التصرف الأفضل لمن وقع عليه ظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة 1915 قتل جدي الأكبر غدرا وفي المسجد وفجرا. هل لي أن أدعو لقاتله بالخير أم بالشر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأفضل لمن وقع عليه ظلم من الناس أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ. {آل عمران:133،134} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {الشورى:43} .
وفي سنن ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. وحسنه الألباني، ويجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه. ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه.
ولا شك أن المقام الأول هو أفضل لما جاء فيه من الأجر والثواب.
وأما أن يدعو المظلوم بالخير لمن ظلمه فذاك ما لا يهتدي إليه إلا ذوو الحظوظ العظيمة. قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. {فصلت:34-35} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1427(9/2749)
فضل العفو والمسامحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ عاق لأمنا وأتشاجر معه لأنه يسبها لا أدري ماذا أفعل وهو متقلب المزاج وهذا بسبب تدليعه من قبل والدي وهو صغير، وعندما يضربني لا أضربه حتى لا أكسب إثما؟
أفتوني رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكبائر، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور. متفق عليه.
وفي الصحيحين أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات.. الحديث. وروى أحمد والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر.
ثم ما ذكرته من أنك عندما يضربك لا تضربه هو الأفضل لك والأقرب إلى التقوى، فعسى الله أن يغفر لك ويعفو عنك يوم تكون في أمس الحاجة إلى عفو الله تعالى ومغفرته. قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237} وقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 43} .
واعلم أن ما ذكرته من عقوقه وظلمه لا يسوغ لك قطيعته، بل الواجب أن تصله وتذكره بما هو فيه من المعصية.
ولا تيأس من سماعه الموعظة، فإن الهداية بيد الله، وعليك بالدعاء له، وإن رأيت أن هجره يمكن أن يفيد في إرجاعه إلى الصواب فلا بأس بذلك، ونسأل الله أن يهدينا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1427(9/2750)
الصبر على أذى زوجة الأب فضيلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل، والدي متزوج من واحدة عمرها 19 عاما، وهو يتعدى 65، ووالدي يسمع كلامها في كل شيء، مثلاً أولادك عملوا الشيء الفلاني، ويأتي والدنا ويضايقنا أنا وإخواتي، يعني مكدرة لعيشتنا، وهي تسلك طريق الدجالين والله أعلم، وتسيطر على والدي سيطرة كاملة، علماً بأننا يمكن أن نقف أمامها، لكن أبي سيغضب منا، هل يجوز لنا أن نوقفها عند حدها طالما لم نفعل شيئا يغضب الله، فأفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليكم أن تحرصوا على بر والدكم لا سيما وقد بلغ هذا السن، وأن تتجنبوا كل عمل فيه إيذاء أو عقوق له، لقول الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} .
وينبغي لكم التجمل بالصبر، والعفو والصفح عن زوجة والدكم، وعدم مؤاخذتها بالإساءة إليكم لما في ذلك من إيذاء للوالد، هذا مع حقكم في الدفاع عن أنفسكم، وبيان حجتكم لوالدكم وبيان كذبها عليكم، إن حصل منها ذلك.
وننبه السائلة إلى الحذر من الظن السيئ بالمسلمين، والذي لم يكن له ما يبرره كقولك عن زوجة والدك بأنها تذهب إلى الدجالين، إن كان بالظن، وقد نهى الله عن ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا {الحجرات:12} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1427(9/2751)
غريزة الغضب أحوج الغرائز للتهذيب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الخامسة عشر من عمري
مشكلتي هي: أنني عندما أزعل أو أغضب من إنسان يستمر غضبي وزعلي طويلا وأقضي باقي يومي أو حتى يومين وأنا غضبانة وزعلانة فماذا أفعل حتى أقلص من مقدار هذا الغضب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغرائز التي جبل عليها الإنسان إذا وجهت الوجهة الصحيحة وهذبت بتعاليم الإسلام تكون نعمة وخيرا لصاحبها. ومن أخطر هذه الغرائز وأحوجها إلى التهذيب والكظم غريزة الغضب؛ ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلب منه الوصية فقال له: لا تغضب. فردد الرجل مرارا يطلب الزيادة من الوصية، وفي كلها يقول له صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. رواه البخاري.
قال بعض أهل العلم: لا تغضب معناها: لا تفعل ما يسبب لك الغضب، أو ابتعد عن أسباب الغضب، أو لا تنفذ ما يمليه عليك الغضب من الانتقام والقطيعة والسب واللعن.
وقال صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلا اشتد به الغضب: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأرشد صلى الله عليه وسلم الغضبان إلى تغيير حاله التي أصابه عليها الغضب، وإلى الوضوء. وبهذا تعلمين علاج الغضب.
ولذلك فعليك أن تعالجي نفسك بالصبر وكظم الغيظ، فإن الحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر، وتذكري قول الله عز وجل: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 134}
كما ننصحك بتقوى الله والمحافظة على فرائضه وعلى الأذكار المأثورة لأنها مطردة للشيطان ونزغاته.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتويين: 8038، 58964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(9/2752)
إيثار الفتى غيره بما اشترته له أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي اشترت لي عدة أشياء منها أقلام ودفاتر وغيرها وأنا أحب خلق الإيثار، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، وأريد أن أعطي لأصدقائي بعض ما اشترت لي أمي غير أن أمي قالت لي لا تعط ما اشتريت لك لأحد لأنهم سيستهزئون بك، فهل أطلب منها الإذن قبل أن أعطي بعض أدواتي لأصدقائي، أم أعطيهم لكن بالخفاء، كما أمرتني بأن لا أقوم ببعض ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم من أشياء مستحبة مثل المصافحة وإفشاء السلام وغيرها ... فما العمل، هل أقوم بما نهتني به عندما أكون وحدي مع أصدقائي، وعندما أكون مع أمي لا أقوم بذلك، وإذا عملت ذلك بالخفاء فماذا أقول لأمي إذا قالت لي -هل لا زلت تصافح الناس وهل لا زلت تعطيهم بعض أغراضك، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن خلق الكرم والإيثار من الأخلاق الفاضلة، التي نوه بها الإسلام وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وطبقها هو وأصحابة الكرام فقد وصفهم الله عز وجل بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر:9} .
ولكن لا يحق لك أن تتبرع بالأدوات التي اشترت لك أمك وتؤثر بها غيرك لأن أمك نهتك عن ذلك، وتجب طاعتها في غير معصية سواء كان ذلك أمامها أو في غيابها ... وإيثارك للغير ليس بواجب عليك، وربما يعود على أمك بالضرر إذا كانت سوف تعوضها لك بشراء غيرها مرة أخرى.
وأما المصافحة وإفشاء السلام فإن كان لا يترتب عليها ضرر، فالأولى إفشاؤهما وعدم طاعة الوالدة في ذلك، ولمعرفة فضل المصافحة وإفشاء السلام نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 11912، والفتوى رقم: 18888.
وعلى العموم فالذي ننصحك به هو طاعة الأم في غير معصية فإنها -في الغالب- لا تريد إلا مصلحة ابنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1427(9/2753)
الترياق الشافي لمن أصيب بداء العشق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج منذ أكثر من 8 سنوات ولا ينقصني والفضل والشكر لله شيء، فأنا أعمل في شركة كبيرة وعندي امرأة جميلة متزنة متدينة ومؤمنة وعندي أطفال وأنا أواظب على الصلاة والزكاة والعمرة والقرآن والحمد لله، وهذا هو قلقي أني تعبت وشقيت نفسيا وعقليا لأصل لما أنا فيه من نعمة ربي وتوفيقه، إلى أن تعرفت على امرأة بالصدفة في مكان عملي، مع العلم بأن عملي لا يخلو من النساء أبداً وقد رأيت الكثير منهن (جميل أو غير جميل) عذراً لهذا الكلام ... تعلقت بها نفسي وقلبي ولا أدري لماذا، علاقتي معها بدأت تكبر والزمن الذي أقضية معها بالهاتف بدأ يطول، قرأت القرآن دعوت الله أن يريح قلبي وما زلت أدعو وسأظل أدعو، حاولت أن أشغل نفسي في العمل أكثر، حاولت أن أبتعد عنها ... صدقوني حاولت لم أفكر بها أبدا جنسيا ولم أصل لهذا الحد معها خرجنا معا وتكلمنا معا هي تبادلني بعض هذا الشعور رفضي لهذا الحب الغريب أيضا غريب ولا أراها زوجة ... فهي من النوع المتحرر والجميل وأنا وعائلتي "بدوان" بصراحة، وأنا أُحب زوجتي وأولادي أيضا، ومشاكلي معها ليست بالكثيرة بل ولله الحمد معدومة نسبيا، ما يقلقني أني أيضا لست من هذا النوع من الرجال الذي يقضي ليلة مع تلك وليلة أخرى مع تلك، وهمي دراستي ومعرفتي، فماذا أفعل، فماذا أفعل، فماذا أفعل، أريد أن أعود لحياتي الطبيعية، فأنا أسهر ولا آكل وتشتت في عملي وعلاقتي مع الناس وبدأت أشعر ببعدي عن زوجتي وأطفالي، ساعدوني؟ جزاكم الله الخير كله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من هذا البلاء، وعليك أن تقطع العلاقة بهذه المرأة نهائياً، وتتوب مما سلف، وعليك الحذر من الوقوع في العشق فإنه مرض يصيب القلب، يصعب التخلص منه، وقد قيل عنه أن مبادئه سهلة حلوة، وأوسطه هم وشغل قلب وسقم، وآخره عطب وقتل إن لم يتداركه عناية من الله، وإذا كنت قد وقعت فيه فعليك بالدواء المذكور في الفتوى رقم: 9360.
ومن الدواء ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) والذي ننصحك بقراءته، حيث قال: ليعلم أي العاشق أن ما ابتلي به من الداء مضاد للتوحيد، فليأت من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر فيه، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه، وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه، حيث قال: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور فإنه إنما تمكن من قلب فارغ. انتهى.
كما ينبغي لك أن تأخذ بأسباب الوقاية من الوقوع في هذا الداء مستقبلاً، ومنها:
- غض البصر فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وقد قيل: من أطلق لحظاته دامت حسراته.
- اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه من الخوف والرجاء، ثم تذكر أن النعم تحفظ بالشكر، وتزول بالمعاصي، كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} ، قال الشافعي رحمه الله:
إذا كنت في نعمة فارعها * فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد * فرب العباد سريع النقم
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وأخذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وجنبنا الفتن ما ظهر ومنها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(9/2754)
فضل السعي في نفع الناس وإعانتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ / قرأت في كتاب هذا الحديث ونأمل منكم الإيضاح حول صحته، والحديث فيما معناه: أن البخيل من يبخل بجاهه في نفع الناس.
أفيدونا مأجورين،،،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على حديث بهذا اللفظ، ولكنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الحض على السعي في نفع الناس بما أمكن من إعانتهم والشفاعة لهم، فقد ثبت عنه أنه قال: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه، أخرجه مسلم. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء. رواه البخاري، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول أي الناس أحب إلى الله، فقال أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي له دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام. رواه الأصبهاني في الترغيب وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في صحيح الترغيب، وما أحسن قول الشاعر:
... فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأرفدا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/2755)
تسجيل الصيام في المنتديات هل هو من الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان شخص يريد أن ينشر موضوعا في منتدى ما في الإنترنت.
الموضوع: إفطار جماعي في المنتدى.
فكرة الموضوع أن يدخل كل عضو يوم اثنين أو خميس أو غيرها من الأيام التي يستحب فيها الصيام ويسجل صيامه في هذا الموضوع بحيث يقرأ الموضوع أعضاء آخرون
سؤالي هو: هل يدخل هذا في حكم الرياء.
وجزيتم خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتسجيل الصائم صيامه في الموقع المحدد لا يسمى إفطارا في اللغة وكذا في الشرع، ولذا لا وجه لتسمية هذا العمل إفطارا جماعيا، أما إخبار الشخص بما يقوم به من عبادة فإن كان القصد منه التحدث بنعم الله والتعاون على البر والتقوى والتشجيع على ذلك فالظاهر أنه لا حرج فيه على من أمن على نفسه من الرياء والعجب، فقد ذكر أهل العلم أنه لا بأس أن يذكر الرجل عبادته لمن يثق به من إخوانه. قال القرطبي عند كلامه على تفسير قوله تعالى في سورة الضحى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضُّحى:11} : وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: إذا أصبت خيرا أو عملت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك. وعن عمر بن ميمون قال: إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به يقول له: رزق الله من الصلاة البارحة كذا وكذا. وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة كذا قرأت كذا وصليت كذا، وذكرت الله كذا، وفعلت كذا فقلنا له: يا أبا فراس إن مثلك لا يقول هذا، قال: يقول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وتقولون أنتم لا تحدث بنعمة الله. انتهى.
وأما من لم يأمن على نفسه من الرياء والعجب فليبتعد عن المشاركة في المنتدى المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/2756)
الآثار السيئة للغضب وسبل العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أستشير فضيلتكم عن شيء قلته في حالة غضب كثر فيها اليأس وضعف فيها الإيمان وتراكمت المشاكل، قلت: إذن الله غير موجود، الله غير موجود، لا أستطيع أن أتحمل هذا، سنين والوضع لم يتغير.
ومن قبل انقطعت عن مواظبة الصلاة وعدم الرغبة في أدائها.أرجو من فضيلتكم أن تهتم برسالتي وكيف يمكن التكفير على ما قلت وفعلت لأني أشعر بأنني خرجت من الإسلام كلما تذكرت الآيات القرآنية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة:65- 66.
أرجو الإجابة عن رسالتي في أقرب وقت ونشرها على الموقع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أنكر وجود الله تعالى فهو مرتد, وتلزمه التوبة إلى الله تعالى والدخول في الإسلام من جديد، فإن تاب تاب الله عليه قال سبحانه وتعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ {الأنفال: الآية38} وقال الله عز وجل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا {الفرقان:68 – 71} .
وقال تعالى في المنافقين: إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 145 ـ 146}
وقال تعالى بعد ذكر بعض أخبار المنافقين من أهل المدينة ومن الأعراب: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة: 104}
وقال للنصارى: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [المائدة:74] .
وهذا, وننبهك إلى الحذر الشديد من الغضب والقنوط من رحمة الله تعالى, فان الغضب أمره خطير جدا؛ ولهذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم نظرا لما يترتب عليه من آثار سيئة ومخالفات شرعية، وبين طرق علاجه في أحاديث كثيرة. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب. فردد مرارا، فقال: لا تغضب. وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب" خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من دينه.
وسبيل العلاج منه بتجنب أسبابه ومهيجاته، وعليه يخرج قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تغضب " أي اجتنب أسباب الغضب، فعليك أن تنظري ما الذي يثير غضبك وحنقك فاجتنبيه, وإذا أحسست بالغضب فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " متفق عليه من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.
فإن اشتد عليك الغضب أكثر فإن كنت قائمة فاجلسي، أو قاعدة فاتكئي، أو متكئة فاضطجعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع " أخرجه ابن أبي الدنيا، وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح.
ومن سبل دفع الغضب وإسكانه: الوضوء. فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه.
واما اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى فهو أمر خطير يجب الحذر منه والتنبه له لأنه من صفات الكافرين والضالين. قال تعالى: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ {يوسف:87} [يوسف:87] وقال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56} .
فالعاقل المؤمن لا ييأس أبدا ولا يقنط من رحمة ربه مهما ضاقت عليه الدنيا وتقطعت به الأسباب، وكيف يتسرب اليأس إلى قلب المؤمن وهو يقرأ قوله تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً {الطلاق:7} . وقوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا {الشرح:5-6}
يقول ابن مسعود: لو دخل العسر جحرا لتبعه اليسر حيث كان.
وما أحسن قول الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وعليك بالمواظبة على الصلاة ففي الصلاة شفاء مما تجدين، وعون على حل المشاكل التي تعانين منها, قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ {البقرة:45} .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حانت الصلاة يقول لبلال رضي الله عنه: يا بلال أقم الصلاة، أرحنا بها. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فالصلاة راحة نفسية وسكينة وطمأنينة لا يجدها القلب في غيرها. نسأل الله لك الهداية والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(9/2757)
الغيرة التي يحبها الله تعالى والتي يبغضها سبحانه
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يعاني من حالة شك غير طبيعية حتى من أقرب الناس إليه فهو يغار على والدتي من أخيه وهذه الحالة ظهرت معه منذ شهرين فقط، فأصبح يعود للمنزل في أوقات غير وقت عودته السابقة وذلك لشكه الشديد ووالدتي تعاني من هذا بشدة، فأرجو إعطائي طريقة للعلاج بأسرع وقت ممكن أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلاج الناجح لذلك هو أن تبتعد والدتك عن كل ما يثير شك والدك، وأن لا تسمح لأخي زوجها ولا غيره بالدخول عليها في غياب زوجها، وأن تبعد نفسها عن مواطن الشبهة والريبة، وعليها وعلى أخي زوجها الامتثال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، قيل: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
ثم على والدك أن يضبط غيرته، وأن لا يسيء الظن بزوجته إذا لم يكن هناك ريبة، ففي الحديث عن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحبه الله عز وجل، ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة، والغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أبو داود والترمذي وابن حبان. وعنه صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه، نسأل الله أن يصلح حال والديك، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وللمزيد من الفائدة والتذكير بحق الزوج نحيلك على الفتوى رقم: 29957.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1427(9/2758)
حكم حب المرأة لمطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استمرت امرأة في حب طليقها بعد قضاء العدة هل يجوز ولا إثم عليها مع العلم أنها لم تتزوج بعد ولم تستطع نسيانه. شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المكلف فيما ليس من كسبه، وفي ما لا يملك مثل الحب الذي لم يترتب عليه عمل محرم من نحو نظر بشهوة أو خلوة به؛ إذ مجرد الحب لا يملكه المرء، بل يملكه من القلوب بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء سبحانه، وفي الحديث: رب هذا قمسي في ما أملك, فلا تؤاخذني فيما لا أملك. قال أبو داود: يعني القلب، رواه أحمد وأصحاب السنن.
فلا إثم عليك من هذا الحب لمطلقك، ولا تؤاخذين عليه.
لكن نقول: إن كان هذا الزوج قد انصرف عنك ولم يعد له حاجة بك، ويئست من رجوعه، فليس من الحزم ولا من الرأي أن تبقي ضامة جناحك على حبه، فمن الشقاوة -كما قيل- أن تحب ومن تحب لا يحبك، فاشغلي نفسك عنه، وخير ما شغل المرء به نفسه ذكر الله، والتقرب منه سبحانه، فلعله أن يبدلك بهذا الحب حبا له تعالى يشغلك عن حب من سواه، يروى أن زليخا امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه، لما تزوجها قال لها: ما شأنك لا تحبينني كما كنت في أول مرة؟ فقالت له: لما ذقت محبة الله تعالى شغلني ذلك عن كل شيء.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(9/2759)
الكذب للتوصل إلى الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يخص الفتوى رقم 76046 أريد أن أشير إلى أن المؤسسة الحكومية التي أشتغل بها تصرف تلك المكافآت لكل الموظفين أي أنها لم تعد لها صبغة المكافأة التي تصرف للبعض دون الآخر وأن العقد الذي نوقعه عند التحاقنا لا يحتوي على أية تفاصيل لا بخصوص الأجر ولا المكافآت، أرجو أن لا تحيلوني على أجوبة لأسئلة سابقة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا لك في الفتوى التي أشرت إلى رقمها أن المكافآت إذا كانت مستحقة لك بموجب العقد الذي وقعت عليه مع الجهة التي تعمل عندها، ولم تجد وسيلة لنيلها إلا إذا جعل في الكشف الذي يبعث إلى وزارة المالية أنه في مقابل التنقل، فلا حرج عليك في تملكها بتلك الوسيلة، فإن الكذب يجوز إذا كان المرء لا يتوصل إلى حقه إلا به.
وقولنا: (بموجب العقد الذي وقعت عليه مع الجهة التي تعمل عندها) ليس معناه بالضرورة أن يقع النص على المكافأة باللفظ، بل يكفي أن تكون متعارفاً عليها، والعرف العام عند الفقهاء كالشرط وإن لم ينص عليه في العقد، قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: المعروف عرفاً كالمشروط شرعاً. انتهى.
وعليه؛ فلا مانع من استفادتك من المكافآت المذكورة بالوسيلة التي ذكرت إذا كانت متعينة للحصول عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(9/2760)
ذم التعصب والتمسك بأهواء النفوس
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء على ما تقومون به لخدمة الإسلام والمسلمين، وجعل الله ذلك في موازين حسناتكم إن شاء الله ... أرجو منكم مساعدتي في سؤالي الذي سوف أطرحه عليكم الآن، حيث يتعلق السؤال بنص قد سمعته في إحدى خطب الجمعة عندما حضرتها ... حيث كان النص على ما أذكر يقول: (إذا شاهدتم الرجل متعلق برأية فادعوا له بأن الله يشفيه فقد ضل ... ) ، فقد بحثت كثيراً عن قائل ذلك النص ولم أتوصل إلى قائله، فلا أدري هل كان ذلك من ضمن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أم قاله أحد الصحابة الأفاضل الكرام، أم قائله أحد علماء المسلمين أو أحد الحكماء، أتمنى منكم مساعدتي في التوصل إلى الإجابة إن أمكنكم ذلك إن شاء الله ... راجين من المولى العزيز أن يكتب لكم حسن الأجر والثواب؟ في رعاية الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر بعد البحث على حديث بهذا اللفظ،إلا أنه ثبت أن التعصب والتمسك بأهواء النفوس من أسباب الضلال، فاتباع الهوى هو الذي هلك به بلعام بن باعوراء، فقد قال الله تعالى في شأنه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {الأعراف:175-176} ، وقال تعالى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {القصص:50} ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(9/2761)
حسن الظن بالمسلم والحذر مما يؤدي إلى الريبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن توضحوا لي هدا الأمر"لقد نمت بجانب أحد أصدقائي ليلا وفجأة شعرت أنه يحاول أن يلمسني بذكره دون خلع للملابس وقد فعل ذلك مرارا والخجل والحياء منعاني أن أقول له ماذا تفعل لما سيجلب ذلك لو أعلمته أني قد شعرت به. فسكت.فلا أدري إن كان هو نائم وفي هذه الحالة يكون يحلم. أو هو يقصد ما يفعل وهذا ما لا أرجحه. فهل يأخذ هذا حكم اللواط مثلا؟ وماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أولا أن يحسن الظن بأخيه المسلم ويلتمس له أحسن المخارج، ولا يجوز له أن يتهمه بتهمة فعل الفاحشة من غير بينة، كما يجب أن يحذر من كل ما يؤدي إلى المعصية وخاصة الفواحش القذرة الممقوتة مثل عمل قوم لوط، فربما تجر الخطوة الصغيرة من خطوات الشيطان إلى ما هو أكبر منها، فسد هذا الباب والحذر منه واجب كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ {النور:21}
وكان عليك أن تنبه صديقك بطريقة عادية عندما أحسست منه ما يريبك حتى لا يستهويه الشيطان أو يجره إلى ما لا تحمد عقباه عند ما يرى منك التغاضي عنه أو يظن أنك مستغرق في النوم.
وهذا كله سدا للذريعة، ونحن نحمل ما جرى على أحسن المحامل ونلتمس لصاحبه أحسن المخارج، وأنه كان نائما بالفعل أو كان يحلم.
وعلى كل حال فهذا لا يعتبر لواطا فإن كان الشخض المذكور نائما فإن القلم مرفوع عنه ولا إثم ولا حرج عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. رواه ابن حبان وغيره.
أما إذا كان متعمدا فإنه يأثم بذلك الفعل وإن كان لا يصل إلى اللواط الذي يترتب عليه الحد.
والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى أن تحذر كل ما يؤدي إلى الريبة وأن تستر ما جرى، فإذا تبين لك أن الرجل كان متعمدا لما فعل، فعليك أن تنصحه بتقوى الله والحذر من الاقتراب من الفواحش.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 22549، 45481، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/2762)
الدياثة والغيرة على المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قال أحد الأشخاص لخطيبتي (وهو أجنبي بالنسبة لها) بأنها مثل القمر.
عندما سمعت ذلك غضبت لغيرتي عليها ولكن بعض الأقارب قالوا لي بأن هذا القول عادي. فهل هذا القول كذلك، وهل يعتبر الشخص الذي قال لي إن هذا الكلام عادي ديوثا، سيما أنه من أقارب الخطيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالديوث هو الذي يقر الخبث في أهله كما ورد بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لسان العرب: والديوث القواد على أهله، والذي لا يغار على أهله ديوث. فمن فقد الغيرة على محارمه فهو ديوث، ومن قلت لديه الغيرة ففيه شعبة من الدياثة حتى يدعها.
والكلمة التي ذكر السائل يغار منها الرجل أن تقال لإحدى محارمه، وعدم غيرته من ذلك نوع من الدياثة، ولا يجوز لخطيبتك أن تعرض نفسها للافتتان بها وتكشف وجهها أمام الرجال الأجانب، ولا يجوز لهم هم أن ينظروا إليها إذا كشفت، وتراجع الفتوى رقم: 9830، والفتوى رقم: 50794.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(9/2763)
الغيرة المحمودة والمذمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تتأخر دائما في العمل بعد الوقت القانوني بحجة أن لديها عملا متراكما مع العلم أن العمل لدينا بنظام التوقيت المستمر حيث إن المرأة تخرج في الصباح من 8 ولا تعود حتى 5 و30مساء، وإذا أضافت وقتا إضافيا فإنها لا تصل إلى البيت حتى 6 و30، وانا أخاف عليها من الفتنة خصوصا أنه لا يبقى في العمل بعد الوقت القانوني سوى عدد قليل من الموظفين، وفي بعض الأحيان تبقى وحدها، نصحتها دائما لكنها أبت فماذا أفعل؟ أفتوني جزاكم الله خيرا. عاجل. ملحوظة أنا غيور جدا جدا جدا، وأشك كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن من الغيرة ما هو محمود ومنها ما هو مذموم.
فمن الغيرة المحمودة الغيرة في الريبة، ومن الغيرة المذمومة الغيرة في غير موطن الريبة، وفي الحديث: إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة والغيرة التي يبغضها الله فالغيرة من غير ريبة. راه النسائي وأبو داود.
والغيرة في ريبة أن يرى الرجل من أهله فعلا محرما، أو يراهم في مواضع التهمة، والأمر يختلف باختلاف الناس، فرب رجل شديد الشك كثير الظنون فيظن ما ليس بريبة ريبة، ورب رجل متساهل فيحمل الريبة على محمل يحسن به ظنه.
هذا وإذا كانت المرأة تعمل في جو من الاختلاط غير المنضبط بالضوابط الشرعية، وهو ما تحدث فيه خلوة وعدم غض بصر ونحو ذلك، فإن هذا محل للغيرة المحمودة، ويجب على الزوج أن يغار في مثل هذا الوضع.
وثمرة غيرته الزجر أي المنع من فعل هذه الأعمال، جاء في شرح سنن ابن ماجه للدهلوي:
قوله: فالغيرة في الريبة أي يكون في مواضع التهم والشك والتردد بحيث يمكن اتهامها فيه، كما لو كانت زوجته تدخل على أجنبي أو يدخل أجنبي عليها ويجري منهما مزاح وانبساط، وأما ما لم يكن كذلك فهو من ظن السوء الذي نهينا عنه.
والحاصل أن عليك أن تمنع زوجتك من كل ما من شأنه أن يجعلها في موطن ريبة، ولا شك أن ما ذكرته في السؤال من أخطر هذه المواطن وأسرعها فتكا بأخلاق النساء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1427(9/2764)
الرفق واللين في تعامل الإخوة الأشقاء مع بعضهم البعض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 18 سنة، يوجد عندي إخوان، المشكلة أنهم لا يحترموني، فإذا قلت لهم لا تفعلوا هذا يعاندونني ويفعلان عكس ذلك، وأحياناً يضربونني (وأنا أقدر أن أضربهم أضعاف ما ضربوني) وأحياناً أخرى يصرخون بوجهي أمام أصحابهم، فما الحل برأيكم، مع أنهم أصغر مني بكثير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ينبغي للأخ الكريم أن يصلح ما بينه وبين أخويه ويعاملهما بلطف ويتغاضى ما استطاع عما يصدر منهما تجاهه ويحسن إليهما ويتجنب الشجار معهما، فبذلك يكسب احترامهما وتقديرهما إن شاء الله تعالى إذ قد يكون عدم احترامهما له ناشئاً عن أسلوب تعامله معهما، وقد يكون لصغرهما، فإذا أدركهما العقل، وعلماً أن عليهما أن يوقرا أخاهما الأكبر غيرا أسلوبهما في التعامل معه واحترماه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه. رواه أحمد ومسلم.
وفي سنن الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا.
وخلاصة الأمر أنك لو ذهبت تضاربهما وتشاتمهما فلن يزداد الوضع إلا سوءا، والذي ننصحك به استعمال الرفق واللين والعفو والترفع عن مستوى المعاندة والمضاربة، وستجد ثمرة ذلك إن شاء الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 54408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1427(9/2765)
بين المداراة والمداهنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة كيفية التصرف مع بعض الأشخاص الذين نجتمع معهم أحيانا لكنا لا نحبهم (إن الأرواح جنود مجندة) أو لا نتفق معهم. هل عندما نتجنب الجلوس معهم أو التحدث إليهم.
هل علينا إثم في ذلك أو أحيانا نجبر على السلام عليهم والسؤال عن أحوالهم. هل هذا يكون من باب الرياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في عدم الجلوس مع من لا ترغب في الجلوس معه، وإن لقيته فسلمت عليه وسألت عن حاله أو بششت في وجهه وأنت تكرهه فليس ذلك من النفاق، بل هو من الخلق الحسن والمداراة الجميلة، وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه فقال: باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، ومعنى نكشر نبتسم، وأورده مسندا إلى أبي الدرداء الإمام البيهقي في شعب الإيمان ولفظه: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم. وأورد الإمام البخاري تحت التبويب السابق: عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال:ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال إي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه. والحديث رواه مسلم أيضا. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وأشار المصنف بالترجمة -أي التبويب- إلى ما ورد فيه -أي الأحاديث- على غير شرطه واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه، فمما ورد فيه صريحا حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مداراة الناس صدقة أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه، وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف، قال ابن بطال المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه. انتهى كلام الحافظ. وقال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء: ولكن هذا ورد في الإقبال وفي الكشر والتبسم، فأما الثناء -أي على الفاسق- فهو كذب صراح، ولا يجوز إلا لضرورة أو إكراه يباح الكذب بمثله كما ذكرناه في آفة الكذب، بل لا يجوز الثناء ولا التصديق ولا تحريك الرأس في معرض التقرير على كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو منافق بل ينبغي أن ينكر فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1427(9/2766)
مسامحة الأصدقاء بين الإظهار والكتمان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يطلب مني بعض أصدقائي أن أسمح لهم وأن أقول لهم سامحتكم، لكنني أفضل أن أكتم عنهم أنني قد سامحتهم عسي أن تكون صدقة سر، وأنا أنوي بذلك الحصول على الأجر في كتمها، هل هذا يعطيني أجر صدقة السر أم لا؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما فعلته خلاف الأولى، فإن الأصدقاء قد يطلبون السماح من أصدقائهم طلبا للبراءة من الحقوق المحتملة أو طلبا لتقوية المودة بين الأصدقاء ومحو ما في القلوب مما قد يحصل من الاتهامات، وتصريحك لهم بالمسامحة مهم في جميع الأحوال لأنه يفيد أنه ليس في قلبك شيء عليهم، وأنك راض عنهم، وعزمك على السماح وكتمانك له لا يفي بهذا الغرض ولا سيما إذا احتمل أنه لا حق لك عليهم، ويحتمل أيضا أن يكون لهم حق عليك وأنت ناس له فإذا لم تسمح لهم ربما لا يسمحون لك فيبقى الحق الذي عليك ثابتا، إضافة إلى ما يوهمه فعلك من عدم قبول العذر للمعتذر إليك، وراجع في أهمية العفو عن الحقوق السابقة، وسماح الظالم ولو لم يطلبك، وأهمية قبول العذر الفتاوى التالية أرقامها: 54580 / 52437 / 53141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1427(9/2767)
مداراة أم الزوج ومجاملتها
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل حفظكم الله وبعد:
لدي أم زوج متسلطة وعانيت منها الكثير الكثير، وأنا أسكن مع زوجي وأولادي في دولة أخرى بعيدا عنها وعندما نقوم بالاتصال معها ونتبادل الحديث أقوم بالدعاء لها على مسامعها طبعا، وأدعو لها بطول البقاء ومرة قالت لي والله أني أحبك، فقلت لها وأنا يشهد الله أني أحبكم وأدعو لها ولأولادها بكل خير، لا أعرف هل علي إثم إذ أنني حلفت وأشهدت الله عز وجل على حبي لهم مع أنني في حقيقة أمري لا أعرف إن كان هذا الحب صادقا أم لا طبعا من ناحيتي حيث إن أقل كلمة منهم أشعر أنني أحبهم وخاصة أنني أرى منهم السوء ولكن خلال المكالمة ومباشرة أشعر حقاً أنني أحبهم ومندفعة اندفاعا شديدا ناحيتهم، وعندما أسمع كلمة حلوة منها أو من أحدهم أشعر كأنني سأطير من الفرح، وللعلم يا أخوتي الأفاضل أنا من ناحيتي أتمنى أن تكون معاملتهم لي حسنى حيث إنني أتمنى أن نكون كعائلة واحدة ويعتبرونني ابنتهم، وهل يجوز أيضا أن أدعو لها بطول البقاء وأحيانا عندما تقول لي إنني مريضة أدعو لها بالشفاء وأن يبعد الله عنها الأذى، أرجو من الله منكم أن لا تحيلوني إلى فتاوى أخرى وأود إجابة وافية ومطمئنة، وإذا كان علي إثم في الحلف عندما أشهدت الله عز وجل على حبي لهم ماذا علي فعله، وأود نصيحة منكم إخوتي في حال الكلام معهم كيف يكون وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى أن ينير بصائركم ويجزيكم الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مداراة الناس ومجاملتهم، وإظهار الحب لهم كسبا لهم، وتأليفا لقلوبهم أمر مطلوب شرعا، قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة. انتهى
وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه: باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم، ومعنى نكشر: نبتسم.
وعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول؟ فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه. والحديث رواه مسلم أيضا. هذا هو الأصل، إلا أن ذلك مقيد بأن لا يقول كذبا ولا يحلف على ذلك، وإلا كان آثما، فالكذب محرم، والحلف عليه محرم آخر، وهو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ولا نستطيع الحكم على ما حلفت عليه الأخت: إن كان صدقا أو كذبا، فهذا أمر لا يعلمه غيرها، فإذا كانت تشعر نحوهم بشيء من الحب، ولو في أثناء المكالمة أو عند سماعها كلاما طيبا منهم - كما ذكرت - فتكون بارة في يمينها، وليس عليها إُثم إن شاء الله، ولا حرج عليها في دعائها لأم زوجها بالبقاء وطول العمر، ويدخل هذا في القول الحسن، المأمور به بقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة:83} ، وفي الكلمة الطيبة التي هي صدقة كما في الحديث: والكلمة الطيبة صدقة. متفق عليه.
وأما عن كيفية حديثها معهم فليكن بما أمر الله عز وجل من القول الحسن، والكلمة الطيبة، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53} قال ابن كثير في التفسير: يأمر تبارك وتعالى عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاورتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم. انتهى
وفق الله الأخت لما يحب ويرضى وأخذ بناصيتها إلى البر والتقوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1427(9/2768)
رد الغيبة والإنكار على المغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة والحمد لله مشكلتي أني أخاف جدا من الغيبة وذكر الناس بما يكرهون عندما أكون مع صديقاتي يذكرن فلانة وفلانا ولكني أجلس معهن بدون أن اذكر أحدا بسوء ولكني أندم كثيرا لأني سمعتهن.
هل يأخذ من حسناتي من يذكر اسمه أمامي وأكون من المفلسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين على من اغتاب زميلاتها بحضرتها أحدا أن تنصحهن وتنهاهن عن المنكر حسب استطاعتها, ولا تجالسهم عند الاغتياب، وليكن ذلك برفق وحكمة، فإن لم يستجبن فلتحاول دائما صرف الحديث بأي أحاديث أو نقاشات تثيرها في مواضيع هامة، فإن أنكرت برئت من الإثم ولا يأخذ المغتاب شيئا من حسناتها, وكذلك إذا أنكرت بقلبها, ولم ترض باغتياب الناس وبادرت بمفارقة المجلس الذي تقع فيه الغيبة. وهذا عام في المناكر كلها, فلا إثم على من حضرها إذا كان منكِرا بقلبه ولم يقصر فيما يستطيعه من الإنكار بغيره, وبادر بمفارقة المحل حيث لم يتم التوقف عن المنكر.
ففي الحديث أنه: يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون, فمن كره فقد برئ, ومن أنكر فقد سلم, ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم.
فهذا الحديث يفيد أن من كره المنكر فقد برئ من إثمه وعقوقه, وأنه لا يأثم إلا بالرضى بما حصل من المعاصي، كذلك قال النووي في شرح مسلم. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 71558، 45312، 41506، 66124.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1427(9/2769)
الصبر على الظلم ومقابلة الإساءة بالإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله
سؤالي لكم كيف أتعامل مع مديري المباشر وهو يكذب ويخدعني في العمل ويدعي أمام الآخرين أشياء ليست في وخصوصاً أمام المدير التنفيذي للمؤسسة التي أعمل بها حيث إنني كنت على علاقة صداقة به ولكنها تدهورت إلى أبعد الحدود بسبب هذا المدير وأصبح لا يقابلني، أخبروني كيف أتعامل في ظل الكتاب والسنة مع هذا اللئيم وكيف أستطيع بالدعاء والدهاء المشروع أن أهزمه وأظهره على حقيقته، حيث إنني لاحظت أنني لا أستطيع أن أتصدى له حين أحدثه فهو يرفع صوته علي ويظهرني كأنني أنا الذي لا أطيقه ولا أعمل، ما هو الحل حيث تراودني أفكار سيئة وأشعر أنها ضاقت علي وأنا أبحث عن عمل آخر منذ أكثر من سنة ولم أجد، وقد بدأت أشعر بوعكة صحية بسببه وتعامله معي أفيدوني، كما أشعر أن علي مسؤولية في كشف حقيقته أمام الآخرين رغم أنهم يعرفون حقيقته إلا أنهم جبناء لا يريدون أن يتحدثوا للمدير التنفيذي بهذه الأمور، الرجاء سرعة الإفادة وجزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن مديرك المباشر من الكذب والخداع في العمل والادعاء أمام الآخرين بأشياء عنك وهي ليست فيك، وما سعى فيه من إساءة العلاقة بينك وبين المدير التنفيذي للمؤسسة التي تعمل بها، كلها أخطاء كبيرة جدا.
ومع هذا فالذي ننصحك به في علاج حالك هذه، هو أن تهون الموضوع على نفسك، وتعامل هذا الذي أساء إليك بالحسنى خلافا لما عاملك به، فإن ذلك سيجعله يتراجع عما كان يضمره لك من الشر إن كان يضمر لك شرا أصلا. قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34 ـ 35} .
وقد وردت نصوص في الشرع كثيرة تحث المظلوم على الصبر. قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {الشورى:43} . وقال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: من الآية126] .
ومما ننصحك به أيضا هو تجنب وصف مديرك هذا باللؤم أو بأي وصف آخر يحمل إساءة، لأن في تلك الأوصاف غيبة له وهي حرام.
وإن كنت لا تريد العمل بما نصحناك به، ولا تقبل إلا الدعاء عليه، فقد أباح الشرع الدعاء على الظالم بضوابط، وكنا قد بينا ذلك في فتاوى كثيرة، ويمكنك أن تراجع منها الفتوى رقم: 22409، والفتوى رقم: 20322.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/2770)
واجبات وصفات المسلمة المتحجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي واجبات ومواصفات المتحجبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن واجبات ومواصفات المسلمة المتحجبة هي واجبات كل مسلم معتز بدينه وملتزم بتعاليمه ومتبع لشرعه، فيجب عليه أن يؤدي ما فرضه الله تعالى عليه من عبادة الله تعالى وأداء لحقوق عباده وخاصة حقوق الوالدين والزوج والأولاد، وأن يقوم بفريضة الدعوة إلى الله تعالى حسب وسعه واستطاعته وبلسان حاله ولسان مقاله.
فعلى الأخت الكريمة أن تتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة في مظهرها ومخبرها، ومن أهم ذلك صون اللسان وتطهيره من كل ما لا يرضي الله عز وجل، والمحافظة على الأوقات من الضياع فيما لا ينبغي ومخالطة الناس بأحسن الأخلاق، وقد ذكر لنا القرآن الكريم جملة من صفات المؤمنين وواجباتهم نذكر لك طرفا منها لتكون تنبيها على غيرها، فقد قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:1 ـ 11} وقال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا.......... {الفرقان: 63} الآيات، ونرجو أن تطلعي على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21738، 9428، 18781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/2771)
الكذب على الكفار للزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل أنا أخوك في الله صاحب السؤال الموضوع في الفتوى رقم ,74613, وسؤالي هو كالتالي:
هل يمكنني أن أتقدم إلى أهل هاته الفتاة وأوهمهم على أنني من ديانتهم حتى يتم الزواج فقط , هل في هذا أستاذنا الكريم مخالفة للشرع؟
بارك الله فيك وأيدك ووفقنا جميعا لما يحب ويرضى.
أخوك في الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الإقدام على هذه الخطوة وهي إيهام أهل هذه الفتاة بأنك على ملتهم ليتسنى لك الزواج منها، وذلك لسببين، السبب الأول: أنه لا يجوز للمسلم دعوى الكفر هازلا أو جادا قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبه 65-66}
السبب الثاني: أن الكذب على الكفار ومخادعتهم لا يجوز، وقد وردت الرخصة بذلك في الحرب خاصة لأن الحرب خدعة وراجع الفتوى رقم: 37045.
وأضف إلى ذلك أن هذا الكذب أو الخداع ليست من ورائه فائدة ما دام المسؤل عن المرأة كافرا، ولن يقبل أن تتزوج على طريق المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/2772)
الموقف ممن لا يستجيب للنصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الرجل الذي يتكبر ولا يقبل النصيحة الشرعية مثل رجل عندما يكون يصلي وترى في صلاته غلطة تنصحه ولا يقبل النصيحه ويتكبر ما هو حكمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يقع في الخطأ وينصح ولا يستجيب ولا يخضع للحق فيه كبر, والكبر من كبائر الذنوب التي قد تكون سببا للحرمان من الجنة فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. رواه مسلم وغيره. وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة الكبر فقال: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. قال الإمام النووي رحمه الله: أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا, وقوله صلى الله عليه وسلم وغمط الناس معناه احتقارهم. اهـ وينبغي لمن صادف من هذه حاله أن يواصل نصحه برفق وحكمة فقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} فإن أصر على ما هو عليه فقد أدى ما عليه وأمره إلى الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(9/2773)
حكم الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل فى الخارج وزوجتى حامل وشركات الطيران تمنع سفر الحوامل فى الشهور الأخيره فهل يجوز لى عند سؤالى فى المطار ذكر مدة الحمل أقل من الوضع الطبيعى تفاديا للمنع من السفر حيث إننى أتضرر كثيرا فى حالة عدم السفر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام، كما هو مبين بأدلته في الفتوى رقم: 1824
ولا يرخص في شيء منه إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
كأن تقول: هي في شهرها السابع وتقصد من السنة أو من السنة الثانية أو الثالثة على زواجك منها ونحو ذلك, فإن تعين الكذب وسيلة إلى الوصول إلى الحق دون ضرر جاز.فقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير تذكر، فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة.
وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.
وعلى هذا، فإن كانت هنالك حاجة ماسة إلى مرافقة زوجتك ولم يكن في ذلك ضرر عليها أو على جنينها أوعلى شركة الطيران وأخبر بذلك من أهل الشأن من أطباء وقانونيين فلا حرج عليك أن تترخص بما يحقق لك حاجتك من الكذب. والأولى استعمال المعاريض والتورية ما أمكن ذلك وحقق المقصود. وانظرالفتاوى ذات الأرقام التالية: 29059 / 29954 / 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(9/2774)
هل يجب الوفاء بوعد بالزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب فلسطيني أبلغ من العمر 23 عاما. لقد كنت مدمنا على التشات من أجل الكلام مع البنات والتسالي.. وليس فقط التشات بل بلغت المرحلة إلى أن تطورت الحالة إلى المكالمات الهاتفية.. وبعدها شعرت بالضياع وتبت والحمدلله.. فقد قمت بقطع العلاقات مع البنات كليا وأردت أن أفعل شيئا من أجل إرضاء رب العالمين فقد منعت نفسي من سماع الأغاني والحمدلله منذ أربعة أشهر لم أسمع أغنية قط وأصبحت دائم القراءة للقرآن الكريم.. كل ذلك بفضل الله عزوجل.
ففي الفترة التي قطعت فيها العلاقات مع البنات تعرفت على بنت مسلمة متدينة ملتزمة (على التشات) مصرية (ليست من بلدي) تكبرني بعامين.. فقد كنا دائما نتناقش في الأمور الدينية وأصبحنا نحث بعض على حفظ القرآن الكريم فقد حفظنا جزء عم كاملا واستمرت العلاقة وتطورت إلى أن تعلقنا ببعض وتطورت العلاقة إلى أن أخذنا أرقام موبايلات بعض وأصبحت المسجات دائمة بيننا.. فهي تعلقت في كثيرا وأنا أيضا تعلقت بها ... واتفقنا على أن أرتبط بها بعد عامين أو ثلاثة (بعد أن أكون قادرا) فأنا حصلت شغلا في الإمارات.. ولكن بعد ما استلمت الشغل تبين لي حقائق أن ارتباطنا صعب وذلك بسبب أنها لا يمكن أن تدخل فلسطين فبالتالي سوف أعيش في غربة طيلة حياتي معها.. فقد أحسست أني ارتكبت غلطة كبيرة من أجلها فقد وعدتها بالارتباط ولكن لا أقدر التنفيذ.. فقد صارحتها بذلك.. فتعبت جدا.. ومرضت وهي الآن في السرير..
أشعر بذنب عظيم تجاهها.. فقد ظلمتها ولا أعرف ماذا أفعل تجاهها.. فقد تبت توبة نصوحة لله رب العالمين.. ولكن بالنسبة لها فهي متعلقة جدا. ..
فدلوني هل أقطع العلاقة أم أضحي بأن أتغرب طيلة حياتي؟ مع أننا لم نعرف موقف أهلنا بموضوع ارتباطنا.. فدلوني بأسرع وقت ممكن جزاكم الله كل خير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوعد بالزواج يستحب الوفاء به عند الجمهور وأوجبه بعضهم, وبناء على القول بعدم وجوبه فإنه لا إثم عليك في عدولك عن الزواج بهذه الفتاة بعد الحقائق التي تبينت لك. وننصحك بقطع الاتصال بها, وأن ترشدها للإكثار من الدعاء وسؤال الله العافية والشفاء, وابحث عن غيرها, فالنساء سواها كثير. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 18857 / 20200 / 32512 / 57601 / 65050 / 32981 / 49953.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(9/2775)
الإسراف في الأثاث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الغلو في شراء أثاث المنزل لبداية الزواج يعد من: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين؟ علما بأن ثمن الأثاث هو 40 ألف جنيه وأن صاحب الأثاث اختاره ليتفاخر به أمام كل من يدخل شقته ليبارك له في الأسبوع الأول من الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذم الله عز وجل الإسراف والتبذير في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ونهى عنهما فقال تعالى: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ {الاسراء: 26 ـ 27} وقال تعالى: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الاسراء: 31} ، وأمر بالاعتدال في النفقة والزينة وفي كل شيء، فقال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا {الاسراء: 29} وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان: 67} ، ولذلك ينبغي للمسلم التوسط في الأمور كلها بما في ذلك أثاث البيت، ولا يمكن لنا أن نحكم على شخص بالإسراف أو التبذير دون معرفة حاله لأن الحكم على ذلك يختلف باختلاف الناس ويسرهم وفقرهم، فما يكون إسرافا أو تبذيرا في حق شخص قد لا يكون إسرافا في حق آخر يختلف عنه، وإذا كان القصد هو التفاخر والمباهاة فهذا مذموم على كل حال ولو كان صاحبه ميسور الحال، وللمزيد من التفصيل والفائدة عن هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتويين: 31084، 64813، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(9/2776)
يتعين إنفاق الوقت في ما يرفع شأن الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تشاهد برنامجا تلفزيونيا أمريكيا يعرض على فضائية عربية ويناقش قضايا مختلفة في المجتمع الأمريكي، منها في بعض الحلقات مسائل الشذوذ الجنسي وفي إحدى الحلقات كان الموضوع زنا الأب وابنته، وعندما أرفض أن تشاهد زوجتي هذا البرنامج لأنه يكشف عن ممارسات شاذة لا تهمنا ومن مبدأ إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا تتذرع بأنه يزيد ثقافتها العامة ومعرفتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد مسؤول عن عمره فيم، أفناه وعن شبابه فيم أبلاه، وعن جسمه وماله وعن سمعه وبصره وقلبه فيم صرفها، كما قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وفي الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وبناء عليه.. فيتعين على المسلم صرف وقته وطاقته الجسمية والمالية في تحصيل الثقافة الشرعية، فيسعى في حفظ كتاب الله ودراسة السنة النبوية والعلوم الدينية، ولا سيما في هذا الزمن الذي مات فيه كثير من العلماء فأصبحت الأمة تحتاج لمن يسد مسدهم، فإذا انشغل بهذا فلن يجد فرصة ولا وقتا لمتابعة الباطل، فاشغل نفسك وأهلك ببرنامج رباني تستثمر فيه الأوقات والطاقات، وراجع في خطورة نظر المحرمات ووجوب إبعاد الأهل عنها والمزيد فيما ذكر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26484، 3605، 70952، 33294، 30518، 59157، 53400، 19075، 1886.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/2777)
الموقف الصحيح من الدعاة إذا وقعوا في الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي:
ما هو حكم.. من يشتم ويسب الدعاة؟؟ ويصفهم بدل الداعية بالداهية.. وأيضا بالخبيث..؟؟
وما هو موقفكم من سب الداعية عمرو خالد، والجفري؟؟ هل يستحقون هذه المهاجمة من قبل بعض الناس حين يصفوهم بالداهية الخبيث؟؟
وإن كانوا قد أخطأوا.. فكيف نصلح خطأهم؟؟ هل بكتابة المواضيع المنفرة عنهم؟؟ أم بإرسال رسالة لكل واحد منهم.؟؟
وما رأيكم بالمواضيع المنفرة لهم كسبهم وغيره مع العلم.. أن هناك كثيرا من الدعاة أراهم يُسبون ويُشتمون؟؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 21290، 72223، 33346، 18788، 44164، 59243، 70367، 64723، 47064، 53523، 74243.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/2778)
حكم إبلاغ المدير العام فيمن يقصر بالمسؤولية الملقاة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة والرئيس المباشر غير قائم بواجبه في العمل ويتهاون في أدائه ويستهزئ بالأعوان، فهل تقديم شكوى إلى المدير العام في هذا الرئيس جائز أم لا، من فضلك أفتني في أمري؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرئيس في أية مؤسسة يعتبر راعياً لمصالح تلك المؤسسة، ولا يجوز له الإخلال بالمسؤولية الملقاة عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وعند البخاري: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة.
ولا يجوز له ترك شيء من واجباته في العمل ولا التهاون بها، لما في ذلك من الإخلال بما تم الاتفاق عليه من الشروط، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وصححه السيوطي.
كما أن الاستهزاء بالآخرين منهي عنه سواء كانوا أعوانا أم لا، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
وعليه؛ فواجبكم نحو رئيسكم المباشر في العمل هو أن تنصحوه بالعدول عما هو عليه من الأخلاق، وإذا لم يفد فيه النصح فعليكم بإبلاغ المدير العام بحاله من باب تغيير المنكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/2779)
أذية المسلم وكيفية التعامل مع الشخص مصدر الأذى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ومعي ثلاثة أولاد وزميلي في العمل تعود على إيذائي منذ زمن هو حاج بيت الله وقد أنذرته كثيرا لهذا الأذى لانه قد ينال من مصدر رزقي فنحن نعمل في بلد خليجي لكنه لا يلبث أن يكرر الأفعال المسيئة. أخيرا قررت ان أقاطعه تماما حتى أقطع الطريق عليه لافتعال أي موقف معي وأظهر لباقي الزملاء أن الاخطاء دائما منه فذهب هذه المرة ويقول إنني مصر على مقاطعته للأبد وهذا ليس من سلوك المسلمين بطريقه جديدة للتنديد بي وجاء الزملاء يلومونني أنا فطلبت منه أن يعتذر لي أمامهم ويتعهد بعدم التكرار لكنه رفض
سؤالي الآن: هل أنا مخطئ بهذه المقاطعة وانا واثق انها ناجحة على الأقل فى المحافظة على مصدر رزقي.
ثانيا: هل سلوكه الذكي في الاذى لي ثم عودته شاكيا اني أقاطعه ليس له عقاب؟
رجاء أريد ما يفيد في عقاب المسلم الذي يتعمد إيذاء أخيه المسلم. وهل موقفي من مقاطعته صحيح مع العلم بأنني تغاضيت عن إيذائه أكثر من عشر مرات ولكنه يعود لتكرار إيذائه لي.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في خطر إيذاء المسلم وكيفية التعامل معه الفتاوى التالية أرقامها: 48241، 38264، 23670، 49760، 47407، 14787، 70564، 33698، 68452، 32391، 66522، 18354، 62124، 55500، 54119، 74817.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1427(9/2780)
السلام وعدم مكافأة الإساءة بالإساءة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل قلل من قيمتي لسبب تافه وخاصمني في اليوم التالي سلمت عليه إرضاءا لوجه الله فقط (لأنني شخص ملتزم بتعاليم الدين) ورد السلام لكنه لم يتكلم معي وبعدها كل يوم يأتي يدخل ويسلم على الكل ولا يسلم علي ولم يترك شخصاً ألا وتكلم عنده علي بالسوء وأنا ملتزم الصمت، علمت أن الأعمال ترفع كل يوم اثنين وخميس هل علي ذنب، مع أنني والله على ما أقول شهيد أنني لم أؤذه، لكنه على ما يبدو كان يبيت لي أي سبب ليختلق المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في السلام على هذا الرجل وعدم مكافأة إساءته بالإساءة، فالصبر ومكافأة الإساءة بالحسنى أمر مرغب فيه، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وفي حديث مسلم: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي صحيح مسلم أيضاً: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.
وقال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، واعلم أنه لا إثم عليك ولا يمتنع ارتفاع عملك إن كنت لست هاجراً ولا رافضاً للصلح معه، واحرص على السلام عليه كل ثلاثة أيام على الأقل، ففي الحديث: لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة. رواه أبوداود وأصله في البخاري ومسلم وراجع الفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1427(9/2781)
كذب الابن على أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إننى أكذب على أبي ولكن في الأصل إني أكره الكذب ولكن أكذب عليه لخوفي منه ولكي يرضى عني علما بأنه شديد القسوة وهذا هو السبب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب خصلة دنيئة مذمومة شرعا وعادة ولا يطبع عليها مؤمن قط لما في المسند: يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب. وقد ورد في غير المسند بألفاظ أخرى. لذا فقد رغب الشارع الحكيم في الصدق وحذر من الكذب أي تحذير ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق, فإن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة, وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب, فإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. ولكن هنالك بعض الحالات التي رخص أهل العلم فيها بالكذب لدرء مفسدة أعظم أو لإصلاح ذات البين وقد بيناها مفصلة في الفتويين: 7432 / 7758، وهنا نقول إذا كان كذبك على أبيك لدفع مفسدة أعظم كهجره أو غضبه جاز لك أن تكذب عليه من باب أن الضرورات تبيح المحظورات لقول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام 119} والأولى أن توري وتعرض بما يوهمه صدقك ويرضيه, وفي المعاريض مندوحة للمسلم عن الكذب. وراجع الفتاوى التالية: 4512 / 1126 / 1824 / 30312.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1427(9/2782)
التحذير من الظن واتباع عورات المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العاده السرية بالنسبة للفتيات؟ وهل ضم الفخذين يعتبر من العاده السرية؟.... لأني أشك أن أختي البالغة من العمر 15 تمارسها بهذه الطريقة وما هي الطريقة المناسبة لنصحها حيث إني أخجل من مصارحتها بذلك؟ أرجو المساعده بنصحي بالطريقة المناسبة لنصحها لتتوقف عن ذلك..وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العادة السرية نوع من الشذوذ الجنسي يقصد به استمتاع الشخص بأفعال يفعلها بنفسه, ويدخل في هذا أي عمل يستلذ به الفاعل. فإن كان ضم الفخذين يفعله الفاعل للاستلذاذ به واستدعاء خروج المني فهو داخل في هذا؛ وإلا فلا. إلا أنا ننصحك بحسن الظن بأختك, ولا تظني بها السوء, ولا تتبعي أخطاءها, ولا تصارحيها بما اتهمتِها به، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث, ولا تجسسوا, ولا تحسسوا.
وقد حذر الشرع من اتباع عورات المسلمين؛ كما في الحديث: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين, ولا تتبعوا عوراتهم, فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. رواه أبو داود وصححه الألباني. وفي الحديث: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وابن حبان. وفي الحديث: من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. رواه أبو داود وصححه الألباني. وقال الحسن رحمه الله: المؤمن يطلب المعاذير, والمنافق يطلب الزلات.
هذا, وعلى الأخت أن تتناصح مع أختها وتحثها على التقوى والأعمال الصالحة, وأن تتعاون معها على شغل أوقاتها بالطاعات, وأن تسعى معها فيما يعفها من الزواج بزوج ترتضى أخلاقه وديانته. وراجعي في تحريم الاستمناء, وبعض وسائل العلاج, ووسائل هداية الإخوان, والسعي في تحصيل أسباب العفه الفتاوى التالية أرقامها: 16443 / 34541 / 52421 / 16027 / 41016 / 69805 / 32981 / 52614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1427(9/2783)
علاج الواقع في حبال العشق وشباك الغرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 30 عاما ملتزمة والحمد لله وأعمل في شركة معي في الشركة موظف يصغرني ب5أعوام وهو شاب مهذب وطموح ولكن المشكلة أنه مغرم بي بشكل جنوني يعني في اليوم الذي لا آتي فيه للعمل يمرض وهو شاب ملتزم ودائماً يعرض علي فكرة الزواج ولا أعرف عنه أي سلوك غير أخلاقي وأنا بصراحة لا أعرف كيف أتعامل معه لأن فكرة أن أتزوجه صعبة بسبب اختلاف المستوى الاجتماعي وأهلي لن يقبلوا به في أي حال من الأحوال.
المشكلة أنني لا أعرف كيف أتعامل معه، أنا لا أريد أن أؤذيه أو أسبب له أية صدمة ولكني أريد بالمقابل أن أضع حداً لهذا الموضوع ولا أعرف كيف أتصرف أنا دائماً أؤنب نفسي بأني قد أكون السبب في تعلقه بي بأني قد أكون تصرفت أي تصرف أو حديث أدى إلى ذلك وأنا صراحة أخشى من أن يعاقبني الله تعالى ولا أحبذ التعلق الشديد من البشر بالبشر لأني أشعر بأن الله تعالى لا يرضى بذلك وسوف ينتقم أفكر أحياناً بأن أحول محبته لي هذه إلى محبة أكبر لله وبأن يجعل له غاية أسمى يتعلق بها ولكن حقيقة هو لا يقبل أي حديث في هذا الموضوع وهو لا يعرف سوى بأني سوف أكون زوجته مستقبلاً، أعتذر لأن أفكاري غير مرتبة ولكن الوضع جداً معقد بالنسبة لي فأنا أخاف غضب الله وأخاف من أن تضعف نفسي وخاصة بأني أشعر بميل داخلي تجاهه.
أعتذر للإطالة وأرجو أن أكون قد بينت ما أريد إيصاله.
وأشكر لكم سماعكم لي وأرجو أن يجعل الله الخير كله على أيديكم.
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الواضح أن هذا الشاب قد وقع في حبال العشق وفي شباك الغرام, عافانا الله والمسلمين، فما الذي أوقعه في هذا؟ وكيف؟ سؤال نوجهه لك أيتها الأخت الفاضلة، وستعرفين جوابه من خلال الجواب على هذا السؤال:
هل التزمت بضوابط عمل المرأة المسلمة خارج بيتها؟ ومن ذلك الحجاب الشرعي الكامل الساتر؟ هل التزمت بضوابط تعامل المرأة المسلمة مع الرجال الأجانب وفي كلامها معهم؟ ومن ذلك عدم الخضوع في القول وعدم الكلام معهم إلا لحاجة.
فإن كان الجواب بنعم، ونحن نستبعد ذلك، لأن الالتزام بما ذكر لا يقع معه ما ذكرت من حال هذا الشاب، وتعلقه بك، نقول: إن كان الجواب بنعم فلا إثم عليك، وليس عليك إلا التمسك بما أنت عليه من الالتزام والبعد عن هذا الشاب، وإخباره بعدم موافقة أهلك عليه.
وإن كان الجواب بلا، أو بين بين، فأنت تتحملين كفلا ونصيبا مما يعانيه هذا الشاب من هذا المرض، وتسميتنا له مرض ليس على سبيل المبالغة بل هو مرض حقيقي, بل هو من أشد الأمراض قال عنه ابن القيم رحمه الله: هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم، عز على الأطباء دواؤه، وأعيى العليل داؤه. انتهى كلامه
وما يتوجب عليك فعله هو ما يلي:
أولا: التوبة إلى الله مما صدر منك من كل قول وفعل محرم أدى إلى إصابة الشاب بما أصيب به.
ثانيا: الالتزام بضوابط عمل المرأة وخروجها من البيت، وقاية للآخرين من أن يصيبهم ما أصاب الشاب المذكور، وكنوع من العلاج لهذه الشاب. وراجعي في هذه الضوابط الفتوى رقم: 3859.
ثالثا: مصارحة الشاب بأن أهلك لن يقبلوا به زوجا لك، وأن عليه اليأس من هذا الموضوع، ويمكنه أن يجرب ليتأكد بالذهاب لطلب يدك ّّّ.
أما الشاب فنصيحتنا له هي ما نصحنا به شابة أصابها ما أصابه في الفتوى رقم: 68589، فليرجع إليها
ومما ينصح به الشاب ترك هذا العمل حتى يساعده ذلك على النسيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1427(9/2784)
لا يزال معك من الله ظهير ومعين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعيش في قطر ومتزوجة بزوج متدين وخلوق وأحبه جدا ويحبني جدا جدا ولكن مشكلتي مع أمه أتعبتني في حياتي وهي تسكن معنا في البيت وأنا كي أتجنبها لا أكلمها أبدا كل همي زوجي وفقط ألبي طلباتة فقط لا علاقة لي بها وهي خالتي تكون ولكنها ذات لسان سليط جدا ودائما الغلط علي وعلى زوجي والشتم وأنا أكره هذا ولكن احتراما لزوجي لا أرد عليها أتركها تتكلم كما يحلو لها لأن زوجي يغضب جدا لو أجبتها لأنها امرأه كبيرة، فماذا أفعل أريد الخروج لبيت لوحدي ولكن وضع زوجي المادي لا يسمح بذلك، فماذا أفعل أفيدوني أفادكم لله، أنا تعبانه في حياتي كثيرا، وكل يوم بكاء وبكاء ولا يوجد أحد لي هنا، أهلي كلهم في فلسطين وأنا هنا وحيدة ليس لدي أحد في الدنيا، فماذا أفعل أفيدوني وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقك ويعينك ويرزقك الصبر، وأن يجعل لك مما أنت فيه فرجاً ومخرجاً، ونرشدك أيتها الأخت الكريمة إلى ما يلي:
أولاً: الصبر، فإن عاقبة الصبر الفرج، وإن مع العسر يسرا، قال الله تعالى: فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا {الشرح:5-6} ، وفي الحديث: أن النصر مع الصبر، وأن الفرج من الكرب، وأن مع العسر يسرا. رواه أحمد.
ثانياً: هذه المرأة خالتك وأم زوجك ولها عليك حق كبير، فقومي بحقها، وما صدر منها من إساءة فلا تلقي له بالاً، وكأنك لم تسمعيه، وبهذا يخف عليك ما تجدين منها، ويقل حزنك جداً، وتذكري دائماً أنك تفعلين هذا طلباً لرضا أرحم الراحمين.
ثالثاً: ما تفعلينه من الصبر على خالتك هو من أعظم الأعمال التي تكسبين بها الأجر، وتذكري ذاك الرجل الذي جاء يشكو إلى النب ي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة أقاربه له فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فإنما تسفهم المل (الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم وأحمد وأبو داود.
رابعاً: من حق المرأة أن تستقل بمسكن خاص مع زوجها لا يشاركها فيه أحد، ولكن عدم قدرة زوجك على فتح منزل مستقل يكفي عذرا للإعراض عن التفكير في هذا الأمر، هذا بالإضافة إلى كون أمه خالتك قد لا تستغني عنه، وخاصة أنها في بلد غربة -كما فهمنا من السؤال- فكوني عونا لزوجك بأن لا تثقلي عليه التكاليف المادية بمسكن آخر، وعونا له أيضاً على بر أمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(9/2785)
التجسس بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[سرق مني جوال يقدر ثمنه 1100ريال وقد اتهمت أحد الناس الذين يتواجدون معي دائما بحيث تيقنت أنه أخذه، ذهبت إلى غرفته دون علمه وفتشتها تفتيشا دقيقا ووجدت جوالي عنده، وأخذته ولم أقل أنى وجدته عنده وذلك سترا عليه؛ وقد اخترت أن أفتشها بنفسي دون اللجوء إلى الشرطة لما في ذلك من إشاعة للقضية.
السؤال هل ما قمت به فيه خطأ من الناحية الشرعية.
وقد طبقت الحديث "من ستر مسلما ... "]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التجسس أنه لا يجوز لما فيه من الإساءة إلى الآخرين والاطلاع على أسرارهم وخصوصياتهم، فالاطلاع على عورات الناس أمر محرم بالكتاب والسنة، قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. الحديث متفق عليه، وهذا فيما لا يوجد ما يدعو إلى التجسس.
فإذا تيقنت أو غلب على ظنك أن ذلك الشخص هو الذي أخذ جوالك فلا بأس حينذ بما فعلته لأن من حقك أن تحصل على جوالك، ولأن ما قمت به من التفتيش أخف على السارق مما إذا كان القائم بالتفتيش هم رجال الشرطة، ولا بأس بأن تنصح هذا الشخص بالابتعاد عن مثل هذا التصرف من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1427(9/2786)
الكذب على الأب تخلصا من سبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أكمل الماجستير وتقدمت للامتحانات midterm وكانت إحدى العلامات متدنية وعندما سألني أبي عنها لم أقل له العلامة الصحيحة بل رفعتها فقد كانت 19 ورفعتها الى 23 وذلك لأن أبي عصبي جدا يبدأ بالشتم والكلام بكثرة، وبأني مقصر ومن هذا القبيل فهل التلاعب بالعلامة جائز؟، علما أني لم أتلاعب بها إلا خوفا من أبي وعصبيته؟ فهل تغيير العلامة جائز أم لا؟ أفيدوني أرجوكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتغيير العلامة إذا كان يترتب عليه حصول الطالب على وظيفة أو منصب ليس من حقه فإنه يعتبر من الغش الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من غش فليس مني رواه مسلم، كما أن إخبار الأب بعلامة الامتحان على غير ما هي عليه يعتبر من الكذب، والكذب حرام بالكتاب والسنة والإجماع، ولكن العلماء أباحوه إذا كان يراد منه غرض محمود لا يتوصل إليه إلا به. قال في دقائق أولي النهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس ومحارب ولزوجة فقط، قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به، فهذا يفيد بأن الكذب يباح إذا كان لجلب مصلحة أو دفع مفسدة ولكن الأفضل للمرء أن يستعمل التورية إذا كان يريد إخفاء الحقيقة، فقد ترجم البخاري في صحيحه قال: باب المعاريض مندوحة عن الكذب، وعليه فلا مانع من إخبار الوالد بالعلامة على غير ما هي عليه إن كان ذلك هو السبيل الوحيد للنجاة من شتائمه، ولم يكن يترتب عليه الحصول على ما ليس من حقك. وكان أولى بك أن توري في إخبارك له إن كان ذلك ممكنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(9/2787)
السب واللعن والفحش ليست من خلق المسلم في شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الجليل أريد منكم أن تجدوا لي حلا سريعا قبل فوات الأوان, أنا متزوجة منذ سنة مع زوجي الذي هو من عائلتي, فهو يصلي ويذهب أحيانا إلى المسجد, ولكنه لا يعمل بما يسمع من خطب, وكما أنه يقرأ القرآن أحيانا وبالرغم من ذلك فهو يسب ويشتم بأبشع الألفاظ أعزكم الله يسب لي أبي وأمي التي ماتت منذ 10 سنوات, وأحيانا يسب والديه وعندما يكون في قمة غضبه يسب الله عز وجل, تملكه الشيطان لأبعد حد, وإذا أخطأت في حقه وأنا أعترف بذلك أستغفر لذنبي وأعلم أن طاعة الزوج واجبة, لكنه لا يعالج المشكل بالحوار أو الموعظة أو حتى الهجر في الفراش بل يضرب بقوة في كل مكان, وما زاد الطين بلة أنه يحط من كرامتي أمام الضيوف ويسبني ويفشي أسرار بيته سواء للضيف أو الصديق وما عرفته مؤخرا أنه يحكي أسرار حجرة نومنا, وقد رمى علي الطلاق مرات عديدة, وحينما يهدأ يستغفر الله ويقول لي لم أقصد ذلك ولكنه عندما ينطق بالطلاق أقول هل تدري ما تقول يؤكد نعم ويحلف بالله , وفي يوم كنا مع بعض من عائلته والتقى بامرأة وراح يكلمها لمدة طويلة وعندما رجع إلينا تحدثت إليه وحدنا وسألته عن تلك الفتاة وهل أنت متزوج وهل هذا هو إسلامنا سبني وصرخ في وجهي والناس ينظرون وعند عودتنا إلى البيت تناقشنا ورفع إلي القرآن الكريم وحلف عليه بأنه يحب التحدث مع النساء ومجالستهم, وكل هذا وذاك فقد حرمني في بداية زواجنا من الإنجاب بحجة أنه يمر بأزمات مالية ومن التعرف على صديقات لأننا في بلاد الغربة ومن متابعة دراستي السنة المقبلة وكذا من العمل, كما انهي توعدني دائما بما لا ادري?ويقول<ما تبقاش فيك>,لا ادري سيدي ما العمل, فهو عصبي لدرجة لا تطاق, وما هذه إلا نبذة من حياتي, أرشدوني لمافيه خير لي وله وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبادئ ذي بدء عليك أن تسألي عن صحة بقائك مع هذا الرجل، حيث إنه ألقى عليك الطلاق عدة مرات كما قلت، ومن المعلوم أن طلاق غير المكره وغير الغضبان الذي بلغ درجة عدم الإدراك لما يقول واقع، ومن المعلوم كذلك أن الطلاق مرتان، للزوج الرجوع بعدهما، فإن طلق الثالثة فهي البينونة الكبرى التي لا رجعة فيها، ولا تحل الزوجة بعدها حتى تنكح زوجا غيره.
ولذا عليك أن تنظري كم مرة طلقك زوجك، فإذا كن ثلاثا أو أكثر، فلا يحل لك البقاء معه، ولا يقربنك، فلم يعد زوجا لك، ولم تبقي زوجة له، لا هو حل لك ولا أنت حل له.
كما أن هناك أمرا آخر لا يقل عن طلاق الثلاث في آثاره السلبية على رباط الزوجية، وهو ردة الزوج وكفره، فإذا ارتد الزوج والعياذ بالله فإن عقد الزواج ينفسخ، فإذا تاب وأسلم، فلا بد من تجديد العقد، وإن سب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب دينه كفر كفراً مخرجاً من الملة. وتراجع الفتوى رقم: 33915، 17875.
وبعيدا عن عقد النكاح وصحته، ننصح هذا الرجل بأن يتقي الله ويتوب إليه، وأن يحذر لسانه فإنه سيهلكه إن لم يلجمه عن هذه الأقوال، فإن سب الله عز وجل كفر أكبر كما سبق، كما أن سب المسلم فسوق، لما رواه الشيخان عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وليس السب واللعن والفحش من خلق المسلم، ولا يحب الله عز وجل هذا الخلق، فعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. أخرجه أحمد والترمذي.
وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش.
ويشتد الأمر إذا كان السب للوالدين فإن ذلك من كبائر الذنوب، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما!
فعليه أن يتوب الى الله من ذلك، كما أنه عليه التوبة من إفشاء سر علاقته الخاصة بزوجته، فإن ذلك من المحرمات لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(9/2788)
الفرق بين الكبر وعزة النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف عزة النفس والكبر، وما الفرق بينهما، مع ضرب مثال على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى الكبر وحكمه في الفتوى رقم: 24081، كما بينا الفرق بينه وبين عزة النفس في الفتوى رقم: 61161، وذكرنا أن عزة النفس ليست كبراً، ما لم يصحبها احتقار للناس أو ظلم لهم، فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم.
وقد تكون عزة النفس عن قبول الضيم والترفع على محقرات الأمور وسفاسفها، فهي حسنة، وقد تكون تكبراً واستعلاء وشعوراً بالعظمة فتكون كبراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(9/2789)
أمر الزوج امرأته بمقاطعة زوجة أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي أبي حلف على أمي أن لا تكلم زوجة عمي لم يقل سبب ذلك، والآن أولاد عمي سوف يتقاطعون معنا وأنا لا أحب ذلك، أريد فعل شيء لإصلاح الوضع ولا أعرف كيف أتصرف،هل أكلم أبي أخشى أن يقول لي لا تقحمي نفسك في هذه الأمور، أحب زوجة عمي ولا أستطيع مقاطعتها نفس الشيء مع أمي هما متفاهمتان، أرجو منكم الإفادة حفظكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التقاطع والتدابر بين المسلمين مما نهى عنه الشرع، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
وننصحك بأن تطلعي والدك على الفتاوى التالية برقم: 1641، ورقم: 1642، ورقم: 21824، وأن تنصحيه برفق ولين وتختاري لذلك الوقت المناسب، أو تهدي له كتاباً أو شريطاً يتحدث عن صلة الرحم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1427(9/2790)
الصلح بين الزوجة وأخت الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حدث خصام بيني وبين أخت زوجي بسبب كلام قاله زوجي لأخته وأنا لم أكن موجودة معهما.
كانت أخت زوجي تريد أن تأتي عندنا لتقضي أياما معنا في فصل الصيف، ولكن أنا كنت أرفض أن تقيم أخته عندنا في البيت لمدة طويلة تزيد عن 20 يوما، فقلت لزوجي أن يطلب منها أن تمكث مدة أسبوع أو 10 أيام لأنه في فصل الصيف يكون الجو حارا وأنا محجبة وهذا يضايقني لأن عندها أولاد كبار ويرتدون ملابس قصيرة للذهاب إلى البحر.فكان هذا قصدي لكن زوجي عندما فاتحته أخته في الموضوع قال لها إن زوجتي هي التي لا تريدك أن تأتي عندنا فقررت أن لا تزور بيتنا بعد ذلك، أنا لم أكن أعرف الموضوع إلا مؤخرا وحزنت حزنا عندما علمت أن زوجي هو السبب.
مر الآن 3 سنوات ولم تدخل عندنا والموضوع أصبح خارجا عن السيطرة، وزوجي دائما يلومني ويقول لي أنت السبب.انه يذهب لزيارتها دائما في بيتها ويتصرف معها كأن شيئا لم يكن، إن كل العائلة تتحدث عني وتقول إنني لا أريد أن تأتي عائلته عندي.
ماذا يجب علي أن افعل مع زوجي هل أواجهه أمام أخته أم أقاطعه أم أتركه لله.
أفيدوني يرحمكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان ينبغي لزوجك أن ينقل كلامك إلى أخته بهذه الطريقة، وقلنا لا ينبغي على اعتبار أنه لم يقصد الإفساد بينكما، أما نقل الكلام بقصد الإفساد فهذا محرم وهو من النميمة التي ورد فيها -كما في الصحيحين- أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.
وكان على أخت زوجك أن تتأكد من الخبر قبل الحكم عليك.
وعلى العموم فالمسألة سهلة، والموقف لا يحتاج لا إلى مواجهة ولا إلى مقاطعة، وكل ما يحتاجه منك هو اتصال أو زيارة لأخت زوجك، وتوضيح وجهة نظرك في الموضوع، وتطييب خاطرها، وطلب مسامحتها، ودعوتها إلى زيارتكم، ويحبذ أن تقدمي لها هدية بين يدي اعتذارك وزيارتك، وبهذا يحل الخلاف إن شاء الله وتعود المياه إلى مجاريها.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1427(9/2791)
كيف نتحرر من نزغات الشيطان وإغوائه
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت شاباً وهذا مجال تكملة دراستي وبحكم الدراسة أحتك به لأنه أستاذي ولكنه صغير أشعر اتجاهه ببعض الأحاسيس الجميلة وهو الآخر يصدر منه بعض التصرفات التلقائية التي تنم عن مشاعر مكنونة بداخله، هو شخص محترم جداً، ولذلك يخشى رد فعلي عندما يتحدث ومن ضمن حديثه أن بداخله جرح ارتباط قديم، ماذا أفعل كي يعرف أن كل البنات ليسوا مثل بعضهن وأنا أعرف الله كثيراً جداً ولا أريد أن أعمل ما لا يصح أو يليق بي كبنت وكفتاة مسلمة واحترامي لكرامتي وأهلي قبل كل شيء وخوفي من الله فوق الكل، ماذا أفعل وهناك من يريد أن يتزوجني وأنا لا أريد أن أظلم الشخص الذي يريد زواجي ولا أظلم نفسي، أريد حلا عمليا مقنعا ودينيا، أنا أعرف أنه يريدني، ولكن هو خائف من المصارحة لأني في محافظة وهو في محافظة، ولكنه هو الآخر خائف من فكرة الارتباط ولم يرتبط إلى الآن، ولكنه شخص محترم جداً جداً في تصرفاته ودينه ومقيم للصلوات، ماذا أفعل كي أخرج أنا وهو من هذه الحالة بالطريقة الإيجابية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنالك ثلاثة أمور ينبغي أن تعلميها، وهي أولاً أنه لا حرج على المرأة أن تعرض نفسها على من توسمت فيه الخير والصلاح والاستقامة، وينبغي أن يكون ذلك عن طريق أحد محارمها وأوليائها أو أحد محارم الرجل ونحو ذلك من الوسائل المشروعة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 59468.
فإن استجاب ورغب فنعما هي، وإلا فيجب عليك صرف نظرك عنه وعدم التعلق به، وهي المسألة الثانية أو الأمر الثاني لأن الحب في الإسلام بين الأجانب ممنوع، كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم: 5707.
وأما الأمر الثالث فهو أنه لا يجوز لك الخلوة بذلك المدرس ولا غيره من المدرسين أو الخضوع لهم بالقول في حديثك أو إبداء الزينة أمامهم، كما بينا في الفتوى رقم: 28829.
وننصحك أيتها الأخت الكريمة بتقوى الله عز وجل في نفسك وعرضك، ونعيذك أن تنساقي وراء نزغات الشيطان وإغوائه فإنه يأمر بالفحشاء ويزينها ويهونها، فاصرفيه عنك بذكر الله وامتثال أمره واجتناب نهيه، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، نسأل الله تعالى أن يرزقك زوجاً صالحاً ذا خلق ودين تقر به عينك في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب، وانظري في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22074، 32895، 44597.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1427(9/2792)
طرق وقاية المرأة من حبها لزوج أختها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب زوج أختي ولا أدري ماذا سيحدث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله السلامة والعافية، ونسأله الفقه في دينه، والالتزام بشرعه، فإن الجهل بدين الله عز وجل والتهاون في الالتزام بشرعه يفضي إلى أمور لا تحمد عقباها، ومن هذا ما عم وطم عند كثير من المسلمين للأسف من دخول الرجال الأجانب على النساء وخاصة الأقارب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر.
فعلى الأخت أن تتقي الله عز وجل، وأن لا تتهاون في مسألة الحجاب، والنظر والخلوة بغير محارمها، والكلام مع الرجال الأجانب لغير حاجة ونحو ذلك، وعليها أن تعلم أن حبها لرجل أجنبي غير زوج لا يجوز، وإذا كانت قد تعاطت أسباب ذلك من نظر محرم وغير ذلك، فإن الجريمة أعظم وأشنع، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 4220، وإذا كانت ذات زوج فإن الإثم يعظم أيضاً.
ومن جهة أخرى فإن الرجل الذي تعلقت به زوج لأختها، وهي لا تحل له ولا يحل لها إلا بعد أن يفارق أختها وتنتهي عدتها من طلاقها الرجعي، إذ من المعلوم عدم جواز الجمع بين الأختين، ولا يجوز لها بحال أن تسعى في طلاق أختها، لأن ذلك محرم في حق المسلمة عموماً، وفي الأخت أشد لما فيه من قطع الرحم، وفي الحديث: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستكفئ إناءها. رواه البخاري وغيره.
فعليها أن تجاهد نفسها لنسيان هذا الرجل، والبعد عنه وشغل نفسها وفكرها بما يعود بالنفع عليها في دينها ودنياها، ونسأل الله لنا ولها الهداية والتوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1427(9/2793)
الاتهام بالكذب دون بينة أو قرينة قوية لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب يعمل في مستشفى خاص يجد أن بعض المرضى يأخذون الدواء لبيعه في صيدليات أخرى وهو لا يستطيع منع ذلك، لأن المريض يتظاهر بالألم ويمكن يشتكي، لذلك وتحت ضغط الحاجة قرر مشاركة بعض هؤلاء المرضى بقسمة الدواء بينه وبينهم، علماً بأن هؤلاء المرضى محدود جداً، فما حكم المرضى والطبيب والدواء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو حمل أمور الناس على الظاهر من حالهم ما لم يعلم أو تقوم قرائن قوية على خلاف ذلك، فإذا أخبر المريض الطبيب بأنه يتألم ويطلب لذلك دواء فلا يجوز أن يتهمه بالكذب دون بينة أو قرينة قوية، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، قال ابن كثير: يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله ... اهـ
ولكن إذا ثبت أن المريض يكذب أو قامت قرينة قوية على ذلك فلا يجوز للطبيب أن يصرف له دواء ما دامت المستشفى قد خصصت الدواء للمحتاجين له من المرضى، وإذا اشتكى هذا المريض للمستشفى فبإمكان الطبيب أن يوضح موقفه للمستشفى.
ولا يجوز له على كل حال أن يقاسم المرضى أدويتهم فإن ذلك من الغصب المحرم، قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ {البقرة:188} ، قال الإمام البغوي: وأصل الباطل الشيء الذاهب، والأكل بالباطل أنواع؛ قد يكون بطريق الغصب والنهب.... وقد يكون بطريق الرشوة والخيانة.
فعلى هذا الطبيب أن يتقي الله تعالى ويتوب إليه، وينظر ما أخذه من هذا الدواء فليرد مثله إلى المستشفى - ولو بطريقة غير مباشرة - إن كان قد عاون غير محتاجين إليه على أخذه، أو يرد مثله إلى المرضى إذا كان قد أخذه منهم وهم محتاجون إليه, أو أخذه منهم دون بينة واضحة على كذبهم وعدم حاجتهم إلى الدواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1427(9/2794)
موقف المرأة ممن يغلب على ظنها أنها سرقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أواجه قريبة لي أنا متأكدة أنها سرقت مني خاتما من منزلي ولكن ليس لدي الدليل، دليلي أنها من خمس سنوات قبل أن أتزوج سرقت من منزل أمي ذهبا لنا حيث كانت تتناول الغذاء في ذلك اليوم معنا وبعد أن ذهبت اكتشفنا وأسرعنا إلى منزلها وأمي واجهتها وبعد أن أقسمت كثيرا أنها لم تأخذ شيئا انهارت في البكاء وأعطت الذهب لأمي وأنها لا تعلم لماذا تفعل ذلك، وللعلم سرقت كثيرا قبل ذلك من أقاربها، وجاءت الصدفة أن وضعتها في طريقي وتعاملت معها عاديا حتى لا أضايقها وكأني لا أعلم شيئا عن ما دار بينها وبين أمي ولكني اكتشفت فقدان هذا الخاتم ماذا أفعل في رأي الدين هل أواجهها وأذكر لها ما فعلته؟ هل إن قطعت علاقتى بها حيث إنني أصبحت لا أطيقها أبدا بسبب هذا الموضوع هل أصبح بذلك قاطعة للرحم؟ وماذا لو واجهتها وأقسمت وأنا لا أملك الدليل حتى أضغط عليها؟
وهل كوني ليس معي دليل حرام أن أشك فيها حتى بعد ما ذكرته أفيدوني إني في حيرة من أمري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن أذية المسلمين من أقبح الأفعال وأشدها حرمة في الإسلام، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على النهي عن ذلك، وشددت الوعيد على فاعل ذلك، ففي القرآن يقول الحق سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58} . وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وقال: وإن أربا الربا استطالة أحدكم في عرض أخيه المسلم. أخرجه أبو داود.
ولكن بما أنك ذكرت أن قريبتك هذه لها سوابق كثيرة في السرقة، وأنك على يقين تام من أنها هي التي سرقت الخاتم، فلا بأس بأن تأخذيها على انفراد وتقولي لها بأن الخير لها أن تعطيك الخاتم، وأنك ستسترينها إذا فعلت ذلك، وستفضحين أمرها إذا لم تفعل. ولا بأس بتهديدها برفع أمرها إلى السلطات.
ولا شك في أن هذه المحاولات سيظهر معها من القرائن ما تزداد به التهمة أو تنتفي، وأما قطع العلاقة معها فلا تجوز إلا أن يرجى من ورائه ردعها عن ارتكاب مثل هذه الآثام, أو يخشى المرء أن يتأثر بها، فقطع الرحم عظيم عند الله. ولك أن تراجعي فيه فتوانا رقم: 13912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(9/2795)
حكم الكذب للتوصل إلى معلومات عن الغش التجاري
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم الإجابة وبشكل تفصيلي على تساؤلاتي: ما حكم عملي في بلد مسلم لحساب شركات أجنبية تملك علامات تجارية معروفة ومن بين هذه المنتجات أدوية حيث يقوم بعض التجار المنتسبين للإسلام وللأسف باستيراد وبيع أدوية مزورة (بطريقة غير مشروعة) لها آثار سلبية على صحة وسلامة الناس وأيضا استيراد وبيع منتجات قد تكون قطع غيار سيارات أو عطورا أو أجهزة كهربائية وغير ذلك من البضائع غير الأصلية ويقتصر دوري بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لضبط هذه البضائع المزورة وتحويل كل من يثبت تورطه في استيراد وبيع هذه البضائع إلى القضاء ولكي نصل إلى هذه النتيجة يتم عمل فخ لهؤلاء التجار بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية بحيث أقوم بانتحال دور تاجر يرغب بشراء هذه البضائع ويتطلب هذا الأمر الكذب على هؤلاء التجار حتى يتم الوصول إلى أكبر قدر ممكن لهذه البضائع المزورة، وبدون هذه التصرفات لا يمكننا الوصول إلى مستودع هذه البضائع المزورة وعند الانتهاء من ضبط هذه البضائع وتحويل الأشخاص المتورطين إلى القضاء، أتقاضى أجرا من الشركة الأجنبية مالكة العلامة التجارية للبضاعة الأصلية.
ومن الجدير بالذكر أن أعلمكم أنه قد تم مؤخرا ضبط أدوية مزورة تورط فيها صيدلي يعمل في إحدى الصيدليات وعندما علم صاحب الصيدلية بأمر هذا الصيدلي قام بفصله من وظيفته، هل أتحمل وزر هذا الأمر وهل في عملي شبهة، أرجو منكم الإجابة على هذه التساؤلات؟؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستيراد وبيع الأدوية المزورة التي لها آثار سلبية على صحة وسلامة الناس يعتبر جرما كبيرا، لأنه قد يكون سببا في قتل الأنفس البريئة، وقد قال الله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا {المائدة: 32} كما أن الله قد حرم الكذب والغش على المسلمين، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الغاش بقوله: ومن غشنا فليس منا. رواه مسلم.
ولا شك أن بيع البضائع للناس على اعتبار أنها بمواصفات معينة، وهي في حقيقة أمرها على غير تلك المواصفات يعتبر غشا وكذبا وأكلا لأموال الناس بالباطل. والعمل في مجالات تحارب هذه الجرائم يعتبر عملا شريفا، ويمكن لصاحبه أن ينال أجورا كثيرة إذا كان يبتغي به وجه الله.
وما ذكره السائل من الكذب من أجل الحصول على المعلومات المذكورة فهو مباح إذا لم يمكن التوصل إلى تلك المعلوما ت إلا عن طريق الكذب. قال في دقائق أولي النهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس، ومحارب، ولزوجة فقط. قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به. انتهى. ولا وزر عليك إن شاء الله فيما حصل من الفصل لذلك الصيدلاني، طالما أنه كان يعمل في مجال جلب الأدوية المزورة، وأن ذلك يمكن أن يسبب أضرارا للناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(9/2796)
القدر المباح في رد الاعتداء
[السُّؤَالُ]
ـ[يقطن بحينا رجل حالته المادية متواضعة فكنت أحسن إليه بالمال والمأكل وأحيانا المبيت ونتيجة لذلك اغتنمت الفرصة وبينت له أن الصلاة في المسجد فرض فكنت كل صباح أوقظه لأداء الصلاة في جماعة ولكن بعد مدة لاحظت أنه يذهب للصلاة على مضض بعد أيام تحصل على شغل في مكان آخر مع المبيت فأصبح يتهاون كثيرا في الذهاب للصلاة وأصبح لا يريد الخروج عندما أمر عليه لأوقظه لصلاة الصبح. وكان يسكن في حينا أيضا بعض أصحاب السوء فكنت أمر عليهم ولا أكلمهم فحز ذلك في أنفسهم فكان من بينهم شاب يستفزني فكنت أتحاشاه حتى لا أرتكب محظورا وفي يوم من الأيام اتصل بي صاحب السوء هذا وأسمعني كلاما جعلني أستشيط غضبا وأظلمت الدنيا في عيني وكان معي الرجل الأول وبينما أنا على تلك الحال إذ مر بي ذلك الشاب فضربته نتيجة الغضب وكان الرجل الأول يرقبنا وعوضا عن أن يتدخل بالحسنى ذهب إلى أصحاب الشاب وأخبرهم وألبهم علي فأنقذت نفسي منهم بشق الأنفس ولكني حزنت كثيرا لصنيع ذلك الرجل الذي أحسنت إ ليه ومن الغد مررت عليه لأوقظه كالعادة لصلاة الصبح ولكني فوجئت به يقول لي أقسم بالله لن أكلمك بعد اليوم ومنذ ذلك اليوم أصبح لا يكلمني ويدير وجهه عني كما أصبح يشوه لي سمعتي أمام الناس ويخبر كل من يراه بتلك الحادثة.
ونتيجة لذلك أصبحت أنا أيضا لا أكلمه مع العلم أنه أقسم أن لا يكلمني فهل أعتبر بذلك هاجرا له وأدخل في وعيد حديث النبي صلى الله عيه سلم المعروف؟.
لقد أقرضته مبلغا من المال قبل الحادثة فأنكر ذلك فهل يمكن لي أن اطلب من مشغله أن يطرده من العمل خاصة وأنه صديقي؟
هل يمكن لي أن أدعو عليه في الصلاة؟.
وجزاكم لله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان من الأكمل لك إذ اعتدى عليك ذاك الشاب أن تصبر وتعفو ابتغاء الأجر من الله. قال تعالى: وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ {آل عمران: 134} ، وقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله {الشورى: 40} ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال, وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
ثم إنه لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
وقد بينا أن صاحب المعاصي لا ينبغي هجره إلا إذا غلب على الظن أن في هجره مصلحة، وإذا وقع فليكن بقدر الحاجة والمصلحة، فهو وسيلة من وسائل تغيير المنكر، فلا ينبغي استخدامه إلا في محله. وانظر الفتوى رقم: 7119، والفتوى رقم: 16241.
وعليه، فعدم تكليمك لذلك الرجل يعتبر هجرا غير مباح، إلا أن تَرى فيه مصلحة شرعية أو تَخشى في مكالمته ضررا.
ثم ما ذكرت عنه من إنكار ما لك عليه من الحق يعتبر ظلما، وإذا استطعت أن تستوفيه منه بأية وسيلة مشروعة فلك ذلك. وأما أن تسعى في طرده من العمل فذاك ما لا نراه مباحا لك. فالله تبارك وتعالى قد أباح لمن اعتُدي عليه أن يكافئ بالمثل، لا أن يزيد في الاعتداء.
ولك أن تراجع في حكم المتهاون في الصلاة فتوانا رقم: 1195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1427(9/2797)
حكم الكذب للحصول على العلاج بكلفة أقل
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: عن شاب ذهب للعمل في أوروبا وأنعم الله عليه بعد جهد مضن واستطاع أن يجمع في فترة وجيزه ما قيمته عشرة آلاف يورو وكان ذلك نتاج ثلاثة أعمال خلال اليوم، ثم إن الله قدر أن يحصل حادث سير لقطار كان هذا الشاب على متنه مما سبب له إصابات بالغه بالعمود الفقري وهو الآن طريح الفراش وعند مراجعة المستشفيات الكائنه بهذا البلد أجمعوا على ضرورة إجراء عملية لا تقل تكاليفها عن خمسة عشر ألف يورو ثم إنه جاءه أحد الإخوان وأخبره عن مستشفى يقوم بإجراء العمليه بقيمة ستة آلاف يورو ولكن يشترط لإجراء العمليه أن يحضر الشاب ما يفيد استحالة رجوعه لبلده في مدة خمس سنوات على الأقل وأن الوسيلة الوحيدة لذلك هي إحضار حكم يدين الشاب غيابياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التزوير والغش من الأخلاق الذميمة التي لا يرضاها الله تعالى لعباده المؤمنين، ولهذا قال تعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج: 30} وقال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني. رواه مسلم، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني.
وعليه؛ فلا يجوز التحايل على هذا الشرط الذي يشترطه هذا المستشفى, وإذا لم تكن لك القدرة الكافية على توفير نفقات العلاج فلك أن تتقدم للجهات الرسمية والجمعيات الخيرية أو أصحاب القلوب الرحيمة من المحسنين, ولن تعدم فاعل خير يساعدك إن شاء الله تعالى. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 2007، والفتوى رقم: 51334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/2798)
لا بأس بالإخبار عن الميت بأنه مسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي امرأة كبيرة في السن 78 سنة وهي في حالة نفسية جدا جداً سيئة، وهي تعاني من الوسواس منذ وعينا عليها توفيت أختي فزادت نفسيتها تعباً منذ 23 سنة، والآن توفي أخي ونحن نخشى إخبارها بذلك، وقلنا لها إنه مسافر، فهل نحن آثمون وماذا نفعل؟ ولكم الشكر الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب لا يجوز في هذه الحال، ولكن يمكنك اللجوء إلى التورية والمعاريض وهي سَوْق الألفاظ العامة التي تفهم الوالدة منها سلامة أخيك، كأن تقولي فلان بخير أو صحيح سليم وتقصدي أنه كان صحيحاً بالأمس، وهكذا قولك إنه مسافر فهو من تلك المعاريض والتوريات، ولكن شريطة أن تقصدي أنه سافر إلى الدار الآخرة، فالرحيل إليها سفر فقولي لها سافر وقصدك السفر الأخروي, وبهذا تسلمين. ففي المعاريض مندوحة للمسلم عن الكذب.
وينبغي أن تقرئي لها من كتاب الله آيات الصبر وثوابه وما أعد للصابرين، وكذا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في فضل تلك الصفة العظيمة سيما عند فقد الولد، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 39381، والفتوى رقم: 70788، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 7758.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/2799)
ذكر مساوئ الأموات.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أصل كلمة لا تجوز على الميت إلا الرحمة، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي العبارة غموض، ولكن إن كان المقصود بها أن من مات يجب الكف عنه وعدم ذكر مساوئه مطلقاً, ولا يجوز ذكره إلا بالخير كالترحم عليه ونحوه، فالجواب عنه: أن هذا المعنى له أدلة تقرره وتشهد له, وإن كانت ليست على إطلاقها وعمومها, وقد جمع الشوكاني رحمه الله تعالى طرفاً من ذلك في نيل الأوطار فقال: باب الكف عن ذكر مساوئ الأموات: وذكر فيه حديثين أحدهما: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه أحمد والبخاري والنسائي. والثاني: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. رواه أحمد والنسائي ... ثم علق عليهما مبيناً معناهما فقال: قوله: لا تسبوا الأموات. ظاهره النهي عن سب الأموات على العموم, وقد خصص هذا العموم بما تقدم في حديث أنس وغيره أنه قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر: وجبت، أنتم شهداء الله في أرضه. ولم ينكر عليهم. ونص حديث أنس المشار إليه هو قوله: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض. رواه البخاري. وقيل: إن اللام في الأموات عهدية والمراد بهم المسلمون لأن الكفار مما يتقرب إلى الله عز وجل بسبهم.
ويدل على ذلك قوله في حديث ابن عباس المذكور: لا تسبوا أمواتنا ... وقال القرطبي في الكلام على حديث وجبت أنه يحتمل أجوبة، الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالسر كان مستظهراً به فيكون من باب لا غيبة بفاسق أو كان منافقاً، أو يحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه, أو يكون هذا النهي العام متأخراً فيكون ناسخاً، قال الحافظ: وهذا ضعيف. وقال ابن رشيد ما محصله: أن السب يكون في حق الكافر وفي حق المسلم، أما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه، وقد يجب في بعض المواضع وقد تكون مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ مالا بشهادة زور ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن من بيده المال يرده إلى صاحبه، والثناء على الميت بالخير والشر من باب الشهادة لا من باب السب. انتهى.
والوجه تبقية الحديث على عمومه إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر, وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم، قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقاً معلنا فلا غيبة له وكذلك الميت. انتهى.
والخلاصة أن الأصل هو الإمساك عن سب الموتى، وذكرهم بما يسوؤهم ويؤذي الأحياء إلا إذا كان لمصلحة، قال المناوي في فيض القدير: نهي عن سب الأموات لما فيه من المفاسد التي منها أنه يؤذي الأحياء, ومحله في غير كافر ومتظاهر بفسق أو بدعة, فلا يحرم سب هؤلاء ولا ذكرهم بشر بقصد التحذير من طريقتهم والاقتداء بآثارهم كما يدل عليه عدة أحاديث مرت.
وقال الإمام محمد بن حزم في المحلى: ولا يحل سب الأموات على القصد بالأذى، وأما تحذير من كفر أو من عمل فاسد فمباح.
وبهذا يتم الجمع بين الآثار والواردة في هذا الباب والجمع أولى من الترجيح، كما يقول أهل العلم فلا يذكر الميت بسوء، وإنما يثنى عليه بما علم من عمله الخير إن وجد, وترجى له المغفرة, ويدعى له بالرحمة, ولا يعدل عن ذلك إلا لمصلحة راجحة, كتحذير من عمله السيء ليلا يغتر الجاهل به ونحو ذلك مما بيناه سابقاً لاعلى سبيل التفكه والتندر أو بقصد إيذاء الأحياء فذلك لا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1427(9/2800)
ماذا يفعل من سئل عن سيرة إنسان أو حقيقته
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا ترد على من سئل في غيبة إنسان ـ مع الإلحاح في طلب السؤال ـ من أحد الوالدين أو الأقارب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال غموض, ولكن إن كان المقصود أن أحدا ما سئل عن شخص عن حقيقته أوسيرته ونحو ذلك, وكان المسؤول عنه غائبا فإن كان غرض السائل أبا كان أو أما أو غيرهما مستنصحا لكونه سيعامل المسؤول عنه بتزويج أومعاملة دينية أودنيوية ونحوه فيجب إخباره بحال المسؤول عنه بما يفي بالغرض دون تجاوز لقوله صلى الله عليه وسلم مبينا لحقوق المسلم على أخيه: حق المسلم على المسلم ست. قيل ما هي يارسول الله؟ قا ل إذالقيته فسلم عليه, وإذا دعاك فأجبه, وإذا استنصحك فانصح له, وإذا عطس فحمد الله فشمته, وإذا مرض فعده, وإذا مات فاتبعه. رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة وغيره. وسبق بيانه في الفتويين رقم: 32261 , 48302. وإن كان في ذكر حقيقته ما يسوؤه فهي غيبة إلا أنها مغتفرة هنا قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر: الأصل في الغيبة الحرمة، وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لايتوصل إليه إلا بها. ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها: كأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي, وقد علم في ذلك الغير قبيحاً منفراً كفسق أو بدعة أو طمع أوغير ذلك كفقر في الزوج. انتهى.
وأما إذا لم يكن غرض السائل النصح والمشورة وإنما للتندر والفكاهة فلايجوز, ولوكان السائل أبا أوأما لأن طاعتهما مشروطة بالمعروف, وهذا معصية, فلا طاعة لهما فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة بالمعروف. وقد بينا ذلك مفصلا في الفتويين رقم: 1893 , 25754.
وإن كان المقصود من السؤال غير ما أجيب فنرجو إيضاحه وبيانه. وقديما قيل: حسن السؤال نصف الجواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1427(9/2801)
أبيات شعرية في متاركة اللئيم
[السُّؤَالُ]
ـ[من القائل:
وما شيء أحب إلى لئيم ... * إذا شتم الكريم من الجواب
متاركة اللئيم بلا جواب ... * أشد على اللئيم من السباب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذين البيتين ذكرهما المعافي ابن زكريا في كتابه: الجليس الصالح والأنيس الناصح تحت عنوان:عدم جواب شتم اللئيم أشد عليه من الشتم، وأسندهما إلى الأصمعي.
ومثلهما أبيات سالم بن ميمون الخواص التي يقول فيها:
إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه * وإن خليته كمدا يموت
ومصداق ذلك كله من كتاب الله قوله تعالى لنبيه: وأعرض عن الجاهلين، وقوله يمدح عباده المؤمنين: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان:63} ، فجواب الجاهل جهل، وشتم اللئيم لؤم، ولا ينبغي للعاقل أن يكون كذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1427(9/2802)
التعاظم على الناس سنة جاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اللاجئين من دول إسلامية أخرى في بلادنا، وكيف نتعامل معهم، وهل هناك فرق بين الذين يعيشون في خيام والآخرين الذين لهم بيوت وأعمال وأصبحوا من الأغنياء في بلادنا ويتحكمون في العمال من أصحاب البلد ونسوا أصلهم وإذا سألتهم هل تريدون العودة إلى بلادكم المحتله يقولون ولمن نترك الخير هذا كله.. يحررها اللي هناك. آسف لما أقوله فإن هذا يشعرني بالغبن في بلادنا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم ينبغي أن ينظر إلى اللاجئين نظرة إشفاق ورحمة، من أي بلد كانوا، بل ولو كانوا غير مسلمين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على إكرام الأسرى والإحسان إليهم، مقتديا بهدي القرآن حيث قال الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا {الإنسان:8} . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض. رواه البخاري. والعاني هو الأسير.
واعلم أن التعاظم على الناس سنة من سنن الجاهلية، وأنه لا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى. وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى كما ورد في سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية -كبرها وفخرها- وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير.
ونسأل الله أن يهدينا وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1427(9/2803)
الهمز واللمز وكيفية علاجهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسباب الهمز واللمز وماهوعلاجها؟ أرجو منكم الإسراع في الرد وذلك لكي يتم دخولي الجامعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بالهمز واللمز: الغيبة والاستهزاء والسخرية من الآخرين، ومن أسبابهما الحسد واحتقار المغتاب والاستعلاء عليه والكراهية له، فأكثر أمراض القلوب تدعو إلى الغيبة.
وأما علاجها: فمنه تذكر قبح هذا الذنب العظيم، وتذكر عقوبته في الدنيا والآخرة فصاحبه ممقوت عند الناس مع ما ينتظره من العقوبة في الآخرة، فعلى الشخص الذي يرتكب هذا الذنب العظيم أن يتأمل في السبب الذي يجعله يغتاب الناس وينال من أعراضهم، فإذا علمه عالجه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح لله تعالى.
وقد سبق بيان الغيبة وما يتعلق بها من أحكام، وبيان الأدلة على ذلك بالتفصيل في الفتويين رقم: 6710، 41438، نرجو الاطلاع عليهما للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(9/2804)
أنجع دواء لتخلية القلب من المحبوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أناهز 48 سنة، متزوج ولي 3 أبناء، اثنان منهم يدرسان خارج البلد، أستاذ جامعي وزوجتي كذلك كنت رجلا متدينا أخاف الله ولا أعصيه في الكبائر، وقعت في حب امرأة جميلة في ظروف سفر عمل، وهنا بدأت كارثتي انحرفت ودخلت في ديون كي ألبي حاجياتي مع العشيقة، انقطعت عن الصحبة الطيبة وعلمت زوجتي بالخبر، وبدأ الجحيم، لم أكن أكترث لهذا، وخصوصا أن زوجتي كانت لا تعتني بنفسها ولها جمال متوسط جداً، خلاصة: فقدت أعز شيء يوجه سلوك المؤمن الخوف من الله، سؤالي هو: كيف يمكن هذا الخوف أن يرجع إلى قلبي، كيف يمكن أن أحس بالسعادة الحقيقية وأكره هذه المرأة التي أحببتها إلى الشغف وهي كذلك، أريد أن أخرج من هذه المصيبة، أريد محبة الله وقد جربتها سابقا، أريد أن يأخذ الله بيدي وهو القوي، ولكن كيف؟ كيف أكره ما هو حرام وأحب ما هو حلال، كيف يمكن أن أحب زوجتي من جديد، أحيانا أقول أنا لا أستحق الحياة شرعا وأريد أن أضع حداً لحياتي، ولكن حتى هذه لا أستطيع فعلها لأنها ليست شرعية، إخواني هذه جملة من أسئلة وليست سؤالا واحدا، أرجوكم توجيهي والله؟ يجزيكم خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يتدارك الأخ برحمته، وأن يلهمه رشده ويقيه شر نفسه، وأن يشفيه من هذا الداء، وقد لمسنا من كلامه أنه يريد التوبة ويريد الإقلاع عن هذا الذنب، ولكن قلبه مأسور بهذا الذنب ألا وهو العشق، وهذا حقاً داء من أشد الأدواء فتكا بالقلوب، لكن الله سبحانه وتعالى ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله. كما ثبت ذلك في حديث رواه أحمد وصححه الألباني.
فنقول: إن أنجح دواء لك هو قطع صلتك بهذه المرأة مطلقاً، والابتعاد عنها، والفرار منها، كفرارك من الأسد، وهذا الدواء وإن كان فيه مشقة إلا أن مفعوله أكيد بإذن الله، وإن مما يعينك على تركها تذكرك بأنك تترك محبتها والتعلق بها لمحبوب آخر أعلى منها هو الله جل في علاه، وهذا لتخلية القلب من هذه المحبوبة، ثم يأتي بعد ذلك تحليته، بأن تملأ قلبك بخواطر الإيمان بحبه سبحانه وتعالى وتوحيده، والتفكر في آياته، والخوف من غضبه وعذابه، ودعائه سبحانه وتعالى بأن يصرف عنك حبها، ويبين ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) بقوله: ودواء هذا الداء القتال أن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد، إنما هو من جهله، وغفلة قلبه عن الله تعالى، فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه، وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا أخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور، فإنه إنما يتمكن من قلب فارغ؛ كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى * فصادف قلبا خالياً فتمكنا.
وانظر الفتوى رقم: 9360 فإن فيها بيان داء العشق ودوائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1427(9/2805)
قصة وخرافات كذبة نيسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كذبة نيسان؟ ما أصلها؟ حبذا إيراد قصص عن الصدق ليتسنى لي نصح الناس؟
بارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في الإسلام كذبة نيسان أو كذبة إبريل أو كذبة بيضاء أو سوداء فالكذب كله محرم إلا ما استثنى منه للإصلاح ونحوه، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65281، 45601، 38280، وللوقوف على قصة وخرافات كذبة إبريل أو كذبة نيسان وما يحاك حولها انظر الرابط التالي:
http://www.islamway.com/?iw __s=Article&iw ___a=vi
ew&article__id=335
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1427(9/2806)
إباحة الكذب على الزوجة ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام على الرجل أو الزوج الكثير الكذب، غير الصريح ولا الواضح مع زوجته ولا يعلمها أي شيء عن دخله المادي على الرغم من أنه يطلب منها أن تساهم براتبها في البيت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب من الأخلاق الذميمة والذنوب التي نهى الشرع عنها في كثير من الآيات والأحاديث، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في فتاوى كثيرة، ومن ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3809، 26391، 39551.
ويجوز كذب الزوج على الزوجة للمصلحة، فإن لم تكن مصلحة معتبرة شرعاً، فعلى هذا الرجل أن يجتنب الكذب فإنه بئس الخلق، ولا يجب على الزوج أن يخبر زوجته بمقدار دخله، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 17768.
ومساهمة الزوجة مع زوجها في النفقات الواجبة بالمعروف مظهر من مظاهر التعاون والمحبة، ولكن ذلك غير واجب عليها، فهذا النوع من النفقات واجب على الزوج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1427(9/2807)
موقف الإسلام مما يسمى كذبة إبريل
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في هذه الأيام أمر يسمى كذبة إبريل أو شيء من هذا القبيل؟ فما موقفكم أيها الإخوة من هذه الأمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في الإسلام كذبة إبريل ولا كذبة بيضاء ولا كذبة سوداء فالكذب كله محرم، إلا ما استثني منه للإصلاح ونحوه، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65281، 45601، 38280.
وللوقوف على قصة خرافات كذبة إبريل وما يحاك حولها انظر الرابط التالي:
http://www.islamway.com/?iw -s=Article&iw-a=vi
ew&article-id=3335
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(9/2808)
غيرة ضلت طريقها ومحلها
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي يعاني من مرض الغيرة منذ مرحلة الشباب وخاصة مع والدتي فعندما تخرج أو تتكلم مع شخص بغرض الشغل والدي يراقبها كثيراً في حركاتها حتى مع إخوتي عندما تجلس بقرب أبنائها والدي ينزعج من تصرفاتها، فوالدتي أصبحت تنزعج من هذه التصرفات، ولا تستطيع أن تتكلم بقليل من الحرية مع أولادها الصبيان وحتى تحضنهم أو تبوس على رؤوسهم فالوالدة تقول لوالدي أليس عندك ثقة في، فالوالد يقول بلى ويهرب من السؤال، فماذا نفعل مع هذا الموضوع، مع العلم بأن كلامهم ينتهي بالشجار، فماذا أفعل لهما وما هي الخطوات التي يجب أن يتبعها والدي، مع العلم كلنا نصلي في البيت، وأنا كل يوم أقرأ القرآن، وماذا أنا أستطيع أن أفعل لهما، وهل أستطيع أن أقرأ الآيات على أبي بغرض الشفاء وما هي الآيات التي يجب أن أقرأها؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة منها المحمود ومنها المذموم، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 71340.
وما وصل إليه والدك من الغيرة -على حسب وصفك- بعضه من النوع المذموم، فإن الغيرة لا تكون محمودة إلا مع وجود ريبة، وليس هناك ريبة في كلام الأم وجلوسها مع أولادها، فالغيرة من هذا الأمر حالة نفسية غير سوية، ووسوسة شيطانية، وظن سيء، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} .
فعلى والدك أن يستعيذ بالله من هذا المرض، وأن يتقي الله ويحسن الظن بأهله، ويقطع وساوس الشيطان ويستعين بالله عليها، أما أنت فلا تملكين في هذا الأمر إلا القيام بدور المصلح الناصح الموجه بالحكمة والموعظة الحسنة مع الحذر مما يغضب الوالد، ولا بأس بقراءة القرآن على والدك، فالقرآن كله شفاء، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 22104 سواء كان ذلك منك أنت أو من غيرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(9/2809)
هل تطلق الزوجة لأجل الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[لو وجدت زوجتك تكذب هل تطلقها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزوجة إذا وقعت في الكذب فإنها تنصح وتزجر عنه، ويبين لها عظم هذا الذنب وعقوبته في الأخرة، ولا تطلق لهذا. وتراجع الفتوى رقم: 26391، والفتوى رقم: 50372.
مع الأخذ في الاعتبار أن الكذب قد رخص فيه الشارع في بعض المواطن، فلا يثرب على الزوجة إذا ما كذبت فيما فيه رخصة، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 63123.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(9/2810)
العدل واجب مع كل الناس على اختلاف دياناتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندسا في شركة أمريكية تقوم بتمويل مشاريع صغيرة للشعب الفلسطيني ويوجد سيارة للعمل تبقى معي ومطلوب حين استعمالها لشخصي أن أسجل أرقام العداد لكي يتم خصم استعمالها من راتبي، لذلك فإنني لا أسجل الرقم الحقيقي بل أغيره حتى لا يكلفني كثيراً، والذي يشجعني على ذلك هو أن مديري معه سيارة أخرى ويستعملها بشكل كبير لأغراضه الشخصية ولا يسجل على نفسه فلساً واحداً، وكذلك كل من معه سيارة للعمل لا يسجل الرقم الحقيقي في حين أنني أسجل على نفسي جزءا من الذي أستعمله، فما حكم الشرع في ذلك، مع العلم بأنها شركة أمريكية، ثم إذا استعملت بعض أوراق المكتب أو أقلامه لي شخصياً، فهل يجوز مع العلم بأن هذه الشركة تنفق أمولاً باهظة على القرطاسية والمواصلات وإن كان هذا الاستعمال خاطئا، فكيف يمكن التكفير عن الماضي؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عملك في هذه الشركة من باب الإجارة ولا يخفى أن الأجير أمين على ما تحت يده من أموال ومقتنيات الشركة، فيجب عليه استعمالها فيما أذن له فيه فقط، وفاءً بالعقد وحفظاً للأمانة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1}
وعليه.. فإذا كان العقد المبرم ينص على أنه في حال استعمالك سيارة العمل في شأنك الشخصي يُحسب ذلك عليك، فيجب أن تلتزم بهذا وتقيد رقم العداد كما هو الواقع، كما يجب عليك أن لا تستعمل قرطاسية الشركة إلا فيما أذن لك فيه أو جرى بذلك عرف، ولا تشغل نفسك بما يفعله مديرك فإنك تسأل وحدك عن الأمانة، قال الله تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21} .
وأما مسألة أنها شركة أمريكية فاعلم أن الأخلاق لا تتجزأ فلا يصلح أن تعامل المسلم بالصدق والأمانة وتعامل غيره بالكذب والخيانة، قال الله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {المائدة:8} ، فالعدل واجب مع كل الناس مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم، وإذا تقرر ذلك فإن كفارة ما فعلت أن تطلب السماح فيما أخذت من الشركة من شخص مسؤول مخول فيها بالسماح، فإن عفا عنك فالحمد لله, وإن لم يعف دفعت إلى الشركة ما أخذته منها، وطلب العفو هذا في حال لم تخش ضرراً كأن تفصل من عملك الذي تحتاجه, فإن خشيت ضرراً فردّ ما أخذته بدون أن تخبر أحداً, واعمل في تقدير ما أخذت بغالب الظن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/2811)
دلالة القرآن وتصريح السنة على حرمة تشبه الرجال بالنساء والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال هل يوجد نص قرآني بذلك أو حول ذلك الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر: 7} وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ {التغابن: 12} وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {النساء: 80} وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65} فهذه الآيات وما أشبهها كثيرة في كتاب الله عز وجل، تدل ضمنا على حرمة تشبه أحد الجنسين بالآخر.. كما جاء النهي عن ذلك في الصحيحين وغيرهما على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم: 3 ـ 4} هكذا كان السلف الصالح يفقهون كتاب الله ويفهمون أن كل أمرٍ أمرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نهي نهى عنه إنما هو من عند الله تعالى، هذا إذا كان قصدك وجود الدليل على النهي من القرآن.
أما إذا كان قصدك أوسؤالك عن نص من القرآن الكريم يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، فهذا غير موجود في كتاب الله تعالى بهذا اللفظ؛ وإنما هو في الحديث.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 53158، 70155، 22121، 17864، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(9/2812)
ذكر المرأة ما تلقاه من الزوج وأهله هل يعد من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي الكرام
مشكلتي تكمن في كرهي الشديد لأهل زوجي والذي لم يأت من فراغ فلم أر منهم إلا الأذية هداهم وإياي الرحمن, ولم تقف المشكلة حتى هذا الحد فإني دائما أصبر نفسي بأني أعيش بعيدة عنهم ونزورهم في السنة أو السنتين لشهر أو أقل, لكنه بمثابة القرن حيث لا يمضي يوم ولا أبالغ إذا قلت ساعة لا يحاولون فيها بث المشاكل, حتى أن والدة زوجي تتهكم على أهلي وزوجي يمنعني حتى من الرد عليها, هو دائما في صف أهله مهما عملوا حتى أني يئست من شكواي, لن أطيل, فسؤالي هو هل إذا اشتكيت لمن حولي أعد في صفوف المغتابين وإني والحق كثيرا ما أفعل هذا لضيقي الشديد وثانيا صرت أكره زوجي هو الآخر فقد ضيق علي وصار أحيانا يسبني ويشتمني أمام أهله عندما ننزل عندهم في الإجازات, يحاول الحط من قدري علما بأني بنت حسب ومن عائلة علم وتقدر المرأة ووصل به الأمر أن يهزأ بي أمام أبي وأمي الأمر الذي أثار حفيظتهما فهل استمرار زواجي به يعد من الصبر وأجازى عليه أم أن كثرة شكواي لصديقاتي يبطل كل هذا. ما هي أفضل وسيلة لتحمل كل هذا وكسب الحسنات في نفس الوقت؟ وإن كنت قد ارتكبت إثما فكيف لي أن أكفر عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما بخصوص الشكوى وهل تعد من الغيبة، وهل يدخل صاحبها في الوعيد الوارد في المغتابين، فإذا كانت الشكوى المذكورة فيها ذكر لعيوب الناس ومساوئهم، وانتهاك لأعراضهم، وذكرهم بما يكرهون، فهي غيبة محرمة، وصاحبها مرتكب لكبيرة من الكبائر، ويشمله الوعيد في ذلك وتراجع الفتوى: 6710.
ويستثنى من ذلك ما لو كانت الغيبة عند من يرجى منه رفع الظلم، ودفع الأذى، ويستثنى كذلك إذا كان القصد منها استجلاب النصح والإرشاد إلى أحسن الطرق لقطع هذه الأذية، وذلك أن ذكر المساوئ لمصلحة معتبرة شرعا جائزة؛ لما في مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له.
وأما بشأن السب والشتم، فلا يجوز بحال ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن باللعان ولا الفاحش ولا البذيء. فلا يجوز سب المسلم عموما فكيف إذا كانت زوجة، وقد أمر الله بحسن معاملتها كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وأما عن أجر الصبر، فقد وعد الله الصابرين بالأجر العظيم والثواب الجزيل كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. ولذا عليك بالصبر واحتساب الأجر منه سبحانه، وراجعي الفتوى رقم: 8601
وأما عن أثر الشكوى، فإذا لم تكن على سبيل التسخط، وعدم الرضا بالمقدور فلا تبطل العمل ولا تتعارض مع الصبر، على أن الصبر وعدم الشكوى أولى، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 28045، ونعنى الشكوى بغير غيبة، أما إذا كانت بالغيبة فلا تجوز كما سبق.
وأفضل وسيلة لاحتمال هذا الأذى هي تقوى الله عز وجل والاستعانة به، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، والتعوذات من شر كل ذي شر، ومعاملتهم بالتي هي أحسن كما قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34-35} .
وننبه الأخت بأن تتودد إلى زوجها، ويتأكد ذلك حين ترى منه جفوة، وذلك لعظم حقه عليها، وهي تستطيع بهذا التودد أن تؤثر عليه وتكسبه إلى صفها.
وكفارة ما حصل منك من غيبة وغيرها من الذنوب هي بالتوبة إلى الله عز وجل، واستحلال من اغتبتِهم، وطلب سماحهم، فإن خشيت أن يوغر ذلك صدروهم عليك، ويزيد أذاهم لك، فلا تخبريهم، واستغفري لهم، واذكريهم بخير في المجلس الذي ذكرتِهم فيه بسوء، وتراجع الفتوى رقم: 54116
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1427(9/2813)
الغيبة بقصد الإصلاح والدعوة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
اتفقنا مع أخوات لي أن تتخذ كل واحدة منا 3 بنات أو أكثر كي تقوم بدعوتهن تدريجيا ثم نلتقي بعد كل أسبوعين لنرى ما هي الصعوبات التي تعترضنا.هل يجور أن نسمي هذه البنات بيننا عندما نتحدث عنهن؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أنك تسألين عن حكم التحدث عن الواحدة من هؤلاء البنات بما هو غيبة في الأصل ولكن بقصد مصلحة الإصلاح والدعوة، فإذا كان هذا هو المقصود فنقول: إن الأصل تحريم الغيبة وقد بينا ذلك بأدلته بالفتوى رقم: 6710، وقد استثنى أهل العلم بعض الحالات التي تجوز فيها الغيبة ويجمعها وجود مصلحة راجحة، وقد ذكرنا هذه الحالات بالفتوى رقم: 6082، فإذا رأيتن أن هنالك غرضا شرعيا لا يمكن تحقيقه إلا بالغيبة فلا حرج في ذلك إن شاء الله على أن يكون ذلك بقدر الحاجة، وحيث أمكن تحقيق ذلك الغرض دون ذكر اسم الواحدة منهن فلا يجوز ذكر اسمها، وتراجع الفتوى رقم: 28705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/2814)
لا يجوز الكذب إلا في حالات خاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تكتب صديقتي مقالا ثم تقول لي (أرسليه للمجلة لكن باسمك أنت) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت ترسلين المقال الذي كتبت صديقتك باسمك على أنك أنت التي كتبتِه فهذا كذب لا يجوز، والكذب حرام لا يجوز إلا في حالات خاصة، كما في حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها. رواه أبو داود، وكذلك لإنقاذ نفس مسلم أو ماله إذا كان مطلوباً بظلم.
