حدود الله في التعامل مع النساء.
فإذا صدقت في توبتك فلا يضرّك أثر ما فعلته فإن التوبة تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وننصحك إذا لم تكن متزوجاً أن تبادر بالزواج، وإذا لم تكن قادراً على الزواج فعليك بالصوم مع حفظ السمع والبصر، واشغل نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك، واحرص على صحبة الأخيار الذين يعينونك على طاعة الله، ويربطونك بالمساجد ومجالس العلم والذكر، وعليك بكثرة الدعاء والاعتصام بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/3902)
الصحبة الصالحة خير معين للقضاء على الوحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي 15 سنة، في الفترة الأخيرة أصبحت أحب الوحدة ولا أحب أن أتكلم مع أحد، وأتمنى أن أموت
ولا أريد لهذا أن يستمر، لي ابنة عم أحبها مع العلم بأنها أكبر مني بـ 5 سنوات، مع العلم أني أصلي صلواتي كلها جميعاً في المسجد بحمد الله، ولكن لا أعرف ما العمل وأريد نصيحة لأني أريد أن أكمل مستقبلي بطريق جيد؟
وكيف أذاكر جيداً علماً بأنه يوجد عندي رغبة بالمذاكرة، ولكن عندما أقرأ في كتبي تتلاشي هذه الرغبة فأريد حلا أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالمواصلة في التعلم والحرص على الاستقامة على الطاعة، والبعد عما يؤدي لغير ذلك، من صحبة سيئة أو كسل عن متابعة السير، فابحث لك عن رفقاء صالحين ينشطونك لطلب العلم، ويدلونك على الخير.
وواظب على الصلاة بالمسجد مع المحافظة على الأذكار المقيدة والمطلقة وتلاوة القرآن يوميا. ولا بأس ببعض الترويح المباح عند حصول التعب من المذاكرة.
وأما بنت العم فإن كانت غير محرم لك وكان بوسعك الزواج بها فهذا هو الأفضل. وإن لم يكن الزواج ممكنا في الوقت الحالي فاصرف قلبك عن التفكير بها، وعلق اهتمامك بمعالي الأمور فاطمح لنيل المراتب العالية في الدنيا والآخرة. فاهتم بالدراسة لتنال شهادة عليا ووظيفة محترمة، ونم إيمانك وحافظ على الاستقامة على الصالح من الأعمال لتسعد بفلاح الدنيا والآخرة. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 1208، 69873، 59782، 108465.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(9/3903)
مدى صحة التوبة دون تذكر الذنب أو استحضاره
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت لي أختي إنها تحس أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يعاقبها على ذنب اقترفته، ولا تعرف ما هو، وهي تسأل: كيف تعرف هذا الذنب؟.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن التوبة من الذنب لا تتحقق إلا بعد معرفته، لأن من شروط صحة التوبة الندم والعزم على عدم العود واستحلال أصحابه إذا كان فيه حق للعباد، ولا يتحقق هذا مع الجهل بالذنب، قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب، والاعتراف به، وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخرا. انتهى.
فعلى أختك أن تبذل جهدها لتتذكر ما كان منها من تقصير في جنب الله، أو انتهاك لحدوده وحرماته، وهي مأجورة في جهدها ذلك ـ إن شاء الله ـ لأن هذا من محاسبة النفس، وقد قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
وقال الحسن: لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدما قدما لا يحاسب نفسه.
ويروى عن ميمون بن مهران قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه، كما يحاسسب شريكه، من أين مطعمه وملبسه؟ .
فإن لم تتعرف على ذنب بعينه فعليها حينئذ أن تتوب توبة عامة مطلقة من كل ذنب، ولتعلم أن هذه التوبة شديدة عظيمة، لأنها تتضمن عزما عاما على فعل المأمورات وترك المحظورات، وتتضمن أيضا ندما عاما على فعل كل محظور، قال ابن تيمية رحمه الله: إن الإنسان قد يستحضر ذنوبا فيتوب منها وقد يتوب توبة مطلقة لا يستحضر معها ذنوبه، لكن إذا كانت نيته التوبة العامة فهي تتناول كل ما يراه ذنبا، لأن التوبة العامة تتضمن عزما عاما بفعل المأمور وترك المحظور، وكذلك تتضمن ندما عاما على كل محظور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/3904)
حكم من نوى خيرا أو شرا ولم يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من نوى فقط نية لعمل شيء ولم يفعله؟ فقط نية: إن كان خيرا أو شرا، كأن يفكر في الزنا ولم يزن، أو يقتل شخصا ولم يقتله، أو بناء مسجد ولم يستطع، ما حكم النية في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود بالنية مجرد خطور الحسنة أو السيئة بالقلب مثلا، ثم تركها فلا يترتب على ذلك ثواب ولا عقاب، وإن وصلت النية إلى درجة العزم والهم، فإن من عزم على حسنة ثم عجز عنها كتبت له حسنة كاملة. ومن عزم على سيئة فهوآثم، فإن تركها لوجه الله تعالى كتبت له حسنة، وإن عجز عنها لم يكتب له شيء. ففي الصحيحين: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة. انتهى.
