الحقد والحسد من ثمرات ضعف الإيمان وعدم الرضا بالقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر بالغيرة الشديدة من بنت خالتي ـ ليس لأنني أكرهها ـ ولكن لأن الله وفقها إلى السفر والحصول على الجنسية الغربية، وهذا حلم حياتي الذي أسعى إليه جاهدة منذ سنين ولم يوفقني الله، في حين أنها حصلت عليها بمنتهى السهولة، فأنا أشعر بالنار في صدري وأسأل: لم لم يوفقني ربى؟ مع أننى مجتهدة وأسعى وأدعو الله منذ سنين، وأنا سأموت من الحقد والغيرة، وأصبت بالاكتئاب، ولا أريد أن أرى أوأتكلم مع أحد ـ حتى إنني لا أستطيع العمل أو القيام بالواجبات المنزلية ـ فأنا سأموت إن لم أسافر، ولكن الله حرمني من أمنية حياتي، كيف أخرج من حالة اليأس والإحباط والحقد هذه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تعانين منه من آثار هذه الغيرة والحقد ثمرة من ثمرات ضعف اليقين وقلة الرضا بقضاء الله سبحانه، ولو استقر في قلبك اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، وأن أفعاله سبحانه كلها بعلم محيط وحكمة بالغة، وأن قضاءه دائما لعبده المؤمن هو الخير ـ وإن ظهر في صورة الشر ـ وهو العطاء ـ وإن ظهر في صورة الحرمان ـ لو استقرت هذه المعاني في قلبك لما استزلك الشيطان إلى هذه الأضغان والأحقاد. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 114953، 9803، 106294، ففيها الحديث عن الرضا بالقضاء وأثره في الحياة الهانئة السعيدة.
ثم إن ما يثير العجب أن غيرتك من هذه المرأة لم تكن بسبب سبقها لك في أمر مستحب شرعا، بل ولا مباح وإنما في أمر هو في الأصل محرم ممنوع، لأن الهجرة إلى تلك الدول والتجنس بجنسياتها ذريعة عظيمة إلى الشر وفساد الدين وضياع الأخلاق وفساد الذرية، كما بيناه في الفتوى رقم: 26795.
فتفطني ـ رحمك الله ـ لهذه المعاني وتلك الأحكام الشرعية، واتخذي من هذه المحنة سبيلا لتجديد إيمانك بالله ويقينك بحكمته وعلمه ورحمته، ودعي عنك التنافس مع الناس في أمور الدنيا، فإنه من المهلكات، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
واجعلي مجال تنافسك مع الخلق في أمور البر والخير، وما يقربك من الله سبحانه، قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين: 26} .
جاء في تفسير السعدي: وَفِي ذَلِكَ: النعيم المقيم، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله، ـ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ـ أي: يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(9/2261)
السر أمانة وإفشاؤه خيانة ومحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت لزوجي أمراً يخص العائلة وطلبت منه أن لا يذكره لأحد، لأن ذكره يخزيني ويؤذيني، فلم يعترض، ثم ما كان منه إلا أن أخبر أحد أصدقائه بهذا الأمر، وقد عرفت صدفة بما فعل، فبرر فعلته بأنه أدرى وأعرف مني بما يجب أن يقال، وما لا يجب ذكره، فهل يحل له ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله زوجك من إفشاء هذا السر لا يجوز وهو آثم بفعله هذا، لأن السر أمانة وإفشاؤه خيانة، فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه قال: إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة. حسنه الألباني.
ومعنى: ثم التفت أي: التفت يمينا وشمالاً خشية أن يسمع، جاء في عون المعبود: قال ابن رسلان: لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائماً مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. انتهى.
قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.
وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه، لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا والنميمة إن كان مستخبراً. انتهى.
فعلى زوجك أن يتوب إلى الله ويستغفره مما كان منه من إفشاء ما ائتمنته عليه من أسرار، وننصح هنا بأمرين:
1- إطلاع الزوج على هذه الفتوى.
2- ألا تسمحي لهذا الأمر بأن يعكر صفو العلاقة بينك وبين زوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(9/2262)
المسلم يحسن الظن بإخوانه ولا يقبل الخداع
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أعرف من يخدعني؟ وإن كان حالفا بالله هل أصدقه أم أكذبه؟ مع العلم أن كلامة غير مقنع وعندي أدلةعلى ذلك ولكن هو على نفس منهجى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في المسلمين السلامة، والواجب على المسلم إحسان الظن بهم جميعا، ما لم يثبت خلاف ذلك. فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. {الحجرات:12} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً. متفق عليه.
ومع أن المسلم يحسن الظن بإخوانه ولا يجوز أن يكون مخادعا أو غادرا. فعليه أن يأخذ حذره ولا يقبل خداع المخادعين. كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا. {النساء:71} .
وكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: لست بالخب ولا الخب يخدعني. والخبّ هو: المخادع الغادر.
والذي ننصح به بعد تقوى الله تعالى هو النصيحة لمن يقوم بالخداع أن يتقي الله تعالى ويبين له أن الخداع والحلف على الكذب حرام لا يجوز فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المكر والخديعة والخيانة في النار. رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني. وفي رواية الطبراني: من غشنا فليس منا، والمكر والخديعة في النار.
وأن يحذر منه، ويحذر منه المسلمون إذا لم يتب إلى الله تعالى. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 41082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1430(9/2263)
يستحب الستر عن الشخص ما يقال عنه من سوء إذا لم يكن للإخبار فائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن شيء: لدي عم يمارس اللواط، أنا لم أره ولكن الناس كلهم يصفونه بذلك، ولقد حدث شيء ما أكد ذلك هو أن لدي أخا عمره 23 سنة، وإني أعرفه بصدقه حيث إنه أتى ذات يوم إلى زوجي وأخبره بأن ذلك وقع في اليوم الذي بات فيه عند عمي، وأخبره بأنه عند ما كان عنده وضع شريطا إباحيا ثم قام إليه ليمارس معه اللواط ولكن أخي رفض. فأخبرني زوجي وأنا قمت بإخبار أهلي خوفا أن تتكرر المسألة مع أحد آخر من العائلة وليأخذوا حذرهم منه، ولكنه عندما علم-عمي- بذلك كذبه بل اتهم أخي بأنه كان قد أخرج أخي من الشرطة لأنهم ضبطوه مع رجل يمارس اللواط وهو أخرجه بمنصبه. والآن لا أعرف ماذا أفعل هل أخبر أخي بهذا أم أسكت لأني خائفة أن أقع في النميمة؟ علما أن عمي ليس لديه دائما سوى الكذب، فلقد أخبر عن أخي كل العائلة ولم يبق سوى أهلي لم يعلموا بذلك فأفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز المسارعة في اتهام عمك بهذه التهمة الشنيعة لمجرد كلام الناس وإشاعاتهم دون أن يكون لك حجة بينة على فعله هذا, لأن اتهامه بدون بينة يعتبر من القذف المحرم , وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 97927.
وأيضا فإن ما يشيعه عمك عن أخيك من اتهام بهذه التهمة حرام, فينبغي لك أن تنصحي له وتعلميه أن الخوض في عرض ابن أخيه واتهامه بفعل الفاحشة والتشهير به بين الناس لا يجوز، فإن لم يستجب لك في هذا فيمكنك أن تعلمي بذلك من يستطيع التأثير عليه وكفه عن هذا الباطل, ولكنا لا نرى أن تخبري أخاك بذلك لأنه سيترتب على ذلك ضرر بالغ أدناه تأذي أخيك واستيائه من ذلك, ومن أجل هذا استحب أهل العلم أن يكتم الناس عن الشخص ما يقال عنه من سوء إذا لم يكن للإخبار فائدة, مستدلين على ذلك بقصة أم المؤمنين عائشة وما حصل لها من اتهامها – ظلما وبهتانا - بالشر من قبل بعض الناس فلم يخبرها أحد بذلك حتى علمت به قدرا من أم مسطح.
جاء في شرح النووي على مسلم: يستحب أن يستر عن الإنسان ما يقال فيه اذا لم يكن في ذكره فائدة كما كتموا عن عائشة رضي الله عنها هذا الأمر شهرا ولم تسمع بعد ذلك إلا بعارض عرض وهو قول أم مسطح تعس مسطح. انتهى.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(9/2264)
حكم الكذب من أجل الحصول على إجازة من العمل للاعتكاف
[السُّؤَالُ]
ـ[هداني الله منذ فترة وقد مرت علي شهور رمضان في سنوات عديدة قصرت فيها في العبادات، نويت هذا العام أن أقيم الليل وأعتكف في العشر الأواخر ـ إن شاء الله ـ لأنني لا أضمن عمري في السنوات القادمة، والمشكلة أن مديري في العمل سيدة غير متدينة، وأعلم جيداً أنني لو طلبت منها الحصول على إجازة من العمل لأجل الاعتكاف سترفض، ففكرت في أن أكذب عليها مضطراً وأقول إن أمامي فرصة سفر للعمرة في العشر الأواخر لأن هذا الحل سيجبرها أن توافق على منحي إجازة لعلمها بقلة توافر فرص العمرة، فهل لو منحتني إجازة للعمرة، بينما أنا معتكف في المسجد أكون آثما على هذا؟ وإذا كان في هذا إثم فرجاء أشيروا علي، كيف أتصرف مع هذه المديرة وأنا أرغب في إجازة للاعتكاف؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمة الهداية والاستقامة، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأما بالنسبة للإجازة التي تريد، فإن كانت من حقك ولا يترتب عليها إضرار بجهة العمل، فلا حرج عليك في الأسلوب الذي ذكرته لتتمكن من الحصول عليها، طالما أنه لا يمكن غيره، وينبغي أن تقصد بذلك التورية لا الحقيقة، فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، كأن تعني بالعمرة، العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17018.
وقد قال ابن القيم بجواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. راجع زاد المعاد، ونقل ذلك عنه وأقره ابن مفلح ـ في الآداب الشرعية ـ والبهوتي في كشاف القناع والسفاريني ـ في غذاء الألباب.
وقال ابن الجوزي: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن. اهـ من كشف المشكل.
وقال النووي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً. اهـ من رياض الصالحين.
وللمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 52199، 38280، 50157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(9/2265)
كيفية التعامل مع الاتهام الباطل الفاحش
[السُّؤَالُ]
ـ[عند عودتى للمنزل أنا وزوجي وجدنا جوابا من مجهول يتهمنا فيه بالجهر بشهوتنا الجنسية أثناء الجماع. ويدعي أنه سمع كلاما جنسيا، أقسم بالله العظيم عمرى أنا وزوجى ما نطقناه وأخجل من ذكره أصلا، ويتهم زوجى بالديوث وأني عاهرة، والمشكلة أنه كاتب اسم زوجي في الجواب يعني ليس مجرد جواب جاء غلطا مع أننا مشهورون بين الجيران بحسن الخلق، ولا يوجد أي بغضاء بيننا وبين الجيران، وهناك علاقة طيبة معهم، ولم يحصل منا هذا لأنه حرام جدا، وكاتب أنه أحد الجيران. ما العمل؟ هل يجمع زوجي الجيران ويعرف من بعث هذا الجواب أم يغض النظر عن هذا الهراء ويسكت ولا يفعل شيئا؟ أنا أخشى كلام الناس علي وعلى زوجى أيضا يمكن يطمعوا في ويعتدوا علي على أساس أني لست على خلق. أرجوكم أفيدونى ولا تهملوا رسالتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا الشخص من كتابة هذا الرسالة البذيئة فعل منكر قبيح لا يصدر إلّا من سفيه جاهل، ساقط العدالة والمروءة، والذي ننصحكم به هو أن تضربوا عن هذا الأمر صفحا، وتعرضوا عنه جملة وتفصيلا. فبهذا الطريق وحده يندفع عنكم شره, أما أن تقلبوا فيه وتسألوا عنه الجيران أو غيرهم بغية التحقق من فاعله فهذا سبيل لإشاعته وإفشائه, ومثل هذه الأمور لا علاج لها إلا بتجاهلها والإعراض عنها, بل إنا ننصحكم ألا تخبروا بهذا الحادث أي أحد لا صديق ولا قريب بل تعاملوا معه وكأن شيئا لم يحدث , وما دمتما من أهل الطاعة والمحافظة على حدود الله فلن يضركما ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1430(9/2266)
دلالة الفرح بالتوفيق للعمل الصالح والدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بالدعوة إلى الله منذ فترة بعيدة، ولكن هناك بعض المعاني تعترينى حيال هذه الدعوة فأرجو أن توضحوا لي هل هذه المعاني قادحة فى الإخلاص وبالتالي أكون مرائيا أم أن هذه المعاني تعتبر من الطبيعة البشرية وبالتالي لا أؤاخذ عليها:
1- إذا وفقت فى أداء الخطبة مثلا وأديتها بصورة رائعة أفرح بقلبي وأستبشر، وإذا لم أوفق التوفيق المطلوب يعتريني بعض الضيق لعدم هذ التوفيق، وهذا الاستبشار أو الضيق لا يتعديان القلب وأحاديث النفس أي إنها لا تتعدى إلى كلام أو غيره.
2- إذا قمت بأداء درس مثلا وكان عدد الجمهور الحاضر كبيراً تزيد ثقتي فى نفسي وأستبشر بذلك، أما إذا كان عدد الجمهور قليلا فقد يصيبني بعض الضيق. ولكن أيضا هذه المعاني لا تتعدى القلب كما أنها لا تؤثر فى أدائي لهذا الدرس بل أقوم به أيضا على الوجه الأكمل، أي أنني أقوم بأداء الدرس كما ينبغي سواء كان الجمهور كثيراً أم قليلاً، ولكن الفارق هو الاستبشار والفرح فى الأول والضيق فى الثاني. كما أحب أن أوضح لحضراتكم أنني لا أبغي من وراء هذه الدعوة إلا وجه الله، ولكن ما يقلقني توارد هذه المعاني على قلبي وفى خاطري وأحاول بشتى الطرق أن أدفعها. فهل توارد هذه المعانى قادح فى الإخلاص أم أن الله يعفو ويصفح عن ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع الرائع وجعله الله فى ميزان حسناتكم يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي يجده السائل الكريم في نفسه إذا أحسن أداء الخطبة أو كثر عدد الحضور، إما أن يكون استبشاراً بنعمة الله تعالى وفرحاً بفضله وتطلعاً إلى قبوله، ورجاءً في ثوابه دون النظر لحال الناس والشهرة فيهم، والتطلع لثنائهم وعلو المنزلة عندهم، فهذا يذكر في حقه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وإما أن يكون إعجاباً بالنفس وانشغالاً بالنعمة عن المنعم، أو ميلاً للأسباب الجالبة لثناء الناس وتقديرهم فهذا خطر عظيم وآفة مهلكة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَمَّعَ سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به. متفق عليه.
قال ابن حجر: قال الخطابي: معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه. وقيل: من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة. وقيل: المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة. انتهى.
وهذا لا شك من العجب المذموم الذي هو في الحقيقة استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم، والفرح الحاصل من هذا العجب إنما يكون من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له، لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه، كما قال الغزالي. وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 32856.
والعجب المذموم يمكن زواله إذا غلب على القلب أن النعمة والكمال ابتداءً وبقاءً إنما هي من فضل الله، إذا شاء سلبه وإذا شاء أعطاه، فكان الفرح بفضله وتوفيقه وهداه، لا بالنعمة ذاتها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 63817، وليس من هذا النوع ما يحصل للمرء من السرور بما يفعله من الطاعات، ومع ذلك فحال المؤمن دائماً الخوف من النفاق والرياء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 45059. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 52210، 11255.
وعلى أية حال فالإخلاص شرط ضروري لأي عمل دعوي، وحب الظهور والشهرة والإعجاب بالنفس آفات مهلكة، وراجع في ذلك الفتويين: 25568، 6802.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(9/2267)
من مداخل الشيطان للتثبيط عن فعل الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من أعمال الخير التى أحاول المشاركة فيه مثل زيارة الأيتام والقوافل الطبية أشعر بأن نيتي ليست خالصة لله، وأني قد أنتظر مدح الناس فى بعض الأحيان مع محاولتي أن أنكر هذا على نفسى وأنهرها عن هذا، وأحيانا أتقن عمل الخير الموكل لي كي يكون المشرف سعيدا، أو يوكل إلي أعمالا أخرى فى المستقبل، مع العلم أني لا أتقاضى عليها أجرا وكل هذا لا يخرج من نطاق وسوسة نفسي فى أغلب الأحيان.
فما الحل لكى أخلص النيه لله؟ فى بعض الأحيان تحدثنى نفسى باجتناب أعمال الخير إن كنت أشعر أنها ليست خالصة لوجهه الكريم، وأحيانا أخرى أقول لا عسى الله أن يتقبلها. فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالاستمرار في المشاركة في هذه الأعمال الطيبة وأمثالها، مع الاهتمام الدائم بمجاهدة نفسك وتصحيح نيتك، والحذر من مفسداتها، والتيقظ لمداخل الشيطان اللعين. ومن هذه المداخل أن يلبس عليك بترك الأعمال الخيرية خشية الوقوع في الرياء. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 24345، 59502، 8523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1430(9/2268)
التفكير في محاسن النساء.. رؤية شرعية أخلاقية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب غير متزوج ولا أستطيع الزواج لعدم قدرتي المادية على الزواج إلا بعد خمس سنوات على الأقل وأسرح بفكري في الحب الطاهر العفيف البعيد عن الدنس، وأحببت فتاة وأفكر فيها مع استحضاري لصورتها مع أنني لا أفكر فيها إلا بكل خير وحب بعيد عن التخيلات الجنسية من قبلات وأحضان، مع العلم أنني ملتزم ـ والحمد لله ـ بواجبي الشرعي أمام الله ورسوله، فهل ذلك التخيل والفكر حرام شرعا؟ أم أنه حلال؟ وأرجو النصيحة من سيادتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تفكيرك بالأجنبية يتعين البعد عنه ولا سيما إذا اشتمل على استحضار صورتها أو كانت صورتها أمامك فعلاً، وقد نص أهل العلم على حرمة التفكر في محاسن النساء الأجنبيات، فقد ذكر ابن حجر في الفتح عند شرح حديث البخاري: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها. في الحكمة من هذا النهي خشية الافتتان بالموصوفة، وقال صاحب المطهرة:
الفكر فيما ليس يعني إنما * يحرم حيث كان فيما حرما
كالفكر في محاسن الأجانب * وعورات المسلمين الغيب.
وبهذا يعلم أن التفكير في محاسن النساء محرم ولو لم يكن هناك تفكير في الأمورالجنسية ويتأكد الأمر إذا كان عندك صورة لمن تفكر بها، وعليه فننصحك بالحرص على البدار بالزواج حتى تعف نفسك ولا تربط نفسك بامرأة معينة، واستعن بالله في تيسير أمرك وإذا جاء الوقت الذي تصير جاهزاً فيه للزواج فابحث عن ذات الدين والخلق الحسن وتزوجها وأيقن قبل ذلك أن من استعف عن الحرام سيعينه الله على تحصيل العفة، وأن من تزوج ليعف نفسه سيساعده الله على مؤنة النكاح، فقد قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} .
وقال تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ {النور:32} .
وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم.. وذكر منهم: الناكح يريد العفاف. رواه النسائي.
وأكثر من الصوم والدعاء وأعمر أوقات فراغك بما ينفع من تعلم أو عمل صالح وتفكر في نعم الله عليك وفي أحوال أهل الآخرة، وراجع في ذلك الفتاوى رقامها: 72497، 11450، 106207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(9/2269)
مسائل في الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما قرأنا في فتاويكم: أن الوعد لا يلزم الواعد الوفاء به ما لم يكن يمينا حلف به جزما، أفلا يتعارض هذا مع قوله تعالى: يوفون بالعهد؟ وقوله صلى الله عليه وسلم: أن خلف العهود شعبة من شعب النفاق؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقلنا في عدة فتاوى سابقة خلاف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد، فالجمهور يقولون باستحبابه، وبعض الفقهاء من المالكية ومعهم ابن شبرمة والحسن وابن راهويه وابن الأشوع وعمر بن عبد العزيز: يقولون بوجوبه. وقد قوى هذا القول السخاوي في كتابه التماس السعد في الوفاء بالوعد، وقد استدل الموجبون بحديث الصحيحين والوارد في النفاق العملي وببعض الآيات الواردة في الوفاء بالوعد والنصوص المرهبة من الغدر، وفرق بعضهم بين من عزم على الوفاء فعرض ما يمنع الوفاء، فلا يأثم إذا عجز، وبين من وعد بنية الإخلاف، كما أن فريقا من المحققين يرون أن الوفاء به واجب حيث دخل الموعود في التزام بسببه، كمن قال لمن يريد الزواج تزوج وسأساعدك في المهر فتزوج فإنه يجب عليه الوفاء له بما وعد وهذه الحالة لا يجوز التخلف عن الوفاء عندها فيما نرى، ونرجو أن تراجع كلامهم في فتح الباري، وفي الإحياء للغزالي، وفي إعلام الموقعين لابن القيم، وإغاثة اللهفان لابن القيم أيضا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(9/2270)
حكم من مات بسبب الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إنّ من مات تحت طائلة الغضب الذي سبّبته له جلطة في المخ بتقطّع عرق في الرّأس يعتبر منتحرا قاتلا لنفسه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب جماع الشر، وكثيرا ما يلحق الأذى بصاحبه وبمن حوله، وقد ورد ذم الغضب لغيرالله فهو نزغة من الشيطان تجعل الإنسان مختل التوازن غير معتدل التفكير وقد تحمله على الوقوع في المخاطر، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: لَا تَغْضَبْ.
قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْله: لَا تَغْضَب ـ اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب وَلَا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلَا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ لِأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لَا يَزُول مِنْ الْجِبِلَّة، وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل الطَّبْع الْحَيَوَانِيّ لَا يُمْكِن دَفْعه، فَلَا يَدْخُل فِي النَّهْي لِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيف الْمُحَال. انتهى.
وقال الباجي في شرح الموطأ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ لَا تَغْضَبْ ـ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُمْضِ مَا يَبْعَثُك عَلَيْهِ غَضَبُك وَامْتَنِعْ مِنْهُ وَكُفَّ عَنْهُ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ. انتهى.
فالغضب قد لا يملك الإنسان دفعه، وهو لا يعتبر غالبا من أسباب الموت وليس كل من يغضب ويشتد غضبه يموت، فلا يعتبر من مات من الغضب منتحرا ولا قاتلا لنفسه، ولكنه أساء بترك دفع الغضب عن نفسه حتى تمكن منه وآذاه، وقد بينا في فتوى سابقة برقم: 50489، أن من تعاطى سبب الانتحار بغير قصد الانتحار لا يكون منتحرا، والغاضب أولى بألا يكون منتحرا، لأن الغضب وإن كان من مظان الأذى لكنه ليس من أسباب الانتحار، وقد كان البعض يغضب في وجود النبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي بأمره بإزالة أسباب الغضب دون أن يعتبر هذا الغضب شروعا في القتل مهما ازدادت حدته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(9/2271)
الغيرة نوعان
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني التخلص من صفة الغيرة؟ حيث إنني أحسست مؤخرا أنني أتصف بها وخصوصا في المواضيع التي تخص الدراسة، ولكنني عندما أحس بهذا الشعور أحاول أن أضعفه في نفسي ولا أترك له المجال أن يفرق بيني وبين صديقاتي، ولكن أكره هذا الشعورالموجود بداخلي عندما أحسه وخصوصا أنني أعزها وأتمنى الخير لها، وأحب المنافسة التي تحصل بيننا في الدراسة، ولكن لو كنت أنا في المقدمة، ولكن إذا كان العكس أحس أنني ضعيفة وينتابني شعور بالإحباط، علما بأنني ملتزمة بصلاتي وديني.
جزيتم ألف خير على هذا الصرح المتميز، وأعانكم الله على خدمة الإسلام والمسلمين ـ وإن شاء الله ـ في موازين حسناتكم، وفقكم الله ورزقكم من حيث لا تحتسبون.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتغاير بين بني البشرعموما وبين النساء خصوصا أمر عمت به البلوى، وقل أن يفلت منه أحد. إلا أنه ينقسم إلى قسمين، قسم مذموم يلام عليه صاحبه ويأثم، وقسم لا إثم فيه ولا لوم، فإن وجد الإنسان الغيرة من نفسه فكتمها وأخفاها ولم تحمله غيرته على الظلم أو التعدي فلا حرج عليه من ذلك، فإذا حملته الغيرة على التنافس المحمود في فعل الخير والرقي بالنفس فإنه يحمد على ذلك.
أما من تحمله الغيرة على ظلم الغير وبغضه والسعي في انتقاصه وتحقيره فإنه آثم ولا شك، لأن هذا هو الحسد المحرم، وقد سبق بيان حقيقة الحسد وخطره في الفتوى رقم: 73932.
وبينا علاج هذا النوع المذموم من الغيرة في الفتوى رقم: 5557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(9/2272)
يتعين ذكر محاسن من اغتبت أمام من حصل تنقصه بحضرتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أسئلة في الغيبة: إنني في بعض الأحيان أسمع غيبة أشخاص لا أعرفهم، في حين هم معلومون عند المتكلم، فهل أنا ملزم بالرد؟ رغم أنني لا أعرف الشخص المغتاب، وهل علي وزر أيضا في الغيبة التي تكون في أشخاص بغرض الوعظ وضرب المثل؟ مع الأدلة التي يستند عليها الجواز. إضافة إلى وسائل الإعراض عن الذي يغتاب وأدنى ما تبرأ به الذمة، وفي حال التوبة أستغفر للشخص المغتاب وأذكر محاسنه في المجلس الذي اغتبته فيه، فهل يشترط أن يكون المجلس هو نفس المجلس بأشخاصه؟ أم أن أي مجلس آخر تذكر فيه محاسنه يفي بالغرض؟.
وشكرا أرجوا إجابة سريعة ومستفيضة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على من سمع الغيبة أن ينكر على المغتاب بالحكمة لأن الغيبة محرمة، لما في حديث مسلم: من رأى منكم منكر فليغيره.
وقد ذكر الصنعاني في السبل: أن الرد عن عرض الأخ المسلم واجب شرعي، واستدل لذلك بالحديث الذي رواه أبو داود: ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته.
وعليه فيتعين الرد عن هذا الذي اغتيب إن أمكن وإلا فأقل واجب أن تترك الضحك والاستحسان للغيبة ومواصلة سماعها وأن تنصرف عن المجلس، وأما ذكر محاسن من اغتبت أمام الأشخاص الذين حصل تنقصه بحضرتهم فهو متعين إن أمكن سواء كانوا في مجلس واحد أم لا، وإن لم يتيسر لقيهم فلا يكلف الله نفسا إلى وسعها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للأطلاع على البسط في الموضوع: 41506، 31883، 39027، 52780، 58639، 66124.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(9/2273)
التسبب في المخاصمة حالق للحسنات
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي ضريرة مسنة، تعيش مع أخي في مسكن واحد، وأنا كنت علي بزيارتها كل يوم أنا وزوجتي وأولادى لكن انقطعت الزيارة بسب أخي الذي يصنع الكره ويضعه فى قلب أمي من ناحتي، ويستفزها بأفعال لم أفعلها أبدا وهى تصدقة وتدعو علي، وأصبحت لاتود أن تسمع اسمي أو أي صوت من أصوات أبنائي وزوجتي التى قطعت زيارتها بسب معاملة أمي المسيئة التي كان سببها أخي، لأنه يود أن يفرق بيننا وبين أمي التي لا تغادر الفراش وبأى سبب؟ لا نعلم، لكن الله يعلم ما في ذات الصدور. فما حكم الدين في أخي؟ وهل دعاء أمي علي يمكن أن يستجاب؟ ومن الذى يحمل الوزر فى ذلك؟ هل ما يفعله أخي يرديني أنا أم يرديه؟ ولكني أود أن أعرف ماعقابه عند الله؟ وجعلكم الله عونا لنا ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأم عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات، كما أنّ عقوقها من أكبر الكبائر، ولا سيما إذا كان في حال ضعفها ومرضها. قال تعالى:.. إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. {الإسراء:23} .
فلا يجوز لك مقاطعة أمّك مهما أساءت إليك، والواجب عليك مداومة زيارتها وبرّها والعمل على إزالة ما يغضبها منك، والسعي في كلّ ما يرضيها ممّا لا يخالف الشرع، أمّا زوجتك فلا يجب عليها زيارة أمّك، وعليك أن تقابل إساءة أمّك بالإحسان فذلك بإذن الله يذهب الشحناء ويوجد المودة، وإذا قمت بما يجب عليك نحو أمّك من البرّ والإحسان فلا يضرّك غضبها منك أو دعاؤها عليك بغير حقّ، فمثل هذا الدعاء لا يستجاب إن شاء الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
واعلم أنّ اتهامك لأخيك بالإفساد بينك وبين أمّك لا يجوز من غير بينة، فالأصل في المسلم السلامة، والواجب إحسان الظن به وعدم الإقدام على اتهامه إلا ببينة ظاهرة، أمّا إذا كنت على يقين من قيامه بالإفساد بينكما، فلا شكّ أنّ ذلك منكر عظيم، ومن أبغض الأمور إلى الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العيب. رواه الطبراني في الصغير والأوسط.
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ.
قال المناوي: أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد ... (فإنها الحالقة) أي الماحية للثواب المؤدية إلى العقاب. فيض القدير.
ولكن ننبهّك إلى أنّ لأخيك حقاً عليك مهما كان حاله فعليك صلته مع مداومة نصحه والدعاء له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(9/2274)
حكم ترك الأعمال الصالحة لعدم وجود نية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترك عمل صالح لعدم وجود نية له وإن كان هذا العمل فرضا مثل الصلاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لمسلم أن يترك عملا صالحا كالصلاة أو غيرها من الفروض لعدم وجود نية له، بل هذه من وساوس الشيطان ليصد المسلم عن العمل، ولذا كان العلماء إذا عرض لهم الشيطان ليصدهم عن العبادة بهذه الوساوس أرغموه وغاظوه وزادوا في عبادتهم؛ ولهذا قال الحارث بن قيس رضي الله عنه: إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال إنك ترائي فزدها طولا. تلبيس إبليس لابن الجوزي.
فجاهد نفسك للاستقامة على الفرائض، والإتيان بالعبادة وبالنية التي تناسب هذا العمل، واعلم أن العمل الصالح لابد أن يتوفر فيه شرطان:
الأول: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون العمل وفق سنته.
الثاني: الإخلاص لله، كما قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. {الكهف: 110} . وانظر الفتوى رقم: 14005. ففيها تفصيل هذين الشرطين، والفتوى رقم: 7515. ففيها بيان كيف يمكن إخلاص النية والحفاظ على ذلك الإخلاص.
ونذكرك بقول الفضيل بن عياض رحمه الله: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: الخلاص من هذين. وفي رواية عنه: والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.
وقد بينا في الفتوى رقم: 23080. أنه لا يجوز ترك الصلاة خوفاً من الرياء، فراجعها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(9/2275)
متزوج.. وقلبه متعلق بامرأة أجنبية عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني متزوج وقلبي مشغول مع غير زوجتي وتأتيني أوقات أفكر في الأخرى أكثر من زوجتي، ولا أطيق أن لا أحدثها أسبوعيا على الأقل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يقرّ الإسلام علاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية بغير الزواج، وتعلّق قلب الرجل بالمرأة الأجنبية، إذا نشأ عن تفريط في التزام حدود الشرع وآدابه في تعامل الرجال مع النساء، فإن صاحبه آثم وعليه أن يجاهد نفسه للتخلص من ذلك، وهذا التعلّق يؤدي إلى مفاسد وأمراض قلبية كمرض العشق، وراجع الفتوى رقم: 9360.
أمّا إذا وقع تعلقّ قلبيّ بين رجل وامرأة بدون قصد وسعي منهما فإنه لا إثم عليهما في ذلك، لكن الطريق الوحيد الذي يقره الشرع في العلاقة بينهما هو أن يخطب الرجل المرأة من وليها الشرعي، وتظل العلاقة بينهما كالعلاقة بين الأجانب حتى يعقد عليها، فتصير زوجة له، وأما إذا لم يتيسر زواجهما، فليسع كل واحد منهما في إزالة هذا التعلق القلبي.
وعليه فالواجب عليك أن تتوب إلى الله وتكفّ عن محادثة تلك المرأة، وإذا كنت ترغب في زواجها وكنت قادراً على الزواج ومراعاة العدل بين زوجتيك فلا مانع من الزواج بهذه المرأة.
وأمّا إذا لم تكن قادراً على الزواج أو لم تتمكن من الزواج منها، فعليك أن تزيل من قلبك هذا التعلّق، بقطع كلّ علاقة بها وعدم الاسترسال مع الأفكار والخواطر وشغل الأوقات بالأعمال النافعة، والحرص على تقوية الصلة بالله بتعلّم أمور الدين والحرص على الصحبة الصالحة التي تعين على الخير وحضور مجالس العلم والذكر، مع كثرة الدعاء أن يعصمك الله من الفتن.
وننبهك إلى أن التزام الرجل بحدود الله وغض بصره عن الحرام من أهم أسباب قناعة الزوج بزوجته، كما أن إطلاق البصر في المحرمات يزهّد الزوج في زوجته ولو كانت أجمل نساء الأرض، ويفتح الأبواب للشيطان ليزين له الافتتان بغيرها والنفور منها، فاحرص على غض البصر وسد أبواب الفتنة، وعاشر زوجتك بالمعروف لعلّ الله يجعل لك فيها خيراً كثيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1430(9/2276)
لم يثبت حديث في النهي عن إيذاء الجار برائحة الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم أن تدلوني على الأحاديث الواردة في من آذى جاره برائحة شوائه؟ وهل يستحب أكلها بعد ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأذى الجار من كبائر الذنوب كما بينا في الفتوى رقم: 60282. فراجعها.
وأما عن الأحاديث الواردة في أذى الجار فهي كثيرة، لا تحيط بها هذه الفتوى، وسنذكر منها بعض ما تيسر ونحيلكم على المراجع والكتب التي تضمنت تلك الأحاديث، ومن هذه الأحاديث: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ. رواه البخاري ومسلم. وعَنْه أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. رواه مسلم. والبوائق هي الدواهي والشرور.
وقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ: فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد وصححه ابن حبان والمنذري والألباني.
ووردت أحاديث كثيرة أيضا في لزوم تعاهد الجيران بالطعام ونحو ذلك لاسيما إن كانوا محتاجين، ومن ذلك: حديث أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ. رواه الطبراني في الكبير وحسنه المنذري وصححه الألباني.
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ.
وأما ما ذكر في السؤال من رائحة الشواء، فلم نقف على حديث فيه ذلك، ولعل السائل يقصد: إذا شم جاره رائحة شوائه أو طعامه ولم يعط له منه، وقد وردت أحاديث فيها هذا المعنى ولكنها لا تصح ومنها: حديث طويل في بيان حق الجار وفيه: وَلَا تؤذه بِقُتَارِ – أي: رائحة- قدرك إِلَّا أَن تغرف لَهُ مِنْهَا، وَإِن اشْتريت فَاكِهَة فأهد لَهُ. إلخ الحديث. أخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في شعب الإيمان. وقال ابن القطان: وَهَذَا حَدِيث مُنكر، وَإِسْنَاده ضَعِيف لَا يعول عَلَيْهِ. اهـ. وكذا قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم والبيهقي في شعب الإيمان.
وما ورد من إطعام الجار من طعامك هو على سبيل الاستحباب، إلا إذا كانوا لا يملكون القوت الضروري ولم يكن لهم ما يعينهم فيجب على الجار إن كان عالما بحالهم ويستطيع مساعدتهم أن يواسيهم من طعامه.
وأما ما شموا رائحته ولم تعطهم منه مع عدم اضطرارهم فلا يكره أكله؛ إذ الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والحديث الوارد في هذا سبق أنه ضعيف. والله أعلم.
وللاستزادة حول ما ورد من أحاديث في تحريم أذى الجار ننصح السائل بالرجوع للكتب التالية:
صحيح البخاري كتاب الأدب: باب الوصية بالجار، صحيح مسلم كتاب الإيمان: باب، بيان تحريم إيذاء الجار، جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار. الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، باب الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه، كتاب شعب الإيمان للبيهقي، السابع والستون من شعب الإيمان وهو باب في إكرام الجار. وغيرها من كتب السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/2277)
لا بأس بالوساطة للمصلحة إذا لم تؤد إلى تضييع الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكمل السنة الأخيرة من دراستي الجامعية، ليس لأنني رسبت ولكن لأسباب أخرى خاصة بي، وأنا الآن أريد أن أكمل هذه السنة، ولكنهم لا يسمحون لي نظرا لطول مدة انقطاعي عن الدراسة، ولكن والدي قال لي إنه يعرف واسطة تمكنني من الالتحاق بالجامعة هذه السنة دون دفع المال لذلك الشخص الواسطة. فهل هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يريده أبوك هو وساطة، إذ الوساطة هي بذل الجاه عند ذوي السلطان. لقضاء حاجة من الحوائج، والأصل فيها الجواز، بل إنها من الأمور الخيرية التي أمر الشارع بها ورغب فيها، قال صلى الله عليه وسلم: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء. متفق عليه.
وتحرم إذا ترتب عليها ما يجعلها حراماً، كأن يترتب عليها إحقاق باطل، أو إبطال حق أو نحو ذلك. ولا نرى شيئا من ذلك فيما ذكرت، وبناء عليه فلا حرج فيه. وللمزيد انظري الفتويين: 78618، 33069.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/2278)
لم يثبت شرعا أن من ادعى شيئا على نفسه كفقر أو مرض لزم أن يصاب به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة المقولة التالية: من كذب وادعى أن نعمة سُلِبَتْ منه فسوف تُسْلَبُ منه بعد ذلك حقيقة ـ على سبيل المثال: من تمارض مرض، ومن كان من أصحاب الأموال الكثيرة وادعى الفقر أصبح فقيرا، فهل لهذا الكلام ما يعضده من القرآن والسنة؟ وما هو السبيل إلى المحافظة على النعم؟.
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أصلا لهذه المقالة: من كذب وادعى أن نعمة سلبت منه فسوف تسلب منه بعد ذلك حقيقة ـ وقد روي حديث مؤداه هذا المعنى ولكنه حديث منكر ولفظه: لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا.
قال ملا علي القاري في كتابه الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال عن أبيه إنه منكر، وأسنده الديلمي إلى وهب بن قيس به مرفوعا، وعلى كل حال فلا يصح. اهـ.
ولا ينبغي للمسلم أن يظهر خلاف ما هو عليه من النعمة، إذ يخشى أن يكون ذلك جحودا لها فيسلبها لأجل ذلك، وكفران النعم من أسباب زوالها، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {النحل: 112} .
وأما المحافظة على النعم فمن أعظم أسبابها شكرها بالاعتراف بها بالقلب، والثناء على المنعم سبحانه باللسان، واستخدامها في الطاعة، قال الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم: 7} .
ولمزيد الفائدة عن كيفية الشكر وقواعده، راجع الفتويين رقم: 73736، 70399.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/2279)
حكم دخول الامتحان الذي سمح للطالب بدخوله بسبب الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في كلية ما، وفي هذه السنة لم أكمل دفع الرسوم الدراسية المفروضة علي، وعندما جاءت الامتحانات طالبتني إدارة الكلية بدفع باقي الرسوم وإلا سوف يحرمونني من الامتحانات فقلت لهم إن ظروفي الحالية لا تسمح لي بدفع باقي الرسوم، فوافقت إدارة الكلية على أن أؤدي الامتحانات وقامت بتأجيل دفع باقي الرسوم، والحقيقة أنني كنت أستطيع دفع باقي الرسوم قبل أداء الامتحانات، هل أدائي لهذه الامتحانات جائز بالنسبة لي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته لإدارة الكلية من كون ظروفك لا تسمح بدفع باقي الرسوم على خلاف الحقيقة هو من الكذب المحرم، وعليك أن تبادر بالتوبة مما وقعت فيه من الكذب المحرم، وأن تبادر بسداد مصاريف الدراسة حسب الشروط المحددة لذلك، ولا حرج عليك ـ إن شاء الله تعالى ـ في القيام بأداء الامتحانات، وما يترتب عليها من عمل في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(9/2280)
كيفية التوبة من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة من اغتبناهم من الناس؟ مع العلم أن منهم من قد توفاه الله، وربما سبب ذلك حقدا وضغينة بدل حل المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رد المظالم القابلة للرد وهي المظالم المالية أمر واجب إن لم يعف أصحابها أو ورثتهم، وكذالك يجب التحلل من أصحاب المظالم غير القابلة للرد ومنها الغيبة، ولكن إن كان المظلوم لا يمكن الاستحلال منه بسبب وفاته أو بسبب كون ذكر الأمر يثير مشاكل، فالأولى ستر الموضوع والتوبة، والإكثار من الاستغفار للمظلوم والدعاء له والثناء عليه بالخير أمام الناس مع إكثار التائب من العمل الصالح.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على كلام أهل العلم في الموضوع: 18180، 4603، 24940، 120912، 119222، 113925.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1430(9/2281)
العفو والصفح من أخلاق المتقين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع، أرجوكم إجابتي بدون تحويلي إلى أرقام فتاوى:
أنا تعرضت للظلم من شخص ما، بداية الأمور كنت أتمنى من الله أن ينتقم منه ولكن بعدها احتسبت الموضوع عند رب العالمين، صرت كل ما أتذكر ما عمله أقول الله يسامحه ويغفر له ويعفو عنه. هل بهذا أأثم أني سامحته، وخصوصا أن ظلمه دمر حياتي، وتقريبا يوميا أستغفر له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يأثم الإنسان بعفوه عمّن ظلمه، وإنما يثاب على ذلك، فقد رغّب الشرع في العفو والصفح عن المسيء، قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. {النحل: 126} . وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. {الشورى: 43} .
والعفو عن المسيء سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النور: 22} .
كما أن العفو يزيد المسلم عزاً وكرامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:.... وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1430(9/2282)
حرمة الكذب لما فيه من الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر كذبة عندما أنقر على زر مثلا مكتوب عليه أكملت قراءة لائحة الشروط وأنا لم أقرأها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الذي يضغط هذا الزر يعرف محتوى هذه الشروط، لكونها مكررة مثلا، فلا حرج عليه في عدم قراءتها، ولا يعد ضغطه ذلك كذبا.
وأما إن كان لا يعرف محتواها، وأمكن أن يترتب على ذلك ضرر له أو لأصحاب البرنامج، أو تعدٍ لشرط وافق عليه، فيلزمه أن يقرأ اللائحة أولا، وإلا فقد عرض نفسه للزلل والوصف بالكذب.
قال ابن الجوزي كما في كشف المشكل: الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد. اهـ
وبنحو ذلك قال الغزالي في الإحياء، والنووي في رياض الصالحين والأذكار، والألوسي في روح المعاني، وابن القيم في زاد المعاد، وأقره ابن مفلح في الآداب الشرعية، والبهوتي في كشاف القناع، والسفاريني في غذاء الألباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(9/2283)
طريقة شرعية لجعل اليتيم المكفول محرما لبنات كافله
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يريد أن يكفل طفلا يتيما، ويأتي به ليعيش معنا في المنزل، وأنا عندي طفلان ولد عمره 3 سنوات وبنت عمرها 6 سنوات، فقلت لزوجي إنه لو كفل بنتا فسوف تكون فتنة لابني عندما يصل لمرحلة المراهقة والشباب، لأنهم لن يكونوا إخوة في الرضاعة، وأن ذلك قد يعرض ابني لعدم غض البصر، وكذلك إذا كفل زوجي ولدا فسوف تكون نفس المشكلة مع ابنتي، وعلى ما أظن أن عليها أن تجلس أمامه بكامل حجابها؛ لأنه أجنبي عنها. أنا اقترحت على زوجي أن نكفل الطفل وهو في مكانه أي في دار الأيتام ولا نأتي به إلى المنزل، ولكنه يريد أن تكون الكفالة بالمفهوم الكامل المادي والنفسي، فما رأيكم في ما أقوله من حيث وجود طفل أجنبي أو أجنبية عن أبنائي؟ هل رأي سليم أم خطأ؟ النقطة الأخرى أنني أشعر أنني لن أستطيع أن أعامل هذا الطفل مثل أبنائي، لأن ذلك يتطلب إيمانا عاليا، فهل أنا آثمة إن لم أساعده على ذلك وجعلته يكفله ماديا فقط؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رغّب الإسلام في كفالة اليتيم، ورتّب على ذلك الأجر الكبير والثواب العظيم، فعَنْ سَهْلٍ بن سعد قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. رواه البخاري.
وعلى ذلك فحرص زوجك على كفالة اليتيم أمر حسن جميل ينبغي إعانته عليه، وأكمل صور الكفالة أن يضمّ الكافل اليتيم إليه ليعيش في كنفه ويتعاهده بالنفقة والتربية، قال النووي: كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك. اهـ من شرح النووي على مسلم.
وما ذكرت من كون هذا اليتيم أجنبي عنكم أمر صحيح، لكن من الممكن معالجة ذلك بأن ترضعيه خمس رضعات في زمن الإرضاع المعتبر وهو الحولان الأولان فيصير بذلك ولداً لك من الرضاعة وزوجك أباً له وأولادك إخوة له، فلا يكون أجنبياً عنكم، وإذا تعذر الإرضاع فيمكنكم تربيته حتى يبلغ سنّ المراهقة ثم ينفصل عنكم بالسكن.
أمّا عما إذا كنت تأثمين إذا لم تعيني زوجك على تربية هذا اليتيم، فجوابه أن لا إثم عليك، وإذا كفله زوجك بالمال فقط فهو مأجورـ إن شاء الله ـ ولكنه أجر ناقص عن الكفالة الكاملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1430(9/2284)
المداراة ليست نفاقا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز مجاملة المسيء في التعامل اليومي بالحديث معه ـ رغم الغضب والغيظ في القلب والدعاء أن يقتص الله منه ـ مراعاة للصالح العام للعائلة؟ وهل يعتبر هذا نفاقا؟ فقد يكون المسيء قريبا أو رحما أو زوجة أو غيرهم من الأقارب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يشرع للمسلم مداراة الناس وملاطفتهم مع ما في قلبه من الغيظ عليهم إذا ظلموه، ولا يعد ذلك نفاقا.
وقد بوب البخاري على المداراة وذكر فيها قول أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.
وروى بسنده الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه.
ثم إن الأولى بالمسلم أن يعفو ويصفح عن أقاربه وجيرانه، ويدفع إساءتهم بالإحسان لقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون: 96} .
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 75891، 103589، 111692.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1430(9/2285)
إخلاف الوعد من صفات المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد وعدت زوجتي الثانية لو نجحت في دراستها سآخذها للعمرة، وقد نجحت، ولكن هناك مشكلات كثيرة بيني وبينها، ولا أظن أنني يمكن أن أتحملها أو تتحملني كل مدة السفر، فالخلاف بيننا دائم وشديد جدا، ولا يكاد يكون هناك تفاهم. أنا أصبر عليها من أجل الأولاد. هل لي أن أتحلل من وعدي هذا بأي طريقة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الوعد وأقوال أهل العلم في الوفاء به، وأنه مستحب عند الجمهور، وذلك في الفتوى رقم: 17057، ومع ذلك فإن على المسلم أن يحرص على التمسك بصفات المسلم الصادق وأخلاق الإسلام الفاضلة، ومن أهمها الوفاء، فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بالعهد فقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء: 34} .
ومدح أنبياءه بصدق الوعد فقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا {مريم: 54} . كما حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- من إخلاف الوعد وقال إنه من صفات المنافقين الذميمة فقال: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
ولذلك ينبغي لك أن تفي لزوجتك بما وعدتها به، وربما كان في ذلك خير كثير لكما، فقد يكون السفر سببا لحصول الوفاق والألفة وإزالة الحواجز النفسية ونسيان المشاكل، وخاصة إذا كان سفرعبادة، ولذلك ننصحك بالوفاء لزوجتك إذا لم يكن في ذلك مشقة زائدة يصعب تحملها، أو مانع غير ما ذكر، فقلما يسلم بيت من مثل هذه المشاكل. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 77213.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1430(9/2286)
منع الزوج أم مطلقته من السكن معها في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز منع الأم أن تسكن مع ابنتها المطلقة، علما أن المنزل ملك لزوج ابنتها، وعلما أن الزوج يكره أمها لأسباب لا أخلاقية صدرت منها سابقا قبل وقوع الطلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المسكن ملكاً للزوج فمن حقّه أن يمنع أمّ زوجته أو غيرها من السكن فيه، سواء أكانت الزوجة في عصمته أم مطلقة.
بل وله أن يمنع مطلقته من السكن في بيته إن لم يكن لها موجب تستحق به السكن، كأن تكون في العدة منه، أو تكون حاضنة لأبنائه ونحو ذلك.
لكن إذ اكان سكن هذه الأم مع ابنتها لا يترتب عليه مفسدة، فالأولى ألّا يمنعها من السكن معها ما دام ذلك لا يضرّه، ولا سيمّا إذا كانت البنت تقيم وحدها بهذا المسكن، وتحتاج إلى من يبيت معها، وإذا كانت الأم قد أساءت على الزوج من قبل فالأولى للمسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النور:22} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(9/2287)
معنى حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
سمعت أن المقصود هو أن أحب لأخي المسلم ما أحبه لنفسي من أمر الآخرة من طاعة وعبادة وجنته.
هل هذا صحيح أم أن المقصود من أمر الدنيا والآخرة معا؟
أحيانا الشخص يؤثر نفسه علي غيره في بعض أمور الدنيا. هل هذا من طبيعة البشر؟ وهل هو أمر مذموم؟ وهل من فعل ذلك يكون غير مؤمن؟ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر النووي في شرح صحيح مسلم أن المراد بالحديث أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه من الطاعات والأشياء المباحة، واستدل لذلك بروايه النسائي: حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه.
واعلم أن حب المسلم الهداية لأخيه وقيامه بالفرائض واجب، وأما حبه له تحصيل أمور الدنيا المباحة فهو مستحب، وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن المطلوب هو أن يتمنى المسلم لأخيه أن يجد نظير ما يحصل لنفسه لا عينه، سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1430(9/2288)
هل الترفع عن الاعتذار عن الأخطاء للآخرين من الكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الكبر: في بعض الاحيان أفعل سلوكا خاطئا أو أفعل مشادة مع والدي مثلا. ثم تأتي لي فكرة أن أعتذر حتى وإن كان الآخر أخطأ في حقي فعلي الاعتذار وإلا يكون عندي كبر. وقد أرى في اعتذاري مذلة لي. فهل هذا كبر؟ مع العلم بأن مثل هذا الأمر قد حدث عدة مرات، وأيضا عندي وسواس. فهل يعتبر هذا وسواسا؟ مع رجاء إيضاح معنى الكبر اصطلاحا وشرعا؟ وجزيت خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكبر قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وَأَمَّا بَطْر الْحَقِّ فَهُوَ دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. وَقَوْله: وَغَمْط النَّاسِ مَعْنَاهُ اِحْتِقَارهمْ. انتهى.
وبناء على تعريف الكبر المذكور نقول: أما الوالدان فلا بد من الاعتذار لهما دائما وأبدا وإن أخطأوا في حقك، ويتأكد طلب الصفح منهما والتودد والاعتذار لهما إن كنت مخطئا، وإذا لم تفعل فيعتبر هذا نوعا من العقوق والتكبر، فقد أمر الله بالتذلل لهما وطلب رضاهما فقال: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً. {الإسراء:24} .
وأما غير الوالدين فإن أخطأت في حقه وترفعت عن الاعتذار، ورأيت أن رجوعك للحق واعترافك بالخطأ مذلة فهذا نوع من الكبر، ويجب عليك أن تترفع عنه، وأن تتواضع للحق وتنقاد له، وأن تتحلل من أخطأت في حقه وتطلب منه العفو؛ فإن من شروط التوبة الصحيحة التحلل من مظالم العباد كما بينا في الفتوى رقم: 2094.
وأما تركك للاعتذار لمن كان مخطئا في حقك فلا يعد من الكبر، ولكن يستحب لك العفو عمن ظلمك أو أساء إليك إذا لم يكن معروفا بالشر وإدمان الإساءة، فقد رغب الله في العفو ومدح العافين فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران: 133-134} . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ. رواه مسلم.
فالعبد يزداد بالعفو عزا لا كما يوسوس الشيطان بأن العفو مذلة، فوطن نفسك على العفو والتواضع والانقياد للحق حتى تبرأ من الكبر، ويعزك الله في الدنيا والآخرة، وراجع للفائدة وسائل دفع داء الكبر عن القلب في الفتوى رقم: 58992. والفرق بين الكبر وعزة النفس في الفتوى رقم: 74593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1430(9/2289)
معنى: عائل مستكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تفسير ومعنى الفقير الفخور في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وشكرا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر.
وما جاء في مسند البزار: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: الشيخ الزاني والإمام الكذاب والعائل المزهو. قال يزيد: العائل المزهو: هو الفقير الفخور، أي المتكبر، فليس عنده ما يدعوه إلى التكبر، وقال النووي في شرح مسلم. العائل الفقير قد عدم المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة في الدنيا، لكونه ظاهراً فيها، وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 119969، 24081.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1430(9/2290)
إذا أبيحت الغيبة للاستشارة فيقتصر على ذكر موضعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا تحدثني أختي بما يحصل معها من مشاكل مع زوجها أو أهله، لكن هي لا تقصد غيبتهم، بل لكي أهدئها وأنصحها ماذا تفعل. فهل هذا الشيء حرام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الأصل تحريم الغيبة، وأنها من كبائر الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
فإن كان مقصد أختك من حديثها إليك مجرد التنفيس والفضفضة، فالغالب أن ذلك لا يخلو من غيبة، فإن الغيبة قد عرفها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: ذكرك أخاك بما يكره. رواه مسلم.
وما تحدثك به أختك على وجه التنفيس لا يخلو في الغالب من ذكر ما يكرهه الزوج وأهله ويسيء إليهم، وعلى ذلك فهو مشتمل على غيبة محرمة بلا سبب شرعي يبررها.
أما إن كان مقصد أختك طلب نصحك ومشورتك، وكنت أهلا لإرشادها ونصحها، فهذا من الأمور التي تباح فيها الغيبة، فإنه يجوز ذكر مساوئ الشخص لمن يستشار في أمر ما لطلب المشورة منه واستجلاب النصح والإرشاد، كما يجوز للمستشار إخبار المستشير بذلك، لما في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له.
وقد سبق بيان الحالات التي تجوز فيها الغيبة في الفتوى رقم: 79354 وانظري أيضا الفتوى رقم: 6710
إلا أنه لا يجوز التوسع في ذلك، بل يكون بقدر الحاجة فقط، فإن الأصل تحريم الغيبة، واستثني من التحريم أحوال معينة للمصلحة الشرعية في ذلك، فمدار إباحة الغيبة على المصلحة الشرعية المرجوة، فإن لم تكن هناك مصلحة شرعية عاد الحكم إلى أصل التحريم.
وليس كل ما تتكلم به أختك يكون بالضرورة جائزا ومفيدا، وكثيرا ما يلبس الشيطان على الإنسان ويزين له الاسترسال في ذكر أمور لا خير في ذكرها.
فعلى ذلك إذا تحدثت أختك في أمر ما واسترسلت في ذكر ما لا داعي لذكره، أو لم يكن عندك، فاطلبي منها الكف عن ذلك، وبيني لها خطر الغيبة وأن تحريمها هو الأصل.
وكذلك إذا حدثتك في أمر ليس عندك فيه رأي تشيرين به عليها، فاطلبي منها الكف عن معاودة الحديث في ذلك الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1430(9/2291)
باللجوء إلى الله يطمئن القلب وينشرح الصدر وتزول الهموم والغموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مغربية عمري 18 سنة أعيش في بلاد الغرب، مؤخرا أصبحت أعاني حالة نفسية متدهورة جدا، حيث إنني أصبحت أكره نفسي وكل من حولي، فقدت الرغبة في الحياة، لم أعد أتمتع بالحياة كما كنت سابقا عندما كنت أعيش في المغرب، كما أنني لم أستطع أن أزور هذا الأخير منذ 3 سنوات تقريبا، كما أنني أحس بالتعب التام، رغم أنني لا أقوم بأي مجهود جبار يدعو للتعب، وعندما يطلب مني أحد من أهلي أن أسدي له خدمة أصرخ في وجهه، لأنني لا أستطيع أن أخدم أحدا حيث إنني دائما متعبة.
فقدت السعادة بكل ما للكلمة من معنى، وخصوصا في السنتين الأخيرتين وأنا في بلاد المهجر طبعا، أصبحت أمضي معظم وقتي وأنا حزينة، أمضي معظم الوقت في البكاء، أحس أن هذا البكاء يريحني نوعا ما.
أتمنى الموت وأنتظره صباحا ومساء لكن طال انتظاري، أردت أن أعجل به بمعنى حاولت الانتحار، لكنني خفت عذاب الله، مللت هذه الدنيا لم أر منها إلا الحزن والتعاسة وأنا في عز شبابي، وعمري 18 سنة، إذا كان هذا حالي وأنا في هذا السن وأنا أعيش مع والدي، فكيف سيكون حالي عندما يكون عمري 30 سنة وأكون مسئولة عن بيت وأبناء؟ لطالما سألت نفسي هذا السؤال ولكنني لم أجد له جوابا كما أنني أخاف أن أتزوج، ولا أريد أن أتزوج مهما حييت لهذا السبب لا لغيره.
كنت قد بدأت أكتب قصصا قصيرة وكنت أستمتع كثيرا بكتابتها، ولكنني منذ مدة طويلة لم تزدني تلك القصص إلا حزنا ومللا، بدأت أكرهها، أكره أن أكتب قصصا، كرهت كل القصص التي كتبتها، مزقتها جميعا، انتهيت من كتابتها منذ مدة طويلة.
بدأت بحفظ كتاب الله وحفظت 28 آية فقط من سورة البقرة، وتخليت عن الحفظ، لأنني أصبت بالإحباط، فقلت مع نفسي أنا لم أحفظ إلا 28 آية فكيف لي أن أحفظ 60 حزبا كاملة؟ أصبت بالإحباط، أشعر بالملل واليأس الدائم، فقدت الأمل في هذه الحياة، حيث كان أملي في هذه الحياة أن أصبح طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وطبعا كنت أعمل جادة في أن أحقق حلمي هذا، وكنت متفوقة جدا على باقي التلاميذ رغم أنني واجهت مشكلة مع اللغة الاسبانيةـ علما أنني أعيش في إسبانيا ـ إلا أنني حاولت أن أتخطى كل شيء في سبيل تحقيق أمنيتي، ففي هذه السنة كنت متفوقة جدا في دراستي ولكن وفي الدورة الثانية بدأ تلاميذ قسمي بالإساءة لي بدون سبب، أنا صاحبة الاستشارة التي عنوانها: لا أسيء إليهم ويسيئون إليّ: معاناة فتاة تدرس في بلاد الغرب ورقمها:431861، المهم أنني أنا لم أسئ إليهم أبدا وكما نصحتموني في استشارتي تلك ـ جزاكم الله عني خير الجزاء ـ صبرت على كل شيء ولكن ذلك انعكس سلبا على حياتي ونفسيتي، حيث إنني أخفقت في دراستي، ولم أعد أحصل على علامات ممتازة كما كنت في السابق، بل أصبحت إنسانة فاشلة بمعنى الكلمة، وبعد عناء طويل وتدخل أستاذي في الأمر لم يعاودوا الإساءة إلي ـ والحمد لله ـ ولكن المشكلة هي أنني لم أستطع أن أسترجع نشاطي السابق، علما أنني أدرس السنة الأولى باكالوريا والمستقبل بين يدي ـ بإذن الله ـ فبماذا تنصحوني حتى أستعيد قوتي ونشاطي؟.
أنا لا أستطيع أن أبحث لي عن صديقات، وخصوصا بعد أن صدمت في أفضل صديقة عرفتها وائتمنتها على أسراري، بعد صداقة دامت سنوات عديدة تركتني صديقتي هذه ـ وهي ابنة خالتي ـ بعد أن تزوجت ولم أكن أتصور أن تنهي صداقتنا بهذه السرعة ولكنها وجدت الأفضل ـ زوجها ـ فهي لم تعد محتاجة لي وأنا لم أكن أظن أن الزواج قد يغير إنسانا عن أفضل أصدقائه، صدمت صدمة قوية جدا، وبعدها أحسست أنني أغبى إنسانة على وجه الأرض، أنا التي لم أتخطى أي خطوة نحو الأمام، أنا الفاشلة التي أخفق في علاقاتي مع الناس وكل ما قلته جعلني لا أثق في أحد، ولا أبحث عن صديقات أو أصدقاء جدد، لأنني أخشى أنه بعد مدة طويلة من صداقتي مع أحد يتركني وحيدة وينسى كل ما بيننا كما فعلت بي ابنة خالتي، لأنني إنسانة حساسة جدا وأنا دائما أصدم بحقيقة الناس، ل أنني أعيش حالة مزرية مع أهلي حيث إنه لا يمر يوم ولا أتخاصم فيه مع إخوتي، حيث إنهم دائما يستهزؤون بي، ويرون في إنسانة غبية جدا، كما إنهم دائما يحاولون أن يحرجوني بأن يقولوا لي فلانة أفضل منك، لأنها.... أما أنت؟ هذا الكلام وغيره هو ما يسمعونني كل يوم، طبعا له تأثير سلبي عظيم على نفسيتي، أما مشاكلي مع والدي فهي أكثر، حيث إنهم لا يهتمون بي كما يهتمون بأخواتي واللائي عمرهن 3 سنوات، قد تقولون إنني أبالغ نوعا ما، ولكنهما فقط يوفران لي الماديات وينسون المعنويات، وهي ما أحتاج فأنا لا أحتاج إلى حنانهما، أريد من والدي أن يحنوا علي ويخافا علي كما يقول جميع الشباب، قد تقولون إنه في مثل سني لا أحتاج إلى الحنان، ولكن لا، أنا أحتاج إليه بشدة وخصوصا وأنني أعيش حالة نفسية متدهورة جدا ولكنهما يظنان أنهما يوفران لي الماديات فهي كل شيء.
ساعدوني أرجوكم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يذهب عنك الهم والضيق والحزن، وأن يبدلك مكانه فرحا وسرورا وسعة وحبورا، ونسأله سبحانه أن يصرف عنك شر الحاسدين وكيد الشياطين.
واعلمي أيتها السائلة أن الله سبحانه بحكمته وفضله قد جعل الرضا والفرح والسرور والنشاط والأنس وقرة العين في طاعته وامتثال أوامره، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً {النحل:97} . وقال سبحانه: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {طه:123} . وجعل أضداد هذه من الهم والحزن والضيق واليأس والكآبة في التفريط في الطاعة وفعل المعصية، فما يجده الإنسان من هم وغم وضيق في الصدر ونكد في العيش، فإن هذا غالبا ما يكون ثمرة من ثمرات المعاصي النكدة ونتاج من نتاجها المر، قال الله سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124} . وقد قال الله سبحانه: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا {النساء: 123} .
يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي:
ومنها - عقوبات المعاصي -: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله جل وعلا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة، وما لجرح بميت إيلام، وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان، ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه، فتراه مستوحشا من نفسه، وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي، ومنها تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا، فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا. انتهى بتصرف.
ولا شك أن إقامة المسلم في بلاد تنتشر فيها الفتن، وفيها ما لا يخفى من المفاسد نقول لا شك أن تلك الإقامة سبب أكثر ما ذكرت، ولا يكاد يسلم المقيم في تلك البلاد من اكتساب الذنوب والمعاصي في غالب أحواله نظرا لأمواج الفتن المتلاطمة في هذه البلاد، وقد بينا حكم الإقامة فيها، وخطرها على الدين في الفتاوى التالية: 55773، 2007، 104036.
فعليكم أن تبذلوا ما تقدرون عليه من الأسباب لكي تنتقلوا من بلاد الفتنة هذه إلى بلاد المسلمين.
ثم ننصحك بالنصائح التالية لتتغلبي على ما تشعرين به من يأس وفشل وإحباط:
أولا: المواظبة على الطاعة، خصوصا ما افترضه الله سبحانه منها، فإن الطاعة لها أثر عجيب في نزول السكينة وحصول الطمأنينة، وهذا أظهر من أن يستدل له أو يبرهن عليه.
ثانيا: الإكثار من ذكر الله سبحانه، فإن الذكر له أثر عظيم في شرح الصدر وتفريج الهم، قال سبحانه: ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28} . وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا.
ثالثا: الرضا بقضاء الله وقدره، يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: إ ن من ملأ قلبه من الرضى بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمنا وقناعة وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضى امتلأ قلبه بضد ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه، فالرضى يفرغ القلب لله، والسخط يفرغ القلب من الله. انتهى.
ثم ننصحك أيتها السائلة بمرافقة صواحب الدين والخلق، خصوصا من الداعيات إلى الله سبحانه المشتغلات بتعلم العلم وتعليمه، فهنّ من أكبر العون لك على القيام بطاعة الله والامتثال لأوامره سبحانه، واحذري كل الحذر أن يتعلق قلبك بمخلوق، فإن هذا من أكبر العوائق، وغالبا ما يكون سببا لشقاء المرء وبلائه، فاجعلي تعلقك بالله وحده، ورجاءك فيك وحده جل وعلا.
وإياك أن يحملك ما تجدين من ضيق وهم على القنوط من رحمة الله أو اليأس من روحه سبحانه، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به أو بلاء أصابه، لأن هذا مما يدل على الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
وأعظم من ذلك وأقبح الإقدام على الانتحار وقتل النفس، فإنه من أعظم الكبائر وأشنعها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10397.
ولا ننصحك بترك الزواج أو تأخيره بسبب الخوف من تحمل المسئولية، فإن هذا من تزيين الشيطان لك وكيده بك، واعلمي أنك إن تحريت الزوج الصالح الطائع لربه، فإنه سيكون من أكبر العون لك على تخطي هذه المحن والبلايا.
أما والداك فأحسني صحبتهما، ولا تألي جهدا في الإحسان إليهما والبر بهما، فإن حقهما عظيم حتى وإن قصرا في حق ولدهما، بل وإن ظلماه ظلما بينا لا عذر فيه ولا تأويل، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 73279.
وحاولي دائما أن تحسني الظن بهما، وتحملي أقوالهما وأفعالهما على أحسن حال.
وأما ما تجدين من إخوتك وإيذائهم لك فاستعيني عليه بالصبر والتغاضي والعفو؛ لأن إخوتك من الأرحام الذين تجب صلتهم، والصبر عليهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان، كل ذلك فيه أجر كبير وثواب عظيم، ففي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
ولكن إن ضاق صدرك بهم وبإيذائهم فلا حرج عليك في أن تطلبي منهم الكف عن ذلك، فإن لم ينتهوا عن ذلك، فاطلبي من والديك أو أحدهما أن يزجرهم عن عدوانهم.
ثم أكثري من الإلحاح في الدعاء أن يصرف الله عنك الهم والغم، ويشرح صدرك، ويهديك سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1430(9/2292)
الأعمال التي تستجلب بها رحمة الله بعد وفاة الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الملائكة تنادي من تموت أمه وتقول له: اليوم ماتت من كنت ترحم بسببها؟
إن صح هذا، فما هي الأعمال التي نستجلب بها رحمة الله علينا بعد وفاة أمنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذا القول فيما اطلعنا عليه من المراجع. وأما الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى وتستجلب بها رحمته ورضاه ومحبته، فمن أهمها أداء ما فرض على عباده، والتقرب إليه بالمستطاع من النوافل، وإتقان العمل والإحسان إلى العباد. فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. الحديث رواه البخاري. وقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {البقرة:195} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1430(9/2293)
الوفاء بالوعد بين الوجوب والاستحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظفة في وزارة، وبحكم أن الدوام قصير، فإنني أعمل بعد الظهر لحسابي الخاص لشركات وأنا في المنزل علما بأنني مصممة جرافيكس.
إحدى زبنائي طلبت مني تصويرا لمنتجاتها، وبما أنني لست محترفة ممتازة في التصوير اتجهت إلى زميل لي في الوزارة وهو مصور وأخبرته بحاجتي إليه ليصور منتجات لأحدى زبنائي وليحدد هو تكلفته الخاصة، وهذا الزميل فعلا بحاجة إلى رزق آخر لأن معاشه قليل، وأنا بدوري أحببت مساعدته.
لكنني اليوم أشعر بندم لأنني أخبرته عن عملي الخاص، وبدأ كثير التردد علي ليسأل ماذا حدث للتصوير ومتى؟ الخ.
لم أعد أشعر بالارتياح للتعامل معه، وأريد الانسحاب وأقول له أي عذر عن توقف العمل مع الزبونة كحجة لإبعاده، فهل أعتبر قاطعة لرزق هذا الإنسان؟ هل سيحاسبني الله لأنني تركته ي عيش في أمل؟ والآن أخيب أمله. مع العلم أنني لم أعده بل قلت له من البداية إن هناك احتمال الرفض.
أشعر بالندم وتأنيب الضمير وجهوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد وعدت الرجل بإنجاز العمل عنده كما هو الظاهر، وقدرت على الوفاء فيستحب لك أن تفي بما وعدته به لأن الوعد يستحب الوفاء به على الراجح. قال النووي: أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ فيه خلاف، ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولا يأثم يعني من حيث هو خلف، وإن كان يأثم إن قصد به الأذى، قال: وذهب جماعة إلى أنه واجب، منهم عمر بن عبد العزيز، وبعضهم إلى التفصيل، ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعداً قال: عسى، وكان ابن مسعود لا يعد وعداً إلا ويقول إن شاء الله تعالى، وهو الأولى، ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازماً على أن لا يفي به فهذا هو النفاق. انتهى.
وبناء عليه فليس في تراجعك عن ذلك الوعد بسبب الخوف من الحسد أو عدم الارتياح في التعامل معه ونحوه حرج، وإن كان الأولى هو الوفاء للرجل بإنجاز العمل عنده ما لم تخشي ترتب مفسدة على ذلك، وإذا لم يكن حصل منك وعد كما ذكرت فمن باب أولى ألا يكون عليك حرج في التراجع عما كنت تريدينه من إنجاز العمل عند ذلك الرجل، ولا تعتبرين قاطعة لرزقه على أية حال.
وللمزيد حول عمل الموظف مع غير جهة عمله في وقت دوامه الرسمي أو خارجه، وكذا ضوابط عمل المرأة مع الرجال انظري الفتاوى التالية أرقمها: 52476، 3539، 110211.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1430(9/2294)
ما هو حكم الضرب على القفا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الضرب على القفا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الضرب بغير حق ومسوغ شرعي لا يجوز على القفا ولا على أي عضو من الأعضاء الأخرى، لأنه ظلم والظلم محرم شرعا؛ لما في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم.
وأما الضرب على القفا بحق كأن يستحق المضروب الضرب قصاصا مثلا فهو مشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1430(9/2295)
الأكمل للمؤمن مقابلة الإساءة بالإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجتي تسبني وتسب أهلي، حتى وصل بها الحال إلى أنها تسبني وتذكر عورتي، فتكلمت مع وليها ولكن لم يوقفها عند حدها، هل يجوز أن أشكوها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأكمل للمؤمن أن يقابل الإساءة بالإحسان، ففي ذلك من الأجور ما لا يعلم قدره إلا الله، مع أنه سبب في تحويل الكراهة إلى محبة، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
ومن ناحية أخرى فإن ذلك يستجلب نصرة الله ومعونته، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرعليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
والمظلوم له مع ظالمه ثلاث خيارات:
الأول: أن يعفو ويصفح لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه.
والثاني: الإمساك عن العفو والصفح ليلقى المذنب ربه بما اقترف من الإثم.
والثالث: المقاصة ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز.
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب، الذي سبق بيانه في الفتوى رقم: 54580.