أما إذا كان القصد أنك التي أرسلتِه للمجلة بغض النظر عن من كتبه فهذا لا مانع منه ولا يعد كذباً، ويمكن للمسلم إذا دعته الحاجة أن يلجأ إلى التورية والمعاريض ففيها مندوحة عن الكذب الحرام، وذلك كأن تكتبي -مثلاً- على الرسالة التي ترسلين إلى المجلة من فلانة..... ويكون قصدك أن الرسالة منك أو ما أشبه ذلك، وهذا يشترط ألا يظهر في الجهة على أنه من إنشائك أنت، وللتورية أدلة كثيرة من السنة وأقوال السلف، فنرجو أن تطلعي عليها في الفتوى رقم: 68919.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/2815)
الفضيلة ثمرة العلم والعمل به
[السُّؤَالُ]
ـ[من قائل هذا الكلام (الفضيلة أهم من العلم) ، وتوضيحها قدر المستطاع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه على قائل هذه العبارة، ولعل المقصود بالفضيلة هنا ثمرة العلم، فقد يأتي العلم ولا تأتي ثمرته وحينئذ يكون حامله يصدق عليه قول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما * والماء فوق ظهورها محمول
فالعلم قد يكون في ناحية والعمل في ناحية، وهو واقع كثير، وبناء عليه فالفضيلة هي ثمرة العلم والعمل به ومشاهدته هو السلوك، وبعضهم يفسر الفضيلة بالوسطية والاعتدال، كالشيرازي في كتابه الفضيلة حيث يقول: الفضيلة هي الحد الوسط بين الزيادة والنقصان وهذان هما الرذيلة، وربما يكون قول نبي الأخلاق صلى الله عليه وسلم: خير الأمور أوسطها. إشارة إلى هذا ... وقد يتعلم الإنسان العلم لكن علمه يصبح وبالاً عليه لتجاوزه حدود العقل والعرف ... وهذا هلاك للروح والجسد والدنيا والآخرة. انتهى منه بتصرف، وهذا المعنى صحيح أيضاً، فالفضيلة هنا أهم إذا كانت هي الاعتدال والنأي عن الإفراط والتفريط والغلو والتقصير وليس ذلك من لوزام العلم، فقد يغلو المرء أو يقصر وهو عالم، ولكن إذا حصل الفضيلة والاعتدال لم يكن كذلك. قال بعض الحكماء في تعريف الفضيلة: فالفضيلة هي وضع متوسط بين الإفراط والتفريط أي التوسط بين الإفراط في الزيادة، والتفريط الذي هو النقص أي أن يسلك فيها الإنسان بميزان الاعتدال. لا يبالغ حتى يصل إلى التطرف، ولا يتهاون فيصل إلى الإهمال ... فالمبالغة مرفوضة سواء كانت سلبا أو إيجاباً ... وللفلاسفة وأرباب السلوك مدارس في تفسير الفضيلة وتعريفها يرجع إليها في مظانها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(9/2816)
هل يجاري الطالب الطلبة إذا غشوا في الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تلميذ في السلك الثانوي وكثيرا ما أرى أن زملائي الذين يغشون في الامتحانات يحرزون على نقاط عالية بينما أنا الذي لا أغش أحرز نقاطا ضعيفة ويبقى موقفي حرجا من ناحية الرتبة في القسم ومن جميع النواحي فماذا أفعل هل أغش مثلهم أم ماذا؟
وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غش فليس مني. رواه مسلم.
ولهذا فإنه لا يجوز لك أن تمارس الغش ولو فعله الآخرون فإن فعل الغير للمعصية لا يسوغ لك أنت فعلها، فلا ينبغي للمسلم أن يجاري الناس إذا أساءوا أو ظلموا أو انحرفوا، وعليه أن يوطن نفسه على لزوم الاستقامة على طريق الحق فإذا استقمت على الأمانة فلا شك أن عاقبتك ستكون أحسن من عاقبة من يمارسون الغش ويرتكبون المعاصي، وعليك أن تنصح هؤلاء وتبين لهم حرمة الغش، نسأل الله تعالى أن يعينك ويرزقك النجاح في الدنيا والآخرة، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2937، 10150، 8731.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(9/2817)
معاني وفضائل الصدق العدل الصبر والشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[المرجو أن تجيبوني إن شاء الله تعالى، أريد معاني الصدق العدل الصبر والشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصدق هو قول الحق وفعل الحق، فيكون في الأقوال والأفعال، وهو ضد الكذب والفجور، قال النووي: الصدق هو الإخبار على وفق ما في الواقع، ولا يزال الرجل يصدق أي في قوله وفعله حتى يكتب عند الله صديقا. ويجب على المسلم أن يكون صادقاً متصفا بالصدق مع ربه ومع نفسه ومع غيره من عباد الله، وقد ورد في فضله قوله صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه.
وأما العدل فهو القسط في الحق؛ كما قال ابن حجر، والعدل أيضاً هو المساواة في المكافأة في خير أو شر، والعدل هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط. قاله المناوي. ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن العربي قال: العدل بين العبد وبين ربه إيثار حقه تعالى على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر، والامتثال للأوامر. وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها، قال الله تعالى: ونهى النفس عن الهوى. وعزوب الأطماع عن الأتباع، ولزوم القناعة عن كل حال ومعنى. وأما العدل بينه وبين الخلق فبذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل وكثر، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه، ولا يكون منك إساءة إلى أحد بقول ولا فعل ولا في سر ولا في علن، والصبر على ما يصيبك منهم من البلوى. وأقل ذلك الإنصاف وترك الأذى. قلت: هذا التفصيل في العدل حسن وعدل. انتهى.
ومن أسمائه سبحانه وصفاته العدل، قال أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر: العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً. انتهى.
وأما الصبر فانظر في معناه وأنواعه الفتوى رقم: 17964.
والشكر نوع من الجزاء، قال العيني: والشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود هو: الاعتراف بالمنعم الحقيقي، ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه. وكماله أن يقوم بحق النعم ويصرفها في مرضاة المنعم.
ولابن القيم رحمه الله تعالى كلمة جميلة في هذا المقام حيث يقول: أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحدها المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ولم يحبه ولم يرض به وعنه لم يشكره أيضاً، ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها، فلا بد في الشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/2818)
لا يجب على مريد الحج إخبار أقاربه وأصدقائه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة في الشبكة الإسلامية
في البداية أود أن أقول إني أحبكم في الله وأنا أشكركم على ما تبذلونه من جهد لنشر دين الله.. فجزاكم الله عنا خيراً، أود أن أتساءل: هل يجب على من نوى الحج أن يخبر بنيته تلك كل من يعرف أم لا حرج عليه إن كتم مقصده إلا على والديه، حتى الانتهاء من إجراءات السفر، وهل يحق لأي شخص أن يغضب في مثل هذه الحال، وهل يجب على المسلم أن يذكر أخاه المسلم بركن من أركان الإسلام كالحج زمانه ومكانه معلومين لكل مسلم، إني أسأل هذه الأسئلة لأنني حججت هذا العام بفضل الله تعالى وبعد عودتي ما راعني إلا وأحد الزملاء قد قاطعني وزميلين آخرين كانا قد حجا كذلك، ظنا منه أننا اتفقنا على الذهاب للحج ولم نخبره، ويعلم الله أنه ما جمعنا إلا قدرته سبحانه الذي اتخذ هذا الموقف، وأرجو الله أن يكون هذا الموقف صادر عن محبة ورغبة في الرفقة الصالحة، علماً بأني وقبل سفري كنت قد قمت بتوديع كل زملائي ومعارفي إلا هذا الزميل بالذات حيث إنه كان مسافراً لكني اتصلت به وتركت له رسالة مسجلة على هاتفه النقال؟ عذراً على الإطالة ولكن الموضوع يهمني جداً، فأرجو أن لا تتم إحالتي إلى فتاوى سابقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن كذلك نقول لك أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله لنا ولك التوفيق لما يحب ويرضى ... وأما جواب سؤالك؟ فلا يجب على مريد الحج أن يخبر أقاربه وأصدقاءه بذهابه، وإنما يستحسن له ذلك، وعليه فقد كان الأولى بك أن تخبر صديقك المذكور ولا حرج عليك إن لم تجده وأنت قد حاولت ولكن لم تتمكن من ذلك، كما أنه لا مانع يمنع من أن يكتم المرء خبره عن غيره لحاجة؛ كأن يكون كتمانه سبباً في تيسير إجراءاته للحج سواء من جهة عمله -مثلاً- أو يكون عدد التأشيرات محدوداً أو غير ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
وعلى زملائه وأصدقائه أن يلتمسوا له العذر، وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن جعفر بن محمد أنه قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تنكره فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذراً لا أعرفه.
لكن ينبغي لك أن ترفق بصاحبك هذا فبين له أن ما حصل من ذهابك مع بعض الأصدقاء كان موافقة من غير تواعد، ولا تدع الشيطان يدخل بينكما، خاصة وأنكم تعيشون في غربة وفي مجتمع غير مسلم، فحاول أرشدك الله أن تعيد المودة والإخاء بينك وبين زميلك بكل ما تستطيع. وهو إن شاء الله سيتفهم الموقف وما حمله على ذلك إلا حبه لك، لكن لا يحل له الهجر فوق ثلاث فذكره بذلك.
وأما قولك: هل على المسلم أن يذكر أخاه المسلم بركن من أركان الإسلام....؟ والجواب: أنه لا يجب إلا إذا علم أنه ساه عنه فإنه يذكره ليستعد له فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإن كان متذكراً وقادراً على الذهاب للحج ولا يريد الذهاب فإن عليك أن تأمره بالمعروف لأن الحج ركن من أركان الإسلام وهو على الفور للقادر عند جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1427(9/2819)
قبول الأخ اعتذار أخيه طاعة لله ومعصية للشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عاجل عاجل
نحن مجموعة من الطلاب من دولة عربية واحدة ندرس في ماليزيا وقبل أيام حدثت مشاجرة بين طالبين فقام أحدهما وسب الآخر بألفاظ لا أخلاقية وشمل في سبه أهل منطقته وقد حضر هذه المشاجرة خمسة طلاب آخرين ولتهدئة النفوس قام اثنان من الطلاب وهما أكبر الطلاب سنا للتدخل لحل المشكلة وهما يحظيان باحترام الجميع والهدف هو اعتذار الطالب المعتدي وقبول هذا الاعتذار من الطالب المعتدى عليه ومجموعته ولكن جهودهما باءت بالفشل حيث أصر كل طرف على موقف معين حول طريقة الاعتذار وهي كالتالي
أولا أصر المعتدى عليه ومجموعته أن يكون الاعتذار أمام الطلاب الخمسة الذين حضروا المشاجرة إضافة إلى المعتدى عليه ومجموعته في مجلس واحد، علما أن مجموعته لم تكن حاضرة أثناء المشاجرة
ثانيا أصر المعتدي أن يكون الاعتذار أمام الطلاب الخمسة الذين حضروا المشاجرة فقط فقط، أما
المعتدى عليه ومجموعته فسيعتذر إلى كل فرد فيهم كل على حده، علما أن عدد المجموعة ثمانية
والسؤال هو هل يوجد في الشرع ما يؤيد إحدى الطريقتين السابقتين لكي نرغم أحد الطرفين للعمل بها؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أيها الأخ الكريم- أن الشيطان عدو للإنسان يسعى بشتى الوسائل للإيقاع بين المؤمنين، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم.
وفي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. واللفظ للبخاري.
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: لو أن رجلا شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره. ومن النظم في معناه: ...
قيل لي قد أسا إليك فلان * وقعود الفتى على الضيم عار
قلت قد جاءنا فأحدث عذرا * دية الذنب عندنا الاعتذار
فعليكم أن تبلغوا كلا من ذينك الطالبين ما كتبناه في هذه الفتوى، وليدع كل منهما الإصرار على موقفه، طاعة لله ومعصية للشيطان.
وليعلم كل أنه سواء كان الاعتذار أمام الطلاب الخمسة الذين حضروا المشاجرة، إضافة إلى المعتدى عليه ومجموعته، أو كان أمام الطلاب الخمسة الذين حضروا المشاجرة فقط، فإن أي شيء من ذلك لا يجلب نفعا للمعتدى عليه، ولا ضررا على المعتدي، وإنما هو تحريش من الشيطان، يريد أن يحول دون استرجاع ما كان من الألفة بين الطلاب.
وليعلموا أن السابق إلى تلبية طلب خصمه أكثر أجرا، لما في ذلك من رأب الصدع وقطع الشحناء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(9/2820)
حكم صرف العامل الزبائن لمحل آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شخص يعمل في محل لبيع الأثاث وهو يصلي ويقرأ القرآن، ولكن عندما يأتي زبون يقول له لا تشتري وأدلك على من يصنع هذه البضاعة وبثمن أقل وهو يتعامل مع البائع الآخر، وفتح محلا موازيا للذي يعمل فيه ويحول الزبائن من عند مشغله إلى المحل الآخر ويقول لمشغله إن السوق كاسدة ولا بيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن العامل المذكور يرتكب إثماً عظيماً، فإن ما يفعله يعد خيانة لصاحب المحل الذي يعمل عنده، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: 1} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال: 27} وصاحب المحل إنما تعاقد معه على أن يبيع في محله بالمعروف، وليس من المعروف أن يصرف الزبائن عن محله إلى محل آخر، ثم يكذب قائلاً إن السوق كاسدة فجمع العامل المذكور خيانة وكذباً وأكلاً للمال بالباطل، ولو أنه قرأ القرآن بتدبر لعلم أن ذلك كله حرام، فالواجب عليه أن يتقي الله ويصدق في عمله ويستغفر الله تعالى من هذا الخلق السيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(9/2821)
هل يسوغ كتمان ترتيبات الذهاب للحج عن الزملاء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي جزاكم الله الخير كله عن عمل قام به صديق لي وأريدكم أن توضحوا لي هل الذي فعله صائب أم لا ... أخواني:
صديقي هذا ذهب للحج هذا العام وأسأل الله أن يكون حجه مبروراً وذنبه مغفورا ... إلى هنا وليس هناك أي مشاكل في ذلك، ولكن المشكلة هو أننا لم نعلم منه أنه ذاهب إلى الحج إلا قبل يوم من سفره وقد أحزننا هذا الأمر كثيراً لأننا طلبة وندرس في بلاد أجنبية، وكنا نظن أننا يد واحده، وهناك بعض الزملاء كانوا يريدون الذهاب للحج ولعلها كانت فرصة كبيرة كي يذهبوا مع بعضهم البعض، المهم كان هذا الصديق يرتب أمر سفره للحج مع اثنين آخرين من الطلبة وفي سرية تامة وكانوا يتناجون فيما بينم بعيداً عنا رغم أنه كان يؤذينا، ولكن قلنا ممكن أنهم يطبقون (واستعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان) , ولكنهم نسوا أنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وللأسف هم حبوا لأنفسهم ما لا يحبوه لنا، والله المستعان هذه هي القصه وأرجو منكم التوضيح هل ما فعلوه من الدين في شيء، أرجو الإفاده والنصح؟ وجزاكم الله عنا خيراً، عذراً إن أطلت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان الأولى بصديقكم أن يخبركم حتى يشاركه من أراد منكم في هذا الخير، لكنه قد يكون معذوراً في عدم إخباركم كأن يكون كتمانه سبباً في تيسير إجراءاته للحج سواء من جهة الكلية أو يكون عدد التأشيرات محدوداً أو غير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
فعليكم أيها الأخ السائل أن تلتمسوا لإخوانكم الأعذار، لا سيما إذا كان سبب ما وقع بينكم هو حرص إخوانكم على الطاعة، وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن جعفر بن محمد أنه قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تنكره فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذراً، فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذراً لا أعرفه. ولا تدعوا الشيطان يدخل بينكم، خاصة وأنكم تعيشون في غربة وفي مجتمع غير مسلم.
مع ملاحظة أنه إن كان لكم عليهم ديون، وكان حجهم يؤثر على أدائها، فحينئذ يجب عليهم أن يستأذنوا أصحابها دون غيرهم، وأما في سائر الحالات الأخرى فلا يجب عليهم استئذانكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1427(9/2822)
الرد على الساب بين الجواز والإعراض
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في كون أصحابي () يسخرون مني وفي جل الأحيان يشتمونني ويسبونني ولكن لا أرد لهم بالمثل لأني لا أريد أن ألطخ لساني بالرغم من أن هذا الفعل يهون أمام بعض الذنوب التي ارتكبتها سابقا فهل إن شتمني صديقي عليَ أن أشتمه وأسبه لأني إذا لم أسبه يحسب أني ضعيف الشخصية وأني لا أقوى على الدفاع عن نفسي وأني لست رجلا علما أني لا أحب شتم الناس ربما في بعض الأحيان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك أن تسب من سبك، وتشتم من شتمك، فقد قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194} وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 4 0} وقال: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {الشورى: 41-42} وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126}
إذن فلا حرج على من رد عن نفسه وعرضه وجازى المسيء بمثل إساءته؛ إلا إذا أساء إليه بما لا يجوز الرد بمثله كمحرم الجنس من كذب عليه أو تكفيره -مثلا- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى
ولكن العفو أولى والصفح أفضل سيما إذا كان المرء قادرا على الانتصار والانتقام، ولذلك قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} وقال وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126} وقد مدح العافين عن الناس والكاظمين غيظهم فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133-134} وقال: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34-35} فهذا هو المقام السامي والمنزلة الرفيعة التي ينبغي للمرء أن ينشدها والخلق الذي ينبغي الحرص عليه. ولله در القائل:
إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه * وإن خليته كمدا يموت.
وقال:
يخاطبني السفيه بكل قبح * فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما * كعود زاده الإحراق طيبا
وانظر إلى هذا المعنى الجميل الذي سطره هذا الشاعر في قوله:
وإن الذي بيني وبين بني أبي * وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم * وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم * وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
ومساببة السفيه تفرج عنه وتعطي لكلامه قيمة، وهذا هو ما يتمناه ويطلبه.
إذا سبني نذل تزايدت رفعة * وما العيب إلا أن أكون مساببه
وقال الآخر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا * لأصبح الصخر مثقالا بدينار
فأعرض عن الجاهلين، وأبرز لهم خلق الإسلام الرصين في حلمك وعفوك عن سفاهتهم، ولك الأجر عند ربك؛ إلا إذا كان المقام يقتضي أن تجيب فربما كانت الإجابة في بعض الأحيان خيرا من السكوت، ولكن ذلك نادر وقليل. ومرد الموازنة في ذلك إليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1427(9/2823)
حكم رقص الرجل مع أم زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم عرس أختي قام زوجي بالرقص مع والدتي أمام الحضور مما أثار غضب والدي للغايه وقام بطردنا، أرجوكم ساعدوني، هل زوجي يعتبر مذنبا في حق والدي وهل أساء استعمال الآداب الدينية لوالدتي أو والدي، ماذا يحتم علي فعله لأرضي والدي، علما بأني أحبه كثيرا وزوجي أيضا يحبه وأمي مثل والداه تماما، أرجوكم أفيدوني بآية أو حديث يثبت أن زوجي لم يخطئ وأن والدتي تعتبر بمثابة والدته؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأم الزوجة من المحارم فيجوز مصافحتها والسلام عليها والخلوة بها، دليل ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ {النساء:23} .
وقولك (قام زوجي بالرقص مع والدتي أمام الحضور) ، فنقول: إن كان الحضور من الرجال والنساء فيحرم على أمك الرقص أمامهم، ويحرم على زوجك الرقص أمام النساء، وهذا من المنكرات الشنيعة، ويجب على أمك وزوجك أن يتوبا إلى الله مما فعلاه واقترفاه، ولا يجوز لزوجك الرقص مع أمك ولو لم يكن ثمة أجانب لأن الرقص إنما يكون بالتمايل والتكسر والخضوع، وهذا باب فتنة محقق، فيجب أن يسد ويغلق، ولذا فعلى زوجك أن يتوب إلى الله تعالى، ويعتذر عن ما بدر منه، ويجب على أبيك أن يمنع أمك الرقص أمام الرجال مطلقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1427(9/2824)
حب الفتاة لشاب أجنبي بين المؤاخذة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تحب الفتاة المسلمة والملتزمة شابا أجنبيا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام يمنع أية علاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية إذا لم يكن أساسَها زواج شرعي.
والحب الذي لا دخل للإنسان فيه معذور صاحبه -إن شاء الله تعالى- إذا لم يؤد إلى محرم كخلوة وما أشبه ذلك.
وما أدى من الحب إلى الحرام فهو حرام، لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من ارتكاب الفواحش التي لا يخفى فسادها على الفرد والمجتمع.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم: 4220.
وعليه، فإذا وقع حب شاب في قلب فتاة من غير أن تكون قد سعت فيه، ولم يحملها حبه على ارتكاب أي أمر منهي عنه، فلا حرج عليها في مجرد الحب في قلبها. إذ لا طاقة لها على تجنبه، ولا قدرة لها على كفه. ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى لا يكلف الإنسان ولا يؤاخذه إلا بما يطيقه. كما قال: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] .
وأما إذا كان الحب موجبا للقاءات وخلوات، وأحرى إن أدى إلى أقبح من ذلك، فلا شك في تحريمه حينئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1427(9/2825)
ماهية الظن المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت في زمن مضى تاجر ذهب، والشك ينتابني من كل شخص، دخل ثلاث نساء وعند انتهاء المعاملة شككت في اختفاء بعض الأقراط ليس شكا وإنما كنت واثقا في تلك اللحظة من الاختفاء - وبعد خروجهن قمت بوزن البضاعة فتبين لي أني اتهمتهن بالسرقة، ومنذ تلك الفترة أشعر بعظم الخطأ الذي ارتكبته وأقسم بالله أن الموضوع يؤرقني أفتونا جزاكم الله خيرا؟
أرشدونا هداكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن اتهام المسلم البريء بالسرقة أمر محرم؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب: 58} ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فإن كنت قد صرحت باتهام هؤلاء النسوة بالسرقة فقد أخطأت في حقهن، وعليك أن تستسمحهن إن أمكن ذلك، فإن كان ذلك غير ممكن فتكفيك التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب.
وعلى المسلم عموما أن لا يسيء الظن بالمؤمنين، فقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم.
وقد عد العلماء سوء الظن بالمسلمين من الكبائر، وقد عرفه الخطابي بقوله: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك فوق ما يملك الإنسان التحكم فيه. وقال النووي: مراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه.
وعليه؛ فإن كان ما ظننته في هؤلاء النسوة مجرد هاجس وشك عابر، فلا إثم فيه، بخلاف ما إذا استقر في قلبك، ولمعرفة كيفية علاج سوء الظن راجع الفتوى رقم: 48025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(9/2826)
مقابلة السيئة بالسيئة والعفو عن المسيء
[السُّؤَالُ]
ـ[تحيه وبعد ...
إشارة إلى الفتوى رقم 71247 وأنا أعيد لكم السؤال للمرة الرابعة وسوف أعطيكم أمثلة على السؤال، هل الإسلام دين محبة وسلام حيث أشرتم في الفتوى 71247 إلى قول الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) . الشورى 40، أما الديانة المسيحية فتقول قابل الإساءة بحسنة (لاتقاوموا الشرير بل من لطمك على خدك الأيمن فأعرض له الآخر) متى 5/38-48؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الإسلام هو دين المحبة والإخاء والرحمة والمغفرة، كما بينا ذلك من قبل، وهو مع ذلك دين العدالة والإنصاف، فإذا حصل للمسلم أذى من أخيه، فقد بين سبحانه وتعالى أنه يجوز له الرد عليه بالمثل، ولكن الأولى به أن يعفو ويصفح ويغفر، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى: 40} ، وقال الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194} ، وقال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:35} .
ولا نظن أن عاقلاً يمكن أن يظن أن فيما ذكر شيئاً من النقص أو عدم الحكمة، وذلك لأن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس جميعاً، ولا يقبل من الناس دينا سواه، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ {آل عمران:19} ، وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، فندعوك -إذاً- إلى اعتقاد هذه المعاني السامية، والنظر بحكمة وعقلانية، لتهتدي إلى الصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(9/2827)
الغش بإذن مراقب اللجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ إجابة سؤال من صديق في الامتحان بعلم المراقب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للطالب ولا يجوز للمراقب أن يتواطأ معه على الغش في الامتحان لقول الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} ، فالغش هنا ليس للمراقب وإنما هو للمدرسة والمجتمع وكل الناس الذين سيعاملونه وفق درجاته التي اكتسبها بذلك الفعل، وقد فصلنا القول في ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2937، 10150، 56651.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1427(9/2828)
لا يظن المؤمن بأخيه إلا خيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ // حفظكم الله
سؤالي
عن نفس الإنسان وما يظنه بأخيه الإنسان وأيهما أفضل سوء الظن أم حسن الظن وأقصد بالآخرين وكيف أجمع بينهما وبين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. متفق عليه.
وكيف يكون سوء الظن عصمة.. وعصمة من ماذا؟!
أرجو التفصيل.. لأنفهم أكثر.. وفقكم الله لكل خير.
دمتم بسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله تعالى سوء الظن بالمؤمن ونهى عنه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12} ]
ووردت أحاديث كثيرة في تحريم سوء الظن بالمؤمن، منها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا … الحديث.
ومنها ما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خير ا.
وعليه فلا يمكن المقارنة في الأفضلية بين حسن الظن بالمسلمين وبين سوء الظن بهم. لأن الأول واجب والثاني محرم.
وأما عبارة (سوء الظن عصمة) ، فالظاهر أنك تظنها حديثا، وهي ليست كذلك. إذ إننا لم نقف عليها في شيء من كتب السنة. وقد وقفنا على عبارات بمعناها، نحو: "الحزم سوء الظن" ونحو: " احترسوا من الناس بسوء الظن"، ونحو: "من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته"، وهي جميعا إما أن تكون من كلام العرب، وإما أنها أخبار ضعيفة جدا، لا تجوز نسبتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فقد قال العجلوني في كشف الخفاء: احترسوا من الناس بسوء الظن. قال في الأصل: رواه أحمد في الزهد والبيهقي وغيرهما من قول مطرف بن الشخير أحد التابعين. زاد البيهقي وكذا الطبراني في الأوسط والسكري أنه روي عن أنس مرفوعا، وأخرجه تمام في فوائده عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ: من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته. رواه الديلمي عن علي من قوله موقوفا عليه: الحزم سوء الظن.
ثم عقب العجلوني على ذلك بقوله وجميع طرقه ضعيفة يتقوى بعضها ببعض.
وقال عنه الألباني في السلسلة: ضعيف جدا.
ونسبه البيهقي في الشعب لكلام العرب قديما قال: كانت العرب تقول: العقل التجارب، والحزم سوء الظن.
وبهذا تعلم أن النصوص السابقة لا تصلح للاحتجاج لكونها لم تثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم بل هي ضعيفة جدا كما قدمنا، وعلى تقدير صحتها فهي محمولة على من يتوقع منه الشر أو من هو أهل لأن يساء الظن به كما قال المناوي في فيض القدير: أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي "الحزم سوء الظن " وخبر " من حسن ظنه بالناس طالت ندامته " وقال الآلوسي في روح المعاني: كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءا فتحفظ من أن يلحقه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص وهو محمل خبر إن من الحزم سوء الظن وخبر الطبراني احترسوا من الناس بسوء الظن، وعلى أي حال فالأصل أن تقدم حسن الظن بالمؤمن لأن سوء الظن به محرم كما تقدم.
ونحسب أن هذا القدر كاف لإزالة ما تجده من اللبس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(9/2829)
بين إفشاء السر وإبرار المقسم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تكلم شخص مع آخر وقال له إن هذا سر بينهما ثم جاء شخص آخر وأمن أحدهما على أن يقول له الكلام الذي دار بينهما فهل على هذا الشخص الذي أُمّن أن يفشي السر الذي دار بينه وبين الشخص الأول على الرغم من أنه إذا قيل السر سوف يحصل فتنة بعض الأحيان؟ وهل قول\" أمانة عليك\" يعد حلفاً؟
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن استؤمن على سر فإنه لا يجوز له إفشاؤه ولو أقسم عليه غيره أن يفشيه إياه إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند البخاري أيضا فيما يجب للمسلم على أخيه: وإبرار المقسم. قال في تحفة الأحوذي (وإبرار المقسم) أي الحالف يعني جعله بارا صادقا في قسمه أو جعل يمينه صادقة، والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث. اهـ وإفشاء السر معصية فلا تفشه لأحد ولو أقسم عليك سيما إذا كان خاصا بصاحبه أو يترتب على إفشائه ضرر به أو بغيره، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة. وقال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. رواه أحمد بسند حسن، وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك، وقد أمر المولى جل وعلى بحفظ الأمانة ورعايتها فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء: 58} وقال سبحانه: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ {البقرة: 283} ومن الأمانة حفظ السر، ويحصل إفشاؤه ولو كان إلى واحد، وقد قيل السر إذا جاوز الاثنين فشا، ولكن يستثنى من ذلك بعض الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر. وقد بيناها مفصلة في الفتوى رقم: 38889، والفتوى رقم: 24025.
وأما قول المرء لغيره: " أمانة عليك " هل يعد حلفا أم لا؟ فالجواب عنه أنه إذا قصد بذلك الحلف كان حلفا وهو المتبادر هنا إن قال: أمانة عليك لتخبرني بذا لوجود لام القسم وهو محرم لما بينا في الفتوى رقم: 14172، وإن لم يقصد به الحلف فلا يعد حلفا، والمهم هنا أن السر لا يجوز إبداؤه إذا لم يأذن صاحبه أو يكون في كتمانه ضرر على نحو مابينا، ولو أقسم من يريد إفشاءه على حامله فلا يجيبه إلى ذلك ولا يبر قسمه قال النووي في شرحه على صحيح مسلم عند قول أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال لا تقسم) هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة.. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1427(9/2830)
معنى الجشع
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى الجشع والبخل من فضلكم الجواب بالعربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجشع هو أسوأ الحرص. قال في لسان العرب: والجشع أسوأ الحرص، وقيل أشد الحرص على الأكل وغيره، وقيل هو أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك. انتهى
وقد سبق حد البخل وتعريفه في الفتوى رقم: 35141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427(9/2831)
تأخير المبالغ المستحق أداؤها بغير عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله رسول الله.
أما بعد أرجو من سيادتكم إفادتنا بالفتوة الشرعية لهذا الأمر:
أعمل لدى شركة تقوم بتنفيذ أعمال بالباطن لشركة كبرى ثانية ونتيجة مشاكل بينهما قامت الشركة الكبرى بوقف دفع أي مبالغ نقدية للشركة التي أعمل لديها وتعهدت بدفع الرواتب وقيمة المواد من قبلها مباشرة على أن تدخلها على قيود الشركة الأولى وبعد أن تركت العمل لدى الشركة الأولى رفضت الشركة الكبرى دفع ما تبقى لي من رواتب بحجة أنني أعمل لدى الشركة الأولى ولا أعمل لديها مع العلم أن الشركة الأولى أرسلت لهم كتابا يبين ما تبقى لي من رواتب مستحقة لي مع العلم أنني لم أعمل إلا لدى مشاريع الشركة الكبرى ولذلك لجأت لكم بفتوى تبين حقوقنا عند الشركة الكبرى التي تعهدت بدفع رواتبنا من سنة وخاصة أنني أعلم أن أصحاب الشركة الكبرى أصحاب دين وخلق ولا يأكلون حقوق الغير ولكن يجب أن ننصحهم لأن ديننا دين نصيحة ولكم جزيل الشكر والامتنان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تعهدت الشركة الكبرى للشركة الثانية بدفع رواتب موظفيها فيجب عليها أن تفي بهذا العهد إلا لعذر، ولاسيما إذا كان قد ترتب عليه دخول الشركة الثانية في كلفة بسببه وذلك لعموم قوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا {الإسراء: 34} وقوله صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدك كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. رواه البخاري وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 57942، والفتوى رقم: 4984.
ويزداد الإثم إذا كانت الشركة الكبرى مدينة للشركة الثانية وتعهدت لها بدفع رواتب موظفيها كجزء مما هو مستحق لها عليها ثم ماطلت من غير عذر في دفع الرواتب ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم. والمطل هو تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، وفي سنن النسائي وأبي داود وابن ماجه عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. وعقوبته كما قال أهل العلم حبسه، وعرضه: القول فيه كيا ظالم أو ظلمني ومطلني ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(9/2832)
صفاء القلب والتحلي بالرفق واللين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا العمل
والدتي هداها الله سريعة الغضب وإذا حصل بينها وبين أحد أي مشكله تقاطعه مهما كانت وتظل على هذا الحال لمدة طويلة حتى نحن أولادها تخاصمنا إذا أخطأنا مع العلم أن أخطاءنا تافهة جدا ولكن المشكله مع الأشخاص الذين هم من خارج بيتنا وعندما أنصحها بأن هذه الأمور لا تستاهل أن يحمل أحد همها ويفعل هذا تعصب وتتهمني أنني مع ذلك الطرف وأنني جبانة لا آخذ ثأري مع العلم أن هذا السلوك بدا ينتقل إلى بعض أخواتي حيث إن أختي خاصمت عمي بسبب مشكلة ولم تكلمه مدة طويلة وإني أخاف على أمي من هذا الأمر
أرجوكم ساعدوني فقلبي ينفطر ألما على هذا وحاولت بالتي هي أحسن أن أنصحها أحيانا تقتنع وسرعان ماتعود لذلك الغضب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكون صافي القلب يعفو عمن ظلمه ويحسن إلى الناس، ويتحلى بالرفق واللين فإن الرفق ما دخل في أمر إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، وفي صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه. وننصح بمطالعة الفتاوى التالية برقم: 1641، ورقم: 20902، ورقم: 21549، ورقم: 21824، ورقم: 69295، ففيها تفصيل لجميع ما ورد في السؤال.
ونوصيك أيتها الأخت الكريمة بالرفق في نصح أمك، وأن تختاري لذلك الوقت المناسب، ولا ينبغي أن يحملك إصرارها على موقفها على القسوة معها أو مخاطبتها بما فيه جفاء وغلظة، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(9/2833)
حكم الغيبة وكيفية التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[اغتبت في الناس كثيرا (من الغيبة) وذلك منذ صغري إلى الآن، وأنا لا أعرف الآن من اغتبتهم ونسيتهم تماما ولا أستطيع تذكرهم ولا أستطيع أن أستسمحهم، فهل يجوز لي أن أقوم بأعمال خير كصدقة وزكاة وغيرها نيابة عنهم ولهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الغيبة وكيفية التوبة منها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12890، 66515، 14074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(9/2834)
الغيرة المحمودة والمذمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي مسلمة ومحجبة ومن حفظة القرآن الكريم تواجهني مشكلة في غيرتي عليها وأنا أخاف من الإفراط في الغيرة عليها بحيث تكبر الهوة بيننا ما هي حدود الغيرة، هل أسمح لزوجتي بالعمل في جمعية خيرية فيها رجال، هل أسمح لها بالذهاب لتوزيع هدايا العيد، أحبها حباً جما ولا أريد أن أظلمها، لكني أخاف عليها فهي طيبة القلب وتظن أن كل الناس مثلها وتعتقد بأن الرجل المتزوج لا خوف منه!! فتتكلم معه بحرية أكبر، ماذا أفعل مع حبيبتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة من الغرائز البشرية التي أودعها الله في الإنسان تبرز كلما أحس شركة الغير في حقه بلا اختيار منه، والغيرة صفة محمودة ولا خير في من لا يغار، بل إن قلبه منكوس، قال ابن قدامة في المغني: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتعجبون من غيرة سعد؟؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني. وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير في من لا يغار. وقال محمد بن علي بن الحسين: كان إبراهيم عليه السلام غيوراً، وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. انتهى.
والغيرة لها آداب ينبغي مراعاتها وإلا انقلبت إلى غيرة مذمومة، من هذه الآداب أن لا تكون دونه ريبة، روى أبو داود والنسائي وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحبها الله، فالغيرة من الريبة، والغيرة التي يبغضها الله، فالغيرة من غير ريبة....
ومنها عدم إكثار الإنكار على المرأة ومراقبتها، لأن ذلك بمثابة التهمة لها، قال السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب: (ولا تكثر الإنكار) عليها فإنك تقوي العين عليها فإن فعلت (ترم) زوجتك بسبب كثرة إنكارك عليها (بتهمة) في نفسها. فيقول الفساق: وأهل الفجور لولا أنه يعلم منها المكروه لما أكثر من إنكاره عليها....
وفي الفروع قال ابن عبد البر: قال سليمان (قلت: والمحفوظ في التواريخ وتراجم الأنبياء) قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة فترم بالشر من أجلك وإن كانت بريئة. انتهى.
فالغيرة مطلوبة عند وجود ريبة، وأن تكون باعتدال فلا إفراط ولا تفريط، وأما عن حكم عمل المرأة في مكان يوجد به رجال، فجائز إذا دعت الحاجة له والتزمت بالضوابط الشرعية، ومن هذه الضوابط الالتزام بالحجاب الشرعي، وعدم الخلوة بالرجال الأجانب، وعدم الكلام معهم لغير حاجة، سواء المتزوج منهم وغير المتزوج، إذ لا فرق بين الرجلين، فكل منهما أجنبي عنها، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9390، 3859، 19233.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1427(9/2835)
ضوابط التورية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت المسؤول المالي عن مجموعة من طلاب الجامعات، وحدث أن سرقت مني هذه الفلوس بطريقة خداعية وحدثت المجموعة بأن الفلوس قد سرقت ولكن لم أرو الحادثة بنفس الطريقة التي سرقت مني مع العلم أن النتيجة واحدة وهي أنها سرقت بالفعل فهل في ذلك إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ قريب منه.
وإذا احتاج المسلم لعدم الإخبار بالحقيقة فيمكنه أن يلجأ إلى التورية ومعاريض الكلام حتى لا يقع في الكذب، والتورية معناها أن يتكلم المتكلم بكلام له معنى ظاهر، ومعنى آخر خفي، ومقصود المتكلم هو المعنى الخفي، قال البخاري في صحيحه: (باب المعاريض مندوحة عن الكذب) وقال عمران بن الحصين رضي الله عنه: إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواهما البخاري في الأدب المفرد، وصححهما الألباني.
فإن كنت أيها السائل بحاجة إلى عدم الإخبار بالحقيقة فإنه يجوز لك التورية بشرط ألا يكون المال قد سرق بسبب تفريطك وإهمالك في حفظه، لأنك في هذه الحالة مطالب بضمان هذا المال، كما بينا في الفتوى رقم: 70056، وقد يكون في توريتك حينئذ ضياع لحقوق الطلاب، وقد نص العلماء على تحريم التورية إذا أدت إلى أخذ باطل أو دفع حق، قال النووي في (الأذكار) عن حكم التورية والتعريض: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1426(9/2836)
العفو خلق إسلامي رفيع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يدعو الإسلام إلى محبة كل من أساء إلينا ونطلب لهم الرحمة والمغفرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإسلام دين المحبة والإخاء والرحمة والمغفرة، وإذا حصل للمسلم أذى من أخيه، فقد بين سبحانه وتعالى أنه يجوز له الرد عليه بالمثل، ولكن الأولى به أن يعفو ويصفح ويغفر، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وليس في صبر المسلم وعفوه عمن ظلمه مذلة ولا إهانة، بل إنه إذا فعله تواضعاً لله تعالى وابتغاء للمثوبة عنده، فسيكون رفعا لقدره عنده وعند الناس، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(9/2837)
القنوط.. معناه.. عاقبته.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو القنوط من رحمة الله؟ وما هي عاقبته؟ وكيفيه إخراج القنوط من رحمة الله من قلب المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقنوط من رحمة الله هو اليأس منها وشعور المرء أنه لا يغفر له أبدا، وأنه صائر لا محالة إلى غضب الله وعذابه، لا تنفعه توبة ولا تقربه طاعة ونحو ذلك من الوساوس. قال تعالى: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87} وقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.
وفي نوادر الأصول قال: روي عن الحسن البصري رحمه الله أنه سئل عن القنوط؟ فقال: ترك فرائض الله في السر، معناه إذا تراكمت عليه الذنوب أيس من نفسه فرفض الكل وقال: قد استوجبت النار.
قال الحكيم الترمذي: ومن ساء ظنه بالله انقطع عن الله وتعلق بخلقه واستعاذ بالحيل ولا يلجأ إلى ربه، وكذلك القانط من رحمته قلبه متعلق بالجهد من الأعمال طالبا للنجاة منها، وإذا فكر في ذنوبه ألقى بيديه نفسه إلى التهلكة ورفض العمل. فهذا يبين عاقبة القنوط، وأما علاجه فهو أن يعيش المرء بين طرفي الخوف والرجاء، فلا يقنط من رحمة الله وعفوه ولا يتكل عليها فيترك العمل، وقد فصلنا القول في القنوط وأسبابه وعلاجه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23472، 2969، 35046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(9/2838)
نية الشخص تميز فعله من الرياء أو عدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[دكتور بشري مسلم اشترى سيارة فأراد أن يكتب على لوحتها (دكتور) بدل الأرقام (مع العلم بأن هذا ممكن فعله عندنا) ، فهل يعتبر هذا نوعاً من الرياء أو الشهرة المحرمة أم أنه أمر مباح، أفتونا؟ يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مرد الشهرة والرياء والعجب هو القصد والنية، وذلك أمر لا يطلع عليه أحد من البشر غير فاعله وقاصده، فإن كانت نية الدكتور وقصده بكتابة كلمة (دكتور) على سيارته أو منزله لذلك الغرض وهو الشهرة والعجب والرياء فلا يجوز، وكذا إن كان فعل ذلك يؤدي إلى تلك الأمور أو غيرها مما لا يجوز لأن الوسائل لها أحكام مقاصدها وما يترتب عليها، وأما إذا خلا ذلك الفعل من القصد الحرام ولم يكن يؤدي إلى أمر محرم كأن يكون لأجل تميزها فحسب ونحوه فلا حرج، وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10992، 32856، 25568.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(9/2839)
حكم غيبة من يحتفل بعيد الميلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى قريبائنا المسلمات تحتفل بعيد الميلاد هل الكلام عنها بالسوء عن تلك العادة حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في بدعية الاحتفال بعيد الميلاد كما بينا ذلك في فتاوى منها الفتوى رقم: 26883، والفتوى رقم: 1319، والفتوى رقم: 2130 وغيرها.
ومن وقع في تلك البدعة وتلك المعصية فينبغي نصحه قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكون النصيحة بالحكمة واللين والرفق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله. رواه البخاري
واما الكلام فيه بسوء فهذه غيبة، والأصل في الغيبة أنها محرمة ومن كبائر الذنوب، لقول الله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12}
لكن إن كانت تلك المرأة مجاهرة بمعصيتها، أو كان في غيبتها مصلحة شرعية كتحذير المسلمين من سلوك طريقها والاحتفال بالعيد مثلها فلا بأس في غيبتها حينئذ بقصد النصح والتحذير؛ لا بقصد التشفي والغض منها.
وانظري للأهمية الفتوى رقم: 34639، والفتوى رقم: 17373، والفتوى رقم: 31883.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(9/2840)
كيف تزيل الوحشة بينك وبين أصدقائك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لي صديق محب جدا ويتصف بالأخلاق الحميدة والحسنة لكن أصبح في هذه الفترة لا تعجبني صحبته لأني أصبحت أشك أن من هو من ورائه يعمل على إبعادنا عن بعضنا فأصبح كأنه لا يعرفني وأحس أنه عندما يسلم علي يسلم بدون نفس رأيته في بعض الأيام وهو مغادر من المدرسة وعندما صادفته والله العظيم إني كنت أنظر إليه ولو يستطيع أن لا يرد السلام لا يرد وعندما رد السلام قالها من دون نفس أرجو إفادتي جزاكم الله خير ولو أن السؤال معقد لكن والله انه مشكلة بعدما أصبحنا من أفضل الأصدقاء وقمت على جعله وهذا بفضل من الله أن يلتزم بالصلاة وجعلته ينتسب الى دورة تحفيظ القرآن الكريم أرجو افادتى جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل أفضل علاج لإزالة تلك الوحشة بينكما أن تسأله بلطف وحكمة عن سببها، وإن كان ثَمَّ لبس أو إشكال بينته له.
ثم إننا نوصيك أولا بتقوى الله تعالى،والحرص على البعد عن المعاصي، فقد يكون الهجر والوحشة الواقعة بينك وبين أخيك في الله سببها ذنب ارتكبته أنت أو هو، فالواجب عليكما تقوى الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما. رواه البخاري في الأدب المفرد
كما نوصيك بحسن الظن بأخيك، فلربما يمر بضائقة أو مشكلة أرقته فأثر ذلك على سلوكه مع أصدقائه ومنهم أنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1426(9/2841)
ضرورة حفظ اللسان عن انتقاص الناس وخصوصا العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وأنا مصرية من المنصورة وجلست كل حياتي فى القاهرة وزوجي من المنصورة وجلس فى المنصورة طوال حياته ورجل جيد ويعرف دينه لكن المشكلة أنه دائما إذا جاءت سيرة القاهرة أو أتعامل مع أحد من القاهرة أو أي موضوع فيه صله بمحافظة القاهرة دائما يسب ويقول ألفاظا ليست بجيدة على القاهرة وأهلها بدون ذكر أسماء معينة ولدرجة أنه يسب شيوخ الدين فيها ومن كلامه أنه يقول إنهم كلهم يعبدون المال إله المال والشيخ في القاهرة ليس بجيد فماذا أفعل أنا أحاول أن أغير فكرته ولكنه يقول إنها رأيه ولن يغيره طوال حياته وأنا عندي منه أولاد وأخاف من هذه الأفكار عليهم مع الأخذ فى الاعتبار أنه زوج جيد التعامل معي أنا والأولاد وإن كان في بداية حياتى معه تسبب مشكلة القاهرة إلى حدوث مشاكل بيننا وصلت إلى الضرب منه لي لأني لا أحب أن أسب أو أن أشتم أحد وأن أدعو على أحد كما يفعل من قول على سكان القاهرة أرجو الإجابة بإيضاح لكي أجد حلا معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شأن المؤمن حفظ لسانه فلا يتكلم بما يشين من سب أو شتم أو لعن ونحو ذلك، وقد وردت في النهي عن مثل هذه الأمور كثير من نصوص الوعيد وقد ذكرنا طرفاً منها بالفتوى رقم: 51121، فراجعيها هناك، وإن كان زوجك على الحال الذي ذكرت فنوصيك بالصبر عليه، وتذكيره بالله تعالى وبخطورة إطلاق اللسان في السب والشتم، ولا سيما سب العلماء إنه من الخطورة بمكان. وراجعي الفتوى رقم: 19536، وينبغي أن تذكريه بالأثر السيء الذي قد يتركه مثل هذا التصرف على سلوك أولاده، وأنهم ربما اقتدوا به في ذلك، بل وربما تمادى بهم الأمر إلى إساءة الظن بكل عالم فلا يستفيدون من أحد علماً فينشؤون في غلو وجهالة.
واعلمي أن جماع الخير في دعاء الله تعالى فنوصيك بالإكثار من الدعاء له، ولابأس بأن تستعيني بمن يثق بهم زوجك من الصالحين والعلماء الربانيين ليقوموا بتوجيهه ولو من سبيل غير مباشر، فلعل الله سبحانه يصلحه، فإن صلح حاله فالحمد لله، وإن استمر على ذلك الحال فينبغي أن تصبري عليه وأن تستمري في نصحه بأسلوب طيب، وأن تتحري الحكمة في تحذير أولادك وتنبيههم على خطأ مثل هذه التصرفات التي تحدث من والدهم، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 57458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1426(9/2842)
الأصل في المسلم السلامة من الفسق
[السُّؤَالُ]
ـ[متعلم ولله الحمد متزوج ولدي ثمانية أطفال حدثت أمور جعلت الشك لا يبرحني كنت أعيش مع ابن عمي بنفس البيت وهو متزوج أختي.. اضطررت للسفر لمدة يومين وكان ابن عمي قد ذهب لحفلة عرس أحد الأقارب هو وأولاده وزوجته إلا أنه رجع للبيت بعد أن ترك زوجته وأولاده في العرس فوجدته أمامي خارجا من البيت حين عدت من السفر فسألته عن سبب عودته لوحده مع علمه بأنه لا يوجد في البيت سوى زوجتي وأطفالي الصغار فقال عدت لقضاء حاجتي (التغوط) فسألت زوجتي فقالت هو رجع للبيت فماذا عساني أن أفعل - علما بأن صادف أيضا أن تكون والدتي موجودة لزيارة الأطفال حيث كانت تعلم بأنني مسافر -- وسألت والدتي عن سبب عودته فقالت دخل للحمام (المهم يا فضيلة الشيخ بأن أحداث هذه القصة خلقت بركانا من الشك بداخلي) ولا أعلم إن كان صادقا أو كانت لديه نية خبيثة أما كان الأجدر به أن يقضي حاجته في العرس او في أي مكان آخر مع علمه بأنني مسافر!! سألت زوجتي إن كان قد تحرش بها أو أساء أدبه فأقسمت بأغلظ الأيمان بأنه لم يفعل أي شيء بالقول أو الفعل إلا أنني لم أطمئن وبدأ الشك يأخذ مأخذه مني بما لا يطاق وكلما أذكر الموقف أخلق إشكالا مع زوجتي وأهددها بالطلاق رغم أنها تقسم وتحلف ولكن الموقف يرتسم أمام عيني بين فترة وأخرى --- هل أطلقها وأقطع دابر هذا الشك لأريح نفسي من هذا الوسواس الذي حطم استقراري النفسي -- أضع مشكلتي بين يديكم لوضع النقاط على الحروف, وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة صفة محمودة في الرجل، لكنها قد تنقلب إلى صفة مذمومة إذا تجاوزت حدها، وأوقعت في سوء الظن، وإيذاء المسلم بغير حق، فالأصل في المسلم السلامة من الفسق، فلا يجوز إساءة الظن به، ويمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 10077، والفتوى رقم: 63110
والموقف الذي ذكرته، غير كاف في الظن بابن عمك وزوجتك، فما أخبرك به ابن عمك من سبب عودته إلى البيت الأصل أنه صحيح، وقد شهد شاهد على صحته وهو أمك.
وحتى على فرض أن نيته كانت خبيثة فما ذنب زوجتك، وماذا عساها أن تفعل، كما قالت، هل تمنعه من الدخول إلى بيت يسكنه.
نصيحتنا لك ألا تُطلِق لغيرتك العنان، وأن تردها إلى حد الاعتدال، وأن تتقي الله في زوجتك، ولا تدع للشيطان مجالا لإفساد ما بينك وبينها، فإن هذا ما يريده الشيطان، بل هو أعظم ما يفوز به، ففي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم يقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه، ويقول: نِعْمَ أنت. قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1426(9/2843)
وصية الرسول في حق النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[اتهام الزوج لزوجته وبناته بسرقته وسلب أمواله،، مع العلم بأن الزوج يبلغ من العمر 65 عاماً،، وأن عدد بناته 7، 5 منهن يعملن ولا يقصرن بدفع رواتبهن للعائلة واحتياجاتها، ومع ذلك ينكر أخذ المال لأننا لا نعطيه إياه بيده بل لزوجته، التي يطلب منها وتعطيه وهي لا تعمل، فمن أين لها بالمال سوى من البنات. ولأكون دقيقة أكثر، 4 فتيات متزوجات وواحدة عاملة غير متزوجة وفتاة تدرس دراسة جامعية، والسابعة في الإعدادية. فهل يجوز للأب شرعاً اتهام الجميع بما سبق ذكره مع العلم بأنه متدين. أريد إثباتات شرعية نستطيع بها ردع والدي عن أفعاله لحمايته من انتهاك حرمة الله، لأنه حسب معرفتي بأنني سأكون تحت حكم أبي رغم أنني عاملة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل نصح الوالد نتوجه بالنصح للبنات فنوصيهن خيراً بهذا الوالد المسن، ونذكرهن بقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23 ـ 24} وتراجع الفتاوى التالية: 12437، 7490، 3575.
فمن حقه عليهن بره وطاعته والنفقة عليه إن كان لا مال له، والصبر على أذاه، ولين الكلام معه حتى عند نصحه.
أما الوالد فنقول له: إن إساءة الظن بالمسلم لا تجوز إذا لم تستند على يقين وأدلة واضحة، فلا تظن بزوجتك وبناتك هذا الظن السيء، فإن الظن أكذب الحديث، واتق الله فيهن ولا تظلمهن، فإن الله سبحانه قد أوصى بهن على لسان رسوله، قال صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيراً. رواه البخاري من حديث أبي هريرة. وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة. رواه أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة وحسنه الألباني.
وفي رواية رواها الحاكم وصححها ووافقه الذهبي: إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1426(9/2844)
معنى: العفو والحلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو العفو والحلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو كما قال ابن منظور في لسان العرب: هو التجاوز عن الذنب وعدم العقاب عليه، وأصله المحو والطمس. اهـ.
والحلم بالكسر الأناة وعدم العجلة، والحليم معناه الصبور الذي لا يستخفه عصيان العصاة ولا يستفزه الغضب عليهم ولا يعاجلهم بالعقوبة.
ومن أسماء الله تعالى العفو والحليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1426(9/2845)
حكم التفكير في فتاة يريد الزواج بها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التفكير في بنت أريد الزواج منها؟ كالتفكير أين نذهب؟ أو ماذا نفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في التفكير في الفتاة التي تريد الزواج بها، دون استرسال، ودون التفكير في محاسنها ومفاتنها، وتقدم بيان حكمه في الفتوى رقم: 33239، أما تفكيرك في أمور ما بعد الزواج من باب التخطيط للمستقبل فلا حرج فيه، مع تجنب التفكير في سفاسف الأمور ومنها ما ذكرت، كأين تذهبان، وماذا تفعلان، وأما قبل الزواج فلا ينبغي لأن الذهاب معها مختلياً بها معصية، والتفكير في المعصية مع العزم لا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1426(9/2846)
الاختلاف بين الأجر والوزر
[السُّؤَالُ]
ـ[نشكر لكم اعتناءكم بهذا الموقع وجزاكم الله كل خير.
سؤالنا: نود أن نعلم ما رأي الشرع أو ما رأي العلماء بمقولة اختلاف العلماء رحمة للأمة؟
أفيدونا جزاكم الله الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة اختلاف العلماء رحمة للأمة، أو اختلاف أمتي رحمة، يعده بعض الناس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الحقيقة حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الألباني في السلسلة الضعيفة: لا أصل له، ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: ليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع، وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي. انتهى
وقال فيه ابن حزم: باطل مكذوب.
ثم إن عبارة اختلاف العلماء رحمة للأمة يوردها بعض العلماء في كلامهم عن الاختلاف، وقد بين ابن حزم رحمه الله في (الإحكام في أصول الأحكام) الصواب فيها، فقال بعد ذكر هذه العبارة: وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً، وهذا مما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط ... إلى أن قال بعد سرد الأدلة على ذم الاختلاف، فإن قيل: إن الصحابة قد اختلفوا وهم أفاضل الناس ــ أفيلحقهم الذم المذكور؟ قيل: كلا، ما يلحق أولئك شيء من هذا، لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله، ووجهته الحق، فالمخطئ منهم مأجور أجراً واحداً لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه، ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب منهم مأجور أجرين، وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور والوعيد المنصوص لمن ترك التعلق بحبل الله وهو القرآن، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النص إليه، وقيام الحجة عليه، وتعلق بفلان مقلداً عامداً للاختلاف، داعياً إلى عصبية وحمية الجاهلية، قاصداً للفرقة، متحرياً في دعواه برد القرآن والسنة إليها، فإن وافقها النص أخذ به، وإن خالفها تعلق بجاهلية، وترك القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون.. فنستنتج مما سبق أن اختلاف العلماء إذاكان ناشئا عن اجتهاد فيما غاب فيه الدليل أو تكافأت فيه الأدلة أو تقاربت، فلا يبعد أن يكون رحمة وسعة لمن أخذ بهذا القول أو ذاك، ما دام ذلك في دائرة الخلاف السائغ، وإن كان مجرد تعلق بفلان أو فلان، دعوة إلى عصبية، وحمية جاهلية، قصد الفرقة ورد القرآن والسنة، فهذا أبعد ما يكون عن الرحمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1426(9/2847)
العدل والالتزام بالنصوص المنظمة للبلدية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل رئيساً لإحدى بلديات فلسطين أرض الجهاد والرباط، وصلت إلى البلدية مع إخوة لي في الله بقائمة إسلامية أسميناها (قائمة الإصلاح والتغيير) شعارها الإسلام هو الحل والإصلاح والتغيير، نحن أغلبية في المجلس البلدي إلا أنه معنا أعضاء من القائمة الوطنية (فتح) وآخرون مستقلون، ونعقد جلسة دورية كل أسبوع ويتم مداولة جميع الأمور وتسجيل محضر للقرارات، وبعد اختتام الجلسة وإغلاقها يتم التوقيع عليها من قبل كافة الأعضاء، وفي ذات مرة وبعد انتهاء الجلسة والانصراف من مقر البلدية طلب مني زملائي في قائمة الإصلاح والتغيير إضافة كلمة أو عبارة لأحد القرارات التي تتعلق بموظف معين في غياب الأعضاء الآخرين ودون إعلامهم بهذه الإضافة، وكوني رئيساً للبلدية وأمين سر جلساتها فكرت في الأمر وشعرت بأن ذلك مخالفة شرعية تندرج في نطاق التفريط بالأمانة، وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى (وليكتب بينكم كاتبٌ بالعدل) فرفضت ذلك رغم إصرار زملائي بأن ذلك لا يقع ضمن المخالفة الشرعية وكان المطلوب عدم إخبار بقية الأعضاء به، نرجو من أصحاب الفضيلة التكرم بتوضيح ذلك لنا وما يترتب عليه؟ وبارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت النصوص المنظمة للبلدية تُلزم حضور جميع أعضاء المجلس عند أية إضافة أو أي قرار يتخذ، فإنه لا يجوز لكم أن تخالفوا ذلك، وإن أية مخالفة لتلك النصوص تعد خيانة للأمانة ومحاباة للأصدقاء على حساب مصالح المسلمين وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58} ، وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته. متفق عليه.
وبناء على ذلك فرفضك لما طلب منك هو العدل وغيره هو الجور، فلا تتنازل عنه أبداً، ففي الحديث الشريف: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا، لا يفكه إلا العدل، أو يوبقه الجور. رواه أحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(9/2848)
قبح التسامي بالأنساب والألوان
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع هو السخرية
الرجاء إعطائي الأدلة الشرعية والفتوى الملائمة في هذا الموضوع
سؤالي هو أنني أعيش في مدينة فلسطينية وأنا أصلي (أي بلد أهلي) من الريف (القرى الفلسطينية المجاورة لها) ... أسمعهم يسخرون من أهل القرى بقصد وبدون قصد ... لا أنكر أن هذا الأمر يكرهني بهم ويزيد من بعد المسافة بيننا ... أعمل معهم في إحدى المؤسسات الحكومية ويزعجني استهزاؤهم من بقية أبناء الشعب مع أنه والله لا مقارنة بين أهل المدينة والقرية في أمور كثيرة أهمها البساطة والطيبة وعدم اللؤم في الطباع ... كذلك لا مقارنه بيني وبين زميلاتي من حيث المستوى الاجتماعي فعائلتي أكبر بكثير من عائلاتهم من حيث جميع المستويات التي يقارن بين الأفراد في وقتنا من دين وعلم ومال وأخلاق ورقي في التصرف تصور أنه إذا ذهب أحدنا للشراء من السوق فإن الأسعار وجودة المادة التي نشتريها تتغير حسب المشتري ... إذا كان فلاحا يباع بثمن غال وكذلك يباع بضاعة ذات جودة أقل (مضروبة حسب لهجتنا)
ما أريده منكم هو إعطائي دليلا شرعيا يمنع التمييز بين المسلمين وعقوبة ذلك في الإسلام لعل الإسلام يردعهم ... جزاكم الله كل الخير وأشكركم على حسن الإصغاء. فأنا والله لا أقبل أن أدخل في شجار مع مسلمة مثلي بسبب هذه التفاهات التي نهى عنها الإسلام ولكن أخاف من كثرة الاستهزاء وامتهان الكرامة في بعض الأوقات أن يكون هذا الأمر سببا في قطيعه بيني وبين زميلاتي في العمل.
وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا قيمة ولا اعتبار لهذه المسميات في شرع الله تعالى؛ لأن مقياس الكرامة وميزان التفاضل عند الله تعالى هو بالتقوى، أما الأنساب والألوان واللغات والمجتمعات والثقافات فالتفاضل بها من شأن الجاهلية التي قضى عليها الإسلام ونبذتها نصوص الوحي في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات: 13} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي.
وعلى كلٍ فالدين يرفض التفاضل على أي أساس غير تقوى الله تعالى، ووجود هذه الفئات أو الطبقات في مجتمع ما لا يترتب عليه حكم شرعي، ولا ينبني عليه عمل تكليفي. أما عن موقف الإسلام من الجنسيات فجِماعُه قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
فلا نسب ولا عز ولا جاه ولا سلطان ولا جنسية ولا ريفية أو مدنية أرفع من التقوى، روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام عن فخرهم برجال أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن، رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني
وقد تداعى بعض الأنصار والمهاجرين ذات يوم بدعوى الجاهلية فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: دعوها فإنها خبيثة. رواهما البخاري.
وإن مما يندى له الجبين ما حصل بين المسلمين من فرقة بسبب انقسامهم إلى دويلات مما أضعف رابطة الإسلام وأحل مكانها القومية والوطنية، وهذا لا يعني أن الإسلام يرفض الانتماء إلى بلد معين أو أسرة معينة أو قبيلة أو عشيرة من باب التعريف والتمييز لا من باب الفخر والتمييز، فلا يحل لمن ذكرت بعد هذا أن يميزوا في المعاملة بين القروي والمدني، ومن فعل ذلك فهو آثم يتحمل وزر ما يقول وما يفعل.
أما بالنسبة للبيع بسعر أعلى للقروي فإذا كان السعر محددا فلا يجوز فيه الكذب على القروي أو غيره، وإن لم يك محددا وأراد البائع أن يبيع بسعر أعلى بغض النظر عن السعر الذي يبيع به لغيره، فلا مانع من ذلك لأن مالك الشيء له أن يبيعه بأعلى من سعره. المهم أن لا يكون هناك غش ولا خداع ولا تدليس. والذي نراه في هذه الصورة أن البائعين يستغلون القرويين لعدم علمهم بالسوق وعدم تحريهم لأسعار البضائع فيه، وراجعي الفتوى رقم: 65086، والله تعالى يوفق المسلمين لما يحب ويرضى.
وللمزيد من التفصيل والفائدة وأقوال أهل العلم حول هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 25018، 61680، 52337، 73، 30143، 53423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(9/2849)
أنوا ع الحب وحكم كل نوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في إحدى الجامعات وأسكن مع مجموعة من الشباب الذين يدرسون في نفس الجامعة وأسكن في غرفة مع زميل لي ونحن أصحاب (أنا وزميلي الذي يسكن معي في الغرفة) منذ كنا ندرس في المدرسة الإعدادية وعندما دخلنا هذه الجامعة شعرت بأني أرتاح لهذا الشخص وأشعر وكأن شيئا يجذبني إليه ولا أستطيع أن أفارقه, وعندما نفترق أظل أفكر فيه وأرسل إليه الرسائل الهاتفية وأتصل به ودائما أختار الرسائل التي تعبر عن حبي له, وكذلك أحاول أن لا أغضبه بشيء فإن أحسست بأنه متضايق مني سارعت إلى التأسف منه لأني لا أقدر على غضبه, بل لقد صارحته بأني أحبه حبا شديدا وأني أشتاق إليه عندما يفارقني، وأنا الآن ألاحظ أن الأمور تتطور حتى إنني عندما أتحدث معه أو أرسل له رسالة هاتفية فيها شيء من إظهار المشاعر أو حتى الكلام العادي أو حتى تركيز النظر إليه أشعر بخروج المذي وأضطر إلى الذهاب لدورة المياه لأغسل ملابسي، أما هو فلا يعيرني أي اهتمام لأنه قد يكون ملّ من كثرة الكلام عن الحب والرسائل التي تذكر الحب، وسؤالي: هل هذا يعتبر من العشق، فإن كان عشقا فأرجو منكم توضيح العلاج وكيفية التخلص من هذا الأمر بالتفصيل، وإن لم يكن عشقا فماذا يمكن أن يكون، مع بيان خطوات التخلص من هذا الأمر، أرجو المساعدة والإفادة بالعلاج بالتفصيل؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب الواقع بين شخصين أنواع: فهناك الحب الطبيعي، كالحب الحاصل بين الأخت وأختها، والأم وأولادها، والأب وأبنائه.
وهناك حب شرعي ناشئ عن وجود التآخي في الله عز وجل، وعلامته أنه يزيد بازدياد الطاعة، وينقص بنقصانها، وهذا الحب هو الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. متفق عليه.
وهناك حب شهواني، كحب الرجل للمرأة والعكس، ومنه ما هو محمود كحب الزوج زوجته والزوجة زوجها، ومنه ما هو محرم مذموم كالحب الذي تعارف عليه كثير من الناس اليوم بين رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زوجية.
ومن هذا النوع المحرم ما يكون باعثه الشذوذ، كتعلق الرجل بالرجل، والفتاة بالفتاة، وهذه الظاهرة الشاذة تسمى في بعض المجتمعات بالإعجاب، وحقيقتها هي أنها من العشق المحرم، ولهذا العشق مفاسد ومضار متنوعة منها: انصراف الإنسان عن ربه وخالقه إلى مخلوق ضعيف يضره ولا ينفعه، ومنها: حصول الهم والغم في الدنيا، والعذاب في الآخرة؛ ما لم يتداركه الله برحمته، ومنها: استدعاؤه صوراً من الحرام، كالنظر واللمس والتقبيل بشهوة، وربما قاد الرجل إلى اللواط، والمرأة إلى السحاق، وهذا هلاك محقق.
والذي رأيناه من حال السائل أنه على شفا هلكة كاد يقع فيها، فقد بدأت تظهر عليه علامات الشهوة تجاه صاحبه المذكور، وهذا ما يؤيد القول بأن استمرار العلاقة بهذا الشخص على النحو المذكور أمر محرم ومذموم، والواجب عليه أن يبحث عن علاج فوري لكبحها، فإن لم يجد علاجاً أو استغرق ذلك وقتاً فليقطع العلاقة التي بينهما فوراً، ولمعرفة علاج هذا النوع من العشق راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9360، 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(9/2850)
لا حرج في ملاحظة الوعود الدنيوية عند القيام بالأعمال الصالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم عندي سؤال فيما يخص الإخلاص: هناك من عرف الإخلاص بالعمل الذي يبتغى به رضى الله بحيث لا يكون للنفس فيه حظ هل هذا يعني أن من ستر مسلما لكي يستره الله أو تصدق بمال لكي يطهر الله قلبه ويصلح نفسه أو صام لكي يستجيب الله دعاءه لا يعتبر مخلصا لأن نيته لم تكن رضى الله وإنما مصلحة دينية أو دنيوية، وهل هذه النية يقبلها الله؟ لا تنسوني بالدعاء بظهرالغيب، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى وعد من يقوم بالأعمال الصالحة بكثير من الوعود الطيبة في الدنيا والآخرة، وقد بشرهم بهذه الوعود تحفيزاً لهم على الطاعات وتنشيطاً لها، فلا حرج في ملاحظة هذه الوعود عند القيام بالأعمال، فقد قال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما أنفق بيرحاء: إن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يقل له: إن ذلك ينقص أجره أو ينافي إخلاصه، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صلة الرحم فقال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه. متفق عليه.
قال ابن حجر: فيه جواز هذه المحبة خلافاً لمن كرهها، وإنما المحظور هو عمل العمل لأجل الناس طلباً في منفعتهم أو مدحهم. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31449، 21032، 10992، 10396، 55788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/2851)
الرضا بما قسمه الله لا يعني ضعف الهمة عن معالي الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عندي 30 حاصل على شهادة ثانوية فني ثم كملت دراستي وحصلت على بكالوريوس هندسة قسم كهرباء.
في مصر الوظائف صعب الحصول عليها لا بد من المعارف (الأقارب أو الأصدقاء) أو عن طريق دفع نقود لأشخاص ذوي مناصب للحصول على عمل.
منذ سنة ونصف كانت مسابقة لوظيفة فني كهرباء في شركة طيران الحمد لله حصلت على الوظيفة مع العلم الراتب مرتفع والحمد لله انا راضي بهذا الحال بما قسمه الله تعالى لكن في نفس الوقت أنا أتمنى أن أعمل مهندسا بشهادة البكالوريوس هل ممكن أعطي نقودا للأشخاص الذين يعطون الوظائف للعمل بوظيفة مهندس.
أنا خائف أعمل هذا وأكون غير راض عن ما قسمه الله تعالى.
الرجاء الإجابة حتى لا أخالف الله سبحانه وتعالى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يدفع من مال ــ في سبيل الحصول على وظيفة في مكان ما ــ ينبني على استحقاق الشخص لهذه الوظيفة وتأهيلها لها، وأن لا يجد بدا من دفع المال لنيل حقه، فإذا تعين دفع رشوة لدفع ضرر أو تحصيل حق ثابت لك بيقين أو ظن غالب بأن تعلم يقينا أو ظنا راجحا أنه لا يوجد من بين المتقدمين لهذه الوظيفة من هو أجدر منك بها كفاءة وإتقانا، نقول: إذا كان الأمر كذلك فلا مانع من دفعها، ويبوء بالإثم الآخذ لا المعطي، وراجع الفتوى رقم: 11046، والفتوى رقم: 2487.
أما مسألة تعارض هذا مع ما قسمه الله تعالى لك فليس ثمت تعارض؛ لأن الرضا بما قسمه الله تعالى لا يعني الرضا بالدون والحياة الهون وضعف الهمة عن معالي الأمور وإماتة الرغبة الطموح؛ ولكن من معاني الرضا أن يقنع الإنسان بما وهب الله له مما لا يستطيع تغييره. أما إذا أمكن أن يغير من حال إلى حال أحسن فليغير. قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه: 114} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: اللهم زدنا ولا تنقصنا. وهو القائل: قد أفلح من أسلم, ورزق كفافا, وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/2852)
الشورى.. تعريفها.. مشروعيتها.. وآدابها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أدب التشاور فى الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتشاور هو: استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه للتوصل إلى أقرب الأمور للحق. ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة، قال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ {آل عمران: 159} وقال تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {الشورى: 38} وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الشافعي والبيهقي.
وينبغي للمرء أن لا يمضي في أمر خفي قبل استشارة أهل الرأي والنصح له، وأن يقبل ما يشيرون عليه به إذا توهم فيه الصواب، قال أحد الشعراء:
شاور صديقك في الخفي المشكل واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه في قوله شاورهُمُ وتوكل
وقد جمع بعضهم صفة المستشار في بيت فقال:
شاور لذي دين ونصح عاقل وسالم من غرض وشاغل
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1426(9/2853)
الكذب للحصول على أعلى الدرجات المدرسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الكذب في سبيل الحصول على أعلى الدرجات المدرسية مثل أن تسألني صديقتي هل راجعت الدروس استعداداً للاختبار؟ فأقول لها: لا، أو راجعت القليل منها أو معظمها وأنا في الحقيقة أكون قد راجعتها كلها؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز الكذب لهذا المقصد، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 3809 // 60270 // 39152 // 26391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/2854)
التمادي في الغش يؤذن بضعف الوازع الديني
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام أرسلت لكم سؤالاً ورددتم علي مشكورين غير أن الإجابة كانت تحت رقم 69846
فأرجو الضبط من الناحية الفنية.
ثم إن الإجابة الكريمة نرجو زيادتها. كان اختلافنا أنه يخرج عن منهج السلفية بإصراره على الغش وليس من مجرد الفعلة فهل هذا صحيح، أي هل سيكون سلفياً وهو غشاش دائم الغش، ولا نعني خروجه من السلفية بلحظة المعصية. ودمتم.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغش معصية والتمادي فيه يؤذن بضعف الوازع الديني، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن غشنا فليس منا. وهذا يدل على خطورة الغش والمراد نفي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد في الدنيا وعدم الشره والحرص عليها الباعث على الغش كما قال المناوي وليس المراد نفي اتباع الرسول والسلف الصالح في كل شيء.
والواجب عليكم نصحه وتحريضه على التوبة حتى يرجع عن المعصية وليس الحكم عليه بإخراجه من السلفية مسؤوليتكم ما دام الأمر لا يتعلق بالمعتقد ولم يصل لدرجة الابتداع في الدين، فالصحابة رضوان الله عليهم ما أخرجوا من الإيمان ولا من الصحبة من وقعت منهم المعاصي الكبيرة كالزنى وشرب الخمر، بل حرضوهم على التوبة وأقاموا الحدود على من أظهر ذلك منهم، ولم يسقط ذلك عنهم اسم الصحبة ولا مسمى الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/2855)
ذب المرء الغيبة عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قول يقال إنه قد قيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو (رحم الله امرأ ذب الغيبة عن نفسه) .
إذا كان هذا القول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المقصود في هذا القول؟
مع العلم أني أمشي مثلا 8 كيلومتر يوميا لأوفر النقود فهل ينطبق علي هذا القول مثلا لو قيل عني بخيل؟.
وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب السنة على خبر بهذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن مقاصد الشريعة دالة على معناه لأن حفظ العرض من الضروريات الست المتفق عليها في جميع الشرائع السماوية، وفي حديث صفية ما يدل عليه أيضا فقد كانت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم في معتكفه فخرج يودعها فمر به رجلان من الأنصار ورأوها معه فانطلقا مسرعين فقال: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال شيئا. متفق عليه.
فبين لهما لئلا يظنا به سوءا فيهلكا، وانظر الفتوى رقم: 27448، فينبغي للمسلم استشعار تلك المعاني العظيمة فيدرأ عن نفسه قيل الناس بالتنزه عن مواطن التهم وكل ما يدعوهم إلى ظن السوء به، وقديما قيل:
ومن دعى الناس إلى ذمه * ذموه بالحق وبالباطل
فلا ينبغي أن تعرض عرضك وتنصبه غرضا لحديث الناس فيقعوا فيه. والمبالغة في الشح والتقتير علي النفس أمر مذموم قال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا {الإسراء: 29} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/2856)
الظن أكذب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشك أن لزوجتي علاقة بأحد الأشخاص عن طريق المكالمات الهاتفية، ولكن لا دليل محسوس لدي، علما بأنني طلبت تدخل أهلها وفاتحت هذا الشخص الذي أقسم على القرآن أنها بمثابة أخته وهي كذلك أقسمت أنه بمثابة أخيها وكثيرا ما يحدث بيننا شجار بسبب هذا الموضوع، وكلما أخرج من البيت يسول لي الشيطان أنها تتكلم معه فلا أدري ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وأخرج أبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم.
وأخرج أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه أتي برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
وبناء على ما سبق فعليك أن تسد على نفسك باب الشكوك والأوهام، وأحسن الظن بأهلك حتى ترى ما يخالف ذلك، وننصحك أن تجعل بيتك منزلاً محمياً بدين الله تعالى وأخلاق الإسلام الحميدة، فإن دين الله يقيم على الإنسان رقيباً من نفسه، فإذا خلا علم أن الله مطلع عليه فلا يقع في أمر يسخط الله تعالى، وإذا غاب الرقيب الإيماني فلا تنفع الرقابة من الزوج أو غيره، وننبه إلى حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء في حال عدم مراعاة الضوابط الشرعية كالستر والحشمة والأدب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/2857)
التحذير من تشبه الرجل بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق صفاته صفات الرجولة، ولكنه يتكلم بدلع نظراً لتربيته في بيئة نسائية، ولكنه لا يعلم أن الناس ينظرون له هذه النظرة، وتقع المشكلة بأنه لا يعرف أن يرد على من يتكلم عنه أو يعايره، فما هي نصيحتكم لي للتعامل معه، وكيف أنصحه من دون أن أحرجه، علماً بأنه يدرس معي في نفس الفصل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان صديقك يتشبه بالنساء في كلامه وحركاته فالواجب عليك تحذيره من التشبه بهن بحكمة، وبيان الحكم في ذلك وترهيبه منه، ففي الحديث عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.
ويمكنك أن تبين ذلك بأسلوب لا يجرح مشاعره عن طريق بيان الحكم بحضرته من دون توجيه الخطاب إليه، أو عن طريق إرسال رسالة إليه، أو إهداء أشرطة أو كتب تتضمن حكم ذلك والتحذير منه، وأكثر الدعاء له، واحرص على أن تربطه برفقة صالحة، فالرجل على دين خليله؛ كما في سنن أبي داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/2858)
التحذير من مداخل الشيطان الخفية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يا فضيلة الشيخ حول الرياء وأنا والحمد لله أسعى إلى أن أكون من حملة القرآن الكريم
وأبذل جهدي في ذلك وأدعوا الله تعالى أن يجعل ذلك في سبيله وأجتهد في إخلاص النية لله ولكن ياشيخ عندما أقرأ أو أسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صاحب القرآن الذي يقول له الله سبحانه وتعالى إنما فعلت ذلك ليقال لك قارئ وقد قيل هذا معنى حديثه صلى الله عليه وسلم والشطر الثاني من السؤال أن الله تعالى رزقني من الصوت الحسن فبعض الإخوة يحبون أن يستمعوا لصوتي في القراءة ويلحون علي وأنا أتردد من باب خوفي من الرياء وفي الأذان كذلك عندما أرفعه تأتيني وساوس إبليس اللعين تفعل ذلك ليقال لك صوتك حسن؟ فأخاف وأنا أريد أن أخدم القرآن وأن أزين القرآن بصوتي وأن أكون سببا فيمن خشع أو بكى أو تدبر آية سواء كنت إماما في الصلاة أو من استمع إليَّ انصحوني لوجه الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى المسلم أن يقصد بعلمه وجه الله عز وجل، وأن يوحده بالقصد والإرادة، وأن يحذر على نفسه من الرياء وما شابه ذلك من المقاصد التي تبطل عمله، وقد تصل به إلى الشرك والعياذ بالله، وليعلم المسلم أن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، موافقاً لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صح في الحديث أن الله عز وجل يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم وغيره.
ولكن على المسلم كذلك أن لا يفتح للشيطان باباً ويجعل له عليه سلطاناً فيشككه في نيته وقصده، وربما قاده بعد ذلك إلى ترك العمل بحجة فقد الإخلاص، وهذا مدخل من مداخل الشيطان الخفية التي يجب على العبد التحرز منها، بل الواجب إخلاص القصد لله ومحاربة النفس من التوجه لغيره، وما عرض بعد ذلك من وساوس لا ينبغي الالتفات إليها فإنها من الشيطان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصاري يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب، وإذا استسلم الشخص للوساوس ولم يقطعها فقد تجره إلى ما لا تحمد عقباه، والعياذ بالله، ومن أفضل السبل إلى قطعها والتخلص منها: الاقتناع بأن التمسك بها اتباع للشيطان.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها ... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته.
فاقرأ القرآن وجوِّده وتغن به ولكن مع مراعاة ضوابط التجويد وعدم التكلف ونحوه، قال ابن قدامة في المغني: وعلى كل حال فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن وتطريبه مستحب غير مكروه، ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه وزيادة حروفه. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30366 // 14628 // 33389.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1426(9/2859)
كفران العشير بين الصديق وصديقه
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ لي صديق أحبه في الله وهو كذلك يحبني في الله وهذا بفضل الله ولكن يا شيخ السؤال أني مرة سمعت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول كفر العشير ليس فقط بين الرجل وزوجته بل يقع بين الرجل وصديقه.
فهل عندما يحدث أمر بيني وبين من أحببته في الله وأضيق لهذا الأمر وهو أمر مشروع شرعا وأنا أخبرته إن تفعل هذا الأمر أشعر بالضيقة منه أو أين كان هذا الفعل الشاهد أنه مباح وليس محرما لأن الأمر المحرم هذا واجب علي أن أحزن وأضيق له فهل عندما أضيق وأحزن لهذا الفعل الذي فعله أكون كفرت بالعشير رغم أني يا شيخ لا أنسى أو أتلفظ عليه بالألفاظ التي تبين أنى لم أر منه خيرا قط بل أقول له يعلم الله أنك لم تقصر معي في شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سمعته من الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من أن كفران العشير ليس فقط بين الرجل وزوجته بل يقع بين الرجل وصديقه صحيح.
فكفران العشير -كما قال أهل العلم- هو جحد النعمة وإنكارها أو سترها بترك شكرها. وهذا طبعا لا يختص بالزوجة، بل كل من أُحسِن إليه أو قُُدِم له معروف، فعليه مقابلة ذلك بما يستطيع من خير، وحرم عليه كفران ذلك المعروف.
ولكن ما ذكرت أنه يحدث لك من الضيق إذا وقع صديقك في أمر معين، لا يعد من كفران العشير، ولو كان الذي يقع فيه صديقك أمرا مباحا. لأن كل فرد من الناس له جبلة قد فطر عليها، وله خصوصياته الفردية، وله مزاجه الخاص وانطباعه وشخصيته المتميزة.
وعلى الصديق أن يرعى كل ذلك لصديقه، وأن لا يقع في شيء يسبب له التضايق وعدم الرضا. ولو حدث وقوع الصديق فيما لا يرضي صديقه فلا حرج فيما يحصل له من الضيق.
ومع ذلك فسترك للحزن عن صديقك، وإبداؤك الرضا له، وأنه لم يقصر في حقك أبدا هو من العشرة الحسنة والخلق الفاضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(9/2860)
من شروط الحيلة حتى تكون مباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي في الشركة نظام علاج للأسرة بمعنى أن أية فواتير علاج لأحد أفراد أسرتي يتم صرفها من الشركة ولكل موظف مبلغ ثابت سنويا ويتم خصم هذا المبلغ من الأرباح السنوية للموظفين سواء تم صرفه للموظف أو لم يتم صرف شيء منه للموظف، ولقد قمت بإدراج والدتي وزوجتي وابني داخل هذا العلاج،، ولكن عندما حاولت إدراج اسم والدي رفضوا وقالوا يجب إثبات أنه لا يتبع أي تأمين صحي خارجي (حيث إنه لم يبلغ الستين من العمر) وبالفعل هو لا يتبع أي تأمين صحي خارجي ولكن لا يوجد أوراق تثبت ذلك وهو يشتري علاجا شهريا ثابتا مدى الحياة،، فقامت والدتي بعمل فاتورة باسمها لهذا الدواء حتى أتمكن من صرفها شهرياً،، واليوم أكمل والدي الستين ويمكن إدراجه بالعلاج،، فهل ما كنت أفعله قبل الإدراج حرام،، وماذا أفعل لأكفر عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان والدك من الذين يستحقون العلاج على حساب الشركة حسب الشروط المتفق عليها ولكنك عجزت عن إثبات ذلك رسميا فلا نرى حرجا من توصلك إلى هذا الحق بالحيلة المذكورة؛ لأنك في حقيقة الأمر أخذت ما هو حق لك ووفيت بالشرط المتفق عليه وهو أن لا يكون والدك تابعا لتأمين صحي خارجي. والحيلة جائزة إذا تعينت للوصول إلى حق ولم يترتب عليها حصول ضرر للغير، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 9285، ورقم: 25629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(9/2861)
العشق داء وبيل
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال حول مشكلة وقع فيها أحد الأصدقاء ويريد جواباً شرعياً ونفسياً علهُ يصل إلى نتيجة تريحه وتذهب ألمه المتواصل لأنني أشفق عليه كثيراً.
المشكلة هي أنه موظف في دائرة حكومية ومعه موظفة أكبر منه بالعمر كثيراً ومتزوجة وقد تعلق بها وأحبها كثيراً حتى صارت شغله الشاغل وكل أفكاره فيها وهي كذلك أحبته وأُعجبت فيه كثيراً وحاول أن يتخلص من هذا التعلق فتزوج ليحاول أن يقلل من شأن تعلقه بها وكثرة حبه لها ولكنه وجد نفسه قد أحبها أكثر وأكثر وهو يصارع الألم الآن ويكابد مر التعلق.. نريد الاستشارة والجواب الشرعي والنفسي وجزاكم الله خير الجزاء ولكم مني أغلى المنى والتوفيق في الدنيا والآخرة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا علاج العشق في الفتوى رقم: 9360، وننصح أيضا بمطالعة الفتاوى التالية: 8663، 30425، 34932.
ونذكر الأخ الكريم بتقوى الله تعالى، وأن فعله هذا إن خلا من المحرمات الشرعية فإن فيه إفسادا لحياته الزوجية، كما أنه إفساد لحياة تلك المرأة وتخبيب لها عن زوجها، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما روى أبو داود والحاكم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أي أفسدها.
ومن العلاج أن يبتعد هذا الأخ عن هذا العمل، أو ينتقل إلى قسم آخر لا يراها فيه.
وعليه أن يتذكر رقابة الله عليه، وأنه مطلع على حركاته وسكناته، وعليه أن يكثر من ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(9/2862)
طلب المتبرع لبناء المسجد شهادة زور من المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[جماعة أرادوا إعادة بناء مسجدهم فطلب منهم المتبرع أن يشهدوا له بأن المسجد تم بناؤه سابقا من قبله وهذا خلاف الحقيقة فهو لم يشترك حتى في بنائه سابقا فما حكم الشهادة؟ وهل يترتب عليها شئ بالنسبة للصلاة في المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لهذا الشخص المتبرع بإعادة بناء المسجد أن يطلب من الناس أن يشهدوا له زورا وبهتانا بأنه قد قام ببنائه سابقا، ولا يجوز لهم أن يوافقوه على ذلك فقد قال الله تعالى عن عباده المؤمنين: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور {الفرقان: 72} وفي الصحيحين عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
ولو قدر أنهم شهدوا له زوراً فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، ولو شهدوا له وقام ببناء هذا المسجد فالصلاة فيه صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(9/2863)
من وعد شخصا بشيء فمات هذا الشخص
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد وعدت شخصاً بشيء ما، لكنه توفي قبل ذلك، فهل يجب على تنفيذ الوعد بعد وفاته؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوفاء بالوعد مستحب عند الجمهور، وقد أوجبه بعضهم، ولا شك أن البعد عن إخلاف الوعد مطلوب، لأن إخلافه من شيم النفاق العملي.
وبناء عليه.. فإن كنت وعدت هذا الشخص بإعطائه مالاً فإنه لا يلزم إنفاذ الوعد بعد موته ولا إعطاء المال لورثته؛ لأن الهبة لا تملك إلا بالحوز وهو لم يحز المال لأنك لم تنفذ الوعد، ولو أنك أعطيته لورثته فهو أحسن، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52281، 5797، 12729، 44575.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(9/2864)
النهي عن الفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حكم الفساد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم الفساد هو التحريم، وقد تكرر النهي عنه في الكتاب والسنة. قال تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ {البقرة:205} . وقال: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا {الأعراف:56} . وقال: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ {هود: 116} . وقال: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. {القصص: 77} .
وفي الحديث الشريف: فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كله، وأما من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لا يرجع بالكفاف. رواه النسائي وأبو داود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1426(9/2865)
الستر على المسلم مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت في الخطيئة مع خطيبها فحملت منه ولم تتفطن إلا بعد فوات الأوان وقد وضعت حملها منذ أيام ثم أخبرت أمها. الرضيع الآن في رعاية والدة الخطيب وبفضل الله ورعايته لم يتسرب الخبر. المشكلة أن أم المخطئة تشعر بالذنب تجاه زوجها هل تخبره بما حصل لابنتهما أم تستر الأمر! مع العلم أن الزوج إمام جمعة وهو رجل تقي يحظى بمكانة مرموقة في بلدته. هل تذنب في حق زوجها إن لم تخبره؟
الرجاء الإجابة بسرعة نظرا لخطورة الموقف.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل هو الستر على المسلم غير المعروف ولا المشتهر بالمعاصي، ففي الحديث: من ستر مسلماً ستره الله. متفق عليه، وفي الحديث: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله. كما في الموطأ، ويدخل في ذلك ستر حال هذه البنت عن والدها، إلا إذا كانت هناك مفسدة أشد ستترتب على عدم إخبار الوالد.
وعليه؛ فلا تأثم الأم بعدم إخبار والد الفتاة بأمر ابنتها، وإن علم بذلك فلتخبره أنها فعلت ذلك ستراً للمسلم.
وعليها نصح ابنتها بالتوبة إلى الله من هذه المعصية الكبيرة، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 17120.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1426(9/2866)
الهدي النبوي في إزالة أدران الحسد والحقد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مكتب ويعمل معي صديقي. في الآونه الأخيره بدأت التمس لدى صديقي أنه يتقرب كثيرا من المدير مع العلم بأن صديقي كان ينتقد أحد الموظفين الذين يفعل ذلك ويتهمهم بالفساد. قبل حوالي شهر وقع إشكال مع المدير تم ظلمي به وتبين أن من تسبب بالإشكال هو صديقي وقد لاحظت أن صديقي بدأ بالحصول على معاملة خاصه وامتيازات في أجر العمل والخ،
مع العلم بأن صديقي لا يخفي عني مثل هذه الأمور، أما الآن فهو يفعل ذلك، هو ما زال يحاول أن يبقي على العلاقة بيننا إلا أنني أصده بحجة أنني منهمك بمشاكلي الخاصة، مشكلتي الحقيقية أني فقدت الثقة في هذا الصديق والأدهى من ذلك أني صرت أحقد عليه ولا أطيق محادثته كما أشعر بغيرة شديدة لحصوله على امتيازات من حقي أن أحصل عليها لأنني أجتهد وأكد في عملي؟
أرجو منكم النصيحة كيف لي أن أنزع الغل والحقد والحسد من قلبي وهل لي بطريقه أنصح بها صديقي دون أن يتخذ مني موقفا سلبيا، مع العلم أنني شاب ملتزم؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه ننصحك بأن لا تظن بصديقك الشر إذا لم تكن عندك أدلة قاطعة بثبوت ما نسبته إليه. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وإذا تحققت مما ذكرت عنه فيمكنك أن تنصحه وتبين له خطر النميمة والإفساد بين الناس دون أن تبين له أنك علمت بأنه كان هو السبب فيما حصل لك. ولقد أحسنت في طلب النصيحة في الكيفية التي تنزع بها الغل والحسد والحقد من قلبك؛ لأنها أمراض خطيرة على دين المرء، وقد جاء في الخبر أن الحسد مرض من الأمراض النفسية التي لا يسلم منها أحد، وأن علاجه هو ترك البغي والاعتداء على الناس، أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن علية رفعه: ثلاث لا يسلم منها أحد: الطير والظن والحسد. قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ. والحديث وإن كان في سنده مقال، فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن له شاهداً
وعليه؛ فالذي ننصحك به هو عدم السعي في أي أمر يمكن أن يجلب الشر لصديقك، وأن تعامله بالحسنى فإن ذلك سيجعله يتراجع عما كان يضمره لك من الشر إن كان يضمر لك شراً أصلاً. قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34 ـ 35}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1426(9/2867)
حكم زيادة الراتب أو الحصول على مسكن عن طريق الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة بوظيفة جديدة وحيث إنني بلغت سناً من المفترض أن أكون قد تزوجت فيها فإنني أستحي من قولة غير متزوج وهذا حسب طبيعة البلد الذي أقيم فيه (اليمن) الجميع ينظر لهذا الأمر كأنه عيب فسجلت بأنني متزوج هل أكون كذبت ولقد منحت من جراء ذلك سكنا لإحضار أولادي مع العلم أنه هنالك أجانب يملكون نفس السكن ولا يرغبون في إحضار أولادهم ويسكنون لوحدهم في نفس مواصفات السكن،كما يمكنني أن أفيد بعدم رغبتي بإحضار أولادي. هل كذبتي تحسب علي وهل أتكلم ربما يغضب مدير الشركة مني وأفقد وظيفتي وهل حصول السكن الذي يمنح لأي موظف في ظرفي يعتبر غير شرعي أفيدوني أفادكم الله القوي العزيز،،
ادعو لنا بالزواج ولكم بدوام التوفيق والسعادة وأن يجمعنا الله بجنته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب هو الإخبار بالشيء خلاف ما هو عليه، فإذا سجلت أنك متزوج ولست كذلك فإن هذا يعد كذبا، وإذا ترتب عليه أن تأخذ شيئا لا تستحقه كزيادة راتب وسكن متزوج ونحو ذلك مما هو مشروط بكون الموظف متزوجا أحضر أهله أم لا، فإن ذلك زيادة في الإثم ولا يجوز لك أخذه، وعليك بالتوبة إلى الله عز وجل مما كان منك من الكذب، هذا، ونسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يرزقك زوجة صالحة تقر عينك بها، وراجع في حكم الزواج الفتوى رقم: 3011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1426(9/2868)
الفضل والكرامة في الدين والتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[نعاني مشكلة كبيرة في بلادنا وهي القبلية حتى قال بعض الناس إن الله أقر هذا، وقال في كتابه العزيز: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. وقال آخرون هناك حديث يقول فيما معناه: أن اسمك حتى أن تصل إلى 20 اسم, يعني فلان بن فلان إلى 20 يدخل من صلة الأرحام, سؤالي: ما هو التفسير الصحيح لكلمة شعوبا وقبائل وهل هناك فرق بين القبيلة والقبلية, وما هو سبب النزول شعوبا وقبائل وما هي صلة الأرحام ومن هم؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم حديثاً يتضمن المعنى الذي ذكرته، أن اسمك حتى تصل إلى 20 اسم، يعني فلان بن فلان إلى 20 يدخل في صلة الأرحام، ولم نجد من حدد عددا من الآباء ينتهي إليه الرحم، وإنما تتأكد صلة الرحم كلما كان الشخص أقرب، ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك. وتفسير ما طلبت تفسيره يمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 52198.
وقد عرفت من الفتوى المحال عليها معنى القبيلة، وأما القبلية فهي القبيلة لحقتها ياء النسبة، ومعناها كون الشخص يعطي الأولوية لقبيلته دون أي اعتبار آخر، وسبب نزول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} ، هو قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح له: ابن فلانة، قال العيني في عمدة القاري:..... واعلم أن هذه الآية الكريمة نزلت في ثابت بن قيس وقوله للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذاكر فلانة؟ فقام ثابت بن قيس. فقال: أنا يا رسول الله! قال: انظر في وجوه القوم فنظر إليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت يا ثابت؟ قال: رأيت أبيض وأسود وأحمر، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى. فأنزل الله في ثابت هذه الآية. وراجع الفتوى رقم: 66747، والفتوى رقم: 30143، والفتوى رقم: 35576.
وصلة الرحم تكون بالزيارة للأقارب، والهدية إليهم والاتصال بهم هاتفيا ونحو ذلك مما يعد صلة في عرف أهل البلد، وكل ما تعارف الناس عليه أنه صلة فهو الصلة، وما تعارفوا عليه أنه قطيعة فهو القطيعة، وأما سؤالك عمن هم الرحم، فلك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 11449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(9/2869)
أضرار ومخاطر مخالطة رفقاء السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أتعامل مع إنسان مليء بالشر فهو يحقد ويحسد ويتتبع عورات الناس فهل هناك دعاء أبعد شره عني؟
... ... ... ... وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن مخالطة رفقاء السوء خطر عظيم وبلاء مبين، يعرض المرء للمفاسد والمخاطر المختلفة في الدنيا والآخرة، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من جليس السوء بقوله: مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة. رواه البخاري ومسلم. وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، ومن يصاحب.
وعليه؛ فينبغي أن تبتعد عن هذا الإنسان الذي ذكرت من حاله ما ذكرت، وأن لا تتعامل معه إلا لضرورة. وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإن عموم اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والصلاة ونحو ذلك نافع جداً في هذا بإذن الله. ولك أن تراجع في الآيات والأذكار التي تبعد شر أهل الشر فتوانا رقم: 20343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1426(9/2870)
الغيبة والكلام عن الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أرجو الإجابة عليه مباشرة دون تحويلي إلى فتاوى سابقة وجزاكم الله خيرا....
كثيرا عندما أجتمع مع الأهل نذكر أخبار الناس ولا نقول عليهم سوءا فقط نذكر أخبارهم بأن هذا سافر وهذا مرض وهذا تزوج على زوجته، فهل يعتبر هذا غيبة لهم أم ماذا؟ أفتونا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة قد عرفها العلماء بأنها ذكر المرء أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: " قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته " رواه مسلم.
وعليه، فالحديث بما كان من أمور الناس من سفر ومرض وتزويج ونحوه، إذا لم يكن فيه ما يسيء المتحدَّث عنه فليس بغيبة، وبالتالي فهو مباح.
ولكن ينبغي للإنسان أن لا يكثر الحديث بما لا فائدة فيه، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ". ومن كلام الحكماء: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1426(9/2871)
من سبق إلى موضع مباح فهو أحق به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم بإحدى الدول العربية ولاحظت أنا أن الناس بكثير من المساجد لايسمحون للسود وذوي البشرة الملونة بالصلاة في الصف الأول ولا يخجلون ويأتيك أي واحد منهم وبصوت عال يقول لك ارجع للخلف وبانتهار وازدراء فما رأي الدين في هذا وقد تأكد لي أن كثيرا ممن تعرضوا لهذا الموقف قد قاطعوا المساجد حفاظا على كرامتهم من الإذلال والإهانة فماذا يقول الدين لهؤلاء وهؤلاء؟
أفيدونا نفعنا الله بعلمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام بريء من هذه التصرفات والتفرقة بين المسلمين سواء كان على أساس اللون أو العرق أو البلد مع أن هذه التصرفات إن ثبتت فهي نادرة لا يحكم على عامة المسلمين وليست ظاهرة منتشرة، بل إننا ولله الحمد لم نر شيئاً منها رأي العين. ثم إن اختلاف الألوان آية من آيات الله تعالى الدالة على توحيده وعظيم قدرته، يقول الله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ {الروم: 22}
قال الشوكاني عند تفسير هذه الآية: واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل كل فرد متميز عن غيره، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون.
وقال الله تعالى مبيناً بعض آياته وقدرته في اختلاف ألوان الناس والجبال والحيونات والنباتات: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {فاطر: 27 ـ 28}
والتفاضل بين الناس إنما يكون بالتقوى، فالناس كلهم من آدم، وأكرمهم في ميزان الله هم أهل التقوى، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات: 13}
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى أن قال: قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان عن كثير بن هشام به. انتهى
وأخرج الإمام أحمد عن أبي نضرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى ... وروى الإمام أحمد أيضاً وأبو داود رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن.
فالمسجد بيت الله، والمسلمون فيه سواسية، ليس لبعضهم أن يؤخر بعضاً، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل الرجل من مجلسه، فقال: لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. رواه مسلم
قال النووي في شرح صحيح مسلم: فمن سبق إلى موضع مباح في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث. انتهى
فعلى هؤلاء وغيرهم ممن يتصرف هذا التصرف ويستهزئ بعباد الله تعالى أن يتقي الله ويحذر عقوبة الله، ولبيان خطر الاستهزاء بعباد الله يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 35551. وعلى الإخوة الذين يتعرضون لمثل هذه التصرفات أن يعتزوا بإسلامهم فهو النسب الذي لا ينقطع والعز الذي لا يضاهيه عز. ولا يتخلفوا عن صلاة الجماعة وليصلوا في المكان الذي تيسر لأن في ذلك رضى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1426(9/2872)
الغيبة بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال أرجو الإجابه عليه دون تحويلي لفتاوى سابقة، إحدى الزميلات في العمل اتصلت بي وقالت لي إن شخصا أخبرها بموضوع معين كنت قد قلته لذلك الشخص ثم بعد ذلك سألت الشخص هل فعلا أخبرتها فقال نعم، ولكنها هي التي دخلت في الموضوع ثم تكلمت مع زميلة أخرى إن هذه الإنسانة تحب أن تتدخل في مواضيع الآخرين، وإنها ذكية تريد أن تصل لهدفها، فهل هذا يعتبر غيبة لها، وماذا أفعل حتى أكفر عن ذنبي إذا كان هذا ذنبا، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من هذا الحديث الذي جرى بينكما هو تحذيرها من تلك المرأة فهذا من الغيبة الجائزة، وأما إذا كان للتفكه بالحديث عنها ونحو ذلك مما ليس فيه غرض صحيح فهو غيبة محرمة، والكفارة منها التوبة والاستغفار والعزم على عدم العود وأن تستغفري لمن وقعت في غيبتها وتدعي لها في مقابل مظلمتها، قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: الأصل في الغيبة الحرمة، وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
وقد ذكر أهل العلم ستة أسباب تبيح الغيبة، وهي:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصاً يصاحب إنساناً سارقاً أو زانياً أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كالخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصا، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى، وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم، وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1426(9/2873)
الكذب والاحتيال لجلب الزبائن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من المغرب أود أن أسال بخصوص عملي. أنا أعمل بأحد مراكز الاتصال. أتصل بمواطنين فرنسيين وأدعي أنني فرنسية قاطنة في فرنسا وأقترح عليهم خدمات مجانية تختلف باختلاف الحملات التي أشارك فيها.
فمرة أدعي أنني مستخدمة لدى شركة لمعالجة الخشب وأقترح عليهم معاينة مجانية للخشب في منازلهم. ومرة مستخدمة لدى مختبر للتداوي بالأعشاب وعندها أقترح عليهم معلومات مجانية وأنا أشك في أن الشخص الذي سينقل هذه المعلومات سيجبرهم على شراء منتجاتهم. ومرة أخرى أنني أنوي مع زوجي فتح محل لبيع معدات المطبخ
وأننا سننظم معرضا قبل الافتتاح وأدعوهم لحضور هذا المعرض.... وهذا كله غير صحيح طبعا.
أما هذه الحملات فهي لحساب مستثمرين فرنسيين يتعاملون مع هذا المركز لأنه يقوم بإنجاز هذه الحملات الإعلامية بأقل تكلفة. فأنا أريد أن أعرف هل ما أدعيه يعتبر كذبا وهل يتوجب علي ترك هذا العمل علما أنه من غير الممكن أن أصرح بهويتي الحقيقية خلال هذه الاتصالات. وهل مجرد شكي في أن هناك احتيالا على هؤلاء المواطنين يلزم علي ترك العمل خصوصا وأنه ليس بإمكاني التأكد من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب هو الإخبار بالشيء بخلاف ماهو عليه على وجه العلم والتعمد، ولا ريب أن ما تفعلينه يعتبر كذباً وفي الحديث: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه
هذا وإذا انضاف إلى الكذب في الحديث الاحتيال والتدليس فقد اجتمعت معصيتان الكذب والغش وفي الحديث: من غش فليس منا. رواه مسلم
فالواجب عليك التوبة إلى الله عزوجل من هذه المعصية، هذا وإن استلزم عملك الكذب والاحتيال أو الاختلاط بالرجال الأجانب أو الخلوة بهم ونحو ذلك فلا يجوز لك البقاء فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1426(9/2874)
رمي المؤمن بغير ما اكتسب بهتان وإثم مبين
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو عن أبي وأخي الأكبر: أبي يدعو الله على أخي الأكبر ويتهم الأول. السؤال: أشياء لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه، وانما سوف أشرح لكم ما أشاهده: هو أن أبي متزوج بامرأه أخرى وقد طلق أمي - الله يرحمها -
التهمه الأولى الذى اتهم أبي أخي أنه أخذ عليه فلوس، بالتحديد أن أبي فتح دكانا أو بقالة لأخي وربما أخي خسر أو صرف الفلوس أو لم تكن له خبرة في ذلك أو أن كل شيء صح والفلوس أخذها أبي. المهم أن أبي أخذ سند دين من أخي بالفلوس التي ادعى بها أبي، وقد كان السند معمول باسم صهر أبي ـ أخو خالتي، علما أن الفلوس فلوس أبي، مع ذلك كان يكثر أبي من الدعاء على أخي.
الشيء الثاني: هو أن خالتي أرادت أن تدخل أمريكا عند طريق أبي، ولم يجد أبي أحدا يقوم مقامه إلا أخي، علما أن أخي مطرود من أبي وعايش لوحده. المهم أخي وافق أبي وقام باستخراج جواز السفر لها وجهز لها كل شيء، ولم يبق إلا أن تدخل السفارة الأمريكية وتقابل القنصل لكي يسألها ولكن خالتي لم تقدر بأن ترد على بعض الاسئلة، وقال لها القنصل أنت كذابة، ولم يوافقوا على إعطائها الفيزة، علما أن أبي خسر فلوسا كثيرة على ذلك. ماذا تعمل خالتي وحتى لا يتهمها أبي لصقت التهم بأخي. والله أعلم.
كيف عملوا لأبي حتى يتهم أخي بأنه هو السبب في ذلك فهل هذا يعقل؟! مما ازداد دعاء أبي على أخي، يدعو عليه، وكلما أصابه شيء يدعو عليه، علما بأن أخي مظلوم هناك في البلاد لم يدخل أبي أمريكا ولم يعطه أي شيء، وكل تعب وشقاه وحقه وماله تأكله خالتى وأهلها، ومن حولها. أفيدوني في ذلك. جزاكم الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن دعاء الوالد على ولده بغير حق لا يجوز وذلك في الفتوى رقم: 44804. ولا يستجاب له لما فيه من ظلم وبغي وإثم، وانظر أيضًا الفتوى رقم: 55334.
ولتعلموا أن تجاوز الأب وظلمه للابن لا يبيح عقوقه وإساءة الأدب عليه، بل ينصح بلطف وحكمة ولين ويصحب بمعروف. وليس من عقوقه نصحه وبيان الحق له، كما بينا في الفتوى رقم: 1042، ولكن يجب بره والإحسان إليه وإن أساء، وانظر الفتوى رقم: 5339. والذي نراه وننصحكما به أنت وأخوك أن تبرا أباكما وتحسنا إليه ولا يضركما إساءته، ولا يضركما دعاؤه ما دمتما توفيانه حقه في بره وصلته والإحسان إليه.
وأما ما قامت به خالتك من تلبيسها التهم بأخيك لئلا يغضب عليها والدك فهو خطأ عظيم وإثم مبين - إن كان الأمر كما ذكرت - لما فيه من رمي المؤمن بغير ما اكتسب، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا {الأحزاب:58} . فعليها أن تتوب إلى الله من ذلك وتخبر والدك بالحقيقة، وتعترف له بالحقيقة، وأنها ظلمت أخاك وأنه بريء مما رمته به، كما فعلت امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام لما قالت: أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {يوسف:51-53} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(9/2875)
ذكر المرأة الأحداث العائلية للزوج هل يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ذكر أحداث حصلت فى حياة عائلتي مثل أبي وأمي وأخواتي لزوجي فقط دون الإساءة ولا الانتقاص والشتم ولا الذم وإنما مجرد ذكر أشياء حدثت مثل بعض المشكلات التي تكون فى أي عائلة على سبيل المثال مشكلات حدثت بين أبي وأمي وذلك منذ زمن بعيد وأيضا مشاكل بسيطة بيني وبين أخواتي ونحن صغيرات بدون سرد التفاصيل، وأيضا بدون التكلم عنهم بإثم ودون أتهامهم بعيوب، ما حكم ذلك هل يعتبر من الغيبة، أرجوكم إجابتي فى أقرب وقت ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة عرفها العلماء بأنها: ذكر الشخص أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعدها كثير من العلماء من الكبائر، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا، فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ {الحجرات:12} .
وعليه فذكر الأحداث التي تحصل في حياة عائلتك لزوجك أو غيره، دون إساءة ولا انتقاص ولا شتم ولا ذم، وإنما مجرد ذكر أشياء قد حصلت لا يعتبر من الغيبة طالما أنه لا يحتوي إساءة لأي من المذكورين، وبالتالي فهو مباح.
ومع ذلك فاعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن شأن اللسان خطير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم. رواه البخاري.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه.... الحديث.، فالصواب -إذاً- هو التقليل من القصص ولو لم تكن فيها غيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1426(9/2876)
استعمال المعاريض عند الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل باستقبال إحدي الشركات الكبيرة في السودان وبحكم عملي أضطر في بعض الأحيان أن أقول كلاما غير صحيح مثل أن المدير العام غير موجود أو أن الموظف فلان غير موجود ولكن في الحقيقه أنهم موجودون، ولكن لأمر ما لا يريد المدير مقابلتهم وأنا أعلم أن معظمهم يريد التبرع أو المساعدة ومعظمهم يحضرون إلينا باستمرار وبدون حياء أو خجل حتى أن المدير نفسه لا يستطيع أن يقابلهم لأن معظمهم من أهله ومعارفه, وفي بعض الأحيان يأتي إلي أحد الموظفين ويعطيني الجوال ويقول لي قل للمتصل إنني في اجتماع أو إنني خارج الشركة وهذا الأمر يزعجني كثيراً, أرجو من سيادتكم التكرم بالرد في أسرع فرصة ممكن؟ وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب معصية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه.
وعليه فلا تجوز لك أن تطيع رؤساءك فيما يأمرونك به من الكذب، ولكن لك أن تستعمل المعاريض، والمعاريض جمع معْراض، وهو ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: فإن المعاريض عند الحاجة والتأويل في الكلام، وفي الحلف للمظلوم بأن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ، وهو خلاف الظاهر، كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم، وكما فعل الصحابي الذي حلف أنه أخوه وعنى أنه أخوه في الدين، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: رجل يهديني السبيل. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم للكافر الذي سأله ممن أنت؟ فقال: نحن من ماء. إلى غير ذلك أمر جائز.
ولم يزل السلف يتحرون التباعد عن الكذب بالتعريض، فكان بعضهم إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية: قولي له: اطلبه في المسجد ولا تقولي له ليس ههنا كيلا يكون كذبا، وكان بعضهم يخط دائرة ويقول للجارية ضعي الأصبع فيها وقولي ليس ههنا، ونحو ذلك من المعاريض، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29954، 47558، 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1426(9/2877)
تفضيل الذكور على الإناث من أعمال الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الوالدان إعطاء محاصيل فلاحتهم إلى أحد الأبناء دون الآخرين وأمره بأن لا يعطي إخوته؛ فإذا أعطاهم هل يعد آثما.
وإذا كتب له أغلبية الممتلكات؛هل يصبح الابن آثما عندما يمتلك هذا الميراث لوحده دون تقسيمه على إخوته وهل يحل له بأن يطالب بنصيبه من الميراث مما تبقى من الممتلكات التي لا تساوي خمس ما أخذه وسيتقاسمها خمس أخوات له فقدن أزواجهن ولهن عائلات.
مع العلم بأن الابن الذي كتبت له الممتلكات ويريد نصيبه فيما تبقى يرى بأن له الحق في ذلك لأنه قام بالرعاية والعلاج بالرغم من أنه الذكر الوحيد وأخواته كلهن نساء؟
جازاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للأبوين تفضيل بعض أبنائهما على بعض في العطية ذكورا كانوا أو إناثا بدون مبرر شرعي. فإن ذلك من الجور والظلم المنهي عنه شرعا، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. وقال عليه الصلاة والسلام: سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحدا لفضلت النساء. رواه البيهقي وغيره.
وتفضيل الذكور على الإناث من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها؛ ولذلك فالواجب على هذا الوالد أن يرد ما خص به ابنه من المحاصيل وغيرها ويوزعها بالتساوي على أولاده ذكورا وإناثا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن فضل بعض أبنائه في العطية: فأرجعه. فرد تلك العطية، وإذا تصرف الابن وأعطى إخوته حقهم فقد أحسن وتخلص مما لا يحق له. ونرجو أن تطلع على الفتويين: 6242، 33348.
وأما كتابة الوالد أغلب ممتلكاته لابنه دون بناته فإنه لا يجوز ويعتبر باطلا لما فيه من الجور وحرمان بعض الورثة، ولما فيه من الوصية للوارث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. ولذلك فإن على هذا الابن أن يوزع جميع ما ترك أبوه على جميع الورثة حسبما جاء في كتاب الله تعالى، ولا يحق له الاستبداد به أو بجزء منه إلا إذا رضي الورثة بذلك عن طيب أنفسهم وكانوا رشداء بالغين. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى: 39395، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1426(9/2878)
أول دواء العشق ومنتهاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من العشق من فتاة تزوجت بعد فراقنا والمصيبة أني لا أتحمل غيرتي عليها وأريد أن أتخلص من كل ذكرياتي ولا أستطيع فهي تقوى ليلا ونهارا رغم المدة الطويلة لفراقها حتى أني لا أريد أن أكمل تعليمي بالمعهد لأنها تسكن هناك وتزيد حالتي اكتئابا فظيعا إذا مررت هناك..ومن أصعب المصائب أني لا أستطيع قراءة القرآن والصلاة وأي من العبادات لأني كنت ضالا قبل معرفتي بها وكانت سببا في هدايتي بالدنيا ولا أقدر أن أرجع للدين بسبب زيادته لذكرياتي لها بالدين....جربت الرقية الشرعية والدعاء والصلاة والطاعات ولا أريد أن أرجع للطاعات لا أريد أن أتذكر أي شي عنها ليغفر ربي لي لأنه يجب أن يكون قلبي بالطاعات فقط معه وأنا أحاول أن أرجع للصلاة والقرآن والدعاء زاد اكتئابي وأحس بانهيار بقوتي ومشاكل بمعدتي وكسلا فظيعا حتى الرياضه حرمت منها لانزعاج دائم من الافكار بها والاكتئاب فماذا بقي إن لم أعالج نفسي بالدين والرياضة والانشغال بالدنيا والأهل؟ علما بأنني خطبت إنسانة أحبها جدا وتحبني جدا ولم ينفع أن أنسى أي شيء عن سابقتها التي تزوجت....قرأت كتبا دينية لابن القيم وذهبت لاستشاري نفسي ولا أرى الا أن أعيش كما يعيش الإنسان الطبيعي لكن مكتئبا بعيدا عن الدين (كنت طالب علم بالدين مجتهد) لا أريد علاجا دينيا ولا أدعية أعرف العلاجات الروحانية الدينية لا أريد أن أرجع لها فهي تزيدني اكتئابا بسبب الذكريات المرتبطة بالدين والعشق ولا نصائح دينية لا أريد ... إن كان هنالك ما خفي علي من علم غير الدين فأريد أن أعرفه قد أرجع إلى ربي قبل أن أرحل من الدنيا وأنا تائب مصل لربي.أريد أن أرجع متدينا سعيدا لا إرادة لي أن أكمل الحياة ولا أن أترك المعاصي مللت..التدين لم يفدني للسعاده إنما زاد من تشاؤمي لكثرة ما واجهت من الابتلاءات المستمرة التي جعلتني أهرب من الدعاء والصلاة أريد حلا فقد يئست لا أستطيع الانتحار ولا أستطيع أن أتفاءل بوجود شيء اسمه سعادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الرد على سؤالك نريد أولاً أن ننبهك إلى أنه قد ورد فيما كتبته ألفاظ لا يجوز للمسلم أن ينطق بها، وذلك مثل قولك: التدين لم يفدني للسعادة، إنما زاد من تشاؤمي لكثرة ما واجهت من الابتلاءات المستمرة التي جعلتني أهرب من الدعاء والصلاة.
وكقولك: لا أستطيع أن أتفاءل بوجود شيء اسمه سعادة.
وقولك: لا أريد علاجاً دينياً ولا أدعية
وقولك: لا أريد أن أرجع للطاعات.. وغير ذلك من العبارات التي كتبتها.
فعليك أن تتوب إلى الله من هذه الألفاظ وتعلم أن الدنيا بكاملها لا تستحق كل ما ذكرته.
وللرد على السؤال نقول لك: إننا لا نملك المعجزات وليس لنا لعلاج ما سألت عنه إلا الأسباب التي قلت إنك لا تريدها، والتي جرب أنها تصلح لعلاج مثل حالتك. فننصحك بأن تعرض حالتك أولاً على أحد الأخصائيين في الأمراض النفسية، ثم اعلم أن من الأسباب التي يعالج بها العشق إشعار المرء نفسه باليأس من المعشوقة، فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه. فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس فقد انحرف الطبع انحرافا شديداً فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون.
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلة، وما تمنعه من مصالح.
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء فليتذكر قبائح المحبوب، وما يدعوه إلى النفرة عنه. فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثاً به متضرعاً متذللاً، مستكيناً، ولك أن تراجع في علاج العشق فتاوانا ذات الأرقام التالية: 27626 // 9360 // 35554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1426(9/2879)
الكذب خوفا من تشتت العائلة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت بالقرآن كذبا خوفا من أن تتشتت عائلة كاملة ويقع الطلاق، والآن تبت إلى الله وأقرأ القرآن كثيراً، فهل سيغفر الله لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن الكذب كبيرة من كبائر الذنوب كما أن الحلف عليه كبيرة من كبائر الذنوب أيضاً، واليمين الكاذبة هي الغموس لأنها تغمس صاحبها في النار، وكان على الأخ أن يتفادى هذا الأمر بالصدق ما أمكن، فإن لم يمكن ذلك إلا بالكذب دون الحلف جاز له الكذب للإصلاح.
لكن إذا كان قد فعل ما فعل تفاديا لتشتيت هذه العائلة ولم يمكن تفادي ذلك إلا بالكذب والحلف عليه، فنرجو من الله تعالى ألا يكون آثماً في ذلك، والرجاء مراجعة الفتوى رقم: 7432، والفتوى رقم: 8997، والفتوى رقم: 6953.
وعلى تقدير أنه آثم فإن التوبة تجب ما قبلها، وما فعله من الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى كان صواباً وهو الأحوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(9/2880)
وفاء الأب بوعده لابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت الذهاب إلى مكة من أجل العمرة لأن أبي وعدني قال لي عندما تحصل على الباكالوريا فاختر ما تشاء فاخترت عمرة فإن قلبي مشتاق لرؤية مكة كثيراً، وأنا عمري 18 سنة أحلم بها كثيراً وأحبها، لكن الآن رفض أبي لأنه هو مازال لا يريد الذهاب لأنه مازال يزني رغم كبر سنه 55 سنة قال لي أنت صغير؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ينبغي لوالدك أن يفي بوعده ولكنه إذا لم يف به فإنه غير آثم لأن الوفاء بالوعد مستحب عند الجمهور وخصوصاً إذا لم يترتب على التراجع عن الوفاء به ضرر للشخص الموعود، وانظر الفتوى رقم: 17057.
وقيل يجب الوفاء بالوعد وانظر الفتوى رقم: 12729، ثم إنه قد يكون الغرض عنده من الوعد أن يشجعك على التعليم وهذا وحده مقصد محمود.
ثم إن الأمر الذي ذكرته عن أبيك أمر خطير لا يجوز أن يوصف به مسلم من غير بينة فكيف إذا كان الموصوف به الوالد من طرف ابنه، فانظر ما تقول فإن قذف المسلم بالزنا من كبائر الذنوب، وانظر الفتوى رقم: 15776، والفتوى رقم: 9731.
ومهما يكن من أمر فإنه يجب عليك أن تحترم والدك ولو كنت تعلم أنه يمارس المحرمات، وعليك أن تعظه وتذكره بلطف أو تطلب ممن تعلم أن له تأثيراً فيه من الصلحاء أن يعظه ويذكره من غير أن تكشف عن حاله، وكذلك مسألة العمرة فإن كان يستطيع الحج والعمرة فالراجح من أقوال أهل العلم أنهما واجبان على الفور على المستطيع، فلعله إذا حج أو اعتمر تاب إلى الله تعالى، وإذا استطعت عليهما وجب عليك أداؤهما، وانظر للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11152، 6546، 13207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1426(9/2881)
الكذب للحصول على المساعدات
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك في بعض الدول المجاورة للعراق منظمات مسيحية تقدم العلاج والمواد للعراقيين فقط وهي منظمة نصرانية وأحيانا \"يضطر الناس عدم قول الحقيقة في ما يتعلق بدخلهم لأن الدخل إذا كان متوسطا لا تشمل بهذا الأمر\" السؤال هو: ما حكم هذا التعامل باعتبار أن العراقيين مضطرون، وهل في ذلك خدش للدين، وما حكم عدم قول الحقيقة فيما يتعلق بالدخل وإن أخذنا شيئا كيف نتعامل معه إن كان لا يجوز؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه المنظمات أو الجهات تشترط لتقديم مساعدتها عدم وجود دخل معين فإنه يحرم على المسلم أخذ مالها إلا إذا توفرت فيه الشروط المطلوبة، ومن أخذ منهم شيئاً بغير حق فعليه أن يرده إليهم إن استطاع وإلا تخلص منه بإنفاقه على المحتاجين وفي وجوه الخير، وذلك لما في الأخذ بغير حق من الكذب والغش وأكل أموال الناس بالباطل، ومعلوم بالضرورة أن هذه الأمور كلها محرمة، ولا يجوز اللجوء إليها إلا في حالة الضرورة التي تقدر بقدرها.