قال ابن حجر في فتح الباري:
الهم ترجيح قصد الفعل تقول هممت بكذا أي قصدته بهمتي وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب. انتهي.
وقال العيني في عمدة القاري:
ثم اعلم أن حديث ابن عباس هذا معناه الخصوص لمن هم بسيئة فتركها لوجه الله تعالى، وأما من تركها مكرها على تركها بأن يحال بينه وبينها فلا تكتب له حسنة ولا يدخل في نص الحديث. انتهى.
وراجع المزيد في الفتويين رقم: 53487، 36046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1430(9/3905)
لا سعادة للإنسان إلا بالعبودية لله والرضا بقضائه
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي الآن أنني أحس بكآبة، لم أعد أهتم بنفسي، ولا أحب أن ألبس، ولا حضور الحفلات وحتى الذهاب إلى أي مكان، وأصبحت أحزن من أي انتقاد من المعلمات أو أي أحد، أنا أعمل معلمة ولن أنوي العمل بعد هذه السنة. لم أحتمل أي انتقاد أو سخرية وأتأثر بها كثيرا، خرجت للعمل لأجد الصحبة التي تنسيني غربتي وتعبي مع أطفالي الصغار، ولكن الذي حدث العكس، أتعبني وهز ثقتي بنفسي ويستهزؤون على شخصيتي حتى أصبحت مهتزة، ولا أحب الخروج وعلى ضعفي الجسدي الذي كنت أشد الاقتناع به، وأهملت زوجي وسافر وسوف يعود وأنا لم أحس بفقده أو بالاشتياق، وليس لي نفس لأرتب نفسي لاستقباله، وسفري أنا قد اقترب لا أحب أن أذهب لأهلي بهذه النفسية التي هي مغايرة تماما لشخصيتي قبل الزواج والغربة، أصبح الحزن يعشش في كياني، ولا أقدر حتى على التمثيل بالفرح مهما صار، وتركت الصلاة والقرآن وهذا ما يعذبني أكثر، وأقول كل يوم أريد الصلاة ولا أقدر، ولا أستطيع التعامل مع أطفالي، أصبحت أتمنى الهروب منهم هم أشقياء جدا، كل ما أذهب إلى مكان يحبون أن يمشوا وحدهم ويضيعون ويتعبونني، عند الذهاب لفرح أو عزاء أخذت فقط البنت وعمرها سنة ونصف جننتني مع أن كل الموجودين معهم أطفال ما صار معهم الذى صار معي، والناس تقول مالها بنتك، لا أعرف ماذا؟ الله يعينك ما هؤلاء الأولاد الذي عندك؟ هذا الكلام جعلني لا أحب الخروج مع أولادي، ويخربون أغراض الناس وفي السيارة لا يجلسون يظلون يتحركون ويلعبون بأغراض السيارة وحتى كثيرا كادوا أن يتسببوا بحوادث، تعبت منهم ولما هربت للعمل الناس الذين هناك لم يحبوني وغير النقد ما أسمع، تعبت ونفسيتي تعبانة كثيرا، لا أعرف ما العمل؟ وأريد أن أرجع للصلاة ولست قادرة، وإذا صليت أكون في واد والصلاة في واد، قلبي لا يتحرك ولا يخشع. ماذا أعمل أخبروني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماع ما حل بك إنما هو بسبب بعدك وشرود قلبك عن الله، وفراغه من محبة الله جل وعلا والتعلق به؛ فإنه: لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه. إغاثة اللهفان.
ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا، ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا. فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن، وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن؟! ومن فاته الله فبأي شيء يفرح؟! قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا. فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به، من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها في قلبه، ونضرتها في وجهه. طريق الهجرتين.
فلا مخرج لك مما أنت فيه إلا بالإقبال على الله، والإنابة إليه والانطراح بين يديه، وتعمير قلبك بمعرفته ومحبته.
فإذا وفقت لذلك، فحينئذ تجنين الثمار الطيبة لذلك من ذهاب الكآبة والحزن، وحلول السعادة محلهما.
قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. {النحل:97} .
وحينئذ يقوى قلبك، وكيف لا يقوى وقد توكلت على العزيز الرحيم، وآويت إلى ركن شديد.
وحينئذ تشعرين بالثقة بالله تعالى، ولا تبالين بنقد الآخرين لك ما دمت على حق، وما دامت أفعالك ترضي ربك، بل إن الله سبحانه يجعل لأهل محبته حبا وودادا في قلوب أوليائه. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا. {مريم:96} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض. متفق عليه.
ولمعرفة وسائل الثقة بالنفس راجعي الفتويين: 25496، 25496.
وعليك أن تعرفي أولوياتك في حياتك، فنحن إنما خلقنا لعبادة الله عز وجل. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات:56} .
وأن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة. كما ثبت ذلك في كتب السنن.
وإن الصلاة من الدين بمكان، فهي عماده، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وانظري للفائدة الفتويين: 25963، 6061.
ولمعرفة أسباب الخشوع في الصلاة راجعي الفتوى رقم: 11557.
واعلمي أن حق الزوج على زوجته أعظم الحقوق بعد حق الخالق عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الترمذي.
أما عملك خارج المنزل فليس واجبا عليك، بل وليس مطلوبا منك أصلا؛ فإن الأصل هو قرار المرأة في بيتها، إلا إذا احتاجت إلى العمل، فحينئذ تخرج إليه مراعية الضوابط الشرعية لذلك. وانظري الفتويين: 5181، 105778.
أما الأطفال وتربيتهن فهي من الأمور التي تؤجرين عليها أجرا عظيما، إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى، ولا تظنين أن تعبك في تنشئتهم يضيع هباء منثورا. وانظري الفتوى رقم: 65427.
وختاما نهدي إليك هذا الحديث النبوي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. رواه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1430(9/3906)
من شروط التوبة رد المظالم لأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل التوبة ممن أكل أموال الناس بالباطل؟ وهل يقبل الله التوبة والدعاء قبل تمام سداد تلك الأموال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزُّمر:53} . فهو سبحانه يقبل توبة التائبين.
لكن ما كان من حقوق العباد لابد في التوبة منه أن يؤدى أو يبرئ منه أصحابه ويسامحوا فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
ومن عجز عن أدائها ولم يسامحه أهله فيها عزم على أدائها متى ما تيسر له ذلك ووجب على أصحابها إنظاره إلى حين ميسرة. وتوبته مقبولة لكنها لا تسقط حقوق الناس، ودعاؤه مقبول بإذن الله فليكثر من دعائه ليفرج همه ويكشف غمه ويقضي دينه.
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 28159، 26238، 94989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1430(9/3907)
توبة الله على العصاة تظهر آثار أسمائه وصفاته في خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يستهزئ بالخالق بأشد طرق الاستهزاء وأقبحها يستحق المغفرة والتوبة إذا تاب؟ وهل يوفقه الله إلى التوبة إذا كان هذا الشخص فعلا تائبا نادما؟ أنا أعرف أن الله رحمته واسعة والقنوط كفر، لكن ما الحكمة من قبول الله توبة مثل هؤلاء الذين يتجرؤون على الله بهذه الأشياء؟ وهل الكفر درجات أي كفر شديد وغير شديد أم كله كفر بنفس الدرجة؟ وهل ممكن أن يصبح من أولياء الله الصالحين؟ وأريد أن أعرف من هو أشد كفرا أبو جهل أم فرعون الذي ادعى الألوهية؟ وهل كان من الممكن أن يقبل الله توبة فرعون في حال توبته؟ لا أريد فتاوى أخرى أريد فتوى عن هذه بالذات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأنه لا يظلم أحداً من خلقه، وأنه تعالى لم يخلق الكون لعبا، ولا العباد عبثا، ولن يتركهم سدى، فكل أفعاله تعالى منطوية على الحكمة التامة، وأن مبنى الدين على الإيمان بالغيب، وإثبات كل أنواع الكمال المطلق لله تعالى، ونفي كل أنواع النقص عنه سبحانه، والعقل الإنساني مهما أوتي من قوة وإدراك فهو محدود للغاية، فهو يجهل كثيرا من أسرار نفسه فضلا عن الخلق والكون من حوله، فكيف يستطيع هذا الإنسان الضعيف الإحاطة بحكمة الله في قضائه وقدره، وخلقه وأمره، وقد سبق بيان هذا في الفتوى قم: 118200.