ولذلك نوصيك أخي السائل بالصفح والعفو، وبذل النصح لأم زوجتك برفق ولين، لعل الله تعالى يهديها. فإن أصرت بعد ذلك على سبها لك، وكنت قد شكوتها لوليها فلم يردعها كما ورد في السؤال، فلا حرج عليك أن تشكوها للجهات الرسمية المعينة بمثل هذه الأمور، وكذلك يجوز لك شكايتها لأي شخص كان ممن له ولاية أو قدرة على إنصافك منها، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) {الشورى: 39-42} . ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 6710، ورقم: 57468.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1430(9/2296)
هل تجوز غيبة المدير عديم الخبرة كثير الخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل في شركة والمدير لدينا ليس له خبرة سابقة، ولكن تم تعيينه مديرا علينا، وبما أنه ليست له خبرة كافية في هذا المجال وهو مجال جديد عليه أصلا يعود علينا هذا بالضيق ويتكلم على الناس كثيرا ويخطئ فى تصرفاته سواء في فنيات الشغل أو في المعاملة معنا، فنتكلم عليه كثيرا وعندما يعنفه المدير الأكبر منه نجد في ذلك ضالتنا ونحكيه فيما بيننا رأيت ماذا قال له المدير؟ وهكذا إذا أعطى تعليمات معينة يعطيها بالخطإ، وإذا قدمنا له نصائح يتبناها ويقول إنه الذى اقترحها، وهكذا من الأشياء التى تشعرنا بالضيق، وأحيانا يسخر منا ويطلق علينا ألقابا، وكنت أحذره أحيانا وأقول {ولا تنابزوا بالألقاب} . السؤال سيدي: هل عندما نتكلم لنهون على أنفسنا تكون هذه غيبة؟. أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيرا ً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة قد عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
فكل ما يكره الشخص أن يذكر به فهو غيبة.
ولا شك أن ذكركم لما في هذا المدير من النقص وتعنيف رئيسه له ونحو ذلك، مما يكرهه ويسيء إليه، فيدخل في الغيبة المحرمة.
وما يقع فيه هذا المدير من أخطاء شرعية لا يبيح لكم غيبته في سائر أموره. وانظر الأسباب المبيحة للغيبة في الفتوى رقم: 69416.
وإنما عليكم نصحه في الله لترك ما يقع فيه من السخرية والغيبة والتنابز بالألقاب.
وننصحكم بالتصبر، والتماس العذر له؛ حيث إنه ليس لديه خبرة سابقة كما ذكرت.
وإذا رأيتم أن إدارته للعمل تعود عليه بالخلل، فيمكنكم مخاطبة الإدارة العليا في هذا الشأن حتى يتم اتخاذ الإجراء المناسب، من نقله أو غير ذلك.
وأما اغتيابكم له، فلا يفيد العمل بشيء، كما أنه لا يفيدكم أيضا بشيء، وإنما أنتم بذلك تهبونه من حسناتكم، أو تطرحون عليكم من سيئاته، كما في حديث المفلس المشهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(9/2297)
ماهية الخلق الحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ، كيف أعامل الناس بالأخلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعاملة الناس بالأخلاق الحسنة تكون بمعاملتهم بما تحب أن يعاملوك به مما هو مباح شرعا، وبأن تحمل نفسك على معاشرتهم بجميل المعاشرة، من طلاقة الوجه، ولين الجانب، والتلطف في سياستهم، ومقابلة الحسنة بالسيئة، ونحو ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني.
قال في تحفة الأحوذي: وخالق الناس أمر من المخالقة، مأخوذ من الخلق مع الخلق؛ أي: خالطهم وعاملهم بخلق حسن أي: تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها، من نحو طلاقة وجه، وخفض جانب، وتلطف وإيناس وبذل ندى وتحمل أذى، فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح.
وقال المناوي في فيض القدير: أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه، وحلم، وشفقة وخفض جانب، وعدم ظن السوء بهم، وتودد إلى كل كبير وصغير، وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم. يقال: فلان يتخلق بغير خلقه؛ أي: يتكلف وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك، فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة، وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر. اهـ.
وفي شرح الأربعين النووية: وقوله: وخالق الناس بخلق حسن. معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، لا يجزون بالسيئة السيئة بل يعفون ويصفحون ويحسنون مع الإساءة إليهم.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقد روي عن السلف تفسير حسن الخلق، فعن الحسن قال: حسن الخلق الكرم والبذلة والاحتمال.
وعن الشعبي قال: حسن الخلق البذلة والعطية والبشر الحسن. وكان الشعبي كذلك.
وعن ابن المبارك قال: هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى.
وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد شعرا فقال:
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله.
وقال الإمام أحمد: حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد. وعنه أنه قال: حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس.
وقال إسحاق بن راهويه: هو بسط الوجه وأن لا تغضب. ونحو ذلك قال محمد بن نصر.
وقال بعض أهل العلم: حسن الخلق كظم الغيظ لله وإظهار الطلاقة والبشر إلا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزالين إلا تأديبا، وإقامة الحد، وكف الأذى عن كل مسلم ومعاهد إلا تغيير منكر وأخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعد.
وهذا كله من حيث الإجمال، أما إذا أردت كلاما مفصلا عن كل خلق من الأخلاق على حدة فإن المقام لا يتسع لذلك، ويمكنك البحث عن ذلك في كتب الآداب والأخلاق والرقاق، وكذلك الفتاوى الموجودة في الموقع عن الأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1430(9/2298)
حكم تغيير الاسم, وانتحال شخصية ذكر، وتغيير العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أخاف على نفسي، لذا دائما أكتب معلومات زائفة عني بالمنتديات، وأدخل بأسماء تصلح للجنسين-يعني لايستطيع من هو أمامي أن يميز ما إذا كنت (ولد أو بنت) ولكني نادرا أتحدث كما لو أني رجل لحمايه نفسي. فهل يعتبر كذبا أو تشبها بالرجال وخاصه أن لدي حجة في الموضوع وهي: عند ما أكذب بوضع اسم غير اسمي الحقيقي فلا أعتبره كذبا لأن الإنسان من حقه أن يسمي نفسه بالإسم الذي يشاء، وخاصة أنني لست من سميت نفسي، وعندما أكذب بعمري، فمعظم الأحيان لايقاس العمر بعمر السنين، فقد يكون لي عمر افتراضي أضعه لنفسي، وهكذا، واذا كان حراما فما البديل؟ أرجو الإجابه بالتفصيل ومن جميع الأوجه جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الكذب أنه حرام لا يجوز, وهذا أظهر من أن يحتج له وأوضح من أن يستدل عليه, ولا يباح اللجوء إليه إلا عند الحاجة من تحقيق مصلحة أو دفع مضرة, وقد بينا هذا في الفتويين: 39152 , 72604.
وسؤالك قد تضمن الاستفسار عن ثلاثة أمور: تغيير الاسم, وانتحال شخصية ذكر، وتغيير العمر.
أما تغيير مجرد الاسم باسم محتمل يصلح التسمي به لكلا الجنسين دون انتحال جنس مخالف فهو جائز كما بيناه في الفتوى: 63879.
وأما انتحال جنس مخالف أثناء الحديث في المنتديات وما يتبعه من تغيير العبارات والألفاظ والضمائر, فهو غير جائز لأنه من الكذب المحرم بل فيه من المفاسد ما يربو على مفسدة الكذب المجرد, لأن المتحدث إما أن يكون رجلا أو امرأة، فإن كان رجلا فإما أن يكون حديثه مع امرأة فهذا حديث لا يجوز لأنه ذريعة للشر والفساد كما بيناه في الفتويين: 41966 , 1072. بالإضافة إلى أن تحدثه معها على أنه امرأة مثلها يقودها إلى التبسط والاسترسال معه في الحديث وهذا فيه خداع لها وفتنة لكليهما.
وإما أن يكون حديثه إلى رجل مثله وحينئذ فلا حاجة إلى انتحال شخصية أنثى لأنه بذلك يفتن محدثه بالإضافة إلى ما يكتسبه من التدليس والكذب.
وإما أن يكون المتحدث امرأة فلا يجوز لها حينئذ الحديث مع الرجال الأجانب لأنه حديث محرم كما بيناه في الفتويين المحال عليهما آنفا, وإما أن يكون حديثها إلى أنثى فلا حاجة لانتحال شخصية رجل لأنها بذلك تفتن محدثتها بالإضافة إلى ما يشتمل عليه هذا الفعل من تشبه الرجال بالنساء وتشبههن بالرجال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء.
فقوله: المتشبهين والمتشبهات. من صيغ العموم لأنه جمع معرف بالألف واللام, وقد تقرر في علم الأصول أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال. جاء في الفروق للقرافي: القاعدة: أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال. انتهى.
وإذا كان مطلقا في الأحوال فإن أي حال يثبت فيها التشبه فقد ثبت الحكم ودخل الأمر في نطاق الحرمة, ولا شك أن المرأة التي تتحدث عن نفسها بصيغة المذكر وتستعمل الألفاظ والضمائر الخاصة بالذكور فإنها متشبهة بهم, فدخلت حينئذ تحت الوعيد المذكور.
وأما تغيير العمر فالأصل فيه عدم الجواز أيضا لأنه من الكذب, ولكن إن وجدت حاجة إليه فلا حرج في الإخبار بخلاف العمر الحقيقي ولكن باستعمال التورية والمعاريض, فيجوز لإنسان مثلا عمره عشرون عاما أن يخبر أن عمره أربعون وقصده أربعون نصف سنة، وذلك مبالغة في البعد عن الكذب بكل سبيل. والمعاريض فيها مندوحة عن الكذب كما بيناه في الفتوى رقم: 58927.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(9/2299)
لا يجوز الكذب للمصلحة بما يتضمن ضررا للغير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في العقد الثاني من العمر، حدثت معي قصة قبل سنتين، وكان مضمونها أني في أحد الأيام وقعت في مأزق فكذبت واختلقت عذرا بقصد أن أخلص نفسي من هذا المأزق. فتسبب عذري في ظلم امرأة لم أنو ظلمها في الحقيقة، فالله تعالى وحده أعلم بالنيات. ولكن ظاهر هذا العذر يوحي بأني ظلمتها، فكان نتاج ذلك أن هذه المرأة دعت علي بقولها (حسبي الله عليك إلى يوم الدين) ولا أخفي عليك ياشيخ بأنه اقشعر بدني عند سماعي لهذه الدعوة، ولكني لم أستطع قول شيء. فمنذ ذلك اليوم إلى يومي هذا، وأنا أشعر بأن دعوتها تلاحقني في كل مكان، ولم أوفق في أي شي في حياتي. فعندما أيقنت بسوء مافعلت. أولا توجهت إلى غافر الذنب وقابل التوب وسألته العفو والمغفره، وكنت دوما أدعو لهذه المرأة بكل خير. وأسأل الله تعالى بأن تسامحني.
ولكني مازلت أشعر بتأنيب الضمير. فماذا أفعل؟ هل يتوجب علي أن أبحث عنها لأعتذر منها شخصيا ويطمئن قلبي؟ فأنا في ضيق وحيرة من أمري لايعلمها إلا الله. أسألك بالله ياشيخ بأن ترد على رسالتي وتنصحني. سائلة المولى عز وجل أن يجزيك خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع لم يأذن في الكذب إلا في مواضع معينة، إذ الأصل تحريم الكذب وأنه لا يجوز، ومن هذه المواضع كذبُ الرجل على زوجته، والمرأة على زوجها، والكذبُ في الحرب، والكذب للإصلاح بين الناس، كما دل على ذلك الحديث الثابت في صحيح مسلم، ومن هذه المواضع أيضاً الكذب لدفع مفسدة راجحة، كالخوف على النفس أو المال أو العرض، وإن كان استعمال المعاريض أولى ما أمكن.
قال الغزالي رحمه الله: فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلما وعرضه بلسانه وإن كان كاذبا.
وقال أيضاً: إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة فيكون الكذب حراما في الأصل إلا لضرورة. انتهى.
ولكن لا يجوزُ الكذبُ بما يتضمن مضرة للغير، وإن كان فيه مصلحةٌ للكاذب إذا لا يجوزُ للإنسان أن ينفع نفسه بما يضر به غيره.
قال ابن القيم رحمه الله: جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى.
وبهذا تعلمين أن كذبكِ للتخلص من هذا المأزق إن كان ممّا يجوز فقد أخطأت حين تسببت به في الإضرار بتلك المرأة. فعليك الآن أن تجتهدي في البحث عنها وتبيني لها عذرك، وتطلبي منها أن تصفح عنك، فإن عجزت فاجتهدي في الدعاء والاستغفار لها، وليس عليك أكثر من ذلك؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأما إن كان المأزق الذي وقعت فيه ممّا لا يباح لك فيه الكذب فقد أخطأت خطأ عظيما حين كذبت، وظننت أن الكذب هو الذي يخلصك من هذا المأزق، وازداد خطؤك حين ترتب على هذا الخطأ إيذاء لمسلمة بريئة، وكان الواجب عليك أن تصدقي الحديث. فإن الصدق منجاة، وهذا كعب بن مالك قد نجاه الله بالصدق، وصار أسوة لمن بعده هو وصاحباه حتى أمر الله المؤمنين بالتأسي بهم. فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين {التوبة:119} والقصة طويلة مشهورة رواها الشيخان وغيرهما.
فلو كنت صدقت لنجاك الله عز وجل من هذا المأزق، وكان صدقك خيرا لك في دنياك وآخرتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. متفق عليه.
أما وقد حصل ما حصل فالواجب عليك هو التوبة النصوح المستجمعة لشروطها من الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، ومن شروط التوبة أيضا أن الذنب إذا كان متعلقا بحق آدمي فلا بد من رد الحق إليه أو استحلاله.
قال النووي رحمه الله: وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها. انتهى.
وبه تعلمين أن الواجب عليك أن تبحثي عن هذه المرأة وتطلبي منها أن تعفو عنك وتحلك من هذا الحق، فإن الحساب يوم القيامة ليس بالدراهم والدنانير، ولكن بالحسنات والسيئات، فإن لم تتمكني من الوصول إلى هذه المرأة فاجتهدي في الدعاء لها والاستغفار لها مع الندم على هذا الذنب وليس عليك أكثر من هذا فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ونرجو أن لا يضرك دعاءها إذا كنت صادقة في التوبة حريصة على توفية شروطها.
والذي ننصحك به هو أن تلزمي الصدق فيما يستقبل من حياتك، وأن تكوني عليه أشد حرصا بعد ما عرفت غائلة الكذب وما يجره على العبد من الضرر في دينه ودنياه، وأن تجتهدي في الدعاء أن يقبل الله توبتك ويقبل عثرتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1430(9/2300)
الأخذ بأسباب الرزق مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ليس لي مال ولا مصدر رزق وأحتاج إلى أشياء كثيرة كيف أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مطلوب منه أن يأخذ بالأسباب للحصول على ما يريد ومن ذلك العمل والتكسب المباح، وقد يجب عليه ذلك للقيام بالواجب من إعفاف النفس وأداء الحقوق.. ويستحب فيما زاد على الواجب وقد حث النبي- صلى الله عليه وسلم- على العمل والتكسب فقال: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه. رواه البخاري.
ومن أهم أسباب الحصول على ما يحتاج إليه التوجه إلى الله تعالى وكثرة دعائ هـ فقد قال سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} وقال تعالى: أ َمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.. {النمل:62} .
نسأل الله تعالى أن ييسر لك كل أمر عسير وأن يجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53573، 6121، 42127، 120200.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(9/2301)
إفشاء السر بين الجواز وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في إحدى الشركات لمدة طويلة من الزمن وأشير إليها هنا بالشركة القديمة، ثم انتقلت للعمل لدى شركه أخرى أشير إليها بالشركة الجديدة حيث إن بينها وبين شركتي القديمة خصومات وقضايا في المحاكم على أموال وحصص أرباح لمشاريع في المنطقة.
عندما انتقلت للعمل في الشركة الجديدة وبطبيعة عملي في المالية اتضح لي أن شركتي الجديدة على باطل وأن الشركة القديمة محقة في مطالباتها المالية حيث اتضح لي أن إيرادات المشاريع المشتركة والتي عليها الخصومة أكثر بكثير مما أظهرته الشركة الجديدة للشركة القديمة وأصبحت في حيرة كبيرة من أمري....
هل أحترم المكان الذي أعمل فيه ولا أكشف أسراره خاصة أنهم يثقون في ثقة عمياء وكل الأوراق مكشوفة أمامي، وهل بهذا أكون كاتما للحق وهو ما يرعبني؟؟؟ أم أبعث بعض الأوراق والمستندات التي تثبت تلاعب الشركة الجديدة، وأن إيرادات هذه المشروعات أكثر مما أظهرته، وهو ما يؤيد حق الشركة القديمة، وهل هذا يعد خياته للأمانه؟؟ وهو ما يرعبني أيضا وكم كنت أتمنى أن لا أتعرض لهذه الفتنه؟ ولكن هذا ما حدث. وقدر الله وما شاء فعل. أفيدونا أفادكم الله وجزاكم خيرا.........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن إفشاء أسرار الشركة خيانة للأمانة، سواء أكان ذلك بمقابل أو بغير مقابل، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 50601.
ومحل ذلك حينما لا يتعلق بهذه الأسرار رد حق لصاحبه أو دفع ظلم عن مظلوم، وإلا فقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري.
فعلى الأخ السائل أن ينصر كلا من الشركتين بالطريقة التي تناسبها على وفق هذا الحديث، فيسعى لإعادة الحق لأصحابه، ويسعى في حجز الظالم عن ظلمه، وإذا كان المسؤولون في الشركة الجديدة ممن يقبلون النصح ويتأثرون بالوعظ فعليه أن يذكرهم بالله وبخطورة أكل المال بالباطل، كما قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188} ، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً {النساء: 29-30} .
قال الجصاص: أكل المال بالباطل على وجهين، أحدهما: أخذه على وجه الظلم والسرقة والخيانة ... وما جرى مجراه. والآخر: أخذه من جهة محظورة نحو القمار.. وثمن الخمر والخنزير. اهـ.
وقد سبق التنبيه على أن إفشاء السر واجب في بعض الأحوال، وأنه إذا كان في إفشائه مصلحة راجحة فلا حرج فيه، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 24025، 7634، 8590.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1430(9/2302)
الترهيب الشديد من ترويع المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقوم بإخافة أخيه وإرعابه حتى الموت عندما يكون بمفرده، فتكون ردة فعلة قوية وتؤثر عليه سلبا؟
علما بأن الشخص المتأذي طلب من الذي يقوم بإخافته عدم تكرار فعله هذا لأنه غير محبب لكنه يرفض الإصغاء.
أتمنى الرد سريعا لخطورة الموقف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترويع المسلم ظلم وتعد ظاهر، وهو حرام بكل حال، بل إن حرمته شديدة.
قال المناوي في فيض القدير: ترويع المسلم حرام شديد التحريم. اهـ.
وقد عدَّه بعض أهل العلم في الكبائر، كابن حجر الهيتمي في كتابه: الزواجر عن اقتراف الكبائر. والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه الكبائر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه. رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ تَأْكِيد حُرْمَة الْمُسْلِم , وَالنَّهْي الشَّدِيد عَنْ تَرْوِيعه وَتَخْوِيفه وَالتَّعَرُّض لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه. مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد, سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فِيهِ, وَمَنْ لَا يُتَّهَم, وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا, أَمْ لَا، لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال. اهـ.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبا أو جادا، فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود وأحمد، وحسنه الألباني. وبوب عليه الترمذي: باب ما جاء لا يحل لمسلم أن يروع مسلما.
وقد عقد الحافظ المنذري في كتاب الترغيب والترهيب بابا في الترهيب من ترويع المسلم، ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جادا أو مازحا وذكر فيه عدة أحاديث أخرى.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 73806. النهي عن ترويع المسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(9/2303)
طلب الإعانة على الصبر والصلاة من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الاستعانة بغير الله على دليل قوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة. الرجاء الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم لا يستعين إلا بالله تعالى عملا بما في حديث الترمذي: إذا استعنت فاستعن بالله.
وأما الصلاة والصبر فلا تخرجان عن هذا لأنهما عبادتان لله تعالى أمر بالاستعانة بهما في الآية، والمسلم لا يطلب العون منهما ولا يسألهما حاجة بل يتعبد لله بهما ليعينه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1430(9/2304)
المسلم يحرص على عفة ألفاظه وطيب كلامه في كل حال
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألت عن بعض الألفاظ التي يقولها الرجل لزوجته وهى راضية بذلك، وجاء الرد في الفتوى رقم 122594 بأنه لا يجوز. وللحق فإنني كنت أسأل عن هذه الكلمات عند الاستمتاع والمداعبة وليس أن الرجل يقولها طوال الوقت. فهل يجوز ذلك أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر في الفتوى المذكورة من منع السب والكلام البذيء هو منعه في كل حال، فلا يجوز حال الجماع أو غيره، وإنما الذي يجوز أثناء الجماع هو الألفاظ المتعلقة بالجماع ودواعيه.
وينبغي للمسلم أن يحرص على عفة ألفاظه وطيب كلامه، وأن يتخلق بالحياء فهو خلق الإسلام، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ. رواه ابن ماجه وصحّحه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1430(9/2305)
وعد زوجته بأن لا أتزوج عليها ويصعب عليه الالتزام بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد زواجي كنت وعدت زوجتي بأن لا أتزوج عليها وبعد ذلك ندمت أشد الندم على ذلك الوعد لأني أرى أنه من الصعب علي الالتزام بذلك الوعد فهل أكون آثما إذا تزوجت عليها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوفاء بالوعد وإن كان لا يأثم بتركه عند جمهور العلماء، لكنه يستحب استحبابا أكيدا، وتركه مكروه كراهة شديدة. فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:3،2}
ومدح الله نبيه إسماعيل فقال: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {مريم:54} وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من خصال النفاق فقال: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ. متفق عليه.
وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12729، 51099، 98715.
وعلى ذلك فإن كنت تتضرر بعدم الزواج الثاني فلا بأس عليك أن تتزوج، واجتهد في إقناع زوجتك بهذا الأمر وإرضائها حتى تستقر بكما الحياة.
هذا إذا كان الوعد من قِبلك، أما إذا كانت زوجتك قد اشترطت عليك ذلك قبل العقد وقبلت هذا الشرط، فالراجح من قولي العلماء صحة هذا الشرط ولزوم الوفاء به، كما سبق بيانه في الفتويين: 73227، 35434.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 21915
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(9/2306)
الوفاء بالوعد بالزواج مستحب شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت قبل حوالي 8 أشهر بنتا من إحدى الدول العربية، وقبل سفري والرجوع إلى بلدي، قلت لها من الممكن عدم رجوعي لاستكمال مراسيم الزواج، فخيرتها بين القدوم معي أو الانتظار إلى حين ميسرة، إذا تمكنت بمشيئة الله، وقد حددتها بوقت بعد العيد إذا لم أرجع سوف تكون حرة. سوالي: هل تعتبر هذه الخطبة وعدا؟ وهل علي إثم إذا لم أعد لها، علما أني شرحت لها ظروفي وإمكانية عودتي أم لا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يفهم من معطيات سؤالك أنك لم تقطع لهذه البنت بوعد جازم، وإنما يمكن أن ترجع لإكمال الزواج ويمكن ألا ترجع، وإذا لم ترجع بعد العيد فهي في حل من أمرها.. فكل ذلك يفيد أنك لم تعطها وعدا قاطعا، وعلى كل حال، فإن الوفاء بالوعد مستحب شرعا، إذا كنت أعطيتها وعدا وهو من مكارم الأخلاق التي يحث عليها الإسلام، وخلفه من صفات المنافقين التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا قلنا بإتمام الوعد واستحباب الوفاء به فإن عدمه لا يترتب عليه إثم.
هذا، ونذكرك بأن محادثة النساء الأجنبيات لا تشرع إلا لحاجة وبضوابط واضحة على رأسها البعد عن الخلوة والخضوع في القول وتقدر هذه الحاجة بقدرها.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 39224، 57929، 106485.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(9/2307)
واجب المسلم تجاه النمام
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أذهب إلى دار أبي زوجي تحصل لي مشاكل أنا في غنى عنها ... تبدأ زوجة أخي زوجي بنقل كلام لي عن أشخاص كانوا يتكلمون عني بسوء حسب قولها، وتذكر لي أن أم زوجي قالت عني شيئا وأخت زوجي قالت عني شيئا أخر، وهكذا، وكذلك أم زوجي إذا جلسنا مع بعضنا يبدأ رأسي بالدوران وهي تذكر لي ماذا قالت عني زوجة أخي زوجي. وهكذا علما أنني والله مخافة من الله ولتجنب حصول المشاكل لا أنقل الكلام نهائيا بينهن (الكلام يكون بطريق الشكوى من الآخر) ... لكن سؤالي ما هو العلاج المناسب لهذه المشكلة، وأخاف يوما أن يكون لها تأثير علي وعلى زوجي حيث إني اخبره عن كل ما يحصل بعد أن اتصلت بي زوجة أخي زوجي على سماع زوجي وقالت لماذا قلت عني كذا وكذا لأم زوجي وهو تفاجأ بذلك (وكنت لا أخبره حتى لا تحصل مشاكل) أي يتكلمون عني وأنا بريئة من كل ما يقولون. بعدها أصبحت اخبره بكل شيء وأشرط عليه أن لا يفتح الموضوع معهم حتى لا تحصل أي مشاكل (علما أنني في بلد آخر ويحصل ذلك كل إجازة عندهم لكني أريد حلا قبل أن أستقر عندهم خوفا من أن تدمر حياتي أنا وزوجي إذا ما تم نقل كلام لزوجي عني كذبا) وأخيرا ما صحة الحديث الذي يتحدث عن أن ثلثي أهل النار من النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنميمة حرام، وهي نقل كلام الغير على وجه الإفساد، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمّام. متفق عليه.
فما يقوم به هؤلاء النسوة من نقل الكلام على هذا الوجه، هو من النميمة المحرمة، وعليك عدم تصديق ما ينقل إليك، والقيام بنهي الناقلة ونصيحتها، وإحسان الظن بالغائبة، وأن لا يحملك ما يحكى لك على البحث والتجسّس، وانظري الفتوى رقم: 112691.
ولا تخبري زوجك بما ينقل إليك إلا إذا كان في إخباره مصلحة مع مراعاة أن يكون ذلك بقدر الحاجة، واعلمي أنّه لا يجوز لك مشاركتهنّ في الغيبة والنميمة ولو بالسماع، وإنما عليك نهيهنّ عن ذلك وبيان حرمة الغيبة والنميمة، ويمكنك توجيه الحوار بعيداً عن الأمور المحرمة والمبادرة بالكلام النافع، فإذا لم ينفع ذلك فعليك بتجنب الجلوس معهنّ لغير حاجة، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 118610.
وأمّا عن كون ثلثي أهل النار من النساء، فلا نعلم حديثاً ينصّ على هذا، وإنما الذي ورد في الحديث الصحيح هو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. .. وانظري الفتوى رقم: 60729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1430(9/2308)
التفصيل في حكم الحب بين الرجل والمرأة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف حكم الإسلام في علاقة البنت والولد, هل إذا أحبت بنت ولدا أو العكس هل هذا ممنوع؟ هل هو من عمل الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يعترف الإسلام بعلاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه إلا تحت مظلة الزواج الشرعي، وما عدا ذلك فهو من عمل الشيطان وتزيينه وإغوائه، فالواجب على المسلم أن يكون على حذر من أمره فيما يخص النساء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وأما بخصوص حكم الحب بين الرجل والمرأة الأجنبية ففيه تفصيل:
فإن كان هذا الحب قد دخل على قلب الرجل أو المرأة دون تسبب، ولا تعد لحرمات الله، ولا وقوع في حرام من نظرة أو خلوة ونحو ذلك، فهذا لا حرج فيه إن اتقى صاحبه ربه وراقبه، والتزم حدوده، واجتهد في دفع هذا عن قلبه بكل سبيل, والأفضل في هذه الحالات أن يتزوج الرجل بمن أحب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.
أما إن كان الشخص هو من أدخل هذا الحب على نفسه بالنظر الحرام، أو اللقاءات والمراسلات الممنوعة وما شابه ذلك، فهو آثم في حبه هذا غير معذور فيه ولو كان بنية الزواج , وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 4220.
وبينا خطر العشق وكيفية علاجه في الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(9/2309)
وجود الحشرات بالبيت هل هو علامة على غضب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريبتان كانتا كثيرتا الاستهزاء بالناس، وكثيرتا السخرية من عدم نظافة بيوتهم، والغريب أن كلتيهما كثر في بيتيهما الصراصير وصارتا تشكوان ذلك أمام جميع الناس. حاليا هما أفضل من قبل من حيث الغيبة والاستهزاء وسبحان الله انتهت هذه المشكلة من بيتهما. فهل تسلط الصراصير على بيت الإنسان بشكل كبير، وعدم قدرته على التخلص منها رغم اهتمامه بالنظافة، واستخدام المبيدات والكيماويات علامة على غضب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سخرية المسلم من أخيه محرمة شرعا ومثلها الغيبة، فقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. {الحجرات:11} . وقد يعاقب الله تعالى بعض عباده في الدنيا بما ينبههم على أخطائهم حتى يتوبوا، ولكنا لا نستطيع الجزم بأن الصراصير سببها غضب الله على هذه المرأة أو تلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(9/2310)
اخطبها من وليها أو اصرف النظر عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ أنا في حقيقة الأمر في حيرة من أمري لأن ما أريد أن اسأل عنه هو رؤيا أو حلم قد حلمت به الليلة الماضية ولا أعلم إذا كان من الممكن تفسيره أم أن تفسير الأحلام أمر صعب ولكني آمل أن تفيدونا
في حقيقة الأمر أنا قد عقدت قراني من نحو 5 أعوام ولم أدخل على العروس وحدث الطلاق بعدها ب3 أعوام أي منذ نحو عامين
وكانت تأتي هذه الزوجة السابقة في أحلامي كثيرا ولكني اعتقدت بأنها هواجس نظرا لما كان بداخلي من مشاعر اتجاهها
وبعد الطلا ق حاولت أن أعيد الأمور إلى ما كانت علية ولكن كانت هناك دائما بعض العقبات ومن ثم ابتعد عنها ولكن أجدها كل فترة تمر تقوم بالاتصال بي من أجل الاطمئنان على أحوالي وعندما المح لها بفكرة أن نعود إلى بعض مرة أخرى أجدها تتمنع وتعطيني إيحائا بأنها لا تفكر بالموضوع على نحو ما
المهم قمت أنا بدوري بالابتعاد عنها نظرا لأنه لا يوجد سبب شرعي وجيه يجعلني استمر بالتحادث معها وحتى لا اغضب الله عز وجل
ولكن بالأمس قد رأيت في منامي أنني كنت في الصحراء مع أحد أقاربي ومن ثم وجدت هذه الفتاة عند أهلها في الصحراء تحت خيمة من خيمات البدو وترتدي ملابس بدوية مع العلم أني مصري وهي أيضا مصرية ونعيش حياة المدينة
المهم وجدت نفسي جالسا بالقرب منها وأقدم لوالدها أو وليها صرة من الدنانير وقد أعطيتها له وأنا اضحك وهي جالسة بجواري تضحك أيضا ومن بعدها قمت من النوم وأنا مرتاح نفسيا جدا
انتهى الحلم
فضيلة الشيخ المشكلة أنني على نحو أكثر من عامين منذ طلاقي منها مع العلم أننا لم ندخل الدخلة الشرعية ولكن كان الأمر قد وصل إلى عقد قران فقط دون الدخول بالعروس
أنا لا اعلم فضيلة الشيخ ماذا بداخلي اقسم لك يا فضيلة الشيخ أن بداخلي شعورا كبيرا أكبر من الحب وليس فقط ما يذاع ويقال على مفهوم الحب الفاسد هذه الأيام ولكن حبي لها كأخت في الله كزوجة صالحة وغيرها من الأمور
وأيضا ما جعلني اكتشف هذا الأمر بصورة واضحة
هو أنه منذ نحو عام قد قمت بخطبة فتاة أخرى ولكني لم أشعر تجاهها بأي شيء فقمت بعد شهر واحد من الخطبة بفسخ هذه الخطبة حفاظا على مشاعر الفتاة حتى لا أجرحها وأتعسها ونفسي أيضا
كل ما أريده هو تفسير للحلم أولا ومن ثم أفادكم الله فضيلة الشيخ لو كان هناك نصيحة أو أمر تنير به عقلي أكون لك شاكرا
وأيضا لا أخفي عليك فضيلة الشيخ أن الفتاة التي أحببت وارتبطت بها ثم تركتها تعلم جيدا أن نقطة ضعفي الوحيدة هي حبي لها وقد لاحظت كثيرا هذا منها ومن تصرفاتها خاصة بعد طلاقنا
لذلك والله أعلم قمت بالابتعاد عنها حتى لا اغضب الله أولا وثم ثانيا حتى أكسر أي إحساس بداخلها بأنها أقوى مني حتى لا تفكر على هذا النحو ولكن ماذا افعل بالرغم مما بداخلي من مشاعر وتمني بالتزوج منها مرة أخرى إلا أنني لا استطيع فعل ذلك لما شرحته لفضيلتكم فأريد أن أسالك فضيلة الشيخ أيضا إذا كان تواصلي أو محادثتي لها بعد الانفصال منها محرم أم لا على أساس أنني أريد أن استرجعها وللأسف والدها دائما على سفر ووالدتها لا يمكن التفاهم معها
وأتمنى إلا أكون قد أثقلت على فضيلتكم
كل ما أريده هو تفسيرا لما حلمت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك اتصالك بنا، ونسأل الله لنا ولك صلاح أمور الدنيا والآخرة، ونفيدك أن تعبير الأحلام ليس من اختصاصنا وعليك أن تعتبر هذه المرأة أجنبية مثل سائر الأجنبيات، ولكن إذا كنت تحبها وتعلم أن بقدرتك أن تتزوج بها، وتقوم بمؤنتها فالأفضل أن تخطبها من وليها وترسل بعض محارمك من النساء لتتفاوض معها في الأمر، فإذا حصلت الموافقة فبادر بالعقد عليها.
وإن رفضت فعليك أن تصرف ذهنك عنها فالنساء سواها كثير، فلو استعنت بالله تعالى وأكثرت الدعاء فستجد بإذن الله من النساء من يسليك عنها ويسعدك بالحياة الزوجية معها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على علاج العشق: 9360، 5707، 117632.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(9/2311)
حكم سب الإنسان لمن سبه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في السيارة ولم أفسح الطريق لأحد الشباب، فأخرج يده من النافذة على شكل إهانة، فنزلت من السيارة فما كان منه إلا أن هرب، فشتمت عرضه وأنا والله لم أقصد أن أتهم أهله بالفاحشة، ولكن أردت إهانته كما أهانني. فهل يكون هذا قذف محصنات وأكون وقعت في الكبيرة أم أن قذف المحصنات هو من يتعمد اتهامهم بالفاحشة وهو يعلم الحقيقة؟
والله أسأل أن يغفر لي ذنبي ويعينني على التوبة لأني أعلم أن المؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الإنسان لمن سبه بمثل ما سبه مباح في الأصل إن لم يتجاوز المظلوم ولكن العفو أفضل، ويدل لهذا ما في الحديث: المتسابان ماقالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم. رواه مسلم.
ويقول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى: 39-40} .
ولكن السب بالقذف وسب أهل الشخص محرم كما نص عليه النووي في شرح مسلم.
وبناء عليه، فإذا كنت تكلمت في الطعن في نسبه فقد أخطأت في ذلك.
ثم اعلم أن الأصل في المسلم أن يساعد المسلمين ويفسح المجال لمن يمر في الطريق إن لم يضره ذلك. وراجع الفتويين التاليتين: 99746، 93577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(9/2312)
الجمع بين الكذب والغش تنافي النصيحة للمؤمنين
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب من مديري المباشر رأيه كتابة في موضوع أهمية التخصص الذي أبتغي الابتعاث من أجله، فأفاد بأنه لا يرى مبررا للابتعاث، ولا حاجة لهم بأخصائي وطني. علما بأن مختبرنا منذ افتتاحه منذ عشرين سنة لا وجود لمختص فيه وطني. المدير المباشر برر فعلته بأنه مفروض عليه من قبل إداري أرفع منه. هل يعد ما فعله من قبيل شهادة الزور كونه مؤتمنا على قول الحقيقة، فكذب مما أدى إلى ضياع حق لموظف!! أفتوني مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما فعله هذا المدير يتنافى مع الحقيقة الواقعة، فإنه يجمع بين الكذب والغش وعدم النصيحة لأخيه المسلم ولأمته ومجتمعه.. وهي أمور قبيحة طبعا ومحرمة شرعا كما هو معلوم بالضرورة عند كل مسلم، فالكذب محرم تحريماً شديداً وهو ينافي الصدق الذي هو أساس الإيمان، ولذلك لا يطبع عليه مؤمن حقاً، وإنما هو من صفات المنافقين. فقد روى مالك في الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ ً فقال: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: لا. وقال صلى الله عليه وسلم.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري وغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: ومن غشنا فليس منا. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
ولذلك فإننا ننصح هذا النوع من الناس بتقوى الله تعالى، والتوبة من هذه الأخلاق الذميمة، والسعي في نفع المسلمين والرفق بمن ولاهم الله تعالى عليهم، وننقل لهم دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
فينبغي أن تطلع مسؤولك على هذه الفتوى وليطلع هو عليها مسؤوله الذي هو أرفع منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(9/2313)
موقف الموظف من زملائه الذين يغتابون غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب به ستة من الموظفين، وكلنا في مكان واحد لا تفصل بيننا حواجز أو حائط، ولكن كل واحد لديه طاولة يجلس عليها ليؤدي عمله. وللأسف كثيرا ما يغتابون الناس، وطول اليوم يتحدثون عن هذا أو هذا، بل وأحيانا يوقعوني معهم في الغيبة ولا أنتبه إلا بعد فوات الأوان، وأحيانا أتذكر فأنبههم إلي أن هذا حرام ولكنهم سرعان ما يعودون.
ماذا أفعل؟ مع العلم أني لا أستطيع نصحهم كل ما اغتابوا أحدا لأن هذا يحدث كثيرا بصورة لا تتوقعها
إلا أني لن أتوقف عن نصحهم بين الحين والآخر، ولكن رغما عني أسمعهم وهم يغتابون الناس وأنكر بقلبي وأبقي صامتا، وكذلك لا أستطيع الخروج وترك المكتب كل ما اغتابوا أحدا لأن هذا مكان عملي ولي عمل أؤديه، ولو فعلت سأكون طول اليوم خارج مكان عملي بسبب أنهم لا يتوقفون عن ذلك إلا في بعض الأحيان. فهل يكون علي إثم في هذه الحالة؟ وماذا أفعل؟
أرجوك يا شيخ أجبني إجابة خاصة ولا تحولني لفتوى أخرى فأمري خطير جدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في تحريم الغيبة وأنها من الذنوب العظيمة الموجبة لسخط الله عز وجل، وحسبك في ذمها وتحريمها قول الله عز وجل: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً. {الحجرات:12} .
والأحاديثُ في تحريم الغيبة وذم فاعلها كثيرة جدا، ومن ثم نص كثيرٌ من أهل العلم على أن الغيبة من الكبائر، قال ابن عبد القوي في منظومة الآداب:
وقد قيل صُغرى غيبة ونميمةٌ وكلتاهما كبرى على نص أحمدِ
إذا تبين هذا، فإن المستمع للغيبة شريكٌ في الإثم ما لم يُنكر، قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. {النساء: 140} .
فالواجبُ عليك أن تُناصح من يغتاب الناس بحضرتك، وتذكرهم بخطورة هذا الذنب وعاقبته الوخيمة، ولا تمل من مناصحتهم، ونهيهم عن ذلك المنكر، بل افعل ذلك حسب الاستطاعة، واتبع في ذلك الوسائل الممكنة، ومن أنفع ذلك أن تغير دفة الحديث إلى وجهة أخرى، فتجتهد في تعليمهم شيئاً من العلم النافع، أو تذكيرهم بأسماء الرب وصفاته ووعده ووعيده، وأحكامه التي شرعها لعباده، فإن ذلك أنفع ما يتحدث فيه الناس وتُقضى فيه المجالس، ونحنُ نظن أنك إن فعلت هذا مع الاجتهاد في الدعاء لهم بالهداية، فإنهم سينتصحون بإذن الله، فإن لم يتيسر شيء من ذلك، ولم ينتصحوا بنصحك، فإياك ومشاركتهم فيما هم فيه، فإنهم بذلك يجرونك إلى الهاوية، واجتهد أنت في أن تؤثر فيهم، ولا تدع لهم الفرصة ليؤثروا فيك.
ويجبُ عليك مفارقة هذا المجلس، إن عجزت عن إنكار المنكر وتغييره.
قال النووي رحمه الله:
اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان فارقَ ذلكَ المجلس. انتهى.
فإن لم تستطع مفارقة المجلس لما ذكرت من الأعذار ولا إنكار المنكر بلسانك، فأضعفُ الإيمان أن تبقى منكراً له، كارها له بقلبك، فإذا أنكرت المنكر بقلبك مع العجز عن تغييره، أو القيام من المجلس أجزأ ذلك عنك، قال الغزالي في الإحياء:
فالمستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه أو بقلبه إن خاف، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر فلم يفعل لزمه. انتهى.
وعليك أن تجتهد في الإعراض عنهم بسمعك وقلبك، إذا كانت حالهم ما ذُكر حتى تصون نفسك من شر مخالطتهم، واشغل نفسك بما ينفعك مما يصدك عن سماع غيبتهم من الإكباب على عملك، وعليك بذكر الله، وتلاوة القرآن أو سماعه، أو سماع شيءٍ من الدروس أو المحاضرات النافعة إذا لم يكن في ذلك إضرارٌ بالعمل.
ونحنُ نسوق إليك هذه النصيحة الذهبية من الإمام ابن القيم رحمه الله، ينصحُ بها من يُخالط الناس في فضول المباحات، وهي أولى أن توجه لمن يُخالطهم في المنكر ولا يستطيع تغييره، قال رحمه الله:
وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه، ويشجع نفسه ويقوي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك بأن هذا رياء، ومحبة لإظهار علمك وحالك ونحو ذلك، فليحاربه وليستغن بالله ويؤثر فيهم من الخير ما أمكنه، فإن أعجزته المقادير عن ذلك فليسل قلبه من بينهم كسل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرا غائبا، قريبا بعيدا، نائما يقظانا، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه، لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى، يسبح حول العرش مع الأرواح العلوية الزكية، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فبين العبد وبينه أن يصدق الله تبارك وتعالى، ويديم اللجأ إليه، ويلقي نفسه على بابه طريحا ذليلا، ولا يعين على هذا إلا محبة صادقة، والذكر الدائم بالقلب واللسان. انتهى.
ونسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(9/2314)
وفاء المسلم بعهده مع الكافرين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحصول على الجنسية أو الإقامة الأجنبية يعتبر عقد أمان بينه وبينهم، وهل فيه خلاف بين العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم أن الدول لا تعطي تأشيرة زيارة ولا سياحة إلا بعد توقيع الزائر على الالتزام بالقوانين، ومن آكد ذلك عدم الاعتداء على الآخرين، ولا شك أن من تعهد بشيء يتعين عليه الوفاء بتعهده والتزامه، فالمؤمن إذاعاهد وفى، كما قال الله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ.. {البقرة:177} ، وقال: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ... {النحل:91} ، وفي حديث الصحيحين في صفات المنافقين: أربع من كن فيه منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.
وبناء عليه، فتوقيع المسلم على تعهد ما مع الكفار يعتبر عقداً يجب عليه الوفاء به والالتزام به، ففي الحديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: ما منعنا أن نشهد بدراً إلا أني وأبي أقبلنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتنا كفار قريش فقالوا أنكم تريدون محمداً فقلنا ما نريده إنما نريد المدينة فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرون إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم فلما جاوزناهم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم فما ترى، فقال: نستعين الله عليهم ونفى بعهدهم فانطلقنا إلى المدينة فذاك الذي منعنا أن نشهد بدراً. رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
فليحرص المسلم على هذه الأخلاق المثالية، وليقرأ هدي السلف، وليبتعد عن كل ما يشوش صورة الإسلام في أذهان غير المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(9/2315)
كتابة اسم المؤلف على الكتاب.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر كتابة اسم المؤلف على ما يؤلف من كتب نوعا من الرياء، خاصة أن في القلب نوعا من الرضا عن العمل والتوقع للمزايا المالية المترتبة على بيع الكتاب المؤلف؟ ألا يمكن أن يقال لصاحبه: ألفت ليقال مؤلف؟ وفقنا الله وإياكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين على المسلم أن يحرص على الإخلاص لله تعالى في جميع أموره، وأن يحمل نفسه على البعد عن الرياء، ثم إن الرياء عرفه أهل العلم بمراعاة الخلق في الأعمال رغبة في تحصيل منفعة منهم، أو مدح، أو سلامة من ضر أو ذم، كما قال محمد مولود في المطهرة:
وشمر إن أن أخذت في دواء * عاقد ألوية ذي الأدواء
أعني الرياء أحد البوائق * إيقاع قربة لغير الخالق
بل طلبا لنفع أو لحمد * من خلقه أو اتقاء الضر
وأما كتابة اسم المؤلف على الكتاب فلا تضر إذا كان المؤلف ألف الكتاب مخلصاً، فإن معرفة الناظر في الكتاب لمن ألفه تدعو للثقة به إذا كان المؤلف معروفاً لديه بالعلم واتباع السنة، كما أن معرفة كون المؤلف مبتدعاً أو جاهلاً، أو مجهولاً تدعو لعدم الثقة بالكتاب، ومما يدل على أنه لا حرج في كتابة اسم المؤلف أن أهل العلم المتقدمين كتب كثير منهم اسمه في بداية كتابه؛ كما فعل ابن أبي زيد، وخليل، وابن مالك، والعمريطي، ومحمد مولود وغيرهم. ولم نعلم أن أحداً من أهل العلم أنكر ذلك عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(9/2316)
تجبر نفسها على حب زوجها، وتحب قلبيا شخصا أجنبيا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة أبلغ من العمر 26 عاما, تزوجت بطريقة الإجبار غير المباشر أي ما يسمونه "بالإقناع", المهم تزوجت قبل 6 أعوام لكن في الحقيقة كنت أتمنى شخصاً آخر, والآن أنا احب زوجي مخافة من رب العالمين أي أجبر نفسي على محبته أولا مخافة من الله, ثانياً لأنه يستاهل المحبة فهو طيب جداً, أما عن ذاك الشاب الذي كنت أتمناه فأنا أحبه جداً جداً ومن كل قلبي رغم أنه لم ولن يحدث بيننا شيء حتى إنه لم يكلمني في حياته قط لكن أنا أحبه وأعلم أنه يحبني أيضا، وهذا الشاب يخطر على بالي كثيراً لن أنساه ولا أحاول أن أنساه لأني أحبه من كل قلبي حتى لو علمت أنه لا يحبني وأنه نسيني سأظل أحبه, لكن والله العظيم هذا الحب لم يؤثر على علاقتي مع زوجي وأدعي أني سعيدة معه لكن الحقيقة إني لست سعيدة ولم أشعر بالسعادة قط كما أني أتأفف وأتضايق من العلاقة الداخلية بيني وبينه لكن لا أشعره وأظهر له السعادة, فأنا أحب ذاك الشخص وأتمنى لو كان هو زوجي لكني أبقى أسأل عن أحواله صاحبة لي قريبة له وتخبرني عن نفسيته الحزينة, كما أعلم أنه يسأل عني تلك السيدة قريبته وتخبره عن عدم سعادتي وحزني الدائم، أنا خائفة من الله أن يحاسبني على حبي من قلبي لهذا الشاب مع العلم بأني لن أنتظر شيئا حتى لولا سمح الله فقدت زوجي لن أتزوج بعده بإذن الله، فأنا أحرص على رضى الله عني وأعمل جاهدة لرضاه ودخولي الجنة بإذن الله حتى أني رأيت الرسول في منامي والحمد لله طلبت منه أن يدعو لي بأن يدخل الإيمان قلبي فمسح على قلبي ودعا لي بالثبات والحمد لله
سؤالي هو: هل أنا آثمة لأني أحب زوجي رغما عني في المقابل أحب ذاك الشخص من كل قلبي وسؤالي عنه قريبته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة الكريمة أن المرأة إذا أصيبت بعشق رجل أجنبي عنها، فإنها قد أصيبت بداء عظيم ومرض خطير، ومثلها الرجل، فينبغي لمن أصيب به أن ينبذ أسبابه ويطلب علاجه، فيتداوى منه كما يتداوى من سائر الأمراض الظاهرة والأسقام الحسية التي تعيق الصحة وتتلف البدن، ولمعرفة كيفية علاج العشق وداء الحب انظري في ذلك الفتوى رقم: 9360.
أما ما تذكرين من إكراه نفسك على حب زوجك فهذا لا حرج عليك فيه بل لك فيه -إن شاء الله تعالى- الأجر منه سبحانه، فأما مجرد الحب القلبي لهذا الشخص الأجنبي فلا حرج عليك فيه إذا تحققت هذه الشروط:
1- أن تكوني كارهة لذلك تتمنين زواله والعافية منه.
2- أن تأخذي بأسباب العافية والسلامة منه، ومن ذلك أن تصرفيه حتى عن حيز التذكر والتفكير والخواطر، فإن الخواطر لها دور كبير في تهييج القلب وتعلقه بمحبوبه.
3- ألا يخرج الأمر إلى فعل الجوارح من كلام أو نظرة ونحو ذلك ... بذا يتبين أن سؤالك عن هذا الشخص وعن أحواله أمر لا يجوز، وأن الواجب عليك أن تنتهي عنه فوراً، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 98900، والفتوى رقم: 113122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(9/2317)
فتاوى حول التصفيق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد أجاز التصفيق في حالة التحية والتشجيع أو إبداء الإعجاب وهذا من الأمور التي تحدث في المهرجانات وغيرها من المناسبات، وما هي فتوى الموقع في حكم التصفيق من أجل التشجيع وإبداء الإعجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على كلام لفضيلة الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في هذا الأمر، ويمكن أن تراجع فيه القائمين على موقعه لعلهم يفيدونك فيه، وراجع فتوى موقعنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23539، 21492، 23394.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1430(9/2318)
في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب.
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تلتزم صديقتي بالصلاة، ولكنها تقطع في الفرائض، جربت معها كل الطرق للصلاة والالتزام، ولكن عملها وحياتها تأخذها من هذه الفريضة، هذه الصديقة عندها صديقة توفيت ولكن كانت تكن لها الكثير من الاحترام، السؤال إذا قلت لصديقتي أني حلمت بصديقتك وقالت لي أن أقول لك أن تصلي وتلتزمي بالصلاة، لعلها تلتزم. أعرف أن هناك طرقا أخرى، وجربت معها ولكنها تقطع. ما هي الفتوى إذا أنا قلت لها هكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك خير الجزاء، وأن يتقبل منك مساعيك الدعوية، وحرصك على هداية صديقتك، ونفيدك أن الأصل في المسلم أن يبتعد عن الكذب إلا إذا تعين وسيلة لمقصد مشروع، ولم يترتب عليه إضرار بالآخرين، وعليك بالاستغناء عنه بالتورية.
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. فيمكن أن تحدثي صديقتك عن صديقتها وتجعلي ذلك وسيلة لتذكر الموت والاستعداد له، وأنه قد يأتي بغتة، وأن المحتضر يتمنى أن يعيش ليعمل صالحا، ولكنه لا يسمح له بذلك، قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {المؤمنون:99}
ويمكن أثناء ذلك أن تحدثيها وتخبريها أنك رأيت صديقتها، وأنها تأمرها بأعمال الخير وتخصها على الاستقامة والالتزام بالصلاة، وتنوي نفسك، فكل منا يرى نفسه في النوم. أنت ربما تكونين حلمت أحلاما رأيت فيها نفسك وأنت قد طلبت منها في اليقظة أن تحافظ على الصلاة. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75026، 41016.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(9/2319)
وعد زوجته ألا يتزوج بعد وفاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتى توفيت، وأعول منها بنتين، الواجب مني أني أنا وهي نتحدث قبل الوفاة وعدتها أني لن أتزوج لكن كان مزاحا، لأن المدام توفيت فجأة، كان عمرها 22عاما، وأنا مكلمها يوم الوفاة الساعة 11 صباحا وهي توفيت الساعة 3 بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرحم زوجتك، ويغفر لها ويخلفها خيراً في بناتها، أما عن سؤالك فلا يلزمك الوفاء بما وعدت به زوجتك من ترك الزواج، سواء أكنت جاداً أم مازحاً في وعدك، ولا حرج عليك في الزواج بعد وفاتها، بل إنك إذا كنت تخشى على نفسك الوقوع في الحرام فالزواج واجب عليك.
وننبه السائل إلى أن الأصل في المزاح المباح أن يكون صدقاً، ولا يجوز الكذب فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً. رواه البيهقي بإسناد حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1430(9/2320)
حكم الاستهزاء والسخرية من الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعاني من مشكلة كبيرة وهي أنني دائما أتكلم عن الناس أحيانا بالخير وأحيانا باستهزاء. فبماذا تنصحونني كي أبتعد عن هذه الخصلة السيئة التي أكرهها؟ وكيف أعمل على إيقاف من أمامي عن الكلام في أعراض الغير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تلزمي تقوى الله وأن تعلمي حرمة ما تفعلين من الاستهزاء بعباد الله، وأن هؤلاء الذي تسخرين منهم قد يكونون في حقيقة الأمر خيرا منك وإن بدا في الظاهر خلاف ذلك.
قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. {الحجرات: 11} .
قال ابن كثير رحمه الله:
ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس. ويروى: وغمط الناس. والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له. انتهى
ثم اعلمي أنك بهذا الفعل تمكنين هؤلاء الناس الذين تسخرين منهم من حسناتك يوم القيامة فيأخذونها بدون كره ولا تعب بعد أن تعبت أنت في كسبها وتحصيلها, فإن لم يكن لك حسنات حملوا عليك من أوزارهم وسيئاتهم بقدر ما أسأت إليهم وخضت في أعراضهم, وكفى بذلك حسرة ورادعا عن الوقوع في هذه المعصية.
ثم نوصيك بالإكثار من ذكر الله والصلاة فإنهما حرز للمرء أيما حرز من الوقوع في معصية الله.
قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. {العنكبوت:45} .
جاء في تفسير البغوي: وقال عطاء في قوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر. قال: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. انتهى.
وجاء في الحديث أن يحيى بن زكريا قال لبني اسرائيل:وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
أما الأشخاص الذي يخوضون أمامك في أعراض الناس وعوراتهم،فهؤلاء ينبغي عليك أن تذكريهم بحرمة ذلك الفعل وقبحه وأن هذا من الغيبة المحرمة، ويمكنك أن تستعيني في ذلك ببعض الفتاوى بينا فيها قبح الفعل وحرمته مثل الفتويين رقم: 98340، 6710.
فإن لم يستجيبوا لك في ذلك فعليك أن تعتزلي مجالسهم وتقومي عنهم، لأن الإنسان إذا لم يستطع إزالة المنكر عليه أن يزول عنه، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 29929.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(9/2321)
أحكام العهود وأهمية الوفاء بها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشروط اللازمة في الأمر المعهود عليه حتى يكون العهد لازماً للعاهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في العهود أنها لازمة ما دامت لا تخالف الشرع، وكان المعاهد قادراً على الوفاء بعهده، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ. {المائدة:1} . وقال سبحانه: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً. {الإسراء:34} . وقال جل وعلا في صفات الصادقين المتقين: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ. {البقرة:177} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد سبق بيان أهمية الوفاء بالعهود في الفتويين رقم: 11، 5797.
وما قررناه إنما هو من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل فقد قسم الفقهاء العقود باعتبار اللزوم والجواز إلى: عقود لازمة، وعقود جائزة.
فالعقد اللازم هو: ما لا يكون لأحد العاقدين فيه حق الفسخ دون رضا الآخر، ومقابله: العقد الجائز أو غير اللازم: وهو ما يكون لأحد العاقدين فيه حق الفسخ.
وعلى ذلك فإننا لا نستطيع الحكم على جميع العهود أو العقود حكماً عاماً، ويلزمنا الاطلاع على نوع العهد أو العقد حتى نستطيع الحكم عليه بعينه.
وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 110211.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(9/2322)
ظلمت نفسها بإقامة علاقة محرمة معك وأنت شريكها في الظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منك نصيحة حفظكم الله، لقد أحببت فتاة ولكنها كذبت علي وكانت تخدعني وكانت تستغلني، فهل هذا يعتبر من الظلم أن تكذب علي بأنها تحبني وقد أخبرت والدتها بأني أريدها كي أتزوجها لكنها كانت مخادعة معي. هل مافعلته الفتاة معي ظلم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بعلاقة الحب بين الشباب والفتيات هو أمر لا يقره الشرع، ولا ترضاه أخلاق الإسلام، وإنما المشروع في الإسلام أن الرجل إذا تعلق قلبه بامرأة، يخطبها من وليها الشرعي، ثم تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
أما عن سؤالك، فلا شك أنّ الكذب والخداع محرّم، فإذا كانت تلك الفتاة قد فعلت ذلك فقد أتت محرمّاً وهو نوع من الظلم، لكنها ظلمت نفسها أولاً بإقامة هذه العلاقة، كما أنّك شريك لها في ذلك الظلم.
فالذي ننصحك به: أن تتوب إلى الله بقطع علاقتك بتلك الفتاة، والندم على ما فعلته، والعزم على عدم العود لمثل ذلك، وعليك بالزواج من فتاة ذات دين، عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1430(9/2323)
التوبة من غيبة الأبوين وشتمهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أُريدُ أن أعرف عن الشتم. شخص كان يشتم الناس من دون علمهم. والآن هو نادم بشدة. وتاب إلى الله ولكن لا يستطيع طلب السماح منهم. هو لا يستطيع حتى إخبارهم أنه شتمهم (أي سبهم) (منصبهم بالنسبة له عالية) (مناصب عالية لدرجة أن قد يكونا والديه) . وهل يمكن أن يصلح الله بينهما يوم القيامة؟ وعلى أن يتسامحا. هو لا يريد أن يخبرهما حتى لا يسخطوا عليه. وهل يمكن أن يغفرها الله القيامة مع سترها عن الوالدين مثلاً ولا يعلمون بها إطلاقاً؟. وأن يعفو عنهُ من ذلك الذنب الشنيع؟. هو الآن يبرهما ويصلح أعماله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حر ّم الله الغيبة، وصور فاعلها في صورة بشعة، قال تعالى:.. وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}
وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة، ف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. صحيح مسلم.
وإذا كانت الغيبة للوالدين فهي أشدّ قبحاً، فإن الشرع قد أمر بتوقير الوالدين والإحسان إليهما.
لكن من فضل الله أنه يقبل التوبة من أي ذنب إذا كانت التوبة صادقة واستكملت شروطها، وهي الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، لكن الغيبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، وهي تحتاج في التوبة منها إلى التحلل من حق الآدمي، بجانب الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ صحيح البخاري.
والأفضل أن يطلب السائل من والديه الصفح والمسامحة عما وقع منه، لكن إذا كان في إخبارهما بذلك ضرر، وإيقاع للعداوة والبغضاء، فلا داعي لذلك ويكفيه أن يستغفر الله عز وجل ويسأله العفو والصفح، ويجتهد في برّ والديه والإحسان إليهما، ويكثر من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114}
وعليه أن يذكرهما بما فيهما من خير، لا سيما في الموضع الذي سبق أن اغتابهما فيه، وأن يدعو لهما بظهر الغيب ويستغفر لهما، وقد روي في ذلك أحاديث ضعيفة فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: اللهم اغفر لنا وله. رواه البيهقي في الدعوات الكبير وقال: في هذا الإسناد ضعف.
واعلم أنك إذا صدقت في التوبة فسوف يسترك الله يوم القيامة ويعفو عنك، فإن التوبة تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(9/2324)
أمهات الأخلاق وأصولها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أمهات الأخلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تباينت عبارات العلماء عن أمهات الأخلاق وأصولها: فقال أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: أمهات الأخلاق وأصولها أربعة: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.
ومن أهل العلم من يبدل الحكمة بالصبر، ولا شك أن الحكمة تستلزم الصبر.
ومنهم من يبدل الحكمة بالاعتدال، والعفة بالأمانة. ولا شك أن الاعتدال من الحكمة، وأن العفة والأمانة متلازمتان.
وتوضيحا لما سبق نقول: إن الصبر والحكمة يحملان الإنسان على الاحتمال، وكظم الغيظ، وإماطة الأذى، والحلم والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة.
والعفة تحمل الإنسان على اجتناب الرذائل والقبيح من القول والفعل، وتحمله على الحياء وهو ركن كل خير، وتمنعه من الفحش والبخل والكذب والغيبة والنميمة.
والشجاعة تحمل الإنسان على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندي الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته، وتحمله على كظم الغيظ والحلم، فالإنسان بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها ويكبحها بلجامها عن السطو والبطش، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب. متفق عليه. وهذه هي حقيقة الشجاعة، وهي ملكة يقتدر بها على ضبط نفسه، وإصلاح خصمه.
والعدل يحمل الإنسان على اعتدال أخلاقه، وتوسطه بين الإفراط والتفريط، فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الإمساك والتقتير، وعلى خلق الحياء الذي هو توسط بين الذلة والقحة، وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور، وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة، والتوسط منشأ جميع الأخلاق الفاضلة الأربعة.
أما ابن حجر في فتح الباري فجعل أمهات الأخلاق الشجاعة والجود والحكمة. وذلك عند شرحه لحديث أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس.
وأما ابن حزم فقال في الأخلاق والسير: أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة، وهي العدل والفهم والنجدة والجود. أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة، وهي أضداد الذي ذكرنا وهي الجور والجهل والجبن والشح. اهـ
وهناك أقوال أخرى لأهل العلم لا يسع المقام لذكرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1430(9/2325)
المسلم فطن لا تنطلي عليه حيل المحتالين
[السُّؤَالُ]
ـ[عُرض علي مبلغ كبير من المال بواسطة أحد المواقع لأستثمره في مشروع استثماري وذلك بواسطة النت، وقد أفادتني الجهة التي ستحول المبلغ بأن المال كان لمهندس استرالي، وتوفى قبل مدة طويلة، والمبلغ موجود بالبنك، واتفق البنك أن يستثمر هذا المبلغ. السؤال هل أخذي هذا المبلغ واستثماره حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا المال الذي توفي صاحبه هو ملك لورثته، ولا يجوز للبنك التصرف فيه، وأخذك له لا يجوز. ثم إن الاتصال عن طريق الإنترنت وأنت لا تعرف من وراءه، وقد يكون خديعة أو حيلة، والمؤمن ينبغي أن يكون فطنا ذكياً، لا تنطلي عليه حيل المحتالين ولا خداع المخادعين، وفي الحديث: إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله.. رواه أبو داود.
قال في عون المعبود: العجز: أي التقصير والتهاون في الأمر. الكيس: الاحتياط والحزم في الأسباب، والتفطن في الأمور، والابتداء إلى التدبير والمصلحة بالنظر إلى الأسباب، واستعمال الفكر في العاقبة، ومعنى يلوم على العجز: أي لا يرضى بالتقصير، ولكن يحمد على التيقظ. انتهى.. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(9/2326)
هل للغيبة أو النميمة دعاء خاص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء خاص للغيبة أو النميمة ... حيث إن الكثير يبعث لي على البريد الإلكتروني.. بدعاء يسمى دعاء الغيبة.. وأنا لا يوجد لدي أدنى علم بصحتها أو ضعفها ... حيث إني لا أعلم بوجود دعاء في مثل هذه الحالات غير دعاء كفارة المجلس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يوجد دعاء خاص بالغيبة أو النميمة، والدعاء المذكور والمنتشر على شبكة الإنترنت لم نقف له على أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ورد في بعض الأحاديث التي لا تصح " أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته " وللوقوف عليها راجع في ذلك الفتوى رقم: 66515. والسلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله رقم: (1518، 1519)
وذكر بعض العلماء أن على المغتاب أن يذكر من اغتابه في مواضع غيبته بالمدح والثناء عليه وذكر محاسنه، ويستغفر له بقدر ما اغتابه، ولكن لم يذكروا دعاء خاصا لذلك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكر أن هذا هو قول الأكثرين، كما ذكر ذلك عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية، والسفاريني في غذاء الألباب، ونسب هذا القول للجمهور السفاريني في لوامع الأنوار البهية.
وأما دعاء كفارة المجلس فلا يكفي للتوبة من الغيبة والنميمة، بل الواجب على من حضر مجلس غيبة أو نميمة أن يذب عن عرض أخيه، فإذا كان لا يستطيع فليترك ذلك المجلس. فإن خاف فلم يذب ولم يترك المجلس فإن عليه التوبة من ذلك، ولا يلزمه أن يتحلل من الشخص المغتاب، لأنه لم يقع هو في الغيبة.. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 32433، والفتوى رقم: 43716 وما أحيل عليه فيهما فراجعهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(9/2327)
الكذب على المدراء بشأن حضور الموظفين وغيابهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من كذب علي مديره في العمل بعد ما سأله عن زميل له غائب أو خارج. وأخبره بغير الحقيقة علما بأن الالتزام في العمل عندنا هنا غير موجود نهائيا إما أن تجامل الموظفين الذين هم زملاء لك في العمل وتكذب علي المدراء، وأمام الله، وإما أن يصفوك بأنك لا تحفظ سرا، وليست فيك ثقة ولارجولة وغيره وغيره، وعندها سيقاطعك الجميع ولن يحترمك أحد، ولن يحبك أحد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل حرمة الكذب؛ لورود الأدلة القاطعة بتحريمه، قال الله تعالى: فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {آل عمران:61} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وليس فيما ذكر في السؤال ضرورة أو حاجة ماسة تجيز الكذب. أما الخوف من عدم محبة الناس ونحو ذلك، فقلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء. وإذا أخلص الإنسان في أفعاله ابتغاء مرضات الله رضي الله عنه وكفاه مؤنة الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فعلى الإنسان تقديم مرضات الله مع إحسان المعاملة مع الخلق. قال عليه الصلاة والسلام: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وحسنه الألباني.
فعلى الشخص المذكور أن يتوب إلى الله مما فعله. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى أرقام: 43408، 75813، 74465، 96512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(9/2328)
حكم الكذب لدفع العين والحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[سئلت يوما عن راتبي فأجبت برقم غير صحيح، نظرا لضعف راتب السائل، وخوفا من الحسد.
سؤالى هو: هل الخوف من الحسد ينافى الإيمان بالله وبقدره خيره وشره، مع العلم أنى لم أكن مصرا على أن أكذب، وخرجت مني بسرعة ودون تفكير فى عاقبتها؟
يغفر الله لي ولكم ولأمة الإسلام أجمعين الأحياء منهم والأموات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخوف الطبيعي الذي يجده الشخص في نفسه ولا يحمله على ترك الواجب، أو فعل المحرم، والأخذ بالأسباب، لا يتنافى مع الإيمان.
وأما الخوف الزائد الذي يجعل الإنسان يخاف هذا الشخص خوفا يجعله يعتقد أنه يمكن أن يصيبه بما يشاء من عين، أو حسد، أو مرض، أو فقر، بقدرته ومشيئته. فهذا الذي يتنافى مع الإيمان، وصاحبه مشرك والعياذ بالله تعالى، وسبق بيان أنواع الخوف وأدلتها في الفتويين: 2649، 112069. فنرجوا أن تطلع عليهما للمزيد من الفائدة.
ثم لتعلم أن الكذب حرام كما هو معلوم بالضرورة عند كل مسلم، دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من أفحش الذنوب وأقبح العيوب، وإن كان العلماء قد رخصوا فيه في بعض الحالات تراجع في جواب سابق برقم: 7432؛ فإنه قد لا يدفع العين والحسد وإنما يدفعان بمداومة الأذكار الشرعية، والتحصينات النبوية، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي وردت في كتب الأذكار.
وكان بإمكانك أن تستعمل المعاريض والتورية ففيهما مندوحة عن الكذب، فلك إذا خشيت من شيء أن تعرِّض تعريضاً يخرجك من الوقوع فيما تخاف منه، ولا تكون به كاذباً. وانظر الفتوى: 29954.
وعلى كل فإن عليك أن تتقي الله تعالى وتتوب إليه؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(9/2329)
أحب فتاة لشخصيتها ورجاحة عقلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قد أحببت فتاة، وقد أحببتها لشخصيتها ورجاحة عقلها، وهذه الفتاة وبكل صراحة جعلتني أتوقف عن فعل بعض المحرمات مثل العادة السرية وأشياء أكثر من ذلك، وأنا والله يستحيل استحالة تامة أن أفكر في أي شئ حرام معها، بل أحبها حبا صادقا. فهل حبي لها هذا حرام أم حلال؟ وإن كان حراما فماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم ما يعرف بعلاقة الحب قبل الزواج بين الشباب والفتيات، وأن ذلك غير جائز، وانظر الفتوى رقم: 30003، وقد سبق بيان حكم الحب وأقسامه في الفتوى رقم: 5707.
أما عن سؤالك، فمجرد تعلق قلبك بهذه الفتاة، إذا كان بغير سبب منك، كإطلاق البصر والكلام بغير حاجة، ونحو ذلك، ولم يخرج عن حد الاعتدال، فلا مؤاخذة عليه، لكن لا يجوز أن تكون بينكما علاقة، وإنما المشروع إذا كانت هذه الفتاة ذات دين، أن تخطبها من وليها الشرعي. فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وأما إن كنت غير قادر على الزواج، أو لم يتيسر لك الزواج منها، فعليك أن تجتهد لإزالة هذا التعلق، وتشغل نفسك بما يفيدك في دينك ودنياك، وتكثر من الصوم، وتستعين بالله، حتى يتيسر لك الزواج، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(9/2330)
المطلوب من المستشار الإنصاف
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت مني الاستشارة في سعر أرض عندما أراد أحد الزملاء بيع أرضه، ورغب بها زميل لنا آخر وكان الأخير رجلاً تاجراً لا يرحم، بينما البائع لم يكن يفقه كثيراً في أمور التجارة وإنما أراد البيع للحاجة فقط, فعندما استشارني المشتري عن قيمة الأرض قلت له بسعر رأيته مناسباً للأرض وقد ملت مع البائع الضعيف، ولكن زميلنا المشتري لم يعتد بكلامي فقط وإنما استشار آخرين في سعر الأرض, فهل آثم بشيء في هذه الحالة؟ علماً بأني سألته لاحقاً بأنه من سعّر لك الأرض فقال زميلي فلان ولم يذكرني بدليل أنه لم يأخذ باستشارتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الخيانة والغش أن يستشار المرء فيشير على من استشاره بغير الحق والرشد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني. قال السندي: أَيْ أَمِين فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُون الْمُسْتَشِير بِكِتْمَانِ الْمَصْلَحَة وَالدَّلَالَة عَلَى الْمَفْسَدَة. اهـ.
فميل السائل الكريم مع البائع فيه تضييع للأمانة، ولا يشفع له في ذلك كون البائع محتاجا أو ضعيفا، وقد كان يكفيه أن ينصف كلا من البائع والمشتري بذكر السعر المناسب بغض النظر عن حالهما، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. {النساء: 135} .
قال ابن كثير: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف.... وقوله: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا. أي: لا ترعاه لغناه، ولا تشفق عليه لفقره، الله يتولاهما، بل هو أولى بهما منك اهـ.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 59428.
ولا يعفي السائل من هذا الخطأ أن المشتري لم يكتف بمشورته، وإن كان ذلك يخفف التبعة، ولهذا نوصيه بالتوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(9/2331)
النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة لا تحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[إن عبد الله بن مسعود قال للرجل الذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ويقصد بذلك الرسول، عندما أعطى بعض الناس من الغنائم، لعله في غزوة أحد ولم يعط الآخرين قال له ابن مسعود: والله لأخبرن رسول الله بهذا. فما الضابط لنقل الكلام؟ وهل يعد هذا من الفتنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناساً في القسمة، فأعطي الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناساً من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. رواه البخاري ومسلم.