أما في حالة الضرورة الملجئة والاحتياج الشديد الذي هو في معنى الضرورة فإن لم يجد مندوحة عن الكذب من التورية أو غيرها فإنه يجوز له الكذب حتى يزيل عنه الضرر، وقد سبق بيان ذلك وأدلته وأقوال أهل العلم فيه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7432، 25698، 45163، 59034 نرجو الاطلاع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(9/2882)
الصفح والصبرأولى من المجازاة بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أطعن في من طعن في عرضي من باب السن بالسن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء: 148} وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40} وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل: 126} ... ... ...
فمن ظلم بظلم جاز له الانتقام لنفسه ومعاقبة الظالم بمثل مظلمته، ولكن الصفح والصبر أولى وأعظم أجراً كما في الآيات السابقة، وهي أدل على المقصود من قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ {المائدة: 45}
فقد أخبر سبحانه فيها أنه كتب على بني إسرائيل في التوراة أن الجروح قصاص العين بالعين والسن بالسن وهكذا، والآيات السابقة التي ذكرنا أعم من ذلك فهي تشمل من ظلم في بدنه أو في عرضه، وقد بينا ضوابط الاعتداء والمكافأة بالمثل، ما يشرع من ذلك وما يمنع في الفتوى رقم: 57954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/2883)
تناقل كلام الناس عن شخص ما بدون تثبت لا يصح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لشخص لم يتعرف على شخص ثان بل حتى لم يره، ولكنه سمع عنه بعض الأمور من طرف الناس، فهل يجوز له نقل هذا الكلام إلى شخص آخر يريد أن يتزوج به، خصوصاً أن هذا الكلام يسيء للسمعة وإلى الشرف، علماً بأنه لا دليل عنده يؤكد هذا الكلام أو ينفيه، بل مجرد سماع يتناقله الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنصيحة للمسلمين واجبة لاسيما في أمر الزواج، كما بينا في الفتوى رقم: 3852.
ولكن لا بد أن يكون الناصح على بينة مما يقول فلا يكفي مجرد الشائعات وكلام الناس في الشخص إذا لم يكن مجاهراً بالفسوق.
وينبغي أن تكون النصيحة حينئذ منضبطة كأن يقول للزوجة: أنصحك بالتثبت من حال هذا الخطيب، فقد سمعت عنه أشياء ولكن لا أعلم مدى صحتها ونحو ذلك لا أن يجزم بما لا يعلم، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 10772، والفتوى رقم: 20761 فقد بينا فيها شروط جواز تنبيه الخاطب إلى عيوب المخطوبة أو العكس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(9/2884)
الاتهام بدون دليل افتراء وبهتان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص تعرضت إلى عمل سحر بعد زواج لم يتم إلا مدة يوم واحد وقد طلقت هذه المرأة، هل يجوز أن أشتكي هذه المرأة وأن تقسم القسم العظيم أمام القاضي أنها لم تعمل هذا السحر وليس لدي أي دليل من ناحيتها ولكن هذا مجرد شك لأن حياتي قبل الزواج منها كانت سعيده ولم أعان من هذا المرض وليس لدي أي أعداء أرجو إفادتي هل يجوز هذا بأن أتقدم بشكوي ضدها ليطمئن قلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انتهاك أعراض المسلمين بغير مسوغ شرعي حرام كحرمة دمائهم وأموالهم كما في الحديث الصحيح. وعليه؛ فلا يجوز للأخ السائل أن يتهم المرأة المذكورة بعمل سحر له لمجرد الشك وأنه كان معافى قبل الزواج بها، فكم من صحيح فاجأه المرض بل والموت دون مقدمات من أعراض ونحوها ودون سبب من آدمي.
لذا فإنا ننصح الأخ السائل بالالتجاء إلى الله تعالى في رفع ما ألمَّ به من مرض، ولا حرج عليه في الرقية الشرعية.
أما اتهام زوجته من غير دليل ورميها بالسحر فليس له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(9/2885)
العفو من صفات المؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الأكارم، سؤالي هو كالتالي: قام والد زوجي بطرد أخي المقيم لأن أهلي ليسوا موجودين في نفس البلاد والذي قدر له بعد الحضور إلى البلاد (فلسيطن) لغرض الزيارة أن تغلق المعابر ويفقد إقامته في البلاد التي يقيم بها أهلنا، وحصلت بعد ذلك تجاوزات أخرى من طرف والد زوجي لم أقم أنا أو أخي بالرد عليها، علما بأن زوجي يعلم جيدا بأن والده مخطئ وليس علي أي حق، وأنا الآن في قطيعة مع والد زوجي منذ مدة شهرين، لدرجة أني أراه ولا ألقي عليه التحية منذ ذلك الحين، علما بأنه طرد أخي كان بدون أي سبب أبداً لأن أخي على خلق ودين وقام كذلك بمنعه من زيارتي، هل يأثم زوجي وأأثم أنا بقطيعتي لوالد زوجي، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنذكرك أيتها الأخت الكريمة بقول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، فالعفو من صفات المؤمنين، وتكفي المدة السالفة في إظهار غضبكم وعدم رضاكم بما فعله والد زوجك، ولا يجوز لزوجك أن يحول بينك وبين صلة أخيك أحرى والده إلا أن يكون لغرض معتبر شرعاً، ولا تأثمين بقطع الصلة بينك وبين والد زوجك أو عدم إلقاء السلام عليه إن كان ذلك يردعه ويكفه عن تصرفه المشين، وعموماً فننصح بغلق باب الشيطان، فإن الشيطان يأمر بالتقاطع والتدابر بين المسلمين فكونوا عباد الله إخواناً، ومن خلق المسلم أن يحسن إلى من أساء إليه ويعفو عمن ظلمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(9/2886)
الاتهام لمجرد الشائعات حول شخص ما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل يمكن لشخص ما يعرف شخصا تأنى معرفة شخصية أو حتى شافوا, مجرد أنه بس سمع عنه حاجات من ناس آخرين أنه ينقل الكلام السمعه هذا لشخص آخر أريد أن أتزوج الشخص هذا، خصوصا كان الكلام السمعه بيسيء للسمعه والشرف وهو ما عنده أي تأكيد على أن هذا الكلام حقيقي ولا ملفق هل الدين يوجب عليه نقله وهو ما عنده أي دليل على صحته فقط مجرد كلام أتسمع فقط أنه يقال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنصيحة للمسلمين واجبة لا سيما في أمر الزواج، كما بينا في الفتوى رقم: 3852.
ولكن لا بد أن يكون الناصح على بينة مما يقول فلا يكفي مجرد الشائعات وكلام الناس في الشخص إذا لم يكن مجاهراً بالفسوق، وينبغي أن تكون النصيحة حينئذ منضبطة كان يقول: للزوجة أنصحك بالتثبت من حال هذا الخطيب، فقد سمعت عنه أشياء ولكن لا أعلم مدى صحتها ونحو ذلك لا أن يجزم بما لا يعلم، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 10772، والفتوى رقم: 20761 فقد بينا فيها شروط جواز تنبيه الخاطب إلى عيوب المخطوبة أو العكس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(9/2887)
محاباة المسئول لبعض الموظفين لكسب ولائهم ظلم صارخ
[السُّؤَالُ]
ـ[الأمانه مثال: مسؤول يفرق في المعاملة بين الموظفين حسب مصالحه وولائهم له وليس حسب كفاءتهم والتزامهم بالعمل فيتيح للموظفين الفرص للتدريب والاشتراك باللجان والمؤتمرات ويعطيهم مكافآت مالية طبعا من الدولة وليس من حسابه الخاص، بينما يحرم الآخرين مع أنهم يطالبونه مشافهة وكتابة بحقوقهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على من استرعاه الله رعية أن يتقي الله فيهم، وذلك بإقامة العدل والقسط وتحري الحقائق حتى يصل فيها إلى الغاية القصوى، وذلك لإيصال كل حق إلى صاحبه، والعمل بخلاف ما ذكرنا مهلكة لصاحبه، ووبال عليه في الدنيا والآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري وغيره.
وما ذكرته من محاباة مسؤولكم لبعض الموظفين دون بعض دون مرجح لما يفعل ظلم بين وجور ظاهر يجب عليه أن يتوب إلى الله منه قبل أن يفجأه الموت، وراجعي الفتوى رقم: 5404، والفتوى رقم: 58642.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 18722، والفتوى رقم: 48241.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(9/2888)
الرابطة بين المعاملات الشرعية والقيم الأخلاقية وثيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون المعاملات الشرعيه في الإسلام مبنية على الأخلاق الفاضلة، كيف يكون تطبيقها مرتبطاً بخشيه الله تعالى؟ الرجاء توضيح ذلك بالأدله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعاملات الشرعية في الإسلام يمكن أن تبنى على الأخلاق الفاضلة، ويرتبط تطبيقها بخشية الله تعالى إذا راقب المسلم ربه واستشعر عظمته واطلاعه عليه في سره وعلانيته، وعلم أنه مجازيه على عمله، وسائله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وبذل وسعه في تعلم أحكام الحلال والحرام، فقد ثبت أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان يضرب من وجده في السوق وهو لا يعرف أحكام البيع والشراء، ويقول: لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في ديننا. رواه الترمذي
وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19702، 65086، 18066، 12811، 12928.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(9/2889)
لعن المعين في نظر عائشة رضي الله عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الحاكم في المستدرك: (أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ومحمد بن محمد بن يعقوب الحافظ قالا: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: «إني رأيتني على تل وحولي بقر تُنْحَر» ، فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة، قالت: «أعوذ بالله من شرك، بئس ما قلت» فقلت لها: فلعله إن كان أمرًا سيسوؤك، فقالت: «والله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك» ، فلما كان بعد ذكر عندها أن عليًا رضي الله عنه قتل ذا الثدية، فقالت لي: «إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناسًا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد» ، فلما قدمت وجدت الناس أشياعًا، فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك، فأتيتها بشهادتهم، فقالت: «لعن الله عمرو بن العاص؛ فإنه زعم لي أنه قتله بمصر» ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) .. انتهى من المستدرك.. وقال الذهبي في التلخيص: (على شرط البخاري ومسلم) ..
وبحثت في رجال هذا السند فوجدتهم كلهم ثقات.. إلا الأعمش فإنه ثقة ورع لكنه كان يدلس..
فهو إذن حديث صحيح كما قال الحافظ الذهبي.. فما تفسير لعن عائشة رضي الله عنها لعمرو بن العاص رضي الله عنه..
وجزاكم الله خيرًا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث صحيح كما ذكرت، وقول عائشة رضي الله عنها يمكن حمله على أنها ربما كانت ترى جواز لعن المعين إذا ارتكب كبيرة أو كان مجاهراً بالفسق، فلما أخبرت بقتل علي ذا الثدية ظنت أن عمرو بن العاص قصد الكذب عليها والتدليس فذكرت ذلك.
وأخرج ابن حبان في صحيحه أنها قالت: ما فعل يزيد بن قيس عليه لعنة الله؟ قالوا: قد مات، فاستغفرت الله، فقالوا: مالك لعنتيه ثم قلت: أستغفر الله؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
فدل ذلك على أنها كانت ترى جواز لعن المعين المرتكب للكبيرة، ولكن هذا يخالف ما تفيده الأدلة من النهي عن ذلك، وأنه لا يجوز لعن المعين وهو الصحيح والراجح، كما في الفتوى رقم: 10853.
وعائشة مع جلالة قدرها وكبير فضلها وغزير علمها قد تخطئ كغيرها من البشر، لأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا هو.
وعمرو بن العاص رضي الله عنه صحابي جليل، ولا يمكن حمل كلامه إلا على أنه توهم أنه قتل ذات الثدية فاشتبه عليه فأخطأ، ولا يستوجب ذلك لعنه أو سبه عفا الله عنها وعنه وعنا وعن جميع المسلمين، واعلم أنه يجب الكف عما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 38633، 40767، 60739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(9/2890)
حسن الظن بالله من شعب الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأعوذ بالله من هذه الكلمة شاب مسلم ومتزوج ولي من الأبناء واحد والحمد لله على نعمه، أحاول قدر استطاعتي الالتزم بالدين، حيث إنني لا أسمع الأغاني، أقرأ القرآن وأحافظ على الصلوات قدر المستطاع في المسجد وأصوم رمضان وأقرأ سيرة الحبيب المصطفى والخلفاء الراشدين أثناء قيادتي للسيارة أؤمن أنني مهما فعلت من العمل الصالح لن أدخل الجنة إلا برحمة من الله جل جلاله، ولذلك أقر لنفسي أنني وإن مت فلسوف أكون بين يدي الرحمن الذي يعلم حالي أكثر مني، هل حسن الظن بالله شعبة من شعب الإيمان، وما هي هذه الشعب بالتفصيل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحسن الظن بالله تعالى من شعب الإيمان، ومن رزقه فقد رزق خيراً كثيراً، ولكن المؤمن ينبغي أن يسير بين الخوف والرجاء، كما قال الله تعالى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ {الإسراء:57} ، فيكون بينهما كالطائر بين جناحيه، وبعضهم يقول يُغلب جانب الخوف في الحياة، وعند الموت يغلب جانب الرجاء، وقد فصلنا القول في ذلك وذكرنا فضل حسن الظن بالله في الفتوى رقم: 53444.
وأما شعب الإيمان فهي كثيرة جداً، كما في الحديث: الإيمان بضع وسبعون شعبه أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة الإيمان. ومن شعب الإيمان أعمال البر كالصلاة والصيام والصدقة وغيرها، وانظر الفتوى رقم: 11344.
ولا يدخل الجنة أحد بمجرد عمله -كما ذكرت- ولكن بفضل الله ورحمته، كما بينا في الفتوى رقم: 10116.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(9/2891)
لا حرج على من حذر واحتاط ممن يخاف منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن القاعدة العامة في الشرع تقول \"الأصل في المسلم السلامة حتى يتيقن خلاف ذلك\" وأن الواجب حسن الظن بالمسلمين، ولكن الإشكال الذي عندي هو أنه كما تعلمون في هذا الزمان كثرت الخيانة وبيع الدين بالدنيا من كثير من الناس حتى أن بعض الناس من الملتحين يكونون أعواناً لبعض الجهات على إخوانهم المسلمين من غير إكراه، وهذا كثير ومعروف ولا يخفى على أحد، فهل إذا حدث من أي أخ قرينة أو تصرف يثير الريبة حوله، هل يجوز أن يحتاط الإنسان منه ويحذر ما لم يدفعه ذلك إلى التجسس ونحو ذلك؟ أم أن هذا داخل في الظن المنهي عنه؟ باعتبار أن هذه قرينة والقرينة-التي هي ظن -لا تزيل اليقين الذي هو سلامة المسلم؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز إساءة الظن بالمسلمين دون بينه، وانظر الفتويين: 15185 // 10077.
ولكن لك أن تَحذر من بعض الأشخاص إذا ترجح لديك بالقرائن أن البلاء قد يصيبك من جهتهم، ولا ينبغي أن يحملك الحذر والاحتياط على التجسس المحرم، أو الإصابة بالوسوسة والوهم.
والذي ننصحك به أن تتوكل على الله، وأن تكثر من ذكره خاصة الأذكار التي يحفظ الله قائلها من عدوه، وانظر الفتوى رقم: 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1426(9/2892)
الاتهام بدون دليل بهتان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش مع زوجي في منزل أهله وتتعرض أموالي للسرقة وكل الأشياء الخاصة بي، وهو لا يستطيع التدخل خوفا من غضب والدته وقد تحدثت معها فأهانتني ووبختني والسارقة أخته التي تبلغ من العمر 23 عاما، وأنا أحب زوجي كثيراً، ولكن لا أستطيع الاحتمال أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم عنا وعن المسلمين كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حقك على زوجك أن يوفر لك مسكناً خاصاً منعزلاً عن أهله، ولك أن تطالبيه بذلك إن لم يفعله، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34018، 6418، 28860.
هذا، وإن الواجب عليك أن تحسني الظن بأخت زوجك وأن لا تتسرعي في اتهامها بغير بينة، واحفظي أموالك وما تخافين عليه فلا تطاله يد أحد تكرهينه.
والذي ننصحك به أن تكوني عوناً لزوجك على طاعة أمه والبر بها، وأن تتحملي غضبها حفاظاً على بيتك وسعادتك الزوجية، وقياماً بحق زوجك عليك، واعلمي أن عاقبة الصبر خير، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10} ، وانظري الفتوى رقم: 8601، والفتوى رقم: 32180.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(9/2893)
الكذب والتورية خوفا من الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يكذب إذا تأكد من وقوع الحسد خاصة في الحالات التي لايجوز فيها التورية مع العلم بأن هذا الكذب لايضر بأي حال من الأحوال من تكذب عليه؟
... ... وجزاكم الله خيراًً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب من كبائر الذنوب، وثبتت حرمته بالكتاب والسنة والإجماع، وإنما يباح إذا كان يراد منه غرض محمود لا يتوصل إليه إلا به، وانظر الفتوى رقم: 9189
وإذا خاف الإنسان من الحسد بسبب ذكر الحقيقة، فإن له أن يوري في الحديث وأن يستخدم المعاريض ليتجنب الوقوع في الكذب المحرم، وقد بوب البخاري في صحيحه: (باب: المعاريض مندوحة عن الكذب) . وانظر الفتويين: 1126، 1824
ولدرء الحسد والعين والعلاج منهما إذا وقعا انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2077، 3273، 5557 ِ، 1796، 21647.
ولمزيد فائدة في الموضوع انظر الفتويين: 48814، 25629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1426(9/2894)
العفو أقرب للتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم،
منذ ثلاث سنوات خطب أخي الكبير (مهندس مدني) ابنة ولد عم والدي (أي من العائلة) وحصل بين العائلتين الاتفاق على كل شيء من خطبة ونفقاتها وكتب كتاب وزواج وجهاز وإلخ.. ولم يتوجب على عائلة العروس سوى العرس لا جهاز ولا غيره.
وخلال فترة الخطوبة لاحظ أخي أن والدة العروس أي حماته بأنها امرأة قوية (وهذا كان معروفا عنها سابقاً، قبل الارتباط) وأنها متسلطة على أولادها وعلى أصهرتها جميعاً.
لكن الفرق بين أخي وبين أصهرتها، بأن أخي رجل متعلم يعمل في مؤسسة كبيرة جداً وهو مدير قسم المعلومات والترويج وبحكم عمله يسافر مرتين شهرياً على الأقل.
خلال فترة الخطوبة عانى أخي الأمرين من والدة عروسه من طلبات ومن وقاحة ومن أشياء كثيرة ولكنه رغم كل ذلك كان يحب خطيبته جداً، وقبل كتب الكتاب ذهب والدي ووالدتي وأخي إلى منزل عروسه لتحديد الكتاب والتكلم عن العرس وكل شيء.
تم الاتفاق على المقدم \"نسخة عن المصحف الشريف وليرة ذهب\" والمؤخر 25000$.
وتم الاتفاق أيضاً على أن العرس على أهلها قدر إمكانياتهم.
وبعد كتابة الكتاب بدأ التذمر والتهرب من العرس وبأنهم لم يتفقوا على هذا الشيء، فعاد وذهب أهلي لمنزل العروس مع أخي (العريس) وأخي الأصغر.
وهناك تفاجأ أهلي بأن أهلها كانوا جاهزين ومجتمعين جميعهم ولكن العروس لم يدعوها تخرج وتقابل أهلي فتكلموا ونكروا كل شيء وقالوا كلاما بذيئا جداً وكبر المشكل وزاد الطين بلة.
ولكن رغم ذلك بقيت العروس متمسكة بأخي وهاتفته وقالت له بأن يخرجها من البيت بأية طريقة لكي ترتاح من هذا الجو ولكن أخي رفض ولم يعد يزور منزل عروسه بل يقابلها خارجاً بعد دوام عملها، بينما أهلها الكرام ذهبوا للعائلة (عماتي..) وحكوا كلاما طالعا ونازلا حتى العائلة غضبوا وكبرت المشكلة أكثر وأكثر وبعد ذلك قررت العروس المجيء إلى منزل أهلي والإقامة معهم حتى يتم الزفاف وبقي الحال حتى دخل والدها (أي ابن عم والدي) في حالة غيبوبة استمرت 10 أيام وكان يذهب هو وخطيبته كل يوم ولكن من دون أي كلام ومن ثم توفي والدها وذهبت هي وذهب إخوتي ووالدي إلى الدفن والعزاء والثالث ولكن الأصهرة الأعزاء لم يقبلوا أن يسلموا على أخي وبعد مرور شهر عادت خطيبة أخي وأقامت عند أهلي وبعد مرور 9 أشهر أقام أخي زفافا لا يوصف في فندق 5 نجوم وبقيت عروسه حتى الآن تذهب أسبوعياً يومين لمنزل أهلها هي وولدها ولكن أخي رافض حتى الآن المصالحة إلا إذا أتت والدتها وأختها القوية إلى منزل أهلي والاعتذار أمام الجميع مع العلم أنه منذ 5 أشهر ذهبت والدة العروس إلى منزل عماتي واعتذرت وقالت بأنها نادمة جداً وبأن وفاة زوجها غيرت بها أشياء كثيرة (ولكن رأيي الخاص بأن امرأة مثلها لا ولن تتغير) وطالبت بأن تعود الأمور إلى مجراها والمسامح كريم.
حاول أهلي وعماتي تحنين قلب أخي عليها ولكنه رافض كلياً ويقول دائماً أنا لا أمنعها عنهم بالعكس لها الحرية الكاملة وإن ساءت الأمور فبإمكانه العيش من دون زوجته على أن يتقبل والدتها.
لذا، أتوجه إليكم وأطلب منكم رأيكم الشخصي والديني، ولكم جزيل الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل للأخ والأقرب للتقوى أن يعفو عن أم زوجته ويصفح عنها قال تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237} . وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين. إلى قوله: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 40 ـ 43} . وقال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فنحض الأخ على العفو والتواضع، ليزيده الله عزاً ورفعة، ثم ليعلم أن المسلم لا يحل هجره فوق ثلاثة أيام، وأن الكبير المسلم ينبغي توقيره لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي عن أنس.
ولذا يتأكد عفوه عن والدة زوجته من هذا الجانب، ومن جانب الإحسان إلى زوجته ومعاشرتها بالمعروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1426(9/2895)
كفارة اللعن
[السُّؤَالُ]
ـ[اختلفت مع الزوجة بسبب موضوع حدثتها فيه وطلبت منها أن تأخذ حيطتها من الآخرين ولا تفشي سرها فنشرت كل ما قلته لها لمن أخبرونا, فغضبت منها وقلت لها الله يلعننا لو أحدثك مرة أخرى بما أسمعه, الآن ندمان جداً جداً وخائف من غضب الله بعد ما لعنت نفسي وهذه زوجتي لا بد وأن يأتي يوم وأفشي لها بكلام ما كي تأخذ حيطتها, الآن لا أدري كيف أكفر عن خطئي ... أفيدونا؟ جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاللعن حرام ولا يجوز للمسلم لعن نفسه ولا غيره إلا لمسوغ شرعي، ولعلاج من تعود على ذلك أو وقع فيه راجع الفتوى رقم: 35538، والفتوى رقم: 32962.
ولا كفارة له إلا التوبة والاستغفار ولا شيء عليك لو حدثتها فليس ذلك يميناً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(9/2896)
الهجر والإصلاح بين المتخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلم أن يقاطع مسلما آخر كأن لا يلقي عليه السلام وغيره من المعاملات، وما حكم من يدعو إلى مثل هذه المقاطعة، ويأمر بها الآخرين مستغلا سلطته الإدارية أو غيرها من السلطات عليهم، مستعملا وسائل تهديد مختلفة، وذلك فقط بسبب خلافات إدارية بين أولئك الذين دعوا إلى المقاطعة وبين أولئك الذين فرضت عليهم، وما حكم من أمر ومن أطاع ومن سكت عن ذلك رغم أنه كان قادراً على أن ينهى هذا الفعل، ذلك وللعلم أن هذه المقاطعة أثرت سلبيا على علاقات عدد كبير من الإخوة المسلمين وأبناء المسجد الواحد ببعضهم ما يزيد عن ستة أشهر وما زالت مستمرة، وإذا كان هناك من أسباب تستوجب أن يقاطع المسلم أخاه أرجو الإيضاح، أفيدونا في أسرع وقت؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد::
فقد بينا ما يجوز من الهجر وما لا يجوز وأن الأصل أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا في حالات، ذكرها أهل العلم وبينا ذلك كله في الفتوى رقم: 7119، والفتوى رقم: 53017.
فإذا كان سبب الهجر صحيحاً مشروعاً كما بينا فلا حرج فيه، وإن كان غير مشروع بل كان لحظوظ النفوس والأهواء فلا يجوز، مع التنبيه إلى خطورته لما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأً بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا. ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد عن أبي خراش رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه.
وأما غير المشروع فلا يحل أصلاً ولا يجوز للمسلم طاعة غيره كائناً من كان في معصية الله وفعل ما لا يجوز فعله، فالمدير إنما يطاع في المعروف، وأما إذا أمر بمعصية الله فلا تجب طاعته بل تجب معصيته وإرضاء الله عز وجل بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
والواجب على المسلم إذا حصل بين إخوانه تنافر وتباغض أن يصلح بينهم، قال الله سبحانه وتعالى في قوله: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10} .
فهذا هو الواجب على المسلم تجاه ما يحصل بين إخوانه فيبين لهم الحق ويسعى في الصلح بينهم وينصر المظلوم ويمنع الظالم من الظلم، وأما من سعى في إثارة الضغائن وزرع الإحن بين المسلمين فإثمه كبير وفعله خطير، فمن ألم ببعض ذلك فليتب إلى الله عز وجل قبل فوات الأوان ومن تاب تاب الله عليه إن الله تواب رحيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1426(9/2897)
حكم تقبيل الزوجة من فمها أمام أبنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل الزوجة من الفم أمام الأهل والأبناء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففعل ذلك للشهوة والاستمتاع أمام الأهل والأبناء ينافي الحياء، والحياء من الإيمان، فلا ينبغي للزوج فعل ذلك أمام أهله أو أهل الزوجة أوأبنائه إن كانوا مميزين، وإن كان ذلك للشفقة والرحمة فإن الأبناء قد لا يميزون ذلك، فإن كان الزوج فاعلا فليقبل على غير الفم. وانظر الفتوى رقم: 1571.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(9/2898)
التصرف اللائق تجاه من كذب عليك
[السُّؤَالُ]
ـ[فإن سؤالي عن الكذب عموما وخصوصاً عندما يكذب عليك أحد هو عزيز على قلبك وخاصة عندما يكون ابن خالتك، وهذا ابن الخالة عندما يكذب ويجرح قلبك فما جوابي (ماذا أرد عليه بعد أن كذب علي) ، هل أسبه ولا أكلمه أبداً طول الدهر أم ماذا، وأرجو من فضيلتكم التكرم بالجواب على هذا السؤال؟ وفائق شكري وتقديري لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب خطير وشره مستطير وهو كبيرة من الكبائر التي يجب على المسلم الحذر منها والابتعاد عنها، ففي حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه واللفظ لمسلم.
فإذا كذب عليك أحد من الناس وعلمت كذبه فالواجب عليك نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وتحذيره من خطورة الكذب، وتذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ... وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه واللفظ لمسلم.
سيما إذا كان الكاذب عليك من أهلك وإخوانك المقربين منك فنصحهم آكد والحرص على هدايتهم وصلاحهم أولى، قال الله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} ، فالأقربون أولى بالمعروف.
وأما هجره فلا ينبغي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه، وكذلك سبابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وقد بينا أن صاحب المعاصي لا ينبغي هجره إلا إذا غلب على الظن أن في هجره مصلحة، وإذا وقع فليكن بقدر الحاجة والمصلحة، فهو وسيلة من وسائل تغيير المنكر، فلا ينبغي استخدامه إلا في محله، وانظر الفتوى رقم: 7119، والفتوى رقم: 16241.
وقد وعد الله العافين عن الناس والكاظمين الغيظ بالأجر الكبير والخير الوفير: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، فالذي ننصحك به أن لا تهجره ولا تقاطعه، بل بين له الحق وحذره من الكذب والخديعة واعف عنه واحتسب على الله أجر العافين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(9/2899)
العهد مع الله ورسوله ومع غيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التعريف للعهد مع الله ورسوله؟ وهل يجوز العهد مع غير الله ورسوله؟
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العهد مع الله هو التعهد والالتزام له بأمر ما من الأمور المشروعة وهو قريب من الوعد، إلا أنهما يختلفان في أن العهد لابد أن يكون مقروناً بشرط كما قال أبو هلال العسكري: فمثال العهد أن يقول القائل: علي لله عهد إن حصل مني كذب أن أصوم يوماً.
ويجوز للمخلوق أن يعاهد المخلوق ويتعين عليه الوفاء بما عاهده عليه، وإخلاف العهد في هذا سمة من سمات النفاق العملي كما في حديث البخاري ومسلم: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. وقد عده الهيتمي من الكبائر، وعلى العهد بين المخلوق حمل بعض المفسرين قوله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا {البقرة: 177} .
ومنهم الشوكاني في فتح القدير، وحمله بعضهم على ما يشمل حقوق الحق وحقوق الخلق ومنهم الألوسي، وأصرح من هذه الآية في العهد للمخلوق قوله تعالى: إِلَا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {التوبة: 1} .
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10145، 49360، 46673، 58479، 25974، 29746.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(9/2900)
ضوابط الكذب لإصلاح ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز النفاق من أجل الإصلاح وما حدوده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائلة تقصد بالنفاق الكذب الذي هو ضد الصدق، وقد حرم الله تعالى الكذب إلا في ثلاث: عند الحرب لإرهاب العدو، ولإصلاح ذات البين بين المسلمين، وبين الزوجين للمودة ودوام العشرة.
ففي الصحيحين وغيرهما عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمي خيرا، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
ولهذا، فيجوز الكذب لإصلاح ذات البين ويكون ذلك بقدر الحاجة، لأن الضرورة تقدر بقدرها، ومع ذلك فالأفضل للمسلم أن يستخدم التورية والتعريض بدلاً من الكذب الصريح ما لم يضطر إليه.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 25629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(9/2901)
ثواب من ترك الجدال محقا
[السُّؤَالُ]
ـ[أود بداية أن أشكركم على هذا الموقع المفيد ... وعسى أن يكون أجراً في ميزان حسناتكم، في الواقع هو أن لدي صديقه تعاني من الآلام بجسدها ... وقد زارت أغلب الأطباء ولكن دون فائدة ... يقولون لها إنه لا شيء بها ... قلت لها ربما تكون (عينا) وطلبت منها أن تذهب لقارئ قرآن ... فقالت لي (أبي لا يؤمن بمثل هذه الأمور) فانتابني الغيظ، وقلت لها: كيف لا يؤمن بكلام الله؟ قالت يؤمن بالله, ولكن لا يؤمن بهؤلاء الناس لأنه يقول إن أي حد بوسعه أن يقرأ القرآن, فلم التداوي عند هؤلاء الناس بالتحديد؟ فقلت لها: إن لديهم يقينا, ويقينهم يكون سببا في الشفاء, لأن بعض الناس يقرأ القرآن على نفسه ولا يشفى لأنه ليس لديه يقين! شعرت أنها لم تقتنع ... وبصراحه لقد تضايقت جداً من جهلها ... وأغلقت الموضوع لأنني خفت من أن أقول لها كلمة تجرحها ... فبالنسبة لي هذا الموضوع لا يحتاج لنقاش! أصيبت عمتها بالعين ... عندما ذهبت لقارئ قرآن قال لها ذلك, ولم يأخذ أي أموال لأنه يقوم بذلك لوجه الله, وشفيت العمة، فما كان لأبيها ألا أن قال إن شفاءها كان بسبب حبوب الضغط! كيف لي أن أقنعها؟ وهل صحيح أن النبي نهى عن التجادل والذي ينهي الجدال يكسب أجراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العين حق كما في حديث مسلم، ورقيتها مشروعة كذلك أيضاً، ويشرع أن يرقي العبد نفسه ويدعو لنفسه، كما يشرع له أن يسترقي غيره ممن علم نفعه وكان سليم المعتقد مستقيماً في دينه، ويدل لهذا ما في حديث الصحيحين: لا رقية إلا من عين أو حمة. وما في البخاري عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة. والنظرة فسرها ابن حجر بالعين.
ويشرع كذلك دواء الأمراض البدنية بالفاتحة أو غيرها من القرآن، وهو لا شك أنجع علاجاً من جميع الأدوية لمن حسن ظنه بالله تعالى وأيقن بوعده.
وليعلم أن الناس قد يتفاوت مستوى استجابة دعائهم بحسب تفاوت مستوى إيمانهم ويقينهم بالله تعالى وحسن ظنهم به، ولكنه قد يستجيب الله لبعض الناس مع ضعف مستواهم الإيماني بسبب اضطرارهم إليه فهو سبحانه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه، وبهذا يعلم أنه يمكن للشخص أن يقرأ على نفسه أو أن يطلب غيره أن يقرأ عليه.
واعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في ترك الجدال فقال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ولا شك أن ترك الجدل أولى لمن لم يكن واسع الاطلاع وليس عنده ما يجادل به، وقد ثبت بالأدلة الصحيحة بيان كون الجدال بالتي هي أحسن من أساليب الدعوة التي قد يحتاج إليها في كثير من الأحيان، ويشرع لمن يستطيع القيام بها أن يعملها، فقد قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 36540، 4310، 9081، 30799، 49953، 9922.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1426(9/2902)
الطريق إلى تحسين أخلاق الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من قريب لي ولكنني لا أستطيع التفاهم معه لصعوبة مزاجه, وعدم اعترافه أحياناً بأخطائه, أرشدوني إلى طريقة للعيش معه أو إلى أذكار يمكن من خلالها أن تتحسن طباعه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك أذكار خاصة لتحسين طباع الناس، لكن هناك صفات حميدة وأخلاق فاضلة تحسن وتغير طباعهم وتجلب محبتهم فننصح الزوجة بالتحلي بها إذا أرادت تحسين طباع وأخلاق زوجها، من هذه الصفات إحسان الصلة فيما بينها وبين الله تعالى، فإن من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.
ومن تلك الأخلاق مقابلة السيئة بالحسنة، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، ومنها الصبر، وطلاقة الوجه والابتسامة، وحسن التبعل ومساعدته على أمور الحياة، والتجاوز عن الزلات وعدم المحاسبة على الأخطاء.
ثم ننصحها بالدعاء له، والمداومة على هذه الأخلاق والصفات لعل الله يغير طباعه مع الزمن، ولا تيأس وإن تأخرت النتيجة، ولتحتسب الأجر على ذلك من الله سبحانه وتعالى، ولتعلم أن الحياة الزوجية لا تخلو من منغصات، تقل أو تكثر، نسأله سبحانه أن يوفق الأخت لأحسن الأخلاق وأن يصلح أخلاق زوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(9/2903)
كيفية التخلص من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من المغرب عمري24 أنا مشكلتي جزاكم الله خيراً. أني كثير الكذب رغم أني أصلي الصلوات الخمس فأنا أكذب في أبسط الأشياء، ودائما أقول إني لن أكذب مرة أخرى لكن هيهات، فأنا أطلق الكذبة من دون أن أشعر، فأنا جزاكم الله خيراً، أريد أن تساعدوني على التخلص من هذه العادة السيئة، فأنا لا أريد أن أكتب عند الله كذابا، أرجو من الله أن تكون إجاباتكم سريعة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يعينك على التخلص من رذيلة الكذب أشياء، منها: أولاً: معرفتك أنه من كبائر الذنوب، وأن عاقبته وخيمة، وأن الله لا يحب الكاذبين، وانظر الفتوى رقم: 32451، والفتوى رقم: 26391.
ثانياً: مراقبة الله واستشعار نظره إليك وقربه منك.
ثالثاً: الحياء من ملائكة الرحمة الموكلين بكتب ما ينطق به ابن آدم، فتستحي منهم أن يكتبوا في صحائفهم افتراءك للكذب.
رابعاً: سؤال الله كثيراً بذل وإلحاح أن يجعلك صادق اللهجة، وأن يبغض إليك الكذب ويصرفه عنك.
خامساً: طلب العلم النافع، فإنه يقرب إلى الله تعالى، ويقضي على أسباب الكذب والتي منها: عدم إقدار الله حق قدره بالجهل بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومنها: الخوف من غير الله خوفاً لا يكون إلا لله، ومنها: عدم التوكل على الله، وغير ذلك من الأسباب.
سادساً: صحبة الصالحين، فإن صحبتهم تغري بالصلاح، والصاحب ساحب، والطباع سراقة، ففتش عن الشباب المؤمن المستقيم، وانخرط في سلكهم، وتعاون معهم على الخير، فستنفعك صحبتهم وستتغير طباعك وأخلاقك الذميمة إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/2904)
الكذب ممنوع في الجد والمزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل جديدا في مصلحة حكومية كمهندس ونحن مقسمون إلى مجموعات وكل مجموعة يرأسها دكتور في الهندسة يوجد دكتور لديه اثنان من المهندسين أصحاب لحى وأنا أيضا ملتح ولكني لست تحت رئاسته فدخل علينا هذا الدكتور ومعه دكتورة وقالت ملتح آخر فقلت لهذا الدكتور أنا أعمل معك وأخي فلان وفلان وأنت أزهري فقالت الدكتورة كل هؤلاء يعملون معك وكانت صيغة الكلام مزاحا فهل أكون بذلك مستهزئا وإن كان ذلك والعياذ بالله فهل لي توبة؟ علما بأن لدي بعض الوسواس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في هذا الكلام -فيما يظهر لنا- استهزاء، ولكن إخبارك بأنك تعمل مع الدكتور إذا كنت تقصد به أنك تحت رئاسته فهذا إخبار غير مطابق للواقع وهو داخل في الكذب، والكذب لا يجوز في مزاح أو جد، فيجب التوبة إلى الله من ذلك، وإن كنت تقصد به أنك تعمل معه في مصلحة حكومية واحدة، فهذا صحيح، ولا حرج فيه.
وكذلك قولك للدكتور إنه أزهري، إن كان أزهرياً حقا، فقد أخبرت بالواقع، وإن لم يكن أزهرياً، وعنيت بذلك أنه كالأزهري الذي يحبه أهل الدين ويفضلون العمل معه على غيره، فهذا أيضا لا بأس به إذا كان حاله كذلك، وإلا فهو كذب لا يجوز.
وقد سبق أن ذكرنا كيفية علاج الوساوس في عدة فتاوى، انظر منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3086، 48437، 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(9/2905)
تبادل الفحش مع الزبونات الساقطات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في تجارة المفروشات وبالطبع معظم زبائني من النساء منهن المحترمات ومنهن غير ذلك تماما ولأبعد حد ولي صديق يعمل معي يفضل هذا النوع من النساء وأراه عندما يتحدث معهن أنه يتحدث بطريقه ليست فيها أدب والغريب أن هذا النوع من النساء أراه فعلا متقبلا هذا النوع من الحديث وعندما أقول له هذا لا ينبغي فعله فأنا أريد رزقي بالحلال يقول لي إن هناك زبائن لا تشتري إلا بهذه الطريقة وأنا أظن أن هذه الطريقة خطأ وهو يقول لي الحياة تسير كذلك وإن لم أفعل ذلك فسأرهق في حياتي مع العلم أني تقريبا خسرت هذا الصديق من كثرة المشاحنات بسبب هذا الأسلوب فبالله عليكم أخبروني ما هو الصحيح. هل الله يبارك في هذا الرزق الذي يأتي بهذه الطريقة مع العلم أن هذه الطريقة تفتح له أبواب الزنا وبطلب من هؤلاء النسوة لقدرته على استدراجهن في الحديث. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
تقدمت الإجابة على هذا السؤال في الفتوى رقم: 66347
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/2906)
حكم تجسس المدير على موظفيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مديراً لمؤسسة وعندما أقوم بالخروج من هذه المؤسسة أقوم بتشغيل مسجل صوت داخل الكمبيوتر لكي يقوم بتسجيل كل الحوارات التي تدور في المؤسسة أثناء غيابي وبعدها أقوم بالاستماع إلى هذه التسجيلات وطبعاً هذا بدون علم أي شخص بهذا الموضوع فهل يكون هذا تصنت وتسلط على الآخرين؟ على العلم بأنني أعمل هذا في المؤسسة – مكان عمل - والتي هي في مسؤوليتي لكي أعلم بما يدور أو يحدث عندما أترك العمل وأخرج لتأدية أي معاملات.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا العمل الذي تقوم به من تسجيل ما يجري من حديث بين الموظفين يشتمل على عدة محظورات شرعية:
المحظور الأول: التجسس، وهو محرم، قال الله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا.
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: ولا تجسسوا: أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها، ودعوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن زلاته، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي.
ولا يستثنى من ذلك إلا إذا غلب على الظن وقوع جريمة لا يمكن منعها إلا عن طريق التجسس، قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في (الأحكام السلطانية) : إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستمرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا والقتل جاز التجسس عليه والإقدام على الكشف والبحث، حذراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم، وإن كان دون ذلك في الريبة لم يجز التجسس عليه ولا الكشف عنه. انتهى
ومعلوم أنه لا يُخشى من وقوع جريمة في حال غيابك لا يمكن منعها إلا بالتجسس حتى يجوز لك التجسس، وراجع الفتوى رقم: 16126.
المحظور الثاني: سوء الظن بالعاملين معك، إذ أنك لو أحسنت بهم الظن وأنهم يؤدون العمل على الوجه المطلوب، لما قمت بتسجيل حديثهم بعد خروجك، وسوء الظن بالمسلمين دون بينة أو قرينة معتبرة لا يجوز، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} .
قال ابن كثير: يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله.
وقال العلامة السعدي: نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين حيث قال: إن بعض الظن إثم، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب ... الحديث. رواه البخاري ومسلم، وراجع الفتويين رقم: 28676، والفتوى رقم: 15185.
المحظور الثالث: الاستماع إلى هؤلاء الموظفين وهم -بطبيعة الحال- يكرهون الاستماع لحديثهم بهذه الطريقة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة. رواه البخاري.
وبعض هذه المحظورات يكفي في تحريم العمل الذي تقوم به فكيف إذا اجتمعت؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(9/2907)
المؤمن لا يكون طعانا ولا بذيئا ولا فاحشا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إطلاق ألفاظ بذيئة مثل (مخنوث) على الناس بدون النظر إلى حاله هل هو مستحق لها أم لا , وما نصيحتكم لمن يفعل ذلك.... أفيدونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يتعين عليه البعد عن الألفاظ البذيئة الفاحشة ويعود لسانه على قول الخير، لقول الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة: 83}
وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وقال لمعاذ: كف عليك هذا يعني لسانه. قال وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وقال بعض الحكماء:
عود لسانك قول الخير تحظ به * إن اللسان لما عودت يعتا اد
وقال بعضهم:
احفظ لسانك أيها الإنسان * لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه * كانت تهاب لقاءه الشجعان
ويحرم على المسلم الكلام بما يؤذي المسلمين من السب والشتم، لما ذكرنا من حديث الصحيحين ولقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/2908)
تحلل المرء من العباد الذين اغتابهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 16 عاما وقد اغتبت الكثير من الناس وأنا الآن لا أتذكرهم كلهم والحمد لله أنني تبت من الغيبة ونفذت ثلاثا من شروط التوبة أما الرابع وهو رد المظالم وأن أستسمح المُغتاب فقد فعلته مع بعض الذين أذكر أني قد اغتبتهم وأما الذين قد نسيت أني ذكرتهم فلا أستطيع أن أعرفهم وأستسمحهم لأني قد نسيتهم
1-فما جزائي أو ما الإثم الذي سوف أكسبه إذا لم أستسمح الذين اغتبتهم وهل يجوز لي أن لا أستسمحهم ولا أستغفر لهم ولا أن أذكرهم بخير ولكني سوف أفعل الكثير من الخير وأقول العديد العديد من الأذكار حتى أكثر من حسناتي.
2-وما العمل مع الذين نسيتهم.
أفيدوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا من مظاهر شؤم المعاصي التي تتعلق بحقوق العباد فيخطئ العبد في حق أخيه ولا يتمكن من التحلل منه ولا من قضائه حقه، فإن التحلل من المظلوم الذي اغتبته واجب شرعي فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحلل من المظلوم في الدنيا، فقال: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري
ثم إن تحلل المغتاب وإعلامه بما حصل إن علم بغيبتك له متعين، وأما إن لم يعلم فالأولى أن تتحلله تحللا عاما ولا تذكر له اغتيابك إياه لئلا تغضبه كما قاله بعض أهل العلم، وعليك بالإكثار من الحسنات لتكاثر بها السيئات وتسدد ببعضها ما عليك من الحق، وينبغي أن تكثر من الدعاء للمسلمين الذين اغتبتهم والثناء عليهم بما علمته فيهم من الخير.
وأما الاستغفار لمن اغتبته فقد وردت فيه بعض الأحاديث ولكنها لا تسلم من المقال كما قال السخاوي في المقاصد الحسنة وتابعه العجلوني في كشف الخفاء، قال العجلوني:
(كفارة من اغتبته أن تستغفر له) . رواه الخرائطي في المساوي، والبيهقي في الشعب، والدينوري في المجالسة، وابن أبي الدنيا وغيرهم عن أنس مرفوعا، ولفظ بعضهم كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته وفي سنده عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف جدا كما في المقاصد. ورواه الخرائطي من وجه آخر عن أنس مرفوعا بلفظ إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: اللهم اغفر لنا وله، وهو ضعيف أيضا لكن له شواهد، فعند أبي نعيم وابن عدي في الكامل عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: من اغتاب أخاه فاستغفر له فهو كفارة له. وفي سنده سليمان بن عمرو النخعي اتهم بالوضع، وعند الدارقطني بسند فيه حفص الأيلي ضعيف عن جابر رفعه: من اغتاب رجلا ثم استغفر له من بعد ذلك غفرت له غيبته. ورواه البيهقي عن أبي هريرة بلفظ: الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل. قال عقبة موقوفا وسنده ضعيف.
وقد نسب الغزالي في الإحياء إلى الحسن القول بكفاية الاستغفار عن التحلل من المغتاب، ونسب لمجاهد أنه يكفي الثناء عليه إلى أن قال في الأخير: لا بد من الاستحلال إن قدر عليه، فإن كان غائبا أو ميتا فينبغي أن يكثر له من الاستغفار والدعاء ويكثر من الحسنات.
ونقل العجلوني عن ابن المبارك كفاية الاستغفار من التحلل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(9/2909)
حكم ضرب الموظف وتعليمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال هو في الحقيقة مشكلة أكثر من سؤال ولكن أريد أن أريح ضميري، أعمل مديرا فى إحدى الشركات وفي يوم من الأيام تم تعيين مساعد لي وتم طلب رأيي ولقد وافقت عليه مع علمي التام بعدم كفاءته وأنني كنت لا أحب طريقتة في التذلل والتقرب ممن هم فى مراكز لكي يجد وظيفة، ولكني لم أرد أن أكون سببا في منع رزق أحد وقلت فى نفسي أنا أعطيه فرصة كما أخذت فرصتي من قبل ولم أكن أعلم شيئا، وبالفعل تم تعيينه ولكن بعد تعيينه أخذ يسألني كثيرا في أشياء صغيرة جداً وتافهة حتى أنني كرهته وكرهت أن يكلمني وبدأ هو في الشكوى مني وبدأ فى التحدث إلى الناس أنني أظلمه واشتكاني إلى رؤسائي وبدأت في التعامل معه بصورة لا تليق ثم تطور الوضع وبدأت في التحدث معه بصورة سيئة جدا.
كان فى إمكاني أن أقول رأيي فيه بصراحة، ولكني منعت نفسي وكنت أضغط على نفسي لكى أعلمه مع كرهي لذلك، فأنا لا أريد أن أعلمه لأنه ناكر للجميل وناكر للمعروف ويريد أن يتعلم مني حتى يكون ذا شأن، اعلم أنه من حقه أن يتعلم ولكنى أقارنه بنفسي، فأنا تعلمت بمجهودي ولم يساعدني أحد واجتهدت حتى أصبحت بفضل الله مديرا، ولكن هو لم يجتهد ويريد أن يأخذ مجهودي بدون تعب، هذا مختصر الموضوع وهو أن العلاقة تطورت لحد أنني في يوم من الأيام تضايقت جداً نتيجة لكلام كثير منه استفزني جداً، وقال لي إنني ظالم وإن كل الناس يعلمون ذلك وضربته، وفي هذا اليوم شعرت بندم شديد جدا جدا وفي نفس الساعة اعتذرت له أمام الناس جميعا وقلت له إنني آسف وياليت ننسى ما حدث وأن لا نقص على أحد ما حدث ولقد بدأت في التقرب إليه مع كرهي له ولكنى ضغطت على نفسي واستمررت بالاتصال به والتودد إليه لعل وعسى أن أرد له مظلمته من معاملتي السيئة له، ولكن إزداد بعداً وأصبح يرد علي بتعجرف أو يمكن أنه لا يريد أن يتحدث إلي ولكني أعتقد أنه تعجرف، ولكنى واثق أنه يتعامل معي فى حدود العمل فقط، ولكن حدث أننى اكتشفت بعد عدة أيام أنه قال لرؤسائي ما حدث كله بدون زيادة أو نقص وأخذ يقص على زملائي كيف أنني أظلمه وكيف أنني مفتر ولقد نهرني رؤسائي جداً ووقفوا في جانبه، سؤالي هو: هل أنا مضطر إلى تعليمه مما لدي من العلم، هل اعتذاري له كاف، كيف أتخلص من كرهي له، هل أنا ظالم أم مظلوم، كيف أجعله يكف عن الكلام عني، كيف أجعله ينسى ما حدث، أنا مستاء جدا من كلامه عني أمام الناس مما يسيء إلى سمعتي في الشركة وهي التي حاولت جاهدا طوال سنين أن أحافظ عليها, الآن كلهم يقولون إنني ظالم ومفتر، لدي كثير من المشاعر داخلي، ولكن لا أعلم هل هي مشاعر خوف من أن أكون ظالما أم هي مشاعر كره له أم هي مشاعر خوف من الرؤساء، ولكن أؤكد لكم أنه بعد هذه المشكلة سألني مديري عن رأيي فيه وقلت إنه ممتاز وإنه في تقدم مستمر وإنى أريده في العمل، لكني أتمنى أن يستقيل ولكن بدون تدخلي، أرجو أن أجد عندكم ما يريح قلبي وإن كنت أنا الظالم كيف أتوب وكيف لا أتضايق عند سماع أنه ما زال يتحدث عني أمام الناس بما حدث وكيف أنني ظالم، هذا يجعلني أحزن جداً كيف أتوب وكيف أصلح صورتي أمام الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ضربك للعامل الذي يخدم معك فيه اعتداء عليه كبير، وقد حذر الشرع الحكيم من ذلك، ففي الحديث الصحيح: أن المفلس يوم القيامة يأتي بصلاة وصدقة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ... الحديث. فكان من حقك أن تكافئ إساءته عليك بمثلها أو أن تعفو عنه، وليس لك أن تضربه.
ونسأل الله تعالى أن يذهب غيظ قلبك وغلَّه، وأن يؤلف بينك وبين عباد الله المؤمنين، فقد ذكر الله أحوال الصالحين فقال: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {الحشر:10} ، ولا يتأتى ذلك للمرء إلا إذا تحلى بصفة الحلم والصفح والعفو، فلا يرد السيئة بسيئة وإنما يردها بالحسنة ولا يدع نفسه تتحكم فيه، بل يحكم نفسه بسلطان العقل ووازع الدين، فقد قال الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، وقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53} .
فهذه بعض أسباب ضبط النفس من الناحية الإيجابية، أما من الناحية السلبية فالواجب على العبد أن يتخلى عن حظوظ النفس وشهواتها التي تدفعه لحب ذاته، والتعالي على الآخرين، والفخر بما أوتي من علم أو مال أو منصب، قال صلى الله عليه وسلم: وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد. رواه مسلم وغيره.
ولتتذكر أيها الأخ السائل قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10} ، وأن المؤمن له من الحقوق على أخيه المؤمن ما يعجز المرء عن وصفه، ولقد بينا فضيلة العفو والصفح وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54408، 36349، 27841، 24753، 18380.
أما عن تعليم مساعدك الأمور التي يسألك عنها فليس من الواجب عليك، ما لم يكن داخلاً في مقتضى العقد أو العرف إن لم يذكر في العقد، ولكن لو علمته تفضلاً منك ووجهته إلى الصواب ونبهته على الخطأ كان ذلك فيه الأجر الكبير، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله ... إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق. والأخرق هو الذي ليس بصانع. .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(9/2910)
كذبت على زوجها وتخشى إن علم الحقيقة أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي شاب أجنبي (غربي) اعتنق الإسلام حديثا وهو يحب القرآن الكريم حبا شديدا ويرغب في التجويد سألني ذلك بعد الزواج أجبته كذبت عليه وقلت نعم لكني لا أعرف التجويد هل هذا حرام؟ وهل يجوز أن أعلمه أني لا أعرف التجويد علما أني إن فعلت سيتركني؟ ملاحظة أني أحب أن أتعلم التجويد أيضا لكني لا أعرف]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم شرعا، بل هو كبيرة من الكبائر. قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء: 36} وليس هو من خلق المؤمن، فلتتوبي إلى الله سبحانه وتعالى من ذلك الذنب العظيم، ومن آفاته أنه قد أوقعك في الحرج، فالصدق منجاة والكذب مهواة، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وإذا كان سيفارقك أو يهجرك ويغضب عليك إن علم أنك لا تعرفين أحكام التجويد فلا تخبريه وداريه بالمعاريض ففيها مندوحة عن الكذب، وإذا لجأت للكذب عليه حتى لا يطلقك أو يهجرك فلا بأس بذلك، لأن الكذب حينئذ مما يجوز، كما قال النووي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصد محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إذا كان تحصيل المقصود مباحا كان مباحا وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.
ومقصودك هنا هو دوام العشرة بينك وبين زوجك وهو أمر قصده الشارع وحث عليه، وفي الحديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. متفق عليه. وفي رواية لمسلم: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ذلك تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
فلتداريه وتطلبي منه دراسة التجويد على المتمكنين في ذلك جدا، ويمكنك الاستعانة بالدروس التي تبث عبر بعض القنوات الإسلامية الفضائية مثل قناة المجد وقناة اقرأ ففيهما دروس نافعة، واستعيني بالكتب والأشرطة المسجلة في ذلك فيجوز سماع القرآن منها وتعلم أحكام التجويد فيها، كما بينا في الفتوى رقم: 32749 كما بينا أهمية التجويد وحكمه في الفتوى رقم: 6682 وإذا رأى منك لطفا وتوددا وطاعة وحسن معاملة فلن يفرط فيك لزلة قصدت بها أن ترغبيه في الزواج منك بها، ولتكوني عونا له ومثالا حسنا للمسلم الملتزم بتعاليم دينه وأمره ونواهيه وأخلاقه ولا تصديه عن الإسلام بفعل ما لا يليق من سوء العشرة والتبرج وغير ذلك من الأخلاق المذمومة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1426(9/2911)
لا بد من غض البصر مع الصوم حتى تخمد نار الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن لم ينفع الصوم في تسكين الشهوة- وأنا في جامعة مختلطة والعياذ بالله-فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فتنة النساء عظيمة وما ترك صلى الله عليه وسلم بعده فتنة أضر على الرجال من النساء، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، وخير ما تتوقى به تلك الفتنة (والوقاية خير من العلاج) هو غض البصر كما أمر الله سبحانه وتعالى في قوله: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور:30} ، قال الألوسي: أرشد سبحانه إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر باب إلى كثير من الشرور وهو بريد ورائد الفجور. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: والعين تزنى وزناها النظر ... رواه أحمد ولفظه عند الشيخين: فزنا العين النظر ...
ولله در القائل:
كل الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها * فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا طرف يقلبه * في أعين الغيد موقوف على الخطر
وإذا غض المرء بصره وأدى شكر تلك النعمة بصرفها في طاعة الله واجتناب محرماته، كان ذلك سبباً في إخماد نار الشهوة بقلبه وقطع حبائل الشيطان وسد مداخله التي يغوي بها المرء، وقد بينا بعض الأسباب المعينة بإذن الله على كبح جماح الشهوة وإخماد لظاها المتأجج في القلب، وذلك في الفتوى رقم: 6995.
كما بينا حكم الدراسة في الجامعات والمدارس المختلطة وذلك في الفتوى رقم: 2523 وننصحك بمراجعتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(9/2912)
رجوع المظلوم عن مسامحته وعفوه هل يؤثر على توبة الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أخطأ شخص في حق شخص آخر وقام المخطئ باستسماح الشخص الذي أخطأ في حقه فسامحه وتاب المخطئ إلى الله توبة نصوحا خالصة وعادت العلاقة كما كانت ولكن بعد تسع سنوات قرر الشخص أنه لن يسامح المخطئ على الذنب القديم دون أي مستجدات فهل لا تقبل توبة المخطئ؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سماح المظلوم مثل الهبة، فيعتبر تنازلاً منه عن حقه السابق، ومن المعلوم أن الهبة بعد قبول الموهوب له لا تسترجع لما في الحديث: لا يحل للرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
وبما أن هذا الشخص المخطئ قد تاب إلى الله وتحلل من المظلوم وسامحه، فنرجو الله أن يقبل ذلك منه، ولا يكون رجوع هذا المظلوم معوقاً لقبول التوبة، ففي الحديث: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
هذا، وننصحك بالاعتذار إليه مرة أخرى والإحسان إليه لتسلما من حصول شنآن بينكما في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(9/2913)
البعد عن أسباب المعصية يعين على التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة ليس لديها كمبيوتر لذا التجأت لي لكي أمرر لكم سؤالاً عنها وهي متزوجة ولديها ولد من زوجها وهي امرأة متدينة يعرف عنها حياؤها واستقامتها والتزامها لكن الشيطان غرر بها وأوقعها في المعصية فقد خانت زوجها مرتين ولكنها لم تقع في المحظور أي كانت الخيانة مع الأسف لصراحتي مجرد حضن وتقبيل وذلك بسبب حالة من الاكتئاب كانت تعيشها مع زوجها لفترة لكي تهرب من خلافات زوجها وإهماله لها في الحياة العادية وفي الفراش ثم انتهت هذه الخلافات وعادت الأمور على أحسن حال كما كانت وهي الآن لا تتوقف لحظة عن الاستغفار لربها من شدة الألم الذي يعتصر قلبها جراء هذا الإثم العظيم الذي ارتكبته مع مديرها في العمل مع العلم بأنها محصنة ولكن هي تابت وعلمت مديرها بأن يعاملها كأخيها لا أكثر وبالفعل التزم ولم يعد يتعرض لها وسؤالها هو هل يغفر الله لمن تاب عن مثل هذا الفعل العظيم وهل لها أن تستمر في عملها بعدما أصلحت الحال الذي كان وأعطت لمديرها درساً لن ينساه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من تاب من ذنب تاب الله عليه إذا كانت التوبة مستوفاة لشروطها، وقد فصلنا هذه الشروط في الفتوى رقم: 5450 والفتوى رقم: 29785. قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر: 53-54}
واعلمي أختي السائلة أن ما وقعت فيه صديقتك هو من عواقب الاختلاط المحرم، وقد سبق لنا بيان مفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء في الفتوى رقم: 3539.
وعليه، فإذا لم تكن صديقتك مضطرة للعمل اضطرارا حقيقيا بحيث لم تجد من ينفق عليها ويوفر لها الضروري من النفقة، إذا لم تكن كذلك فلا يجوز لها أن تعمل في مكان تختلط فيه بالرجال الأجانب عنها، لاسيما بعد وقوع ما وقع مع مديرها، ولذلك، فإننا ننصحها بشدة بأن تترك هذا العمل وأن تبتعد عن هذا الشخص حفاظا على دينها وعلى زوجها، لأن وجودها قريبة منه مدعاة للرجوع إلى ما حدث من قبل، وربما إلى ما هو أشد منه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه الترمذي وصححه، فإذا تركت هذا العمل فرارا من المعصية فإن الله تعالى سيرزقها من حيث لا تحتسب، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
ثم إننا ننبه الأخت السائلة إلى أمور ثلاثة:
الأول: قولها ولكنها لم تقع في المحظور، فنقول بل قد وقعت في المحظور، فليس المحرم هو الزنا فقط، بل ما وقعت فيه لا شك في حرمته، وتزداد حرمته شدة إذا وقع من امرأة متزوجة.
الثاني: ما ذكرته من أسباب لا يسوغ وقوع صديقتها فيما حرم الله تعالى، زد على ذلك فإن الوقوع فيما وقعت فيه لا يعالج الخلافات الزوجية بل يزيدها اتساعا.
الثالث: كان الواجب على صديقتك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وما كان ينبغي أن تحدث غيرها بما حدث منها من معاصي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلم إذا وقع في مثل هذه الآثام أن يستتر بستر الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله تعالى. رواه الحاكم والبيهقي ورواه مالك بنحوه وصححه الحاكم وابن السكن والألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(9/2914)
الاستقامة وتجنب أسباب الغضب خير معين على ترك الشر
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الخلاص من الشر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلاص من الشر يكون باستقامة المرء على أمر الله، وابتعاده عن مسالك الشيطان، ومما يساعد على ذلك الالتزام بالبيئات الصالحة كالمساجد ومجالس العلم، ومصاحبة من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، والاشتغال بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، والهجران لمجالس السوء وأصحاب السوء ...
وقد ذكر أهل العلم أربعة أمور تعين في حمل النفس على الاستقامة وهي:
أولاً: المشارطة، وذلك بأن يشترط عليها أن تقلع عن السوء، وأن تلزم تقوى الله وطاعته وحبذا لو كان ذلك في كل صباح.
ثانياً: المراقبة، وذلك بأن يراقب المرء نفسه هل هي فعلاً قد أوفت بما اشترط عليها أم لا.
ثالثاً: المحاسبة، بأن يحاسبها على الأفعال والأقوال.
رابعاً: المجاهدة، بأن يقصرها قصراً على طاعة الله ويلزمها إلزاماً بمخالفة الهوى والشيطان.
ومما يعين على الاستقامة أيضاً ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي طلب منه أن يوصيه فأوصاه بترك الغضب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب. رواه البخاري.
فإذا لم يغضب المرء فقد ترك الشر كله، ومن ترك الشر كله، فقد حصل الخير كله، ومعالجة الغضب، تكون بأمور كثيرة أرشدنا إليها الإسلام، منها:
* أن يروض نفسه ويدربها على التحلي بمكارم الأخلاق، كالحلم والصبر والتأني في التصرف والحكم.
* أن يضبط نفسه إذا أُغضب ويتذكر عاقبة الغضب، وفضل كظم الغيظ والعفو عن المسيء، قال الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما كظم عبدّ لله إلا ملئ جوفه إيماناً.
* الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف:200} ، وروى البخاري ومسلم: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* تغيير الحالة التي هو عليها حال الغضب، فقد روى أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع.
* ترك الكلام، لأنه ربما تكلم بكلام قوبل عليه بما يزيد من غضبه، أو تكلم بكلام يندم عليه بعد زوال غضبه، روى أحمد والترمذي وأبو داود: إذا غضب أحدكم فليسكت. قالها ثلاثاً.
* الوضوء، وذلك أن الغضب يُثير حرارة في الجسم، والماء يبرده فيعود إلى طبعه، روى أحمد وأبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. إلى غير ذلك من الخصال الفاضلة، التي أرشدنا إليها هذا الدين الحنيف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(9/2915)
الكذب كله أسود
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تاجر ملابس ويوجد واحد يريد أن يشتري مني ملابس وأنا لا أريد أن أبيع له لأن هذا الرجل ليس عنده موعد في دفع الفلوس، وإذا منعته البضاعة سيغضب وإن بعته سيطول الفلوس، وإن قلت له لا توجد بضاعة كذبت عليه هل هذه الكذبة بيضاء وليست سوداء.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب حرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. متفق عليه. والكذب من صفات المنافقين، قال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان. متفق عليه.
وليس هناك كذب أبيض وكذب أسود بل الكذب كله أسود قبيح؛ إلا أنه يباح في مواطن بضوابط معينة، وليس منها ما نحن فيه.
وعليه.. فلا يحل لك أن تكذب على هذا الشخص ولتكن صريحا معه وأخبره بأن السبب هو المماطلة التي تخشاها منه، وليكن ذلك بطريقة حكيمة فتكون بذلك قد جمعت بين النصح والصدق وحفظ البضاعة. ولك أن تستعمل التورية كأن تقول مثلا: إنك لا تبيع بالدين، وتقصد لا تبيع بالدين له، وقد صح عن عمران بن حصين قوله: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/2916)
ليس منا من لم يوقر كبيرنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت تبلغ من العمر حوالي ال 11 سنة أو أكثر بقليل ولكنها تتجاهلني وتتعامل معي وكأنني كلب ينبح معها عندما أطلب منها شيئا وترد على أسئلتي بأجوبة قبيحة وغيرها من الأعمال وهي تضربني أحيانا وأنا أبلغ من العمر 17 سنة وأضربها عندما تفعل بي ذلك فهل يحق لي وإن كان الجواب لا، فمتى يحق لي مع العلم أنني أقول لأهلي ولكنها لا تجيب لتنبيهاتهم بل تعاملني هكذا؟؟
افيدوني يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لأختك الهداية والصلاح، وننصحك بأن لا تقابل إساءتها إليك بالمثل، بل ادفع إساءتها بالتي هي أحسن، كما قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ {المؤمنون: 96} . وكما قال سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ*وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34ـ35} . وهذا يحتاج منك إلى صبر كما ورد في الآية السابقة، ولا بأس أن تتجنب النقاش معها أو المزاح، وكل ما يؤدي إلى حصول النزاع والخلاف بينكما، ولا شك أن تعاملها المذكور معك مخالف للآداب والأخلاق الإسلامية في الحديث: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا. وفي رواية: ويوقر كبيرنا. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. واستعن عليها بأبويك إذا وصل الأمر إلى حد الضرب، واحرص على الدعاء لها بحسن الخلق والصلاح وتعاهدها بالنصح بلين وحكمة.
وننبهك أن مسؤولية تأديب الأخ ليست على أخيه إذا كان الوالد موجودا، بل للأخ أن يبلغ والده بتصرفات الأخ غير الأخلاقية. وعلى الوالد أن يقوم بواجبه في تأديب ونصح الابن الذي تصدر منه تلك الأعمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/2917)
النهي عن هتك ستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مصري مثل آلاف الشباب كنت أعمل بشركة سياحة بالقاهرة وكان لي من التعامل الكثير مع الأجانب ومن ضمن هذا التعامل أقمت علاقة آثمة مع سيدة أجنبية وقد قدمت لي هذه السيدة كثيرا من الأموال بعد رحيلها عن القاهرة لكي أسافر إليها فى بلدها ونكمل ما ابتدأناه من معصية وللأسف قد قمت باستلام النقود وقد صرفتها بالفعل ولم أسافر لها وقد رغبت بعد ذلك في استرداد نقودها ولم أكن ساعتها فى مقدوري ردها وانتهى الموضوع على ذلك، وبعد ذلك تزوجت والحمد لله رب العالمين التزمت وتزوجت من الأخوات والتحيت وتبت إلى الله عن هذا الذنب وأدعو الله دائما أن يتقبل توبتي النصوح، ولكن هناك دائما ما ينغص علي حياتى وأشعر بمرارة فى نفسي من أجل هذه الأموال التي أخذتها، وأعلم أن علي ردها حتى أشعر أن الله عز وجل تقبل توبتي، والمبلغ ليس بقليل إنه ما يعادل 17000 جنيه مصري بعد زواجي سافرت إلى دولة عربية بحثا عن عمل لكي أستطيع أن أرد هذا الدين المعلق فى عنقي وبالفعل وجدت عملا ولكن للأسف شروط البلد حسب راتبي تمنعني من اصطحاب زوجتي معي أو حتى عمل زيارة لها فأنا الآن فى قمة حيرتي إنني غائب عن زوجتي منذ سبعة شهور وأعلم أن هذا خطأ ولكنى لن أستطيع أن أعود إجازة قبل سنه ونصف فأنا لا أعلم ماذا أفعل هل أستمر فى عملي هذا لكي أتمكن من سداد الدين وذلك على حساب زوجتي التي ليس لها أي ذنب فيما اقترفته فى الماضي لقد صارحتها بأمر هذه المرأة وأمر الدين والآن لا أعلم هل أستمر فى عملي وأكون بعيدا عن زوجتي أم أرجع إلى بلدي وفى هذه الحالة لن أتمكن من سداد ديني، ولكن زوجتي طلبت مني أن أبيع شقتنا وأن نسدد الدين منها وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء، فالرجاء نصحي وأن تشيروا علي ماذا أفعل مع مراعاه أن كل ما تقوله سوف أنفذه بإذن الله، مع مراعاه أيضا يا سيدي أن لي فى مصر أمي وأختان ووالدي توفي قريبا، فهل أرجع وأبيع بيتي وأسدد الدين وأبحث عن عمل هناك وأجاهد في زوجتي وأمي وأخواتي، أم أستمر في عملي هنا لكي أسدد ديني لكي لا أبيع بيتي وذلك سوف يكون على حساب أمي وزوجتي وإخوتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نهنئك في البداية على توبتك واستقامتك، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك وأن يثبتك على طاعته، ونهنئك كذلك على زواجك من امرأة متدينة، وهذا من فضل الله تعالى عليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الدينا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة. رواه مسلم.
ثم اعلم أخي الكريم أن المؤمن مبتلى، وأن هذه الابتلاءات قد تكون كفارة لما سلف منك من سيئات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. رواه الترمذي وصححه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني أيضاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
وأما نصيحتنا لك، فإننا ننصحك بالاستمرار في عملك وعدم تركه كي تتمكن من سداد دينك، ولا ننصحك أبداً ببيع بيتك لأن الحصول على مثله مرة أخرى من الأمور العسيرة، وربما اضطررت إلى الاستدانة مرة ثانية لشراء بيت، فتقع فيما فررت منه، وحاول إقناع أمك وزوجتك بالصبر على غيابك هذه المدة، وننصحك أيضاً بمحاولة إقناع صاحب العمل الذي تعمل عنده بالموافقة على استقدام زوجتك للإقامة معك.
وننبهك في الأخير إلى أنه ما كان ينبغي لك إخبار زوجتك بمعاصيك السابقة، بل كان يكفي أن تخبرها بأن عليك ديناً لم تتمكن من سداده إلى الآن، لأن المسلم مأمور بأن يستر على نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله تعالى. رواه الحاكم والبيهقي وبنحوه مالك في الموطأ وصححه الحاكم وابن السكن والألباني. نسأل الله تعالى أن يقضي دينك وييسر أمرك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1426(9/2918)
خائن الأمانة والمزور.. هل يفضح أم يستر عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تتستر على من يرتكب مخالفة قانونية, كتزوير للوثائق –الكذب-أو نهب أموال الدولة وما هو الحكم الشرعي في ذلك وهل يمكن أن يلتزم المؤمن بنص الحديث الذي يقول (من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله في الآخرة. جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما يتعين الاهتمام به هو النصح للناس والسعي في هدايتهم، وإن حصل من شخص تزوير للأوراق أو أخذ لمال عام فيتعين نصحه وتحذيره من شهادة الزور والخيانة عموما، وتذكيره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك الله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه. وتذكيره بالحديث: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. ويتعين بيان الحكم له في هذا حتى يتوب من خطئه، فإن توبته هي أهم ما يتعين السعي فيه، وأما فضحه وهتك ستره فإنا لا نراه حلا. إلا إذا تعين وسيلة لإيقافه عن هذا المنكر ولم يخش أن يترتب على ذلك منكر أكبر منه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/2919)
الوالدان أجدر بالستر من غيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إخبار زوجي عن العلاقة بين والدي كيف كانت وعن بعض المشاكل بينهما ومن السبب فيها وعن طباع كل منهما بصدق وعن بعض الأسرار فى الماضي، مع العلم بأني لا أعرف هل يجوز ذلك أم لا، وما الحكم فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأسئلة لا فائدة منها، ولا ينبغي لك أن تجيبي زوجك عنها، خاصة إذا تعلق الأمر بمعاصي وآثام ارتكبت في الماضي، لأن المسلم مأمور بأن يستر على نفسه إذا وقع في معصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري ومسلم.
والمسلم مأمور أيضاً بالستر على غيره من المسلمين وعلى والديه من باب أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم، ولأن من برهما عدم ذكرهما بما يكرهان.
ثم إن كشف ما ستره الله تعالى من الذنوب قد يكون سبباً في كشفها يوم القيامة، وعدم سترها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/2920)
زملاء العمل.. وذكر عيوب بعضهم وأخطائهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال الإعلام، وفي الكثير من الأحيان لأن عملنا يعتمد على الاحتراف وأنا أعمل في مؤسسة إعلامية محترفة، نتطرق في كثير من جلساتنا كصحفيين لعمل زملائنا وفي كثير من الأحاديث تكون هذه التعليقات انتقاداً لعمل أحد الزملاء بأنه أخطأ هنا وهناك أو أن زميلا آخر لا يستحق هذا المنصب كصحفي وجميع التعليقات تكون فقط في مجال المهنية، سؤالي هل تعتبر هذه نميمة، وفي حالة أخرى هل يعتبر إذا قلت لرئيسي بالعمل إن زميلي أخطأ في عمله، هل تعتبر هذه وشاية، وما هو المسموح به بانتقاد عمل الزملاء، أنا أعلم أن ذكرك لأخيك بما لا يحب نميمة، ولكن عملنا فيه الكثير من تقييم الزملاء بعضهم لبعض؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم تتبع زلات أخيه وإشاعتها والتشهير بها.. فقد قال الله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ... {الحجرات:12} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.
هذا إذا كان القائل يقول حقاً، أما إذا كان ما يقول كذبا فإن الأمر أشد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:.... الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، أي قلت فيه البهتان والكذب. والحديث متفق عليه.
ويجب على من رأى شيئاً من النقص أو الخطأ في إخوانه أن ينصحهم ويبين لهم الخطأ فالدين النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم.
وليس من الحرام أو الغيبة إذا سأل رئيس العمل أو شخص آخر عن شخص يريد التعامل معه، أن يخبره المسلم بنقصه أو خطئه فيما يتعلق بالعمل، ولا يجوز له أن يتحدث بعيوبه الأخرى التي لا تتعلق بالموضوع الذي سئل عنه، ففي الصحيحين وغيرهما أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها استشارت النبي صلى الله عليه وسلم في صحابيين خطاباها فقال لها: إن أحدهما صعلوك لا مال له، وإن الآخر يضرب النساء.
ولذلك إذا سألكم رئيس العمل عن تقييم الموظفين والعمال ... فالواجب عليكم بيان الحقيقة كاملة ولا يحق لكم الخوض في الأخطاء التي لا علاقة لها بالعمل، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التالية أرقامهما: 13560، 57732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1426(9/2921)
حكم غيبة غير المكلف المجنون والصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم غيبة غير المكلف..المجنون.. الصغير.. ونحوهما..؟ وهل ذكر عيوبهما للاطلاع على حالهما يعد غيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة عرفها العلماء بأنها ذكر المرء بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
ولم يرد تفريق بين أن يكون الشخص المذكورة عيوبه مكلفا أوغير مكلف، والأصل في الألفاظ أن تحمل على عمومها ما لم يرد لها تخصيص.
وعليه، فحكم غيبة غير المكلف المجنون والصغير ونحوهما هو التحريم كما هو الحال في غيبة المكلف.
والغيبة قد تباح لغرض شرعي، وقد ذكر أهل العلم ستة أسباب تبيح الغيبة، وهي: التظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، وتحذير المسلمين من الشر، وأن يكون الشخص مجاهرا بفسقه أو بدعته، أو يكون الذكر للتعريف حيث تعين الذكر وسيلة إلى ذلك. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 6082.
ومن ذلك يتبين لك أنه يجوز ذكر الشخص بعيوبه إذا كان ذلك لغرض التعريف به، وترتب على هذا التعريف فائدة معتبرة شرعا، ولم يك في الإمكان حصوله بدون الغيبة، وأنه يحرم ذكره به تنقيصا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(9/2922)
هلك المتنطعون
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة تؤرقني وهي أنني وفي بعض الأحيان ربما أتساهل في أداء العبادات ولكن في نفس الوقت لا أقبل لنفسي أن آكل حراما قط وفي بعض الأحيان ولشبهة بسيطة أتنازل عن الكثير من الحقوق الخاصة بي وغير ذلك فمثلا كان لدينا طفلة يتيمة هي ابنة عمتي المتوفاة وكان أبوها إذا أتانا ونحن صغار يحضر لكل الأسرة فواكه وغير ذلك وكانوا لما يعطونني نصيبي من ذلك كنت أتحايل لأخرج من المنزل لأقذف بهذه الفاكهة من رأس المنزل ظنا مني أنني آكل مال اليتيم، وهكذا استمرت معى هذه الحالة فصرت أتنازل عن شراء كثير من الأشياء بحجة أن من أشتري منه ربما يكون قد حصل عليها بطريقة غير شرعية أفيدوني وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتساهل في العبادات ليس من شيم المؤمنين، وكل ما أمر الله به أو أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يطبق حسب الاستطاعة، استجابة لقول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
ثم إن الابتعاد عن ترك الحرام واجب، ولكنه إذا تحول إلى تنطع صار مذموماً، روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هلك المتنطعون ... قالها ثلاثاً.
والذي ذكرته من التحايل لقذف الفواكه وغيرها مما يهدى إليك به، وتنازلك عن شراء أشياء خوفاً من أن يكون الذي تشترين منه ربما يكون قد حصل عليها بطريقة غير شرعية، ونحو ذلك داخل في التنطع وليس من الورع.
واعلمي أن اليتيم في الشرع هو ما كان من جهة الأب، لا الذي من جهة الأم، مع أن الابتعاد عن أكل أملاك الغير هو الواجب، ولو كان صاحبها غير يتيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(9/2923)
ما يباح من الغزل وما لا يباح
[السُّؤَالُ]
ـ[لي سؤال في الشعر أيها الأفاضل؟
قرأت هذه الجملة وأردت معناها: أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وأن الغزل إذا كان بامرأة معينة وكان يغري بالفاحشة فلا يجوز للمسلم قوله ولا سماعه، أما إذا كان مبهما وبقصد الاستشهاد وما أشبهه فلا مانع منه ... ماذا يعني إذا كان مبهما وبقصد الاستشهاد وما أشبهه فلا مانع منه؟
وهل يجوز للشاعر أن يتغزل في أخلاق محبوبته لا شكلها أو جسدها؟ والعكس (أقصد الشاعرة) ...
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة: أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، تعني: أن الشعر إذا كان يدعو إلى الفضيلة وإلى مكارم الأخلاق ونحو ذلك كان حسناً، وإن كان يدعو إلى الفحش والرذيلة ونحو ذلك كان قبيحاً.
ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر حكمة. قال النووي رحمه الله: وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستنشده وأمر به حسان في هجاء المشركين وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف، ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه، وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه ...
وعبارة: إذا كان الغزل مبهما تعني: إذا لم يتعلق موضوع الغزل بامرأة معينة، بل كان صاحبه يتغزل بالنساء في الجملة من غير تعيين واحدة بعينها.
وعبارة: بقصد الاستشهاد وما أشبهه فلا مانع منه تعني: أن الغزل إذا كان الغاية منه هو الاستشهاد على موضوع معين، كما هو الحال في استدلال أهل اللغة على صحة مذاهبهم بأشعار العرب في الجاهلية، ونحو ذلك فإنه غير محرم ...
ولا يجوز للشاعر أن يتغزل بأخلاق محبوبته ولا بشيء منها إن لم تكن زوجة له، وأما إن كانت حليلته، فقد فصلنا ما يجوز فيها من الغزل، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 64626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(9/2924)
مسائل في الربا والنصح ورد العلم إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا كلما قرأت الفتاوى، تقريبا كلها تحرم ولكن لا تعطون الحل، مثلا وصف الربا, وعدم اجتهاد العلماء في حل المشاكل حسب الزمان الذي نعيش فيه. هل هذا راجع لعجز علمائنا كباقي مجتمعنا وأحكامنا, هل يجوز نقدهم أوهم معصومون كالحكام، وعندما يفتون يختمون بوالله أعلم، هل هذا راجع لعدم الثقة في أنفسهم، أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن علماء المسلمين المصلحين المخلصين لدينهم وأمتهم المتبعين لهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه قد بذلوا جهدا كبيرا يؤجرون عليه ويشكرون في إصدار الفتاوى الشرعية المؤصلة بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الراسخين في العلم من السلف الصالح وبينوا للناس الأحكام الشرعية حسب ما أتيح لهم من الوسائل المحدودة.
وليس كلما ورد في فتاواهم يحرم أو يطلق التحريم بدون دليل شرعي، وإنما المعتبر في التحريم عندهم ما دل الدليل الشرعي على تحريمه، لقول الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ {النحل: 116} ومن المعلوم عندهم أن الأصل في الأشياء والمعاملات الإباحة ما لم يدل دليل شرعي على تحريمها، كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة: 29}
وللسائل الكريم وغيره أن يسال المفتي عن دليل الحكم أو الفتوى ليطمئن قلبه ويتثبت لأمره، وعلى المفتي أن يبين له الدليل ما لم يكن عنده عذر بعدم ذكره كأن يكون الدليل خفي المأخذ والسائل عامي، كما قال صاحب المراقي:
ولك أن تسأل للتثبت * عن مأخذ المسؤول لا التعنت
ثم عليه غاية البيان * إن لم يكن عذر بالاكتنان
وبخصوص الربا فإن تحريمه لا يمتري فيه مسلم كما هو معلوم من نصوص الوحي الصريحة الصحيحة حتى أصبح من المعلوم بالضرورة عند المسلمين، والربا محرم في الأديان السماوية وإن كان أصحابها قد استحلوه في هذا العصر فهو محرم عليهم في دينهم، وبعضهم يعلم ذلك ولا شك.
ولا يخفى على العاقل الحِكم التي من أجلها حرم الربا، فبه يستغل الأغنياء والأقوياء الفقراء والضعفاء، وبه تتكدس الأموال في أيدي فئة قليلة دون غيرهم، وبه يزداد الأغنياء غنى والفقراء ضعفا وفقرا.. وهذا كله يتنافى مع ما جاء به الإسلام من عدل ورحمة ومواساة ...
والإسلام لم يحرم شيئا إلا وجعل له البديل المناسب، فعندما حرم الربا أباح البيع والمعاملات الكثيرة التي من خلالها يتبادل الناس الأشياء والمنافع والخدمات، وعندما حرم الزنا أباح النكاح، وهكذا في كل محرم فيمكن للإنسان أن يستغني عنه بما هو مباح وأكثر نفعا وأقل ضررا.
ولهذا سعى علماء المسلمين في إيجاد البدائل عن البنوك الربوية والمؤسسات التي تتعامل بالحرام ببنوك إسلامية تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، وقد أصبحت منتشرة في كثير من أنحاء العالم وصوتها مسموع لا ينكر ذلك إلا مكابر
ثم إنه لا مانع شرعا من نصح العلماء وتوجيههم ونقدهم وتصويب أخطائهم، وكذلك الأمر بالنسبة للحكام فالنصيحة والتوجيه واجب كل مسلم لأخيه المسلم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم
وبهذا تعلم أنه لا أحد فوق النصح، والعلماء والحكام هم أحوج الناس إلى ذلك، ولا عصمة لأحد بعد الأنبياء عليهم السلام.
وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا أحد إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ختام الإجابة أو الفتوى بقول (الله أعلم) فهو من الأدب مع الله تعالى وتعظيمه ووصفه بصفة من صفاته العلى وباسم من أسمائه الحسنى، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ {الكهف: 22} وقال تعالى: أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ {هود: 31} وقال: وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32}
ورد العلم إلى الله تبارك وتعالى في الأمور كلها معروف من هدي السلف الصالح تجد ذلك كثيرا في ختام فتاواهم وكتبهم، وهو أدب رفيع لا يلزم منه عدم ثقة القائل في قوله، ولكنه يسند العلم الكامل إلى الله تعالى الذي يعلم حقائق الأمور ويعلم السر وأخفى، وكما قال سبحانه وتعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {يوسف:76}
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18824، 29986، 35611، 2652
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(9/2925)
تقييم المدرسين من خلال الطلبة.. نظرة أخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: يوجد لدينا موقع خاص لجامعتنا وفي هذا الموقع يوجد موضوع عن آراء الطلاب والطالبات بالدكاترة في حدود أخلاقهم وطريقة تعاملهم وشرحهم وطريقة أسئلتهم ومساعدتهم لنا أو عدم ذلك وذكر أسمائهم وأسمائهن للاستفادة من آراء الطلاب واختيار الأفضل، فهل هذا يجوز أم لا، أرجو الرد؟
وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا نوع من التقييم للدكاترة -والاطلاع من الجامعة على مستواهم العلمي وعطائهم- غير المباشر من خلال الطلبة الذين يتعاملون معهم مباشرة ... ولا مانع منه شرعاً إذا التزم الجميع بالضوابط الشرعية واقتصروا على ما تدعو إليه حاجة الجامعة من معرفة الأفضل والأكثر عطاء للنهوض بالعمل والرفع من مستواه.
فعلى الطلاب ألا يقولوا إلا حقاً ولا يكتموا عيباً يتعلق بالعمل، فكتمان ذلك غش، وذكره من النصيحة التي هي أساس الدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة ... الحديث رواه مسلم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا.
وقد استشارت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم في صحابيين خطباها فقال لها صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له.... الحديث رواه مسلم.
وكذلك لا يجوز ذكر عيوب الأساتذة غير المتعلقة بالعمل أو ذكر عيوب ليست فيهم فهذا من الكذب والبهتان، وذلك من الغيبة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1426(9/2926)
جواز الكذب على الزوجة ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ7سنوات, ولي طفل واحد, مشكلتي في زوجي الذي يكذب كثيرا حتى يخرج نفسه من أصعب المواقف, حاولت جاهدة بأن أعرف لماذا يكذب علي وأنا شريكة حياته وقد واجهته بكذبه ولكنه ينكر, أنا الآن في منزل أهلي وسبب خروجي من المنزل عودته من السفر وتبين لي بالأدلة الواضحة أنه لم يسافر أصلا واستمراره بالإنكار لهذا الموضوع, أنا لا أعرف مصيري؟ ولا أريد أي نقاش معه حتى يترك الكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الكذب في أصله ممنوع لأنه يهدي إلى الفجور، وهو سبيل إلى دخول النار نسأل الله تعالى العافية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الجور يهدي إلى النار. رواه مسلم. وقد استثنى العلماء من ذلك ما دعت إليه مصلحة ككذب الزوج على زوجته والعكس فيما ينمي العلاقة الزوجية مع الحرص على اتخاذ المعاريض من غير اللجوء إلى الكذب صراحة ما أمكن ذلك. ووجه إباحة الكذب هو تغليب جانب مصلحة العلاقة الزوجية والحرص على استمرارها في صفاء وود بعيدا عن الخلاف عند حدوث المصارحة في الأمر المتحدث فيه. ومحل جواز الكذب ما لم يفوت حقا للمكذوب عليه وإلا حرم. وراجعي الفتوى رقم: 34529. وعلى هذا فإن كان كذب زوجك في الأمور التي لا يترتب عليها تفويت حق لك عليه فهذا كذب مشروع، وعليك بالصبر على زوجك ومحاشاة اتباع هفواته لئلا تدخلي نفسك في مشاكل قد تفتح عليك أبوابا أنت في غنى عنها، بل قد تجر عليك ما لا تحمد عقباه.
هذا وننبهك إلى أن خروجك من البيت من غير موجب شرعي يعد معصية، لأن خروج المرأة من بيت زوجها لا يجوز ولا يبرره كذب الزوج، وعليه.. فالواجب عليك التوبة من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(9/2927)
بناء حمام سباحة في البيت هل هو من التبذير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا عملت حمام سباحة في فلتي يكون في ذلك شيء حرام؟ حيث أخبرني صديقي أن هذا تبذيرا في الماء حتى ولو أردت بذلك أن أكون مسلما قويا في السباحة.
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذم الله تعالى المبذرين أشد الذم، فقال: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا {الإسراء: 26-27} .
قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: التبذير هو الإنفاق في غير حق، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً، ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة: التبذير النفقة في معصية الله تعالى وفي غير حق والفساد. وقال القرطبي في تفسيره: قال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل خير، وهذا قول الجمهور. وقال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه وهو الإسراف، وهو حرام. انتهى
وانطلاقاً من هذه التفسيرات للتبذير يتبين لك أنه لا حرج عليك في عمل حمام سباحة في فلتك، طالما أنك تفعله للمصلحة التي ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(9/2928)
البعد عن الكذب فيما لم تكن فيه حاجة ملحة واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[في أول امتحان لابني في التوجيهي لم ينجح في الرياضيات ولا في الفيزياء وعندما سألت من قبل زملاء في الوظيفة قلت لهم لم ينجح في الفيزياء ولم أقل عن الرياضيات ولما قدم في المرحلة التي تليها نجح في الفيزياء ولم ينجح في الرياضيات وقلت لهم إن ابني نجح في التوجيهي وهو لم يكمل نجاحه في مادة الرياضيات أضطر أن اكذب حتى لا احد يسألني عن التوجيهي لأني قد مللت وتعبت نفسيتي من هذا السؤال ولكن قدم ابني المرحلة النهائية وأدعو الله أن ينجح أسأل هل الله يستجيب دعائي مع أني كذبت على زملائي ولم يكن هناك مفسدة أو ضرر على أحد ولكن تستر على أمور أسرتي وحفاظا على أولادي وعلى الأمور الخاصة لأسرتي ودائما أصلي وأدعو الله أن ينجح ابني وأصلي صلاة الحاجة إلى الله أن ينجح ابني أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم ذكرك لإخفاق الولد في الرياضيات في التوجيهي لا إثم فيه، لأنك لم تتفوهي بكذب ولم تنكري حقا. ولا حرج كذلك في ستر الإنسان على نفسه وكتمه لإخفاق ولده في الامتحانات، وأما إخبارك في الأخير بنجاحه في التوجيهي وهو لم يكمل في الرياضيات فإن المشروع في مثل هذا هو التعريض بلفظ لا يكون كذبا فإن في المعاريض لمندوحة من الكذب، كما رواه البخاري في الأدب عن عمر بن الخطاب وعمران بن الحصين وصححه الألباني.
وذلك أن البعد عن الكذب فيما لم تكن فيه ضرورة أو حاجة ملحة أمر واجب شرعي، وعليك أن تجدي في تدريس الأبناء، واعلمي أن الله كريم جواد يستجيب دعوات المحتاجين في آخر الليل وبعد صلاة الفريضة وعند الإفطار من الصوم.
فعليك بالتعرض لنفحاته لعله ينالك من سوابغ فضله ونعمه، وعليك بالتوبة من جميع الذنوب، فإن الذنوب تسبب الحرمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1426(9/2929)
محبة الخير للآخرين من كمال الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي فعلت أمرا لا أدري هل هو صحيح موافق للدين أم لا. هذا الأمر هو: أنني انخرطت في معهد ليلي لدارسة التسيير ولم أقل لأحد من أصدقائي في الجامعة أو حتى أصدقاء المسجد خوفا من الحسد فهل هذا موافق للدين؟ أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني أنك كتمت عن أصدقائك موضوعك هذا، وأنهم لو علموا به شاركوك في الانتفاع بتلك الدروس، وأنت تسأل عن حكم هذا الكتمان. فنقول لك: إنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ومن ذلك –طبعا- إخباره بالأمور التي يمكن أن تجلب له نفعا أو تدفع عنه ضرا. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
قال ابن حجر: ما يحب لنفسه أي من الخير كما عند الإسماعيلي، والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات لأن اسم الخير لا يتناولها. فعلى المسلم أن يهتم بأمر إخوانه، ويسعى لهم حسب طاقته في جلب الخير ودفع الشر.
وعليه، فقد كان ينبغي لك أن تخبر أصدقاءك بهذه الدروس الليلية لينتفعوا بها مثل ما انتفعت بها أنت. وذلك هو الأفضل لك، ولكنك إذا كان الحامل لك على كتمانها هو أنك تخشى الحسد –كما ذكرت- فلا نرى بأسا في ذلك، لأن من واجب الإنسان ومن حقه أن يجنب نفسه كل ما من شأنه أن يجلب له الضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1426(9/2930)
التشبيب بالمرأة.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم ذكر عورة المرأه أو التشبيب بها في الإسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بتشبيب الرجل بالمرأة إذا كانت زوجة له، ولم يتعرض لما حقه الإخفاء من أعضائها، ولم يكن في تشبيبه فحش. ولا بأس أيضا بالتشبيب بالمرأة المبهمة. إذا تجنب ما لا يجوز من الألفاظ، وما سوى ذلك من التشبيب لا يجوز. ذكر العلامة الشربيني في مغني المحتاج شرحا لقول الإمام النووي في المنهاج: ويباح قول شعر وإنشاده إلا أن يهجو أو يفحش أو يُعرِّض بامرأة معينة، قال: (أو) إلا أن (يعرض) ... (بامرأة معينة) غير زوجته وأمته، هو ذكر صفاتها من طول وقصر وصدغ وغيرها، فيحرم وترد به الشهادة لما فيه من الإيذاء، واحترز بالمعينة عن التشبيب بمبهمة فلا ترد شهادته بذلك.. أما حليلته من زوجته أو أمته فلا يحرم التشبيب بها كما نص عليه في الأم.. ويشترط أن لا يُكثر من ذلك وإلا ردت شهادته، قال الجرجاني: ولو شبب بزوجته أو أمته مما حقه الإخفاء ردت شهادته لسقوط مروءته، وكذا لو وصف زوجته أو أمته بأعضائها الباطنة كما جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله وإن نوزع في ذلك، ... وليس ذكر امرأة مجهولة كليلى تعيينا. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(9/2931)
حالات العجب كما قررها الغزالي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ بارك الله فيكم وفي علمكم وعملكم
كنت قبل الالتزام مهتماً جداً بلياقتي البدنية فكنت أحرص على تمارين السويدي والضغط وعندي حديد بمقدار 10 كيلو أتمرن به أيضاً، وأنا والحمد لله أتمتع بقوة بدنية وطويل القامة ووزني مثالي بالنسبة للطول وذلك من فضل الله علي، وبعد الالتزام بدأت أترك التمارين لأنني كنت أجد من نفسي عجباً بقوتي ولم أكن أعرف خطر العجب وعاقبته فلما قرأت عن ذلك في كتب العلم تركت التمارين خشيةً على نفسي من هذا المرض الخبيث وبعد فترة وجدت ضعفاً يظهر علي ولم أعد أتحمل أى مجهود خاصة أني أجلس فى البيت بصفة مستمرة حيث إنى لا أعمل وغالب يومي أقضيه في القراءة، وعندما أمارس التمارين هذه الأيام أجد نشاطاً وحيوية، أرجو من فضيلتكم النصيحة هل أستمر في أداء هذه التمارين بغرض الحفاظ على صحتي ونشاطي أم أتركها خوفاً من العجب
مع العلم أن الله أنعم علي بجسم يستجيب لأدنى قدر من التمارين فيظهر ذلك عليه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعجب كما قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم ...
والعجب لا يكون إلا بنعمة، ووصف كمالي، وله ثلاث حالات ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء، فقال: اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة، وللعالم بكمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان:
إحداهما: أن يكون خائفا على زواله ومشفقا على تكدره أو سلبه من أصله، فهذا ليس بمعجب.
والأخرى: أن لا يكون خائفا من زواله، لكن يكون فرحا به من حيث إنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه، وهذا أيضا ليس بمعجب.
وله حالة ثالثة هي: العجب وهي أن يكون غير خائف عليه، بل يكون فرحا به مطمئنا إليه، ويكون فرحه به من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه، فمهما غلب على قلبه أنه نعمة من الله مهما شاء سلبها عنه، زال العجب بذلك عن نفسه.
ومن هذا يتبين لك أن الذي تشعر به ليس من العجب في شيء، لأنك مدرك أن هذه النعم التي رزقتها هي من فضل الله عليك، وأنك تركت التمارين خوفا من الوقوع في العجب، وكل ذلك دال على نفي العجب عنك.
وعليه، فلا ينبغي أن تترك هذه التمارين، لأنها مفيدة لصحتك ونشاطك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(9/2932)
وصايا نبوية لضمان الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في إحدى الدروس حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه المحاضر ما معناه: (اضمن لي ستة أضمن لك الجنة) ما متن هذا الحديث؟ وما درجته؟ وما هي هذه الوصايا التي جاء ذكرها في هذا الحديث؟ علماً أنه ما بقي في ذهني هو (الحفاظ على العهد ... والوعد......إلى آخره؟ وكيف الحفاظ على هذه الوصايا؟
جزاكم الله خير الجزاء.
.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه رواه الإمام أحمد في المسند وغيره، ولفظه كما في المسند مرفوعاً: اضمنوا لي ستاً من أنفسكم اضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم. والحديث حسن كما قال الأرناؤوط والألباني في السلسلة.
وقد روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه، أضمن له الجنة. ومضمون الحديث التنبيه على خطورة اللسان والفرج، والحث على حفظهما، وأن من فعل ذلك كان جزاؤه الجنة، كما هو في الحديث.
وقد ورد في حديث آخر لا علاقة له بالحديث الأول ذكرت فيه ستة حقوق للمسلم على أخيه المسلم، وهو حديث صحيح، ولفظه كما في صحيح مسلم: حق المسلم على المسلم ست، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه.
وأما الحفاظ على العهد والوعد، فقد وردت عدة أحاديث في الحفاظ عليهما، وأن نقض العهد وإخلاف الوعد من صفات المنافقين.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وقال إني مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان. وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلصة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.
وأما كيف يحافظ المسلم على ذلك، فهو بالاستعانة بالله تعالى ومراقبته واستحضار عظمته، وما يترتب على الامتثال من الثواب الجزيل عند الله تعالى، وما قد يترتب على المخالفة من العقاب الشديد، نسأل الله تعالى السلامة والعافية والعون على طاعته.
وقد وردت بعض الوصايا والحقوق في كتاب الله تعالى، نرجو الاطلاع عليها في الفتوى رقم: 10814.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(9/2933)
الثمار السيئة التي يجنيها المغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أنسانة أقوم بواجباتي نحو الله ولكن كثير من الوقت أعمل أخطاء مثل الغيبة ودائما أفكر في الناس وأخطائهم وكثيرة الوسواس لدرجة أني أحيانا من كثرة التفكير يغلبني النوم وأحس بأرق شديد وإذا أي شخص تحدث مع في أمور عادية أفسرها بصورة أخرى لذلك دائما في خلاف مع الناس وعلاقتى متوترة مع بعض الناس. أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرء هو أن يقلع عن السيئات، ويبادر إلى الخيرات، ويحرص كل الحرص على استدراك ما فات واغتنام ما هو آت، ويتوب من الذنوب والآفات. فإن العمر غير مضمون، والموت متوقع لكل مخلوق بين لحظة وأخرى، ولتعلمي أيتها الأخت السائلة أن الغيبة هي من الأمور المحرمة، وقد تساهل فيها كثير من الناس، حتى صارت لهم من العادات، وقد دل على حرمتها القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. أما القرآن فقوله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً {الحجرات: 12} . وأما السنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذي يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أبو داود ومعناه أيضا في مسند الإمام أحمد. فالواجب عليك ـ أيتها الأخت الكريمة أن تتوبي إلى الله تعالى من ذلك قبل أن يفجأك الموت وأنت على حالتك تلك، فيأخذ من اغتبتهم من حسناتك، وما ذكرته عن نفسك من كثرة الوسواس، وعدم التفاهم مع الآخرين، وتوتر العلاقة، قد يكون سببه ما أنت فيه من التساهل في ارتكاب الأخطاء. فإن الحياة الطيبة السعيدة إنما تحصل بالإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97} .وفي المقابل إنما يتحصل بالإعراض عن الإيمان وعن ذكر الله حياة الضنك والضيق، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} . فجاهدي نفسك في طاعة الله، والابتعاد عما نهى عنه. ونسأل الله العلي القدير أن يصلح حالك، ويزيل وحشتك، إنه وحده القادر على ذلك. وراجعي في علاج الوسواس فتوانا رقم: 3086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1426(9/2934)
لا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكله وأتمنى أن أجد الحل لديكم، مشكلتي أنا أكذب كثيراً، فماذا أفعل كيف يمكنني أن أوقف لساني عن الكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يعينك على ترك الكذب يقينك بأن الله يراك ويسمعك، وأنك ستسأل عما تتكلم به، قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ومما يعينك أيضاً على ترك الكذب معرفتك أنه لا يستقيم إيمان الكذاب، فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن كاذباً، فقال: لا. فإن الكذب من خصال المنافقين، قال ابن القيم: الإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر. وانظر الفتوى رقم: 26391.
واعلم أن صحبة الصالحين تغري بالصلاح، فإن الصاحب ساحب والطباع سراقة، فحاول أن يكون لك رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإنك إن أكثرت من مجالستهم فسينتقل إليك كثير من خصالهم الطيبة، وفي المقابل اقطع صِلاتك مع الشباب المستهتر المتفلت من ضعيفي الإيمان والفاسقين فإن صحبتهم مردية وأخلاقهم الخبيثة ستنتقل إليك دون أن تشعر.
ولا تنس أمضى سلاح، وهو الدعاء فاسأل الله كثيراً بذلّ وإلحاح أن يرزقك الاستقامة وحفظ اللسان والصدق في القول، وأن يصرف عنك الكذب وخصال النفاق، والتمس في دعائك أوقات الإجابة الشريفة كوقت السحر عند النزول الإلهي وفي السجود وبين الأذان والإقامة وعند الفطر في اليوم الذي تصوم فيه.
والذي نريد أن ننبهك عليه أن الكذب إضافة إلى كونه من خصال المنافقين وضعيفي الإيمان فهو أيضاً من خصال ضعيفي الشخصية الذين انعدمت مروءتهم، فلو لم يكن الكذب محرماً لترفع عنه الرجال الكمَّل، ولذلك كان الكذب مذموماً عند المسلمين وغيرهم، فإن الكذب لا يقع إلا من الجبان الذي يخشى المواجهة مع الآخرين.
وإن من كمال الرجولة أن يتحمل الإنسان نتيجة أعماله ثم يحاول أن يصحح أخطاءه، لا أن يكذب ويهرب كما يفعل الأطفال والصغار، قال الإمام الزهري: والله لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت. وذلك لكمال مروءته رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(9/2935)
المعاريض ليست من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أحبك في الله وأنا أزور موقع الشبكة الإسلامية كثيرا وأقرأ معظم فتاويكم، وأخيرا قرأت فتوى رقم 57249 بعنوان هل الحل لمن اغتصبت أن ترفض الزواج وجاء في ردكم عليها أن تتزوج من تقدم لها إن كان كفئا وإن سألك زوجك عن ذلك فقولي له إن غشاء البكارة يزول بأسباب كثيرة وانظري الفتوى رقم57249،44914 أريد أن أسال هل يحق لهذه الفتاة أن تكذب ورسول الله نهى عن الكذب حتى لا تكذب المرأة على ابنها إن قالت تعالى أعطيك ... الحديث
جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولنا للفتاة المذكورة أن تقول لزوجها: إن غشاء البكارة يزول بأسباب كثيرة ليس فيه كذب على الزوج، بل هو قول حق، لأن البكارة فعلاً تزول بالأسباب المبينة في الفتاوى المحال عليها، فهي إذا قالت له: البكارة تزول.... الخ. لا تكون كاذبة في هذه الحالة.
وهذا نوع من المعاريض، وهي أن يطلق الشخص كلاماً يحتمل معنيين يفهم منه المخاطَب معنى، ويريد المخاطِب المعنى الآخر، وهي جائزة وفيها مندوحة عن الكذب، وسبق بيانها في الفتوى رقم: 29149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(9/2936)
حكم تقبيل أيدي كبار السن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبيل يدي كبار السن تقديرا لهم جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسنة احترام ذي الشيبة وإكرامه، فعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إ ن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
هذا من حيث العموم، أما تقبيل يده أو يد غيره فهو محل اختلاف بين أهل العلم، إذا كان ممن عرف بالصلاح والاستقامة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 906.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(9/2937)
فتاوى في فضل الصفح عن الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن صحة القول الذى يقول: إنه إذا ما طلب منك أخوك أن تسامحه ورفضت ذلك فأنت أشد من إبلييس سمعته من مشايخنا وأنا صغير ولم أستطع الوصول إلى صحته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على من نسب هذه المقولة إلى أحد من أهل العلم، ولا نعلم ما يدل على صحة معناها، وراجع في فضل الصفح عن الظالم ومسامحته الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 38240، 27841، 57459، 54580، 54408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(9/2938)
بيان عظمة الأخلاق في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن دين غير الإسلام؟؟؟ نعم لأن الدين المعاملة، وحصل معي أشياء لا يعملها إنسان مسلم ورأيت العجب العجاب من الملتزمين، إنه إمام وخطيب مسجد ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سرق أموالي وكل ما أملك 300.000 ألف ريال وبقيت مفلسا وهو يتنعم بأموالي وأموال غيري فهل هذا مسلم إذا كان نعم أنا غير مسلم أرجو عرض هذه المشاركة للنقاش http://alsaha.fares.net/sahat?.2@.1dd79cd3]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأخلاق هي أساس بناء الأمم كما قال القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهو ما أكدته النصوص النبوية المتكاثرة في هذا الشأن، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. رواه مالك في الموطأ.
ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثا أو مرتين. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقا. رواه أحمد.
وفي صحيح البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خيركم أحسنكم خلقا.
ففي هذه الأحاديث بيان عظمة الأخلاق في الإسلام، فالمسلم بأخلاقه يمكن أن يكون داعية للإسلام دون أن يتكلم بكلمة، فالناس أسرع تأثرا بالأفعال منهم بالأقوال.
والشخص المذكور في السؤال لا يمثل الإسلام ولا الدين بل يمثل نفسه لا غير ولو كان إماما وخطيبا ويعمل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وعليه؛ فمن الخطأ الكبير والجسيم قولك (أبحث عن دين غير الإسلام) وقولك (إن كان هذا مسلما فأنا غير مسلم) فلا يحملنك الغضب على أن تقول كلمات خطيرة كهذه
ويمكنك أن تتعامل مع هذا الشخص كما تتعامل مع غيره، فإن أراد الصلح فابحث عمن يصلح بينكم من أهل الخير والصلاح، وإن أرد المقاضاة فارفع أمره إلى المحكمة لتفصل بينكم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/2939)
الاستمتاع بالنعم المباحة.. رؤية أدبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي وأود السفر إلى الخارج بعد حصولي على الشهادة الجامعية لكي أعمل في الدول الأوروبية لأنه هناك يمكن أن أتمكن من بناء مستقبلي لأن دولتي مرتباتها قليلة ولا تبني مستقبلا ولأن الدول العربية تعاني من مشاكل البطالة مع علمي بأن هناك صعوبات أكثر لكن فرص العمل أكثر، وأرجو منكم هل هذا جائز أم لا؟ وأرجو منكم سؤالا ثانيا وهو هل جائز للشخص أن يحلم بتكوين مستقبل جيد وتكوين عائلة وشراء مسكن جميل مع العلم بأن إخوتي المسلمين في فلسطين والعراق والشيشان يقتلون وأنا أحلم بتكوين مستقبل مليء بالرفاهية أعينوني أعانكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم حيثما تمكن من إقامة شعائر دينه وأمن من الوقوع في الفتن أقام، سواء أكانت تلك البلاد بلادا إسلامية أو غير إسلامية.
فضابط إباحة الهجرة إلى بلاد غير المسلمين هو اطمئنان الشخص على أنه سيكون قادرا على ممارسة شعائر دينه، وأنه سينجو من الفتن. وراجع في هذا فتوانا رقم: 2007
وعليه؛ فإذا كنت تعلم من نفسك ذلك فلا مانع من سفرك إلى تلك البلاد، وإلا فلا.
واعلم أنه على المسلم أن يهتم بأمور المسلمين. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
ومع ذلك فلا مانع من الاستمتاع بالنعم المباحة، إذا لم يصل ذلك إلى حد الإسراف، ولم يؤد إلى تضييع شيء من الواجبات.
ولك أن تراجع في موضوع الرفاهية ما كنا قد بيناه في فتوانا رقم: 25935
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/2940)
حكم الكذب على المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للطبيب الكذب على المريض إذا خاف ردة فعله (يغمى عليه مثلا عنذ معرفة حقيقة المرض) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب ممقوت في الدين ولا يجوز للمسلم أن يقدم عليه إلا لضرورة لا يمكن دفعها دونه، وذلك لما يدعو إليه الكذب من الفجور، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
ويمكن لتفادي الكذب اللجوء إلى التورية والمعاريض، وهي سوق الألفاظ العامة التي تفهم خلاف المقصود، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وإذا لم يجد المرء في المعاريض ما يغني عن الكذب، جاز له أن يكذب إذا تعين ذلك لضرورة أو لجلب مصلحة معتبرة شرعاً أو دفع مفسدة، وقد يجب الكذب إذا كان لتحصيل أمر واجب.
قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح، وقد يجب، والضابط -كما في الإحياء- أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك. 2/326.
وبناء على هذا؛ فإن الطبيب إذا علم أن الكذب على المريض هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياته أو أنه هو المتعين لتفادي تدهور صحته، وجب عليه الكذب لتحصيل ذلك الغرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1426(9/2941)
تفريق الأم بين زوجات أبنائها لا ينبغي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما حكم إذا تزوج رجل من امرأة خلوقة صالحة؛ وأم الرجل غير راضية أما أبوه فراض. الآن، تحدث مشاكل بين الأم وزوجة الابن ... وتفرق الأم بين زوجة الابن المتزوج حديثا وزوجة ابنها الأكبر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة الأم واجبة، وبرها والإحسان إليها مأمور به شرعاً، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} ، فعليك الاجتهاد في طاعتها وبرها، وليس لعدم رضا الأم عن الزواج أثر في صحة عقد النكاح.
وأما تفريق الأم بين زوجات أبنائها فلم نعرف المقصود منه، ولكنه إن كان في التعامل بأن تؤثر إحداهما على الأخرى بمزيد من الإحسان أو إبداء المحبة والهدية ونحو ذلك، فلا تأثم به إن كانت لم تتعد حدود الله في الأخرى ولم يصل ذلك إلى قطيعتها، مع أن هذا لا ينبغي لما قد يترتب عليه من إثارة الحقد وضعف المودة بين الجميع، وأما إن كان التفريق المذكور هو محاولة إيقاع البغضاء بينهما وإشاعة ما يستوجب ذلك من أجل أن تتقاطعا فهذا لا يجوز، وينبغي أن تنصح هذه الأم ويبين لها أن هذا العمل محرم لا سيما إذا كان بوسائل محرمة كالكذب والنميمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1426(9/2942)
واجب من يواجه مضايقات في عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الفتوى: سيدة تعمل لتقضي حاجياتها وبعض حاجيات أبنائها لضيق يد زوجها ولأنه شحيح عليها أيضا لو توفر له المال وتواجه في عملها ضائقات شديدة حيث إن لها مديرين عديدين في العمل لا يعملون بما يرضي الله، ولها زميلة ترشي الناس بمالها لتصل إلى ما تريد وبالتالى تضيق على هذه السيدة، فماذا تفعل، وترجو من سيادتكم تقديم دعاء لقضاء حاجياتها، ولتصبر على ما يحدث من زميلتها ومديريها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام عمل المرأة مباحاً وهي ملتزمة فيه بالآداب الشرعية، فلا تضرها مخالفة الآخرين، وعليها أن تنصحهم وترشدهم إلى الحق بأسلوب حسن.
ولا شك أنها إن وجدت عملاً أهله ملتزمون بما يرضي الله تعالى أو استغنت عن العمل لا شك أن الأفضل لها ترك صحبة هؤلاء والعمل معهم، فلا ينبغي للمؤمن أن يصحب إلا الأخيار.. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً.... رواه أبو داود والترمذي.. وحسنه الألباني، وما دامت محتاجة للعمل ولم تجد بديلاً عنه فإننا ننصحها بالصبر فإنه مفتاح كل مغلق، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40368، والفتوى رقم: 3859.
وفيما يخص دعاء لقضاء الحاجة فينبغي للمسلم أن يكثر من الاستغفار والدعاء عموماً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
ومن الأدعية النافعة المستجابة دعاء ذي النون فقد روى أحمد والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لا يدعو بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1426(9/2943)
الأناة والتوكل خلقان فاضلان
[السُّؤَالُ]
ـ[- أنا شاب مسلم من الجزائر، آخذ بالأسباب في كل أموري مع الاتكال على الله طبعا وهذا منطلق العقيدة الإسلامية لكني أحس بأن الفشل يلاحقني فقد بلغت سن 31 سنة ولم أتزوج ولا أملك بيتا، وكلما قمت بعمل ينتابني شعور بالإحباط وأن الله ليس براض عني، ماذا أفعل حتى أفلح ويرضى الله عني، هل هناك من خلل أم ماذا؟ هل هذا ابتلاء أم عذاب في الدنيا والعياذ بالله؟ أود إجابة شافية أعانكم الله على كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوكل على الله تعالى وبذل الأسباب المشروعة في قضاء الحاجة أمر مشروع ومحمود، فقد قال الله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ {النمل: 79} وقال: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 3} وعليك أن تحسن الظن بالله تعالى وتوقن بأنه أرحم بك من نفسك وأمك، وأعلم بما يصلح لك، فارض بما قضاه الله وقدره لك، واصبر فإن الله تعالى مع الصابرين، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية أخرى صحيحة لأحمد: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. وعليك بتذكر نعم الله عليك والنظر في حال من هو دونك، ولا تنس أنه قد يكون عندك من نعمة العافية وسلامة وقوة البدن والاستطاعة لأكل كثير من نوعيات المأكولات ما ليس عند كثير من الأغنياء والوجهاء، فمنهم المصاب بالسكر، والمصاب بالضغط، ومنهم من لا يستطيع أكل اللحم ولا شرب اللبن، ولعل من أظهر الشواهد على عدم سعادة من ملكوا المال الوفير ما يحصل في الدول الغربية من كثرة الانتحار بسبب القلق النفسي وحياة الضنك التي يعيشونها مع توفر وسائل الراحة عندهم.
وعليك بالإكثار من التقرب لله بالأعمال الصالحة وصدق التوبة، والتخلق بالصفات التي ترضي الله وتحبب إليه عباده، والبعد عن المحرمات ومواصلة سؤال الله قضاء حاجتك.
ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، قالوا: وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 41347، 44542، 47005، 48446.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1426(9/2944)
حب الرجل للمرأة الأجنبية.. نظرة شرعية أخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاج وأودي فرائضي والحمد لله توفيت والدتي منذ ثلاثة أشهر وحزنت لموتها وكانت رحمها الله
تكره عائلة بيت عمي وأساءت لهم كثيرا منذ 34 سنة عندما كنت أنوي الزواج من ابنة عمي حيث كنا نحب بعضنا حبا شريفا وتعاهدنا على الزواج وسافرت بعد تخرجي للعمل في دولة شقيقة لأكون نفسي وأعود لأتزوجها حتى لو لم توافق أمي، أبي كان قد توفي وأنا في الرابعة من عمري وبعد عدة أشهر رجعت فقيل لي إنها مخطوبة من غيري فذهبت لعندهم وسألتها إن كان أحد قد أجبرها على ذلك، فأجابت إن الضغوط كانت كبيرة جداً وأنا اعتبرتها قد اختارت، وتأثرت وعدت فوجدت أمي التي تمنت ذلك أن يحصل وعملت جاهدة لكي أغض الطرف عن ابنة عمي، المهم أسرعت بخطبة بنت أختها الجميلة لي ومرت الأيام وعشت حياة سعيدة ولكن تتخللها بعض المشاكل التي لم تمنع استمرارنا معا وأحببتها ولكن عواطفي نحو ابنة عمي كانت جامدة ولكنها موجودة ولم أنسها وكنت أحن لكي أعلم عنها الأخبار ولكن كبريائي منعني وخصوصا أنه كان هناك شبه قطيعة بين العائلتين، وعندما توفيت والدتي رأيت أن أذهب لكل أفراد أولاد وبنات عمي الذين أصبحوا عدة عائلات حيث تزوجوا كلهم. ومن بينهم ابنة عمي وزرتهم جميعهم بعد مضي 34 سنة على آخر لقاء بيننا وقبل أن أزور بنت عمي التي كنت مشتاقا لرؤيتها طلبت منها أن تسامح والدتي ومن عند عمل أخت لها حادثتها بالتلفون وسألتها عن أحوالها وهنأتها بأدائها فريضة الحج وللصدفة أننا أديناها السنة الماضية سويا من غير أن يعرف أحدنا الآخر حيث كنت أنا من دولة غربية وهي من بلد عربية وذهبت بصحبة أختها للسلام عليها بعد هذا اللقاء تحركت مشاعرنا وكأن الزمن قد عاد بنا إلى الوراء 34 سنة، لم أسلم عليها بالمصافحة خوفا من أن يحدث اللمس بعض الشعور فيلحق بنا إثم ولم تملّ عيناي منها، وخفق الفؤاد ولم يتوقف حتى الأن وفاضت عواطفي ومشاعري ولم أستطع البقاء في البلد الذي توفيت به أمي وحيث كان موطني فبل أن أهاجر إلى الغرب وكنت خائفا ومرتبكا ومهزوزا
حيث إن الحب القديم غدا كالتيار الجارف، وأنا وهي في هذا السن أنا عمري 63 وهي فوق الخمسين بقليل وعندما عدّت بكيت كثيرا بحرقة وحدثت زوجتي بالأمر فهي كانت تعلم بأنني قبل الزواج منها كنت أريد بنت عمي. حياتي العاطفية أصبحت معقدة فرجعت كالشاب ابن ال28 سنة أحب زوجتي جدا وأحب ابنة عمي بحرقة ولهفة وأحادثها بالتلفون كل يوم وهي متزوجة وعندها ثلاثة أولاد أصغرهم ابن الـ20 سنة وأنا أصغر أولادي 32 سنة أنا الأن أهدأ حالا مما كنت عليه منذ ثلاثة أيام ولولا عطف زوجتي واحترامها لعواطفي الصادقة النبيلة لحصلت مشاكل وهي لا تقبل أن يكون لها شريكة في حبها أو حبي لها، وكل ما توافق عليه احترامها لمشاعري القديمة كذكريات أما أن يكون الحب قد عاد من جديد فهذا لا ترضاه، وأنا عرضت الزواج على ابنة عمي ولكنها تقول لي أنها لا تستطيع أن تخرب بيتها، وعائلتها تحتاج لها وأنا لا أريد أن أظلم أحدا لا عائلتي ولا عائلتها وحبي لابنة عمي ليس من السهل أن أنساه، فهل هذا الحب يغضب ربي وبه إثم؟ علما بأننا شرفاء في مشاعرنا ولا ننوي الحرام ولكن لا أنكر أننا نذوب حنينا وشوقا لبعض مع الشعور بالخوف من الله في كل أمورنا وأحاديثنا، ما رأي الدين في حبي هذا؟ أدعو الله أن يلطف بنا فأنا أبكي في صلاتي وأتضرع الى الله سحبانه أن يهدينا ويرشدنا سواء السبيل وأقول إنها حالة خاصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب أنواع ومنه حب الرجل امرأة غير زوجته، وهذا لا يلام عليه إن كان وقع من غير قصد، كمن يعشق امرأة نظر إليها فجأة فتعلق قلبه بها، لأنه خارج عن كسبه وإرادته، والله سبحانه إنما يحاسب الإنسان على كسبه وعمله الداخل تحت إرادته، غير أن ما يحاسب عليه الإنسان هو ما ينتج عن هذا الحب من أفعال وأقوال ونحوها، فإذا ابتلي رجل بحب امرأة كحال السائل فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه.
وإلا صرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه، فيضيع حدود الله وواجباته، فهذا لا يؤاخذ على هذا الحب، ولا يلام عليه، وقد ورد في الحديث: من عشق وكتم وعف فمات، فهو شهيد. وفي سنده ضعف، لكن معناه صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر هذا الحديث: لكن المعنى الذي ذكره دل عليه الكتاب والسنة، فإن الله أمرنا بالتقوى والصبر، فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرمه الله من نظر بعين، ومن لفظ لسان، ومن حركة بيد ورجل. انتهى
وأما الآخر فهو من دفعه هذا الحب إلى أن يطلق نظره ويشغل قلبه، ويضيع حدود الله وواجباته، فهذا الذي يوصف بالحرمة، ويأثم على ذلك، وهو إن وصل إلى هذا الحد فيكون مرضا يطلب له العلاج، وتقدم في الفتوى رقم: 9360 علاج داء العشق، فيلزم مراجعته.
وعليه، فنوصي السائل الكريم بأن يتقي الله وهو في هذا السن ويراقبه، ويصرف قلبه عن هذه المرأة المتزوجة، وأن لا يكلمها ولا ينظر إليها، ونوصيه أن يصرف همه إلى زوجته وأولاده وأن يداوم على قراءة القرآن والإكثار من الدعاء بأن يعافيه الله من هذا البلاء.
وأن يحذر من إفساد هذه المرأة على زوجها وتدمير أسرتها، فإن هذا من التخبيب الذي نهى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه أحمد واللفظ له، والبزار وابن حبان في صحيحه.
كما نوصيه بالتوبة إلى الله عز وجل مما فعل من النظر إلى هذه المرأة، يقول تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور: 30} .
ولعل ما تغير من أحواله عقاب عاجل على هذا الذنب، فليتق الله وليغض بصره، ومن خير ما يشتغل به من بلغ هذا السن التوجه إلى الله، والاستعداد للقائه والنظر فيما ينفع في الدار الآخرة.