وأما سب الله تعالى والاستهزاء به فكفر مخرج من الملة والعياذ بالله، بل هو أقبح أنواع الكفر وأسوؤها، ومع ذلك فمن تاب منه فجمهور أهل العلم على صحة توبته، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 767، 44356، 53874. كما سبق في الفتوى رقم: 118361. ذكر أقوال أهل العلم في من سب الله تعالى، وبيان أنه لا فرق في قبول التوبة النصوح بين المجاهر بالسب والمسر به، وبين المحارب للإسلام وغير المحارب، فمن تاب توبة صحيحة قبلت توبته مهما كان جرمه وعظم ذنبه.
وسبق كذلك بيان أنه لا تعارض بين كون الله عدلا وبين مغفرته للذنوب، في الفتوى رقم: 54470. وراجع للفائدة الفتويين: 80871، 33975.
ومن حكمة ذلك أن تظهر آثار أسماء الله وصفاته في خلقه، فهو سبحانه واسع المغفرة ورحمته وسعت كل شيء، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فهو الرحمن الرحيم، العفو الكريم، الرءوف الحليم، التواب الغفور ... فإذا تاب الله على من سبه واستهزأ به وغفر له وعفا عنه ووفَّقه للإنابة وجعله من أوليائه الصالحين شهدنا بذلك آثار هذه الأسماء وتعلقت قلوبنا برحمته وعفوه وكرمه ورأفته ولم نيأس من رحمته.
وأما كون الكفر درجات وأنواع فأمر صحيح، فليس الكفر درجة واحدة، ولذلك فإن المخلدين من أهل النار يتفاوتون في العذاب باعتبارات كثيرة كطول العمر وكثرة الإجرام، والبداءة بالشر ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ. {آل عمران: 163} وقال سبحانه: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. {الأنعام: 132} . وقال عز وجل: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. {الأحقاف: 19} . وراجع في ذلك الفتوى رقم: 15174. ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب رغم موته على الكفر أنه من أهون أهل النار عذابا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8306.
وأما أيهما أشد كفرا فرعون أم أبو جهل؟ فلا شك أن فرعون أشد كفرا، فإنه لم ينكر ألوهية الله فحسب بل أنكر حتى ربوبيته، كما قال لموسى: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ. {الشعراء: 23} . وقال له أيضا: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. {الشعراء: 29} . وقد ادعى فرعون ما لم يخطر ببال أبي جهل، فقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. {النازعات:24} . وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي. {القصص: 38} . ولذلك صرح القرآن بأنه يعذب أشد العذاب، فقال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. {غافر: 46} .
وأما السؤال عن إمكانية قبول توبة فرعون؟ فالجواب: نعم، لو تاب في وقت الإمكان، أي قبل الغرغرة وقبل معاينة الموت، لقُبل منه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 51321. حتى لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل صلى الله عليه وسلم جعل يدس في فيِّ فرعون الطين خشية أن يقول: لا إله إلا الله. فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه الله. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وصحح الألباني إسناده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1430(9/3908)
لا يأثم الأب إذا استخدم أولاده بعد مماته الدش في المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى دشا واشترط على أهل بيته عدم فتح غير القنوات الدينية، وبفضل الله أغلقت جميعا، لكن بعد مماته قام أولاده الشباب بفتح قنوات الأفلام. فهل عليه إثم؟ وهل هذا يعتبر سيئات جارية-عياذا بالله- بعد مماته مع أنه في حياته كان لا يقبل هذا أبدا؟
وبفضل الله لم تفتح هذه القنوات في حياته لأنه منع أهله منها، وقال لهم إنه بريء ممن يفتح هذه القنوات بعد مماته.
أرجو الإفادة وشكراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن فضل الله تعالى ورحمته أنه لا يجازي المرء إلا بكسبه، فلا يتحمل أحد وزر أحد، قال تعالى: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الأنعام: 164} . وقال سبحانه: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. {الإسراء: 15} .
قال السعدي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر. اهـ.
وقال عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى. {فاطر: 18} .
قال السعدي: أي: في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله، ولا يحمل أحد ذنب أحد- وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ- أي: نفس مثقلة بالخطايا والذنوب، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها- لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى- فإنه لا يحمل عن قريب، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا، يساعد الحميم حميمه، والصديق صديقه، بل يوم القيامة، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد، ولو على والديه وأقاربه. اهـ.
فالعبد رهين عمله ولا يضره ضلال غيره، كما قال تبارك وتعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ. {الطور: 21} . وقال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. {المدثر:38} . وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. {المائدة:105} .