وكلام ابن مسعود هذا ليس من باب النميمة المحرمة، بل هي من باب درء المفاسد، قال ابن علان في دليل الفالحين: قوله (لأخبرن رسول الله) ليحذر منه وليعلم ما أخفاه من حاله، وليس هذا من باب نقل المجالس وهي بالأمانة، لأن ذاك في غير نحو هذا، أما هذا فمن النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضر الغير بتركها لم تكن ممنوعة ... ولو أن شخصاً اطلع من آخر على قول يقتضي إيقاع ضرر بإنسان، فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له. انتهى. ونقل ذلك الشوكاني في نيل الأوطار وأقره، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 117695.. أن النميمة وإن كانت حراما بلا خلاف، إلا أنه لو تضمن نقل الكلام وإفشاؤه حصول مصلحة أو دفع ضرر عن بعض المسلمين لا يمكن دفعه إلا بذلك، فإن النميمة حينئذ لا تكون محرمة، وانظر الفائدة في الفتوى رقم: 46214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(9/2332)
كفارة سوء الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت منذ أشهر على أخت في أحد المواقع على الإنترنت، وكانت نعم الأخت المسلمة التي تسعى لاستنهاض الهمم والعودة الى الدين, وقد توفاها الله رحمة الله عليها منذ أيام، وأرغب في معرفة ما يمكنني عمله من أجلها الى جانب الدعاء، فبعض الأعضاء ناشدوا بأن يصلي كل منا عليها صلاة الغائب وأنا لا أعرف مشروعية مثل هذا الأمر، ومنهم من قال بأنه يمكن أن نهدي لها ثواب ما نقوم به من أعمال صالحة، مستشهدين على ذلك بجواز الحج أو العمرة عن المتوفى، وقائلين بأن حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لا يعني أن ينقطع العمل له، وبهذا فلو أن أحدا أهداه ثواب عمله الصالح فانه ينفعه، وينسبون هذا القول للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فهل هذا صحيح؟
وهناك أمر آخر يؤلمني وأشعر بالذنب بسببه، وهو أنني أسأت الظن بها مرتين: المرة الأولى قبل أن أعرفها شخصيا، إذ اعتقدت أنها شيعية بسبب الصورة الشخصية التي كانت تستعملها، فكنت أقرأ ما تكتبه من مواضيع بعناية، لأتصيد أي محاولة لنشر أفكار منحرفة أو مشبوهة، ثم تبين لي خطأ ما كنت أعتقده، وكنت أنوي حقا إخبارها بذلك، وبأنني كرهتها في البداية ثم أحببتها لاحقا، لكن الظروف لم تسمح لي بذلك. والمرة الثانية كانت بعد أن تعرفنا وتصادقنا حيث اتهمتها إحدى العضوات أنها تحاول الإساءة لها بأساليب لا أخلاقية وصدقها الغالبية ورحن يكلن لها الاساءات، وهي أقسمت أنها لم تفعل ذلك، وأنا دافعت عنها أمام الجميع، لكنني بيني وبين نفسي خفت أن أكون خدعت فيها، فأرسلت رسالة خاصة للعضوة التي اتهمتها، وقلت لها إنني لا أستطيع تصديق هذا الأمر وأن الاخت طالما ذكرتها أمامي بالخير وأشادت بها وهذه حقيقة، وقلت لها أن ما ذكرته من مبررات وأسباب لاتهامها غير مقنعة أو كافية، وطلبت منها أن تخبرني إن كان هناك أمور أخرى لا أعرفها دفعتها لتوجيه الاتهام لها، لأنني لا أريد أن تربطني بها علاقة إن كانت على غير ما أظنه من الصلاح ووعدتها ألا أخبر أحدا بما ستقوله لي، وقد أجابتني هذه العضوة بأنها لا تملك أي أسباب أخرى غير ما كانت قد أشاعته. وبعد حوالي الشهر تبينت براءة هذه الأخت من التهمة، واعتذر منها الجميع, وقد فرحت كثيرا بذلك، ولم أستطع إخبارها أنني أيضا ارتبت فيها. ويؤلمني الآن جدا أنها كانت تحبني وتثق في بينما أنا أسأت الظن بها، فماذا أفعل لأكفر عن هذا الذنب؟ وهل يكفي الدعاء لها لتسامحني على سوء ظني؟
أعتذر على الاطالة. وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرحم صديقتك وسائر موتى المسلمين، وأن يرزقك الصبر على فقدها، ونذكرك بهذه البشارة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ. رواه البخاري في صحيحه.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: قَوْله إِذَا قَبَضْت صَفِيّه هُوَ الْحَبِيب الْمُصَافِي كَالْوَلَدِ وَالْأَخ وَكُلّ مَنْ يُحِبّهُ الْإِنْسَان, وَالْمُرَاد بِالْقَبْضِ: قَبْض رُوحه، وَهُوَ الْمَوْت، والْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ: صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ. انتهى.
وأما عن صلاة الغائب عليها، فالراجح -والله أعلم- أن صلاة الغائب مشروعة في حق من مات بأرض ليس فيها من يصلي عليه، أما من صلي عليه حيث مات فإنه لا يصلى عليه صلاة الغائب، كما بينا ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 30687.
وبخصوص الدعاء للميت وإهداء ثواب الأعمال الصالحة له من الحي فإنه ينتفع بذلك ويصل ثوابه إليه على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد سبق بيان ذلك بأدلته ومذاهب العلماء فيه في الفتويين: 5541، 8150، فنرجو الاطلاع عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما.
وأما عن قول الشيخ ابن عثيمين في مسألة إهداء ثواب الأعمال فهو يرى رحمه الله جواز ذلك، ويرى أن الأفضل هو الالتزام بما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء والاستغفار للميت ونحو ذلك مما ثبت في السنة.
وأما عن سوء الظن فلا شك أنه منهي عنه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. {الحجرات: 12} .
والظاهر أن سوء ظنك كان مجرد خواطر على القلب دون تحقيق ذلك أو التكلم به، لأنك دافعت عنها والتمست براءتها وحاولت التثبت في المرتين، وهذا من المعفو عنه، كما ثبت في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ. رواه البخاري ومسلم. وراجعي الفتوى رقم: 20456، ففيها مزيد بيان لهذا الحديث.
ويكفي إن شاء الله في كفارة سوء الظن ما لم يصحبه قول أو عمل به: التوبة والاستغفار، ولو أضفت إلى ذلك الدعاء لصاحبتك والاستغفار لها فهو خير لك ولها، ولمزيد من التفصيل حول أحوال سوء الظن وما يجب في كل منها من كفارة راجعي الفتويين: 10077، 116193.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(9/2333)
استحباب طلب الرزق بعزة نفس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حقا يوجد حديث فيما معناه أنه يقتضي على المسلم أن يطلب الرزق بكرامة وعزة نفس.
وهل علي أن أرفض فرصة للعمل متاحة لي إذا علمت أن صاحب العمل إنسان متكبر ويعامل الناس باستعلاء كأنهم والعياذ بالله عبيد له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن مطالب أن يحيا بكرامة وعزة نفس في طلب الرزق، وفي كل فعل من أفعاله ومواقفه وأقواله التي تصدر عنه، فالعزة من صفات المؤمنين كما ذكر سبحانه في قوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ {المنافقون:8} .
وقد وردت جملة من الأحاديث تدعو إلى العفة والكرامة وعدم إذلال النفس، بعضها في طلب الرزق صراحة، وبعضها يدخل فيها طلب الرزق، وكل أفعال المسلم وأقواله.
فمن النوع الأول الذي يطلب من المسلم العفاف والكرامة والتؤدة وعدم إذلال النفس في طلب الرزق، ما صح من حديث أَبِي أمامة أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فإنّ الله تعالى لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: (إن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد (وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، بحسب علمه القديم الأزلي، ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال: إن قسم فلا تعجل، وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبداً بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده) من الرزق وغيره إلا بطاعته. انتهى.
ولاشك أن قوله صلى الله عليه وسلم: فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ. يرشد إلى الطلب بكرامة والمحافظة على عزة نفس المسلم وعدم إذلال النفس، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في استعاذته بين الفقر والذلة لأن بعض النفوس الضعيفة يحملها الفقر على إذلال النفس، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ. رواه أحمد وأبوداود والنسائي وصححه الألباني.
قال في عون المعبود: (وَالذِّلَّة) : أَيْ مِنْ أَنْ أَكُونَ ذَلِيلًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ بِحَيْثُ يَسْتَخِفُّونَهُ وَيُحَقِّرُونَ شَأْنه، وَالْأَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهَا الذِّلَّة الْحَاصِلَة مِنْ الْمَعْصِيَة أَوْ التَّذَلُّل لِلْأَغْنِيَاءِ عَلَى وَجْه الْمَسْكَنَة، وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الْأَدْعِيَة تَعْلِيم الْأُمَّة. اهـ
ومن الأحاديث التي تنهى المؤمن عن إذلال نفسه في طلب الرزق أو في غيره، قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة وصححه الألباني.
وبناء على ما تقدم فإن كان هذا العمل سيعرضك للذل والمهانة والاستكانة لصاحب العمل الذي وصفته بالتكبر، فلا تقبل هذا العمل، وينبغي أن تسعي في طلب عمل شريف يصون عليك عزة نفسك، مع العلم بأنه لا يجب عليك رفض هذا العمل لمجرد تكبر صاحب العمل، ولكن هذا من باب الاستحباب، والتعفف والإجمال في طلب الرزق، ولا تيأس فسيأتيك رزقك المقدر، وفي الحديث عَنْ حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ قَالَا دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُعَالِجُ شَيْئًا فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا تَيْئَسَا مِنْ الرِّزْقِ مَا تَهَزَّزَتْ رُءُوسُكُمَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه البوصيري في الزوائد، والألباني. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 94664.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1430(9/2334)
الغضب أصل كثير من الشرور
[السُّؤَالُ]
ـ[لن أطول بالكلام يا أخي. أنا شاب من أسرة مسلمة من سوريا، عصبي جدا، وأغضب بسرعة كبيرة، وأطلب العون منكم.
مشكلتي باختصار أني أحببت فتاة من بلدي، وكل مرة تتكلم معي فيها أغضب بسرعة كبيرة منها حتى لو كان كلامها لطيفا معي، وليس فقط منها من أي إنسان يكلمني أغضب وبشدة، وأبدأ أكفر بالله وبكل شيء حولي، وأكفر، ولكني في الأيام الماضية أصبحت أكفر كثيرا كثيرا.
أطلب العون منكم، أرجوكم أريد أن أعلم ماذا أفعل في غضبي الشديد والسريع، وفي كيفية التكفير عن ذنوبي التي لو جلست مليار سنة لن أحصيها؟
أرجوكم يا إخوتي ساعدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصح أولا بالحذر من الغضب، فإنه أصل كثير من الشرور، وقد ورد في التحذير من الغضب ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: لا تغضب. فردد مرارا، قال: لا تغضب.
وهنالك وسائل لعلاج الغضب سبق ذكرها بالفتوى رقم: 8038، ونضيف هنا الرقية الشرعية كوسيلة للعلاج، ويمكنك مراجعة طبيب نفسي ثقة وصاحب خبرة يعينك في العلاج إن شعرت أنك بحاجة إلى ذلك.
ومن أعظم ما يدل على خطورة الغضب ما ذكرت من أنه قد يترتب على غضبك أن تكفر بالله تعالى، فإذا فعلت ذلك عن قصد واختيار فإنك تخرج بذلك عن ملة الإسلام، فعليك حينئذ بالتوبة إلى الله تعالى والنطق بالشهادتين لتدخل في الإسلام مرة أخرى، وعليك بالحذر من أن يتكرر منك شيء من ذلك، فالأمر خطير كما ذكرنا، فما يدريك فلعلك تقبض روحك في تلك الحالة فتخسر دنياك وأخراك، قال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة:217} .
فبادر بالتوبة، وأحسن الظن بربك، فرحمته واسعة، لا يعظم معها ذنب، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
واعلم أنه لا يجوز للمسلم أن تكون له علاقة عاطفية مع امرأة أجنبية عليه، فإن ذلك محرم وذريعة من ذرائع الفساد، فيجب عليك قطع هذه العلاقة معها، وإن كنت ترغب في الزواج منها، فأت الأمر من بابه، فتخطبها من وليها ولتتزوج منها، روى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
فإن لم يتيسر لك الزواج منها فاقطع علاقتك معها بالكلية. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 4220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1430(9/2335)
ثقة بالنفس لا غرور
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوازن بين عزة المسلم وتواضعه أو التفرقة بين الثقة بالنفس والغرور؛ لأن التواضع يظهر كأنه ضعف، أما الثقة فتظهر وكأنها غرور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مطالب بالإقدام وبذل الأسباب ثم تفويض الأمور إلى الله تعالى. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وعلى ذلك فالثقة بالنفس بعد التوكل على الله مطلوبة شرعا، بخلاف الغرور فهو مذموم؛ لأنه شعور بالعظمة وتوهم الكمال، أي أن الفرق بين الثقة بالنفس وبين الغرور هو أن الأولى تقدير للإمكانيات المتوفرة، أما الغرور ففقدان أو إساءة لهذا التقدير.
وأما التواضع فهو خلق محمود، وهو لا ينافي الثقة بالنفس، ويكفي دلالة على ذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان متواضعا مع شجاعة وإقدام وتوكل على الله في كل ما هو من أمور الخير.
وهكذا ورث العلماء الربانيون هاتين الصفتين، كيف لا وكلتاهما لازمتان لبناء شخصية المسلم، لا سيما الدعاة إلى الله؛ إذ كيف يتأتى لغير الواثق بنفسه أن يدعو غيره إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يخشى في الله لومة لائم؟
انظر مثلا إلى ثبات الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن وصبره على الجلد بالسوط، أتراه لم يكن واثقا من نفسه؟ بلى، ومع ذلك هل ترى أنه كان متكبرا أم متواضعا؟
إن الناظر في سير العلماء الربانيين يجدهم أكثر الناس تواضعا؛ لأنهم إنما يتواضعون لله، يتواضعون للحق لا للباطل، فإن الرضوخ للباطل مهانة وليس تواضعا، وقد نهانا الله عن المهانة، قال سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران: 139} ، ومع ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد. رواه مسلم.
فالتواضع عكس الكبر، وليس عكس الثقة بالنفس، والكبر قد فسره النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. وبطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. وغمط الناس: ازدراؤهم واحتقارهم.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 54512، 74593، 118772، 93043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(9/2336)
هل لمن شتم أبواه أن يرد على الشاتم بمثله
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شتم حد (أم) أو (أب) الآخر، فماذا على المشتوم أن يفعل؟ يرد عليه بالسب، أو يقول له الله يسامحك،
أو يسكت، أو هناك شيء أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسباب المسلم فسوق وقتاله كفر. بذا صح الحديث عن الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – ولو علم الساب وأيقن أنه بفعله هذا يهدر حسناته ويضيع قرباته، بل ويمكن من سبّه منها ليأخذها يوم القيامة أو يحمل عنه من أوزاره لما أقدم على فعله.
أما من وقع عليه السب فله أن يرد على السابّ بمثل ما سبّه لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194} ْ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه. انتهى
ولكن إذا كان السابّ قد سب أباه أو شتمه، فليس له أن يسب أباه أو أن يشتمه، لأن هذا من باب ظلم البرآء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى.
وأفضل ما يفعله المظلوم تجاه من ظلمه هو أن يعفو عمن ظلمه، ويدعو له بالهداية. فمن فعل هذا فقد وقع أجره على الله؛ لأن الله سبحانه قد أمر بالعفو والصفح عن المسيء فقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22} وقال سبحانه: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} وندب سبحانه إلى رد السيئة بالحسنة استصلاحا للمسيء واستئلافا لقلبه فقال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}
ولقد كان العفو والصفح والدعاء للمسيء من أخلاق النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وفي صحيح البخاري قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1430(9/2337)
كيف نحقق الأسوة الحسنة في حياتنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع شؤوننا حتى نحقق قول ربنا: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في هديه وخلقه، وعبادته لربه، هو وصية الله للمؤمنين حيث قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. {الأحزاب:21} .
ولقد كان السلف -رحمهم الله- حريصين على التزام هديه، واقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم، ومن ثّم نَقل ذلك لمن بعدهم ممن لم يره.
ولقد تمثل هذا الجهد في نقل هديه صلى الله عليه وسلم في أمرين اثنين:
الأول: هو الحرص على حكايته في جميع شمائله وطريقة أدائه للعبادات، وممن عرف بذلك ابن مسعود وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وكانا يلقنان ذلك لتلاميذهما، وتتابع التلقين حتى وصلنا.
والثاني: هو تدوين كل ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته، وفي خلقه مع أصحابه وأعدائه، وفي طريقة أدائه للعبادات.
فمن النوع الأول: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: الشمائل، كتب العلماء فيه كتبًا ذوات عدد، ومن أشهرها كتاب: الشمائل المحمدية للإمام الترمذي رحمه الله تعالى، وله شروح.
ومن النوع الثاني: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: السيرة النبوية. اشتهر كتاب: سيرة ابن هشام. وشُرح واختُصر ونُظم، ومن الكتب المعاصرة التي سارت بها الركبان كتاب: الرحيق المختوم للمباركفوري.
ومن النوع الثالث: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا: الفقه. دوَّن العلماء كُتُبًا عدة مبنية على ما استقرؤوه من أحاديث الأحكام وغيرها من الأدلة.
وهناك من العلماء من مزج بين الثلاثة الأنواع السابقة في مصنف واحد، ومن هؤلاء الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: زاد المعاد في هدي خير العباد، والذي يُعتبر -بحق- مُدوَّنة في الاتباع.
وكلما زاد حب رسول الله في قلب العبد زاد حرصه على اقتفاء أثره والتزام هديه بقدر المستطاع. وما على المؤمن الحريص إلا أن يكشف عن ساعدي الجد، ويعزم العزمة ويمضي في قراءة الكتب المذكورة وما كان على شاكلتها، ثم يجتهد في التطبيق والامتثال.
مع ملاحظة أن هناك من هديه صلى الله عليه وسلم ما يجب التزامه ويحرم مخالفته، ومنه ما يستحب التزامه وتكره مخالفته، ومنه ما لا يتعلق به طلب ولكن من التزمه رغبة في مجرد الاقتداء وحبًا لموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أُجر على هذا الالتزام الذي لا يلزم، وانظر بيان ذلك في الفتوى رقم: 24214.
وانظر فضل التمسك بهدي محمد صلى الله عليه وسلم عند هجر الناس له في زمن غربة الإسلام في الفتويين: 58011، 35951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(9/2338)
حكم التجسس على الأب بغرض إصلاحه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لو سمحتم.. لي صديقة أبوها يخون أمها برسائل نصية مع امرأة. هل يجوز لها أن تتبع مصدر هذه الرسائل، وتتبع جوال أبيها لتعرف هل هذه العلاقة منقطعة أو مستمرة وبطرق أخرى.. بحيث إنها تعرف كل المعلومات عن هذه العلاقة وتحاول التصرف مع هذا الموضوع وتحله بدون ما أحد يعرف يعني هل يعتبر هذا تجسسا؟ مع أن فعلها ليس للأذية أو مجرد تتبع. هي تبغي تحل الموضوع بدون علم أمها. وهل يوجد رقم هيئة ممكن تعطيها الرقم الذي يراسله أبوها ويتصرفون هم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتجسس حرام؛ لقوله سبحانه: وَلا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} ، ولقوله – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري ومسلم: ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 100107.
وعلى ذلك فلا يجوز لصديقتك هذه أن تتبع عورات أبيها، ولا أن تطلع على خصوصياته دون إذنه. ولا شك أن رسائله على الهاتف من جملة خصوصياته فلا يجوز لها أن تطلع عليها.
لكن ما دامت أنها قد علمت ذلك فعليها أن تقدم النصح لوالدها وتوصيه بتقوى الله وطاعته، فإن فعلت ذلك فقد أدت ما عليها، ثم بعد ذلك إن نما إلى علمها دون تجسس ولا تحسس أن والدها ما زال على هذه العلاقة غير المشروعة، ولم ينتصح بنصيحتها فإن لها أن تخبر من تعلم أو يغلب على ظنها أنه قادر على منعه من هذا المنكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1430(9/2339)
هل يتعارض كظم الغيظ مع الجهر بالحق
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثنا ابن السرح، حدثنا ابن وهب عن سعيد يعني ابن أبي أيوب، عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء.
السؤال:
الحديث السابق يتحدث عن ميزة كتم الغيظ، ولكن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر قال: الساكت عن حقه شيطان أخرس.
فكيف يمكن تفسير كلا الحديثين، الرجاء ذكر أمثلة على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الأول رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وحسنه الألباني.
ومعناه كما في عون المعبود وتحفة الأحوذي: أن من رد غضبه وصبر على سببه وهو قادر على إنفاذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق بين الناس وأثنى عليه وتباهى به.
وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ {آل عمران: 134} . ومن نهى النفس عن هواها فإن الجنة مأواه والحور العين جزاؤه.
وهذا الثناء الجميل والجزاء الجزيل إذا ترتب على مجرد كظم الغيظ فكيف إذا انضم العفو إليه أو زاد بالإحسان عليه.
وأما قولك: الساكت عن حقه. فلم نقف عليه في حديث ولا في كلام لأهل العلم، ولكن ورد في كلامهم: الساكت عن الحق شيطان أخرس. وليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه من كلام أهل العلم كما سبق بيانه في الفتوى: 58360.
ومع ذلك فهو كلام حكيم لا يتعارض مع الحديث السابق؛ لأن الحق الذي لا يجوز السكوت عنه هو ما يجب على المرء من إنكار المنكر إذا رأى محارم الله تنتهك.
ولمعرفة أمثلة كظم الغيظ المحمود والمذموم انظر الفتاوى التالية أرقامها: 52888، 80607، 118084.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1430(9/2340)
العفو أقرب للتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أهداني أبو زوجتي مسبحة (سبحة) واستعملتها. وبعد حدوث بعض المشاكل مع زوجتي (ابنة هذا الرجل) طلقتها.
وأستمر في استخدام السبحة في عد التسبيح، فهل يأخذ هذا الرجل أو ابنته مثل ثوابي وأنا أستخدم هذه السبحة؟ أنا لا أريد أن أنفع أيا منهم بشيء فقد خدعاني وتسبب ذلك في الطلاق. يكفي ما أعطيتها من مال بسبب الطلاق، ولا أريد أن أعطيها ثواب تسبيحي أيضا.. أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن يعلم السائل الكريم أن السنة هي عقد التسبيح باليد، ولا شك أن هذا أفضل وأعظم أجرا، وأما التسبيح بالمسبحة فمحل خلاف بين أهل العلم بين مجيز وكاره، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 7051.
فإن التزم السائل الكريم بهذه السنة كان أعظم لأجره وتحقيقا لغرضه.
ثم ينبغي أن لا تصل الخصومة بين المسلمين لدرجة أن يضن المسلم على أخيه المسلم بثواب الله، والعفو أقرب للتقوى، والعفو لا يكون فقط مع من يستحقه، بل حتى الظالم يستحب العفو عنه، لا لكونه أهلا لذلك، وإنما لينال المظلوم ثواب الله ورضاه، فهي في حقيقة الأمر معاملة مع الله تعالى.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 114087. كما سبق في الفتوى رقم: 15093 بيان أنه كما أن لفاعل الخير ثوابا عند الله، فكذلك الدال على الخير له ثواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(9/2341)
أحكام كشف أستار المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تكبرني بسنوات عديدة ومشهود لها بالصلاح ولا أزكيها على الله تعالى, وهذه الصديقة رأت زوجة أخي مرات قليلة وأخذت عنها فكرة طيبة جدا من ناحية الخلق والتدين, زوجة أخي هذه حقا متدينة ولا أعرف ما هذه النوعية من التدين لأني أستغرب كيف تجمع بين إعطائها دروسا للآخرين وتعلم أولادها القرآن الكريم والتزامها بالحجاب وبين تقصيرها الكبير ناحية زوجها وأولادها وبيتها وبين صفات سيئة جدا بها والله يا أخي حقا أستغرب الكلام والشرح يطول جدا؟
المهم في سؤالي هو: أن صديقتي تلك التي تكلمت عنها آخذة فكرة عظيمة عن زوجة أخي, طبعا هي بعيدة عنها جدا, في بلد آخي, ولكن صديقتي هذه دائما تسألني عنها وتدعو بأن الله يكثر من أمثالها وأنا أحيانا أتحرج من كلمة آمين مقابل هذا الدعاء وتحكي عنها باختصار هي مخدوعة بها، المهم وما يهمني هنا, هل أفصح لها عن حقيقة زوجة أخي من كونها لا تقدم أي خدمة لوالدي العجوز الموجود عند أخي وتنكد على أخي وتترك البيت كثيرا وتزور صديقاتها بدون أن تنظف البيت أو تطبخ وتقصد إزعاج والدي من أجل أن تكرهه في الوجود عندهم والكثير الكثير من هذا القبيل وغيره, ما هذا التدين صدقا أكره من زوجة أخي هذه أن تحدثني عن الدين وعن حسن الخلق, فأقول في نفسي لم لا تطبق ما تقوله في نفسها.
أرجو من الله تعالى إجابتي إجابة وافية لو تكرمت أخي الفاضل لأنني بحاجة فعلا لتلك الإجابة, هل أقول لصديقة حقيقة زوجة أخي,, أم علي إثم في ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بد من التمييز بين الأمور التي تجري مجرى المعاصي والذنوب وبين غيرها مما يجرى مجرى المكروه وخلاف الأولى، فإن الأول فعله يوجب الذم والعقاب، أما الثاني فلا, وما ذكرته من حال زوجة أخيك بعضه حرام موجب للذم كما هو الحال في علاقتها بزوجها وإهمالها لحقوقه وحقوق بيته وأولادها، إن صح ما قلته عنها.
وأما خدمتها لوالد زوجها فلا تجب عليها، نعم يستحب لها ذلك ويطلب منها على سبيل الندب وفعل الأولى أما على سبيل الحتم فلا.
وعلى كل فلا يجوز لك أن تخبري صديقتك هذه بما يكون من أخطاء من زوجة أخيك لمجرد الإعلام ودون حاجة معتبرة وذلك لاشتمال هذا الفعل على عدة محاذير:
منها: أن في هذا كشف لسترها وتتبع لعوراتها وهو محرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومعنى تتبع العورات أن يبحث ويستقصي عما خفي عنه من المساوئ أو يكشف ما علمه واطلع عليه منها, جاء في تحفة الأحوذي: ولا تتبعوا عوراتهم فيما تجهلونها ولا تكشفوها فيما تعرفونها. انتهى بتصرف.
وقد حرم الشرع كشف أستار المسلمين لما فيه من المفاسد العظيمة منها على سبيل المثال: تيئيس العاصي من التوبة وإغراؤه بالمداومة على المعصية، فإن الإنسان إذا شعر أن أخطاءه قد كشفت وأن أستاره قد هتكت فلن يتورع بعد ذلك عن شيء ولن يستحي من قبيح , فيكون هذا عونا وأيما عون على استدامة المعصية دون رادع من حياء أو حرج, وإلى هذا المعنى أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
لذا فقد ندب الشرع إلى ستر المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أشار على ماعز عندما وقع في الزنا أن يظهر أمره للنبي، فقال له النبي: يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك. صححه الألباني.
بالإضافة إلى أن هذا الفعل ينطوي على الغيبة المحرمة, وما الغيبة إلا ذكر الإنسان في غيبته بما يكره أن يذكر به كما قال رسول الله: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. رواه أبو داود وصححه الألباني.
واعلمي أيتها السائلة أنه ما منا من أحد إلا وهو يخطئ ويعلم في غالب الأحيان أنه مخطئ, وهو مع هذا يحب من الناس أن يستروا عليه وأن يقيلوا عثرته, فلا بد للمرء إذاً أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه. رواه مسلم.
قال النووي: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاس الَّذِي يَجِب أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ هَذَا مِنْ جَوَامِع كَلِمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَدِيع حِكَمه، وَهَذِهِ قَاعِدَة مُهِمَّة فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِهَا، وَأَنَّ الْإِنْسَان يَلْزَم أَلَّا يَفْعَل مَعَ النَّاس إِلَّا مَا يُحِبّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ. اهـ.
لكن يستثنى من ذلك ما إذا ترتب على سكوتك ضرر يلحق صديقتك كأن كانت قد عزمت على الدخول مع زوجة أخيك في معاملة ما وهي تظن بها الخير وغلب على ظنك أنه سيلحقها من ذلك ضرر فلا حرج عليك حينئذ أن تحذريها منها بالقدر الذي يدفع عنها الضرر بل قد يجب عليك ذلك بشرط أن تقتصري على القدر الذي يندفع به الضرر ولا تسترسلي في تعداد أخطائها ومساوئها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(9/2342)
حكم إفشاء الأم أسرار ابنها الزوجية لشقيقاته
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أعرفها اختلفت مع زوجها اختلافا كبيرا واضطرت (نظرا لوفاة والدتها) أن تشكوه لوالدته، وقامت بإطلاع أم الزوج على بعض الأمور الخاصة بينها وبين زوجها بقصد إيجاد حل للمشكلة. قامت أم الزوج- رغم كونها امرأة طيبة - بإخبار بناتها التسع عما جرى بين أخيهن وزوجته. هل يجوز هذا؟ أليس هذا كشفا لستر ابنها خصوصا أنه لا يعلم أن أخواته وأمه يعلمن بخصوصيات بيته. وهل يجوز للوالدين إفشاء أسرار بيوت أبنائهم لأبنائهم الآخرين بحجة أنهم إخوة، ولا حرج من علمهم بأمور بعض. الرجاء التوضيح بالدليل من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تفشي أسرار زوجها لأي أحد لا لوالديه ولا لغيرهما إلا لضرورة أو حاجة؛ لأن حفظ السر أمانة، وإفشاءه خيانة، والله لا يحب الخائنين، لكن إن كان قد غلب على ظن هذه الزوجة - بعد تفاقم الخلاف بينها وبين زوجها - أن أمه قادرة على إصلاحه ورده عن خطئه فشكت إليها بناء على ذلك فلا حرج عليها فيما فعلت.
أما ما فعلته أمه من إفشاء السر بين أخواته فهذا حرام وتضييع للأمانة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة. حسنه الألباني. ومعنى "ثم التفت" أي: التفت يمينا وشمالا خشية أن يراه أحد، جاء في عون المعبود: قال ابن رسلان: لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. انتهى.
وقال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. اهـ وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه؛ لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا، والنميمة إن كان مستخبرا، فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى
واعتذارها بأنه لا حرج عليها في ذلك لأنهن أخواته لا يفيد، فإن لكل واحد من الإخوة أسرارا وخصوصيات في بيته لا يرضى أن يطلع عليها إخوته بل ولا والداه.
فعلى هذه الأم أن تستغفر لذنبها وتتوب إلى ربها، وتوصي بناتها بكتمان ما كان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(9/2343)
إثم محبة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا
[السُّؤَالُ]
ـ[علماءنا الأعزاء.. أدام الله فضلكم وعلمكم وأبقاكم لنا..
أنا كنت على علاقة لا ترضي الله ورسوله لفترة بإحدى الفتيات لمدة تزيد عن الثلاث سنوات..
وقبل فترة وجيزة قامت بتفضيل أحدهم علي، وقررت الزواج منه، أنا أعلم أن هذه العلاقة محرمة شرعا، وأتوب إلى الله في كل صلاة من سوء أعمالي.
لقد قمت بفضح هذه الفتاة من خلال إرسال صور خادشة للحياء كانت هي قد أرسلتها لي بحر إرادتها..وقمت بإرسال هذه الصور إلي مدرائها وزملائها في العمل.
أنا أعترف بسوء عملي وفظاعة نفسي وسوء شيطاني.
ما هو حكم الإسلام الشرعي في؟ وكيف لي أن أنجو بنفسي من سخط الله وعذابه.. فأنا لم أذق طعم النوم الهادئ، ولا أستطيع أن آكل لكثرة التفكير في هذا العمل المشؤوم.
هل يعتبر ما فعلته تشهيرا أم قذفان وللعلم فأنا فقط وزعت صورها التي هي حقيقة لها. ولم أقم بقذفها بأي الكلمات كالزنا أو ما شابه.
أتمنى أن أجد في محيط علمكم ما يساعدني على تخطي عمل نفسي..وأن أجد الجواب الشافي لكي أناجي الله بتوبة نصوح.
هل علي ما يترتب من أحكام شرعيه لكي أرد حقها، ولكي أستطيع أن أطهر نفسي ولو بجلد ظهري؟ هل للفتاة حقوق يجب أن أفعلها لها لكي تكون توبتي مقبولة إن شاء الله.. فكما علمت فإن حقوق العباد لا تضيع عند بارئها..
أستميحكم عذرا يا شيوخي.. فأنا عبد تائه أهوته نفسه وخدعه شيطانه..
فهل لكم أن تمدوا لي يد العون وتكسبوا في أجرا يفضلكم الله به عن الخلق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته من تشهير بهذه الفتاة وفضيحتها جريمة عظيمة تنضم إلى معصيتك السابقة في علاقتك غير المشروعة بها، وفعلك هذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ولا شك أنها من كبائر الذنوب التي توعد الله سبحانه فاعلها بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور: 19} ، فانظر كيف توعد الله بهذا الوعيد الشديد من أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فكيف بمن أشاع الفاحشة فعلا كما كان منك. والعذاب الأليم الدنيوي المتوعد به في الآية هو ما يعم المصائب والآفات التي تصيب الشخص في بدنه وماله وما يحب، قال الألوسي رحمه الله {لَهُمْ} بسبب ذلك {عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا} مما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى {وَ} في {الآخرة} من عذاب النار ونحوه. انتهى.
وقد نتج عن شؤم فعلك هذا مصيبة أخرى شنيعة، وهي ما تسببت فيه من فتنة الأشخاص الذين أرسلت لهم هذه الصور القبيحة الفاضحة وما عرضتهم له من النظر المحرم إلى العورات فكنت خير معين للشيطان عليهم، وهذه صورة أخرى من صور إشاعة الفواحش ونشر الرذائل والآثام وفتنة المسلمين، ذلك أن النفوس إذا كانت بعيدة عن الفواحش والشهوات المحرمة فهي غافلة عنها ساهية عن التفكير فيها، أما إذا وجدت من يذكرها بذلك وينبهها له عند ذلك تتحرك كوامن الفتنة ودواعي الفساد والشر. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسيره للآية السابقة: ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويداً رويداً حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع، فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها، وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة. هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب، ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر وهذا كقوله: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. انتهى.
ولكن فعلك هذا وإن كان كبيرة من الكبائر إلا أنه لا يعتبر من القذف الذي يوجب الحد.
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله من هذا الفعل، ثم الدعاء لهذه الفتاة والاستغفار لها، واحذر أن تتصل بها أو تتعرض لها خصوصا بعد ارتباطها بهذا الرجل التي تقدم للزواج منها، فإن هذا حتما سيفسد عليها حياتها.
كل ما يلزمك هو أن تتوب وتستغفر لنفسك ولهاظ، وأن تكثر من الأعمال الصالحة المكفرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(9/2344)
توجيهات لمن أحب قريبته وأصبح لا يستطيع نسيانها
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب عمري 18سنة معجب جدا ببنت خالي وهي أكبر مني بسنة وأريد الزواج منها مستقبلا ولا أستطيع نسيانها، في كل وقت معي، ولا أستطيع المذاكرة أريد محادثتها دائما-أحببتها والله يعلم- لم أرها منذ 5 سنوات ولما شاهدتها بعد ذلك لا أعرف ماذا حدث لي فهي في بلدة وأنا في محافظة أخرى ولا أراها ولا تراني. فهل أصارح أحدا بذلك؟ وهل أصارحها؟ أم ماذا أفعل؟ ولا أستطيع أن أتكلم مع أحد في هذا الموضوع.
أرجوكم لا أريد إلا نصائح حتى أعيش مطمئن النفس هادئ البال لأني أحس أني أعيش معقدا لأني لا أدرى أهي لي أم لغيري؟ هذا ما يؤرقني دائما وأريد التخلص مما أنا فيه، وأحس أني تائه، هذا كل ما أخبركم به، فابحثوا وأفيدوني بل أنقذوني فلا أحد يشعر بى وهذا أيضا مما يحزنني ويجعلني في ضيق شديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد التعلق القلبي بين شاب وفتاة، لا يلام الإنسان عليه، إذا لم يكن قد سعى في أسبابه بالأمور المحرمة كالخلوة وإطلاق البصر والكلام بغير حاجة، ونحو ذلك، ولم يتجاوز حد الاعتدال حتى يؤدي إلى التفريط في الواجبات والوقوع في المحرمات، وعلاجه حينئذ يكون بالزواج الشرعي، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وإذا لم يكن الزواج متيسرا لعدم قدرة الشاب على الزواج أو لرفض الفتاة، فإن عليه أن يزيل من قلبه هذا التعلق، وهذا هو الذي ننصحك به ريثما يتيسر لك الزواج بها، ولا سيما وأن تعلقك بهذه الفتاة قد أدى بك إلى التفريط في المذاكرة، وكما أنك في مرحلة عمرية لها خطرها في حياة الإنسان، ففي تلك المرحلة يكون الشاب في أعظم مراحل النشاط الذهني والبدني والعاطفي، وتلك طاقة هائلة ونعمة من الله ينبغي أن توظف فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه.
فإذا أحسن الإنسان توظيف هذه الطاقة، فإن ذلك يكون سببا في صلاح أمره ورفعة شأنه وسعادته في الدنيا والآخرة، وأما إذا أهمل واستجاب لغرور الشيطان ومطامع الهوى ودواعي الكسل والخمول، فإنه يحرم الخير الكثير، ويندم حيث لا ينفع الندم، فسوف يسأل الإنسان عن تلك المرحلة من عمره يوم القيامة، فعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ . رواه الترمذي وصححه الألباني.
فالذي ننصحك به أنك إذا كنت تقدر على الزواج فتقدم لخطبتها من وليها، وأما إذا كنت غير قادر على الزواج، فلا تصرح لهذه الفتاة أو لغيرها بذلك، وعليك أن تجتهد في إزالة تعلق قلبك بها، وذلك يسير بإذن الله، لمن كان حريصا على مرضاة ربه، وذلك بالتزام حدود الشرع، والبعد عن كل ما يثير هذه العواطف، وعدم التمادي مع تلك الخواطر والأفكار، مع الحرص على أن تشغل نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك، وتقوي صلتك بربك بالمحافظة على الصلاة في المساجد، وحضور مجالس العلم والذكر، ومصاحبة الأخيار الذين يعينون على الطاعة، مع الاستعانة بالله وكثرة الذكر والدعاء.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 17886.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1430(9/2345)
التعلق الشديد بشخص ما هل هو من السحر
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني تعرفت على مساعد أثناء تأديتي الخدمة الإلزامية، وقد تعلقت بهذا الشخص كثيرا، وقد مضى لي عامان منتهيا من الخدمة الإلزامية، ومازلت متعلقا بهذا الشخص، وقد قال لي أحد الأشخاص بأنه قد يكون سحرك، والذي يدعو للعجب أنه حتى الآن يعرف كافة تحركاتي مع أنه يسكن في دمشق، وأنا في حلب. المسافة طويلة. أطلب منكم مساعدتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسحر كبيرة من الكبائر، لا يجوز اتهام المسلم به إلا عن بينة ويقين لا بمجرد ظن وتخمين. وليس في تعلقك به دليل على ذلك؛ لأن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف. والمرء قد يعجب بالمرء ويحبه لكريم أخلاقه وجمال خصاله وجزيل فضائله ونحو ذلك.
وإن كان الحب في الله كان ذلك أعظم لما فيه من الأجر والمثوبة وهو أوثق عرى الإيمان. وما عداه من الحب مؤقت سرعان ما يزول ويتلاشى، سيما في الآخرة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف: 67} وقد بينا حكم الحب في الإسلام وأنواعه وكيفية علاجه فانظر في الفتويين: 58152، 5707.
وإذا كان هذا التعلق من قبيل الشهوة فهذا مورد خطير ويجب عليك قطع علاقتك بهذا الشخص، وراجع الفتوى رقم: 8424.
وأما معرفته لأمورك فلعله اطلع عليها خلال بعض زملائك ونحوه، وإن كانت له علاقة بالجن فلا يبعد أن ينقلوا إليه أخبارك، لكن الاحتمال الأولى أقوى، ومهما يكن من أمر إذا بدت عليك علامات السحر وأعراضه فلا حرج عليك أن تسترقي وتعالج نفسك بما هو مشروع، ولمعرفة أعراض السحر وكيفية الرقية الشرعية انظر الفتاوى رقم: 13199، 2244، 27789.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(9/2346)
هل يكون مغرورا من لم يلتفت لكلام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى إجابتي:
أختي وأمي دائما ينعتوني بالمغرورة ولكن أرى نفسي غير ذلك، هم نعتوني لأني لا ألتفت لكلام الناس أبدا، فهل هذا هو الغرور، أخاف من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكبر والعجب بالنفس، من أخطر الصفات التي تهلك العبد وتجلب غضب الرب، قال تعالى: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ {النحل: 23} .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم.
وقد عرّف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكبر تعريفاً دقيقاً في هذا الحديث، وهو: بطر الحق: أي دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، وغمط الناس: أي استحقارهم وتعييبهم، وانظري الفتوى رقم: 24081.
فعدم الالتفات لكلام الناس، قد يكون محموداً، إذا كان بمعنى الإخلاص لله وعدم الاكتراث بمدح الناس أو ذمهم ما دام العمل موافقاً لشرع الله.
وقد يكون مذموماً إذا كان فيه إعجاب بالنفس، وعدم قبول النصح، واحتقار للآخرين، فذلك من الكبر والعياذ بالله.
ولمعرفة الفرق بين عزة النفس والكبر، راجعي الفتوى رقم: 74593.
وعلى كل حال ينبغي اتهام النفس، والحذر من الكبر والعجب، والحرص على مراجعة النفس ومراقبة القلب، مع الاستعانة بالله والتوكل عليه والدعاء بالسلامة من أمراض القلوب.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 58992، والفتوى رقم: 23856.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(9/2347)
الترهيب من إفشاء الأسرار
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في ضيافة أخي لمدة شهر وأثناء ذلك قامت زوجة أخي بسرقتنا، حيث كانت تسرق مبالغ نقدية وخاتم ذهب ولكن لم يكن لدينا دليل على ذلك وبعد فترة وجيزة قمت بتفتيش أغراضها فوجدت سنسال ذهب وعدة مكياج وبمواجهتها أنكرت ذلك ولكن اعترفت بسنسال الذهب بأنها وجدته ولا تعرف لمن هو وقامت بتخبئته وعند علم أخي حلف عليها إن كانت قد فعلت ذلك بأنه إذا ثبت عليها أي شيء سوف يطلقها وهي حامل أيضا ولا يريدها ولا يريد الذي في بطنها وسوف يعيدها إلى أهلها، وتحرم عليه، ولكن أخي لم يصدقني لا أنا ولا زوجتي واتهم زوجتي بأنها هي التي وضعت لها الطعم وهي من دبر لها ذلك لأنها تغار منها، ودعا على زوجتي بأن يحرمها من الولد إذا ادعت على زوجته بذلك.
ولكن عندما علمت إحدى أخواتي بذلك قالت هي أيضا سرقت من عندي عندما كانت بضيافتي، وعندما علم أخي الكبير أيضا بذلك قال هي سرقت من بيتي خلال شهر رمضان عندما كانت معزومة عندي وطلبنا من الله ان يفضحها، وللعلم هي لا تصلي وتكذب وحلفت على القرآن بأنها لم تأخذ شيئا مني، وأخي صدقها لكنه تأكد من أنها سرقت من عند أختي فقام بتطليقها طلقة واحدة بدل حلفه باليمين مع العلم بأنه قال سوف أطلقها ولا أريدها بالمرة وسوف أعافها وأعيدها إلى أهلها، والآن هو لا يعلم بأنها سرقت من بيت أخي الكبير لأنها قامت بالاتصال بأخي الكبير وطلبت منه عدم إخبار أحد بما فعلته ووعدها بذلك.
المشكلة ولغاية الآن يتهمني وزوجتي بأننا نكذب على زوجته وقد اتهمنا بقذفها بشبهة السرقة، مع أننا وجدنا السنسال لديها واعترفت بأنها وجدته خلف الخزانه ولا تعلم أنه لنا مع العلم بأنه لم يدخل بيتها سوى نحن خلال هذه الفترة واعترفت بسرقة أختي أيضا السؤال هل أخبره عن سرقتها لأخي الكبير حتى يقتنع بأننا لا نكذب على زوجته لأن أخي الكبير له مكانته في العائلة ولا يمكن أن يكذب على زوجته مع أنه طلب مني عدم إخبار أحد بالموضوع لكونه وعدها بأن لا يخبر أحدا وبالنسبة لحلفه عليها بالطلاق وبأني سوف أعافها ... أفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تخبر أخاك بسرقة زوجته من أخيكم الأكبر طالما أنه ائتمنك على هذا السر، فإن فعلت فقد أفشيت سره، وإفشاء السر حرام لأنه خيانة للأمانة وإخلاف للوعد، والله سبحانه لا يحب الخائنين، قال سبحانه: إِن اللهَ لا يُحِب الْخَائِنِينَ {الأنفال:58} .
قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.
قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى.
وقال الماوردي: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه يبوء بإحدى وصمتين: الخيانة إن كان مؤتمنا، والنميمة إن كان مستخبرا، فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى.
أما بالنسبة لحلفه عليها بالطلاق فقد ذكرت أثناء حديثك أنه وعد بطلاقها، وقال إنه سوف يطلقها ولا يريدها أبدا، وهذا ليس بطلاق قطعا لأن الوعد بالطلاق ليس بطلاق، ثم ذكرت بعد ذلك أنه طلقها تطليقة فإن كانت هذه التطليقة صريحة ناجزة ليس فيها وعد ولا تعليق فإنها تقع ويحق لزوجها مراجعتها في العدة ما لم تكن هذه هي الطلقة الثالثة؛ وإلا فإنها تكون قد حرمت عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(9/2348)
بغض شخص معين بين الحرج وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الأناس أنا لا أحبهم سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، هل هذا حرام؟ رغم أني أعاملهم جيدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على الإنسان أن يحب أهل الدين والخير والصلاح، وأن يبغض أهل الكفر والفسوق والعصيان، فهذا ركن الدين الأعظم وطريقه الأقوم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أَحِبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغِضْ فِي اللَّهِ، وَوَالِ فِي اللَّهِ، وَعَادِ فِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لا تُنَالُ وَلاَيَةُ اللَّهِ إِلا بِذَلِكَ، وَلاَ يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ؛ وَصَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ ذَلِكَ لا يُجْزِئ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا، ثُم قرأ: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ {الزخرف، آية: 67} ، وقرأ: لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة: 22} . انتهى.
ولكن إذا وقع في قلب إنسان بغض شخص ما دون كسب منه ولا تسبب فلا حرج عليه في هذا، ولا يلحقه من ذلك إثم – إن شاء الله – لأن المرء لا يملك قلبه، وقد تجاوز الله سبحانه لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل؛ كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
ومع ذلك فإن الإنسان إذا وجد هذا من نفسه ووقع في قلبه مثل هذه الخواطر، فعليه أن يستعيذ بالله من شر الشيطان، وأن يحاول صرفها عن قلبه وتفكيره، فإن هذه الخواطر إذا لم تصرف واسترسل صاحبها معها فإنها تتزايد وتتعاظم وينميها الشيطان حتى تستولي على قلبه، ثم تخرج من نطاق القلب إلى الجوارح، يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها. انتهى.
وإذا خرج الأمر من نطاق القلب إلى أفعال الجوارح في صورة احتقار أو سخرية أو إيذاء أو ظلم أو هضم حقوق ونحو ذلك فهنا يحصل الحرج والإثم، ويدخل الأمر في حيز المنع والحرمة الشديدة، لأن إيذاء المسلم دون وجه حق حرام، سواء كان هذا الإيذاء بالقول أو الفعل، وسواء كان تصريحا أو تلميحا، عبارة أو إشارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(9/2349)
الشكوى بحق وغير حق لرد العين والحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقال للذي يكثر الشكوى للناس، ويقول لهم في نفسه المصائب بحق أو بغير حق، بدعوى رد الحسد فيقول: أنا راض بقضاء الله لكني أشكو للناس وأقول ما أقول لأرد العين عني، ويظن الناس أنه ليس عندي خير أو نعمة أحسد عليها، إنما حياتي كلها مصائب؟ مع العلم أن الكلام الذي يقوله بعضه حق، وبعضه مبالغ فيه، وبعضه كذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يكون كثير الشكوى من أمر نزل به حقيقة، وخاصة إذا كان ذلك لمن لا يستطيع أن يزيل عنه ما يشكو منه، ولكن لا مانع شرعا من الشكوى لمن حصل له ما يدعو إليها، ما لم يصل ذلك إلى حد التضجر والتسخط من قدر الله تعالى، وقد بينا الرخصة في ذلك وكراهته في الفتوى رقم: 28045.
وأما من يشكو بغير حق، ويدعي المصائب كذبا، مبررا ذلك بالخوف من حسد الناس؛ فإنه فعل ما لا يجوز له بارتكابه تعمد الكذب الذي هو من كبائر الذنوب، كما هو معلوم عند كل مسلم، وقد خالف قول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11}
والكذب في هذه الحالة لا يدفع العين ولا يقي من الحسد. ومن أراد الوقاية من الحسد فعليه بمداومة الأذكار الشرعية، وخاصة سور الإخلاص والمعوذتين.
وللمزيد انظر الفتويين رقم: 13240، 67597 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(9/2350)
عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخص يعمل معي في نفس الشركة ويسكن معي ولكنه يخلط بين العلاقات الشخصية والعمل، حيث إنه يعاملني ولا يفصل بين العمل والعلاقات الشخصية، فهو لا ينسى الإساءة أبدا، وقاسي القلب حتى أنه يصلي وحج بيت الله، وأنا أرى أن ما بداخله غير ظاهره من الأفعال والأقوال --- أما أنا الحمد لله لو غضبت من شخص يمكن أن أغضب وأجتنبه إلى أن أرتاح نفسيا وأرجع وأكلمه وألقي السلام عليه، ولو أنه ضحك معي أنسى الإساءة وأعاتبه فيها، ولكن قلبي (يروق) وأنسى، فأنا أشكر الله على هذه النعمة - كما أنني لا أخاصم أحدا تنفيذا لحديث رسول الله في نهيه عن المخاصمة فوق ثلاث ليال -والله أنا متعب نفسيا من هذا الشخص حيث إنني كثيرا ما أتقرب إليه ولكنه يصدني، وأنا كرامتي لا تسمح بأكثر من ذلك، أفيدوني أثابكم الله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوصانا الله بالإحسان إلى الجيران والزملاء، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا. {النساء: &1635;&1638;} .
والأصل أننا نأخذ الناس بظواهرهم، ونكل سرائرهم إلى الله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. متفق عليه.
كما أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء: 53} .
وقد أحسنت أخي بالتزامك حدود الشرع بترك هجران المسلم فوق ثلاث.
والذي ننصحك به هو أن تعامل هذا الزميل بالحسنى، ابتغاء مرضاة الله، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت 34} .
وإياك أن يغرك الشيطان ويصور لك أن العفو نوع من الضعف وأنه يطمع فيك الناس، فالصحيح أن العفو يزيدك عزاً وكرامة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا.
كما أن العفو سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1430(9/2351)
علاج العجب والتخلص من داء الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[أصابني وسواس في هذين الموضوعين: الإعجاب بالنفس. وقرأت أن الطاعة بفضل الله وليس لنا فيها فضل، وأترك بعض الصلوات وأقول إن الله لم يرد، وأحيانا أتبرع وأقول أنا الذي تبرعت.
الحقد: وهو أن بعض الناس عندما يحصل له أمور مفرحة أحزن، وحاولت العلاج وأدعو لكل شخص أن يزيد، فإذا رأيت شخصا أحسن مني أقول: اللهم زده، ولكن ليس من قلبي. هل أحاسب على ما بداخلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعجبُ مرضٌ قلبيٌ خطير، وقد حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو لم تذنبوا لخشيتُ عليكم ما هو أكبر من ذلك، العجب. رواه البيهقي في الشعب وحسنه الألباني، ومما يعينكَ على التخلص منه:
1- استحضارُ خطره، واستشعار أنه مما يتلف دين العبد، ويحبطُ عمله.
2- معرفة قدر النفس وأنها داعيةٌ إلى كل شر، وأن ما بها من خير وفضل فإنما هو محضُ منة الله عليها: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}
3- النظرُ في سير الصالحين والمجتهدين في عبادة الله عز وجل حقا، وكيف كانوا مع شدة اجتهادهم يجمعون إلى ذلك الخوف من أن تحبط أعمالهم، وما نحنُ بالنسبة إليهم في العبادة إلا كالحصاةِ إلى الجبل، فالتأسي بهم هو الواجبُ على المسلم الصادق.
4- معرفةُ أن العجبَ سجيةُ إبليس فمن اتصف به كان متشبهاً بهذا اللعين، فإنه هو القائل كما أخبر الله تعالى عنه: أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين.
5- مداومة النظر في الذنوب، ولزوم الاستغفار منها والحذرُ من أن تكون سبباً لهلاك العبد.
وأما ما ذكرته من تركك لبعض الصلوات فهو والله من أعظم ما يُتعجب منه، فكيفَ يصيبك عجبٌ، وبأي شيءٍ تُعجب وأنت ترتكبُ هذه الكبيرة التي هي شرٌ من الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس، بل هي كفرٌ عند طائفة من أهل العلم، وأما نسبتكَ ذلك إلى القدر، ونسبتك الطاعة إلى نفسك فهو من تلبيس الشيطان عليك، والذي ينبغي هو عكس تلك القضية، فينسبُ الإنسان معصيته إلى نفسه لأنه هو المتسبب فيها والمكتسبُ لها، وينسبُ الفضل في طاعته إلى ربه لأنه هو المانَّ والمتفضل بها، والكل بقدر الله كما قال عز وجل {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ {النساء:79} .
قال السعدي رحمه الله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: في الدين والدنيا {فَمِنَ اللَّهِ} هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها. {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} في الدين والدنيا {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنوبك وكسبك، وما يعفو الله عنه أكثر. فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله، فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره. انتهى
وأما بطلان الاحتجاج بالقدر على الذنوب فقد فصلنا القول فيه في الفتوى رقم: 67894
وقد فصلنا القول في الحسد وكيفية علاجه في الفتوى رقم: 5557، والواجبُ عليكَ الأخذُ بأسباب العلاج المفصلة في تلك الفتوى.
وما دمت تُجاهد نفسك للتخلص من هذا الداء، ولا تعمل بما يوجبه من السعي في أذية المسلمين والنيل منهم، بل تحاولُ أن تطهر قلبك من الحسد لهم، وتحرص على سلامتهم من لسانك ويدك فلا إثم عليك إن شاء الله، وقد بين العلماء الحد الذي يأثمُ به من وقع في قلبه الحسد والذي يُعفى عنه منه، قال الصنعاني في سبل السلام: ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه وجاهد نفسه في دفعه فلا إثم عليه، بل لعله مأجور في مدافعة نفسه، فإن سعى في زوال نعمة المحسود فهو باغٍ، وإن لم يسع ولم يظهره لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل فهو مأزور وإلا فلا؛ أي لا وزر عليه لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها.
وفي الإحياء: فإن كان بحيث لو ألقي الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو حسود حسداً مذموماً، وإن كان نزعه التقوى عن إزالة ذلك فيعفى عنه ما يجده في نفسه من ارتياحه إلى زوال النعمة من محسوده مهما كان كارهاً لذلك من نفسه بعقله ودينه. اهـ
وهذا التفصيل يشير إليه ما أخرجه عبد الرزاق مرفوعاً: ثلاث لا يسلم منهن أحد: الطيرة والظنّ والحسد. قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ. وأخرج أبو نعيم: كل ابن آدم حسود، ولا يضر حاسداً حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد. وفي معناه أحاديث لا تخلو عن مقال.
وفي الزواجر لابن حجر الهيثمي: إن الحسد مراتب: وهي إما محبة زوال نعمة الغير، وإن لم تنتقل إلى الحاسد، وهذا غاية الحسد، أو مع انتقالها إليه أو انتقال مثلها إليه، وإلا أحب زوالها لئلا يتميز عليه أو لا مع محبة زوالها، وهذا الأخير هو المعفوّ عنه من الحسد إن كان في الدنيا، والمطلوب إن كان في الدين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(9/2352)
يسألونها عن خصوصياتها فتكذب عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يتدخل بعض الناس في خصوصياتي بأسئلة مزعجة يقصدون بها الاطلاع على أشياء تخصني، وإخبارهم بها يضرني ويضر أسرتي وزوجي. أحاول التهرب بحكمة لكنهم يصرون بسؤال آخر أدق مما أضطر للكذب.
وسؤالي هو: هل علي الإثم؟ رغم أنهم هم الذي اضطروني للكذب عليهم.
وماذا أفعل معهم في المرات القادمة؟ مع العلم أن المتدخلين المزعجين أغلبهم أقارب كخالة كبيرة أستحي منها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن للزوجين حياة مستقلة، لا يحق لأحد أن يتدخل فيها إلا بنصح أو مشورة بالمعروف، كما أنه لا ينبغي السؤال عن خصوصيات الغير بدون مصلحة، قال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي.
أما عن سؤالك، فإنك قد أخطأت بكذبك على هؤلاء الناس، فإن الكذب محرم ولا يجوز إلا في أحوال لضرورة أو مصلحة لا تتحقق إلا به، مع عدم الإضرار بالغير، وانظري لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 39152، والفتوى رقم: 111035.
ولا يلزمك إخبار من يسألك عن خصوصياتك، لكن يمكنك عند الحاجة استعمال التورية والتعريض دون الكذب الصريح، بأن تقولي كلاما يحتمل أكثر من معنى، تقصدين به شيئا واقعا يفهم السائل معنى آخر يريده، مثال ذلك: ما روى عن النخعي أنه كان إذا طلبه أحد قال لأمته: قولي له اطلبه في المسجد أو خرج: أي في وقت غير هذا. وكان الشعبي يخط دائرة ويقول لأمته: ضعي أصبعك فيها وقولي: ما هو هنا، ونحو ذلك. وراجعي الفتوى رقم: 68919.
فإذا تكرر معك سؤال بعضهم عن خصوصياتك، فإذا لم يمكنك التخلص من الجواب فلك التعريض والتورية دون الكذب كما سبق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(9/2353)
اختبار عفة الزوجة.. مخالفة صريحة للشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة مع زوجتي، أردت أن أتأكد من عفتها، فباغتها إحدى المرات بدون أن تعلم، كانت في معرض الكتاب تنظر في عناوين الكتب، فأتيت من خلفها وبدأت أحك بيدي في دبرها بطريقة تحس بها، فلم تلتفت لي تنظر من خلفها، يبدو أنها استحسنت الأمر، فصعقت بما جرى، فتركتها بدون أن أتكلم معها، فرجعت مرة أخرى ففعلت مثل ذلك فلم تفعل شيئا، أعدت الكره 3 مرات، ثم مضيت مصعوقا ومشوشا منذ تلك المرة وأنا أكرهها ... بدأت أراقبها في كل شيء، فوجدتها تكذب علي كثيراً حتى في صلاتها، تقول لي صلت وأنا أعلم أنها لم تصل، مع العلم بأنها تعمل مدرسة في إكمالية تبعد عن المنزل 50 كلم، فإنها تركب الحافلة، فبدأت أشك في ذهابها إلى العمل، أردت أن أمنعها من العمل فأبت، كان شرطها في الزواج أنها تعمل، فأمرتها أن تذهب إلى منزل أبيها حتى أجد حلا، فبدأت مشاكل معها ومع أهلها. ثم واجهتها بما جرى في المعرض فأنكرت، والآن أريد أن أطلقها، فما رأيكم مع العلم بأنها حامل في الشهر الرابع، ساعدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت خطأ كبيراً، وسلكت سلوكاً مشيناً بما زعمته اختباراً لعفة زوجتك، وأتبعت ذلك بسوء الظن واتباع وساوس الشيطان ونزغاته حتى كرهت زوجتك، وأوشكت على فك رباط الأسرة وتشتيتها، وكل ذلك لمخالفتك للشرع الذي أمر بإحسان الظن بالمسلمين، فإن الأصل براءة المسلم من التهمة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخون الرجل زوجته، فعن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم. رواه مسلم. قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: ومعنى الحديث النهي عن التجسس على أهله وألا تحمله غيرته على تهمتها إذا لم يأنس منها إلا الخير. اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري: وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم.
فالواجب عليك الآن هو التوبة إلى الله عز وجل مما ألممت به من المخالفة، وتجنب إساءة الظن والتجسس بدون مسوغ، وننصحك أن تمسك زوجتك بالمعروف، وأن تجتهد وإياها في إقامة حدود الله، وتتعاونا على طاعة الله، وتعلمها ما يلزم من أمور الدين، ولا سيما في أمر الصلاة، فإنها أعظم أمور الدين بعد الإيمان، وأما عملها فما دامت قد اشترطت عليك في العقد أن تظل في عملها فليس لك منعها منه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1357.
لكن إذا كان عملها يشتمل على مخالفة شرعية، كالخلوة بالرجال الأجانب أو الاختلاط المحرم أو السفر بغير محرم، فلا عبرة بشرطها، ويجب عليك منعها منه، وانظر في شروط وضوابط عمل المرأة الفتوى رقم: 8528، والفتوى رقم: 5181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1430(9/2354)
فضل التحلي بالإيثار وحب بذل المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أحب المال ولا أعيره أي اهتمام وسعادتي في إعطائه لمن حولي أهم من سعادتي في الاحتفاظ به لنفسي فهل هذا يتعارض مع ما جاء بالقرآن الكريم وتحبون المال حبا جما وهل أنا آثم بعدم حبي للمال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صفة الإيثار صفة حميدة وصف الله تعالى بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار وأثنى عليهم بها فقال تعالى:.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر: 9} .
فعليك أن تحمد الله تعالى على هذه الصفة وتسأله الثبات عليها والعون على شكرها..
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسابقون في الإنفاق في سبيل الله وربما تنازل الواحد منهم عن ماله كله لقوة إيمانه واعتماده على الله تعالى كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 109052.
ومن كانت فيه هذه الصفة فهو مأجور إن شاء الله تعالى، وهذا لا يتعارض مع الآية التي أشرت إليها؛ فالآية- كما قال أهل التفسير- تتحدث عن طبيعة الإنسان بصفة إجمالية وما جبل عليه من حب المال وتقديم العاجلة -الدنيا- على الآجلة -الآخرة-، كما قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {الأعلى: 16-17} . وهي في شأن الكفار وأصحاب النظرة المادية بصفة خاصة، ويتضح هذا المعنى إذا قرأنا من بداية السياق حيث يقول تعالى: فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي، كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا.. {الفجر: 15-20} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1430(9/2355)
حكم الكذب للحصول على العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة مند سنة ونصف ولم أرزق بطفل وأسكن بأمريكا وليس بمقدوري أن أتعالج بمالي الخاص فاضطررت أن أقول أنني غير متزوجة لأعالج على نفقة الدولة فما حكم الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله الكذب ورتب عليه وعيدا شديدا, فقال سبحانه: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {آل عمران:61} .
وجاء في التحذير منه قوله صلى الله عليه وسلم: َإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا. رواه البخاري ومسلم.
ويستثنى من حرمة الكذب ما إذا اضطر الإنسان إليه ضرورة يخشى منها هلاكا أو مشقة بالغة فيباح له بقدر ضرورته؛ لعموم قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأعراف:119} .
وبناء على هذا لا يجوز لك الكذب والاحتيال بقولك: إنك غير متزوجة إلا إذا كنت تخشين من المرض هلاكا أو مشقة بالغة ولا يمكن تفادي هذه المشقة أو الهلاك إلا بالكذب والحيلة فحينئذ يجوز لك تبعا للقاعدة الفقهية الكبرى: الضرورات تبيح المحظورات, وهي القاعدة المأخوذة من الآية المذكورة ونظائرها.
وللأهمية راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25698، 34139، 68420.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(9/2356)
حكم الكذب بقصد الستر على زانيين
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل شاهد رجلا وامرأة بحالة زنا فلما سئل عن ذلك أنكر وقال لم أشاهد شيئا فهل هو آثم مع العلم أنه كان يريد الستر عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يأثم بذلك إن شاء الله لأن الشرع قد ندب إلى ستر عورات المسلمين وكتمان زلاتهم وعدم إشاعتها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أشار على ماعز عندما وقع في الزنا أن يظهر أمره للنبي، فقال له النبي: يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك. صححه الألباني.
وكان الأولى بهذا الشخص أن يستعمل المعاريض في كلامه بدلا من التصريح بالكذب لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب, فلو سئل عن ذلك فالأولى أن يقول ما رأيتهما وقصده أنه لم يرهما هذه اللحظة ونحو ذلك مما يجري مجرى التورية وإبهام الكلام على السامع.
ولكن عليه مع ذلك أن يقدم النصح لهؤلاء العصاة ويذكرهما بالله ويخوفهما أخذه وعقابه وينذرهما فضيحة الدنيا وعذاب الآخرة.
فإن لم يرتدعا وعلم مداومتهما على المعصية, فإن عليه حينئذ أن يهددهما بكشف أستارهما وفضح أمرهما ولا بأس من ذكر ذلك لمن يقدر على منعهما وزجرهما ولكن لا يصرح له بالزنا لأن التصريح بالزنا من القذف المحرم وليقل مثلا, رأيت فلانا مثلا في وضع يغضب الله أو وضع غير لائق, ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(9/2357)
توضيح السبيل لأن تحب لغيرك ما تحبه لنفسك
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع أن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، هذا شيء صعب، لأن الإنسان لا يستطيع أن يتحكم بمشاعره، أحيانا أريد أن أحب للآخرين جميعهم ما أحبه لنفسي لكن لا أستطيع. يعني أدرك بعقلي أنني يجب أن أحب لغيري ما أحبه لنفسي لكن مشاعري لا تسير كما أريد، مثال عندي صديقة اشعر دائما أنها تغار مني أو تحسدني لا أعرف، ولكنها لا تظهر ذلك علنا وعلاقتي بها جيدة، أحاول دائما أن أحب لها الخير لكنني لا أستطيع، وأشعر أحيانا بالحزن إذا نالت مثلا علامة عالية في أحد المواد الدراسية. أعرف أن هذا لا يجوز ولكن لا أستطيع مع أنه إذا نالت صديقة أخرى علامة عالية أفرح. لا أدري ماذا أفعل؟ هل يعد هذا من عدم الإيمان؟ لأنه في الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ... هل إذا دعوت لها في صلاتي يزول الإثم عني؟ ماذا أفعل لكي أحب لغيري ما أحبه لنفسي؟ أرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمقتضى كمال الإيمان، أن يحب العبد لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له من الشر ما يكره لنفسه. وقد يسهل هذا مع من يحبه الإنسان، ولكنه يشتد ويتعسر مع من لا يحبه أو ينفر منه لأذيته إياه، ولا يتسنى للعبد أن يصل إلى هذه المنزلة العلية مع من آذاه، إلا من أخلص نفسه لله وآثر رضاه، وكانت الآخرة همه، وزهد في دنياه، فمثل هذا يكون حبه وبغضه في الله، وعطاؤه ومنعه لله، لأنه علم أن الآخرة خير وأبقى.
قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ {القصص: 60} وقال: وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ {الرعد: 26}
والمقصود أن معرفة حقيقة الدنيا والزهد فيها، وإدراك قدر الآخرة والإقبال عليها، هو أساس الوصول لهذا الخلق الفاضل: أن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه وإن أساؤوا إليه.
فعليك ـ أختي الكريمة ـ أن تنافسي من حولك، ولكن في درجات الآخرة والقرب من الله، وأما في أمور الدنيا فلا.
فقد قال الله تعالى بعد ذكر جزاء الأبرار في الجنة: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين: 26} .
وقال الحسن البصري رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه فيه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
ولكي تخف عليك مئونة ذلك، تدبري قول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ *قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران:15،14} وقوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {الحديد: 20} .
فإن أيقنت بذلك سهل عليك أن تقابلي ما تكرهين من صديقتك المذكورة في السؤال بالتغاضي عنه ورده بالحسنى ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وسوف تكون لك العاقبة، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
فإن لم تستطيعي أن تصلي إلى هذه الدرجة العالية، فلا أقل من أن يحجزك إيمانك ودينك عن تعدي حدود الله في معاملتها، بحيث لا تصل علاقتك بها إلى حد القطيعة والإساءة والحسد، ولا يزيد الأمر على مجرد شعور قلبي لا تستطيعين دفعه ولا التحكم فيه، فإن هذا لا إثم عليك فيه إن شاء الله. وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين: 33964، 2732. ولمزيد الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76908، 49993.
وأما دعاؤك لصديقتك هذه فلا شك أنه سيسهم في إزالة ما في قلبك نحوها، مع ما تدخرينه لنفسك من الجزاء الحسن على ذلك، ويكون لك نصيب من مدح الله للمؤمنين في قوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {الحشر: 10}
قال السعدي: هذا دعاء شامل لجميع المؤمنين.. وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين، التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض وأن يحب بعضهم بعضا. ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين.. ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن قلوبهم لإخوانهم المؤمنين، لأن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن ينصح له حاضرا وغائبا، حيا وميتا، ودلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(9/2358)
زوجة أخيها تغتابها وتؤذيها بغير وجه حق
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة أخي تؤذيني كثيرا وتتكلم من خلفي، وكل بقية إخوتي يعلمون ذلك ويعلمون بتصرفاتها السيئة، فهي تفتن وتكذب كثيرا، وأيضا تمنع أخي من زيارتي فأنا لوحدي لست متزوجة ووالدي قد توفيا وأسمع أنها تحفظ القرآن وتحضر المحاضرات.
أنا لا أريد الرد عليها بأي سيئة، ما أريد معرفته هل ما تسببت فيه بأذيتي سيغفره لها الله لأنها تذهب للتحفيظ؟ أرجو إفادتي لكي أري الإجابة لأخي لأنه لا يستطيع أن يرد عليها لخوفه منها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإيذاء المسلمين والمسلمات بغير وجه حق حرام لا يجوز, قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا {الأحزاب:58} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وما تفعله زوجة أخيك هذه من أنها تتكلم عنك في غيبتك بما يؤذيك حرام وهو من الغيبة المحرمة قال سبحانه: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ. {الحجرات: 12} .
فدلت الآية على حرمة الغيبة من وجهين:
الأول: النهي عنها في قوله تعالى" ولا يغتب" ومعلوم أن النهي يفيد التحريم.
الثاني: تشبيهها بأكل اللحم من الإنسان الميت, وهذا تشبيه في غاية البشاعة والفظاعة.
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقد ورد فيها (الغيبة) الزجر الأكيد؛ ولهذا شبهها تعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت، كما قال تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ؟ أي: كما تكرهون هذا طبعا، فاكرهوا ذاك شرعا؛ فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير منها، كما قال، عليه السلام، في العائد في هبته: كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه، وقد قال: ليس لنا مثل السوء. انتهى.
وضابط الغيبة المحرمة هو ما ذكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قوله: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. رواه أبو داود وصححه الألباني , حتى ولو كان ذكره بصفة متحققة فيه سواء كانت خَلقية أو خُلقية طالما أنه يكره الحديث عنه بها.
وقد جاء في سنن أبي داود عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.
فالواجب على هذه المرأة أن تتقي الله سبحانه والواجب على زوجها أن يأمرها بتقوى الله وأن يكفها عما تفعله من الإثم والمعصية, فإن زوجته مما استرعاه الله، والواجب على الراعي أن يحفظ رعيته وأن يتعهدها بالنصيحة والأدب, فإن لم يفعل فقد خان الأمانة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم.
وكذا فإنه يحرم عليه أن يطيعها فيما تأمره به من قطع أخته وعدم زيارتها..
أما ما تسألين عنه من غفران الله لها ذلك بسبب حفظها للقرآن أو عدم غفرانه, فنقول: إن الذي صرحت به النصوص الشرعية هو أن حقوق العباد وظلم العباد بعضهم لبعض لا يغفره الله سبحانه إلا إذا عفا صاحب الحق وأسقط حقه, أما مجرد الطاعات وفعل الخير فإنها لا تكفر ذنوب العبد في حق غيره, بل إن ذنوب العباد ومظالمهم لتذهب - والعياذ بالله - بالطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى.
ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
ألا فلينتبه من يتعب نفسه في الصلاة والصيام ثم هو بعد ذلك يطلق لنفسه العنان في ظلم المسلمين وإيذائهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1430(9/2359)
خطأ الظن بأن من اقترف سيئة لا يلقى خيرا في حياته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 25 سنة، فتاة عشت حوالي 7 سنين أو 8 سنين من عمري في تخبط بين الحلال والحرام، غلط كثير، ولن أكذب ارتكبت جريمة الزنا أكثر من مرة، وأجهضت مرتين من الحمل السفاح، وكنت في كل وقت يحصل لي مشاكل أرجع لربنا، ومن حوالي سنتين جاء شاب جيد وأنا حكيت له عن أني لست بكرا، وهو بصراحة كان طيبا جدا، واحتواني نفسيا لكن طبعا كذلك ارتكبت معه جريمة الزنا، وخطبني وسافر لدولة أوربية، وكانت حوالي سنة ونصف تغيرت فيهم بعض الشيء، وبعد ذلك رجع وكتبنا الكتاب، وبعدها سافر ثانية، وأنا تغيرت نهائيا انتقبت والتزمت وبقيت أحفظ القرآن، وتعرفت على صحبة صالحة، وبقيت لا أخطئ، وتبت والحمد لله وبعد ذلك سافرت له البلد التي هو فيها وبعد 20 يوم بالضبط كانت خلافات ومشاكل، وطبعا عايرنى بالذي يعرفه عني وظروفه المادية تغيرت، ورجعني بيت أهلي في بلدي، رجعت بلدي ولقيت نفسي حاملا وقلت له وقال أحتاج كم شهرا يضبط الماديات ليتسنى له أن يأخذني ثانية. سؤالي بعد كل هذا أنا أكيد إنسانة لست أهلا لأي خير في حياتها، لكن هل أرجع له من أجل هذا الطفل، وكيف أسامحه أن عيرنى بالذي يعرفه عني. هل يوجد أمل أني أظل معه، أنا تغيرت والله وأصبحت إنسانة جيدة والحمد لله. وأنا أريد أن أعرف ماذا أعمل في حياتي؟ أرجوكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن فضل الله عليك أن وفقك للتوبة مما قارفتيه من ذنوب كبيرة وجرائم شنيعة، وقد كان عليك أن تستري على نفسك، ولا تخبري أي أحد بما حدث، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
وقد كان ينبغي لزوجك ألا يعيّرك بذلك ما دمت قد تبت واستقمت، لكن عليك أن تتغاضي عما بدر منه، ولا تقصري في حقه، وأن تعاشريه بالمعروف، وتتعاونا على طاعة الله، واعلمي أنه من الخطأ أن تظني أنك لن تلقي خيراً في حياتك بسبب ما كان منك، فما دمت قد تبت توبة صادقة، بشروطها المعلومة والمبينة في الفتوى رقم: 60384، فإن التوبة تمحو ما قبلها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
بل إن الله تعالى بكرمه وسعة رحمته يبدل السيئات حسنات،، قال تعالى: إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
فأكثري من الأعمال الصالحة والإلحاح في الدعاء، وأحسني الظن بالله، فهو سبحانه عند ظن عبده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَىَّ يَمْشِى أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ. رواه مسلم.
وراجعي الفتوى رقم: 22964، والفتوى رقم: 902.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(9/2360)
الآثار السيئة لسباب المسلم وسبل دفعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج منذ سبع سنوات، ومنذ حوالي عام ونصف حدث خلاف بين زوجتي وأمي وأبي وذلك بأن دار حديث بخصوص عملها وكذلك بسب بعض الكلام كان قد بدر من والدها معي فقامت هي بأعلى صوتها وقام أبي بسب أبيها فلم تحتمل هي فقالت له احترم نفسك. ومنذ ذلك الحين وأهلي يمنعونها من الزيارة عندهم ويقولون لي أن آتي أنا والأطفال فقط. ولكن في الفترة الأخيرة بدأت أمل من هذا الحال وأطفالي بدؤوا بسؤالي لماذا ماما لا تذهب معنا وبدأ الناس من جيران أهلي يسألوني عن سبب عدم قدوم زوجتي معي إلى أهلي. مع العلم أن أهلي لا يريدونها أن تأتي حتى في العيد. فما حكم هذه الحالة شرعاً، وما الطريقة لآنهي هذه المشكلة.
أرجو مساعدتي حيث إني لم أعد أستطيع أن أنقل الأطفال معي ولكن أذهب لوحدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا علم لنا بتفاصيل ما حدث من تشاحن بين زوجتك وأهلك, ولكنا في ضوء ما ذكرت لنا نرى أن أباك - سامحه الله وعفا عنه – هو من أخطأ في حق زوجتك حينما سب والدها أمامها, فسباب المسلم لا يجوز وهو من موجبات الفسق؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق.
ولا شك أن سب والدها أمامها يشعرها بالحرج والخزي, وقد نص العلماء على عدم جواز سب الكافر إذا ترتب على سبه إيذاء قريبه من المسلمين. جاء في سبل السلام قال ابن رشد: إن سب الكافر يحرم إذا تأذى به الحي المسلم. انتهى.
فما بالك إذا كان السب لمسلم وكان الأذى بسبه يلحق مسلما, وليس مجرد مسلم بل له مع حقوق الإسلام حق المصاهرة والرحم, لا شك أن هذا مما يضاعف الإثم ويعظم الجرم، وكان الأولى بزوجتك مع هذا أن تصبر وتكظم غيظها, إذ هو بمثابة والدها, ولكن ما حدث منها من رد - على أي حال- ليس فيه تعد ولا تجاوز مقارنة بما كان من أبيك.
فعليك أن تعلم والديك بهذا الذي ذكرنا, وأن تعلمهم بحرمة هجرها, لأن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام من المحرمات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه الترمذي وغيره واللفظ له، وقال الألباني: حديث صحيح.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألب اني , بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة، فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني.
جاء في فيض القدير: أي مهاجرته سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها، والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى.
فاطلب من والديك إصلاح ما بينهما وبين زوجك مراعاة لحق الله أولاً ثم مراعاة لخاطر أولادك الصغار حتى لا ينشأوا ويشبوا على الخلافات والشقاقات بين أهل أبيهم وأمهم، فحق هؤلاء الصغار أن يربوا على مكارم الأخلاق وسلامة الصدر, وحرض زوجتك أيضا على صلة والديك وتطييب خاطرهما فهما بمثابة والديها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(9/2361)
هل يجوز الصراخ في وجه الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشاحن مظلوم، تخاصم معي أحد الناس بسبب ظنه السوء بي، فصرخت في وجهه، فهل أنا مشاحن لا يقبل الله لي عملاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أخلاق المسلم الفاضلة التي ينبغي له أن يتحلى بها دائماً أن يكون متسامحاً يعفو عن من ظلمه ... قال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقد رخص الشرع للمظلوم بقول السوء ردا على ظالمه وأن يدعو عليه، كما في قول الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ {النساء:148} ، وقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ {الشورى:41-42} ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 55568.
ولذلك فإذا كنت مظلوماً فلا إثم عليك -إن شاء الله- في مجرد صراخك في وجه الظالم، ولا يتناولك الوعيد الذي جاء في الحديث بعدم الغفران للمتشاحنين أو تأخيرهما حتى يصطلحا، لأن المقصود بالشحناء العداوة والبغضاء كما قال النووي في شرح مسلم: والشحناء العداوة ... وللمزيد انظر الفتوى رقم: 73025.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(9/2362)
الترغيب في الإصلاح بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يكره آخر بدون سبب يذكر أريد بعض الآيات والأحاديث حتى أحاول أن أصلح بينهما.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسعي للإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال وأجلها، لقول الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {النساء:114} .
وقال: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10} .
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
فخيرا ما قصدت ونحثك على السعي في هذا السبيل لما علمت فيه من الخير الجزيل.
وأما ما سألت مما يمكنك الإصلاح به بين أخويك أو تحبيب بعضهما إلى بعض فهو ما ورد في كتاب الله من التحذير من إساءة الظن بالناس كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} وفي الحديث: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه.
وكثير من أسباب البغض والحقد إنما هي بسبب ما يلقيه الشيطان في قلوب الناس ليسيء بعضهم الظن بالبعض الآخر والسعي في التحريش بينهم بذلك، كما في الحديث: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم. رواه مسلم.
ومن الأحاديث التي تعينك في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
ونحوه من الأحاديث التي تدعو إلى التآخي بين المسلمين ونبذ أسباب البغضاء والتحذير منها والترغيب في التحابب في الله وتغليبه على هوى النفس وإغواء الشيطان.
وللوقوف على جملة من ذلك انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3058، 35580، 111326، 20902، 18991.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(9/2363)
القول الراجح في الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت لوالدي دار مملوكة للدولة وقبل إحالته على التقاعد تم تحويل عقد إيجاره بين الدولة وبين ابنه الكبير وأوصاه بأن هذه الدار لجميع إخوتك وبالأخص الإناث -حتى لا يبقين في الشارع- ووافق على ذلك، وكانت الوصية كلامية وليست تحريرية، وبعد وفاة والدي صدر قرار بتمليك الدار وتم تمليكها إلى الابن الكبير المسجل باسمه عقد الإيجار وتم دفع قيمة الدار التي كانت رمزية من مال العائلة جميعا، وأن الابن الكبير لم يحصل على دار تمليك شملت الموظفين بسبب تملكه لهذه الدار -علما بأن الدار التي يستحقها هي ثلث قيمة الدار التي تملكها- والآن الابن الكبير تمسك بالدار ويقول إنها ملكي ولا يقبل أن يعطي أي حصص منها لإخوته الذكور والإناث، رغم علمه بالوصية وتوفر ثلاثة شهود عليها أحدهم عمه ووالدته وأخته التي كان عمرها 16 سنة في حينها، وقد رزق الله الابن الكبير وبنى له دارا أخرى ضمن مساحة الدار نفسها لكبر مساحة الدار، فأفتونا جزاكم الله خير الجزاء هل للإخوة من الذكور والإناث ووالدته لهم حق محدد في هذه الدار وما هي حقوقهم أو ليس لهم بالدار شيء، أدامكم الله لإحقاق الحق وإظهاره وقطع دابر الفتنة بين الإخوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي اتضح لنا أن الدولة أعطت منفعة سكنى الدار لأبيكم أو أجرته إياها، ثم حولت إيجارها لابنه الكبير ثم آل ملكها بتمليك من الدولة إليه مقابل ثمن رمزي، فإن كان الأمر كما اتضح لنا فإن منفعة الدار في فترة الإيجار وعينها بعد التمليك ملك له، وليس لبقية إخوته شيء منها إلا إذا كانت الأموال التي دفعوها دفعوها على أساس المشاركة، ولم يكن في ذلك مخالفة لشرط الدولة بأن كانت تشترط بيعها له هو دون غيره، فيكونون شركاء بقدر ما دفعوه من الثمن، وغاية ما وافق عليه أخوكم أباه بشأن وصيته على فرض أن الدار له هو أنه وعد، ولا شك أن الوفاء به من مكارم الأخلاق، وأما لزومه شرعاً فمحل خلاف بين العلماء، والأقوال فيه أربعة:
- أنه ملزم ديانة لا قضاء وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في قول.
- أنه ملزم قضاء وهو قول ابن شبرمة وإسحاق والحسن البصري.
- أنه ملزماً قضاء إذا تعلق بسبب ولو لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء وهو قول لبعض المالكية.
- أنه ملزم قضاء إذا كان متعلقاً بسبب ودخل الموعود فيه، فعلى الواعد أن ينفذ الوعد أو يعوض عن الضرر إذا لم ينفذه، وهو المشهور عند المالكية والذي رجحه كثير من الباحثين المعاصرين وصدر به قرار للمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي جاء فيه:
الوعد -وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد- يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. ولا ينطبق على وصية أبيكم أحكام الوصية بمفهومها الفقهي الخاص لاعتبارين:
* أنها وصية فيما لا يملكه الموصي.
* وعلى فرض أنه يملك منفعة الدار أو ذاتها فإنها وصية لوارث إذا كانت معلقة بالموت، والوصية لوارث لا تجوز إلا بإذن باقي الورثة فإذا لم يأذنوا لم تنفذ، وإذا لم يكن معلقاً بالموت كان هبة، فيشترط فيها قبض الموهوب له قبل موت الواهب، وللأهمية في ذلك راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15912، 52140، 56398، 54330، 109860.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(9/2364)
حرمة النميمة وضابطها وأحوالها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن أديت فريضة الحج والحمد لله، ورجعت إلى بلدي وأنا موظفة لأني مضرة لست متزوجة، ووالدي متوفى، وكل أخ عنده راتبه، وأنا براتبي أعول نفسي أنا وأمي، وعندي أخ بالغربة يساعدنا بالمصاريف، وهو جزاه الله كل خير هو الذي دفع نفقات الحج إلي ولأمه. بالدائرة مطلوب مني مرات العصبية أو الحكي بأمور الشغل وتعرف الحساسيات التي تصير بين الموظفين، وفي البيت يعني الأمور العائلية كمثال أنه اليوم خالي عمل فينا كذا، وأحكي مع والدتي. فهل يعتبر من النميمة التحدث بأمور العائلة، لا أريد أن تضيع حجتي ويكون ربي راضيا عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنميمة حرام لا خلاف في حرمتها، وقد قال رسول الله في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام.
جاء في التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى: ولذلك قالوا النميمة من الخصال الذميمة تدل على نفس سقيمة وطبيعة لئيمة مشغوفة بهتك الاستار وكشف الأسرار، وقال بعض الحكماء: الأشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الوجعة من الجسد ويترك الصحيحة. وقالوا الساعي بالنميمة كشاهد الزور يهتك نفسه ومن سعى به ومن سعى إليه. ورأى بعضهم رجلا يسعى بآخر عند رجل فقال له: نزه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن النطق به، فإن السامع شريك المتكلم. انتهى.
وضابط النميمة المحرمة هو ما جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة. انتهى.
وعلى ذلك فلو تضمن هذا الكلام الذي تسألين عنه نقل أسرار الناس أو طعن بعضهم في بعض ونحو ذلك مما يكره كشفه فهو من النميمة المحرمة.
أما لو تضمن نقل الكلام وإفشاؤه حصول مصلحة أو دفع ضرر عن بعض المسلمين لا يمكن دفعه إلا بذلك، فإن النميمة حينئذ لا تكون محرمة.
جاء في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: فإن النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضر الغير بتركها لم تكن ممنوعة، كما نقول في الغيبة إذا كانت للنصيحة أو لدفع المفسدة لم تمنع، ولو أن شخصا اطلع من آخر على قول يقتضي إيقاع ضرر بإنسان، فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له. انتهى.
ولمعرفة أبواب الغيبة المباحة والمشروعة تراجع الفتوى رقم: 6082.
ونحذرك من أن الكبائر تبطل ثواب الأعمال الصالحة فالله سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33}
جاء في تفسير القرطبي: ولا تبطلوا أعمالكم أي حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن. وقال الزهري: بالكبائر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(9/2365)
السؤال عن أشياء لا فائدة في السؤال عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[لو ذهب ثلاثة أشخاص إلى المريخ ومات أحدهما فكيف يبعث؟ وما هو الدليل الشرعي من القرآن أو السنة؟ وهل تمطر السماء ماء على جميع الكواكب؟ وهل توجد بكتريا على سطح المريخ؟ أريد جوابا من القرآن أو السنة أو اجتهادا إن لم يكن، وغالبا ما سألت كثيرا من ذوي الخبرة ويعتقدون أنني قد كفرت ولا أرى منهم جوابا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد النهي عن سؤال ما لا فائدة فيه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {المائدة:101} .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها. اهـ.
وقد استدل بالآية على كراهة المسائل خصوصاً ما لم ينزل، قال القرطبي: قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه فلا بأس به فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره. اهـ.
وروى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات، وكره لكم ثلاثاً قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال بعض الأئمة: والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين، أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين، ثانيهما: أن يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف، ورأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا، فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولاسيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه، وأشد من ذلك في كثرة السؤال، البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف.
والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث، وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة. اهـ.
فلا ينبغي لك أيها السائل الكريم أن تشغل نفسك بهذه المسائل، والأولى أن يشغل العبد وقته بطاعة الله عز وجل وتعلم العلم الشرعي، ولا يسأل عما لا يعنيه ولا فائدة له فيه، ثم إن من أركان الإيمان الإيمانُ باليوم الآخر وما يشمله من البعث، كما يجب أن تؤمن بقدرة الله عز وجل، فلا يشك مسلم في قدرة الله عز وجل على بعث الموتى، ولو قدر أن رجلاً مات بالمريخ فلا شك أن الله قادر على بعثه، ولا حاجة لنا للتكلف والبحث هل سيرسل الله عليه مطراً - كما يرسله على غيره من الموتى فينبتون منه كما في حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين – أم يبعثه بغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(9/2366)
الغضب من تحديد الزيارات لم يصادف محلا
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مني أخطاء بسيطة في حق والد خطيبتي، لكنه تعامل معها بشكل غريب، وقال لي لك يوم واحد في زيارة خطيبتك، مع العلم لم أكن أجلس معها منفرداً أبداً، وكانت زيارتي غير محددة المدة، والخطأ في حق هذا الرجل بسيط، وكان ممكن أن يسامحني عليه أو يعاتبني، لكنه قرر أن يظهر لي شدة في المعاملة معي، المهم والسؤال هو أني بعد ذلك شعرت أني لا أستطيع دخول البيت، وأن نفسي وجدت من هذا الرجل، وأنني أصبح عندما أراه أشعر وكأني خذلان، ومر شهر كامل ولم أدخل البيت، وبعدها أرسل لي وحاول أن يتحدث معي عن أسباب قراره هذا، لكن نفسي قد أغلقت تجاهه، وكلما حاول أن يفتح معي كلما أجد نفسي تغلق الحوار ولا تريد الحديث معه، ولا أعرف هل أنا أظلمه أم أن من حقي أن أعامله بالحسنى، أم أذهب إليه وأقول له ما بداخلي تجاهه، أم هو حر فيما فعل، وأنا حر في معاملتي معه خصوصا أن معاملتي معه بالحسنى، لكني لا أفتح معه حوار وأغلق أي حوار يفتحة معي بأسلوب محترم، وأصبحت لا أقدر أن أجلس معه على الطعام، فهل أنا بكل ما أفعله أظلمه أم هذا من حقي، خصوصا أني أشعر بأنة قد طردني من منزله بما فعل. فأرجو الإجابة، وأن تدعو لي بالزوجة الصالحة والذرية الطيبة؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العفو عن أخطاء الآخرين والتجاوز عن زلاتهم من محاسن الأخلاق التي حثت عليها الشريعة الغراء، قال سبحانه: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. فانظر كيف أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزاً بعفوه، وانظر كيف استحوذ الشيطان على كثير من خلق الله، فأوحى إليهم أن العفو إهدار للكرامة وإذلال للنفس؟! العفو والصفح هما خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وإذا كان هذا الرجل قد منعك من دخول بيته إلا في وقت محدد، فهذا محض حقه، فإن البيوت لها عوراتها وخصوصياتها، وأنت ما زلت أجنبياً عن أهل البيت، ففيم الغضب والوجد إذاً، وقد قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {النور:28} ، جاء في تفسير ابن كثير: وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ. أي: إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده " فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ" أي: رجوعكم أزكى لكم وأطهر "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"، وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبتُ عمري كله هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي: ارجع. فأرجع وأنا مغتبط (لقوله) ، (وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) . انتهى.
وقال السعدي رحمه الله: أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقاً واجباً لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال (هو أزكى لكم) أي: أشد لتطهيركم من السيئات وتنميتكم بالحسنات. انتهى.
وطالما أنك قد ذكرت أن هذا الرجل حاول أن يوضح لك الأسباب التي دعته لذلك فإن الأولى أن تذهب إليه وأن تصارحه بما وجدته في صدرك إن رأيت في ذلك مصلحة، فلعل ذلك أن يذهب ما في صدرك تجاهه خصوصاً أن هذا الرجل سيكون صهراً لك مستقبلاً إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد وصى بالأصهار، فقال فيما رواه مسلم وغيره: إنكم ستفتحون أرض مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً. فدل هذا على أن الإحسان إلى الأصهار مطلوب.
وفي النهاية ننبهك على أنه لا يجوز لك أن تكثر التردد على خطيبتك، ولا أن تكثر الجلوس معها، ولو في وجود محارمها، لأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فهو معها كغيره من الأجانب حتى يتم عقد النكاح، وإنما أباح الشارع له أن ينظر إلى من يريد خطبتها أول الأمر ليكون ذلك مرغباً له في نكاحها ومعرفاً له بصفاتها، وهذا إنما يكون يكون مرة واحدة أو مرتين عند الحاجة، فبعد أن يحصل الركون من كليكما لصاحبه عليك أن تقطع كل اتصالاتك بخطيبتك هذه تماما إلى أن يتم عقد النكاح، إلا أن يكون هناك حاجة للكلام فلا بأس بالحديث حينئذ مع مراعاة الضوابط الشرعية، من غض البصر وعدم الخلوة ونحو ذلك، ويمكنك أن تراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 6826، 1151، 23725.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(9/2367)
الكذب للإصلاح ودفع البغضاء بين أهل الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على هذا الموقع الذي يكفينا فخرا أنه من أمة الإسلام ولصلاح الأمة.. أريد أن أعرف ما حكم أني اضطررت أن أكذب على أهلي لإتمام الزواج من خطيبتي في بعض أمور التجهيز، حيث إنهم من بلد آخر، وأهلي مصرون على أن أهل العروسة يأخذون بعادتنا والعكس بالنسبة لأهل العروسة، فإني اضطررت أن أقول لأهل العروسة إني إن شاء الله سوف أقوم على إكمال ما نقص من العادات في العفش والذهب، وخاصة أني أعمل والحمد لله. ولكن ما يقلقني أني لا أريد أن أبدأ حياتي بكذب، وفي نفس الوقت أخاف على مشاعر أبى وأمي. ماذا أفعل وخاصة أن دخلتى اقتربت، وأني لا أريد أن أرجع في كلمتي مع خطيبتي وأهلها، رغم أني أعاني من هذا الحمل. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي فهمناه من كلامك أنك قد أوهمت أهلك أن أهل الزوجة قد وافقوا على عاداتكم في حين أنهم لم يوافقوا، وأنك قد اتفقت مع أهل الزوجة أن يظهروا الموافقة مع وعد منك لهم أن توفيهم ما نقص، فإن كان الأمر على ما فهمنا، فلا حرج في هذا الفعل إن شاء الله، إذا لم يمكن الوصول لهذه النتيجة إلا بالكذب، ولكن كان الأولى بك أن تعرض لهم بذلك لا أن تصارحهم بأن أهل الزوجة قد وافقوا، ومع ذلك فنرجو أن لا يكون عليك حرج من ذلك؛ لأن كذبك هذا كان فيه الإصلاح بين أهلك وأهل زوجك، وكان فيه تحقيق مصلحة، وهذا من المواطن التي يشرع فيها الكذب، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا. وزاد مسلم في روايته: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبٌ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ، وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.
قال الإمام النووي: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.... إلى آخر كلامه.
ولكن يبقى أنه لا بد وأن توفي للزوجة ما وعدتها به، فهذا محض حقها. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 114773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(9/2368)
رفع صوته على جاره الذي يكبره فهل يعد ظالما
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله أن يجمعنا في الجنة. ثم أما بعد: لنا جار أقل ما يوصف به أنه تافه خرج هذا الجار وبلغ جميع الجيران أنه سوف يحرر محضرا لأبي في قسم الشرطة بسبب أن غسيل والدتي ينزل ماء على ستارة يضعها في البلكونة وبلغ أحد الجيران بأنه سوف يحرر محضرا لأبي ثم عاد وقال إنه لن يعمل محضرا بل سوف يضع تنده أسفل بلكونتنا مع العلم أنه سكن في بيتنا ولأني لم أتحمل أن يفعل أي شيء سواء المحضر أو التنده حدثت مشادة كلامية بيننا أنا وأبي وهو.
السؤال أثناء المشاجرة وأمام الناس سبني بلفظين الأول أنني قليل الأدب ثم قالي لي إني سافل وقد كتمت غيظي وقلت له في المرتين الله يسامحك، وأنا أسأل عما فعلته هو أنني أثناء المشادة كان صوتي عاليا وهو رجل أكبر مني لكني لم أتحمل أن يحرر محضرا لأبي وهو أكبر منه بكثير فكانت العصبية في صوتي فقط أثناء النقاش ولم أرد له الشتيمة بل تحملت وقلت له الله يسامحك فهل أنا بعلو صوتي أكون ظلمته، أرجو الإفادة جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حض الشرع الحنيف على احترام الكبير وتوقيره حيث قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد أحسن السائل الكريم في دعائه لجاره بالمسامحة وعدم رده على سبابه وكان من الأفضل أن يكمل إحسانه ولا يرفع صوته على جاره الذي يكبره فإن رفع الصوت ينافي التوقير المأمور به، وإساءة الجار لا تبرر إساءة السائل فإن الخطأ لا يبرر الخطأ.
وكان الأجدى من رفع الصوت أن تحلم عليه وتحاول رأب الصدع وفض النزاع بالتي هي أحسن فإن هذا هو الأقرب لحل المنازعات كما قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
وقال صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. رواه مسلم.
ومع أنا لا نقول إنك ظلمت هذا الشخص لكننا نرى أنه من الأحسن لك الآن أن تطلب المسامحة سعيا لإصلاح ذات البين.
ويمكنك أن تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53747، 67451، 108871، 109710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(9/2369)
تعلق قلب المرأة بشاب.. خطوات علاجية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لست متزوجة ولكنى مخطوبة ولكن كنت على علاقة بشاب قبل خطوبتي ولكن الأهل عارضوا زواجي منه ولكني أحبه حبا شديدا وبعد الخطوبة أحسست أني أحب خطيبي ولكن هناك بعض الذكريات تشاطر خيالي مع حبي القديم فأنا أحتاج إلى المساعدة رغم أن حبي الأول أو القديم خارج البلاد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بعلاقة الحب بين الشباب والفتيات هو أمر لا يقره الشرع، ولا ترضاه أخلاق الإسلام، وإنما المشروع في الإسلام أن الرجل إذا تعلق قلبه بامرأة أن يخطبها من وليها الشرعي، ثم تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها.
أما عن سؤالك، فعليك أن تزيلي التعلق القلبي بهذا الشاب وتقطعي كل صلة به وتجتنبي التمادي مع الأفكار والخواطر وكل ما من شأنه أن يزيد هذا التعلق، وعليك أن تشغلي نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك، وتجتهدي في تقوية صلتك بالله والحرص على تعلم أمور الدين واختيار الرفقة الصالحة التي تعين على الخير، مع كثرة الذكر والدعاء، وللمزيد تراجع الفتوى رقم: 9360.
وننبه السائلة إلى أن حكم الخاطب حكم الأجنبي عن الفتاة التي خطبها ما دام لم يعقد عليها، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 15127، الخاصة بحدود تعامل الخاطب مع خطيبته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1430(9/2370)
الدعاء على الزوج إذا ظلم والعفو والصفح عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في أوربا يعني في غربة لا يوجد عندي أهل ولا جيران ومعاملة زوجي سيئة وعقله صعب جدا وأحيانا أدعو عليه من شدة القهر بسبب أنه لا يوجد غير الله يمكنه أن يأخذ لي حقي، لكي لا أطيل فإنه يحاربني من دون حق ويلعب القمار ويبخل علي بالمال وهو لا يشتغل فما حكم دعائي عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان زوجك على ما ذكرت من الحال وكان ظالما لك فإنه يجوز لك الدعاء عليه لأن الدعاء على الظالم مشروع وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 115193.
ولكن بشرط ألا يكون الدعاء عليه بأعظم من فعله وجنايته, واعلمي أنك إذا دعوت عليه فقد انتصرت منه, ولن يكون لك حينئذ جزاء الصابر المحتسب لأن العلماء قد نصوا على أن الدعاء انتصار وأن من دعا فقد اقتص من ظالمه.
قال الإمام أحمد: (الدعاء قصاص) وقال: (فمن دعا فما صبر) أي فقد انتصر لنفسه.
وننبهك في النهاية على أن عفو المظلوم عن الظالم خير من الانتصار منه ولو بالدعاء, قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ. {البقرة:237} .
وقال سبحانه: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
وقد كان العفو والصفح هما خلق النبي الكريم فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله , فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وقد بينا في الفتوى رقم: 70087 , كيفية تعامل الزوجة مع زوجها المقامر، وللفائدة تراجع الفتويين: 70611، 70087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1430(9/2371)
حكم ذكر الفاسق بما فيه للتحذير منه وترك السلام عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة لا ترتدي الحجاب وهي متحررة (بلغة عصرنا) مرة سمعتها بنفسي تقول إنها تأتي لتستحم في القسم الذي تعمل به في الجامعة (وهو أمر غير مقبول على الإطلاق في عرفنا) وسبب ذلك أن القسم الداخلي الذي تقيم به لا يوجد به ماء ... وغيره من سفور وأمور أخرى تدل على أنها غير ملتزمة بشرع الله. إحدى زميلاتي تتحدث عنها بأنها امرأة متهتكة وأنها سافرت لإحدى المؤتمرات بدون محرم وأن عندها قضية أخلاقية (لم تحدد نوعها) في المحكمة وأنها حضرت يوما للعمل-بحسب رواية زميلتها أي صديقتي- وهي ترتدي تنورة قصيرة وتضع خلخالا في إحدى رجليها وكان يوما من أيام رمضان. الجميع في العمل (ولكن معظمهم ليسوا ثقات) لا يرتاحون لهذه المرأة وعندما تذكر يلمحون إلى تحررها وأننا تخلصنا منها بعد سفرها. سمعت من صديقة أخرى أن هذه المرأة سليطة وبذيئة اللسان، عذرا على الإطالة في الشرح ولكن ما قصدته أنني سمعت بنفسي موقف الاستحمام وأشاهد عدم التزامها بالحجاب والباقي على ذمة من رووه وعليه:
• ... هل يجوز عدم السلام على تلك المرأة بناء على ما شاهدته وما يقوله الناس؟
• ... هل هذه المرأة تعتبر مجاهرة بالفساد؟
• ... هل يجوز اغتيابها ولا أقصد بالغيبة الجلوس والتحدث عنها وانما تحذير الناس وإعلامهم بسوء تصرفاتها وعدم لياقتها مثل ما فعلت صديقتي التي حدثتني عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد حرم الله الغيبة، وصور فاعلها في صورة بشعة، قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. {الحجرات:12} .
وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة، ف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. رواه مسلم.
والغيبة تباح في بعض المواضع للمصلحة، وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم، ستة أسباب تبيح الغيبة، مذكورة في الفتوى رقم: 6710، ومنها المجاهرة بالمعصية، لكن يراعى أن تكون الغيبة مقتصرة على المعصية التي يجاهر بها، أما إذا زاد الشخص على تلك المعصية أو وصفه بصفة لا تقتضيها تلك المعصية فذلك غير جائز، كما تباح الغيبة للاستعانة على الأمر بالمعروف وتغيير المنكر، بأن يخبر من يظن أنه يغير المنكر، وتباح لتحذير المسلمين من الشر، كمن يرى إنساناً يصاحب فاسداً أو يقدم على معاملته في تجارة أو زواج، فإنه يحذره منه، لكن لا يجوز التحذير مع عدم وجود مبرر.
كما أنه لا يجوز اتهام المسلم بغير بينة، ولا يجوز إطلاق اللسان في أعراض المسلمين.
أما عن سؤالك، فإن اغتسال هذه المرأة في الجامعة، للعذر، إذا كان فيه أمن من انكشاف العورة ومن التعرض للفتنة، فالظاهر أنه غير محرم، وأما التبرج فهو بلا شك حرام، وعلى ذلك فإن حكم ترك السلام عليها يدخل في هجر أصحاب المعاصي، والراجح فيه عندنا أنه دائر مع المصلحة كما هو مبين بالفتوى رقم: 14139.
فإذا كان الغالب على ظنك أن ترك السلام عليها يعين على إصلاحها وردها إلى الحجاب فينبغي أن تتركي السلام عليها، وأما إذا كان الغالب أن السلام عليها والكلام معها يرجى معه إصلاحها فهو أولى.
وأما عن كونها مجاهرة بالفساد، فإنها إذا كانت تخرج متبرجة بين الأجانب فهي مجاهرة بالمعصية.
وأما عن جواز اغتيابها، لتحذير الناس منها، فهو جائز إذا دعت إليه الحاجة كما سبق ذكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1430(9/2372)
حكم الكذب لغير ضرورة أو حاجة ملحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا نواجه مواقف محرجة وذلك بسبب مواجهة الأسئلة المحرجة والأسئلة اللتي تطلب منك بيان موضوع أنت لا تريد أن تبينه لأنه قد يضرك أو تريد أن يبقى سراً، مع العلم بأن السؤال لا يخص شأن السائل وإنما يسأل فقط ليعرف أمورك، فمثلا كم هو راتبك، ذهبت إلى أين وماذا فعلت اليوم وغيرها، وسؤالي هل يمكن لنا أن نقول كذبا لتفادي الحسد والضرر وهل يوجد شيء باسم (كذب المصلحة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تكذب في مثل هذه المواقف إذ لا ضرورة فيما نرى ولا حاجة ملحة تحملك على ذلك، وبإمكانك التخلص من الإحراج بالتعريض والتورية في مثل هذه المواقف المذكورة في السؤال، ففيهما سعة ومخرج عن الكذب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 109542، والفتوى رقم: 37533.
وأما أن يكذب الإنسان صراحة، ويبرر ذلك بالمصلحة، فالأصل في هذا أنه كذب محرم، اللهم إلا أن تكون هناك ضرورة أو حاجة ملحة أو مصلحة مباحة معتبرة، ولا سبيل إليها ولا وسيلة لتحصيلها إلا بالكذب، انظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7432، 27641، 41794، 43279، 50157.
ثم إنه ينبغي للمسلم الإعراض عما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بالبحث عن أمور غيره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وقد سبق شرح هذا الحديث في الفتوى رقم: 63644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1430(9/2373)
حكم اختلاق القصص الكاذبة لإضحاك الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في الأمس أتكلم مع أناس أعرفهم فقلت لهم إن أحد أصدقائي قال له المعلم: اقرأ فقال صديقي: ما أنا بقارئ فقال المعلم: اقرأ يا ولد فقال: ما أنا بقارئ فضمهُ صديقي الآخر وقال له: اقرأ مع أن الصديق الأول وصديق الثاني لم يفعل وأنا قلت لهم ذلك للضحك ولم أكن قاصداً أي كذبت عليهم بغير قصد وكنت أود أن أخبرهم أنهما لم يفعلا ذلك، ولكن نسيت فهل لي من توبة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز اختلاق القصص الكاذبة لإضحاك الناس، لما رواه أبو داود والترمذي عن بَهْزِ بن حَكِيمٍ قال حدثني أبي عن أبيه قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول: وَيْلٌ لِلَّذِي يحدث فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ له وَيْلٌ له. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. فالكذب لإضحاك الناس محرم لا يجوز فعله، وراجع في حكم اختلاق القصص الخيالية الفكاهية لإضحاك الناس فتوانا رقم: 46391.
كما أنه قد يكون فيما فعلته استهزاء بالدين، وإذا كان ذلك على وجه الاستهزاء بقصة الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان في غار حراء فيكون الأمر أخطر، والاستهزاء بالدين من الكفر المخرج من الملة، فعليك أيها الأخ الكريم أن تبادر إلى التوبة النصوح، فمن تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وشروط التوبة إذا لم يتعلق الذنب بحق الآدمي هي: إخلاص التوبة لله، والندم على الذنب، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة، وأن تقع التوبة قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، وقبل طلوع الشمس من مغربها.
وراجع في بيان ذلك فتوانا رقم: 29785.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1430(9/2374)
كيف تخلص صاحبك من رفاق السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[صاحبي إنسان جيد، وأحبه جدا وكنت أنا وهو وصاحبان آخران أصحابا بمعنى الكلمة، ولكنه صاحب أناسا آخرين في المدرسة لكن كانوا غير مؤدبين، وأدخلهم معنا لكن كنت أنا والاثنان الأولان نكرههم لكن كنا مغرمين لأننا أصحاب، ولكن كنا نرى تصرفات منه ومنهم، منها أنهم يلمسون ويمسكون الأعضاء الذكرية لبعضهم البعض، وكلما جئت لأنصحه قال لي أنا لا أفعل هكذا، وساعات يقول لي ليس فيها شيء لكني لن أكذب عيني وعيون أصحابي السؤال: ماذا أفعل حتى يهتدي ويبتعدعنهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز لرجل أن يلمس من جسد رجل آخر ما لا يجوز له النظر إليه منه، ولو كان من باب المزاح، ويتأكد هذا في العورة المغلظة. وإن كان هذا من باب التلذذ فهو حرام إجماعا. وهذا العمل من الشذوذ، وإن كان لا يبلغ درجة اللواط الموجب للحد، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 32575، 2315.
وننبه السائل إلى أن صاحبه هذا قد يكون -والعياذ بالله- يستمني بيد رفقائه هؤلاء، فيكون بذلك قد جمع بين الاثنين، وقد سبق بيان حرمة الاستمناء، وما فيه من أضرار بدنية ونفسية وكيفية علاجه في الفتوى: 7170.
وعلى أية حال فصاحبك الذي ذكرْتَ، يتأكد عليك وعلى صاحبيك الآخرين السعي للأخذ بيده لطريق الخير والاستقامة، ولا تتركوه لرفاق السوء يفتنونه ويفسدونه، فإن الطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
وقد سبق لنا بيان أضرار ومخاطر مخالطة رفقاء السوء، وبيان أثر الجليس الصالح والجليس السوء، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69563، 76546، 24857، 34807. كما سبق بيان الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء في الفتوى رقم: 9163. وبيان وسائل المحافظة على الإيمان وتقويته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56498، 10800، 31768.
فبيِّن لصاحبك هذه الأمور برفق ولين وشفقة، وابذل له نصيحتك بصدق ومحبة، واستعن على تقويمه بكل من له علاقة به من والدين وأرحام وأصحاب. وأكثر من الدعاء لك وله ولأصحابك أن يجنبكم الله الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1430(9/2375)
مصاحبة المذنب والعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 15 سنة أعيش في مدرسة مليئة بالذنوب والمعاصي مشكلتي أنني متدينة ولا أريد أن أنجرف معهم ولكني لا أملك صديقات الآن فجميع الفتيات لسن مثلي هل يمكنني مصادقتهم مع أنني أعلم أنهن سيؤثرن في، وما حكم الشرع في عباءة الكتف هل هي محرمة ومن تلبسها ستدخل النار، علما بأني أحببت إحداهن كثيراً فالبرغم من عصيانها إلا أنها طيبة القلب ومؤمنة دلوني على كيفية التعامل معها وكيف أستطيع جذب قلبها للإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
وعليه، فلا ينبغي مصاحبة أمثال هؤلاء الصديقات، لا سيما والأخت السائلة تعلم أنهن سيؤثرن فيها، فينبغي الابتعاد عنهن إلا بالقدر الذي تبذل لهن فيه النصيحة، بشرط عدم الضرر والتأثر بهن والانجرار إلى المعاصي بسببهن. وقد سبق لنا بيان أضرار ومخاطر مخالطة رفقاء السوء وبيان أثر الجليس الصالح والجليس السوء، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69563، 76546، 24857، 34807.
كما سبق بيان الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء في الفتوى رقم: 9163، وبيان وسائل المحافظة على الإيمان وتقويته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56498، 10800، 31768.
وأما صاحبتك التي ذكرت فلم نفهم مرادك بعصيانها، هل تقصدين أنها تقع في الذنوب والمعاصي، فإن كانت كذلك فإنه ينبغي السعي للأخذ بيدها لطريق الخير والاستقامة، إذا كنت تأمنين فعلاً على نفسك من مخالطتها، وخير وسيلة لدعوتها هي الدعوة السلوكية فإنها أنجع طرق هداية الخلق، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 17709.
ويا حبذا لو تطلعت الأخت السائلة لأن تكون من الداعيات إلى الله على بصيرة، بسلوك طريق العلم والصلاح، وقد سبق بيان كيف تكونين داعية، وما هي أصول الدعوة وثوابتها، وما هي آداب الداعي إلى الله، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580، 7583، 53349.
وأما إن كنت تقصدين بعصيانها أنها تلبس العباءة المذكورة، فنقول إنها إن التزمت بتحقيق المقصد من تشريع الحجاب وهو حصول الستر ووأد الفتنة، فبأي صفة حصل هذا المقصد على الوجه الشرعي أجزأ ذلك، فليس هنالك نوع معين يلزم المرأة لبسه، بل كل ما تحقق به هذا الغرض مما توفرت فيه شروط الحجاب جاز للمرأة لبسه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 97027، والفتوى رقم: 9859، كما سبق بيان الشروط الواجب توفرها في لباس المرأة المسلمة في الفتوى رقم: 6745، 74264.. فإذا فعلت هذا فليست بعاصية وإن كان ينبغي دعوتها إلى الكمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(9/2376)
الكلام القبيح..الحامل عليه.. وكفارته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة وعقوبة التهديد بكلمة أكسر عظمك في لحظة الغضب علما أنه تم رفع دعوى وإحالتها إلى المحكمة الجزئية وأنه تم الاعتذار من الشخص المدعي وقال بالحرف الواحد إنني مسامح ولكني أفعل ذلك للضغط عليك وإخراجك من السكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله تعالى باختيار أحسن الكلام، حسما لمادة العداوة التي يتلقفها الشيطان فينزغ بها بين الناس، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53} .
قال السعدي: هذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره.
وقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ، أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير، وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في صد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها، فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم. اهـ.
وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة كلية تُعدُّ ميزانا حاسما في الكلام، فقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وكلمة (أكسر عظمك) وأمثالها إن وزنت بهذا الميزان فلن ينطق بها قائلها، فليست هي من الخير في شيء، بل إنها تجمع بين ترويع المسلم، وإفساد ذات البين، وغير ذلك من المساوئ التي نهى عنها الشرع.
وكفارة مثل ذلك تكون بالاستغفار والتوبة، وينبغي إتباع السيئة بالحسنة.
ومن جملة التوبة: استعفاء المظلوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
ومن أهم الحسنات هنا: إصلاح ذات البين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة.. صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة. رواه الترمذي وصححه وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وأخيرا ننبه على أن الاستسلام لأثر الغضب من أكثر ما يحمل الناس على مخالفة الهدي النبوي والوقوع في الخطأ، ولذلك لما جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال له صلى الله عليه وسلم: لا تغضب فردد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري.
واستوصاه رجل آخر فأوصاه صلى الله عليه وسلم بالوصية نفسها، فقال الرجل: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. قال المنذري: رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(9/2377)
لا تدفع السيئة بما هو أكثر منها
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت سنة 1978 مع زوجي وفي يوم من أيام تواجدنا بمكة المكرمة أخذت معي قنينة لأملأها من ماء زمزم وبينما كنت أملأ القنينة تقدمت نحوي امرأة سمراء أظنها أفريقية ودفعتني لتملأ إناءها قبلي فما كان مني إلا أن أهرقت ما تجمع لدي من ماء في القنينة على رأسها وانصرفت فهل أثمت بسبب هذا التصرف؟ وماذا علي فعله لأكفر عن عملي مع تلك المرأة؟ والله تعالي يقول: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. أفتوني رحمكم الله في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت هذه المرأة حين دفعتكِ، وقد وصلتِ إلى الماء قبلها، وكنتِ أحق منها بالسقاية، ولكنكِ أيضاً أخطأتِ حين دفعتِ السيئة بأسوأ منها فسكبتِ الماء فوقها، وكان ينبغي لكِ أن تطبقي قول الله عز وجل: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}
وإذا أبيتِ إلا أخذ حقك فكان يمكنكِ أن تدفعيها كما دفعتكِ دون زيادة لقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126} .
أما وقد مضى على هذا الأمر زمنٌ طويل، ويظهرُ أنكِ تبتِ إلى ربك عز وجل، ولا يمكنكِ الوصول إلى هذه المرأة واستحلالها، فيكفيكِ أن تستغفري لها، وتجتهدي في الدعاء لها، وتستغفري ربكِ عز وجل من هذا الذنب وانظري الفتوى رقم: 7315.
وأما حجكِ فصحيح ولا يؤثر في صحته هذا الذي فعلته، وإن كان معصية فإن المعاصي لا أثر لها في صحة الحج، وإن كان لها أثر في ثوابه، وهذا مذهب عامة العلماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1430(9/2378)
أفشى سر صاحبه فكذبه فدعا عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أفشيت سرا لصديقي وقد أقسمت أنني لن أفشيه عندما استأمنني عليه ولكن عندما شعرت أن إفشاء السر سيكون في غض النظر عن ما أفعله وسيتحول النظر والغضب عليه....وكان السر عملا وكنت قد شاركته فيه ولكنني أخرجت نفسي من الموضوع عندما أفشيت سره..واتصلت به هاتفيا ووضعته على مكبر الصوت حتى تسمع والدتي بأذنها..وقلت أتتذكر كذا وكذا، ولكنه للأسف كل الذي قاله أنسى الموضوع ولم يعلق.....وعندما واجهه الأهل أنكر هذا السر ليدافع عن نفسه ... لأنه سيقع في مشاكل وكان سيتسبب بالطلاق..ولكني كنت مصرا على أن يعترف وحاولت جاهدا على أن يعترف ولكنه ظل منكرا ذلك....هو يعاملني كأخ له وصديق وأعلم انه وثق بي وأنني خنته بعد فترة لا تتعدى ال5 شهور ولم يضرني بشيء أبدا ... ولكن الذي حصل....ولكن عندما لم يعترف أقسمت أنه إذا لم يقل الصدق سوف أدعو عليه ليلا ونهارا لأنه ظلمني بأنني أكذب وأمي ساعدتني في الموقف وقالت له مرة أخرى إنه إذا لم يعترف سوف أدعو عليه ليل نهار أن لا ينجب..وفعلا مرت سنة ونصف ولم ينجب طفلا واحدا ... ولا أريد الاستغفار حتى يعترف..
ولكن سؤالي ... بما أنه ظلمني بقوله إنني كاذب وأن السر غير صحيح، وعدم إنجابه حتى الآن مع العلم أن زوجته حملت بعد دعائي ولكنها أجهضت دليل على استجابة الدعاء؟
وهل دعائي فيه جور..أو شيء من هذا القبيل؟ أم أنه مقبول بما أني مظلوم ... ومثل ما أظهرت سره أمام الجميع من الأهل هو نعتني بالكاذب مع أنه يعلم صدقي..أمام الجميع من الأهل..فما زالوا يعتقدون أنني كاذب ... وأنا صادق..
أرجو الرد على الرسالة بأسرع وقت فأنا أريد أن أعرف هل أنا على صواب أم الدعاء سوف يرتد علي عندما أتزوج؟ لأني مستمر بالدعاء عليه....بعدم الإنجاب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإفشاء السر خيانة للأمانة، فإذا كان إفشاء سر صديقك يترتب عليه ضرر به فهومحرم لما فيه من الخيانة والظلم له، فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة حسنه الألباني.
ومعنى ثم التفت أي: التفت يمينا وشمالا خشية أن يراه أحد، جاء في عون المعبود: قال ابن رسلان: لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره، فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة. انتهى.
قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.
فعلم من هذا أن من أفشى السر فهو خائن للأمانة, والله سبحانه لا يحب الخائنين, قال سبحانه: إِن اللهَ لا يُحِب الْخَائِنِينَ {الأنفال:58} .
قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى.
وقال الماوردي فى أدب الدنيا: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا، والنميمة إن كان مستخبرا، فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى.
ولكن هناك حالات يجوز فيها، أو يجب إفشاء السر سبق بيانها في الفتوى رقم: 24025 , والفتوى رقم: 7634.
فإن لم تكن هناك حاجة شرعية معتبرة لإفشاء السر فإنك تكون قد بدأت بالعدوان على صديقك بإفشاء سره وخيانة أمانته, وإخلاف الوعد معه, والحنث في اليمين الذي أقسمته له أن تحفظ له سره.
أما أن يكذبك هو في ذلك فهذا إثمه فيه على نفسه وحسابه على ربه, وما كنت لتتعرض لتكذيبه لك لو أنك حافظت على سره, فلا تلومن في ذلك إلا نفسك.
وأما بالنسبة للدعاء عليه فإنا لا نعلم ما هو الذي دعاك لإفشاء السر وهل هناك حاجة شرعية معتبرة لذلك أم لا؟ وما هو العمل الذي اشتركتما فيه؟ وهل هو مباح أم لا؟ لكنا على كل حال نقول إن كنت قد أفشيت السر لحاجة شرعية معتبرة, وترتب على تكذيبه لك ظلم فهو ظالم والظالم يشرع الدعاء عليه.
أما إذا لم يكن قد ظلمك بفعله فلا يجوز لك الدعاء عليه, وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 20322 , ما يشرع وما يمنع من الدعاء على الناس, وذكرنا فيها أنه إذا دعا أحدٌ على أحد بغير حق كان هو الظالم، ولم يستجب الله له، كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98665، 71626، 38889، 95862، 21067. ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1430(9/2379)
الحديث بالرمز والإشارة إذا كان يضر بالآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان يتحدث بطريقة ألفاظ محورة بحيث يعرف الذي أمامه بشيء يقصده دون أن يتلفظ بشيء يؤخذ عليه، وبهذا ينشر إشاعات أو أخطاء تضر الآخرين دون الإمساك به.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهمز واللمز نوع من أنواع الغيبة المحرمة، والهمز يكون بالقول، واللمز بالفعل، ولا فرق بين كون ذلك يقع تصريحا أو تلميحا، أو حتى إيماءً وإشارةً، ما دام المعنى المحظور مفهوما من الكلام.
قال الغزالي: الذكر باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام. انتهى.
وهذا المذكور في السؤال إن كان يترتب عليه إفساد بين الناس فهو من النميمة، سواء كان المنقول حقا وصدقا، أم باطلا وكذبا، فإن العبرة بما يؤول إليه الأمر، فإن أدى نقل الكلام إلى فساد ذات البين فهي النميمة، وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع. وقد سبق بيان ذلك وغيره مما يتعلق بالغيبة والنميمة، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6710، 112691، 66124، 29332.
ثم لا يخفى أن هذا الإنسان ـ محل السؤال ـ يؤذي المسلمين، وهذا من المحرمات أيضا؛ قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب: 58}
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ، وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ. رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1430(9/2380)
حديث الموظف عن زميله إذا كان بقصد النصيحة والتحذير
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أفرق بين النصيحة والغيبة وذلك عندما أريد أن أحذر زميلا في العمل من تصرفات شخص آخر فعملي كرئيس قسم يوجب علي أن لا أظل صامتا ففي العمل يكثر حديث العاملين عن بعض حتى مديري لا يعلمني ويتحدث عني بالسوء ويتعمد إحراجي أمام العاملين عندما يظهر مني أي خطأ أثناء العمل وينشر ذلك عنى في إدارات المصنع وأتظاهر بأني لا أعلم شيئا، فماذا علي أن أفعل؟
أرجو الإجابة عن سؤالي بالتفصيل لأن هذا الموضوع يسبب لي الكثير من الضيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن ذكر المسلم أخاه المسلم في غيبته بسوء يعد من الغيبة المحرمة إذا كان صادقا فيما وصفه به, أما إن كان كاذبا فهو البهتان وكلاههما حرام، وإن كان البهتان أشد جرما وقبحا من الغيبة.
ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته.
قال النووي رحمه الله: والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره. انتهى.
وإذا كان الأصل في الغيبة هي التحريم إلا أنها تباح في بعض المواطن, وقد سبق بيان هذه المواطن بالتفصيل في الفتوى رقم: 6082.
ومن هذه المواطن نصيحة المسلمين وتحذيرهم من الشر ومن أصحاب البدع والمنكرات, فذكر الفاسق بما فيه للتحذير منه جائز؛ وقد يجب ذلك.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الأصل في الغيبة الحرمة؛ وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها قوله: الرابع:تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية، أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سراً فيجوز إجماعاً بل يجب. وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي، وقد علم في ذلك الغير قبيحاً منفراً كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج.....الخامس: أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهراً وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما تجاهروا به دون غيره، فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون له سبب آخر مما مر. انتهى.
وعلى ذلك فإن كان حديث الزملاء في العمل بعضهم عن بعض من قبيل النصيحة والتحذير من تقصير بعض العمال مثلا أو خيانته أو إهماله وسائر ذلك مما يضر بمصلحة العمل أو مصلحة الشخص, فهذا جائز بشرط أن يكون بنية الإصلاح والخير لا بقصد التسلية وشغل الأوقات بالباطل, أو إلحاق الأذى والضرر بذلك الشخص وبشرط ألا يكون الدافع من وراء هذا التحاسد والتنافس على الدنيا ومناصبها الزائلة من رئاسة ووجاهة ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهم عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن القدح في الشخص، فهذا من عمل الشيطان، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، بل يكون الناصح قصده أن يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه. انتهى.
ويشترط أيضا في ذلك أن يكتفي بذكر القدر الذي يحصل به النصح والتذكير ولا يخوض فيما وراء ذلك من عيوب وعورات لا علاقة لها بالعمل ولا بما قصد النصح فيه, فإن الأصل في أعراض المسلمين الحرمة, وإنما جاز ذكر هذه العيوب والخوض فيها لمصلحة راجحة، وقد تقرر في قواعد الشريعة أن الضرورة تقدر بقدرها. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17373، 6082، 26119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(9/2381)
الكذب لدفع هذا الظلم عن النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أيام الدراسة كان الجميع يقولون عني أني ذكي وكان البعض يتكل علي في الفروض في يوم أمرنا أستاذ ببحث كل اثنين مع بعض فجاءني واحد يريد أن يلصق نفسه معنا ووافقت فقط بالإحراج وذهبت إلى الأستاذ فأذن لي ثم بعد ذلك تراجع بعد نهاية الفرض وأعطاني علامات ناقصة.. تكرر الأمر مرة أخرى وجائتني واحدة تريد إلصاق نفسها معنا فوافقت بالإحراج ولكن من الغد رفضت فغضبت كثيراً وبدأنا نتراشق بالتلميحات الدالة على الغضب ولا أذكر من الذي بدأ أولاً وتصاعد الغضب فبدأت هي بقلة الاحترام على ما أذكر فقلت لها كلاما بذيئا ولكن غير فاحش ذهبت إلى الشرطة فشكت وروت الحكاية ولكن بشكل تبدو فيه مظلومة وزادت كلاما فاحشا لم أقله ...
عند التحقيق روى لي الشرطي ما قالته وأنا عرفت كل شيء غير أني كنت أتظاهر بالبراءة التامة وتناسيت الكلام البذيء الذي هو أصلا أبدلته في أقوالها بكلام فاحش لم أقله وقلت إنني قلت لها كذا وكذا كلاما لا فاحشا ولا بذيئا.. وأول كلمة قلتها بعد أن تكلم الشرطي كإظهار للإنكار "أستغفر الله" لا أظنني تعمدتها بل خرجت من فمي حسب ما أذكر بدون قصد ثم يبدو أن الشرطي بعد التحقيق رآني من الأوائل وشكلي محترم وهي العكس ففي الآخر نهرها وقال لها اخرجي أتذكر أنني كنت أنوي الاعتراف الكامل بالتفاصيل كلها غير أن الوالدين والزميلة الشاهدة بقوا يزنون على أذني حتى تناسيت تلك الشتيمة التي قلتها ولم أكن أحتاج أن أغير غيرها في أقوالي كلها ونويت بعد ذلك إن وصل الأمر إلى المحكمة والقسم أن أقول كل شيء حتى لا أرتكب يمينا غموسا ولكن لم يحصل شيء حتى الآن، فما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم كما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم هو: من سلم المسلمون من لسانه ويده. متفق عليه.
فالشتم والسب لا يحل في دين الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه. اللهم إلا أن يكون ذلك على سبيل الرد والمجازاة، وعندئذ فلا بد من العدل وعدم الزيادة في الاعتداء، ويبقى أن الصبر والحلم والعفو والصفح أولى وأفضل، لقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:126-127-128} ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وقد سبق بيان ذلك وبيان أن الاستقامة وتجنب أسباب الغضب خير معين على ترك الشر.. وذلك في الفتوى رقم: 62602، والفتوى رقم: 65353.
وأما كذبك عند تحقيق الشرطة معك وإخفاؤك لما قلته من كلام بذيء فهو نوع من الكذب والخداع، وهذا لا يجوز في الأصل إلا أن السائل ذكر أن مخاصمته افترت عليه كلاماً فاحشاً لم يقله هو، وكذبها هذا ظلم ظاهر وادعاء باطل، فإن لم يكن من سبيل لدفع هذا الظلم عن نفسك إلا بالكذب جاز لك بالقدر الذي تدفع به الظلم عن نفسك وحسب.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً ... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويورى بالمعاريض مهما أمكن. .
وبنحو ذلك قال الغزالي في الإحياء، والنووي في رياض الصالحين والأذكار، والألوسي في روح المعاني، وابن القيم في زاد المعاد، وأقره ابن مفلح في الآداب الشرعية، والبهوتي في كشاف القناع، والسفاريني في غذاء الألباب.
وننبه السائل الكريم إلى أن الدراسة في الجامعة المختلطة جسيمة الخطر عظيمة الضرر ولا تجوز إلا في حالة الحاجة الشديدة بشروط سبق بيانها في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية وما أحيل عليه فيها: 2523، 56103، 31656.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(9/2382)
كذب ليعين والدته وإخوته على السفر بدون إذن والده
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ما الحكم المترتب علي كشخص أعان والدته وأخواته بالسفر مع أخ لهم إلى الخارج من دون موافقة ولي الأمر. لتمكينهم للسفر إلى الخارج (فرنسا) استلزم مني التوقيع على تصاريح السفر والجوازات دون موافقة والدي أو علمه وادعاء أنه مسافر ولا يستطيع التواجد شخصياً. لمعلوماتي هو أن والدي سيرفع ضدي قضية في المحكمة ولكن أود معرفة ما هو الحكم الشرعي الذي قد يترتب علي مع العلم أن والدتي وإخوتي يسكنون معي والسبب هو زواج والدي من امرأة ثانية وهي ساكنة معه في نفس المنزل. والدتي وأخواتي أنا المعيل لهم ولكن ليس شرعاً حيث إن والدي رفض تماما أن يعطيني صك إعالة لهم.
أتمنى الرد السريع ووفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقعت في خطأ كبير بإعانتك والدتك وإخوتك على السفر بدون إذن والدك، واستعمالك الكذب في ذلك، مع عقوقك لوالدك، فكل ذلك محرم، وإذا كانت أمك لا تزال زوجة لأبيك فإنه لا يباح لها أن تسافر أو تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، كما أن مجرد زواج والدك من ثانية ليس مبرراً لنشوز والدتك، لكن من حقها أن يوفر لها مسكناً مستقلاً، وأن ينفق عليها وعلى أولاده بالمعروف، وفي حال تقصيره في ذلك فإن لها أن ترفع أمره إلى القاضي، وإن كانت متضررة فلها طلب الطلاق أو الخلع، لكن لايجوز أن تترك البيت أو تسافر بغير إذنه، ما دامت في عصمته.
فالواجب عليك التوبة مما فعلت، وذلك بالندم والعزم على عدم العود لمثله، ومحاولة إقناع والدتك بالعودة، وتوسيط بعض العقلاء للإصلاح بينها وبين والدك، كما أن عليك أن تسترضي والدك، وتبره كما أمر الله، فإن حق الوالد عظيم، ومهما كان من سوء خلق الوالد وظلمه، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر، ولا يبيح مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14} .
وننبه إلى أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على الإقامة في بلاد المسلمين ويترك الإقامة في بلاد الكفار، ولمعرفة حكم الإقامة في بلاد الكفار يمكنك الاطلاع على الفتوى رقم: 2007، والفتوى رقم: 23168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(9/2383)
المعصية لا تقابل بالمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبتي يا فضيلة الشيخ تزوجت منذ مدة وبعد الزواج بان لها -حسب روايتها والله أعلم-كثير من العيوب تتعلق بحقوقها كزوجة وبالتحديد في جانب النفقة والمهر. هي تسكن فوق أهل زوجها وزوجها يريد أن تأكل معهم معظم الوقت وأن تقضي الوقت معهم وأن تساعدهم في أمور البيت-رغم كثرة عدد بناتهم-أسوة بزوجات أخيه. قريبتي رفضت ولم تقاطع أهل زوجها وكانت تنزل لهم وتقوم بطبخ الأكل وتنزل معها حلويات وما شابه وتقول بأن هذا يكفي. المهم احتدم الصراع مع زوجها بخصوص هذا الموضوع وصارت حياتهم غير مستمرة وكانت تصر دائما بأن أم زوجها وراء كل هذا لأنه في كل أمر بينهم أو معظمها لكي نكون صادقين كان يقول صدقت أمي التي قالت كذا وكذا. عادت قريبتي لبيت أهلها غاضبة من زوجها ومصرة على الطلاق وبحسب روايتها أسبابها منطقية وتتعلق بحقوق أساسية منها النفقة وشكها في عدم كتمان زوجها لأسرار بيته عن أهله. وبلغ قريبتي من الناس أنهم أي أهل زوجها يصفونها بأبشع الأوصاف ويتحدثون عن سوء طبعها وظلمها لزوجها. جاءت والدة الزوج لبيت أهل الزوجة وواجهوها بما حدث فلم تنكر وصارت تلوم الناس ولكن المفاجأة أنها قالت بأن ابنها-أي الزوج- كان يحدثها بتفاصيل علاقته بزوجته وما يحدث بينهم ويقول بأنها تكرههم وغيره. أعلم أني أطلت عليكم ولكن سؤالي هو هل يجوز أن يحدث الرجل أمه بما يجري بينه وبين زوجته حتى ولو كان بينهم مشاكل؟ مع العلم لم يكن بقصد حل المشاكل وإنما تم عن أمور قبل مغادرة قريبتي لبيت الزوجية بوقت طويل. وهل يجوز أن يتحدث أهل الزوج عن المرأة وأسرار بيتها للأقارب وللجيران إذا غادرت البيت غاضبة. وللعلم أوصل الناس لقريبتي كلاما حدث بينها وبين زوجها ولم يكن معهم أحد وأمه تعترف بأنه كان يخبرها بكل شيء فهل يجوز اغتيابهم بالمقابل من باب رد الاعتداء والسيئة بالمثل كما ورد بالقرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للزوج أن يعلم أن من حق زوجته أن يوفر لها مسكنا مستقلاً، وأنه لا يلزمها خدمة أمه أو غيرها من أقاربه، إلا أن يكون ذلك من إحسان الزوجة وكرم خلقها، فلا يجوز له أن يجبرها على ذلك، كما أنه لا ينبغي لأحد أن يتدخل في حياة الزوجين، إلا بالنصح أو المشورة، ولا شك أن إخبار الزوج أهله بتفاصيل حياته الزوجية وما يدور من خلاف بينه وبين زوجته، وكذلك إخبار زوجته بانتقاد أمه لها، كل ذلك ليس من الحكمة التي ينبغي أن يتعامل بها الأزواج، بل إنه إذا أدى إلى الإفساد بينهما فهو من النميمة المحرمة، كما أن حديث أهل الزوج للجيران والأقارب بأسرار زوجة ابنهم لا ينبغي بل قد يكون من الغيبة إذا كان بما تكرهه هي.
وننبه إلى أن الزوجة لا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها دون إذنه ولو كانت غاضبة، وكذلك ما فعله بعض الناس من إخبارها بإساءة أهل زوجها إليها في الكلام، فذلك من النميمة المحرمة، وينبغي تحذير هؤلاء الناس، وعدم مجاراتهم في هذا المنكر، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 112691.
ولا يجوز رد ذلك بغيبة أهل الزوج، فإن الغيبة محرمة، ولا تجوز إلا في مواضع مذكورة في الفتوى رقم: 29510.
أما أن يقال إن ذلك من رد الاعتداء بمثله، فذلك خطأ، وإنما ذلك في غير المعاصي.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم: وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(9/2384)
العبث بعواطف الفتيات ... مسؤولية مشتركة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الرجل الذي يتلاعب بمشاعر الفتيات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى المرأة الأجنبية لغير حاجة، ولا أن يختلي بها مطلقا، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:30} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. رواه الشيخان.
وقد نص العلماء على حرمة التحدث مع المرأة الشابة لغير حاجة.
فقال العلامة الخادمي رحمه الله في كتابه: بريقة محمودية وهو حنفي قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. انتهى. وقال صاحب كشاف القناع من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها ـ أي على الشابة ـ لم ترده دفعا للمفسدة. انتهى.
مما سبق يتبين لنا حكم ما سألت عنه السائلة، وأن هذا الذي يتلاعب بمشاعر الفتيات إنما هو فاسق فاجر ساقط العدالة والمروءة، وأنه ينبغي على السلطان أن يعزره تعزيرا بليغا يردعه وأمثاله عن هذا العبث والاستهتار.
ولكن ما كان لهذا الرجل أن يتلاعب بمشاعر الفتيات، ولا أن يعبث بعواطفهن إلا بمساعدتهن، ولو أن الفتاة خافت ربها والتزمت حجابها، ولزمت جادة الطريق فلن يجد أمثال هؤلاء الفجار إليهن سبيلا، فمن مكنت رجلا كهذا من الولوج إليها حتى تعلقت به فهي مشاركة له في الإثم.
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 110192، 621، 80771. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1429(9/2385)
أثر الحسد على الحاسد والمحسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحسد يمكن أن يؤدي إلى التفريق بين الزوجين عندما تكون امرأة تحسد رجلا لأنه تزوج بفتاة تريدها لابنها ونفسها بهذه الفتاة لابنها ولكن الفتاة رفضت وكان نساء كثيراث يقولون أنا نفسي بهذه الفتاة لابني وبعد أن كتبت كتابها لم يتم الزواج وانفصلت عن خطيبها هل الحسد كاف لحصول ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الأمور الخارجية التي تفسد العلاقة بين الأزواج الحسد والعين والسحر, أما الحسد فهو مرض قلبي من أمراض القلوب, يصيب الحاسد والمحسود معا، أما الحاسد فإنه يأخذه الهم والغم، بل ربما يجن ويأخذه الخبال حسدا لنعمة عند غيره، ولذا قال الحسن البصري رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد. انتهى.
وقال بعض السلف: الحسد داءٌ منصفٌ، يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود.
وقال الفقيه المعروف أبو الليث السمرقندي ـ رحمه الله تعالى ـ: يصل الحاسد خمس عقوباتٍ قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أوّلها: غمٌ لا ينقطع، وثانيها: مصيبةٌ لا يؤجر عليها، وثالثها: مذمةٌ لا يحمد عليها، ورابعها: سخط الرب، وخامسها: يُغْلَق عنه باب التوفيق.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لله در الحسد ما أعدله * بدأ بصاحبه فقتله.
وأما المحسود فإنه قد يصاب بضرر بالغ جراء الحسد, وغالبا ما يكون هذا الأثر مماثلا للأثر الذي تحدثه العين.
جاء في تفسير أضواء البيان: ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق، فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس، والعائن: لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله. انتهى.
وقال ابن القيم –رحمه الله – في بدائع الفوائد: والعائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضا.. انتهى.
وأما العين فهي النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به وهي حق, كما في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين. رواه مسلم.
وفي مسند أحمد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعامر بن ربيعة لما حسد سهل بن حنيف: علام يقتل أحدكم أخاه, هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت. صححه الأرناؤوط.
يقول ابن جبرين – حفظه الله – العين: هي النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به، وإنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث، فتحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع، وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع منها، حتى تؤثر بمجرد نظرة، فتطمس البصر، وتسقط الحبل، فإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وتوجهت إلى المحسود، فكم من قتيل! وكم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع، فإن هذا المرض من علم الأرواح، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر، وآياته أعجب. انتهى.
وبناء على ذلك فقد يكون ما حدث من طلاق وانفصال بين هذه المرأة وزوجها إنما هو بسبب حسد, أو عين أو سحر, وقد يكون بسبب آخر, فإنا لا نستطيع الجزم بتحديد سبب بعينه، لكن الذي نستطيع الجزم به هو أن هذه الأمور لها دور في زوال النعم والخيرات, وحلول المصائب والبليات.
ولمعرفة خطورة الحسد والعين والسحر وكيفية العلاج نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7976، 28793، 60924، 25592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1429(9/2386)
حكم سوء الظن القلبي تجاه شخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الظن في قلب الشخص ظلما لغيره إن لم يتحدث به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ظن السوء بالمسلم ظلم له واعتداء على حرمته، ويعتبر من الحرام الذي حذر الله عز وجل منه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث.. متفق عليه.
وقال بعض العلماء: سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك. وأما مجرد الخواطر التي ربما تخطر على القلب دون الحكم بها أو مجرد الشك دون ميل القلب إليه والحكم على الشخص به فمعفو عنه. وقد سبق تفصيل ذلك وأقوال أهل العلم في ذلك بالفتوى رقم: 54310، والفتوى رقم: 111326.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(9/2387)
دفع السيئة بالحسنة يثمر المحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبه وبعد
أنا زوجة الأخ الأكبر ووالدي ربانا غفر الله له وللمسلمين مغفرة واسعة وأسكنه جنات الفردوس الأعلى من الجنة، ربانا على الطيبة والتسامح وكثير في هذا الزمن من الناس من يرى أن الطيب والتسامح هو ضعف وقد يستغله الناس لأن ما يجد ردة فعل لأي حركه إلا التسامح وأنا بالذات أتجاهل لأني والله ما أحب والله سبحانه كما قد قرأت لا يحب المجادلين، والحكاية تقريبا منذ فترة أخت زوجي نسأل الله الهداية لنا وللمسلمين (تضاربت في زواج رؤيب للعائلة) وصارت مشكلة كبيرة، ولكن بعد أيام أخذت تروج عني الشائعات بأنني سحرتها والمجتمع االذي عايشته جاهل لم يدرس، والله العظيم أنا عمري في حياتي ما رحت لشيخ يقرأ وإذا تعبت وتمر على الإنسان من مصاعب الحياة أصلي وأطلب الحي القيوم حتى أروح لساحر والعياذ بالله نسأل الله السلامة، اللهم اكفني فيها بما شئت وخذ بثأري منها عاجلاً غير آجل في الدنيا قبل الآخرة والله العظيم أني ما كذبت ويشهد رب العالمين وأم زوجي قالت لي منذ زمان ومنذ تزوجت ولدهم أسألها لماذا لا تأتيني إذا عزمناها في العيد أو أي عزيمة أحيانا يحضر زوجها وعياله وتقول لي أم زوجي إن ابنتها تعبانة هذه عندها حالة نفسية وتتعالج في مستشفى عرفان بجده والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير من الناس تفضيلا وكل ما سمعت عن أحد يعالج تروح له شيخ -حرمه- كاهن- الله أعلم- وهي سبق لها أن تضاربت معهم في الملكة (الخطبه) (حقت هالناس ولكن ماجاها أذى) ولكن في الزواج عندما تضاربت معهم ضربوها ضربا ولا حول ولا قوة إلا بالله، صحيح أني حاضرة للزواج وكل الجماعة وحاولنا أن نبعدهم عن بعض ولكن تماسكوا بالأيدي وشد الشعور ودخل الرجال الزواج والحمد لله كنا متسترين بالعباية وأحمد الله
صحيح أن هذا الكلام حدث منذ سنتين وأنا بعيدة في الرياض وماكنت أدري ولكن بعد الزواج ثاني يوم كلنا رحنا لها ولكن زوجها قال إنها ليست موجودة والله أعلم صادق أم كاذب لا ندري وسافرت بعده للرياض ويقدر الله بعد الزواج بشهور على ابني شاب 14سنة يحصل له حادث سيارة ويكلمني الناس القريب والبعيد يكفون بالشر ويقولون الحمد لله على السلامه،،أحمد الله نجا ابني من حادث فظيع، وبالرغم من كل من رآه قال إنه لن يعيش ولكن الله حليم ولطيف بعباده وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يقوم ابني على رجليه يمشي ويقوم بنفسه إن الله على كل شيء قدير، المشكله أني ماكنت أدري عن كلام أخت زوجي وما تروجه من شائعات وياغافل لك الله أحسن من الناس وأسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر ويكفينا فيمن يؤذينا وكل الناس القريب والبعيد كلموا وحضروا الرياض وزاوروا أيام الحادث وأخت زوجي يالطيف مافكرت تكلم أو تسأل إلا بعد شهور، ولد أخيها بين الحياة والموت في العناية المركزة ظل شهرين وبالمتوسطة ظل شهرين والحمد لله على ما كتب وقدر وراضيه وإن شاء الله يرضينا ويقيمه على رجليه الله كريم، والناس الذين يكلمونني يقولون إ ن أخت زوجك تقول أنك سحرتها وأنا ما كنت أدري لعل البعد عن نماذج من هذا البشر مكسب وغنيمه ونسأل الله الهدايه مع أننا بعيدون عنهم بخيرنا وشرنا وإن شاء الله ما منا شر،، وبعد أن تماثل ابني والحمد لله للشفاء والحمد لله والشكر لله وقفوا أكثر الأدوية التي يأخذها والآن يتأهل للتأهيل الطبيعي والكلام بأمر الله ويتدرب على المشي والجلوس ويعتمد على نفسه، صحيح أن الأمر يأخذ وقتا على كلام الدكتاتره ولكن فرج الله قريب يفرجها علينا وعلى كل مسلم ويقومه وينطقه بحق من طلبه وأنه سبحانه على كل شيء قدير.