والله نسأل أن يعافينا جميعاً، وأن يحسن ختامنا إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(9/2945)
أقوال العبد وأفعاله تكتب له أو عليه.. ولكن..
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للشخص أن يقول لأخيه كتبت عليك كذبة إذا تيقن من أن ما قاله كذب وذلك لتحذيرة من الكذب؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن من كذب كتب عليه كذبه، وأن من صدق كتب له صدقه، لأن أقوال العبد وأفعاله تكتب له أو عليه، كما قال الله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الانفطار:10-11-12} ، وقال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، فهذا من حيث العموم.
وأما من حيث الخصوص فالأولى ألا يقال ذلك بصيغة الجزم لأن ذلك من علم الغيب الذي لا يطلع عليه، فلعل القائل يتوب فلا تكتب عليه، فقد روى الطبراني في الكبير وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد حسنة كتبها بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين: أمسك عنها، فإن استغفر الله لم يكتب، وإن سكت كتبت عليه. وفي رواية: امكث ست ساعات فإن استغفر لم تكتب عليه. الحديث حسنه الألباني في السلسلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1426(9/2946)
الهتك لستر الله على العبد معصية عظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الله هل من حق الزوجة الاعتراف بالخيانة الزوجية أثناء زواجها بزوجها أنجبت أم لم تنجب؟ إن اعترفت ما هو دور الزوج في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لمن اقترف ذنبا أن يعلم به الغير، سواء كان زوجا أو غيره، لما في ذلك من المجاهرة بالمعصية والهتك لستر الله تعالى على العبد. ففي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه. بل لعل ذكره هذه الأمور للزوج أو الزوجة أشد حرمة لما فيه من إفساد العشرة والود وإثارة الشكوك وانعدام الثقة بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1426(9/2947)
تعليق القلب برجل أجنبي من ضعف العقل وخداع الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 عاماً مخطوبة منذ 6 شهور من شخص يحبني بجنون ويحترمني ويحترم أهلي وقد فعل المستحيل من أجل الارتباط بي والكل يشهد له بالتدين وحسن الخلق وميسور الحال لكن المشكلة هي أنني لا أشعر بأي مشاعر تجاهه أبدا وعندما يريد أن يكلمني عبر الهاتف أتضايق وأقفل جوالي وحتى لا أحب أن أسمع منه كلمة حب واحدة وعندما أتصور أني سأكون زوجته أكاد أن أموت لا أستطيع أن أكون زوجة له وأنا لا أشعر به منذ شهر تقريبا توظفت في إحدى الشركات والمشكلة إني بدأت أحس بميل غريب تجاه مديري فهو إنسان رائع جداً وعلى خلق ومهذب ولكنه متزوج ولديه طفلان لا أعرف مشاعره تجاهي لكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير به احتل تفكيري ومشاعري وأتمنى أن أكون زوجة ثانية له ولن أطلب منه سوى أن يمنحني الفرصة لأكون زوجته وسوف أهب له حياتي وإخلاصي ومشاعري وسأهتم به لدرجة خيالية لهذا أنا أفكر في الانفصال عن خطيبي لعدم إحساسي به ولكني خائفة عليه جدا لأنه يحبني ولا يتصور أن يعيش حياته بدوني وأنا أحب مديري وأتمنى أن أكون زوجة له فهل علي ذنب لأني أحب شخصا متزوجا ولديه أولاد أفيدوني أفادكم الله فأنا في حيرة من أمري ونفسيتي متعبة جدا وأكاد أجن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الدخول في موضوعك ننصحك بتقوى الله، وأن تتجنبي مخالطة الرجال الأجانب في عملك وفي غيره، وأن تلتزمي بالحجاب الشرعي، أما بشأن الخطيب المذكور، فإن كنت لا تحسين نحوه بأي مشاعر ولا تطيقين العيش معه، فصارحيه بذلك حتى لا يبقى مخدوعاً بك وحتى يبحث له عن غيرك، ولا يلزمك الاستمرار على الخطبة.
أما هذا المدير، فإنه لا يحل لك التفكير به والتعلق به، ذلك أنه رجل أجنبي عنك، فعليك أن تصرفي تفكيرك عنه وأن تتجنبيه قدر الإمكان وإياك والوقوع في داء العشق الذي يصعب علاجه، وانظري الفتوى رقم: 9360.
فتداركي نفسك قبل الوصول إلى هذه الحالة، فإن تعلق القلب بما ليس في الإمكان الوصول إليه من ضعف العقل وقلة الخبرة بالحياة، فأنت لا تعلمين حقيقة مشاعره نحوك، وهل فكرة الزواج بأخرى واردة عنده أصلاً.
لذا، نرى أن تحاولي الاستمرار مع هذا الخطيب المحب المتدين الحسن الخلق، فإن لم تستطيعي فافسخي خطبتك به، لتتيحي الفرصة لخطيب آخر يحبك وتحبينه، وتجتمعين معه على ما أحل الله.
وفي الختام ننصحك بتقوى الله وتجنب الرجال الأجانب وبوجه خاص هذا المدير، وأن تشغلي نفسك بما ينفعك، وأن تيأسي من هذا الرجل، وإن تطلب الأمر ترك العمل فافعلي لا سيما إذا لم تكوني مضطرة إليه.
وأن تحاولي الاستمرار مع خطيبك، أو تفسخي الخطبة معه، وإذا تقدم لك صاحب دين وخلق تتزوجي به فوراً لتحصني فرجك وتحمي نفسك من مزالق الهوى والشيطان.
فنسأل الله سبحانه أن يعافيك وأن يلهمك رشدك ويقيك شر نفسك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(9/2948)
الأصل في المسلمين السلامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشيخ عبد الغني النابلسي من أهل السنة والجماعة، وهو صاحب كتاب الحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر إليك لعدم إجابة طلبك، فإن الموقع غير مختص بتقويم الرجال ولا مصنفاتهم، وإنما يختص بالأصالة بإسعاف المستفتين وإجابة أسئلتهم الملحة.
هذا وبالنسبة للشيخ النابلسي فإن الأصل في المسلمين السلامة، والواجب إحسان الظن بهم، ما لم يثبت خلاف ذلك لا سيما أهل العلم والدعوة منهم، فإن حقهم آكد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(9/2949)
ماهية الكذب المباح بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[لم تبينوا لي في الفتوى السابقة كيف يكون الكذب بين الزوجين في الحالات التي يجوز فيها الكذب
وكيف يكون هذا الكذب أعطوني مثالا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب المباح بين الزوجين هو ما كان مفيداً لأحدهما أو لهما لكونه ينمي العلاقة بينهما ويزيد في الود والمحبة ونحو ذلك.
أما إن كان في الكذب تضييع لحق المكذوب عليه منهما، فهذا لا يجوز، وراجع الفتوى رقم: 34529.
ومن أمثلة ما يباح الكذب فيه قول الرجل لزوجته: إني أحبك، وهو في حقيقة الأمر على خلاف ذلك، ويدل لهذا ما يروى أن رجلاً سأل امرأته: أتبغضيني؟ فقالت: نعم. فقال لها عمر رضي الله عنه: ما حملك على ما قلت؟ فقالت: استحلفني فكرهت أن أكذب، فقال عمر: بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأنساب والإسلام. رواه ابن جرير، كما في كنزل العمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(9/2950)
علاقة حب شريف بين رجل وامرأة!!!
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سألت في المرة السابقة عن حكم الدين في علاقة شريفة وطاهرة بيني وبين امرأة متزوجة وقلت إنني أحبها بصدق وهي أيضاً لكن جوابكم كان هذه علاقة يحبها الشيطان ولا يوجد شيء اسمه علاقه حب شريف بين رجل وامرأة، فماذا يريد الرجل من امرأة متزوجة، لكني أقول لكم: والله العظيم أنها علاقة شريفة ولا يوجد شيء بيني وبينها سوى الحب الشريف الطاهر، والله العظيم لا يوجد بيني وبينها سوى الحب، إنني أعذركم لردكم على سؤالي وقد كنت أتوقع مثل هذا الرد لأن الذي يحدث في مثل هذا الزمان الشيء الكثير وخاصة في مثل هذه العلاقات، ولكني أقول لكم أننا صادقان في حبنا لبعضنا والإخلاص موجود بيننا ولا مجال للشيطان بيننا أبداً ولا وجود للجنس بيننا أبداً لأني فهمت من رسالتكم هذا الشيء، علماً بأنها تقوم بواجباتها اتجاه زوجها وأطفالها على أتم وجه، أرجو أن تكون إجابتكم واضحة بهذا الخصوص رجاء رجاء وأن لا يكون غير ذلك، السؤال الثاني: ما هو حكم الدين في التي أحبها وهي مشغوله التفكير بي فقط في رمضان، هل هذا الشيء من المفطرات أم لا يرجى الإجابه تكون بنعم أو لا، وما هو حكم الشريعة الإسلامية عليها وهي تتصل بي هاتفياً وهي صائمه، علما بأننا لا نتكلم بكلام بذيء أو سيء أبدا في الهاتف في رمضان وفي غير رمضان، أريد إجابه واضحه جدا وخاصه على السؤال الأول، والذي ذكرته قبل ذلك والذي هو ما حكم الدين والشريعة علاقه بين رجل شاب وامرأة متزوجة وقد وضحت لكم في بداية الرسالة بعض الأمور، أرجو أخذ الاعتبار بما قلت سابقا، هذا وأدامكم الله ووفقكم لخدمه ديننا الحنيف نور طريقكم بنور الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله للخير واتباع الحق- أن علاقة بينك وبين امرأة أجنبية عليك، لا يصح أن توصف بأنها علاقة شريفة وطاهرة، وأحرى إذا كانت تلك المرأة متزوجة، ذلك أن مجرد قيام العلاقة بينكما أمر محرم ولو لم يوجد شيء مما تتصور أنت أنه هو سبب التحريم.
إذ لا تتصور العلاقة إلا مع وجود نظر أحد الطرفين أو كل من الطرفين إلى الآخر ولو في بعض الأحيان، ولا تتصور إلا مع حصول خلوة في وقت ما، ولا تتصور إلا مع حديث قد لا تدعو الحاجة إلى مثله، إلى غير ذلك من الأمور التي هي أخف شيء يمكن تصوره في مثل هذه العلاقات ... مع أنها كافية وحدها للتحريم.
وعليه؛ فإن جوابنا بأن هذه العلاقة يحبها الشيطان، وأنه لا يوجد شيء اسمه علاقة حب شريف بين رجل وامرأة، هو الجواب الصحيح لما سألت عنه، ولا يمكن تغييره ولو حلفت بالله العظيم أنها علاقة شريفة، وأنه لا يوجد شيء بينك وبينها سوى الحب الشريف الطاهر، وأنكما صادقان في حبكما لبعضكما، وأن الإخلاص موجود بينكما، وأن لا مجال للشيطان بينكما أبداً، وأن لا وجود للجنس بينكما ابداً، وأنها هي تقوم بواجباتها تجاه زوجها وأطفالها على أتم وجه.
ثم الذي يحدث في مثل هذا الزمان في مثل هذه العلاقات، ليس هو الأساس الذي اعتمدناه فيما أفتينا به، مع أنه هو أيضاً موجب للتحريم، وحكم الحب بين الرجال والنساء قد بينا من قبل ما يباح منه وما يحظر، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 5714.
وإذا كان الذي تعنيه من الحب هو النوع المحرم حسب التفصيل الذي ورد في الفتوى، فإن إثم المعصية في رمضان أشد منه في غيره، ومجرد حصول علاقة حب بين فتى وفتاة لا يفسد الصوم إلا ن يترتب عليه إخراج مني، أو جماع، واتصال الفتاة بعشيقها مباشرة أو بالهاتف وهي صائمة لا يفسد الصوم ما لم يترتب عليه شيء مما ذكر، وفيه الإثم ولو كان في غير رمضان ويزداد ذلك في رمضان لحرمة الصوم وحرمة الشهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(9/2951)
قذف المسلم كبيرة من كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوة الإيمان، سؤال يقول هل هتك العرض بلسان في الغيب يجوز لصاحب العرض أن يدافع حتى الموت كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من مات دون عرضه فهو شهيد، هذا الإنسان يسعى بين الناس بالفتنة والفساد والكذب والقذف الفاحش ولا يقيم الصلاة ولا يصون عهدا وقد تكلم في عرضي بكلام فاحش كحادثة الإفك، أفيدونا يرحمكم الله أخوكم قذف في عرضه وهو بريء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الشخص الذي ذكرت أنه يسعي بالفتنة والفساد والكذب والقدف الفاحش، وأنه لا يقيم الصلاة ولا يصون عهدا، وأنه تكلم فى عرضك بكلام فاحش، مثل ما قيل في حادثة الإفك، قد ارتكب محظورات كثيرة، وآثاما بالغة، والعياذ بالله.
وقذف المسلم كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو موبقة من الموبقات السبع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " رواه مسلم ويستوي في ذلك قذف الرجل وقذف المرأة.
ومن قذف مسلما حرا بالغا عاقلا عفيفا عن الفاحشة التي رمي بها فقد استحق حد القذف، وللمقذوف مطالبة الحاكم بإقامة الحد عليه، وعلى الحاكم أن يطبق عليه الحد ما لم يعف المقذوف عنه.
وأما أن يكون للمقذوف أن يدافع حتى الموت، وأن فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن من مات دون عرضه فهو شهيد، فهذا ما لم نقف عليه في شيء من المتون التي رجعنا إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(9/2952)
حديث المرأة لأولادها عن ظلم الزوج لها
[السُّؤَالُ]
ـ[لى زوج تصدر منه أفعال سيئة كثيرة جدا ولا تحتمل فهل إذا تحدثت مع أبنائي بما يفعله زوجي من باب التفريج عن النفس والتهوين عليها فهل تعتبر غيبة وإلا فماذا أفعل لأني سيدة مسنة ولا أستطيع الصبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الحديث عن ما يفعل الزوج على سبيل القصاص من غير عدوان ولا كذب ولا ظلم فلا بأس بذلك، وإن كان تركه أفضل.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوي عند ذكر المواضع المستثناة من تحريم الغيبة قال: منها المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه، إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه، وذكر أدلة على ذلك، ثم قال: أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير، وترك ذلك أفضل. انتهى
والذي نوصيك به هو الصبر واحتساب الأجر، وببث الشكوى إلى الله سبحانه فهو سبحانه من يسمع الشكوى ويكشف البلوى والله المستعان وعليه التكلان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(9/2953)
الإفساد بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[إني صاحبة الفتوى رقم 268658 كنت أرسلت للسؤال عن الفتوى ولم أكمل سؤالي وهو كيف يكون قطع لسان من قامت بتلميح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذ السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 62294
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(9/2954)
سب والدي الزوجة على سبيل المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا دائما أسب امرأتي بوالديها ولكن هذا لا يغضبها لأنه مزاح مني هل هذا حرام علي؟ مع العلم أنها لا تغضب مني لأنه مزاح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن باللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وروى الترمذي أيضاً عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء.
فلا يجوز سب والدي الزوجة ولا غيرهما ولو كان على سبيل المزاح، بل لو رضوا هم به، ففي الحديث الصحيح: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
وفي الحديث الآخر: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1426(9/2955)
العفو عن الحقوق وواجبات الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من واجبات الحج العفو عن من ظلم، وهل يشمل هذا العفو الحقوق المالية حتى إذا كانت هذه الحقوق المالية اغتصبت بطرق احتيالية وأنفقت في معصية الله، وهل يمكن التنازل عن هذه الحقوق في الدنيا وادخارها للآخرة، أرجو الإفادة بالإجابة مع كافة الآراء الفقهية حتى الضعيف منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعفو الإنسان عن الحقوق التي له على غيره أمر مرغب فيه شرعاً وليس بواجب لا قبل الحج ولا بعده، ويجد ثواب هذا العفو في الآخرة إن شاء الله تعالى، قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ. فندب إلى العفو ورغب فيه، والعفو من صفة الله تعالى مع القدرة على الانتقام وقد تقدم في آل عمران فضل العافين عن الناس، ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأمل, وقيل إن عفوت فإن الله يعفو عنك، روى ابن المبارك قال: حدثني من سمع الحسن يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة نودي ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. يصدق هذا الحديث قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. انتهى.
وقد ذكر أهل العلم آداب الحج ومنها التوبة ورد المظالم والحقوق التي على الإنسان لغيره، ففي الفتاوى الهندية على الفقه الحنفي أثناء التحدث عن آداب الحج: ثم يبدأ بالتوبة وإخلاص النية ورد المظالم والاستحلال من خصومه ومن كل من عامله، كذا في فتح القدير وقضاء ما قصر في فعله من العبادات والندم على تفريطه في ذلك والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك. انتهى.
وعليه فالأفضل في حق المسلم أن يعفو عما له من حقوق على الآخرين، سواء كانت حقوقاً مالية أو غيرها فإنه سيجد ثوابها في الآخرة إن شاء الله تعالى، ولا علاقة لها بالحج ولا بواجباته، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 39037، والفتوى رقم: 62832.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(9/2956)
حكم سب المنبه الذي يوقظ للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث لرسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وهو: عن زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة رواه أبو داود بإسناد صحيح. ولهذا يكره سب الديك للسبب الذي أعطاه رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي لأن الديك يوقظ إلى الصلاة. الآن أريد أن أعرف هل سب المنبه الذي يوقظ للصلاة أيضا مكروه وسب كل ما يوقظ للصلاة؟ أنا لا أسب شيئا أبدا لكن زملائي يفعلون وأريد أن أنهاهم بحديث لرسول الله أو فتوى منقولة عن سماحتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث زيد بن خالد رضي الله عنه رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح، صححه جمع من العلماء، منهم ابن أبي حاتم في العلل، والنووي في الأذكار، وفي رياض الصالحين، وابن مفلح في الآداب الشرعية وابن القيم في زاد المعاد، والعجلوني في كشف الخفاء، والالباني في صحيح الجامع وغيرهم. وورد في مسند البزار بسند لا بأس به، كما قال الهيتمي في الزواجر. بيان سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو أن ديكا صرخ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبه رجل فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الديك، وفي رواية للطبراني: لا تلعنه ولا تسبه، فإنه يدعو للصلاة.
وفي فيض القدير: قال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ولا يستهان به بل حقه الإكرام والشكر ويتلقى بالإحسان.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: من أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم.
فكلام العلماء هذا وإن كان يقصد به الإنسان والحيوان إلا أن سب المنبه قد ينهى عنه حين يعين على طاعة الله، لأن سبه حينئذ يكون مشتملا على التسخط من القيام لطاعة الله كأداء الصلاة في وقتها.
إلا أن سب المنبه لا يقاس على سب الديك، فسب الديك منهي عنه في كل حال، أما سب المنبه فإنه يقيد بما ذكرناه، لأن المنبه يوقظ للصلاة ولغيرها، بخلاف الديك، بل قد ورد في السنة النبوية ما يدل على أن صياحه إنما يكون عند رؤيته للملائكة، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(9/2957)
أحوال الكذب المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم، أنا من فلسطين / جنين أرجو من حضرتكم التكرم بكتابة النص الحرفي لرأي الإمام الشافعي وأبي حنيفة ومالك بشأن أحوال الكذب المباح. ولكم احترامي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام، ولا يرخص فيه إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض. ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة أو دفع مضرة. روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وفي شرح النووي على صحيح مسلم: قال القاضي لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور ...
وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: والتحقيق أن الكذب يصير مأذونا فيه ويثاب على المصلحة التي تضمنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الأموال والأبضاع والأرواح. ولو صدق في هذه المواطن لأثم إثم المتسبب إلى تحقيق هذه المفاسد, وتتفاوت الرتب له, ثم التسبب إلى المفاسد بتفاوت رتب تلك المفاسد.
وأما النص الحرفي للإمام الشافعي وأبي حنيفة ومالك بشأن أحوال الكذب المباح فإن المقام لا يتسع لنقله لك، ولكنه لا يخرج عما ذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(9/2958)
الغيرة إذا زادت عن حدها
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني امرأة أبلغ من العمر 54 سنة زوجي بدأ يشك في رغم أني حاجة عام 87 و13 عمرة، أطلب من الله حسن الخاتمة، أقسم بالله أنني متقية الله وأحبه ولي منه 3 أبناء متزوجين وعندهم أبناء، بنتي الصغيرة طبيبة، ما حكم هذا التصرف مع هذا الزوج أطلب من الله أن يسامحه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة شيء طبيعي جبل عليها كثير من المخلوقات والإنسان منها، وقدا أثبت الواقع وقوع ذلك من الرجل ومن المرأة، وهي تعبير من الشخص عن الحب لمن يغار عليه وكراهة مشاركة الغير له في ذلك الحب، فهو من هذه الناحية دليل على صدق المحبة للمحبوب.
لكن ينبغي التنبه هنا إلى أن الغيرة إذا زادت عن حدها ولم تستند إلى دليل فهي جنون، وربما أدت إلى ما لا تحمد عقباه من الخلاف والشقاق، فعلى من ابتلي بذلك أن يحذر، سواء كان ذلك رجلاً أو امرأة، وذلك لأن الأصل في المسلمين السلامة من الفسق، حتى يثبت العكس.
ولهذا كان الخوض في أعراض الناس واتهامهم بأمور لم يفعلوها معصية بل ربما كان ذلك من أكبر المعاصي التي تستوجب الحد إذا تعلق الأمر باتهامهم بالزنا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور:23} ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله ألا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
ومن هنا ندعو زوجك إلى أن يتقي الله تعالى فيك وليحذر من التمادي في تلك الشكوك لئلا تفسد العلاقة بينك وبينه أو تؤدي به أن يتهمك بأمر من غير بينة فيقع في الإثم، هذا فيما يتعلق بزوجك.
أما أنت أيتها الأخت فعليك بالصبر ومحاولة إقناع زوجك بترك ذلك الخلق ولتجتهدي في مرضاة زوجك وإبعاد نفسك عن الأمور التي تسبب الغيرة عند زوجك لتنالي بذلك رضا ربك ثم كسب ود زوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(9/2959)
الخجل المذموم والممدوح
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني أعاني من كثرة الخجل، وعدم الثقة بالنفس، وليس عندي شخصية وأيضا علاقتي بأمي ليست جيدة، صحيح أني أحبها ولكن لا أدري أحيانا لا أحبها أشعر أنها لا تثق في، مع العلم بأنها وفرت لي كل الرعاية واعتنت بي جيداً، لكنني أحب والدي أكثر، أرجوكم ساعدوني في حل عقدتي هي الخجل حيث أخجل من البنات والشباب، مع العلم بأني اجتماعية كيف أتجاوز هذه المشكلة، لي صديقة تقول لي إني ليس عندي شخصية وكيف أنمي شخصيتي كيف يمكنني أن يكون لدي شخصية مثل صديقاتي، لا أثق بنفسي حيث إني إذا واجهت مشكلة من المستحيل أن أحلها بنفسي، أستعين بالصديق وأحيانا لا أقرر من تلقاء نفسي؟ ولكم مني جزيل الشكر، ويعطيكم العافية، شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخجل ليس مذموماً كله، بل منه ما هو ممدوح وخاصة بالنسبة للفتيات، ومنه ما هو مذموم كالذي يحمل الشخص على التفريط في الواجبات أو ارتكاب المحرمات فهذا النوع من الخجل ينبغي للإنسان أن يدفعه عن نفسه، ولدفع الخجل أسباب علاجية يعلمها المختصون بالصحة النفسية، وفي موقعنا (الشبكة الإسلامية) يوجد قسم (استشارات الشبكة) به كثير من النصائح النافعة في كيفية تقوية الشخصية وتقوية الثقة بالنفس، وتجدينها في الاستشارة رقم 2836 والاستشارات المحال عليها، وننصحك بالتواصل مع هذا القسم فإنهم أكثر اختصاصاً بحالتك.
ولكن ينبغي التنبه إلى أمر هو أن هناك فرقاً بين الخجل المذموم والحياء الممدوح شرعاً، فالحياء غير الخجل، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، ومع ذلك كان شديد الحياء، بل كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الحياء شعبة من الإيمان. رواه البخاري ومسلم، وقال أيضاً: الحياء خير كله. رواه مسلم، وانظري الفتوى رقم: 47561، والفتوى رقم: 16873.
هذا، وننبهك إلى أنه لا يجوز لك إنشاء علاقة مع الشباب الذكور، والواجب عليك أن تقصري علاقاتك على بنات جنسك فقط، فقد حرم الله إطلاق البصر بين الجنسين، وحرم المصافحة باليد بينهما، وحرم الاختلاط غير المنضبط، وحرم على المرأة الخضوع بالقول عند الكلام مع الرجال، وأوجب عليها الحجاب الشرعي، وألزمها القرار في البيت، كل ذلك صيانة للأعراض وحفظا للمجتمعات من الفساد.
واتقي الله واحذري ذنوبك، فقد تكون هي السبب فيما ابتلاك الله به وضعف شخصيتك.
هذا، ونوصيك بأن تبذلي الوسع في التقرب إلى والدتك وأن تتحببي إليها بقدر المستطاع، وإن كنت في البداية تشعرين بالتصنع والتكلف، فإن حق الأم عظيم وأكيد، ولأن الله هو الذي أعطاها هذا الحق، ومن أسباب التقرب إليها خدمتها ومساعدتها في جميع أعمالها المنزلية، والأدب عند الحديث معها والتواضع وخفض الجناح عند الحوار بينكما، وكذلك طاعتها فيما تأمرك به من المعروف وتقبيل يديها ورجليها، والنظر إليها نظر حب ورحمة وإشفاق، وكذلك إهداؤها شيئاً يفرح قلبها، وإن كان هين الثمن كوردة طيبة الرائحة ونحو ذلك.
واسألي الله كثيراً أن يقوي إيمانك وأن يقوي قلبك وشخصيتك، وأن يزيل عنك الخجل، وأن يعينك على بر والديك، وأن يرزقك الاستقامة على دينه. والتمسي في دعائك أوقات الإجابة، كثلث الليل الآخر وأثناء السجود، وعند الفطر في اليوم الذي تصومين فيه ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/2960)
أدوية نافعة لعلاج الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة ملتزمة دينياً والحمد لله وهي على خلق وطيبة وحنونة ولكن لديها مشكلة أنها عصبية وسريعة الغضب والانفعال وهي معترفة بهذا العيب ولكن هي لا تعرف كيف تتخلص منه وأنا لا أعرف كيف أساعدها؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن الغضب وسرعته فإن من علاجه تجنب أسبابه ودواعيه وتذكر عواقبه وما يؤدي إليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل طلب منه الوصية: لا تغضب، فردد الرجل مرارا، وفي كلها يقول صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. رواه البخاري. قال بعض أهل العلم: معناه اجتنب أسباب الغضب.
ومما يزيل الغضب ويعالج به تغيير الحالة التي كان عليها الإنسان فإذا كان قائما جلس.
ومنها الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومنها الوضوء، وتذكر فضيلة كظم الغيظ.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/2961)
[السُّؤَالُ]
ـ[مامعنى مقت النفس في ذات الله؟
وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام ابن تيمية وابن القيم: ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين.
والمقت هو البغض.
وقال الليث: المقت بغض عن أمر قبيح ركبه. كذا في اللسان.
و (ذات الله) المراد بها سبيله الموصل لرضاه.
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة قتل خبيب قال: فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: ذورني أركع ركعتين فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهم أحصهم عددا.
ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
وعلى هذا؛ فالمراد بمقت النفس في ذات الله هو كرهها واحتقارها الاحتقار الذي يؤدي لعلاجها.
وعكسه مذموم، وهو حبها وتلبية رغباتها والرضا عنها المؤدي لإهمالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/2962)
بين المزاح والسخرية والاستهزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز القيام بمقالب اتجاه الغير برغبة الضحك؟ وهل يعتبر من الكذب أو الخداع؟
(مثل:رأيت فتيات يستخدمن بطاقة الهاتف بعد كشط السواد عن الرقم..بعد ذلك يقمن بتلوين الرقم بالقلم الأسود مرة أخرى ووضع البطاقة في الكيس المخصص لها _للادعاء أنها غير مستخدمة_ ثم يرمونها على بعد منهم ليروا موقف الأخريات وهن يلتقطنها من على الأرض، ليسخرن ويضحكن، ولا يكتفين بذلك بل ويستدعين زميلاتهن للضحك معهن) ..
فقد نصحتهن بالكف عن هذا لأنه لا يجوز لما فيه من سخرية بالمسلم من أخيه بدافع الضحك..فقلن لي إن المقالب غير الجائزة هي المضرة منها فقط وليس في هذا شيء..
فما ردكم على هذا العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان على سبيل المزاح والمباسطة فلا بأس به بين الإخوة والأصدقاء ما لم يكثر ويتجاوز حد الاعتدال، وقد سبقت الإجابة على حكم المزاح وشروط جوازه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، نرجو الاطلاع عليها في الفتاوى التالية أرقامها: 19225، 116140، 12643.
أما إذا كان ذلك بقصد الاستهزاء بالآخرين والسخرية منهم وإحراجهم أمام الناس فإن ذلك لا يجوز، لما فيه من أذية المسلم والسخرية منه، وقد قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب: 58} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ {الآية: الحجرات: 11} .
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 15186، 35551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(9/2963)
العفو من شيم الكرام
[السُّؤَالُ]
ـ[اتهمت من أحدهم باطلا، ثم ثاب إلى رشده ولكن لم يطلب مني الصفح وأنا لست مستعدة لمسامحته إلا إذا طلب مني ذلك أمام الجميع فهل يسامحه الله؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ما اتهمك به هذ الشخص ظلما فإن الله تعالى لا يسامح بحقوق العباد إلا إذا تنازلوا عنها وسامحوا بها.
ومن حق المسلم أن ينتصر لنفسه ويدافع عن كرامته، ولكنه كلما تنازل وسامح وعفا كان ذلك أفضل له كما قال الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 40-43} ولهذا نذكر السائلة الكريمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة: تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك. رواه البيهقي وغيره.
ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 51906.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(9/2964)
حكم الميل القلبي تجاه رجل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أعاقب على إعجابي برجل حتى لو لم أصرح له أو أفتن به، لكن أسعد إذا قابلته صدفة ولا أكرر النظر له، وهل هذا حب لا يد لي فيه، والحقيقه أنهم ثلاثة رجال معينين أسعد عندما أراهم صدفة ولا أسعى لرؤيتهم فهل هذا حرام، إني ألوم نفسي على هذه السعادة، للعلم أنا متزوجة وأصلي ومحجبة وأحاسب نفسي كثيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك، ونسأل الله أن يحفظك من كيد الشيطان، ثم عليك أيتها الأخت الكريمة أن تراقبي الله تعالى في حركاتك وسكناتك، وتجتنبي كل موطن تظنين اللقاء فيه بهؤلاء الرجال، واعلمي أن هذا الإعجاب قد ينميه الشيطان فيزهدك في الحلال ويرغبك في الحرام، وجاهدي نفسك على منع التفكير في أمر هؤلاء الرجال، واشغلي نفسك بالنافع من العلم والعمل، وخدمة زوجك والتحبب إليه ورعاية أبنائك، فإن فعلت ذلك قدر جهدك وطاقتك، فإنك لا تلامين بعد ذلك على ميل القلب وخواطر النفس، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: 5707، والفتوى رقم: 26643، والفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/2965)
منزلة صاحب الخلق الحميد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا أستطيع أن أكون محترما وأفعل ما أشاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تحلى المرء بالخلق الحسن: مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعقود، وإعطاء الحقوق لأصحابها، وتجنب الشرك بالله والكذب والزنا والسرقة والغش والتدليس وغيرها من المحرمات، واتصف بالكرم، والوفاء بالعهود، والذب عن المظلوم، وحماية الجار، وقرى الضيف، ونحو ذلك من الأخلاق الفاضلة الحميدة، كان محترما عند الناس.
وفوق هذا، فإن حسن الخلق يرفع درجة إيمان صاحبه، ويدخله أعلى الجنان. روى الترمذي وأبو داود وأحمد والدارمي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
وعليه، فإذا كنت تريد أن تكون محترما فعليك بفعل ما ذكر. ولك أن تفعل ما تشاء إلا أن يكون ذلك مخالفا لأحكام الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/2966)
حد الضرورة المبيحة للكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[حلال أم حرام، عندى سؤال وأرجو الإفادة، هناك شخص يعيش ببلد أجنبي ويعول ودخله بسيط ولكنه يظهره فى الأوراق الرسمية أنه أقل بعض الشيء حتى يستفيد من معونة الدولة لأن هناك فرقا بسيطا بين شريحته والشريحه التي تأخذ معونات مجانية بالكامل، فهل هذا حرام، مع العلم بأنه لولا تلك المساعدات ما استطاع أن يكفي مصروفاته وستتزايد عليه ديون وفواتير كثيرة وخصوصا فواتير المستشفيات، لأنها باهظة الثمن وهو ما جعله يظهر مرتبه أقل حتى يعالج هو وأفراد عائلته مجانا وعلى نفقة الدولة ولا تتراكم عليه ديون لا يستطيع سدادها حتى لو قسطت على عشرات السنين فدخله لا يسمح بالسداد، مثال لتوضيح المشكلة فهو: أن ولادة الطفل الأول تكلفت 60000 دولار بسبب مشاكل فى الولادة، ومرتبه السنوي لا يتجاوز 20000 دولار سنويا، تكفي فقط لدفع فواتير إيجار وكهرباء.... إلخ، بجانب المأكل والمشرب، أرجو منكم الإفادة لأن هذا الشخص لا يقبل أي شيء حرام ويتقي الله، ويرجو من الله الستر والرزق الحلال ويعمل عملا شريفا ولا يتجه للعمل المربح لأنه حرام مثل الاتجار في الخمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم.
قال الخطابي: هذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة، وهو من باب ما أمر الله تعالى من الوفاء بالعقود. انتهى.
وعليه، فالواجب على المسلم أن يلتزم بشروط استحقاق هذه المعونات، ولا يجوز له الاحتيال والكذب لأخذ ما لا يستحق، فالكذب حرام ولا يحل إلا لضرورة وهي بلوغ المكلف حداً إن لم يتناول الحرام هلك أو قارب، فإذا وصل المسلم إلى حد الضرورة فله أن يترخص في الكذب وتقدر الضرورة بقدرها، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 7432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1426(9/2967)
حكم اللغو في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اللغو، وما حكمه في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 61652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(9/2968)
مقياس الكرامة وميزان التفاضل عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني في مجتمعنا من التفرقة بين الفئات الاجتماعية (فلاح، بدوي، مدني) أريد منكم أن تعينوني على نشر فتوى بين الناس في بلدتنا متعددة الفئات التي تبين فيها كل ما يتعلق بهذا الموضوع من ناحية دينية ودنيوية؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا قيمة ولا اعتبار لهذه المسميات في شرع الله تعالى، لأن مقياس الكرامة وميزان التفاضل عند الله تعالى هو بالتقوى، أما الأنساب والألوان واللغات ... فالتفاضل بها من شأن الجاهلية الأولى التي قضى عليها الإسلام ونبذتها نصوص الوحي في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13} .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي.
وعلى كلٍ فالدين يرفض التفاضل على أي أساس غير تقوى الله تعالى، ووجود هذه الفئات أو الطبقات في مجتمع ما لا يترتب عليه حكم شرعي، ولا ينبني عليه عمل تكليفي، وللمزيد من التفصيل والفائدة وأقوال أهل العلم حول هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25018، 61680، 52337، 73، 30143، 53423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1426(9/2969)
سباب المسلم والرد بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أسأل هل يقال للإنسان حيوان أو حمار أو أي كلمة أخرى مثل (غبي أو حقير) في الشرع؟ من فضلكم أريد جوابا بسرعة، وأنا أشكركم إذا كنتم ستجيبوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. والسباب هو الشتم أو المشاتمة. وقيل: السباب أشد من السب، فالسباب هو أن يقول الرجل في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه. وأما السب فلا يكون إلا بما هو فيه.
وعليه، فلا يجوز أن يقال للإنسان حيوان أو حمار أو أي كلمة أخرى يقصد منها الذم مثل غبي أو حقير، إلا أن يكون قال ذلك له على سبيل الرد بالمثل، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(9/2970)
التخلص من آفة الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نعالج الكذب خصوصا في الشخص الذي لا يظن أو يفكر أنه يكذب في كل حديثه إنما يظن أنه يجب فعل ذلك حتى الناس يحترمونه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا خطورة الكذب وأنه من صفات المنافقين وسبب للعنة ودخول النار في عدة فتاوى، فراجع منها الفتوى رقم: 26391 والفتوى رقم: 3809.
ويتعين على العبد أن يجاهد نفسه في التخلص منه، كما يتعين على ذويه السعي الجاد في إبعاده عنه، ومن وسائل ذلك تذكيره بما فيه من الوعيد والحث على مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب المرغبة في الصدق والمرهبة من الكذب.
ومن وسائله أيضا استحضار مراقبة الله وأهمية حفظ اللسان وتذكر أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
ويضاف إلى ذلك تذكيره أن الكذب يؤدي إلى فقد ثقة الناس بالكذاب واحتقارهم له، والكذب يسخط الله تعالى، ومن ابتغى رضا الناس واحترامهم بما يسخط الله تعالى فقد خسر خسرانا مبينا.
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. رواه الترمذي وغيره.
إضافة إلى أن المعصية تسبب حرمان العاصي مما كان يطمح له كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وصححه الألباني. وكفى بهذا بيان لدعوى من يدعي أن الكذب يحقق أي مصلحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(9/2971)
الهجر وإسداء النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[في إيجاز أختي مخطوبة لشخص سيء فهو متزوج ولها أولاد ولكنه تركهم من أجل الزواج من أختي، فحكمنا عليه من هذا المنطلق أنه ليس له أمان، وخصوصا بعد أن تحدثنا مع زوجته واتضح أن له ولدا مريضا بالصرع وهو لا يملك حتى المال لكي يشتري بيتا جديدا ليتزوجا فيه، وفي ظل هذه الظرف الصعبة بالنسبة لأمي ماتت متحسرة عليها بعد أن مرضت مرضا شديدا وأصبحت لاترى ولا تتحرك، ثم بعد ذلك ماتت وأبي أيضا متوفى ولكن منذ 20سنة إذ لا أحد يستطيع أن يوجهها إلى الصواب، ومؤخرا رفعت أختي قضية لكي تكتب شقة أبي الايجار باسمها، وتقول لي إنني ليس لي أي حق قانونا في هذه الشقة ولكن لي شرعا، وتقول إن هذا لا يعني أن تعطيني حقي فيها حاليا ولكن حين تباع الشقة وأنا أحتاج هذه الفلوس في حياتي وهي حاليا قاطعة لأهل أبيها وأمها من أجل هذا الرجل وقاطعتني أنا أيضا حاولت أكثر من مرة أن أتودد إليها ونجحت بعض المرات ولكن مجرد أن تخرج تقاطعني ثانيا وإذا سألتها ماذا حصل تغضب وترد بطريقة وحشية وتقاطعني مرة أخرى، وأخيرا اتفقنا مع بعض على أنها تلغي القضية هذه وتوكل المحامي الذي أتت به من أجل أن يرفع لها القضية ووافقت واكتشفت بعد ذلك أنها تضحك علي ولم تلغ القضية، وأخذت عقد الشقة، مرة أخى بغير علمي واشتبكت معي وقالت إني ليس لي حق في هذه الشقة وإن هذه شقتها لوحدها، هي التي تعيش فيها فقط، وأنها ستتزوج هنا وأن علي أن أمشي وتدخل الكثير من الأهل في حل هذا الإشكال وأقنعها بأن هذا الرجل وتر العلاقه بيننا فرفضت رفضا باتا وقالت إن هذا الرجل هو الذي يحبها فقط ولا أحد غيره إأنا جميعا نكرهها أنا لا أريد أن أكلمها مرة ثانية ومللت من تصرفاتها وهي تخرج كل يوم من الساعة 7ص إلى 10 ليلا ولا أحد يعلم أين هي وترفض أن تقول لأحد أين كانت أنا عملت معها كل ما يمكن عمله منذ أيام ما كانت أمي موجودة إلى الآن ولكن لم أفلح، ما هو حكم الدين فيها؟ علما بأني لن أحاول أن أكلمها وهي أصلا لن تحاول ذلك طبعا،أريد أن أعرف كيف أتصرف، وإذا لم أكلمها وسببتها فما هو حكم الدين في ذلك؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليكم نصحها وتذكيرها بالله تعالى، وعلى أقاربكم كأعمامك أو أخوالك منعها من الخروج الذي لا يجوز كأن يكون مع أجنبي أولأماكن الفسق والفجور، فإن لم يقدروا على ذلك، فنرى أن تواصلوا جميعا في نصحها وتذكيرها بالله تعالى، وتخويفها من عقابه لعل الله أن يغير حالها، وقطيعتها لمحارمها وأختها لا تجوز، وأما أنت أيتها السائلة فلا إثم عليك في هجرها بعد نصحها وتذكيرها، إلا أننا نرى أن مواصلة النصح إن كانت تفيدها فهي أولى من الهجر. وأما الشقة فإن كانت ملكا لأبيك فلك حق فيها لا يسقط وإن كانت إيجارا كما هو الظاهر فليست أيضا أحق منك بنصيبك منها كشقة مؤجرة، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 57286، وما فيها من الفتاوى المحال عليها، والمرجع في ذلك يكون إلى المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1426(9/2972)
التظلم حق مباح شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مكان كسكرتير للمدير العام منذ 4 سنوات، والكل والحمد لله يشهد لي بالإخلاص في العمل، المشكلة أن أولاد المدير العام هم صغار السن وفي نفس عمري، وبدأوا العمل حديثا مع أبيهم المدير العام، وقاموا بتعيين سكرتير لهم ويأخذ راتبا أكثر من راتبي، مع العلم وبشهادة المدير العام نفسه بأن عملي أصعب بكثير من عمله، المهم بأنني احتسبت الرزق عند الله، ولكن تحدث في كثير من الأحيان تفرقة في المعاملة وفي طلب الإجازات، بحيث إن أولاد المدير يفرقون في التعامل بيني وبينه، والمدير العام لا يعلم عن هذه التفرقة، هل أستطيع أن أقول لوالدهم الذي هو المدير العام عن أن أولاده يفرقون في المعاملة بيني وبينه، هل هذه فتنة، علما بأنني بكيت مرة أمامه من شدة التفرقة، وعلم بالأمر، ولكن لا زالت تحصل أشياء أخرى، فهل أقوم بإعلامه أم أن هذه فتنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان يقع عليك ظلم من قبل أبناء المدير فلك أن تشتكي وتتظلم إلى شخص ينصفك سواء كان هذا الشخص هو المدير أو غيره. قال الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء:148} . وليس في شكواك هؤلاء فتنة ممنوعة لأن من حقك المباح شرعاً التظلم ولو كان فيه غيبة لمن تتظلم منه. وراجع الفتوى رقم: 6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(9/2973)
من طرق النصح الأخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم جيدا أن الدين يسر وليس عسرا..
فعندي مشكلة وزوجتي لا تعلم ذلك فعند ملاعبتي ببيت النوم مع زوجتي أحس أن لها رائحة كريهة في الفم فكيف أبلغها بذلك دون حرج أو جرح ’؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقديرك لمشاعر زوجتك من طيب أخلاقك وحسن عشرتك، وسؤالك كيف يمكنك أن تخبرها بما ذكرت دون حرج ولا جرح دليل على ذلك، فنقول:
أما من ناحية الشرع، ليس في ذلك حرج، ولا مؤاخذة عليك من إخبارها، وأما كيف تخبرها؟ فنقول: لعل سبب هذه الرائحة ترك استعمال السواك، فعليك بإرشادها إلى استعمال السواك تحقيقا للسنة دون أن تخبرها برائحة فمها، فإن زالت الرائحة فالحمد لله، وإلا، فيمكنك استعمال المعاريض التي تنبهها إلى ذلك دون أن تجرح شعورها؛ كأن تسألها مثلا هل أنت مريضة؟ هل تشعرين بوجع في حلقك؟ هل أكلت اليوم ثوما؟ ونحو ذلك من الأسئلة، فإن تنبهت وإلا، فليس أمامك إلا المصارحة لها حتى تزول الموانع التي تنفرك منها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(9/2974)
لا يشغل الوقت في تتبع الناس والحكم عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أريد أن أحكم على رجل أنه مسلم وملتزم؟ المعطيات: سألت عن خلقه وصيته......ذا خلق وطيب. حاله: وجدته يضع سلسلة في رقبته. لبناني الجنسية. أهله في بلد وهو في بلد (لأنه يعمل) للأمانة إنه مكافح............... وقالو لي إنه يصلي.....
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى بالمسلم أن يبذل وسعه في هداية الناس وتقوية إيمانهم وتوظيف طاقتهم في العمل لدين الله. وأن لا يشغل وقته في الحكم عليهم، فقد كلف الله تعالى برقابتهم ملائكة يحصون أعمالهم، وهو سبحانه محيط علمه بهم. وقد كلفنا نحن بدعوتهم ونصحهم والتواصي معهم بالحق والصبر، والتعاون معهم على البر والتقوى. وليكن لنا في الصحابة أسوة حسنة. فإنهم كانوا يعاملون الناس بحسب ما يظهر من حالهم من الإيمان مع علمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن بعض الناس وهو منافق. ولم يتكلفوا في الحكم عليهم. فالأصل معاملة من يصلي وكان طيب الأخلاق معاملة المسلمين، لما في الحديث: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته. رواه البخاري. وفي البخاري أيضاً أن عمر رضي الله عنه قال: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم ... ثم إنه إذا كانت حاجة داعية لمعرفة حال شخص ما لتفويض أمر ما إليه أو كونه جاء خاطبا أو ما أشبه ذلك فإنه لا حرج في التعرف على حاله وإبداء الرأي في شأنه مع ستر حاله عمن لا يحتاج إليه. وراجع في حكم تعليق السلسلة في الرقبة وللمزيد فيما تقدم الفتاوى التالية أرقامها: 21166، 9180، 35837،، 39751. ثم ليعلم أن وقوع خطأ ما كتعليق سلسلة في الرقبة لا يلغي ما للشخص من حسنات كالصلاة وحسن الأخلاق، فالواجب نصح المخطئ وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر مع الاعتراف بماله من الفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(9/2975)
الغيبة والتجسس لا تباحان ولو أذن فيهما صاحب الحق بخلاف المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق جعلني بحل ومسامحني في جميع أموره من ذكره بالخير أو حتى وقعت بالغيبة بذكره (هل تعد هذه غيبة) أو أتسمع إلى كلامه مع أي شخص ثاني (وهل هذا يعد تجسسا) أو آخذ من أغراضة الشخصية ما أريد فهل هذا يجوز لأنه جعلني بحل وهو يفرح إن فعلت هذه الأمور معه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة والتجسس محرمان بالكتاب والسنة والإجماع، لقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12} . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. وللإنسان أن يُحِل لغيره أمواله، وله أن يسامحه فيما انتهك من عرضه، فيسقط عنه حق ذلك الشخص، ولكن يبقى عليه حق الله، إذا لم يتب منه ويستغفر الله. والتنازل والمسامحة إنما يفيدان ويصحان في المال، أو في حالة ما إذا كان الحق المعفو عنه قد انتهك بالفعل. وأما إباحة العرض في المستقبل فلا تفيد من سومح فيه، لأنه إباحة للغيبة والسب أو التجسس، وقد حرم الشارع الجميع فلا يجوز لأن ما حرمة الشارع لا يبيحه غيره. والحاصل أن ما سألت عنه يعد غيبة وتجسسا، والغيبة والتجسس لا يباحان ولو أذن فيهما صاحب الحق. وأما المال فلمالكه أن يحله لغيره فيصير مباحا لذلك الغير إن كانت نفس الواهب طيبة بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(9/2976)
التجسس على حواسيب الموظفين
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أحبكم في الله , وأرجو منكم الدعاء لي بالتثبيت والهداية. أما بعد
فأنا موظف في شركة وأبي يملك الشركة ومن هذا المنطلق أقوم دائماً بالاطلاع على ما يتم من طباعة مستندات وأوراق وتقارير من قبل الموظفين الآخرين وبدون علمهم , وأقوم أحياناً بالدخول لأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم من خلال طريقة معينة وأطّلع على ما يكتبونه. وأخيراً قمت بالاطلاع على إحدى المقترحات من قبل أحدهم وأعجبني ذلك الاقتراح فقمت بكتابة مقترح مشابه جداً جداً له وقدّمته لوالدي على أنّه مني , والسؤال هو: ما شرعيّة ما أقوم به من الناحيّة الأخلاقيّة والمهنيّة والإسلاميّة والأدبيّة وما الدليل على ذلك نصّاً وحديثاً وكيف لي أن أكفّر عن ذلك؟ أرشدوني لو تكرّمتم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم التجسس وضوابطه في الفتوى رقم: 15454، والفتوى رقم: 30115، والفتوى رقم: 38424. فنرجو مراجعتها والاطلاع عليها. فإذا كان مسؤول الشركة قد أذن لك فيما تقوم به من مراقبة
أجهزة العمال وتتبعها وأوكل إليك تلك المهمة فلا حرج عليك، ولا يعد ذلك من التجسس الممنوع لمقتضى المصلحة وإذن المالك. وللقاعدة الشرعية" الرضا بالشيء رضا بما يتولد عنه" وأما إذا لم يكن قد أذن لك في ذلك فلا يجوز لك تصفح أجهزتهم ولا مراقبة أعمالهم لأنه من تتبع عورات المسلمين وقد قال صلى الله عليه وسلم: من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. كما أنه مما لا يعنيك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وأما أخذك للمقترح دون علم صاحبه وتقديمه على أنه منك فذلك لا يجوز لأنه حق فكري ومعنوي لصاحبه كماله لا يجوز التصرف فيه دون إذنه، لأن تلك الحقوق مما يعتد به شرعا لما قرره مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الخامس بالكويت من أن حقوق التأليف والاختراع والابتكار مصونة شرعا ولا يجوز الاعتداء عليها. ولما في ذلك أيضا من التدليس والغش وادعاء الإنسان ما ليس له، وقد قال تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {آل عمران:188} . وقال صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا. صححه مسلم. فلتتب إلى الله سبحانه وتعالى وتقلع عن تلك الأفعال وتعتذر إلى صاحب المقترح وتترضاه كي يسامحك ولو اقتضى الأمر أن تدفع إليه عوضا ماليا عن مقترحه إلى غير ذلك من وسائل الإصلاح. وننبهك إلى أن النص هو الآية من كتاب الله أو الحديث من السنة فذلك هو النص، ولا مغايرة بين النص والحديث. فالحديث نص كما الآية نص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(9/2977)
أخلاق أهل الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صفات أهل الجاهلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصفات أهل الجاهلية كثيرة ومتنوعة، منها: الشرك بالله والسرقة والزنا ووأد البنات والنياحة والتبرج، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع على ترك هذه الصفات، كما هو وارد في بيعة النساء بعد فتح مكة، وروى الإمام أحمد في مسنده: عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى. قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن. وفي أحكام القرآن للجصاص: روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، قال: كانت المرأة تتمشى بين أيدي القوم، فذلك تبرج الجاهلية. وقال سعيد عن قتادة: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ـ يعني ـ إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج. ومن الصفات المعروفة في الجاهلية، صفات البطش وقهر الغالب للمغلوب، وهي صفة الجهل التي سمي بها عصر الجاهلية، قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
وكان لبعض أهل الجاهلية صفات حسنة، كالكرم، والوفاء بالعهود، والذب عن المظلوم، وحماية الجار، وقِرى الضيف ونحوها من الصفات الفاضلة المأخوذة عن الرسل السابقين، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. رواه البيهقي في السنن، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/2978)
مناداة الشخص باسمه بين الإباحة والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ أصغر مني بـ 4 سنوات, تزوج من امرأة تصغرني بـ 11 عاما, وتناديني باسمي بدون ألقاب, وكنت أجد في هذا إهانة لي, وعندما صارحت أخي بذلك أجاب أن الرسول عليه السلام كان ينادي عمه وعمته باسمهما، واستدل بذلك على أنه ليس لي الحق في طلب ذلك, فهل هذا صحيح, وإن كان صحيحا فهل أصبح من حقي أن أنادي أي كبير باسمه ولم يكن علي إثم، حتى ولو كان عمي أو خالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت الكريمة أنه لا يحرم نداء الكبير باسمه ولا إثم في ذلك على من فعل، فلا بأس بأن تنادي من هو أكبر منك باسمه، ولا أن يناديك من هو أصغر منك باسمك، وما سألت عنه مما إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى عميه باسميهما فإنه صحيح، فقد روى أبوهريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال: يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ... الحديث. متفق عليه.
ولكن إذا كان هناك عرف يقضي بأن مناداة الكبير باسمه فيها إهانة له وعدم توقير، فينبغي هنا مراعاة هذا العرف، لما يترتب على عدم مراعاته من مفاسد وإثارة للعداوة والبغضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/2979)
المؤمن يصفح ويعفو
[السُّؤَالُ]
ـ[صار لي موقف مع صديقة منذ سنوات طوال ولم أسامحها بيني وبين نفسي وبعد فترة كلمتني من عدة عقوبات ألمت بها من الله وقالت لي سامحيني ولكن لم أسامحها بقلبي ومن بكائها سامحتها على التليفون ولكن قلبي شيء آخر واعتقدت أن الموضوع انتهى وكلمتني مجددا وقالت كل ما يصير موقف لي أخسر فيه وهل أنت دعوت علي فقلت لها أنا لا أدعو على أحد ولكن في قلبي شيء آخر فماذا أفعل وهذا خارج عن إرادتي وليس بيدي أن أسامح بسهولة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان حريا بك أن تسامحي صديقتك وأن تقبلي عذرها بعد أن أتتك باكية نادمة طالبة للعفو، وأن لا تشقي عليها، فالشأن في المؤمن أن يصفح ويعفو ويقبل العذر من إخوانه، فقد قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور: 22} . وقال أيضاً: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40} . وقال صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبداً بعفوا إلا عزاً. رواه مسلم. ولمزيد من الترغيب في العفو والصفح وكظم الغيظ راجعي الفتوى رقم: 54408. فطهري قلبك لأخواتك المؤمنات، وترفقي بهن، وادخري البغض والحقد والقسوة لأعداء الله، فهم الأحق بذلك. واعلمي أن الشيطان لما علم ثواب الأخوة في الله والمحبة في جلاله ـ عمل على الوقيعة بين المؤمنين والإفساد بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم. رواه مسلم، وانظري الفتوى رقم: 20902. وانظري فضل الأخوة في الله والمحبة وأسبابها الجالية لها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30426، 36991، 36998. وأما قولك عن نفسك إنك لا تسامحين بسهولة، فهذا يدل على قسوة في قلبك ينبغي أن تستعيني بالله على إذابتها، ومما يعينك على ذلك علمك بأن من شق على الناس شق الله تعالى عليه، وأن من اشتد في حسابهم شدد الله عليه في الحساب، والجزاء من جنس العمل، كما تدينين تدانين جزاء وفاقاً، فهل ترجين من الله غداً أن يتجاوز عنك ويعفو عنك أم يشق عليك ولا يسامحك؟ فجاهدي نفسك ونقي قلبك، وانظري الفتوى رقم: 32860. فهي مفيدة جداً لك. هذا، ولا يلزم أن يكون ما أصاب صديقتك من البلاء هو بسبب خطئها في حقك، فإن للبلاء أسباباً متعددة قد يكون هذا أحدها، وانظري طائفة من أسباب البلاء التي تصيب ابن آدم في الفتويين: 25874، 44779. ولدفع البلاء الواقع على العبد أسباب، انظريها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18306، 9124، 43195، 59054، 49016. وانظري بعض حكم الابتلاء وما يشرع عند نزوله في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13270، 13849، 18103، 30794، 33359.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/2980)
الطريقة المباحة للتهرب من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني سأعرض عليكم بعض زلات اللسان التي تقع مني وأنا كاره له وأندم شديد الندم على خروجها من فمي وأحاول جهدي لكي لا تخرج لكن يسبقني لساني بها لكن الحمد لله خففت كثيرا منها وما زلت أحاول، فمثلا سألني أحد الأشخاص ماذا تعمل وأنا بالواقع أعمل في مجال الإنترنت والكمبيوتر طبيعة عملي تحتاج إلى شرح ولمداركة الشرح قلت له أعمل ببرمجة الكمبيوتر وليس من ضمن عملي البرمجة ومجرد ما خرجت من فمي الكلمة ندمت كثيرا لماذا قلتها، مثال آخر سألني أحد الزملاء ماذا تصلي وكنت أقضي صلاة ولم أحب أن يعرف أني أقضي فأحرجت وقلت له صلاة فقط وعندما سألني هل ليس لها اسم قلت نعم ليس لها اسم ولم أكن أقصد أن أكذب لكن سرعان ما يخرج من كلامي هذا الكلام ومثال آخر المبالغة بالشيء على غير تعمد أو نية بالمبالغة، وبعد أن يخرج مني هذا الكلام أندم واستغفر الله مباشرة وأحاول جاهدا أن أتحرى الصدق بكل كلماتي لكن كما أسلفت يسبقني لساني في بعض الأحيان مع أن هذا الأمر قليل ما يحصل معي لكن يزعجني كثيرا، فهل مثل هكذا كلمات تعتبر من الكبائر أم أنها من صغائر الذنوب وما الحل برأيكم أفيدوني كي أتخلص من هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب بجميع صوره وأشكاله حرام، فعليك بتجنبه والابتعاد عنه وتحري الصدق، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {التوبة:119} ، وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة. رواه الترمذي وهو صحيح.
وبإمكانك أن تتخلص من الكذب بطريقة مباحة وهي التورية، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، والتورية هي أن يتكلم المتكلم بكلام له معنى ظاهر متبادر للسامع، وله معنى آخر خفي، ومقصود المتكلم هو هذا المعنى الخفي، إلا أنه ورَّاه وأخفاه بذلك المعنى الظاهر المتبادر.
ثم هذه الأمور التي ذكرتها ليست مما يترتب عليه ضرر أو مفسدة فهي إذاً من صغائر الذنوب وليست من الكبائر، ولكن صغائر الذنوب قد تلحق بالكبائر إذا استخف بها الإنسان أو أصر عليها، ففي الحديث: إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. رواه الطبراني. وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
فعليك بالتوبة مما ارتكبت وراجع الفتوى رقم: 26042، والفتوى رقم: 1126، والفتوى رقم: 3743، ونسأل الله أن يعصمنا وإياك من الزلل في القول والعمل، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/2981)
التعامل مع أم الزوج التي تمارس السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن أم زوجي تقوم بأعمال السحر لا أستطيع الآن معاملتها بصورة جيدة وهي تنظر لي بطريقة مخيفة لاحظت ذلك خاصة عند تناول الطعام وهل يحق لها دخول حجرة نومي وأنا نائمة هي تتعمد ذلك وقد ضقت بهذا فقد كنت أعاملها خيرا من أمي إنى أخاف منها الآن كيف أعاملها وهل يقع علي وزر إن قاطعتها بدون أن أبعدها عن ولدها زوجي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن تحمل أحوال المسلمين على السلامة وأن يحسن بهم الظن ما لم يثبت خلاف ذلك. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} .
وعليه، فمادامت لم تتحققي من صحة ما نسبت إلى أم زوجتك فعليك الإعراض عن ذلك إذ لعله من أوهام الشيطان وكيده للإيقاع بينك وبين من لها عليك حق الإحسان، وراجعي الفتوى رقم: 35242.
أما إن ثبت صدق ما نسب إليها فالواجب عليك نصحها وإرشادها برفق ولين إلى التوبة، فإن قبلت فاحمدي ربك على ذلك، وإن لم تقبل فلك أن تطلبي من زوجك أن يسكنك في مكان مستقل عن أمه وهو حق لك عليه أصلا، وانظري االفتوى رقم: 34802 وبالتالي، تسلمين من شرها ومضايقتها لك.
وبالنسبة للهجر فراجعي الحكم فيه في الفتوى رقم: 28560 والفتوى رقم: 26205.
أما بخصوص دخول أم زوجك عليك في حجرتك الخاصة بك بدون استئذان فهو محرم، لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا {النور: 27} ولك الحق في منعها من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1426(9/2982)
الكذب المشتمل على غش وخداع أشد حرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثانية والثلاثين من العمر وأب لطفلين ومطلق. هداني الله عز وجل للتعرف على إنسانة مؤمنة عندها ما يكفي للحفاظ على الشطر الأول للإنسان. ولكن أنا مصري وهي ليبية والعرب بصفة عامة لا يزوجون لغير جنسية بلدهم مع ما توارثوه من عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ويعلمون جيدا أن هذا خاطئ شرعا ولكن الحكم في النهاية للعادات والتقاليد!! إخوتي الأعزاء: هل يمكن أن أقول إنني ليبي ولكن ليس معي ما يثبت من أوراق وإنني أعيش بمصر؟ ويكون بصحبتي ليبيان وأنا أتقدم لطلب العفاف منهم؟ إذا فعلت هذا فإنه من المؤكد بعد مشيئة الله عز وجل أن نتزوج وبدون مشاكل. ولكنني متردد جدا لأني أعلم أن الزواج ليس فقط رجل وامرأة فهو اكتمال للصلة بين الناس والأسر فهل أبدأ ذلك بكذبة؟ إنني متحير جدا إنها إنسانة كما قال صلى الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين وخاصة وأنني لي تجربة أليمة من قبل. فماذا أفعل؟ وجزاكم الله خير الجزاء وحسن الصواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الكذب محرم بجميع صوره وأشكاله، لما يترتب عليه من المفاسد، ولهذا جاءت نصوص القرآن والسنة محذرة منه ومن أهله. ففي القرآن يقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ {التوبة: 119} وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وتزداد حرمة الكذب أكثر إذا اشتمل على غش وخداع، وعلى هذا، فلا يجوز لك أن تقول إنك من تلك الجنسية لتحصل على موافقة أهل تلك الفتاة بالسماح بزواج ابنتهم، لما في ذلك من الغش والكذب لغير مبرر إذ لم يتعين الكذب وسيلة لذلك الأمر، ولما يتوقع من مفاسد فيما يستقبل من الزمان بينك وبين أهل هذه المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1426(9/2983)
إعجاب الإنسان بقراءة نفسه واحتقار الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا والحمد لله أحفظ القرآن وأحيانا أصلي جماعة أنا وإخوتي ويقرأون بطريقة خطأ مما يجعلني أفرح بنفسي وأنا أعلم أن هذا خطأ وأيضا أحس من داخلي أنني أضحك عليهم ماذا أفعل في هذا وأخاف أن أكون أنا الإمام حتى لا أرائي بقراءتي ماذا أفعل؟ وأنا أريد أن أبعد عني الغرور والعجب والرياء.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لك أن تحمدي الله تعالى الذي من عليك بتعلم القرآن وحفظه وحسن تلاوته، وتسأليه الثبات والإخلاص فإن الله يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد ٌ {ابراهيم: 7} . ومن شكر هذه النعمة أن لا تحتقري الآخرين الذين لايحسنون القراءة، بل تجتهدي في تعليمهم لا سيما أقاربك كأخواتك. وأما إمامتك لإخوانك في الصلاة فإن كانو إناثاً فهي جائزة، بل لا يجوز لك أن تأتمي بمن لايحسن قراءة الفاتحة منهن، وأما إذا كانوا ذكوراً فلا يجوز، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 60328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(9/2984)
لا حرج في تلقيب الكبير والصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي كبيره من عائلته باسمه أو يعطي له لقبا احتراما له وهل يلقب المرء من هو أكبر منه ب 10 سنوات مثلا. أفيدوني من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم خاطب عمه العباس وعمته صفية باسميهما، فقال: يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، وياصفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا. وأما تلقيب الانسان لمن هو أكبر منه أو أصغر فلا حرج فيه، ومثل ذلك نداؤه بلقبه الشائع له عند الناس مالم يكن في اللقب إيذاء، ولا يجوز نداؤه ولا تلقيبه بما فيه إيذاء له. لقوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ {الحجرات: 11} . وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 48603، 12502، 5925، 45243، 53876.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(9/2985)
التبسم في وجه الناس والانبساط إليهم صدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أظن بأننا عندما نلتقي بأناس غرباء (ولأول مرة) ولا تربطنا بهم أي صله سوى أن بيننا مصالح (مثل العمل أو دراسة ... الخ) فإننا نبتسم حتى نرتاح ونريح من نتحدث معه
ولكن في هذا الزمان الذي انقلبت فيه الآيات، تعد ابتسامتك له بأنك أضعف منه أو بأنك تتمنى منه النظرة (يعني يعطيك وجها)
فيبدأ هو بإساءة الأدب، أو برفع الصوت، أو لا يلقي لكلامك بالا (يسفهك باختصار) فكيف تتصرف معه
كنت فيما مضى لا أعرف الحديث إلا وأنا مبتسمة ولكني كرهت الابتسامة لهذا السبب
أشعر بأن الجميع يحتقرونني عندما أبتسم لهم لذلك قررت أن أجعل تعبيرات وجهي عند اللقاء بالغرباء جامدة وهذا يضايقني لأن طبعي هو (الابتسامة) أكره الخروج من المنزل وأكره أي علاقات مع الغرباء، بل وأخاف كثيرا من أي شخص صغيرا كان أو كبيرا....
فماذا أفعل حتى أرتاح وأستطيع مجاراة (ذئاب هذا الزمان) هل تستطيعون مساعدتي؟
مشكورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظن أن في كلامك شيئا من المبالغة، فليس كل من نقبل عليه بوجهنا ونبتسم له يظن أن ذلك ضعفا وخنوعا فيطمع بنا.
ونخشى أن يكون هذا الشعور عندك نتيجة تجربة فردية مريرة فظننت أنها عامة وليس ذلك بصحيح، فلقد ندبنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم للتبسم في وجوه المسلمين، بل وجعل ذلك من أبواب الصدقات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك صدقة. وقال بعض الصحابة: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الإمام أحمد وحسنه الأرناؤوط.
والأخبار الواردة في تبسمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه وإقباله بوجهه على محدثه كثيرة لمن طالع سيرته ونظر في شمائله، ولكن ينبغي التوسط والحكمة، فلا مبالغة ولا إفراط في الترحاب قبل أن نعرف الشخص حق المعرفة، ولا جفاء ولا تفريط ولا عبوس، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
هذا كله في حق النساء المؤمنات ومحارمك الرجال، أما الكافرات فلا يشرع الانبساط معهن إلا إذا طمعت في إسلام إحداهن، فإن ذلك من أسباب تأليف قلبها، وقد فعله صلى الله عليه وسلم
وأما الرجال الأجانب فيمنع مطلقا الانبساط في الحديث معهم، ولا يكون الحديث معهم إلا على قدر الحاجة وفق الضوابط الشرعية. والله يحفظك ويرعاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(9/2986)
الثقة بالنفس لا تبيح العدوان على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أشعر في نفسي بقدر كبير من الثقة حتى أنني أمشي في الشارع أشعر أنني أسير في عظمة وهذا يحدث في بعض الأحيان فقط والحمد لله كل الناس يحبونني فهل أنا متكبر وإن كنت كذلك فماذا أفعل مع العلم أنني من الله علي ببعض من السلطة ولكني لا أظلم أحدا ولكن عندما أستخدمها أشعر بعدها أني ظالم حتى لو كنت على حق على سبيل المثال: هناك صديق لي عنده محل جوال وأنا جالس معه أتى شخص وقال إن له جوالا في الصيانة فقال له صديقي: إنه حرامي وقد سرق من المحل جوالا قبل ذلك فمجرد أنني سمعت هذا من صديقي أخذت هذا الرجل وطلبت منه أن يبرز لي تحقيق شخصيته فأجاب علي بطريقة غير مهذبه فضربته على وجهه ضربات عديدة فاذا بشرطي مار فرأى ما حدث فأخذ هذا الرجل وسأل عن ما يحدث فحكيت له وكشفت له عن شخصيتي فقام هذا الشرطي بضرب الرجل على وجهه أيضا ثم طلب مني أن يأخذه إلى قسم الشرطة فرفضت حتى أتأكد وعندما أتى الشخص الذي تم صاحب الجوال المسروق وقال إن هذا الشخص هو الذي أخذ الجوال أخذتة إلى قسم الشرطة ثم تركته هناك فهل أنا آثم لأني ضربت هذا الشخص مع العلم أنني لا أفعل ذلك كثيرا لأني أحس بعدها بأني ظلمت شخصا وأخاف أن يسألني ربي عن هذا، أفيدوني في هذا.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح الأخ الكريم بأن يبعد نفسه عن العظمة والكبرياء، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار. وعليه أن يتذكر أصله وضعفه، قال تعالى: خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. {النحل:4} . وعليه كذلك أن يتذكر عاقبة التكبر والغرور، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. ثم إن التواضع سبب في العزة والرفعة والسيادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
والثقة بالنفس ليست هي الكبر ما لم يصحبها احتقار للخلق، فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم.
واعلم أن الضرب على الوجه حرام؛ لما في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن الضرب على الوجه حرام.
والحاصل أنك أخطأت من عدة وجوه، أولها: ما ذكرت عن نفسك من الشعور بالعظمة. والثاني: ما قمت به من العقوبة لشخص قبل أن يثبت ذنبه. والثالث: ما فعلته من الضرب على الوجه. فعليك أن تبادر إلى التوبة من كل ذلك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. ومن تمام توبتك أن تتصل بالشخص المضروب وتستحل منه ولو بتمكينه من أن يقتص منك أو بدفع عوض له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1426(9/2987)
هتك الأسرار من النميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تم عقد قراني على شاب قبل سنة تقريبا ولم يتم زفافي إلى بيته إلى الآن وذلك لعدم تصريفه الجيد للمال. قبل ثلاثة أشهر تقريبا اكتشفت أنه يتكلم مع فتاة وهي من أقرباء زوجة أبيه. بحجة أنه يريد الزواج منها وأن بي نقصا فقلت له بأني لا أعيش معه لكي أخدمه فكيف يقول إن بي نقصا. حاولت نصحه ونصحها يتركها فترة ويرجع ويكلمها ومع مرور الأيام اكتشفت أنه ليس جادا في الزواج منها فتارة يقول لي إنها عديمة الأخلاق لأنها تتصل به، ويقول إنه فقط يريدها لعمل البيت، ويقول إنه لا يشعر بأنه جاد، ويقول أشياء كثيرة. فأردت أن أنبه الفتاة أن زوجي ليس جادا في الزواج منها وقلت لها كل شيء قاله عنها لكي تعرف مكانتها عند زوجي. ولم يكن بنيتي أن أشوه سمعته وطلبت منها أن لا تخبر أحدا عنه وأخذت منها عهدا ولكنها نكثت العهد وأخبرت امرأة كبيرة في السن تعرفها وتعرف زوجي فهي تتصل بزوجي وتقول له فلانة مريضة، وفلانة تبكي وهكذا.... وهي بدورها قامت وقالت لزوجي إن فلانة تقول لك بأن لا تلعب عليها وأخبرته بالذي قلت لها
وسألني زوجي فأخبرته بالحقيقة ورد علي وقال بأني واشية، قلت له لا أنا لست كذلك ولم يكن قصدي بأن أشوه سمعتك ولكن أخبر الفتاة بحقيقة مشاعرك تجاهها وأن لا تتعلق بالأوهام. وسؤالي هو هل أنا بفعلي هذا أصبحت وشاية أو واشية
أخبروني. أرجوكم لكي أستغفر ربي من هذا الذنب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أقدمت عليه من نقل الخبر إلى هذه المرأة يعتبر نميمة وكشفا لسر الغير، قال صاحب الزواجر عن اقتراف الكبائر: فحقيقة النميمة إفشاء وهتك السر عما يُكره كشفه، وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء من أحوال الناس.اهـ. والنميمة محرمة ومذمومة، قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ {القلم:11} . وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة نمام. وقوله: أنهما يعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول. رواه البخاري ومسلم. وعلى هذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من تلك المعصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(9/2988)
حكم ضرب ونضح الوجه بالماء
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضيلتكم بيان حكم ضرب الوجه بالماء، هل لا يجوز أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه إذا كان السائل يعني لطم الوجه بالماء أي غسله في الوضوء -مثلاً- على هيئة اللطم، فهذا لا ينبغي لأن المطلوب الغسل وليس اللطم، وإن كان يعني لطم الغير بالماء فإنه لا يجوز إن كان لطما يتضرر به الشخص المفعول به ذلك، وإن كان لطما خفيفاً مثل النضح والرش فإنه يجوز لأجل التنبيه للصلاة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أبو داود وغيره، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
قال في عون المعبود: والمراد التلطف معها والسعي في قيامها لطاعة ربها مهما أمكن، قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى. وهذا يدل على أن إكراه أحد على الخير يجوز بل يستحب. انتهى، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 50908.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(9/2989)
النهي عن سوء الظن بين الزوجين أشد تأكيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[يافضيلة الشيخ أنا امرأة وزوجة وبدأت بكلمة امرأة فبطبع المرأة للأسف عندي داء الشك وقد كنت قرأت أنه لايجوز سوء الظن وإن ظينا فلا يجب التحقق تجدني عندما أشك أو أظن خاصة في زوجي أحاول أن أمسك نفسي عن طرح الأسئلة عليه في اللحظة التي تم فيها الشك أحيانا تنفع الطريقة وقد تفلح للأسف بعض الشيء حيث إنها قد تهدأ نفسي بعض الوقت ولكن بعد فترة تجد نفسي قد سولت لي شيئا بطريقة أخرى من ناحية الحلال والحرام أو أنه إن كان يقبل ما يفعله هو أن يفعله شخص آخر معي المهم بهذه الطريقة ألاحظ أنها وصلتني إلى الشك والظن.
فكيف لي التغلب على مسألة الشك والظن وكيف لي التغلب على نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يُحْمَل أمر المسلم على السلامة، وأن يحسن الظن به، وأن تلتمس له الأعذار ما وجد إلى ذلك سبيل. قال الحسن ـ رحمه الله ـ: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات. ويتأكد هذا بين الزوجين، لما جعل الله بينهما من المودة والرحمة، ولما أُمِرا به من حسن العشرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} . قال العلامة ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين حيث قال: إن بعض الظن إثم، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة. ثم قال رحمه الله: ولا تجسسوا: أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولاتتبعوها، ودعوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن زلاته، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي. فالظنون التي لا تستند على ما يبررها شرعا لا تجوز للآية السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ... رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
فالذي ننصحك به هو عدم الاسترسال في هذه الشكوك، والاستعاذة من الشيطان ومن وسوسته، ولمعرفة بعض الأمور التي تعين على تحقيق حسن الظن يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 48025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(9/2990)
النهي عن ضرب الوجه مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[عن الضرب على الوجه، هل هو حرام حتى في قتال الكافرين وتربية الأبناء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز الضرب على الوجه؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. واللفظ للبخاري، وعند مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه ... قال النووي: وفي رواية: لا يلطمن الوجه. قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقهها، وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر ... قال: ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه. انتهى كلام النووي.
ولما فيه من المثله، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة؛ كما أخرج البخاري في صحيحه عن قتادة: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن المثلة. وقال ابن حجر في الفتح: والضرب على الوجه حرام. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 14123.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(9/2991)
الظن.. ما يجوز منه وما يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم وبارك في علمكم، ما صحة قول سفيان رحمه الله الذي روى عنه الترمذي: (روى الترمذي عن سفيان: الظن الذي يأثم به ما تكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم. وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين ثم قال: وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به) ، ثم ما المقصود بكلامه رحمه الله، وما الظن الذي يأثم به الإنسان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النووي في شرح مسلم عند شرح حديث: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. قال: المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به، كما سبق في حديث تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر، ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: قال في نهاية المبتدئ: حسن الظن بأهل الدين حسن.
ظاهر هذا أنه لا يجب، وظاهره أيضا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن فظاهره لا يحرم، وظاهر قوله عليه السلام: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان، أن استمراء ظن السوء وتحقيقه لا يجوز، وأوله بعض العلماء على الحكم في الشرع بظن مجرد بلا دليل، وليس بمتجه.
وروى الترمذي عن سفيان: الظن الذي يأثم به ما تكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم، وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين ثم قال: وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به وذكر قبل ذلك قول القاضي أبي يعلى: إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله، والواجب حسن الظن بالله عز وجل، وكذلك سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة محظور، وظن مأمور به كشهادة العدل وتحري القبلة وتقويم المتلفات وأرش الجنايات، والظن المباح كمن شك في صلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين، وروى أبو هريرة مرفوعاً إذا ظننتم فلا تحققوا، وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه، والظن المندوب إليه إحسان الظن بالأخ المسلم، فأما ما روي في حديث: احترسوا من الناس بسوء الظن. فالمراد الاحتراس بحفظ المال مثل أن يقول: إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق. انتهى كلام القاضي.
وذكر البغوي: أن المراد بالآية سوء الظن، ثم ذكر قول سفيان. وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح، وقال أبو هبيرة الوزير الحنبلي: لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترقص، ولا بمن يخالف الشرع في حال.
وقال البخاري في صحيحه: باب ما يكون من الظن إثم، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئاً، وفي لفظ: ديننا الذي نحن عليه، قال الليث بن سعد: كانا رجلين من المنافقين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1426(9/2992)
أنهاكم عن النميمة وأكون نماما!!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قال الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام عندما سأله عن أسباب انحسار المطر عنهم فكان جواب الرب: بينكم نمام، فلما تاب النمام أسقاهم الله المطر، فسأل موسى الله لماذا أمطرت السماء؟ فقال الله لقد تاب النمام فقال موسى من هو ياربي، فقال الرب له: (تأدب يا موسى) هذة المقولة سمعتها في أكثر من خطبة في العراق، فما مدى صحتها أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الخبر ذكره القرطبي في تفسيره بصيغة أخرى قال: وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يستسقون فلم يسقوا، فقال موسى: إلهي عبادك، فأوحى الله إليه إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لأن فيهم رجلا نماماً قد أصر على النميمة، فقال موسى: يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا، فقال: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما ... قال: فتابوا جميعاً فسقوا.
وذكره الغزالي في إحياء علوم الدين بنفس الصيغة، وأسنده إلى كعب الأحبار أيضاً، ومعلوم أن كعب الأحبار كان يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وتوفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة بدمشق، وأغلب الروايات الإسرائيلية في كتب التفسير عنه.
ومفاد القصة ليس فيه ما يخالف العقل ولا النقل، فالنميمة كبيرة من الكبائر، بل هي من أشدها خطراً وأكثرها ضرراً، لما ثبت عند الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. وفي رواية: نمام. ولما رواه الشيخان من حديث مجاهد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر كان يمشي بالنميمة ... والمعاصي من أسباب حرمان الرزق.
والاستغفار سبب من أسباب جلبه بل من أعظمها، قال الله تعالى على لسان نوح لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {نوح:10-11-12} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(9/2993)
تقليد الآخرين لإضحاك الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق ملتزم ولله الحمد وبادية عليه آثار الصلاح وكثيراً ما نتعاون على الخير ولكن لديه خصلة لا أحبها فلديه موهبة التقليد ولكن للأسف أنه يقلد العلماء والمشايخ ويستغل اجتماعات الشباب والتجمعات للتقليد الصوتي لأصوات المشايخ وكل من يسمعه ينفجر ضاحكاً أليست هذه سخرية صريحة وتهكم بأناس فضلاء رغم أني دائم الإنكار عليه ولكنه يقول لي دائماً ما الدليل فهل من فتوى أرد بها عليه لينتهي عما يفعل وأرجو سرعة الرد من أحد المشايخ المعروفين علماً أني أحب صديقي ولا أريد له إلا الخير وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من التزم بهذا الدين العظيم وتشرف بالدعوة إليه وعمل الخير له وأظهر الصلاح أن يترفع عن سفاسف الأمور وتقليد الآخرين ومحاكاتهم، فتقليد الناس والسعي لإضحاك الآخرين ليس من شأن الدعاة والملتزمين، ويكون الأمر أعظم إذا كان ذلك سخرية او استهزاء بالعلماء والدعاة والمصلحين، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بمواعظهم ودروسهم التي لا تخلو من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، فربما قرأ الآيات والأحاديث بصوت ساخر مقلدا لغيره ليضحك به القوم، فهذا لا شك أنه لا يجوز، وربما جر ذلك إلى الكفر الأكبر والعياذ بالله تعالى.
وأقل مراتب هذا النوع من التقليد أنه غيبة، فلا شك أن كثيرا من الناس يكرهون تقليدهم لإضحاك الناس ولو كان ما يقول المقلد عنهم صحيحا.
فقد عرَّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة كما في صحيح مسلم بأنها ذكرك أخاك بما يكره.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن محاكاة الناس وتقليدهم؛ كما في السنن وصححه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها.
وتقليد الناس ربما يؤدي بصاحبه أيضا إلى الكذب فيزيد على هذا أو يقول عليه ليضحك جلساءه، وهذا ذنب آخر يقع فيه المولعون بإضحاك الناس.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم، ويل له، ويل له. رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
ولهذا ننصح هذا الأخ بالابتعاد عن هذا النوع من التقليد فأقل مساوئه أن يؤدي إلى ما لا يجوز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه الترمذي.
وعليه أن يستخدم ما أنعم الله عليه من نعم ومواهب فيما يرضي الله تعالى، وفيما ينفعه في دينه وديناه.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 52261.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1426(9/2994)
عدم العفو عن الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[سامحوني على الإطالة، أما بعد.. فقد ورثت عن والداي (اللهم ارحم والداي وجميع موتى المسلمين) مبلغا كبيرا من المال وتعرف إلي أحد الأشخاص (بحكم العمل) وعلم بذلك وما زال يتردد ويراوغ حتى استطاع سلب جميع تركتي بطرق عدة من احتيال ونصب واختراع مشاكل وتهديدات من رجال الشرطة (لحسابه طبعا) على مشاكل وهمية، وغش وخيانة واستغفال، حتى استولى على جميع مالي وكنت أدفع له بدافع الخوف على إخوتي ونفسي مقابل حل تلك المشاكل الوهمية، وقد رفعت عليه قضايا بالمحكمة لاسترداد مالي، وتبين أن عليه قضايا وقيودا أمنية كثيرة من هذا النوع، وكنت أدعو عليه دائما بعدم التوفيق وبمحق البركة عنه وأن يشغله في نفسه، ولا يستطيع قلبي مسامحته لما فعله بي. والسؤال هو:1- هل تؤثر عدم مسامحتي له على ما أقوله كل ليلة (من عدم الغل على المسلمين وعدم حسدهم ومسامحتهم قبل النوم) حسبما جاء في الأحاديث (رقم 6605 ورقم 20559 ورقم 12286) ؟
2- هل يعتبر ما دفعته من أموال في بداية الأمر رشوة لحل المشاكل الوهمية؟ وإن كانت كذلك ما الحل للتوبة؟ علما بأنني كنت أدفع له بدافع الخوف الشديد وتهديده لي من قبل رجال الشرطة بضرورة إيجاد حل سريع جدا وإلا سوف تحدث كارثة علينا أو مصيبة أو ... وما سببه لنا من ضغط نفسي حاد أثر سلبا علينا جميعا أنا وإخوتي.
أرشدوني إلى الطريق الصحيح وأفتوني.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعينك على استرداد مالك، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وننبهك إلى أننا لم نعرف أي الأحاديث تقصد لأنك لم تذكر في أي كتب السنة هي، وعلى كل حال، فإذا كنت تقصد بسؤالك، أنك تدعو الله أن يعينك على عدم الغل على المسلمين وعدم حسدهم والعفو عن كل من ظلمك، فلا تؤثر عدم مسامحتك لهذا الشخص على قبول هذا الدعاء، أما إذا كنت تقصد أنك تتخلص عند النوم من الغل والحسد للمسلمين، وتعفو عمن أساء منهم، وتستثني هذا الشخص من العفو فلا حرج عليك في هذا الاستثناء، لأن لك ألا تعفو عنه.
وأما إذا كنت تقصد أنك تفعل مثل ما فعل الصحابي علبة بن زيد رضي الله عنه من الصدقة بالعفو عمن ظلمك، ذلك عندما قال: يا رسول الله حثثت على الصدقة وما عندي إلا عرضي فقد تصدقت به على من ظلمني، قال: فأعرض عنه، قال: فلما كان في اليوم الثاني قال: أين علبة بن زيد؟ أو أين المتصدق بعرضه؟ فإن الله تبارك وتعالى قد قبل ذلك منه. رواه البزار. فإذا كان الأمر كذلك، فإذا كنت لم تعف عن هذا الشخص، صحت الصدقة عمن عفوت عنه، ولم تصح عن هذا الشخص لعدم عفوك عنه. ولا حرج عليك فيما دفعته من المال لتحمي نفسك وإخوانك من هذا الشخص، وليس ذلك برشوة لأن الرشوة هي دفع المال لإبطال الحق أو إحقاق الباطل، ولكنه في حق هذا الشخص أكل للمال بالباطل، وراجع الفتوى رقم: 50843، والفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1426(9/2995)
هل يخبر أخاه بسلوك امرأته المريب
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة أخي وجدتها ابنتي في وضع مريب مع أحد الرجال داخل بيت أخي وأخي هذا في سفر للعمل ويعود من العمل إلى بيته مرة كل شهر، أخي هذا لديه بنات صغار، هل يجب أن أخبر أخي بهذا الأمر وهل إذا طلبت منه طلاق هذه المرأة أكون آثما؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الأصل أن تحمل أمور المسلمين على السلامة وألا يظن بهم السوء حتى توجد قرائن تثبت وقوع ذلك منهم، فإن وجدت وكان الفاعل غير معتاد لهذا الأمر فينبغي الستر عليه؛ للحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. لكن يجب مع ذلك النصح له وتخويفه عقوبة الله تعالى، وأنه إذا لم ينته فسيبلغ عنه، فإن قبل النصح فلا إشكال، وإن لم يقبل فلا مانع من الإخبار عنه. قال النووي رحمه الله تعالى عند شرحه للحديث السابق: وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن هو ليس معروفا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه.
وعل هذا؛ فينبغي نصح هذه المرأة والستر عليها وتنبيهها إلى حرمة هذا التصرف إن كان فعلا قد حصل منها أمر فيه ريبة، فإن تكرر منها ذلك وأصرت عليه فلا مانع أن يخبر زوجها بسلوكها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1426(9/2996)
المسلم مأمور بأن يقول للناس حسنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما عقابي عندما أطلب الاختصار من أخت زوجي لأنها سببت لي أذى كثيراً، وهي شديدة الكذب وهي تحاول الصلح كثيراً، وأنا لم أعطها وجهاً وهي تحب أن تتدخل في كل شيء ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ماذا تعني الأخت بطلب الاختصار من أخت زوجها.. فإن كنت تعنين أنك تطلبين منها الاختصار في الكلام والسبب أنها تكذب وتتدخل في كل شيء، فلا بأس؛ ولكن يكون ذلك برفق، فالمسلم مأمور بأن يقول للناس حسنا، لقوله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، ولا يجوز لك مقاطعتها لأجل ذلك، فإنه لا يجوز لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، اللهم إلا أن يكون في هجرها ردع لها عن الكذب ونحوه من المخالفات.
وينبغي نصحها ونهيها عن الكذب وعن التدخل فيما لا يعنيها، ففي الحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي وابن ماجه، وينبغي لك إكرامها لأجل قرابتها لزوجك، فإن في إكرامها إكراماً له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(9/2997)
الحكمة ضالة المؤمن
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من الأحيان يدور بيني وبين من حولي نقاش حول العديد من المسائل الدينية, أعتمد اعتمادا كليا في كل إجاباتي على المعلومات المتوفرة في موقعكم وأطلب من السائل التأكد مع إعلامي إن كنت قد أخطأت في إعطاء المعلومة, الدافع وراء هذا كله الجهل في أحكام ديننا الحنيف حيث إنني لا أستطيع السكوت عن الحق, فإذا كانت الإجابة صحيحة (هي كذلك في معظم الأسئلة) يقال لي إن منظري وهيئتي لا تدلان أبدا على أنني أقرأ وأتصفح الكتب والمواقع الدينية. فكيف أرد عليهم علما بأنني إنسان عادي جدا كأي مسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحق يؤخذ ممن جاء به من صغير أو كبير، فإن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها، وقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قبل الإفادة من شخص جرب فيه الكذب والسرقة ثلاث مرات.
ثم إنه ليس من شروط النصح والدعوة أن يكون الناصح عالما، بل يجوز النصح بما يعلم صحته ولو كان آية واحدة، أو حديثا واحدا، لما في حديث البخاري: بلغوا عني ولو آية. وفي حديث الترمذي: نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. ولكنه يتعين على الداعي أن يحرص على الزيادة من العلم دائما، وأن يكون عاملا بما يعلم من العلم دائما، وأن يكون عاملا بما يعلم ويدعو إليه، وأن يبتعد عن الجدال فيما لا يعلم، فإنه سبب للضلال وللقول على الله بغير علم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22072، 4812، 7583، 19193، 33433، 8280.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(9/2998)
حكم تمزيق المال عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو: أنا كنت مضايقة وغضبانة جداً فقمت بعمل غريب وهو أنني من شدة الغضب قمت بتقطيع مبلغ من المال وهذا كان خارجا عن إرادتي فما حكم الإسلام في ذلك أو فيما حدث؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغضب وأسبابه وذلك لما يترتب عليه من عواقب وخيمة. فقد روى البخاري وغيره أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا فقال: لا تغضب. وفي رواية غير البخاري: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله. وفي رواية: لا تغضب ولك الجنة.
ونقل الحافظ في الفتح عن ابن النين قوله جمع صلى الله عليه وسلم في قوله لا تغضب خير الدنيا والآخرة، والإسلام يحترم المال ويأمر بحفظه وينهى عن تبذيره والإسراف في استهلاكه ولو كان ذلك في الحلال، فما بالك بتعمد إفساده مباشرة!
وقد نهى الله عز وجل في محكم كتابه عن الفساد فقال سبحانه وتعالى: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا {الأعراف: 56} وقال تعالى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ {البقرة: 205} .
وعلى ذلك، فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى مما فعلت، فإنه لا يجوز لك، وإذا كان الغضب قد غلب على عقلك بحيث أصبحت لا تميزين أن ما بيدك أوراقا نقدية أو أوراقا عادية فإنه لا إثم عليك إن شاء الله تعالى، لأن التكليف مناطه العقل، فإذا فقد العقل سقط التكليف.
ولكن ذلك لا يسقط عنك حق الغير، فإذا كان المال لشخص آخر فالواجب عليك أن تقضيه ما أتلفت من ماله فالخطأ والعمد في أموال الناس سواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1426(9/2999)
هل تكذب لحفظ المال من تبذير الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي رجل مبذر يمكنه تبذير المال في أشياء لا قيمة لها أو على أي شخص لا يستحق فاضطررت للكذب عليه لتوفير بعض المال لتربية الأبناء فيما يخصهم كما أعطيه هو كذلك المال لما يفلس ويحتاج. وطريقة توفير المال أنني أقول له إنني استلفت من فلانة أو جارة أوغير ذلك ليعطيني هذا المبلغ لكن لا أبذر هذا المال في أشياء غير شرعية بل أساعد به أسرتي. فهل جائز لي الكذب في هذه الحالة لإنقاذ أسرتي من الدمار أم لا.
ولكم خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب محرم وهو يهدي إلى الفجور؛ كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما رواه مسلم في صحيحه: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
ومن هذا تعلمين أيتها الأخت خطورة الكذب؛ وما ذكرته من تبذير زوجك لا يبرر لك الكذب؛ بل عليك مناصحته وتذكيره بحرمة التبذير وما قال الله تعالى بشأن أصحابه: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً {الإسراء:27} . ولا بأس بأن تستعيني ببعض الكتيبات والأشرطة التي تتناول هذا الخلق المشين، فإن قبل زوجك النصح وحفظ ماله فاحمدي ربك على ذلك، وإن استمر على سفهه فلا مانع من أن تتخذي معه التورية والمعاريض للتحايل على أخذ المال منه وصرفه في مصالح أسرتكما. أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عمران بن حصين قال: إن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب.
وللمرأة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف إن كان يمنعها ذلك، ولها التحايل للوصول إلى هذا الحق، فإن كان الزوج موفيا لهذا الحق فلا يحل للمرأة أن تأخذ شيئاً من ماله إلا بإذنه وبطيب نفس منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(9/3000)
الكذب والمعاريض
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا عما تقدمونه للإسلام والمسلمين وجعله الله في ميزان حسناتكم.
توجد محموعة من صديقاتي يشتغلن في إحدي الشركات الإعلامية الكبيرة في إدارة بحوث وقد أمرهم مديرهم بان يقوموا بعمل أحد الأبحاث عن طريق الاتصال بهواتف بعض الناس من دليل التليفون وأوصاهم بعدم ذكر اسم الشركة الحقيقي واخترع لهم اسم شركه أخرى. فهل هذا يدخل في إطار الكذب وماذا نفعل ولكن بسرعة لأنهم بالفعل بدءوا في هذا البحث ولكن واحدة فقط هي التي تقول الاسم الحقيقي للشركة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يحرم الكذب ويحذر منه أشد التحذير وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب يهدي إلى الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار. ففي صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وعلى هذا، فمادمتم تجدون مندوحة عن الكذب فلا يجوز لكم ارتكابه.
أما إذا كنتم مضطرين لذلك فبإمكانكم أن تستخدموا التورية والمعاريض إن استطعتم حتى لا تقعوا في الكذب الحرام. وقد قال أهل العلم في المعاريض مندوحة من الكذب
ولتفاصيل ما يجوز من الكذب وأقوال العلماء في ذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 39152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(9/3001)
حكم التجسس على الزوجة للتأكد من حسن سلوكها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حريصًا أن أبحث عن فتاة متدينة، إلا أنه تم ترشيح فتاة لي وقالوا عنها إنها تصلى وهى من أسرة طيبة فخطبتها وبعد أن خطبتها لاحظت أنها لا تصلي فسألتها فقالت إنها كانت تصلي وتتوقف أي ليست مواظبة ووعدتني أنها ستصلي، وتم بحمد الله الزواج؛ ومن خلال أحاديثها عن حياتها السابقة للزواج وخاصة علاقاتها بزملائها بدأت أتخوف منها من تلك الحياة السابقة، هي لم تخبرني عن أشياء تعيبها بشكل مباشر إلا أن ما حكت لي عنه وعن الأعمال التي كانت تعمل فيها وبقائها بمفردها في أماكن عمل مع بعض زملائها يجعلني أستخدم المنطق فى أنه لا يمكن أن تخلو من أمور لا تحمد عقباها سواء حدثت تلك الأمور برغبتها أم من غير رغبة ولا أستطيع أن أحاسبها على ظنون كل ما يحكمها هو المنطق فقط إلا أننى أخاف عليها، فهل للزوج أن يضع زوجته تحت الاختبار ليتأكد من حسن سلوك زوجته أم يترك الأمر لله طالما لم يحدث ما ينبئ عن تصرف غير سليم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في المسلمين عموما السلامة من الفواحش والآثام، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بالمؤمنين وعن التجسس عليهم، وعن تتبع زلاتهم وعثراتهم، لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} . قال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. وقد ورد الوعيد الشديد لمن فعل ذلك فقد أخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. قال الألباني: حسن صحيح. ويتأكد هذا في حق الزوجة لما لها من حق على الزوج، وقد ورد النهي خصوصا عن تتبع عثرات الأهل أو تخونهم. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله طروقا، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا. متفق عليه. وفي رواية مسلم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يتلمس عثراتهم. فبين علة النهي وهي لئلا يحمله قدومه ليلا على تخون أهله وطلب عثراتهم، وبناء على ذلك فطالما لم تر من أهلك ما يريب فاحملهم على السلامة وعاملهم بالظاهر والله يتولى السرائر. وعليك بصيانة أهلك وأمرهم بالتزام الحدود الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1426(9/3002)
توبة المغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون رد المظالم من حيث لو كان بيني وبين أحد كراهية بسبب عداوتهم مثل زوجة أبى وابنتها زوجة أخي وردهم كل ما يأتيني من خير لأنني لا أرد عن نفسي وأسكت وأنا اغتبتهم أمام صديقتي بسبب ما لقيته وفي حالة غضب منهم وهذا الذي قلته فيهم هو صحيح ولكنه غيبة وأنا أريد أن أبرئ نفسي من الغيبة في حقهم لكي لا أحمل نفسي الإثم بسببهم فماذا افعل وهم لا يعلمون أنني اغتبتهم أمام أحد؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة محرمة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وسبق حكمها في فتاوى منها الفتوى رقم: 40863 والفتوى رقم: 6710
ويجب التوبة من الوقوع في الغيبة بشروط التوبة التي سبق بيانها في الفتوى رقم 29785
ومنها التحلل ممن اغتبته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْه. رواه البخاري.
وقد قيد العلماء وجوب التحلل بما إذا لم يؤد إلى مفسدة عظمى كالمهاجرة والشقاق. ورأى بعضهم أن على المرء أن يحاول أن يستسمح أخاه في الجملة بدون أن يعين له نوع الحق الذي هو له عليه.
وأن يدعو له، ويستغفر له، ويظهر ما يعلم من محاسنه في مقابل إساءته له بالغيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(9/3003)
سب الأموات.. بين النهي والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حکم من سب الأموات مسلما کان أو کافرا، هل ثبت في القرآن الکريم النهي عن ذلك، أريد التفصيل من القرآن والسنة؟ جزاکم الله الخير الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا. وفي رواية الترمذي وغيره: لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء.
وعلى هذا.. فلا يجوز سب الأموات لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الصريح عن ذلك، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فإن القرآن الكريم يتضمن هذا النهي؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:3-4} ، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} .
وقد فصل أهل العلم في النهي عن سب الأموات فقال الحافظ في الفتح: إن عموم هذا الحديث مخصوص، وأصح ما قيل في ذلك: إن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا.
والحاصل أن سب الأموات لا يجوز إلا إذا ترتبت عليه مصلحة مثل: التنفير من الكافر أو الفاسق أو الفاجر، أو بيان حال المجروحين من الرواة. والمسلم ليس بفاحش ولا بذيء، ولا ينبغي أن يصدر منه شيء من ذلك إلا إذا كانت له مصلحة شرعية راجحة، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 50785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(9/3004)
هل يباح التحايل والكذب لدرء مفسدة أكبر منهما
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سألتكم من قبل عن قضية وهي أني تعرفت على أخ كريم، ولكن ما حدث أن لهذا الأخ بنتا ناصحتها ولكن حصل الخطأ بيننا، وكان من الأب رفضه لزواجي منها فقررت أن أنهي معها وأتوب إلى الله، وأن أجدد البيع مع الله قبل فوات الأوان ولكن وجدتها تتصل بالأهل وتطلب مني أن أوثق العلاقه وأنها سوف تعمل جاهدة أن تتم هذه الحالة بالزواج ولكن أجد كل مرة نفسي تتجه وأنا قلبي ما زال متعلقا بها وأنني والله أريد العفاف وأن أتوب إلى الله فنسال منكم الدعاء لنا، وأخيرا أتحدث معها على الماسنجر ويعلم الله أنني أحاول أن لا أقول إلا قولا يرضي الله أي دون كلمات حب. وأريد أن أنهي علاقتي بالكلية وعندما أكون جاهزا للزواج أتقدم إليها وإن رفضوا أبحث عن غيرها ولكن المشكلة الآن أنني قد كتبت لها بعض الرسائل
فهل يحق لي أن أتحايل عليها حتى أحصل على تلك الرسالة التي كانت مني في الماضي، لأني أخشى أن تكون سببا في خلق مشاكل، فلربما أخطات هذه الفتاة واستخدمت هذه الأوراق ضدي
افيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أولا قبل أن تفكر في حالك مع البنت، أن تفكر في حالك مع الله تعالى، فبادر بالتوبة النصوحة الصادقة، وعليك أن تقطع كل علاقة بهذه المرأة، وأما الزواج بها فله طريق وهو أن تتقدم لوالدها، فإن رفض فلا تشغل نفسك بها، والنساء غيرها كثير، فانظر إلى امرأة صالحة تعينك على طاعة الله تعالى. وأما التحايل عليها لأخذ الرسائل فإن تم بلا محذور شرعي فلا مانع منه، أو كان بالكذب فيجوز إن ترتب على بقاء الأوراق معها مفسدة أكبر من مفسدة الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(9/3005)
غضب المنصوح من الناصح
[السُّؤَالُ]
ـ[أجيبوا على هذا السؤال من فضلكم: هناك أخ نصح أخا له باعفاء اللحية لكن الأخ قال عندي بعض الأمور الخاصة التي لا تسمح لي بإعفائها، علما بأنها أمور خطيرة ولا أستطيع أن أبوح بها، فالأخ الناصح أصر على المنصوح حتى غضب المنصوح غضبا قد يؤدي إلى هجر الناصح، فما حكم الناصح في هذه الحالة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الكلام على موضوع النصح راجع الفتوى رقم: 3198 لمعرفة حكم حلق اللحية لأسباب أمنية ثم بعد ذلك نقول لك إن التناصح بين المسلمين من آكد أمور الشرع، وهي التي يسلم بها الناس من الخسران في الدارين ويفوزون بمحبة الله تعالى، قال الله تعالى: وَالْعَصْر* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ِ {العصر:} ، وفي الحديث القدسي: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
ويتعين أن يكون ذلك برفق وحكمة مع إكثار الدعاء للمنصوح، وبيان الحكم له مع ترغيبه بما ثبت في الوحي من الترغيب، وإن غضب المنصوح وهجر الناصح ولم يكن الناصح قد تسبب بما يجرح الشعور من الألفاظ النابية الجارحة، فلا حرج على الناصح، وعليه أن يواصل دعوة المنصوح والاتصال به حتى يهديه الله، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3716، 52045، 3058، 8580، 27020، 2439، 43329.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(9/3006)
التجسس على حرمات الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التجسس في الإسلام، وما هو عقاب من يتجسس على حرمات الآخرين بحجة الخوف عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التجسس على المسلمين وتتبع عوراتهم أمر حرام حرمه الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تجسسوا ولا تحسسوا.. وعقاب من فعل ذلك هو: الفضيحة في الدنيا والخزي في الآخرة، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته.
ولا يجوز ذلك ولو كان مغلفا بالمصلحة أو الخوف ... إلا إذا كان على المجرمين واللصوص وقطاع الطرق وما أشبههم، وللمزيد من التفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15454، 16126، 57410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(9/3007)
منزلة الصبر لا تعادلها منزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الجليل وفقك الله لما فيه الخير سؤالي بسيط جدا ألا وهو إلى أي حد يصبر الإنسان على الظلم أشهد الله أني ظلمت ظلما لا يتحمله إنسان ولكني صابرة محتسبة أم عاجزة لا أدري ولكن لا أملك إلا الدموع ليلا ونهارا وأدعو الله الرحمة والتخفيف ولا أرى ضوءا في نهاية النفق المظلم ولا أدري ماذا أفعل أظل صابرة إلى ما شاء الله أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج همك ويرفع عنك الظلم.
ولتعلمي أن الله سبحانه وتعالى الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده سينتقم لك ولأمثالك من المظلومين. فقد قال الله عز وجل: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ {إبراهيم: 42} .
والذي ننصحك به بعد تقوى الله عز وجل ولزوم طاعته والبعد عن معصيته هوالاستمرار في الصبر واحتساب ذلك عند الله تعالى القائل في محكم كتابه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر: 10}
كما ننصحك بتجديد التوبة، فلعل ما أصابك بسبب ذنب اقترفته أو واجب ضيعته، ومع ذلك فلا مانع شرعا من السعي في رفع الظلم عنك بالوسائل العادية، مثل رفع مظلمتك إلى الجهات المسؤولة أو جماعة المسلمين.
والإسلام يحث المسلم على الصبر والاحتساب والعفو والصلح والإعراض عن الجاهلين.. ومع ذلك يثبت له الحق في الانتصار لنفسه والدفاع عنها والأخذ بحقوقه والمطالبة بها كاملة. فقد قال الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 40-43}
فإذا كنت ترين أن الطريق أمامك مسدود وأن النفق مظلم فالجئي إلى الله تعالى بكثرة الدعاء فإن دعوة المظلوم لا ترد، ورددي قول الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {الشرح-5-6) ولتعلمي أن دوام الحال من المحال، وستجدين الفرج عن قرب إن شاء الله تعالى. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 27841، 28728.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(9/3008)
قبول العذر من شيم الكرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق سابق سبب لي أذى كثيرا واجتنبته -والله تعالي أعلم بصدق كلامي- خشية أن يتمادي في ممارسة هذا الأذى، وبعد فترة طويلة تزيد على العام من هذا الخصام حاول الاعتذار بطرق مختلفة، لكن الأذى الذي ألحقه بي وبسمعتي بين أصدقائي كان كبيرا ويندرج تحت اسم البهتان، لكني أجد قسوة غير معهودة تجاهه وأرفض رفضا تاما معاودة الاختلاط به لعلمي عن سابق تجربة أنه سيعاود سلوكه السابق، السؤال الآن: هل هذا الهجر يدخلني تحت طائلة من لا ترفع أعمالهم للخصام، لقد دعوت الله سبحانه وتعالي أن يغفر لي وله وأن يسامحه إن كان مخطئا بالفعل في حقي عن قصد، لكنني لا أستطيع مصادقته مرة أخرى فهل علي إثم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالتعوذ، والحفاظ على أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج، وأن تسأل الله العافية في عرضك ومالك، ولا مانع من التحفظ من مخالطة هذا الرجل إن كنت لا تأمن منه العودة لسابق أخلاقه، ولكنه يتعين عليك ترك هجره، ويتحصل ترك الهجر بالسلام عليه، لما في الحديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم.
ثم إنا ننصحك بقبول العذر من صديقك إذا لاحظت صدقه، فإن قبول العذر والصفح والعفو من شيم الكرام، وقد قال الله تعالى في صفات المتقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} .
ولا مانع أن تطلب منه أن يظهر الاعتذار أمام أصدقائك، وأن يكذب نفسه فيما قال من البهتان، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53141، 25074، 55821، 23920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(9/3009)
لا حرج في الزجر والتأديب لتعلم تحمل المسؤولية والتبعات
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي له أخ متزوج وعنده أولاد ولكنه متهور بعض الشيء علما بأنه تجاوز الخمسين من عمره من تهوره أنه يورط نفسه في ديون ما لها داع ومرات عديدة ساعده زوجي ليخرج من أزمات كثيرة ويرشده بالنصيحة وبدون فائدة يعمل مشاكل تكسف ويلاقي زوجي نفسه مضطرا لأن يقف جنب أخيه والآن وجد زوجي أنه لا فائدة من إصلاحه لكن هو محتار هل يتركه يذوق عقابا غير متوقع على هذا الأخ حتى يتعلم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن هذا الأخ يؤجر على وقوفه بجانب أخيه، وعلى مده يد العون له ما دامت ديونه التي يتحمل في غير معصية، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وينبغي له أن لا يترك مساعدته والوقوف إلى جانبه ما دام في إمكانه ذلك، وأن لا يترك نصحه ووعظه عن التصرفات والمشاكل التي تعود عليه بالضرر في دنياه وأخراه. ولا بأس من تركه مرة أو مرات يتحمل تبعات تصرفاته، ويذوق عاقبة مشاكله كوسيلة من وسائل زجره وتأديبه إن رأى هذا الأخ أن ذلك مجدٍ معه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(9/3010)
نصيحة لمتزوجة تشعر بميل نحو رجل من أقاربها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وأحب زوجي كثيرا وكذلك هو يبادلني الشعور
المشكلة أنني اشعر بميول غريب تجاه أحد رجال الأقارب المتزوجين والذي يكبرني بكثير من السنوات وهو متزوج أيضا ومرتاح مع عياله
كيف أتمكن من إلغاء هذا الشعور وهل أحاسب عنه شرعا علما بأنني لا أراه ولا أحدثه فأنا ملتزمة ولله الحمد وكذلك هو
في كثير من الأحيان أرى هذا الشخص في المنام وضميري يعذبني وأنا أدعو الله أن يصرف عني هذا الشعور لكن دون فائدة
افيدوني بارك الله فيكم
أرجو نشر الإجابة في الموقع دون ذكر اسمي وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز للإنسان عما حدثته به نفسه ما لم يعمل به أو يتكلم.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا أو يعملوا به " ومعناه في البخاري وغيره.
فما تجدينه في نفسك من ميل نحو هذا الرجل لا تؤاخذين عليه لكن عليك أن لا تسترسلي فيه، ولا تعملي بمقتضاه، وكذلك الحال بالنسبة لرؤيتك له في المنام لا تؤاخذين عليها
أما كيف تتغلبين على هذا الشعور فنوصيك بما يلي
1- تلاوة القرآن
2- شغل وقت الفراغ
3- الاستعاذه من الشيطان عند طروء هذا الخاطر
4- توثيق الصلة العاطفية مع الزوج
5- كتم سر هذا الشعور عن كل الناس وخاصة الزوج
سائلين الله أن يصرف عنك وساوس الشيطان ونزغاته
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(9/3011)
حكم من شتم شخصا بينه وبين نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأثم الرجل إذا شتم شخصا بينه وبين نفسه دون أن يصل هذا الشتم إلى الشخص المشتوم أو إلى أي شخص آخر، علما بأن هذا الشتم يتكرر بسبب موقف حصل بينهما أدى إلى بغض الشاتم للمشتوم، وهذا الموقف بسبب أمر من أمور الدنيا لا الدين؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شتم الشخص لشخص آخر بما لم يتكلم به له، أو يتكلم به أمام الناس نرجو أنه لا إثم فيه؛ لدخوله في عموم ما توسوس به النفوس من غير أن ينطق به، وقد ثبت أن هذا مما يعفو الله عنه، لحديث البخاري: إ ن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم.
ثم إن على المسلم أن يجاهد نفسه ويحملها على الصفح والحلم والصبر، ولا سيما في أمور الدنيا، فإن الله وعد بالجنة الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فعليه أن يجاهد نفسه في هذا حتى لا يكون في قلبه شيء على المسلمين، وحتى لا يزداد الأمر فيصل إلى درجة الغل، وأن يكثر من الدعاء (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(9/3012)
لا حرج في تشبيك الأصابع خارج الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تكتيف الأيدي (وضع اليد على اليد على الصدر) من الشيطان، وأيضاً تشبيك الأصابع، طبعاً خارج الصلاة والمسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة، كما بيناه في الفتوى رقم: 4749.
وأما التشبيك بين الأصابع أثناء الصلاة وقبلها وبعدها فمنهي عنه، وقد بينا حكمه في الفتوى رقم: 7080.
وأما وضع إحدى اليدين على الأخرى على الصدر أو التشبيك بين الأصابع خارج الصلاة فالأصل فيه الإباحة، ولم نقف على نهي شرعي عنه، أو أن ذلك من الشيطان أو من التشبه به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(9/3013)
الاقتداء بأهل الخير لا يدخل في باب الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يا شيخ، هل إذا عملت عملا بمجرد أني رأيت شخصا يفعله يعتبر ذلك العمل غير مخلص لله
مثال إذا رأيت شخص يتصدق قمت فتصدقت وإذا رأيت شخصا ذهب للعمرة ذهبت للعمرة، وكيف السبيل لأبتعد عن الرياء، وكيف أجعل عملي خالصا لله وحده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاقتداء بأهل الخير والصلاح وبفاعل الخير من الأمور المحببة شرعاً وليس من الرياء، بل استحب أهل العلم إظهار الأعمال الصالحة لمن أمن على نفسه الرياء ليقتدي به من يراه، قال الله تعالى: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ {البقرة:271} ، وروى مسلم عن جرير قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر النهار قال فجاء قوم حفاة عراة، مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا. والآية التي في الحشر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
قال الإمام النووي: فيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات. وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله: فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس، وكان الفضل العظيم للباديء بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان. انتهى.
وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الل هـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى ... ثم أتى النساء وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة. ومن أوضح الأدلة على أن الاقتداء بأهل الخير لا رياء فيه بل مستحب حديث أبي كبشة الأنماري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله فينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل ما لهذا عملت فيه مثل الذي يعمل، فهما في الأجر سواء. الحديث. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
والخلاصة أن الإقدام على الأعمال الصالحة لله عز وجل أسوة بمن قام بها ليس فيه رياء، ولا يقدح في الإخلاص، ولمعرفة الرياء وطرق التخلص منه راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10992، 8523، 54008.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1426(9/3014)
مسائل حول الهجر والإصلاح بين المتخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) هل ينطبق هذا الحديث على زميل وزميلته في العمل -أي من الجنس الآخر- فهل يجب عليهما إلقاء التحية على سبيل المثال أم لا، هل وجود شقاق بين أخوين داخل مجلس للعلم يضعف من ثواب المجلس سواء بالنسبة لهما أو غيرهما من الحاضرين، ما حكم من يتهاون في الإصلاح بين الأخوين وهو على علم بخلافهما، وهل هو فرض على كل مسلم يوجب عقاب من يتركه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السلام على الناس مرغب فيه وليس واجباً وقد نص أهل العلم على مشروعية السلام على الأجنبية التي لا تخشى بها الفتنة، وقد بوب عليه النووي في رياض الصالحين، فقال: باب سلام الرجل على أجنبيه أو أجنبيات لا يخاف بهن الفتنة.
ثم إن الهجر المنهي عنه في الحديث إنما هو الهجر الذي عزم صاحبه عليه من باب القطيعة، وأما عدم السلام على الشخص لعدم الالتقاء به، أو عدم سلام الرجل على المرأة لخوف الافتتان بها فإنه ليس من الهجر المحرم.
وأما الشقاق بين اثنين في مجلس العلم فلا نعلم تأثيرا له على ثواب أهل المجلس، إلا فيما يتعلق بالمتخاصمين فإنه ثبت في الحديث أنه تؤخر المغفرة عنهما حتى يصطلحا، فقد ثبت أن مجالس الذكر من أسباب غفران الذنوب، كما سبق في الفتوى رقم: 53787، والفتوى رقم: 46323.
وأما الإصلاح بين الناس فهو مرغب فيه شرعاً، لقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10} ، ولقوله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} .
وظاهر كلام أهل العلم أنه واجب على من يستطيع التأثير على المتنازعين في أمر يسبب قتالاً أو قطيعة رحم، ولكنه ليس فرضا على كل أحد، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22278، 24983، 7119، 47069، 6158، 25074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(9/3015)
جواز الإيثار بالقرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى لا إيثار في القرب أو كما قال الجويني (لا يجوز التبرع في العبادات، ويجوز التبرع في غيرها) ، وهل هذا الحكم على إطلاقه؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإيثار بالقرب معناه أن يقدم المسلم أخاه في أمر من الأمور الدينية التي تقرب إلى الله تعالى، وهذا القول (لا إيثار في القرب) ، ذكره بعض أهل العلم في القواعد الفقهية، واستدلوا له بما في الصحيحين وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله (وضعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
قال النووي في شرح مسلم: وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب، وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوط النفس دون الطاعات، قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الإيثار بالقرب، وهذا هو الصواب إن شاء الله، وقد عد ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد ذلك غاية الكرم والسخاء والإيثار، فقال رحمه الله تعالى: وقول من قال من الفقهاء لا يجوز الإيثار بالقرب لا يصح.. وذكر من الأدلة على ذلك عدة آثار عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم منها: أن أبا بكر ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك، وهذا يدل على أن الرجل يجوز له أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة ... وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه ... وقد آثرت عائشة عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي، وسألها عمر ذلك فلم تكره له السؤال ولا لها البذل ...
وعلى هذا؛ فلا كراهة في الإيثار بالقرب، ولو كان فيه كراهة لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ . وقد ختم ابن القيم بحثه الطويل في هذا الموضوع بقوله: وهل إهداء القرب المجمع عليها والمتنازع فيها إلى الميت إلا إيثارا بثوابها، وهو عين الإيثار بالقرب.... وبإمكانك أن تطلع على البحث بكامله في الجزء الثالث من الزاد ص 221 وما بعدها لأن المقام لا يتسع لأكثر من هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/3016)
المستشار إذا خان
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأشخاص إذا استُشير عن عقار ما رأيك هل أبيع بهذا السعر يقول لا أجيب لك سعرا أفضل في هذا وقصده يبطل هذه البيعة لأنه ليس له مصلحة بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله هذا الشخص خيانة للأمانة وغش، فقد قال صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن. رواه الترمذي.
قال الطيبي: معناه: أنه أمين فيما يسأل من الأمور فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه. رواه البيهقي والترمذي.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غش فليس منا.
كما أن هذا الفعل أيضاً كذب محرم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
فعليه أن يتوب إلى الله من ذلك، ومن تاب تاب الله عليه، ومن أصر على المعصية فلن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً، وراجع الفتوى رقم: 59273.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1426(9/3017)
التثبت وعدم المبادرة بالتهمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة قامت بممارسة الحب \" تقبيل وحضن\" مع شقيق زوجها الذي يقضي حكما في السجن الإسرائيلي
وقالت إنه لم يحصل بينهما أي شيء آخر سوى هذا الشيء وأخبرت زوجها بالأمر الذي أخذ يهدد ويتوعد شقيقه من داخل المعتقل وقد قام الشقيق الذي اتهمته زوجة أخيه بالتحرش بها بحلف اليمين واضعا يده على المصحف بأن شيئا من ذلك لم يحصل، زوجها يبرر موقفها بأنها جاهلة ولا دراية لها بالأمور، مع أنه في ذات مرة وجدها جالسة مع شاب غريب تتحدث معه في مكان عام وتضحك وتمزح، يطلب زوجها توجيه سؤال إلى العلماء الأفاضل ما عقاب عمل كهذا، ولو تبين في وقت لاحق أنهم تعمقوا في العلاقة بينهم \"اغتلاء مثل الزوج والزوجة\" ما العمل، ويقول بأنه في فترات كثيرة \" الزوج \" لم يكن يختلي بزوجته لأنه مطلوب لدى قوات الاحتلال، بالله عليكم أغيثوا هذه العائلة وأجيبوا على أسئلتي بأسرع وقت ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قامت به المرأة حرام يجب عليها أن تتوب منه فوراً، وأما موقف الأخ المعتقل من أخيه فهو التثبت وعدم المبادرة بالتهمة، لأن هذا الاتهام لا يثبت بمجرد خبر زوجته، والواجب على شقيق المسجون أن يتوب إلى الله تعالى مما وقع فيه إن صح ما قالته الزوجة، وكان المفترض عليه أن يرعى حرمة أخيه ويقوم بحقه، ولكن هكذا الأمر عندما تنتشر الفتن، ويقل الدين والخوف من الله تعالى في قلوب الناس.
ونوصي الأخ المسجون بالصبر والتثبت وتذكير زوجته وأخيه بالله تعالى، فإن تحقق في المستقبل أنهما قد وقعا في الفاحشة فالستر عليهما أفضل، وأما إقامة الحدود فمرد ذلك إلى ولي المسلمين أو جماعتهم القائمة مقامه عند عدم وجوده أعني (الولي) ، وليس ذلك من صلاحيات الأفراد؛ لأن في منحهم هذا الحق فساداً عظيماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(9/3018)
كيفية التحلل ممن أفسد عليه موقعه الإلكتروني
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى من فضيلتكم الإجابة على سؤالي مع التحفظ على معلوماتي.
قمت قبل 5 سنين عندما كان عمري 13 عاماً بتخريب موقع لشخص معي في المدرسة وهو يكبرني بسنتين ولا أعرفه شخصياً ولكنه يعرف أخي وهو لم يسبب لي أي شيء وقمت بهذا التصرف القذر جهالة وعدم تقدير للنتائج وتوعد بمن خرب موقعه الإلكتروني ولكنه لم يستطيع معرفة أني أنا الفاعل أريد أن أحلل نفسي من المشكلة ولا أعرف كيف.. فكرت بإخباره ولكني أتوقع أن ذلك سيزيد المشكلة خصوصاً أنه قام بجهد كبير لإنشاء الموقع بكل معنى ظلمت الرجل وأتمنى من سماحتكم بيان ما يجب علي فعله شرعا..
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحقوق المادية لابد من ردها لأصحابها أو استحلالهم منها، لقول النبي صلى الله عيه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. خرجه البخاري.
وعليه، فإذا كان الموقع المذكور خالياً من أن يكون مشتملاً على ما هو محرم أو معين على الحرام، فإنه يلزمك أحد أمرين:
إما أن تطلب السماح من هذا الشخص ولو بصفة غير مباشرة كأن ترسل له رسالة من غير أن تذكر اسمك وتشرح له فيها أنك نادم وتائب، أو توسط له من يطلب منه ذلك من غير أن يذكر اسمك، أو أن تعيد له الموقع كما كان ثم تسلمه له جاهزاً ولو بصفة غير مباشرة والذكي لا يعدم حيلة.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعينك على التحلل من هذه المظلمة، وأن يغفر لنا ولك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(9/3019)
إصلاح ما أفسده الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[كذبت يوما من الأيام فتسببت هذة الكذبة في حدوث مشكلة كبيرة إلا أنه لم تنكشف بعد وأريد التوبة منها وذلك لأني أشعر أن الله لا يقبل مني عملاً بسبب هذا الذنب فهل أذهب لأبلغ أصحاب المشكلة بالحقيقة؟ مع العلم أن هذا الموقف مر عليه حوالي خمس سنوات وما يحزنني أنه يضرب بي المثل بالصدق حتى الآن ولا يعلم إلا الله أني كاذبة وللأسف الكبير أن الأخت التي ظلمتها هي التي بادرت بالاعتذار لي.
فأجيبوني جزاكم الله عني كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب من أقبح الذنوب وأشنعها، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ... وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم.
وروى ابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قيل: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قيل: هل يكذب؟ قال: لا، ثم أتبعها نبي الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون. ويعظم إثم الكذب بحسب ما يترتب عليه.