ولهذا فليس على هذا الوالد الكريم من شيء من إثم أبنائه، لأنه تبرأ وهو حي من استخدام ما اشتراه في ما يغضب الله، ولم يسمح في حياته أن تستعمل إلا في الخير. ولهذا الجهاز-الدش- حكم المال الذي ورثه الأبناء واستعملوه في ما يغضب الله تعالى. وراجع للفائدة الفتويين: 76513، 112270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1430(9/3909)
عوامل الثبات على الدين في أماكن الفتنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكو من رواسب الجاهلية بعد التزامي منذ سنتين، واكتفيت بالمظهر فقط. لم أحقق أي تقدم يذكر لأني مازلت أداوم على الكبائر رغم علمي بذلك كالاستمناء والنظر إلى ما حرم الله. أصدقكم القول فإني مفتون بالنساء أولا لأني صاحب شهوة قوية، وأيضا لكثرة الاختلاط. أنا من تونس. نحن والله في هاوية إلا من رحم ربي. أحس بالإقبال على الدار الآخرة حين لقاء الجماعة في الخفاء. فنحن في وضع لا يحسد عليه من جهل بالدين وجور السلطان وإقبال الدنيا بفتنها علينا. هل في الهجرة حل حتى ولو لم أجد عملا حين أها جر. فأنا الحمد لله أعمل مهندسا ونويت الزواج الذي إن شاء الله سيعصمني من فتنة النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالالتزام الذي ينبغي لكل مسلم تحقيقه هو: مداومة الاستقامة على الهدى، وقوة التمسك بالتقى، وإلجام النفس وقسرها على سلوك طريق الحق والخير، مع سرعة الأوبة والتوبة حال ملابسة الإثم، أو الركون إلى الدنيا. وبهذا يكون الالتزام بالدين بمعنى مداومة الاستقامة والاستمساك بالشريعة والثبات على طاعة الله ورسوله وسلوك طريق الهداية، وهو تكليف يصبر عليه المؤمن القوي، ويسارع إليه السابقون بالخيرات رغبة فيما عند الله من ثواب وحسن عاقبة.
وما في بلدكم من ابتلاء وتضييق وانتشار للفتن كل هذا من الابتلاء الذي يتبين به الصادق من الكاذب كما قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. {العنكبوت:2-3} .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون شدة وذكر ما يعين عليها فقال: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ. رواه الترمذي وصححه الألباني.
قَالَ الْقَارِي: الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلَّا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلَّا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ. انتهى.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا: أما الخبر: فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعف الإيمان، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد. ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
وأما الإرشاد: فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة. انتهى.
فعليكم بالصبر والإيمان الذي تخالط بشاشته القلوب فتمنع صاحبها من الوقوع في الرذيلة والتخلي عن الحق مهما كانت الفتن والمغريات، فقد تكفل الله بحفظ الصادق في استقامته وعدم إضرار المفسدين له مهما فعلوا كما أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. رواه البخاري ومسلم.
وضعف المستقيم أحيانا وعصيانه لا يجعله يترك مجاهدة النفس على ترك المعصية، ففي هذه المجاهدة هداية عظيمة تكفل الله بها فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. {العنكبوت:69} . ولابد من إحداث توبة بعد كل ذنب، وعدم اليأس من المغفرة مهما عظم الذنب فعفو الله أعظم وكرمه أوسع، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} .
واعلم أنه لا سبيل إلى الدرجات العلا في الجنة إلا بالاستمساك بما شرع الله ورسوله، فالجنة غالية غالية ولابد من الصبر على المحن في سبيل ذلك، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ. رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ... رواه مسلم.
وصاغ ابن القيم هذا المعنى في نونيته المشهورة، فقال:
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان
وراجع الفتوى رقم: 55774 ففيها توجيهات مهمة لتوقي الوقوع في حمأة الرذيلة.
وأما عن الاستمناء فقد ذكرنا أدلة تحريمه في الفتوى رقم: 5524. فراجعها.
وراجع الفتوى رقم: 3539. فقد بينا فيها أن الاختلاط بين الرجال والنساء محرم ومفاسده ظاهرة، وذكرنا في الفتويين: 17642، 21807، وجوب غض البصر وما يعين على ذلك.
وإن كنت تستطيع الهجرة إلى بلد مسلم تحفظ فيها دينك وتغض بصرك وتعبد ربك فهي واجبة عليك كما بينا في الفتوى رقم: 8328.
وإن كنت تقصد الهجرة إلى بلد غير مسلمة، فلا تجوز الهجرة إلا لحاجة أو ضرورة بشروط وضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 2007. فراجعها.
وبادر بما تنويه من الزواج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1430(9/3910)