دلني على الحل والله العظيم مالي نفس أراها به حتى ولا أنطق اسمها مع أنه قبل ثلاث سنوات تزوجت ابنتها الكبيرة وكنت معها أكثر من أختها والله العظيم أختها لم تقف معا ولكن حسبها الله ومن الإساءة والظلم الذي تعرضت له لا أريد أن أتقابل معها ولا في أي مكان ولا زمان دلوني على الحل المشكلة أنها أخته وهل أنا أذا قاطعتها فيها قطيعة رحم والله أقول لزوجي اذهب لها مع أنها لا تستحق ونفسيتها المريضه بالنسبة لي أنا لا أريد أروح لها، أما زوجي فقلت له اذهب لها وأنا الله سينصرني عليها لأني صادقه مع الله أولا ثم مع خالقي وربي الذي رباني والله وأكبر على كل ظالم ومفتر ونسي أنه سيقف يوم الموقف العظيم.
ودمتم في رعاية الله وحفظه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بالصبر على أخت زوجك وصلتها بما أمكنك من صلة، والإحسان إليها عسى أن تنقلب عداوتها لك إلى محبة إن شاء الله، وما كان منها من ظلم لك فالأولى أن تقابليه بالعفو والإحسان عسى الله أن يعفو عنك، فكلنا مسيء ونحتاج إلى عفو الله، واعلمي أن العفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
العفو والصفح هما خلق النبي صلى الله عليه وسلم فأين المقتدون بسيد الأنام صلى الله عليه وسلم؟ سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
واعلمي أيتها السائلة أن فساد ذات البين من المهلكات، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البيت هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وأخت زوجك وإن كانت ليست من أرحامك إلا أن الأصل أنه يحرم هجران المسلم عموماً فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
إلا أن يكون في مقاطعتها أكثر من ثلاثة أيام مصلحة شرعية، بأن تغير المقاطعة أمرها إلى الأفضل، فإن المقاطعة تجوز حينئذ، ولكن عليك أن تعيني زوجك على صلتها ولا تعينيه على مقاطعتها، فإن كانت صلتك بها ستسبب لك المتاعب فيمكنك أن تكتفي بقدر يسير، يرفع عنك إثم الهجران ويدفع عنك شرها، ولو أن تكتفي بالسؤال عنها هاتفياً عند المناسبات، فإن كان هذا القدر اليسير سيجلب لك أيضاً المتاعب فعندها يجوز لك هجرها اتقاء لشرها.
قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وللمزيد من الفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99222، 111794، 113294.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(9/2388)
مجالسة المجاهر بالمعصية المفتخر بها مضرة في الدين والدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صاحبة فى العمل تجاهر بالزنا ولها علاقة بغير زوجها وأخشى أنني لا أستطيع أن أنصحها بترك الحرام على الرغم من معرفتها المسبقة بأنني لا أحب كلامها وتجاهرها بالمعصية بكل فخر مع احتفاظها بالصور الفاسقة والفاحشة بكل ما يثبت جريمتها إذا صح التعبير، أنا أحبها وكم نصحتها بأن الزنا حرام هو يخون زوجته وهي تخون زوجها، فما حكم مصاحبتي لها إذا لم ترجع عن طريق الحرام، وكيف العمل وحكم الله فيها فى هذه الحالة وأنا أرى أنها سعيدة وتمتلك كل ما يتمناه المؤمن من مال، جمال، أولاد، زوج، وكل شيء فقط حجتها إنها تحب فهل الحب يعيش فى الحرام؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا فاحشة قبيحة وجريمة شنيعة، وهو طريق الشيطان الموصل إلى مقت الله وغضبه، قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وهو وإن كان كذلك في حق المتزوجة وغير المتزوجة؛ إلا أنه في المتزوجة أعظم جرماً وأقبح فعلاً، ولذا كانت عقوبة المتزوجة أشد من عقوبة البكر، فالبكر تجلد مائة، والثيب ترجم حتى الموت، وذلك لتدنيسها فراش الزوجية وخيانتها لزوجها الذي ائتمنها على عرضه ونفسها، وما ينتج عن ذلك من اختلاط الأنساب، وإلحاق أولاد بشخص ليس هو أباهم في حقيقة الأمر.
وهذه المرأة قد جمعت مع هذه الجريمة جريمة أخرى تدل على خراب قلبها وفساد دينها وسفاهة عقلها, ألا وهي المجاهرة بالمعصية والتباهي بها, وهذا الفعل منها يبيح غيبتها ويحل ذكرها بقبيح فعلها, ويبعدها عما عسى أن يطولها من العافية, جزاء ما أقدمت عليه من كشف ستر الله عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه.
جاء في فتح الباري: وقال الطيبي: الأظهر أن يقال: المعنى كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون، والعفو بمعنى الترك وفيه معنى النفي كقوله: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) والمجاهر الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها، وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به. انتهى.
وحيث إنك قد ذكرت أنك كثيراً ما نصحتها وذكرتها وهي على ما هي عليه من مقارفة الإثم واكتساب الفاحشة فاقطعي علاقتك بها ولا تستمري في صحبتها، ولا سيما إذا كان هجرها وقطيعتها يفيد معها، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم–: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وحسنه الألباني ... جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل: صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا. انتهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة. رواه البخاري ومسلم. جاء في فتح الباري: وفي الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما. انتهى.
ولا شك أن المجاهر بالمعصية المفتخر بها مجالسته مضرة في الدين والدنيا, لأنه قد يؤثر على صاحبه ويجره إلى مثل ما يصنع, فالصاحب ساحب، ومن جالس جانس، كما قيل.. وأيضا فإن أمثال هؤلاء الفساق المتبعين لشهواتهم وأهوائهم دائما وأبداً يريدون من الناس أن ينحرفوا إلى مستنقع الرذيلة كما انحرفوا، قال الله سبحانه: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا {النساء:27} , قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: أي: يُريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة {أَنْ تَمِيلُوا} يعني: عن الحق إلى الباطل. انتهى. وجاء في تفسير الألوسي عند هذه الآية: وعن مجاهد: أن تزنوا كما يزنون. انتهى.
وأما ما ذكرت من نعم الله عليها من مال وجمال وأولاد فلا تغتري بذلك فهذا من هوان الدنيا على الله سبحانه أن يهبها للعصاة والمجرمين بل وللكافرين استدراجا لهم ومكرا بهم, قال سبحانه: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ {آل عمران:196-197} ، وقال سبحانه: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ {الأنعام:44} , جاء في تفسير ابن كثير: قال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا. رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. انتهى.
فلا يغرنك ما هي فيه من زهرة الدنيا الزائلة وزخرفها البائد، بل ولا تمدي عينيك لهذا أصلاً، قال الله سبحانه: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى {طه:131} ، وللفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 107545، 63939، 66718.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(9/2389)
وصايا للتغلب على همزات الشيطان وتقنيط العبد من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة نشيطة وأقوم بالأعمال المنزلية جيدا وغالبا أهتم بالعائلة ومساعدة الحزين وقلبي طيب وحنون وكل الذين حولي يحببونني لكن في فترات مفاجئة أحس بالاكتئاب والحزن وأتوقف على نشاطاتي وهناك أترك كل شيء وأفكر في لحظات ارتكبت فيها أكبر المعاصي على أني إنسانة أقوم بالصلاة والذكر إلا أنه عندما أخطئ أرى نفسي في جهنم ومن هنا أخاف الموت وعقاب ربي ومن هنا يأتي اليأس ولا أريد الموت حتى لا ألقى ربي وأنا متسخة أبكي وأطلب التوبة فلا أفارق فراشي ولا أريد أن أبتسم وتأتيني كل أفكار سلبية أن يوم بعثي هو يوم حساب أكبر المعاصي ارتكبتها وبهذا تؤنبني نفسي فأفقد القدرة على الطعام وحتى أرتعش بالليل وأهمل كل شيء حتى القدرة على أن أهتم بأولادي ولا أرى إلا يوم عقابي وهو يوم بعثي أريد أن أتخلص من هذه الوساوس والأوهام ليس بأخذ الدواء لكن بالذكر والقرآن وأن أقوي إيماني لا أريد أن أذهب عند الله وأنا ضعيفة الإيمان ربما يكون سحرا أو أرواح مؤثرة علي أو فقط هواجس فأنا في بلد الغربة وأعرف أن مصارعة الارواح هنا غير موجودة فهل بإمكاني التغلب عليها وحدي أو شيء ممكن فعله بالذكر وقراءة القرآن
أنا أخاف الله كثيرا لم أكن يومها اقتنعت بالصلاة وبعدها ازداد الخوف وبدأت بالأذكار ومرة ثانية الآن يشدني الخوف إني لست محتجبة وها أنا أفكر في الحجاب وهذا خوفا من الله لكن مازلت أخاف من نظرة الناس غير المسلمين إلي هنا لكن أنا أود لبس الحجاب لآني أحبه أريد أن أطور إيماني لكن دائما هناك إحباط واكتئاب
والله إني خائفة يوم بعثي وما من ذنوب أحملها أعجز عن قولها لكن أريد حقا أن أكفر عن ذنوبي وأرضي ربي وأن يقيني من شر نفسي ومن هذا الاكتئاب الشديد الذي يخنقنني حتى أرى أنفاسي تموت وغير قادرة على شيء
لكن عندما أتذكر قوله ولا تقنطوا من رحمة الله وورحمتي وسعت كل شيء وأن الله يغفر الذنوب جميعها أرتاح لكن عندما أتذكر المعاصي هنا أختنق موتا وكأني أقتل نفسي وتأتيني فكرة أني ميتة وأفكار غير جيدة وغير منطقية والله أريد أن أتوب وأن أكون عبدة صالحة راضية وأن لاأ خيب يوم لقائه ساعدوني هل سيغفر لي ربي هل ممكن أن أرضيه وكيف أكفر عن أكبر ذنوبي ومعاصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خوف الإنسان من ذنوبه ومن عقوباتها وما تؤول إليه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة لمن علامات الإيمان وأمارات الإحسان. جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.
فأبشري – أيتها السائلة – بخوفك من ربك ومن مقامه وحسابه فهذا أمارة من أمارات الخير وإقبال الله تعالى على العبد، لكنا في الوقت نفسه نحذرك أشد التحذير من خروج الأمر عن حده لينقلب إلى صورة من صور اليأس والقنوط والإحباط، فإن هذا باب من أبواب الشيطان ليفسد على الشخص حاله وليقعده عن طاعة ربه, فيأتي له ليذكره بذنوبه ويسرد عليه غدراته وفجراته, ويقنطه من رحمة ربه ويقول له: متى يغفر الله لك وأنت الذي صنعت وصنعت, كل ذلك ليحزنه وليصرفه عن عبادة ربه، وليملأ قلبه بالوساوس والأوهام الباطلة , حتى ييأس من رحمة أرحم الراحمين , واليأس من رحمة الله صفة الكافرين والعياذ بالله. قال سبحانه: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {العنكبوت:23} .
فإذا أحس المرء ذلك من نفسه فليبادر إلى الالتجاء بالله سبحانه, والاستعاذة به من الشيطان ومن نزغه وهمزه ونفخه ونفثه , وليذكر سعة رحمة الله سبحانه, وأنه سبحانه هو الغفور الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء, وهو سبحانه قد كتب كتابا فهو عنده فوق العرش أن رحمته سبقت غضبه, جاء في الحديث القدسي: قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني.
واعلمي أن من أعظم أسباب علاج الوساوس والأوهام بعد الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه، إنما هو الإعراض عنها وعدم الاسترسال معها، ثم الاشتغال بعد ذلك بما يفيد وينفع من أمور الدين والدنيا, ونوصيك بالوصايا التالية للتغلب على همزات الشيطان ووساوسه:
1- الإلحاح على الله سبحانه في الدعاء فإن الله سبحانه يحب الملحين في الدعاء, والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب, وقد وعد الله سبحانه باستجابته فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
2- كثرة ذكر الله سبحانه، فإن ذكر الله سبحانه مطردة للشيطان, خصوصا قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في اليوم مائة مرة. فقد جاء في الحديث المتفق عليه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل عملا أكثر من ذلك.
3- الحرص على صلاة الفجر في وقتها فمن صلى الفجر فى وقتها فهو في ذمة الله، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء. رواه مسلم , قيل الذمة معناها: الضمان وقيل:الأمان.
4- التوكل على الله – جل وعلا – فإن الشيطان لا سلطان له البتة على المتوكلين, قال سبحانه عن الشيطان: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. {النحل:99}
5- التوبة إلى الله سبحانه , فإن الذنوب هي سبب المصائب، وبذنوب العبد يسلط عليه أعداؤه من الإنس والجن.
وفي النهاية ننبهك على أن الحجاب الشرعي فريضة محكمة من الله رب العالمين، لا يسع المسلمة تركها بحال, فبادري رحمك الله إلى الحجاب, ودعي عنك الناس ونظراتهم وأقاويلهم وآرائهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا , واعلمي أن التبرج وإظهار الزينة أمام الأجانب كبيرة من أعظم الكبائر , وقد تكون هي السبب فيما أنت فيه من البلاء والغم, بل وقد تكون - والعياذ بالله - سببا في حبوط جميع أعمالك الصالحة. قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33}
جاء في تفسير القرطبي: ولا تبطلوا أعمالكم أي حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن, وقال الزهري: بالكبائر. ثم قال القرطبي رحمه الله: وعن أبي العالية: كانوا يرون أنه لا يضر مع الاسلام ذنب، حتى نزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الاعمال, وقال مقاتل: يقول الله تعالى: إذا عصيتم الرسول فقد أبطلتم أعمالكم. انتهى
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 2969، 23472، 71116، 23472، 5561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(9/2390)
هل تأثم المرأة بحب الأجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ولي أطفال، زوجي يهملني ولا يتذكر أني زوجته إلا في دقائق الفراش ويتجاهل وجودي ويكلمني باقتضاب ولا يبادر بالحديث معي إلا لطلب شيء مني أو توجيه أمر لي، أخاف الله أصلي وأقرأ القرآن باستمرار وأداوم على الصيام، لكني وقعت في الحب، فقد وجدت في الرجل الآخر كل ما أتمناه ويغذي روحي المتعطشة، لكني لم أبح له بحبي ولن أبوح له مهما يكون لأني زوجة وأم، هل أأثم على الشعور الذي أحسه والمتعة التي أحسها عند رؤيته أو سماع صوته، بمعنى آخر هل إحساسي بالحب تجاه شخص غير زوجي؟
يؤثمني رغم أن الأمر لا يتعدى مجرد الإحساس بيني وبين نفسي والله على ما أقول شهيد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله زوجك معك من إهمال وتجاهل لا يجوز وهو مخالف للعشرة بالمعروف التي أمره الله تعالى بها حتى في حال بغض زوجته وكراهيتها, قال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19} .
وكان الواجب عليك أن تصارحيه بتقصيره، وأن تطلبي منه أن يوفيك سائر حقوقك من المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالحسنى, وكان عليك أيضا أن تناقشي معه هذه السلبية التي تجدينها منه في المعاملة لتقفي على أسبابها ودواعيها فربما كانت أسبابها منك وأنت لا تشعرين.
أما ما ذكرت من كونك قد وقعت في حب رجل آخر غير زوجك فهذا لا يجوز, ولا يبرره ما تجدين من زوجك من تقصير في حقك, فإن الخطأ لا يعالج بخطأ, والمعصية لا تقابل بمثلها, وعليك الإثم والوزر إن كنت قد تسببت في إدخال هذا الحب على قلبك سواء بنظر أو بكلام أو بغير ذلك, وعليك في هذه الحال أن تستغفري الله وأن تتوبي إليه وأن تقطعي كل ما يصلك بهذا الرجل, بل وأن تقطعي التفكير فيه.
أما إذا كان هذا الحب قد دخل على قلبك بلا كسب منك ولا تسبب فلا إثم عليك في ذلك إن شاء الله حينئذ طالما بقي الأمر في نطاق حديث النفس. فقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم.
أما سؤالك هل تأثمين على الشعور بالسعادة والمتعة عند رؤيته وسماع صوته, فالجواب: نعم تأثمين على ذلك إن قصدت المتعة واطمأننت لها؛ لأن الواجب عليك وقد أحسست ما أحسست تجاه هذا الرجل من حب وميل، أقول: الواجب عليك حينئذ أن تنصرفي عنه, وأن تبتعدي عنه بحيث لا تسمعين حديثه ولا ترينه.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99815 , 9360 , 24284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(9/2391)
المعصية لا تقابل بمثلها
[السُّؤَالُ]
ـ[رفعت زوجتي ضدي دعوى قضائية حملت الكثير من الزور فادعت أنني قمت بتبديد منقولاتها وأنني لم أنفق عليها بتاريخ سابق ليوم خروجها من البيت. وستأتي بشهود زور لإثبات كلامها، وأنا مضطر لإحضار شهود لم يروا شيئا لإثبات حقي لأن القانون لن يدحض حجتها إلا بشهود فهل يجوز لي أن أفعل ذلك؟ أرجو سرعة الرد لان القضية في المحكمة وجلستها قربت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشهادة الزور وقول الزور من أكبر الكبائر وأعظمها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ثلاثا. قالوا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور. قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وينبغي أن يعلم أن شهادة الزور محرمة تحريما مطلقا فلا يجيزها كون هذه المرأة ادعت عليك كذبا وأشهدت عليك زورا، لأن المعصية لا تقابل بمثلها، والخيانة لا تقابل بخيانة، والزور لا يرد بزور مثله، وإلا فسدت الأحوال واختلت الموازين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: كما أن شهادة الزور والكذب حرام وإن قصد به التوصل إلى حقه، ولهذا قال بشير بن الخصاصية قلت: يا رسول الله إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه فقال: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. انتهى.
والغالب أنك إذا تحريت الطرق المشروعة فإنك لن تعدم من له معرفة بحالكم ويستطيع أن يشهد لك شهادة صحيحة أنك لم تظلم زوجتك ولم يحدث منك تعد على حقوقها ولا منع لنفقاتها.
أما الإقدام على شهادة الزور فلا يجوز إذ كيف يقدم الشهود على الشهادة بما لا علم لهم به، وقد يكون خلاف الواقع فتتضرر المرأة ويهدر حقها، فالأولى بالسائل أن يدفع الضرر عن نفسه بما لا يترتب عليه إيقاع الآخرين في الإثم، فتحقق الضرر عليه هو إن ثبت لا يسوغ للآخرين ارتكاب هذه المعصية الكبيرة، والتي قد يترتب عليها كما سبق الضرر بالمرأة.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 78039، والفتوى رقم: 105246.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1429(9/2392)
في المعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أكذب في حالة إذا اتصل بي شخص على الهاتف ولم أرد عليه فوجدني فقال لي لم لم ترد علي؟ هل أقول له لا أرغب في الرد عليه فيغضب. أم ماذا أقول له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام وقبيح، ولا يجوز اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة أو المصلحة الشرعية المعتبرة التي لا يمكن الوصول إليها بدونه، ولذلك فإن على المسلم أن يحذر من الكذب وبإمكانه أن يتجنبه بالتورية والمعاريض، ففيها مندوحة عن الكذب، كأن تقول له كنت مشغولا وتنوي انشغالا كنت فيه من قبل ... أو نحو ذلك، كما سبق بيانه في الفتويين: 47780، 30312، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(9/2393)
حكم مصاحبة أهل المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية أتقدم بالشكر للطاقم الذي أنشأ هذا الموقع وسؤالي كالتالي: أنا شاب عمري 22 سنة أنا لا أمدح نفسي لكن هناك الكثير من الناس من يمدحني حسب أخلاقي وحبي لفعل الخير.لكن لا أقول الكل وإنما أقول جل من هؤلاء الناس أبغضهم في الله على الرغم من أنهم يمدحونني فأنا لا أستطيع أن أنافق ألاحظ فيهم خصالا دنيئة.لا يسيؤون التصرف معي لكن مع الغير وهذا ما يجعلني أبغضهم ومن الخصال الدنيئة التي توجد فيهم كالرياء والحسد وهتك أعراض الآخرين كقول البهتان مثلا وتتبع عورات الناس مع العلم أنهم أدوا فريضة الحج ويترددون كل شهر رمضان على العمرة وفي المساجد دائما هم في الصفوف الأولى.كإضافة هذا البغض الذي أبغضهم فليس هناك من يعرف بأنني أبغضهم في الله إلا الله سبحانه وتعالى. فأنا لم أقل هذا لأي شخص تركته في نفسي إلا أنني أحيانا أتكلم عنهم بصفة مجهولة كأنني أروي قصة حدثت لشخص مجهول. وما أريد معرفته هل يجوز شرعا مصاحبتي لهم على الرغم من بغضي لهم وهل الكلام الذي أتكلمه عنهم بصفة مجهولة جائز أم لا، وماهية النصيحة التي تنصحونني بها ... وأتمنى لكم التوفيق في فعل الخير وأشكركم على هذا الاهتمام وأستسمح إن كنت قد قدمت لكم بعض الإزعاج.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك وجزاك خيرا، أما عن سؤالك فلا شك أن الحب في الله والبغض في الله من لوازم الإيمان بالله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله عز وجل. صحيح الجامع.
وأما عن مصاحبتك لمن تبغضهم في الله، فمادمت تنكر عليهم إذا رأيتهم على معصية، ولا تقرهم على منكر فليس ذلك من المداهنة الممقوتة، وإنما هو من المداراة المطلوبة، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 34950.
وأما عن ذكرك لهم بدون تعيين عند أناس لا يعرفونهم فليس ذلك من الغيبة المحرمة، وإنما الغيبة تكون بتعيين الشخص سواء بذكر اسمه أو وصفه، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 6082.
وننبه السائل أنه ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ويستشعر نعمة الله عليه في معافاته من الوقوع فيها، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر وبغضه للمعصية فإنه لا يكره العاصي لذاته وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية. قال ابن القيم في مشاهد الناس في المعاصي: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم مع إقامة أمر الله فيهم فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم لا قسوة وفظاظة عليهم. (طريق الهجرتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(9/2394)
لا حرج في بذل المال لإصلاح ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لخدمة المسلمين. مشكلتي هي أنه يوجد خلاف بين والدي وعمى (والد خطيبتي في نفس الوقت) بسب ميراث في المنزل وعمي له ميراث في المنزل الذي نسكن فيه حاليا الذي تركه جدي ولكن يوجد بينه وبين والدي حسابات قديمة حيث والدي يقول إنه قام بمساعدة عمي أثناء زواجه ويقول إن هذه المساعدة مقابل نصيبه في المنزل. وقد حاولنا كثيرا أن نجمعهم سويا ليتحاسبوا وكل يعرف ما عليه وما له ولكن للأسف كل مرة تنتهي بشجار ولم يصلوا إلى حل وكل واحد مصمم على رأيه عمي يقول أنا أعطيت والدي المبلغ الذي ساعده به في الزواج إلى جدي رحمه الله وجدي أعطاه إلى أبى. وأبى يقول إنه لم يأخذ شيئا وهكذا دون جدوى حتى كاد الوضع يصل إلى خلافات كبيرة ومحاكم. لذا قررت أنا وأخى أن نعطي عمي نصيبه من البيت من أموالنا نحن دون علم أبى خوفا من حدوث مشاكل أخرى بينهم من ناحية. ومن ناحية أخرى خوفا أن يكون على والدي إثم بسب أنه منع أخاه من الميراث. مع العلم لو أخبرت والدي بما فعلت فلن يقبل ذلك أيضا. والمشكلة أيضا أن لا أحد يعرف الحسابات التي بينهما غيرهما. لذا سؤالي هو هل أخطأنا أنا وأخي في إعطاء عمى نصيبه دون علم أبى وهل هذا يعتبر أننا قد ظلمنا أبي لحساب عمي أو بمعنى أصح ظلمنا أنفسنا. ونرجو منكم الرد وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس فيما فعلتم ظلم لأنفسكم أو ظلم لأبيكم، بل هو عين الصواب والحكمة لما فيه من إصلاح ذات البين والجمع بين الإخوان ودفع الشحناء بينكم.
لكن موقف الأب خاطئ إذ لا يجوز له منع أخيه من نصيبه في الميراث، وإن كان يدعي عليه حقا فليثبته أولا ببينة، ثم يطالب به، وإن لم يكن لديه إثبات فقد ضيع حقه، وإن كان الأولى في مثل هذه الأمور العائلية أن يكون بالتفاهم دون اللجوء إلى المحاكم، وحسنا ما فعلتم من تبرعكم لعمكم بمقدار نصيبه في الإرث للصلح بينه وبين أبيكم.
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 107244، 19478، 54733، 20625.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(9/2395)
حكم رمي القمامة ليلا
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من صديق أن رمي القمامة ليلا لا يجوز لكنه ليس عنده دليل على هذا، ما صحة هذا القول؟ وهل هو فقط عادات وتقاليد مع العلم أن صديقي حنفي المذهب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام حث على النظافة وإزالة الأوساخ والقمامات، ولم يحدد لذلك وقتا فيما نعلم، فقد روى الترمذي وغيره عن سعيد بن المسيب قال: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود.
وروي مرفوعا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-: طهروا أفنيتكم، فإن اليهود لا تطهر أفنيتها.
وانظر الفتوى رقم: 32475.
ولم نقف فيما اطلعنا عليه على تحديد لوقت معين لرمي القمامة، وعليه فإنه لا مانع شرعا من إزالتها وإلقائها في أماكنها المخصصة لها في أي وقت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1429(9/2396)
الوفاء الوعد يستحب استحبابا أكيدا
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما أقابل الكثير من معارفي ويحملوني أمانة أن أوصل سلامهم لأخي أو لأبي أو صاحب لي قريب مني, ويتكرر هذا كثيراً, وكثيراً ما أنسى أن أبلغ الرسالة, فما وضعي الآن وما تحليلكم لمقولة وعد الحر دين, وهل هذا حديث أم مقولة شهيرة؟ وأدعو الله أن يوفقكم إلى عمل الخير وخير العمل وإلى ما يحبه ويرضاه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على كل بر، وأن يجعلك من المفلحين، وأما تبليغ السلام إلى من أرسل إليه فواجب عند بعض أهل العلم كالشافعية، وحمل ذلك بعض أهل العلم على ما إذا التزم الرسول بذلك فيجب عليه تبليغه؛ لأنه في هذه الحالة صار أمانة في عنقه. وعليه فمن تعمد عدم البلاغ كان آثما، وأما إذا نسي فلا شيء عليه. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 70705، 71271.
وأما مقولة: (وعد الحر دين) . فليست بحديث. والوفاء بالوعد وإن كان لا يأثم بتركه عند جمهور العلماء، لكنه يستحب استحبابا أكيدا، وتركه مكروه كراهة شديدة، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:3،2} ومدح الله نبيه إسماعيل فقال: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {مريم:54} وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من خصال النفاق فقال: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ. متفق عليه.
وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 12729، 51099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو الحجة 1429(9/2397)
الترهيب من منع الخير عن الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مانع الخير عن الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منع الخير عن الناس من صفات الكفار الذميمة التي وصف الله تعالى بها بعضهم في محكم كتابه، فقال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {القلم} ، وقال تعالى في صفاتهم: ... وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ {الماعون:7} ، والمسلم يسعى دائماً لما ينفع الناس ويدفع عنهم الضرر، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفايتح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.
وعليه؛ فإذا كان قصد السائل منع الخير مطلقاً عن الناس بحيث يمنع ما يجب عليه بذله كنفقة من تلزمه نفقته، فإن ذلك لا يجوز، وإن كان القصد منع بعض الأمور لاحتياج المانع إليها أو لسبب آخر فالظاهر أنه لا شيء في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(9/2398)
على طريق الانسلاخ من العلاقات المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير في خطوات بسيطة ومختصرة كيف تتخلص البنت من العلاقات المحرمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن أن نجمل لك ما تسألين عنه في الخطوات التالية:
أولا: أن تعلم الفتاة عظم خطر هذه العلاقات على الدين والدنيا، أما الدين فلأن هذه العلاقات تفسد القلب وبفساد القلب تفسد الجوارح جميعا، وأما الدنيا فلأن ثمرة هذه العلاقات ضياع الأوقات وكشف العورات ثم الفضيحة والعار.
ثانيا: الاستعانة بالله سبحانه واللجوء إليه والدعاء بتذلل وإشفاق خصوصا في الأوقات التي هي مظنة إجابة الدعاء، فقد قال الله سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} .
ثالثا: سد الذرائع وقطع الأسباب الموصلة لهذه العلاقة، ويتمثل ذلك فيما يلي:
1- تغيير رقم الهاتف وعنوان البريد الالكتروني، وحبذا لو تم تغيير مكان السكن مؤقتا، أو سفر الفتاة للإقامة المؤقتة عند بعض محارمها.
2- التخلص من الصور والرسائل وكل ما يذكر بهذه العلاقة ويهيجها.
3- شغل الوقت بما يفيد في أمور الدنيا والدين، فإن غالب هذه العلاقات إنما تنشأ بسبب الفراغ والانصراف عن الأمور النافعة، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ.
4- التوبة إلى الله من المعاصي والآثام الأخرى, ذلك أن الذنوب والآثام آفات متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض. قال سبحانه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ {الصف: 5} ، وقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ {المائدة: 49} .
قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة سيئة بعدها.
5- فعل الواجبات الشرعية، والقيام بالأوامر الإلهية، فإن ترك بعض الواجبات، من أسباب الابتلاء بالمعاصي وتسلط الشياطين، قال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} وقال سبحانه: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {المائدة:14} .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ... إ ن ترك الواجب سبب لفعل المحرم، قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين، وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.
6- ترك الصحبة السيئة المعينة على المعاصي والاستعاضة عنها بصحبة طيبة تعين المرء على طاعة الله إذا استقام، وتذكره بالله إذا نسي وغفل.
وللفائدة تراجع الفتويين: 105449، 58152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1429(9/2399)
حقوق المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقوق المسلم في العيش الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا ما تقصده من قولك حقوق المسلم، ولكن بصفة عامة فقد كفل الشرع للمسلم الأمن على دمه وماله وعرضه؛ لما جاء في صحيح البخاري من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام.
ومن أجل ذلك حرمت الشريعة العدوان على نفس المسلم بالقتل، والعدوان على أطرافه بالجرح والقطع وغير ذلك، والعدوان على ماله بالسرقة والغصب والاختلاس والنهب وغير ذلك، والعدوان على عرضه بالزنا والقذف والغيبة والسب وغير ذلك، وحرمت ظلمه وخذلانه، ففي الصحيحين أن رسول الله قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه. وحرمت أيضاً هجره ومقاطعته؛ كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.. وجاء في سنن أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
وأوجبت له أيضاً على إخوانه جملة من الحقوق كي ينعم المجتمع المسلم بالأمن، ويحيا بالمحبة والوئام، فمن ذلك أن أوجب الشرع حسن الظن بالمسلم المستقيم على أمر الله فتلتمس له الأعذار ولا يظن به إلا الخير، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ... قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً. وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه.
ومن ذلك أنها أوجبت عيادته إذا مرض، وتشميته إذا عطس، وإجابة دعوته، واتباع جنازته، وبذل النصيحة له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم خمس؛ رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس. متفق عليه. وفي رواية في صحيح مسلم: حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه.
ومن ذلك وجوب المحبة والوفاق بين أفراد المجتمع المسلم، بل قد جعل الرسول هذا طريق الجنة، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
كل هذه الحقوق وغيرها إذا التزمها المسلمون توفرت لهم الحياة الكريمة الآمنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(9/2400)
أعطت عهدا لزوجها على أمر ما ثم نقضته
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة من أصل عربي لها من العشرة قرابة عشرين عاما أعطيتها جنسيتي السعودية وأدخلنها معهد إعداد المعلمات وتخرجت وواصلت جهودا مكثفة حتى حصلت على وظيفة معلمة والآن راتبها شارف على الثمانية آلاف ريال لي من الأولاد منها بنتان وولد أخذت منها وعدا وعهدا بأن تبقي كل ما تحصل عليه من الرواتب بحساب باسمها بالبنك ومتكفل بكل طلباتها الزوجية وأن تدخر رواتبها لها ولأولادي منها حتى لا تمد يدها للغير إذا ما دنا أجلي وفوجئت بعد فترة أنها تحول كل الراتب لأمها وإخوتها فاحتدم الخلاف لنقضها للعهد وأخيرا قالت ما تدخل بحقي وأنها حرة أمها وإخوتها زادوا من تحريضها أخيرا وصل بها الأمر للتقدم للمحكمة مدعية أني أضربها وحابسها على حد قولها وأنها تطلب الخلع لأنها وكما تقول إنها لم تعد تطيقني وتكرهني والقاضي لم يطلب أي إثبات ويميل للاستجابه لطلبها نظير دفعها للمهر المسجل ببلدها وهذا غير صحيح من حيث المدفوع فعلا يفوق المسجل بضعفين وهي لم تعد تسأل حتى عن أولادها حيث وصل إخوتها بتأشيرة عمرة وبتنسيق معها أخذت ليلا مصطحبة كل العفش وتقيم معهم بانتظار حكم القاضي فما هو الحل وهل ما أقدمت عليه وأمها وإخوتها جزاء ما أنفقته عليها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه؟ أفيدوني بالله إنني كنت أستاهل هذه القسوة على كل مواقفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراتب المرأة حق لها، ليس للزوج فيه نصيب إلا ما تبذل له عن طيب نفس منها، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى رقم: 42518، 98303، 72086.
وأما ما كان بينكما من عهد على حفظ مالها لها ولأولادها، فما كان لك أن تقدم عليه ابتداء إذ ليس لك أن تلزمها بإنفاق مالها في جهة معينة، ولكن طالما أنها قد وافقت على ذلك وأعطتك هذا العهد، فلا يجوز لها أن تنقضه؛ لقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا {الإسراء:34} .
فإذا نقضت العهد فإنها تأثم بذلك ديانة فيما بينها وبين ربها، ولا أثر لذلك في أحكام القضاء الدنيوية.
وأما طلبها للخلع بدون سبب فهذا لا يجوز؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات. رواه الطبراني وصححه الألباني. جاء في فيض القدير: أي اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن لغير عذر هن منافقات نفاقا عمليا.
قال ابن العربي: الغالب من النساء قلة الرضا والصبر فهن ينشزن على الرجال ويكفرن العشير فلذلك سماهن منافقات، والنفاق كفران العشير. قال في الفردوس: وقيل إنهن اللاتي يخالعن أزواجهن من غير مضارة منهم. انتهى.
وأما ما ذكرت من زيادة قيمة المهر الحقيقي على القيمة المسجلة بالأوراق الرسمية، فهذا يحتاج منك إلى بينة لإثباته قضاء لأنك أنت المدعي، فإن لم تكن بينة فالقاضي يحلف الزوجة أنها ما أخذت زيادة على المكتوب.
أما ما يفعله أهل الزوجة من تحريض لها على النشوز والعصيان فهو حرام وهو من التعاون على الإثم والعدوان، وهو من التخبيب المحرم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه أحمد وابن حبان.
وأما ما أخذته الزوجة من عفش فإن كان هذا حق لها فلا حرج عليها فيما فعلت.
فالواجب عليك أيها الزوج هو أن تذكر زوجتك بالله، وبإثم ما أقدمت عليه من هدم لكيان الأسرة دونما سبب، وبحرمة ما أقدمت عليه من نقض لما كان بينكما من عهد، فإن استجابت لذلك وإلا ففوض أمرك لربك، وسله أن يخلفك زوجة خيرا منها.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 49592، 29948، 24956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(9/2401)
النظر إلى عاقبة الصفح يؤصل ويسهل التحلي بهذا الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستطيع الصفح عمن يسيء لنا على مدار الساعة بأساليب عدة، علماً بأن السماحة أساس ديننا الحنيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمظلوم له مع ظالمه ثلاثة خيارات:
الأول: أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه.
والثاني: الإمساك عن العفو والصفح ليلقى المذنب ربه بما اقترف من الإثم.
والثالث: المقاصة ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز إن كان الحق مما تصح المقاصة فيه، ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب الذي سبق بيانه في الفتوى رقم: 54580.
وبهذا يتبين أن العفو والصفح لا يكون فقط مع من يستحق ذلك ممن أقر بخطئه وتاب إلى الله منه، واعتذر لصاحب الحق واستعفاه، بل حتى الظالم الذي لم يكن منه شيء من ذلك يستحب العفو عنه، لا لكونه أهلاً لذلك، وإنما لينال المظلوم ثواب الله ورضاه، فهي في حقيقة الأمر معاملة مع الله تعالى القائل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون:96} ، فمن نظر في هذه المعاني سهل عليه أن يصفح ويعفو عمن ظلمه وأساء إليه ولو كثر ذلك منه، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 114087، وللمزيد من الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 18380، والفتوى رقم: 29786.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1429(9/2402)
احرصي على نسبة الخير والفضل لأهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف أولادا أيتاما وأطلب من أناس الصدقه لهم ويعطيني أناس الفلوس وأشتري بنصف منها ملابس وباقي الفلوس أرسلها لهم لأنهم يسكنون في قرية وأنا أعطي من عندي فلوسا لهم لكن لما أرسلها لا أقول لهم إنها مني أو من أحد ويتصلون علي ويشكروني لأنهم لا يعرفون هؤلاء الناس لكن أنا أنوي في قلبي أنها من الناس ومني الذي أضيفه فهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تحرصي على ألا ينسب إليك فضل لم تكتسبيه ولست صاحبته، والظاهر أن هؤلاء الناس حين يتصلون بك ليشكروك يظنون أن جميع ما دفعته إليهم هو من عندك أنت، ونحن نخشى عليك أن تكوني داخلة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زورٍ. متفق عليه.
وإذا أردت التخلص من هذا فيمكنك أن تقولي لهم عند دفعها إليهم هذا المال ليس مني أو ليس جميعه مني، بل هو من فاعلي الخير وأن تطلبي منهم الدعاء لهم، فإن هذا من السنة لآخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق، وأما إذا لم تكن لك نية أن يقولوا أو يتصوروا هذا التصور الذي أشرنا إليه فلا إثم عليك، ولكن الأولى والأفضل إن شاء الله هو ما أرشدناك إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1429(9/2403)
الستر مطلوب ما لم يترتب عليه ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا منزل في مدينة أخرى نذهب إليه في بعض أوقات السنة ونترك نسخة من المفتاح مع خادم نعرفه منذ أكثر من عشرين عاما ومشهود له بالأمانة. وقبل ذهابي نكلمه لينظف لنا المنزل وأحيانا يرسل ابنته لكبر سنه. ذهبت منذ فترة على غفلة فوجدت ابنته مع رجل في الشقة -لم يثبت الزنا- واعترفت أنها سرقت المفتاح من والدها وطلبت مني الستر عن أهلي وأبيها والناس جميعا. أعرف أهمية ستر المسلمين خصوصا إن لم يكونوا مشهورين بالفسق لكن سكوتي هذا يجعل الأمر كما هو عليه والمفتاح ما زال مع أبيها -تحت يدها- وإن سحبته منه -المفتاح- يجب أن أبرر له ولأهلي. هل أثق في توبتها عن استخدام الشقة, أم آخذ منها المفتاح وأخبر أهلي بالموضوع وأطلب منهم الستر عليها وأعرض بالكلام لوالدها عن أخذي المفتاح ... وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبارك الله فيك لحرصك على الستر على المسلمين، فكما ذكرت أن الستر واجب على المسلم إذا لم يكن مشهوراً بالفسق، وهو من الأخلاق التي يحبها الله، ويحض عليها الشرع، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:.. مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. متفق عليه.
لكن إذا كان في الستر ضرر كاستمرار المنكر، فلا ينبغي حينئذ الستر وإنما ينبغي إزالة المنكر ما أمكن ذلك.
فلا تفش أمرها ولا تشعه، ولكن نبه والدها على ضرورة مراقبتها وعدم إلقاء الحبل لها على الغارب، وينبغي ألا تترك المفتاح مع والدها، ويمكنك تغيير القفل وعدم إعطاء المفتاح الجديد له، ويمكن تبرير ذلك لأهلك بحرصك على مزيد من الأمان للبيت، أو نحو ذلك من التعريض دون الكذب الصريح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1429(9/2404)
الإفراط في محبة الأشخاص.. الأسباب..وسبل الوقاية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت كافة الفتاوى الموجودة وقرأتها بتمعن ولكن للأسف لم أجد ما يتوافق مع حالتي وأتمنى منكم قراءة مشكلتي بتفاصيلها حتى أجد الحل المناسب وجزاكم الله كل خير ...
أنا شاب أبلغ من العمر 26 سنة تقريبا وأتمتع ببعض المواصفات الخاصة في شخصيتي ولله الحمد والمنة.. وقد لاحظت مدى جاذبيتي للكثير من الأصدقاء سواء كانوا أصغر مني أو أكبر سناً وذلك من خلال حوارهم معي ... ولكن هناك شخص عمره تقريبا 19 سنة أبدى لي إعجابه الخاص بي وذلك من خلال جلوسه الكثير معي ومحاورتي وأخذ رأيي في أموره الشخصية والخاصة جدا عطفا على معاملته الرائعة والتي لم أرها من خلال أصدقائه.. حتى أنه ذكر في أحد أحاديثه بأنه ((متعلق بي)) ..
سؤالي//كيف يمكنني التعامل مع هذا الشخص بالرغم من فارق السن بيننا ... مع خوفي أنا من التعلق به أيضا من خلال جلوسنا الكثير مع بعضنا البعض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التعلق بالأشخاص أمر مذموم، وهو من مصائد الشيطان التي يصيد بها قلوب بني آدم، فيلهيها عما خلقت له من محبة الله ومعرفته والأنس به والشوق إلى لقائه، فلا يبقى مع هذا الداء الخطير في قلب العبد حظ لربه جل وتعالى، بل حتى العبادات المحضة التي يتقرب بها العبد لمولاه يكون فيها قلب الشخص المتعلق هائماً مع من يحب. ومن مضار هذا التعلق أنه قد يوقع المرء في الشرك دون أن يدري، ونقصد بالشرك هنا شرك المحبة، فيشرك هذا الشخص حبيبه في عبادة من أهم عبادات القلب التي تصرف لله تعالى وحده!! ولذلك يحرص الشيطان على تزيينها في قلب العبد، ويلبسها لباس الأخوة في الدين والمحبة في الله، وشتان بين هذا وذاك.
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الإفراط في محبة الأشخاص وندبنا إلى الوسطية والاعتدال في ذلك فقال: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وهذا الحديث من الطب النبوي للقلوب، وهو من باب الوقاية من داء التعلق الوبيل.
ولهذا الداء العضال أسباب عدة أهمها:
1- ضعف محبة الله وتعظيمه في قلب العبد، فإذا ضعفت محبة الله في قلب العبد أتاه الشيطان فباض فيه وأفرخ، وغرس فيه محبة الدنيا والأشخاص والصور ونحو ذلك، أما إذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض التعلق والعشق، ولهذا قال تعالى في حق يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {يوسف:24} .
قال ابن القيم:في الجواب الكافي: وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور فإنه إنما تمكن من قلب فارغ. انتهى.
2- الفراغ وعدم شغل الأوقات بما ينفع ويفيد، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ.
3- قلة العلم، فالمرء إذا قل علمه وضعفت معرفته اشتبهت عليه الأمور، واختلطت عليه الأوراق، ولم يميز بين الحق والباطل، فربما أدخل الشيطان عليه التعلق والعشق وألبسه ثوب الحب في الله، والأمر على خلاف ذلك تماما.
4- فعل المعاصي، ذلك أن الذنوب والآثام آفات متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض. قال سبحانه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ {الصف: 5} ، وقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ {المائدة: 49} . قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة سيئة بعدها.
5- ترك بعض الواجبات، فإنه من أسباب الابتلاء بالمعاصي وتسلط الشياطين، قال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف: 36} وقال سبحانه: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {المائدة:14} قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ... إ ن ترك الواجب سبب لفعل المحرم قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ {المائدة: 14} فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين، وكان هذا دليلا على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء. انتهى.
ولهذا الداء العضال مظاهر وعلامات يعرف بها، أهمها:
1- انشغال القلب دائما بالشخص المحبوب، سواء في حضوره أو غيابه.
2- المسارعة في تلبية طلباته وقضاء حاجاته وإيثار ذلك على كل شيء حتى على كثير من الطاعات.
3- الغيرة عليه من مصاحبة الغير له وجلوسه معه، وتعتبر هذه العلامة من أبرز علامات التعلق وأوضح أماراته.
4- الحديث عنه دائما أمام الناس وذكر صفاته الحسنة، والتغاضي عن صفاته السيئة، وغض الطرف عنها والتماس المبررات لها، بل ربما رأى المساوئ حسنات. وهذا من فساد القلب والعياذ بالله.
5- الغضب عند امتناع محبوبه عن لقائه أو تأخره عنه لسبب من الأسباب أو انشغاله بغيره من الناس، فيعتريه من الغضب والقلق والاضطراب لذلك ما لا يعلمه إلا الله، وهذا ما دعا امرأة العزيز إلى السعي في سجن يوسف عندما لم يجبها إلى مرادها.
أما سبل معالجة هذا الداء فنجملها فيما يلي:
1- الاستعانة بالله سبحانه وصدق اللجوء إليه وانطراح العبد على باب مولاه ذليلا كسيرا طالبا الدواء والعافية.
2- شغل الأوقات بما يفيد من مصالح الدين والدنيا.
3- الزواج، فإن من الأسباب الغالبة في نشوء مثل تلك العلاقات هو الفراغ العاطفي الذي يقع فيه من كان في هذه المرحلة، خصوصاً إذا كانت الجسور شبه مقطوعة مع الوالدين وباقي أفراد الأسرة. وهذه المرحلة تنتهي تلقائياً مع زيادة النضج العقلي للشاب، وبالزواج وإنجاب الأبناء والقيام على تربيتهم، فيحدث هذا له تفريغا لطاقاته العاطفية.
4- النظر في مفاسد مثل هذه العلاقات وما تجلبه من شغل القلب واضطرابه وحبسه وذله، وضياع الأوقات والمصالح من جراء ذلك.
وفي النهاية فإنا ننصحك أخي السائل في علاقتك بهذا الشاب بما يلي:
1- أن تحاول أن تأخذ بيده إلى ما يفيده في دينه ودنياه فتوجهه إلى ما يشتغل به من علم نافع أو عمل صالح.
2- أن تقلل من لقائه والاجتماع به، وليكن جلوسك معه إذا لقيته جلوسا قصيرا مهما كان الحديث نافعا حتى ولو كان في أمور الدين.
3- أن تدله على بعض أهل العلم ممن هو أسنّ منك ومنه ليصاحبه ويستشيره في كثير من الأوقات بدلا عنك،
ثم بعد ذلك إن وجدت تحسنا في الأمور واستقامة فالحمد لله على ذلك، أما إذا تطورت الأمور وزاد التعلق وخفت على نفسك الفتنة، عندها يجب عليك قطع علاقتك به فورا، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 52433، 58153، 65075، 21881، 36991
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1429(9/2405)
أحبب حبيبك هونا ما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم حب إنسانة وهي صدقني كأم لي أحبها أكثر من نفسي أحبها حبا شديد وأتمنى أن تكون دائماً قربي لأني أحب حضنها كثيراً فهو المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالراحة لأن أمي توفيت منذ عشر سنوات وأنا أحتاج إلى حنان الأم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خير الحب ما كان في الله ولله، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أسباب وجدان محبة الإيمان, محبة المرء لله فقط، ففي الحديث المتفق عليه: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.
وعلامة هذا الحب أن يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فذكر منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ويحتمل أَنَّهُ أراد أنهما اجتمعا عَلَى التحاب فِي الله، فإن تغير أحدهما عما كَانَ عَلِيهِ مِمَّا توجب محبته فِي الله فارقه الآخر بسبب ذَلِكَ، فيدور تحاببهما عَلَى طاعة الله وجوداً وعدماً.
قَالَ بعض السلف: إذا كَانَ لَكَ أخ تحبه فِي الله، فأحدث حدثاً فَلَمْ تبغضه فِي الله لَمْ تكن محبتك لله - أو هَذَا المعنى. انتهى.
وهذا لا يختص بالرجال بل يشمل الرجال والنساء, بمعنى إذا أحبت المرأة المرأة في الله اجتمعتا على ذلك وتفرقتا على ذلك فقد دخلا في هذا الوعد.
ولكن ينبغي على المرء أن يحذر من مزالق الشيطان، وأن يكون على بصيرة من أمره، فكثيرا ما يبدأ الحب بين المتحابين ويكون في الله ثم يتحول إلى ما سوى ذلك, ولذا فإنا ننصحك – أيتها السائلة - بالاقتصاد في محبة الأشخاص, وعدم الإفراط فيها لأن الإفراط في ذلك قد يفتح أبواب الشيطان ويؤدي إلى مجاوزة الحد المشروع إلى ما لا يشرع وما لا يجوز. فأحيانا يبدأ الأمر بين الأصدقاء ويبدو وكأنه حب عادي ثم لا يلبث أن يدير الشيطان دفته إلى العشق والتعلق, فيقع المحظور ويخرج الأمر من دائرة الإباحة إلى دائرة المنع والتحريم.
وقد روى أبو داود وغيره عن رسول الله قال: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. صححه الألباني.
ثم نؤكد على أن أمر الصديق عظيم, فلا بد من الاهتمام به واختياره بعناية كبيرة لأن الإنسان سرعان ما يتأثر بأخلاق صاحبه شاء أم أبى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.
قال في عون المعبود: على دين خليله: أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.
وروى البخاري ومسلم عن رسول الله أنه قال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة.
ثم إن قولك: إنك تحبين قربها دائما, وتحبين حضنها كثيرا غير لائق ولا مستحسن؛ بل هذا مما يعده أهل التربية والسلوك من علامات التعلق المذموم الذي هو طريق العشق المحرم , فكوني على بصيرة من أمرك واحذري خطوات الشيطان وتزيينه لك, واشتغلي بما يعود عليك بالنفع في أمر دينك ودنياك, فإن من أسباب اشتغال القلب بمثل هذه الأمور ما يعيشه الإنسان من الفراغ والبطالة وترك عمارة الأوقات بما يصلح الدين والدنيا. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 8424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(9/2406)
الحلف كذبا بقصد الإصلاح بين زوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ذهبت أنا وزوجة ابن خالي إلى النادي وعندما تحدثت معها تكلمت بشكل غير لائق عن ابن خالي فهو دائما يشكر فيها وفي أخلاقها فوجدتها هي تقول عكس ذلك وعندما رجعت سألني ابن خالي عن ما حدث قلت لا شيء فسألني هل تحدثتما عنى قلت لا خفت أن تحصل مشكلة بسببى فقال لي احلفي بالله فحلفت ثم طلب منى الحلفان بالمصحف فحلفت فقال لي قولي الحقيقة فهي معي على شعرة ولم أقل فأريد معرفة حكم الحلفان الذي حلفته وهل له فدية أو أي شيء كفارة عنه مع العلم بأني حلفت خوفا عليها ومن خراب بيتها والأغرب عندما حكيت لأخلص ضميري قامت هي بتكذيبي وهو لم يصدقني وأصبحت أنا الخاطئة فهل كوني برأت ذمتي وحكيت هل هذا صحيح أم خطأ؟ وشكرا. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالما أنك قد حلفت هذه اليمين خوفا من أن يقوم هذا الرجل بتطليق زوجته إذا علم بما حدث أو شك في حدوثه فأردت إزالة شكوكه باليمين، فلا حرج عليك إن شاء الله، مع أنه كان الأولى أن لا تحلفي فالحلف على الكذب من شيم المنافقين وصفاتهم، لكن إذا تعين لإصلاح وتفادي فساد محقق بين زوجين أو أي مسلمين فنرجو أن لا يكون فيه بأس.
فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً أو ينمي خيراً، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها.
قال ابن باز رحمه الله في شرح هذا الحديث: وهذا يدل على أنّ المُصلح بين الناس ليس بكذاب، الذي يُصلح بين الناس بين القبيلتين أو بين الأسرتين، أو بين شخصين تنازعا فأصلح بينهما وكَذَب فإنّ هذا لا يضره، لأنه أراد الإصلاح، فإذا أتى إحدى القبيلتين أو إحدى الأسرتين أو أحد الشخصين، فقال له قولاً طيباً عن صاحبه وأنه يرغب في الصلح وأنه يُثني عليك وأنه يحب مصالحت هـ، ثم جاء الآخر وقال له كلاماً طيباً، حتى أصلح بينهما. فهذا طيب لأنه لا يَضر أحداً بذلك، ينفع المُتنازعَيْن ولا يضر أحداً. انتهى كلامه.
وما قمت به من كذب فإنه يدخل في باب الإصلاح بين الناس، ولكن كان الأولى في مثل هذا أن تستعملي التورية والمعاريض في الحلف، وكان تجب أن تثبتي على موقفك هذا، أما ما قمت به من مصارحة لابن خالك بقصد إبراء ذمتك- كما توهمت – فهو غير جائز، وهو من المحرمات لأنه من باب الإفساد بين الناس، بل هذا من باب النميمة، وقد قال رسول الله في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام.
جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة. انتهى.
فعليك أن تستغفري الله من هذا الفعل ولا تعودي له. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 64888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(9/2407)
يمكن تجنب الكذب باستعمال التورية والمعاريض
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يكون سؤالي تافها ولكنه مهم ... كلنا يعلم أن الكذب في عمومه حرام وأنا هنا لا أسأل عن حكمه، ولكن طبائع الناس تختلف, فمثلا أنا عندما أفعل هفوة قد لا تكون حراماً كأن أضيع هاتفي أو يسرق مني، فيسألني أبي عنه فأقول لقد ضاع أو سرق فيغضب وتمر الأيام وقد نختلف في شيء ما فيعيرني بأنه لا خير في, حتى هاتفك لم تستطع المحافظة عليه وتبقى في ذاكرته لسنوات رغم أنه يضيع أشياءه أكثر مني، وأنا عمري 26 سنة وليس جميلا أن يفعل بي هكذا في هذا العمر، مع العلم بأني أنفق على العائلة كلها من مالي الخاص ولا ألتفت إلى نفسي (كالزواج وما إلى ذلك) وذلك واجبي وأنا لا أمنّ ولكن يجب أن يأخذ ذلك في الاعتبار كالوالدين نبرهم لإحسانهم إلينا في الصغر وهو واجب عليهم ويسألون قبل أن نسأل فالمرء يكرم ولو على واجباته والله يجازينا على ما هو فرض علينا أصلاً، ولنبتعد عن أبي قليلا, هناك من الناس أهل لؤم لو صدقتهم في أشياء لجعلوك من نوادر العرب ولقالوا فلان ضائع حبل لا خير فيه مثله مثل أبيه ولو نظرت إليهم لوجدتهم أسوأ حالاً، المهم لو لم أقل الحقيقة كأن أقول مثلا لقد بعته أليس ذلك أفضل، يقولون الصدق ينجي ولكن ليس كل من نصدق معهم يدركون قيمة الصدق، فالسؤال بسيط ولكنه من صلب حياتنا اليومية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما أشرت فإن من المعلوم عند كل مسلم أن الكذب حرام ولا يجوز إلا في حالة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلتها، كما بينا في الفتوى رقم: 39152، والفتوى رقم: 72604.
وما ذكرت مما تقوم به مع والديك هو عمل تشكر عليه وتؤجر إن شاء الله تعالى، وبخصوص سؤالك فإن بإمكانك أن تتجنب الكذب وإعطاء المعلومة الحقيقية لأبيك إذا كانت تغضبه أو تسبب لك حرجاً وذلك باستعمال التورية والمعاريض، فإن فيها مندوحة عن الكذب وهي سوق الألفاظ العامة التي يفهم والدك أن هاتف لم يضع فتقول مثلاً (هاتفي ليس معي الآن أو ما أشبه ذلك) ، وبإمكانك أن تعرف المزيد عن الفرق بين الكذب والتورية في الفتوى رقم: 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(9/2408)
يجب على من وقع في الفاحشة أن يستر نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[زنيت في لحظة طيش بعدها حدث في حياتي ما جعلني أندم والتجئ لفعل كل خير لعل الله يغفر لي بتوبتي هذه، زوجي لا يعلم لكن كانت لديه شكوك فقال لي إذا خنتني يوما فكل ما نعيشه معا حرام، فهل يعد هذا طلاقا، وهل أعترف له وأطلب منه الصفح فالله وحده أعلم بما أعانيه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك بالتوبة ونسأل الله تعالى أن يتقبلها منك وأن يحفظ لك دينك وعرضك في مستقبل الأيام، وننصحك بالإكثار من الطاعات والحذر من كل سبيل قد يدعوك للوقوع في الفاحشة مرة أخرى من خلوة محرمة ونحو ذلك، وانظري لذلك الفتوى رقم: 22206.
ويجب عليك أن تستري على نفسك فلا تخبري بهذا الأمر أحداً من الناس زوجاً أم غيره، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 32540.
وأما قول زوجك لك "إذا خنتني يوماً فكل ما نعيشه حرام" فالظاهر أنه تعليق للتحريم بحصول الخيانة في المستقبل فلا يدخل فيه ما حصل في الماضي، والواجب عليك الحذر من الوقوع في الفاحشة مستقبلاً فإن هذا قد يترتب عليه تحريمك على زوجك إضافة إلى الإثم العظيم، والتعرض لسخط الله وأليم عذابه، وننبه إلى أن الراجح من أقوال العلماء في تحريم الزوجة أنه يرجع فيه إلى نية الزوج، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 23974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(9/2409)
حكم لعن الزوجة زوجها وأباه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اللعن من زوجتي لي ولوالدي لأتفه الأسباب وبدون سبب مع العلم أنها تصلي وتصوم حتى النوافل وكذلك لاتعرف أبي رحمه الله أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- من لعن المسلم وسبه.. ورهب من ذلك أشد ترهيب، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار. رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: لعن المؤمن كقتله. الحديث رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الأناؤوط.
وقال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه
وهذا بالنسبة لعموم الناس، ولكن الإثم يكون أعظم إذا كان ذلك بين الأقارب، وخاصة إذا كان للزوج وأبيه، ولهذا فإن ما تقوم به زوجتك منكر عظيم وحرام كبير يحب عليها الإقلاع عنه والمبادرة إلى التوبة منه، والتحلي بأخلاق المسلم الفاضلة؛ فالمسلم ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وللمزيد انظر الفتويين: 72973، 4373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(9/2410)
المسامحة والعفو.. رؤى أخلاقية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي عدد من الأسئلة يا رب يتسع صدركم لي وجزاكم الله خيرا.
السؤال الأول:- كيف أسامح من يظلم ويحقر ويكذب ويكون السبب في كره الناس بعضهم ببعض عن طريق نقل الكلام الذي يؤلفه بنفسه من واقع حقده أقول لنفسي لو تاب يستحق أن نسامحه ولكن الذي يصمم هل هذه الصفات بالرغم من النصح فكيف لنا نسامحه ولو سامحنا كأننا نقول له زد من هذه الصفات الخبيثة ولا اعتراض لنا على ما تفعل.
السؤال الثاني: أعلق مسامحتي فمثلا أقول لو أن الله سبحانه غفر له لأنه مطلع على قلبه وهو الذي خلقه فسوف أسامحه ولو أراد الله سبحانه عقابه لأنه يستحق فلا أسامحه يعني أعلق مسامحتي بفصل الله بيننا هل هذا يجوز علما يشهد الله أن من داخلي لا أتألم على الأذية التي لحقت بي بقدر ما أتألم أنه في بشر مثل هؤلاء وأخشى عليهم كيف يقابلون الله وهم هكذا يعيشون بدون ضمير الهم الأكبر عندهم كيف أشبع ما بداخلي من أحقاد وغل ولا يهمهم النتيجة من هدم البيوت أو المشاعر أو الظلم المحرم أو قطع الأرحام والذي يفعلونه لا يقبلونه لأنفسهم فكيف يقبلونه على الناس ولو عاتبت بالحسنى كي توقظهم من الغفلة وتبين لهم أنهم على خطأ يتكبرون والنتيجة الشتائم والاستمرار في الظلم وإن تعاملوا يتعاملون بالأسلوب اللئيم الذي لا يتحمله الإنسان الشريف 00000
السؤال الثالث:- أصبحت أحس بالألم واستشرت طبيبا نفسيا وأصبحت عندي مرض نفسي بسبب هذه المشاكل وكتب لي علاج هل أنا مثابة بإذن الله. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسامحة الظالم تعني إسقاط ما للعبد من حقوق عليه، ولا تعني إحلال ما حرم الله ولا إقراره على ظلمه، أو التساهل والتهاون بحدود الله.
جاء في الموسوعة الفقهية: يختلف الحكم التكليفي للعفو باختلاف ما يتعلق به الحق، فإن كان الحق خالصا للعبد فإنه يستحب العفو عنه، وإن كان حقا لله سبحانه وتعالى كالحدود مثلا، فإنه لا يجوز العفو عنه بعد رفع الأمر إلى الحاكم.
ولذلك لم يجز أن تكون المسامحة عن حق مستقبل؛ لأنه إباحة لما حرم الله. كما روي عن أبي حنيفة ومالك. وقد سبق ذكر هذا المعنى في الفتوى رقم: 52437.
والمظلوم له مع ظالمه ثلاثة خيارات:
الأول: أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه.
والثاني: الإمساك عن العفو والصفح ليلقى المذنب ربه بما اقترف من الإثم.
والثالث: المقاصة ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز إن كان الحق مما تصح المقاصة فيه؛ بخلاف ما لا تصح فيه المقاصة كالنميمة والغيبة، وراجعي الفتوى رقم: 46548، والفتوى رقم: 15771.
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب الذي سبق بيانه في الفتوى رقم: 54580.
وبهذا يتبين أن العفو والصفح لا يكون فقط مع من يستحق ذلك ممن أقر بخطئه وتاب إلى الله منه، واعتذر لصاحب الحق واستعفاه، بل حتى الظالم الذي لم يكن منه شيء من ذلك يستحب العفو عنه، لا لكونه أهلا لذلك، وإنما لينال المظلوم ثواب الله ورضاه، فهي في حقيقة الأمر معاملة مع الله تعالى القائل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون: 96} .
وبهذا يتمهد الجواب على السؤالين الأول والثاني، فالمسامحة تكون للظالم حتى ولو لم يكن أهلا لذلك، ولا يحسن تعليقها على مغفرة الله له أيضا، وذلك لأن العفو إنما هو ثواب يسعى لتحصيله المظلوم، ومنزلة عند الله رفيعة يبتغي الوصول إليها، فلا ينبغي أن يعلق ذلك على شرط. ولذلك لما أذن الله في معاقبة الظالم بمثل فعله مقاصَّةً، رغب في العفو والصبر عليه وبيَّن أن ذلك خير للصابر نفسه بغض النظر عن حال الظالم، ثم رغب في تقواه والإحسان إلى خلقه، كما قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ {النحل: 126-128} .
وأما السؤال الثالث المتعلق بحصول الثواب بسبب البلاء، فيكفي السائلة الكريمة مع ما سبق قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة: 155-157} وقوله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة. رواه مسلم.
قال النووي: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث بِشَارَة عَظِيمَة لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْفَكّ الْوَاحِد مِنْهُمْ سَاعَة مِنْ شَيْء مِنْ هَذِهِ الْأُمُور. وَفِيهِ تَكْفِير الْخَطَايَا بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَام وَمَصَائِب الدُّنْيَا وَهُمُومهَا، إِنْ قَلَّتْ مَشَقَّتُهَا. وَفِيهِ رَفْع الدَّرَجَات بِهَذِهِ الْأُمُور، وَزِيَادَة الْحَسَنَات، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء. اهـ.
وقد سبق بيان ماهية الصبر الذي ينال به الشخص أجر الصابرين في الفتوى رقم: 61485، وبيان فضيلة هذا الصبر وأنه من علامات قوة الإيمان، في الفتوى رقم: 36349، وما أحيل عليه فيها.
ثم ننبه السائلة الكريمة إلى ضرورة الجمع بين العلاج النفسي وبين العلاج الإيماني الذي يبنى على حسن الظن بالله وصدق التوكل عليه، والرضا بقضائه، وكثرة الدعاء والإلحاح والتضرع، والبعد عن المعاصي وأسبابها، والاجتهاد في الطاعات وفعل الخيرات، ويمكن أن تراجعي للفائدة في هذا الفتوى رقم: 29853.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1429(9/2411)
علاج الكبر والغرور والسخرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من أمراض القلب من الكبر والغرور والتمسخر فلا يعجبني شيء وأستهزئ بكل شيء في قلبي، يوما بعد يوم أحس أني أبتعد بهذا السبب عن الله، وأيضا أبتعد عن الناس وأخاف من الشرك والكفر
أعطوني حلا على خطوات ومراحل.. الرجاء السرعة في الإجابة، رمضان سينتهي وأنا لا أعرف ماذا أفعل
الله يثيبكم، أعطوني حلا، وادعوا لي بالتوفيق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك من هذا الداء، وأن يشرح صدرك لما يحبه ويرضاه، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا هو، ويصرف عنك سيئها لا يصرف سيئها إلا هو.. آمين.
ثم لا بد أن يعلم العبد أنه إذا عرف قدر ربه وفضله، وأن ما به من نعمة وموهبة فمن الله وحده.
وإذا عرف كذلك حقيقة نفسه وما فيها من عيوب، وما لها من ذنوب، وأن الله إذا وكله إليها وكله إلى ضعف وعورة وخطيئة، فإنه عندئذ ينكسر ويذل لله، ويتواضع للناس.
ثم إذا عرف خطورة الكبر وعاقبة المتكبرين، فإنه يخاف على نفسه ويحذر من الوقوع في هذا الداء الوبيل. وقد سبق تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19854، 58992، 24081.
كما سبق بيان حقيقة العجب وحكمه وعلاجه، في الفتويين: 63817، 32856.
وأما السخرية من الناس فلا تقع من مؤمن عاقل فطن، كيف وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} وقد سبق ذم هذا الخلق الرذيل في الفتوى رقم: 15186.
ثم ينبغي التنبه للفرق بين الكبر الذي يقترن برد الحق واحتقار الناس، وبين عزة النفس والثقة بها التي تخلو من ذلك، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 74593، 61161.
ثم ننصح السائلة بقراءة كتاب (مختصر منهاج القاصدين) الباب المتعلق بذم الكبر والعجب. وقراءة منزلة التواضع من كتاب (مدارج السالكين) ، وقراءة الكبيرة الرابعة: الكبر والعجب والخيلاء، من كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1429(9/2412)
الحب العفيف واستغراق الفكر فيه.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله على نعمة الإسلام وعلى الصحة وعلى كل شيء
الحمد لله فأنا سليم من الناحية الجنسية ويحدث لي انتصاب صباحي ولكن المشكلة التي تعكر حياتي هي
هل الفراغ العاطفي أو الكبت العاطفي له علاج في ديننا الإسلامي وأنا لا أقصد الفراغ الجنسي أو الكبت الجنسي بل كل ما أقصده هو أني نفسي أعيش قصة حب مع فتاة وهو حب طاهر شريف خال من القبلات والأحضان وأبحث عن ذلك في كل أنثى أراها أو حتى أحلم بها مع نفسي بدون أدنى شهوة جنسية ومع زيادة العلم فأنا غير متزوج وفقير ماديا فأرجو حلا لحالتي وهل ما أفعله حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الفراغ العاطفي سببه غفلة القلب عما خلق له من معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه، وإقباله على الشهوات الزائلة والأماني الباطلة والخواطر الفاسدة الرديئة، وتعلقه بالدنيا واطمئنانه بها ورضاه بزينتها الفانية، فالقلب إذا خلا من معرفة الله وعبادته وطاعته بقي فارغا خاويا، فأتاه الشيطان على هذه الحال فبذر في قلبه بذر الباطل والضلال، وأغراه بالدنيا وزينها له وحببها إليه، فصار قلبه مرتعا للأماني الباطلة والخيالات الفاسدة، ومن هنا يحس الإنسان بالفراغ والوحشة ذلك أن في القلب كسرا لا يجبره إلا محبة الله، وفيه شعثا لا يلمه إلا الإقبال على مولاه.
فليبادر العبد إلى تدارك أمره والإقبال على شأنه قبل أن لا يتمكن من ذلك إذا نزل به الموت، وليعلم أن الإنسان في الآخرة إنما يكون على مثل حاله في الدنيا فمن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، وقد حكى الله سبحانه عن قلوب أهل الباطل والضلال في الآخرة أنها هواء فارغة لا شيء فيها فقال سبحانه: لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ {إبراهيم: 43} ، قال الطبري معناه: أنها خالية ليس فيها شيء من الخير، ولا تعقل شيئا، وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء. انتهى.
فبادر أخي السائل إلى إصلاح حالك، واعلم أن الإسلام لا يعترف بشيء من الحب بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه إلا تحت مظلة الزواج الشرعي، وليس هناك ما يسمى بالحب العفيف بين رجل وامرأة أجنبية، وخلو العلاقة من الأحضان والقبلات -كما ذكرت- لا يجعلها مباحة ولا مشروعة إذ مجرد الخلوة بين الرجل والمرأة محرمة، ومجرد العلاقة ممنوعة إلا في ظلال الزواج.
أما حكم هذه الأحاديث النفسية التي تشغل بالك وخاطرك فيختلف حكمها بحسب حالك معها، فإن كان الأمر في حدود حديث النفس فصرفته ولم تسترسل معه فهذا لا حرج فيه بل هو معفو عنه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري وغيره. جاء في فيض القدير: قال النووي رحمه الله عقب إيراده هذا الحديث قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره فمن خطر له الكفر مجرد خطور من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. انتهى.
أما إذا استرسلت مع هذه الخواطر وتلذذت بها وخضت فيها وعزمت على فعلها عندما تسنح الفرصة عند ذلك يدخل الأمر في حيز الحرمة والمنع، جاء في فتح الباري: قال المازري: ذهب ابن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم " ونقل بعد ذلك قول القاضي عياض" أن عا مة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب. انتهى بتصرف.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 9360، 28477، 35373.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1429(9/2413)
حكم تقبيل الرجل لطفل وهو في حضن امرأة أجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل تقبيل طفل وهو بين يدي أمه, مع العلم أن هذا يؤدي إلى الاقتراب من المرأة الأجنبية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقبيل الطفل لا حرج فيه؛ لكن إن كان ذلك يؤدي إلى الوقوع في محذور شرعي كلمس أمه أو الاقتراب منها قربا يثير الشهوة فلا يجوز، وللفائدة انظر الفتويين: 28750، 35134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1429(9/2414)
لعن المؤمن كقتله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعن الزوجة حماتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمنع أن تلعن الزوجة حماتها لأن لعن المسلم المعين حرام. قال العلامة البجيرمي الشافعي: اعلم أن لعن المسلم المعين حرام بإجماع المسلمين. انتهى.