وعلى ذلك، فإن الواجب عليك هو المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وتلافي ما استطعت بالإصلاح وبذل الجهد لحل ما ترتب على تلك الكذبة من المشاكل، وإذا كان يترتب على الإخبار بها مفسدة أعظم، فإن عليك أن تستري نفسك ولا تخبري أحداً إلا إذا كان الإخبار يصلح ما فسد، ولا تترتب عليه مفسدة أعظم، وعليك أن تبذلي كل جهد ممكن لإصلاح ما فسد، وتطلبي السماح من كل من تضرر ولو بوجه عام.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(9/3020)
كيفية التخلص من شدة الغضب وإدمان التدخين
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله أنا إنسان مسلم ويقولون عني إنني متدين أحفظ من القرآن الكريم اثني عشر جزء وما زلت أحفظ وأتمنى من الله أن ينعم علي بحفظه والعمل به قبل لقائه، الذي يؤرقني ويقلقني شيئان أرجو من الله العلي القدير أن يتوب علي منهما وهما العصبية الزائدة أي أنني سريع الغضب والانفعال ولكنني سريع الرجوع والندم أما الشيء الثاني هو أنني أدخن الشيشة وكلما حاولت الإقلاع أرجع مرة أخرى فهل هناك وسيلة ناجعة للإقلاع عن هاتين المعصيتين وهل التدخين حرام أو مكروه وهل إذا مات المسلم ولم يستطع الإقلاع عن التدخين يدخل النار بالرغم من إتيانه الأعمال الصالحة الأخرى كما أن هناك شيئا آخر يقلقني وهو اننى كلما أردت أن أتفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ليزداد إيماني أجد الشيطان اللعين يورد لي أفكارا ووساوس وشكوكا ونظريات فأتوقف عن التفكير فماذا أفعل يرحمكمالله؟ علما بأننى في الثامنة والأربعين وحاصل على دراسات عليا وأحتل مركزا مرموقا بفضل الله وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 15906، 24820، 49827، 1819، 1671، 52270، 17652، 2081، 12400، 52725، 35757.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(9/3021)
ادعاء السمسار كذبا أن معه أعوانا آخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[يدّعي أحد الأشخاص – سمسار عقار – أو ما يسمى بالوسيط) أن معه أشخاصا آخرين ليأخذ حصته وحصة من يدّعي أنهم معه في السعي، وهو في حقيقة الأمر شخص واحد) وهذا يعود على حصص من معه من السعاة بالنقصان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ما يفعله هذا الشخص حرام، لأنه قد اشتمل على محذورين: الأول:
الكذب، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ {التوبة: 119} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا متفق عليه.
والثاني: آكل أموال الناس بالباطل بواسطة الكذب، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء: 29} . وقال صلى الله عليه وسلم: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن قضيبا من أراك. أخرجه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(9/3022)
دلالة من فعل أو أكل شيئا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعثت سؤالا حول إن كانت توجد سنه ثابتة عن النبي في أكل البلح والموز والبطيخ وكانت الإجابة على الرابط التالي
http://www.islamweb.net/ver2/istisharat/ShowFatwa.php?Id=260614&Option=QuestionId&lang=A
ولكن لم تعطني إجابة بنعم أم لا لأن أحد الناس قال لي إن هذه السنة صحيحة وأريد أن أتبين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى المشار إليها هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب، فكان صلى الله عليه وسلم يأكل من الحلال الطيب، لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا، وإذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكل الأشياء المذكورة أو غيرها فإن ذلك لا يعتبر سنة يطالب المسلم باتباعه فيها، لأن ذلك من أفعال الجبلة كالقيام والقعود، كما هو مقرر في أصول الفقه. قال العلامة سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي:
وفعله المذكور في الجبله * كالأكل والشرب فليس مله
أي ليس شريعة وسنة نتأسى به فيها، بل هو للإباحة، ولو فعله المسلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله فإن ذلك دليل على محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات عند الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1426(9/3023)
إحسان الظن بالأئمة خلق إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أحد العامة يؤم بالمسجد وبعد نهاية الصلاة قام أحد المساكين وطلب المساعدة من الناس وأخذ يشرح قصته الصعبة وفي نصف كلامه قاطعه الإمام بقوله استعجل وأنه كلامه أو بما معناه،
من كان يجلس بجانب يصلي أنكر هذا الموقف فقلت لمن في جانبي (فأما السائل فلا تنهر) وهذه ثاني مرة يقوم الإمام بهذا الفعل (هذا الكلام الذي قلته لمن بجانبي) فهل هذه تعتبر غيبة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إيراد آية من القرآن في حكم ما لا يعتبر من الغيبة، ومثلها الإخبار عن الإمام بما فعله أمام الناس، لأنه ليس مما يكره ذكره به إن كان يرى مشروعيته، وعلى المسلم أن يحسن الظن بالأئمة وأن لا يسيء بهم فيتهمهم أو ينقصهم فيما عملوه، فإن أشكل عليه أمر استفسرهم عنه بأدب ليبينوا له الحق فيه أو يبينه هو لهم بالحكمة إن كان عنده علم، وراجع في تعريف الغيبة الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(9/3024)
هجر الفاسق والاستعلاء عليه يدور حكمه مع المصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هل يجوز التواضع مع الفاسق بدعوى أنه أخي في الإسلام؟ مع العلم أني إذا تواضعت معه ربما يسخر مني على قول المثل: وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا. أرجو الإجابة لأني أواجه الكثير من قليلي الإيمان في العمل وغيره.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أخلاق الإسلام الفاضلة التواضع للمسلمين والتراحم والتآلف والتعاون فيما بينهم، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد.
هذا من حيث العموم.
أما الفاسق أو العاصي والمبتدع، فينبغي نصحه وتوجيهه ومعاملته بالتي هي أحسن لعل الله تعالى يهدي قلبه ويصلح أمره على يدك، فتنال بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى.
وإذا لم يرجع عن غيه وينزجر عن معصيته، فالأفضل الإعراض عنه وهجره إذا كان في ذلك مصلحة، فقد قال أهل العلم: هجران الفاسق والعاصي خاضع للمصلحة ودائر معها وجوداً وعدماً.
وعلى ذلك، فإن كانت المصلحة في هجر الفاسق والاستعلاء عليه فإنه يهجر، وإن كانت في التواضع معه والمواصلة له فإن ذلك هو الأفضل؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما كما قال أهل العلم.
ونرجو أن تطلع على الفتاوى التالية: 19998، 2284، 21242، 48344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1426(9/3025)
وسائل دفع داء الكبر عن القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[إني كنت بعيدة عن قرب لله سنين عديدة والآن هداني الله والحمدلله وأسأل الله الثبات ولكن دائما في شك دائم هل قبل الله توبتي، كذلك وفي أحيان كثيرة أجد في قلبي نوعا من الكبرياء الاعتزاز بالنفس لست ناسية فضل الله ولكن رغم ذلك أحس أني متكبرة وأستغفر الله كثيرا.. السؤال: كيف أستطيع أن أتخلص من التكبر والاعتزاز بالنفس، أنا أعلم أن التكبر ذنب عظيم وأن العزيز من كان ذليلا لله سبحانه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد الله الذي من عليك بنعمة التوبة قبل أن يفجأك الموت حيث لا ينفع الندم. واعلمي أن هناك شرطاً للتوبة النصوح متى استوفاها الإنسان فإن الله يقبل توبته، بل ويبدل سيئاته حسنات، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} . وقال أيضاً: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104} . وانظري شروط التوبة النصوح في الفتويين: 9694، 29785. واحذري من كيد الشيطان ولا تستجيبي لتقنيطه لك من رحمة الله، وانظري الفتوى رقم: 17160.
هذا وإن ما تشعرين به من الكبرياء والاعتزاز بالنفس أمر غريب على من تجرأ على الله وعصاه ثم وفقه الله للتوبة، فإن الأصل فيمن هذه حاله أن يكون منكسر القلب منكس الرأس خاشع الطرف لله عز وجل، وهي أحوال تجعل العبد قريباً من الله مستوجباً لنظره ورحمته، وقد قيل: رب ذنب ظل بصاحبه حتى يدخله الجنة. وذلك بتذكر الذنب دائما والندم عليه.
وهناك أسباب لدفع داء الكبر عن القلب، منها: أن هذا الداء مهلك لصاحبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. رواه مسلم. ومنها: تذكر عظمة الله تعالى وأن الكبرياء من صفاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار. رواه مسلم. وفي المقابل تذكر ضعف الإنسان وفقره وحاجة وقلة حيلته، فعلام يتكبر؟!! ومن أسباب علاج الكبر أيضاً: صحبة الصالحات المتواضعات المتمسكنات، فإن صحبتهن تغري بمشاكلتهن، والطباع سراقة وكما قيل: الصاحب ساحب. وعليك كذلك بقراءة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن فيها من العبر الشيء الكثير، وتأملي حاله في انتصاره على أعدائه، وتعامله مع أصحابه حين يخطئون ونحو ذلك. وكذلك أكثري من زيارة المرضى ورؤية أهل البلاء، فإنها تكسر القلب وتكسب التواضع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/3026)
سب الزوجة والد زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[العلاقة بين والدي وزوجتى غير طيبة رغم أني أعيش أنا وزوجتى بعيدا عنهما. ففى كل الأحوال أكون حريصا على بر والدي وأنصح زوجتي ولكن للأسف تعتبر زوجتي بري بوالدي إهدارا لحقها فيدفعها في بعض الأحيان إلى الإساءة بالألفاظ عن والدي رغم المشادة معها ونصحها المتكرر بحق الوالدين العظيم ولكن لا تكف. فماذا أفعل؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك البر بوالدك والإحسان إليه، ويحرم عليك طاعة زوجتك في أمر فيه نيل من والدك لأن ذلك يعتبر عقوقا، وهو من أكبر الكبائر، لما في البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين.
وعلى زوجتك أن تتقي الله تعالى، وأن تكف عن شتم أبيك لأن ذلك ممنوع من المسلم لأخيه المسلم فكيف إذا كان هذا لوالد الزوج الذي بلا ريب يسوؤه شتم والده، وفي الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. رواه مسلم.
وحاول بذل الجهد في نصح هذه الزوجة بالتخلي عن هذا الخلق المشين وأن تطمئنها أنه لا تعارض بين قيامك بحقها والقيام ببر والدك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/3027)
الغضب.. خطورته.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عصبي المزاج جدا. لا أتحمل أية كلمة من أي فرد سواء في محيط العمل أو الأسرة وهذا المزاج لا أجد له أي تفسير محدد على الرغم من أنني مواظب على الصلاة، وهذه المشكلة مسببة لي أرقا شديدا وتجعل كل من حولي يتجنبوني ولا يودون التعامل معي على الرغم من تعاملهم معي قبل ذلك يقولون إنني بالبلدي جدع جدا ولكن عصبيتي هذه عيبي الوحيد. أفتوني في أمري أثابكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن غريزة الغضب من أخطر الغرائز التي جبل عليها الإنسان، ولهذا حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم نظرا لما يترتب عليها من آثار سيئة ومخالفات شرعية، وبين طرق علاجها في أحاديث كثيرة. فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلب منه الوصية بقوله: لا تغضب. فردد الرجل مرارا يطلب الوصية أو الزيادة على ما ذكر، وفي كل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. الحديث رواه البخاري.
ومن أسباب علاج الغضب تجنب أسبابه فكل ما يعلم المسلم أنه يثير غضبه فعليه أن يتجنبه، ومن أسباب علاجه: الاستعاذة بالله تعالى من نزغات الشيطان عند الإحساس به، ومنها: التصبر والتحمل ومجاهدة النفس على عدمه وكظمه بعد الوقوع فيه، ومما يعين على ذلك: استحضار ما أعد الله تعالى من الأجر والثواب للصابرين وللكاظمين غيظهم وللعافين عن الناس، ومن علاجه أيضا: تغيير حالة الشخص إذا حدث له غضب فإن كان قائما جلس، ومنها: الوضوء وذكر الله تعالى. فإذا اتخذت هذه الأسباب والإرشادات النبوية فإن الله تعالى سيذهب عنك ما تجد إن شاء الله تعالى.
وعليك بتقوى الله تعالى والمحافظة على فرائضه والبعد عن نواهيه والإكثار من دعائه والمحافظة على الأذكار المأثورة فبذلك ينشرح صدرك ويطمئن قلبك. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/3028)
في التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مع أنه كثير التصدق ويعرف شرع الله إلا أنه كثير الإسراف فلا يشتري شيئا إلا إذا كان ثمنه أغلى من السوق مع أننا نصحناه بوجود أسعار أقل لكنه لا يقنع بجودة الشيء إلا من غلاء سعره فهل يجوز لي أن أكذب عليه بأن أقول له إنني اشتريته بمبلغ عال في مقابل أن أحافظ على الفرق لأرده له في المستقبل بدلاً من الأسلوب الحالي في التبذير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم لحديث الصحيحين: وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ...
وإذا احتاج الإنسان لعدم الإخبار بالحق في مسألة فيمكنه أن يستغني عن الكذب باستعمال التورية والمعاريض، فقد قال عمر رضي الله عنه: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
فيمكنك عند الحديث معه عن السلعة أن تقول: هذه تباع بكذا، تقصد سعرها عند من يبيعها بسعر مرتفع.
وعليك أن ترد لأبيك الفارق بين السعر الحقيقي والسعر الذي أوهمته أنك اشتريت به، فرده إليه ولو بالاحتيال كأنه هدية أو غير ذلك، وراجع في الكلام عن الإسراف الفتاوى التالية أرقامها: 12649، 38482، 51751.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1426(9/3029)
كم من بريء اتهم إفكا
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تعيروا سؤالي هذا اهتماما خاصا: أنا شاب مسلم أصبت بمصيبة كبيرة جدا، حيث شوهت سمعتي بتهمة شرف أرقت حياتي ودمرتها، بدأت المشكلة منذ كان عمري 19 عاما حينها ارتكبت غلطة فادحة هي أنني كنت أعرف الأشخاص الذين بدؤوا هذه المشكلة لكنني تجاهلت أمرهم ظنا مني أن الأمر لن يكون بهذه الخطورة والأن أنا عمري 23 سنة، حيث ازددت انطواء وعزلة لدرجة أنني لا أحب أن أخرج من المنزل إلا إلي الشغل أو لضرورة، مما زاد الشبهة حولي، سؤالي هو: هل هذا عقاب من الله عز وجل، وهل انتقامي من أولئك الأشخاص بالمثل (بالتشويه) أو بالقتل مباح لي شرعا، دفاعا عن شرفي، وهل لديكم حل لهذه المشكلة لتعينونني به، من فظلكم اسدوا لي النصح وأرجو الإجابة بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تعلم أنك لم تفعل شيئاً مما ذكروا ولم تلم بمعصية أو ما يزري بالمروءة أو يخدش الأخلاق.... فلتحمد الله تعالى على ذلك ولتسأله المزيد من إنعامه والعون على شكره، فكم من إنسان نظيف شوهت سمعته ولفقت عليه التهم وهو بريء، فلتصبر ولتحتسب أجرك عند الله تعالى، يقول الله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
ولك في مطالعة محن السلف الصالح ما يخفف ما نزل بك، فهذه أم المؤمنين الطاهرة والصديقة بنت الصديق أشيع عنها ما أشيع من التهم والأكاذيب الآثمة مما فنده القرآن الكريم، فإذا اتقيت الله تعالى وصبرت فسيجعل لك مخرجا ويكتب لك أجراً، كما قال تعالى: إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90} .
أما إذا كانت الأخرى -لا قدر الله- وكنت قد أصبت شيئاً مما ذكروا فالواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وكل ابن آدم خطأء وخير الخطائين التوابون، كما أن الواجب عليهم هم الستر والنصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة.... رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ... ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم.
وما داموا لم يفعلوا شيئاً مما يأمرهم به الدين القويم وتمليه الأخلاق الفاضلة فإنهم يتحملون وزرهم، ولهذا فإننا ننصحك بعدم الاكتراث والتفكير فيما مضى، واشغل نفسك بما ينفعك في دينك وفي دنياك حتى لا يوسوس لك الشيطان بالانتقام وفعل الشر.... فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يجوزلك الانتقام بنفسك، وإذا كنت مصراً على الأخذ بحقك والشكوى ممن ظلمك، فليكن ذلك إلى الجهات المختصة من المحاكم وغيرها، وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتوى رقم: 41222، والفتوى رقم: 29211.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(9/3030)
لا ينبغي التعجل في الحكم على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت متزوجة من شخص وبينهما خلافات وعندما لم يستطيعا حلها طلبت أختي منه عرض الموضوع على أحد الأقارب فاختار قريبا له معروفا بالتدين، وعندما عرضا الموضوع عليه لم يتكلم إلا بخصوص حقوق الزوج على زوجته وذكر الآيات والأحاديث المؤيدة لذلك ولم يتطرق لحقوق الزوجة على زوجها وهدي النبي عليه السلام في المعاملة الحسنة للزوجة، وقد تبين فيما بعد بأن هذا الشخص على علاقة تجارية مع زوج أختي، وأنه إذا أنصف أختي سوف تتضرر مصالحه التجارية، فهل تنطبق عليه الآية (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما هي تفاصيل الأمور التي حدثت بين الزوجين، وما هو القدر الذي عرض على هذا الشخص المتدين كما تقول حتى يتمكن من الحكم، ثم ننبه إلى أن بعض المتدينين قد لا يكون عندهم علم بالأحكام الفقهية، ولذا فينبغي الرجوع إلى عالم فقيه. وأما كون الآية تنطبق عليه أو لا فهذا يرجع إلى نوع المسألة التي كتمها وإلى كيفية طرح السؤال، فإن المجيب قد يجيب عن بعض التفاصيل ويغفل البعض لرأي أو حكمة. ولذا، فلا ينبغي التعجل بالحكم على الناس، وعليه هو أن يتقي الله تعالى ويبين الحق الذي يوافق الكتاب والسنة وفق الفهم الصحيح الذي مضى عليه أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(9/3031)
التورية مخرج شرعي لتفادي الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد قلت لشخص (أ) بأنني سأخرج مع شخص آخر وقال لي أن أسلّم عليه خرج معنا شخص ثان وقلت للاثنين فلان يسلّم عليكم مع أنّه بعث بسلامه فقط للشخص الأول وذلك لاستحيائي من الشخص الثاني، فهل هذا يعتبر من الكذب المباح؟ مع العلم أنّ الشخص (أ) كان سيبعث بسلامه للاثنين لو علم بخروج الشخص الثاني معنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم شرعاً لما في الحديث: وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. رواه مسلم.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أنه كان من الممكن تفادي الموضوع بأن تقول فلان يسلم عليكم، وأنت تخاطب الشخص المبعوث له السلام معظماً له، أو أن تقصد التورية فتنوي أنه يسلم عليه في سلامه على عباد الله الصالحين الذي يقوله في التشهد أثناء الصلاة.
فقد نص أهل العلم على جواز قول من يسعى في الصلح بين اثنين أن يقول لأحدهما: فلان يدعو لك ويسلم عليك، وهو يقصد دعاءه العام للمسلمين وسلامه عليهم في تشهد الصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(9/3032)
شغل الوقت بالنافع يزيل الشعور بالوحشة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أعمل في السعودية وأشعر بشعور الوحشة والغربة فأرجو إرسال ما يشد من أزري في الغربة وخاصة أني أشتاق إلى أمي خاصة وإخوتي.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاشتغال بالقرآن والسنة والمطالعة لكتب السيرة وأخبار السلف، وحاول أن تبرمج حفظ القرآن فإن أكملته أو كنت حافظا له فبرمج برنامجا لحفظ بعض كتب السنة، وحافظ على الصلاة في الجماعة، وابحث عن صحبة صالحة تعينك على الخير وتجرك إليه، واحرص على مناجاة الله في قيام الليل وعلى صوم النفل والمواظبة على الأذكار المقيدة والمطلقة.
وإذا تيسرت لك فرصة القيام بعمرة أو حجة فبادر إليها، وأكثر دعاء الله تعالى فهو مفرج الكروب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(9/3033)
السبيل إلى التحلي بصفة الكرم والجود
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
عن ابن المنكدر قال: سمعت جابرا رضي الله عنه يقول: ما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال: لا. متفق عليه، السؤال هنا: كيف السبيل للوصول إلى هذه الصفة؟ وجزاكم الله خير الجزاء، ونفع الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث يعني أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يطلب منه شيء من متاع الدنيا فينطق بالرفض بل إن كان عنده أعطاه، إن كان الإعطاء سائغا وإلا رد رداً ميسوراً، كما أمره الله تعالى، حيث يقول: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا {الإسراء:28} .
وأما السبيل للوصول لصفة الكرم والجود فإن من أعظم وسائلها كثرة النظر في الآيات والأحاديث المرغبة في الإنفاق والمرهبة من البخل، وقد جمع النووي في رياض الصالحين، والمنذري في الترغيب، والدمياطي في المتجر الرابح كثيراً منها فليراجع، إضافة إلى مطالعة أخبار الأجواد والبخلاء، وقد جمع الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف، والجاحظ في البخلاء، وابن عبد ربه في العقد الفريد، والغزالي في الإحياء كثيراً من ذلك، فليراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(9/3034)
ثواب من رد عن عرض أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أنه كانت لي صديقة كانت تفتري على أختين كانتا تدرسان معنا بالجامعة وهما على قدر كبير من الاحترام والانضباط كما كنت آراهم أنا وأختي والجميع، صديقتي تفتري عليهم بأبشع الصور وتريد أن تأخذ عليهم أي مأخذ لتنشره للناس، مع العلم بأنها مستفيدة من علاقتها معهم وتدعي بأنها صديقتهم الوفية وهم يحسبونها طيبة، بدأت هذه الفتاة بالطعن بشرف الأختين، سؤالي هو: هل يجوز لي تحذيرهم وإخبارهم بالحقيقة لأننا كنا ننوي خطبة واحدة منهم لأخي، وقد كنت قد أخبرت أهلي بجزء مما تقوله صديقتي (قبل أن نفكر بخطبتها) ، فأهلي مترددون بشأن خطبتها لأخي، أنا فقط أقيس الموضوع فأجد أن الأختين ستظلمان إن بقيت هذه الفتاة على حالها وهي تتربص بهم وتحلل تصرفاتهم على هواها؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تحاولي منع صديقتك من الافتراء على هاتين الأختين وترك الطعن في شرفهما، وتردي عنهما بما تعلمين من أخلاقهما الطيبة، ففي الحديث: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
وفي الحديث: ما من امرى يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وعليك أن تنصحي الأختين بالحذر منها، والحفاظ على التعوذ والأذكار المأثورة، وسؤال الله العافية، وراجعي الفتوى رقم: 55547 في بيان كون تحذير المظلوم من الظالم لا يدخل في الغيبة ولا النميمة.
وأما نشرك لافتراءات صديقتك وإخبارك أهلك بها فإنه لا يجوز لما فيه من نشرك لافتراءاتها ومشاركتها في انتهاك عرض الأختين، فعليك أن تتوبي إلى الله من ذلك. وأما نية أهلك خطبة إحداهما للأخ فإن كانت مرضية في الدين والخلق فعليكم أن تستخيروا الله في الموضوع، ولا تمنعكم أقاويل المفترية من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1425(9/3035)
التظلم والتبليغ عن الغش والخيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن موظفون عرب في شركة ويوجد موظف هندي معنا في الشركة وهو للأسف مسلم، ومديرعام الشركة من دولة أوربية يقوم هذا الشخص الهندي بخلق مشاكل لنا ليس لها وجود وبشكل متكرر حيث يوصل معلومات ونميمة لهذا المدير العام مما يجعل المدير العام يوبخنا بشكل متكرر علما بأن هذا الهندي مقرب جدا للمدير العام ويثق فية ويصدقه ولقد حاولنا أكثر من مرة توضيح أمرنا للمدير العام ألا أنه يرفض لأن ثقته بالهندي كبيرة وفي الحقيقة نحن في مأزق ويبدو أن الهندي يريد مضايقتنا حتى نترك العمل ويحضر من بني جنسه وحاولنا أن ننصح هذا الشخص بأن يترك هذه العادة الذميمة خاصة وهو مسلم لكن دون جدوى بل يخلق لنا مشاكل ويمر اليوم ونحن في قلق شديد من مشكلة كبيرة في انتظارنا قد يخطط لها هذا الرجل علما بأن هذا الشخص (الهندي) لديه مشاكل وخيانات للعمل ليس لها حصر وبإمكاننا أن نستغلها من أجل أن نضره ألا أننا ترددنا كثيراً واحتسبنا أمرنا لله سبحانة وتعالى ولايزال هذا الشخص يخلق لنا مشاكل.
سؤالنا: هل يجوز أن نستغل أخطاءه ونشتكي منه أمام المسؤولين والحكومة؟ علماً بأن أخطاءه قد تسبب له الفصل من عمله.
أفيدونا أفادكم الله حيث نحن في حيرة من أمرنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يمكن أن يقال في هذا المقام هو أن من وقع عليه ظلم يجوز له أن يتظلم عند من ينصفه من ظالمه، قال تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء: 148} .
وفي حديث هند زوجة أبي سفيان قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سراً؟ قال: خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف. رواه البخاري.
قال النووي: في هذا الحديث فوائد منها جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما. اهـ
فما تقدم يدل على أن لكم أن تتظلموا أمام من ينصفكم من هذا الظالم -إن صح عنه ما تقولون-، ولو كان ما تذكرون عنه يكرهه ويشينه.
ومن ناحية أخرى يجب عليكم وقد اطلعتم على خيانة أو غش من قبل هذا الشخص أن تبلغوا المسؤول عن الشركة بهذه الخيانة والغش، لأن هذا واجب النصيحة لمن تعملون معه، وراجع الفتوى رقم: 30022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1425(9/3036)
سبب الاهتمام بالأمور التافهة وإهمال العلم والعلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل سؤالي بسيط لماذا هذا الاهتمام الزائد الذي نراه بالمغنيين والمغنيات ولاعبي الكرة والفنانين والفنانات وإهمال أهل العلم من الأطباء والمهندسين هل هذا طبيعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن ما يجري في بلاد المسلمين من الاهتمام بسفاسف الأمور والبعد عن معاليها هو من كيد الشيطان ووساوسه، وتدبير أعداء الله تعالى الكفرة من اليهود والنصارى وأتباعهم في بلاد المسلمين. وإلا فكيف يتصور أن عاقلاً يشاهد ما يجري في بلاد المسلمين من متاعب ومآس وكوارث ثم يلهو أو يطرب! إن أولئك أفسدوا شباب الأمة بوسائل إعلامهم، وتربيتهم على الميوعة والإهمال، واتباع الهوى والشهوات، وعدم الاكتراث بأمور المسلمين حتى أصبحوا لا إحساس لهم بالآم المسلمين وصيحات الثكالى وأنات المنكوبين وبكاء اليتامى والمحرومين والأرامل. فقد تبلدت الأذهان وفقد الإحساس بسبب الغفلة التي عودهم عليها الإعلام الهابط ومناهج التربية الهزيلة التافهة. فأصبحوا كأنهم خرفان بعضها تعمل فيه سكين الجزار والبعض الآخر يرتع في المرعى وهو لا يشعر أو لا يكترث. وقد نبه على هذا كثير من علماء المسلمين وعقلائهم ومصلحيهم ودعاتهم، ولكن هيهات هيهات، فلا حياة لمن تنادي.
والحاصل أن سبب الاهتمام بالأمور التافهة وإهمال العلم وما ينفع الناس هو البعد عن دين الله تعالى وجهل تاريخ المسلمين وحضارتهم وهذا نتيجة لتراكمات تاريخية بعيدة، وتخطيط طويل محكم من الأعداء في الخارج وأعوانهم في الداخل. وللإعلام الهابط الماجن دور كبير في ذلك لما قدمنا والله المستعان. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1425(9/3037)
حكم التصفير عموما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث والذي مفاده: أن رسول الله صلى الله عليه قد نهى عن التصفير حتى لو كان راعي غنم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد حديث صحيح بهذا المعنى، ولكن أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعاً: عشرة من أخلاق قوم لوط.... والصفير بالحمام.
ومسند الفردوس من مظان الضعيف والموضوع، كما ذكر أهل العلم، ولمعرفة حكم التصفير عموماً راجع الفتاوى: 15111، 47560، 54803.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1425(9/3038)
درجة حديث: أذى المسلم في موته كأذاه في حياته.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أصل الحديث الشريف (أذى المسلم في موته كأذاه في حياته) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روي هذا الحديث في مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفاً بلفظ: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته. ولكن يشهد له ما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: كسر عظم الميت ككسره حيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(9/3039)
هل يجوز حرمان الابن العاق من الميراث
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ أصغر مني ولكنه لا يتقي الله في والديه ويسرق بعض الأشياء من المنزل ويبيعها ويقوم بتهديد أبي بأنه قد يحدث بي أي شيء، مع العلم بأنه لا يصلي ولا يصوم وأنا غير متزوجة وقد قامت أمي بكتابة عقد الشقة باسمي واسم شقيقتي الكبرى المتزوجة، أرجو إفادتي بالتصرف معه وكيف أرجعه عن هذا الطريق فقد وصل به الحال إلى ضرب والدي وضربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أخاك مرتكب لجملة من الكبائر أعظمها ترك الصلاة وعقوق الوالدين، والواجب عليه التوبة فوراً من قبل أن يفجأه الموت فيندم وقت لا ينفع الندم، ولك أن تستعيني عليه بمن يقدرهم ويخشاهم من أسرتك كأحد الأعمام أو الأخوال، فقد يكون لأحدهم تأثير عليه فينتصح ويهتدي.
وحاولي أن تجالسيه وتخاطبي قلبه وعقله وتخوفيه بالله وتذكريه بحقوقكم عليه، وأنكم مازلتم تحبونه، فقد يرعوي من مثل هذه الأفعال، فإن لم يجد ذلك كله معه، فلا حرج في رفع أمره إلى أي جهة رسمية قادرة على الأخذ على يديه ومنعه من الاعتداء، ولا تتركي الدعاء له أبداً أن يهديه الله ويكفه عن غيه، وليس ذلك على الله بعزيز، إذ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن.
وأما بالنسبة لما قامت به أمك من كتابة عقد الشقة التي تملكها لك ولشقيقتك وحرمانها ذلك الولد من نصيبه فيها، فانظري في مشروعية هذا العمل الفتوى رقم: 50662، وما تفرع عنها من الفتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(9/3040)
سبل دفع الغضب وكظم الغيظ
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن علاج قوي لبذاءة اللسان كالشتائم وغيرها وفحش القول رغم أنني ولله والحمد لله كثير الذكر إلا أنني عندما يستفزني أحد أحس أني أتحول إلى إنسان آخر أو شخصية أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من استشعر مراقبة الله تعالى له، وأنه سائله عن الكبير والصغير والنقير والقطمير وعن كل ما فاه به أو عملته جوارحه أو عزم عليه قلبه فإنه سيتقي الله وسيحاسب نفسه ويجاهدها، فقد قال الله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر:92-93} ، وقال أيضاً: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات:24} .
وإن المؤمن المراقب لله يكفيه أن يعلم خطورة بذاءة اللسان على دين الإنسان، وفضل حُسن الخلق لنيل أعلى الرتب -لكي يضبط نفسه- وانظر الفتوى رقم: 6923، والفتوى رقم: 29768.
هذا.. ولقد ذكر الله من صفات المؤمنين المتقين الذين يستحقون مغفرة الله والجنة أنهم يضبطون أنفسهم عند الغضب، قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني، وانظر سبل دفع الغضب وكظم الغيظ في الفتوى رقم: 8038، والفتوى رقم: 24820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1425(9/3041)
خيانة الأخ لأخية المسلم من الآثام العظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقني الله عز وجل إلى فرصة عمل جيدة في السعودية، وقد تم الاتفاق بيني وبين صاحب العمل على كل شيء ولقد أتممت كل الأورق المطلوبة وبقي استخراج التأشيرة فقط، ولقد أخبرت صديقا مقربا إلي ويعمل في نفس المجال وأحسبه أهل ثقه بكل شيء عن هذه الوظيفه وكل التطورات ثم اكتشفت بعد ذلك بأنه أجرى كل الاتصالات الممكنه مع أصحاب العمل بدون علمي واستطاع أن يستخرج تأشيرة بطريقة ملتوية لأنه كان يعلم أن الشركه تجد صعوبة في استخرج تأشيرة العمل لأنها شركة أجنبية وأخذ هذه الوظيفة لنفسه، فما حكم الإسلام في هذه المسألة، وهل هذا يعتبر خيانة للصداقة، لأن صديقي يقول إن هذا رزقه هو، فهل هذا الرزق حلال، وهل إذا حج يعتبر حجه صحيحا، أسف على الإطالة ولكن هذا الموضوع يؤلمني جدا؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه إذا حدث توافق ورضى بينك وبين أصحاب العمل على أن تعمل لديهم، فإنه لا يجوز لصديقك في حال كون الوظيفة لواحد فقط أن يتصل بهم ويحصل على هذه الوظيفة الشاغرة له.
ويدل على ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يبيع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا يسم الرجل على سوم أخيه. رواه مسلم.
ثم إن قيامه بالاتصال بهؤلاء وعرض نفسه عليهم يعد خيانة لصديقه الذي وثق به، وفي الحديث: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب. رواه أبو داود.
أما إذا لم يك هناك ركون بينك وبين أصحاب العمل أو حصل ركون وكانت الوظيفة لأكثر من شخص فلا نرى فيما فعله صديقك حرجاً شرعياً.
أما حجه الذي تمكن من أدائه بالطريقة المذكورة على افتراض أنها محرمة فهو صحيح، ولكنه يأثم بنفس الوسيلة المحرمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1425(9/3042)
الستر على المسلم المذنب واجب خاصة إذا تاب واستقام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق قد حكم على والده بالحبس في قضية مخلة بالشرف وقد تقدم إلى أخته عريس ويريد أن يخبرهم بما قد كان من والده، مع العلم بأن والده قد حكم عليه أكثر من 10 سنوات وقضى مدة العقوبة وخرج منذ أكثر من 7 سنوات وهو الآن يؤدي الصلاة بانتظام وابنته من المشهودات لهن بالأدب وحسن الخلق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه الفتاة صاحبة دين وخلق فينبغي أن يشجع من يريد الزواج منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
وكون والد هذه الفتاة غير مستقيم لا يؤثر ذلك عليها؛ لأن كل إنسان مسؤول عن نفسه وليس مؤاخذا بما اقترف غيره من جرائم، ومصداق ذلك قول الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، وكم من إنسان تقي لله وأبوه كافر أو فاسق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن الأصل الستر على المسلم خاصة إذا كان هذا المسلم قد تاب واستقام حاله وعلى هذا فيجب على هذا الابن أن يستر على أبيه ولا يخبر أحداً سواء كان الخاطب وأهله أو غيرهم بما كان من أبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1425(9/3043)
كراهية الإسلام لسؤال الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لإنسان أن يذهب إلى شخص ويطلب منه أموالاً لغرض الزواج، والإنسان الذي طلب منه المال عندما عرض عليه الفكرة أعطاه المال وهو راض، هل يصح لي أن أتزوج بهذا المال أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يكره السؤال، ويذم الكسل والاعتماد على الآخرين، ويحث على العمل والإنتاج والبذل ...
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم. رواه مسلم.
فإذا كان الشخص محتاجا وسأل غيره فأعطاه عن طيب نفس فله أن ينتفع بما أعطي له في الزواج أو في غيره، لأن ما وهب له أصبح ملكا له يتصرف به حيث شاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(9/3044)
تبادل حسن الخلق والإحسان حق شرعي بين الضرائر
[السُّؤَالُ]
ـ[بإسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم الدين الإسلامي في امرأة تهيئ الطعام وتتناوله أمام ضرتها المريضة والعاجزة عن تهيئته وهي تراها تأكل أمامها ولاتبالي. مع العلم أن الضرة العاجزة في أوج صحتها كانت تتناوب مع ضرتها في تربية وخدمة 7 أولاد بينما الضرة المريضة كان لديها 3 أولاد.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما جاء الإسلام بالعبادات التي هي علاقة بين العبد وبين ربه سبحانه من صلاة وصيام وحج وغيرها، فقد جاء بالمعاملات التي هي علاقة بين المسلم وبين إخوانه. وقد أمر الإسلام بالأخلاق الفاضلة والقيم الرفيعة والصفات النبيلة، ومن أهمها الكرم والإيثار، قال الله عز وجل: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [الحشر:9] وقال تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
وأمر المسلم بالإحسان إلى الخلق وبحسن الجوار، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. متفق عليه. ول مسلم فليحسن إلى جاره. ولأحمد: فليكرم جاره.
قال صلى الله عليه وسلم: يانساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة.
وعلى المسلم أن يتغلب على دواعي النفس الشريرة، وأن يحرص على سلامة قلبه من الحسد والحقد على أحد المسلمين. فننصح هذه الأخت بالتحلي بمكارم الأخلاق، وأن لا يحملها كون هذه ضرتها على عدم معاملتها بأخلاق الإسلام الرفيعة، لا سيما وأنها مريضة عاجزة، فقد أمر الله عز وجل بالأخلاق الفاضلة حتى مع الأعداء قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون. [المائدة: 8] .
ونوصي الأخت المريضة العاجزة بالصبر والاحتساب والدعاء لأختها بالهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(9/3045)
الوفاء بالعهود خلق نبيل
[السُّؤَالُ]
ـ[أتقدم إلى فضيلتكم المحترمة بطلب نصيحة علها تشفي الصدر وتزيد في ميزان حسناتكم إن شاء الله تعالى. أنا شاب في مقتبل العمر كان لي صديق مكانته كالأخ عندي عرض علي العمل عنده في محل له وعمه مع العلم أني كنت أعمل لدى أحد التجار حيث أترك عملي للعمل معه وعهد لي بزيادة أجري. وبعد عدة أشهر تغير الكلام السابق ونلت كلاما....-العمل أو التوقف- وأنا في حالة يجب فيها العمل.
أطلب النصيحة رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان مما ينبغي لصديقك هذا أن يفي لك بما وعدك به، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهود إذا كانت في غير معصية. قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء: 34} . وفي الحديث الشريف: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
وإذا عرفت أن صديقك لا يريد الوفاء بما عاهدك عليه، فإذا كنت تجد العمل عند غيره، فلا حرج عليك في ترك العمل معه. وإن لم تجد فرصة للعمل وكنت محتاجا إليه فنصيحتنا لك هي أن تصبر على ما بدا لك منه، وتبقى في العمل معه مع البحث عن غيره. ونسأل الله أن ييسر لك ما تزول به حاجتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1425(9/3046)
الاعتدال في كل شيء خلق إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاعتدال في المطالب المادية والروحية والمعنوية؟ واجب أو مستحب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العدل في كل الأمور واجب شرعي لأمر الله تعالى به في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ {النحل: 90} . وقد وصف سبحانه عباده بالاعتدال في الإنفاق فقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان: 67} . ونهى عن الغلو فقال: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ {النساء: 171} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني.
وقد نص أهل العلم على الحث على التواضع من غير ذلة ولا تكبر، وعلى الإنفاق والبذل من غير سرف ولا تقتير، ولكننا ننبه إلى أن العبد مأمور بالسعي في زيادة إيمانه والاشتغال بعبادة ربه حتى يعمل جميع ما تيسر من أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، لقوله تعالى: فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا {البقرة: 137} . فليس من خلاف الاعتدال تمسكه التام بدينه وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خلاف الاعتدال إنما هو في تحريمه على نفسه بعض ما أباح الله من الطيبات، أو تكليفه نفسه بما لم يشرع، ويدخل في المشروع في الدين الإنفاق في أبواب الخير وصرفه ماله في مصارف الخير.
فإن الشارع حض على الإنفاق والصدقة ووعد بالإخلاف، وقد أنفق أبو بكر رضي الله عنه في سبيل الله جميع ماله، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه.
وقد حث الشارع أيضا على معالي الأمور، فينبغي للإنسان أن يسعى في الاتصاف بجميع صفات مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ففي الحديث: إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. رواه الحاكم وصححه الألباني.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 31942، 19064، 9266، 26673، 48482.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(9/3047)
على الزوج أن يعف عما بيد أهل زوجته ولا يطالبها بسؤالهم إياه
[السُّؤَالُ]
ـ[والد وأخو زوجتي أغنياء جدا. ولكنهم لا يعطون مساعدة مالية لزوجتي مع العلم بأننا لسنا أغنياء ولا يجاملوننا في أية مناسبة وعندما يبيع والدها عقارا يعطي ثمنه لأخيها ولا يعطيها شيئا لأنه يعتبر أن البنت بعد زواجها غير مسؤول عنها. الغريب أن زوجتي لا تعترض على والدها أو أخيها. فهل تتحمل أمامي مسؤولية عدم إطاعتها لي لأنني أطلب منها الاعتراض. وهل إذا انفصلت عنها فأنا ظالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من شأن المسلم العفة والقناعة عما بأيدي الناس، فإن ذلك أحفظ لكرامته وأصون لماء وجهه عن أن يسأل الناس شيئا، ولهذا جاءت الأحاديث متضافرة في هذا المعنى، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى. متفق عليه.
ومما يدل على بشاعة سؤال الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة على بعض أصحابه بترك المسألة، أخرج مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.
وبهذا تعلم أنه ليس من المعروف أن تطلب من امرأتك أن تسأل أباها أو أخاها شيئا، وبالتالي، فليس لها أن تطيعك إذا طلبت منها ذلك، لأنه ليس من المعروف، وطاعة الزوج في المعروف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه البخاري. وقد اختلف أهل العلم هل يجب على الوالد أن يعدل بين أولاده في الهبة أو لا، وأكثرهم على أنه لا يجب، وهذا الأب لعله يقلد قول القائلين بعدم الوجوب.
وفي حال رفض هذه المرأة سؤال أبيها فليس من الشرع ولا من مكارم الأخلاق طلاقها لهذا، وذلك لأنه لا يعد سببا شرعيا يستوجب الطلاق، وأهل العلم منهم من ذهب إلى القول بتحريم الطلاق من غير موجب. قال ابن قدامة في المغني: الطلاق من غير حاجة إليه، قال القاضي: فيه روايتان: إحداهما أنه حرام، لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال. تم ذكر الرواية الثانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1425(9/3048)
تتأكد طاعة الوالدين وتقدير العم واحترام المدرس
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أشكركم لما تقدمونه للإسلام, أما سؤالي: فهل يجب شرعا تنفيذ أوامر من هو أكبر منا عمرا (أب ,عم ,مدرس ... ) ?
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طاعة الوالدين واجبة في المعروف، ومن المعروف أن لا يأمرا بمعصية، فقد أمر الشارع ببرهما، وعد عقوقهما من أكبر الكبائر، كما في الصحيحين: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك وعقوق الوالدين..
وأما العم فلا يصل درجة الوالد ولكنه يتأكد تقديره واحترامه، لما في الحديث: عم الرجل صنو أبيه. رواه مسلم والترمذي.
قال المناوي في فيض القدير: صنو أبيه أي مثله، يعني أصلهما واحد، فتعظيمه كتعظيمه، وإيذاؤه كإيذائه، وفيه حث على القيام بحق العم وتنزيله منزلة الأب في الطاعة وعدم العقوق.
ويتأكد كذلك تقدير واحترام المدرس ولاسيما إن كان من أهل العلم والقرآن. ففي الحديث: إ ن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني، وفي الحديث: ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(9/3049)
مجرد الشك والظن في مال الشخص مما لا ينبغي
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجتي موظف حكومي كبير يصلي الفرض بفرضه في المسجد، ولكن موارده المادية لا تتناسب مع وظيفته، مع العلم أنه ليس لديه موارد مالية أخرى، ولكنه ليس شديد الثراء، ومن حين لآخر يجلب لبيتي الطعام والشراب، فهل أقبله مع العلم أنه قد حدثت مشاكل بيني وبين زوجتي بسبب الأمر، ولكنها لا تعلم أني أشك أن ماله حرام، وأريد أن أعرف أيضاً الحال في حالة الميراث بعد عمر طويل إن شاء الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان لديك علم يقين أن مال والد زوجتك قد اختلط فيه الحلال بالحرام، فإن أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأكل من هذا النوع من المال، والراجح من أقوالهم أنه إذا كان الحلال أكثر جاز الأكل منه، وإذا كان الحرام أكثر كره منه الأكل، ويستحب لمن أراد ذلك أو فعله أن ينوي أنه من الجزء الحلال، ويحرم الأكل إذا علم أن ما يأكل من عين الحرام، وللمزيد من التفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6880.
أما إذا كان ذلك مجرد شك أو وهم.. فإنه لا ينبغي للمسلم أن يسيء الظن بأخيه المسلم، لمجرد أن له من المال ما لا يطلع على مصدره، فينبغي أن يحمل ذلك على أنه حلال فهذا هو الأصل، وخاصة إذا كان صاحبه مستقيماً فيما يظهر، ويؤدي الفرائض في وقتها ومع الجماعة، فقد يكون للرجل المذكور من مصادر الدخل ما لا تطلعون عليه، وقد يكون يستثمر بعض راتبه ...
وعلى ذلك فينبغي للمسلم أن يحسن الظن بأخيه المسلم ويعامله حسب ما يظهر من حاله كما قال عمر رضي الله عنه: إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(9/3050)
التحذير من اتباع الهوى عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا
ما حكم ضبط النفس عند الغضب؟ واجب أو مستحب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم أن يضبط نفسه ويكفها عن ما حرم الله تعالى، سواء أكان ذلك في حالة الرضى أم كان في حالة الغضب، ولكن التأكيد على الأمر بضبط النفس في حالة الغضب أشد لأن الشخص في حالة الغضب يكون أكثر عرضة لمخالفة الشرع بالانتقام المحرم الذي يؤدي في بعض الحالات إلى القتل المحرم والإتلاف والشتم واللعن والسب ...
وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم عندما أوصى أحد أصحابه بتلك الوصية الجامعة فقال له: لا تغضب، كرر ذلك عليه مرارا. رواه البخاري.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحذر من مجرد الغضب لأن ذلك غريزة في الإنسان، لا يستطيع رفضها والامتناع منها، ولكن الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم هو فعل ما يسبب الغضب، أو تنفيذ ما تمليه النفس والشيطان على الغضبان مما يخالف الشرع.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 8038، 24820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(9/3051)
تجديد سيارة كل عام بين الإسراف وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كل سنة يبدل سيارة من ماله والسيارات كلها جديدة وهذا التبديل يؤدي إلى خسارة ونحن مغتربون وهو غير مقصر بأي شيء تجاه البيت وكذلك من ناحية الزكاة والصدقات. أرجو إفادتي ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاعتدال في النفقة وتوابعها من مأكل ومسكن ومركب هو منهج الإسلام وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، فلا إسراف ولا تقتير ولكن بين هذا وذاك، وهو ما أمر الله تعالى به نبيه في قوله سبحانه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً {الإسراء:29} . وقوله: وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً {الفرقان: 67} . وحد الإسراف يختلف باختلاف مراتب الناس من غنى وفقر، فما يكون إسرافا في حق شخص لا يكون إسرافا في حق الآخر، وراجعي الفتوى رقم: 17775.
وعلى هذا؛ فإن كان ما يقوم به زوجك من تجديد سيارة كل عام يعتبر غير مجحف في حق أمثاله وأقرانه من الأغنياء فليس هذا تبذيرا، وينبغي أن ينصح بالاقتصاد في المعيشة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما عال من اقتصد. خاصة أنكم في غربة كما أفدت في السؤال، ولتكن هذه النصيحة بلين ورقه حتى يمتثل لها. وإن كان يجحف به فهذا يعتبر تبذيرا يجب عليه التخلي عنه والتوبة من ذلك فيما مضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1425(9/3052)
الإبلاغ عن الفساد الإداري
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل المسلم إذا رأى فسادا إداريا في الشركة التي يعمل بها؟ على سبيل المثال اكتشفت أن أحد الزملاء لم يحضر شهراً بأكمله إلى العمل ولكنه مقيد أنه حضره! وبالتالي تقاضى راتبه وأنا علمت ذلك بالصدفة، وهناك أفعال كثيرة غير ذلك فهل أخبر المدير العام الخاص بإدارتنا أم أن ذلك يعتبر فتنة وبهتانا؟ وهل إذا التزمت الصمت فهل أنا شيطان أخرس؟ ماذا أفعل كمسلم يخشى الله ولا يريد أن يؤذي أحدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن واجب كل مسلم مكلف إذا رأى منكراً أن يسعى لتغييره حسب استطاعته، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ولاشك أن ما فعله زميلك من تسجيله الحضور وهو غائب كذب وزور، وبما أنك قد اطلعت على هذا المنكر، فعليك إنكاره ولا يكون ذلك غيبة محرمة، وراجع في المسائل التي تباح أو تجب فيها الغيبة الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(9/3053)
تعاطي السحر والكذب يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تسكن عندنا في البيت بنت بنت خالي أتت من أفريقيا ولا تعرف أمور دينها جيدا، المهم أنها تعمل لنا أدوية لتمنعنا من الزواج ومن النجاح في أعمالنا والله يسامحها أولاً: تستغل أخي الذي يعمل في النفط، فتأمر أخي أن يأخذها إلى المحل في أي وقت تريد، وتشتري ما تريد من مصروفه، وبالتالي بسببها هو لا يسمع كلام أمي، وعندما تكلمها أمي تبدأ في البكاء أي تتباكى، وتقول أنا لا أستغله، ولأن المسكينة أمي لا تستطيع أن تكلمها بسبب لسانها الطويل، فدائماً تأتي إلى وتشتكي وتبكي بسببها وتريدها أن تخرج من البيت لكن تلك المرأة لا تحس، المهم أنني مسكتها يوم الجمعة والناس في ذلك الوقت يصلون وكانت صائمة، فقلت لها لماذا أنت تفعلين في أخي كل هذا وتدمعين عين أمي وتسيطرين على بيتنا كأنك صاحبة البيت، وتعملي لنا أدويتك السحرية كلما جاء أحد لكي يخطبنا، فتباكت وحلفت اليمين وهي صائمة أنها لا تعمل شيئا مما قلت، وأمرتها أن ترجع لربها لأنها تعصي ربها، والذي تعمله في بيتنا سوف يعود إليها يوما من الأيام، لكن كلامي لم يزدها إلا بكاء، فتركتها ولكن بعد يومين نزلت أمي من الطابق الثاني حيث غرف النوم، أتت إلى المطبخ في الطابق الأول وقالت لماذا البخور كثير في غرفة تلك المرأة والفتاتين تريدان النوم ولا تستطيعان من كثرة البخور، فقالت أمي أن ذلك ليس بخورا إنما هو دواء، لأن وجه أمي تغير ولم تستطيع العشاء، فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، قبل يومين حلفت وهي صائمة ويوم الجمعة والناس يصلون أنها لا تعمل أدوية السحر في البيت، وهي لا تزال تعمل!!!! للعلم أنها كانت متزوجة وعندها بنتان وولدان، السؤال هو هنا: ما حكم من يحلف وهو صائم ويوم الجمعة والناس يصلون، ما مصير من يتعامل مع أدوية السحر مثل هذه المرأة وتعاند أهل البيت ولا تريد الخروج من البيت؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السحر كفر وفاعله كافر ومصيره النار إن لم يتب، كما يدل لذلك قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ.... {البقرة:102} ، وقال حافظ أحمد حكمي في سلم الوصول:
واحكم على الساحر بالتكفير * وحده القتل بلا نكير
ومع أن السحر كفر فلا يقيم حده * إلا السلطان أونائبه
ثم أنه يتعين التحفظ من اتهام أي أحد بالسحر لأن اتهامه به يعني رميه بالكفر وهو أمر خطير كما يدل له الحديث: إيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. متفق عليه.
وأما الحلف على الكذب فهو محرم، ويعتبر من اليمين الغموس، وتعظم الحرمة في الأوقات الفاضلة كرمضان والجمعة، وأما إخراجكم لقريبتكم من البيت إن كانت تسبب لكم ضررا فهو مباح إلا أن الأولى في التعامل مع الأرحام هو الصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان فبذلك تنال معية الله وإعانته، وراجعي في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30060، 29633، 34843، 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(9/3054)
الهدي النبوي لاتقاء الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم، فإني أحب الذكر ولكني عندما أكون في مواصلات عامة كالاتوبيسات والعربات أكون مرائيا حتما ولا استطيع رد الرياء فأسكت حتى لا آخذ ذنب الرياء، فهل من الممكن أن أجري الذكر في قلبي ويكون لي به جزاء ولا أنطق به بل أجريه فقط على قلبي؟
سؤال آخر: أنا أعمل مع عضو مجلس أمة وقد جاء لي بعمل إضافي ولكن طلب مني ألا أخبر أحدا أني أعمل معه هذا من ناحيتي مفيد لي حتى لا يطلبون مني أن أخلص لهم معاملاتهم التي ليس بيدي على الاطلاق تخليصها وحتى أدفع الشبه عني، أما العضو وحيث إن لم أفعل قيل عني لا أريد الخير والخدمة فاضطررت عندما أسأل أين تعمل غيرت مكان عملي مما اضطرني إلى الكذب في أشياء أخرى خاصة وأنه كل يوم يسألني شخص في عملي الجديد من باب التعارف أين أعمل وكيف أذهب إلى العمل وهذه الأشياء للأسف جرت علي الكذب، فماذا أفعل؟ وهل أنا مذنب في هذا الكذب الذي لم أقصد به ضررا لأحد على الإطلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الرياء من أخطر الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: أيها الناس: اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه الإمام أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه.
وأن الإخلاص أمره عظيم وشأنه كبير، ونعمة من الله سبحانه وتعالى يمنّ بها على من يشاء من عباده، فعلى العبد أن يسعى في تحصيلها، وأن يحذر من الانزلاق في مصائد الشيطان، فإن الشيطان حريص على إفساد عبادة المسلم بكل وسيلة، فإذا فاته من جهة المعاصي والشهوات جاء إليه من جهة العبادة والطاعات.
والذي ننصحك به هو أن تجاهد نفسك، ولا تتوقف عن الذكر ولا غيره من أنواع الطاعات، وعليك بالاستعانة بالله تعالى، والإكثار من دعاء: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه.
وقد قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. كما في شعب الأيمان.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نحيل السائل الكريم إلى الفتوى رقم: 10992.
فإن عجزت عن دفع الرياء، فلا بأس بالذكر بالقلب عند مخالطة الناس، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 28251.
وأما عملك مع الشخص المذكور، فجائز إذا كان في حدود المشروع، وكونه طلب منك أن تكتم هذا الأمر بحيث لا يعلم به أحد لا شيء فيه، وإذا سئلت عن عملك فلا يلزمك الجواب، وإذا احتجت إليه فحاول أن توري بأن تذكر شيئاً يفهم منه السائل غير ما تريد، ولمزيد الفائدة عن التعريض تراجع الفتوى رقم: 37533.
وأما الكذب، فلا يجوز كما في الفتوى رقم: 25914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1425(9/3055)
الذب عن أعراض المسلمين من آكد المطالب الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت لي صديقه أخلاقها صعبة جدا ودائما تغل وتحقد وتتدخل فيما يعنيها وما لا يعنيها وكانت تخوض في سيرة كل الناس وسيرة النساء والبنات وحاولت أكثر من مرة أن أنصحها وقاطعتها فعلا، ولكنها عادت نادمة وباكية وتتذلل ووعدتني بأن أخلاقها ستغيرها وتريد مني أن أعينها على ذلك وكنت أعلم ثواب الصفح والعفو والتسامح وعدت إليها وأعطيتها فرصة متبعة ما قرأته فى كتاب خلق المسلم للغزالي عن الصبر على أصحاب السوء عسى أن نحسن خلقهم وفعلا التزمت أمامي على الأقل حتى لا تخسرني مرة ثانية، ولكن كان الجميع حولي يشكون منها دائما وكانت تغل ممن حولها وحين أنصحها تندم وتعود مرة أخرى لنفس الأخطاء، وفى الفترة الأخيرة بدأت تتحدث عن ابنة إحدى صديقاتي التي تبلغ من العمر 14 سنة، وللأسف تخوض في قصص الهدف منها الإساءة لسمعة هذه البنت لغيرتها منها لأنها فى سن ابنتها وأنا متأكدة، من أخلاق هذه البنت الممتازة ومن أخلاق أمها الملتزمة المحجبة التي تتقي الله، وعمرها ما حاولت أن تتكلم عن أحد، غضبت جدا وعنفتها وذكرت لها ما ورد من أحاديث وآيات عن الخوض فى الباطل وقذف المحصنات والعقاب الشديد من الله وبدأت تسوء أخلاقها مرة أخرى وتتحدث بالإساءة إلى أعراض كل من حولنا بما فيهم أنا ووالدة البنت، وقررت مقاطعتها نهائيا وقلت لها ذلك وكانت كالمجانين وقتها وبدأت تؤلف قصصا عني لمن حولي وتحاول أن تجعل الجميع يقاطعني والحمد لله لم يصدقها أحد لأني والحمد لله الكل يعرف عني أني لا أفعل إلا ما يرضي الله وصبرت وقتها ولم أنطق لأي أحد بما كانت تقوله عنهم ولا حتى صديقتي الغالية، وما كانت تقوله عن ابنتها حتى لا أكون ممن إذا خاصم فجر وأبتعد عن صفات المنافقين.
ومر شهران وأنا في هدوء نفسي وأنا بعيدة عن هذه السيدة التي لم أستطع أن أجعلها ترتدي الحجاب وللأسف الشديد علمت أنها حتى الآن تتحدث عن ابنة صديقتي بأسوأ السير وشعرت بأني لا أستطيع السيطرة عليها وخفت على الفتاة وأمها وشعرت بواجبي نحو صديقتي أن أحمي ابنتها وشعرت بمسؤوليتي فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيطر على تفكيري الحديث الشريف من رأى منكم منكرا فليغيره بلسانه أو يده أو قلبه، وبلغت صديقتي بما يحدث حتى تتصرف هي وزوجها وكان هدفي فعلا أن أقطع لسان هذه المرأة، وفعلا تصرف الأب مع زوج هذه المرأة وكانت مشكلة كبيرة للرجل واعترف فعلا أن زوجته أخلاقها صعبة وتغير دائما، والآن أنا لا يهمني إلا أن أطمئن هل ما فعلته وإخباري لصديقتي بما قالته هذه المرأة وما كانت تقوله وهي معي نميمة، وهل أنا آثمه، وما رأي سيادتكم فى هذا؟ ولكم مني جزيل الشكر، وأسفة على طول الرسالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التناصح والتواصي بالحق بين المسلمين والذب عن أعراضهم من آكد المطالب الشرعية، وقد كان المطلوب منك أن تنصحي الأخت بالحكمة والموعظة الحسنة، وتبيني لها خطر الوقوع في أعراض المسلمين وتذبي عن عرض المتهمات ما استطعت، عملاً بالحديث: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه الترمذي.
وعملاً بواجب النصح وتغيير المنكر، وأما إبلاغك لصديقتك بكلام الصديقة الأخرى فإنه يرجع في الحكم عليه إلى مدى الفائدة المتحققة منه ومدى إمكان استخدام وسيلة أخرى، فإن الأصل في النميمة المنع ما لم يترتب عليها تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة فتجوز كما قال النووي وابن دقيق العيد.
ونحن نرى أنه كان الأولى بك أن تستخدمي زوجك أو أحد محارمك في تكليم زوج هذه المرأة حتى يحذرها ويمنعها من الوقوع في أعراض المسلمين، وأن تستعيني أنت على محاولة إقناعها بالبعد عن ذلك بصديقاتك الطيبات، وأن تحضي الأخت على قراءة الرسائل المفيدة وسماع الأشرطة النافعة والاشتغال بحفظ القرآن، وتعلم ما تيسر من العلوم حتى تشغلي وقتها وطاقتها بما يفيد عما يضر، ولعلك بهذا تسلمين إن شاء الله من النميمة وتحققين هدف توبة صديقتك وحماية أعراض الأخريات، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51307، 28503، 48284، 35364.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(9/3056)
لا إثم في الشكوى من الفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ فترة قريبة ولكن لم يستمر هذا الزواج إلا 17 يوماً لأني وجدت الزوج يدخن الحشيش ويسمع الموسيقى ويرقص وطعنني في شرفي وأخبرت أهله بذلك ولم يصدقوني، فهل علي إثم، علماً بأنهم طلقوني وما زلت بكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عليك إثم -إن شاء الله- من إخبار أهل زوجك بما يفعله من معاص رجاء نصحهم له وزجرهم إياه عن تعاطي هذه المحرمات، وعلى كل حال نسأل الله أن يبدلك خيراً من هذا الزوج، ولعل الله عز وجل أراد لك الخير بمفارقة هذا الرجل فلا تأسفي على ذلك، وأكثري من دعاء الله تعالى أن يرزقك زوجاً صالحاً، ومن طلقت قبل الدخول بها وجب لها نصف المهر المسمى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(9/3057)
إخبار المظلوم عن ظلم الظالم ليس غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من تشتكي إحدى صديقاتها لصديقة أخرى أو من تشتكي زوجها لصديقتها وهي تسرد وقائع حدثت بالفعل ولم تزد شيئا ولم تتركه مثلا هل هي بذلك تكون قد اغتابت هذا الزوج أو تلك الصديقة التي تشتكي منها؟ أريد أن أعرف الجواب الصحيح ولكم جزيل شكري وامتناني.... أرجو إجابة الأسئلة بوضوح مع عدم إحالتي إلى فتاوى أخرى حتى أستطيع الاستفادة من الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت الكريمة أن الأفضل في مثل هذه الحالة هو الصبر وعدم شكوى الزوج أو الصديقة أو غيرهما، قال الله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {المؤمنون:96} .
ولكن يجوز ذلك إذا حصل منهما ظلم، وخاصة إذا كان من يشكو إليه المظلوم قادراً على إزالة الظلم وتخفيفه، لأن الله تعالى يقول: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:148} .
قال الإمام البغوي في تفسيره: يعني: لا يحب الله الجهر بالقبح من القول إلا من ظلم، يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه، قال الله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى: 41} .
قال الحسن: دعاؤه عليه أن يقول: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي منه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(9/3058)
حكاية الأقوال بين الكذب وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد اختلفت مع أستاذي الذي قد امتحننا وطلب مطالب زائدة لنحلها ولكنني قد فهمت من كلامه أن أحد تلك المطالب إجباري والباقي من يحلهم يأخذ درجات أفضل ولكن معنى كلامه أنها ليست إجبارية ولكنه حاسبنا عليها كلها وأثناء النقاش معه في ذلك أعتقد أنني لم أقل له إن (ما معنى كلامه) هوأن أحد تلك المطالب إجبارى والباقي من يحلهم يأخذ درجات أفضل ولكنني أعتقد أنني قلت له إنه قد قال (كذا) ولم يكن قد قال ذلك (حرفيا) وأعتقد أنه كان يجب أن (أقول كلامه بالنص كما قاله) وإلا أقول ما معنى كلامك هو كذا بل وأخشى أن أكون قد قوَّلته ما لم يقله أصلا أي جئت بكلام زائد وقد عمل امتحانا آخر بعدما شكونا إليه أننا فهمنا كلامه بالطريقة التي ذكرتها من قليل وأنا أخاف أن يكون ما قلته له هو سبب عمله ذلك الامتحان فيكون حصولي على درجات جديدة إثم وباطل وقد أخبرته بخطئي أثناء مناقشته في إعادة ترديد ما قاله ولكن بعد معرفة درجتي في الامتحان الأخير. فما العمل في ذلك الموضوع؟ وهل يجب أن أسأله إذا كان ما قلته له هو سبب عمله لذلك الامتحان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قد حرم الكذب في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والكذب هو الإخبار بالشيء بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد، وهو كبيرة من الكبائر. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. وواجب المسلم أن يبتعد عن الكذب كله صغيره وكبيره، وليس من الكذب أن ينقل الخبر بالمعنى؛ لأنه من الصعب ضبط الكلمات التي قالها الشخص وحكايتها دون زيادة أو نقص. ولا من الكذب أيضا أن ينقل المرء عن غيره ما اعتقد أنه هو المقصود من كلامه. وعليه، فإذا كنت حكيت مقالة أستاذك بالمعنى أو حكيت ما اعتقدت أنه هو مقصده مما قال فإنك لا تعد بذلك كاذبا. وإن كنت غيرت في كلامه قصدا مع علمك بمدلول ما قاله فذلك هو الكذب، وعليك أن تتوب منه. وأما موضوع الامتحان وتغييره أو إبقاؤه فتلك أمور من اختصاص الأستاذ أو الهيئة الموكول إليها ذلك. ولا شيء عليك فيما أعادوا أو غيروا أو بدلوا منه، وسواء كان الحامل لهم على ذلك هو كلمتك أنت أو غيرها، فلا إثم عليك فيه إلا من حيث حصول الكذب منك إن كان حصل على وجه العلم والعمد، وليس يلزم أن تسأل الأستاذ عما إذا كان ما قلته له هو الحامل له على إعادة الامتحان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/3059)
الكذب للحفاظ على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذ أخي شقة عن طريق إسكان مبارك للشباب منذ عام 96 واستلمها وباعها صوريا لي منذ سنتين لكي آخذها لولدي ولم تستغل إلى الآن وهيئة المجتمعات تهيب بالسادة حاجزي الوحدات التي لم يشغلوها بإرجاعها إلى الهيئة هل لو استمررت في حجز الوحدة صوريا لابني في المستقبل وذلك يتطلب مني أن أكذب عليهم بادعائي أنني مالكة الوحدة وهل يعتبر ذلك أخذ حق ليس لي من الناحية الدينية ولقد أصدرت الهيئة تحذيرا بارتجاع الشقق بدون خصم من المبالغ المستحقة لهم حتى 31 ديسمبر 2004 وبعد ذلك يتم الخصم إذا لم يرجعوها بالرغم من استغلالهم الفلوس منذ عام 96 إلى الآن وهذه القوانين جديدة فما الحل هل نرجع لهم الشقة أم أحتفظ بها لي وهذا يعرضني للكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الدولة قد قامت بدعم هذه الشقق واشترطت أن لا يتملكها إلا من يسكن فيها وأنها مخصصة لمحدودي الدخل ونحو ذلك، فلا يجوز أن يتملكها إلا من توفرت فيه هذه الشروط، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني.
وعليه، فتملك أخيك لها لم يصح، لأنه لم يسكن فيها، ولم يصح تبعا لذلك شراؤك لها منه، والواجب ردها إلى الهيئة المسؤولة عن الإسكان.
أما إذا لم تكن الدولة قد دعمت هذه الشقق ولم تشترط شروطا لا تنطبق على أخيك أو عليك فتملكك لها عن طريق البيع والشراء تملك صحيح، ولك أن تفعلي بها ما تشائين، وإذا تعين الكذب طريقا للحفاظ على حقك في هذه الشقة فلا حرج في ذلك. وراجعي الفتوى رقم: 39152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(9/3060)
مسائل في الزكاة وعلاج الكبر ونصيحة تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أرجو من الله ثم من فضيلتكم أن تفتوني في أمر قد حيرني كثيرا وهو أن لي إخوة أيتاما يتلقون مساعدات من كافل يتيم ووالدتي تدخر لهم هذا المبلغ لمستقبلهم أو لدراستهم كما تقول فهم ما زالوا صغارا وأمي وصية عليهم. فضيلة الشيخ السؤال هو هل تجب على هذا المبلغ الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول علماً بأن هذا المبلغ لا يظل على حاله حتى يحول عليه الحول بل يزيد شهريا أو كل ثلاثة أشهر أي أنه ليس ثابتا؟ أفيدوني أفادكم الله وشكراً. فضيلة الشيخ أرجو من الله ثم من فضيلتكم أن تفتوني في أمر قد حيرني كثيرا وهو أن إذا كان هناك مبلغ قد بلغ النصاب وتجب عليه الزكاة فهل أدفع هذه الزكاة من خارج المبلغ أم من المبلغ نفسه علماً بأن هذا سينقص من قيمة المبلغ ويقلصه وأن هذه أموال أيتام؟ فأفيدوني أفادكم الله. فضيلة الشيخ أرجو من الله ثم من فضيلتكم افتائي في أمرين يؤرقاني كثيرا: فضيلة الشيخ الأمر الأول: أن لي أخا أصغر مني سنا في مرحلة عمرية حرجة (15 سنة) يتيم الأب مشكلته أنه لا يصلي إلا غصبا وإن صلى فلإرضاء أمي لا أكثر رغم أنه لا يهتم لكلامها كثيرا فهو يرى أنه أصبح رجلا وليس من حق أحد أن يملي عليه ما يفعله أو يقول له إن هذا صواب وهذا خطأ وليس لديه من يوجهه من الرجال فليس له أخ أكبر منه وبعيد جدا عن أخواله وأعمامه فنحن نقيم في الخليج سؤالي الآن هل نحن مأثومون ومسؤولون عن صلاته علما بأننا نوجهه تارة ونغضب عليه تارة وما هو الحل؟ الأمر الثاني: أني كنت بعيدة عن قرب لله سنين عديدة والآن هداني الله والحمدلله وأسأل الله الثبات ولكن دائما في شك دائم هل قبل الله توبتي، كذلك وفي أحيان كثيرة أجد في قلبي نوعا من الكبرياء الاعتزاز بالنفس لست ناسيا فضل الله ولكن رغم ذلك أحس أني متكبرة واستغفر الله كثيرا.. السؤال: كيف أستطيع أن أتخلص من التكبر والاعتزاز بالنفس، أنا أعلم أن التكبر ذنب عظيم وأن العزيز من كان ذليلا لله سبحانه مستشعرا بصغر حجمه فكيف أصل إلى هذه المرتبة؟
سامحوني على الاطالة وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إخراج الزكاة من مال اليتيم واجب عند الجمهور إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 38213، 4369، 6407، 24733. وإذا كان مال الصبي يزيد زيادة ليست من ربح المال الأصلي فإن هذه الزيادة يستقبل بها حول جديد وذلك مثل المساعدات التي تأتيه شهريا والصدقات والهدايا التي تعطى له، قال خليل في مختصره: واستقبل بفائدة تجددت لا عن مال ثم إن الزكاة تدفع من مال الصبي نفسه لقول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا {التوبة: 103} . ولحديث الصحيحين: أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. وراجعي في علاج الكبر الفتوى رقم: 19854، 54512. وراجعي في قبول التوبة الفتاوى التالية أرقامها: 1909، 8371، 9394، 26255، 28384، 37432. وأما علاج حال هذا الأخ فإن عليكم أن تسعوا في نصحه حسب المستطاع واستعمال ما أمكن من الوسائل في هدايته. وحضوه على الصلاة وبينوا له خطورة تركها، وابحثوا له عن صحبة صالحة تجره إلى الخير وتدله عليه، وبينوا له أن التواصي بالحق والصبر والتناصح بين المسلمين واجب شرعي ولا يقدح في المنصوح. وإذا استطعتم أن تنقلوه إلى بيئة طيبة تساعده على الاستقامة فإن هذا متعين كما أمر العالم قاتل المائة نفس بالذهاب إلى أرض بها عباد صالحون ليعبد الله معهم وأن لا يرجع إلى أرض السوء التي كان بها. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 31768، 41016، 11739. وراجعي في العرض الموضوعي بمركز الفتوى موضوع وجوب الصلاة وحكم تاركها فقد بينا في كثير من الفتاوى هناك خطورة ترك الصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(9/3061)
لا يجوز قبول وتصديق الأقوال بدون تثبت وبينة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب محترم جداً ومن عائلة محترمة جداً وإني في يوم من الأيام أحببت فتاة وكانت علاقتنا شريفة وكنت سوف أخطبها بعد تخرجها في آخر سنة في الدراسة وكانت تحبني جداً وهي من عائلة محترمة جداً وكنت أمنعها من الوقوف مع الطلبة والمدرسين الذين لا يدرسونها وهي موافقة على هذا، ولكن حدث شيء لم يكن في البال ... وهو أنه أتاني شخص وقال لي إنها على علاقة مع أستاذ وكان يقبلها في المكتب وعندما سألتها قالت إنه كذب والشخص الذي قال لي لا يريد أن يقبلها وأتاني شخص آخر وقال لي نفس الكلام وعندما سألته من قال لك، قال: إنه نفس الشخص الأول الذي قال لي ... مع العلم بأني أحبها جداً جداً وهي كذلك تحبني جداً جداً وهي حلفت على كتاب الله أنها لم تفعل ذلك، وأنا محتار ماذا أفعل أتمنى منكم النصيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا علمت من حال هذه الفتاة أنها ذات دين وخلق، فلا مانع من الإقدام على خطبتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
وبخصوص ما نقله إليك صديقك عن وجود علاقة محرمة بين هذه الفتاة وبين رجل آخر فقد يكون مرده إلى الغيرة، والحيلولة بينك وبين الزواج من هذه الفتاة المنحدرة من أسرة طيبة، وهذا أمر قد يحدث من ضعاف النفوس بحكم الحسد.
وعلى أي حال، فلا ينبغي أخذ الناس بمجرد الظن، هذا وننبهك إلى أنه لا يجوز لك إنشاء علاقة مع هذه الفتاة أو غيرها من النساء الأجنبيات خارج نطاق الزواج، ولو كان الهدف من ذلك هدفاً صحيحاً، وراجع الفتوى رقم: 4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(9/3062)
خوارم المروءة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن ما هي خوارم المروءة ولو سمحتم الإجابة بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ضابط خوارم المروءة هو أنها كل ما يدعو إلى ذم الفاعل في نظر مجتمعه أو نظر الشرع من الأفعال، وهذا يختلف باختلاف المجتمعات، فكم من مسألة تذم في مجتمع وتمدح في مجتمع آخر، وقد سبق أن بينا تعريف المروءة عند السلف في الفتوى رقم: 50992.
فكل ما يناقض ما فيها يعتبر من خوارم المروءة، وكل ما يدعو إلى ذم فاعله في نظر مجتمعه أو في نظر الشرع يعتبر من خوارمها، قال ابن عاصم في تعريف العدل:
والعدل من يجتنب الكبائرا * ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان * يقدح في مروءة الإنسان
قال صاحب الكفاف موضحا مجانبة القوادح في المروءة:
وهْيَ توقيه دواعي ذمه * فعلا وتركا في طريق قومه
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(9/3063)
يتأكد حسن الظن بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحبة المشكلة رقم 227793 وقد أرسلت كل هذه الأسئلة ربما هناك ارتباط بينهم أو بينهم وبين مشكلتي، زوجي كذب علي كثيراً في بداية زواجنا والآن أنا أشك في معظم تصرفاته وأفعاله مجرد شك بيني وبين نفسي، فهل هذا الشك حرام الذي يمكن أن يكون صحيحاً أو خطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل هو إحسان الظن بالمسلم، وحمل تصرفاته وأفعاله على أحسن المحامل، ويتأكد هذا بين الزوجين، لما جعل الله بينهما من المودة والرحمة، ولما أمرا به من حسن العشرة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} .
فالظنون التي لا تستند على ما يبررها شرعاً لا تجوز للآية السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ... رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وقد سبق بيان حكم الظن، وما يترتب عليه في الفتوى رقم: 10077، والفتوى رقم: 15185.
فالذي ننصحك به هو عدم الاسترسال في هذه الشكوك، ومحاولة إصلاح حالك مع زوجك والتودد إليه، وحسن التبعل له، مع نصحه بلطف بترك التصرفات والأفعال التي تشكين فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1425(9/3064)
العبارات التي تتضمن كذبا أو غشا لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[عند كتابة مطالب العمل قد أكتب مثلا أني مهتم بمجال عمل الشركة وأنا لست كذلك أو أني يشرفني العمل معكم وأنا لا أشعر فعلا بذلك فأنا غالبا لا أعرف الشركة جيدا.... ومثل هذه الجمل الجاهزة التي تستعمل لتزويق المطالب ... وهي شائعة ويتفنن فيها البعض.. فما رأي الشرع في ذلك؟
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب والغش من الأخلاق الذميمة التي يجب على المسلم أن يحذر منها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم، وفي صحيح مسلم أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غش فليس مني.
وعليه.. فهذه العبارات التي تتضمن كذبا أو غشا لا تجوز ويجب على المسلم أن يتجنبها، وليتذكر قول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 16676.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(9/3065)
حكم لعن الروح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الروح مثلا يقول (يلعن روح أبي فلان) أستغفر الله ما حكم ذلك؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الروح هي النفس، قال ابن منظور في لسان العرب: من أسماء النفس الروح والخَلد، وقال: النفس الروح، وقال: قال أبو خراش: في معنى النفس: الروح. انتهى.
وقال في النهاية: الروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة. انتهى.
وعليه فمن لعن روح إنسان فإنما يلعن الإنسان نفسه، ولعن المسلم من الكبائر. وقد وردت أحاديث كثيرة فيها الزجر عن لعن من لا يستحق اللعن، والتحذير الشديد منه، ففي الصحيحين وغيرهما عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن لعن مؤمنا فهو كقتله. وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها. حسنه الألباني، وعن سلمة بن الأكوع قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وأخرج أبو داود والترمذي عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله. قال الترمذي حسن صحيح، فالواجب على من فعل ذلك التوبة والاستغفار والعزم على عدم العود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(9/3066)
الديوث.. تعريفه.. وعقوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب اكتشف حديثاً أن شقيقته وهي غير محصنة تتحدث مع أشخاص عبر الإنترنت بحدود الأدب، فهل يكون ديوثاً إن تغاضى عنها، وماذا عليه أن يفعل وإن كان ديوثاً فهل تقبل توبته وهل الديوث هو ولي أمر المرأة أم شقيقها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي المصباح: أن الديوث هو الرجل الذي لا غيرة له على أهله، قال في الموسوعة الفقهية: عرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم.
ومن هنا كانت غيرة الرجل على زوجه ومحارمه محمودة، وعلامة على كمال الرجولة والشهامة، وتركها دياثة مذمومة شرعاً وطبعاً، وهذا ما جعل الدفاع عن العرض مشروعاً، ومن مات في سبيل ذلك عد شهيداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل دون أهله فهو شهيد. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وعلى هذا، فالواجب على أبيك أن يمنع أختك من هذه التصرفات، لأن اتصال المرأة بالرجال، أو اتصالهم بها عبر وسائل الاتصال المختلفة لغرض يخلو من مصلحة تدعو لذلك يعد اتباعا لخطوات الشيطان، فإن كان أبوك غير موجود أو موجوداً لكنه مقصر، فعليك وعلى سائر إخوتك أن تقوموا بمنعها من ذلك، فإن قبلت فبها ونعمت، وإن أبت وتمادت على فعلها، فعليكم بمواصلة نصحها، وبذلك تخرجون من الوعيد الوارد في الديوث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمترجلة، والديوث. رواه أحمد والنسائي.
وأما بخصوص هل للديوث من توبة، فالجواب نعم، لأن الله تعالى ذكر في محكم كتابه أنه يغفر الذنوب جميعاً حيث قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(9/3067)
حكم الكذب لغرض أن لا يبخسوه في راتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أتقدم إلى بعض شركات التوظيف بالخارج وعندما أخبرهم بمرتبي الذي كنت أتقاضاه في عملي السابق يقومون بتبخيس الأجر الذي يعرضونه علي
هل يجوز لي أن أكذب في قيمة مرتبي السابق لكي أحصل على مرتب جيد
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الكذب محرم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه. ويستثنى من ذلك جواز الكذب لتحقيق مصلحة لا تتحقق إلا به دون إلحاق مضرة بالغير.
فإذا كانت تلك الشركات إذا علمت بمرتبك السابق بخستك حقك ولم تجد وسيلة للوصول إلى حقك دون أن تزيد عليه إلا أن تكذب عليها في مقدار راتبك السابق فلا بأس بذلك. قال ابن الجوزي: كل مقصد محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا فهو واجب. وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد": يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 25629 والفتوى رقم: 39551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(9/3068)
أعظم أخوة عرفها تاريخ الإنسانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن تخبروني أين أطلع على قصة (الأخوة في الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)
ولكم جزيل الشكر على الإيميل إذا سمحتم.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رابطة العقيدة هي أقوى الروابط بين المؤمنين، وهي أقوى من رابطة العرق والنسب والدم والوطن والقوم.
ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته على ذلك، فنشأ عن ذلك أعظم أخوة عرفها التاريخ، وهي الأخوة بين المهاجرين والأنصار.
فأفسح الأنصار للمهاجرين في بلادهم، وأشركوهم في أموالهم وديارهم، بل وحتى زوجاتهم، فكان للرجل من الأنصار زوجتان، فيخير أخاه المهاجر بينهما، فأيتهما اختار طلقها، ثم تعتد فينكحها المهاجر، قال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر: 9} .
ولقد تجلت تربية النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على أن الأخوة الحقيقية هي أخوة العقيدة في يوم بدر عندما قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه، وحاول أبوبكر الصدق قتل ابنه، ولما أسر عزيز شقيق مصعب بن عمير قال مصعب لآسره: اشدد وثاقه، فإن أمه غنية، وكان يرجو أن تفتديه بمال كثير، فقال عزيز لمصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟ فأشار للمسلم وقال: هو أخي من دونك، وفي مثل ذلك قال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة: 2} .
هذا، والناظر في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يرى العجب العجاب من صور التآخي بين المؤمنين، وراجع في ذلك: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين. (للخضري) . والرحيق المختوم (للمباركفوري) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(9/3069)
ذكر الشخص بما يسيء إليه من الغيبة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل موقف سيء عندما كنت صغيراً بيني وبين قريبة وهو أنها قامت بصفعي على أذني حتى أن أذني تأثرت لسنوات وذكرت هذه القصة لأحد أحبابي هل يجوز أن أذكر له من هي هذه القريبة واسمها؟ لأنه ألح علي كثيراً ليعرف اسمها وأنا أخاف أن هذا من الغيبة علما أني لا أعلم بالضبط لم قامت بصفعي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم ذكر اسم هذه القريبة لهذا الشخص مطلوب، لأن ذكرها لا فائدة تكسبها منه، لأنك لا ترجو منه أن ينصفك منها، ولأنه قد يكون ما حصل منها كان في صغرها مع أنك لا تدري السبب، فقد تكون أنت الظالم، ولأن ذكرها قد يسيء إليها، وذكر الشخص بما يسي إليه من الغيبة المحرمة.
وبالتالي، فإنك قد أحسنت في عدم ذكر اسمها، وإذا كان ما حصل لأذنك سبب لك ضرراً، فالأولى لك أن تسامحها نظراً لقرابتها منك، ولما في العفو والصفح من الأجر والثواب.
وأما الحديث عنها مع الناس، ففيه اساءة إليها، ولا ترجى منه فائدة، وبالتالي فإنه يتعين تركه، وراجع في جواز ذكر الشخص لسلطان يرجى منه الإنصاف ورفع الظلم الفتوى رقم: 6710.
وراجع في أهمية العفو الفتوى رقم: 54408، والفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(9/3070)
أدب المسلم عند المصيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قد توفيت ابنتي على يدي بعد الحادث بدقائق ولم أشعر بما فعلته فقال لي الموجودون حولي إنني كفرت بإرادة الله فذهبت لشيخ ورديت ديني وندمت علي ما فعلت وعاهدت الله على أن لا أرجع لهذا ثانية فما هو عقابي؟ وبماذا أكفر؟ فأنا الآن عند ابنتي الأخرى بالسعودية لأؤدي عمرة وحج وأتوب لله. هل هذا يكفي - هل تشعر بمراعاتنا لأولادها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لابنتك ويرحمها ويرزقك الصبر وحسن العزاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
ونرجو الله تعالى أن تكون ابنتك من الشهداء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.
متفق عليه. فلا يبعد أن يكون حادث السير مثل الهدم.
وبخصوص شعورها بالثواب وصلة العمل الصالح إذا أهدي لها ثوابه، فإن ذلك حاصل لها إن شاء الله تعالى إذا وقع من مسلم وأهدى لها ثوابه على الراجح من أقوال أهل العلم، فإذا قمت عنها بحجة أو عمرة أو صدقة أو غير ذلك من أنواع الطاعات فإن ثواب ذلك يصل إليها إن شاء الله تعالى، ويشترط في حجك عنها أن تكوني قد حججت عن نفسك.
وأما عن سبب الحادث فإن ذلك قد جرى بقضاء الله تعالى وقدره، وعليك أن لا تشغلي بالك وتضيعي وقتك في التفكير فيه، فهذا أمر سماوي قدره الله تعالى، وعلى المسلم أن يرضى بذلك ويقول كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
فالمسلم يحترس من الشر ويحرص على ما ينفعه، ولكنه إذا أصابه مكروه يقول: قدر الله وما شاء فعل.
وأما ما فعلت من التصرف معها أو مع غيرها أو تلفظت به في حالة الذهول وبدون قصد منك فلا يترتب عليه حكم.
فهو بمنزلة الخطأ والنسيان وحالة الإغلاق.. التي يرفع عن صاحبها القلم مادام في تلك الحالة. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه أصحاب السنن، وعلى افتراض أن ذلك صدر منك في وقت أنت فيه واعية ومدركة، فمادمت قد ندمت على ما صدر منك وتبت إلى الله تعالى، فإن الله تعالى يقبل توبة التائبين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه. وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1425(9/3071)
هل تأثم المنقبة إذا تعرضت للمعاكسة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة منقبة لم يظهر من النقاب سوى العين ولم تكن تضع المكياج أو كحل وتعرضت للمعاكسة هل هي آثمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام أن هذه المرأة ملتزمة بالآداب الشرعية في اللباس والخروج، فليس عليها في ذلك إثم، لأنها لم تكن متسببة فيما حدث، وإنما الإثم على ذلك الشخص الذي قام بهذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(9/3072)
هل يحذر من شخص لطعن عدة أشخاص فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أسأل عن أخلاق رجل إن كنت سمعت عنه كلاماً يسيء إلى أخلاقه وسمعته والكلام الذي سمعته عليه يغضب الله، وأنا لم أر أي شيء بعيني ولم أسمع شيئاً بأذني منه ولكن كلام من 3 أشخاص قالوا لي هذا، وسؤالي هو عن هذا لأنه يخالط صديقا لي حميماً جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي إحسان الظن بالناس، وحمل ما يصدر منهم على أحسن المحامل، إلا إذا ظهرت منهم قرائن تدل على عكس ذلك، أو قامت عليه بينة بذلك، وعلى هذا، فإن كان الأشخاص الذين طعنوا في ذلك الرجل معروفين بالديانة، وعدم الشهادة على الأشخاص إلا بعلم ويقين، وليست لديهم رغبة مشتركة في اتهامه فلك أن تصدق طعنهم في الرجل، وأن تحذر منه صديقك، فإن ذلك من حقوق الأخوة، والدين النصيحة.
وأما إن كانوا غير معروفين بالديانة وتقوى الله، وكانت عندهم مصلحة في اتهام الرجل، فلا تصغ إليهم، ولا تحذر منه صديقك، لأن تحذيرك إياه (والحال هذه) من اتباع الظن، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، فنهى الله عن اتباع الظن الخالي عن القرينة، وانظر الفتوى رقم: 19659 ففيها مزيد بيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(9/3073)
الكلام بالسوء عن شخص لايعرفه المستمع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في أن أتكلم عن أي شخص لصديقتي مثلاً وهي لا تعرف هذا الشخص الذي أتكلم عنه ويمكن أن يكون كلامي فيه غيبة له، ولكن هي لا تعرفه وأنا فقط أسرد لها موقفا حدث لي وجاء ذكر إنسان هي لا تعرفه، هل يكون علي إثم في ذلك، وإذا اغتبت أي إنسان ولو بكلمة واحدة أندم كثيراً واستغفر من ذنبي، ولكنني لا يمكن أن أذهب إليه وأستسمحه لأنني أغتبته حسب ما قرأت في الموقع، ولكنني أستغفر لذنبي ولزلة لساني، كما أنني أستغفر الله لمن اغتبته وأدعو له، هل هذه هي التوبة من هذا الذنب وهل يكفي ذلك لمحو هذا الذنب عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سرد القصة أو ذكر موقف حدث مع شخص معين لمن لا يعرفه لا يعد غيبة، وكنا قد بينا ذلك من قبل فراجع فيه فتوانا رقم: 6082.
وعلى المسلم أن يتجنب الغيبة صغيرها وكبيرها، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وفي حديث المعراج عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. أخرجه أبو داود، ولأبي داود أيضاً: إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق.
فعليك أن تجتنبي أعراض المسلمين ولو بكلمة واحدة، وإذا وقع منك بعض ذلك فتوبي واستغفري، والأكمل أن تستسمحي من الشخص المغتاب فذلك من تمام التوبة، وإذا لم تقدري على التصريح له بالأمر فاستسمحيه في الجملة، وراجعي الفتوى رقم: 5976.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1425(9/3074)
لا حرج في لعن من ورد لعنه في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعنة اليهود والنصارى. هل ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أن لعنهم. من المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن يكون المسلم لعانا كما هو في حديث الرهط لعائشة. أيضا بدأ النبي صلي الله عليه وسلم بعض الأحاديث بلعنهم وكذا ثبت في القرآن فكيف الجمع أفادكم الله وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في جواز لعن الكافر المعين، فمنعه بعضهم لأن حالته عند الوفاة لا يعلمها إلا الله، وذهب آخرون إلى جواز لعنه، وراجع في هذا فتوانا رقم: 11050.
وأما الكافر غير المعين كاليهود والنصارى وغيرهم من الكفار عموما، فقد ورد لعنهم في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {المائدة: 78-79} . وجاء لعنهم في الحديث الشريف، روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
وهذا لا يتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: لا يكون المؤمن لعانا، لأن لعانا صيغة مبالغة، ومعناها كثير اللعن، وأما اللعن لمن ورد لعنه في الكتاب والسنة فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1425(9/3075)
قد يباح الكذب في بعض الأحوال دون بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في استعلامات إحدى الدوائر وجاء خط هاتفي إلى أحد الموظفين فقال لي قل له إني غير موجود فقلت للطالب إنه غير موجود، فهل يدخل هذا في نطاق الكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله الكذب ونهى عنه في مواضع كثيرة، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا خير فيه -إذاً- وعلى المسلم أن يبتعد عنه، ولكنه مع ذلك قد يباح لجلب مصلحة يمكن جلبها دونه أو لدفع مفسدة لم يمكن تفاديها إلا به، وراجع في هذا فتوانا رقم: 39152.
والكذب قد عرفه أهل العلم بأنه الإخبار بالشيء على خلاف الواقع، وعليه فما ذكرته للطالب يدخل في نطاق الكذب، إلا أنه إذا كان الحامل عليه هو جلب نفع أو دفع ضر لم يمكن إلا به، فهو من الكذب المرخص فيه، وإن لم يكن كذلك فهو من الكذب الحرام.
مع أنك لو استعملت التورية، كأن تقصد أنه غير موجود أمامك أو في الغرفة الفلانية مثلاً، كان كلامك غير داخل في نطاق الكذب، لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب، كما قال عمر بن الخطاب وابن عباس وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(9/3076)
آيات تأمر باحترام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من سوريا وعمري 18 سنة وأبي لا يحترمني ودائما يستعمل معي ألفاظا غير مقبولة ويأتي دائما بالأحكام المسبقة، والله شاهد على أني مطبق لأحكام الإسلام اتجاهه فلا يسمح لي بالخروج وأعمال أخرى من التعذيب النفسي، فما أرجوه منكم هو بعض الايات الكريمة التي تأمره بالاحترام.
وشكراً. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم آية تأمر باحترام الأب ولده، ولكنه ثبتت عدة آيات تأمر باحترام الناس على العموم، منها قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة: 83} .ومنها قوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ {آل عمران: 159} . ومنها قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل: 125} . ومنها قوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {العنكبوت: 46} . ومنها قوله لموسى وهارون في شأن فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(9/3077)
وقوف الرجل مع أخته وأصدقائها هل هو من الدياثة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يقف مع أخته ومعها أصدقاؤها من الأولاد في الجامعة ويقول إنهم أصدقاء عاديون والأولاد محترمون على حد قوله، فهل يعتبر ديوثاً ولا يوجد بينهم قصص حب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالديوث هو الذي لا يغار على أهله ومحارمه ويرضى بالفاحشة والمعصية والخنا عليهم، قال ابن منظور في لسان العرب: الديوث القواد على أهله، والذي لا يغار على أهله ديوث، والتدييث القيادة. وفي المحكم: الديوث والديبوث الذي يدخل الرجال على حرمته بحيث يراهم كأنه ليَّنَ نفسه على ذلك..
وفي الحديث الشريف: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث.
ومصادقة الرجال للبنات فتنة وشر مستطير، وعلى المسلم أن يحمى منها نفسه وأهله، استجابة لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6} ، ومن هذه النصوص جميعها يتبين لك أن وقوف الرجل مع أخته ومعها أصدقاؤها في الجامعة هو نوع من الدياثة ولا يرضى به عاقل تحت أي مسمى كان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1425(9/3078)
أثر التلاحي على الأعمال الفاضلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن مقاطعة شخص في العشر الأواخر يؤثر على ليلة القدر أو يضيعها ولو صلينا وقمنا الليل وهل هناك حديث في هذا الأمر، مع العلم بأن هذا الشخص يفوت على بعض الطاعات ومعظم الوقت يمضيه في النميمة والغيبة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم هجر أخيه المسلم فوق ثلاثة إلا لعذر شرعي كبدعة وفسق مثلاً، ومن ذلك هجر من يغتاب الناس ويمشي بالنميمة، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 23920.
ولم نقف على ما يدل على تأثير الهجران المحرم على ثواب قيام ليلة القدر، إلا أنه ثبت أن الهجران سبب للحرمان من مغفرة الذنوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم.
ولعل السائل اشتبه عليه هذا بما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو يعلى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه ليخبرهم بليلة القدر، فوجد رجلين يختصمان ويتلاحيان عند المسجد، فأتى ليحجز بينهما فأنسي ليلة القدر.
ثم من المؤكد على المسلم المحافظة على وقته من الضياع في مجالس اللغو والعبث، فهذه المجالس التي تشتمل على محرم كالغيبة والنميمة لا يجوز الجلوس فيها، لقوله تعالى: فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68} ، وراجع الوعيد المترتب على الغيبة في الفتوى رقم: 45328، كما قال صلى الله عليه وسلم في حق النميمة: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه، والقتات: النمام.
فعلى المسلم أن يبتعد عن مثل هذه المجالس المحرمة، بل استثمار وقته فيما يفيده في دينه ودنياه، وفقكم الله تعالى لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/3079)
عشق المردان.. الداء والدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني أنا تقدمت بسؤال سابق بخصوص الشذوذ الجنسي لكن أعتقد أنكم لم تقرأوا السؤال فقد اكتفيتم بالعنوان أنا أخبرت أنه تركت فعل اللواط وجميع الأفعال القبيحة والأعمال القذرة ولكن مازلت أعاني بعض التصرفات العادية لكن عندما أقوم بها اتجاه هؤلاء الذي يتمتعون بجمال أشعر أن لها طابعا خاصا وأرجو أن تتفهموني وأنا في بعض الأحيان أنظر نظرات شهوة لكني أحاول تركها وما يسبب لي الكرب والهم أني أشعر أنهم مخدوعون في كصديق لهم لكن أريد ترك هذا الإحساس القبيح يا إخوان مع أني أعتقد استحالة تركه تماما.. وأيضا إخواني أنا أفكر فيهم دائما وأشعر أن حبي لهم أكثر من أي أحد آخر..أرجو قراءة سؤالي السابق كاملا.. مع العلم أن الأجوبة التي وضعتموها أي الشروط اللازمة لترك اللواط الحمدلله أقوم بها جميعا.. ولكن أشعر أني أريد ترك هذه العادة لأمر ديني ولكن بسبب ما قلت أني أشعر أنهم مخدوعون في فكيف أصحح نيتي....مع العلم أنهم يحبوني كثيرا وأنا أيضا أحبهم كثيرا ولكن يراودني إحساس أن حبي لهم فقط لجمالهم وهذا يظهر في معاملتي معهم.. فكيف أبتعد عن هذا الشيء ابتعادا تاما، وأرفق لكم الآن سؤالي السابق والمفصل راجيا أن لا تعرضوه للناس وأن تقرؤوه جيدا..--------------السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إخواني في الله أنا شاب في الخامسة عشر من عمري. وأعاني من مسألة الشذوذ الجنسي. وأنا والله أتألم عندما أشعر أنني هكذا.. وأحكي إليكم ماذا جرى لي لتفيدوني بالدواء.. منذ فترة طويلة مارست الجنس مع أحد الشباب من هم في عمري فعلم والدي ونصحني أشد النصائح فابتعدت عن هذا الفعل..ثم والعياذ بالله بعد فترة منذ ذلك الحين عدت ومارسته من جديد.. وأيضا علم والدي وعاقبني ونصحني أيضا ثم تأتي فترات وأقوم به ولكن ليس بمفهوم اللواط أي ليس بكشف عورة.. ولكن الحمد لله منذ فترة ليست بقصيرة ابتعدت عن هذه الأفعال التي تثير الشهوة بشكل كبير.. ولكن للأسف إخواني أنا أشعر أن صحبتي مع الأولاد الذين يتمتعون بجمال تختلف عن صحبتي لأي شخص.. فوالله يا إخوان أشعر بالحزن لما هو في من هذا الشذوذ.. وأشعر أن هؤلاء الأصدقاء مخدوعون في بأنهم لا يعلمون أني في داخلي هذ الشيء.. مع العلم أنهم من أعز أصدقائي.. وأنا أحاول قدر المستطاع أن أبتعد عن هذا الشذوذ.. فالحمد لله تركت النظر إلى الصور الخليعة في الإنترنت التي كنت أسهر عليها الليالي.. والحمد لله أصبحت محافظا على الصلاة جماعة في المسجد.. ولكن إخواني ما زالت بعض الحركات توجد لدي وأشعر أنه لا مجال لتركها.. فمثلا: عندما أضع يدي على كتف احدهم ليس كما أضع يدي على كتف شخص عادي و.. وأني أشعر أني أنظر إليهم نظرة شهوة.. وأنا أحاول جاهدا إخواني اجتناب هذا الشيء.. فبعض الأحيان يأتي هذا الشاب الجميل ويراودني إحساس أن أنظر إلى أحد المواضع في جسمه ولكن أمنع نفسي عن ذلك فلا أنظر وهذا ما يدخل في قلبي أنه ليس من المستحيل ترك هذا الشذوذ.. علما آبائي العلماء أني تركت الأفعال التي تؤدي إلى اللواط أي الأفعال التي تثير الشهوة بشكل كبير.. ولكن ما زالت هناك بعض الحركات التي ليست بغريبة ولكن أشعر أن لها طابعا خاصا في قلبي عندما أفعلها مع الأولاد الوسيمين.. وأخيرا.. سمعت أن الحل الوحيد لهذا الداء هو الزواج. ولكن من سابع المستحيلات أن أطلب هذا الشيء من والدي خاصة وأنا في هذا العمر.. وأدعو الله راجيا منه أن يبعدني عن هذا الشذوذ والتحرش الجنسي.. آملا إيجاد حل شاف وكاف من فضيلتكم.. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نحمد الله تعالى ونشكره على ما من عليك به من التوبة والإنابة إليه، ونسأله سبحانه أن يتم علينا وعليك نعمة الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى. وإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى التوبة الصادقة حقا فلا تترك للشيطان مجالاً يلعب بقلبك فله في ذلك طرق شتى ومصادر متنوعة، فقد يغري الإنسان بمحقرات الذنوب وصغائرها إذا يئس من أن يوقعه في الكبائر، وقد يشككه في صدق توبته وصحة إنابته إلى الله تعالى حتى يحرمه من لذة التوبة والإنابة والطمأنينة التي تعقب ذلك، وقد يؤدي ذلك إلى الانتكاسة، نسأل الله السلامة والعافية. فعلى التائب أن ينتبه إلى هذه المداخل الشيطانية ويحذر منها، ويسأل الله تعالى العصمة.
واعلم أنه قد تكون معك بقايا من داءٍ هو من أشد الأدواء فتكاً بالقلوب ألا وهو عشق المردان. ولكن قال صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله. رواه أحمد وصححه الألباني. وإن أنجح دواء لك هو قطع صلتك بهم مطلقاً، ولا تصاحب من يصاحبهم حتى لا يذكرهم لك أو يأتيك بأخبارهم فيهفو إليهم قلبك. وهذا الدواء فيه نوع مشقة، لكنه أكيد بإذن الله، وإن مما يعينك على تركهم علمك أنك تترك محبتهم والتعلق بهم لمحبوب آخر أعلى منهم هو الله جل في علاه. وانظر الفتوى رقم: 9360، فإن فيها بيان داء العشق ودوائه، وانظر الفتويين: 7413، 179. فإن فيهما بعض التدابير الشرعية الواقية من الوقوع في فاحشة اللواط ـ عياذاً بالله. هذا وقد سئل الإمام الرباني ابن قيم الجوزية السؤال التالي: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل ابتلي ببلية، وعلم أنها إن استمرت به أفسدت عليه دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما يزداد إلا توقداً وشدة، فما الحيلة في دفعها، وما الطريق إلى كشفها؟ فرحم الله من أعان مبتلى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. أفتونا مأجورين رحمكم الله تعالى. فأجاب رحمه الله إجابة أبدأ فيها وأعاد، وأجاد فيها وأفاد، وإجابته تلك مطبوعة في كتاب اسمه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي. أو (الداء والدواء. فنحيلك عليه. نفعك الله به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(9/3080)
الوفاء بالعهد من الأخلاق الواجبة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أن إحدى صديقاتي مرة عملنا أنا وإياها خيرا وهي استمرت عليه وطلبت مني أن أواصله بدلها وهي تهتم بآخر أنا في البداية وافقت وساعدتها بقليل منه وهو عبارة عن تصويت لأحد البرامج النافعة والدينية وبعد ذلك أعطتني تصويتات كثيرة وأنا تكاسلت والأوراق التي أعطتني إياها غير مرتبة وكثيرة وأنا أشعر بأنه ثقيل علي وما أعرف ماذا أعمل ولا أقدر أن أعيدها لها لأن بقاءها عندي كثير وأنا أخجل أن أقول لها أني لم أعمل الباقي ... فماذا أقول وأعمل؟؟؟ وهل أنا آثمه إذا لم أخلص هذا العمل وعلي ذنب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه التصويتات والاستبيانات تجلب نفعا كتطوير البرامج المذكورة وحسن إخراجها أو أدائها ونحو ذلك، وكنت عاهدت صديقتك على مساعدتها في توزيع تلك التصويتات وترتيبها، فإن الوفاء بالعهد من الأخلاق المهمة في ديننا الحنيف، وقد أمر به الله تعالى في قوله: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الاسراء: 34} . وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من خلف الوعد واعتبره خصلة من خصال النفاق، قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. وعليه فإذا كان خلفك لما عاهدت عليه صديقتك هو لمجرد التكاسل فإنك بذلك قد أثمت، وعليك أن تتوبي إلى الله مما أخلفت. وإن كان تركك لما التزمت به هو لسبب صعوبته وأنك لم تستطيعيه فلا حرج عليك في ذلك، فإنه: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وعليك أن تتداركي ما يمكن تداركه مما ذكرت، وتعتذري لصديقتك عما لا تستطيعين إنجازه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(9/3081)
من شأن المؤمن الابتعاد عن مواطن الشبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ عندي صديقة من حبي لها أخذت البريد الإلكتروني الخاص بزوجها من قائمة زوجي دون علم زوجي حتى أرسل لها صفحة من الفتاوى وأضفت الإيميل حتى إن كان هناك موضوع أستطيع أن أرسله لها المهم أنني بالخطأ وضعته ضمن القائمة التي تظهر عندما يكون أي من الأصدقاء متصل بالإنترنت المهم أنني عندما أتصل بالإنترنت أجد زوج صديقتي متصلاً بالإنترنت في بادئ الأمر كنت أتجاهله خاصة أنه يتصل من مكان عمله حتى أنني قلت لزوجته ذلك، ولكني اليوم قمت بإرسال رسالة له بعد أن رأيته متصلاً لأسأله عن زوجته لأنهما منتظران وصول مولود جديد وأنا حاولت أتصل بها ولكنها لم تجب علي فأرسلت له حتى أطمئن عليها، وللعلم عندما أرسلت زوجي غير موجود في المنزل ولا يعلم، أنا أسأل لأني بعدما فعلت ذلك أشعر بالتأنيب وغير مرتاحة لما فعلته، وأنا في النية أن أقول لزوجي بما حدث اليوم، فما الحكم في الموقف كله؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21} ، وما قمت به من إرسال رسالة عبر الإنترنت إلى زوج صديقتك دون علم زوجك يخشى أن يكون خطوة من أولى خطوات الشيطان يريد أن يستدرجك ويوقعك في حبائله ويدمر بذلك حياتك وبيتك ويكدر صفو علاقتك بزوجك فاحذري كل الحذر من مثل هذه الخطوات والنزعات، ولا تعودي لمثل هذا التصرف مرة أخرى إلا بعلم زوجك، علماً بأن الأصل إباحة سؤال المرأة للرجل الأجنبي أو العكس عن الأمور العادية.
لكنا ننصحك بحذف البريد الإلكتروني الخاص بزوج صديقتك أو أي رجل آخر، والبعد عن مواطن الشبهة فإن الشيطان ربما ألقى في قلب زوجك شيئاً عنك، روى البخاري في صحيحه عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: إن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب (أي ترجع) فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً.
قال النووي في شرح مسلم: فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء، وفيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان فإنه يجرى من الإنسان مجرى الدم فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشره. والله أعلم. انتهى، صانك الله وجميع نساء المسلمين من كل سوء وجنبك مواطن الفتنة والريبة إنه على ما يشاء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(9/3082)
تفويض أمر الظالم إلى الله لا يعتبر نوعا من الضعف
[السُّؤَالُ]
ـ[أعطيت مالا لأحد الأشخاص نظير أن يقوم بمساعدتي في توفير فرصة عمل لي في إحدى الدول العربية ولكنه أخذ يماطلني ويؤخرني وعندما سألته عن أموالي وماذا فعل بها قال إنه أنفقها كلها وأنه لا يجب علي أن أسأله وأحاسبه باعتبار أنه في سن والدي الآن أنا لا أتقبل محادثة هذا الشخص وأشعر بنفور شديد ناحيته (أنا أكرهه كرها شديداً الآن) هل يدخل ذلك تحت إطار أنه مسلم ولا يجب علي أن أقاطعه فوق ثلاثة أيام؟ وهل يجوز لي أن أدعو عليه؟ وإن سامحته وفوضت أمري لله هل تعتبر مسامحتي له؟ مع العلم أنني لن أتحدث إليه ثانية نوعاً من الضعف؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نريد أولاً أن ننبهك إلى أن إعطاء المال للمساعدة في توفير فرصة عمل إذا كان مقابل جهود يبذلها الشخص فلا حرج فيه، وإن كان هذا الشخص لا يبذل إلا جاهه فلا يجوز أن يدفع له شيء في مقابل ذلك، وراجع في أحكام ثمن الجاه فتوانا رقم: 9559.
واعلم أن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام لا يباح، روى الشيخان من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرف هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وقال ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفس أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية ... وفيه قبل هذا: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده ...
وعليه، فإن كان هذا الشخص لا يسبب لك فساداً في دينك ولا تخشى منه مضرة على نفسك أو دنياك، فإن مجرد كرهك له لا يبيح لك أن تهجره فوق ثلاث ليال، وإذا كنت تسلم عليه إذا لقيته فإن نفورك من محادثته لا يعد هجراً، والأحسن أن تسأله عن حاله ولو كنت تكرهه، فإن في ذلك إرغاماً للشيطان.
وقد أباح العلماء الدعاء على الظالم لما ثبت من ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، وراجع في الفتوى رقم: 20322.
وعليه، فإذا كان الرجل المذكور قد ظلمك فلا حرج عليك في الدعاء عليه، ولكن الصبر على ظلمه والصفح عنه أفضل، قال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 43} .
وبذلك تعلم أن مسامحته وتفويضك الأمر إلى الله لا يعتبر نوعاً من الضعف، بل هو نوع قوة لأنه انتصار على أعتى الأعداء وهو إبليس عليه لعنة الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/3083)
التصريح باسم العورة للحاجة.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤالان يحيراني وأرجو الإفادة.
1- كنت أظن أن الكلام الفاحش حرام وأعيب على أصدقائي قوله حتى أنني هجرتهم لأجل ذلك, إلى أن جاءني أحدهم بهذه الأحاديث وقال إنها صحيحة وهي كذلك، وأرجو المعذرة على هذه الصراحة:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا
- لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت) . قال: لا يا رسول الله، قال: (أنكتها) . لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.
- قول أبي بكر لأحدهم: امصص ببظر اللات.
- قول حمزة لأحدهم يا ابن أم أنمار مقطعة البظور.
واحتج أصدقائي بأن الصحابة كانوا يقولون ذلك فصدمت ولم أجد جوابا فهل معهم حق؟
2- أنا لا أريد أن أكشف عورتي حتى لزوجتي أو للطبيب وأفضل الموت على ذلك. أرفض أن أكشف عورة زوجتي لأني أعتقد أن تعري الزوجين قلة حياء ولا يليق بإنسان محترم. أيضا من الأسباب التي تمنعني من الزواج هو أنني لا أريد لأحد أن يطلع على عورة زوجتي عند الولادة حتى الطبيب. ثم لا أفهم لماذا حرم الله سبحانه كشف العورات ثم في نفس الوقت يجب كشف عورة المرأة عند الولادة أليس في ذلك إذلال لها؟
المعذرة على أسئلتي ولكني في حيرة من أمري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن الحياء من أفضل الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها فهو جزء من إيمان المسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله حيي يحب الحياء، وستير يحب الستر، فإذا اغتسل أحدكم فليتوار ... رواه عبد الرزاق في مصنفه.
ولا ينبغي أن يصل الحياء بالمسلم إلى حد الخجل والتعقيد الذي يمنع الشخص من ممارسة حياته الطبيعية، فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده.
فهذا ليس هو الحياء المطلوب شرعاً. فالمسلم مطالب بأن يمارس حياته بصورة طبيعية متحلياً بأخلاق الإسلام الفاضلة ليس بلعان ولا طعان ولا فاحش ولا بذيء ...
وإذا عرض له موقف يستدعي التصريح وترك الحياء صرح بما يريد إيثاراً للمصلحة ودفعاً للمفسدة، والأحاديث التي أشرت إليها أحاديث صحيحة جاءت في هذا السياق واستدعتها الظروف والمواقف، والصراحة في ذلك الوقت هي عين الحكمة والمصلحة، وقد قيل: لكل مقام مقال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: قال أهل العلم: يجوز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة ... كما في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا.. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
ومثل ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه لعروة بن مسعود يوم الحديبية: امصص بظر اللات. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لماعز بن مالك، وقول حمزة رضي الله عنه لسباع: بابن مقطعة البظور، فكان ذلك يقتضيه المقام وتستدعيه المصلحة.
وعلى كل، فلا ينبغي أن يكون الحياء مانعاً للمسلم من ممارسة حياته الطبيعية فكشف العورة إن كان حراماً شرعاً ومذموماً طبعاً لكنه يباح عند الضرورة والحاجة.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. رواه أصحاب السنن، وكذلك من الطبيب والقابلة عند الولادة لأن ذلك في حكم الضرورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/3084)
إعانة الأخ في أمر زواجه يورث المحبة والألفة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتحدث مع أخوتي منذ ثلاث سنيين وكانوا يريدون مني أن نأخذ جميعنا قرضا بضمان البيت الذي نملكه كلنا لصالح واحد منا لكي يستطيع الزواج ولكن أثناء الكلام تعصبت بشدة وقلت وأنا في شدة الغضب علي اليمين ما أنا آخذ قرضاً على ما أتذكر أو على اليمين ما أنا عامل قروض. لأنهم في النقاش يضايقون بشدة والآن هو في أشد الحاجة لمثل ذلك هو ممكن يعمل كل شىء لوحده لكن لابد من توقيعي على الورق بصفتي من الورثة وممكن أنا أساعده في بعض الإجراءت لكن أنا غير متذكر ماذا كانت نيتى وقتها لأننى لم أكن أنوى أني سوف أحلف ولكن إغضابهم لي بشدة كان ردة فعله القسم وبسرعة فماذا أفعل إذا أردت أن أساعده في مثل ذلك هل علي كفارة وما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لك أن تعين أخاك المحتاج في أمر الزواج، فإن هذا من التعاون الذي أمر الله به بقوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة: 2} . وهو مما يورث المحبة والألفة بينك وبينه إلا أننا ننبهك إلى التأكد من مشروعية القرض الذي سيقدم عليه أخوك، فإن كان فيه ربا فلا تجوز لك إعانته عليه، وإن كان قرضاً حسناً بغير فائدة فعاونه لما سبق ذكره ولا كفارة عليك، لأن الأصل براءة الذمة إلا إذا تيقنت أو غلب على ظنك أنك حلفت على عدم إعانته فعليك كفارة يمين إذا أعنته، والكفارة مبينة في قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/3085)
من اعتذر لأخيه فقد أدى ما عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى زميلاتي في العمل أشعر أنها لا تحب أن تسلم علي وأحيانا تتحاشاني وذلك بسبب تصرف بدر مني ولم يعجبها مع العلم أني حاولت الاعتذار لها وبينت لها أني لم أكن أقصد, وذلك منذ سنة تقريبا وطيلة تلك الفترة أحاول إراضاءها لأنها أكبر مني في السن على الرغم من صدها لي، وأحاول جاهدة تنفيذ أمر الله بدفع السيئة بالحسنة وأذهب إليها لأسلم عليها حتى الآن ونحن في رمضان أشعر أنها تتحاشاني. فماذا علي أن فعل , وأنا لا أود أن أحرجها بكثرة محاولتي لأكون أفضل منها وكأن شيئا لم يكن, فهل علي شيء إن لم أسلم عليها دون تعمد وإن لم ألح عليها _ بطريقه غير مباشرة _ لإفهامها إن الموضوع انتهى ولا يستحق كل هذا. أم ماذا أفعل فنحن في رمضان وهي زميلتي كل يوم أراها تقريبا ولا أريد أخذ آثام وذنوب بسبب صدها لي؟ صدقوني حاولت بكل ما يسعني كي لا أرد إساءتها بمثلها بل العكس أردها بإحسان وهي تعلم ذلك. أعتذر عن الإطالة ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت عندما اعتذرت إذ أخطأت، فهذا دليل الإنصاف، فإن الشيطان حريص على إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم. رواه مسلم. وما دمت قد اعتذرت لصديقتك، فقد أديت ما عليك، ففي الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا، ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وننصحك بأن تبذلي المستطاع من الأسباب لوصل ما انقطع بينك وبين صديقتك، ومن ذلك أن تسألي الله في دعائك أن يفتح بين قلبيكما بالحق، ومن ذلك أيضا أن تدخلي إحدى الأخوات الثقات الحريصات، فتصلح بينكما، فتذكرها بجزاء العافين عن الناس كقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {لشورى: 40} . وقوله: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {لنور: 22} . وتحذرها كذلك من مغبة التقاطع والتهاجر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس، فيغفر في ذلك اليومين لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا من بينه وبين أخيه شحناء، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا. رواه أحمد وأبو دواد. فإن لم تجد معها محاولات الصلح فلا عليك، إذ لا يكلف الله نفساً إلى وسعها، وأما إلقاء السلام، فإنه سنة عند جمهور العلماء، لكن رده واجب بالإجماع، وراجعي الفتوى رقم: 22278.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(9/3086)
تحذير المظلوم لا يدخل في الغيبة ولا النميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تحذير شخص من شخص آخر ينوي له السوء يعتبر من النميمة، فقد تحدثت لي فتاة بنيتها في الإضرار بفتاة أخرى والتسبب لها بمشكلات ومن خوفي على هذه الفتاة قمت بإخبارها بأن تحذر وأن فلانه تنوي لها السوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان ينبغي لك أن تكفي زميلتك عن ظلمها لزميلتك الأخرى، وأن تنكري عليها، وأن تذكريها بالله العظيم وبأليم عقابه، وأنه ينتصر للمظلوم، ويسمع دعاءه ... فقد قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
فإذا أصرت على ظلمها، فلك أن تخبري زميلتك المظلومة لتأخذ حذرها، وليس ذلك من النميمة المحرمة، وإنما هو من النصيحة، قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وكذلك تحذيرك لزميلتك المظلومة من زميلتك الظالمة ليس من الغيبة المحرمة، وانظري الفتويين: 6710، 17373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1425(9/3087)
سبيل التحلي بمحاسن الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستطيع المسلم تصفية نفسه من الأخلاق السيئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك أسباباً تعينك على التحلي بالأخلاق الحسنة والتخلي عن الأخلاق السيئة، منها: أولاً: سؤال الله تعالى أن يحسن أخلاقك، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يسأل الله فيقول: اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. رواه مسلم، وكان يقول: اللهم كما حسنت خلقي، فحسن خُلقي. رواه الطبراني.
ثانياً: معرفة أن سوء الخلق يفسد العمل الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل. حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة. حسنه الأرناؤوط.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. رواه مسلم في صحيحه.
ثالثاً: معرفة ثواب التمسك بالأخلاق الحسنة، فقد ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تبين منزلة الأخلاق الحسنة في الإسلام وعظيم أجر المتمسك بها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً. رواه الترمذي، وقال أيضاً: وإن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. رواه أحمد وأبو داود، وقال: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق. رواه الترمذي وأبو داود.
رابعاً: معرفة الآثار الدنيوية المترتبة على التحلي بالخلق الحسن والتخلي عن سيئه، ومن ذلك إزالة الأحقاد والخصومات بين الناس، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، هذا ومما ينبغي التنبه له أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين النظام الأخلاقي في الإسلام وبين التصور الاعتقادي، انظريه في الفتوى رقم: 53373.
وكذلك لا بد للمسلم من علو لهمته ومن مجاهدة لنفسه، فإن سلعة الله غالية وهي الجنة، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1425(9/3088)
الصلح خير ولابد من التنازل والتسامح من الطرفين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أخوان متخاصمان منذ زمن، والسبب مشاكل في الشراكة في البيت فالأخ الكبير هو من بنى البيت عندما كان في الغربة وعند عودته من الغربة! كان الأخ الأصغر قد زور كل ممتلكات أخيه باسمه بعد أن كان وكيلا’ لأخيه المغترب ثم دخل بينهم الناس وأصلحوا بينهم على أن يقتسم البيت نصفين بعد أن حلف الأخ الصغير بأنه شريك, ثم هدأت الأوضاع لمدة من الزمن وبعد مدة وكان الأخ الأصغر في أمريكا وجد الأخ الأكبر في خزان بيته حمامة ميتة وقد كان الماء ملوثا بالكامل علما بأن الخزان في الدور الخامس لايستطيع الوصول إليه إلا أولاد الأخ الأصغر وقد كان الخزان مغلقا بإحكام, فعندما اكتشف الأخ الأكبر موضوع الحمامة أرسل رسولا من الأقارب إلى أولاد أخيه يطلب منهم اليمين بالله بأنهم لم يضعوا الحمامة فرفضو بشده, فقام أحد أولاد الأخ الأكبر بالذهاب إلى المباحث للشكوى لكي يأخذوا البصمات فحضر المباحث ورأوا أثار الأقدام من سطحهم إلى سطح الأخ الأكبر وهي ذهاب وإياب فزدات المشكل توتراٌ وانفصل الأخوان عن بعضهم حتى الآن رغم أن الأخ الأكبر هو من ربى أخاه الأصغر وعلمه وزوجه؟ فماذا تنصحون هذين الأخوين وماهي الطريق للصلح بينهما جزاكم الله عنهما ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصح به الأخوين المذكورين وأبناءهم هو تقوى الله تعالى وصلة الرحم والبعد عن كل ما يجر إلى الشحناء والبغضاء وقطيعة الرحم ... من التسبب في آذية بعضهم بأي وسيلة. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {الأحزاب:58} . ويكون الإثم أعظم إذا كان ذلك عن طريق المكر والكيد ... فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار. رواه ابن حبان في صحيحه وله أصل في صحيح مسلم. كما نذكرهما بقول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى: 40} . وعلى إخوانهم وأهل الخير جميعا أن يسعوا لإصلاح ذات بينهم، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10} . وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يارسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة. وفي رواية: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه أحمد وأصحاب السنن. ولا بد من التسامح والتنازل من الطرفين وإزالة الأسباب التي أدت إلى المشاكل حتى تصفو النفوس وتطمئن القلوب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1425(9/3089)
نصيحة لمن يريد أن ينتحر بسبب الديون وعدم القدرة على الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد الزواج وليس معي أي أموال والأكثر أنني مديون بمبلغ 1000 دينار كويتي ثمن فيزا اشتريتها ولم أحصل على عمل منذ عام في الكويت ولا أستطيع أن أصبر أكثر من ذلك ورجعت إلى مصر وحالتي يعلم بها الله وأنا سوف أرجع إلى الكويت بعد شهرين وأخاف مما تخبئه الأيام فماذا أفعل لن أصبر أكثر من ذلك فأنا تراودني نفسي على الانتحار وربنا يستر فقل لي أنت ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقضي دينك، وأن ييسر لك الزواج، ونبشرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف. رواه الترمذي وأحمد وغيرهما، بل إن الزواج قد يكون سبباً للرزق، وانظر الفتوى رقم: 7863.
هذا، وإن سفرك القادم للكويت قد يكون باب رزق وسبب خير لك في قضاء دينك، فأحسن الظن بربك، وتوكل عليه، قال تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 3} . وانظر الفتوى رقم: 6121.
وأكثر من دعاء الله بإلحاح، وتلمس أوقات الإجابة، وانظر الفتاوى رقم: 23599، 17449، 32655، 8581.
وعليك بالصبر، فإن في ابتلاء المؤمن خيراً له إن هو صبر واحتسب، وقد وعد الله عز وجل باليسر بعد العسر، وفتش في نفسك، فلعلك قارفت ذنباً ضيق الله عليك بسببه، وتب منه توبة نصوحاً، فما وقع بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 9694.
وحذار أن تقدم على الانتحار، فهو كبيرة من الكبائر، ولقد توعد الله فاعله بالعذاب الشديد يوم القيامة، وانظر عقوبة المنتحر في الآخرة في الفتاوى: 5671، 10397، 8012.
والدنيا أحقر من أن يتعرض العبد بسببها لعقاب الله، وإن أعظم ضيق فيها ينساه العبد المؤمن مع أول غمسة له في الجنة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا - من أهل الجنة - فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا. والله يارب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط!! ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1425(9/3090)
جواز تحايل المرء للحصول على حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة خريجة كلية التربية، وقد عملت في إحدى المدارس الخاصة هنا سنتين وقد رفضت مديرة المدرسة التي كنت أعمل بها أن تعطيني شهادة خبرة عندما احتجت إليها مع العلم أنني كنت معلمة متميزة في مادتي وحب الطلبة لي وذلك لأنني أعمل بضمير وأعلم أن الله سيحاسبنا على إتقاننا في أي عمل نعمله، وأنا الآن بدون عمل بسب ظروف اضطرتني للسفر إلى مصر وترك العمل في المدرسة الخاصة التي كنت بها، وأود أن أقدم للعمل في مدارس أخرى لكي أعمل، وكلما سألت في مدرسة يسألون عن شهادات خبرتي، وأرد أنني عملت سنتين في مدرسة كذا هنا في الإمارات ولكن ليس معي شهادة وهذا لا يقنع وخاصة أن المدارس ترفض مجرد تقديم طلب بدون شهادة خبرة، وقد قمت بعمل شهادة من مصر تفيد أنني عملت سنتين في إحدى المدارس الخاصة -التي لم أعمل بها في الواقع- حتى أتمكن من التقديم للعمل هنا، وقد فكرت أن هذا حقي الذي لم تعطيني إياه مديرة المدرسة التي كنت أعمل بها -سامحها الله- فهل هذا جائز شرعا حيث إنني مدرسة بالفعل وكنت أرضي الله في عملي ولكن تنقصني شهادة الخبرة وأنا محتاجة للعمل حتى أساعد زوجي في تحمل أعباء الحياة، أم أن هذا حرام حيث إن هذه الشهادة تقول إنني عملت في مدرسة كذا وأنا لم أعمل بها، ولكن عملت في مدرسة أخرى بنفس عدد السنتين، أفيدوني أفادكم الله؟ وشكراً جزيلاً لسيادتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحصول على شهادة الخبرة من المدرسة التي كنت تعملين بها حق من حقوقك، فإذا تعذر إثبات هذه الفترة من الخبرة بعد السعي في تحصيلها جاز التحايل عليها بما لا يضر بالغير، قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى.
وقال صاحب دقائق أولي النهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس ومحارب، ولزوجة فقط. قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به. انتهى.
وقولنا بالجواز هنا مشروط بأن يكون العمل في التدريس في ذاته مباحاً كتدريس القرآن وعلوم الشرع والرياضيات والعلوم التجريبية ونحو ذلك، مع الالتزام بالزي الإسلامي والحجاب الشرعي، ونبذ التبرج والاختلاط المحرم ومواطن الفتنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(9/3091)
العلاج النافع في حال وقوع البغضاء والتشاحن
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد قرأت في إحدى إجاباتكم أن أحد الثلاثة الذين لا ترتفع لهم صلاة: المرأة التي بات زوجها غضبان عليها. حيث ذكرتم الحديث التالي \"ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا، رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارعان\" وكما تعلمون فحياتنا مليئة بالمشاحنات، وأحيانا يكون الزوج مخطئا بوضوح بحيث يستحيل علي أن أعتذر له وهو المخطئ في حقي، فكرامتي كإنسانة لا تسمح بذلك.. ماذا أفعل في هذه الحال؟ وللعلم فقد أكثرت من الاستسماح منه سواء كنت المخطئة أو كان هو المخطيء مما زاده تبجحا وقلة احترام لي، وهي نفس النتيجة التي كنت أحصل عليها عند مصالحتي لشقيقاتي وهن المخطئات في حقي لعلمي بحرمة القطيعة، وهو ما ذكر في الحالة الثالثة لمن لا ترتفع لهم صلاة.. ما الحل الأمثل للصلح مع المحافظة على ماء الوجه في حال كان الطرف الآخر هو المخطئ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوقاية خير من العلاج فعلى المسلم أن يتصف بحسن الخلق في أقواله وأفعاله ومعاملاته. مع الناس كافة وخاصة مع أقاربه، وبصورة أخص مع الزوج. قال الله تعالى: وقولوا للناس حسنا {البقرة: 83} . وليعلم أنه بحسن خلقه وطيب معاشرته مع الآخرين يكسب حبهم واحترامهم، ولا يحصل بينه وبينهم شيء من التشاحن والخصام. ونذكر الأخت بما ورد في فضل حسن الخلق والترغيب فيه، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة. رواه الترمذي. وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. رواه الترمذي وأبو داود وأحمد والدارمي. وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. وعلى المسلم الاتصاف بلين الجانب والسهولة في التعامل مع الآخرين، وبخاصة مع الزوج والأقارب حتى يكون من أهل الجنة، ولا يكون من أهل الاستكبار والعتو والتجبر الذين هم أهل النار. والعياذ بالله ففي الصحيحين من حديث حارثة بن وهب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم بأهل الجنة: كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ مستكبر. قال النووي -رحمه الله-: ضبطوا قوله متضعف بفتح العين وكسرها. المهشور الفتح، ولم يذكر الأكثرون غيره، ومعناه: يستضعفه الناس ويحتقرونه، ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، يقال: تضعفه واستضعفه، وأما رواية الكسر فمعناها: متواضع متذلل خامل واضع من نفسه. انتهى. أما العلاج في حال وقوع شيء من هذه المشاحنات فهو أن تؤدي الذي عليك من حق تجاه المشاحن والمخاصم سواء كان زوجا أو أخا أو غيرهما بترك التشاحن والتدابر والهجر والسعي للتصالح معه، فإن قمت بما عليك ثم وجدت منهم جفاء وغلظة فاحتسبي الأجرعند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال عليه الصلاة السلام: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. ومعنى (تسفهم المل) تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، كما يلحقهم الألم في الرماد الحار، ولا تكوني داخلة في الحديث المذكور في السؤال
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(9/3092)
يريد أن يطلق زوجته لنطقها اسم غيره أثناء المداعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوا المعذرة فسؤالي يمت إلى حياتي الخاصة فأنا شاب أثناء معاشرتي لزوجتي في إحدى الليالي نطقت اسم غيري أثناء المداعبة قبل الجماع، وغيري هذا شخص أعرفه أنا وهي، وعند ذلك قامت ثورتي وغضبي، ولكنها بررت ذلك بأنها كانت تفكر في ما جعلني هذا الشخص أفعل إذ أنني ولأول مرة أمامها تناولت الشيشة معه كنوع من المداعبة. وهذا الشخص قد تعرفت عليه من خلالها فهو زوج صديقتها المقربة لكني لم أقتنع بهذا الكلام وفكرت في الطلاق أكثر من أي شي آخر. لكني بدأت أفكر في ابننا وفي المؤخر وغيره من الأمور ومع توسلاتها ودموعها تركتها وتحسنت الأمور بيننا مع الأيام، لكني لم أستطع أن أغفر لها ذلك ودائما أفكر في ما فعلت.أنا الآن مسافر في بلد عربي أنا متأكد من إخلاص زوجتي ولكني لا أستطيع أن أنسى. أرجو أن توضح لي ما علي فعله مع العلم بأنها ابنت عمي. أنا في حيرة كبيرة. هل علي أن أطلقها مع العلم بأني بدأت أفكر في أخرى كانت لي علاقة بها قبل الزواج وهي متزوجة لم أفكر في شيء حرام إلا أنني أريد أن أتحدث معها، وأنا أعلم أن ذلك حرام فماذا أفعل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تنبني علاقتك بزوجتك على حسن الظن وعدم الريبة بها لا سيما أنك متأكد من إخلاصها لك، والذي تبين لنا من سؤالك عن حال هذه المرأة هو أنها محبة لك ومخلصة، وأن الذي صدر منها ربما كان زلة لسان لا غيره وما دمت لم تجد دليلا دامغا على عكس هذا فلا ينبغي أن تقسو على زوجتك بالعتاب، ولا أن تهلك نفسك بالغيرة على أمر قد يكون غير موجود. ومن هنا ندعوك إلى نسيان ما بدر منها، وإلى صرف هذه الوساوس عن قلبك والتي قد توقعك في نهاية المطاف إلى تطليق زوجتك لغير مبرر لذلك، وانظر الفتوى رقم: 25070، والفتوى رقم: 46201. أما بخصوص التحدث مع تلك المرأة التي قد كان لك بها علاقة محرمة في السابق فالواجب عليك البعد عن ذلك والتوبة إلى الله تعالى مما مضى، واعلم أن أي وسيلة منك لاستمالة هذه المرأة تعد من قبيل التخبيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(9/3093)
حكم طلب إجازة مرضية (وهمية) للتفرغ للعبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشتغل في منطقة نائية تبعد عن المجال الحضاري كثيرا مما يحول وقيامي بكثير من الأعمال والعبادات منهامثلا: صلاتي في المسجد. أنا أعرف أنه ليس فرضا على المرأة، ولكني أحب الصلاة في المسجد مع الجماعة لأني أحس بحماس أكبر وخشوع. فهل يمكنني تقديم رخصة مرضية، علما أنني غير مريضة لأنني أريد أن أحيي العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم في بيتي في المدينة مع أسرتي حتى يمكنني أن أشعر بالجو الحقيقي لرمضان، وحتى أقوم بما فاتني من عبادات وطاعات. هل أكون بذلك آثمة لأنني سأكذب في هذه الحالة. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإحياؤك للعشر الأواخر من رمضان وغيرها ليس عذراً شرعيا لطلب رخصة مرضية مع عدم وجود مرض واقع فعلا، وبالتالي فلا يجوز ذلك لما يشتمل عليه من الكذب الذي هو صفة من صفات المنافقين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. متفق عليه. إضافة إلى الغش والمخادعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منى. رواه مسلم وغيره. وعليه فالذي ننصح به هو الإعراض عن مثل هذه الفكرة، وأن تجتهدي في هذا الشهر الكريم بما يمكنك من عبادات من صيام وقيام وأذكار وغيرها من أنواع الطاعات، وستجدين على ذلك الأجور الكثيرة إن شاء الله تعالى، أو تطلبي من جهة العمل إجازة بدون كذب ولا غش حتى تتفرغى لما ترغبين فيه من إحياء آخر الشهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(9/3094)
حكم الأكل من الطعام المجبر عليه صاحبه بسيف الحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الأصدقاء يحصل أن نلتقي أحيانا على وجبة عشاء نشترك في دفع تكاليفها أو يتطوع أحدنا بذلك، وإذا ما غاب أحدنا أو بعضنا عن الحضور في المكان واليوم – وبدون عذر يقبل منه- المحدد تتم معاقبته بتحمل تكاليف عشاء قادم مع أنه قد يجبر أدبيا على قبول هذا الجزاء. السؤال هو: هل يجوز الأكل من هذا الطعام المكره صاحبه أدبيا - بسيف الحياء-أو حضور جلسته؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحل إحراج المرء واضطراره إلى دفع شيء من ماله لم يكن يريد دفعه. قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أخذ منه شيء على سبيل الحياء من غير رضا منه بذلك أنه لا يملكه الآخذ، وعللوه بأن فيه إكراها بسيف الحياء فهو كالإكراه بالسيف الحسي، بل كثيرون يقابلون هذا السيف ويتحملون مرار جرحه ولا يقابلون الأول خوفا على مروءتهم ووجاههتم التي يؤثرها العقلاء ويخافون عليها أتم الخوف. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل مال المرء دون طيب نفسه، فقال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد. وعليه فلا يجوز الأكل من المال المكره عليه صاحبه بسيف الحياء، ولاحضور الجلسة التي يكون فيها هذا الإكراه. ومن حضر الجلسة وجب عليه تغيير هذا المنكر حسب طاقته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستعطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(9/3095)
يأخذ من أبيه أموالا للدروس الخصوصية ويشتري بها مجلات هابطة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
القضية باختصار هي أنني شاب عمري 17 عاماً كنت آخذ نقوداً من أبي وأنفقها في شراء المجلات الهابطة حتى وصل المبلغ إلى400 جنيه ولقد تاب الله عليّ فماذا أفعل في تلك النقود خاصة أنني كنت آخذها على أنها نقود دروس خصوصية وأننا أسرة متوسطة الحال ولا أستطيع خصم تلك النقود من مصروفي؟
أرجو الرد ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أخذ الابن مال أبيه وصرفه في أمور لا يريدها الأب تعد وظلم، وهو يأثم بهذا الفعل كما يأثم في تعديه على سائر أموال الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال رجل مسلم لأخيه إلا ما أعطاه بطيب نفسه. أخرجه البيهقي في السنن.
وعليه، فالواجب عليك أن ترد هذه الأموال إلى أبيك متى استطعت ذلك، أو أن تستحله منها بأن تخبره بأنك صرفتها في غير ما كنت أخذته لأجله، وتطلب منه المسامحة فيه، ولا تتم توبتك إلا بأحد الأمرين.
ولا تخبر أباك ولا غيره بأنك كنت تشتري تلك المجلات الهابطة، لأن ذلك معصية، وصاحب المعصية عليه أن يستتر بستر الله تعالى ويتوب إليه توبة نصوحاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(9/3096)
حكم إيواء الحامل عن طريق الزنا للولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أهل بيت أقبلت علينا فتاة من العائلة حامل لكن غير شرعي. المهم أنها سألتنا أن تمكث عندنا أياما حتى تلد لأن أهلها طردوها من بيتهم. سؤالي هو هل استضافة هذه الفتاة في البيت حتى تلد فيه إثم وما الخطوة التي يجب أن نقوم بها اتجاه هذه الفتاة ... هل نطردها أوندعها لوجه الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استضافتكم لهذه الفتاة العاصية هو من الإحسان إليها، وفيه حفظ لدينها، لأنها إن لم يؤها الأمناء فسيؤويها الأشقياء، ولربما جروها إلى ما هو أعظم. والواجب عليكم أن تخوفوها بالله وبأليم عقابه وبعظيم الجرم الذي قارفته، واستعينوا على ذلك بالفتو يين: 1602، 26237. ويجب عليكم كذلك أن تأمروها بالتوبة إلى الله، وأن تعرفوها شروط التوبة النصوح، وهي موجودة في الفتوى رقم: 9694. ونوصيكم أن لا تعينوا الشيطان عليها، وأن لا تقنطوها من رحمة الله، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ُ {الزمر:53} . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان. رواه البخاري. ولكم أن تستفيدوا من الفتوى رقم: 25397. ونحذركم من أن تشمتوا بها أو أن تعيروها بذنبها، وانظر الفتوى رقم: 53043. هذا، ويجب عليكم في فترة إقامتها معكم أن تتخذوا التدابير التي من شأنها أن تحفظ دينكم ودينها، من غض للبصر وعدم اختلاء الرجال الأجانب بها وتخصيص حجرة لها مع المرافق إن أمكن ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/3097)
مناسبة قول ابن مسعود رضي الله عنه:ارجعوا فإنه ذلةللتابع وفتنة للمتبوع
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت الشيخ يقول في أحد الدروس أن ابن مسعود رضي الله عنه عندما خرج وراءه الصحابة قال لهم: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع لو علمتموني على حقيقتي لضربتموني بالنعال أو شيئاً قريباً من ذلك، وأريد أن أعرف قصة هذه المقولة، وما معنى أنه رضي الله عنه خرج، هل خرج معزولا أو مطروداً أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد روى ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأى ابن مسعود ناس فجعلوا يمشون خلفه فقال ألكم حاجة قالوا: لا، قال: ارجعوا فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة بعد ذكر هذه القصة عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله:لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.
وأخرج الحاكم في المستدرك أن عبد الله بن مسعود قال: لو تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي رجلان ولحثيتم على رأسي التراب ولوددت أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي وأني دعيت عند الله ابن روثة.
وقد كان من هدي السلف منع تعظيم الرجال لهم بالمشي خلفهم، فقد روي عن عمر أنه ضرب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه وقال هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، ذكره شيخ الإسلام في المنهاج والغزالي في الإحياء.
وأما خروج ابن مسعود فليس من باب عزله ولا طرده فإنه كان مكرما من قبل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكانوا يجلونه، والظاهر أنه إنما رآه الناس يمشي في الشارع فأحبوا مرافقته فقط.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/3098)
أساءت إلى من هي أكبر منها وعيرتها بأن ابنتها غير مخطوبة فكيف تتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأت إلى من هي أكبر مني ومددت إليها يدي بالضرب بعد ما ضربتني وضرب ابنها والدتي على وجهها وتبادلنا ألفاظا غير محترمة وهي أكثر مني في ذلك، وقد عيرتها بأن ابنتها غير مخطوبة وأنا وأختي مخطوبتان، فماذا علي الآن لأني نادمة على ما فعلت وأخاف الله تعالى، علماً بأنهم هم المخطئون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى بالمسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، وانظري الفتوى رقم: 9756.
وهذا وإن الواجب عليك التوبة إلى الله مما فعلت من تعييرك للمرأة، فاعقدي العزم على عدم العودة لمثل ذلك أبداً، واندمي على ما فرطت في جنب الله، ثم إن عليك أن تعتذري للمرأة وابنتها، وتستحليهما، وانظري الفتوى رقم: 2094.
ولا تقنطي من رحمة الله تعالى، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} ، وأكثري من فعل الأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/3099)
رد الحق على قائله من مظاهر الكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل: جزاكم الله خير الجزاء وجعله في ميزان حسناتكم، يوجد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه أبو هريرة يقص له عن أن الشيطان أخبره أن من يقرأ آية الكرسي لا يبيت الشيطان في بيته.. إلخ (أرجو ذكر نص الحديث) ، هل يستدل من ذلك على أن الإنسان ينبغي له أن يقبل النصيحة من أي مخلوق حتى ولو كان الشيطان، والمهم هو ذات النصيحة وما هيتها وليس من يقولها، وإن بداية الكبر والتكبر أن تنظر إلى من يقول وقد تترفع عليه دونأ ن تنظر فيما يقول أرجو النصيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا هذا الحديث وبينا أن من فوائده قبول النصح من أي أحد لأن الحكمة ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، وأن رد الحق على قائله من مظاهر الكبر، كما في الحديث: الكبر بطر الحق وغمط الناس. فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51766، 22072، 24081.
وقد ذكر أهل العلم أن على الإنسان أن يفتح أذنه وقلبه لما يمكن أن يناله من فوائد، ثم عليه أن يتأمل بعد ذلك في صحتها ويحقق فيها، فقالوا إن أبا هريرة كان من أعلم الصحابة وكان أستاذه أعلم خلق الله ولم يحمله ذلك على التعالي وترك الاستفادة من اللص الكذاب، ولكنه عرض ذلك على الرسول فلما صوبه له أصبح أمراً شرعياً ولذلك قال زعم أنه يعلمني، وقد قال بعضهم في نصح طلاب العلم:
كنش إذا جمعت كنش كنش * فتش إذا حصلت فتش فتش
فكانوا يوصون طلاب الحديث بتدوين ما سمعوه فقالوا إضاعة ورقة خير من ضياع حديث ثم بعد التدوين يبحثون عن التحقيق والتخريج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/3100)
حكم التسامح مع الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الذي يعفو ويسامح أنه شيء طيب وحسن يؤجر عليه ولكن هل معافاة ومسامحة غير المسلم الذي خان وظلم في حقي أؤجر عليها، هل من الأفضل للمسلم أن يعفو ويسامح المسلم وغير المسلم أم المسلم فقط، أشعر بأني إذا سامحت المسلم فهذا خير لي لأنه أخي ويعتبر نوعاً من الإحسان ولكن مسامحة غير المسلم أشعر بأني ضيعت أجرا على نفسي لأنه ربما يكون من أهل النار والعياذ بالله فهذه تعتبر فرصة بأن تؤخذ شيء من سيئاتي ويوضع عليه، فما رأيكم في الموضوع؟ جزاكم الله خيراً يا أحبتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العفو والسماح خلق فاضل حث عليه الشرع، ويجوز أن يعامل به الكفار ولا سيما إذا كان يؤمل أن يهتدوا ويتأثروا بأخلاق الإسلام، فقد أمر الله نبيه بالصفح عن الكفار فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13} ، وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199} ، ونرجو من الله أن يأجرك على ذلك لقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، ويجوز لك أيضا إذا كنت قادرا أن تقتص منهم لقول الله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:41} .
ثم إن الظالم توعده الله بالأخذ من حسناته لصالح المظلوم فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرح عليه ثم ألقي في النار ولا شك أن الكفار ليس عندهم حسنات ولا نعلم دليلا يمنع من أخذ سيئات المظلوم وطرحها عليهم، وراجع الفتوى رقم: 4603، والفتوى رقم: 22000.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(9/3101)
إذا منع الأب ابنه من التصرف في بعض ماله فهل يجوز للابن استعمال الكذب والمعاريض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجد لي رخصة في الكذب، أعرف أن هذا السؤال مثل الغلام الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا، ولكن أرجو سماع قصتي وسأحاول الاختصار، أنا شاب متزوج وعندي طفل واحد وأنتم تعلمون أعباء الحياة فالمرتب الشهري يذهب كله على البيت من طعام وشراب وفواتير كهرباء ومياه إلخ ... ولكن كل نهاية عام هناك مبلغ كبير يصرف لي كأرباح وهو مبلغ كبير ووالدي حرص منذ أن التحقت بالعمل أن نأخذ هذا المبلغ ونضعه في دفتر التوفير الخاص بي للحفاظ على المال ولتأمين مستقبل ابني، ولا أفعل أي شيء به إلا بعلمه، ولكن أبي يرى دائماً أنني أدخر من راتبي الشهري!! ويرى أنه يمكنني أن أعيش بنصفه مثلاُ!! ولا يرى أبداً أن المعيشة أصبحت غالية ولا يريد أن يقتنع أبداً.. ولعل السبب أن على أيامه منذ 30 عاما كانت الأسعار غير التي عليها الآن، وأحياناً أضطر إلى الاستلاف من بعض زملائي خصوصاً إذا كانت هناك وعكة طبيه بزوجتي أو بابني، والآن أنا مديون بحوالي 1000 جنيه.. والهاتف الخاص بي تلف وأريد أن أشتري جديدا.. وعندما أعلمته أنني أريد أن أسحب بعض النقود لسد حاجاتي رفض.. وقال لي خذ من والدتك ثم سدد عندما تستطيع وذلك بدافع الحرص على أموالي.. ولكني لا أريد أن أستلف من والدتي ثم ليس الدين الذي أطلبه فقط لسد حاجاتي ولكنني أيضاً أحب التصدق على اليتامى والفقراء والمحتاجين والمشاركة في الأعمال الخيرية كالمستشفيات وغيرها.. ولكن أبي يمنعني دون أن يشعر ... وعندما أحاول أن أقول له ذلك يرد علي بأن ابني أولى بهذه النقود..علماً بأن ديوني تجعلني أحياناً عصبياً وأصاب بقلق أثناء النوم وأقول ماذا لو قبض الله روحي قبل أن أسدد الديون.. وأنا أملك المال الذي أستطيع أن أسدد به ولكن والدي يمنعني، ولا سبيل أن أقنعه بأن لي ذمتي المالية المنفصلة عنه وأن الله سيحاسبني أنا على أموالي وليس هو، وأنا بصراحة لم أجد أمامي في الأعوام الثلاثة السابقة إلا أن أكذب عليه فيما يخص مبلغ الأرباح السنوي الذي يصرف لي.. وأخفي عنه الثلث تقريباً ولكن أخفيه لكي أدفع ديوني وأتصدق على الفقراء، ولكني أفكر الآن هل هذا الكذب حرام، وهل التحايل هنا يكون حلالاً بمعنى أنه عندما يسألني كم بلغت أرباحك هذا العام.. فأقول إنني أخذت مبلغ 5000 جنيه وهي أصلاً مبلغ 8000 جنيه مصري ويكون في نيتي أنني أخذت لنفسي من الأرباح مبلغ 5000 جم وليس أخذت أرباح تبلغ 8000 جم فهل هذا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب كبيرة من الكبائر تجر صاحبها إلى النار -والعياذ بالله- ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
ولكن الذي سألت عنه هنا، من أنك تضطر أحيانا إلى إخبار والدك بخلاف الحقيقة وأنت تنوي بكلامك معنى آخر، فهذا هو ما يسمى بالتورية وفيه مندوحة عن الكذب، كما جاء في الأثر: إن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب. واعلم أن الكذب قد يباح لأغراض صحيحة، ومن ذلك ما إذا كان أبوك يريد أن يحملك على مطل أصحاب ديونك أو التقصير في واجباتك، فإنه لا يجوز لك أن تطيعه في ذلك لأن "مطل الغني ظلم" كما في حديث الشيخين، ولك حينئذ أن تلجأ إلى أي شيء تحقق به قضاء المستحقات عليك ولو أدى ذلك إلى الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(9/3102)
لا يجوزإفشاء بعض الأسرار الزوجية عند تعليم الغير أمور الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ مقدم على الزواج وكان متخوفا من أمور الجماع، فعلمته ما يجب عليه فعله بدقة لأني متزوج، غير أني خلال تعليمه ذكرت له بعض أسرار الجماع التي تخصني، فهل علي إثم، أيضا كان متخوفا من شكل وحجم قضيبه, فوصفت له طول ذكري وشكله لأطمئنه وهو قد تزوج الآن وكل شيء على ما يرام والحمد لله، فهل علي إثم في وصف عورتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يحدث بما يجري بينه وبين أهله من أمور الفراش، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها. رواه مسلم.
وكان الأولى أن تكتفي معه بحديث عام ولا تدخل معه في التفاصيل الجزئية أو ما يخصك، على أن هذا النوع من الأمور غالبا لا يحتاج الناس إلى تعلمه، ولا يفيدهم الحديث فيه فائدة كبيرة وبالتالي فلا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بالحديث فيه تعليما أو تعلما وإذا أفضى إلى إفشاء السر الخاص بالزوجين فإنه يحرم، فلتتب إلى الله تعالى ولتستغفره، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12911، 12980، 47808.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(9/3103)
الأحوال التي يشرع فيها الكذب والمعاريض والتورية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي أخ له زوجتان ودائماً يكذب عليهما وممكن أن يكون الكذب مباحاً في بعض الأحيان لمثل حالته على زوجاته ولكن بعض الأحيان يطلب مني أن أكذب بأن أقول لها مثلآ بأنه غير موجود أو لم تذهب معكم زوجتي الثانية إلى مكان ما أو مثل ذلك وأنا طاوعته في المرة الأولى وكذبت على زوجته حين سألتني وطلب مني أن أكذب مرة أخرى وأنا أخاف من الوقوع في الإثم فماذا أعمل هل أطاوعه أم ماذا أعمل؟ رغم إن أخي يخاف الله كثيراً ويعتاد المساجد ويذكر الله كثيراً ويقرأ القرآن الكريم وحسن السيرة وأنا أعتبر أن الكذب عيبه الوحيد فما علي أن أعمل وأنا أصغر منه سنا؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام، ولا يرخص فيه إلا لضرورة أو حاجة ولم توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل التي يمكن للإنسان أن يلجأ إليها بعدا عن الكذب ما يسمى بالمعاريض أو التورية، حيث تستعملي كلمة تحتمل معنيين يقولها الإنسان قاصداً معناها الذي لا يتبادر للذهن، كأن تقولي لزوجة أخيك إنه غير موجود وتقصدين أنه ليس موجوداً في الغرفة التي أنت بها أو ليس موجوداً معها هي ونحو ذلك.
ويباح الكذب إذا كان للإصلاح بين الناس أو لإرضاء أحد الزوجين الآخر، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً.
وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وضابط ما يباح من الكذب أن كل أمر محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو فيه مباح، وعليه فلا بأس فيما يفعله أخوك مع زوجتيه أو غيرهما إن كان للمصلحة، ولا بأس عليك أنت أيضاً إذا كذبت من أجل الإصلاح بينه وبين زوجتيه، والأحسن أن تستعملي التورية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1425(9/3104)
الدليل على كراهة التصفير بالفم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل صحيح أن التصفير (إصدار هواء من الفم) باستخدام الأصابع أو بغيرها منهي عنه؟ وهل هو من أعمال قوم لوط؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التصفير مكروه نص على ذلك أهل العلم، وهو من العبث الذي لا ينبغي للمسلم أن يفعله، وهو من أعمال المشركين، فقد كانوا يطوفون بالبيت الحرام يصفرون ويصفقون، قال الله تعالى في ذمهم: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ {الأنفال: 35} .
وقد ورد أيضاً أنه من أعمال قوم لوط، كما سبق في الفتوى رقم: 54144.
ولمزيد من الفائدة نرجو الإطلاع على الفتوى رقم: 47560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(9/3105)
حكم التزوير في الأوراق الرسمية للحصول على ما ليس بحق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
مشكلتي كنت ساكناً عند عمي في منطقة معينة وهذه منطقة سكنية وقد تقرر الحكومة إخلاء هذه المنطقة مقابل دار سكن لكل فرد متزوج على أن يتنازل عن مبلغ من المال يستحقه كل مواطن من وزارة الإسكان (ولكل مواطن توجد منحة من الأموال من وزارة الإسكان قدرها 40 ألف دولار بشرط أن ترجع هذه الأموال خلال خمسة وعشرين سنة بمبلغ رمزي كل شهر) عند تسجيل عدد الأفراد في دار السكن سجلت نفسي مع أفراد أسرة عمي ووافق على ذلك ولم يكن هذا مقابل شيء وهو لم يطلب مني أي مقابل لأنه لا يكلفه شيئاً وبعد أربع سنين طلب مني مقابل تسجيل اسمي مع أفراد عائلته في وزارة الإسكان واتفقنا على أن أعطيه خمسة ألاف دولار وبعد سنتين يغر رأيه وأصبح يضغط علي بعد جدال طويل خيرني بين أمرين إما أن تدفع مبلغاً 14 ألف دولار وإما أن يفسد علي في وزارة الإسكان بالتزوير وفي هذه الحالة تحيرت وافقت على ذلك بنية أن لا أدفع المبلغ الذي طلبه لكي لا يفسد علي وكل تلك الاتفاقيات قبل استلام البيت من وزارة الإسكان وبعد استلام البيت قلت له إنني موافق على الاتفاقية الأولى لأن الاتفاقية الثانية لم تكن اتفاقية لأنها تحت ضغط وخيارين والآن نحن في جدال حاد فما رأيك في ذلك هل يحق له حسب الاتفاقية الأولى أم الثانية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن لا نعلم هل أنت تستحق هذه المنحة المقدمة من الحكومة أم لا، وعلى فرض تحقق الاستحقاق وعدمه، فإن مطالبة عمك بهذا المبلغ لا تحل له، ولا يجب عليك أن تدفع له شيئاً إلا أن تضطر إلى ذلك في حالة استحقاقك للمنحة ويبوء عمك بالإثم، وراجع في هذا الموضوع الفتوى رقم: 2487.
أما في حالة عدم الاستحقاق كأن حصلت عليها بالغش والتزوير، فالمسألة كلها باطل في باطل، فلا أنت تستحق المنحة ولا عمك يستحق هذا المبلغ الذي يطالبك به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1425(9/3106)
النظر إلى النساء داء وليس علاجا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان ملتزم ولي زوجة جميلة جدا ولكني من مبدأ أن الممنوع مرغوب تأتي لي رغبة شهوانية وإحساس بمشاهدة النساء في الإنترنت وأنا أعلم أن هذا حرام ولكن والله ثم والله أني أحب أن أغض بصري في كل الأحوال ولكني أقوم بذلك لأن عندي اعتقادا هو أنه عندما أشاهد المرأة فأنه لابد أن يوجد بها عيب فأقوم بالمشاهدة والبحث عن ذلك فأجده فأرتاح وأفرح أن زوجتي أجمل منها وهكذا أنا أود أن أكمل هذه الطريقة العلاجية إن صح التعبير لفترة إن شاء الله تكون قصيرة وبعدها أكون قد تيقنت أن الغانيات قبيحات واسمحوا لي بعدم التيقن إلى الآن لأن الشيطان ما زال يزينهن لي أرجو التعليق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نظر النساء في الإنترنت لا يجوز، ولا سيما إذا كان صاحبها يتعمد نظرهن والتأمل فيهن، لمعرفة عيوبهن مع معرفته لحرمة النظر.
فإن هذا من تلبيس الشيطان حتى يدفعك للتأمل وإمعان النظر، فالطريقة المثلى هي امثتال أمر الشارع بغض البصر عن الحرام عملاً بقوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور: 30} .
وما زينه الشيطان لك باتباع هذا المسلك حتى سميته طريقة علاجية وهم كبير، فإن فيه كل الضرر دينا ودنيا إذ لا يعدم أن تكون بعض النساء أجمل من زوجتك، فإذا رأيتها وحسنها الشيطان لك تعلق قلبك بها، فأفسدت دينك وعذبت قلبك وصدق الشاعر حين قال:
وأنت متى أرسلت طرفك رائداً ... ... ... ... ... ... ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ... ... ... ... ... ... ولا عن بعضه أنت صابر
والله عز وجل إذ أمرنا بغض الأبصار عن الحرام كان أرحم بنا من أمهاتنا، فالله الله أخي السائل في امتثال أمر ربك قبل أن تندم فلا ينفع الندم.
وراجع في نظر النساء في الإنترنت الفتاوى التالية أرقامها: 23243، 1256، 6617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(9/3107)
حكم أخذ مفتاح الكعبة من بني طلحة حيث خصهم به النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى من أعطى الرسول عليه السلام مفتاح الكعبة؟ وما حكم أخذ مفتاح الكعبة من تلك القبيلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل السير والتفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أخذ مفتاح الكعبة المشرفة من عثمان بن طلحة فدخل الكعبة وصلى فيها ركعتين ثم خرج منها وهو يتلو قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء: 58} .
فدعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفتاح، وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذه المناسبة فهي عامة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر في أصول الفقه.
وروى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يعني حجابة الكعبة.
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له فقال: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر.
وعلى هذا، فلا يجوز أخذ مفتاح الكعبة من آل طلحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(9/3108)
أحاديث نبوية تدعو إلى حسن الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن بعض الأحأديث النبوية التي يدعو فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أساس هذا الدين العظيم هو مكارم الأخلاق ومحاسنها، فقد روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. والبر الذي هو كلمة جامعة لمعاني الدين قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: البر حسن الخلق. رواه مسلم. وقد وصف الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بحسن الخلق، فقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم:4} . ومن الأحاديث الواردة في حسن الخلق ـ وهي كثيرة ـ ما وراه الإمام مالك في الموطأ بلاغا أن معاذ بن جبل قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: أحسن خلقك للناس يا معاذ. وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. وقال صلى الله عليه وسلم: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق. رواه أصحاب السنن. وبإمكانك أن ترجع إلى أي كتاب من كتب السنة لتجد المزيد فكلها أفردت بابا أو كتابا لحسن الخلق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1425(9/3109)
الإصلاح بين الأهل من أبواب الخير العظيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد سؤالي هو يا شيخنا الكريم يتعلق بصلة الرحم فأرجو منك أن تتحملني يا شيخ أنا شاب عمري 27 سنة وأنا أصغر إخوتي سناً أعيش في بلاد غربية ومعي في هذه البلاد ثلاثة إخوة ذكر وانثيان كلهم متزوجون ولهم أطفال ولله الحمد، لكن المشكلة أنهم كل واحد يكره الآخر لأسباب تافهة حاولت الإصلاح بينهم عدة مرات لكن بدون جدوى، حتى أني مرضت من تفرق حالهم هذا، أما عن حالي مع كل واحد منهم فأخي عشت معه في منزله مدة سنة أو يزيد خلال هذه الفترة كنت أعمل وهو لا يعمل حتى الآن فوفرت مبلغاً من المال طلبه مني كقرض مر عليه الآن أكثر من سنتين وهو لم يعطني منه شيئاً ولا أظنه يفعل ذلك، ومع ذلك لا أريد قطع الرحم لكن كل مرة أزورهم فيها أسمع أو أرى ما لا يريحني زيادة على ذلك فأنا أخاف على نفسي من السحر من زوجته فهل يكفي مجرد الاتصال بالهاتف، أما أختي الاخرى فهي تقول لي لا تأت عندي ولا تتصل بي لأني ملتح ولله الحمد وبدون إقامة في هذه البلاد فهل علي إثم وأعد قاطع رحم، أما أختي الأخرى فعلاقتي معها جيدة ولله الحمد، أرجو منكم ألا تحيلوني على فتاوى مشابهة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تصلح بين إخوتك وتزيل ما بينهم من التباغض فإنه مذموم عند الله تعالى، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:..... ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا. وفي الإصلاح بين الناس من الخير ما لا يعلم قدره إلا الله، قال الله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} ، فإن لم يستجيبوا لك فوسط إليهم أهل الفضل والصلاح، وواظب على الدعاء لهم بالتأليف والاستقامة، فقد روى الإمام مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث أم الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل.
ثم إنه لا يجوز لك أن تظن بزوجة أخيك السحر ما لم تجد لذلك دليلاً، وأعلم أن صلة الرحم من أعظم القربات وأزكاها عند الله تعالى، وقطيعتها معصية وإثم كبير، وأدنى مراتب الصلة تكون بالسلام وبالكلام، وأعلاها بالزيارة وهبة المال، ويتحدد القدر الكافي في الصلة بالعرف، فما تعارف عند الناس أنه صلة أو قطع، فهو المعول به، وعليه فإذا كان في عرف البلد الذي أنت فيه يكفي الاتصال بالهاتف فذاك وإلا فلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/3110)
يسأل المرء يوم القيامة عن معاملته لخادمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في سوء معاملة الخادمات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب معاملة الخدم بالرفق واللين، واجتناب إيذائهم بالقول أو الفعل، فهم بشر كبقية البشر لهم من الشعور والأحاسيس مثل ما لغيرهم، فعلى المرء أن يحسن إليهم بأن يطعمهم ويلبسهم ما يناسبهم، لأنه مسؤول عن ذلك يوم القيامة، ففي مسند أحمد عن عمر بن الخطاب أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي خادماً يسيء ويظلم، أفأضربه؟ قال: تعفو عنه كل يوم سبعين مرة. وصححه الأرناؤوط.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى التالية: 46076، 18210، 1962، 50523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/3111)
من كرم الأخلاق عفو المرأة عن أهل زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة منذ خمس سنوات وزوجي إنسان فاضل يبر أهله بأكثر مما هم يتوقعون ولا يبخل عليهم بأي شئ ومنذ سنتين تعرض عمل زوجي للانهيار وللأسف لم يدخر للزمن وتمنى من أهله أن يقفوا بجواره ولكنهم خذلوه لأنه سوف يأخذ منهم ولا يعطيهم فقاطعوه وغير ذلك فقد قاموا بإهانتي كأنني أنا السبب في خسارة زوجي وقاموا بضربي في غياب زوجي وأهانوني بأبشع الألفاظ وعايروني بأني لا أنجب وأرادوا من زوجي تطليقي حتى يقفوا بجانبه ولكن زوجي رفض لأنه يحبني. والحمد لله فقد من الله علي بطفلة جميلة كجائزة من السماء وعمرها الآن سنة ونصف وحتى الآن لا يريدون رؤية الطفلة ولا أنا. يريد زوجي أن أذهب معه إليهم وأصالحهم لأنهم أهله وأني قاطعة للرحم ولكني لا أستطيع ذلك نظراً لما فعلوه بي وأنا أرى أني لم أظلمهم والله شاهد علي. سؤالي هو هل أنا قاطعة للرحم وهل هم أصلا من رحمي وما حكم الدين فيما فعلوه بابنهم وتخليهم عنه في محنته فأنا لم أرهم منذ سنتين تقريباً ولا أريد رؤيتهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الغالب عادة أن يكون شيء من عدم الود بين المرأة وأهل زوجها، وكثيراً ما يحمل أهل الزوج زوجته ما قد يحصل له من مفاسد أو فشل في حياته، ولذا فإن ما حدث اتجاهك من أهل زوجك ليس بالأمر الغريب عادة، وهو نوع من الابتلاء الذي قد يواجه المسلم أو المسلمة في حياتها، ودواؤه الصبر عليه، لتكون العاقبة كفارة السيئات ورفعة الدرجات. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى لله وما عليه خطيئة. وإن مما يزيدك رفعة في الدنيا والآخرة عفوك عن أهل زوجك فيما صدر منهم من ظلم لك وتقصير في حقك، فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا. بل وينبغي أن تطاوعي زوجك فيما أمرك به من زيارة أهله، لأن في ذلك برا به وإحسانا إليه وإن خشيت على نفسك أذى منهم فلا تطاوعيه، والأولى حينئذ مصارحته بذلك ـ وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 4180، والفتوى رقم: 49762. واعلمي أنه يلزمك الحجاب أمام الرجال الأجانب ولو كانوا أقارب للزوج كإخوانه ونحوهم، وأما الرحم فلا تثبت بينك وبين أهل زوجك بمجرد المصاهرة، وقد اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها، وقد ذكرنا الخلاف وما نراه راجحاً بالفتوى رقم: 11449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(9/3112)
نصائح للمبتلى بالحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 20 عاما وأعاني من مشكلة الحسد أنني عندما أرى شيئا معينا مع أحد أصدقائي فإنه بعد فترة معينة من الوقت فإن ذلك الشيء الذي هو لا يوجد معي فإني أشعر أنني أنا الذى حسدته لأن ذلك الشيء الذى لا يوجد معي وأنا محافظ على الصلوات وأقرأ القرآن وأشعر أنني أنا الذي تسببت في ضرر ذلك الشخص فأنا أريد من حضرتكم أن تفيدوني بإعطائي ما أبعد به عن نفسي ذلك الإحساس وهذا مثال لموقف يحدث مع أحد أصدقائي أنه ذو مستوى اجتماعي عال فهو قد حصل عملا معينا وأنا لم أحصل على عمل مع أنني احتاج إلى ذلك العمل أكثر منه فدار في بالي أن ذلك الشخص غير محتاج مثلي لذلك العمل ثم بعد فترة معينة من الوقت حدث مكروه له فأنا اتهمت نفسى بأننى أنا الذي حسدته فأنا أريد من سيادتكم أن تفيدوني ذلك الإحساس الذي يؤدي في نفسي بأنني شخص حاسد وكل ما يحدث من غير قصد وبالله عليكم ألا تدلوني على أي كتاب أو موقع بل أن تجبيوني على ذلك بوضوح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحسد محرم شرعاً، لثبوت النهي عنه في حديث الصحيحين: لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا.
ولقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ {النساء: 54} .
فعليك أن تتوب إلى الله تعالى، وتعالج نفسك من هذا المرض الخطير، وعليك أن تتذكر أن تقسيم الأرزاق بيد الله فهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فارض بقضائه وقدره، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وعليك بغض البصر عما عند الناس عملاً بقول الله تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى {طه: 131} .
وإن رأيت ما تخشى أن تصيبه بعين فادع بالبركة، وقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ويدل لذلك ما ثبت من الأمر بذلك في الأحاديث، وعليك أن علمت أنك أصبت أحداً بعين أن تعمل ما يعمله العائن من الاغتسال للمصاب، ولتتب إلى الله تعالى من العين ولتطلب السماح ممن أصابته.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5557، 1641، 24373، 17661، 19782، 33932، 23172، 48731.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(9/3113)
سبل التخلص من الخوف والتردد والاكتئاب والخجل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حلا لمشكلتي أنا أعاني من تردد كبير رغم أن شخصيتي قوية بعض الشيء، وخوف من اتخاذ القرارات واكتئاب في داخلي، وتضخيمي للأمور دائما؛ وعندما أريد أن أتكلم بين جماعة من الناس أصاب بخوف وأخطئ في الحديث؛ وأعاني أيضا من صمتي الدائم مع أن لدي مواضيع كثيرة أتحدث بها؛ وأصاب أحيانا بثقل الدم مع أني أمرح جداً في بعض الأوقات.
أفيدوني أفادكم الله
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى من أصيب بالتردد أو الخوف من اتخاذ القرارات أن يستشير ذوي الخبرة، وأن يستخير الله قبل اتخاذ القرار أو الإقدام على العمل، ثم يعزم العزمة ويمضي، وانظري الفتوى رقم: 4823.
وأما بالنسبة لما شكوت منه من الاكتئاب وتضخيمك لبعض الأمور، فاعلمي أن الأمر أيسر مما تظنين، فلا تعطي الأمور أكبر من حجمها الطبيعي؟ ثم لماذا الخوف والتلعثم عند الحديث مع الناس؟ أليس من تتكلمين معهم هم أهلك ورحمك وصديقاتك؟ لماذا لا تنطلقين في الحديث معهم وتعبرين عما بداخلك بثبات وبلغة واثقة؟ هل هم قضاة سيحاكمونك إذا أخطأت؟ إنهم جميعاً يحبونك ويحبون لك الخير ولا يتصيدون أخطاءك، فأقدمي ولا تحجمي، وثقي بالله أولاً ثم ثقي بقدراتك.
وأما الصمت الذي تشكين منه، فإنك قد تمدحين عليه إذا كان صمتك عما حرم الله من الغيبة والنميمة والكذب واللغو وسائر المحرمات، ولكن لا ينبغي لك أن تصمتي عن قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم.
ثم إننا ننصحك باللجوء إلى الله أن يشرح صدرك وأن يطلق لسانك بالحق، وأن يقوي عزمك، فاسأليه وألحي عليه، فإنه لا يرد من سأله ورجاه، واعلمي أن الأخلاق يمكن اكتسابها بالتدرب عليها شيئاً فشيئاً حتى تصبح سجية وطبعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(9/3114)
كيف أكون متواضعا
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء على اجتهاداتكم وجعلها في ميزان حسناتكم، سيدي الفاضل، أريد أن أعرف كيف يكون الإنسان متواضعاً، ليس كافياً أنه عكس الكبر، ليس فقط من الناحية الدينية إنما كذلك الدنيوية وعلاقته بين الناس ووو ... أرجوكم زيدوني، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن داء الكبر من الأدواء التي يجب على المسلم أن يطهر قلبه منها، وذلك لسقوط المتكبر من عين الله ولتوعده إياه، قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وانظر الفتوى رقم: 10706، ولمعرفة علاج الكبر انظر الفتوى رقم: 19854.
ولقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر، فقال: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم.
قال الإمام النووي يرحمه الله: أما بطر الحق، فهو: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وقوله صلى الله عليه وسلم: وغمط الناس. معناه: احتقارهم. انتهى، فالعبد مطالب بالتواضع، وعلى قدر تواضعه تكون رفعته ومنزلته عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحد على أحد. وفي صحيح مسلم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما تواضع أحد لله إلا رفعه. وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين، ومن يتكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين.
ونزيدك من سلوك المتواضع مع الناس ما يلي:
المتواضع يقبل الحق ممن جاء به، وإن كان دونه في المكانة.
المتواضع يحترم الناس ويقدرهم ويعرف لهم فضلهم، وإن كانوا دونه في أمور الدنيا.
المتواضع لا يطلب ثناء الناس ولا يحرص عليه.
المتواضع يرجع عن الخطأ إن تبين خطؤه، ويشكر من أعلمه به.
المتواضع لا يجد لنفسه فضلاً على أحد، بل ينسب الفضل كله لله.
المتواضع يغمط نفسه، ويرى نفسه أحقر الناس.
المتواضع لا يطلب العلو على الخلق، ولا تشرئب عنقه إلى المناصب، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {القصص:83} .
المتواضع لا يحرص على الشهرة والظهور، ولا يحرص على تصدر المجالس إذا اجتمع بالناس، وانظر خبر تواضع أويس بن عامر سيد التابعين في صحيح مسلم: عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
ومعنى قوله: أكون في غبراء الناس أحب إلي. أي: أكون في ضعافهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم أحب إلي من التمييز والارتفاع عن الخلق، وهذا من إيثار الخمول وعدم الرغبة في الشهرة.
وقال بعض السلف: كنت مع ابن المبارك يوماً، فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب، ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه!! فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا!! يعني: حيث لم نُعرف ولم نُوقر.
والمتواضع لا يحب قيام الناس له عند قدومه أو بين يديه.
والمتواضع يقبل العمل في مهنة مباحة، وقد عمل الأنبياء بأيديهم، وكذا العلماء وصالحو الأمة.
والمتواضع لا يستنكف عن حمل متاعه بنفسه، ولا عن لبس الدون من الثياب,.
والمتواضع لا يستنكف عن إجابة دعوة الفقير، ويحضر إلى ضيافته، ويجالس المرضى والمعلولين.
المتواضع لا يرضى أن يمشي غيره خلفه أو أن يركب وغيره يمشون، ولا يثقل عليه تقدم أقرانه في المشي والجلوس.
هذا، وإذا أردت أن تتعلم التواضع، فطالع سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع أهله وأصحابه في حله وترحاله، وفي انتصاره وهزيمته، وفي شأنه كله، وطالع أيضاً سير العلماء والعباد، ثم عليك بصحبة الصالحين، فإن صحبتهم تغري بتقليدهم، والطباع سراقة، والصاحب ساحب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1425(9/3115)
الحذر من الوساوس الشيطانية عند تدبر الآيات القرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مسلم وأصلي الأوقات جميعها حاضرة وأزكي وأتصدق وهذه الأيام أواظب على حفظ ما تيسر من القرآن والسنة والمشكلة أنى أقف أمام آيات من القرآن وبعض الأحاديث وداخلي صراع نفسي وتفسيرها بنفسى بطريقة أشعر أنها أخرجتني عن الدين والعياذ بالله هذا الأمر يشعرني بضيق نفسي فمثلاً في حادثة الأفك الخاصة بالسيدة عائشة تجدني أفكر بتفسير أنا كمسلم لا يجوز أن أفكر فيه هو تفسير يغضب الله فهل هذا مني أم من الشيطان بالله عليكم أفيدوني كي لا أجن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفسير القرآن لا يكون بمجرد الرأي، وإنما الواجب في معرفة مراد الله الرجوع إلى ما قرره العلماء، وانظر الفتوى رقم: 20711.
وأما إساءة الظن بأم المؤمنين عائشة التي نزلت براءتها من فوق سبع سموات فإنه من الكفر، وانظر الفتويين: 27130، 53577.
وانظر قصة الإفك كاملة - كما رواها الإمام البخاري - في الفتوى رقم: 30182.
هذا، وإن الواجب عليك أن تحذر الشيطان، وأن ترد كيده ووساوسه، وأن تذكر حرصه على إغواء بني آدم، قال تعالى حاكياً عن إبليس اللعين: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف: 16-17} .
وقال سبحانه أيضاً في سورة النساء: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا {النساء: 117-119} .
ولتنته ولا تسترسل في هذه الخواطر الرديئة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، واسأله سبحانه أن يحفظ قلبك منه، وحصن نفسك بطلب العلم، واحرص على صحبة الصالحين ورواد المساجد، فالشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وللفائدة انظر الفتاوى: 52270، 18623، 29135، 29452، 45570، 3171.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1425(9/3116)
من صور الكذب غير المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة صنعت لزوجي مفاجأة ولا أريد أن يعرف بها إلا في موعدها، وقد اشترتها لي صديقتي -أي المفاجأة- وأحضرت هذه الهدية إلى البيت، وعندما جاء زوجي سألني إن كانت صديقتي قد أتت إلي اليوم فأخبرته أنها لم تأت لأنه لو عرف لاكتشف المفاجأة، قبل الموعد المناسب، فهل هذا يعد كذباً، أم هو كذب مسموح به للتودد للزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على سعيك في إرضاء زوجك، وشعورك هذا تؤجرين عليه إن شاء الله تعالى، وأما الكذب فلا يجوز إلا لمصلحة لا يمكن أن تتحقق إلا بالكذب، كما في الفتوى رقم: 48814، والفتوى رقم: 34529. فلا نرى أن الكذب لما ذكرت سائغ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(9/3117)
العفو عن الظالمين من أعلى المقامات
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل عندما أظلم، أأعفوا، أأدعو دعاء المظلوم، أم لا أفعل شيئاً، يقول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} ، وما أفهمه من هذه الآية أنه إن وقع علي ظلم من قبل شخص أخر فهو بسبب ما قدمت يداي، فكيف يكون هذا مع دعاء المظلوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل لمن وقع عليه الظلم والأذى والإهانة من الناس أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، كما قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران:133} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور:22} ، وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقال تعالى: وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126} ، وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا {المزمل:10} ، وقال تعالى: وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التغابن:14} ، وقال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلى رفعه الله.
وفي سنن الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا كان مخالطاً للناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. وصححه الألباني.
وفي سنن ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. وحسنه الألباني.
ويشرع له أيضاً الإمساك عن العفو والصفح ليلقي المذنب ربه بما اقترف من الإثم، لكن -كما قال بعض السلف- ما يفيدك أن يعذب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت، ويشرع له أيضاً الدعاء على الظالم ويدل لذلك ما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ... يدعو لرجال فيسميهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر وأجعلها عليهم كسنين يوسف.
ويدل له أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه.
ويشرع له أيضاً المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز، لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقوله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا* إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {النساء:148-149} ، وقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 41-42-43}
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب، ومما يؤكد ذلك أن الآيات التي أفادت إباحة المقابلة بالمثل قرنت بالدعوة والترغيب في العفو، والعفو معناه تحمل الإساءة والصبر على آثارها في النفس أو العرض أو غيرهما، رجاء ثواب الله وحسن العاقبة لديه، وعليه، فمن اختار مقام العفو والصفح لم يطلب الاعتذار.
وأما ما استشكلته من آية النساء، فإن الجواب عليه أن تسلط الظالم عليك ذنب ارتكبه في حقك يسوغ لك الدعاء عليه، ولا يمنع هذا أن يكون عدم حفظ الله لك من تسلطه عليك بسبب ذنبك أو ابتلاء لك، فعلى العبد إذا ابتلي بما يكره أن يصبر، وأن يحتسب الأجر عند الله تعالى، وليستشعر قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1425(9/3118)
المؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل حفظكم الله وبعد،
هل إساءة الظن بالشخص السيء في خُلقه والبعيد عن طاعة ربه فيه إثم مثال: هنالك أشخاص يتصرفون تصرفات فيها ريب بأمر معين سبق وأن قاموا فيه عدة مرات والله اعلم لا زالوا فهل سوء الظن فيهم بما يتعلق بذلك الأمر فيه إثم علي؟ حيث إن تصرفاتهم تجبرني على الشك بأمرهم!!
سددكم الله وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عد الغزالي في الإحياء من أبواب المهلكات ومداخل الشيطان للقلوب سوء الظن بالمسلمين، وفصل في أحواله فبين حرمة ظن السوء والعفو عن الشك والخواطر العارضة، فقال: اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك، ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه، بل الشك أيضاً معفو عنه، ولكن المنهي عنه أن يظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك، فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه، فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ. فلا يجوز تصديق إبليس، وإن كان ثم مخيلة تدل على فساد واحتمل خلافه لم يجز أن تصدق به، لأن الفاسق يتصور أن يصدق في خبره، ولكن لا يجوز لك أن تصدق به حتى إن من استنكه فوجد منه رائحة الخمر لا يجوز أن يحد إذ يقال يمكن أن يكون قد تمضمض بالخمر ومجها وما شربها أو حمل عليه قهراً، فكل ذلك لا محالة دلالة محتملة فلا يجوز تصديقها بالقلب.
وذكر من مخاطره: أن من يحكم بشر على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة، فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه، وينظر إليه بعين الاحتقار، ويرى نفسه خيراً منه، وكل ذلك من المهلكات، ولأجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم حتى احترز هو صلى الله عليه وسلم من ذلك، واستدل بما في الصحيحين عن صفية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحانه الله يا رسول الله قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدمن وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً.
قال: فيجب الاحتراز عن ظن السوء فمهما رأيت إنساناً يسيء الظن بالناس طالباً للعيوب، فاعلم أنه خبيث الباطن، وأن ذلك خبثه يترشح منه، وإنما رأى غيره من حيث هو فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة ال خلق.
وبهذا تعلمين -حفطك الله- أن المسلم يجب عايه أن يحسن الظن بأخيه المسلم، وهذا في حق من كان من أهل الخير والديانة أما إذا كان من أهل الشر أو كان فاسقا بعيدا عن طاعة الله أو كان سيء الخلق فهؤلاء حسن الظن بهم ليس بحسن قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وأنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح. ثم قال رحمه الله: وقال الوزير ابن هبيرة الحنبلي: لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع بحال.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 15185، 16126، 23209، 28676، 10077، 48025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1425(9/3119)
ليس للمرء أن يتراجع عن واجب عاهد الله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله أن لا أفعل أمراً ما مثلاً أن لا أشتم أحداً وأريد أن أتخلى عن العهد دون الوقوع في الخطأ، أجيبوا رحمكم الله ورحمني الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا الحكم فيمن قال أعاهد الله تعالى على أمر ما وماذا يلزمه في الفتوى رقم: 29746، والفتوى رقم: 15049.
وبالرجوع إلى الفتويين يتبين للسائل حكم من قال أعاهد الله تعالى، ونضيف هنا أنه إذا كان المعاهد عليه ترك أمر لازم كالغيبة أو الشتم مثلاً تأكد الوفاء بالعهد لأن ترك المحرم واجب أصلاً، فإذا عاهد الشخص عليه ربه فكأنه ألزم نفسه به وأكد عليها، فلذلك نقول للسائل لا يجوز لك أن تتراجع عما عاهدت الله تعالى إذا كان واجباً كترك الغيبة أو السب أو نحوهما، وإذا نقضت عهدك فقد أثمت ولزمتك كفارة يمين على القول بأنه يمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1425(9/3120)
الرحمة بالأولاد مركوزة في فطر غالب المخلوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في جنوب إيران عمري 21 عاما. لدي مسألة أريد أن ترشدوني بالتفصيل. إني أحب الأطفال حبا كثيرا وكلما أرى طفلا يذهب حبه في قلبي وأريد أن أتكلم معه وأقبله وأريد أن أقول له من الله. لأن قلبه طاهر. والمسألة هنا: هل يمكن أن يكون هذا الحب من جانب الله؟ وهل يمكن أن الله تبارك وتعالى خلقني للأطفال؟ وهل لديكم دليل من القرآن والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرحمة بالأولاد الصغار والحنو عليهم والشفقة بهم أمور مركوزة في فطر غالب المخلوقات حتى البهائم، والناس يتفاوتون في ذلك، وقد ندب إليه الشرع الحنيف. ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لايرحم لا يرحم. وورد في أحاديث أخرى أن عدم تقبيل الأولاد والشفقة بهم سببه قسوة القلب. روت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة. وعليه فإن كان هذا الحب الذي تجده في نفسك هو للشفقة والرحمة والحنو، فهو أمر حسن، ويدل على لين القلب، وإن كان تصحبه شهوة أو غريزة جنسية فهو خطأ كبير، وعليك أن تبتعد عنه وراجع في هذا الفتوى رقم: 36109.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1425(9/3121)
وصف زميل العمل بأنه ديكتاتور يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت جالساً مع صديق لي وطرح موضوعا عن شخص سبقني في العمل في نفس الموقع وله فضل بعد الله في تأسيس العمل وأنا لم يغب عن بالي أنه أسس العمل وله خيرات كثيرة ولكن النقاش بدأ يدور عن بعض تحركاته فذكرت أنه رجل ديكتاتور من حيث إدارته للعمل وأنا ما قصدت سوى ذكر ما كان عليه ولم يغب عن بالي أنه رجل فاضل ولم أقصد بذلك التقليل منه ولكن صفة ذكرتها لبيان أن مثل هذه الصفة لم تعط ثمارها الجيدة هل أعد أنا مغتابا؟ وكيف أضبط الغيبة في كلامي إن كانت هذه غيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد حرم الله الغيبة في كتابه ونعتها بأبشع الأوصاف، ولقد عدها ابن حجر الهيتمي من كبائر الذنوب، كما في كتابه: الزواجر عن اقتراف الكبائر، قال تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات: 12} .
هذا، وإن قولك عن زميك إنه (ديكتاتور) يعد من الغيبة المحرمة، ولا يشفع لك كونك تستحضر فضله ودوره في تأسيس العمل عندما تذكره بما يكرهه، فالغيبة كما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه أصحاب السنن.
وعليه، فإن الواجب عليك التوبة إلى الله والندم على ما بدر منك وعقد العزم على عدم العودة، وأن تذكر زميلك بالخير في نفس المجلس الذي ذكرته فيه بالشر، حتى لا تؤاخذ على ما تفوهت به من الغيبة.
واحفظ لسانك عما يرديك، فقد قال معاذ بن جبل: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وقال بعض السلف: من عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه.
وانظر الفتوى رقم: 6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(9/3122)
عمل المرأة وما يفال عند الإفطار ومسألة في الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شغل فكري في هذه السنوات الأخيرة أمر عملي, فأنا أعمل بمؤسسة للإشهار بواسطة الإعلامية وفي غالب الأحيان أعمل إما وحدي أو مع مدير المؤسسة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى للذهاب إلى مقر عملي يستوجب علي اقتناء وسائل نقل عمومية تكون في الغالب مكتظة وبطبيعة الحال مختلطة.
لقد أخذت قرارا بالخروج من هذا العمل والبحث عن عمل آخر أو البقاء بالمنزل فأنا أعلم جيدا أنه لا يجب علي البقاء وحدي مع رجل أجنبي عني إلا بوجود محرم معي, وأنه يجب علي الابتعاد عن الأماكن التي يكثر فيها الاختلاط, لكن عائلتي تعارض قراري هذا فقد قالا لي والدي إن الله عز وجل رزقني هذا العمل وإن الكثير من الشباب اليوم عاطلون عن العمل وإني بعد وفاتهما لن أجد مصدر عيش , لقد قلت لهما إن الله هوالرزاق وإنه يجب علي الابتعاد عن مواطن الشبهات وأن أصون نفسي وأحافظ عليها قدر الإمكان وأن أتقي الله وأنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب, لكن ماذا أفعل؟ لقد وجدت نفسي بين أمرين إما التوكل على الله وتطبيق قراري والخروج من هذه المؤسسة رغم تحذيرات والدي أوأن أتوكل على الله وألبي طلب والدي بالبقاء بهذه المؤسسة.فبماذا تنصحونني؟
هل هناك أدعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان المعظم؟
لقد وعدت أختي جدتي بأن تشتري لها تلفازاً لكن توفيت جدتي قبل أن تفي أختي بوعدها فماذا تفعل؟ وهل تستطيع أن تتصدق بمبلغه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل قرار المرأة في البيت، ولا ينبغي خروجها للعمل إلا لحاجة، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33} .
وإذا احتاجت المرأة للعمل، فالواجب أن لا تختلي بأجنبي، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
والواجب أن لا تجلس في الأماكن المختلطة، وأن لا تزاحم الرجال، وأن تبتعد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الفتنة.
وعليه، فما قلته لوالديك من حرمة العمل الذي أنت فيه ووجوب التخلي عنه وأنه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3} .
هي أقوال صحيحة، واعلمي أن طاعة الوالدين في مثل هذه الأمور لا تجوز لأنها تعارضت مع طاعة الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
فالذي ننصحك به إذا هو ترك هذا العمل، ولا تترددي في ذلك، وتلطفي بوالديك واقنعيهما باسلوب حكيم وموعظة حسنة، ويمكنك أن تعرضي عليهما هذه الفتوى.
وبالنسبة للأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقد ثبت أنه كان يدعو عند الإفطار بما يلي:
- ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله. رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني.
- اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. رواه أبو داود.
- وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يدعو عند الإفطار يقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. رواه ابن ماجه.
- وقد أرشد عائشة رضي الله عنها أن تقول: إذا علمت أي ليلة هي ليلة القدر: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني. رواه الترمذي وغيره.
والوفاء بالوعد هو من الأخلاق الحميدة التي أمر بها ديننا الحنيف، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة: 1} .
وقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء: 34} ، وبما أن جدتك قد توفيت، فإن وفاء أختك لها بالوعد صار متعذراً، وإذا تصدقت عنها بشيء من المال أو بنوافل العبادة فذلك حسن وليس واجبا عليها، وأما التلفاز فلا ينبغي التصدق به عنها لأنه قد يستخدم في برامج غير مشروعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(9/3123)
أدب العبد مع ربه حسن الوفاء إذا وعد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت بالإعدادي وعدت على المصحف أن أقوم للصلاة فور سماع الأذان مباشرة أي في نفس اللحظة التي أسمع المؤذن يقول فيها الله أكبر أقوم فورا للوضوء، وهذا ليس نذرا وإنما فعلته لأنني كنت أحياننا أؤجل الصلاة ثم أنسى ويفوت الميعاد، وأنا والحمد لله ملتزمة بهذا الوعد إلى الآن فأنا في كلية الطب بالفرقة الثالثة ولكن أحيانا أكون أتناول الطعام، وأحيانا نائمة في اللحظات الأولى للنوم أحيانا في الشارع فما هو التصرف المناسب في مثل هذه الحالات؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الذي صدر منك على المصحف يمينا فإنه يطلب برها، وتجب الكفارة بالحنث فيها، وأما إن كان مجرد وعد أي إنك لم تأت بصيغة تشعر الالتزام فيستحب لك الوفاء به، ولا يجب عليك.
أما إن كان ما صدر منك مشعر بالالتزام كأن تكوني قلت: لله علي أن أفعل كذا ونحو ذلك، فهذا هو النذر، ومن نذر طاعة وجب عليه الوفاء بها.
جاء في الموسوعة الفقهية: يقول القرافي: من أدب العبد مع ربه إذا وعد ربه بشيء لا يخلفه إياه، لاسيما إذا التزمه وصمم عليه، فأدب العبد مع الله سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقي هذه الالتزامات بالقبول، لكن الوفاء به ليس بواجب في الجملة، ففي البدائع: الوعد لا شيء فيه، وليس بلازم. انتهى، وفي منتهى الإرادات: لا يلزم الوفاء بالوعد نصاً. انتهى.
ولتعلم الأخت السائلة أن من أفضل الأعمال تأدية الصلاة في أول وقتها، ولكن لا حرج عليها في تأخيرها عن أول الوقت ما لم يخرج وقتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1425(9/3124)
محل جواز مدح الطالب لأستاذه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلا لايجوز أن يمدح شخص آخر وأنه عندما يمدح الرجل الآخر فقد قتله، وكيف أشكر معلمي إذا أردت أن أعبر عن احترامي وتقديري له. وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مدح الطالب لأستاذه اعترافا منه بالجميل، وتقديرا واحتراما منه لأستاذه جائز إذا لم يكن فيه كذب أو غلو، والأولى أن يقول: أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا. ويدل لجواز الثناء على المحسن ما في الحديث: من أولي معروفا فلم يجد له جزاء إلا الثناء فقد شكره. رواه ابن حبان وحسنه الألباني. وفي الحديث: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني. وراجع للمزيد في الموضوع وبيان ما ينهى عنه من المدح الفتوى رقم: 19399.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(9/3125)
التمادي في السب يجر إلى سب دين المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب الدين لبعض الأشياء (مثل السيارة على سبيل المثال) ، وهل هو يخرج فاعله عن ملة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب دين السيارة وما شابه من الجمادات ليس كفرا إذا لم يقصد به قائله سب دين الله تعالى، ولكن ذلك أمارة على انفلات لسان صاحبه وعدم ضبطه لنفسه، فيجب على من ابتلي بهذا الأمر أن يضبط نفسه ويمسك لسانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا، فقلت يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
قال المناوي: فمن أطلق عذبة لسانه مرخي العنان سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار. ولا ينجي من شر اللسان إلا أن يلجم بلسان الشرع. انتهى.
وليحذر من يصدر منه ذلك من التمادي في السب فيجره إلى سب دين المسلمين الذي هو كفر بالإجماع، وراجع الفتوى رقم: 11652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(9/3126)
حكم الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تكلم لي شاب متدين حافظ للقرآن أنه سوف يتقدم لطلب يدي مستقبلاً، ويدعي أنه يحبني ما دمت أطيع الله، وقد قال لي إنه قد أهدى العمرة الأخيرة لي، والسؤال هو أولاً: هل الحب في الإسلام حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيختلف حكم الحب في الإسلام باختلاف القصد وعدمه، وباختلاف المحبوب، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 4220، والفتوى رقم: 5714.
ولا شك أن الأسلم لهذا الشاب ولك أن يتقدم لخطبتك من وليك، وإتمام الزواج، أو الاكتفاء بمجرد العقد إن كان هنالك ما يقتضي تأخير الدخول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1425(9/3127)
كذب المتحلي مضاعف
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلني صاحب العمل لصيانة سيارته ففي مركز الصيانة أخبرت العمال أنني المسئول عن صيانة السيارات حتى في شركات أقارب صاحب العمل وذلك للحصول على خدمة جيدة وسريعة. وبعد نهاية الصيانة وأنا في باب الخروج.أعطوني 50 ريالا كحافز لإحضار باقي السيارات لمركزهم هذا. هذا المبلغ ليس طلبا مني إنما فاجؤوني به. هل يحل لي أخذ هذا المبلغ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور. رواه البخاري. والمتشبع هو المتزين بما ليس عنده.
وقوله: كلابس ثوبي زور.. قال الحافظ ابن حجر: وأما حكم التثنية في قوله: ثوبي زور. فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يعط. اهـ.
وأنت أيها الأخ السائل تكثرت وتزينت بما ليس عندك، فالواجب عليك التوبة إلى الله عز وجل، ورد هذا المبلغ الناتج عن الكذب إلى أصحابه، فإن أخذه أكل لأموال الناس بالباطل. قال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {البقرة: 188} . والكذب والغش من الباطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(9/3128)
نصوص في الترغيب في إصلاح ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر أدلة من القرآن والحديث تفيد فض
الخصوم والنزاع!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الآيات الدالة على الترغيب في إصلاح ذات البين قول الله تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 114} . وقوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {هود: 117} . وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات: 10} .
ومن الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة. وفي رواية: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وننبه السائلة الكريمة إلى أننا لا نجيب على أسئلة المسابقات، وإنما أجبنا على هذا السؤال نظرا لما فيه من الفائدة والترغيب من الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(9/3129)
هل تخبر أمها بإيذاء خالتها لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن خالتي التي تعيش معنا في البيت لأنها لم تتزوج وفي بعض الأحيان تعمل أعمالاً تضايقني، فأنا أقول ذلك لأمي، فهل يكون هذا القول نميمة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما تعمله خالتك من الأمور المحرمة، فعليك أن تقدمي لها النصح أولاً ولا تخبري أحداً، فإن لم يفد ذلك وكان في إعلامك لأمك به فائدة فأخبريها لتتولى نصحها وتقوم بتوجيهها، ولا يعتبر هذا نميمة، إلا إذا كان ما ستخبرين به أمك هو ما تقوله خالتك فيها مما يغضبها، فهذه هي النميمة بعينها، وكنا قد أوضحنا تعريف النميمة وأنها من الكبائر والعياذ بالله تعالى في الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(9/3130)
إفشاء أسرار العمل المطلوب كتمانها خيانة للأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[تكلمت مع زوجتي في بعض أسرار العمل فأرادت ان تنتقم مني بسبب مشكلة بسيطة فأخبرت مديري في العمل بهذه الأسرار مع العلم أن مديري في العمل هو زوج أختي مما سبب لي مشاكل في عملي وفي علاقة النسب ما حكم الشرع في هذا الأمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى السائل الكريم أن يعلم أنه ارتكب خطأ عندما أفشى أسرار عمله وأخبر بها من لا تسمح له جهة العمل بالاطلاع عليها، وبذلك يكون قد خان الأمانة الموكولة إليه فليستغفر الله ـ وليحذر من أن يعود لمثل هذا. كما ارتكبت زوجته خطأ فادحا عندما أفشت ذلك وأخبرت به مدير العمل لأن إفشاء السر إذا لم يترتب على كتمانه محذور شرعي لا يجوز، وقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بالحديث والتفت فهي أمانة. وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك. ورغم وشايتها وإخبارها مدير عملك بذلك على وجه الانتقام فإن عليك أن تصفح عنها وتغفر زلتها بعد أن تخبرها بعدم جواز ما قامت به وتحذرهامنه مستقبلا وعليك أن تحافظ على أسرار عملك في المستقبل، فلا يجوز لك أن تخبر بها من لا يسمح له بالاطلاع عليها ولو كانت زوجتك أو غيرها. ثم إنها قد تكون ارتكبت خطأ أخر إذا كان الرجل الذي أخبرته ليس محرما لها وحصلت لها معه خلوة، فلتنبها لذلك وتحذرها منه مستقبلا. وبإمكانك الاطلاع على الفتوى رقم: 20723.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1425(9/3131)
يجوز للمظلوم الإخبار عن ظلم الظالم والدعاء عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو كألآتي: إنني في بعض الأوقات أقص على أولادي الكبار الظلم الذي كنت أعانيه من جدتهم لأبيهم، ولا زلت أعانيه، وأشعر أنني أرتاح عندما أتكلم معهم أو حتى مع قريب لي أو قريبة لي جداً وبنفس الوقت أكون حريصة على إفهامهم أن يحترموها ويكونوا لها الأحفاد الممتازين، وأرجو من الله يا أخي الفاضل أن لا تعتبر كلامي متناقضاًً حيث إنني أقص لهم ظلم جدتهم وبنفس الوقت أحثهم على احترامها وخدمتها
فالله يعلم أنني ما أقص عليهم سوى لشدة الضغط النفسي الذي في داخلي من قبلها وقبل ابنتها أيضا، وأشعر بقهر شديد في داخلي وباضطهاد كبير لا يعلم مداه سوى الذي قدره لي.. وإنني أستعين بالله دائما بأن يخفف عني هذه الضغوط وآثارها.. المهم في سؤالي،، هل يقع علي أي إثم بسبب ما أقوله لأولادي عن ظلمهم لي وبصراحة يا شيخي الفاضل أشعر أنهم سببوا لي كثير من الآلام النفسية التي لا زلت أعاني منها والله المستعان. وأرجو من الله منك يا شيخي الكريم أن تشرح لي شرحا وافيا للإجابة على تساؤلي وأسألكم بالله الدعاء لي.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت الكريمة أن صبرك على أم زوجك خير لك عند الله من الكلام عنها وذكر ظلمها، دليل ذلك قوله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة: ة195} وقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {المؤمنون: 96} . ثم إن في ترك الكلام عن أم زوجك حفظا للود بينك وبين زوجك، وصيانة لمشاعر أبنائك من الحقد والبغض لجدتهم. ولو حدث أن تكلمت عن ظلم أم زوجك لك فقد تركت ما هو الأفضل والأحسن؛ ولكن لست آثمة لأن الله تعالى يقول: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء: 148} . قال الإمام البغوي في تفسيره: يعني: لا يحب الله الجهر بالقبح من القول إلا من ظلم، يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه، قال الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال الحسن: دعاؤه عليه أن يقول: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي منه. اهـ.
ونسأل الله لك الهداية والتوفيق للخير وأن يرزقك الصبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1425(9/3132)
المسلم لا يكون من أصحاب الطيش والظلم والاعتداء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصراع مع الآخرين بسبب الاعتداء أو التحرش بي دون سبب يحق لي أن أضرب؟ بمعنى آخر: هل (الطوشة) حلال؟ لأن في حينا كثيرا من الشباب الذين يتحرشون بالآخرين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يكون من أصحاب الطيش والظلم والاعتداء على الآخرين، فإذا ظلم أو اعتدي عليه أباح له الإسلام رد الظلم والقصاص من المعتدي وإن كان الأفضل أن يعفو ويصبر. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 39- 43} .
ولهذا؛ ننصح السائل الكريم بكف لسانه ويده والبعد عن الشتم والسب والقذف والاعتداء والبعد عن أصحاب الطيش وقرناء السوء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(9/3133)
العمل والتكسب بين الوجوب والاستحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مدين وأعمل في عمل مناسب له عمل ليل ونهار وهذا الدين والله أعلم كنت ضعيف الإيمان وابتليت بالدين والآن بفضل الله أسعى للالتزام بأوامر الله وأطلب العلم، ولكن عملي يأخذ وقتا بالصبح والنهار وأود اكتساب رزقي وسداد ديني هل أكتفي بعمل النهار قدر المستطاع ثم أطلب العلم، حيث أود زيادة إيماني وقربي من الله، حيث إنني أهتم الآن بآخرتي بفضل الله أكثر من دنياي وكل ما يحزنني هذا الدين أود التخلص منه، ماذا أفعل أشتغل ليلاً ونهاراً أم أعمل فترة بالنهار وأقلل من عمل الليل لله تعالى حيث بالله يقضى كل شيء وبالإيمان سبب رضى الله، أخشى أن يكون لدي هوى في نفسي دلوني على العمل وطريقته وكيف أكسب الإيمان وإعطاء الناس حقوقهم وهذا من الإيمان أيضاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العمل والتكسب لطلب المال يكون فرضا على الشخص إذا كان عليه واجبات كالنفقة الواجبة وقضاء حقوق الناس، وأما طلب العلم الزائد على فرض العين فهو مستحب، وقد قال أهل العلم: إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، وحقوق الناس مبنية على المشاحة، لاستغناء الله تعالى وحاجة العباد.
على أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن التكسب غير الواجب أفضل من التفرغ للعبادة، لأن نفع العبادة قاصر ونفع التكسب متعد، لهذا ننصحك بمتابعة العمل حتى تقضي عنك الدين، ثم تنظر في أمرك بعد ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. رواه مسلم، وإذا وجدت فرصة في تلك الفترة لطلب العلم فلا تضيعها.
وننصحك بالإكثار من الأدعية المأثورة في قضاء الدين ومنها: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك. رواه الترمذي، ومنها: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. رواه الطبراني.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والثبات وتيسير الأمور، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 41315، والفتوى رقم: 47551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1425(9/3134)
ليس للعرب والآل فضل بمجرد النسب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذا الحديث: \"خير الناس العرب وخير العرب قريش وخير قريش بني هاشم وخير بني هاشم أنا\" أعتقد هكذا روايته أو كما قال رسول الله هذا الحديث دائما يردده خطيبنا في خطبة الجمعة وأنا مستغرب من هذا الحدبث الذى يقابله قول الله تعالى: أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وقوله صلى الله عليه وسلم لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، أرجو إفادتي؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الحديث أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بلفظ: خير الناس العرب وخير العرب قريش، وخير قريش بنو هاشم، وخير العجم فارس وخير السودان النوبة. وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة: هو موضوع وفي إسناده مجهولون.
ولكنه يشهد لتفضيل النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيل قريش وبني هاشم ما في صحيح مسلم من حديث واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. وقد سبق أن بينا أحاديث في فضل العرب في الفتوى رقم: 47559.
وقد ذكر شيخ الإسلام في منهاج السنة أن أهل السنة والجماعة يقولون بنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم، وهذا هو المنقول عن أئمة السنة كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم، وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك كما ذكره القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى في المعتمد وغيرهما.
والأول أصح، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى هاشماً من قريش واصطفاني من بني هاشم. انتهى.
وقال في اقتضاء الصراط المستقيم: واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة وليس هذا موضعها وهي تدل أيضاً على ذلك إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس، وهكذا جاءت الشريعة كما سنومئ إلى بعضه.
فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها، ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص فأعطى الله سبحانه كل درجة من الفضل بحسبها والله عليم حكيم. انتهى.
ولا يعارض هذا ما دلت عليه نصوص الوحي من تفضيل أهل التقوى، فإن أتقياء العرب وقريش وبني هاشم أفضل من أتقياء غيرهم إذا تساوى الجمع في درجة التقوى، وأما الكفار والفجار منهم، فإنهم لا يساوون شيئاً بالنسبة لأتقياء المسلمين، فإن الكفار هم شر الدواب عند الله كما تدل عليه الآية: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {الأنفال:55} ، فليس للعرب والآل فضل بمجرد النسب، وإنما الفضل بالتقوى، ولهذا فإن أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من بني هاشم وسلمان الفارسي وبلال الحبشي أفضل من القرشيين الذين أسلموا عام فتح مكة باتفاق أهل السنة.
وقد روى ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوادع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي، وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره، وللمزيد في الموضوع راجع كتب التفسير وشروح الحديث، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30143، 31866، 35973.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(9/3135)
إضاح عبارة ابن حجر تتعلق بالمبالغة الجائزة في المدح
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت استيضاح جملة وردت في فتح الباري (ج10، ص587، ح6061 طبعة دار السلام) حول ضابط المبالغة الجائزة والمبالغة الممنوعة في المدح؛ فأرجو التوضيح مأجورين: قال ابن حجر: (وقد ضبط العلماء المبالغة الجائزة من المبالغة الممنوعة بأن الجائزة يصحبها شرطٌ أو تقريب، والممنوعة بخلافها) ، فماذا يعني يصحبها شرطٌ أو تقريب؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الحافظ في الفتح: وقد ضبط العلماء المبالغة الجائزة من المبالغة الممنوعة بأن الجائزة يصحبها شرط أو تقريب، والممنوعة بخلافها. يعني أن المبالغة الجائزة في المدح لا تكون مطلقة، بل تكون مقيدة بشرط أو تقريب، كأن تمدح فلاناً ثم تقول: إن كان كذا. فهذا هو الشرط، أو تقول: تقريباً. وهو هو التقريب، ودل على ذلك حديث الباب، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أطلق المدح لرجل: ... إن كان أحدكم مادحاً لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه، ولا يزكي على الله أحداً.
ويوضح هذا الفهم باقي عبارة الحافظ في الفتح، إذ إنه أتبع العبارة التي أشكلت عليك بقوله: ويستنثى من ذلك ما جاء عن المعصوم، فإنه لا يحتاج إلى قيد كالألفاظ التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بها بعض الصحابة ... فالنبي يستثنى من اشتراط تقييد مديحه، لأنه معصوم من المبالغة، ولأنه يوحى إليه ما يقوله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(9/3136)
النظام الأخلاقي في الإسلام منبثق من التصور الاعتقادي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك علاقة بين البعد التوحيدي والبعد الأخلاقي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين عقيدة التوحيد والأخلاق، فالنظام الأخلاقي في الإسلام منبثق من التصور الاعتقادي، فالموحِّد الذي ينطق الشهادتين ويعتقد مدلولهما اعتقاداً جازماً - يراقب الله تعالى في عمله، ويلتزم بالأخلاق الحسنة، لأنه يعلم يقيناً أن الله تعالى معه بعلمه وسمعه وبصره، وأنه يجزي المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء.
أما غير الموحِّد كالملحد والشاك، فليس عنده هذا الالتزام، وما يشاهده الناس من انضباط في حياة الغربيين ومحافظة على آداب الطريق ونحو ذلك، فإن الحامل عليه هو الخوف من القانون!! فالعقوبات عندهم صارمة، والغرامات فورية، والقانون يطبق على الكبير والصغير، والشرطة تنصر الولد على أبيه والزوجة على زوجها إذا حدَّ الوالد أو الزوج من حريتهما الشخصية، ولولا الكاميرات الخفية لسُرِقت المحلات التجارية، ومن رأى الغرب من الداخل يأتيك بالخبر.
فالتزام الأخلاق في الإسلام ناشئ عن رقابة ذاتية لله، وإن كان المرء وحده، ولتستمعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأمانة نزلت في جَذْر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة. رواه البخاري ومسلم.
فالحديث يدل على أن الأخلاق الإسلامية تنبع من الكتاب والسنة، ولذلك فهي والفقه في الدين صنوان، وقد جاء ذلك صريحاً في أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خياركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا. ففيه أن خيرية الإسلام قد ارتبطت بأمرين: حسن الخلق والفقه في الدين، بل إن الأخلاق في الإسلام تتسع لتشمل حتى الحيوان والنبات، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته. رواه مسلم، وانظري طائفة من الأحاديث النبوية التي تظهر منزلة الأخلاق في الإسلام في الفتوى رقم: 42432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(9/3137)
الاعتذار من المخطئ والقبول من الطرف الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[المشكلة باختصار أن زوجتي سافرت مع أبي وأمي إلى اليمن كي تحضر زواج إخوانها ولأني كنت مشغولاً في عمل لم أستطيع الذهاب معهم المهم رجعت أمي وأبي لكن زوجتي لم تأت لأن هناك بعض المعاملات التي لا بد أن أنهيها كي تأتي إلى السعودية، لكنهم رجعو وهم غاضبون ومستاءون من زوجتي وذلك أن أمي قالت لي إنها قالت لها امرأة هناك إن زوجتي قالت لها إن أبي وأمي ضائعون وإن أبي ذهب ليبيع أمي لكي يشتري أرضا فذهبت أمي إلى والدة زوجتي وأخبرتها بالذي قالته تلك المرأة فذهبت والدة زوجتي إلى زوجتي واستفهمت منها فأقرت زوجتي بذلك وأخبرت والدتها أنها كانت تمزح وأنها لم تقصد ذلك، أنا لم أصدق هذا الكلام وأنا الآن واقع في مشكلة كبيرة، أنا أحب زوجتي وأنا أيضا مستاء جدا من هذا الموضوع لأنه يمس كرامة أمي فما هو الحل أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت زوجتك بما قالته من الكلام فعليها أن تعتذر لأمك وتطلب السماح منها، وتطلب رضاها بما يمكنها من الأساليب كأن تهدي إليها هدية، وتعترف لها بخطئها، وينبغي لأمك أن تقبل العذر ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي عن جودان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها منه كان عليه مثل خطيئة صاحب المكس. قال وكيع: يعني العاشر.
قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره. ومن النظم في معناه:
قيل لي قد أسا إليك فلان * وقعود الفتى على الضيم عار
قلت قد جاءنا فأحدث عذراً * دية الذنب عندنا الاعتذار
وقال آخر:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا * إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره * وقد أجلك من يعصيك مستترا
نسأل الله أن يؤلف بين قلوب أسرتك، وأن يزيل من النفوس ما يحرص الشيطان على إثارته من الشحناء والبغضاء.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1425(9/3138)
التواكل.. معناه.. وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التواكل يمنع الرزق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتواكل هو الاعتماد على الغير من المخلوقات، وهو عجز وضعف، وهو مذموم لأن الإنسان مطلوب منه أن يسعى لكسب معيشته ومعيشة من هو تحت مسؤوليته. حتى يعف نفسه وأهله عن التعرض لسؤال الناس وإبداء الحاجة لهم، ففي سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون، فيحجون إلى مكة ويسألون الناس، فأنزل الله عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى {البقرة: 197} . رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بشر. كما أنه أيضا ينافي التوكل الشرعي الذي هو الاعتماد على الله والثقة به مع الأخذ بالأسباب، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناساً من اليمن فقال: ما أنتم؟ فقالوا: متوكلون. فقال: كذبتم، أنتم متكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عز وجل. ولكنه مع ذلك لا يمنع العبد من الرزق الذي قد كتبه الله تعالى له، ولمزيد بيان عن حكم التوكل وحقيقته يرجى مراجعة الفتوى رقم: 23867 والفتوى رقم: 18784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(9/3139)
طلب العون من الله بإخلاص يخمد نار العشق
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني يا أخي لدي مشكلة كبيرة وعظيمة ولا أجد لها حلا ولا يستطيع غير الله حلها وقد تستطيع أنت أن تدلني على الخير
جزاك الله خيرا
أنا شاب ملتزم جدا والحمد لله متزوج ولي ثلاث من الأبناء وأحب زوجتي ولا يوجد بيننا مشاكل والحمد لله إلا أنني وأرجو منك أن لا تلومني ولكن دلني وساعدني إنني بعد أن تزوجت بسنه أو سنيتين علما بأنني متزوج منذ عشر سنوات وقعت وللأسف بحب أخت زوجتي أحببتها حبا كبيرا حبا لا أستطيع وصفه لأحد ثماني سنوات من الحب الشديد وإني والله حاولت كل المحاولات حتى أبتعد عنها وأنساها ولا أفكر فيها ولمت نفسي كثيرا ودعوت ليالي أدعو لها بأن تبتعد عن قلبي ولكن دون جدوى حاولت أن لا أراها ولكن المشكلة إنني أسكن في مدينه غير مدينتها وهي تأتي لزيارتنا وتبقى عندا لأسابيع كثيرة وإنني أحاول أن لا أكون في البيت حتى لا أراها ولا أتحدث معها ولكن دون جدوى فلا يمكنني أن لا أرها طيلة تلك الأسابيع حتى إنني لا أذهب إلى بيت أهل زوجتي نهائيا ولا أزورهم حتى لا أراها ولكني والله أحبها حبها كثيرا نفسي فيها وهنا المشكلة الكبيرة في فتاة عمرها 25 سنة ولم تتزوج حتى الآن رغم جمالها مع أنه يأتي لها عرسان كثيرون ولكن النصيب والسبب كما قال كثير من أهل العلم إنه يوجد فيها نفس ولهذا لايمكن أن تتزوج مشكلتين الأولى أحبها ولا أستطيع أن أنساها والثانية أنها لا تستطيع أن تتزوج بسببي كم تمنيت أن تتزوج وتذهب بعيدا عني حتى لا أراها وأنساها ولكن لله في خلقه شؤون. أخي الشيخ الفاضل أرجو أن أعلمك بأنني حاولت مرارا نسيانها والدعا والابتعاد عنها وطرقت كل الأبواب الممكنة لمساعدتي ولكن دون جدوى والله لو لم تكن أخت زوجتي لتزوجتها منذ زمن أحيانا وللأسف أفكر في موت زوجتي حتى أتزوجها مع أنني أحب زوجتي كثيرا أيضا ثم أبكي كثيرا أبكي ولا أجد الحل صدقني يا شيخنا عندما أقول لك أحبها حبا كبيرا كثيرا شديدا أفكر فيها ليلا نهارا أتخيل زوجتي كأنها هي أحيانا أنادي زوجتي باسمها تسيطر علي عقلي وقلبي وتفكيري أرجو منك يا شيخنا أن تدلني على طريقة الخلاص ولا تقل لي حاول أن لا تفكر فيها وأن تبتعد عنها وأن لا تراها وفكر في زوجتك وأولادك واذكر الله كثيرا واقرأ القرآن الكريم وعليك بالدعاء فكل تلك الأمور فعلتها ولكني لا زلت مبتلى هل يوجد آيات قرآن يمكن قراءتها للنسيان وكيف أفعل حتى تتزوج وتبتعد عني أسعد أيام اثنين إما أن أنساها ولا أعد أذكرها أو أفكر فيها وإما أتزوجها وأهنأ معها وكلا الأمرين مستحيل إلا أن يشاء الله أرجو منك أن تساعدني وتدرس حالتي بعناية وتحاول أن تساعدني وجزاك الله كل الخير ولك إن شاء الله أجر كبير
أنتظر ردكم بفارغ الصبر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي أن القلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف شاء سبحانه، ولذا، فعلاج حالك هو المداومة على الدواء الذي ذكرته في سؤالك عندما قلت: لا تقل لي حاول أن لا تفكر فيها وأن تبتعد عنها، وأن لا تراها وفكر في زوجتك وأولادك، واذكر الله كثيرا، واقرأ القرآن الكريم، وعليك بالدعاء، فكل تلك الأمور فعلتها.
فهذا أخي الكريم هو العلاج فداوم عليه، وانظر الفتوى رقم: 9360 والفتوى رقم: 52654.
وتيقن كل اليقين أن الإنسان غلاب لنفسه إذا استعان بالله تعالى وأخذ بالجد والعزم والحزم، وإن ظن المرء غير ذلك فهو باطل يبطله الشرع والعقل والحس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(9/3140)
الهدي النبوي في آداب الصحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي آداب الحديث والاستماع من الكتاب والسنة؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من آداب الحديث والاستماع بين الناس الابتداء بالسلام عند بداية التلاقي ورد المسلم عليه، ويدل لتأكده ما في الحديث: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه. رواه الطبراني وأبو نعيم وحسنه الألباني.
ومنها: مخالقة كل منهما للآخر بالأخلاق الحسنة، وتبسمه في وجهه، والحرص على القول الحسن، والحوار الحسن، والبعد عن التجريح والسب والفحش في القول والسخرية والاستهزاء، ويدل لهذا ما في الحديث: وتبسمك في وجه أخيك صدقة. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وفي البخاري عن أنس قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشا ولا لعانا.
وفي الحديث الآخر: ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف. رواه أبو داود والترمذي وصححه الترمذي والنووي والألباني.
ويدل له كذلك قول الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، وقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {الإسراء:53} ، وقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {النحل:125} ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه، كما في الحديث الذي رواه أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والنسائي وحسنه الأرناؤوط.
ومنها: الاستماع إلى المتكلم حتى يفرغ وعدم مقاطعته، ويدل لهذا ما رواه عبد بن حميد في مسنده، والبيهقي في الاعتقاد، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، والبغوي في تفسيره، وابن إسحاق في السيرة في قصة عتبة بن ربيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في مضمونها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه عتبة بن ربيعة استمع له حتى أنهى كلامه ثم قال له: أفرغت يا أبا الوليد، قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: أفعل، فقرأ الرسول عليه من بداية سورة فصلت حتى انتهى إلى السجدة.
ومنها: تحلي كل منهما بالصبر والصفح والحلم، ومواجهة الخطاب السيء بالخطاب الحسن، وهذا هو هدي الأنبياء فإن موسى لم يرد بالمثل على من اتهمه بالجنون، ونوحا لم يرد بالمثل على من اتهمه بالضلال، وهودا لم يرد على من اتهمه بالسفاهة، إلى غير ذلك من الآداب.
ويمكنك مراجعة كتاب: أصول الحوار.. وهو بحث أعدته الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وكتاب: آداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي، ومنظومة الآداب وشرحها للسفاريني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(9/3141)
من شأن المسلم أن ينشر خير أخيه ويستر خطأه
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ مشكلتي هي: عندما تقوم أخت من الأخوات بمساعدتي أو تقدم لي شيئاً يكون بيني وبينها فقط، أكون من داخلي ممنونة لها وعلى استعداد إن طلبت مني أي شيء سأفعل بدون تردد، ولكن عندما أكون مع صديقاتنا ويذكرون اسمها لا أقوم بمدحها أو حتى ذمها فأنا وجهة نظري أنني عندما أذكر ما فعلته من شيء جميل معي قد لا تكون فعلته مع الأخت التي أتحدث إليها فأسبب لها إحراجاً أو ما شابه ذلك ولكن عندما تخطئ معي قد أقوم بشكواها ولكني أيضاً لا أنسى معروفها بيني وبين نفسي لا أنكر معروفها، وبعد قراءتي لبعض الموضوعات عن أمراض القلب وجدت أنها جميعاً تنطبق علي فأنا لا أقوم بذكر المعروف وإن لم أنكره بداخلي ولا أتحمل أخطاءها معي في كل مرة حتى إنني في إحدى المرات كانت أخت تشتكي من ما قدمت لي المساعدة وإذا بي أشكوها أيضاً من خطئها في، ولكني أيضا لم أنكر عليها ما قامت به معي في الولادة وقلت لها إنني لم أستطع بمواجهتها في الأخطاء وأنني أتراجع في كل مرة بسبب جميلها معي في الولادة، فهل هذا صحيح مرضاً، وإن كان مرضا فكيف العلاج؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ينبغي للمسلم أن يذكر خير أخيه المسلم وينشره ويشجعه على الازدياد من فعل الخير، ويشكره على ما قدمه له من خدمات، وما أسدى إليه من معروف، كما أن عليه أن يستر عليه ما صدر منه من أخطاء وتقصير، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم وغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه الترمذي وحسنه.
وعلى ذلك فكان ينبغي أن تشكري الأخت التي قامت بمساعدتك وتذكري خيرها وتستري أخطاءها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وقد ذكر أهل العلم أن من معاني هذا الحديث، أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه، ويكفر معروفهم، وبهذا يتبين لك خطأ ما وقعت فيه من ستر معروف أختك وعدم ذكره ونشر خطئها.
ولا شك أن هذا مرض يجب أن تعالجيه بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعو له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني، كما أن عليك أن تكثري من الاستغفار والدعاء لهذه الأخت، ولمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 34287، والفتوى رقم: 8543.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1425(9/3142)
من كذب لينال راتبا أعلى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعمل في مكان عمل ثم يريد أن ينتقل إلى مكان عمل آخر ولكنه يرى أن ما يتقاضاه من عمله الأول لا يتناسب مع قيمته -أي الشخص- الحقيقية في سوق العمل , فيقوم بإخبار مكان عمله الجديد بأنه كان يتقاضى مبلغا أكبر من الذي كان يتقاضاه بالفعل في مكان عمله الأول حتى يأخذ منه ما يرى أنه قيمته في سوق العمل وهو يعتقد أن ذلك ليس كذبا لأنه يأخذ به حقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا الشخص من إخبار مكان العمل الجديد بأنه كان يتقاضى راتباً أكبر من الذي كان يتقاضاه حتى يأخذ راتباً أعلى منه -ما قام به هذا الشخص- فيه محذوران:
الأول: الوقوع في الكذب، وتحريم الكذب معلوم من الدين بالضرورة، ففي الحديث المتفق عليه: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وفي صحيح مسلم: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. والأدلة على تحريم الكذب أكثر من أن تذكر.
والمحذور الثاني: أن في كذب هذا الشخص -ليأخذ مرتباً أعلى- شبهة أخذ المال بغير حقه، إذ لو قال الحقيقة فإنهم قد لا يعطونه هذا الراتب.
والاعتذار بكونه يستحق راتباً أكثر من الراتب السابق لا يسوغ له الكذب، فإنه لم يرخص في شيء منه إلا في مواطن ثلاث: في الحرب، وإصلاح ذات البين، وحديث الرجل إلى امرأته، وحديث المرأة إلى زوجها، كما في زيادة مسلم في حديث أم كلثوم حيث روى عنها أنها قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. فما سوى هذه المواطن فإن الكذب فيها محرم إلا عند الضرورة الملجئة، فعلى هذا الشخص أن يقول الحقيقة أو يسكت، وليعلم أن الصدق منجاة، وأن من اتقى الله جعل له مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1425(9/3143)
التوكل الحقيقي لا ينافي الأخذ بالأسباب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التوكل يؤثر على العمل، وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقيقة التوكل هي عمل القلب وعلمه، فعمل القلب الاعتماد على الله عز وجل والثقة به، وعلمه معرفته بتوحيد الله سبحانه بالنفع والضر.
وعمل القلب لا بد أن يؤثر في عمل الجوارح والذي هو الأخذ بالأسباب، فمن ترك العمل -أي الأخذ بالأسباب-فهو العاجز المتواكل الذي يستحق من العقلاء التوبيخ والتهجين، ولم يأمر الله بالتوكل إلا بعد التحرز والأخذ بالأسباب، قال الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ {آل عمران:159} ، وقد قال عليه الصلاة والسلام للذي سأله: يا رسول الله أعقلها -أي الناقة- وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟! قال: اعقلها وتوكل. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فمن كان توكله صحيحاً أخذ بالأسباب، وانظر للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18784، 23867، 44824 والفتاوى المرتبطة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1425(9/3144)
الطريق إلى رفع الظلم عن المظلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[نشب قتال بين عائلتين في البلدة التي أقيم فيها وقد اعتدت إحداهما على بيوت العائلة الأخرى فما هو التصرف الإسلامى الصحيح للعائلة المعتدى عليها وهل إذا قتل أو أصيب أي فرد من العائلتين فالقاتل والمقتول في النار
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرع الله عز وجل للمسلم رد الاعتداء على من اعتدى عليه، وأوجب رفع الظلم عمن ظلم. والتصرف الصحيح فيما ذكرت أن يرفع المعتدى عليه مظلمته إلى ولي الأمر، وحينئذ يجب على ولي الأمر أن يرد المعتدي ويقتص منه وينصف المظلوم أو المعتدى عليه ويصلح بين الجميع. قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الحجرات:9} . وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والقتال فيها وقال إن القاتل والمقتول في النار. ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت يارسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(9/3145)
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت لا تريد أن تخاطبني وذلك بعد ما حصلت هناك مشاكل كبيرة بيننا وذهبت إلى بيتها مع أهلي وزوجتي وقدمنا لها السماح والصلح ولكن عندما تحضر إلى منزل والدي لا تريد أن تتحدث مع أحد غير الوالدين فقط ولا تريد أن تصالح أحداً، ماذا أفعل على الرغم من أنني قدمت لها كل الاعتذارات والسماح، ولكن ما زالت مصرة، وتقول إنني لا أريد أحداً منك أبداً حتى الآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليك أخي الكريم من الاعتذار قد فعلته، ولذا فإننا نتوجه بالنصح لأختك بأن تقبل العذر، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي عن جودان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه مثل خطيئة صاحب المكس. قال: وكيع يعني العاشر.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: وقال عمر رضي الله عنه: لا تلم أخاك على أن يكون العذر في مثله.
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه واعتذر في أذني الأخرى لقبلت عذره. ومن النظم في معناه:
قيل لي قد أسا إليك فلان * وقعود الفتى على الضيم عار
قلت قد جاءنا فأحدث عذرا * دية الذنب عندنا الاعتذار
وقال الأحنف: إن اعتذر إليك معتذر تلقه بالبشر.
وقال الشاعر:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا * إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره * وقد أجلك من يعصيك مستترا
ونذكرها بأن قطع الصلة بينها وبين إخوانها لا يجوز، ويمكن مطالعة الفتاوى التالية برقم: 1764، ورقم: 24115، ورقم: 43852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1425(9/3146)
علاج سوء الظن والغرور بالنفس
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ أرجو منكم أن تدلوني إلى طريقة لعلاج سوء الظن والغرور بالنفس؟
وأيضا كيف لي أن أكفر عن ذنبي فأنا عندي والحمد لله طفل وفي حملي في طفلي الثاني كنت أود أن يكون ولدا أيضا ليس لكرهي في البنت لأني في يوم من الأيام كنت بنتا وعندي أخت وأمي ولكن كان لدي شكوك من أن هناك سيدة ستشمت في عندما آتي بالبنت المهم أنني الآن أنجبت فتاة والحمد لله فأنا عندما أرى ابتسامتها أمامي أستغفر الله على هذا التفكير الأحمق
جزاكم الله عنا كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله سوء الظن. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. والمنهي عنه في الظن هو الاستمرار فيه والاسترسال حتى يستقر في القلب. قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك فوق ما يملك الإنسان التحكم فيه.
وعلاج سوء الظن هو أولا: باستحضار ما فيه من النهي، فإن المؤمن إذا تذكر ما في المسألة من نهي ووعيد فإنه لا يجرؤ على الاسترسال فيها. ومن علاجه كذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من ترك التحقيق، فلا يبحث عن الأدلة على ما يظنه. أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن علية رفعه: ثلاث لا يسلم منها أحد: الطير والظن والحسد. قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ. والحديث وإن كان في سنده مقال، فقد ذكر ابن حجر في الفتح أن له شاهدا.
وراجعي في علاج الغرور بالنفس فتوانا رقم: 19854.
وبغض البنات خلق جاهلي لا يقره شرع ولا عقل. قال الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ {النحل: 58-59} . وبما أنك لا تكرهين البنات وإنما حملك على الرغبة في أن يكون حملك ولدا أنك تخشين شماتة تلك السيدة فلا نرى أن عليك في هذا إثما، ومع ذلك فقد أحسنت فيما كنت تفعلينه من الاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1425(9/3147)
لا يجوز لك السعي في إفساد زواج من أفسد خطبتك
[السُّؤَالُ]
ـ[جدتي أم والدتي (رحمها الله) قد عملت على التفرقة بين أبنائها وخصوصا نحن بنات ابنتها البكر حيث اتفقت هي وخالاتي بإبعاد كل من يتقدم لخطبتنا خصوصا اتفقت أكثر مع خالتي الوسطى وبناتها الآن تزوجن.هل يجوز أن أقوم بتخريب زواجهن كما فعلت والدتهم بنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمر تزويجك ليس بيد جدتك ولا خالتك، بل هو بيد الأب، فإن فقد الأب فالجد أبو الأب ثم أبوه ثم الأخ الشقيق أو لأب، ثم ابن الأخ لأبوين أو لأب ثم العم ثم سائر العصبات.
ولا ندري كيف تتوصل جدتك وخالتك إلى الخُطّاب لصرفهم، وما هي وسائلهن في ذلك، وعموماً فينبغي نصحهن وبيان أن ما يقمن به حرام لا يجوز، وأدلة الكتاب والسنة في النهي عن الإفساد كثيرة منها: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {سورة القصص: 77} .
ولا يجوز لك السعي في إفساد زواج من تزوجن، لأن المنكر لا يقابل بالمنكر، بل إن السيئة تدفع بالحسنة كما أمر الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {سورة فصلت: 34-35} .
ونذكر الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1425(9/3148)
تعيير الناس وفضحهم وإيذاؤهم من أخلاق الجاهلية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: منذ 6 سنوات كنت على علاقة مع شاب ودامت 3 أشهر وفي تلك الفترة ارتكبت الفاحشة (مرتين) ثم بعدها ندمت كثيراً فقطعت علاقتي به دون أن أخبره (أملاً مني أن يأتي لخطبتي) ، بعدها تعرضت أنا وعائلتي لحادث فتبت إلى الله (عاهدت ربي أن لا أعود إليه حتى ولو جاء لخطبتي) ، شاء الله وخطبني أحدهم وهذا الأخير طلب مني أن أعمل فوجدت عملاً في الحي الذي يقطن به الشاب الذي كنت معه في السابق وحين التقيته طلب مني أن أتنازل له عن عملي وأن أعود إليه وإلا فإنه يفضحني أمام خطيبي والناس رغم ذلك رفضت بشدة فكان له ذلك حتى قام بفسخ خطبتي، وكذا فضحي أمام الناس، كما قام بتلطيخي في مقر عملي والحي الذي أقطن به وكذا الأماكن التي أقصدها، وما زاد الطين بلة شباب الحي الذين يقومون بالبزق علي كلما كنت متجهة أو عائدة من العمل أو المسجد، فضيلة الشيخ سؤالي هو: ما حكمي أنا في الدين وما حكم الذي كنت على علاقة معه، وما حكم هؤلاء الذين يبزقون علي، من فضلكم أريد الجواب عن أسئلتي تكون على البريد الإلكتروني وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أخطأ خطيئة أو ذنباً ثم ندم على فعله وعقد العزم على عدم العودة إليه، فإن الله يتوب عليه بل ويبدل سيئاته حسنات، قال تعالى في ذكر صفات عباد الرحمن: وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وقال تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ {الأنفال:38} .
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: إن الإسلام يهدم ما قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله. رواه مسلم.
وإن من الصحابة من ألم ببعض الذنوب، فلما تاب تاب الله عليه، ومن هؤلاء كعب بن مالك رضي الله عنه لما تخلف عن غزوة تبوك، وندم على ذلك، تاب الله عليه، وكذلك تاب الله على وحشي قاتل حمزة عم النبي، وانظري الفتوى رقم: 25567، فالله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وانظري للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16907، 1106، 1095.
ثم إن هناك أسباباً أخرى غير التوبة يمحو الله بها الذنوب، انظريها في الفتوى رقم: 51247، واعلمي أن ما أنت فيه من الانكسار بسبب ذنبك ذلك وخضوعك بين يدي الله منكسة الرأس، خاشعة الطرف، منكسرة القلب لهو من أسباب كونك قريبة من رحمة الله!! فإن الله يحب سماع أنين المذنبين!! وانظري الفتوى رقم: 4188.
وإن الذين يعيرونك بذنبك ويبصقون عليك آثمون، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه: لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم، فإن من يطلب عورة المسلم يطلب الله عورته، ومن يطلب الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته. رواه ابن حبان وصححه.
والتعيير من أخلاق الجاهلية، ولذلك لما عير أبو ذر بلالا ً بأمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية.
وما يدري من يبصقون عليك أنهم سيظلون في سلامة ولا يقعوا في مثل ذنبك، فالإنسان ما دام حياً فهو في خوف، ولا يعلم بماذا يختم الله له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك. رواه الترمذي وحسنه.
فأنت -مع كونك قارفت الكبيرة- إلا أنك لم تفقدي إيمانك ولا زلت مسلمة فلك حرمة يجب أن تصان، وقد نظر ابن عمر يوماً إلى البيت (الكعبة) فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك!! .
وقد قال الله تعالى عمن فعل الفاحشة: وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {النساء:16} ، فليتهم خلوك وربك وأعرضوا عنك إذ تبت، ولم يعينوا عليك الشيطان، ولقد أمر رسول الله برجم امرأة غامدية زنت، فأقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم سبه إياها، فقال: مهلاً يا خالد بن الوليد (وفي رواية أحمد: "لا تسبها") فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب (يعني شارب خمر) فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، ومن الضارب بنعله، فقال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه. رواه ابن حبان في صحيحه.
وأما ذلك الفتى الذي فضحك وتسبب في فسخ خطبتك فقد وقع في أكثر من محظور، فضلاً عن كونه قارف كبيرة الزنا، فإنه جاهر بذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافي إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري، ثم إنه قام بفضحك ولم يستر عليك، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
والذي ننصحك به هو الصبر، وأن تشكي بثك وحزنك إلى الله، فتناجيه في جوف الليل أن يكشف عنك ما أنت فيه من السوء، وعليك أن تلتزمي لبس الحجاب الشرعي إذا خرجت من بيتك، واجتهدي في تغيير عملك حتى لا يراك من يعلم أمرك فتتأذي بأفعالهم، وعليك بصحبة الصالحات من الأخوات المترددات على المسجد فإنك إن غفلت ذكرنك، وإن ذكرت أعنك، فاقرئي معهم القرآن وتعلمي العلم واقرئي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلمي أن ما أنت فيه من البلاء لا يقارن بما كان هو فيه.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(9/3149)
حكم الكلام مع شخص زان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التكلم مع شخص زان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتكلم مع شخص زان إن كان من أجل صده عن المنكر ونحو ذلك فهو واجب، لما روى مسلم وغيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وإن كان الكلام معه لحاجة أخرى غير تغيير المنكر فهو مباح، إلا أن يكون قصدك بالتكلم معه مصادقته، فإن واجب المسلم الابتعاد عن أهل السوء جميعا، وأولهم الزناة، فإن المرء مع من أحب. وقد ورد أن الأخلاء جميعا يوم القيامة يتعادون إلا المتقين منهم. قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف: 67} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(9/3150)
على المسؤول أن بصغي للمراجعين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي /
لدي صديق حصلت معه إشكالية ويريد الاستفسار من حضرتكم بارك الله فيكم.
صديقي هذا موظف بالكلية ولديه موضوع يريد الاستفسار عنه من قبل عميد الكلية فذهب إليه في مكتبه فوجده مشغولا فانتظره أمام المكتب حتى خرج فاستوقفه وقال له لحظة يا دكتور من فضلك فلم يرد عليه ولم يلتفت إليه ولم يعتبره فتأثرصديقي وتألم جدا من هذا الموقف
فما حكم الدين في هذا الموقف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله عميد الكلية مع الموظف المذكور لا ينبغي، لما فيه من المنافاة للأخلاق الفاضلة وتعاليم الإسلام.
فقد روى البخاري وغيره واللفظ لابن ماجه وصححه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده منها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها.
وعلى هذا، فإن على المسؤول أن يصغي للمراجعين ويقضي ما استطاع من حوائجهم، فهذا واجبه وهذه مسؤوليته، وبتضييعها يعرض نفسه لعقاب الله تعالى. ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
ولعل المسؤول المذكور لم يسمع ما قاله الموظف عندما كان أمام المكتب، وعلى كل حال، فإن الأفضل لهذا الموظف أن يصبر ويسامح ويعفو فإن من خلق المسلم أن يصفح ويصبر، وإذا أراد أن لا يعفو فإنه له ذلك، ويأخذ حقه في رد الاعتبار برفع الأمر إلى من هو أعلى من هذا العميد كمدير الجامعة مثلا. وراجع الجواب رقم: 52951
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(9/3151)
المسلم يحسن الظن بأخيه ويحمل أمره على أحسن المحامل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في شخص مسؤول (عميد كلية) كان قد خرج من مكتبه فأوقفه موظف بالكلية وقال له عفوا يا دكتور لحظة وذلك للأستفسار منه فلم يلتفت إليه ولم يعتبره وهو قد سمعه فلما وجده مرة أخرى سأله لماذا لم تعتبرني قال له لقد اعترضتنى وأنا مشغول فهل هذا يجوز بالله عليكم؟ علما بأن هذا الموظف مازال إلى الأن يتألم من هذا الموقف، أرجو إفادتي؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان ينبغي لك إذ عاتبت عميد الكلية فاعتذر بالانشغال أن تقبل عذره وأن تحسن الظن به، فهذا التعامل اللائق بين المسلم وأخيه أن يحسن الظن به، ويحمل مواقفه على أحسن المحامل.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
ولاشك أنه كان الأولى بعميد الكلية أن يلتفت إليك أول مرة ويعتذر لانشغاله، ولكن طالما اعتذر فاقبل عذره، وإن كان هذا العميد مبتلى بالكبر -ويظهر ذلك بقرائن أحواله- فلك أن تعظه سراً أو أن ترسل له خطاباً على بريده تخوفه فيه بالله، وتبين له عاقبة المتكبرين، واستفد من الفتوى رقم: 10706.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(9/3152)
حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من يريد أن تشيع الفاحشة في المؤمنين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله حرم حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين فضلا عن إشاعتها بالفعل، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النور:19} ، قال ابن العربي في (أحكام القرآن) : أبان الله تعالى بهذه الآية وجوب حسن الاعتقاد في المؤمنين ومحبة الخير والصلاح لهم فأخبر فيها بوعيد من أحب إظهار الفاحشة والقذف والقول القبيح للمؤمنين، وجعل ذلك من الكبائر التي يستحق عليها العقاب، وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضربهم. وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. أخرجاه في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم: والله لايؤمن والله لا يؤمن، قيل من يارسول الله، قال: من لا يأمن جاره بوائقه. رواه البخاري.اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وهذه المحبة لا يقترن بها قول ولا فعل فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل، بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا. اهـ. واعلم أن لشيوع الفواحش بين المؤمنين مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المعاصي تهيبهم وقوعها فإذا وقع خبرها على الأسماع دب إلى النفوس التهاون بوقوعها فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم عليها. قال بعض السلف: أدركت أقواما لم يكن لهم عيوب فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركت قوماً كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(9/3153)
الستر على النفس من توجيهات النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
أنا كنت إنسانا ضالا إلى أبعد الحدود وارتكبت معصية لا تذهب من عقلي ولا بالي عرفت طريق الله بعد أن نجاني من مصيبة حقيقية فالحمد لله الآن أنا أصلي وأدعو إلى الله أن يغفر لي هذه المعصية.
هذه المعصية تسبب لي فضيحة كبرى بين أهل بلدتي وكل ما أتقدم إلى بنت وتوافق علي تظهر مشاكل بعد ذلك وأحس أنها عرفت عني هذه النقطة السوداء في حياتي وأريد أن أتركها أول ما أشك أنها عرفت وهذه المصيبة صعب جدا أن اعترف بها أمام أي أحد وأحيانا احس أن الله عز وجل غير راض عني مع أني وجهت قلبي إلى الله وأصلي صلاة الاستخارة في كل بنت وأحس أنه يكرمني وطريقي مسهل هل أتزوج من خارج بلدنا وكيف أكفر عن هذه المعصية الشنعاء التي ارتكبتها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بشكر الله وحمده على جميع نعمه التي أسبغها عليك، وأن تتوب توبة صادقة وتبتعد عن الأجواء التي تجرك لاقتراف المعاصي، وأن تصاحب أهل الخير، وإن كانت هذه المعصية من المعاصي التي بين العبد وربه فإن عليك أن تستر نفسك ولا تخبر أحدا بما حصل، فإن الإخبار بذلك من المجاهرة التي رهَّب منها الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليك أن لا تقنط من رحمة الله تعالى.
وأما الزواج ببنت من دولة أخرى فإنه لا حرج فيه، لأن المسلمين كلهم إخوة، وعليهم جميعا أن يتحابوا في الله، ويوالي بعضهم بعضا بغض النظر عن جنسياتهم ودولهم.
وراجع في عدم اعتبار الجنسية في الكفاءة الزوجية، وفيما يعين على التوبة ويحصل به تكفير الذنوب الفتاوى التالية أرقامها: 4188، 5450، 8371، 11013، 28748، 51247، 998، 5485، 8799، 30756، 41179، 30425.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(9/3154)
كظم الغيظ المحمود والمذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[متى لا يؤجر المسلم على كظم الغيظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لما ذكر نعوت المتقين، ذكر منها: كظم الغيظ والعفو عن الناس، فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133ـ134} وقال أيضاً: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التغابن: 14} ، وقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40} ، وقال: وليعْفُوا وَليصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لكم؟! {النور: 22} ، بل لقد عد الله ذلك من عزائم الأمور، فقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وثبت في سنن أبي داود وابن ماجه والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. وحسنه الألباني.
ولكن قد يأثم الشخص أحياناً إذا كظم غيظه، وذلك في حالات منها: كونه يرى حرمات الله تنتهك ثم هو قادر على إنكار المنكر، ويغلب على ظنه عدم حدوث منكر أكبر من جراء إنكاره. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتقم لغضبه إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى، كما تقول عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه؛ إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل. رواه مسلم. ومنها: ترك المعتدي على النفس أو العرض والتغاضي عنه فإنه أمر محرم كما قال أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(9/3155)
رخص الشرع في كذب الزوجة على زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستشيركم في أمر: هناك عائلة تريد أن تخطبني ولكن ليس الآن وذلك عندما أنهي جزءً من دراستي وعندما نجحت في الثانوية العامة جاءوا عندنا وجلبوا معهم هدية بمناسبة نجاحي ولكن والدي أوصانا بأنه لا يريد هدايا وذلك لأنها من هذه الأسرة بالذات ولكن نحن أخذنا هذه الهدية فليس من المعقول أن نردها إليهم أو أن نرفضها وعندما سأل والدي هل جلبوا شيئاً قالت له أمي خوفاً من غضبه أنهم لم يجلبوا شيئاً فهل هذا يعتبر كذباً وماذا عليّ أن أفعل؟ فكرت بدفع ثمنها ولكن هذا صعب جداً ولكن أيضاً صعب أن يبقى أبي لا يعلم بأمرها
آسفة للإطالة وأرجو الفائدة شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كذب الزوجة على زوجها خوفاً من حصول مشكلة بينهما جائز عند أهل العلم، ويدل له ما في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت ع قبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها.
ولكن الأولى لها أن تستخدم التعريض والتورية، لقول عمران بن حصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
ولقول عمر بن الخطاب: أما في المعاريض ما يكفي المسلم عن الكذب. رواهما البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح.
هذا فيما يخص كذب الأم على زوجها.
وأما الذي عليكم أن تفعلوه، فإن هؤلاء القوم أهدوا إليكم هدية، وظاهر كلامك أنه حصلت الحيازة منكم فأصبحت ملكاً لكم يجوز لكم التصرف فيها بما تشاؤون، ويستحسن أن تكافئوهم بما تيسر، فالأصل هو قبول هدية المهدي إن لم يكن هناك إشراف أو خوف من ترتب مفسدة عليها، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها؛ كما رواه البخاري، وكان يدعو إلى قبولها: فقد قال: لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت. رواه البخاري.
وقال لعمر رضي الله عنه: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك. رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر النووي في شرح مسلم أن أهل العلم اختلفوا في وجوب قبول الهدية واستحبابه وإباحته، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يستحب.
وبناء على القول باستحبابها، فإنه كان الأولى بكم تقديم طاعة الوالد والاعتذار عن قبولها بما لا يحرجكم أمام هؤلاء القوم، وأما إذ حزتموها فقد أصبحت ملكاً لكم وليس عليكم حرج في تمولها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(9/3156)
لا يجوز افتراش الصحف والصلاة عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاةعلى الجرائد أو الصحف اليومية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الجرائد لا تخلو ـ غالباـ من ذكر الله وأنبيائه، ومنها ما فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية، فالواجب صيانتها عن الامتهان والإهانة، ومن الامتهان افتراشها للصلاة عليها لأن افتراشها فيه عدم تعظيم لحرمات الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1425(9/3157)
الكذب للستر على شخص ما بين الاستحباب وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا أقود السيارة في طريق في حارتنا إذ تفاجأت بسيارة تسير نحوي في الاتجاه المعاكس وكانت المسافة جدا قريبة فحدث الاصطدام بين السيارتين. الحمد لله أنه لم يصب أحد بأذى ولكن تضررت المركبتان بشكل كبير.
المهم: الشخص الذي صدمني لا يحوز رخصة سياقة فاضطررنا عند التحقيق في مركز الشرطة -والعياذ بالله- إلى الكذب بأن قائد المركبة هو شخص آخر غير السائق الحقيقي فكذب هذا الشخص وأيدته أنا في ذلك درءا عن العقوبة التي ستلحق بالسائق الحقيقي.
ما رأي الشرع في ذلك؟ وما العمل حيال ذلك إن كان خطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الكذب محرم شرعا لا يباح إلا لمصلحة راجحة، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 39152 والفتوى رقم: 38280.