واللعن ليس من شيم المؤمن، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن باللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. رواه الترمذي وصححه الألباني.
كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله.
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها.
وروى الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1429(9/2415)
كشف العورة والتجرد من غير داع ينافي الحياء والمروءة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم والحمد لله أحفظ كتاب الله وأغض بصري إلا أن لدي عادة سيئة وهي أني إذا خلوت بنفسي أحب أن أخلع ملابسي، فهل هذا انتهاك لحرمات الله أو فيه شيء من الحرام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك الثبات والتوفيق، ولتعلم أن كشف العورة والتجرد من الثياب في الخلوة من غير داع ... أو حاجة مكروه لمنافاته مع الحياء والمروءة، وقد ورد النهي عنه في الحديث الصحيح، روى الترمذي وغيره من حديث معاوية بن حيدة القشيري، قالت: قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر.... قلت: والرجل يكون خالياً؟ قال: فالله أحق أن يستحيى منه.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 101615، والفتوى رقم: 36137.
وعليه؛ فينبغي أن تبتعد عن هذه العادة فإن حامل كتاب الله هو الأولى بحفظ حدود الله، والالتزام بأوامر الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(9/2416)
وصى خالها أساتذتها بأن يزيدوها في الدرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بالجامعة وخالي دكتور بهذه الجامعة، وقد أوصى علي الدكاترة لكي يعطوني درجات زيادة. وذلك لأن هناك ظلما في تقييم الدكاترة الجامعيين لدرجات الطلاب حيث إنهم لا يقرؤون إجابة الطلاب في الامتحان بل يقيمون ورقة امتحان الطالب بالحظ كل طالب وحظه. حيث يظلمون الطلبة. فمن هنا ما حكم أن يوصي علي خالي هؤلاء الدكاترة لكي يراعوني في الدرجات يعطوني درجات أكثر، فهل هذا حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن درجات الطلاب هي التي يعول عليها في التمييز بينهم وتقدير مستوياتهم، وبالتالي هي التي يترتب عليها ما يتبوؤونه بعد ذلك من وظائف. وهذا إذا حصل فيه الغش تعدى ضرره إلى المجتمع كله بلا شك، لأن الأمر سيسند إلى غير أهله، وهذا من تضييع الأمانة.
ولا يخفى حجم الظلم الذي يقع على الطالب المجتهد إذا تفوق عليه من زملائه من يعرف عنهم الكسل وتدني المستوى الدراسي، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا. رواه مسلم.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة على أية حال، فقال صلى الله عليه وسلم: أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ. رواه الترمذي وحسنه وأبو داود، وصححه الألباني.
وعدَّ صلى الله عليه وسلم خيانة الأمانة من خصال المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ. رواه البخاري ومسلم.
وجعل عليه الصلاة والسلام إضاعة الأمانة علامة على قرب خراب العالم، فقال صلى الله عليه وسلم: إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. رواه البخاري.
وعليه فما ذكرته السائلة من الوضع المزري في هذه الجامعات من المحرمات التي ينبغي إنكارها والنهي عنها بقدر المستطاع، ولا ينبغي الاستفادة من هذه الأوضاع الخاطئة بشفاعة ولا غيرها، اللهم إلا أن تكون توصية خالك برفع الظلم عنك، بأن تقرأ إجابتك وتعطي ما تستحقينه عليها من الدرجات، أما أن تعطَي فوق ما تستحقين فهذا من الغش والظلم الظاهر، وأنت بذلك تكونين قد شاركت في هذا الوضع المشين. ولا نظن إلا أنك تعين أن خسارة الدين أعظم من خسارة الدنيا وأن من اتقى الله تعالى فلن يندم أبدا، وأن الصدق عاقبته محمودة على كل حال، وأن الظلم والغش والكذب عاقبتها وخيمة قطعا وجزما.
ويمكن للفائدة مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56651، 79941، 7712.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(9/2417)
محل إباحة كذب الزوجة على زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة وزوجي مسافر ومقيمة في بيت أبي، وفي بعض الأحيان أخرج بعلم زوجي أزور أقاربي في بعض الأحيان أكذب عليه عندما يسألني عدت إلى المنزل متى وأنا أكذب عندما يكون مغضبا خوفا من المشاكل وحفاظا على استمرار الحياة بيننا، ما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو ألا يكون عليك بأس في ذلك لما ذكرت من حال الزوج ولأنه لا يترتب عليه تضييع حق من حقوقه، وفي الأثر عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها لم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم رخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. رواه مسلم.
قال ابن حجر: اتفق العلماء على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو في ما لا يسقط حقا عليه أو عليها، أو أخذ حق ما ليس له أو لها.
وقال النووي: المراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك.
ولعل كذبك عليه في مثل الحالة المذكورة مما يدخل في جملة المرخص فيه، وإن كان الأولى لك هو التعريض له أو التورية والكناية ففي ذلك مندوحة عن الكذب وبه يتحقق المقصود، والمعاريض سوق لفظ عام يفهم منه شيء ويقصد به شيء آخر غير المتبادر للسامع.
علما أنه يجب عليك أن تتقيدي بالوقت الذي يحدده زوجك لرجوعك ولا تتأخري عنه لغير عذر لأن ذلك داخل في طاعته الواجبة.
وللمزيد انظري الفتاوى التالية أرقامها: 37533، 39551، 95281.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(9/2418)
التمسك بالظاهر وعدم رمي الغير بغير بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم وفي أمثالكم.. وجزاكم الله خيراً على ما تقومون به جعل الله ذلك في موازين أعمالكم ... سؤالي: احترت ولا أدري ماذا أفعل ولزمت الصمت وذلك بسبب إمام مسجد وفي نفس الوقت هو مدرّس في مدرسة حكومية تخصص قرآن كريم وتربية إسلامية، القصة: نحن لا نعلم إلا الظاهر ولا نحكم إلا عليه, لكن.. أنا مهندس كمبيوتر وحصل أن أعطاني جهازه لأصلحه وأصلحته لكن عثرت في قسم وملف مقاطع والعياذ بالله -مقاطع خليعة جنسية- ولم أستطع مواجهته بالأمر بل أعطيته تلميحات وإيحاءات على أن مثل تلك الأعمال مشينة والتي قد تحصل من بعض الأولاد -كتورية- فعليكم أئمة المساجد التنبيه وزرع مراقبة الله في نفوس الأطفال والشباب, وكأنه علم أنه هو المقصود بالتلميح, ففوجئت بالمقاطعة من قبله وعدم السلام علي إذا صادف وإن تقابلنا والسعي لتشويه صورتي أمام البعض خاصة من يأتون بأجهزة عندي لإصلاحها -وحسبي الله عليه- حتى أنه يمنع البعض من المجيء بأجهزتهم نحوي ولا أدري ماذا يقول لهم أحببت أن آتي له بالنصيحة عن طريق شخص آخر بأن يتحرى عدم وجود مثل تلك الأشياء على جهازه وأن الإمام كل فعل خطأ محسوب عليه بل ويشمل الأئمة والدعاة وهذا الشخص -يعمل عامل خدمات في ثانوية- صديق له, فقال لي هذا الشخص أي عامل الخدمات: إني قد أصدم إذا عرفت أشياء أخرى عنه فقلت ما هي قال (إنه يحاولني على أن اطّلع على أشياء والعياذ بالله مثل ما ذكر من مقاطع بل ليس هكذا فحسب بل قد تركت مجالسته مع الستر عليه لأنه قد أتاني هو ومدرس آخر معه -ذكر لي اسمه وعرفت عنه أنه ليس من أهل الاستقامة- وأغراني بأنه سيوفر لي كافة ما أحتاجه وأنه سيعطيني جوالا معيّنا هديّة مقابل أن أمهد له الطريق وأحاول بطريقتي جذب شاب في الثانوية– لأن الطالب كان وسيما جداً وهو جار لي كذلك- وإيقاعه في اللواط والعياذ بالله بحيث إذا أوقعته يصبح صيداً سهلا له وللمدرّس صاحبه) ، فعن نفسي لم أصدّق كلامه لأن ذلك الشخص إمام مسجد رغم عدم ارتياحي له غير أنني لم أصدق ما قال والآخر مدرس لكن معروف بعدم استقامته وميوله إلى تلك الأشياء والمخالفات، فأقسم لي عامل الخدمات بالأيمان المغلظة أن هذا الشخص -إمام المسجد- حصل منه ما حصل وحاول الضغط بأساليب شتى للإيقاع بالطالب ويحاول الآن بطرق أخرى الله أعلم بها, وحلف عامل الخدمات لي بأن ما حكى صحيح ومستعد، في أي وقت ولو أمام محكمة أو نيابة للإدلاء بما عنده والقسم ولو على كتاب الله بأن ما قاله صحيح, لكن اعتزمت الصبر والصمت أنا وإياه لعدم وجود الشهداء, ولعدم معرفتنا كيف نتصرف, وحكى لي أن بعض الطلبة في المسجد يلاحظون بعض التصرفات الغريبة من إمام المسجد كتدقيق النظر في الأولاد المردان وتقديمهم وإيثارهم في المسجد والحلقة بل واللين مع البعض والشدة مع البعض الآخر، مع العلم بأن هذا الإمام يهون للناس خطر الأجهزة الدشوش ويأتي بكل ما ينافي تحريمها ولديه دش في البيت
والله الذي لا إله إلا هو أني لم أدعو له إلا بطلب الهداية من الله له ولمن هو على شاكلته, مع تحفظي على عدم الصلاة، خلفه وفعلا لم أصل خلفه منذ أن علمت بما ذكر -وللمعلومية هو متزوج ولديه أولاد- فماذا أفعل وهل أبين لصاحب المسجد والقائم عليه حال الإمام أم أنبه الطالب وإذا نبهت ولي الطالب فقد يطالبني بالدليل, أم كيف أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن القواعد المقررة والمعلومة في ديننا وهي معلومة للسائل ما عبر عنه بقوله نحن لا نعلم إلا الظاهر ولا نحكم إلا عليه، ويعبر عنها العلماء بقولهم: لنا الظاهر وعلى الله السرائر ... فبظاهر الرجل نتمسك ولا نتجاوز ذلك إلا ما خفي عنا علمه، وينبني على ذلك حمله على السلامة وعدم إساءة الظن به، وعدم رميه بغير بينة وما يجب عليك فعله حيال ما ظهر لك وما سمعته عن هذا الرجل هو الستر عليه، ومناصحته بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، وأما السعي في التوصل إلى حقيقة حاله فلست مأموراً بذلك، بل ربما وقعت في الإثم بالوقوع في غيبته وسوء الظن به وربما التجسس عليه وغير ذلك من الأمور المنهي عنها، ولا بأس بأن تنصح ابن جارك المذكور وتحذره من أصدقاء السوء وكل من يحاول جره إلى أمر محرم بدون ذكر أسماء، فإن ظهر لك بالبينة فساد هذا الرجل وصحة ما ذكر عنه وعدم توبته منه فمن الواجب عليك حينئذ أن تبلغ عنه القائم على المسجد وجهات الاختصاص حتى يكفوا شره عن المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(9/2419)
لا يجوز أن تخبري زوجك بما حصل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه متزوجة وأحب زوجي جدا والحمد لله كنت متعلقة بمدرسي ولكن في حدود الأدب والأخلاق وانقطعت علاقتي به لمده سنتين ومنذ فتره كلمته عبر الهاتف وأخبرني بأنه مسافر إعارة ويريد أن يراني قبل ما يسافر لآخر مرة، وقد ألح علي وأديته عنوان منزلي وفجأة لقيته يخبط الباب ولا أعرف كيف فتحت له، المهم قال لي (أني كنت وحشاه أوى ومصدقش أني كلمتوا تاني) واعترف لي أنه يحبني وكان يخفي علي لأنه هو أستاذ وأنا تلميذته وهذه كانت أول مرة يقول لي هذا الكلام، المهم أنه حاول أن يمسك أيدي لكن أنا منعته وقلت له أنا لا أعرف كيف أنا أدخلتك بيتى، ومشى وفعلا سافر، المشكلة أني من ساعتها وأنا نادمة جدا وأحس أني خنت زوجي، ويعلم الله أنها كانت أول وآخر مرة يدخل بيتي أحدا ولا أعرف أنام ونفسيتى تعبانه جدا وخايفة أن ربنا لن يسامحني، وهل أقول لزوجي أم لا، وأنا آسفة على الإطالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقعت في خطأ عظيم وارتكبت معصية تستوجب الندم والاستغفار، لكن لا ينبغي أن تخبري زوجك بها، بل استري نفسك واستتري بستر الله عليك، فإخبارك لزوجك بذلك قد يؤدي إلى الفرقة بينكما أو انعدام الثقة والشقاق والخلاف وحسبك أن تستغفري الله تعالى وتندمي على تلك الخطيئة ولا تقنطي من رحمة الله ولا تيأسي من روحه، فمن تاب تاب الله عليه، ومن استغفر غفر الله له، ويمكنك أن تطلبي من زوجك أن يسامحك دون ذكر ما حدث له، وإنما تطلبي منه المسامحة فيما كان منك من أخطاء ونحو ذلك مما لا يشعره بما حدث.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 56307، 28080، 39257، 32540.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(9/2420)
ذكر المرأة لبعض المواقف مع قريبها هل يعد من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة والحمد الله عمري 15عاما أحب ابن خالي بسبب احترامه لي قبل أن ألبس الحجاب لكن بعد أن تحجبت منه (العباءة) انقطعت عنه وكان هذا أفضل شيء لأني أشعر بأن حبي له يكون عصيانا لله تعالى وأني في بعض الأحيان يكون بيننا بعض المواقف فأذهب وأقولها لصديقاتي الموثوق فيهن ...
السؤال هو:
هل ذكري لهذه المواقف يعتبر غيبة له؟ وللعلم أنا عندما أتحدث عن هذه المواقف لصديقاتي فقط لأريح نفسي ولا أريد أن أذم فيه لأني إذا لم أعبر عما في خاطري لأي أحد أشعر بالضيق وأشعر بأني أريد أحدا
يفهمني ويعرف مشكلتي، أتمنى منكم الإجابة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت لم تذكري ما هي هذه المواقف وما طبيعتها وهل هي داخلة في نطاق العلاقة المباحة أم الممنوعة المحرمة، ولكن على كل حال فإنا نقول: الغيبة هي ذكر الإنسان أخاه في غيبته بما يكره لو كان حاضراً، مثل الأمور التي فيها تنقيص له أو غض من كرامته أو استهزاء به أو ذكر عيوبه ومساوئه ونحو ذلك.
ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته.
قال النووي رحمه الله: والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره. انتهى.
وعليه فإذا كانت هذه الأمور التي تذكرينها مما تسوؤه لو علمها فإنها من الغيبة المحرمة، أما إذا كانت لا تسوؤه ولا تتضمن انتقاصه وتجريحه فإنها لا تكون من الغيبة، ولكن ينبغي عليك أن تتركي التحدث بها أيضا لأن اشتغال الإنسان بما لا يعنيه مذموم شرعاً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
قال الخطابي رحمه الله: قال بعض الحكماء: من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، ومن لم يستغن بما يكفيه فليس في الدنيا شيء يغنيه.
وذكر أيضا رحمه الله: أن ابن عباس أوصى رجلا فقال: لا تتكلم بما لا يعنيك فإن ذلك فضل فلست آمن عليك الوزر، ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في غير موضعه قد عنت.
فاشتغلي - رحمك الله- بما يعود عليك بالنفع في أمر دينك ودنياك، ودعي عنك ما سوى ذلك.
وأما ما ذكرتيه من حب لهذا الشاب فإن الحل الأمثل لهذا الأمر هو الزواج، ولا مانع شرعا من أن تعرضي عليه أن يتزوجك بشرط أمن الفتنة وعدم الخلوة أثناء الحديث، والأولى أن يعرض وليك عليه هذا الأمر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71969، 6082، 9570.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(9/2421)
ثمار الحب الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أحببت فتاة لمدة خمس سنوات واكتشفت إنها ليست بكراً بعد مرور عامين من الارتباط بها ولكني كنت أحبها غفرت لها وسامحتها وسترت عليها، ولكني وقعت فى الزنا معها وبعد مرور خمس سنوات من الارتباط بها تركتني وقالت أنا لا أحبك أنا لا أريدك أنت لا منفعة منك أنا أحب شخصا آخر أنا أريد فيلا وسيارة وأنت لن تحقق لي هذه الأشياء مع أني أحبها جداً باعتني مع أني كنت واقفا ضد أهلي فى الموضوع ووقفت أمام الدنيا كلها والآخر باعتني، فهل لها جزاء عند الله، أنا أدعو عليها فى كل صلاة على الذي فعلته بي وصرفت عليها أكثر من 40 ألف جنيه والآخر قالت لي أنت لا منفعة منك، وهذه التي كنت أحبها انخدعت فيها فماذا أفعل دلوني مع أعترافي أنى أخطأت فى ذنب الزنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يعرف بعلاقة الحب بين الشباب والفتيات هو أمر لا يقره الشرع، ولا ترضاه أخلاق الإسلام وإنما هو دخيل على المسلمين من عادات الكفار وثقافات الانحلال، وإنما المشروع في الإسلام أن الرجل إذا تعلق قلبه بامرأة يخطبها من وليها الشرعي ثم تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها، فلا يحل له الخلوة بها ولا لمس بدنها، بل ولا الحديث معها لمجرد الاستمتاع والتشهي، وفي ذلك ضمان لعفة المجتمع وطهارته، وصيانة الأعراض وحفظ الكرامة.
أما عن سؤالك.. فإنك قد أخطأت خطأً عظيماً وتعديت حدود الله واجترأت على حرمات الله، بتماديك في تلك العلاقة المحرمة، حتى وقعت في الزنا وهو جريمة خطيرة لها آثارها السيئة على الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32} ، وأضعت سنوات من عمرك وكثيراً من مالك في تلك العلاقة المحرمة، وسوف تسأل عن كل ذلك يوم القيامة، إن لم تتب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، فعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وحسنه الألباني في الصحيح.
ثم تتعجب من صنيع تلك الفتاة معك وتنكرها لك، طلباً لمن هو أكثر منك مالاً وتسأل عن جزائها!! وأي عجب في ذلك وقد تنكرت لخالقها ولم تحفظ فرجها وتصن عفتها؟ إن الذي ننصحك به أن تفيق من غفلتك وتعود إلى ربك قبل فوات الأوان، فعليك بالمبادرة بالتوبة النصوح وذلك بالإقلاع عن الذنب وقطع كل علاقة بهذه الفتاة، والندم على ما وقعت فيه والعزم الصادق على عدم العودة لهذا الذنب، وذلك بالبعد التام عن مقدماته ودواعيه وعدم مجاراة الشيطان في خطواته، وعليك بالتعجيل بالزواج من مسلمة عفيفة ذات دين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1429(9/2422)
حكم فضح المسلم والتشهير به على الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في نشر بيانات شخص عبر الانترنت حتى يحذر التعامل معه لأنه مثلا أخذ مبلغا دون أن يقوم بالعمل المتفق عليه؟ وما التصرف الديني الصحيح فى مثل هذا الموقف، هل التستر عليه أم فضح الأمر وتنبيه الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو تحريم أعراض المسلمين وأنه يجب الستر عليهم وعدم التشهير بهم إلا لغرض صحيح بأن يكون هنالك مصلحة راجحة للتشهير به كأن يتعدى ضرره إلى الآخرين مثلا، وراجع الفتويين: 21816، 30232.
وأما بالنسبة للمثال المذكور بالسؤال وهو من أخذ مبلغا من المال دون أن يقوم بالعمل المتفق عليه فينبغي أن يلتنمس العذر أولا لمثله، فقد يكون له عذر في عدم إنجازه أولا تكون له سوء نية في ذلك أو لا يكون مثل هذا التصرف عادة له، وإن فرض أنه عادة له فلربما لو ذكر ذكر، ولو فرضنا أنه قد يتمادى في ذلك ويتضرر منه آخرون فينبغي أن يكون التنبيه على أمره في حدود المنطقة التي يتعامل فيها أهلها معه، وأما نشر ذلك على الإنترنت مع عدم الحاجة إلى ذلك ففيه تعد ومجاوزة للحد، والأصل حرمة عرضه كما ذكرنا، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا لحاجة، والحاجة تقدر بقدرها. قال العز ابن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام: ما أحل إلا لضرورة أو حاجة يقدر بقدرها ويزال بزوالها. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1429(9/2423)
يكثر من اللعن عند الغضب وينطق بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في رجل متزوج وله أطفال ويكثر من قول: العن دينك وقول: لو نزل الله من السماء لن أفعل هذا.
مع العلم أن هذا الرجل يندم أشد الندم ويحلف أن لا يعود إلى هذا القول مرة أخرى لكنه لا يتمالك نفسه ساعة الغضب. ما هي كفارة هذا الذنب وكيف يقلع عن هذه العادة السيئة؟ هذا الرجل ملتزم في إسلامه يصلي ويصوم ويكثر من قراءة القرآن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الأقوال المذكورة في السؤال مما يقف الشعر ويقشعر الجلد من شناعتها وفظاعتها، وهي أقوال كفرية تخرج صاحبها من الملة والعياذ بالله لما تشتمل عليه من الاستهزاء بالدين ومقدساته؛ قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ {التوبة: 65-66} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ. رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجه. وصححه الألباني.
وقد سبق بيان ذلك مع ما يترتب عليه من آثار على عقد زواجه وغير ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35322، 69093، 133، 11652، 23340.
وعلى هذا الرجل أن يتقي الله تعالى ويخاف عقابه وعذابه، ولا يتهاون في شيء يخرجه من ملة الإسلام، وأن يبادر إلى توبة نصوح، ويكثر من الاستغفار وفعل الطاعات التي يمحو الله بها الخطايا.
ثم ليعلم أن مخافة الله ومراقبته والاستحياء منه هي التي تعصم العبد من هذا الزلل، كما أنها هي التي يفوز بها العبد برضوان الله وجنته، كما قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ {الرحمن: 46} وقال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 40-41] وهذا هو مقام الإحسان الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. متفق عليه.
ومن الدعوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ. رواه الترمذي وحسنه. وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1429(9/2424)
تحريم الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أكون في البيت ويأتي من يبحث عني من العملاء فأقول لأحد أولادي أن يقول له إني لست موجودا في البيت علما أني لا أحبهم أن يأتوني إلى البيت وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام لا يجوز فعله، وأنت آثم من جهتين: من جهة الكذب، ومن جهة تعليم الولد ذلك، فعليك بالصدق والصراحة، والاعتذار عمن لا تريد مقابلته أو الاعتذار عن أي مقابلة في البيت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1429(9/2425)
إحسان الظن بالمسلم وعدم التشهير به
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه قصة سئلت عنها فتوقفت عن الإجابة فهل من الممكن أن تفتوني؟
فتاة دخلت عليها أم زوجها فوجدت في بيتها رجل وزوجها مسافر فضربته وهرب وادعت الزوجة أن هذا الرجل جاء يسأل عن صديقة زوجته وعندما سمعت الزوجة صوت حماتها قادمة خافت فدخل هو على أساس أن تدخل الحماية إلى غرفة ثم يخرج كي لا يسبب أذى لأحد لكن الحماية رأته واُتهمت الزوجة....
فهل يحق للزوج أن يرغم الزوجة على التنازل عن جميع حقوقها بما فيها الحضانة لثلاثة أطفال والمهر كاملاً كي لا يشهر بها.
أفتوني في أمري وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المسلم السلامة من الزنا وغيره من الآثام، ولا يجوز الحكم على المسلم بخلاف ذلك بمجرد الظن والشك، كما أن المطلوب من المسلم إذا رأى مسلما في موضع ريبة أو تهمة، أولا أن يحسن به الظن ويلتمس له العذر، ثانيا أن يستر عليه ويكتم سره، ولا يجوز التشهير بالمسلم مطلقا، إلا من اشتهر بالفسق وكان مجاهرا به، فلا بأس بذلك لغرض التحذير.
وعليه فلا يجوز للرجل المذكور أن يشهر بزوجته مطلقا، كما لا يجوز له أن يجبرها على التنازل عن حقوقها مقابل عدم التشهير بها، فحقوقها لا تسقط إلا بتنازلها عنها عن طيب نفس، أما بغير ذلك، فيكون قد أكل مالها بغير حق، والله عز وجل يقول وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ {البقرة:188} ويقول: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {النساء:20} .
هذا هو الأصل، ولكن إذا ثبت أن هذه الزوجة على علاقة محرمة مع الرجل الذي رأته حماتها في بيتها جاز له أن يضيق عليها حتى تفتدي منه بخلع كما دل عليه قوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {النساء: 19} وإلى هذا ذهب ابن جرير الطبري وابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قدامة وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1429(9/2426)
العفو عن المسيء لا يزيد المسلم إلا عزا
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ لدى سؤال أريد منكم الإجابة السريعة من فضلكم كنت أنا وأختي في منزل أولاد عمي وصارت مشكلة بين أختي وزوجتي مع أولاد ابن عمي فطردوني من المنزل وأمي غضبت من الذي حصل ومن هذ اليوم ما دخلنا منزلهم بل لن ندخله أبدا هل في هذا حرام أم هو حلال؟ الرجاء الرد السريع من فضلكم ولكم منى كثير الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أمر الله بصلة الرحم ونهى عن قطعها، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. صحيح البخاري وصحيح مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ. صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
وقد أمرنا الله بصلة الرحم حتى لمن يقطعنا فعن عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري.
فما حدث بينكم وبين أولاد عمكم لم يكن مبرراً للقطيعة، فعليكم أن تجتهدوا في الإصلاح، وإزالة الشحناء، والمداومة على صلتهم بأنواع الصلة المناسبة، مع العلم بأن صلتهم ليست مقصورة على دخول بيتهم، لكن إن كان ترك دخول بيتهم يؤدي إلى القطيعة، فإنه لا يجوز حينئذ، إلا أن تذهبوا لزيارتهم فيمنعوكم دخول بيتهم.
وننبه السائلة إلى أن العفو عن المسيء لا يزيد المسلم إلا عزاً وكرامة، كما أنه سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النور:22} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(9/2427)
ترك العفو يكون -أحيانا- أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً.. أنا صاحبة فتوى رقم 111588، الشخص الذي أخبرتك عنه لقد تمادى في جبروته إلى حد أنه يقوم بتكسير أثاث البيت ولا أحد قادر على ردعه، طبعا هناك الله سبحانه ودائما أدعو الله إما أن يهديه أو يلحق به عقابه، وأظن أن ما فيه الآن ليس خيراً، ونحن صابرون عليه، ولكنه يؤذينا كثيراً بتصرفاته ودائماً الصراخ على أمه فماذا نفعل هل نترك أمره لله أم نبلغ عليه السلطات لأني لا أريد أن أكون ظالمة وهذا يدخل في قرابة الإخوة، فأفتوني جزاكم الله خيراً لأن الأذى بلغ ذروته وحسبنا الله ونعم الوكيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالما وصل الحال من هذا الشخص إلى ما ذكرت من البغي والاستطالة والعدوان, فإنا ننصحكم أولا بأن تقصدوا أولي النهى وأصحاب الرأي والدين في عائلتكم ومن لهم كلمة ووجاهة فتعرضوا عليهم أمر هذا الشخص، فإن منعوه عن بغيه وكفوه عن ظلمه وإلا فعليكم برفع الأمر للسلطات والجهات المسؤولة حتى يكفوه عن بغيه, وليس في هذا قطع للرحم بل قطع الأرحام هو ما يفعله هو ويقوم به من تعد على البرآء الآمنين, وقد قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148} ، قال مجاهد: أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحداً أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه. انتهى.
وغير خاف على أحد أن الله جل جلاله قد ندب إلى العفو وحث عباده عليه وأمرهم به في غير ما موضع من كتابه, ولكن هناك أحوال يكون الأفضل فيها ترك العفو ورد العدوان على صاحبه, وفي مثل هذه يقول تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194} , وقال سبحانه في معرض مدح المؤمنين: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُون َ {الشورى:39} .
قال القرطبي رحمه الله: وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما تقدم، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: دونك فانتصري. أخرجه مسلم في صحيحه بمعناه. انتهى.
وجاء في تفسير القرطبي أيضا: قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين، إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور، وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل.
وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. انتهى ... وراجع في ذلك الفتوى رقم: 106226، والفتوى رقم: 74110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1429(9/2428)
موقف المسلم من الشخص النمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في دولة عربية ويقيم معي في السكن زميل لي يسيء لي دائما ويتحدث عني في غيابي بما لا يرضيني ويصلني ذلك وسؤالي: هو هل إذا عاملته بالحسنى وتبسمت في وجهه مع العلم أني لا أحبه هل يعد ذلك نفاقا مني وهل أواجهه بما يقوله عني أم احتسب ذلك عند الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أوصانا الله بالإحسان إلى الجيران والزملاء، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا {النساء: 36} ...
وقد حرم الله الغيبة، وصور فاعلها في صورة بشعة، قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. {الحجرات: 12}
وحرم النميمة، وهي نقل كلام الغير على وجه الإفساد، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام. رواه البخاري ومسلم.
ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول. متفق عليه
فما فعله الذي نقل إليك كلام صاحبك، هو من النميمة المحرمة، وقد ذكر العلماء فيمن نقلت إليه النميمة أن عليه عدة أشياء:
الأول: أن لا يصدق الناقل لأن النمام فاسق مردود الشهادة.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه.
الثالث: أن يبغضه في الله فإنه بغيض عند الله.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكى له على التجسس والبحث، لقوله تعالى: ولا تجسسوا {الحجرات: 12} الكلام من كتاب مختصر منهاج القاصدين.
أما عن سؤالك عن معاملتك له بالحسنى، على فرض أنه يسيء إليك فعلاً، فليس ذلك من النفاق، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة فلما دخل، ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله! قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام! قال: «أي عائشة! إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه. متفق عليه.
ولكن عليك نصحه بالمعروف، إلا أن يترتب على النصح مفسدة، أو يقع عليك ضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(9/2429)
صفات أصحاب السوء، وحكم مصاحبتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفات أصحاب السوء، وما حكم مصاحبتهم، وهل هناك ذنب عند ترك من نعتقد أنهم أصحاب سوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرفقاء السوء درجات بعضهم أسوأ من بعض، وصفات رفقاء السوء كثيرة يجمعها كلها البعد عن الله تعالى واتباع سبيل الشيطان، فمن صفاتهم التفريط في الواجبات كالصلوات، وتضييع الأوقات في المحرمات من الغيبة والنميمة وتتبع العورات، ومن صفاتهم أيضاً الوقيعة في أهل العلم والفضل وعباد الله الصالحين وتنقصهم والسخرية منهم وغير ذلك من الصفات التي لا تخفى على من نور الله بصيرته وسلمت فطرته، وقد دلت الأدلة الشرعية على مجانبة رفقاء السوء وخطورة صحبتهم، كقوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا {الفرقان:29} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. فصحبة رفقاء السوء سم زعاف قاتل، وليس على الإنسان ذنب في ترك رفقة السوء بل يؤجر على ذلك إن شاء الله تعالى، وصدق من قال:
تجنب قرين السوء واصرم حباله * فإن لم تجد منه محيصاً فداره.
ولازم حبيب الصدق واترك مراءه * تنل منه صفو الود ما لم تماره.
وقال الآخر:
وصاحب أولي التقوى تنل من تقاهم * ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1429(9/2430)
كل متنطع في الدين ينقطع
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أنه يجب على المسلم إذا وجد ورقه بها اسم الله فيجب عليه حفظها وأنا والحمد لله أقوم بذلك قدر المستطاع فقد أجد ورقة بها اسم الله فأقوم بقطع الجزء الذي فيه لفظ الجلالة ثم أطبقه وأضعه فى كيس أو فى أي مكان لحين حرق الورقة لحفظها، والسؤال هو أني مرة قمت بتنظيف غرفتي فقمت بتنفيض ملاءة الكنبة فى غرفتي من بعض الشوائب عليها وإلى هنا سار الموضوع طبيعيا ولكن بعد ذلك بيومين أو أكثر أو أقل قمت من النوم فوجدت نفسي تحدثني ما أدراك وأنت تنفض تلك الملاءة أنه كان عليها ورقه صغيرة من التي تقطعها من بعض الورق وفيها لفظ الجلالة فشككت فى الأمر وأنه قد تكون هناك ورقه تم تنفيضها وأكيد وقعت على الأرض وتمادى الفكر معي أن هذه الورقة قد تكون صغيرة جداً تحتاج لفحص دقيق ويجب علي ألا أسير على أرضية الغرفة لأنه قد تكون الورقة على الأرض فأسير عليها ثم تمادى الفكر معي أكثر وقلت لا يصح أن أسير فى الشقة لأنه قد يكون انتقلت إلى أي مكان فى الشقة بأي طريقة وهناك احتمال أن أطأها بقدمي وهذا لا يجوز
ووقعت بسبب ذلك فى حرج شديد، فأولا لم أتيقن أنه كانت هناك ورقة فعلاً، فصرت أبحث فى الأرضية بلاطة بلاطة وأحضرت كشافا كهربيا للبحث الدقيق لأن هذا اسم الله ويجب العناية جيداً فى البحث وصرت أبحث بدقة لدرجة مرهقة حتى وصل الأمر بي أن يوسوس إلى أنه قد تكون الورقة قد لصقت فى حذائي وانتقلت إلى شقة أبي أو أي مكان من العمارة، وهنا يكون هناك احتمال أن أسير عليها وهذا إهانه لها فيجب البحث فى كل مكان سرت فيه وأصابني من ذلك هم شديد ولا أعرف ما الصواب والخطأ، ما الحق الذي يجب أن أتبعه.. وهل يجب علي فعلاً البحث عنها بهذه الطريقة أم يكفي كنس المكان كله بالمكنسة مرة واحدة رغم أني لا أستطيع القيام بذلك لأن نفسي تحدثني أن هذا لا يليق أن يتم كنسها بمكنسه فقد تجمع مع أشياء غير طاهرة ووساوس كثيرة من هذا النوع لا أريد أن أطيل عليكم بها ولكن أردت أن أضعكم فى الصورة لكي تفهموا حالتي، أعذروني لركاكة السؤال وسذاجته، وأتمنى أن تجيبوني ماذا يجب علي فعله لكي أرضي ربي ولا أقصر فى حقه سبحانه،
مع العلم بأني غير متيقن من وجود ورقه كهذه ولكن شك أتذبذب فيه بين وجودها أو عدم وجودها؟ وشكراً لكم وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزى الله السائل الكريم خيراً على حرصه على تعظيم اسم الله وصيانته عن الابتذال، فإن هذا من تعظيم شعائر الله الدال على تقوى القلوب، قال سبحانه: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32} ، فلا شك ولا خلاف في لزوم تعظيم اسم الله تعالى، ولكن ينبغي أن يتم ذلك في حدود المقاصد الشرعية، والتي منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، كما قال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:6} ، وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا. رواه البخاري. قال ابن حجر: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.. وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة. وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع. انتهى.
والمقصود أن ننبه السائل الكريم على أن تشديده على نفسه في هذا الباب من الوسوسة المذمومة، وهي باب مشهور للوقوع في العنت والمشقة، فلا تفتح على نفسك هذا الباب، واكتف بحفظ أو إحراق أو دفن ما وجدته ورأيته بالفعل مما فيه اسم الله تعالى دون تعمق وتفتيش، فإن العبد إذا فتح على نفسه باب الوسوسة وقع فريسة للشيطان، يلبس عليه ويصرفه عن أعماله، كما وقع للسائل نفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. قالها ثلاثاً. رواه مسلم. قال النووي: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. انتهى.
وللفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3086، 5148، 10355، 54808، 64649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1429(9/2431)
حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم عندي استفسار بسيط، فمنذ فترة اجتمعت بأحد الأشخاص المقربين من عائلتنا وكان شابا جيدا بكل معنى الكلمة لكنني أسأت التصرف معه لا أقصد بأدبي لكني قللت من احترامه لا أعلم لماذا هكذا تصرفت مع أني دائما أعامل الناس باحترام وهو مسافر في بلد مختلف عن بلدي، سؤالي هو لو سمحتم إذا كان نصيبي هل سوف نجتمع مرة أخرى ونرتبط ببعضنا أم أنا بعملي هذا أكون قد قطعت نصيبي، وشكرا..........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعامل بين المرأة والرجل الأجنبي له ضوابط، منها عدم الخلوة، والالتزام بالحجاب الشرعي، وعدم الخضوع بالقول، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 63091.
ولكن ينبغي أن يكون التعامل بين الناس عموما باللطف والمعروف والحسنى، قال سبحانه: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا. {البقرة:83} .
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
فإذا كنت أسأت إلى ذلك الرجل أو احتقرته فعليك أن تتوبي إلى الله مما حدث منك لأن احتقار المسلم والتقليل من شأنه لا يجوز، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وإذا كان الله تعالى قد قدر لك الزواج من هذا الشخص فإنك ستتزوجين به لا محالة، وهذه هي عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، فما يصيب الإنسان في هذه الدنيا من خير أو شر فهو بتقدير الله تعالى، وما قضاه الله سبحانه على العبد فهو نافذ وواقع به لا محالة لا يستطيع أحد رده ولا دفعه، قال سبحانه: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب/38} .
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية: أي وكان أمره الذي يقدِّره كائنًا لا محالة، وواقعًا لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54751، 60787، 75915.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1429(9/2432)
كيفية التصرف مع من يأخذ لنفسه من تبرعات المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رئيس جمعية المسجد ولدينا مقيم متطوع ومن خلال تصرفه بالمسجد أجمع أعضاء الجمعية أنه يأخذ من التبرعات التي تعود للمسجد من طرف أهل الإحسان والبر خلسة وبدون إخبارنا عن ذلك. مع العلم أن هذا المقيم محبوب لدى جل المصلين لأنهم لم يعرفوا حقيقته.ماهي الطريقة الشرعية لإبعاده من المسؤلية الموكلة إليه من قبل أن أصبح رئيسا لجمعية المسجد. وماهو موقفي الشرعي إن سكت على ذلك؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تيقنتم بالأدلة بعيدا عن الظنون التي لا برهان عليها أن هذا الشخص خائن للأمانة، وأنه يختلس من أموال التبرعات الخاصة بالمسجد، فلا يجوز لمن بيده الأمر أن يبقيه في هذا الموضع الذي يستطيع من خلاله اختلاس تلك الأموال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. رواه البخاري.
ويمكن لأعضاء الجمعية أن ينفردوا به ويواجهوه بالأدلة التي عندهم وينصحوه ويعظوه، لعل الله أن يتوب عليه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدِّينُ النَّصِيحَةُ. رواه مسلم.
وأما إن كانت هذه التهمة مبنية على الظنون فلا يجوز العمل بها، بل يجب اطراحها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا. متفق عليه. ومع ذلك فلا بأس أن تحتاطوا لأموال المسجد، وتزدادوا حذرا في حفظها دون اتهام لأحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1429(9/2433)
عكس كلمة عصامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو عكس كلمة عصامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة العصامي تقابلها كلمة عظامي، فالعصامي نسبة إلى عصام القائل:
نفس عصام سودت عصاما * وعلمته الكر والإقداما
وصيرته ملكا هماما * حتى علا وجاوز الأقواما
وكل من يكسب مجده بنفسه ويعتز بها دون الاعتماد على الآباء والأجداد؛ فهو عصامي.
وأما كلمة عظامي فهي نسبة إلى العظام والرفات؛ وكل من اعتمد على آبائه وأسلافه الذين صاروا عظاما ورفاتا في اكتساب مجده دون أن يبذل في ذلك جهدا؛ فهو عظامي، ومن جمع بينهما فهو عصامي عظامي.
كما قال بعضهم:
فصار إلى مودتك انتسابي * وإن كنت العظامي العصامي
وقال صاحب التحرير والتنوير: وقد ذكر يوسف -عليه السلام- آباءه تعليماً بفضلهم، وإظهاراً لسابقية الصلاح فيه، ثم تأيد بما علّمه ربّه فحصل له بذلك الشرف العظامي والشرف العصامي، فقال: واتبعت ملة آبائي إبراهيم.. الآية.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(9/2434)
أحوال الشهادة الكاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تقديم الفتوى لي حيث استدعيت لشهادة وحلفت يميناً على القرآن وكانت نيتي مسبقا - قبل يوم على الأقل - ألا أقول ما يؤذي أحداً ولا يخفي حقيقة واضحة. ووجه لي سؤال أنكرته وكان قد حدث. المعلومة لم تكن لتفيد أو تضر أحداً كانت ستؤدي لإعادة التحقيق مع شخص آخر له مبرراته وله الصلاحية ولن يؤذى. وبالمقابل سألت عن الشخص المقابل ولم أجب بالحقيقة من وجهة نظري ... حيث كان جوابي حياديا 100%.
ولكم كل الشكر والاحترام.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
لا يجوز تعمد الكذب إلا في حالة الضرورة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالكذب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من المعلوم عند كل مسلم وجوب الصدق وحرمة الكذب وشهادة الزور.. كما سبق بيانه بالأدلة وأقوال أهل العلم في عدة فتاوى ومنها التالية أرقامها: 1052، 108683، 100256.
وعلى ذلك فإن كانت الشهادة التي قدمت واليمين الذي حلفت على كذب وبدون مبرر شرعي؛ فإن ذلك كبيرة من كبائر الذنوب والواجب عليك المبادرة بالتوبة النصوح منه إلى الله تعالى وإخراج الكفارة على قول بعض أهل العلم كما سبق بيانه في الفتاوى المشار إليها.
أما إذا كان لذلك مبرر شرعي من حماية مسلم أو ماله أو عرضه من الظلم والجور؛ فإنه لا حرج عليك في ذلك بل ربما كان واجبا إذا لم يمكن الوصول إليه بغير الكذب.
قال الإمام النووي - رحمه الله- في كتابه القيم: رياض الصالحين: باب بيان ما يجوز من الكذب،: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسأل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال.
كما أن الحلف على الكذب قد رخص فيه أهل العلم إذا تعين وسيلة للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، وانظر تفاصيل ذلك وأدلته في الفتاوى المشار إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(9/2435)
لا يستطيع النوم حتى يقبل يد خالته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 15 من عمري, لدي خالة واحدة في العائلة وهي مغتربة مع عائلتها, فأنا أراها في الصيف فقط حيث أسافر إليها.
خالتي تحبني وأنا أحبها أكثر من نفسي حيث إنني لا أتوقف عن مساعدتها في كل شيء لكي تكون مسرورة مني.
مشكلتي معها أنني لا أستطيع النوم من دون تقبيلها فأنا عاطفي معها كثيرا حيث إنني أتبعها إلى سريرها وأقبل يدها كل ما سمحت لي الفرصة. وهي تشعر بالاستياء مني لهذا السبب وعادة تغضب مني وتجرحني في كلامها كثيرا.
حاولت أن أوقف عن هذه العادة ولكني لم أستطع فأنا أراها بالنسبة لي أعظم أم وأجمل خالة وأفضل صديق.
كيف أستطيع معالجة هذا الموضوع معها وكيف أشرح لها موقفي فإنني حين أقبل يدها وأنظر إلى عينيها قبل أن أنام فأنا أشعر بسعادة وثقة نفس لا توصف.
فأنا أريد أن أشعر بهذا الإحساس ولكن لا أريد أن أغضب خالتي وأشعرها بالملل من هذا التصرف
كيف أشرح لها وأعبر لها عن حبي الكبير لها فأنا حتى كأس الماء أحضره لها لكي أكسب حبها وعطفها وحنانها.
أريدها أن تفهمني وتمدني بهذه القوة التي أحلم بها كل يوم.
وفي النهاية أود أن أشكركم على جهودكم فأنا أريد النصح والمساعدة وبإذن الله هذا المكان الأفضل لذلك, فأعينوني وأرشدوني إلى الصواب أثابكم الله....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلم -يا ابني الحبيب - أن خير الأمور الوسط، وأنه إذا زاد الأمر عن حده انقلب إلى ضده، وهذا ما بدأ يظهر على خالتك من كرهها لبعض تصرفاتك ككثرة تقبيلك يدها.
واعلم أن حبك لخالتك لا ينحصر التعبير عنه بتقبيلك ليدها، بل إن ما تفعله لها من خدمات، وما تسعى فيه من إرضائها ونحو ذلك خير دليل وأصدق تعبير عن حبك لها.
فنصيحتنا لك الآن ما يلي:
أولا: أن تلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء أن يرزقك الاعتدال في جميع أمورك، وليكن دعاؤك في سجودك وفي جوف الليل أكثر.
ثانيا: حاول أن تستوضح من خالتك ما الذي تحبه، وما الذي تبغضه، ولبِ لها رغباتها بقدر استطاعتك في حدود ما أباح الله تعالى، وروض نفسك على ذلك، فإنك بعد فترة يستقيم الحال لك.
ونسأل الله لك التوفيق والإخلاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(9/2436)
مدى جواز التجسس بمجرد الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[الظن لا يثبت صحته إلا بالدليل، والتجسس أحد الطرق للحصول على الدليل، فكيف نتأكد من صحة الظن وقد نهانا الله عن التجسس وأيضا نهانا عن الظن بدون دليل حيث قال: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز التجسس بمجرد الظن إلا إذا كانت هناك أمارات وآثار تدل على ارتكاب معصية أو جريمة يخشى فوات استدراكها بعدم التجسس وتقصي الحقيقة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يبتعد عن سوء الظن والتجسس.. فهذه أخلاق ذميمة نهى عنها الإسلام احتراماً للإنسان وحفظاً لكرامته.. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً.
وقد ورد النهي عن تحقيق الظن، فقد أخرج عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة والظن والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق. قال ابن حجر: وهذا مرسل أو معضل، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب.
وقد بينا أنه لا يجوز التجسس بمجرد الظن إلا إذا كانت هناك أمارات وآثار تدل على ارتكاب معصية أو جريمة يخشى فوات استدراكها بعدم التجسس وتقصي الحقيقة، وانظر تفاصيل ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 30115، والفتوى رقم: 70169.
ومن هذا يتبين لك أن الواجب على المسلم الابتعاد عن الظن وعن التجسس إلا في الحالة التي رخص فيها الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(9/2437)
هل يجوز للمرء شراء عرضه ممن يسبونه ويشتمونه
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن شراء العرض واجب لكن ما هي حدود هذا الوجوب، وللتوضيح إذا كان شخص يشتم الأشخاص إذا لم يعطوه شيئاً وهو يمتلك سكنا فهل علي في هذه الحالة شراء عرضي منه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للعرض مكانة عظيمة في الإسلام، فهو ضمن الضروريات الخمس، فيجب الحفاظ عليه ويحرم الاعتداء عليه، وبالتالي فإنه يجوز بذل المال لشراء العرض ممن يسبون الناس، ويحرم على السابين ما أخذوه من الناس بسبب خوفهم من سبهم.
ففي مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية: ولو أعطى الرجل شاعراً لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره، أو لئلا يقول في عرضه ما يحرم عليه كان بذله لذلك جائزاً، وأما أخذ الشاعر ذلك لئلا يظلمه فحرام؛ لأنه يجب عليه ترك ظلمه وترك الكذب عليه بلا عوض.
ويعد بذل المال لشراء العرض من مكارم الأخلاق، ففي فيض القدير: الإحسان والإخلاص والإيثار واتباع السنة والاستقامة والاقتصاد في العبادة والمعيشة والاشتغال بعيب النفس عن عيب الناس والإنصاف وفعل الرخص أحياناً والاعتقاد مع التسليم والافتقار الاختياري والإنفاق بغير تقتير وإنفاق المال لصيانة العرض..
قال الفاكهي: ولا ريب أن المال محبوب عظيم للنفوس، فإذا طلب مداراة السفهاء بدفع المال فمداراتهم بلين المقال والسعي إليهم إن اقتضاه الحال أولى بطريق قياس المساواة أو طريق أولى ولا يبعد وجوبه في هذا الزمان. اهـ.
ويستثنى من جواز بذل المال لشراء العرض ما إذا شجع ذلك الساب على التمادي في سب أعراض الناس فيمتنع لأن درء المفسدة العامة مقدم على درء المفسدة الخاصة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(9/2438)
لا يباح الكذب إلا لضرورة لا يتحقق الغرض المشروع إلا به
[السُّؤَالُ]
ـ[مرات عديدة عندما كنت أتسوق مع قريبتي كانت تطلب مني مبلغا صغيرا جدا لأسباب متنوعة وتقول بأنها ستعيده لي لاحقا، لكنها تنسى أمر المال فلا تعود تتحدث بالموضوع، لذا فكرت كثيرا وقررت أن اكذب عليها فيما إذا سألتني عن المال خاصة وأني أحتاج الى نقودي، فهل يجوز ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز الكذب في هذه الحالة، ويمكنك اللجوء إلى التورية والمعاريض وهي سوق الألفاظ العامة التي تفهم المستمع معنى غير المراد من المتكلم، فالكذب حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود.
ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب؛ كما رواه البخاري في الأدب عن عمر وصححه الألباني.
ففي مثل حالتك هذه من الممكن أن تَعرِّضي وتقولي ليس معي مال وتقصدين مالا فائضا عن حاجتك أو غير ذلك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39152، 29059، 1126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(9/2439)
تمزيق القميص عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق لا يملك نفسه عند الغضب، وفي إحدى غضباته التي لم يتمالك نفسه فيها قام ليكسر شيئا فلم يجد فقطع قميصه الذي يرتديه، فهل هذا شق للجيوب وما هي كفارة ما فعل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به صديقك من تمزيق قميصه عند الغضب ليس من شق الجيوب الذي ثبت الوعيد في شأنه، والذي هو من عمل أهل الجاهلية تسخطاً وجزعاً عند حصول المصيبة العظيمة بفقد قريب أو شخص عزيز، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. متفق عليه.
وفي فتح الباري لابن حجر: قوله: وشق الجيوب جمع جيب بالجيم والموحدة وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط. انتهى.
لكن إذا كان صديقك قد مزق ثوبه مختاراً فقد ارتكب محرماً لإتلافه ثوبه بدون سبب مشروع، ولا نعلم كفارة معينة لهذا الفعل غير التوبة الصادقة بشروطها المتقدمة وذلك في الفتوى رقم: 9694. إضافة إلى فعل بعض الطاعات لأن نور الطاعة يزيل ظلمة المعصية، وإن كان الشخص المذكور قد اشتد به الغضب حتى ذهب عقله وقت ارتكاب الفعل المذكور فلا إثم عليه لارتفاع التكليف عنه حينئذ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 107234.
وينبغي لك نصح صديقك هذا بمدافعة الغضب والتغلب عليه وعدم اللجوء إلى تكسير أشياء أو التلفظ بعبارات بذيئة أو تمزيق الثياب ونحو ذلك، فليحاول أولاً تجنب الغضب، وبعد حصوله فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، وليغير هيئته بالجلوس إن كان قائماً ونحو ذلك، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1429(9/2440)
ضوابط في صرف المال على المكالمات الهاتفية
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ فترة وجيزة وزوجي يعمل بالخارج وبالتحديد في أمريكا، كتبنا عقد القران ودخل بي وبقينا مع بعض مدة شهرين ثم عاد إلى أمريكا، نحن على اتصال دائم بالهاتف والحمد لله، ولكن نضع أموالا في هذه المكالمات اليومية، وأنا لا أطمئن عليه إلا بهذه الوسيلة فهل يعتبر ذلك من الإسراف أم هو طاعة لله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي للمسلم أن يكون معتدلاً في أموره كلها، ويحذر من الإسراف والتبذير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى الإسلام عن الإسراف في كل شيء وجاء ذمه في نصوص الوحي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قول الله تعالى: ... وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأنعام:141} ، وقوله تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ {الإسراء:26-27} ، وعلى المسلم أن يكون معتدلاً وسطياً في أموره كلها بدون إفراط ولا تفريط ولا إسراف ولا تقتير؛ كما أرشد إلى ذلك القرآن العظيم ووصف به عباد الرحمن، فقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67} .
وقد عرف العلماء الإسراف بأنه: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي..
وعليه؛ فصرف الأموال على المكالمات اليومية لمجرد التواصل أو الاطمئنان على الغائب ... يعتبر إسرافاً في المال وفي الوقت وخاصة إذا كانت المكالمات طويلة ... ولذلك ينبغي لكما أن تقتصدا في مالكما ووقتكما وتصرفاها فيما ينفعكما في دينكما ودنياكما، ويكون الاتصال من وقت لآخر حسب الحاجة والمستجدات.. ويمكن الاستفادة من برامج الاتصال المجانية أو المخفضة على الإنترنت، وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 37792، والفتوى رقم: 31660.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(9/2441)
مفاسد العشق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 20 سنة منذ سنتين أثناء وجودي بالجامعة تعرفت على زميل بالجامعة وعندما صرح لي بالحب ووجدت نفسي أشعر نحوه بنفس الشعور صرحت لأمي بذلك وأنا والدي متوفى وبالفعل كان صادقا معي وتقدم لخطبتي ورغم الصعوبات الكثيرة التي من أهمها طول مدة الخطوبة وافقت أمي وأهله وتمت خطوبتنا وبعد مرور سنة من الخطوبة أصبحت بيننا مشاكل كثيرة وأنا ابتعدت عن الله كثيراً ولم أدرك أنني في بعد شديد عن الله إلا في الفترة التي بعد فيها ذلك الشاب عني، أنا أعرف أن الحب مرض من أمراض القلوب وأريد أن أعرف طريقا إلى الله لكي يملأ حب الله وحده قلبي وأن أنسى حب ذلك الشاب لأنني أشعر أن حبي له سبب بعدي عن الله، مع العلم أنه مازال خطيبي ولا أعرف هل المفروض أن لا أحبه وخاصة أن زواجنا أمامه على الأقل سنة وغير ذلك، أنا لا أعلم حدود التعامل معه، مع العلم أنه ليس متدينا بالقدر الكافي الذي يمنعه من الخطأ أم أنه من الأفضل أن أبتعد عنه نهائيا، أنا لا أعلم ماذا أفعل أنا في حيرة شديدة وقلبي مريض بحب ذلك الشاب أشعر بأنني افتقدت القدرة على التفكير وعلى التمييز بين الصحيح والخطأ، أريد منكم النصيحة ورأي الدين في ذلك الحب وكيف أتقرب إلى الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه أن يحفظ قلبه من وساوس الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء، وأن يحفظه أيضاً من التعلق بغير الله سبحانه، وليعلم الشباب والفتيات أن أي علاقة بين فتاة وشاب أجنبي قبل عقد الزواج أمر محرم ولا يجوز التمادي فيه، بل يجب قطعه والتوبة منه إلى الله جل وعلا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخلو بامرأة ليس معها محرم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه.. وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؛ كما صح في الحديث.
وليس من شك في أن علاقة المرأة بالرجل وما يسمى بـ (الصداقة) ، خارج إطار الزواج المشروع تعتبر منكراً من المنكرات، وهي نوع من أنواع الزنا العام -وإن كان لا يوجب الحد- ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وليعلم الإنسان أن استمرار هذه العلاقات المحرمة تنتهي بصاحبها إلى داء عضال ومرض قتال، أتعب الأطباء وحير الحكماء ألا وهو العشق، وهذا المرض والعياذ بالله يفتح على صاحبه من المحن والمفاسد ما لا يقدر على صرفه إلا الله، ومن هذه المفاسد: الاشتغال بذكر المخلوق وحبه عن حب الرب تعالى وذكره، وعذاب قلبه بمعشوقه، فإن من أحب شيئاً غير الله عذب به ولا بد، فالعاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان، ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه، ومنها: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه، فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من العشق، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، والعشق أعظم شيء تشتيتاً للقلب، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع.. والإنسان لا يبتلى بهذا الداء الوبيل إلا بسبب جهله وغفلة قلبه عن الله، فعلى الإنسان المبتلى بهذا أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً، وليعلم أن مطالعة وتأمل واستشعار ما عند الله من أنواع العقوبات والعذاب العظيم كفيل بأن يكبح جماح النفوس عن الشهوات المباحة، فأحرى ما كان محرماً وسبباً لتلك العقوبات، ففي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
فليكثر العبد من النظر والمطالعة في آيات الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ليعرف عظمته وجبروته وانتقامه واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس وما يدور في نفوسهم، وهذا يولد استشعار المراقبة.. والحياء من الله تعالى ومهابته وخشيته بالغيب، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في العشق والمحبوب، فيحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، لأن الصلاة هي أكبر سبب معين على ترك الحرام، قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45} ، ثم الصلاة بالليل والناس نيام، ثم كثرة الصيام فإن الصيام له أثر عجيب في كبح جماح النفس وقمع شهواتها، ويكثر مع ذلك اللجوء والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه إليه، ثم عليه بعد ذلك بالذكر الدائم لله سبحانه في كل أوقاته.
ولتعلمي أيتها الأخت أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد عليها فلا يحل له الخلوة بها ولا تقبيلها ولا لمسها، ولا الكلام في أمور الحب وتعلق القلب فضلاً عن أمور المعاشرة الزوجية ونحوها، إلا أنه يجوز التحدث معها إذا دعت إلى ذلك حاجة، إما من وراء حجاب أو في وجود محرم لها أو من خلال الهاتف ونحوه بشرط أن يكون الكلام بالمعروف، ودون خضوع بالقول، أو تلفظ بكلام يأباه الشرع بين الرجل والمرأة الأجنبيين، لأن الخاطب بالنسبة لها كغيره من الرجال الأجانب كما سبق..
وإن ما ننصحك به في هذا المقام هو اختيار الزوج الصالح صاحب الدين الذي يخشى ربه ويخاف عقابه، والذي يكون عوناً لك ولأولادك على ما يقربكم من الله سبحانه، ثم احرصي كل الحرص على أن تكون علاقتك به في فترة الخطوبة مضبوطة بالضوابط الشرعية التي سبق الكلام عنها، ثم بعد ذلك المبادرة إلى الزواج وتعجيله بقدر الإمكان، وللفائدة في الموضوع راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50421، 2436، 7391، 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(9/2442)
حكم الكذب لردع الزوج عن الوقوع في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة اذا ارتابت فى سلوك زوجها أن تستخدم الحيلة بالكذب، فمثلا اذا شكت في علاقته بأخرى هل يجوز لها أن تخبره أنها مريضة بالايدز وهي تعلم خلاف ذلك حتى يخاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود من سؤالك أنك تخبرين زوجك بمرض هذه المرأة التي تشكين في علاقته بها، فإنا لا ننصحك بسلوك هذا الطريق -وهو طريق الكذب- لمنع الزوج من الوقوع في الحرام المظنون، بل المتوهم من جهتك, خصوصا وأنت تقولين مرة: ارتابت، وتقولين مرة أخرى: إن شكت في علاقته بأخرى، فالأمر دائر بين الارتياب والشك, والله عز وجل يقول: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا {يونس:36} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. صححه الألباني , أفمن أجل أمر لم يتعد مرحلة الشكوك نقع في جملة من المحظورات أولها: الكذب. وثانيها:التشويش على سمعة امرأة ربما كانت بريئة فتضررت بهذه الشائعة بالغ الضرر، بل ومن المؤكد أن هذا الأمر لو انتشر فإنه سيفسد عليها حياتها وسيمنعها من الزواج والاستقرار وكثير من المنافع.
وثالثها: لو اكتشف زوجك أنك كذبت عليه -وهذا وارد- فإن هذا سينشئ صدعا في العلاقة بينكما لأن العلاقات الأسرية قائمة على الوضوح والثقة, وإذا نزعت منها الثقة تحولت الحياة إلى جملة من الشكوك والوساوس وباض فيها الشيطان وفرخ, وصار كل من الزوجين يسيء الظن بصاحبه ويتهمه في أقواله وأفعاله، وهذا فيه من الفساد للأسرة ما فيه.
ومع ذلك فحتى لو كان الأمر كما تقولين فالذي أقدم على الحرام وفعله وسقطت هيبة الله من قلبه لن يرتدع بمثل هذا، بل إذا انسد في وجهه هذا الباب, فإنه سيذهب لطلب الحرام في مكان آخر، فينبغي عليك أن تحاولي استصلاحه ورده إلى طريق الله سبحانه وإدامة النصح له، ثم أيضا اجتهدي في أن تؤدي حقوقه كاملة من الزينة والطاعة وحسن التبعل, فكم من الأزواج ذهبوا للممنوع بسبب إهمال زوجاتهم, وتفريطهن في الحقوق من زينة وغير ذلك.
وأما إن كان المقصود من سؤالك أنك تخبرينه عن مرضك أنت بهذا المرض فهذا أيضا لا يجوز لما فيه من الكذب ولأن له عليك حقا ما دام زوجك, فربما امنتع بسبب ذلك عن معاشرتك ولأن الأمر كما قلنا سابقا لا يتعدى مرحلة الشكوك والارتياب فلا تلتفتي إليه.
وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3809 , 14729 , 60943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(9/2443)
حكم الكذب لإضحاك الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له) ما تفسير الحديث وهل ينطبق على المشاهد التمثيلية الفكاهية التي حتى قد نشاهدها في القنوات الإسلامية والتي لا يكون فيها محاذير شرعية ولكن يقصد بها الترفيه أو الوعظ بأسلوب فكاهي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن معاوية بن حيدة. قال ابن حجر: إسناده قوي وحسنه الألباني.
وهذا الحديث يدل على تحريم الكذب والوعيد عليه إذا فعل لغرض إضحاك الناس، ولا تدخل المشاهدة الفكاهية التمثيلية في عموم هذا الحديث لأن التمثيل هو نوع من المحاكاة لتقريب الفكر وإيصالها للأذهان وليس كذبا؛ كما هو مبين في الفتوى رقم: 109827.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(9/2444)
لم يأت دين بمثل ما أتى به الإسلام من معالي الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال إنه دخل معبد البوذيين في الهند وأنه تعلم منهم الصفح والمغفرة وأنَ له معلما منهم, وأنَ البوذية فلسفة حياة وليست دينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يدين به الناس ويتعبدون به يسمى دينا، وإن كان باطلا كالبوذية والهندوسية والنصرانية وغيرها من الأديان الباطلة، قال تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين ِ {الكافرون:6} ، فسمى ما عليه كفار قريش عبَّاد الأوثان دينا، والدين الحق هو الإسلام وحده، كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85} ، ولا يوجد شيء من الأخلاق الحسنة عند أمة إلا وفي الإسلام خير منها، وما أُتِي هذا القائل إلا من قبل جهله بالإسلام وأخلاقه، وقد قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً {المائدة:3} ، فقد أتم الله الدين بعقائده ومعاملاته وعباداته وأخلاقه، فلا يوجد أتم منه ولا أكمل منه.
ولا يجوز أن يتخذ المسلم معلما وثنيا يحبه ويهتدي بهديه، ولا أن يدخل معابد الكفار حال وجود المنكر فيها من غير مصلحة شرعية معتبرة كدعوتهم إلى التوحيد، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من أراد أن يتعلم من بعض كتب أهل الكتاب، فكيف بمن أراد أن يتعلم من الوثنيين كالبوذيين ويعظمهم ويتخذ منهم معلمين؟! فعن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، فقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني. رواه الإمام أحمد وقواه الألباني بشواهده.
وأما الصفح والعفو وغيرها من مكارم الأخلاق فلم يأت دين بمثل ما أتى به الإسلام من معالي الأخلاق، فقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاق ِ. رواه أحمد، وفي رواية البخاري في الأدب المفرد: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاق ِ. وصححه الألباني.
وأين ما تعلمه أو قاله غير المسلمين عن الصفح والعفو من قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134) ، وللفائدة في ذلك راجع الفتوى رقم: 34579، والفتوى رقم: 682.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1429(9/2445)
تهافت الزعم بأن مجتمع المدينة كان ينتشر فيه الفسق والفجور
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد الأشخاص كتب مقالا وهذا جزء منه، فهل ما ورد صحيح؟
إن من أكثر الوقائع غرابة قصة تشي بذلك التنوع الاجتماعي في المدينة فقد جاء رجل إلى الرسول يستشيره في زوجته التي يحبها ولكنها كانت سمحة مع الرجال فهي لا ترد يد لامس وتلين معهم ولا تتخذ رد فعل إزاء يد تمر عليها أو كلمة تلقى عليها، والمسكين كان بين نارين: نار الغيرة على شرفه، ونار حبه لها، فأشار عليه أن يمسكها إن كان يحبها ولا يطيق فراقه رواه النسائي عن ابن عباس، وقد أحدثت هذه القصة ارتباكاً عند الفقهاء فبعضهم ذهب إلى تكذيبها، وذهب بعضهم كالخطابي وابن الأعرابي إلى أن المرأة كانت لا ترد من أراد مضاجعتها. ويبدو أن الرسول حينما رأى أن الرجل من الضعف والمهانة إلى حد أن يأتي ويستشيره في امرأة هذا شأنها، خلافاً للمعروف من شيم العرب. اختار له ما يتناسب مع وسطه الاجتماعي، وقد احتفظت السنة وكتب التفسير بعدد من القصص التي تخبر عن بيوت الدعارة في المدينة في حياة الرسول كما تجده في تفسير سورة النور، عن سبب نزول آية ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً.
وفي قصة المخنث في صحيح البخاري الذي كان يوصي ويصف إحدى الغانيات في مكة مثالا يؤكد على ذلك.
وخلاصة ما ذكر هو أن القلة منا يكونون على اطلاع على هذه القصص التي حفظتها كتب التراث، ومع أنها منثورة في كتب السنة إلا أن التكتم عليها والقلق الذي يظهر على بعض الخطباء والعلماء حين يأتي ذكرها، تفصح عن عدم الأمانة ورغبة دفينة بمحو هذه الوقائع والحوادث في حياة الرسول ووقعت على مرأى منه، كما في قصة مغيث وبريرة بعد انفصالهما ورفضها العودة إليه وعدم قبولها لوساطة الرسول وسادة الصحابة، وإصرار مغيث على ملاحقتها في أزقة المدينة وفي السوق ودموعه تسيل من مآقيه، والرسول يشاهده ويتألم لأجله من دون أن يستدعيه أو يوبخه، أو يكلف أبا هريرة بالتجسس عليه، أو يبعث خلفه بعمر يعلوه بالسوط حتى يشفى من سقمه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعنا على المقال المذكور بكامله.. وأول ما يلاحظ عليه أن كاتبه عنون له بهذا العنوان: حب على مرأى من النبي صلى الله عليه وسلم. وهو عنوان يخفي ما وراءه من سوء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بدليل ما أورد الكاتب بعد ذلك من عبارات تدل على ذلك، ومن هذه العبارات قوله: بيوت الدعارة في المدينة في حياة الرسول.
وقوله عن أحد الصحابة: ذات مرة جاء شاب إلى الرسول وبعد أن صلى معه أخبره أنه التقى بعشيقته في حديقة بعيداً عن أعين الناس، فكان منهما ما يكون بين العاشقين غير أنه حافظ على عذريتها.
وقوله عن صحابيتين حدثت بينهما مشاجرة فكسرت إحداهما سن الأخرى فوصفهما بقوله: خبيرتي ملاكمة.
ويضاف إلى هذا اتهامه العلماء والدعاة بعدم الأمانة والرغبة في محو بعض الوقائع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أورد العلماء هذه الأحاديث واستنبطوا منها دقائق الفقه ولكن بكل أدب بخلاف من لم يرزق فقها في الدين.
وليست قضيتنا مع هذا الكاتب فيما أورد من أدلة فهو قد أورد بعض الآيات وبعض الأحاديث الصحيحة، ولكن قضيتنا معه في الدعاوى العريضة والعبارات والألفاظ المشبوهة التي يوردها بناء على ذلك الدليل مما يجعلنا نتساءل، هل لهذا الكاتب من وراء ذلك من غرض؟ وهل وراء هذا الغرض من مرض؟!
وأما بالنسبة لمجتمع المدينة فهو لا شك أنه مجتمع فاضل، لم ير مثله في الإيمان والأخلاق، ولا شك أيضا أنه قد وجد فيه المنافقون وبعض أصحاب النفوس المريضة، ووجد فيه من يزل من أهل الإيمان فيقع في المعصية ولكنه سرعان ما يتوب ويرجع إلى الرحمن، وليس في هذا غرابة ولكن المشكلة أن يُجعل وجود شيء من الفساد في هذا المجتمع ظاهرة تنمق لها العبارات حتى ليخيل للقارئ طغيان ذلك على الخير. ومن أقرب الأمثلة على ذلك أيضا استخدامه عبارة بيوت الدعارة في المدينة في حياة الرسول!! مستنبطا ذلك من قصة حدثت من زعيم المنافقين، وعلى وجه الإكراه لبعض إمائه اللائي شهد الله لهن بالعفاف، وقد شنع القرآن هذا الفعل منه ونهى عنه أشد النهي، روى مسلم في صحيحه: عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا، فأنزل الله عز وجل: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
فهل يعتبر هذا الأمر ظاهرة ويقف عندها ويستدل بها على وجود بيوت دعارة في المدينة إلا من كان في قلبه مرض، وجمع بين الجهل والظلم؟!
وأما حديث: لا ترد يد لامس فقد رواه أبو داود والنسائي. وقول الكاتب إن من العلماء من ذهب إلى تكذيب القصة.. إن كان المقصود بذلك الطعن في ثبوتها من جهة الأصول الحديثية فنعم، فقد ذهب إلى عدم ثبوتها الإمام أحمد كما نقل عنه ابن الجوزي، وكذا النسائي في سننه. وليس ردهم للحديث لأجل الهروب مما تضمنه -كما يزعم الكاتب- وإنما لعلة في السند، ومن العلماء من ذهب إلى صحتها. وقد اختلف العلماء في المراد بهذه العبارة على أقوال، قال الحافظ في التلخيص: اختلف العلماء في معنى قوله: لا ترد يد لامس فقيل معناه الفجور وأنها لا تمتنع ممن يطلب منها الفاحشة، وبهذا قال أبو عبيد والخلال والنسائي وابن الأعرابي والخطابي والغزالي والنووي وهو مقتضى استدلال الرافعي به هنا.
وقيل معناه: التبذير وأنها لا تمنع أحدا طلب منها شيئا من مال زوجها، وبهذا قال أحمد والأصمعي ومحمد بن ناصر ونقله عن علماء الإسلام وابن الجوزي وأنكر على من ذهب إلى القول الأول.
وقال بعض حذاق المتأخرين قوله صلى الله عليه وسلم له: أمسكها معناه أمسكها عن الزنى أو عن التبذير إما بمراقبتها أو بالاحتفاظ على المال أو بكثرة جماعها.
ورجح القاضي أبو الطيب الأول بأن السخاء مندوب إليه فلا يكون موجبا لقوله طلقها، ولأن التبذير إن كان من مالها فلها التصرف فيه، وإن كان من ماله فعليه حفظه، ولا يوجب شيئا من ذلك الأمر بطلاقها، قيل: والظاهر أن قوله: لا ترد يد لامس أنها لا تمتنع ممن يمد يده ليتلذذ بلمسها، ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفا، أو أن زوجها فهم من حالها أنها لا تمتنع ممن أراد منها الفاحشة؛ لا أن ذلك وقع منها.
والراجح هذا القول الأخير. وعلى فرض أن المراد بذلك أنها لا تمتنع عن الفاحشة فقد أخذ من العلماء من هذا من الفقه أن النبي صلى الله عليه وسلم خاف إن أوجب عليه طلاقها أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام. ذكر هذا شمس الحق أبادي في عون المعبود وذكره غيره. فأين هذا مما ذكر الكاتب من كون الرسول صلى الله عليه وسلم اختار للرجل ما يتناسب مع وسطه الاجتماعي ... الخ عبارته كعادته في التهويل.
وأما قصة المخنث.. فهل كان وجود مثل هذه الطائفة ظاهرة منتشرة؟ وهل أقر النبي صلى الله عليه وسلم وجود أمثاله أم أمر بإخراجه ومنع أمثاله من الدخول على النساء حفظا للمجتمع من أسباب الرذيلة؟
وأما قصة مغيث مع بريرة رضي الله عنهما فقصة رجل مع زوجته، وما ضره لو تتبعها في شوارع المدينة فيظهر حبه لها عسى أن يشفع له ذلك في أمر رضاها باستمرار الحياة الزوجية بينهما، وهل يستقيم ذكر هذه القصة مع القصة التي أوردها الكاتب في بداية مقاله والتي فيها ما حصل من ذلك الشاب الذي كان يتبادل النظرات مع فتاة أجنبية عليه وبحضرة أبيها وإخوانها عند مجيئه لزيارتهم في بيتهم. وأين هذه القصة التي هي أقرب إلى كونها قصة خيالية من قصة رجل زل فقبل امرأة أجنبية عليه فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفا من ذنبه راجيا أن يغفر الله له؟!
فننصح هذا الكاتب – هداه الله - بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يحذر أسباب سخطه وأليم عقابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(9/2446)
ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني مشكلتي باختصار أنه وقع خلاف بين أخي الوحيد وزوجته من جهة وأخواتي من جهة أخرى وللأسف الشديد وصل الأمر إلى القطيعة بين أخي واثنين من أخواتي وأنا ممن طالني الكلام ولكني من النوع الذي يغفر ويسامح بعد العتاب وأحاول أن لا أتجاوز بالكلام لأنهم جميعا اكبر مني بالسن، أخواتي اللواتي لا يكلمن أخي الآن يلمنني ويذكرنني دائما بالكلام الذي قيل والسب وأنا مصرة أن صلة الأرحام التي بيننا هي فوق كل شيء وعلينا جميعا أن نسعى إلى الصلح رغم كل شيء ورغم كل ما قيل ولكنهن يقلن لي إن في المسالة جرحا لكرامتنا، لقد سعيت على قدر الإمكان آن أصلح دون فائدة رغم أن أخي أبدى استعداده لذلك ولكن للأسف أخواتي يرفضن ذلك، سؤالي هل أنا مخطئة في موقفي من أخي وزوجته ومسامحتي لهم، وهل في هذا حقا إهدارا لكرامة أخواتي..........
أفيدوني جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف جزاك الله خيرا على صبرك على ما أصابك من أذى أخيك، واعلمي أن ما أتيت به من العفو والصفح وصلة الأرحام هو الذي يوافق أخلاق الإسلام، فالعفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: َمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {النور:22} .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فانظري كيف أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه، فكيف يقال بعد هذا إن العفو إهدار للكرامة؟!!
العفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون؟! إن من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام أين هم من خلُق سيِّد المرسَلين؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله , فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف عليه السلام وقد آذاه إخوته وظلموه وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين لم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم وكان منه ما حكاه القرآن الكريم عنه: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92}
ولتعلمي أيتها السائلة أن موقفك من أخيك أفضل من موقف باقي أخواتك ولا شك, وببركة ما أتيت أنت به من العفو والصفح عن أخيك فتح الله لك بابا عظيما من أبواب الطاعات والعبودية له جل وعلا ألا وهو صلة الرحم وإصلاح ذات البين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. رواه الترمذي وغيره , وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. رواه مسلم.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة! قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
واعلمي أن سعيك للإصلاح بين إخوتك هو من أفضل الأعمال وأجل القربات إلى الله جل وعلا، قال سبحانه: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. {النساء:114} .
وإنا نسأل الله سبحانه أن يوفقك في سعيك هذا وأن يجمع شمل أسرتكم وأن يصرف عنكم نزغات الشيطان، وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5338، 39037، 23737، 36568.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(9/2447)
عملك الجديد مباح لكن أسأت في المعاذير الكاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل بمجلس قضائي وقد قررت حينها الانتقال إلى عمل آخر وذلك عن طريق المسابقة وقد جرت أول مرحلة لها كتابيا وقد نجحت بكل نزاهة، ثم استدعتني الشركة المزمع الانتقال إليها لإجراء امتحان شفوي وقد أخذت الإذن لذلك مع ذكر الوجهة دون ذكر السبب وأن الوقت الذي طلبته لم يكف حتى انتهيت من الأسئلة وقد تابعت عملي بالمجلس القضائي الى أن استدعتني نفس الشركة لإجراء مرحلة أخرى والتي تبين أنها الأخيرة وحتى أبقي الأمر سرا قلت إنني سأذهب إلى الطبيب ولم أبين أنني ذاهب إلى المسابقة كذلك وبعد إجراء هذه المرحلة الأخيرة بكل نزاهة وفي نفس اليوم وجهت لنا دعوات للذهاب أخيرا إلى فترة تكوينية في الشركة الجديدة وكان هذا اليوم أخر يوم من عملي بالمجلس القضائي وذهبت فعلا في نفس اليوم إلى الطبيب بعد الانتهاء وقد استعملت الشهادة الطبية في إخفاء الأمر حتى لا يفسد بعد ذلك. فهل يا ترى عملي الجديد حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أنك قد أخطأت باستئذانك من العمل للذهاب للطبيب وأنت تريد الذهاب إلى جهة أخرى، ولا يؤثر في ذلك كونك ذهبت بعد الانتهاء من المسابقة أو الانتهاء من عملك لأن الإذن الذي صدر من جهة العمل لك إنما هو مقيد بوقت معين محدد بقدر ما يتسع للذهاب للطبيب والعودة إلى العمل، كما أن الشهادة الطبية إذا أصدرت لشخص غير مريض فإنها تعتبر شهادة زور ما كان ينبغي لك أن تسعى لاستخراجها، وكان بإمكانك الاستئذان من عملك بعذر حقيقي ولو أخذت هذا اليوم إجازة، أو تخبرهم بحقيقة الأمر الذي تخلفت عن العمل من أجله فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا فلا يجوز أن يكذب المسلم أو يستخرج شهادة طبية غير حقيقية، وليرض بما قسم الله له، وليعلم أن رزقه سوف يأتيه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها تستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني.
وعلى كل حال فاستغفر الله تعالى، وعليك أن تعوض جهة العمل عن هذا اليوم أو تطلب استسماحهم، وإن كان عملك الجديد مباحا فهو حلال، ولكنك أسأت في اختلاق العذر الذي ذكرته.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 20787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(9/2448)
كذبت لتبرئ نفسها ففصلوا زميلها من عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظفة كنت بقمة النشاط في العمل مراعية ضميري في العمل وكنت أكثر من الصدقات وكان هناك مجموعة كبيرة من الموظفات والموظفين يغارون مني لاجتهادي الكبير في العمل وبالذات واحد من الموظفين كان دائما يظلمني يريد أخذ مكاني بأي طريقة يختلق الكذب والفتن علي إلى أن جاء اليوم الذي أذنبت به من غير قصد لقد طفح مني الكيل وقام هو بالتعرض لي وقمت أنا بسبه بكلمة كلب دون قصد فقام بإبعاثي للشرطة كذبت وقلت لم أقل هذه الكلمة ولقد عاونني واحد من الموظفين على هذا الكذب لأنه يعلم أنني لم أقصد وأن هذا الرجل ظالم في النهاية أنا بقيت وهو تم إخراجه من العمل علما بأنه كان في السابق يقذفني في الكلام وأنا لم أبعثة في العمل والمصيبة أن العمل لا مدير به يحضر في الأسبوع مرة ويقرر حسب الجماعة لقد أخذت إنذارين بالظلم تمنيت لو أنني لم أكن مجتهدة في العمل وكنت مثل الموظفين الذين معي أجلس على المكتب وأستلم بالنهاية راتبي قد أجد تقديرا مثلهم، أنا ندمت لهذا الذنب ولا أعرف ماذا أفعل وكيف أتوب لم أتوقع في يوم أنني أكون ظالمة، هم السبب الموظفون وبالذات من خرج وبقيت معاونته التي تحب إخراجي بأي طريقة هي تدعي البراءة أمام المدير علما بأنني لا أريد الخروج من العمل لحبي الكبير للعمل رغم الظلم به فماذا تتوقعون من عمل من غير مدير. ملاحظة قبل الحادث حلمت ببيت رسول الله وأبي بكر وبيوت الصحابة وكذلك جبل أحد أو عرفات ورأيت عمر بن الخطاب أريد أن أتوب ولكن لا أرغب بإرجاع هذا الموظف فلم يظلمني أنا فقط بل أيضا ظلم الكثير من الناس. ودائما أكرر قد يكون سبب ظلمي له كثرة ظلمه على الناس قد أظن أن هذا كلام الشيطان حتى لا أتوب. ساعدوني أرجوكم..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن كذبك على هذا الموظف هو السبب في فصله فنرجو ألا تكون عليك مؤاخذة فيما حصل له في الفصل لأن إنكارك ما قلت لتبرئي نفسك، وهو وإن كان كذبا بالفعل تجب التوبة منه لا يتعين أن يكون سببا للفصل فلعله انضم إليه أسباب أخرى من جهة الموظف.
ثم إننا ننبهك على أنه يتعين عليك البدار بالتوبة من الذنب الذي ذكرت أنه حصل منك والبعد عما يؤدي إليه، كما يتعين استسماح هذا الموظف من الإساءة إليه بكلمة كلب، وينبغي أن تتمني له الخير لأنه أخ مسلم فأحبي له الرجوع لعمله والنجاح في حياته.
أما إن كان كذبك عليه هو السبب في فصله فيجب عليك أيضا -بناء على هذا الاحتمال- أن تتخلصي من حق الموظف بإرضائه عما حصل له من الضرر بسببك، وأن تبيني للمسؤولين حقيقة الأمر فإن ظلمه لك أو لغيرك -على فرض صحته- لا يبرر لك ظلمه.
وننصحك إن لم تكوني مضطرة أن تبحثي عن عمل غير مختلط، فظاهر هذا العمل الذي أنت فيه اختلاط بين الأجانب وأحاديث بينهم، وكل هذا قد تحصل فيه أشياء محرمة توجب البعد عنه، وأما إن كان هناك ضرورة والتزمت بالبعد عن الرجال والتستر وغض البصر وعدم الخلوة بالرجال ومسهم فلا بأس بالبقاء في العمل بقدر تلك الضرورة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 19233، 28829، 28896، 35079، 48184، 72264، 3859.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(9/2449)
حكم التطاول في البناء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التطاول في البنيان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم التطاول في البناء والتوسع فيه وزخرفته؛ فمنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه، ومنهم من يقول بكراهته، وهذا القول الأخير هو القول الوسط لتماشيه مع أدلة المجيزين، وعدم منافاته لأدلة المحرمين، وذلك لأنه ورد في القرآن الكريم ذم الإسراف والنهي عنه، كما ورد ما يشعر بكراهة التوسع في ذلك لغير حاجة، وأن ذلك من العبث.
قال تعالى: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ {الشعراء:128-129} .
كما ورد أيضاً في السنة ما يفيد ذلك؛ فقد أخرج البخاري عن خباب بن الأرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب.
قال المناوي في فيض القدير: أي في نفقة في البناء الذي لم يقصد به وجه الله تعالى, وقد زاد على ما يحتاجه لنفسه وعياله على الوجه اللائق, فإنه ليس له فيه أجر, بل ربما كان عليه وزر. اهـ
وراجع الفتوى رقم: 14414، والفتوى رقم: 74514.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(9/2450)
ثواب لكاظمين الغيظ والعافين عن الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا أو جزءا من حديث عن الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس في احد المنتديات ولا اعلم مدى صحة هذا الحديث فأرجو منكم إخباري هل صحيح هو أم لا وجزاكم الله خيرا والحديث هو قال صلى الله علية وسلم رأيت قصورا مشيدة مشرفه على الجنة فقلت لمن هذه يا جبريل قال للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس أو كما قال صلى الله عليه وسلم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه ذكرها السيوطي في الدر المنثور عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي قصورا مستوية على الجنة فقلت: يا جبريل لمن هذا؟ فقال: للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والحديث في كنز العمال والفردوس بمأثور الخطاب أيضا. لكن لم نجد من حكم عليه من حيث الصحة من عدمها، ولبيان معنى كظم الغيظ وفضله وما أعد الله لأهله يراجع الفتوى رقم: 80731.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(9/2451)
دفع الظلم عن النفس مباح
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف هل ظلمت أم لا؟ السؤال كنت موظفة في قسم النشاط ولدي ضمير العمل، ولكن كانت غيرة العمل بيني وبين زميلاتي أدت إلى الظلم الزائد لي رغم كذبهم فهم ينتصرون دائما إلى أن جاء اليوم الذي كان فيه شجار كبير هذا الشجار كان بسبب الموظف معي أبعثني إلى الشرطة قال نصف الحقيقة مما أنا فعلت مثله وفي النهاية أنا انتصرت وأدى إلى طرد الموظف، ولكن رغم ظلمه لي في السابق وكثرة خلق المشاكل لم أجرؤ في يوم أن أبعثه إلى الشرطة ولكن هو فعل اتصلت به هاتفيا أعتذر منه وسامحني؟ ماذا أفعل لكي أكفر عن ذنبي أول مرة في حياتي أفعل هذا لأنه دائما كنت أظلم من الموظفين والموظفات علما بأن المدير يحضر في الأسبوع مرة فكيف يصدقهم ويكذبهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن دفع الظلم عن النفس هو مما أباحه الشرع؛ كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ {الشورى:39} ، لكن العفو والمسامحة أفضل، ولذلك قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
وبناء على ما سبق فإذا كنت قد دفعت عن نفسك فلا حرج في ذلك وليس ذنبا، وكون هذا الموظف يفصل عن عمله فهو أولاً بما كسبت يداه، وثانيا فإنه ليس قرارك ولا عقابا صادرا منك، وبالتالي فلا ذنب عليك فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(9/2452)
حكم الإخبار الخطأ للاسترشاد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتوي رقم 109679 ووردت هذه العبارة في سياق الجواب:
ما كان يجوز لها أن تذكر ما قامت به لخالتها إلا لغرض الاسترشاد والنصح لأن الواجب عليها الستر على نفسها، ولم أفهمها جيدا حيث بدأت العبارة بعدم جواز إخبار الخالة ثم دخلت أداة استثناء، إلا لغرض الاسترشاد والنصح، فما المقصود هل الستر على نفسها وعدم إخبارها بارتكاب كبيرة الزنا؟ أم يجوز الإخبار لطلب النصح؟ وسامحوني فدواء العي السؤال. وجزاكم الله خيرا مع علمي للقاعدة الشرعية: الستر أولى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الكلام المشار إليه هو أنه لا يجوز للمسلم إذا وقع في معصية أن يخبر بذلك أحدا فيكشف ستر الله عليه إلا إذا ترتب عليه إخباره بذلك مصلحة مثل أن يكون الشخص الذي سيخبره ثقة، ويرجو منه أن يقدم له من النصح والإرشاد والدعاء ما ينفعه ويمنعه من معاودة الخطأ، ففي هذه الحالة لا مانع من الإخبار، كما قال أهل العلم.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 109352.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(9/2453)
حكم تذكير من كافأته على معروفه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هو أن هناك شخص ما قد استضافني في سكن له في بلاد الغربة لمدة ما دون أن يطلب مني أجرة على ذلك، ونويت في داخلي أن أرد هذا المعروف عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: من صنع اليكم معروف فكافئوه....." وقد حدث أن طلب مني أن أسدد عنه بعض الالتزامات المادية في أثناء سفره، بجانب أني كنت أقوم بمساعدة صهره الذي كان يقيم معي في السكن بدون أن أقول لصديقي هذا، وذلك بنية مكافأته على معروفه، لكن أنا لست متأكدا إن كان يتذكر هذه الأموال التي دفعتها أم لا، وسمعت من زوجتي أن زوجته قد ذكرت لها ما يفيد بأنها تأخذ على زوجها مساعدة الناس بلا حدود وإرهاقه نفسه بدفع إيجار وكهرباء وخلافه - ولم تشر إلي صراحة-، فهل يجب أن أذكره بهذه الأموال التي دفعتها نيابة عنه وأكافئه على معروفه في مناسبة أخرى، أم لا؟ حيث إ ني أريد أن أزيل الحرج عن زوجتي مما تذكره زوجته؟ ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب عليك أن تذكره بهذه الأموال ولا سيما وقد دفعت هذه الأموال مكأفاة له على معروفه، ولا مانع من تعريف زوجته بذلك ولو بطريقة غير مباشرة مع الحذر من المن والأذى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1429(9/2454)
هل يجب الوفاء بالوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب اعمل في محل تجاري منذ فتره وفي بداية العمل جلس صاحب العمل معي وقال لي عاهدني على أنك إن تركت العمل عندي في المحل في يوم من الأيام ألا تشتغل ولا تعمل في نفس المجال التجاري الذي اعمل فيه (فقلت له لا تخف , ثم قال وما الذي يضمن لي , قلت له الله شهيد بيني وبينك , ثم قالي لي احلف , قلت له إني لا أقوم بالحلف وما حلفت في هذه الجلسة قط) وأنا الآن أريد أن أتركه لكي أستقل بالعمل وحدي وأريد أن أعمل في نفس المجال، فما الحكم أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما قمت به يعتبر وعدا والوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق، فقد وصف الله به نبيه إبراهيم عليه السلام فقال: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {النَّجم:37} ووصف به إسماعيل ابنه عليه السلام فقال: وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا {مريم:54} ، وإخلاف الوعد صفة من صفات المنافقين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء به واستحبابه.. فالجمهور على الاستحباب، وذهب البعض إلى الوجوب.
وبناء على هذا، فلا ينبغي لك إخلاف هذا الوعد إلا لعذر شرعي كالاحتياج إلى إخلافه لعدم توفر بديل مناسب عما وعدته به أن لا تمارسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1429(9/2455)
حب الأجنبية بين الحرمة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حب الرجل المتزوج لفتاة أخرى؟....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحب الرجل للمرأة الأجنبية وإقامته لعلاقة عاطفية بها لا يجوز شرعا ولو كان ذلك بغرض الزواج، ويزداد الأمر سوءا والإثم قبحا إذا حصل ذلك ممن رزقه الله تعالى ما يعفه عن الحرام فيتبدل الخبيث بالطيب.
لكن لا حرج في الزواج من ثانية أو أكثر إلى أربع لمن قدر على شرط ذلك وهو العدل. وننبه إلى أن الحب إن وقع في القلب دون إرادة وبذل سبب فإنه لا إثم فيه، لكن على المرء دفعه وعلاجه لئلا يؤدي به إلى ما لا تحمد عاقبته.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقم التالية: 5707، 4220، 104933، 1469.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1429(9/2456)
الحب في إطاره الطبيعي محمود
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميلة لاحظت عليها علامات الإعجاب تجاهي وخوفا من الله سبحانه وتعالى حاولت تقويمها بطرق شتى إلى أن اضطررت أن أوضح لها داءها في أسلوب حاولت أن يكون مهذبا ونصوحا فحاولت إقناعي بأني لا أفهم معنى الصداقة الحقيقية ولاحظت أنها غضبت مني وتجنبتني تماما واكتفت بإلقاء السلام ورده فقط، وسؤالي الآن هو: هل علي إثم فى كل هذه الأحداث، وهل هي لها علي الآن حق أمام الله سبحانه وتعالى، أنا أخاف من مظالم العباد، فأفيدوني؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل أنثى -كما يظهر من بيانات السؤال- فنقول: إن حب المرأة صديقتها لا حرج فيه وهو من الجبلة الطبيعية التي جبل الله عليها الناس، لا سيما إذا كانت الصديقة صاحبة دين وخلق، ولا يلزم من وجود هذه المحبة أنها عشق ونحو ذلك ما لم يوجد ما يدل على كون الحب خرج عن إطاره الطبيعي، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في الفتوى رقم: 8424.
فإن كان قد بدر من صديقتك قرينة تدل على أن حبها لك وإعجابها بك ليس طبيعياً فقد أحسنت صنعاً في نصحها ولا حرج عليك فيما حدث، وإن لم يصدر منها ما يدل على كونه حباً خارجاً عن العادة فقد أسأت الظن بها ولم يكن تقويمك لها في محله فاستغفري الله واعتذري إليها، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 16342، والفتوى رقم: 55821.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(9/2457)
لا تخلو الدنيا من شباب طيبين صالحين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا جميع الفتيان مخادعون أنا أكرههم لأن كل ما يهمهم هو اللهو بمشاعرنا نحن الفتيات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم هكذا على جميع الفتيان خطأ لأن التعميم غير صحيح، فلا زال في الأمة خير، والشباب الطيبون موجودون، وإذا أصلح المرء نفسه واتقى ربه عز وجل رزقه بمثله من الطيبين؛ كما قال: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ {النور: 26} ، وفي المثل أن الطيور على أشكالها تقع، فمن صلح رزقه الله بصالح مثله.
وعلى كل؛ فنوصيك بتقوى الله عز وجل والحذر كل الحذر من العلاقات العاطفية ومن التعارف قبل الزواج ومحادثة الأجانب وغير ذلك مما هو محرم شرعا ويؤدي إلى الفتنة وإلى ما لا تحمد عاقبته، وللمزيد انظري الفتاوى التالية أرقامها: 5707، 24314، 43214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1429(9/2458)
حكم العمل في التجسس على مرتادي النت
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مسلم يعمل في مركز للانترنت في مجال غير اختصاصه نظرا لعدم وجود عمل في اختصاصه.
طلب منه (من طرف الدولة) في المدة الأخيرة أن يقوم زيادة على عمله أن يقوم بتدوين المعطيات الخاصة بكل حريف وبمراقبته (الاسم اللقب العنوان الهاتف بطاقة الهوية) مع العلم أن هذا الإجراء لا يهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما لمزيد التضييق على الحريات وخلق جو من الريبة والخوف ويمكن أن يتسبب ولو بصفة غير مباشرة في الظلم والاضطهاد والقمع. وعند عدم التقيد بهذه التعليمات تسحب الرخصة من صاحب المحل.
الشاب يرى أن هذا العمل لا يمكن أن يقوم به مسلم إلا حسب شروط معينة وفي حالات قليلة جدا وهو لا ينوي المواصلة في هذا العمل.
السؤال: ما حكم الشرع في هذا العمل وأرجو أن تكون الإجابة خاصة وشافية مع الأخذ يعين الاعتبار بالوضع العام في بلاد الشاب.
جازاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطاعة ولي الأمر تكون فيما لم يرد فيه نص بأمر أو نهي، والتجسس على المسلمين والتطلع على عوراتهم منهي عنه، قال تعالى: ولَا تَجَسَّسُوا.
وفي الحديث الصحيح عند أحمد عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته.
ويستثنى من التجسس التجسس على حانة خمر اشتهر وجودها أو بيت لممارسة الرذيلة، ويضاف إليه ما قاله ابن الماجشون: اللصوص وقطاع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم ويعان عليهم حتى يقتلوا أو ينفوا من الأرض بالهرب، وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم.
وبذا يعلم السائل أن التجسس على كل رائد للنت وباحث فيه بدون استدان لا يجوز، ولا سيما إن علم أن في التجسس عليه سيوقع ظلما، وعليه فلا يجوز له العمل في هذا المجال، وراجع الفتوى رقم: 15454، والفتوى رقم: 108047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1429(9/2459)
وجوب الستر على التائب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق يرغب بالزواج ولكنه سيئ الخلق وكان له علاقة جنسية مع فتاة دون زنا ولكنه قد شعر بخطئه وندم وتاب ... وأنا سوف أسأل من طرف العروس فماذا يجب أن أقول وهل هناك ستر بهذه الحال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما يتعلق بسوء خلق هذا الشاب فإن كان لا يزال متصفا بذلك فبالإمكان إخبار من يستشيرك بما يفهم منه أنه غير متصف بما هو مطلوب من حسن الخلق، وأما العلاقة المحرمة فما دام الشاب قد ندم على الذنب فهذه توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب عليه، والستر مطلوب على المسلم وإن لم يتب فكيف وقد تاب، والنصح وإن كان واجبا للمسلم خاصة في أمر النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا استنصحك فانصح له، إلا أنه يشترط لبيان عيوب الخاطب شروط منها ألا يكون قد تاب من هذا الذنب، والشاب المذكور قد تاب من ذلك الذنب.
وعليه؛ فيجب الستر عليه ولا يجوز أن يذكر هذا العيب عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1429(9/2460)
لا ينبغي إساءة الظن بمن كان يسدي معروفا ثم قطعه لسبب ما
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي خال وعد أن يساعدني لظروفي الخاصة بمبلغ شهري كل أول شهر أذهب وآخذ الفلوس وبعد هذا رفع المبلغ وأصبحت حياتي مرتبة على هذا المال وهو غني جداً جداً بارك الله له ومع مرور السنين كان لا يهتم بالاتصال بي وأصبح لازم علي أن أطلب منه الزيارة لأخذ الفلوس لي ولأخوته أي خالاتي وكنت أشعر بالحرج الشديد لهذه المكالمات الشهرية ولكن شدة الاحتياج هي التي كانت تجعلني أتكلم وخصوصا أن خالاتي أصبح أمرهم معي ولكن حدث أن أمي وأخي اشتكوني فى مشكلة بيني وبينهم فى مشاكل ديون وهم لا يسمعون لي وأخذوا يسبون ويشتمون وفي الآخر وجدت نفسي فى حالة انهيار عصبي وفضلت أصرخ واشتكي لله من ظلمهم والحمد لله لم أرد السب بسب، ولكن كنت أصرخ وأشتكي لله بكل ما فتحه الله علي من الدعاء كنت قد قرأته فى القرآن وأنا أصرخ بعيدا عنهم بعد هذا اتصلت بخالي لأخذ الفلوس فقال إنه سيدفع لهم فقط أما أنا فمعاقبة لخروجي عن الأدب فما موقف الشرع فيمن كان يعطي ثم يمنع وهو مازال قادراً، فهل هو ممن يخسرون تجارتهم مع الله وأقسم لكم أن الله أرسل لي من غيره أضعاف ما كان يرسل هذا الشهر وأنا واثقة أن الله سيكون معي فى الشهور القادمة بإذن الله فأنا أربي 5 أولاد لوحدي وزوجي مريض مرضا شديدا والحمد لله وما جزاء الذي يظن بنفسه أنه المعطي والمانع أعوذ بالله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن خالك قد وعدك بمصروف شهري والراجح أن الوعد لا يجب الوفاء به وإنما يندب ويستحب، وذكر بعض أهل العلم أنه يلزم الوفاء به إن ترتب عليه وقوع الموعود في ورطة بسبب الوعد كأن يتحمل حمالة ونحوه على أساس الوعد.
وعلى كل فما كان يفعله خالك بك وبأمك وأخيك هو من البر والإحسان الذي ينبغي شكره ومجازاته عليه بمثله وعدم كفرانه، ومنعه إياك لسبب يراه وجيهاً لا يمحو ويزيل ما كان منه قبل ذلك، والأولى محاولة إقناعة وترضيته وبيان ما حصل ليرضى عنك، ويعيد إليك صلته إن كنت بحاجة إليها.
ونوصيك ببر أمك والإحسان إليها ونحذرك من كثرة جدالها ورفع الصوت عليها فذلك من العقوق المحرم، فاسعي في مرضاتها وبرها وإن أساءت إليك فهي أولى الناس بحسن صحبتك وبرك.
وأما من يظن نفسه المعطي والمانع.. فإن كان يعتقد أنه يفعل ذلك دون مشيئة الله وإرادته فهذا يقدح في إيمانه ويؤدي إلى كفره -والعياذ بالله- إذ المعطي والمانع حقيقة هو الله عز وجل، وما يكون من العبد إنما هو بعد مشيئة الله، كما قال تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير:29} ، وفي الحديث: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ... رواه الترمذي.
ولكن ننبهك إلى أنه لا يجوز تنزيل ذلك على خالك دون بينة قاطعة، ولا يكفي مجرد كونه منعك ما كان يؤدي إليك؛ إذ الغالب أن يكون ذلك حصل منه تأديباً لك على ما يراه خروجاً عن الأدب، ولا يجوز إساءة الظن به، مع كونه ينافي مجازاته بالإحسان على إحسانه، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8543، 25233، 44575، 42026، 18380.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/2461)
لا بأس باللجوء للمعاريض للتخلص من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل هل إذا سألني أحد عن أحد أسراري الشخصية أو أسرار عائلتي الشخصية وقلت لا أدري أو أجبت بصورة غير صحيحة فهل يعتبر هذا كذبا أحاسب عليه لأنه يوجد بعض الناس يحبون التدخل في أسرار الناس ويسألون عن أدق التفاصيل مثل ثمن شقة اشتراها أبي ولا نريد أن نخبر أحدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا سألك شخص عن بعض الأمور الخاصة التي تعلمينها فقلت مثلا: لا أدري ونحوها مما يدل على عدم علمك فهذا كذب لا يجوز، لكن يمكنك استخدام المعاريض بحيث لا يحصل كذب ولا إفشاء سر كقولك: الله أعلم، ونحو ذلك أو تتوقفين عن الجواب إطلاقا لعدم وجوبه أصلا، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 37533.
وينبغي للمسلم الإعراض عما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بالبحث عن أمور غيره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي. وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 60017، والفتوى رقم: 63644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1429(9/2462)
الصلح والعفو خير من التمادي في القطيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالحلف على أن أقوم بإيذاء واحد من الناس بعد أن آذاني وتطاول على بالشتيمة والايدى أمام المارة وعندما علم أحد أصدقائي وهو يعلم أنى أستطيع إيذاءه قرر التدخل وأبلغه أنه سيعمل فيه ما لا يتوقعه وسيؤذى فى عمله كحارس لإحدى المصالح وعندما تأكد له ذلك أتى لعندى وتصالح معى وعفوت عنه لأنه في سن والدى فهل أكون قد ارتكبت إثم النكوث عن القسم بإيذائه وهل يقبل الحلف بالله فى إيذاء من آذانا من المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلقد أصاب الأخ السائل ووفق عندما ركن إلى الصلح وقبله مع الشخص الذي قام بإيذائه وسينال بذلك جزيل الأجر ورفعة المقام إن شاء الله تعالى، ولا يأثم بالحنث هنا بل هو الأولى لأن الصلح أفضل من غيره، وعليه أن يكفر عن يمينه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أصبت ووفقت عندما عفوت وقبلت الصلح مع الشخص الذي قام بإيذائك وستنال بذلك جزيل الأجر ورفعة المقام إن شاء الله تعالى. قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 133،134} وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} وقال تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22}
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
وما جاء في هذا المعنى من النصوص كثير.
ثم إنه لا إثم عليك في الحنث هنا؛ بل هو الأولى لأن الصلح أفضل من غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير. رواه مسلم وعليك كفارة اليمين,
ولينظر الفتوى رقم: 5338، والفتوى رقم: 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/2463)
معنى الصدق في اللغة والشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الصدق لغة وشرعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الصدق لغة هو مطابقة الحكم للواقع. وهذا التعريف عام، ويعرف أيضا بالإخبار على وفق ما في الواقع، وهذا التعريف أخص من التعريف الأول.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصدق هو مطابقة الحكم للواقع، وهذا التعريف عام ويعرف أيضا بالإخبار على وفق ما في الواقع، وهذا التعريف أخص من التعريف الأول، ففي كتاب التعريفات للجرجاني: الصدق مطابقة الحكم للواقع.
ففي الترمذي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.... إلى آخر الحديث، وهو صحيح.
قال في تحفة الأحوذي عند شرح هذا الحديث: أي الزموا الصدق وهو الإخبار على وفق ما في الواقع، فإن الصدق على وجه ملازمته ومداومته يهدي أي صاحبه إلى البر بكسر الموحدة أصله التوسع في فعل الخير، وهو اسم جامع للخيرات من اكتساب الحسنات واجتناب السيئات، ويطلق على العمل الخالص الدائم المستمر معه إلى الموت، وإن البر يهدي إلى الجنة. قال ابن بطال: مصداقه في كتاب الله تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ {الانفطار:13} وما يزال الرجل يصدق أي في قوله وفعله ويتحرى الصدق أي يبالغ ويجتهد فيه حتى يكتب أي يثبت عند الله صديقا بكسر الصاد وتشديد الدال أي مبالغا في الصدق. انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 72510، والفتوى رقم: 26391.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1429(9/2464)
التعامل الحسن مع الناس لوجه الله بغض النظر على حصول المصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ننصح الأخوات اللواتي يتعاملن مع الناس من باب المصالح لا من باب العمل لله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي أن تكون علاقة المسلم مع الآخرين مبنية على أساس الشرع ابتغاء مرضاة الله تعالى وامتثالا لأمره حيث أمر بالإحسان وقال إنه يحب المحسنين، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في السعي في حاجة المسلم وتفريج كربته وستره لا أن تكون على أساس المصالح فقط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ينبغي للمسلم أن يكون تعامله مع الآخرين مبنيا على أساس الشرع ابتغاء مرضاة الله تعالى وامتثالا لأمره حيث أمر بالإحسان وأخبر الله سبحانه أنه يحب المحسنين، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في السعي في حاجة المسلم وتفريج كربته وستره.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري
وفي سنن أبي داود عن أبي إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب الله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان..صححه الألباني
فلتنصح الأخت السائلة هؤلاء الأخوات بأن يكون تعاملهن مع الآخرين منطلقا من علاقة المسلم بالمسلم فيحسن إليهن لله ويقضين حاجتهن لله، فإن الحب لله هو الحب للمؤمن من أجل دين الله وطاعته وامتثال أوامره لا لمصلحة دنيوية أو قرابة، والبغض عكسه فهو بغض العاصي بسبب معصيته بقدر معصيته وبغض الكافرين والبراء منهم.
قال صاحب تحفة الأحوذي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي يحبه لغرض وعرض وعوض، ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري، بل محبته تكون خالصة لله تعالى فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين. انتهى
وقال المناوي: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي لا يحبه لغرض إلا لغرض رضا الله حتى تكون محبته لأبويه لكونه سبحانه أمر بالإحسان إليهما، ومحبته لولده لكونه ينفعه في الدعاء الصالح له وهكذا.
وقال أيضا عند شرح حديث أبي داود: من أحب وأبغض وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، من أحب لله أي لأجله ولوجهه مخلصا لا لميل قلبه وهو نفسه، وأبغض لله لا لإيذاء من أبغضه له بل لكفره أو عصيانه، وأعطى لله أي لثوابه ورضاه لا لميل نفسه، ومنع لله أي لأمر الله كأن لم يصرف الزكاة لكافر لخسته وإلا لهاشمي لشرفه؛ بل لمنع الله لهما منها. انتهى.
وقال أيضا: أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله لا لغيره، فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه، ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له. انتهى.
فكل مسلم مطالب بمعاملته إخوانه المسلمين بالطيب فيسلم عليهم ويبش في وجوههم وينصح لهم ويهنئهم ويعزيهم ويحسن بهم الظن ويساعدهم قدر المستطاع ويحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه يستوي في هذا سائر المسلمين بغض النظر عن القرابة والمصالح، وهذا لا يعني أن المصالح غير معتبرة بل هي معتبرة في الجملة، فيشرع للإنسان أن يكافئ من أحسن إليه كما أن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها، كما يشرع له أن يتبادل المنافع مع الآخر لكن لا ينبغي أن يكون تعامل المسلم مع الآخرين على أساسها فقط، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكافأة من أسدى معروفا بقوله: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ... رواه أبو داود وصححه الألباني
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها:
103867، 49028، 46583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1429(9/2465)
حرمة نقل الكلام بين الأشخاص على وجه الإفساد
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءت إحدى الأخوات (ا) وتحدثت بكلام غير صحيح وطيب عن أخت صديقة لي في أكثر من مجلس فقمت بتبليغ الأخت بأن (ا) تحدثت عنك وهل الكلام هذا صحيح. حدثت مشكلة كبيرة السؤال هل أنا عندما نقلت الكلام أصبح آثمة ونمامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب على هذه المسألة يقتضي ذكر عدة أمور:
أولا: الواجب الدفاع عن عرض المؤمن إذا تعرض له أحد بالثلب والسب والانتهاك.
قال صلى الله عليه وسلم: من ذب عن عرض مؤمن ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة. أخرجه الترمذي.
ولأبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يخذل مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته، وما من مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته. أخرجه أبو داود.
ثانيا: الأصل حرمة نقل الكلام على وجه الإفساد من شخص لآخر، وهو من النميمة المحرمة فعليك الاستغفار من ذلك والتوبة والكف.
ثالثا: إذا اضطر الإنسان إلى البلاغ في حالات معينة كالتحذير ونحوه فإنه أولا يذكر الأمر من غير تعيين لمن تكلم من الأشخاص، فإن كان الأمر يتعين فيه الذكر لدفع ضرر على نفس الشخص أو ماله أو عرضه فإنه يذكر ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فلا يتوسع في النقل والكلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1429(9/2466)
حكم تغيير الاسم العربي إلى أجنبي والكذب من أجل العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل كبائعة بشركة أجنبية؛ ويلزمني عملي أن أغير اسمي العربي إلى اسم أجنبي وأن أكذب وأقول إنني ببلاد أجنبية، فهل هذا حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تغيير الاسم إلى اسم آخر يباح لتحقيق مصلحة إذا لم يكن في الاسم الأخير محظور شرعي، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 61509، والفتوى رقم: 47312.
والأصل في الكذب الحرمة، ولا سيما إذا ترتب عليه غش أو تدليس، وإذا احتاج إليه المرء حاجة معتبرة فإن عليه استعمال المعاريض، فإنها مندوحة عن الكذب، ولك أن تراجعي في ذلك الفتوى رقم: 1126.
ثم إن السكن ببلاد الكفر والعمل بالمؤسسات التي يقوم عليها الكفار يجب فيه أن يظل العبد خاضعاً لأحكام الله تعالى منقاداً لشرائعه مستقيماً على طاعته، فإن ترتب على السكن ببلاد الكفر أو الشغل بمؤسسة عدم الالتزام بالدين وجب على المسلم التمسك بدينه وترك ما يؤدي للمحظور وسيعوضه الله خيراً مما ترك، ففي الحديث: إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الألباني. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97334، 108382، 36816، 22873، 104538.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1429(9/2467)
حكم أخذ مساعدات باسم الغير لعدم توفر الشروط
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي صيغته كما يلي: في بلادنا الجزائر تقوم الحكومة بتقديم مساعدات مالية من أجل بناء مسكن عائلي, ومن أجل ذلك تقدم تلك المساعدات بشروط تعجيزية من بينها أن لا يتعدى راتب الفرد مبلغ (60000 د ج) ، ولو بقليل وهذا الشرط لا يتوفر في, ولهذا قمت بطلب السكن باسم شخص يتوفر فيه ذلك الشرط، وعند استلام المسكن يقوم المستفيد بكتابة المسكن باسمي وأنا في حاجة ماسة إلى السكن، إذاً هل هذا جائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحصول على هذه المساعدات إذا كان مشروطاً بشروط، فلا يجوز أن يتحايل على الحصول عليها من لم تتوفر فيه تلك الشروط، ولا يجوز لغيره إعانته على تحقيق ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم.. رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ... ويستثنى من ذلك ما إذا كانت الحاجة بلغت منك مبلغ الضرورة فيجوز لك حينئذ استخدام الحيلة المذكورة، فقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ {الأنعام:119} ، والقاعدة الفقهية الكبرى (الضرورات تبيح المحظورات) تدل على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1429(9/2468)
توبة المغتاب وسبيل التخلص من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أدفع الغيبة فما هو السبيل لدفع ذلك، وأريد أن أتوب لأنني أحيانا عندما أتحدث أغتاب لذلك قمت بحذف أرقام الأخوات اللاتي أتحدث معهن وكلما أتوب أعود إلى نفس العمل وقد اغتبت فكيف أكفر عن الناس الذين اغتبتهم وكيف أتوب ولا أريد أن أرجع، فأرجو أن ترشدوني إلى سبيل للتخلص نهائيا من الغيبة فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة من الأمور المحرمة شرعاً، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ {الحجرات:12} ، فعلى السائلة أن تتوب توبة نصوحاً من الغيبة بالإقلاع عنها والندم على ارتكابها مع العزم على عدم العودة إليها ولتجاهد نفسها على البعد عن هذا الأمر المحرم باستشعار حرمته وعقوبته عند الله تعالى مع البعد عن الأشخاص الذين يغتابون الناس والمجالس التي تمارس فيها الغيبة.
وبخصوص الأشخاص الذين اغتبتهم فاطلبي منهم العفو والمسامحة من غير تصريح بما تلفظت به في حقهم وإن كان طلب المسامحة منهم سيترتب عليه مفاسد أعظم، فاقتصري على الدعاء لهم وذكرهم بخير، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 24940، والفتوى رقم: 18180.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(9/2469)
كذب على أبيه بشأن الكلية التي يدرس فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إلى الهند لغرض دراسة الصيدلة ووجدت كلية جيدة ومهيأة ولكن الرسوم السنوية كانت تبلغ 5000دولار وعندما أخبرت والدي رفض دفع المبلغ بشدة فكذبت عليه وقلت له إني وجدت كلية بـ 3000 دولار وأقنعته بذلك فأرسل لي المبلغ وكنت أريد أن أدفع الـ 3000 دولار لهذه الكلية وأكمل باقي المبلغ (2000دولار) من مصاريفي الخاصة، ولكني وجدت أن هذه العملية صعبة فتخليت عن هذه الكلية وبحثت ووجدت كلية برسوم سنوية3000 دولار فالتحقت بها وأخبرت والدي أني تركت الكلية والتحقت بكلية أخرى وأخبرته عن رسومها السنوية وعندما سألني والدي سبب تركي للكلية السابقة لم أخبره بالسبب الحقيقي (رسوم الكلية السابقة 5000 دولار وليست3000 دولار) ، فكذبت وقلت إن المقاعد المخصصة للقبول قد انتهت وأنا الآن في الكلية الأخرى ووالدي يعلم عنها جيداً ولم يبد أي رفض، ما حكم دراستي في هذه الكلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دراستك في الكلية لا حرج فيها مع تعمدك الكذب على والدك بخصوص سبب تركك للكلية الأولى، ولا علاقة بين مسألة الكذب ومسألة الدراسة بالكلية، وننصح السائل الكريم بتحري الصدق وإن رأى فيه الهلكة فإن فيه النجاة، وفي الحديث: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. رواه مسلم.
قال النووي: قال العلماء هذا فيه حث على تحريه الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1429(9/2470)
استخدام المعاريض عند عدم الرغبة في الإقراض والإعارة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ في بعض الأحيان يستلف مني بعض الأشخاص نقودا أو يستعيروا أشياء وبعدها يماطلون في ردها أو يردوها معطوبة، وأحيانا تحدث بعض المشادات الكلامية والغضب فكيف أرد شخصا إذا كنت لا أريد إعارته بصورة شرعية وبدون كذب. أفتونا جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في الأثر الصحيح عند البخاري في الأدب المفرد عن عمر: أما في المعاريض ما يكفي المسلم عن الكذب.
فلك أن تستعمل التورية والمعاريض كأن تقول ليس عندي الآن وتقصد أنها ليست في مكانك الذي تقف عليه أو مجلسك فهذا من المعاريض.
أو تقول إذا يسر الله أو جاءنا مال فيكون خيرا إن شاء الله فهذا ونحوه من المعاريض الصارفة عن المرء ما يكره.
وننبه إلى أن القرض قربة عظيمة والتجاوز عن المعسر وإمهال الموسر سبب لمغفرة الله، جاء في صحيح البخاري: أن رجلا كان يداين الناس فكان يتجاوز عن المعسر ويمهل الموسر فيتجاوز الله عنه، وأما العارية فقد ورد في فضلها ما رواه البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال أبو عبيد المنيحة عند العرب على وجهين أن يعطي صاحبه صلة فتكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15937، 58927، 58850.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/2471)
حكم إبلاغ الزميل ما قيل فيه تفاديا لضرر قد يصيبه
[السُّؤَالُ]
ـ[تكلم زميل لي بالشركة عن زميل آخر بصورة سيئة قد تتسبب في فصله أو الإضرار به ولو كان الضرر معنويأ بمعنى آخر أن يأخذ المستمع للكلام فكرة عن الزميل المتكلم عنه أنه ليس جديا في العمل........ هل يحق لي نقل الكلام لهذا الزميل حتى يستطيع أن يدافع عن نفسه أم أن هذا يعتبر من النميمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان عليك القيام بالرد عن عرض أخيك في غيبته مع بيان براءته مما وصف به إن كان بريئا.
فقد ثبت في الحديث الصحيح الترغيب في رد المسلم عن عرض أخيه المسلم في غيبته إلى جانب ثبوت الوعيد الشديد في شأن خذلانه وعدم نصرته.
وإذا كان الكلام المتعلق بزميلك يترتب عليه فصله من عمله أو حصول ضرر معتبر فلا يحرم إخباره بما قيل عنه ليحذر من الشخص المتكلم في شأنه ويدحض أقواله ويبرئ نفسه من التقصير المنسوب إليه عند جهة العمل، وليس هذا من النميمة المحرمة بل من باب النصيحة، وإن أمكن دفع هذا الضرر دون تعيين من تحدث عنه فإنه يتعين ذلك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتويين التاليتين: 58639، 5557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1429(9/2472)
الحلم وترك الانتقام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحد غلط علي فماذا أرد عليه به، هل بالكلام أم ماذا، فإن سكت قالوا ضعيف، وإذا رفعت صوتي بالرد عليه ألام أريد حلاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بمجاهدة النفس في سبيل الاتصاف بالحلم ومدافعة الغضب وعدم مكافأة من أساء إليك بالمثل فالحلم صفة يحبها الله تعالى.
فف ي صحيح مسلم وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة.
ولا يدفعك إلى الانتقام كونك قد توصفين بالضعف أو العجز فلا تلتفتي إلى مثل هذا الكلام واستعيذي بالله تعالى من شر الشيطان الرجيم، مع التنبيه إلى أنه يجوز لك أن تردي على من أخطأ إليك بالمثل من غير زيادة، وإن كان الحلم والعفو خيرا لك وأرفع درجة في حقك.
وراجعي للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 71999، والفتوى رقم: 24820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1429(9/2473)
الكذب للستر على مسلم يخاف عليه من الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بوظيفة التدريس بإحدى الجامعات الخاصة وفي أثناء عملنا بالكنترول وجدت ورقة إجابة طالب بها جزء غير مصحح وقمت بعرضها على رئيس الكنترول وهو أيضا عضو هيئة تدريس وطلب مني إرفاقها بظرف لعرضها على أستاذ المادة وأثناء الرصد اكتشفنا عدم وجود هذه الورقة وتذكرت أنها تلك التي كنت قد وضعتها في الظرف وفي أثناء التحقيقات قلت الحقيقة كاملة ولكن رئيسي أنكر معرفته بكل شيء واتهمني أيضا بأنني أعرف هذا الطالب وفعلت ذلك من أجل أن ينجح_حيث إنه قانونا عند ضياع أي ورقة إجابة يتم حصوله على تقدير مقبول_وبعد ذلك وجدت توبيخا شديدا ممن حولي وقالوا لي ما كان يجب عليك أن تقولي الحقيقة حيث إنك قد الحقت به الضرر خاصة مع العميدة ورئيس الجامعة وكان يجب عليك أن تلجئي إلى ما يسمى المعاريض وبالتالي ذهبت إلى رئيسي لأعتذر إليه ولكن كان شديد اللوم علي أيضا ونهرني لأنني قلت كل شيء بالتفصيل وسؤالي هو هل كان يجب علي فعلا عدم إخبارهم بشيء؟ وأن ألجأ إلى المعاريض؟؟؟
وإذا كانت الإجابة بنعم فكيف أصلح ما بيني وبين رئيسي وهو أيضا أستاذي؟ هل يجب علي الذهاب إليه ثانية؟ وهل أواجهه بما قال عني واتهمني به؟.
أفيدوني وأعتذر لكم عن الإطالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل ألا يتكلم المسلم إلا بالحق والصدق وأن يبتعدعن الكذب في كل حال.
وقد ذكر أهل العلم أن الكذب يجوز للستر على مسلم يخاف عليه من الضرر إن تبينت الحقيقة، ويتعين الحرص على التورية والمعاريض قدر المستطاع تفاديا للكذب وتحصيلا لمصلحة الستر، فقد قال عمر رضي الله عنه: إ ن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وقد كان الأولى أن تذكري رئيسك بالموضوع ليخبر الإدارة بما يراه مناسبا ويتحمل المسؤولية أمامهم، وأما إذ حصل ما حصل فما كان له أن يشتد عليك ويتهمك، ولا بأس في الاعتذار إليه ثانيا حتى تنتهي المشكلة فإن هذا أولى وأفضل، وننصحك بالحفاظ على الطاعات والمواظبة على الأذكار المسائية والصباحية ليحفظك الله من ظلم وشر كل ذي شر.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52451، 75026، 74645.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(9/2474)
حكم الإخبار كذبا بأن فلانا أرسلني إليك لتيسير إجراءات المعاملات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تمشية أو قضاء المعاملات الخاصة بي عن طريقة الكذب وهي عند الضرورة، مع العلم بأني إذا لم أفعل هذا لا تتم المعاملات.. على سبيل المثال تقول له أنا من طرف فلان أو شخص ذي منصب وهكذا تتم المعاملة حتى لو كانت فيها مخالفات قانونية؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب محرم، وهو كبيرة من كبائر الذنوب فلا يجوز المصير إليه ولو لتحقيق مصلحة معينة إلا إذا تعين طريقاً للوصول إلى الحق، وعلى هذا فإن لم يجد الشخص سبيلاً لتخليص معاملته المباحة التي توصله إلى الحق من حقوقه إلا بالكذب فلا حرج عليه في الكذب في هذه الحالة، ولكن لا يجوز له أن يخبر أنه من طرف فلان من الناس إلا بإذن منه، لأن الأمر هنا تعلق بحق الغير، وقد يلحقه من ذلك ضرر، وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 56646، وإذا أمكن هذا الشخص التوصل إلى حقه بالمعاريض فلا يجوز له أن يلجأ إلى الكذب الصريح، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 58927.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(9/2475)
حكم دفع المال صونا للعرض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ضوابط ما يسمى شراء العرض من الأشخاص الذين يطلبون منك حاجة وإذا رفضت يشتمونك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج على المرء في أن يدفع المال صوناً لعرضه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذبوا عن أعراضكم بأموالكم. رواه الديلمي عن عائشة والخطيب عن أبي هريرة وصححه الألباني. وجاء في فيض القدير: ذبوا أي امنعوا وادفعوا (عن أعراضكم) بفتح الهمزة (بأموالكم) .. قالوا: يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا قال: تعطون الشاعر ومن تخافون لسانه. انتهى بلفظه.
وفيه أيضاً: قوا بأموالكم عن أعراضكم. أي أعطوا الشاعر ونحوه ممن تخافون لسانه ما تستدفعون به شر وقيعتهم في أعراضكم بنحو سب أو هجو. أنتهى ... وضابط هذا أن يتعين وسيلة لدفع هذا الضرر، وأن لا يخشى بدفع المال ضررا أعظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(9/2476)
عدم الارتياح من الخاطب ليس من كفران العشير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة منّذ فترة ولكن غير مرتاحة مع خطيبي ولي أسبابي التي ظهرت من أسلوبه معي في الكلام فأخبرت أهلي، فهل أنا من النساء اللاتي يكفرن العشير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت ليس فيه كفران للعشير ولك فسخ الخطبة أن بدا لك ذلك، والمقصود بكفران العشير هو حجود النعم وأفعال البر التي تسدى إلى المرء سواء أكان ذلك من الزوج أو الزوجة أو غيرهما، فمن أسدى إليه شخص نعمة ثم كفرها ولم يكافئه على جميله بل ربما يقول ما رأيت منه خيراً قط، فهذا هو كفران العشير وجحود النعمة..
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31276، 69912، 57338، 62333.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1429(9/2477)
طرق عملية لتجنب الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند زيارتي لوالدتي وأخواتي يخبرنني كل أخبار وقضايا العائلة والتي تتضمن مساحة كبيرة من الغيبة وقد أصبحت محاولاتي لتغيير مجرى الحديث أو النصح بالحسنى تثير غضب والدتي. فماذا أفعل؟ وبم تنصحني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيبة محرمة شرعا؛ لقول الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12}
فيتعين عليك السعي في صرفهن في الوقت الذي يغتبن فيه عن الحديث في الغيبة إلى الحديث في موضوع آخر ولو بالسؤال عن خبر آخر أوإثارة موضوع جديد أو مفارقة مجلسهم الذي يغتابون فيه، وراجعي الفتوى رقم: 32433.
ثم ابذلي أقصى ما يمكن بذله في إقناعهن بالبعد عن اغتياب الناس، فبيني لهن الحكم ورهبيهن مخاطر الغيبة، ويمكن أن تتحاوري مع الأخوات في غياب الوالدة لعل الله يهديهن ويرزقهن الاقتناع بالحكم.
ولا تيأسي من الوالدة وواصلي نصحها برفق مع الدعاء لها وحاولي عند اللقاء بالأهل أن لا تتركي الحديث لهن، بل اشغليهن بقصص السلف وأخبار التائبين والحديث عن الآخرة والجنة والنار، أو ناقشي معهن بعض الأفكار المفيدة في تربية الأبناء.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75535، 6710، 44416، 45328، 76270، 29929، 68611، 69545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1429(9/2478)
النهي عن العصبية والتنفير منها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير ... أنا موظف لدى شركة ولكن لم أتأقلم مع طبيعة العمل وذلك لتواجد العمالة الأجنبية والتي تتحيز لأبناء وطنها ويضايقني هذا الشيء وعُرض علي العمل لدى الشركة السعوديه للأبحاث والنشر، وأنا والله لم أفكر بزيادة الراتب بل على العمل براحة وبدون تحيزات ولكن أردت إفتائي في هذه المسألة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التحيز لأبناء الوطن -إذا كان على أساس عنصري على وجه العصبية وعلى حساب الحق- من دعاوى الجاهلية التي جاء الإسلام بهدمها والتحذير منها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: اقتتل غلامان. غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون: ياللمهاجرين، ونادى الأنصار: ياللأنصار.. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية. فما تقوم به هذه العمالة -على ما ذكرت- لا يجوز إذا كان دافعه العصبية، والنصيحة أن تبين للمسلمين منهم أن رابطة الإسلام هي أعلى رابطة، وأن الإسلام لا يقلل من شأن رابطة القرابة بل جعل صلة الرحم من آكد الواجبات، لكن إذا وصلت هذه الرابطة إلى حد العصبية فإنه يمقتها وينهى عنها ويصفها بأنها (منتنة) ، والنصيحة كذلك أن يبين لغير المسلمين منهم أخلاق الإسلام وبعده عن العصبيات، يبين ذلك لهم بالقول والسلوك لعل الله يفتح قلوبهم للإيمان.
أما بخصوص العرض الذي قدمته الشركة السعودية للأبحاث، فالنصيحة إذا كنت عاجزاً عن الصبر على تلك العمالة أن تستخير الاستخارة الشرعية المعروفة، وتستشير الثقات المأمونين في تلبية هذا العرض، على أنه لا بد أن تعلم أن العقد الذي بينك وبين المؤسسة الأولى هو عقد إجارة، وهو من العقود اللازمة لكلا الطرفين بحيث لا تستطيع الانفراد بإنهائه إلا إذا انتهت مدته، وللمزيد من الفائدة في ذلك راجع الفتوى رقم: 27966، والفتوى رقم: 28152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1429(9/2479)
التسامح والعفو عن الصديقة المسيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتنا زميلة جديدة إلى العمل وهي ذات واسطة (مثل ما يقولون) وحاولت أخذ مكاني رغم أن شهادتها مختلفة ولا تعرف إنجاز العمل الذي أقوم به، المزعج في الأمر أنها كانت تدعي محبتي أمام الآخرين وفي الخفاء تسعى لأخذ مكاني ومكانتي، وتسيء إلي بشكل أشعر به أنا ولا يراه من حولنا بل إنها تقول للآخرين إنها تحاول أن تصبر على ردود أفعالي (الناتجة عن إساءتها إلي وادعائها إتقان عملي لتأخذ مكاني وهي لا تتقنه بل تحاول أن تتعلم مني من خلال صداقتها المزعومة) .
سؤالي: حالياً تحسن الوضع قليلاً فهي الآن ذات مكانة جيدة، وبعدت عني قليلاً لذلك قلت في نفسي أن التسامح شيء رائع يجب أن أقوم به لكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أنسى ما كان منها لا سيما أنها تقوم أحياناً بأفعال إما مشابهة للماضي أو أفعال تذكرني بما بدر منها سابقاً.
هل عدم نسياني للماضي ومحاولتي الابتعاد عنها وتجنب العمل معها قدر الإمكان مناف للتسامح الذي أسعى إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الشيطان ينزغ بين المؤمنين للوقيعة بينهم، وأكمل المؤمنين أحسنهم أخلاقا ومن أعظم الأخلاق العفو والمسامحة والتماس العذر لمن أخطأ في حقك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن من دأب الشيطان النزغ بين المؤمنين ومحاولة الوقيعة والإفساد بينهم كما قال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53}
وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ.
وَمَعْنَاهُ كما قال النووي: أَيِس أَنْ يَعْبُدهُ أَهْل جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيش بَيْنهمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاء وَالْحُرُوب وَالْفِتَن وَنَحْوهَا.
وينبغي للمسلم أن يتحمل ما قد يلقاه من إخوانه من أخطاء في حقه وأن يقيل عثراتهم وأن يستعمل معهم الصفح والغفران وأن يتسامح معهم ما أمكنه، وله بذلك الثواب العظيم والأجر الجزيل.
قال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:35،34}
فتسامحك معها وتناسيك ما كان منها دال على خلق عظيم، وليس شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق.
فاجتهدي في نسيان ما كان منها وحاولي ان تلتمسي لها عذرا فذلك هو الأكمل والأفضل، قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور: &1634;&1634;} .
وإذا كان تباعدك عنها يذهب عنك ما تجدينه عليها ويصرف عنك الغيظ والحنق عليها فلك ذلك دفعا لأعظم الضررين، مع مراعاة عدم هجرها بالكلية لأن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام محرم.
وأما كون ذلك التباعد أو عدم مقدرتك على نسيان ما كان يتنافى مع التسامح المطلوب فذلك هو الظاهر، لكنه غير لازم بل إذا نويت بالتباعد أن يعينك ذلك على النسيان ليكون ذلك عونا على أن تتحسن العلاقة بينكما فإن ذلك لا يتنافى مع التسامح بل هو سبب إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(9/2480)
حكم لعن العاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تقول لزوجها لعنة الله عليك إذا رأته يتفرج على أشرطة أغان غير مباحة أقصد نساء عاريات إذا نصحته أولا ولم يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب (الخمر) فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فو الله ما علمت -أي لقد علمت- أنه يحب الله ورسوله.
وهذا الحديث استدل به الجمهور على حرمة لعن العاصي المعين، ولو ارتكب كبيرة من الكبائر كالخمر ونحو ذلك، وهذا الذي رجحناه في فتاوى سابقة. وقد ورد عن أحمد الكراهة كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة.
واختار ابن الجوزي الجواز وكذلك الإمام البلقيني والإمام أحمد في رواية، واستدل لهم بلعن الملائكة المرأة الممتتنعة عن فراش زوجها، وفي نهاية المحتاج للرملي الجواز على الكافر والفاسق، وهذا كله في لعن الفاسق أي صاحب الكبيرة أو المصر على الصغيرة، وبرأي الجمهور فالأولى للإنسان أن يجتنب ذلك، إلا أنا نقول لما ورد من التشديد في النهي عن اللعن فعلى المرأة معالجة الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن كفارا بأعيانهم في دعاء القنوات فنهاه الله عن ذلك، وأمره في غير آية بالصبر والدعوة بالحسنى.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30017، 8635، 14525.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1429(9/2481)
لا منافاة بين التوكل والعمل عند غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المرات تلفظت بقول "حسبي الله وحده ونعم الوكيل" وأنا أتلفظ بهذه الجملة نويت أن لا أعتمد أو أتوكل على إنسان غير مسلم أو أعمل عند إنسان غير مسلم أو مع إنسان غير مسلم في أي أمر من الأمور ولكن بعد دقائق تنبهت أني قد أحتاج أن أعتمد على إنسان غير مسلم مثل أن أطلب منه مساعدة أو أتعلم منه أو أعمل عنده أو أعمل معه.
فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شيء عليك إن عملت عند غير المسلم أو معه أو تعلمت منه ولو نويت ما ذكرت عند مقولتك هذه ما لم يكن ذلك العمل يترتب عليه الوقوع في محرم شرعا.
وذلك أن حقيقة التوكل هي عمل القلب، وهو صدق الاعتماد على الله عز وجل والثقة به مع الأخذ بالأسباب، فلا يتنافى أخذك بالأسباب مع توكلك، ولا تتعارض نيتك مع ما تقوم به من هذا العمل الذي تحتاجه، أو ما تتعاطاه من سائر الأسباب المباحة مع تعلق قلبك بربك، وأنه لا رزق إلا منه، ولا خير إلا من عنده، بل هذا من تمام توكلك.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 53203.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1429(9/2482)
عالج كذب زوجتك بالحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحل في زوجة كاذبة للعلم ليست أول مرة لكن لوجود طفل معنا وهي حامل أنا سامحتها فيما فات وهذه المرة لا أقدر أسامحها لأن الكذب بنفس الأسلوب الذي أنا حذرتها منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يذكر السائل نوع الكذب الذي كذبته زوجته عليه، فلعله يكون من الكذب الجائز بين الزوجين. ففي الحديث فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وعلى كل حال ينبغي للزوج أن يعالج الأمر بحكمة، وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك، مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر، أو قال غيره. رواه مسلم.
ولن يجد الشخص امرأة كاملة لا عيب فيها ولا نقص، فالكمال لله عز وجل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(9/2483)
مقابلة الزوجة إساءة أهل زوجها بالإحسان إليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد المساعدة أنا من النوع الذي إذا آذاني أحد لا أسامحه أبدا ولا أنسى الإساءة لكنني لا أرد الإساءة بالإساءة، بل أصبر وأصمت لكنني لا أسامح وأشعر بغليل قوي في قلبي اتجاه الشخص الذي أساء لي إساءة كبيرة، ومنهم حماتي وعمتي وأخت زوجي لا أستطيع مسامحتهم لكني أعامله خير معاملة لدرجة أن حماتي وعمتي شتموني وصمت احتراما لزوجي كما أنهن كانتا تغتاباني في غيابي وكان هذا الكلام يصلني لكني لم أكن أعلق وأتجاهل الأمر أمام الناس لكني أشكو لزوجي فقط وهو متفهم ويعلم أني محقة، فهل أنا مذنبة بما أشعر به اتجاههم وهل الحقد الذي أشعر به ومقابلة المعاملة الحسنة لهم مني تعد نفاقا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
فقد أحسنت في معاملتك من أساؤوا إليك بالحسنى، ولا تؤاخذين على ما في قلبك من عدم الرضى عنهم واستحضار إساءتهم، لكن يجب أن لا تحقدي عليهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال تعالى: وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ففي هذه الآية مدح الله من صبر فكظم الغيظ، وأثنى على من عفا عن الناس. وقد وفقك الله بالصبر على الأذى وعدم رده بمثله والله يقول: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}
أما أنهن يغتبنك فننصح بألا تصدقي نقلة هذه الآثام، بل اللازم زجرهم ونهيهم عن الإقدام على مثل هذا. ومقابلتك من أساء إليك بالمعاملة الحسنة لا تعد نفاقا بل هو من الأمور المطلوبة شرعا قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} كما ننصح بعدم الإكثار على زوجك ودوام إخباره بهذه الأمور حتى لا يوغر صدره على أمه، ويفضي هذا إلى العقوق. واحتسبي عند الله أجرك، وزادك الله صبرا وعفوا وكتبك في عباده الصالحين. وراجعي فتوى: 29294، 51373، 74817.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(9/2484)
دفع الضرر عن النفس لا يبيح إيقاع مثله على الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قصتي طويلة جدا ولكن سأحاول أن أختصر أنا امرأة متزوجة منذ سنوات طويلة جدا أي أكثر من عشر سنوات والحمد لله لدي بنون وبنات ولكن مشكلتي في أخوات زوجي كثيرات القيل والقال وحب الفتنة وكثرة المشاكل والغيبة والنميمة وأنا كنت أستمع لهن ولا أخبر زوجي بشيء عن مشاكلهن وكانت لهن زوجة أخ تثق بي ودائما تخبرني بما في قلبها وكانت لا تحبهن ولا يحببنها وكانت تغتابهم ويغتبنها ولكني لا أخبر أي أحد منهن بشيء وفي يوم من الأيام حصلت مشاكل بين واحدة من أخوات زوجي وأخواتها وكانت الصغيرة منهن فبدأت أخفف عنها وأصبرها لدرجة جعلت أخواتها يحقدن علي كن لا يريدنني أن أجلس مع أختهن أو أتقرب إليها مع أني والله يشهد علي أني وبشهادة الجميع طيبة جدا جدا مع الكل وأصبحن يضايقنني بالكلام والأفعال أيضا وأذكر انه في مرة من المرات حصل موقف وهو أن زوجي ضربني ضربا مبرحا على وجهي بسبب إحدى أخواته كذبت علي عند زوجي وصدقها ولم يعطني فرصة للدفاع عن نفسي ولكن هذا الموقف كان بعد زواجي بأربع سنوات تقريبا منذ أن تزوجت وأنا مكتشفة سيطرة أخوات زوجي على إخوانهم ولكن ما كان بيدي حيلة ولكن قررت أن أصبر حتى أكسب ثقة زوجي وأهله وأكسبهم بالطيب وفي يوم من الأيام فتحت أخت زوجي الصغيرة قلبها لي وأخذت تعلمني بأسرارهم مثلا عندما يغتبنني أخواتها أو عندما يقلن عني شيئا تخبرني به فارتحت ووثقت بها وأخذت أقول لها أسرار زوجة أخيهن وماذا تقول عنهن ولكن يشهد علي الله أني لم تكن بنيتي أن أضر هذه الإنسانة التي هي زوجة أخيهم وفي يوم جاءتني أخت زوجي الصغيرة تخبرني بأن زوجة أخيهم تغتابني وتقول عني كلاما سيئا فقلت بيني وبين نفسي لماذا وأنا أسمع منها كلاما وغيبة ونميمة ولا أخبر أحدا خوفا من المشاكل والقيل والقال فقالت لي أخت زوجي لماذا لا تسجلين لها مكالمة تلفونية وهي تتحدث معك وتخبئينها كسلاح عندك لأنها محتمل أن تذهب لزوجك وتقول عنك كلام غير صحيح فكيف سيصدقك زوجك فأعجبتني الفكرة وفعلا سجلت مكالمة بيني وبينها وكانت تغتاب زوجها وإخوة زوجها وكان واضحا في شريط التسجيل تحريض زوجها على أهله فجاءتني أخت زوجي الصغيرة وسألتني هل سجلت أم لا فقلت لها نعم فقالت لماذا لا تسمعين زوجك التسجيل قلت لها لماذا قالت لكي يثق بكي ويصدقك ولكن لا تخبريه بأني أدري والشريط لم يكن يدري به إلا أنا وهي وحلفتها بأن لا تخبر به أحدا وأنا نيتي من التسجيل أن أكسب ثقة زوجي وأن يصدق كلامي عن اقتناع وأن يحذر من زوجة أخيه فقط لأنه كان يثق في زوجة أخيه ثقة عمياء ومستحيل أن يصدق أي كلام عنها لأنها زوجة أخيه الكبير وهي توحي من طريقة كلامها بأنها شخصية رزينه وامرأة عاقلة جدا فناديت زوجي وأخبرته بالموضوع وأسمعته الشريط فصدم من ما سمعه فقال لي هل يوجد أحد يدري بهذا الشريط قلت له لا فقال لا تخبري أحدا يكفي أني أنا عرفتها على حقيقتها وإذا حصل أي شيء لن أصدقها قلت له حسنا فقطعت الشريط أمامه وانتهى الموضوع بالنسبة لي ولكن لم أعرف أنه لم ينته بالنسبة لأخت زوجي فقد خانتني وأخبرت أخواتها ووصل الأمر لأخيهم وزوجته وزوجي الذي جاءني وقال لي لماذا كذبت علي وقلتي لي إنه لا يعلم بأمر الشريط سوانا وطلقني زوجي لكي يثبت لأخيه أنه غير راض عن تصرفي فغضبت أخوات زوجي وأمه لأنهن كن يريدن من فضح أمر الشريط هو طلاق زوجة أخيهم وليس أنا فأخذن يتوسطن لي عند زوجي لكي يرجعني لأنهن أحسسن بالذنب لقد تسببن في طلاقي فأقنعن زوجي ورجعت ومع هذا لم أفضح سر أخت زوجي ولم أخبر أخواتها بأنها كانت تنقل لي كل كبيرة وصغيرة يقولونها عني فأخذت الحذر من الجميع وفقدت الثقة بالناس أما عن ردة فعل زوجة أخيهم وأخي زوجي فلنا اليوم تسع سنوات لا نسلم على بعض أنا لا ألومهن ولكن والله والله والله لم أقصد أن أفضح أمرها عند الجميع أخت زوجي هي من فضحتها صحيح أنا سجلتها ولكن كانت نيتي فقط أن أسمعها زوجي لكي لا يصدقها ومرت سنون وسنون واستطعت كسب ثقة الجميع بما فيهم زوجي وكانت أم زوجي تحبني كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقعت في أخطاء عظيمة وأوزار كبيرة بما اقترفت من النميمة والتجسس والتحسس على أخوات زوجك وعلى زوجة أخي زوجك، وقصدك الطيب لا يبيح لك الوسائل المحرمة للوصول إليه، كما أن دفع الضرر عن النفس لا يبيح إيقاع مثله على الغير. ويمكنك دفع الضرر بالطرق المشروعة، فتوبي إلى الله تعالى مما وقعت فيه توبة صادقة ولا تعودي إليه، واحذري من الغيبة والنميمة أو التسمع إلى من ينقلها، وعاقبة ذلك مع ما فيه من الإثم هي ما رأيت وقديما قيل: من نم لك نم عليك.
وأما زوجة أخي زوجك فلا يجوز لك هجرها ومقاطعتها ولكن تتحقق صلتها بالسلام عليها والإحسان إليها، وأما الخوض معها فيما هي فيه أو الخوض مع أخوات زوجك أو أمه في القيل والقال فلا يجوز، وعليك مناصحة من يبسط لسانه منهم بالنميمة والغيبة ليكف عن ذلك في حضرتك، ولتكن معاملتك للجميع بالحسنى والصبر على الأذى والتغاضي عن الهفوات والزلات ما أمكن ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعلمي زوجك وأهله أنه لا يجوز لهم مقاطعة أخيهم وأخواتهم وهجرهم إن فعلوا، فليس الواصل بالمكافئ، وأدنى درجات الصلة هو السلام عند اللقاء. وينبغي لهم مناصحته ومحاولة لم شمل العائلة بالتراضي والتغاضي عن الهفوات والأخطاء السابقة.