وعلى هذا، فإذا كان الشخص الذي صدم سيارتك لا يُعرَف بالتهور والتجرؤ على مخالفة القوانين وإنما حدث من قيادته السيارة بدون رخصة إنما هو زلة لم يعتدها، فلا بأس بتأييدك له في الكذب درءا للعقوبة عنه، لأن الستر عليه في هذه الحالة مشروع مستحب. قال صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. متفق عليه. وفي الحديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم؛ إلا حدا من حدود الله. رواه البيهقي.
وأما إذا كان هذا الشخص معروفا بالتهور والتجرؤ على مخالفة القوانين ... فلا يجوز تأييده في الكذب، لأن الكذب في هذه الحال غير مباح لعدم وجود مصلحة راجحة من ورائه، فإن الستر على من هذا حاله يغريه بالزيادة في الفساد والشر. قال الإمام النووي: فأما المعروف بذلك أي بالفساد فيستحب أن لا يُستر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله.
وإذا تقرر هذا.. فإذا كان هذا الشخص لا يجوز الستر عليه فأبلغ المسؤولين بحقيقة ما جرى إلا إذا خشيت أن يلحقك من ذلك ضرر، فيكفيك في هذه الحالة التوبة إلى الله وعدم العودة إلى ذلك مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1425(9/3158)
ترك العتاب عتاب، والسكوت خير جواب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لي صديقة دامت صداقتي معها ما يقارب 7 سنوات وفجأة اختلقت خلافاً لا ذنب لي فيه حاولت أن أرجع ما كان بيننا بواسطة الأهل والداعيات، ولكن بدون جدوى وأطفالي متأثرون لحبهم الكبير، دلوني على الطريق لأني لا أطيق الغضب مع أي كان؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول ما نريد لفت النظر إليه هو أن على المرء أن يعتدل في حبه وبغضه، كما أرشد إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حين قال: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيك يوما ما. رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني.
وإذا كنت تحبين مواصلة الصداقة مع صديقتك هذه فاغفري زلتها ولا تعاتبيها في شيء مما لفقته لك، بل اعتذري لها، فإن في ترك العتاب عتابا، وإذا أرادت بك المحال مما لا تستطيعين تحمله فاسكتي عنها، فإن السكوت قد يكون أبلغ جواب، وقد أورد أحد الشعراء هذا المعنى في أبيات قال فيها:
إني ليهجرني الصديق تجنيا * فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متعاقل * يدعو المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1425(9/3159)
شغل المرء الآخرين بحاجاته لغير ضرورة مذموم شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[وسؤال آخر.. ما حكم التواكل.. بحيث إن لدي أخ يبلغ من العمر 22 عاما.. ولكنه إنسان متواكل مستهتر.. وإن رفضت له طلبا.. يقاطعني.. ويستغل قدرتي في فهم بعض الأمور.. في أن أنجز مهماته.. وإن كان هو على قدرة كبيرة في إتمامها..
ما نظرة الشرع في هذا.. افيدوني جزاكم الله خيرا.. وصلاحا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يقوم به أخوك من تعليق حاجته بك من غير ضرورة مذموم شرعا مستقبح طبعا، فقد حث الإسلام على عفة النفس والاستغناء عن الناس، فحرم المسألة لغير ضرورة، ففي سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع. وبين فضل الاستغناء عن الناس، ففي الأوسط للطبراني أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس.
وأما هجره إياك لرفضك الاستجابة له فلا يجوز، إذ لا يحل للمسلم هجر أخيه المسلم لغير مسوغ شرعي، وإذا كان هذا في عامة المسلمين ففي ذوي الرحم آكد، وراجعي الفتوى رقم: 47724. فنوصي أخاك بأن يتقي الله في نفسه، ونرشدك إلى بذل النصح له، فإن هذا من أعظم البر والصلة، وأن تترفقي به في ذلك، فلعل الله تعالى يهديه إلى جادة الصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1425(9/3160)
من الوسائل المعينة على دفع الظلم عن المظلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم لله الرحمن الرحيم
ما مدى مشروعية عرض أقوال واتهامات باطلة يتهمني بها أحد الأشخاص الذين لا يتقون الله ويريد إيذائي وإدخالي السجن بالباطل، أسأل عن مدى مشروعية عرض هذه الاتهامات الباطلة التي يتهمني بها على الناس ممن هم حولة وجيرانه وزملاء عمله حيث إنه قد يخشى من نشر سمعة سيئة من حوله فيرعى ربه في ظلمه لي وقول الزور الذي يتهمني به؟
وخصوصا أنه لم تجد معه أي محاولات لرده إلى صوابه وإبعاده عن ظلمه لي.
أي أن يخبر كل من يعرف هذا الظالم بما فعله معه من ظلم وافتراء حتى يخشى على نفسه من نشر سمعة غير حسنة. فما الحكم في ذلك أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوقوع في أعراض المسلمين واتهامهم بالباطل وقول الزور عليهم كبيرة من كبائر الذنوب، يجب الإقلاع عنها والتوبة منها، ويكفي التنفير من قول الزور على الناس ورميهم بالباطل قول الله تبارك وتعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج: 30} .
فقرن سبحانه وتعالى قول الزور بالشرك به، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور: 23} . وقال صلى الله عليه وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.
وإذا لم تنفع مع الشخص المذكور النصيحة منك فبإمكانك أن تستعين عليه ببعض إخوانه وأصدقائه لينصحوه ويبينوا له حرمة الوقوع في أعراض الناس وما يترتب عليها من الفساد في الدنيا والعقوبة في الآخرة.
وإذا لم يجد ذلك نفعا فبإمكانك أن تشكوه للجهات الرسمية المعينة أو تقوم بما ذكرته في السؤال، نسأل الله تعالى أن يصلح ذات بينكم ويؤلف بين قلوبكم.
ولمزيد من السؤال نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 17592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(9/3161)
المسامحة.. ما يجوز منها وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قبل نومي كل ليلة أقول: (رب إني سامحت كل من اغتابني أو ظلمني أو آذاني في هذا اليوم) فهل عملي صائب؟ وإن كان صائبا أريد صيغة تفيد ذلك بالمعنى. وأيضا ما هو أجري على ذلك.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر بعض أهل العلم أنه يستحب مسامحة الإنسان عند النوم أو الصباح لمن يطالبهم بحقوق سابقة، ويدل له عموم ما في الحديث: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد ووثق الهيثمي رجاله في المجمع وصححه الألباني.
واحتجوا لذلك بما رواه أبو داود مرسلا عن عبد الرحمن بن عجلان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم، قالوا: ومن أبو ضمضم؟ قال: رجل فيمن كان قبلكم كان إذا أصبح قال: عرضي لمن شتمني. وقد رواه ابن السني والبزار والعقيلي عن أنس بسند ضعيف كما قال العراقي، وهذا محمول على شتم سابق كما قال ابن مفلح في الفروع، وقد بوب أبو داود على هذا فقال: باب ما جاء في الرجل يحل الرجل قد اغتابه، وقد ذكر الهيتمي في الزواجر أنه روي عن الشافعي أن عدم المسامحة أولى لأن صاحبها يستوفيها يوم القيامة بحسنات من هي عنده، ثم قال: والذي دل عليه حديث أبي ضمضم أن العفو أفضل.ا. هـ.
وأما التنازل والمسامحة عن حق مستقبل فإنه لا يجوز كما روي عن أبي حنيفة ومالك؛ لأنه إباحة للغيبة والسب المحرمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1425(9/3162)
حكم سرقة الأهل لطلب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سرقة الأهل لطلب العلم الشرعي خاصة أنهم معاندون ومكابرون ولا يفقهون فريضة طلب العلم ومنازل العلماء. والسرقة هنا هي سرقة ثمن المواصلات وثمن ما أحتاج إليه من مأكل ومشرب لحضور المجالس التي انعدمت في هذه الديار ولا أعرف لها سبيلا إلا هذا العالم الذي يقوم بها خفية. وكان هذا العالم قد أفتاني بذلك ولكن وجدت في نفسي حرجا خاصة أن هذا المال مال المجموعة \"أي عائلتي\" فمنهم المسلمون ومنهم من نقض إيمانه ولا يزال كذلك بعد سبه للدين
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السرقة محرمة شرعا ومرتكبها مذموم طبعا سواء كان ذلك على الأهل أو على غيرهم. وقد حرم الله عز وجل السرقة في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ويكفي من تغليظ إثمها والتنفير منها أن الله تعالى قرن تحريمها بالشرك به سبحانه وتعالى، وبالزنا وقتل الولد. فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ {الممتحنة: 12} ولا يبرر فعل هذا المنكر أنه على الأهل أو أنه لهدف نبيل وشريف وهو طلب العلم الشرعي. ومبدأ: الغاية تبرر الوسيلة، مبدأ فاسد ودخيل على الثقافة الإسلامية، فالوسائل في الشريعة الإسلامية لها حكم المقاصد، فلا يجوز أن نتوصل إلى الأهداف والمقاصد الحسنة بالوسائل السيئة المحرمة.. وإنما بالوسائل المباحة والمشروعة. ولا شك أن طلب العلم الشرعي فريضة عظيمة ومهمة نبيلة يجب على المسلم أن يسعى في تحصيل فرض العين منه، وربما تعين على المسلم طلب العلم الشرعي إذا لم يوجد من يقوم بفرض الكفاية وكان مؤهلا لذلك. ولكن الفرض لا يجوز أن يرتكب في سبيله الحرام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ـ وهو هنا السرقة ـ وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ـ وهو هنا طلب العلم ـ والحديث رواه مسلم وغيره. فعليك أن تتخذ وسائل أخرى للحصول على مايعينك على طلب العلم من العمل ... وطلب الأهل لمساعدتك إلى غير ذلك من الوسائل المشروعة. والحاصل أننا نوصيك بتقوى الله تعالى والحرص على طلب العلم واتخاذ الوسائل المشروعة لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(9/3163)
الضرب والإيذاء دون مسوغ شرعي لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[من قال لأخيه والله علي الطلاق من المرأة لو أنك تساير فلان أو تكلمه لأضربنك وأقطعك تقطيعاً فمرت الأيام وسايره وتكلم معه فرأيته فاحترت في أمر الطلاق، فأفتونا؟ جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نريد أن نبين للأخ السائل أن ضرب الغير دون مسوغ شرعي لا يجوز، وقد اختلف فيه أهل العلم فيما إذا كان يلزم فيه للمضروب القصاص من الضارب أو الواجب فيه التعزير، وراجع فيه فتوانا رقم: 25387.
وأما قتل العمد، ففيه الإثم المفضي إلى الخلود في النار، كما قال الله عز وجل: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وفيه في الدنيا عقوبة القصاص، وراجع فيها الفتوى رقم: 10808.
فلا يجوز للإنسان -إذاً- أن يحدث نفسه بضرب الآخرين فأحرى قتلهم، وتعليق الطلاق إذا كان الحالف يقصد به وقوع الطلاق، فهو طلاق إذا حصل المعلق عليه، وإن كان إنما يقصد اليمين وليس الطلاق، فالجمهور على أنه يقع أيضاً، وقال بعض أهل العلم إنه في هذه الحالة تلزم فيه كفارة يمين ولا يقع الطلاق، وراجع فيه الفتوى رقم: 19612.
وعليه، فإذا رأى الحالف المحلوف عليه يساير ويكلم من أمر بترك مسايرته والكلام معه، فالأحوط أن يعتبر زوجته طالقاً، ولكنه إن كان هو أول طلاق أو ثاني طلاق، فله الحق في ارتجاعها دون عقد ما دامت في العدة، قال الله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا {البقرة:228} ، وعليكم بمراجعة المحاكم الشرعية فهي أقدر على الاستماع من جميع الأطراف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(9/3164)
وفاء الأم بوعدها لابنها مندوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي قالت لي إن نجحت في امتحان الباكلوريا فستعطيني 20 ألف ما الحكم الشرعي؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى ندب عباده إلى الوفاء بالعهود والوعود فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْد {الإسراء: 34} .
قال ابن مفلح عن ابن الجوزي: والوعد من العهد، وقال في: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْد" عام فيما بينه وبين ربه، وبين الناس. اهـ.
وفي الحديث: آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف. .. متفق عليه.
وقيل للإمام أحمد: بم يعرف الكذابون؟ قال: بخلف المواعيد.
وفي سنن ابن ماجه من حديث ابن مسعود مرفوعا: ولا يعد الرجل حبيبه ثم يخلفه.
فينبغي لأم السائل أن تفي بوعدها وتدفع له المبلغ المذكور، وأما هل يلزمها الوفاء لزوما واجبا فلا.
قال ابن حزم: ومن وعد آخر بأن يعطيه مالا معينا أو غير معين حلف له على ذلك أو لم يحلف لم يلزمه الوفاء به، ويكره له ذلك، وكان الأفضل لو وفى به.
وراجع الفتوى رقم: 44575.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(9/3165)
ذكر المعائب على جهة المصلحة لا يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة زملاء بالعمل ويحدث في بعض المرات أن اتناقش مع زميل لي عن خراب حصل بأجهزة الكمبيوتر أو بالأحرى سوء استعمال واستهتار من قبل زميل آخر ومن ضمن الحديث نتكلم على هذا الزميل بأنه فعل كذا بالجهاز وأنه غير منصاع للتعليمات بالمحافظة على الأجهزة وبالعموم نتكلم عنه بمجال المحافظة على الاجهزة والخ. سؤالي هل هذه تعتبر غيبة نأثم عليها خاصة أننا غير مطالبين بمحاسبته لكن همنا الحفاظ على الأجهزة من الاستهتار وسوء الاستعمال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن الغيبة من الذنوب القبيحة التي حذر منها الشرع ونعتها بأبشع الأوصاف. قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} ، والغيبة: كما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه أصحاب السنن. ولم يبح الشرع منها إلا ما دعت إليه الضرورة لرفع الظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والتحذير من الشر والفساد وما أشبه ذلك. وعلى هذا فإنه لا يجوز ذكر شيء من معائب صاحبكم إلا على جهة المصلحة وما يتعلق بالعمل والاقتصار على ما يصلح حالكم. وعليكم قبل ذلك وبعده أن تنصحوه وتبينوا له أن من الواجب عليه شرعا وطبعا أن يحافظ على ما ائتمن عليه من أدوات العمل وأجهزته وأن تضييعها تضييع للأمانة وخيانة لها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. رواه أصحاب السنن. فهذا من النصيحة لأخيكم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6082، والفتوى رقم: 29510.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(9/3166)
نوع من الغيبة لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا خليل. ولدت في قطر. أريد أن أسألكم عن التقليدالشخصي. وهل هو جائز في الإسلام؟ وما حكمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني بالتقليد الشخصي محاكاة الشخص فيما يفعله من حركات، أو تقليده في شيء من خصاله على سبيل التنقيص، فهذا نوع من الغيبة ولا يجوز، ذكر ابن كثير في تفسيره قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ {الهمزة:1} ، قال: الهماز بالقول واللماز بالفعل. انتهى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم. وفي سنن أبي داود والترمذي أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا. وإن كنت تعني بالتقليد الشخصي غير هذا، فبينه عسى أن نجد لك جوابا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(9/3167)
غرس الإخلاص وقلع الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد فتحية طيبة لكل القائمين على هذا الحصن الإسلامي المنيع حقيقة إني أعاني من سيطرة بعض الهواجس على فكري مما يسبب لي العجز والخمول في كل شيء، كيف نفرق بين الرياء وحب نيل المديح والتميز وهل حب إبراز النفس والتفوق حرام أم حلال، كيف يمكن للإنسان أن يجعل عمله لوجه الله هل يقول هذا العمل لوجه الله فقط أو يكفي أن يكون هذا العمل فيه خير لنفسه وللناس فيكون بذلك عمل لوجه الله، هل يؤجر الإنسان على العمل الذي تقتصر منفعته على نفسه هذه الأسئلة أربكتني عن العمل حيث أنني كنت أقضي وقت فراغي كله في الأعمال اليدوية واختراعات بسيطة وجمع معلومات من جميع المجالات لاستخدامها في حياتي وتعلم فنون الحرب الشرقية، حيث أجد في هذا الأعمال سعادتي وراحتي فهل يؤجر الإنسان على هذا الأعمال؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن المرء إذا عمل العمل لينال ثناء الناس ومدحهم أو ليظهر تميزه على أقرانه أو غيرهم فهذا هو الرياء بعينه، والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ًلوجهه الكريم، قال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110} ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. رواه مسلم وغيره، وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
وقد يعمل المسلم العمل لله تعالى لا للناس فيمدحه الناس عليه فلا يعتبر ذلك رياء ولا يذم عليه؛ بل يكون بشرى طيبة له، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن.
قال النووي في شرحه: هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم. انتهى. وإذا فرح العبد لثناء الناس عليه والحالة هذه فلا يعتبر ذلك رياء، كما قال صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره. انتهى.
وأما حب إبراز النفس والتفوق فهو مذموم لأن العبد مطالب بالتواضع، وعلى قدر تواضعه تكون رفعته ومنزلته عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد.
وقد حث الشرع على التواضع ورغب فيه وحذر من التكبر وزجر عنه، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وفي المسند وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين، ومن يتكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين.
وما أحسن ما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين: النفوس ثلاثة: نفس سماوية علوية فمحبتها منصرفة إلى المعارف واكتساب الفضائل والكمالات الممكنة للإنسان واجتناب الرذائل وهي مشغوفة بما يقربها من الرفيق الأعلى وذلك قوتها وغذاؤها ودواؤها فاشتغالها بغيره هو داؤها، ونفس سبعية غضبية فمحبتها منصرفة إلى القهر والبغي والعلو في الأرض والتكبر والرئاسة على الناس بالباطل فلذتها في ذلك وشغفها به، ونفس حيوانية شهوانية فمحبتها منصرفة إلى المأكل والمشرب والمنكح. وربما جمعت الأمرين فانصرفت محبتها إلى العلو في الأرض والفساد؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وقال في آخر السورة: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. انتهى.
أما كيف يمكنك أن تجعل العمل لوجه الله فذلك بأن تعالج نيتك لتكون لله خالصة لوجهه سبحانه، وبأن تجاهد نفسك لتبعد الرياء عن قلبك وهو أمر ليس باليسير إلا على من يسره الله عليه؛ ولذلك قيل "إخلاص ساعة نجاة الأبد"، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم عن يوسف بن الحسين الرازي قوله: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر. انتهى.
هذا.. وتصحيح النية من أهم ما يجب أن يعتني به العبد؛ كما جاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية: لأئمة الدعوة النجدية قولهم: ويجب على من نصح نفسه أن يكون اهتمامه بتصحيح نيته وتخليصها من الشوائب فوق اهتمامه بكل شيء، لأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. انتهى.
أما جواب سؤالك هل يؤجر الإنسان على العمل الذي تقتصر منفعته على نفسه؟ فنقول: نعم يؤجر عليه إن كان الشرع قد رتب عليه أجراً وثواباً وكان العامل قد أداه بطريقة صحيحة مشروعة، وننصحك أن تشغل وقتك بطاعة الله وذكره تعالى وطلب العلم النافع لأن الله سائلك يوم القيامة عن عمرك فيما أفنيته، وعن شبابك فيما أبليته. فاتق الله وأعد لمثل هذه الأسئلة جواباً، ولا مانع مع ذلك أن ترفه عن نفسك بين الحين والآخر بأي أمر مباح حتى يكون عونا لك على مواصلة الطاعات، واعلم أن الاشتغال بما فيه نفع للآخرين من أفضل الأعمال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس. أخرجه الطبراني في معجمه وحسنه الألباني.
وفي ختام الجواب نذكرك بضرورة الاستعاذة من الشيطان الرجيم والابتعاد عن الوساوس والهواجس التي يلقيها، لأنها في حقيقة الأمر تصد المرء عن ذكر الله وعن المضي قدما في الطريق إلى الله. وفقنا الله وإياك لطاعته وأعاننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1425(9/3168)
إباحة الكذب لجلب مصلحة أو دفع مفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[جارتي تدخر فلوسا من وراء زوجها، وهذه الفلوس خاصة بها وليست من فلوسه وهو لايعلم بها، لأنه إذا علم بها يجلس عن العمل حتى تنصرف هذه الفلوس كلها، وبعد ذلك ممكن صاحب الشغل يستغني عنه، وممكن لا يجدوا ما يأكلونه.
س:-فهل جائز الكذب عليه؟ لأنها تعطي له مبلغ كأنها اقترضته من الجيران لكي يتحمل المسؤولية ويسدد هذا المبلغ.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الفلوس التي ذكرت خاصة بالزوجة فلها الحق في أن تخفيها عن زوجها ولا تخبره بها.
وأما الكذب فهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع، ولكن العلماء أباحوه إذا كان يراد منه غرض محمود لا يتوصل إليه إلا به.
قال في دقائق أولي النهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس ومحارب ولزوجة فقط.
قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به.
فهذا يفيد بأن الكذب يباح إذا كان لجلب مصلحة أو دفع مفسدة، ولكن الأفضل للمرء أن يستعمل التورية إذا كان يريد إخفاء الحقيقة. فقد ترجم البخاري في صحيحه قال: باب المعاريض مندوحة عن الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1425(9/3169)
يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المصطفى ومن والاه.. وبعد
نحن مجموعة موظفات في إحدى الدوائر الحكومية.. ونقع تحت إدارة مديرة تم اختيارها لهذه الإداره نظرا لالتزامها وتطوعها وحفظها للقرآن الكريم.. وفرحنا جميعا حين تم اختيارها لهذا المنصب، إلا اننا فوجئنا بعد استقرارها على كرسي الإدارة قد تحولت إلى شيء آخر مخالف تماما لما توقعناه منها من العدل والإنصاف وتحكيم الدين , فقد أصبحت إنسانه معتدية على الحقوق تنتهج الكذب في المقام الأول في تعاملا مع موظفاتها وتسعى بينهن بالنميمة والافتراء والفرقة وشحن نفوسهن على بعضهن البعض والتفريق بينهن بدون وجه حق , وتتبع أسلوب التجسس على الآخرين كما أن أخلاقها ساءت جداً وكثيرا ما تتعامل مع الآخرين بأسلوب الإهانه والتحقير مما جعل أجواء العمل سيئة للغاية وغير مريحة وتسوده المشاحنات والحقد..
وسؤالى هو يا فضيلة الشيخ ما حكم التعامل مع هذه المديرة؟؟ وهل يحق لها التعامل بهذه الطريقة مع من هي مسؤوله عنهن؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم الذنوب الوقعية بين الناس بالسعي بينهم بالنميمة، وفي الحديث: لا يدخل الجنة نمام. رواه مسلم.
قال النووي: قال العلماء: النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم. اهـ.
والنميمة قبيحة وهي من أهل التدين والمسؤولية أقبح وأشنع، وحري بهذه المرأة وقد تولت هذه الإدارة وصار تحت مسؤوليتها ورعايتها موظفات أن تتقي الله عز وجل فيهن، وتسير بينهن بالعدل والرحمة والإصلاح. وفي الحديث: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا، لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور. رواه أحمد. وفي الحديث: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
وأما واجب الموظفات تجاه هذه المديرة فهو النصحية والموعظة وتذكيرها بالله عز وجل عسى أن تعود إلى جادة الحق والعدل، ولهن إن لم تستجب لهذه النصيحة أن يشكينها إلى من ينصفهن منها ويذكرن عنده أنواع الظلم التي تقوم بها، ولا يعد ذلك أمرا محرما في حقهن. قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء: 148} .
قال البغوي: يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(9/3170)
التمظهر بغير الحقيقة من الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الحالات يكلفني أحد الإخوة بأن أسأل له عن موضوع ما مثل القروض أو غير ذلك فأنسب ذلك الأمر لنفسي فهل يعتبر ذلك كذبا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب والغش والخديعة والمكر والتزوير أمور محرمة يجب على المسلم أن يبتعد عنها، ومن ذلك التمظهر بغير الحقيقة والافتخار بما ليس عنده من علم أو غيره، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور.
ولكن إذا كانت نسبة السؤال لنفسك من باب أنك الذي باشرت السؤال عن الموضوع فهذا لا شيء فيه إن شاء الله تعالى، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 12224، والفتوى رقم: 1126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(9/3171)
التناصح بين المسلمين يورث محبة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بنصيحة أخت لي في الله بأن لا تتعب نفسها في البحث عن مؤلفات كاتبة كنت قد اطلعت على بعض كتابتها منذ زمن وكانت مليئة بالأفكار الشاذة والغريبة فمن حرصي على مصلحة أختي حتى لا تقع تحت تأثير أي من أفكارها الشاذة قمت بنصحها بترك البحث عن كتاباتها، فكان جوابها أن مبدأها أن تعاين كل شيء بنفسها، كان الحوار هادئاً بكل مودة، فسؤالي هو: هل تجاوزت الحد في النصيحة وهل أنا آثمة أم أن لي أجر النصيحة إن شاء الله وما حدود التناصح في الله؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه إذا كان الحوار والتناصح جرى بينكما بشكل ودي وكنت مخلصة في نصحها فإنا نرجو الله أن يعطيك الثواب على ذلك، فإن التناصح بين المسلمين أمر ضروري، لما في الحديث: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وفي الحديث القدسي: حقت محبتي على المتحابين فيَّ، وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ. رواه ابن حبان.
وأما حدود التناصح فتشمل التنبيه على فعل المأمورات وترك المنهيات، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3716، 27020، 47286.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1425(9/3172)
البغض المحمود والبغض المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخنا الكريم، أريد أن أعرض عليكم مشكلتي أتمنى من حضرتكم الموقرة أن تجيبونا على هذا السؤال:
أنا فتاة على قدر من الالتزام والحمد لله، وقد تعرفت على شاب ملتزم على أساس ذلك، ولكن طلع في نهاية القصة إنسانا نذلا سامحني يا شيخي على هذا المصطلح لكن هذه هي الحقيقة والحمد لله أن ربي أنقذني منه، ولكن هذا الشاب كلما رأيته أحقد عليه وعندما لا أراه أسامحه ماذا أفعل صدقني يا شيخ أني محتارة، أريد قلبي أن يكون خاليا من أي حقد، وقلت في قرارة نفسي حسبي الله ونعم الوكيل لكن الخداع صعب والأصعب أنك تراه أمامك كل يوم، أرجوك يا شيخي الكريم أن تساعدني على ما أنا فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر -والله أعلم- أنك لما تعرفت على هذا الشاب حسبته إنساناً ملتزما ومتمسكا بدينه، ثم بعد التجربة والممارسة وجدته على النقيض من ذلك، فحقدت عليه لما عرفت فيه من العصيان والبعد عن الله، وهذا هو معنى نذالته عندك.
فإذا كان هذا هو سر حقدك عليه ولم يتب من هذه الذنوب فحسناً فعلت، ولكن يجب أن يكون البغض بحجم الذنب، فالمسلم لا يبغض بغضا كاملا ما دام معه أصل الإيمان، وراجعي الفتوى رقم: 24845، لأن البغض في الله من أحب الأعمال إلى الله، وهو سبب من أسباب استكمال الإيمان، ففي الحديث الشريف: إن أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد، وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وللطبراني مرفوعاً: أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله عز وجل.
وأما إن كان قصدك بنذالته أنك تلاحظين نقصا في نسبه أو حسبه أو شيء من خصاله التي لا تمت إلى الدين بصلة فتوبي إلى الله من ذلك، فإن من حق المسلم على المسلم أن يحترمه ويكرمه ولا يحقره ولا يذله، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... الحديث. وراجعي الفتوى رقم: 4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1425(9/3173)
الإهانة أمام الناس لا تجوز وتستوجب الاعتذار
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد خصومة بين فردين وبينهما رحم أحدهما معاق والثانى سليم في مشادة وكان الغلطان السليم فقام السليم بدلق ما يحمله من دواء في يده في وجه المعاق على مسمع ومرأى من الناس وشتمه ورفع الكرسى كى يضربه به فبكى المعاق واعتبرها حقارة منه وكل الحضور يعرفون أن السليم غلطان ودائما السليم يسىء له ففي عيد مد السليم يده للمعاق للسلام فقال المعاق أهنتني أمام الناس اعتذر لي فرفض السليم الاعتذار وقال إنه لم يغلط وهو كيف يعتذر له مع العلم أن المعاق بنت والسليم رجل وهو يرى أنه أحسن منها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقدم عليه هذا الشخص الذي وصفته بأنه سليم، ضد تلك المعاقة من الشتم أمام الناس ورفع الكرسي عليها ليضربها، ونحو ذلك من الإهانة لا يجوز، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. وقال صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وأحمد.
وعلى هذا الذي شتم وأراد الضرب والإساءة أن يعتذر عن خطئه، لاسيما إذا كان الموضوع مع ذات رحم.
والأكمل للمعتدى عليها أن تصبر وتعفو عمن ظلمها ابتغاء الأجرمن الله.
قال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 134} ، وقال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40} ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
ونسأل الله العلي الكريم أن يهدينا جميعا إلى الطريق المستقيم ويجنبنا الاعتداء وسائر أنواع الظلم، ويقوي الأواصر بين ذوي القربى إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1425(9/3174)
الصبر على أذى الخلق ضياء
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي العزيز هنالك الكثير من الأشخاص من حولي لا يمكن التعامل معهم، فلو أنك ألقيت عليهم السلام سخروا منك واستهزؤوا بك، ولو تبسمت في وجوههم قالوا هذا سفيه فماذا أصنع معهم؟ عفاكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الحياة مجال للابتلاء والاختبار، قال الله تعالى: ألَمّ* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3} ، وقال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
ولا غرابة في أن يجد المرء حرجاً شديداً في تطبيق تعاليم دينه، كإلقاء السلام والانبساط في وجه المسلم ونحو ذلك مما حث عليه الدين الحنيف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. رواه الترمذي.
وعلى المسلم أن لا يختار من الأصدقاء والجلساء إلا من كان تقياً صالحاً، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة.
وعليك بالصبر على أذى المخلوقات فإنه خير لك وزيادة في الحسنات، ونسأل الله أن يعيننا وإياك على التمسك بهذا الدين والصبر على الطاعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1425(9/3175)
حد الإسراف المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن إن شاء الله ذاهبون في سفر إلى السعودية فالذهاب سيكون إن شاء الله للبحرين جواً ثم من البحرين إلى السعودية براً، فالشركة عرضت علينا باصاً مجاناً للذهاب ولكنه كله عمال (بحسب خبرة سابقة) وأنا معي عائلة والطريقة الثانية هو دفع 350 ريالاً قطريا، فهل يعتبر هذا من باب الإسراف غير المبرر، أفتونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الإسراف والتبذير من الأمور المذمومة شرعاً، قال الله تعالى: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] ، وقال تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:26-27] .
والمطلوب من المسلم أن يقتصد ويتوسط في أموره كلها، قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67] ، ولكن حد الإسراف يختلف باختلاف حال الناس، فما يكون إسرافاً في حق شخص قد لا يكون إسرافاً في حق آخر، فالله تعالى فضل بعض الناس على بعض في الرزق ... وقال: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ... [الطلاق:7] .
وعلى ذلك؛ فإذا كان المبلغ المذكور لا يجحف بكم فإن هذا لا يعتبر من الإسراف، وخاصة إذا كانت وسيلة النقل التي تستأجرونها أريح لكم وأليق بحالكم كعائلة، وعلى كل حال فالمرء في هذه الحالة هو فقيه نفسه لأنه أدرى بحاله وظروفه ... وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30853، 49522، 31084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(9/3176)
ما يفعل من اضطر لعدم قول الحقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حالات يجوز فيها الكذب، حيث إنني قبلت في جامعة وحصلت على بعثة مجانية ولكن عندما سألني الناس أخبرهم أنني أدفع مبلغا معينا من المال لأنني لو أخبرت هؤلاء الناس أنه بالمجان فستحصل مشاكل كثيرة لأهلي لأن عليهم ديونا كثيرة لهؤلاء الناس، ومن بينهم أهلهم وهم يحاولون ضاغطين على والدي أن يأخذوا المال حالاً رغم أنهما لا يستطيعان السداد الآن، كما أنني عندما قدمت الطلب هناك أوراق لم أقدمها وإذا عرف أي شخص بالبعثة فسأفضح رغم أنه لا يوجد أي شيء غير قانوني ولكن البعثة ستلغى في هذه الحالة فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الكذب الحرمة لما في حديث الصحيحين: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وهناك حالات تضطر الإنسان لعدم الإفصاح بالحقيقة، ويتعين على الإنسان أن يحاول التورية والتعريض ما أمكنه ذلك لقول عمر رضي الله عنه: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
فإن لم تمكن التورية والتعريض فلا حرج في الكذب لدفع مضرة محققة لا يمكن دفعها إلا به، أو للإصلاح بين الناس، وقد سبق الكلام على هذا بالتفصيل في الفتاوى ذات الأرقام التالية فراجعيها: 48814، 7432، 47622، 1052، 26391، 27641، 37533، 3809، 39551.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(9/3177)
البعد عن ذكر الله من أهم أسباب الكذب والغيبة و ...
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي اليوم هو عن الكذب: وأقصد بذلك أن والدي يكذب علينا في جميع الأمور ومن الناحية المادية وبشكل كبير يختلق أموراً لا وجود لها، بحيث إنه لا يود أن يخرجنا للنزهة، بحجة أنه ليس لديه نقود البنزين سبحان الله نعرف والدنا، وقد عشنا معه في حياتنا وأمورنا ممتازة والحمد لله، ولكن والدي يكذب كثيراً، ويتخذ ذريعة كي لا يصرف أو يشتري ولا نعلم أين يذهب بالمال وغير ذلك، إن أبي يغتاب كثيراً وليس عنده صبر، وقد حصلت له مشاكل كبيرة عند أغلبية البشر من حولنا، فليس لدينا إنسان صالح معنا، لست أستطيع أن أنصحه، لأنه سيغضب ويدعو علي، وقد هددنا بذلك مراراً، فلا أدري ما العمل فوالدي كبير في السن، ولكن لا يستطيع أن يذكر الله كثيراً ولا يغتاب الناس لأنه حرام، وقد أشرت إليه بأن يقرأ كتاب الله ولكن سبحان الله، فكيف أفهم والدي أن هذا حرام \"الكذب والغيبة\" من دون أن يدعو علي ويتهمني بالعقوق؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر الله من الكذب ونهى عنه في آيات كثيرة، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] ، وفي حديث الشيخين مرفوعاً: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عن الله كذاباً.
ونهى الله عن الغيبة، قال تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [الحجرات:12] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق. رواه المنذري وغيره وإسناده صحيح، وفي صحيح البخاري ومسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.
وعليه؛ فما ذكرته عن أبيك من الكذب والغيبة، وما أضفت إليهما من بعده عن ذكر الله، والغلظة وكثرة المشاكل مع الناس هي أمور خطيرة جداً، والذي نراه لك في أمره هو الإكثار من الدعاء له بالاستقامة والصلاح، فإن الله تعالى قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ، وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] .
ثم وسطي أهل الفضل والصلاح في أمره، واطلبي منهم نصحه وموعظته، ولا تخجلي أنت من نصحه ولا تخافي من غضبه ودعائه، واحفظي له جميع حقوق الأبوة، فإن ما هو فيه من الانحراف لا يسقط عنك شيئاً من حقوقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1425(9/3178)
حصول الإثم والمؤاخذة في حقوق العباد
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: عن الذنوب والآثام وكذلك الأجر، الذي أرغب في قوله هو هل إن كرهت إنساناً أو حقدت عليه أو ضربته سوف آثم، وهل إن أفرحت مسلماً وأسعدته إما بالكلمة الطيبة أو هدية وأفرحته سوف أكسب أجراً؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحقد خلق ذميم وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه. رواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني عن ابن عباس بإسناد حسن.
وورد في الحديث الشريف إثم من آذى الناس بشتم أو ضرب أو سفك دم ... روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يوفى الذي عليه أخذ من سيئات صاحبه ثم طرحت عليه ثم طرح في النار.
وفي حديث آخر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدواوين، وقال: إنها ثلاثة، وذكر منها: وديوان لا يتركه الله، وبيَّنه بقوله: وهو ظلم العباد بعضهم بعضا. رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
هذه الأحاديث كلها تفيد حصول الإثم والمؤاخذة به إذا كان من حقوق العباد، وأما إن كان من حقوق الله، فإن الله يعاقب به أو يغفره إن شاء إن لم يكن شركا ولا سحراً ولا حقداً.
وبالنسبة للشطر الثاني من السؤال فإن الإسلام حث على فعل الخير بكافة أنواعه، قال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: في كل كبد رطبة أجر. رواه البخاري.
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل فعل من أفعال الخير يفعله المرء لغيره يكون له به صدقة، روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
فقد اتضح من كل هذا أن المسلم يؤجر بكل إحسان يفعله لغيره ولو كان كلمة طيبة، ومن شرط قبول العمل وحصول الثواب فيه أن يكون خالصاً لله، قال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] ,
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(9/3179)
هل يستعين بواسطة لينال الدرجة النهائية في الاختبار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بكلية الطب في السنة النهائية ونظام كليات الطب في بلدي يعتمد على تعيين أوائل الكلية في مجموع درجات السنوات الستة في أقسام الكلية المختلفة في وظيفة دكتور جامعي أما باقي الدفعة فيتم تعيينهم في وزارة الصحة وشتان بين الوظيفتين ولذلك فيوجد منافسة قوية للحصول على المراكز الأولى ولكن للأسف هذه المنافسة غير متكافئة حيث تمثل امتحانات الشفوي نسبة كبيرة من الدرجات حوالي 40% فتلعب الواسطة والتزكية دور كبير في امتحانات الشفوي ونظام الشفوي عندنا كالتالي:
ينقسم الدكاترة إلى 4 أقسام قسم يعطي الموصى عليه فقط الدرجة النهائية بغض النظر عن إجابته أما غير الموصى عليه فلا يأخذ الدرجة النهائية أبداً مهما كانت الإجابة وهناك قسم يعطي الموصي عليهم الدرجة النهائية ولكن يمكن أن يعطي غير الموصي عليه الدرجة النهائية أيضا وهناك قسم يعطي الموصي عليهم الدرجة النهائية أما غير الموصي عليه فيمكن أن ينقصه ربع درجة من الامتحان وهناك قسم قليل يرفض التوصية ويعطي كل طالب حقه السؤال الآن إن مجرد درجة واحدة قد تفرق معي فهل يجوز لي التوصية عند دخولي الامتحان لرفع الظلم، علماً بأن هناك طلبة في نفس المستوى سوف يظلمون لأنهم لم يجدوا من يوصي عليهم فهل اتحمل أنا الظلم أم الممتحن وعلماً بأن الممتحن مثلا قد يعطيني 40 من 50 إذا لم أوص فإذا أوصيت فأنه قد يعطيني 50 من 50 مع أن مستواي 49 من 50 فهل هذه الدرجة التى أخذتها لأرفع الـ9 درجات المظلوم فيها أتحمل ذنبها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في أن تستعين بالتوصية عليك إذا اقتصرت بها على التوصل إلى حقك دون أن تتجاوز ذلك إلى نيل درجات لا تستحقها، وعليك في هذه الحالة أن تتأكد أن من سيوصي عليك يستطيع أن يصرح لمن سيوصيه بأن يقتصر على إعطائك حقك دون زيادة.
ومن يظلم من الطلاب لعدم وجود من يوصي عليهم، فليس عليك إثم في ذلك إنما الإثم على من يظلمهم، وإذا كنت لا تستطيع أن تقتصر في التوصية عليك على حقك دون زيادة، فلا يجوز لك أن تستعين بهذه التوصية التي تعطى بها ما لا تستحق من الدرجات، ولو ترتب على ذلك حرمانك من بعض ما تستحق، فلأن تكون مظلوماً خير لك من أن تكون ظالماً.
ونوصيك بالالتجاء إلى الله، والإلحاح عليه أن يمنع عنك الظلم، وأن يصرف عنك كيد الظالمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 34713، والفتوى رقم: 20343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1425(9/3180)
الستر على العصاة بين الوجوب وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ألقى رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض على شاب وفتاة كانا يجلسان في السيارة ويتبادلان الأحاديث فيما بينهما وبعد سؤال الفتاة واستجوابها تبيّن أنها ليست من أقاربه (محارمه) وعندما حاول رجال الهيئة إخراج الفتاة من سيارة الشاب لتركب معهم في الجيب قامت تصرخ وتصيح وتقسم بالله العظيم أن هذه هي المرة الأولى وأنها أخطأت ولن تكررها مرة أخرى والشاب يصيح ويتوسل ويقول إنه سيفصل من عمله.
فتدخلنا للشفاعة في الموضوع وكان معنا رجل كبير في السن تعهد بإيصال الفتاة إلى بيت أهلها وقلنا لرجل الهيئة استرهم طالما أنهما لم يرتكبا جريمة الزنا والستر طيب (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) استرهما الله يستر عليك وامنحهما هذه الفرصة وخذ عليهما تعهدا خطياً بعدم تكرار ذلك ووجه لهما النصائح والتوجيهات فهذا الشاب إذا فصل من عمله سيكون معرضاً للانحراف وتلك الفتاة سيفضح أمرها وينتشر خبرها بين الناس وبالتالي ستبقى في بيت أهلها إلى أن تموت وربما يصاب والدها أو والدتها بجلطة تقضي عليه فهل علينا إثم في ذلك بسبب تدخلنا، وهل على رجل الهيئة إثم إذا أطلقا سراحهما وسترا عليهما، وما هو رأي فضيلتكم لو وجه رجل الهيئة لهما النصائح والتوجيهات بأسلوب حكيم وبطريقة لبقة وستر عليهما؟
أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء، والله يحفظكم ويرعاكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عليكم إثم في سعيكم للستر على ذينك الشابين، ولا على رجل الهيئة، بل كلكم مأجورون إن شاء الله بما فعلتم من نجدة تلك الفتاة وذلك الشاب اللذين كانا سيتعرضان لأقسى العقاب إذا فشا أمرهما، ففي الصحيحين من حديث ابن عم ر مرفوعاً: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
وهذا إنما هو فيمن ليس معروفاً بالمعصية، وأما لو كانا معروفين بمثل هذا الفعل، فالصواب عدم الستر عليهما. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ... فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله ...
ولو وجه رجل الهيئة إلى الشابين النصائح والتوجيهات بأسلوب حكيم وبطريقة لبقة -كما ذكرت- لكان ذلك أحسن، وهو ما يأمر به ديننا الحنيف في سبيل الدعوة إلى الله. قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] ، ونرجو الله أن يقتبل منكم وأن يهدي شباب المسلمين إلى الصراط المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1425(9/3181)
حرمة الأعراض كما في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضلكم أي حديث شريف أو آية تتحدث عن حسن معاملة الآخرين وعدم تجريحهم أو إساءة أخيك أو أختك المسلمة وعدم الاكتراث بتسبيب الجرح لهم أرجو الرد في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:11-12] ، وفي الحديث: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت. رواه الشيخان.
وقال صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق. رواه أبو داود وإسناده صحيح، وفي الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. رواه الشيخان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(9/3182)
حكم الكذب لحل مشكلة الغيرة عند الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض النساء حتى تخلص طفلها من حب التملك والأنانية والغيرة من الطفل الجديد تحضر حلوى أو أي شيء وتضعه تحت رأس الطفل الجديد وعندما يأتي الطفل الآخر ليرى أخاه تأخذ هذه الحلوى وتقول له هذا من أخيك فخذها لك حتى يتعلم أن هذا الشيء ملك لأخيه ورغم هذا أعطاه له, سؤالي هو: هل هذا من الكذب على الطفل وبهذا يتعلم سلوك خاطئا أم ماذا على الأم أن تصنع لمعالجة هذا الأمر وفي نفس الوقت لا تكذب على طفلها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب عموماً لا يجوز، سواء كان على الكبار أو كان على الصغار، وهذا شيء مُسلَّم به عند كل مسلم كما أشارت السائلة الكريمة إليه، ولكن أهل العلم بناء على أحاديث صحيحة ومقاصد شرعية رخصوا للمسلم إذا اضطر إلى الكذب أو دعته مصلحة لذلك أو دفع مضرة أن يستخدم التورية أو المعاريض، كما قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: باب: المعاريض مندوحة عن الكذب، وقالت أم سليم لزوجها أبي طلحة عند ما سألها عن ابن لهما كان مريضاً وقد توفي، قالت: هدأ وأرجو أن يكون قد استراح، فظن أبو طلحة أن الولد قد تعافى أو شفي.
وعلى هذا، فبإمكان المرأة أن تستخدم هذا النوع من الكلام إذا كان في ذلك مصلحة تريد تحقيقها أو مضرة تريد دفعها، حتى لا تكذب على ابنها الكذب المحرم، والذي تترتب عليه عواقب وخيمة بالنسبة لتربية الطفل.
وبإمكانها إذا ثبت لديها أن هذه وسيلة ناجعة لحل مشكلة الغيرة عند الطفل أن تقول له هذه الهدية من عند أخيك تعني أنها أخذتها من عنده، لأنها كانت موجودة عنده أو تحت رأسه مثلاً، ولا تقول هذا أعطاها لك أخوك، لأن هذا صريح في الكذب لأن أخاه المولود لا يستطيع العطاء، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 36684.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(9/3183)
المغازلة لا تحل بين الأجانب من الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى أن تردوا على هذا السؤال
أعرف شابا ملتزما وأنا ملتزمة ويقول: إني أخته بحيث يقول لي حبيبتي أنت جزء مني. هل يجوز في الشرع لأني ملتزمة وهو ملتزم.
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الرجل للمرأة أنت حبيبتي أو أنت جزء مني ونحو ذلك، أو قول المرأة للرجل مثل هذه العبارات، هو من المغازلة التي لا تحل بين الأجانب من الرجال والنساء.
وقد نهى الله عن أن يخاطب الرجل المرأة أو المرأة الرجل إلا لحاجة، وإن دعت الحاجة لشيء من المخاطبة فلتكن في حدود الأدب والأخلاق الشرعية. قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [سورة الأحزاب: 53] . وقال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفا ً [سورة الأحزاب: 32] . ولا شك أن لفظ يا حبيبتي، أو أنت جزء مني، ليس من القول المعروف.
وكونك ملتزمة، وكون هذا الشاب ملتزما لا يبيح ما كان محرما، وإنما يزداد معه قبح المعصية منكما.
والذي ننصحكما به: هو أن تبتعدا عن مثل هذه الألفاظ، وتقتصرا على ما تدعو إليه الحاجة من التعبير من غير خلوة، ومع غض البصر وحفظ الجوارح كلها.
ونسأل الله العلي القدير أن يسلك بنا وإياكما سبيل الاستقامة والرشاد، ويبعدنا جميعا عن مواطن الفتنة والغي والضلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(9/3184)
أحوال وشروط جواز الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مدرسة ومشرفتي تستشيرني في كل شيء حيث تجد لدي الرأي الصائب والحكيم وكثيرا ما تحدثني عن تصرفات بعض المدرسات الخاطئة إما في أسلوب تدريسهن أو أخلاقهن وذلك من أجل ايجاد الحلول المناسبة والابتعاد عن المشاكل لأن بعضهن لا يحببن توجيه اتهامات لهن أو تعليمهن الصواب فهل هذه المناقشة التي أناقشها معها عن المدرسات وكلامها عنهن بهدف مصلحة التلاميذ والعمل وتفكيري لإيجاد الحلول المناسبة تعتبر من الغيبة والنميمة.
أجيبوني بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الغيبة والنميمة من أقبح الذنوب والمعاصي التي يرتكبها المسلم في حق أخيه المسلم، وأنهما من كبائر الذنوب أعاذنا الله منهما.
قال الله تعالى: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} (الحجرات: 12)
وقال تعالى في شأن النميمة: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ*مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (القلم: 11 ـ 12)
هذا هو الأصل الحرمة وسد الطريق إلى كل ما يؤدي إلى الغيبة والنميمة ...
ولكن الشرع أباحهما لغرض المصحلة ودفع الضرر، وقد ذكر أهل العلم أمثلة على ذلك كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمؤلفين..
ومن ذلك إذا رأى شخصا يريد أن يتعامل مع أخيه المسلم بشراكة أو إجارة أو زواج فمن باب مصلحته والنصيحة له أن يبين له أن هذا الشخص لا يصلح لذلك.
وعلى ذلك.. فإن كان ما تفعله السائلة الكريمة إنما يأتي منها بقصد المصلحة والحرص على نفع الطلاب والعمل على إيجاد الحلول المناسبة فنرجو ألا يكون بذلك بأس، كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يذكرون عن بعض الرواة والشهود ... حفاظا على الدين والمصلحة العامة، ولكن لا يجوز الاسترسال بذكر عيوب المجروح، وإنما تقتصر على ما تدعو الحاجة إليه.
ولتعريف الغيبة والنميمة.. وحكمها وأسبابها وعلاجها وما يجوز منها.. وأقوال العلماء حول هذا الموضوع نرجو من السائلة الكريمة أن تطلع على الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/3185)
حكم التحذير من مساوئ الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سبق وأن بعثث لكم بسؤال أرجو الرد عليه:
فأنا سيدة وأم لطفلتين أخاف الله كثيرا ومتدينة لكنني عانيت الأمرين من عائلة زوجي الذين استعملوا معي كل وسائل المكر والخداع وقد عاملوني معاملة الحيوان إضافة إلى الأكاذيب التي مست حتى شرفي فقد كانت والدة زوجي تخفي عني حتى الطعام في غرفتها وإذا اتصل أهلي للسؤال عني تغلق الخط في وجوههم أما شقيق زوجي فقد سرقني ولقد طلبت والدة زوجي مني السماح وقد سامحتها ولكن في آخر زيارة لزوجة أخ زوجي أخبرتني بأشياء لا زالوا يقولونها عني وبأنهم يغارون مني كثيرا حينها أخبرتها بأشياء سيئة عنهم ولكنها حقائق وكانت نيتي في ذلك أن تكتشف خبثهم خصوصا وأنها فتاة بسيطة وبريئة ولكنني الآن أحس بعذاب شديد بسبب الفتنة التي أشعلتها فما رأي الدين فيما فعلت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يسود بينك وبين أهل زوجك جو من الود والصفاء، فيعاملوك بالحسنى، لأنك زوج لابنهم، وأم لابنتيهم، وتعامليهم بالمعروف، لأنهم أهل لزوجك وأقارب لابنتيك، ولا شك أن ما وقع منهم من تقصير في حقك لا يجوز، وهو نوع من الابتلاء ينبغي أن تقابليه بالصبر والعفو، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة. رواه أحمد. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
وراجعي الفتوى رقم: 29650 والفتوى رقم: 35584.
وما وقع من نقل تلك المرأة لحديث أهل زوجك عنك يعتبر نميمة، وهي محرمة، والأصل حمل أمرهم على السلامة ما دام قد وقع بينكم شيء من التسامح، وأما إخبارك إياها بشيء من مساوئهم على سبيل النصح والتحذير فلا حرج فيه إن شاء الله، ولكن لا ينبغي ذكر أسماء معينة لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والضغينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1425(9/3186)
سؤال الصديقة عن صديقتها بين المشروعية وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن هنا في البلد التي نعيش فيها قد لا نري بعضنا نحن النسوة لمدة طويلة ولكن قد أري مثلاً إحداهن وهي تكون جارة لفلانة لم أرها فقد تسأل إحدانا عن واحدة غير موجودة في اللمة يعني معرفة أخبارها أو حالها وسبب عدم حضورها أو ما إلى ذلك سؤالي هو: هل يعتبر ذلك غيبة أو نميمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة هي ذكر المرء أخاه بما يكره من العيوب التي هي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة أنه قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
وأما النميمة فهي السعي للإيقاع في الفتنة والوحشة، كمن ينقل كلاماً بين صديقين أو زوجين للإفساد بينهما، سواء كان الذي نقله حقاً أو كذباً، وسواء قصد الإفساد أو لم يقصده، فالعبرة هي بما يؤول إليه الأمر، والغيبة والنميمة محرمتان بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [الحجرات:12] ، وقال: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم:11] .
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ... الحديث متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول. متفق عليه.
ومن التعريفات التي بينا يتضح لك أن سؤال إحداكن عن إحدى صديقاتها إذا لم يكن فيه وصفها بما تكره، ولا يؤدي إلى إفساد فليس بغيبة ولا نميمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(9/3187)
زوجها يحسن إليها وهي تسبه وتسب أقرباءه في غيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: امرأة متزوجة ولها خمسة اطفال أي أولاد، كبيرهم في السادسة عشر من العمر، أي عمر الابن الكبير لهذه المرأة هو ستة عشر عاما، زوجها يعمل على نفقتها ونفقة أولادها على أكمل وجه ودون تقصير، حيث لها بيت مستقل وأثاث كامل في البيت، أي أن بيت الزوجية لها لا ينقصه أي شيء حتى أنها لها شغالة، أي امرأة تعمل بأجر في خدمتها وخدمة أولادها أو أبنائها. ولكن هذه المرأة أي الزوجة تقوم بسب وشتم زوجها بالغيب أى في حالة عدم وجود الزوج أو الرجل، وهي تسب وتشتم الزوج وأقارب الزوج دون علم الزوج أي في حالة غياب الزوج، ويكون السب أمام أقربائها والجيران. وإن الزوج غير مقصر في النفقة والمصاريف عليها وعلى ابنئها.
السؤال: ماهو حكم الشرع الإسلامي في هذه الزوجة أي المرأة؟
هل بعملها هذا تعتبر مطلقة أم لا؟ وما هو عقاب هذه الزوجة يوم القيامة؟
وهل يصح لنا نحن أن نخبر الزوج أي الرجل بهذا العمل؟ أي بقيام الزوجة بسب وشتم الزوج وأقرباء الزوج؟ وهل يكون الانسان المؤمن فاحشا أو بذيء اللسان؟ وماهي العقوبة الشرعية في الدنيا لمثل هذه المرأة أي الزوجة؟ وهل الطلاق يكون قد وقع عليها بسب وشتم زوجها وأقرباء زوجها؟
يرجى الإجابة. وجزاكم الله تعالى ألف خير.
أخوكم في الإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على الزوجة تعظيم حق زوجها، فإن حقه عليها كبير، ولمعرفة ذلك يمكن مراجعة الفتوى رقم: 2447 والفتوى رقم: 29957.
ولا يجوز للمسلم أن يكون فاحش اللسان مطلقا، ولا أن يخوض في الغيبة والنميمة، لقوله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [سورة الحجرات: 12] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام. رواه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. رواه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبغض الفاحش البذيء. رواه الترمذي.
وبهذا يكون مرتكب هذه المحرمات مستحقا للوعيد، ومعرضا نفسه للعذاب إن لم يعف الله عنه، فكيف تكون المرأة فاحشة اللسان مع زوجها مع عظيم حقه عليها، ولكن لا تعد المرأة طالقا بمجرد حصول الفحش والغيبة، ولا خلاف في ذلك.
ولا يصح لكم أن تخبروا الزوج بذلك لأن في إخباره إثارة للنزاع بينه وبين زوجته، بل عليكم أن توجهوا النصح لها وتذكروها بالله تعالى وحكم الشرع في ما تفعله من الفحش والغيبة.
وأما عن العقوبة الدنيوية لهذه المرأة فهي التأديب والتعزير من قبل زوجها أو وليها أو الحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1425(9/3188)
حكم من يجاري أمه الخرفة في الخوض في الأعراض مضطرا
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي في الرابعة والسبعين، ومنذ حوالي 6 أشهر تغيرت تماما لقد أصبحت تسليتها الوحيدة سب ولعن جميع الأقارب الأحياء والأموات، وإذا لم أسب معها فإنها تبكي، المشكلة الآن أننا بدأنا نخوض في أعراض النساء وأنا أرد عليها بنعم أو مضبوط، وأحاول أن أتأول فهل علي إثم، كذلك امتنعت عن صلاة الجماعة لأنها لا ترغب في ذلك عدا صلاة الجمعة، وإن كان هذا يؤذيها بعض الشيء فهي لا تذكر عدد الركعات إلا وأنا أصلي أمامها ولكن منفرداً فلا جماعة في البيت ولا المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت والدتك قد تغير عقلها من الخرف حتى صارت لا تعي ما تقول، فإنها ليست مؤاخذة بما يصدر عنها من أقوال أو أفعال أو تقصير في العبادة، بل صارت ممن رفع عنه القلم، روى أصحاب السنن والدارمي وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. وفي رواية: وعن المعتوه حتى يعقل.
ولا إثم عليك في الرد عليها بنعم أو مضبوط وأنت تتأول غير ما تعنيه هي، طالما أنها غير عاقلة ولا تقبل منك غير ذلك، ويحسن أن تحاول صرفها عما هي فيه بقصص مسلية أو استماع لشيء مباح، ثم أمر الصلاة لا يختلف عن أمر السب، فإن كانت حقاً قد أدركها الخرف، فإن الصلاة لا تجب عليها، مع أن صلاة الجماعة والجمعة لا تجبان على المرأة ولو كانت غير خرفة.
وأما الذكر، فإذا لم يكن له عذر في التخلف عنهما، فإنه يأثم في ترك أي واحدة منهما، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 1798.
وعليه، فلا يجوز لك أن تترك الجماعة وتصلي في منزلك بحجة أن أمك لا تعرف عدد الركعات إلا أن تصلي أمامها، لأنها ما دامت خرفة فليست مطالبة بالصلاة أصلاً، فدعها تصلي على الكيفية التي أحبت، واحضر أنت الجماعة والجمعة، وإن كان ثمت امرأة فلتتول ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(9/3189)
أغضبته امرأة بعد الحج فصفعها وشتمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد زملائى حج العام الماضي برا وبعد الانتهاء من مناسك الحج وأثناء ركوب الباص مع أسرته للتوجه إلى طواف الوداع ركبت الباص امرأة أعجمية جاهلة بالدين واعتدت عليه وعلى أسرته دون سبب يذكر فما منه إلا أنه صفعها على وجهها دفعا للأذى الذى ورد منها له ولأسرته وقام بشتمها وذلك أثناء غضبه لما ارتكبته هذه المرأة. فهل عليه شيء بحجه أو دية وهل الذنوب التي تفعل بعد الحج مباشرة وقبل طواف الوداع سواء كان ذلك الأمر أو غيره من ارتكاب معاصي أو فاحشة تؤثر على إتمام الحج وهل على الحاج شيء غير التوبة والاستغفار. نرجوا الإفادة بالتفصيل لهذا السؤال وجزاكم الله خيرا على هذا العمل النافع للإسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان من الأفضل في حق زميلك أن يدفع غضبه ويكظم غيظه ويعفو عن تلك المرأة، وإن كانت معتدية عليه وعلى أسرته، لما ثبت من الترغيب في كظم الغيظ والعفو عن كل من تصدر منه إساءة إلى الشخص.
فقد قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران:133-134) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. رواه مسلم وغيره.
كما قال صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. رواه أبو داوود وابن ماجه وغيرهما، وحسنه الشيخ الألباني.
كما كان ينبغي له أيضاً أن يلتمس العفو والصفح من تلك المرأة بعد ما صدر منه اتجاهها من صفع وغيره.
وعلى كل حال فليس على زميلك المذكور إلا التوبة والاستغفار، وحجه صحيح إن شاء الله تعالى، لكن ينبغي أن يعلم أن المعصية في الحرم تغلظ عقوبتها كما في الفتوى رقم: 12665، فليحذر من تكرار ذلك، ثم ينبغي لك نصحه وحثه على الاتصاف بالحلم ودفع الغضب والتغلب عليه، ففي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب، فردد ذلك مراراً قال: لا تغضب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(9/3190)
زوجها لما كثر ماله تبدل حاله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متزوجة منذ 14 سنه وكان زوجي خلال العشر سنوات الأولى حسن الأخلاق والعشرة وكان دخله لا بأس به ولكن بعد هذه السنين تغير الحال حيث اشترك مع والدي في العمل وارتفع دخله ولله الحمد وعاشر بعض الرفقاء فأصبح سليط اللسان وبخيلا فأثر ذلك على أخلاق أبنائه ويذكر أهلي بكل سوء وسخرية مع أنهم هم السبب بعد الله في تحسن حالته المادية وأنا أشك بأنها عين وهو لن يرضى بالذهاب إلى أي شيخ ليقرأ عليه وأنا أريد حلا عمليا أقوم بتطبيقه وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الرجل المذكور أن يتقي الله تعالى ويحذر رفقاء السوء ومجالستهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم شبه جليس السوء بنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة منتنة ـ كما في الحديث الثابت ـ وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من السخرية بالمسلمين وذكرهم بالسوء ـ وليعلم أن البذاءة والبخل ليسا من أخلاق المؤمنين
فيجب عليه أن ينفق على زوجته وأولاده بقدر الكفاية ويبذل المصاريف اللازمة لإصلاح حال أولاده من تعليم وغيره، فإذا أدى الواجب عليه في ذلك فلا يعد بخيلا مادام يزكي ماله ويؤدي الواجبات.
ثم إن هذا السلوك الذي يقوم به لا يليق مع سائر الناس فكيف بمن هم من أقرب الناس إليه وهم أولى الناس بإحسانه واحترامه نعني بذلك زوجته وأهلها، وليس من مكارم الأخلاق أن يسخر الرجل من أهل زوجته أو يسبهم هذا مع ما في سب المسلم عموماً من الوعيد الشديد الوارد في الحديث الشريف، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، وفي الحديث أيضاً ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. أخرجه أحمد والترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم: ماشيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء.
فليتق الله في نفسه وأولاده فإنه مأمور شرعاً بتربيتهم على الأخلاق الطيبة.
وعليك أن تقومي أولا بنصحه وموعظته وتذكيره بالأخلاق الطيبة التي كان يتحلى بها قبل أن يتحول إلى هذه الحالة ثم بيني له أنه لا بد له من أن يعمل على تغيير حالته، إما أن يراجع رشده ويتقي الله تعالى ويكف عن مثل هذه التصرفات أو يذهب إلى من يرقيه إن كان يظن أن ما به سببه عين، وليس في ذلك نقص عليه، فقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ على نفسه وكانت عائشة تقرأ عليه أثناء مرضه الأخير.
أو يقرأ هو على نفسه بآيات الرقية وأحاديثها ـ المذكورة في الفتوى رقم: 7151 ـ فإن امتنع من الرقية فيمكن أن تأخذي له ماء مقروءا عليه وتسقيه له ولو بدون علمه لأن المهم إيصال الرقية إلى المريض، فالرقية الشرعية قد تنفعه ولا يخشى منها ضرر وعليه فلا تحتاج إلى علمه، ولتحذري من المشعوذين فإنه لاخير عندهم، وعلى كل حال فإنه مسؤول عن كل ما يصدر منه من سب للآخرين أو التقصير في الحقوق الواجبة عليه ـ وليتذكر نعمة الله حيث هيأ له ما تتحسن به أحواله ـ وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 13188، 13410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(9/3191)
لا كفارة لعدم الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة حامل وجعلت بيني وبين الله تعالى وعدا عندما أكشف بالجهاز ويظهر في رحمي ولد لا أخبر أحداً أبداً وعندما عرفت أني حامل في ولد بإذن الله أخبرت زوجي بذلك فهل علي شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوفاء بالوعد مستحب، ومن مكارم الأخلاق عند جمهور أهل العلم، ولا يعتبر يميناً وبالتالي فكان من المستحب في حقك الوفاء بما صدر عنك من وعد، ولكن عدم الوفاء بذلك الوعد لا يترتب عليه كفارة ولا غيرها، وبالتالي فلا يلزمك شيء، وراجعي الفتويين التاليتين: 8346، 17057.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(9/3192)
المروءة من مكارم الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالمروءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن هبة في تاريخ دمشق عن الأحنف بن قيس عدة تعريفات للمروءة جماعها مكارم الأخلاق والالتزام بالشرع.
فقال في تعريفها مرة: أن لا تعمل في السر شيئا تستحي منه في العلانية.
وروي عنه أنه سئل عنها فقال: كتمان السر والتباعد عن الشر.
وذكر عنه أنه سأل يزيد بن معاوية عنها فقال: المروءة التقى والاحتمال.
ثم أنشد:
وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جماله
ما خير أخلاق الفتى ... إلا تقاه واحتماله
وروي عنه أيضا أنه سئل عنها فقال:
أن تصبر على ما غاظك عما عندك حتى يلتمس منك.
وذكر عنه أنه سئل عنها أيضا فقال:
العفة في الدين والصبر على النوائب والحلم عند الغضب والعفو عند المقدرة
وبر الوالدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1425(9/3193)
الجدل.. معناه..أقسامه.. وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في استمرار العيش مع زوج يجادل بالدين لدرجة تجعل الإنسان المقابل له يصدقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجدل لغة: مقابلة الحجة بالحجة.
وينقسم في الشرع إلى نوعين: ممدوح، ومذموم.
فالممدوح منه ما قصد به تأييد الحق وإبطال الباطل بطريق صحيح، وهو واجب على الأمة وجوب الكفاية، والأصل فيه قول الحق سبحانه: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ، وقوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] .
وأما المذموم منه، فهو ما كان لإبطال الحق وإحقاق الباطل حتى يصل بصاحبه إلى رد نصوص الشرع أو الاستشهاد بها في غير موضعها بقصد إفحام الخصم، ودحض حجته الصحيحة، ولاشك أن من فعل هذا وقع في إثم عظيم، لقول الحق سبحانه: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [غافر:5] .
وعلى العموم، فإن كان جدال هذا الرجل المذكور من النوع الممدوح، فهذا لا بأس به، بل ربما كان ذلك مطلوباً منه، وإن كان غير ذلك فالواجب على من علم منه ذلك بمن فيهم زوجته أن يجتهد في نصحه وإرشاده حتى يتوب إلى الله تعالى من هذه المعصية الخطيرة، وليكن ذلك بحكمة وبأسلوب لين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1425(9/3194)
لطم الوجه حرام وكفارته التوبة وطلب السماح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لطم وجه النساء؟ وما هي كفارتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: إذا ضرب أحدكم. وفي رواية له أيضا: إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه.
قال ابن حجر في الفتح: ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب، وظاهر النهي التحريم كما قال ابن حجر في الفتح.
وأما كفارتها فبالتوبة إلى الله تعالى وطلب السماح من الملطوم.
وراجع في بيان أن ضرب النساء لا يكون إلا بعد نشوزهن وعدم إفادة الوعظ والهجر في تأديبهن الفتوى رقم: 1225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1425(9/3195)
تجسست على ضرة أختها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي الاخر: أني قمت بمعاونة أختي بالتجسس على الزوجة الثانية لزوجها ومعرفة هل هي مسافرة مع زوجها أم لا وأنا التي قمت بالاتصال بها وهي عند أهلها بتغيير صوتي على أني امرأة أخطأت في الرقم لأتأكد من وجودها وعدم سفرها تنفيذا لطلب أختي؟
والرجاء الإجابة وجزاكم الله كل الخير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التجسس أنه حرام، لقول الله عز وجل: وَلَا تَجَسَّسُوا [سورة الحجرات: 12] . وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. قال الخطابي: معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها. انظري فتح الباري. ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته رواه أحمد.
فهذه نصوص صريحة في تحريم تتبع عورات الناس، وأما التحايل بطريقة يتطلع بها المرء إلى معرفة خبر مثل الذي ذكرت، فالظاهر أنه ليس من التجسس المحرم إذا كان هنالك ما يدعو إلى الريبة، لأن للزوجة الثانية الحق في الاطلاع على ما إذا كان زوجها قد سافر بزوجته الأخرى أم لا؟ وما فعلته أنت إعانة لها على معرفة ما لها حق في معرفته.
وهذا؛ بناء على القول القائل بأن الزوج إذا أراد السفر وكان له أكثر من زوجة فإنه يجب عليه أن يقرع بينهن ما لم ترض إحداهن بالبقاء، وهو الذي نراه راجحا، وراجعي الجواب رقم: 3604.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1425(9/3196)
إفشاء أسرار الشركة بمقابل وبغير مقابل خيانة للأمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة , كمسؤول تنفيذي والشركة يوجد في تعاملاتها شيء من الرشوة (كأن تدفع الشركة مبلغا لشخص ما من شركة أخرى ليطلعنا على قيمة المناقصات وأسعار المنافسين وقد نعطي أسعارا أقل من أسعار المنافسين وقد لا نستطيع منافستهم) وجزء من عملي أن أستقبل هذه المعلومات وأوصلها للمدير أوأتعامل معها أثناء سفره فهل ينطبق علي قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) علما أني فهمت أن الرائش بينهما يعني الوسيط الذي كان سبب تعارفهما وأن شركتي تعمل بهذا النظام قبل أن أعلم به أنا، فأنا لم أكن سبب معرفة بين الطرفين.
أما الشق الثاني من السؤال: فهو أنه هل يجوز لي أخذ نسبة من أرباح هذه المؤسسة مقابل عملي فيها وذلك بالاتفاق مع صاحب العمل علماَ أن دخل هذه المؤسسة ليس كله بهذا النظام الذي أرتاب به.
أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه يحرم على الموظف أن يفشي أسرار شركته بمقابل وبغير مقابل لأن ذلك منه خيانة للأمانه التي أوتمن عليها. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (الأنفال:27)
والمبلغ المدفوع لهذا الموظف مقابل هذا الفعل يعتبر رشوة محرمة يأثم فيها كل من الراشي والمرتشي والرائش بينهما؛ كما في الحديث: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما. رواه أحمد
والرائش هو الذي يمشي ويتوسط بين الراشي والمرتشي، وهذا الوصف يصدق على من يتسلم تلك المعلومات والأسرار ليوصلها إلى من هو أعلى منه في الشركة.
وعليه؛ فيحرم عليك قبول هذه المعلومات والتعامل معها وإلا كنت مشاركاً في الإثم.
وأما حكم أخذك نسبة من الأرباح مقابل عملك في هذه الشركة فينبني على العمل الذي تنتج عنه هذه الأرباح فما كان منه جائزا فأرباحه جائزة، وما كان حراما فأرباحه حرام، وكل مشارك في هذا العمل المحرم يصيبه من المال الحرام بقدر حصته منه.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(9/3197)
القطيعة في غير حق شرعي حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في ما قام به زوج، حيث إنه قام بمقاطعة بعض الناس حيث إنهم لم يقوموا بواجب العزاء في وفاة حماه (والد زوجته) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنما قام به الرجل المذكور من مقاطعة إخوانه المسلمين بحجة أنهم لم يقوموا بالعزاء لا يجوز له لأن القطيعة في غير حق شرعي حرام، وهي مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وعزاء أهل الميت في مصابهم مستحب فلا يعاقب من ترك مستحباً بفعل حرام وهو القطيعة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التقاطع والتدابر والتباغض وكل ما من شأنه أن يفرق بين المسلم وأخيه المسلم، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله. وقال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
والتعزية من حق المسلم على أخيه المسلم وهي من القربات التي يؤجر عليها فاعلها ففي سنن ابن ماجه بإسناد حسن عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة.
وعليه فلا ينبغي تركها لما فيها من الأجر والتواصل بين المسلمين لكن لو أن شخصاً ما لم يقم بتعزية آخر فإن ذلك لا يبيح له مقاطعته، ولبيان الحالات التي يجوز فيها الهجران، راجع الفتوى رقم: 7119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1425(9/3198)
عدم ذكر ما يحلبه الزوج في بيته ليس إنكارا للجميل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي الزوجة أن تقول لصديقاتها ما يأتي به الزوج من أطعمة وما شابه ذلك؟ فبعض السيدات يقولون إنها تأكل في المطعم الفلاني وإن زوجها أتى بذلك وما الحكم إن لم تقل الزوجة فهل هذا إنكار للجميل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على المرأة أن تذكر ما يأتي به زوجها من طعام أو غيره، بل ترك ذلك أولى إذا لم تدع حاجة إلى ذكره، وليس ذلك من إنكار جميل الزوج ومعروفه، بل إنه ربما تعين عدم الإخبار بذلك إذا كان على سبيل التفاخر والتعالي على الغير، وهذا مع الأسف ما يحدث كثيرا من بعض ضعاف النفوس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/3199)
ينظر إلى الإباحيات بدعوى التخلص مما هو أفظع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي ومنذ 3سنوات أحفظ القرآن الكريم بحمد الله، وأنا ملتزم في معظم الواجبات الدينية بحمد الله أيضا، ولكن تواجهني مشكلة طالما سألت الشيوخ عنها دون أن أصل إلى نتيجة أرتاح لها، وحتى لو أعطيت أجوبة فإنني لا أترك هذا العمل (وهو النظر إلى الإباحيات) ، وفي نفسي أرى أن هذا العمل يعصمني عن أعمال أشد منه إثما وسوءا، فأضطر إلى فعله رغما عني وبعدما أعمله أستغفر الله على ذلك العمل وأعزم أن لا أعود إليه أبدا، ولكني عندما أدخل البيت ـ وبشكل لا إرادي ـ أعمل هذا العمل، وكما قلت فإنني بعد عمله أجلس وأستغفر ربي وأصلي، ثم في اليوم التالي أعمل ذلك العمل وهكذا حتى أصبحت في كل أسبوع مرة، والآن أشعر أنني لا أفعل تلك الكبيرة إلا من باب الحرص على نفسي، فلو لم أعملها لعملت أفظع منها والعياذ بالله، وقد سمعت بمعنى أحد الأحاديث النبوية أنه يمكن أن يلاحق الإنسان ذنب لا يقدر التخلص منه رغم العزم والاستغفار فيكون ذلك سببا في نجاته؟ أرجو إجابة مقنعة لهذا السؤال فقد سألت كثيرا من الشيوخ ولكن لم أصل إلى القناعة. وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنظر إلى الإباحيات من الحرام البين الذي نهى الله عنه، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [سورة النور:31،30] .
والمداومة على النظر إلى الصور الخليعة والمواقع الإباحية تقود إلى الوقوع في الزنا واللواط والاستمناء المحرم وغير ذلك من الآثام خلافا لما يعتقده السائل من أنه يفعلها حماية لنفسه من الوقوع فيما هو أفظع منها.
فاعلم أيها الأخ الكريم أن ما تتصوره إنما هو مجرد كيد الشيطان وتزيينه يريد بك أن تستمر في هذه الممارسات والأعمال التي لا ترضي الله، ويسول لك أنك بالوقوع فيها تبعد نفسك عن غيرها.
وإنما ننصحك بتجنب ما أنت مدمن عليه وتتوب منه توبة صادقة تعزم فيها أن لا تعود إليه فإنك لا تدري متى يحين أجلك فتموت على ذنب قد يكون سببا في عذابك، وقد يبلغ بك الإصرار على هذه المعصية أن لا يقبل الله توبتك أو يحول بينك وبين الاستغفار والعبادات الأخرى، فإن شؤم الذنب يجلب كل ذلك.
وأما الحديث الذي نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم من أن المرء قد يلاحقه ذنب لا يستطيع التخلص منه رغم العزم والاستغفار فيكون ذلك سببا في نجاته، فإنا لم نقف على شيء في هذا المعنى إلا أن تكون تعني الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/3200)
ليس كل حب حلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحب شخصاً ودائماً على اتصال معه ومن غير علم أهلي وهي مجرد اتصالات فقط، وأنا أعلم أن الحب حلال فهل يجوز هذا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك بأن الحب حلال لا ينبغي إطلاقه، لأن الحب منه ما هو محمود كحب الله ورسوله والحب في الله، ومنه ما هو جبلي لا كسب للإنسان فيه، فهذا لا مؤاخذة فيه، ومنه ما قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام فهذا محرم، وراجعي في تفصيل أنواع الحب فتوانا رقم: 5707.
واتصال المرأة بالرجل الأجنبي عليها لغير حاجة معتبرة شرعاً محرم، سواء كان الاتصال مباشراً أو بواسطة الهاتف أو النت ونحوه، وراجعي فيه الفتوى رقم: 1072.
وعليه، فهذا الحب -الذي ذكرت- إن كان صاحبه أجنبياً عليك، فإنه من النوع المحرم، لأنه أدى إلى ارتكاب الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/3201)
لقد كتبت في الزكاة المتقبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي وأقاربي يغتابونني كثيراً بسبب بعض المشاكل مع زوجتي ومعهم حق في بعضها وهم ظالمون لي في الكثير إلا أنني لا يصدر مني أذى لهم ومع ذلك فقد وطنت نفسي على أن أسامح كل من أخطأ علي من عامة المسلمين فكيف بأهلي، ولكنني أظهر لهم أنني لا أحلهم لكي يكفوا عن الولوغ في عرضي، فهل يعتبر هذا من الكذب حيث أنني أظهر لهم أنني لا أسامحهم للسبب المذكور، وفي الحقيقة أنني سامحتهم في الباطن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى وعد من عفا عن الناس وسامحهم في زلاتهم نحوه بالأجر الجزيل، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] ، وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43] ، وقال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:..... ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة..... رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني.
وأخرج ابن القيم في زاد المعاد قصة الصحابي الذي تصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابه فيها، وفيها: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة. فهنيئاً لك الأجر والثواب الجزيل من الله تعالى.
وأما عن قولك للناس أنك لا تسامحهم وأنت في الحقيقة تسامحهم، فإنه ينجيك من الكذب فيه أن تستخدم التورية والمعاريض، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وذلك بأن تضمر في نفسك غير الذي تتلفظ به، كأن تقول مثلاً: أنا لا أسمح بعرضي لأحد وتنوي: لأحد من الكفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(9/3202)
الكذب ليس من أخلاق أهل الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ، كنت أتصفح في الفتاوى، ووجدت فتوى عن صفات المنافقين وإحدى هذه الصفات هي الكذب وعرفت أن الكذب هو الكذب، وليس هناك كذبة بيضاء وكذبة سوداء،
فما رأيكم في المجاملات النسانية حيث إنني أستخدمها كثيرا فأجامل هذه وأجامل الاخرى وأيضا مع زوجي حتى أهرب من مواجهته قد أدعي أنني فعلت الشيء أو من هذا القبيل،
وعند قراءتي لها تألمت فعلا
ولكني عاهدت نفسي أن لا أعود للكذب
ما هو رأي فضيلتكم، وكيف أتخلص من هذه العادة القبيحة
جزاكم الله عنا كل الخير
أرجو سرعة الرد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب من الأخلاق الذميمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، وليس من أخلاق أهل الإيمان، وقد ورد في التحذير منه كثير من نصوص الشرع، وقد ذكرنا طرفا منها بالفتوى رقم: 26391 والفتوى رقم: 3809.
فالواجب عليك أختي المسلمة الحذر من الكذب فهو مهلكة، والزمي الصدق فإنه منجاة، وأما العشرة مع الخلق ومخالطتهم فهي مرغوب فيها شرعا ولكن في حدود الشرع. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
والمجاملات التي قد تقتضيها مخالطة الناس لا يلزم أن تتضمن كذبا بل يمكن أن يجامل المرء صديقه ويثني عليه خيرا بما هو فيه وبألفاظ عامة: كأنت فيك خير كثير، وأنت من أحب الناس، أو أغلاهم، أو نحو ذلك مما يحصل به المطلوب، ولا يقع قائله في المحظور.
وإن من أعظم ما يعينك على اجتناب الكذب، تذكرك لعظمة الله تعالى، ووقوفك بين يديه يوم الحساب، واستحضارك لخطورة الكذب، وما يترتب عليه من خزي في الدنيا والآخرة، وفضيلة الصدق، وعاقبته الحميدة في الدنيا والآخرة.
وبخصوص الكذب على الزوج، فالأصل أن تلزمي الصدق مع زوجك ما لم تخشي أن تترتب على ذلك مفسدة من سوء عشرة ونحوها، فحينئذ قد رخص لك الشرع في الكذب عليه حفاظا على حسن العشرة، بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ضياع حق من حقوقه. وقد ذكرنا دليل الترخيص فيه بالفتوى المذكورة سابقا برقم: 26391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(9/3203)
حكم أكل أو استعمال أشياء فاضلة عن حاجة الأيتام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل أو استعمال ملابس وأدوات خاصة لأطفال بدار الأيتام، علما بأنها فائضة عن حاجتهم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الأشياء الفاضلة عن حاجة الأيتام تفوت أو تفسد إذا لم تستعمل فللقائم على أمرهم أن يستعملها إن كانت له بها حاجة، وإلا دفعها لغيره ممن يستعملها حتى لا تفسد.
وأما إن كانت تحتمل الادخار أو يمكن بيعها وإضافة مردودها إلى رصيدهم فعلى ولي أمرهم فعل ذلك، لأنه مكلف بمصلحتهم وتنمية أموالهم، وقد جاء في الموطأ للإمام مالك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة.
هذا إذا كان القائم على اليتيم يأخذ راتباً على عمله، أما من لم يكن يأخذ راتباً على عمله فله أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف إذا كان فقيراً أو يحتاج إليه، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 6] .
وروى مالك في الموطأ أن رجلاً سأل ابن عباس فقال له: إن لي يتيماً وله إبل أفأشرب من لبنها؟ فقال له: إن كنت تبغي ضالتها وتهنأ جرباءها وتلط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب من لبنها.
وقالت عائشة رضي الله عنها: للقائم على اليتيم أن يأكل من ماله بقدر عمالته. رواه البخاري.
وليحدذر القائمون على أموال اليتامى من تضييعها أو الزيادة من إنفاقها في غير المعروف، فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] .
ولا مفهوم هنا للأكل عن غيره من الاستهلاك والتبذير والإتلاف في غير المصلحة، فكل ذلك يتناوله الوعيد المذكور في الآية الكريمة.
نسأل الله تعالى التوفيق والسلامة والسداد، ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 10970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(9/3204)
ثواب من تعاطى إصلاح ذات البين ورفع فسادها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وعندي مشكلة، وهي أن زوجتي متحاربة مع زوجة أخي الكبير، والاختلاف سخيف جدا، وهو أن هذه لم تسلم على تلك وهذه لم تسلم على هذه، وأنا الآن في حيرة من أمري من طرفين؛ أن زوجتي تود أن تتقرب منها ولكن لا يوجد أي مبادرات من زوجة أخي. وأمي وأبي وأهلي جميعهم أخذوا موقفا مني وهو أنني واقف مع زوجتي ولا أأبه لأخي، ولكن في واقع الحقيقة هو أنني أحبه كثيرا.. ماذا أفعل؟ فهذا يؤثر على حياتي العملية والشخصية، والآن أمي لا تكلمني لأنني لا أريد أن أتكلم في هذا الموضوع التافه.. أرجو الرد بأسرع وقت لأعرف ما الحل؟ وشكرا لسعة صدركم لي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إصلاح ذات البين من أفضل الأعمال الصالحة كما جاء في الحديث: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين. رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
جاء في تحفة الأحوذي في شرح الحديث المتقدم: الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك الدين، كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم. قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه. انتهى.
فعلى هذا فنقول للأخ السائل عن القطيعة والخصومة الحادثة بين زوجته وزوجة أخيه إنه موضوع تافه لا يستحق منه اهتماما كلام غير صحيح، بل ينبغي له السعي للإصلاح ومعرفة أسباب القطيعة وحلها ولا يجوز ترك الأمر هكذا، لا سيما وقد أمرته أمه بالتدخل في هذا الموضوع، فطاعتها واجبة في المعروف، ولا ريب أن ما تدعوه إليه من المعروف بل من أفضل المعروف، فعلى الأخ المسارعة في الاستجابة لطلب أمه وإصلاح الخلاف والشقاق بين زوجته وزوجة أخيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(9/3205)
لا تعرف كم سنها فهل من الكذب إخبار الخاطب بما هو مثبت بالوثيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أشكر لكم سعة صدوركم لاحتواء همومنا ومشاكلنا، وبارك الله فيكم.
موضوعي متشعب بعض الشيء، أو كما أتصوره أنا.
أنا فتاة عمري 25 عاماً حسب الوثيقة الرسمية التي استخرجت لي، وتسمى (شهادة تقدير سن) ، استخرجها أهلي عند دخولي المدرسة، حيث لم يتم تسجيل تاريخ ميلادي عندما ولدت، مشكلتي أن أمي لا تعرف بالتحديد في أي عام كان مولدي، والبعض يقول أن عمري الآن 29 عاماً، ولست أدري أين الحقيقة.
الآن طلبني شاب للزواج وعمره 26 عاماً، وسألني عن عمري فأخبرته بما هو مثبت في وثيقة تقدير السن، فهل أكون كذبت عليه بذلك؟ وهل أخبره بقصة تاريخ ولادتي الذي لا يتذكره أحد، وإذا أخبرته الآن سيعتبرني أني كذبت عليه، فماذا أفعل؟ دلوني بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم؛ كما يدل له الحديث: وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. رواه مسلم.
فإذا كنت تعلمين أن عمرك أكثر من خمس وعشرين سنة فلا يجوز أن تكذبي وتخبري بخلاف الحقيقة، وأما إن لم يكن الأمر معلوما عندك بالضبط فيمكن أن تبيني له إذا سألك أن الأهل قدروا عمرك بكذا، أو تستعملي المعاريض والتورية، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، كما روى البخاري عن عمر، أما إن لم يسألك بعد هذا فليس عليك أن تخبريه بحقيقة عمرك.
ثم إنا ننبهك إلى أنه لا حرج في زواج الرجل بمن هي أكبر منه سنا، فقد تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة وهي أكبر منه بكثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1425(9/3206)
عرض المسلم مصون شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة اتهمتني زورا بأنني على علاقة بزوجها ونقلت هذا الكلام للأصدقاء فمذا أفعل معها؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عرض المسلم مصون شرعا ولايجوز اتهامه زورا بما هو بريء منه.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه.
رواه مسلم.
ثم إن كان هذا الاتهام تعريضا بارتكاب الفاحشة أو تصريحا بذلك فإن من حق المتهم أن يطالب بحقه بإقامة حد القذف على من اتهمه أو عرض به بأنه فعل الفاحشة.
قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (النور:5)
وفي موطأ الإمام مالك أن عمر رضي الله عنه أقام حد القذف على من اتهم شخصا بالزنا على جهة التعريض.
فإن كان الأمر كذلك فمن حقك أن تطالبي بحقك في إقامة حد القذف على من اتهمك عند ولي الأمر.
وإن كان الأفضل هو العفو ودفع السيئة بالحسنة..
قال الله تعالى: [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] (البقرة: 237)
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 34262.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(9/3207)
المؤمن مطالب بالإحسان وإن أساء الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا الزمان لا ينفع فيه الإنسان الطيب، ولكني طيب جداً، وأعامل الناس بطيبة، ولكني أقابل هذه الطيبة دائماً بالشر من الناس، ولكن ديننا يأمرنا بالحسنة مع الناس، وإنني أعامل الناس هكذا لأنني معتقد أن بني آدم لا يأخذ معه حاجة إلا عمله الصالح وإني مهما عملت من عمل فلا ينفع إلا العمل الصالح، ولكن هذا لا ينفع في معاملة الناس في هذا الزمان ما رأي الدين في هذا، أيكون الإنسان شرير لكي يعيش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يكون سيء الخلق بحجة أنه يساير الناس، وأن الزمان فاسد، أو ما أشبه ذلك من المبررات الخاطئة، كما قال القائل:
يقولون الزمان به فساد ... ... ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
فالدين حسن الخلق، ومن زاد عليك في حسن الخلق زاد عليك في الدين.
قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة فصلت: 34-36] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وفي رواية: محاسن الأخلاق. راوه البيهقي في السنن وفي شعب الإيمان ورواه أحمد أيضاً.
فهذا الطريق الصحيح الذي رسمه لنا القرآن الكريم وبينه النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً في التعامل مع الناس والتحلي بمكارم الأخلاق.
ولا ينبغي للمسلم أن يلقي باللائمة على الناس أو يتهمهم بالفساد أو الهلاك ... ويبرئ نفسه ويزكيها، فالله تعالى يقول: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [سورة النجم: 32] .
وقال الإمام مسلم باب النهي عن قول: هلك الناس: وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم.
فعلى المسلم أن يقارب ويسدد ويحسن خلقه ويصلح ما استطاع ولا يجاري الناس في فسادهم، فقد روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكونوا إمعه تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا.
وكما أشرت فالإنسان ينفعه الإيمان والعمل الصالح نسأل الله تعالى التوفيق والثبات، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 33964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(9/3208)
عمه يستغل الناس ويتحدث عنه بالسوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أعمامي يحب استغلال الناس بدرجة كبيرة فهو لا يستخدم سيارته إلا في ما ندر، دائماً يحرج الناس ليوصلوه، لا يخرج من بيوت الناس إلا إذا أكل وعياله فهم لا يأكلون في بيتهم، يدخن ولا يشتري علبة دخان واحدة، لا يشتري شيئاً حتى ملابسه يطلبها من الناس وإذا رأى شيئاً مع الناس يطلبه، وكذلك هو دائم التدخل في خصوصيات الناس إذا ذهب إلى البنك يسأل عن أرصدتهم إذا ذهب إلى الجامعة يسأل عن علامات أبنائهم، ولا يتوانى في فضحهم والتكلم عليهم، يصلح سيارته على حساب زبائن العمل وطبعاً ذلك بتخجيلهم، دائماً ينزل من قدر الناس، ودائماً يتحدث عني بأبشع الكلام، وهو في سبيل تحقيق مصالحه لا يتوانى في فعل أي شيء فالغاية دوما تبرر الوسيلة حتى إنه مرة لجأ إلى قذف المحصنات، يزوج بناته بتخجيل الناس والاعتماد على اللف والدوران، حتى في إرث والده كانت القسمة لم تكن بشرع الله وكل ذلك من الأساليب التي يستخدمها والتخجيل، سؤالي: كيف يمكن أن أتفادى أسلوبه، وكيف يمكن أن أرد عليه إذا تحدث عني بسوء خلف ظهري، وكيف يمكنني نصحه بطريق غير مباشر، وما حكم الغضب بتخجيل الناس وسلبهم حقوقهم، مع العلم بأن عمي حالته المادية ممتازة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيك بإخلاص النية في السعي في هداية عمك، ففي الحديث: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
وفي الحديث: إ ن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه. رواه النسائي بسند جيد كما قال المنذري في الترغيب وصححه الألباني.
فادع الله له أولاً وحاوره ورغبه في التوبة والعفة وحفظ اللسان والبعد عن أذى الناس والوقوع في أعراضهم، ويمكنك استخدام غير ذلك من الوسائل مثل إعارته ما تيسر من الكتب والأشرطة لعله يستفيد منها إذا قرأ أو سمع وهو خال بعيد عن الناس فتستيقظ فيه الفطرة، ويعود إلى رشده.
كما يمكنك أن تستخدم في نصحه من يمكنه التأثير عليه من أكابر عشيرته، أو من العلماء وأئمة المساجد.
ويمكن الاستفادة من بعض الفتاوى في الموقع في حكم التدخين، وبيان وسائل القناعة والعفة عما عند الناس، والتعامل مع الجار أو الرحم الظالم، وحكم المال المأخوذ بسيف الحياء، وكيفية دعوة الأكابر، والتحذير من الوقوع في اعراض الناس.
فحاول الاطلاع على بعضها من خلال مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 48265، 5338، 23587، 49184، 23152، 20195، 34019، 9845، 18354، 32391، 1819، 1671، 5443.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(9/3209)
عصبية جدا وتريد علاجا لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنافتاة ملتزمة محجبة لكن عصبية جدا وعصبيتي تغلطني أنا أتعرضت لظروف صعبة كثيرة مثل انفصال أمي عن أبي وأنا سني 9 سنين لسن 14 سنة وخطبت واتفسخت خطوبتي بعد 5 شهور وأمور أخرى كثيرة أنا الآن عمري 18 سنة سؤالي هو كيف أسيطر على أعصابي حتى لا يعلو صوتي بغير الصلاة وقراءه القرآن هل في حديث أقوله لما أحس أني سأغضب أو دعاء أو آية معينه في القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يمن عليك بضبط النفس ويبعد عنك كيد الشيطان، وأول ما نوصيك به فيما طلبته هو أن تتجنبي أسباب الغضب، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك من استنصحه.
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا قال: لا تغضب.
وإذا حصلت لك العصبية وغضبت فعليك بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك يعين على ضبط النفس، أخرج الشيخان أن رجلين استبا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ومن أسباب دفع الغضب أيضا أن يغير المرء الحالة التي كان عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع. أخرجه ابن أبي الدنيا.
ومن أسباب دفعه كذلك الوضوء. روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(9/3210)
اختلفت مع زميلة العمل وتخشى انتقامها
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي كيف أتعامل مع زميلة لي في المهنة (التدريس) باختصار لا أشعر بالارتياح معها وعرفت هي بذلك وأعاني من غيرتها وهي إذا كرهت شخصا فهي لن ترتاح حتى تنتقم منه وتسمعني كلاما جارحا وبطريقة مباشرة وغير مباشرة أي بالهمز واللمز. أحيانا أشك في نفسي ربما أبالغ وأظلمها ولكن في الآونة الأخيرة عبرت عن ما في داخلها تجاهي وتقريبا أعلنت الحرب بيننا مع العلم بأن جميع الزميلات متضايقات منها وغالبا تحدث مشادات بينهن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المسلم أن يحب في الله ويبغض في الله ويغضب لله ويرضى لله، فهذا من أقوى عرى الإيمان، ولا ينبغي أن يكون ذلك لمجرد هوى الإنسان ومزاجه، كما أن من حسن أخلاق المؤمن أن يعفو ويصفح إذا ظلم ويقابل الإساءة بالإحسان، قال تعالى: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] (فصلت: 34-35) .
واعلمي أن ما نسبته لزميلتك من الهمز واللمز هو مما نهى الله عنه.
قال تعالى: [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ] (الهمزة: 1) . وقال: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] (الأحزاب: 58) .
ثم ما اعترفت به أنت على نفسك من المبالغة أحيانا وظلم زميلتك لا يجوز ولا يليق بالمسلم، وقد حذر الله من ذلك ونهى أن يحمل المسلم بغضه لغيره أن لا يعدل، قال تعالى: [وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] (المائدة: 8) .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
والذي ننصحك به الآن هو أن تعتذري لزميلتك عما قد يكون بدا منك لها مما لا تقصدين به الضرر وتطلبي منها أن تستأنف معك حياة جديدة تتناسيان فيها ما مضى، فإن استجابت بدأتما علاقة طيبة تتجنبان فيها كل شيء يدعو إلى الإثم، وإن رفضت كان لك الفضل بما قمت به وكنت مأجورة عليه، ولن يضرك رفضها شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(9/3211)
فتاوى في ذم الكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[التعالي بالتدين ... مثال: شخص تدين وأصبح يعرف الدين والصلاة والعبادة وصار يتكبر على أصدقائه وينفرد بنفسه.. فما العمل معه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في تعريف الكبر وبيان خطورته وعلاجه وكيفية التعامل مع صاحبه الفتاوى التالية أرقامها: 24081، 31591، 10706، 16597، 48571، 46012، 19854.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(9/3212)
جمعت بين رذيلتين: الكذب، وأكل المال بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الثانوية العامة وأتلقى الدروس الخاصة ولكن أنا لا أذهب لهذه الدروس وآخذ الفلوس لنفسي فهل هذه الفلوس حرام أم حلال
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حكم الدروس الخصوصية فقد سبق في الفتوى رقم: 25901.
وبالنسبة لما تقوم به فإنه غير جائز لأنه جمع بين أمرين محرمين:
الأول: الكذب على أهلك فتخبرهم بأنك تذهب إلى تلك الدروس والواقع على خلاف ذلك، وهذا هو الكذب بعينه، وفي الحديث: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري.
الأمر الثاني: أن في تصرفك هذا أكلاً لأموال الناس بالباطل، فوالدك إنما يعطيك هذه الأموال لذلك الغرض فصرفك لها في أمور أخرى تعدٍ على ماله بغير حق، والله جل وعلا يقول: [وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ] (البقرة: 188) .
وخلاصة الجواب أنه يلزمك التوبة من هذا الفعل وإرجاع هذه الأموال إلى صاحبها أو طلب السماح منه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(9/3213)
حكم مس الذكر على سبيل المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم مس الذكر من طريق المزح؟ وهل هو حرام
وشكرا................]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمس رجل أو امرأة لذكر الغير على سبيل المزاح محرم مالم يكن صغيرا لم يبلغ سبع سنين فلا حرج في ذلك لأنه لا عورة له، فلذا لا حرج من النظر إلى عورته ومسها مالم يكن في ذلك فتنة فيمنع، وهذا هو مذهب الحنابلة قال البهوتي في كشاف القناع: (ولا يحرم النظر إلى عورة الطفل قبل السبع ولا لمسها نصا ولا يجب سترها. أي عورة الطفل والطفلة، (مع أمن الشهوة) ، لأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء، (ولا يجب الاستتار منه) ، أي من دون سبع، (في شيء) ، من الأمور.
وكذلك لا حرج على المرأة في مس ذكر زوجها أو سيدها مطلقا لأنه لا عورة بينهما لما رواه الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. ولأن الفرج يحل له الاستمتاع به فجاز مسه والنظر إليه كبقية البدن،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1425(9/3214)
الكذب لا يجوز إلا لمصلحة معتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 25 سنة
منذ فترة تعرفت على شاب عن طريق الإنترنت بهدف الزواج ولكنني لم أحادثه أبدا عن طريق الهاتف.. تكلمنا على الإنترنت مرتين لا أكثر.. المهم هذا الشاب ينوي أن يزورنا في البيت بهدف رؤيتي والتعرف إلى أهلي.. وأحس بنيته أنه صادق لأنه يرتب أن يزورنا مع أهله في أقرب فرصة أو حتى أعطيه أنا الضوء الأخضر وسؤالي هل هذه طريقة صحيحة للارتباط؟؟ وهل إذا كذبت على أهلي للمرة الأولى فقط عن كيفية تعرفي على هذا الشاب هل سيكون علي إثم لأنني لن أخبرهم أنني تعرفت به عن طربق الإنترنت وهذا اتفقت عليه مع الشاب.. هل هذا جائز أم لا؟؟
والله يشهد أن هدفي هو الزواج والعفة لا التسلية والمعصية.. أرجوكم أرشدوني فأنا حائرة جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطريق الصحيح والأسلم للتعرف على الفتاة والفتى بقصد الزواج هو أن يسأل كل منهما عن الآخر بالطرق الشرعية المأمونة، فالفتى مثلا يتعرف على الفتاة بواسطة أمه أو إحدى قريباته، وهي تتعرف عليه عن طريق أبيها أو إخوانها، فإذا حصلت الرغبة تقدم الفتى وخطب الفتاة من وليها.
أما التعارف بالطرق المعاصرة اليوم كالاتصال عن طريق الهاتف أو الانترنت أو نحو ذلك فهذه مصادر فساد وحبائل للشيطان يجب الحذر منها؛ كماهو مبين في الفتوى رقم: 210.
أما الكذب على الأهل أو غيرهم فهو من قبائح الذنوب ودميم الأخلاق
ولا يجوز إلا عند مصلحة شرعية معتبرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه أحمد وأصله في الصحيحين.
لكن إن تقدم هذا الرجل إلى أهلك بقصد الزواج والحال أنه مرضي في دينه وخلقه فلا حرج عليك في قبوله، وإن سئلت عن وجه العلاقة بينك وبينه فلا تصرحي لهم بذلك، وفي المعاريض أي الكلام الموهم الذي يقنع السائل ولا يخالف الواقع مندوحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(9/3215)
لا يجوز للطبيب أن يبوح بأسرار مرضاه إلا حيث رخص الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للطبيب كشف سرالمريض؟ ولمن؟
مثلا: أنا طبيبه وأتتني مريضة (فتاة) مع والدتها واكتشفت أنها حامل (وهي غير متزوجه) ماذا أفعل؟
هل أخبرها فقط, أم أخبر والدتها, أم أخبر الشرطة؟
وما هي مسئوليتي تجاهها؟
السؤال الثاني:
هل يفهم من قصة المرأة التي أتت للرسول صلي الله عليه وسلم وهي حبلى (كانت قد اقترفت جريمه الزنا) طالبة أن يقيم عليها الحد فردها حتى تضع الخ.....القصة أنه يجب التستر تحاشيا للفضيحة؟ وماذا أستفيد أنا كطبيبة من هذا الحديث؟
أتمنى الرد العاجل وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الطبيب المسلم مؤتمن على أسرار مرضاه، ولا يبوح بها إلا حيث رخص الشرع في ذلك كشهادة عند قاض ونحو ذلك.
وعلى هذا، فالواجب عليك الستر على هذه الفتاة الزانية استئناسا بقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم الأسلمي: اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله. رواه الحاكم في المستدرك. وقال على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
واستنادا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم. ولكن ينبغي أن تقومي بوعظ هذه الفتاة وتأنيبها وتخويفها بالله وإخبارها أنها هتكت الستر بينها وبين ربها، وتأمريها بالتوبة النصوح بشروطها.
فإن الشريعة تهدف إلى تهذيب أفراد المجتمع ومنع الشرور فيه وصبغه بالصبغة الإسلامية، وليس تطبيق الحدود هدفا في حد ذاته.
وراجعي لزاما هاتين الفتويين: 6012، 34189.
وبالنسبة لحديث المرأة التي جاءت النبي صلى الله عليه وسلم حبلى من الزنا.. فاعلمي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمتنع من إقامة حد الزنا عليها، وإنما أخرها الرسول حتى تضع حملها وتفطمه، فالحاكم إذا بلغه حد من حدود الله ليس له إلا أن يقيمه.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(9/3216)
لا غيبة إلا لمعلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النُكت تعتبر من الغيبة حيث يٌذكر في بداية سردها مثلا (مرة واحد صعيدي أو باكستاني ... ) وبعد ذلك يذكر ما يدل على غبائه أو جهله بالأمور وما إلى ذلك مما يستدعي الضحك – ما أقصده أن قائل هذه النُكتة يتعمد ذكر شريحة من المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في النكت إذا خلت من الغيبة والكذب كما هو مبين في الفتوى رقم: 31944.
أما بخصوص اغتياب غير المعين فقد استدل على إباحته الإمام النووي بحديث أم زرع المشهور قال في تعليقه على هذا الحديث: فيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهن أزواجهن بما يكره ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم. اهـ.
وقال صاحب مجمع الأنهر: ولا غيبة إلا لمعلوم فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة، لأنه لا يريد به جميع أهل القرية، وكان المراد هو البعض وهو مجهول. اهـ.
وعلى هذا، فالظاهر أن هذه الأمثلة التي ذكرت لا غيبة فيها لأن المقصود فيها مجهول غير معلوم، ولا شك أن الأورع والأحوط الابتعاد عن كلما يسيء المسلم ويؤذيه ولو كان مجهولا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(9/3217)
حكم لعن أبي طالب وأبي لهب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سب أو لعن عمي الرسول أبو لهب وأبو طالب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في حكم لعن الكافر وسبه الفتوى رقم: 30017.
هذا ومما يجدر التنبيه علاوة على ما في الفتوى المتقدمة أن لعن هذين الرجلين وسبهما لم يكن معروفاً من هدي السلف، وقد لا يسلم من إيذاء الأحياء بسبهم، وقد ثبت النهي عن إيذاء الحي بسب الميت في قوله صلى الله عليه وسلم: لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات. رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1425(9/3218)
الظن أكذب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
شيخي الفاضل: هذه القصة لأخت لي في الله
أنا امرأة متزوجة متعلمة زوجي موظف أسكن معه في بيت عائلته وهو الوحيد بين أربعة أخوات له.
علاقتنا قوية جداً ومتفاهمين، حصل ذات يوم أن سُرق من خزانتي مبلغ من المال فلم أبح لزوجي بشيء وكنت أشك بإحدى أخواته فقصصت القصة لجارتنا التي كنت أودها فقالت لي بأن لا أبوح لأحد من أفراد العائلة خوفاً من الحرج والمشاكل ثم بعد فترة انتقلت هذه السيدة جارتنا وحصل بيني وبينها بعض المشاكل فبدأت تبث القصص والراويات إلى أخوات زوجي ووصلت القصة لزوجي أنني في يوم من الأيام قد اتهمت إحدى أخواته فغضب وبدأت المشاكل الزوجية ووصلت الأمور إلى درجة أنه ضربني من أجل أخته واحتدم الخلاف إلى ذلك اليوم الذي كان فيه غاضباً جداً وهو مستلق على ظهره وقال لي بالحرف الواحد إذا كان هذا الكلام صحيحا فأنت طالق00 طالق 00طالق ثلاث مرات ثم بعدها تدخلت أمه وأخواته فندم وتراجع.
أنني أشكو إليكم قصتي على الرغم من أنني لست متأكدة أنني قد حددت لتلك المرأة أن أخته هي التي فعلت هذه الحادثة أم لا وهذه القصة حصلت منذُ ثلاث سنوات.
فهل هذا الطلاق صحيح أم لا وما حكمه؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن اتهام المسلم بمجرد الظن إثم كبير، لقول الحق سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ] (الحجرات: 12) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا.
قال القرطبي في تفسيره بعد أن ذكر هذا الحديث: قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التهمة، ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها.
وبهذا تعلمين أن ما قمت به من اتهام إحدى أخوات زوجك بالسرقة من غير دليل هو ذنب تجب عليك التوبة منه والاستغفار، والأصل أن يظن المسلم بأخيه المسلم الخير لا الشر، وذلك لأنه في حال الظن به ذلك من غير برهان هو ظلم له وتشويه لسمعته، إضافة إلى ما يحدثه ذلك من العداوة والبغضاء بين الظان والمظنون، وقد يتجاوز ذلك إلى أقاربهم كما هو الحال هنا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره. رواه البخاري. هذا فيما يتعلق بحكم الظن.
أما بخصوص ما قال زوجك فهو طلاق معلق على صحة الكلام الذي سمع عنك، فإن كان صحيحا وأنت أعلم بذلك فقد حصل الطلاق، لكن هل يقع بالثلاث كما هو مذهب الجمهور إذا لم يرد التأكيد أو إنما تقع طلقة واحدة كما هو رأي شيخ الإسلام ومن وافقه.
وعلى العموم، فإننا ننصح بالرجوع إلى المحاكم الشرعية في بلدكم، فالمحاكم الشرعية هي التي ينبغي أن ترفع لها مثل هذه القضايا، لأن حكمها يرفع الخلاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/3219)
الجنة تنال بلين الجاتب والسهولة في التعامل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل من الممكن أن تعطيني نصيحة لشخص معي بالعمل اقترف أمورا كثيرة وأصبح شخصا غير مرغوب فيه لدى الجميع ولكن مرغوب فيه من قبل المدير فقط. وذلك بسبب تصرفاته وكثير من الأمور التي تخص العمل وتتحول بالطبيعة إلى أمور شخصية وللأسف الآن لا يسلم على معظم الأشخاص ويتحدث مع الكثير بصفة الأمر؟؟؟؟
أرجو من فضيلتكم مساعدتي لكي أقدم له النصيحة التي تهديه بإذن الله
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه مناسبا أن تنصح به هذا الذي معك في العمل هو أن تعلمه ما جاء في حسن الخلق وتبين له أن الخلق هو ثمرة الإيمان، وقد روى الترمذي وأبو داود وأحمد والدارمي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
وأخبره أن الجنة تنال بلين الجانب والسهولة في التعامل، وأن النار بعكس ذلك، تدخل بسبب الاستكبار والعتو والتجبر. ففي الصحيحين عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر.
وأعلمه كذلك أن حسن الخلق لا يتنافى مع حسن العلاقة بالمدير والمسؤولين، فرب شخص حسن السيرة والعلاقة مع العمال والخدم يستطيع حل الأزمات والصعوبات التي تحدث في العمل أحظى عند مديريه ومسؤوليه ممن هو بخلاف ذلك.
ثم إنه لا يؤمن أن يتحول من كان تحته إلى مسؤول فوقه، فلا يكونن عرضه للانتقام وتصفية الحسابات إلى غير ذلك مما يقتضيه المقام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/3220)
عدم استعمال الصديق في قضاء الحاجات الشخصية أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في بلاد الغرب ولي أخ يحبني كثيرا في الله وأنا كذلك، ولم أر منه إلا الحرص على تعلم وتطبيق دينه ونصحي في ديني، أخي هذا لا يتردد في بذل قصارى جهده كلما طلبت منه العون في أمور ديني ودنياي، ويقول لي بأن ذلك يدخل السرور في قلبه، بصراحة أنا استثقل طلب العون منه، على حاجتي إليه، وذلك حتى لا أثقل عليه وأيضاً خوفا من مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استعنت فاستعن بالله) ، فسؤالي: هل يجوز أن أستعين بأخي على قضاء شؤوني، وخاصة أنه سندي في الغربة أم أن ذلك مخالف للحديث المذكور، وهل من الأفضل لي عدم طلب العون والتشدد على نفسي، وهل إذا نويت بطلب العون من أخي إدخال السرور على نفسه أكون مأجوراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على مكارم الأخلاق ودعا إلى حفظ ماء الوجوه وصونها عن ذل المسألة، يدل على هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود عن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله قال فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك، قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس وتطيعوا وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئاً، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.
وأشد أنواع السؤال ما تعلق بالمال، بل ربما كان حراماً إذا لم يكن صاحبه في حاجة ملحة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9845.
وعلى كل فإن كان ذلك لحاجة فلا حرج فيه، وليس فيه تعارض مع الاستعانة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا استعنت فاستعن بالله. رواه الترمذي، بشرط كون الأمر المستعان فيه مما يقدر عليه العبد، كما هو مفصل في الفتوى رقم: 36008.
وعلى هذا فامتناعك عن طلب العون من صديقك هذا أو غيره أولى لأنه أحفظ لماء الوجه، إلا أن دعت حاجة إلى ذلك فلا حرج، خصوصاً إن كان المسؤول معروفاً بالصلاح والكرم وحب مساعدة إخوانه، وهذا بحمد الله ما ذكرته عن زميلك الطيب الذي قل مثله في هذا العصر.
وإن نويت بذلك إدخال السرور على صديقك -كما ذكر- كنت مأجوراً على ذلك إن شاء الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1425(9/3221)
لا بأس في مناصحة الزوجة لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يكون الزوج خاطئاً في أي قرار هل يمكن للزوجة أن تتدخل وتعارضه، ما حكم الدين في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا رأت المرأة أن قرار زوجها في أمر من الأمور، خالف فيه الصواب وحاد فيه عن الحق فلا بأس أن ترشده وتسدي إليه المشورة والنصح، بل قد يجب عليها ذلك في بعض الأحوال، على أن يكون ذلك برفق وأدب مع توقير للزوج واحترام له، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وقد أشارت أم سلمة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وكانت مشورتها موفقة وقبل منها النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي على الأزواج أن لا يترفعوا عن قبول الحق من زوجاتهم، فإن ذلك من كمال العقل وحسن التصرف وأدب الإسلام، فإن ديننا علمنا أن نقبل الحق ممن جاء به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/3222)
الغش في الامتحان أخف من تتبع عورات المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[شك أخ لنا في أحد الناس أنه سيتحايل بطريقة ما للغش في الامتحان (عن طريق الموبايل) ، فطلب من أخ آخر أن يتابع معه هذا الشخص حتى إذا تأكد لديهم أنه يغش فعلا أبلغوا عنه المراقب، فرفض أن يتبعه وأن يفشي سره فهل هذا التصرف صحيح أم يعتبر من تتبع عورات المسلمين، وهل هذا ينطبق عليه الحديث: \"الفتنة أشد من القتل\"؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الفعل يعتبر من تتبع عورات المسلمين، ولا يجوز بحال من الأحوال، وهو من التجسس الذي نهى الله عنه في صريح الكتاب وفي السنة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12] .
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ولا تجسسوا ولا تحسسوا.
والناس محمولون على البراءة ما لم يثبت الذنب، وفي النهي عن تتبع عورات الناس أخرج أبو داود عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته.
ثم قولك وهل هذا ينطبق عليه الحديث: " الفتنة أشد من القتل" غير واضح الدلالة لأن عبارة "الفتنة أشد من القتل" هي بعض آية وليست حديثا، ولأنه ليس في الموضوع فتنة ولا قتل حتى نقارن بينهما لمعرفة أيهما أشد أو أخف، ولعلك تقصد قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وهي إحدى القواعد التي بني عليها الكثير من أحكام الشريعة، ولا شك أن هذه المسألة تدخل فيها، لأن الغش في الامتحان رغم ما فيه من النهي والقبح يبقى أخف من التطلع على عورات المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/3223)
احرص على أن تكون مؤثرا وهاديا ومرشدا للخير
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق عزيز علي ويمتاز بالصفات الجيدة للصديق الحسن ولكن في الفترة الأخيرة أصبح يتلفظ ببعض الألفاظ النابية فماذا أفعل لأني صدمت وأحبه ويهمني أمره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجب الصداقة بين الأصدقاء أن يتواصوا بالحق والصبر، وأن يتعاونوا على البر والتقوى.
قال الله تعالى: [وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] (3) .
وقال: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة: 2) .
وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ، وحقت محبتي للمتصاحبين فيَّ. رواه الحارث في مسنده، وابن حبان، وصححه الألباني.
وبناء عليه، فعليك بالسعي في هداية صديقك وجلبه إلى مجالس العلم وربطه بالمساجد وأهل الخير، واستعن عليه بمن تعرفه من الأصدقاء الطيبين، وأعره ما تيسر من الكتب والأشرطة النافعة، وحاوره حتى تقنعه بالعدول عما طرأ عليه وأكثر الدعاء له بالهدى والاستقامة، وتحرز من أن يجرك إلى الانحراف، لأن الصديقين دائما يتأثر أحدهما بالآخر، فاحرص على أن تكون مؤثرا وهاديا ومرشدا للخير.
ففي الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(9/3224)
هل نبلغ المدير عن المقصر في أداء عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا زميلة في العمل سيئة الطباع وتؤذي أي شخص سواء أذاها أو لا.. بالكذب أكثر الأحيان وشريرة وتعتمد على أن شكلها حلو ولبسها مثير والآن إذا فعلت شيئا نقول للمدير بدون كذب حيث إنها أصلا غير ملتزمة بمواعيد العمل ولا تبذل أي مجهود في العمل وتعتمد على زملائها الذين تقوم بأذيتهم فهل حرام أن نبلغ المدير عن تجاوزاتها ومحاربتها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت زميلتك في العمل في هذه الدرجة من سوء الطباع فلا تجوز لك مصاحبتها ومصادقتها، والواجب نصحها وتحذيرها من مغبة الكذب وسوء عاقبة أذى المخلوقات، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم وأصحاب السنن وأحمد. ثم بيني لها أن حسن شكلها وما هي فيه من الزينة نعمة من نعم الله عليها، تستوجب عليها الشكر لكي تزداد لها ولا تزول عنها.
قال تعالى: [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] (إبراهيم: 7) .
وإ ن كان قصدك بأن لبسها مثير أنه ثوب شهرة فأعلميها أنه مما نهى عنه الشارع الحكيم، وراجعي فيه الفتوى رقم: 3442، وأما إذا كان القصد أنه زينة في نفسه أو غير ساتر على الوجه المشروع، فإن ذلك محرم، وراجعي الجواب: 34289.
وأما ما سألت عنه من إبلاغ أمورها للمدير مما قد يترتب عليه فصلها عن العمل أو عقابها، فالصواب أن لا تفعلي ذلك إن كانت أفعالها لا تؤدي إلى إخلال بالعمل، لما في ستر المؤمن من الثواب الجزيل عند الله.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
وأما إن كان في فعلها تضييع للعمل فلتنصحيها بالعدول عن ذلك، فإن هي أصرت عليه فأبلغي المدير لأن ذلك حينئذ من النصيحة المأمور بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(9/3225)
سب الزملاء محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي والحمدلله ولكن أسب أحيانا عندما ألقي أصحابي ولكن هل الوضوء يمسح ذلك السب؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبك لمن يصاحبك من زملائك محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وسبك لأحد زملائك ما لم يتكرر منك السب صغيرة يكفرها الوضوء، بدليل ما في صحيح مسلم عن حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قالت: أتيت عثمان بن عفان بوضوء فتوضأ ثم قال: إن أناسا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا أدري ما هي، إلا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه. إلى آخر الحديث، وهذا الوضوء مذكور في حديث حمران أيضا وهو كما في صحيح البخاري: أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينيه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثا إلى آخره، فمن توضأ مثل هذا الوضوء أو أتى بما يكفر السيئات كصوم يوم عرفة ونحو ذلك كفر الله عنه صغائر الذنوب، أما الكبائر، فإنها لا تكفر إلا بالتوبة الصادقة، لقوله تعالى بعد ذكر بعض الكبائر كالزنى وقتل النفس: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا] (الفرقان: 70) .
وعليك بالإكثار من الاستغفار ومجاهدة نفسك على حفظ لسانك من التلفظ بكل قول محرم، فإن الإصرار على الصغائر يحولها إلى كبائر، ولأن اللسان له دور خطير إذا لم يُحفظ عن المحرمات.
ففي سنن الترمذي وغيره عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبه قائلا: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت بلى يا نبي الله، فأخذ بلسان نفسه، قال: كف عليك هذا فقلت: يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.
صححه الشيخ الألباني.
وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 6923.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(9/3226)
هل يهجر الأخ أخاه لسوء ظنه به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الدين في الصديق الذي تعاشره لمدة سنوات ودائما يظن بك سوءا هل تنهي صداقتك معه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يسيء الظن بأخيه المسلم.
وقد قال الله عز وجل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ] (الحجرات:12) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا. رواه البخاري ومسلم.
وإن كان قصدك بإنهاء الصداقة المقاطعة والهجران، فإن ذلك لا يجوز فوق ثلاثة أيام، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وإن كان القصد التخفيف من العلاقة فهذا لا مانع منه إن شاء الله تعالى. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليين: 10077، 5443.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(9/3227)
الكذب للمصلحة الشرعية جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة زوجها شارب للخمر وكلما وجدت زجاجة تخلصت منها فعندما يعود للبيت يسألها فتخبره أنها لم ترها فهل هذا كذب يحرم عليها فعله وهل يحق لها التخلص من هذه الخبائث]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على هذه المرأة في إراقة الخمر الذي يجلبه زوجها إلى البيت، ولا حرج عليها في قولها له إذا سألها عنه (لم أره) وتقصد في نفسها شيئا آخر من باب التورية، فإذا اضطرت للكذب صراحة فلا حرج في أن تكذب عليه، لأن الكذب للمصلحة الشرعية جائز كما نص على ذلك أهل العلم، ومنهم الإمام النووي في كتابه المشهور "رياض الصالحين" حيث قال: باب بيان ما يجوز من الكذب: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسأل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. متفق عليه. زاد مسلم في رواية.. قالت: أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(9/3228)
ما يجب على من نعت أخاه بأنه خنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال مسلم لمسلم آخر كلمة غير جيدة مثل (كلمة خنزير) هل لا تقبل صلاته لمدة أربعين يوما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وحسنه، وأحمد وغيرهما.
فينبغي للمسلم أن يهذب لسانه من كل لفظ قبيح، وهذا النوع من الألفاظ يجمع كذباً وإساءة، فعلى من قاله أن يتوب إلى الله عز وجل ويطلب العفو ممن قال له ذلك، وليس صحيحاً ما ذكرت من أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن هذه عقوبة لمن شرب الخمر، لما روى الترمذي وأبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه..... الحديث.
وورد نفس الوعيد في شأن من ذهب إلى عراف فيما رواه مسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً.
ولمزيد من التفصيل وأقوال العلماء في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 34205
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1425(9/3229)
الكبر محرم على العالم وعلى غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[عافانا الله وعافاكم- كيف يكون حساب العالم المتكبر إذا مات على تلك الحالة؟ - إننا ننصح أخا لنا بأن العبادات لن تقيه شر الكبر عند الحساب مع الله!
إنه مايفتأ أن يترفع على الناس ويجهل عليهم ويرفض أحيانا الاستماع لهم بسبب علمه وعدم معرفتهم. وهو يقول إنه يستفزهم لكى يحاولوا التعلم....
فماذا إذا مات على هذه الحالة؟ وماذا ننصح له؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. وهو محرم على العالم وعلى غيره، إلا أن وقوع المعصية من أهل العلم والفضل أشد من وقوعها من الجهلة، ورعاع الناس، والعقوبة هي ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. رواه مسلم. وقوله: لا يدخل الجنة معناه لا يدخلها بلا عذاب، أو مع السابقين.
والواجب على كل مسلم أن يتوب إلى الله جل وعلا من الكبر ويبتعد عنه، وأن يعلم أنه لا تنفعه أعذاره الواهية.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 31591، والفتوى رقم: 24080.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1425(9/3230)
تقكر في الطلاق بسبب زوجها الذي يعشق الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يا سيدي أنا سيدة متزوجة منذ حوالي عشرة أشهر وأعاني من زوجي أنه يعشق الكذب، مواقف كثيرة تحدث، وبعد ذلك يتضح لي بعد ذلك أنه يكذب علي وكان آخر موقف له سوف أرويه لك حتى تحكم فيه: منذ حوالي 4 أشهر اتفقنا أنا وزوجي على أن نستأجر كافتيريا لكي يقوم هو بإدارتها وهذه الكافتيريا في المكان الذي أعمل أنا فيه على هذا الأساس أخذ زوجي مبلغاً من صديق له حتى يكون شريكاً معه وطلب مني زوجي صورة من عقد الكافتيريا القديم حتى يعلم ما يحتويه بالفعل أحضرت صورة من العقد وأعطيته له فقام بعمل نسخة منه وقام بتقليد نفس الختم الذي عليه وأعطاه لصديقه وآخذ منه النقود وبعد ذلك ظهرت نتيجة المناقصة للأسف رسيت على أحد أصدقائي ولم نأخذها، فلم يرد زوجي النقود إلى صديقه إلى مكان عملي وسأل بعض العاملين فيه عن المناقصة فعلم أنها لم ترس علينا، فبعد مرور بعض من الوقت تكلم صديق زوجي مع صديق له وهو ضابط عن الوضع كله فقام الضابط بالتحري عن الأمر وعلم أني أعمل في نفس المكان وتكلم الضابط مع بعض الأشخاص في عملي وبعد ذلك جاء لي زميل يتكلم معي بخصوص هذا الموضوع، وقال لي: هل اسم زوجك كذا قلت له نعم، فقال لي: ما حدث لم أصدق نفسي حين سمعت هذا الكلام واجهت زوجي بهذا الكلام أنكر بشدة شديدة ما قلته له وواجه صديقي وقال له ما الدليل على ذلك، وتكلمت مع الضابط فقال لي: إنه تشابه أسماء بين هذا الاسم وزوجي واتفقت مع صديقي أن لا يخبر أحدا بما حدث ولكن من داخلي كنت متأكدة أن زوجي يكذب علي، وقام زوجي هذا ما علمته مؤخراً أنه أعطى صديقه جزء من المبلغ على أن يعطيه الباقي بعدين ... كنت أعتقد أن الموضوع انتهى ولكن منذ أيام اتصل بي هذا الضابط في مكان عملي وتكلم معي بود عن كل شيء منذ البداية وأنه يريد أن يحل هذا الموضوع بينهم لا داعي أن يكون رسمياً وأكد لي شكوكي ووعدته أن هذا الموضوع سوف ينتهي بسلام، وواجهت زوجي بما حدث فلم يرد علي وذهب لصديقه حتى يتفق معه على حل هذا الموضوع وبعد ذلك رجع إلى البيت وقال لي أنا آسف أنا عارف أني غلطت لكن لم أكن أقصد ذلك سامحيني، هل لا يهمه سمعتي في مكان عملي إذا علم أحد بهذا الموضوع بمعنى أن زوجي بينصب على الناس باسم المكان وأنا أساعده على ذلك لأني أعطيته صورة من العقد، يعلم الله أني لم أكن أعلم بكل ذلك إلا بعد أن أخبرني الضابط لأني أخاف الله في كل معاملاتي، هذا كل ما حدث وهذه لم تكن المرة الأولى التي يغلط فيها بل المرة الثانية، لا أدري ماذا أفعل معه أصبحت لا أثق في كلامه وأتحرى عن أي موضوع يقوله لي من ورائه أتأكد أنه صحيح أم لا، لا أدري ماذا أفعل هل أعطيته فرصة أخيرة لا أريد هدم البيت بالرغم أني لم أنجب منه حتى الآن إني أخاف الله في كل معاملاتي ولا أريد أن يخطأ زوجي بالرغم أنه إنسان ملتزم لا يرتكب أي معصية أخرى ولا يشرب أي شيء حتى السيجارة وطيب القلب معي، ولكن عيبه الوحيد الكذب وبهذا فهو يغشني، ولا أدري ماذا أفعل أصبحت لا أثق فيه، أرجو أن تخبروني عن الحل المناسب حتى أرتاح ويرتاح ضميري وحتى لا أتسرع في عمل شيء غلط في غير المصلحة؟ وجزاكم الله خيراً، هل من الممكن أن يكون الرد على البريد الخاص بي إذا أمكن ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان واقع الزوج هو ما ذكرت السائلة فلا ريب أنه قد ارتكب خطأ عظيماً وإثماً مبيناً إذ جمع في سلوكه هذا كذباً وأكلاً لأموال الناس بالباطل.
وكل ذلك من الكبائر العظيمة، والواجب على من ابتلي بهذه الذنوب أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرد الحقوق إلى أصحابها عسى الله أن يعفو عنه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وبالنسبة لك أيتها الأخت السائلة فالذي ينبغي عليك فعله هو نصح هذا الزوج وبيان عظيم ما يفعله والصبر عليه مع أخذ الحيطة والحذر عند التعامل معه في المسائل المالية ونحو ذلك، فإن المؤمن فطن لا يخدع ولا يُخدع كما قال عمر رضي الله عنه: لست بالخب ولا الخب يخدعني.
ولا ينبغي أن تفكري في فراقه من أجل ما ذكرت لا سيما وأن حاله مستقيم فيما عدا ذلك كما أفدت، ونرجو منك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 522، 8386، 41151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1425(9/3231)
المناداة باللقب.. بين الجواز والكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون التنابز بالألقاب؟ حتى يتسنى البعد عنه - بعدما أصبح من أسهل المعاصي!
لنفرض أن شخصا معلوم الفسق - هل إذا قلت له أنه فاسق أو أنه خبيث النوايا أو.... هل في ذلك تنابز..
ودعني أسأل كيف يكون الإنسان معلوم الفسق؟
إننا نتعرض لأشياء غريبة ولا نعرف كيف نتعامل معها - نرجوكم العون - جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فتفسير الآية التى سألت عنها مفصل في الفتوى رقم: 32864
فالنبز ـ كما في لسان العرب ـ هو اللقب. والتنابز التداعي بالألقاب، وقد وردت معان للتنابز بالألقاب، فقال البعض: إنها دعوة الشخص بالكفر بعد أن أسلم. قال البخاري: ولا تنابزوا: يدعى بالكفر بعد الإسلام.
وورد أن الكلمة تعني نداء الشخص باللقب الذي يكرهه. أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد من حديث أبي جبيرة بن الضحاك قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره.
قال: فنزلت هذه الآية: ولا تنابزوا بالألقاب.
وإذا كان الشخص لا يكره اللقب المنادى به فلا مانع من ندائه به.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 12502.
وليس من التنابز بالألقاب أن يوصف الفاسق بما هو فيه من الفسق، والذي عليه أهل العلم أن ذلك يجوز وراجع فيه الفتوى رقم: 34205.
وكون الإنسان معلوم الفسق معناه أنه جاهر به ولم يخفه عن الناس حتى صار معروفا عند الناس بالفسق، فمثل من هذه حاله يجوز أن يذكر بفسقه.
وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون مالم يجاهر به ... انظر فتح الباري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(9/3232)
الأصل في الغيبة التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[زميلتي في العمل مخلوقة بعيدة كل البعد عن الدين تكره كل من حولها وتحاول جاهدة إيذاء الجميع بشتى الطرق، فنضطر آسفيين للتحدث عنها وعن تصرفاتها المشينة وتحذير كل واحد منا من تصرفاتها، فهل هذه نميمة أو غيبة، وماذا أفعل حتى لا أتكلم عنها وأحمل ذنبها، لقد حاولت كثيراً ولكني لم أقدر فهي تجلس بجانبي وأراها يومياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من هذا الحديث الذي يجري بينكم هو التحذير من هذه المرأة التي تحاول جاهدة إيذاءكم ومن تصرفاتها، بقصد الحذر منها فجائز بشرط الاقتصار على قدر الحاجة منه دون التوسع والإسراف فيه وإن خلا من هذا القصد فحرام لا يجوز، إذ الأصل في الغيبة التحريم، وراجعي الفتوى رقم: 28705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1425(9/3233)
حكم هجرة الفاسق الذي يظهر التدين
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة مصريين (خمسة أفراد) نعمل بالسعودية (عقد ثلاثة أشهر) ونعيش مع بعض بجدة، معنا شخص (من ضمن الخمسة أفراد) يتخذ الدين في الظاهر فقط فهو مدخن، وصلى بنا في فترة جماعة (إماما) ونحن لم نعرف أن الإمام المدخن لا تجوز به الصلاة كإمام عرفناها مؤخراً للآسف، وهو كان عارفاً ولم يبلغنا، ودائماً يعطيني دعوات في سنن رسول الله وللأسف بعضها خطأ، وهو تأتي عليه صلاة الفجر وهو نائم ويصليها بعد الشروق، وبعد الشغل صلاة المغرب نائم أيضاً، وغير مثل كقدوة حتى نسمع كلامه، وفي الشغل يدخل على النت مواقع غير أخلاقية كالدردشة ويتكلم مع البنات \"الله أعلم بهن\" ويعرضنا للمسؤولية (لأن السيئة تعم بنا الخمسة وليس عليه فقط) ، ودائماً سريع الغضب وكلمته لا بد أن تكون هي المسموعة ولا يسمع رأي الآخرين، قنحن اثنان من الخمسة أفراد، اجتنبناه ولم نكلمه إلا في حدود الشغل فقط، فهل هذا صحيح من الناحية الإسلامية، ولا نعمل أي شيء معه ربنا يهديه ويهدينا إلى الصراط المستقيم إن شاء الله؟ وبارك الله فيكم وجعلكم عونا للإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن صاحبكم هذا من أنه يتخذ الدين ظاهرياً فقط، ويدخن ويؤخر الفجر والمغرب عن وقتيهما ويدخل على النت للدردشة ويتكلم مع البنات كلها صفات قبيحة تقتضي تفسيقه، إلا أن الاقتداء به لا يبطل الصلاة عند جمهور أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17894، مع أن الأولى بكم أن تقتدوا بغيره.
وكونك وأحد الخمسة معك قد تجنبتما تكليمه إلا في حدود الشغل، فإن كنتما تريان أن ذلك سيصلحه ويجعله يعود من فسقه، فلا بأس بما فعلتما وإن كنتما تعلمان أن ذلك لا يفيد شيئاً في تغيير سيرته، أو أنه يمكن أن يزيده بعداً عن الصواب فلا تفعلاً إذاً، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21242، 29984، 19998.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1425(9/3234)
فتاوى حول المجاهرة بالمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأيام تعرضت للفتنة ولكني -الحمد لله- لم أقع فيها وبعد ذلك حكيت ذلك الموقف لاثنين من أصدقائي فهل ذلك يقع في نطاق المجاهرة المنهي عنها؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1863، 28218، 14725، 7518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(9/3235)
حكم الكذب لاستيفاء الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفتي فضيلتكم في التالي: فقد مني خط تليفون محمول به خدمة التجوال، وعندما كشفت عن رصيد استخدامي للتليفون اكتشفت أن هناك شخصا وجد هذا الخط وقام بعمل العديد من المكالمات التي بلغت قيمتها لمدة استخدام يوم واحد حوالي 700 جنيه مصري حيث أن تكلفة المكالمات في خدمة الجوال مرتفعة جداً وقد قمت بوقف الخدمة عن التليفون ولكن بعد مرور 4 أيام من فقد للخط ولا أعلم حتى الآن تكاليف المكالمات التي قام بها في باقي ال 3 أيام الأخرى، سؤالي هو: لقد حصلت على نمر التليفونات التي قام الاتصال بها سارق الخط وأريد أن أبلغ الشرطة عن سرقة الخط لكن لجدية البلاغ يجب أن يكون البلاغ عن سرقة الخط وعدة التليفون معاً في حين أن الذي سرق الخط فقط، فأرجو إفادتي إذا كان هذا الفعل حراما أم جائزا، مع العلم بأن هذا البلاغ لمجرد جدية البحث عن سارق الخط وعندما نجد سارق الخط سأقوم بالتنازل عن سرقة عدة التليفون ولن يحاسب هذا الشخص مطلقاً عن ذنب لم يرتكبه حيث إن الهدف هو معرفة الشخص والتفاهم معه لاستعادة الخط المفقود وإن أمكن استعادة قيمة المكالمات التي قام بالاتصال بها وليس في نيتي حبس هذا الشخص مطلقاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الكذب حرام، ولا يجوز لأحد ارتكابه، فهو خلق مذموم وطبع تنفر منه النفوس العالية، إلا أن الشرع قد أباح للمرء أن يكذب إذا احتاج إلى الكذب لتحصيل حتى له قد يضيع أو درء شر يتوقع حصوله، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 25629.
وبناء على ذلك فإنه يجوز لك استخدام الحيلة ولو بالكذب ما دام ذلك سيساعد في الوصول إلى حقك، بشرط ألا تتجاوز في استخدام الكذب بما يؤدي إلى ضرر الغير أو التعدي على من ظلمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(9/3236)
الفخر.. معناه.. وخطورته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الفخر والتفاخر؟
وباعتبار التفاخر أمرا سيئا ما حكمه في الدين؟
وهل هو (التفاخر) جيد أو \"عادي\" في حالة كان بالدين أو بالوالدين أو الوطن أم أنه سيئ في جميع الأحوال]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفخر كما جاء في لسان العرب لابن منظور: التمدح بالخصال والافتخار وعدُّ القديم. ولا يختلف معه التفاخر إلا في كونه يتضمن معنى المشاركة. قال ابن منظور: وتفاخر القوم فخر بعضهم على بعض، والتفاخر التعاظم. انظر مادة فخر.
والفخر والتفاخر كلاهما مذموم في الدين. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب ... الحديث.
وراجع في التفاخر في الوالدين ونحوه الفتوى رقم: 28057، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 10706.
والفخر إذا كان بالعبادة والتدين فهو أسوأ أنواع الفخر، لأنه حينئذ رياء وتسميع وعجب، وكلها آفات خطيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(9/3237)
الظلم من المسؤول عقوبته شديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال هو ما حكم الشرع في مسؤول\" يظلم من هم تحت إمرته وبالعمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظلم من كبائر الذنوب، وقد حذر الله عز وجل منه في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: [مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ] (غافر: 18) .
وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ... رواه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه تبارك وتعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ...
والظلم من الكبير والمسؤول والراعي يكون أشد تحريما وأعظم قبحا، لأن المفروض فيه أن يحافظ على من جعله الله تعالى تحت يده ويحفظه من كل مكروه ويرعاه من كل ضرر، فإذا صدر الظلم من المسؤول كان ذلك أشد عقوبة.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ما من عبد يسترعيه الله تعالى رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1425(9/3238)
كظم الغيظ والعفو عن الناس محمودان
[السُّؤَالُ]
ـ[وما حكم من يسب أو يشتم ثم يرد هذا لعدم قدرته على كظم الغيظ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف لقد مدح الله كظم الغيظ والعفو عن الناس والصبر على زلاتهم.
فقال تعالى: [وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] (آل عمران: 134) . وقال: [وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (التغابن: 14) . وقال: [وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] (الشورى:43) . ولكن المرء إذا لم يستطع الصبر على أذى العباد أو لم يرد مسامحتهم فله أن ينتقم منهم ويكافئ منهم الخطأ الذي ارتكبوه في حقه: قال تعالى: [وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ] (الشورى:41) . وقال: [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ] (البقرة: 194) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(9/3239)
إثم من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: أعانكم الله وسدد على الحق خطاكم.
والله ما كتبت لكم إلا أملا أن أجدك عندكم الجواب الشافي والكافي لأمري وهو أني ظلمت أخا من الإخوة لازمني وصاحبني منذ مدة وفي الحقيقة أني كنت أحسن إليه كثيرا وأحبه كثيرا، ثم وقع بيننا شجار فضربته وتعديت عليه ثم والله تبت واستغفرت وندمت كثيراً على ما فعلت وعلمت أني عملت مصيبة وأقدمت على أمر كبير لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده لكن في حياتي لم أضرب أحداً ولم أظلم أحدا لست أدري كيف وقع هذا الخطأ، ثم ذهبت إليه لأطلب منه العفو فلم يقبل مني وطردني ولم يرد أن يسامحني وبلغني أنه يدعو علي، وهو من حملة كتاب الله ومن الإخوة الملتزمين والأمر الذي أقلقني كثيرا وأحزنني القصاص يوم القيامة والله كدت أقنط كلما أتذكر هذا الأمر إلا ونغص علي حياتي وأفسد علي يومي، فأرجوكم ثم أرجوكم، ما الحل وهل يغفر الله لي إذا لم يسامحني مع أني تبت، أرجوكم دلوني على الحل ثقتي في الله ثم فيكم كبيرة لا أريد أن يقتص مني يوم القيامة، إني حائر فدلوني؟ وبارك الله فيكم ولن أنسى فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلاقة بين الإخوان ينبغي أن يسودها الحب والتعاون والتبادل والأدب و....، ولكن إذا حصل أن نزغ الشيطان بين الإخوان فحصل تعد على النفس أو العرض أو المال فيجب على المتعدي أن يتوب إلى الله من ذلك وأن يتحلل من أخيه المعتدى عليه، فإن كان التعدي على المال فليرد له حقه وإن كان على العرض فليطلب العفو، وإن كان على النفس فيتحلل بتمكين المعتدى عليه من القصاص، أو طلب السماح في ذلك كله، ولا ينبغي لمن اعُتذر إليه في شيء من ذلك أن يرد المعتذر، وإننا نذكر هذا الأخ الممتنع من الأخذ بالقصاص أو السماح بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس. رواه ابن ماجه عن جودان مرسلاً، ورواه الطبراني عن جابر وفيه ضعف، وروى الطبراني عن جابر مرفوعاً: من اعتذر إليه فلم يقبل لم يرد علي الحوض. وفيه ضعف، ورواه أبو الشيخ عن عائشة مرفوعاً، وإذا صدقت أخي السائل في توبتك وبذلت جهدك في تمكين صاحبك من القصاص فلم يقتص ولم يسامح، فإننا نرجو ألا يكون عليك شيء في القيامة، ونرجو أن يعوض الله صاحبك هذا في الجنة ما يجعله لا يريد منك شيئاً في الآخرة.
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع، وراجع الفتوى رقم: 27841، والفتوى رقم: 22430.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(9/3240)
أمور تعين على تحقيق حسن الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما علاج سوء الظن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة الظن السيء أي معرفة حكمه وكفارته راجع الفتوى رقم: 10077، ونحن في كلامنا هذا نحاول علاج هذه الآفة الخطيرة من خلال التأكيد على أهمية حسن الظن وتقديمه على سوء الظن، والإنسان تمر به مواقف لا يرى فيها إلا وجهاً واحداً يرى إنساناً في أمر ما فلا يراه إلا مسيئاً عاصياً، فربما تكلم فيه ونشر خبره، ثم إذا اتضح الأمر وبانت الحقائق ظهر له أنه كان مخطئاً، وهذا هو الذي لا يريده الله تعالى منا لذا يجب التحرز التام بفعل الإجراءات التالية:
الأول: التأمل في حقيقة البشر من حيث الذهول والضعف والنسيان، فإذا تأمل المرء في حقيقة البشر وجد نفسه مرغماً على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف، قال عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
الثاني: مراعاة حق الأخوة: فإن أخوة الإيمان تحمل لزوماً على حسن الظن بالمؤمن، فالمؤمن في أصل الأمر لا يريد شراً والتعامل معه وحمل ما يصدر عنه على هذا الأصل يوجب حسن الظن والبعد عن سوء الظن فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ما له ودمه، وأن يظن به إلا خيراً. رواه ابن ماجه.
الثالث: البعد عن الشبهات فكما أنه يجب على المسلم إحسان الظن بإخوانه، كذلك ينبغي له البعد عن الشبهات حتى لا يساء به الظن فلا يوقع نفسه في شبهة عمداً بدعوى أنه لا يبالي بالناس، فمن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله، فينبغي أن يتحرز من الوقوع في الشبهات، فإن وقوعه فيها يفتح للشيطان طريقاً عليه بتشويه سمعته وصورته وعلى إخوانه ببث وساوسه فيهم وإيقاعهم في الإثم بسوء الظن، فإن وقع في شبهة ما لسبب ما فعليه أن يبادر للتوضيح وتجلية حقيقة الأمر لكل من رأى تلبسه بالشبهة كي يدفع عن عرضه ويرحم إخوانه من إساءة الظن.. جاءت صفية رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو معتكف، ثم قام يقلبها -أي يردها- إلى بيتها فمر بهما رجلان فأسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً. رواه البخاري.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كيف أن على المسلم أن يدفع عن نفسه الشبهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(9/3241)
الفرق بين الاستطالة في العرض والزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اعلم مدى صحة الحديث الشريف.
- الربا بضع وسبعون درجة أدناه أن يزني الشخص بأمه في البيت الحرام وأعلاها أن يؤذي الرجل المسلم أخاه المسلم.
الأشكال الذي وقع لي هو أني أظن أن الزنا ولو بغير المحارم اشد من الغيبة أو أذية المسلم (السب ,الشتم, الضرب) لأن في الزنا تؤذى المرأة ويؤذى جميع أهلها في عرضهم, فأنا أفضل أن يغتابني أحدهم أو يسبني أو حتى يضربني على أن يمس زوجتي أو والدتي أو أختي. والله أعلم.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة ألفاظ، فقد أخرجه البزار عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: الربا سبعون بابا، والشرك مثل ذلك.
وأخرجه عنه ابن ماجه بلفظ: الربا ثلاثة وسبعون بابا.
وأخرجه الحاكم عنه، وزاد فيه: أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم.
وأخرجه الطبراني في الأوسط عن البراء رضي الله عنه بلفظ: الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه. والحوب الإثم.
ففي مجموع هذه الروايات ما يدل على أن إثم الاستطالة في عرض المسلم بسب وشتم وقذف ونحو ذلك أعظم من إثم الزنا ولو بالمحارم، ولكن ليس من كل وجه، ولذلك قال الألوسي في روح المعاني: والأصح أن الذي يلي الشرك هو القتل ثم الزنا، وخبر: الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الإسلام الظاهر كما قال ابن حجر الهيتمي أنه لا أصل له، نعم روى الطبراني والبيهقي رضي الله عنهما: الغيبة أشد من الزنا. إلا أن له ما يبين معناه، وهو ما رواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن جابر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما: إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل ليزني فيتوب الله تعالى عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه، فعلم منه أن أشدية الغيبة من الزنا ليست على الإطلاق، بل من جهة أن التوبة الباطنة المستوفية لجميع شروطها من الندم من حيث المعصية والإقلاع وعزم أن لا يعود مع عدم الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها مكفرة لإثم الزنا بمجردها بخلاف الغيبة، فإن التوبة وإن وجدت فيها هذه الشروط لا تكفرها، بل لا بد وأن ينضم إليها استحلال صاحبها مع عفوه، فكانت الغيبة أشد من هذه الحيثية لا مطلقا، فلا يعكر الحديث على الأصح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(9/3242)
متى يجوز اللجوء إلى الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سألني أحد عن شيء ما يخصني وكذبت عليه لأنني لا أريده أن يطلع على ما يعنيني وأنا أري أنني إذا كذبت لا أضره في شيء كذلك أرى أن الإنسان ليس من حقه أن يتطلع على ما يخص الآخرين بغرض معرفة الشيء ومن ثم نشر أخبار الناس فهل سيحاسبني الله سبحانه وتعالى لأنني كذبت؟
مثال (إذا كان هناك شخص مريض بمرض مستعص وأهله لا يريدون أن يخبروا أحدا عن طبيعة مرضه ويقولون إن به مرض عادي يرجى شفاؤه والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام، ولا يجوز اللجوء إليه إلا عند الضرورة أو المصلحة الشرعية المعتبرة وعند عدم إمكان التورية والتعريض، ففي التعريض مندوحة عن الكذب، وراجعي التفاصيل في الفتاوى التالية: 1126 / 46051 / 47381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(9/3243)
الأدلة على فضل الإتقان في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو فضل إتقان العمل وما هي الأحاديث الدالة على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إتقان العمل وإحسانه من الدين، سواء كان العمل عبادة أو عادة، دلت على ذلك الأدلة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
قول الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:95] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء. رواه مسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين. رواه أبو داود، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. رواه الطبراني، وعلى هذا فلإتقان العمل وإحسانه فضل عظيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(9/3244)
منزلة الحياء من الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[نصف جمال المرأة حياؤها\" هل هذا حديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه لم نقف على كونه حديثا نبويا بعد البحث عنه في مظانه.
وتعريف الحياء قد ذكره الحافظ ابن حجر بقوله: قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا، وقلما يكون الشجاع مستحيا. انتهى.
وقد ثبت الترغيب في الحياء بالمعنى المذكور، ويشمل ذلك الرجال والنساء، ففي صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان.
وفي سنن الترمذي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما كان الحياء في شيء إلا زانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/3245)
في المعاريض كفاية عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في البكالوريوس هندسة وأقوم أنا ومجموعه من زملائي بعمل مشروع التخرج (ماكينة قص) وقد كلفوني بعمل جزء معين في هذه الماكينة وقد قمت بعمل هذا الجزء بالفعل في مصنع أحد أقربائي وقد رفض أن يتقاضى أجرا عن هذا العمل وقلت لهم هذا وعندما طالبتهم بأن يخصموا ثمن ما قمت من عمل من نصيبي في تكلفه المشروع رفضوا فقلت لهم إن أبي قام بمحاسبة قريبي هذا وأخذت منهم ثمن التكلفة وهذا لم يحدث، فماذا أفعل الآن؟ هل أرد عليهم ما دفعوه لي أم لا؟
أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك رد المبلغ إلى زملائك، لأنك مستحق له عوضا عن العمل الذي قمت به، إذ أن قريبك الذي صنع لك هذا الجزء من المكينة قد وهبك إياه فصار ملكا لك، وجاز لك المعاوضة عليه مع زملائك، لكن ما كان ينبغي لك أن تكذب وكان بإمكانك استعمال المعاريض (التورية) فإن فيها مندوحة عن الكذب.
فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. وقال عمران بن حصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواهما البخاري في الأدب المفرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/3246)
تريد أن تفتش أغراض خادمتها لشكها فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا خادمة في البيت وأحلم كثيرا أني أتشاجر معها وفي مرة من المرات حلمت أنها تقرأ أشياء بصوت خافت على ماء وترش علي وأنا كنت خائفه وأقرأ المعوذتين وسؤالي هل يجوز تفتيش أغراضها من دون علمها؟
وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الخادمة المذكورة مسلمة ملتزمة بدينها وقائمة بعملها ... فلا يجوز لك اتهامها أو ظن السوء بها أوالتجسس عليها والتعدي على متاعها لمجرد أنك قد حلمت حلماً ربما يكون من الشيطان الذي هو أخبث عدو للإنسان وأخطره، وأعراض المسلمين محترمة ولا تنتهك بالأحلام ولا الأوهام.
وقد حذر الله عز وجل من ظن السوء بالناس والتجسس عليهم، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا (الحجرات: من الآية12) .
وأما إذا كانت هناك أدلة وقرائن أخرى فالأحسن فصلها عن العمل والتخلص منها.
وننبه السائلة الكريمة أن الشكوك والأوهام لا يدفعها التفتيش أو غيره، وإنما يدفعها ذكر الله تعالى، وأداء الفرائض واجتناب المحرمات ومداومة أذكار الصباح والمساء، فهي التي تدفع الشر وتقي من السحر والعين والجن والحسد..
فبذكر الله تعالى تستجلب طمأنينة القلب وراحة النفس كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد:28) ، كما نرجوالرجوع إلى الفتوى رقم: 18210 لمعرفة أحكام استقدام الخادمات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/3247)
يشتد إثم السب إذا كان المسبوب له حق خاص على الساب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج ولدي طفلان تزوجت بأخرى فقامت زوجتي بإحضار إخوتها واعتدوا علي بالضرب أمام أولادي مع سماعي لها وهي تسبني هي وأمها فما الحكم لهذه الزوجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ضرب المسلم ظلماً وسبه كبيرتان من كبائر الذنوب للوعيد الوارد على من فعل ذلك، فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا. وقال: لا يقفن أحدكم موقفاً يضرب فيه أحد ظلماً، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه. رواه الطبراني.
وفي شأن السب يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
ونهى القرآن الكريم عن أذية المؤمن بقوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (الأحزاب:58) ، ولا شك أن السب من أشد أنواع الأذية، ويشتد الإثم إذا كان المسبوب له حق خاص على الساب كالزوج والأب ونحو ذلك.
وعلى هذا؛ فالواجب على جميع من ذكرت أن يتوبوا إلى الله تعالى من ضربهم وسبهم لك بغير حق، وندعوك إلى العفو والصفح عنهم طلباً للأجر من ربك جل وعلا حيث يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: من الآية134) ، وقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (الشورى:43) ، بل قابلهم على ذلك بالإحسان، ثم إن عليك أن تقنعهم بلطف بأن ما صدر منك هو شيء يقره الشرع كما هو مبين في الفتوى رقم: 1469، والفتوى رقم: 2600.
وعلى زوجتك أن ترضى به وتقبله خاصة وأنها قد أنجبت منك أولاداً، وإثارتها للمشاكل قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
أما بخصوص ذهاب أبويك إلى السحرة والدجالين فهو أمر لا يجوز كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 17266 / 21278 / 14231
وعليه؛ فيجب عليك نصح أبويك وإقناعهما بالتخلي عن هذه المعصية، وليكن ذلك بحكمة ولين لما يجب للأبوين من حق الأدب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/3248)
لا يجوز تكذيب المخبر الثقة ما لم يثبت كذبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما كفارة من ينشر خبراً دون أن يثبت من صحته، والخبر المعني ما نشره بعض الإخوة هداهم الله عن العثور على هيكل عظمي لإنسان طوله 10 أمتار (مما يثبت، في زعمهم أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طول سيدنا آدم عليه السلام صحيح ويؤيده العلم!، أو أن العالم الفلاني قال في ندوة من الندوات كذا وكذا، دون أن يذكر الأخ الكريم عنوان هذه الندوة ولا تاريخها ولا مكان انعقادها..، إن هذه الآفة كثرت في أيامنا هذه بسبب تعميم الإنترنت، المرجو من علمائنا الأجلاء أن يوضحوا لنا هذه المسألة عسى أن يزدجر بعض من ينشر معلومات غير موثقة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلق الله تعالى آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعاً؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً....
ولا مانع من العثور على جثة طولها عشرة أمتار ولا يجوز تكذيب المخبر الثقة بذلك إلا بعد التثبت والتبين من كذبه، لأن العثور على مثل هذه الجثة ممكن، وفي حالة تبين كذب المخبر فإنه يجب عليه أن يتوب إلى الله جل وعلا من الكذب والدعايات الكاذبة، وعلى من علم بذلك أن ينصحه ويذكره بسوء عاقبة الكذب، فقد روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه:.... وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو عن بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق..
وكذلك من أخبر عن ندوة معينة لبعض العلماء فإنه قد يكون صادقاً ولا يلزمه أن يذكر تاريخها ولا مكان انعقادها، وقد يكون كاذباً ولو ذكر تاريخاً أو مكاناً، فالمدار على صدق الرجل أو كذبه، فإن علم كذبه لزم نصحه كما سبق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/3249)
حكم كذب الولد على أبيه لأجل طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يسألني أبي عن المكان الذي أذهب إليه ومن أصاحبه، إن قلت الحقيقة
وبخني، علما يا شيخ أنني شاب ملتزم، وأبي لا يريد لي مصاحبة أصحاب اللحى والذهاب إلى الأماكن التي يكون فيها الدروس الدينية، خوفا من الاعتقالات التي يتعرض لها بعض الإخوة من طرف السلطة، هل يجوز لي الكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ذهابك إلى الأماكن التي ينهاك عنها أبوك ضرورياً فلا مانع منه، ولتستخدم مع والدك المعاريض خروجاً من الكذب الصريح، لأن الأمر إذا كان ضرورياً فلا حق للوالد في منع ولده منه، كأن يخرج لحماية ماله من الضياع، أو لتحصيل علم ضروري لا يسع المسلم جهله ونحو ذلك من الأمور التي يتضرر الولد بطاعة والديه فيها، وراجع الفتوى رقم: 44804 أما إذا كان ذهابك إلى تلك الأماكن وصحبة هؤلاء الأشخاص لا ضرورة تدعو له، فالواجب تقديم طاعة الوالدين هنا خصوصاً إذا كانا قد أبديا وجها مناسباً، وأطلع أباك على الفتوى رقم: 3198.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/3250)
كلام الأم لأطفالها بغير الحقيقة هل يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا تود أمي الذهاب إلى زيارة بعض الاقارب، تضطر أمي إلى الكذب على إخوتي الصغار وإلا بكوا فمثلا تخوفهم بأنها ذاهبة إلى الطبيب، وذلك تجنبا للفوضى التي قد يقومون بها عند الأقارب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام في الأصل، ولا يجوز لأحد أن يبتدئ به أحداً، لكن قد يضطر المرء أحياناً إلى الكلام بغير الحقيقة تحصيلاً لمصلحة أو درءاً لمفسدة، أو دفعاً لظلم، وقد أجاز العلماء في مثل هذه الأمور الكذب، لكن لا ينبغي اللجوء إلى الكذب الصريح مع إمكان استخدام المعاريض، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36684 / 1126 / 39152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1425(9/3251)
خادمتها تريد أن تشتري هاتفا نقالا بمالها وهي لا تريد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي خادمه عمرها الآن 24 عاما وربيتها منذ كان عمرها 8 سنوات ولذا هي تعتبر كابنه لي وأنا ادخر لها بعض المال القليل من راتبها حيث إن والداتها تأخذ جزء كبيرا منه وهي الآن تطلب مني أن اشتري لها جهاز موبايل ولو قمت بذلك سيكون تقريبا بكل ما أدخره لها حيث إنه مبلغ ليس كبيرا وما يتبقى من أجرها شهريا ستقوم بالصرف منه على الموبايل من شراء كروت للرصيد وأنا أمانع ذلك حفاظا مني علي مالها حيث أعتبر نفسي المسئولة الأولى عن توجيهها والمحافظة عليها وخاصة أنها ليست في حاجة نهائيا لشراء الموبايل أو حتى استعماله وعندما أسألها ترد بأنها مجرد نفسها فيه كما أني أخشى أن يقوم أحد الشباب بالضحك عليها بسبب سرقة الموبايل منها كما أخشى أيضا من عاقبة تصرفاتها حيث إنك تعلم أن الموبايل يفتح سككا كثيرة نحن في غني عنها وخاصة أنها في سن تريد الزواج - مع العلم بأني لا أحرمها من أي شئ تريده سواء من مالها أو أشتريه لها من مالي الخاص محافظة علي مالها لكن عندما أرى أنها في حاجه له أو لا مانع من اقتنائه - وأن من خوفي من الله سبحانه وتعالى قد تماديت في تلبيه أغلب طلباتها وقد تعودت هي علي ذلك وخاصه أنها يتيمة - ولكنها تبكي عندما أقول لها إني أرفض أن أشتريه لها وهي أولى بنقودها يوم تتزوج وهي تجيب أنها لا تريد هذا المال وأشعر بنوع من التفاهة وعدم تحمل المسئولية في ردها مع العلم بأنه لن يتبقى لها من راتبها ما تدخره بعد شرائه - وسؤالي هل أنا مخطئة وهذا حقها وهي حرة في مالها حتي لو ضاع في هذه التفاهة فإني أخشى على مالها من الضياع كما أني أخاف عليها من أولاد الحرام كما يقولون - وهناك شيء أخر فهي من الفلاحين وأنا ربيتها بطريقة غيرهم نهائيا مما يجعلني في بعض الأحيان أشعر بالذنب لأنها الآن لن تستطيع أن تعيش معهم ثانيا وعندما تذهب لزيارتهم ترجع مريضة وترفض أيخاطب يتقدم إليها منهم وردها أنها لن تستطيع العيش في هذا المكان وأشعر بأني عندما ألبي لها هذا الطلب أظلمها أكثر وأعودها على عادات أخرى تصعب معها حياتها فيما بعد - أفيدوني جزاكم الله هل أنا مخطئة وأحمل برفضي هذا وزرا - أم أني محقة في ذلك ومسئولة عن مالها مع العلم بأني أخبرتها بأني سوف أعطيها مالها وهي حرة التصرف فيه حتى لا أحمل وزرها وتفعل به ما تشاء وإني غير راضية عن شراء الموبايل وكان ردها أنها لا تريده ولن تشتريه إلا برضائي حتى لو المال معها هي -- ماذا أفعل وهي تبكي كلما تكلمنا في هذا الموضوع وهل أنا بذلك آثمة؟ أفيدوني جزاكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما تفعلين مع هذه البنت من منع شراء الهاتف اليدوي (الجوال) هو الصواب والسداد إن شاء الله تعالى، وخاصة أن قصدك الحفاظ على ما لها من الضياع والمحافظة على خلقها ودينها من الفساد.
فالهاتف النقال قد يكون وسيلة للضرر والفساد، وخاصة إذا كان عند شخص غير رشيد لا يعلم كيف يتصرف، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولا مصلحة لهذه البنت في شراء الجوال، لأن بإمكانها إذا أرادت أن تتصل بأمها ورحمها أن تتصل بهم بوسيلة أخرى، وسد ذرائع الفساد معتبر في الإسلام، ولكن مع هذا لا يجوز الحجر على هذه الفتاة من التصرف في مالها إذا كانت رشيدة، ولكننا ننصحك بعد تقوى الله تعالى أن تقنعي هذه البنت اليتيمة التي جعلها الله تعالى تحت يدك بأن ما تفعلين معها هو بقصد مصلحتها.
كما ننصحك بتربيتها على طاعة الله تعالى وأداء الفرائض واجتناب النواهي، فإن ذلك أعظم معين لك على إقناعها بكل ما توجهينها إليه من خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/3252)
أختهم تسيء معاملتهم فماذا يصنعون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي الكرام....
لدينا أخت كل يوم بحال وأسلوبها همجي ولا تعير
أحدا أي احترام وكل يوم بحال وهي غير متزوجه وتعمل بمكان حكومي ما العمل معها هل نقاطعها
لفترة لعلها تعود لصوابها أم ما العمل....؟؟؟؟
أعطونني حلا لي ولباقي إخوتي.....وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يتصف بحسن الخلق في أقواله وأفعاله ومعاملاته.. وخاصة مع أقاربه وجيرانه، وبصورة أخص مع والديه وإخوانه.
قال الله تعالى: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً] (البقرة: 83) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة. رواه الترمذي.
وينبغي لهذه الأخت أن تتحلى بمكارم الأخلاق وأن تحترم إخوانها وأقاربها حتى تنال احترام الجميع، وتمتثل أوامر الله تعالى.
والذي ننصحك به أخي الكريم أنت وإخوانك أن تتحلوا بالأخلاق الفاضلة وتعاملوا بها الناس جميعا، وخاصة أختكم.
فقد قال الله تعالى: [وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] (فصلت:34)
وفيما يخص عمل الأخت المذكورة في الدوائر الحكومية، فعليها أن تتحلى بالآداب الإسلامية وتحذر من الخلوة بالرجال ومخاطبتهم، والخضوع بالقول معهم.
وأما هجرها إذا ارتكبت حراما، فأمر راجع إلى المصلحة، فإن كان هجرها سببا لصلاحها هجرت، وإلا، فلا.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 5181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1425(9/3253)
الحقد..تعريفه..آفاته.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخ أصغر مني وهو يكره جميع زملائه في المدرسة وعندما نسأله لمذا تكرههم يقول لا أدري أحقد عليهم، فهل هو عاص لربه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحقد مرض نفسي يصيب بعض الناس، وله ثمرات ثمان ذكرها العلماء كما في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وهي:
1- الحسد وهو تمني زوال النعمة عن الغير.
2- إضمار الحسد، فيشمت بما أصابه من بلاء (وهذا أخف مما قبله) .
3- هجرانه.
4- الإعراض عنه استصغارا ً.
5- الكلام فيه بما لا يحل.
6- محاكاته استهزاء وسخرية.
7- إيذاؤه بالضرب.
8- منعه حقه.
فمن ابتلي بالحقد فعليه أن يحترز من الوقوع في أي شيء من هذه الآفات الثمانية، ويستثقل ما يجد في نفسه من بغض الآخرين، ويدعو الله أن يصرف عنه ذلك، ويحرص –ما استطاع إلى ذلك سبيلا- أن يوصل الخير إليهم، فذلك من أنجح علاجات الحقد، وعسى أن لا يكون على المرء حينئذ إثم لأن فعل القلب ليس من كسب الإنسان، وأما إن حمله الحقد على ارتكاب شيء من الآفات المذكورة فهو آثم والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(9/3254)
ذكر المحاسن قد يكون غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً، أخي أود السؤال: عن حكم التكلم عن الأخ أو الأخت بمحاسن صفاته أي ذكر الجميل فيها من أخلاق أو شكل وهذا الذكر يكون بين النساء وليس لرجل، السؤال: هل يعتبر غيبة أم ماذا، أود ذكر الدليل أين وجد مع السند؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة قد عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
والمعروف أن ذكر محاسن الشخص لا يسوؤه عادة، ولكن لو عرفت أنها تسوؤه كما لو كان في مجال المقارنة بينه وبين غيره مثلاً، لما جاز ذلك ولكانت غيبة، لأن ضابط الغيبة، كما قدمنا هو ذكر الشخص بما يكره، ولم يقيد بالمحاسن أو المساوئ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(9/3255)
المبالغة في القول وحكاية الحادثة بالمعنى ليس من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في بعض المرات خلال لغو الحديث يحصل كذب أو مبالغة دون قصد بالكذب فمثلا
عند التأخير دقائق نقول تأخر سنة أو مائة سنة بقصد المبالغة فأقول إني أنتظرك من سنة والقصد أنه تأخر علي فهل هذا كذب يعتبر؟
وفي مثال ثان أنقل لأحد قصة حصلت معي فتجدني أحرف الذي حصل دون قصد ودون تغيير المعنى لكن يخرج مني كلام عفوي وغير مقصود مع احترازي المسبق فهل هذا يعتبر كذبا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كنا عرّفنا الكذب من قبل وبينا أقسامه وأحكامه، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 26391.
وما ذكرته لا يعد كذبا، فأما الأول فهو من المبالغة، وهو صورة من صورة المجاز، والمجاز أحد فروع البلاغة، وجاء في كتاب الله العزيز: [وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً] (مريم: 4) . ومعناه شاب شعر رأسه بتحوله من السواد إلى البياض، وهي أبلغ عبارة يمكن أن تساق في هذا المعنى.
وأما النوع الثاني: وهو رواية القصة بغير اللفظ الذي سيقت به مع الاحتفاظ بنفس المعنى، فهو أبعد ما يكون عن الكذب، فقد أجاز أهل العلم أن يُروى الحديث بمعناه، وإذا كان الأمر كذلك، فأحرى بالقصة من الكلام العادي أن تجوز حكايتها بالمعنى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/3256)
العهد المعلق على شرط يلغى باختلاله
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم عاهد مسيحية إن أسلمت سيتزوجها، واتفق معها على مدة أقصاها ثلاثة أشهر كي تأتي ليتزوجها (علما أنها متزوجة من مسيحي) ففارقت زوجها ولم تأت في المدة المحددة كما أنها لم تسلم.
السؤال: هل هذا العهد ملزم لهذا الرجل المسلم مدى الحياة رغم إخلال المسيحية بشرط العهد. أم أنه طالما أنها لم تلتزم بشروط العهد، يرفع الحرج على الرجل المسلم، ولا شيء عليه.
وإن كان هناك كفارة: ما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوفاء بالعهد واجب قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ (النحل: من الآية91) ، وقال صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
وإذا كان هذا العهد معلقاً على شرط فلا يلزم الوفاء به إذا اختل هذا الشرط، كما هو الحال في السؤال حيث شرط للوفاء بهذا العهد أن تأتي هذه المرأة خلال ثلاثة أشهر وأن تسلم.
وعليه؛ فإن هذا العهد لا يلزم هذا الشخص مدة حياته، لأنه قد علقه على مجيئها مسلمة خلال ثلاثة أشهر، وهذا ما لم يحصل، فيكون العهد قد أصبح لاغياً، ثم إنه يجب التنبه إلى أن المرأة إذا أسلمت وحكم بأنها تفارق زوجها الكافر، فلا بد من استبرائها قبل الزواج بها، ثم إن زوجها إذا أسلم وهي لا تزال في مدة الاستبراء فهو أحق بها، وراجع الجواب رقم: 26129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(9/3257)
أهمية الوقت في حياة المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أهمية تربية احترام الوقت في الإسلام؟ وما هي الأسئلة التي يتم من خلالها معرفة مدى احترام الشخص لوقته؟
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للوقت أهمية عظيمة في الإسلام ومكانة خاصة في حياة المسلم، فالوقت هو الحياة، وتضييعه في ما لا يعود على المسلم بمنفعة دينية أو دنيوية خسارة للحياة، ولهذا نبه الله عز وجل في القرآن الكريم على أهمية الوقت، فأقسم سبحانه وتعالى بأجزاء الوقت في محكم كتابه في غير ما آية، فأقسم بالليل والنهار والفجر والعصر، وذلك تنبيها على أهميته.
كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أهميته فقال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ. رواه البخاري. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه.... الحديث. رواه البخاري.
ويعرف احترام الشخص لوقته من خلال معاشرته ومخالطته والنظر في كيفية قضائه لأوقاته واستغلالها وحرصه على عدم إضاعتها وتجنبه لمجالس اللغو والغفلة، وتنظيم أوقاته بين العبادة وأداء حقوق الآخرين والسعي لطلب الرزق وطلب العلم وحضور مجالس العلماء وعدم الإكثار من النوم، إلى غير ذلك من السلوكيات والأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1425(9/3258)
من أخلاق الجاهلية التي أقرها الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي التصرفات أو الأعراف التي كانت موجودة في الجاهلية قبل الإسلام وأقرها الإسلام واستمرت إلى يومنا هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتصف العرب في الجاهلية بجملة من الأخلاق، أقر الإسلام ما كان حميداً منها، ومن بينها:
1-الوفاء بالعهد، حيث كان العهد عندهم ديناً يتمسكون به، ويبذلون في سبيله كل غال ونفيس، وقد مدح القرآن أصحاب هذه الصفة فقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا (البقرة: من الآية177) .
2-الحلم والأناءة، فقد كانوا يمدحون من يتصف بهما، وقد قال الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس (آل عمران: من الآية134) ، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد قيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة.
3-الكرم والضيافة، فقد بلغوا في ذلك مبلغاً لم يصل إليه غيرهم من الشعوب.
إلى غير ذلك من الأخلاق التي يصعب حصرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1425(9/3259)
نكث العهد من خصال النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النكوث بالعهد والخيانة، مع الاستشهاد بالكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوفاء بالعهد واجب، ونقض العهد وعدم الالتزام به والخيانة له من المحرمات، قال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل:91] ، وقال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21038، 25974، 29746.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(9/3260)
حكم الهجر يدور مع ما يترتب عليه من مصلحة ومفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقاربي مدير كبير وعدني بأن يضعني في منصب بالعمل المناسب (عندي دبلوم الإعلام الآلي) فلم يف بوعده مدة 3 سنوات، وأنا أعمل عملاً شاقاً لا يناسبني وهو تنظيف الطرق، مع العلم اتضح لجميع العمال أن له علاقة مشبوهة مع إحدى الفتيات التي أدخلت أخاها في مكتبه وهو لا يحمل أي شهادة أو دبلوم، كيف أتعامل معه أهجره أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوفاء بالوعد مستحب عند جمهورالعلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الوفاء بالوعد، والراجح من ذلك أن الوفاء بالوعد واجب إذا ترتب على خلفه ضرر يلحق بالموعود، كما بيناه في الفتوى رقم: 12729.
وبناء على ذلك فإن الواعد إذا تمكن من الوفاء بوعده ثم أخلف وترتب على ذلك ضرر بك فإنه يأثم، ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ويتدارك ذلك إن أمكنه تداركه، فإن لم يمكنه تداركه فلا شيء عليه سوى أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، أما إذا لم يترتب عليك ضرر فلا شيء عليه لأنه باقٍ حينئذ على حكم الاستحباب.
علماً بأنه لا يجوز اتهام الشخص المذكور ولا غيره بأي شيء من النقائص إلا إذا كان ذلك ببينة، والبينة في إثبات علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، هي شهادة أربعة شهداء برؤية ذلك، ولا يجوز اتهام أحد بشيء دون الزنا كذلك.
كما لا يجوز إشاعة ذلك بين الناس إذ لا فائدة منه إلا الفضيحة، وقد نهانا الله عن نشر ذلك وإشاعته فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور:19] .
أما عن هجر قريبك، فإن ذلك لا يحق لك إذا كان خلفه للوعد بسبب عدم تمكنه من الوفاء، أما إذا كان خلفه بعد التمكن من الوفاء فيجوز لك هجره إن كان في ذلك زجر له، إذ الراجح أن حكم الهجر يدور مع ما يترتب عليه من مصلحة أو مفسدة، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5640، 20346، 25079.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1425(9/3261)
ذكر المساوئ لمصلحة معتبرة شرعا جائزة
[السُّؤَالُ]
ـ[أهل زوجي أناس طيبون ولكنهم يؤذونني (وأحياناً يؤذون زوجي أيضاً) بكلامهم وسخريتهم حتى أنه يصل أحياناً إلى إيذاء أهلي بهذا الكلام، في غير وجودهم، وهذا يزعجني كثيراً وأحيانا يؤدي بي إلى البكاء، ولا أشكو إلى زوجي من أهله لخوفي على شعوره لأنه يعاملني بإحسان، ولكني أشكو لأمي من سوء تصرفات أهله دون أن أخبرها أنهم قالوا أي شيء عنهم (عن أهلي) وتقوم والدتي بطمأنتي وتوصيتي بالصبر، فهل ما أفعله بإخبار والدتي عما يضايقني من أهل زوجي يعتبر من الغيبة، وما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يصلح حالك ويفرج همك، ثم إننا ننصحك بالصبر ومقابلة تلك السخرية والأذية بالإحسان، وذلك رغبة في الأجر من الله عز وجل، ثم إكراماً لزوجك الطيب الذي صرحت أنه يعاملك بالحسنى.
أما بخصوص شكوى همومك إلى أمك، فإن كان القصد منه استجلاب النصح منها والإرشاد إلى أحسن الطرق لقطع هذه الأذية فلا حرج في ذلك -إن شاء الله تعالى- ما دمت تعجزين عن حل هذه المشكلة بمفردك، وذلك أن ذكر المساوئ لمصلحة معتبرة شرعاً جائزة؛ لما في مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له.
إما أن كان القصد من هذه الشكوى مجرد ذكر مساوئ أصهارك بسوء خلقهم فهذا لا يجوز شرعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1425(9/3262)
إنقاذ المسلم من الرذيلة لا يكون بالسحر والشعوذة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أشكركم جزيل الشكر على كل ما تقدمونه لنا من خدمات
لي أخ يعيش مع أجنبية في الحرام وأمه يقلقها الأمر كثيرا وفكرت بالذهاب إلى أحد الفقهاء ليكتب له كي تبتعد عنه وتريد أن تعرف هل هذا الأمر يدخل في باب الشعوذة مع العلم بأن نيتها صافية تريد فقط إنقاذه ليتزوج بمسلمة؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين بقولك: لي أخ يعيش مع أجنبية في الحرام..... أن هذه المرأة من أهل الكتاب وهو متزوج بها زواجاً شرعياً فلا شيء عليه، وليس بالضرورة أن يتزوج بامرأة مسلمة، وإن كان يكره له الزواج من الكتابية، وإن كنت تقصدين أنه يعيش معها بغير نكاح شرعي، فهو واقع في الزنا وعليه التوبة إلى الله عز وجل من ذلك، وينبغي لك ولأمه ولكل مسلم علم بحاله انتشاله من هذا المستنقع الذي هو فيه، والرقي به إلى الهداية والأخلاق الفاضلة، والاستغناء بالحلال عن الحرام بالطرق والوسائل المباحة، أما استعمال السحر أو الكهانة لإنقاذه مما هو فيه لا يجوز، لأن السحرة والكهنة يستخدمون الجن ويسلطونهم على الشخص المراد، وفي ذلك من الضرر عليه والتعرض لسخط الله ما لا يخفى، فإتيان العرافين والسحرة من كبائر الذنوب فكيف يصح من مسلم أن يخلص مسلماً من ذنب بارتكابه هو ذنباً مثله أو أكبر، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 42017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/3263)
حكم شراء الأرقام المميزة (للسيارة والجوال)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شراء الرقم المميز (للسيارة أو الجوال)
حرام أو يعد من الإسراف علما بأن بعض الأرقام تصل قيمتها 10000 وأكثر وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن شراء ما يسمى بالأرقام المميزة (للسيارة والجوال) من الإسراف والتبذير، لأنه لا حاجة لذلك، وقد سبق في الفتوى رقم: 19064 والفتوى رقم: 39946 حكم الإسراف، وأنه محرم، فارجع إليها.
ويعد هذا من إضاعة المال الذي أمر الله بحفظه في آيات كثيرة مبينة في الفتوى رقم: 9266.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/3264)
مشروعية الكذب في الحرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كذب القائد على الجنود في حالة الحرب لرفع معنوياتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب كبيرة من الكبائر، إلا أنه قد يباح لتحقيق مصلحة شرعية، ومن جملتها الكذب في الحرب، لما روى الترمذي وصححه الألباني عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذباً الرجل يصلح بين الناس، يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. قال صاحب عون المعبود نقلاً عن الخطابي: والكذب في الحرب أن يظهر من نفسه قوة، ويتحدث بما يقوي به أصحابه، ويكيد به عدوه.
وانظر الفتوى رقم: 1052.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1425(9/3265)
مجالات الرفق وعلاماته
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا اراد الله الخير بأهل بيت أدخل عليهم الرفق, فما هي علامات الرفق وكيف يكون وفيم يكون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وعلامات الرفق هي:
لين الجانب. – ولطافة القول. – وإحكام العمل.- والقصد في السير. – وطلاقة الوجه. –والتبسم في وجوه الناس. ونحوها.
والرفق مستحب في كل شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. أخرجه البخاري عن عائشة.
ولكنه يتأكد في الأمور الآتية:
1- ... ... الرفق بالوالدين: لقوله تعالى: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً] (الاسراء:23-24) .
2- ... ... الرفق بالزوجة والأولاد، لقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله. رواه الترمذي وغيره.
3- ... ... الرفق بالجار. لقوله تعالى: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ] (النساء: 36) .
4- ... ... رفق الإمام بالمأمومين، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير. رواه البخاري.
5- ... ... الرفق في تغيير المنكر، وتدل على ذلك أحاديث منها حديث بول الأعرابي في المسجد. فعن أبي هريرة أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأهريقوا على بوله ذَنوبا من ماء أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. رواه البخاري. قال النووي في شرح مسلم: وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا أو عنادا.
6- ... ... الرفق بالخدم، وتدل عليه أحاديث، منها ما أخرجه البخاري عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم.
7- ... ... الرفق بالحيوان، وفيه أحاديث منها: حديث أخرجه مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا، أي هدفا ترمون إليه.
ومن خلال علامات الرفق السالف ذكرها يتبين كيف يكون الرفق وفيم يكون؟ نسأل الله سبحانه أن يهدينا لأحسن الأخلاق.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(9/3266)
الكذب ليس من خلق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تلميذ أدرس في المدرسة, فيوم الأربعاء أخرج دائما مع الساعة 16.20 من المدرسة.
المشكلة هي أن صلاة الظهر تفوتني في هذا اليوم.
فتارة أكذب علي المعلم وأقول له\"إنني مريض\", لكي أؤدي صلاة الظهر قبل أن يداهمني وقت العصر.
<هل يجوز الكذب في هذه الحالة>, وبارك الله فيكم.
الرجاء, أريد الجواب في أسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يقدم على الكذب إلا لضرورة لا يمكن دفعها دونه، وذلك لما يدعو إليه الكذب من الفجور، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وبناء عليه، فلا يجوز للمرء أن يكذب، ولكن يمكنه أن يوري، بأن يأتي بلفظ يحتمل معنى آخر بعيدا وهو المقصود عنده، فإذا قال مثلا إنه كان مريضا يكون قصده إلى مرض سابق وهكذا..
فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن عمران بن حصين قال: إن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب. وأخرجه الطبراني، ورواته ثقاة.
وإذا لم يجد المرء شيئا يغنيه عن الكذب، بأن لم تفد التورية، فله أن يكذب حينئذ إذا خاف على نفسه أو على غيره الأذى الشديد، وراجع الفتوى رقم: 7432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(9/3267)
السمات المميزة للمتكبرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي علامات المتكبر، أو ما هي سمات المتكبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكبر قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. فهاتان الصفتان من أعظم صفات المتكبرين وهما:
1- بطر الحق، أي رده.
2-غمط الناس، أي احتقارهم.
وله علامات أخرى كثيرة، فمنها: أن يحب قيام الناس له عند قدومه أو بين يديه، كما هو عادة الظلمة.
ومنها: أن لا يمشي في خارج بيته سيما في أسواق مدينته إلا ومعه غيره يمشي خلفه، أو هو راكب والغير يمشون.
ومنها: أن لا يزور غيره لاسيما أمثاله.
ومنها: أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه فراراً من إيهام تساوي المنزلة معه.
ومنها: أن يتوقى مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشاها لذلك لا لتوقي العدوى.
ومنها: أن لا يتناول بيده شغلاً في بيته.
ومنها: أن لا يحمل متاعه إلى بيته بنفسه.
ومنها: أن يستنكف عن لبس الدون من الثياب.
ومنها: أن يستنكف عن إجابة دعوة الفقير وأن يحضر إلى ضيافته.
ومنها: أن يستنكف عن قضاء حاجة الأقرباء والرفقاء من الأهل والأولاد في السوق، خصوصاً شراء الأشياء الخسيسة كالصابون والحناء والنورة ونحو ذلك.
ومنها: أن يثقل عليه تقدم الأقران في المشي والجلوس.
ومنها: عدم قبول الحق عند مناظرة الأقران لئلا يظن الناس عدم أعلميته ويسقط من نظرهم.
ومنها: عدم الاعتراف بخطئه مع أنه يعلم كونه في خطأ، وعدم الشكر لصاحبه على إعلامه وإرشاده إلى الحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(9/3268)
حكم من يبصق على الناس عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يبصق على الناس عند الغضب.
وشكراًَ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغضب هو أحد الانفعالات النفسية المذمومة، أخرج البخاري والترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال له: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب.
وأما الذي يبصق على الناس عند الغضب، فإن كان يفعل ذلك عندما يكون في درجة منه لا يعي معها ما يفعل، فإنه حينئذ في حكم المجنون، فلا مؤاخذة عليه. روى أصحاب السنن وأحمد من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. وإن كان إنما يفعله حالة وعيه وإدراكه فهو آثم، لأن الشرع الحكيم نهى عن إذاية الناس بأخف من هذا، فعليه إذن أن يتوب إلى الله، ومن تمام توبته أن يستسمح ممن بصق عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1425(9/3269)
لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل الفتاة التي لا يتقدم لها أحد مناسب للزواج مع العلم بأنها على خلق ودين وجميلة ولكن أقاربها ينشرون عن عائلتها كلاماً يسيء إليهم وهي في قمة التعاسة وفي نفس الوقت تعاني من وجود نزيف مستمر حيث إنها لا تستطيع الصلاة فترات كثيرة تصل إلى شهور وقرر الأطباء أنها سليمة ولكن حالتها غير واضحة إنها تبكي وتعيسة جداً وتتضرع إلى الله بالدعاء ولا تعرف ماذا تفعل أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لهذه الأخت الشفاء مما هي فيه وأن يرزقها زوجاً صالحاً تسعد به في حياتها، ثم لتعلم أن أفضل وسيلة لتحقيق هذا المطلب هو كثرة سؤال الله تعالى، ثم الاستقامة على الدين لقول الحق سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق: من الآية4) ، ثم إنه لا مانع من أن تعرض نفسها أو يعرضها وليها على من ترون فيه الخير والصلاح، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 18430، والفتوى رقم: 35201، ويجب على أقارب هذه المرأة أن يتقوا الله تعالى ويعلموا أن التحدث في أعراض الناس أمر ليس بالهين شرعاً، خاصة إذا كان ذلك زوراً وبهتاناً، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (الأحزاب:58) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1425(9/3270)
ليس من البر والصلة بغض الأم والإخوة والأخوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أكتب إليك مستشيرة إياك في مشكلة تؤرقني، ألا وهي أن أختي في الرابعة عشرة من العمر، غريبة الأطوار إذ أنها طرأ عليها تغيير ملحوظ منذ بلوغها، وكان تغيراً سلبياً جداً فأصبحت لا تعي ما تقول من بذاءة الألفاظ وسوء المقال فهي ذات سلوك سيئ، فهي تتجاهل الآخرين أيا كانوا تجاهلاً تاما، فلا أم ولا أخت ولا أخ تقدره، وإليك شيئاً من خبرها: في يوم ليس ببعيد كنا مجتمعين في بيت خالتنا، ولأن أختي سريعة التأثر بالسلب والإيجاب فقد تأثرت بابنة خالتي وللأسف أصرتا في ذلك اليوم على أن تذهبا إلى بيت خالي وذلك لمشاهدة القنوات الفضائية وخاصة الـ LBC ومثيلاتها، وبعد اعتراضات من قبل الأهل حصلت هي وبنت خالتي على ما تريدان وليته لم يحصل وذلك لأنها ازدادت سوءاً فوق سوء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وللأسف بعدها حدث بيني وبينها خلاف قوي دام أسبوعاً بالإضافة إلى ما ذكرت فهي لا تحب المدرسة ولا تساعد أمي بل هي في عقوقها تعمل في بذاءة ألفاظ أو وقاحة التصرف والتعامل ولا تراعي أن من يكلمها هي أمها وليست صديقة أخطأت في حقها بل إنها في بعض الأحيان تصارحني بأنها تكره أمي، ولا هم يشغلها سوى النوم أو التلفاز وما يعرضه، ومع العلم يا شيخ بأنني أكبرها بـ 4 سنوات تقريباً فأنني أحاول أن أقابل إساءتها بإحسان، وكم مرة قالت لي إنني أكرهك، وتكون صادقه بنبرتها إلا أني أقول لها إني أحبك والجميع كذلك ولكنها شديدة الغيرة مني بسبب أنني اجتماعية، والجميع بفضل الله يحبني، وأما هي فلا أحد يكرهها ولكن تصرفاتها معنا، فأنا يا شيخ لا أحسن غير ذلك في تصرفي معها، أقابل شتمها بسكوت وبعض تصرفاتها بآيات وبعض حججهها ببراهين، فهي تلبس البنطال وعندما أكلمها وتقتنع بكلامي وبسبب تحريمه ثم ما تلبث صديقاتها أن يقنعنها بخلاف ذلك، وتأتي وتقول \"نحن نفعل كل المعاصي وقفت على البنطلون\" أو العباءة، أخيراً ما قصصت عليك ذلك إلا لثقة بفضيلتكم ولعلمي بحسن نواياكم، فإني أطلب إرشادكم لي بكيفية التصرف معها؟ حفظكم الله، وجزاكم الله خيراً، ولا تنسونا من صالح دعائكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد وقعت أختك في أخطاء كثيرة، فعقوق الأم من أكبر الكبائر، روى الشيخان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور.
وليس من البر الذي أمر الله به بغض الأم والإخوة والأخوات، ولا البذاءة والوقاحة في الأقوال والأفعال، ولا لبس البنطلون، والنظر في القنوات الخليعة، ونحو ذلك مما نسبته لها، ولقد أحسنت في مقابلتك إساءتها بالإحسان، وشتمها بالسكوت، والاستدلال على سوء تصرفاتها بآيات قرآنية وببراهين، فكل ذلك ممدوح عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] ، وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون، إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
ومثل هذا ما قاله أحد الشعراء في أبيات منها:
وأخاف إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متعاقل * يدعو المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
والذي ننصحك به هو أن تواصلي ما ذكرته من ليونة وصفح وإعراض وسكوت أحياناً حتى تنتشلي أختك، مع الدعاء لها والمعاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، ففي الحديث الشريف: فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم. متفق عليه، فأنت الرابحة من تصرفاتها هذه على كل حال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(9/3271)
اغتابت قوما وعجزت عن التحلل منهم فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التصدق بصدقة جارية واحتسابها لمن اغتبتهم، إذ أنه من الصعب علي التحلل منها من المغتاب لأمور شتى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيبة هي إحدى الكبائر التي نهى الله عنها في محكم كتابه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12] .
وروى ابن ماجه وأحمد من حديث أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرة، أما أحدهما فيعذب في البول وأما الآخر فيعذب في الغيبة.
فالواجب عليك بعد التوبة أن تتحللي ممن اغتبتهم، فإن لم تستطيعي ذلك لما يمكن أن يلحقك من الضرر منهم أو لأنهم غير أحياء، فعليك بالدعاء لهم والاستغفار، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 12890.
وأما بخصوص فعل الصدقة الجارية عنهم فلا مانع منه، لأن الصدقة هي مما يقبل النيابة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/3272)
عدم الصبر على الحماة يزيد الأمر تعقيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أكره أم زوجتي بسبب المضايقات التي واجهتها من قبل أم الزوجة والتي ما زالت مستمرة حتى الآن!!!
هل أذهب إلى منزلهم وأخبرهم عما يحدث وتحدث مشكلة بيني وبين أهل الزوجة أم ماذا أفعل أفيدوني يرحمكم الله!
إن هذه التصرفات التي ألقاها من أهل الزوجة لا ترضي الله ولا رسوله!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما فيما يتعلق بأم زوجتك فندعوك إلى معالجة أمرها بالتحلي بالصبر والخلق الرفيع نحوها، فتقابل كل مضايقاتها لك بالإحسان والصفح، ولا شك في أنك إن دمت على ذلك فترة، فإن طبعها سيتغير نحوك إلى الأحسن، واعلم أن الأخذ معها بطريق غير التي ذكرنا لا يزيد الأمر إلا تعقيدا، بل ربما أثر ذلك على علاقتك بزوجتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/3273)
صفح المرأة عن زوجها الميت من مكارم الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن تسامح المرأة زوجها بعد وفاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العفو والصفح عن أصحاب الزلات أمر محمود شرعا وطبعا، قال تعالى: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ] (الشورى:40) .
وقوله: [وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] (الشورى:43)
وقوله سبحانه: [وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] . (آل عمران: 134) .
وقال صلى الله عليه وسلم لعقبة: يا عقبة بن عامر: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد، وحسنه الأرناؤوط.
وعلى هذا، فإنه من باب الصحبة وطلب الأجر عند الله تعالى ينبغي أن تقوم المرأة بالعفو والصفح عن زوجها إذا كان قد حصل منه تفريط أو تقصير في حقوقها الواجبة لها عليه ويتأكد ذلك إذا كان الزوج قد مات، ولكن ذلك غير واجب عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/3274)
الغدر والحيلة ليسا من خلق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين, والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما.
أما بعد: شيوخنا الأفاضل أبقاكم الله خيرا للإسلام والمسلمين.
سؤالي: نحن جماعة من المسلمين ببلجيكا لدينا مكان نصلي فيه أوقات الصلاة والجمعة وغيره ... ولكننا دائما في ضيق وخاصة في الجمعات والأعياد وفي رمضان.
وبجوارنا مكان للبيع وبعد موافقة الجماعة لشراء هذا المكان المجاور للمسجد, اتفقنا مع البائع على أن نقدم له 5000 يورو كعربون مسبقا وبعد ثلاثة أشهر ندفع له 100000 يورو ونكتب عند شهود عدل الوثائق الرسمية (أي الملكية) والباقي سنكمله بعد سنة وقبل هذا الطلب ولكن طلب منا أن نعطيه الباقي سوداء يعني بدون أن نكتبها في الأوراق لكي لا يؤدي عليها حقوق الدولة (الضريبة) أعني هنا أنه يريد 50000 يورو تحت الطاولة بدون أن تكتب عند شهود العدل لكي لا يؤدي عليها واجبها للدولة. وهذا مقابل أن يصبر علينا لمدة سنتين لإتمامها. والباقي أعني 100000 يورو يجب أن تدفع قبل ثلاثة أشهر.
ونحن لم نستطع أن نجمعها في هذا الوقت المحدد؟
ونتساءل هل تجوز هنا مساهمة أو التبرعات بالزكاة في هذا المشروع لشراء المسجد أو توسيعه.
السؤال الثاني: هل هذا العدد المطلوب من النقود السوداء التي تعطى في اليد بين الشاري والبائع جائز أم لا؟ لأنه لا يريد أن يكتب عدد النقود كاملة في الملكية لأنه يتهرب من واجب الدولة المجموع الكامل. عدد الشراء (150.000 يورو) وهو يريد أن نسجل في الملكية فقط 100.000 ي ورو والباقي أنوار (NOIR) أسود تعطى في اليد ولا تكتب أو تسجل عند العادل. وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن حكم بناء المسجد من أموال الزكاة فلا يلجأ إلى ذلك إلا عند الحاجة، بحيث تقصر أموال صدقات التطوع والتبرعات عن بنائه، وإن قصرت عنه، فالظاهر جواز ذلك ولا سيما في بلاد مثل البلاد المذكورة في السؤال، فإن المسجد والمركز الإسلامي بالنسبة للمسلمين المقيمين هناك يعتبران ضرورة، وبالتالي، فإن دخوله في بند (وفي سبيل الله) متجه جدا، وراجع الفتوى رقم: 2057.
وأما عن معاونة وموافقة هذا البائع على التحايل على القوانين الخاصة بمسألة البيع، فإننا ننصح المسلمين المقيمين في ديار الغرب بأن يعطوا صورة مشرقة عن المسلم ووفائه بالعهود والمواثيق، فمعلوم أن الداخل إلى تلك الديار دخل وهو معلن التزامه بقوانينها، وعلى هذا الأساس منح تأشيرة الدخول، وهذه التأشيرة بمثابة أمان وعهد يبذله المسلم تجاه هذا البلد وأهله وقانونه، والمسلم أوفى العالمين عهدا، وأوثقهم ذمة، وفي الحديث: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود.
ولقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن اتفاق أبرم بينه وبين كفار قريش أنه قال: إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك عهدا وإنا لا نغدر بهم. رواه أحمد وغيره.
فالغدر والحيلة ليسا من خلق المسلم.
ولهذا لا نرى لكم موافقة هذا الرجل على الاحتيال وتجاوز القوانين، ولعل الله تعالى ييسر لكم أرضا أخرى تخلو من هذه الإشكالية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(9/3275)
الحب في الله فضله عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ـ ما هو فضل الحب في الله وهل الشوق الزائد لرؤية ومجالسة أخي في الله هو من الحب في الله أم لا أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
5- فإن الشوق لرؤية أخيك في الله ومجالسته يعتبر من الحب في الله إذا كان الباعث عليه أمرا دينيا، وراجع فضل الحب في الله في الفتوى رقم: 8642.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/3276)
لا تغضب ... خير الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث بهذا المعنى: من استغضب فلم يغضب فهو حمار؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من استغضب فلم يغضب فهو حمار، كلام منسوب إلى الإمام الشافعي كما في شعب الإيمان للبيهقي، ولا يوجد حديث بهذا المعنى، بل الواقع أن الإسلام ينهى عن الغضب، ويحث على الصبر والتحمل، ففي صحيح البخاري وغيره أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب، خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(9/3277)
نشر أي خبر لا يريد صاحبه نشره إساءة واعتداء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل موظفاً بإحدى المؤسسات الخاصة، ولي أخ وزميل في العمل على خلق وملتزم، ولكنه أحياناً يقوم بإثارة وافتعال مشاكل تؤثر سلباً على المؤسسة، والعلاقة بينه وبين صاحب العمل متوترة بعض الشيء وقد وجه له لفت نظر أكثر من مرة، وكان ينوي الاستغناء عن خدماته ولكنه يعود ويتراجع ويذكر بأنه لا يريد أن يكون سبباً في قطع رزقه، وقد علمت أن هذا الأخ يبحث عن عمل دون علم أحد من المؤسسة، حيث إن الشخص الذي طلب منه أن يساعده في ذلك قد اجتمعت به مصادفة، ولم أخبره حتى الآن أنني علمت ببحثه عن عمل خارج المؤسسة، وأنا الآن في حيرة هل أخبر صاحب العمل بما علمت وخصوصاً أنه قد فوضني بكل الأعمال الإدارية أو أخفي عليه ذلك، وهل إذا أخبرته يكون في ذلك وشايه بهذا الأخ قد تؤدي إلى فصله من العمل، أو إذا أخفيت عنه تكون فيه خيانة لأمانة العمل التي أوكلها لي صاحب المؤسسة، أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نشر أي خبر لا يريد صاحبه نشره يعتبر إساءة عليه واعتداء، وخاصة إذا كان نشر مثل ذلك الخبر يمكن أن يلحق بصاحبه ضرراً، وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ثم إن من العلماء من عرف النميمة بأنها كشف الستر عما يكره قائله أو مالكه ظهوره، وعليه فإن إخبار رب العمل هذا يدخل في النميمة التي أجمع العلماء على أنها من الكبائر.
فلا ينبغي -إذاً- أن تخبره بأن زميلك يبحث عن العمل خارج الشركة، إذ أن ذلك من حقه، ولا ضرر على المؤسسة فيه ما دام صاحبها كان ينوي إخراجه عنها، والذي يمنعه من ذلك -فقط- هو أنه لا يريد أن يقطع رزقه، وليس في إخفائك هذا الموضوع خيانة للأمانة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(9/3278)
حكم الكذب للتوصل إلى أمر محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[وأيضاً إذا حدثت جريمة وقد اشتبه بشخص وبقي أن تأخذ جرعة دم منه فهل لنا أن نكذب عليه ونذهب لبيته ونقول نحن أطباء لسلامة البيئة ونريد الدم لنكشف على المواطنين وبذلك نكذب عليه أم أن الكذب حرام كله، إلا في موطن ثلاث؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ثم إن الكذب معصية دنيئة ولا يتصف به المؤمنون، ولكنه مع ذلك يباح للتوصل إلى أمر محمود لا يمكن التوصل إليه إلا به، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35822.
وعليه فإنه إذا لم يمكن التوصل إلى حقيقة أمر الشخص المتهم إلا بالكذب جاز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(9/3279)
إخفاء العمل الذي لم يأمر الشرع بإظهاره مطلوب شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إخفاء الأعمال كالصوم والصلاة خوفا من الرياء؟ كأن يسألني أحدهم قائلا هل أنت صائم فأجيبه لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإخفاء العمل الذي لم يأمر الشرع بإظهاره مطلوب شرعاً، خاصة إذا خشي العامل على نفسه الرياء، ودلت على ذلك نصوص كثيرة، ولكن لا يجوز لك الإقدام على تعمد الكذب بإخباره أنك لست بصائم وأنت صائم لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه.
ولكن بإمكانك اللجوء إلى التعريض باستعمالك عبارة تكون مشتملة على الصدق، وقد يفهم من ها السائل خلاف الواقع، ففي صحيح البخاري: باب المعاريض مندوحة عن الكذب، وقال إسحاق سمعت أنسا مات ابن لأبي طلحة فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأ نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أنها صادقة. انتهى.
ومن المعلوم أن الغلام كان قد مات وقتئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(9/3280)
ما خاب من استخار ولا ندم من استشار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أسمع كل ما يقال لي من أي شخص بدون التفكير أم أفعل ما يناسبني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للإنسان إذا أراد الإقدام على فعل أمر مشاورة أهل الخير من أصحاب التقوى وسداد الرأي، كما يستحب له فعل الاستخارة الشرعية ثم يعزم على الفعل المذكور هذا بالنسبة للأمور التي أشكل عليه الصواب فيها، ولا ينبغي اتباع كل رأي سمعه بل ينظر لنفسه ما ظهرت مصلحته وكان ملائماً له وراجعي الفتوى رقم: 18784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(9/3281)
المسلم ينزه لسانه عن السب والطعن واللعن
[السُّؤَالُ]
ـ[أجلس بعض الوقت مع ناس يسبون ويلعنون ناساً من مسؤلين ووزراء وحكام هل يجوز لي أن
أجلس معهم وما هو واجبي اتجاهم وفي مرة من المرات قلت لهم لا يجوزأن تسبوا أو تلعونوا أو تدعوا عليهم لأنهم مثلنا مسلمين قالو لي إنهم ظالمون ويجوز لنا أن ندعو عليهم ما واجبي اتجاهم أو كيف أستيطع أن أرد عليهم؟
جزاكم الله خيراًً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن ينزه لسانه عن السب والطعن واللعن، روى أحمد والترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء. ثم إن جمهور الفقهاء على عدم جواز لعن المعين كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 10853، فابذل النصح لهم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة. رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1425(9/3282)
يعين على العفو تذكر ثوابه العظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله علي نعمة الإسلام وكفى بها نعمة, أود أن أستفسر عن شيء يدور بنفسي وهو أنني والله يعلم إنني أطبق الحديث الشريف حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك ولكن بعد زواجي حدثت مشاكل كبيرة بيني وبين أم وأخت زوجي ويعلم الله أنني ظلمت وانتهت هذه المشاكل ولكني مازلت أحس بشيء من الكراهية تجاههم بالرغم من أنني في بعض الأحيان أقوم بشراء الهدايا من منطلق تهادوا تحابوا وأشعر أنني ما زلت أحبهم قبل أن تحدث هذه المشاكل ولكن سرعان ما يدور بنفسي ما فعلوه بي وعندما أسمع عن خبر حسن لهم أشعر بغضب داخلي وأجاهد نفسي على ألا اشمت بهم فماذا أفعل في نفسي أحاول الصفح لكن شيطاني يغلبني في كثير من الأحيان مع العلم أن ذلك لا يظهر على تعاملاتي معهم ولكنه شيء أحسه بداخلي فماذا أفعل؟ وكذلك لي إحدى صديقاتي أساءت إلي كثيرا بتكبرها علي وأسلوبها الفظ ويعلم الله أنني كنت أتحمل منها وأحبها ولكن زادت في ذلك فتجاهلتها وأصبحت علاقتي بها مجرد السلام لأن إصلاح حالها لا يمكن فهل بذلك إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخير ما يعينك على التغلب على الشعور بالكراهية لأم وأخت زوجك:
أن تتذكري ثواب وأجر العفو عن المسيء، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور: من الآية22) ، وقال صلى الله عليه وسلم: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً. رواه مسلم.
وأن تنظري إلى ضرر اشتغال قلبك بهذا الشعور، وما قد يوقعك فيه من الغيبة والحسد والنميمة ونحو ذلك من المحرمات التي تذهب للحسنات، أما اقتصار علاقتك بصديقتك على مجرد السلام لأنه لا يمكن إصلاحها فلا إثم عليك فيه.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 29211 / 24753 / 35584 / 27654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(9/3283)
أذية اليتيم معصية شنيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إيذاء الأيتام?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليتيم يطلق على الولد الذي فقد أباه قبل البلوغ، سواء كان ذكرا أو أنثى، فهو إنسان ضعيف، بحاجة إلى العطف والشفقة والإحسان، وهذا هو الذي حض عليه الشرع الكريم وأمر به، حيث قال صلى الله عليه وسلم: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار مالك بالسبابة والوسطى، رواه مسلم.
وفي صحيح الترغيب والترهيب أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، قال: أتحب أن يلين قبلك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك.
أما إيذاء اليتيم، فهو معصية شنيعة تدل على قسوة قلب صاحبها وخلو قلبه من الشفقة والرحمة، فإن كان الإيذاء بأخذ بعض ماله، فالوعيد في ذلك شديد من الله تعالى حيث قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً (النساء: 10) .
كما أن إيذاء اليتيم من صفات الكافرين أصحاب القلوب القاسية، حيث قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (الماعون:1-2) .
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: أي هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ولا يطعمه ولا يحسن إليه. انتهى.
وحاصل الأمر، أن المطلوب شرعا الإحسان إلى اليتيم، أما أذيته بقول أو فعل، فهي معصية شنيعة دالة على قسوة قلب صاحبها وخلوه من الرحمة والحنان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/3284)
الحلف كذبا إثم فوق إثم
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن الكذب على الأعداء كذب مباح، ولكن هل القسم في هذه الحالة مباح؟
والشكر الجزيل لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول السائل إن الكذب على الأعداء مباح كلام غير صحيح بهذا الإطلاق، لأن الكذب لا يجوز إلا في حالات معدودة، ومنها الكذب على العدو في حالة الحرب دون غيرها من الحالات، كما هو مبين في الفتوى رقم: 37045.
وإذا قلنا بأن الكذب حرام على الكفار وعلى غيرهم، فإن من يحلف على كذبه يكون قد ارتكب إثماً آخر، وهو اليمين الغموس، وهي من كبائر الذنوب نسأل الله العافية، وفي حالات جواز الكذب فإنه لا يجوز الحلف على ذلك إلا عند الاضطرار، لأن الكذب إنما أبيح في هذه الحالات للحاجة، فإذا كانت الحاجة تندفع بدون الحلف فلا يجوز الإقدام على الحلف كذباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/3285)
هل يكذب لأجل الحصول على خدمات اللجوء السياسي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يخص شراء بيت وأنا وأخوتي الثلاثة على أبواب الزواج نعيش في لندن لمدة 14 سنة، الآن جاء وقت الزواج واشتريت بيتاً لغرفتين، وبعد ذلك أردت أن أتوسع لأن الغرفتين كانتا صغيرتين والشراء هذا كان عن طريق السلف، وحاولت مرات عدة أن أطلب بيتاً لي ولكن لم يساعدوني لأن الأولوية كانت لأهل اللجوء السياسي كما تعرفون، ماذا أفعل وإذا دفعت الإيجار سيكون أضعاف المبلغ، وأخي مصطفى 36 سنة وأنا 35 سنة وآخي الآخر 32 وآخر 30 الأمر ليس على السهل وإخوتي اثنان منهم ليس لديهم عمل ولم يطلبوا اللجوء السياسي كما فعل البعض يكذبون لهم أنهم مرضى، والآخر طلب مني أن أكذب عليهم بأن أقول لأمي إن ابنها طردها من البيت، وأنا الآن أردت أن أعرف الحكم في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على أمرين:
الأول: شراء البيت عن طريق السلف، فإذا كان هذا السلف بفائدة فهو عين الربا فتجب عليك التوبة من هذا الفعل، وإن استطعت أن تتخلص من عقد الربا دفعة واحدة فعلت، وإن استطعت أن ترد المبلغ دون فوائد فعلت، فإن ألجأوك لدفع الفائدة دفعتها والوزر عليهم.
الثاني: الكذب للحصول على اللجوء السياسي أو غيره من الخدمات التي تقدمها بعض الدول لمن تتوافر فيه شروط معينة، والحكم في هذا أن الكذب حرام، ينضاف إلى هذا أنك قد دخلت هذه البلاد بعقد الأمان فإن الكذب عليهم والتحايل لأخذ أموالهم خيانة، والخيانة ليس لها مكان في معاملة المسلم، فاتق الله ولا تكذب ولا تخن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(9/3286)
إكرام الزوجة أم زوجها إكرام له
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لا تود والدتي حتى إنها لا تتصل بها بالهاتف
وقد جاءني عمل جديد بعيد وهذا يستلزم أن أقيم في هذا المكان الجديد وأنا أرى أن هذا مناسب لأحاول أن أصلح من زوجتي وحتى تهدأ الأمور فهل أنا مذنب في حق والدتي في هذا البعد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أن حق أمك عليك آكد من حق زوجتك، وفي الحديث: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
فالواجب عليك البر بأمك مع محاولة الإصلاح بينها وبين زوجتك وإزالة أسباب الجفوة بينهما، كما أنه لا يصلح من زوجتك قطيعة أمك، فإن هذا ليس من حسن الخلق ولا من عشرتها بالمعروف، فإكرامها أمك إكرام لك، واحترامها وصلتها احترام لك في حقيقة الأمر.
وأما ذهابك للعمل في مكان بعيد عن أمك، فينظر إن كانت أمك محتاجة إلى أن تكون قريبا منها وكان في ذهابك تضييع لحقها، فلا يجوز لك الذهاب، وإن لم يك فيه ذلك المحذور فلا بأس.
قال ابن حزم في "المحلى": وإن كان الأب والأم محتاجين إلى خدمة الابن أو الابنة الناكح أو غير الناكح، لم يجز للابن ولا للابنة الرحيل ولا تضييع الأبوين أصلا. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(9/3287)
تعاون المسلم مع غير المسلم لإغاثة محتاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل ممرضاً في أحد مستشفيات المملكة ويوجد من الكادر أناس نصارى، اعتادوا في القسم الذي أعمل به أن يجمعوا مبلغاً من المال وإعطاءه كهدية للشخص الذي سيغادرنا إلى بلده، هل يجوز أن أشاركهم الدفع، أم أنا آثم إن فعلت ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإحسان إلى عموم الناس مما ندبنا الله إليه، كما قال تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنا ً [البقرة:83] ، بل الإحسان إلى عموم الخلق مندوب، كما في الحديث: في كل كبد رطبة أجر. رواه البخاري ومسلم.
ولا مانع أن يتعاون المسلم مع غير المسلم لإغاثة محتاج أو لنصرة مظلوم، ففي الحديث: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت. رواه البيهقي.
وهذا الحلف كان على نصر المظلوم وأخذ حقه من ظالمه، وهؤلاء المظلومون كانوا من الكفار، وبهذا يعلم أنه لا إثم عليك في دفع شيء من المال للنصارى كهبة ما لم تعلم استخدامهم لها في الحرام، والأولى لك أن تنفق ذلك المال على المحتاجين من إخوانك المسلمين وما أكثرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/3288)
البر والإحسان إلى عموم الناس مندوب إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب جامعي، أفكر في عمل موقع على الإنترنت من أجل نشر نتائج الاختبارات النهائية لطلاب دفعتي عليه، وذلك بهدف تيسير معرفتهم لعلاماتهم، السؤال: هل يجوز عمل مثل ذلك الموقع في الوقت الذي يوجد بين طلاب دفعتي طلاب غير مسلمين من نصارى وملاحدة وكفرة..! وأنا بذلك أؤدي خدمة لهم.. ولكن من طرف آخر لا يمكن اعتبارهم نسبة غالبة وإنما يشكلون حوالي 40 % من العدد الكلي للطلاب والنسبة الباقية هم مسلمون، فهل أستمر فيما فكرت به أم أصرف النظر عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك ما يمنع من إسداء هذه الخدمة لزملائك المسلمين وغيرهم، ذلك أن البر والإحسان إلى عموم الناس مندوب إليه إلا أن يكونوا محاربين للمسلمين، أو تكون في خدمتهم إعانة لهم على كفرهم وباطلهم، قال الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] .
وننصحك بأن تستغل هذا الموقع في دعوتهم إلى الإسلام، وبيان محاسنه وأخلاق أهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(9/3289)
حالات الوعد من حيث وجوب الوفاء وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قلت لأصحابي وقت ما أنجح سوف أعزمكم لحفلة نجاحي نتيجة لإحراجي قلت ذلك وأنا من الداخل لا أريد أن أحضرهم وقد أقمت حفلة عائلية تتضمن أقاربنا المقربين من الخالات وبنات الخال والعمات وهذا لا يسمح لي بأن أحضرهم وأيضا أنا لا أعرف مكان سكنهم ولا هواتفهم وأنا منزعج لأني وعدتهم ولم أوف، وأنا ندمان ومتألم ولقد تبت إلى الله عن هذا الأمر ولن أكرره قولوا لي ماذا أفعل وهل هنالك كفارة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوعد له حالات:
الأولى: ألا ينوي عند الوعد عدم الوفاء وألا يترتب عليه ضرر على الموعود له، والوفاء بهذا الوعد مستحب عند جماهير العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه واجب.
الثانية: أن ينوي عند الوعد الوفاء وأن يكون قد دخل الموعود له بالتزام بسبب هذا الوعد، والوفاء بهذا مستحب عند الجمهور واجب عند المالكية.
الثالثة: أن ينوي عند الوعد عدم الوفاء، وهذا هو المقصود بحديث: آية المنافق ثلاث وذكر منها: إذا وعد أخلف ... متفق عليه.
قال النووي: أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ فيه خلاف، ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا يأثم يعني من حيث هو خلف، وإن كان يأثم إن قصد به الأذى، قال: وذهب جماعة إلى أنه واجب، منهم عمر بن عبد العزيز، وبعضهم إلى التفصيل، ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعداً قال: "عسى"، وكان ابن مسعود لا يعد وعداً إلا ويقول إن شاء الله تعالى، وهو الأولى، ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازماً على أن لا يفي به فهذا هو النفاق. انتهى.
وعليه؛ فيلزمك أن تتوب إلى الله مما صنعت.
وليس لإخلاف الوعد كفارة إلا التوبة، وننصحك بأن تجبر خواطر من كنت وعدتهم وأخلفت بأن تدعوهم إلى أي مأدبة طعام حتى لا يسيؤوا بك الظن.
تنبيه: فهمنا من كلامك أن الدعوة التي كنت فعلتها قد يتجمع فيها من ليسوا محارم كأبناء الخالات وبنات الخالات، ولا يخفى عليك أن الاختلاط بين غير المحارم من الرجال والنساء على الوضع المعروف الآن أمر محرم، وراجع الفتوى رقم: 3539.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(9/3290)
النميمة توقع العداوة بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة، عندي صديقة قالت عن صديقتي الثانية إن شكلها صبي، فصديقتي الثانية غضبت عندما قلت لها، والآن هي مصرة على أن تعرف الفتاة التي قالت عنها ذلك، ولكنني أصررت على عدم قولي لاسم الفتاة التي قالت ذلك عن صديقتي الثانية لأن الفتاة صديقتي، فماذا أفعل، هل أقول لصديقتي الثانية اسم صديقتي الأولى أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نشر خبر لا يريد صاحبه نشره لا يجوز، فإذا أدى ذلك إلى الوقيعة بين الناس، كان من النميمة المحرمة التي هي إحدى الكبائر، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 1174، والفتوى رقم: 6710.
والواجب على الأخت السائلة أن تتوب إلى الله تعالى مما قالت، وألا تذكر اسم من قالت هذا الكلام، وأن تعتذر لصديقتها بأن هذا لا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(9/3291)
للمظلوم أن يتظلم ويتشكى عند من ينصفه
[السُّؤَالُ]
ـ[آمل منكم الإجابه على استفساري
أنا موظف حكومي أعمل مع مدير كذاب وينقل حكيي إلى المدراء زورا وبهتانا ويتقول أشياء علي لم أفعلها وفي مرة من المرات قال لي بالحرف الواحد بالتلفون
خل الخناث عنك هل يحق لي أن أشتكيه بديوان المظالم لأنه قذفني زورا وبهتانا آمل سرعة الإجابة ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يقوم به هذا الرجل -إن صح- منكر عظيم لاشتماله على الكذب والنميمة والغيبة والبهتان وكلها قبائح حرمها الشرع وتوعد أهلها بعذاب أليم.
وفي الحديث: وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وغيره.
أما ما قاله لك هذا الرجل وهل هو قذف يستوجب حدا؟ أم أنه ليس بقذف فيعذر؟ هذا الأمر يفصل فيه القضاء، لأن كلمة الرجل ليست صريحة في القذف، والغالب أنها كناية فيه أو تعريض، حسب القرائن والعرف عندكم.
المهم أن لك أن تتظلم وتشتكي عليه عند من ينصفك، فإن الله يقول: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ (النساء: 148) .
قال ابن عباس: نزلت في الرجل يظلم الرجل فيجوز للمظلوم أن يذكره بما ظلمه فيه لا يزيد عليه. اهـ.
والله أعلم.
...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(9/3292)
الإخبار عن أحوال الناس منه الغيبة ومنه المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السؤال عن أخبار الأهل التي قد يترتب عليها سماع بعض الأخبار السيئة، مثلا فلانة طلقت فلانة طردت من الإيجار أو غير ذلك من الأخبار، فهل يعتبر ذلك من الغيبة، وهل نترك السؤال عنهم خاصة أننا نعيش في غربة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال عن حال الأهل والأصحاب يعد من الأعمال الحسنة، لكن إذا ذكر المسؤول كلاماً فيه إساءة للمسؤول عنه فإنه ينبغي أن ينهى عنه وينبه إلى أن ذلك من الغيبة، وما ذكره السائل من قول المسؤول: فلانة طلقت وفلانة طردت من الإيجار ليس من الغيبة، لكن قد يكون في ذكر الأسباب ما هو من الغيبة، مثل أن يقال: طلقت بسبب أنه حصل بينها وبين زوجها كذا وكذا، ثم يذكر أشياء يكرهان ذكرها، والقاعدة في ذلك أن ما كان الشخص يكرهه فإنه غيبة وما لم يكن كذلك فليس بغيبة، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(9/3293)
حكم الإصلاح بين الخطيب ومخطوبته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم مساعدة صديق في إعادة علاقة مع خطيبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصد بالعلاقة بين الخطيب وخطيبه أن يكون الخطيب رُفض لسبب ما غير الدين، فأنت تحاول التوسط لقبوله لدى المرأة من أهلها فلا بأس، وهو من الإصلاح بين الناس الذي ندب إليه الشرع.
أما إن كنت تقصد بالعلاقة هذه ما هو شائع عند البعض من الخلوة بالخطيبة والخروج معها ونحو ذلك، فهو أمر محرم شرعا، والإعانة عليه إعانة على منكر وإثم، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَان ِ (المائدة: 2) .
وراجع الفتويين رقم: 1151، و 31276.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1424(9/3294)
أقسام العشق وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز عشق الأصدقاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 9360 أقسام العشق وحكم كل نوع فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(9/3295)
يجب على المسلم الالتزام بالوفاء وترك الخيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أدرس في الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات. كنت مهملا لديني كثيرا. كانت تأتيني رسائل عبر البريد من بنوك لا أعرفها. كانت الرسالة عبارة عن عرض مغر جدا. موضوع الرسالة هو الحصول على بطاقة ائتمان من دون أن يكون عندي رصيد في البنك ولا حتى أعرف مكان البنك. كان علي فقط أن أكمل بعض البيانات. البيانات هي الاسم والتوقيع لأني من سكان الولايات المتحدة. كانت الرسالة تحتوي على معلومات عن قيمة الفائدة التي يجب علي دفعها إذا استخدمت البطاقة. كنت أرد على الرسائل إلى أن حصلت على 12 بطاقة ائتمان. بدأت باستخدامها في التسوق والمطاعم. كنت أدفع عن طريق إرسال شيك شهريا. بدأت الفوائد تزيد وبدأ يصعب الدفع لعدد 12 بنك. توقفت عن الدفع وبدأت البنوك ترسل رسائل تطالب بالمبالغ مع الفوائد. لم اعر رسائلهم اهتماما وعدت إلى بلدي دون دفع الفوائد أو المبالغ المتبقية. سؤالي هل علي دفع المبالغ إلي هذه البنوك مع مراعاة الآتي:
1- صرت لا أعرف عناوين معظم هذه البنوك.
2- المبلغ في ازدياد شهريا
3- لو استطعت حصر المبلغ أليس الأحرى إعطاؤه للفقراء والمساكين هنا بدل إرساله إلى من أضحى ألد أعداء الأمة وخاصة إن هذه البنوك مملوكة ليهود.
سؤالي الثاني:
الأغراض التي اشتريتها. لو أني دفعت المبلغ حسب ما ترونه في ردكم هل تصبح حلالا؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا عن هذه الأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بطاقات الائتمان يحرم التعامل بها إذا كانت الجهة المصدرة لها تأخذ عليها فوائد، وذلك لما فيها من إقرار الربا والتعامل به، فعليك أن تتوب إلى الله تعالى مما حصل من التعامل بها سابقا، واعلم أنه لا يلزمك أن ترد الفوائد الربوية، بل يجب عليك رد رأس المال للبنوك.
لأن المسلم يجب عليه الالتزام بالوفاء في المعاملات وأن يبتعد عن الخيانة ويرد الحقوق لأصحابها.
وأما ما اشتريته من الأغرض فهو ملك لك، وإنما يلزمك قضاء ما اشتريته به.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 6275، 23211، 2834، 20632.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(9/3296)
العفو والصفح سيما أهل الخير والصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي فضيلة الشيخ: لي أخت أصغر مني متزوجة ولديها أبناء، أشهد الله عز وجل أنها حنونة القلب ولكنها كثيرة الكلام والجدال وهذا يوقعها في كثير من المشاكل طوال الوقت، حيث أنها ظلت في خصام مع أغلب إخوتها الأخ تلو الآخر، ومنذ ما يزيد عن عامين حدثت مشكلة بيني وبينها وذلك بسبب محاولاتها للإيقاع بيني وبين ابني الوحيد أثناء التجهيز للزواج، وقد سمعتها بأذني وهي تحرضه علي، وتقول له إنني لا أريد مساعدته ماديا في زواجه مع أنني ميسور الحال والحمد لله، وبسبب كلامها هذا حدثت العديد من المشاكل الكثيرة بيني وبين ابني لدرجة أن ابني ترك بيتي وكثر الكلام عن تركي لمساعدة ابني (والله يعلم أن هذا غير صحيح وأنني قد ساعدته كثيرا حتى أتم زواجه بعد ذلك وأساعده إلى الآن) ، المشكلة هي مع أنه قد مر أكثر من عامين إلا أنني لا أستطيع أن أعيد علاقتي بها مثل السابق (مثل علاقة الأخ بأخته) ، مع العلم بأنني أتصل بها في المناسبات ولكنني لا أستطيع زيارتها، وأخاف إن عدنا كالسابق أن تتسبب في تعكير العلاقة بيني وبين ابني الوحيد، وقد حاول البعض الصلح بيني وبينها ولكنني رفضت مع أنها استجابت لذلك، مع العلم بأنها إلى الآن تثير الأقاويل حولي، فهل أنا أعتبر قاطع رحمي، مع أنني معروف بصلة الرحم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعفو والصفح سيما أهل الخير والصلاح، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] .
فبادر أخي بالصلح والعفو، ونرى أن توجه نصيحة برفق ولين لأختك بشأن ما فعلت، فالدين النصيحة، وما قامت به إفساد لذات البين وتحريض على العقوق، فالواجب عليها أن تتوب من ذلك، وانظر الفتوى رقم: 29047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(9/3297)
أسباب نزع الحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ينزع الحياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحياء صفة من الصفات الكريمة، وخصلة من خصال الإيمان، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان. ولا يزال الإنسان بخير ما وجد فيه الحياء، ففي صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء خير كله. وذلك أن الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
وقد ينزع هذا الحياء من صاحبه إذا تجرأ على إتيان الرذائل، وظلم ذوي الحقوق، فيظلم قلبه من كثرة إتيان المعاصي، وينزع منه الحياء.
وقد ذكر ابن عبد البر في الاستذكار أثراً موقوفاً على سلمان رضي الله عنه أنه قال: إذا أراد الله بعبد شراً أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً، وإذا كان كذلك منعت منه الرحمة فلم تلقه إلا خائناً مخوناً، فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه، فكان لعيناً ملعوناً.
وقد روي هذا في حديث مرفوع ولكنه موضوع، كما في ضعيف الجامع الصغير للشيخ الألباني.
ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد من ارتفاع الحياء بارتفاع الإيمان، روى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر. ويدل الحديث أيضاً على أنه قد يرفع الحياء أولاً ثم يتبعه الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1424(9/3298)
الغيبة.. ودعاء كفارة المجلس
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ هل مثلا إذا تكلم الإنسان عن شخص في غيابه وسمع آخرين يتكلمون عن الشخص في مجلس، ثم قبل أن يغادره قال كفارة المجلس، هل تعد كفارة للغيبة، وإذا لم تكن فهل عليه أن يذهب إلى الشخص الذي اغتابه أو سمع آخرين يغتابونه ويطلب منه السماح، خاصة إذا لم تكن هنالك علاقة وثيقة بين الشخص وبين الذي اغتابه الآخرون، أو أنه لا يعرفه ولم يره، فماذا عليه أن يفعل ليكفر عن سماعه الغيبة عن الشخص؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم لنا حكم من حضر مجلساً فيه غيبة في الفتوى رقم: 32433.
وعليه؛ فالواجب عليك التوبة والاستغفار لقعودك دون إنكار، ولا يكفيك من هذه المعصية مجرد قراءة دعاء مجلس الكفارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3299)
الصفير للتنبيه مكروه وخلق ذميم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حكم الصفير من أجل المناداة على شخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم أن يخالق إخوانه بالأخلاق والآداب الفاضلة، وأن ينادي زميله بأحب أسمائه إليه، وأما الصفير للتنبيه لمن ليس بينك وبينه صلة ومودة فقد كرهه بعض أهل العلم، كما سبق في الفتوى رقم: 15111.
وأما من لم يكن كذلك فإنه يتعين عليك خطابه بأحسن الخطاب، لئلا يظن أنك تحتقره، فإن الشيطان حريص على إيقاع العداوة بين الناس كما قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ (المائدة: من الآية91) ، فعلينا أن نبتعد عما يوقعنا في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1424(9/3300)
لا يكون المؤمن كذابا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن للموظف في عمله أن يدعي أن مديره غير موجود أو مشغول، وذلك بأمر من المدير للموظف ليقول ذلك رغبة في التخلص من أي زائر غير مرغوب فيه؟ وهل هذا حلال أم حرام، وكيف يمكن التصرف في تلك الحال إذ أن رفض فعل ذلك يعرض لمخاطر فقد الوظيفة، أرجو إفادتي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز الكذب، لورود الأدلة القاطعة بتحريمه، قال الله تعالى: فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لما سئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: لا. أخرجه مالك في الموطأ.
فإخبارك عن المدير بأنه غير موجود، والحال أنه موجود كذب صريح، أما الإخبار بأنه مشغول فالأمر فيه سهل لأنه يصدق على انشغاله بأي أمر كان.
ولو أصر المدير على أن تخبر عنه بأنه غير موجود، فلك أن تعرض وتقول إنه غير موجود هنا، وتعني غير موجود أمامك أو في غرفتك ونحو ذلك، لكن لا ينبغي أن تلجأ لذلك إلا إذا خشيت وقوع الظلم عليك وإخراجك من العمل، وراجع الفتوى رقم: 42622.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(9/3301)
المسلم أعز من أن ترضى نفسه بالإهانة والذل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مدير مباشر في عملي يتعمد إهانتي ولا يصلي ولا يصوم ويتطاول على الله رغم أنه مسلم ولا أستطيع الرد عليه خوفا على شغلي، فهل أترك هذا العمل وأتوكل على الله، مع العلم بأن حالتي النفسية أصبحت سيئة منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يفترض في كل من ولاه الله تعالى شيئاً من مسؤوليات المسلمين أن يكون على قدر المسؤولية التي وكلت إليه، ومن أهمها الالتزام بآداب الإسلام في التعامل وخاصة مع من ولي عليهم فيسوسهم بحكمة وأخلاق، فلا يسب ولا يشتم إن رأى من عماله ما يكره أحرى إن لم ير شيئاً، لما روى أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لا والله ما سبني سبة قط ولا قال لي أف، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته. رواه أحمد.
وحري بكل مسوؤل أن يتحلى بهذه الأخلاق الرفيعة العالية فهذه الأخلاق هي التي تجذب قلوب الناس وتجمعهم، أما الغلظة والفظاظة والبذاءة فهي عوامل تنفير، كما قال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين َ [آل عمران:159] .
ومن هنا نقول لهذا المدير: عليك أن تتقي الله تعالى في نفسك، ولتحسن معاملتك مع ربك ثم مع من وليت عليهم فإنك مسؤول عن كل ذلك، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته. متفق عليه.
أما أنت أخي السائل فعليك بالصبر ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولتبذل كل ما في وسعك لإزالة كل سبب يؤدي لإهانتك من طرف هذا المدير، فإن رأيت أن ذلك لا يجدي فلا ننصحك بالبقاء معه، فنفس المسلم أعز من ترضى بالإهانة والذل، خصوصاً في مكان يعصى فيه الله على الوضع المذكور في السؤال، ولتعلم أن رزق الله تعالى واسع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(9/3302)
طلب عورات المسلمين لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الجامعة وعندي مشكلة أن أمي طيبة جداً لكن للأسف الدنيا تلهيها جداً عن طاعة ربنا وساعات وأستغفر الله تخون أبي كثيرا، وأنا للأسف أعلم بذلك لكن هي لا تعلم بذلك، وأنا تعبت جداً من هذا الموضوع، فأرجو نصيحتكم لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول ما نوصيك به هو الستر على أمك، فكشف عورات المسلمين لا يجوز، أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته.
ثم حاولي أن تعظي أمك وتذكريها بالله وتخوفيها عقابه، ولا تيأسي من هداية الله لها، وعليك بالدعاء لها في أوقات الإجابة، فإذا لم تجدي لها ارعواء عن المعصية والخيانة فالزميها في الأوقات التي كانت تمارس فيها ما يغضب الله فإنها لن تجرؤ على المعصية إذا كنت قريبة منها ومنتبهة إليها.
واعلمي كذلك أن وجوب برها كأم لا تسقطه معصيتها، قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] ، ونرجو الله أن يعينك على برها ونصحها حتى تهتدي إلى الصراط المستقيم، وراجعي الفتوى رقم: 2091.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(9/3303)
الرفق بالعمال بما لا يضر العمل ولا يخالف النظام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كمدير لإحدى الشركات الكبرى، أحاول جاهداً أن أتعامل مع الموظفين الذين يعملون معي بما يرضي الله وأصبر عليهم حتى وإن أساؤوا لي في بعض تصرفاتهم، وكل ما أخشاه أن يعتبروا هذا ضعفاً، فماذا أفعل لكي أتجنب الوقوع في أي خطأ قد لا يرضي الله، من باب أني لم أصبر أو أصفح عمن أساء إلي ... أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطريق السلامة من ظلم من يعمل معك هو أن تحكم فيهم القانون الذي يسير عليه العمل، والذي على أساسه تم التعاقد بينهم وبين الشركة، إذا لم يكن مشتملاً على مخالفة شرعية، ولا غضاضة عليك في ذلك، فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] .
فالمرء المسؤول عليه أن يستخدم مع من تحته اللين في موضع اللين والشدة في موضع الشدة، كما قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعل ا ... ... ... مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى
لكننا مع هذا نوصي الأخ السائل بأن يرفق بموظفيه فيما يمكنه فيه الرفق، بحيث لا يضر ذلك بالعمل أو يخالف قانون الشركة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(9/3304)
العفو والصفح من مكارم الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصري الجنسية أعمل بدولة الكويت وحدثت مشاجرة كلامية بيني وبين أحد الموظفين من الجنسية الكويتية ولكي أتفادى ذلك طلبت منه السكوت فما كان منه إلا أن سبني وشتمنى وأنا أقول له اخرس واحتدم الأمر حتى وصل الموضوع إلى مخفر الشرطة وكان معي بعض الزملاء من الجنسية الكويتية ووقفوا بجانب الحق ولكن هذا الزميل مازال على رأيه أن أتأسف له أمام الجميع فاعتقد هو بأن الخطأ مني فأنا مصري وهو كويتي ولا يجب أن أقول له اخرس ومما زاد المشاكل أن مجموعة من النساء في الإدارة متعاطفات معه ويحرضنه على تصعيد الموضوع مع أني والله لا أحمل ضغينة لأحد ومجتهد في عملي بشهادة رؤسائى بالله عليك ما الحل فموقع العمل أصبح بالنسبة لي متعباً أرجو الرد عليه وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله تعالى بالعفو والصفح، فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة: من الآية13) ، وقال: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (الحجر: من الآية85) وفي صحيح مسلم: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.
وإننا لننصح كلا الطرفين في هذه المشاجرة بأن يأخذا بمدأ العفو والصفح والتسامح، فإذا حصلت المشاحة في ذلك، فلا مفر من اللجوء إلى الجهات التي تفصل في مثل هذه المشاجرات سواء كانت مجالس عرفية، أو جهات قضائية أو غير ذلك.
ونؤكد على دعوة الطرفين إلى الصبر والعفو والصفح والتنازل، فقد قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء: من الآية128) ، ولتراجع الفتويين رقم: 36349، ورقم: 36925.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1424(9/3305)
دعوة الإسلام إلى النظافة في كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لديكم مقال حول نظافة البيت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنظافة البيت مستحبة طبعا وشرعا، لأن الإسلام دين طيب يدعو إلى النظافة، وقد وردت في ذلك نصوص عامة مثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] . ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وضعفه الألباني.
أما تنظيف البيوت، فقد ورد فيه حديث خاص، لكنه مضعف من قبل سنده، وحسنه الشيخ الألباني في "مشكاة المصابيح" وهو: إن الله طيب يحب النظافة، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود. أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب، ولكن عليه العمل عند الفقهاء لصحة معناه وموافقته للأدلة الأخرى ومقاصد الشريعة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يسن تحسين الأفنية والبيوت بتنظيفها وترتيبها، عملا بما رواه عامر بن سعيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(9/3306)
صحبة رفقاء السوء بكافة أنواعهم لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الذين لا تجوز مصاحبتهم?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذين لا تجوز مصاحبتهم هم رفقاء السوء، لأنهم يوم القيامة أعداء لمن كان يصاحبهم، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ، ولأن صحبتهم تجلب على المرء أضرارا كثيرة في الدنيا والآخرة، روى الشيخان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة. وفي الصحيحين عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرء مع من أحب.. إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة الصريحة التي تفيد أن صحبة رفقاء السوء بكافة أنواعهم لا تجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3307)
الكذب غير جائز إلا بمسوغ شرعي معتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في مؤسسة عمومية اتصل بي أحد المسؤولين من المديرية في رمضان فسألنى هل رئيس الفرع موجود أم لا فأجبته بأنه جاء ثم خرج مع العلم بأن رئيس الفرع لم يأت قط. خوفا من العواقب التي ستترتب عن ذلك لو علم أني قلت الحقيقة. ما حكم صيامي في هذا اليوم جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت خفت على نفسك من بطش رئيس فرعك الذي تعمل فيه إن أنت قلت الحقيقة، فكان الأولى بك في هذه الحالة ألا تكذب، إذ في المعاريض مندوحة عن الكذب، فقد نص العلماء على أن المرء إذا كان سيتوصل بكذبه إلى دفع الظلم عن نفسه، أو جلب حقه الذي قد يضيع إن لم يفعل ذلك، فإنه لا مانع من أن يكذب لهذا الغرض، والأفضل أن يُعرِّض، وقد بينا حكم ذلك في الفتوى رقم: 25629
لكن إذا ترتب على غياب رئيسك ضرر بالغ بالعمل، وخسارة لا يمكن تداركها، فالواجب عليك إبلاغ الجهات المسؤولة عنه، ولو أصابك بسبب ذلك ضرر، لأن الضرر العام يتفادى بالضرر الخاص، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 8005
وعلى كل حال فصيامك صحيح، والواجب عليك -إن كان كذبك بغير مسوغ معتبر شرعاً- أن تستغفر الله وتتوب إليه، وراجع الفتوى رقم:
2265
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/3308)
الآثار الطيبة للأخلاق الحسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي معطيات أو نتائج الأخلاق القويمة في الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن للأخلاق منزلة عظيمة في دين الإسلام، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وأثنى الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] .
وللأخلاق آثار طيبة وثمار نافعة تحصل للفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، من هذه الآثار:
أولاً: إزالة الأحقاد والخصومات، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
ثانياً: نيل عالي الدرجات، ففي سنن أبي داود ومسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
ثالثاً: نيل محبة النبي صلى الله عليه وسلم والقرب منه في الجنة، روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً.
رابعاً: ثقل الموازين يوم القيامة بالحسنات، ففي سنن أبي داود وسنن الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق.
هذه بعض الآثار الطيبة للأخلاق الحسنة، وهنالك غيرها من الآثار تمكن معرفتها بتتبع نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف هذه الأمة، ولا يتسع المقام لذكرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(9/3309)
المعاصي لها أسباب سوى تسويل الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[في العشر الأواخر من شهر رمضان وقعت فتنة في المسجد، فهناك من قال إن هذا من عند الشيطان يريد أن يوقع بين المسلمين في هذه الأيام المباركة، وهناك من قال لا، هذا من عند أنفسنا، لأن الشيطان في رمضان يغل، وليس له تأثير، فأي القول أصح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن مردة الشياطين هي التي تصفد في شهر رمضان لا جميع الشياطين، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 34105.
وعلى كل تقدير فإن للمعاصي أسباباً غير تسويل الشيطان، فقد يكون سببها النفس الإمارة بالسوء أو غيرها.
ولعل الأهم من ذلك أن نعلم خطورة الشقاق وسوء ذات البين والتنازع بين الملسمين أيا كان سببه، فإنه من أخطر الأمور، فقد حذر منه الله تعالى في كتابه حين قال: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة. رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالواجب الحذر من ذلك، والحرص على كل ما من شأنه أن يحقق الألفة والمودة بين المسلمين، ثم إن المساجد يجب أن تنزه عن مثل هذه الأفعال، فإنها لم تبن لهذا، وإنما بنيت للصلاة وذكر الله وتلاوة كتابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(9/3310)
الظن أكذب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اتهمت بسرقة أخت زوجي لجميع ذهبها، وأنا بريئة تماما من هذا الموضوع، وبناء عليه شعرت بالظلم الكبير والإهانة، ولذلك قررت عدم الدخول على بيتهم أو بيت أي أحد منهم، وشعرت بالضيق واليأس من الحياة، ولكن زوجي وقف معي واستاء جدا، ولكني أشعر بأن هذا الموضوع أثر على حياتي وثقتي بالناس، فماذا أفعل وأنا الآن يائسة ومحطمة وفاقدة لأي نوع من الأمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اتهام الناس بمجرد الظن أمر محرم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] .
وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. رواه مسلم.
إلا أنه لا ينبغي للمسلم أن يقطع صلته بأرحامه إذا حصل ظلم منهم له بتهمة أو نحوها، بل الذي ينبغي له هو أن يعفو ويصفح، وقد قال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] .
وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22] .
وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34] .
فننصح السائلة بأن تقابل الإساءة بالإحسان والعفو، وأن تصل رحمها.
وأما قرارك عدم الدخول إلى بيتهم، فإن كان من أجل دفع التهمة عنك مستقبلا، وأنهم يشكون في دخولك عليهم، فلا حرج عليك في ذلك، مع التأكيد على صلتهم والسؤال عنهم ولو بالهاتف، وتأكدي أنكِ إذا قابلتِ إساءتهم بالإحسان، أنهم سيندمون على اتهامهم لك وسيعتذرون.
وليس من صفات المؤمن الصادق اليأس والإحباط وفقدان الأمل عند مرور بعض الشدائد، بل من صفاته الصبر واللجوء إلى الله عز وجل وكثرة الاستغفار، فإن الذنوب سبب لكل بلاء وفتنة، فعلى المسلم أن يلجأ إلى الله عز وجل في وقت الشدائد، ويكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل، واعلمي أنك لست أول من اتهم ممن هم براء، فهذا يوسف عليه السلام اتهم بالسرقة وغيرها، والله يعلم أنه بريء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(9/3311)
مقابلة الإساءة بالعفو والصفح رفعة في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قرأت عن مخاطر قطع الأخ، أنا مشكلتي أن زوجة أخي ظلمتني ونقلت كلام بذيئاً لأخي عني، فجاء وضربني أمامها وأنا في العشرين من عمري، بعدها قاطعتهم ولا أكلمهم، هل آثم أو تنزل لعنة الله علي رغم أنه ظلمني وضربني أمامها، ماذا أفعل حيث لا أرضى أن يصلحنا أحد، ورغم ذلك هو يرى أن الذي فعله صحيح ويصدق زوجته في كل الذي تقوله..؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك ان ما قام به أخوك من ضربك بغير حق -إن كان الأمر على ما ذكرت- هو خطأ وظلم ما كان يجوز له الإقدام عليه قبل التثبت، إلا أننا نرشدك إلى مقابلة هذه الإساءة بالعفو والصفح، فتزدادين رفعة في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى، وهو القائل: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] .
وحفاظاً على الرحم التي بينكما، وبإمكانك الاستعانة بمن يوضح له الأمر على حقيقته وإثبات براءتك مما نسب إليك، وراجعي لمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29211، 1764، 16726، 7119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1424(9/3312)
أثر الصديق على صديقه سلبا أو إيجابا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تأثير الأصدقاء في حياة المراهق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنسان مدني بطبعه، يحب أن يخالط الناس، ويتخذ الأخلاء والأصدقاء، والصديق يؤثر على صديقه سلباً أو إيجاباً، لاسيما في مرحلة الشباب، فإن كان الصديق فاسداً زين له سوء الأعمال، ودعاه إلى قبيح الخصال، فيلوث عرضه، ويدنس شرفه، ويقوده إلى مهاوي الردى، ويكتسب منه السمعة السيئة، وإن كان الصديق صالحاً ذكّره إذا نسي، وأعانه إذا ذكر، فالأول يندم أشد الندم إذا مات على تلك الحال، ويكون كمن قال الله تعالى عنه: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29] .
ويسعد الثاني بإذن الله تعالى حين يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فأي الفريقين أهدى سبيلا، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20995، 24857، 23215، 8028.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1424(9/3313)
استخدام المعاريض جائز للحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[استدعيت من قبل المدير لأتصل بفتاة لقطع إجازتها، طلبتها على المحمول ولم ترد فبعثت رسالة قصيرة عن طريق المحمول فردت بأنها لا تريد وقولي له أني لم أجدها, وذلك لمشقة الطريق عليها، في اليوم التالي استدعاني المدير وحلفني فحلفت بالله أنها لم ترد على المحمول عند الاتصال. لخوفي من أن يفتري عليها كما افترى على فتاة من قبلها. ما كفارة هذين الحلفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يظهر أنه لا بأس في هذا القول، لأنه من باب استخدام المعاريض للحاجة، وعلى هذا، فلا إثم عليك في ذلك -إن شاء الله- وليس عليك كفارة، وراجعي الفتوى رقم: 4512 لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(9/3314)
من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو معرفة كيفية المعاملة الإسلامية الصحيحة الواقية للتعامل مع الناس، وخصوصاً في مجال العمل الذي يحتاج إلى نفاق وهو السائد الآن ولا أجيده تماماً، وإذا عملت بقلة قليلة منه لا أشعر بالراحة، وإذا مشيت كما ينبغي أتهمت بأنني معقدة وغير مرنة، وإذا فعلت غير ذلك أعطيت البعض أكثر مما يستحق، فأريد الإجابة العادلة والمنصفة والمقنعة، لو سمحتم؟
وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على الحرص على الخير، ونسأله أن يرزقك التوفيق والثبات، وبخصوص السؤال فإننا لم نفهم ما هو الأمر المسؤول عنه، إلا أننا نرشدك إلى بعض التوجيهات، وتتمثل في ما يأتي:
أولاً: تقوى الله عز وجل والخشية من عذابه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لأبي ذر رضي الله عنه: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.
ثانياً: إتقان العمل وأداؤه على أكمل وجه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.
ثالثاً: الصدق في القول والعمل، مع الله تعالى ومع النفس ومع الناس، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار.
رابعاً: الإخلاص لله تعالى وابتغاء مرضاته دون من سواه، ففي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس.
ثم إننا ننبهك إلى أن هناك ضوابط لعمل المرأة فراجعيها، في الفتوى رقم: 3859.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(9/3315)
هل يجوز أن يري عينيه ما لم تر لمقصد محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ لا يصلي أو بالأحرى يقطعها رغم كل النصائح التي تقدمها له أسرتي وزوجته، ظننت أني لو كذبت عليه بأن أقول له إنني رأيته في المنام بصورة سيئة لنفعت، فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب من أقبح المعاصي، ويزداد قبحاً وإثماً إذا تعلق بالرؤى، روى البخاري وأحمد من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر. وفي رواية: ما لم تريا.
وترك الصلاة بالكلية كفر على الراجح من أقوال أهل العلم، وعند الجمهور أن فاعله يقتل حداً لا كفراً، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 6061 فراجعيها.
وعليه فالأحوط لك ولأسرتك أن تستعينوا بالله على أخيكم وتكثروا له من الدعاء في أوقات الاستجابة، ولا تملوا من أمره بالصلاة وترغيبه فيها، فإذا لم يفد ذلك شيئاً وكنت -حقاً- تتوقعين أن الكذب سيجعله يتحمس للصلاة، فالذي يظهر هو أنه لا مانع من فعل ذلك مرة، لأن العلماء ذكروا أن الكذب قد يباح للمقاصد المحمودة، قال في دقائق أولي النهى: ويباح الكذب لإصلاح بين الناس، ومحارب، ولزوجه فقط قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به.، وراجعي الفتوى رقم: 25629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/3316)
موقف الشرع من حب فتاة لدينها وجمالها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد السلام
أود أن أسأل عن مسألة الإعجاب والوقوع في حب فتاة لتمام دينها وجمالها دون التفكير في الجنس والغرائز
والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتلك المحبة لا إثم فيها إذا سلمت من ذريعة الحرام كالخلوة بها أو النظر إليها، فإذا أردت الزواج منها ووجدت سبيلا لذلك فهذا مطلوب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه في سننه.
والمعنى أنه إذا كان بين اثنين محبة، فتلك المحبة لا يزيدها شيء من أنواع التعلقات بالتقربات، ولا يديمها مثل تعلق النكاح، فلو كان بينهما نكاح مع تلك المحبة، لكانت المحبة كل يوم بالازدياد والقوة، وفي الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وإذا لم يكن هناك سبيل للزواج منها، فلا تشغل قلبك بهذه الفتاة، واقطع كل علاقة بها مخافة الفتنة، وراجع الفتوى رقم: 5707، ورقم: 4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(9/3317)
الرد عن عرض المسلم واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في كندا وصديقتي تعيش مع أم زوجها، ودائماً تحكي لي ما تعمل بها ... وفي نهاية الحديث تقول لي: لا أجد أحداً أفضفض له غيرك ... هل يعتبر هذا الأمر غيبة، وهل علي من إثم بسبب السماع؟
والله أعلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان القصد من وراء ما تحكيه لك طلب المشورة والنصيحة، أو التظلم إن كان قد وقع عليها ظلم، فلا حرج في ذلك بشرط أن يقتصر في ذلك على ما تدعو إليه الحاجة، وأما إذا كانت تحكي لك بقصد التشهير أو النيل من عرض أم زوجها تشفياً، فهذا لا يجوز وهو غيبة، ولا يجوز لك سماعها دون أن ترديها، فإن سمعتِها مختارة ولم ترديها أثمت، لأن الرد عن عرض المسلم واجب، وقد ورد الوعيد على تركه، كما في سنن أبي داود: ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته.
وقد نص الصنعاني في سبل السلام على وجوب الرد عن عرض المسلم، واستدل بالحديث المذكور، وبأن اغتياب المسلم من المنكر الذي يجب إنكاره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1424(9/3318)