وللمزيد انظر الفتاوى رقم: 66124، 80230، 9350، 98229، 23920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(9/2485)
الهدي النبوي لاستثمار الوقت وتنظيمه وإعطاء كل ذي حق حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مع موقع إسلامي ولاحظت أني بدأت في ترك أشياء مثلاً ساعات التي كنت أخصصها لحفظ القرآن قلت والجلوس مع العائلة أيضا وكذلك وقت الصلاة لما يكون لدي عمل أصلي الفرض وأترك الراتبة ولم أكن هكذا من قبل حتى أني صرت أسهر كثيرا.... فهل يمكن أن تنصحوني ماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حفظ وقتك وحسن إدارته هو الذي يمكنك من أداء الواجبات وما تيسر من النوافل والطاعات، ولذلك نوصيك بتقوى الله والمحافظة على وقتك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى ولزوم طاعته هو تنظيم وقتك، والحذر من ضياع شيء منه فيما لا يعود عليك بالنفع في دينك أو دنياك، فالمغبون من ضيع وقته فيما لا يعود عليه بالنفع، فقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
فإذا حافظت على وقتك ووزعته على واجباتك وأتقنت عملك فقد امتثلت ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه. رواه البخاري وغيره. فاستعن بالله تعالى ولا تعجز، وعليك بكثرة الدعاء وصحبة الصالحين، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 10800، والفتوى رقم: 2863.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(9/2486)
تشويه المطلقة سمعة مطلقها ومنع الأولاد من زيارته ظلم عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الزوجة المطلقة الحاصلة على كل حقوقها المادية وحقوق أولادها وبإحسان مع تنازل الزوج لها عن مسكنه الذي يمتلكه، لكنها تستغل كل فرصة لتشتمه وتلعنه ولا تتورع عن إهانته وتشويه سمعته عند معارفه وفي مقر عمله وبكل الوسائل، ولا تشجع الأبناء على زيارة والدهم وأقاربهم من جهة الوالد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وحتى المظلوم فإنه لا يجهر بالسوء من القول إلا عند من يستطيع إنصافه ودفع الظلم عنه كالقاضي، فهذا في من ظلم، فكيف بمن لم يظلم، فعلى هذه المرأة تقوى الله عز وجل والكف عن الشتم واللعن والغيبة وقطع الرحم وما إلى ذلك، فهذه ذنوب عظيمة تهلك صاحبها إذا مات مصراً عليها، وعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان وتسأل الله أن يطهر قلبها من الغل والحقد على هذا الرجل، فما تفعله يعود بالضرر عليها قبل أن يضر به، وما دام أحسن إليها واتقى الله فيها فلتتق الله فيه، ولترض بما قسم الله لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(9/2487)
إباحة الكذب للتوصل للحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أستاذة جامعية أقوم بساعات عمل إضافية ولي أجر محدد على كل ساعة، حصص التعليم هذه تكون بإحدى المخابر وتبرمج الإدارة أستاذين يتقاسمان العمل في كل حصة، الأستاذ المبرمج معي دائم الغياب وقمت بتدريس الحصص المبرمجة لوحدي طيلة العام الدراسي، أي أنني قمت بالعمل المطلوب مني مضاعفا، وتغيبت أنا أيضا خلال بعض الحصص.
نقوم في نهاية العام بملء استمارات نحدد فيها ساعات العمل الإضافية التي قمنا بها.
1-ما واجبي أمام تغيب هذا الأستاذ علما أنني بلغت رئيس القسم بذلك ولم يفعل شيئا.
2-هل يجوز لي أن أحتسب العمل المضاعف الذي قمت به مكان الحصص التي تغيبتها علما أنه يفوق بكثير المقدار الذي تغيبته؟
فاملأ الاستمارة للعام كاملا أم أنه لا يجوز ذلك؟
3-كيف أتعامل مع هذه الاستمارة بما يرضي الله عز وجل؟
أفيدوني جازاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا قمت بإبلاغ الإدارة عن غيابه فقد فعلت ما عليك، ولا يلزمك أكثر من ذلك، ولك أن تطالبيهم بمقابل ما بذلت من العمل الزائد عما هو متفق عليه، فإن أجابوك إلى ذلك فذلك المطلوب، وإلا فلك أن تأخذي حقك ولو عن طريق أن تكتبي عدد من الساعات الإضافية عن عملك ولو كان في ذلك كذب، فإن الكذب إذا تعين طريقا لأخذ الحق جاز، كما نص على ذلك كثير من أهل العلم، قال ابن القيم في "زاد المعاد": " يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب.
ويقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا فهو واجب.
علما بأن عمل المرأة له شروط وضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 3859، والفتوى رقم: 8386، فلتراجع للأهمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(9/2488)
التجسس بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من زرع أجهزة تنصت (تجسس) على التليفون، وما حكم الشرع في هذا الشخص وفي العمل الذي قام به، والقانون في بلادكم كيف يحكم في هذه الجريمة، فإذا سمحتم هل لكم أن تزودونا بالتفصيل؟ جزاكم الله خيراً ... هذا السؤال سئُل في المنتدى ويريدون الجواب بالتفصيل بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأصل حرمة التجسس في التلفون وفي غيرها، وقد يجوز إذا تعلقت به مصلحة معتبرة، كالقبض على اللصوص وأصحاب الجرائم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التجسس أنه حرام، لقول الله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا....
إلا أنه يجوز التجسس على اللصوص وقطاع الطرق ونحوهم، قال ابن الماجشون: اللصوص وقطاع الطريق أرى أن يطلبوا في مظانهم، ويعان عليهم حتى يقتلوا أو ينفوا من الأرض بالهرب.. وطلبهم لا يكون إلا بالتجسس عليهم وتتبع أخبارهم.
وكذا ذكر الفقهاء أنه إذا اشتهر وجود حانة خمر في بيت أو ممارسة الرذيلة ونحو ذلك فلإمام المسلمين أن يبعث من يتجسس عليهم.
وعليه؛ فزرع أجهزة تجسس في التليفون لا يجوز إلا في الحدود المذكورة، ومن فعله خارج ذلك كان آثماً ... وأما حكم القانون في ذلك فليس داخلاً في مجال اختصاصنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1429(9/2489)
النصح للمسلمين مطلوب شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم أحد الشباب لخطبة إحدى قريباتي فوافق عليه الأهل وبعد أن سألت عنه أن أخلاقه سيئة جدا وسمعته سيئة وحين نصحتهم قالوا إن البعض زكوه وقالوا إنه جيد فهل يجوز لي أن أرسل لهذه الفتاة وأبيها خطابات ورسائل محمول تبين لهم حقيقة هذا الشاب مع العلم أن هذا الإنسان يجيد التملق وحب الوصول ووالد هذه الفتاة ثري..فهل يجوز لي ذلك أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت على يقين من أن هذا الشاب سيء الدين والخلق فلا حرج عليك في إخبار أهل هذه الفتاة بحقيقة أمره، بل إن هذا من النصح للمسلمين وهو أمر مطلوب شرعا.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم
وما عليك من ذلك قد قمت به فلا داعي إلى إرسال رسائل أو غيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(9/2490)
التوازن وإعطاء كل ذي حق حقه من هدي النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأفضل العمل لوقت إضافي بعد انتهاء عملي الأصلي (من 9 صباحا حتى 6 مساء) والذي من المفترض أن يستغرق حوالي 6 ساعات أخرى، أي من 6 مساء حتى 12 من منتصف الليل أم الاكتفاء بعمل واحد ثم تخصيص بقية اليوم للصلاة في المسجد مثلا وقراءة القرآن، مع العلم أن عملي الأصلي يكفي متطلبات بيتي، لكن هناك من يقول لي لم لا تزيد من دخلك وتدخر للمستقبل ولأبنائك، أخاف من الانسياق وراء الدنيا فقط وترك أعمال الآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوازن والاعتدال في الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه من هدي النبوة، وعلى هذا النهج ينبغي أن يسير المسلم في حياته، فبذلك يسعد في الدنيا والآخرة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 73825.
ولا شك أن مثل هذا العمل الإضافي على الوجه الذي ذكرت شاغل للمرء، وموجب لطغيان بعض الحقوق على الأخرى، فما دمت لست في حاجة إليه فلا نرى لك الالتحاق به، وأما الإدخار للأهل وإغناؤهم فأمر مشروع، فإذا أمكن المسلم تحقيق ذلك على وجه لا يضر به، ولا يضيع عليه بعض الحقوق فلا بأس بذلك، روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(9/2491)
الفرق بين الكرم والإيثار وبين الإسراف
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفرق بين الكرم والإيثار من جهة وبين الإسراف من جهة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكرم ضد اللؤم، وهو يطلق على كل ما يحمد من أنواع الخير والشرف والجود والعطاء والإنفاق.
والإيثار هو أن يؤثر المرء غيره بالشيء مع حاجته هو إليه.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: الإيثار هو: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. تفسير القرطبي 18/26.
والإسراف هو مجاوزة الحد في استعمال الأشياء، قال ابن عابدين في رد المحتار: الإسراف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي. انتهى.
وهو خلق مذموم؛ لقول الله تعالى: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين {الأعراف: 31} .
ومن هذه التعريفات يتبين أن الإيثار أخص من الكرم وهما فضيلتان، وأما الإسراف فهو رذيلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(9/2492)
ستره على أصحاب المنكرات سيضره فهل يفضحهم
[السُّؤَالُ]
ـ[فما معنى الحديث.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما في الدنيا ستره الله يوم القيامة) مقدمة السؤال: أنا أعرف عن شباب يعملون ببعض الأشياء المنكرة، ولكن بعد فترة تبين أن هذه الأشياء ستكون وبالاً علي، أي أنه ستكون الأفعال المنكرة أنني أنا الذي أفعلها ... السؤال هو: هل أدافع عن نفسي وأقول عن الشباب بماذا حدث منهم وأنا ليس لي علاقة إلا أنني كنت أرى ماذا فعلوا من قبل، أم أني لا أقول شيئا عنهم وأتلبس أنا بالأفعال والأعمال المنكرة التي كانوا يفعلونها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يلزمك الستر على أصحاب المنكرات إذا كان يترتب على سترهم ضرر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكما أشرت فإن في ستر المسلم خيراً كثيراً وأجراً عظيماً لمن فعل ذلك ابتغاء وجه الله، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة كما جاء في الصحيحين وغيرهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل العلم نصوا على أنه إذا كان صاحب المعصية مجاهراً أو معروفاً بما فعل أو يترتب على ستره ضرر فالأولى ألا يستر عليه ... قال النووي في شرحه لصحيح مسلم:.. فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثله فعله ...
وعلى ذلك فإن كان يترتب عليك ضرر في حال الستر على من ذكرت من أصحاب المنكرات فلا يلزمك الستر عليهم.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 106716، 51587، 72913.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(9/2493)
من معلم الخيانة للأصدقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى خيانة الصديق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
خيانة الصديق لا ضابط لتعريفها ولكنها تكون بأمور ولها صور، فمن ذلك عدم نصحه وتوجيهه لما فيه مصلحته، ومن ذلك عمل ما فيه تضييع أو حفظ لحقه، ومن ذلك الغدر به، ومنها سرقة ماله أو هتك عرضه، ومنها إفشاء سره.
قال القرطبي في تفسيره: والخيانة الغدر وإخفاء الشيء.
وروى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل بالحديث والتفت فهي أمانة. صححه الألباني.
وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
وفي لسان العرب لابن منظور: الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح.
ولعل هذا التعريف اللغوي للأمانة بترك النصيحة هو أجمع ما قيل فيها؛ إذ يشمل عدم إرادة الخير للمنصوح بكل صورة فيشمل كل ما ذكر سابقا.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70876، 17117، 98665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/2494)
تحسن إلى حماتها وهي تقابل ذلك بالإساءة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتعامل مع حماتي:
حماتي تتحدث كثيرا عن ظهور الناس ولا تعجبها أي من زوجات أولادها دائمة الانتقاد لي ولزوجات إخوة زوجي علما أننا نجلب لها الهدايا في جميع المناسبات وبالأخص أنا أهديها بمناسبة وبدون مناسبة وهذا ما لا تفعله لها بناتها ولا أبناؤها, ونتحدث معها بأطيب الكلام ولا نرفض لها طلبا حتى تكفينا شرها ولكن إن غضبت من أحد أبنائها تكون زوجته الضحية وإن فعلت إحدانا شيئا غير مقصود كأن يسقط شيء من يدها ويكسر تقوم الدنيا ولا تقعد علينا, كيف أتعامل معها؟؟ فبلحظة تنسى كل حسناتنا وتبدأ بزيارات البيوت والتحدث عنا، فجميع الجارات يظنون أن زوجات أبنائها سيئات وغير مربيات على عكس الواقع, وهي خالتي لكنها تطاولت على أبي وأمي (أختها) أيضا, ولم تترك أحدا من شرها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بعد ما ذكرت الأخت من حسن معاملتهن لهذه المرأة، وتلطفهن معها في القول، وتلبية كل طلباتها، واسترضائها بالهدية ونحو ذلك سوى انتظار الأجر من الله عز وجل ومعونته عليها، ففي الحديث: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه سوء معاملة أقاربه له قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويُسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال: لئن كنت كما قلت فإنما تسفهم المل (الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم وأحمد وأبو داود.
فهن على خير ما دمن على ذلك، والمرأة المسيئة هي التي ينبغي الشفقة على حالها، فهي متعرضة لعقوبة الله عز وجل وسخطه، ففي الحديث: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها! قال: هي في النار، قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة. وحسنه الأرناؤوط.
فينبغي نصحها وتحذيرها من آفات اللسان، وليكن ذلك عن طريق من تقبل كلامه من صديقاتها، أو أبنائها ونحوهم.
وليكن هم الأخوات الفاضلات رضا الله عز وجل، ولا يكن همهن ما يقوله الناس عنهن، فالحقيقة لا تخفى والله تعالى سميع بصير عدل حكيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(9/2495)
تواضع المرء وحفظه لكرامته
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد من فضيلتكم توضيح الحدود الشرعية بين "الكبر" و"حفظ الكرامة"، لأنني في حيرة شديدة، حيث أقابل في حياتي بعض المواقف التي لا أدري كيف أتصرف فيها ... مثلا: أنا الحمد لله أعمل مدرسا مساعدا في جامعة من أكبر الجامعات في الوطن العربي، ولكني أعامل الناس بكل تواضع، المشكلة أنني أفاجأ بالناس يحترمون ويبجلون من هو يعاملهم بكل كبر ومن "أطراف منخاره"، في حين يصدر أحيانا نوع من الاستهانة عند معاملتي نتيجة تواضعي. مثال آخر: لأنني شاب وشكلي أصغر من عمري، أجد بعض البائعين يقولون لي "يا كابتن" -وهي تقال للشباب المراهقين عندنا في مصر- في حين أن رجلا آخر يتكلم بكل كبر و"أنزحة" يقال له: يا "بيه" ويا "باشا" فأرجو إعلامي بالحكم الشرعي لذلك، وما هو التصرف الأمثل في مثل هذه المواقف، وهل أغضب وأقول مثلا: ألا تعرفون من أنا، أم ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكبر صفة مذمومة، وقد سبق بيان تعريف الكبر وبعض الأدلة على خطورته في الفتوى رقم: 24081.
وأما ما أسميته (حفظ الكرامة) فهو أمر مطلوب شرعاً، إذ لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه، ولا تعارض بين أن يكون المسلم متواضعاً وبين أن يحفظ كرامته بحيث لا يرضى الذلة والهوان، أو يخبر عن نفسه بما هو أمر واقع تحقيقاً لمصلحة شرعية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 61161.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(9/2496)
ايقاد المصابيح وأجهزة التبريد زيادة عن الحاجة من السرف
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما أكون في المسجد ويخرج جميع المصلين وأبقى أنا أصلي مع وجود الأضواء والمكيفات تعمل وأبقى أنا وحدي في المسجد أصلي وأحس انه علي إثم بترك الأضواء والمكيفات تعمل لأني وحدي مع أن تأخري لدقائق معدودة فماذا علي أن افعل ... وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لم تكن هنالك حاجة لبقاء جميع هذه الأضواء أو عمل جميع هذه المكيفات فيجب إطفاء ما لا يحتاج إليه منها منعا للإسراف والذي ورد الشرع بالنهي عنه.
ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 39946، 68030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/2497)
غير المتعمد لا يؤاخذ
[السُّؤَالُ]
ـ[العلماء الأجلاء أود أن أسألكم عن سؤال يؤلمني كثيراًُ وهو: قرأت فى إحدى فتاوى الموقع أن أمهات المؤمنين كن يضعن ثيابهن عند النوم وأثناء قراءتي لهذه الفتوى شعرت بشهوة وانتصاب بسيط وبعد فترة قصيرة دخلت لقضاء حاجتي فشعرت بشهوة أثناء الاستبراء من البول وكل هذا الذي حدث لم يكن بقصد وأنا حزين جداً من ذلك الوقت، وسؤالي هو: هل ذلك الإحساس عدم تأدب ويخرج من الإسلام وما مصير عقد زواجي حيث إني متزوج ولي طفلان؟
قمت بعمل منذ سنين طويلة وهو أني تلفظت بأقوال وأفعال تخرج صاحبها من الإسلام ولكني لا أدري إن كان هذا قبل البلوغ أم في بداية البلوغ فأظن ذلك في نهاية المرحلة الابتدائية أو فى إحدى المراحل الإعدادية لا أتذكر..... وبعد ذلك فأنا ملتزم منذ فترة طويلة والحمد لله فعمري الآن 39 سنة وأحافظ على الصلاة وورد من القرآن وملتزم بصحبة صالحة منذ فترة طويلة والحمد لله، ولكن أخشى من عقاب الله لي وما تأثير ذلك على عقد زواجي حيث إن زوجتي ملتزمة والحمد لله؟ آسف للإطالة جعلكم الله سببا فى إسعاد وقضاء حوائج الناس.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مؤاخذة عليك فيما حصل لك مما لم تكن تتعمده، ولا شيء عليك فيما تلفظت به إذا كنت قد أخلصت التوبة منه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن الجزء الأول من السؤال فإنك لست مؤاخذاً -إن شاء الله- بما حصل لك، لأنك لم تكن متعمداً لهذا الأمر، والله تعالى يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:5} .
وأما عن الجزء الثاني فليس من شك في أن من واجب المرء حفظ لسانه، وقد ورد في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم.. ولكن ما ذكرت أنك صرت عليه بعد ذلك من الالتزام والمحافظة على الصلاة وغير ذلك مما فصلته يعد توبة والحمد لله، وعلى أية حال فإنه لا تأثير لما ذكرته على زواجك طالما أن هذا كان قبل الزواج وأنك تبت منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(9/2498)
كفارة من مزق ثوبه أثناء الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مزق ثوبه نتيجة غضب فأراد أن يقرأ له قرآن ليتحلل من ذلك الذنب، فهل ذلك جائز؟ وما وزره وكيفية التكفير عن ذلك، وهل هذا التمزيق فعل مذموم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من قام بتمزيق ثيابه أثناء الغضب مع احتفاظه بعقله فقد أقدم على فعل مذموم محرم، وعليه المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى، وينبغي له فعل بعض الطاعات لمحو تلك المعصية ويشمل ذلك قراءة بعض القرآن أو فعل غيرها من الطاعات، وإذا كان غضبه شديداً بحيث أقدم على تمزيق ثيابه وهو لا يعقل فلا إثم عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الرجل المذكور قد قام بتمزيق ثيابه مع احتفاظه بعقله وإدراكه فهذا فعل مذموم محرم لاشتماله على إتلاف تلك الثياب بدون سبب مشروع، ولا نعلم وزراً محدداً لهذا الذنب، وتكفيره يكون بالتوبة الصادقة بشروطها المذكورة، وذلك في الفتوى رقم: 9694.
وينبغي للمسلم إذا صدرت منه معصية لله تعالى أن يبادر بفعل طاعة بعدها لمحو تلك المعصية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حثيما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وعليه؛ فقراءة القرآن أو فعل غيرها من الطاعات بعد هذه المعصية من أسباب محوها وبالتالي فينبغي فعلها ... وكيفية مدافعة الغضب وعلاجه تقدم بيانها في الفتوى رقم: 8038.
وإن كان الرجل المذكور قد اشتد به الغضب إلى درجة ذهاب العقل، وأقدم على هذا الفعل من غير اختيار منه ولا قصد فالإثم مرفوع عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(9/2499)
النهي عن الشك في كل البنات المسلمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة أدرس في بلد أوروبي مشكلتي تتمثل في انشغالي بأمر الزواج على حساب الدراسة وهو ما سبب لي فشلا فيها رغم أن بداياتي الدراسية كانت ناجحة، كل محاولات الزواج باءت بالفشل وأنا كنت دائما أحمد الله على قضائه لأني كنت دوما أقوم بالاستخارة الشرعية، لكنني كإنسان مخلوق ضعيف
ولا أستطيع أحيانا أن أتمالك نفسي عن العادة السرية رغم علمي بحرمتها وما سببته لي من إضاعة للوقت والصحة، أشعر الآن بإحباط وأصبحت أشك في شرف كل البنات المتمسلمات اللاتي تعرفت عليهن في الجامعة، أعتقد أن حالتي هذه ستتطور إلى الأسوأ، فأرجوكم أرشدوني على كيفية التخلص من هذا الفراغ العاطفي وهذا الشك المريب خاصة أني أصبحت أفكر في الفاحشة وهي كما تعلمون أسهل ما يكون هذه الأيام، مع العلم بأني ابن عائلة طيبة متدين معروف والحمد لله بحسن الخلق خلقني الرحمن في أحسن صورة أعمل والحمد لله خال من فعل الكبائر، فهل هذا يا ترى عقاب من الله بسبب قيامي بالعادة السرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولى ما نرشدك إليه الاستعانة بالله عز وجل بأن تكثر من دعائه أن ييسر لك الزواج ويعصمك من أسباب الفتنة، فمن يعتصم بالله عصمه، فأكثر من تكرار دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. رواه أبو داود.
واعلم أن العادة السرية محرمة فالواجب عليك التوبة منها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 7170، ولا يجوز لك الإقدام على ارتكاب الفاحشة بحال، وينبغي أن تجتهد في أمر الزواج، فإن لم يتيسر لك فعليك بالصوم عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وننصحك أيضاً بمصاحبة المستقيمين من زملائك الذين يعينونك على الخير.
ولا يلزم أن يكون ما يصيبك من مصائب عقوبة على ذنب، فقد تكون عقوبة وقد تكون لمجرد الابتلاء، كما هو مبين في الفتوى رقم: 44779.
وما ذكرت من أمر الشك في كل البنات المسلمات لا يجوز، ولا سيما إن كان الأمر يتعلق بالأعراض، فالأصل في المسلم السلامة، ولا بأس بأن تتحرى في الفتاة التي تريد الإقدام على الزواج منها بسؤال من هم أعلم بها من الثقات، والواجب عليك الحذر من أسباب الفتنة، ومن ذلك الدراسة المختلطة، وكذا الإقامة في بلاد الكفر فمن كان يخشى على نفسه الفتنة فلا تجوز له الإقامة هنالك، وللمزيد من الفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: 2523، والفتوى رقم: 31862.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1429(9/2500)
هل يباح الكذب إن لم يمكن التوصل إلى الحق إلا به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تم عقد قراني وحدثت خلوة بيني وبين زوجي أكثر من مرة وبعد شهرين من عقد القران قرر الانفصال السؤال هو أن مهري كان قائمة المنقولات ولكنه لم يشترها وعندما قرر الانفصال قال لي ليس لك شيء غير نصف مؤخر الصداق وقال لي إنه لم يشترأثاثا حتى أطالب به فما هو حقي وهل حرام لو ذهبت إلى المحكمة وأقول إنه بدد العفش أي أستول عليه لأن المحكمة لن تقر بأن القائمة المهر لأني في قسيمة الزواج كتبت المهر بشكل صورى جنيه حتى لا أكلفه نفقه كبيرة يدفعها للمأذون لأنه يأخذ نسبه على مقدم الصداق فهل حرام أن أقول إنه بدد العفش حتى أحصل على مهري بشكل قانوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن حصلت بينكما خلوة شرعية فالخلوة الصحيحة يثبت بها كامل المهر كالدخول، فلك المطالبة به، ومن ذلك القائمة التي تمثل المهر المعجل أو جزءا منه، فإذا أمكنك التوصل إليها بذلك، فلا يجوز لك اللجوء إلى الكذب، وأما إذا لم يمكن الحصول عليها إلا بما ذكرت فلا بأس حينئذ، وإن لم يحصل خلوة فلك نصف الصداق معجله ومؤجله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلوة الشرعية الصحيحة لها حكم الدخول عند جمهور أهل العلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 41127، وعلى هذا القول يثبت لك كامل المهر المسمى المعجل والمؤخر، ولك مطالبته بكامل المهر إذا كانت الخلوة الشرعية قد حصلت فعلا، ومن ذلك القائمة، فالمعروف أن القائمة وثيقة مكتوب بها قائمة المنقولات التي تمثل المهر المعجل أو جزءا منه، وبهذا يكون حكمها حكم المهر، فيمكنك المطالبة بها على أنها جزء من المهر. ولا يعفي الزوج منها كونه لم يشترها بعد.
فإذا أمكنك التوصل إلى حقك بما سبق، فلا يجوز لك اللجوء إلى الكذب للحصول عليه، وأما إذا لم يمكن الحصول على حقك إلا بما ذكرت فلا بأس حينئذ، فقد نص أهل العلم على أن (كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك.)
وتراجع الفتوى رقم: 72192.
وعلى كل حال فحقك في ذمة الزوج حتى لو لم تستطيعي الحصول عليه منه قضاء، فهو في ذمته ديانة، وستأخذينه من حسناته يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1429(9/2501)
هل يجوز مخادعة الخادع بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا خدعت من خدعني هل علي وزر؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالأصل العام الذي قرره الشرع هو جواز المجازاة بالمثل؛ ولكن لا يجوز أن تقابل المعصية بالمعصية، فمثلا ليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تذكر بهذا السؤال وجه الخديعة، ولكن الأصل العام هنا هو جواز المجازاة بالمثل؛ لقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194} قال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسيره هذه الآية: قال علماؤنا: وهذا دليل على أن لك أن تبيح دم من أباح دمك، وتحل مال من استحل مالك، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه بمقدار ما قال فيك ولذلك كله تفصيل:
أما من أباح دمك فمباح دمه لك لكن بحكم الحاكم لا باستطالتك وأخذ لثأرك بيدك ولا خلاف فيه.
وأما من أخذ مالك فخذ ماله إذا تمكنت منه إذا كان من جنس مالك طعاما بطعام وذهبا بذهب وقد أمنت من أن تعد سارقا.
وأما إن تمكنت من ماله بما ليس من جنس مالك فاختلف العلماء. فمنهم من قال لا يؤخذ إلا بحكم حاكم، ومنهم من قال يتحرى قيمته ويأخذ مقدار ذلك وهو الصحيح عندي.
واما إن أخذ عرضك فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه؛ لكن ليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلا يا كافر جاز لك أن تقول له أنت الكافر، وإن قال لك يا زان فقصاصك أن تقول يا كذاب يا شاهد زور، ولو قلت له يا زان كنت كاذبا فأثمت في الكذب وأخذت فيما نسب إليك من ذلك فلم تربح شيئا وربما خسرت.
وإن مطلك وهو غني دون عذر قل: يا ظالم يا آكل أموال الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته. أما عرضه فبما فسرناه، وأما عقوبته فبالسجن حتى يؤدي.
وعندي أن العقوبة هي أخذ المال كما أخذ ماله، وأما إن جحدك وديعة وقد استودعك أخرى فاختلف العلماء فيه.. فمنهم من قال اصبر على ظلمه وأد إليه أمانته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك. ومنهم من قال اجحده كما جحدك؛ لكن هذا لم يصح سنده ولو صح فله معنى صحيح وهو إذا أودعك مائة وأودعته خمسين فجحد الخمسين فاجحده خمسين مثلها، فإن جحدت المائة كنت قد خنت من خانك فيما لم يخنك فيه وهو المنهي عنه، وبهذا الأخير أقول. والله أعلم. اهـ.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1429(9/2502)
الوسائل الدافعة للغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ياشيخي هل الوالد يجوز أن يغضب بدون سبب دائما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغضب من الشيطان وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأكد على ذلك، فينبغي على المسلم تجتب أسبابه فإذا غلبه طبعه وغضب فعليه الأخذ بما شرعه لنا النبي لإذهاب الغضب ورفعه ومنها: أن يستحضر الفضل العظيم لمن كتم غضبه وعفا عمن أغضبه، يقول الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين {آل عمران:134}
ومنها: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومنها: أن يغير من هيئته فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع.
ومنها: أن يتوضأ، وغير ذلك من الأسباب الدافعة للغضب كأن يستحضر قبح صورة الغضبان وهمجيته في تصرفاته وما قد يترتب عليها من أمور لا تحمد عقباها.
وعليه؛ فينبغي للوالد أو غيره أن يتجنب أسباب الغضب، وإن استغضب فليعالج غضبه بما سبق.
ومع ذلك فعلى الأبناء في معاملة أبيهم الذي يغضب كثيرا أن يتحملوه ويحسنوا إليه ليرضى، ويجنبوه أسباب الغضب من نقاش ومجادلة ومخاصمة ورفع صوت ونحوه فذلك لا يجوز؛ وإنما ينصح ويذكر بأسلوب هين ولين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(9/2503)
اللجوء للمعاريض لتفادي الوقوع في الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد من الله على بنعمة الحج هذا العام ومنذ أن رجعت من الحج وانا أخاف أن أقع في أي ذنب وأحاول أن أتقي الله على قدر استطاعتى ولكن طبعا تقع مني بعض الأخطاء فأرجع إلى الله وأستغفره وهناك بعض الأمور أود أن أسأل عنها:
هل في عملي إذا سألنى أحد عن شيء يخص العمل أو أحد زملائي وقلت لا أدري حتى لا أغتاب أحدا وحتى لا أفشى أسرار العمل أكون بذلك قد كذبت؟
وهل إذا وجد أشخاص يكون لي رأي معين فيهم ولكن لا أصرح لأحد بهذا الرأي فمثلا شخص أعلم أنه كاذب ولا أقول لأحد فهل بذلك أكون اغتبته؟
وهل نزولى للعمل (مختلط أي رجال مع نساء) حرام مع أني أحافظ على نفسي وكل زملائي يشهدون لي بأني محترمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك ويثبتنا وإياك على طاعته.
ولتعلمي أن في المعاريض مندوحة عن الكذب، فإذا كنت تملكين المعلومة المسؤول عنها حقيقة ولا تريدين الإجابة لسبب من الأسباب المحمودة شرعا والتي أشرت إلى بعضها فيمكن أن تجيبي إجابة محتملة يفهم منها السائل غير ما تريدين وقد بينا في الفتوى رقم: 58850، أن التورية مخرج شرعي لتفادي الكذب،
وأما إبداء رأيك في بعض الأشخاص مع معرفة عيوبهم وعدم إخبار أحد بذلك فليس بغيبة بل هو الصواب والأسلم، فالغيبة هي ذكر الشخص بما فيه مما يكره ذكره في حال غيبته.
وأما عن عملك.. فقد بين أهل العلم أن عمل المرأة جائز من حيث الأصل، ولكن يجب أن يكون منضبطا بالضوابط والآداب الشرعية، ومنها عدم الاختلاط بالرجال الأجانب على الوجه الشائع الآن. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 37294 وما أحيل عليه فيها.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53175، 6710، 29332.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(9/2504)
تحريم وصف الإنسان بأنه كريه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يصف الإنسان الإنسان بالكريه، لأن الإنسان عندما يكون مريضاً تكون رائحته كريهة وكذلك عندما يتكلم في بعض الأحيان وعندما يتنفس كذلك في بعض الأحيان وعندما يموت، أم أن ذلك الوصف غير جميل لأن الله جميل ويحب الجميل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
وصف الإنسان بأنه كريه هو من الغيبة ولا يجوز.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن الإنسان لا يحب أن يوصف بالأوصاف الكريهة ولو كان متصفاً بها، وقد ورد في تعريف الغيبة أنها وصف الإنسان بما يكره، فقد جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم.
وفي سنن أبي داود والترمذي أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة- فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنساناً، فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا. وقد علمت من هذا أن وصف الإنسان الإنسان بأنه كريه هو من الغيبة ولا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(9/2505)
الدواء الأمثل للعشق الذي لا يعدل عنه لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 26 سنة تعرفت على شاب منذ 11 سنة وقد قام بخطبتي منذ حوالي 4 سنوات وقد شاء القدر أن يشتغل بإحدى الدول العربية منذ سنة 2003 ويعود كل صائفة ليمضي شهرا أو شهرين ويعود إلى عمله. بقيت وحدي وكنت أشتغل بإحدى الشركات تعرفت حينها على شاب أعجبته وأحبني وأضعفني، تصورت أني قد أحببته وضعفت جراء ما يفعل هذا الشاب من أجلي وقد كان يعلم أني مخطوبة ولكنه لا يبالي وأيضا جراء تجاهل خطيبي لي أحيانا وبعده عني فقد كنت على علاقة مع هذا الشاب في نفس الوقت الذي كنت مخطوبة ونتفارق كلما يأتي خطيبي لتمضية العطلة الصيفية. لم أكن راضية عما أفعله لكنه شيء أقوى مني كنت أنفصل عن هذا الشخص وأعود إليه وأنفصل عنه وأعود إليه إلى أن قام بخطبة فتاة وأصبح خاطبا وأنا مخطوبة: هو يخون وأنا أخون، لم نكن راضيين عما نفعله أبدا وإلى حد تاريخ هذا اليوم نحن على نفس الحالة وأصبح يطالبني بالانفصال عن خطيبي وهو يقطع علاقته بخطيبته ونتزوج لأنني لم أعد أصلح لخطيبي وأنه حرام أن أغشه ويجب أن أصحح خطئي بالزواج به ولكنني لا أستطيع فأنا تأكدت بأنني أحب خطيبي جدا ولا أستطيع أن أعيش مع غيره ولكنني أخطأت ويعذبني ضميري وفي نفس الوقت لا أريد أن أجرح مشاعر الشخص الأخر لأنه يحبني بصدق. أرجوكم ساعدوني خطيبي يريد أن نعقد القران هذا الصيف والشخص الآخر لا يريد تركي وأنا أريد أن أتوب إلى الله فأنا خائفة جدا من عقاب الله فلقد أذنبت، أريد أن أتوب توبة نصوحا فماذا أفعل لم أعد أستطيع النوم من عذاب الضمير وأريد تصحيح ما فعلت ولا أعرف كيف فهل أصارح خطيبي وهل يسامحني وكيف أقنع الشخص الآخر بتركي والالتفات لخطيبته، أرجوكم ما هو حكم الله والرسول في هذا. أرجو ردكم في أقرب الآجال فأنا بحالة سيئة جدا ولا أدري كيف أكفر عن ذنبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمة يتعين عليها صرف قلبها عن التعلق بالأجانب ومخالطتهم، فاستمرار علاقة بين شاب وفتاة قبل عقد الزواج أمر محرم ولا يجوز التمادي فيه، بل يجب قطعه والتوبة منه. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخلو بامرأة ليس معها محرم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه. ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؛ كما صح في الحديث.
وليس من شك في أن علاقة المرأة بالرجل -على النوع المعروف الآن- خارج إطار زواج مشروع تعتبر منكرا من المنكرات، وهي زنا بالمعنى العام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.
وفي رواية لمسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستمتاع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ...
فعليك بالتوبة إلى الله مما سبق، ومغالبة النفس والهوى، والحرص على إيثار الآجل على العاجل، ولزوم التوبة والمبادرة إليها قبل أن يفوت الأوان، ونوصيك بالالتزام بالطاعة في كل حال والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31} . وقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54} . وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {آل عمران:133} . إلى أن قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} .وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً {التحريم:8} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة. رواه مسلم.
وعليك بالاكثار من الاستغفار، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} وقال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ {هود: من الآية3} وفي الحديث: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود،
فعليكِ أن تتوبي إلى الله توبة صادقة، وتقطعي كل علاقة بهذا الشاب الثاني وتجتهدي في الأعمال الصالحة لعل الله أن يغفر لك ويبدل سيئاتك حسنات، فقد قال الله تعالى في صفات عباد الرحمن مبينا خطر بعض المعاصي وجزاء التوبة منها: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68-69-70} .
وأيقني أن التصبر والتعفف يجازي الله تعالى عليهما بالعفة والصبر؛ كما في الحديث: ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر. رواه الشيخان.
وأيقني أن التقوى والبعد عن الحرام مفتاح الفرج وتيسير الأمور؛ كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: من الآية4}
واعلمي أن مطالعة وتأمل واستشعار ما في خزائن الله من أنواع العقوبات والعذاب العظيم يكبح جماح النفوس عن الشهوات المباحة، فأحرى ما كان محرماً وسبباً لتلك العقوبات، ففي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. فأكثري من النظر والمطالعة في الحديث عن الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فطالعي في صفات عظمته وجبروته وانتقامه واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس وبخطرات نفوسهم حتى يتولد عندك من استشعار المراقبة ما يولد فيك الحياء من الله تعالى ومهابته وخشيته بالغيب، وأكثري سؤال الله أن يعفك ويعيذك من الشر ويعصمك من الفتن، وحافظي على الأذكار المقيدة والمطلقة فإنها تحميك من الشيطان، وبرمجي لنفسك برنامجاً تشغلين به وقتك وقلبك وطاقتك عن التفكر في الرذيلة، وامنعي قلبك من التفكير بالسوء، وإذا أورده الشيطان على قلبك فاشتغلي بذكر الله وتذكري وعيده وعقوبته لمن عصاه، وتذكري قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {لأعراف:201} وواصلي ذكر الله والاستعاذة من الشيطان حتى ينصرف الخاطر السيئ عن قلبك.
واقهري نفسك على سلوك سبيل العفة حتى ييسر الله ما يغنيك به عن التعلق بالحرام، فقد قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}
وعليك بالاستعانة بالدعاء في الصلاة وبعدها لقضاء حوائجك وتحقيق طموحاتك، ومن ذلك تحقيق حلم الزواج، وأن يرزقك الله زوجاً صالحاً تحيين معه حياة إيمانية قوامها التعاون على البر والتقوى، فإذا أمكنك طلب هذا الرجل الخاطب أن يتزوج بك بسرعة وأن تستقيما على الطاعة فهذا أولى؛ لما في الحديث: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. ورواه البيهقي بلفظ: ما رأيت للمتحابين مثل النكاح. ومعنى الحديث: أن الرجل إذا نظر إلى المرأة وأحبها فعلاج ذلك الزواج بها، قال المناوي في فيض القدير بعد ذكره لهذا الحديث: إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة، كذا ذكر الطيبي. وأفصح منه قول بعض الأكابر: المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا. اهـ.
فإن لم يتمكن من البدار بالزواج فابتعدي عن ملاقاته فإن استمرار اللقاءات والاتصالات بين الشاب والفتاة قبل عقد الزواج أمر محرم لا يجوز التمادي فيه،
واعلمي أن المرأة إن أصيبت بعشق رجل أجنبي عنها فإنها قد أصيبت بداء عظيم ومرض خطير، ينبغي لمن أصيب به إن ينبذ أسبابه ويطلب علاجه، ويتداوى منه، كما يتداوى من سائر الأمراض الظاهرة والأسقام الحسية التي تعيق الصحة وتتلف البدن. ولمعرفة كيفية علاج العشق وداء الحب انظري الفتوى رقم: 9360.
وعليك أن تستتري بستر الله ولا تخبري خطيبك بذلك، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي.
والذي يبدو لنا أنك على خير ما دامت في قلبك حياة وما دمت تشعرين بخطر الإثم وعقوبته وتبحثين عن الدواء، فالقلب الميت لا يستشعر حسرة أو ألما، قال ابن القيم في كتابه القيم إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق بحسب حياته، وما لجرح بميت إيلام.
وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها فهو يؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه في مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(9/2506)
المسلم لا يبني أموره على الأوهام والظنون
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل خاطب بنت عمي اليتيمة لأبيها وأحبها حباً کثيراً لدرجة الجنون ونحن الآن علي وشك الزواج إلا أنه بدر منها عمل آثار کرهي لها وهو إنها طلبت مني أن تذهب مع أختها الأکبر منها إلي بائع الألبسة فأذنت لها لأني أعلم أن البائع رجل متدين ومتزوج ويکبرها عمراً، ولما عدت إلي منزلهم وسألت أمها عنها فقالت لي لم تأتي بعد فتبعتها فلم أجدها هناك، فعدت ثانية إلي بيتهم فقلت لأمها ليست هناك فأخبرتني إنها لم تجد طلبها عنده فذهبت إلي بائع آخر (أي إنها کانت تعلم بذلك عندما سألتها لأول مرة ولکنها کذبت عليّ وأخفت الحقيقه عني) فتبعتها لأني لا أثق بهذا البائع کثيراً وهو شاب وغير متزوج ولا يکبرها بالعمر بأکثر من خمس سنوات المهم عند دخولي المحل رأيتها تنظر إليه نظرة ريبة ولا يفصل بينهما أکثرمن نصف متر وأختها الأکبر منهما بعيدة عنهما بعض الأمتار وتنظر إليهما عن بعد وتراقب ماذا يحدث بينهما من کلام ونظرات والله أعلم لکن هذا ما استطعت تصويره بذاکرتي أثناء دخولي المحل وبوقت لا يتجاوزالعشر ثوان المهم تمالکت أعصابي وعدنا إلي البيت واعتذرت مني وقبلت اعتذارها ووعدتني أن لا تذهب إلي ذلك المحل مطلقا، وبعد فترة من الزمن لا تتجاوز الخمسة أشهر کنت أري ذلك الشاب دائما ينظر إلي سطح بيتهم المطل علي محله فأنظر أنا فلا أري أحداً أما في إحدى المرات رأيتها أنا وبأم عيني تنظر إليه وينظر إليها ... ولدرجة أنه بعد رکوننا قام بخطبته لها المهم أنا أحبها الآن کثيراً في حاله النسيان ولکن عندما أتذکر هاتين الحادثتين أکرهها کرها شديداً ولا أستطيع أن أنسي ذلك طول حياتي وأنا الآن متعقد من جميع النساء فهل تنصحوني أن أطلقها، أو أتزوجها وأتابع تربيتها وتعليمها ونصحها، فإن تنصحوني بالثانية فکيف يکون ذلك، علما بأنها اشترطت علي قبل العقد أن تکمل دراستها في جامعتنا داخل البلد والتي هي جميعها مختلطة وأنا وافقت علي ذلک ولکني الآن فقدت ثقتي بها فهل يحق لي أن أمنعها من متابعة دراستها، انتظر منکم الرد السريع والشافي وسأعمل به مهما کانت الخسائر والنتائج بإذن الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن كانت هذه الفتاة ذات دين وخلق فلا نرى لك أن تدعها لمجرد ما رأيت، لا سيما وأن الأمر لا يتعدى الشكوك والأوهام، هذا بالإضافة إلى أنك ذكرت شدة حبك لها، ويمكنك تعليمها وتربيتها بالعلم النافع، وجعل نفسك قدوة لها في الخير، وأما إكمال الدراسة فيجب عليك الوفاء بشرطها فيه إن اشترطت عليك في العقد ما لم يترتب على هذه الدراسة ارتكاب أمر محرم كالاختلاط المحرم بالرجال الأجانب، وأما قبل إتمام العقد فبالإمكان التراجع عن هذا الشرط بكل حالٍ.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتبين لنا إن كان الأمر مجرد خطبة أم أن هذه الفتاة زوجة لك، وعلى كل حال ... فإن كانت ذات دين وخلق فلا نرى لك أن تدعها لمجرد ما رأيت، لا سيما وأن الأمر لا يتعدى الشكوك والأوهام، هذا بالإضافة إلى أنك ذكرت شدة حبك لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه. ولا شك أنك إذا استعنت بالله تعالى واجتهدت في تعليمها وتربيتها فيمكنك أن تؤثر عليها، وسبيل ذلك تسهيل أمر العلم لها سواء من خلال تعليمك لها في البيت أو إحضار وسائل العلم من الكتب والأشرطة النافعة، أو بأخذها إلى المحاضرات وحلق العلم، وقوام ذلك كله أن تكون أنت قدوة لها في الخير.
واعلم أن الأصل في المسلم السلامة، فلا يجوز اتهامه بما يشين إلا عن بينة، ثم إن الغيرة وإن كانت محمودة إلا أنها إذا تجاوزت حدها كانت مذمومة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 31002، ثم إن هذه الفتاة إن كانت مجرد مخطوبة لك فهي أجنبية عنك فلا تجوز لك الخلوة بها أو محادثتها إلا وفقاً للضوابط الشرعية، وأما الدراسة المختلطة فهي في الأصل لا تجوز، وليس من حقك أن تأذن لها فيما لا يجوز شرعاً، ولكن إن كانت هي في حاجة إلى هذه الدراسة وتخرج إليها محتشمة ولا تختلط فيها بالرجال الأجانب فيجب عليك الوفاء بما اشترطت عليك وقبلت من أمر إكمالها الدراسة، وعلى كل فمتى ما ترتب على دراستها أمر محرم شرعاً فلك الحق في منعها من إكمال دراستها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4554.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1429(9/2507)
خطر العبث بأعراض وسمعة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب جزائري أبلغ من العمر 37 سنة تعرفت على فتاة بمساعدة أختي لغرض الزواج هذه الفتاة كانت تدرس في الجامعة مع أختي. تقدمت إلى أهلها ومع أهلي وعملنا الخطوبة في موسم الصيف الماضي (جوان 2007) وإن شاء الله سوف نتزوج في هذا الصيف 2008. بعد حوالي 3 أشهر من الخطوبة تلقت أختي رسالة بون اسم مرسل ويقول هذا الإنسان في هذه الرسالة إن خطيبتي ليست إنسانة شريفة عندما كانت تدرس في الجامعة حيث كانت تخرج مع الرجال في السيارات إلى غير ذلك من الأشياء. لا ندري من أرسل لنا هذه الرسالة وما هو غرضه إذا كان حقا يريد لي الخير لماذا لا يأتي هذا الإنسان ويقول لي مباشرة لوجهي. لقد تعذبت وبكيت كثيرا من هذه الرسالة وتعذبت أيضا اختي من تعذبي. تكلمت مع خطيبتي على هذا الموضوع أي الرسالة فطبعا قالت لي إن هذا كذب. فلم أجد ماذا أفعل فذهبت أسأل الذين كانوا معها في الجامعة سواء إناث أو ذكور لكن لم أقل لهم عن الرسالة كنت أسألهم أن يكلموني عنها عندما كانت في الجامعة ولا أحد قال لي مثل ما كتب في الرسالة وأيضا أختي نفت هذا الكلام. ولكي يرتاح قلبي سألت إمام مسجدنا حكيت له كل القصة فقال لي إذا عزمت فتوكل علي الله لقد ساعدني الإمام قال لي إن النمامين كثيرون في وقتنا هذا. قلت لنفسي اصبر فإن مع الوقت تتغير الأشياء وصليت صلاة الاستخارة عدة مرات. ولكن في بعض الأوقات أتفكر هذه الرسالة وأتعذب من جديد. ساعدوني من فضلكم كي أتخلص نهائيا من هذا العذاب لأنني أخاف يوما أن أظلم خطيبتي بفسخ الخطوبة وأظلم عائلتها الشريفة أن تتأثر بهذه الرسالة ساعدوني أريد أن أكسب القوة لكي أنسى هذه الرسالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن تولي هذه الرسالة أي اهتمام أو اعتبار فقد يكون صاحبها يريد التفريق بينكما لا غير. إما امرأة تريدك لنفسها أو تحسدها هي عليك، أو رجل يريدها هي لنفسه أو يحسدك عليها أو أحد العابثين. وإنما المهم هو أن تنظر إلى ظاهر حالها، فإن كان ظاهرها صلاح حالها واستقامتها، فاستمر على ما أنت عليه حتى تكمله، وكذلك إنما يكون العبرة بالنظر إلى حالها الآن ومدى استقامتها وعفتها لا بماضيها. فدع عنك تلك الوساوس وأكمل ما بدأته إن كانت الفتاة ذات خلق ودين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(9/2508)
لا إثم في مجرد الإحساس الداخلي بعدم الارتياح لبعض الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد إثم علي إذا كنت أكن بعض المشاعر لبعض الأشخاص حيث إني عندما أراهم أو أسمع بهم أو بأي شيء يخصهم لا أعرف ماذا يحدث لي فأنا لا أعرف هل أنا أبغضهم في الله أم هي الأرواح المجندة أم أنا إنسان غير سوي. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مجرد الإحساس الداخلي بعدم الارتياح لبعض الناس أو الاطمئنان إليهم لا إثم فيه ما لم يترتب عليه قول أو فعل يخالف الشرع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما ذكرت مجرد إحساس وشعور داخلي بعدم الارتياح لبعض الأشخاص لا يترتب عليه قول ولا فعل.. فإنه لا حرج فيه ولا يؤاخذ عليه شرعا، وليس ذلك من طوق البشر، وكما أشرت فإن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، قال العلماء: تعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت
وقد روى النسائي والترمذي وصححه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
ولكن عليك أن تحذر من الحقد والكراهية والبغض لإخوانك المسلمين التي هي من أمراض القلوب الخطيرة، وربما تؤدي بصاحبها إلى الحسد والاحتقار للآخرين.
وللمزيد انظر الفتويين: 99898، 47219.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(9/2509)
حكم الكذب إذا تعين للحصول على الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[زميلتي تبلغ من العمر40عاما وليست متزوجة كانت تعول والدتها لمرضها الشديد وهي تعمل بشركة بترول توفيت والدتها وكانت والدتها تعمل بوظيفة حكومية وراتب زميلتي يتعدي ألف جنيه طلبت منها المعاشات مفردات مرتب وبما أن المقدم للتأمينات الاجتماعية بالشركة أقل من الحقيقي فبجواب مفردات المرتب ستأخذ معاشا عن والدتها ولها أخ أصغر منها بعام يعمل براتب ضئيل وهو متزوج ويعول طفلة عمرها عام ويسكنون معها في منزل والدتها لعدم إمكانية إحضار شقة وتساعد معه بمصروف البيت بـ500ج من راتبها فهل تقدم جواب مفردات المرتب وما تأخذه بالكامل لأخيها فتخاف أن يكون حراما وأقر كذا فرد بأحقية أخيها لاحتياجه وأنها مبالغ كانت تخصم منها فعلا بحياتها في شغلها برجاء الرد ماذا تفعل لخوفها الشديد ولا تعلم الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلها أن تأخذ من معاش أمها بمقدار ما خصم من راتبها أثناء حياتها، وهذا الجزء المخصوم من الراتب يعتبر ملكا للورثة يجب تقسيمه حسب القسمة الشرعية للميراث، وإذا لم توجد طريقة لاسترداده وتخليصه إلا بتقديم مفردات راتب أقل من الحقيقي فلا بأس بذلك، فقد أجاز ذلك العلماء، قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه.
وقال ابن الجوزي: كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب. وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط -كما في الإحياء- أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك. وراجعي الفتوى رقم: 55369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(9/2510)
معجبة بشخص وتحترمه وتنزعج عندما تراه مع غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[مرحباً.. هذه حالة شخص مقرب مني فأريد أن أعرف الحل، تقول بأنها معجبة بشخص وتحترمه فقط لا غير أي إنها لا تعتبره شريك حياتها لكنها تنزعج عندما تراه مع غيرها مع أنها تتمنى له الخير فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مجرد الإعجاب بشخص لا حرج فيه، ولكن انزعاجها عندما تراه مع غيرها يخشى أن يكون بسبب تعلق القلب به، فعليها علاج ذلك بالتسلي عنه وصرف ذهنها عنه، والبعد عن لقياه وشغل نفسها بما يفيد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الإعجاب والاحترام لهذا الشخص لا شيء فيه في الأصل إن لم يترتب عليه أمر محرم من نظر محرم أو لمس أو خلوة أو غيرها من وسائل الفتنة، ولكن كونها تنزعج عندما تراه مع غيرها ... إن كان لغيرة عليه فهو مؤشر على عشقها له، وذلك خطر على دينها يجب عليها التخلص منه والسعي في علاجه، وإن كان بسبب كونها تربأ به عن ملاقاة الأجنبيات فهو مؤشر خير، وعليها أن تعلم أن الله تعالى يراها ويحصي أعمالها، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلتتق الله ولتحرص على غض البصر عن الأجانب والبعد عن مخالطتهم، ولتشغل فكرها وطاقاتها بما يفيد من تعلم علم نافع أو عمل مثمر أو ترفيه مشروع أو تسلية ببعض المطالعات في السير وقصص السلف أو ببعض الرياضات المباحة، وللمزيد من الفائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5707، 4220، 30991، 80510، 9360 ونرجو أن تراجعي قسم الاستشارات ليفيدوك في الموضوع أكثر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(9/2511)
الترغيب في الستر على المسلم الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت على إحدى الفضائيات درسا لأحد المشايخ وقد عرض بعض صور الموتى وكان منهم من مات ووجهه مسوداً أو مات وهو ساجد وفي الحمام أعزكم الله ومن مات وهو يضحك، فهل يجوز لي عرض هذه الصور على المسلمين من باب العظة والعبرة أم أن هذا يعتبر من باب كشف ما ستر الله ومن باب كشف عورة الميت؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ثبت الترغيب في الستر على المسلم حياً وميتاً، وبالتالي فلا ينبغي نشر صورة الميت المشتملة على سواد وجه ونحو ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت الترغيب في الستر على المسلمين أحياء وأمواتاً، فلأجل ذلك لا ينبغي نشر الصور المذكورة ولاعرضها، ففي التمهيد لابن عبد البر متحدثاً عن الميت: ويستحب العلماء أن يستر وجهه بخرقة وعورته بأخرى لأن الميت ربما تغير وجهه عند الموت لعلة أو دم، وأهل الجهل ينكرون ذلك ويتحدثون به، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غسل ميتاً ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. انتهى.
وفي فيض القدير للمناوي: (من غسل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب) ، يحتمل أن المراد ستر عورته، ويحتمل أن المراد ستر ما يبدو له من علامة ردية كظلمة، ويحتمل الأمرين وهو أظهر (ومن كفنه كساه الله من السندس) ، قال النووي: فيه أنه يسن إذا رأى الغاسل ما يعجبه أن يذكره، وإذا رأى ما يكره لا يحدث به قال: وهكذا أطلقه أصحابنا، لكن قال صاحب البيان: لو كان الميت مبتدعاً معلناً ببدعته فينبغي ذكر ما يكره منه زجراً للناس عن البدعة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1429(9/2512)
ذم الغيرة المفرطة
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي غيور جداً ولم أجد أي حل فنحن نحب بعضنا وعلى أبواب الزواج وقد وصلت به الغيرة إلى حد الشك وأنا خائفة أن يبقى الشك بعد الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغيرة المرء على عرضه وشرفه محمودة شرعاً، ولا خير في من لا يغار، لكن الإفراط فيها مذموم، ونصيحتنا لخطيبك أن يعتدل في غيرته، كما ننصحك أنت بالالتزام التام بالحجاب وعدم مخالطة الأجانب إلا بالضوابط الشرعية، وبذلك تسدين مداخل الشيطان التي يدخل منها إليه، ولا يجوز له إساءة الظن بك أو اتهامك دون بينة ويقين، وتصديق الأوهام والشكوك قد تؤدي إلى ما لا تحمد عاقبته.
فإن غير من حاله أو رجوت استقامة الأمر بينكما بعد الزواج فأتمي الأمر معه، وإلا فنصيحتنا لك أن تفسخي الخطبة وتعرضي عنها إذا خشيت من عدم استقرار الحال بينكما لغيرته وكثرة ظنونه، واعلمي أن الخطبة لا تبيح أمراً محرماً من خلوة أو نظر أو لمس وغيرها، وللمزيد من ذلك انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75940، 30856، 98141، 101181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(9/2513)
العفو عن المبتدع والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعلم أن المسلم يؤجر عندما يعفو عمن ظلمه من المسلمين. هل يؤجر المسلم كذلك إذا عفا عن مبتدع أو كافر؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
العفو من الأخلاق المندوب إليها مع الآخرين ولو كانوا غير مسلمين أو غير صالحين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
العفو من مكارم الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، سواء كان المعفو عنه مسلما أو غير مسلم صالحا أو غير صالح مستنا أو مبتدعا؛ والأدلة الواردة في الندب للعفو عامة لا يخصصها شيء ومنها: قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقال تعالى: وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التغابن:14} ،خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199}
وهذه كلها آيات مكية أي أن العفو فيها أو في أكثرها مأمور به مع المشركين كما في أسباب النزول، كما أن من المعلوم أن النبي عفا عن كفار مكة بعد الفتح، ثم إن استعمال العفو مع الكافر من البر المأذون به كما قال عز وجل: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة/7} وقد يكون وسيلة لدعوتهم وترغيبهم في الدخول في الإسلام فيكون بذلك فيه أجر عظيم.
على أننا ننبه على أمر هام نبه له العلماء وهو أن العفو إنما يكون حسنا ومندوبا إليه إذا كان يترتب عليه إصلاح، لا إن كان يتولد عنه مفاسد ومضار وإلى ذلك تشير آية الشورى السابق ذكرها وهي قوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
وإذا كان الأمر كذلك فإن في الأخذ بهذا الخلق مع الاحتساب أجرا عظيما ولا ريب؛ فنسال الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق فانه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(9/2514)
الراضي بشيوع الفاحشة يناله الوعيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور الآية (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. فهل يمكن أن نعتبر الرجل الذي يسمح لزوجته بأن تخرج متبرجة ومتعطرة وتختلط بالرجال الأجانب سواء في الأسواق أو في العمل, وكذلك يسمح لأبنائه البالغين بأن يدرسوا في المدارس المختلطة أو أن يسمح لأبنائه بأن يفتحوا جهاز التلفزيون على الفضائيات الإباحية هو من الذين يشملهم قول الله سبحانه وتعالى في إشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا.. لأنه يسهم أو يساعد في إشاعة الفاحشة بين أبنائه وأولاده، يرجى الإجابة؟ وجزاكم الله تعالى ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن يفعل ذلك فهو ديوث ومقصر في مسؤوليته عن زوجته وأولاده والعياذ بالله، والديوث لا ينظر إليه الله وهو ممن حرم عليه دخول الجنة، مع مدمن الخمر، كما جاء في السنة المطهرة، وإن كان يدعو أهله إلى ذلك ويحثهم عليه فلا شك أنه يشمله الوعيد الوارد في تلك الآية، لأن الحث على ذلك والأمر به من الدعوة إلى الفاحشة وإشاعتها في المؤمنين، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52925، 67208، 18247.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1429(9/2515)
كيف تقابل المستهزئين
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب تزوج من فتاة سنية أبوها غير سني، وبعد الزواج، زوجات هذا الشخص كلما رأوا المتزوج يسخرن منه ومن زوجته (ذلك لنسبها) ، وكذلك عندما يكونون في مجالس النساء والزوجة معهم، فهل للرجل أن يتدخل في مهاترات النساء هذه؟ وهل يجوز أن يبعد زوجته عنهن لعدم السخرية؟ وهل يجوز أن يقطع علاقته بهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هؤلاء النساء على ما ذكر من سخريتهن من هذا الشباب وزوجته فلا شك أنهن مسيئات بذلك فإن السخرية محرمة. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11}
ومن أفضل ما تواجه به هذه السخريات أمور، ومنها:
أولا: الإعراض عن فاعلها، فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ {الأعراف:199} وراجع للمزيد الفتويين: 30075، 96418.
ثانيا: الصبر على سخريتهم ابتغاء مرضاة الله، وراجع فيه الفتوى رقم: 54119.
ثالثا: الاستعانة بالله تعالى عليهم والاشتغال بذكره، قال تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ {الحجر:95}
ومع هذا كله فإن احتاج المسلم إلى الرد على المستهزئ فلا حرج عليه في ذلك، ولو كان من رجل مع امرأة إن روعيت الضوابط الشرعية، والأولى التريث حتى يتبين أن في الرد مصلحة راجحة، وإلا فالأولى الإعراض، وإن أمكنه أن يسلط عليهن من له ولاية عليهن فهو أفضل، وانظر الفتوى رقم: 71999.
وإن كان هؤلاء النساء أجنبيات عليه، وليس له معهن رحم فهو لا علاقة له بهن أصلا، ولا حرج عليه في أن يبعد زوجته عنهن، وقد يلزم ذلك إن خشي أن يفسدنها عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1429(9/2516)
اقتراف المعاصي بحجة الحرية الشخصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم لمن يتعذر (بالحرية الشخصية) لعمل المعاصي والمنكرات، وكيف تردون عليهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
امتثال التكاليف الشرعية ليس المسلم حراً فيه، ومن زعم ذلك فهو على شفا هلكة، والحرية الشخصية هي في مجال المباحات فحسب ما لم يضر بالآخرين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا مسلك خطير جداً يخشى معه على صاحبه من الردة والعياذ بالله، إذ أن مقتضاه هو رد التكاليف الشرعية، إما جحوداً وإما عناداً واستكباراً وكلاهما من أقسام الكفر، وتوضيح ذلك أن الله خلق البشر وابتلاهم بالتكاليف الشرعية والآداب المرعي، ة واختص طائفة منهم فهداهم إلى صراط مستقيم هو الإسلام والذي معناه الانقياد لله في كل صغير وكبير، فمن التزم بعقد الإسلام صدق فيه وصف العبودية، ونال شرفها، ولا معنى للعبد -كما لا قيمة له- إلا بطاعة سيده، ولا يكون ذلك إلا بامتثال الأمر واجتناب النهي فيما أحب وكره، فإن خالف فهو عبد أيضاً، لكنه عبد آبق خارج على مولاه وسيده مستأهل للعقوبة مستوجب للذم، ثم إن كان هذا القول صحيحاً فماذا يصنع قائله بقوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ {آل عمران:104} ، وقوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {المائدة:78-79} ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. انتهى. وغير ذلك من نصوص كثيرة في هذا الباب.
ثم ما هو الفرق عند هذا القائل بين المؤمن والكافر؟ بل ما الفرق بين الإنسان والحيوان غير قبول التكليف وامتثال الطاعة؟ قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ {محمد:12} ، وقال سبحانه وتعالى: أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ* فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {البلد} ، ومن ثم فلا يصح بأي وجه أن يتعلل المسلم بحريته الشخصية في رد الأمر أو في الوقوع في النهي سواء معصية فما دونها، فإن فعل فإنه محاد لله، وقد قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ {المجادلة:20} ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه لو عمل كل واحد بهذا المنطق الأعوج وتعلل بحريته الشخصية في فعل ما يريد لاختل نظام المجتمع وعمت الفوضى، لأن كثيراً من المعاصي والمنكرات التي يأتيها المرء يتعدى ضررها ولا شك، يبينه ما رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجو ونجوا جميعاً.
ونحسب أن الأمر واضح، والرد على أمثال هؤلاء لا يحتاج إلى كبير جهد، والموفق من وفقه الله تعالى، وليعلم أن مجال الحرية للمسلم إنما هو في المباحات، فيأتي ما يشاء منها ويترك ما يشاء ما لم يؤذ غيره أو يضر به، أما في غير ذلك فهو مقيد بالشرع، وكل ذلك تحقيقا للعبودية لله تعالى، ويا لها من منزلة لو كانوا يعلمون! منزلة وصف الله بها أشرف خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم في أعلى المقامات وأسمى المنازل الإسراء والدعوة والوحي وتنزيل الكتاب، كما امتدح بها سائر أنبيائه في القرآن الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(9/2517)
حكم الرسائل القصيرة عبر الخلوي بدون حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إرسال الرسائل القصيرة عبر الخلوي تعتبر من باب الإسراف إذا كانت لغير حاجة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الرسائل المذكورة تكلف مالا أو تستغرق وقتا أو بذل جهد دون حاجة إليها فلا شك أن ذلك من التبذير الذي حرمه الله في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الإسراف.
قال الله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا. {الإسراء26-26}
ولمزيد من الفائدة عن الإسراف والتبذير نرجو أن تطلع على الفتويين التاليتين: 17775، 12649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1429(9/2518)
تجنب أسباب الغضب وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بغضب حتى أصبح فاجراً، فهل أنا منافق، أنا أخاف يوم ألقى فيه الله من الحالة النفسية التي أعيش فيها، فأرجو دعاء بالثبات على هذا الدين والمغفرة أنا بحاجة إلى ذلك؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يلزم من سرعة الغضب النفاق ... وعليك أن تتجنب أسباب الغضب وأن تحذر من تنفيذ ما يمليه وأن تعالجه بالتصبر والكظم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغضب من الغرائز التي جبل عليها الناس كلهم أو جلهم فلا يعني ذلك الاتصاف بالنفاق، ولا السلامة منه كمال الإيمان إلا إذا اتصف صاحبه بصفات النفاق المذكورة في الحديث: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
ولخطورة الغضب وما يترتب عليه حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل جاءه يطلب منه الوصية (لا تغضب) فردد الرجل الطلب مراراً يريد الزيادة ... وفي كلها يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تغضب) ، وقد سبق بيان خطورة الغضب وعلاجه في عدة فتاوى بإمكانك أن تطلع عليها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76504، 58964، 8038.
هذا ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على دينه وأن يغفر لنا جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1429(9/2519)
الاحتيال على الزوجة وعلى الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[احتيال الزوج على زوجته في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاحتيال كلمة تطلق كما قال بعض العلماء على سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها المحتال إلى غرضه بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، سواء أكان المقصود أمرا جائزا أو محرما، وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعا أو عقلا أو عادة وهذا هو الغالب عليها في عرف الناس.
والاحتيال بهذا المعنى محرم سواء كان هذا الاحتيال على الزوجة أم على غيرها، وليس منه الكذب على الزوجة المرخص فيه للمصلحة، وهي تنمية العلاقة الزوجية إذ محل جواز هذا الكذب ما لم يفوت حقا للزوجة وإلا حرم.
وانظر الفتوى رقم: 34529.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1429(9/2520)
حكم التغزل بالصفات الجميلة للزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتغزل بزوجتي بكلام خواطر رومانسية ونشرها في المنتدى في المشاركات لكن هـ بزوجتي ولا ذكرت في الخاطرة أي وصف لجسمها أو مفاتنها؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس أن يذكر الرجل من زوجته المعاني الجميلة التي تنم عن صلاحها وحسن عشرتها ونحو ذلك.
ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية: 64994، 31012.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(9/2521)
كتمان الهموم والعفو عمن أساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز كتمان الأحزان والمشاكل والشخص يعاني منها في فترات من الزمن ولم يخبر أحداً لا قريبا ولا بعيدا وما حكم هذا وعندما يتذكر هذه المواقف في المستقبل يتأثر منها هل له ثواب، ما فضل كتمان الأحزان والمشاكل والمصائب ويعفو عمن أساء إليه، أنا شخص مع إخواني منذ خمس سنوات لم أتكيف معهم لم أتعرف عليهم حق المعرفه عندما أراهم مجتمعين أحزن لأنهم يعرفون بعضهم البعض حق المعرفة وأنا لا أستطيع أن أتعرف عليهم حق المعرفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأفضل للشخص أن يبث شجونه وهمومه ومصابه لمن يثق به إذا كان لا يستطيع تحمل كتمانها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من كتمان الشخص أحزانه ومصائبه عن الناس، وخاصة إذا كان ذلك بقصد الصبر عليها واحتسابها عند الله تعالى، فقد أثنى الله عز وجل على الصابرين وبشرهم بالثواب العظيم، فقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:155} ، وقال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ {يوسف86} ، وإذا خشي الشخص أن يعود عليه الكتمان بضرر نفسي فإننا لا ننصح بالكتمان حينئذ، والأفضل في هذه الحالة أن يبث شجونه لأصدقائه وإخوانه فبذلك ينفس عن نفسه، فبعض الناس يسبب له كتمان ما يلاقي من مشاكل الاكتئاب والانعزال ... وإذا بث شجونه للآخرين وخاصة أصدقاءه ارتاح مما يجد.
وأما العفو عن من أساء إليه ففيه أجر عظيم وخير كثير من الله تعالى، وخاصة إذا كان عن الإخوان والأقربين فقد روى الحاكم وغيره عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. ألا ومن أراد أن يمد في عمره ويبسط في رزقه فليصل ذا رحمه. ولذلك فنحن ننصحك بالتكيف والاندماج مع إخوانك والتعاون معهم على ما ينفعكم في دينكم ودنياكم ولا داعي للحزن والقلق ... كما ننصحك بدعاء إزالة الهم والحزن فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضِ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. نسأل الله تعالى أن يفرج همك ويزيل حزنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/2522)
المبادرة بالتوبة النصوح من الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا قال لي أحدهم هل حفظت سورة..أقول له نعم، وأنا لم أحفظها ولقد ندمت على قولي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الكذب حرام، والتوبة منه واجبة، ومن تاب تاب الله عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وعقد العزم على ألا تعودي إلى الكذب، فإن الكذب حرام، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم الكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/2523)
حكم إخبار الأب كذبا بنفاد ماله حتى لا ينفقه في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي ترك العمل وأخذ حسابه من الشركة التي كان يعمل بها ثم أعطى لأختي 7000 درهم للمصاريف المنزلية وبعد مدة سألها هل لا يزال معها النقود فأجابته بلا مع أنها لا زال معها 4000 د لأن أبي يدخن ويخسرالنقود في التدخين فهل تعطيه 4000 درهم التي لازالت معها أم تصرفها في القوت اليومي مع أنا في ضائقة مالية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز منع الشخص من ماله إذا طلبه، إلا إذا علم أنه يريد صرفه في الحرام، فإنه حينئذ يمنع منه تغييرا للمنكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الأصل أنه لا يجوز لأحد أن يمنع غيره من ماله إذا طلبه، وينبني على ذلك أن من واجب أختك أن تسلم لأبيها جميع نقوده إذا طلبها.
ولكنها إذا علمت أن الأب سيصرف هذه النقود في أمور محرمة، واستطاعت أن تمنعه من ذلك وتصرفها عليه، وعلى من يعولهم فيما هو مباح وجب عليها فعل ذلك، ويكون هذا من باب تغيير المنكر باليد. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ومن هذا يتبين لك أن ما فعلته أختك مع أبيها هو الصواب، ولكن عليها عند إخباره بأن النقود لم تعد موجودة أن توري في ذلك، بأن يكون قصدها فيما أخبرت به أن الذي لم يعد موجودا من النقود هو ما تم صرفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(9/2524)
كلمات الحب العفيفة لغرض الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدمت إلي خطبة فتاة ولكن والدها رفض بسبب ضعف الإمكانيات المادية، ولكن بسبب القبول الشديد بيني وبينها اتصلت بي من خلال وسطاء وطلبت مني أن أنتظرها ووعدتني أنها لن تتزوج غيري لأنها علمت من أقاربي أني أحببتها حبا شديدا، اتصلت بوالدتها وطلبت منها أن تسمح لي بأن أتكلم مع بنتها على التليفون المحمول، ولأنها فتاة متدينة وعلى خلق سألت محفظة القرآن عن هذا الوضع الذي نحن فيه فأجابتها أنه يجب عليها إعلام احد أقاربها الذكور بالأمر فأبلغت خالها وأبلغت جدتها لأمها، أرجو إفتائي هل حلال لنا أن نتبادل كلمات الحب العفيفة؟ مع العلم أنني أعطيتها وعدا أني لن أتزوج غيرها إلا إذا تزوجت رجلا آخر، وهي وعدتني أنها لن تتزوج غيري مع العلم أن ظروفي المادية تحسنت بفضل الله وأنوي التقدم لوالدها مرة أخرى عندما يرجع من السفر. أخوها ووالدها لا يعلمون أنني على اتصال بها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لكما تبادل عبارات الغزل والحب عفيفة كانت أو غيرعفيفة، ويجب عليكما قطع ذلك الاتصال حتى تتم الخطبة والعقد الشرعي إن تتيسر لكما ذلك، وأما قبله فلا.
وللوقوف على تفصيل ذلك انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9463، 4220، 21582، 96659، 69647.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(9/2525)
الصفح أعظم ثوابا من المجازاة بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الذي يتعرض للظلم والضيق في عمله ومحاط بالشك من كل أطراف العمل، الآن أنا في حالة نفسية صعبة، مع العلم بأني مخلصة في عملي، المرجو أن تفيدوني بحل لأني لم أعد أتحمل هذا الجو من الشك بي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن من حقك أن تنتقمي ممن ظلموك، ولكن الصفح عنهم أفضل وأكثر مثوبة عند الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج كربتك ويزيل عنك الظلم، وننصحك بأن تستمري في الإخلاص في عملك كما كنت، وأن تتقي الله فإن العاقبة للمتقين، واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن الأفضل لمن وقع عليه الظلم والأذى والإهانة من الناس أن يعفو ويصفح، ليفوز بالأجر الكثير من الله، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور:22} ، وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126} ، وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا {المزمل:10} ، وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
ويشرع لك أيضاً المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز، لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:41-42-43} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(9/2526)
هل من لا يسامح الناس لا يسامحه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظفة في إحدى الدوائر وعندما أتكلم عن بعض الأعمال في القسم أرى موظفة أخرى تهمس في أذن موظفة أخرى ويضحكون ثم يقولون إننا نتكلم عنك فقلت إني لا أسامح كل من يتكلم عني، فقالت إحداهن يوم القيامة لأنك لم تتعودي أن تسامحي فسوف لن يسامحك الله عن أي شيء فقلت لا أصدق هذا، فهل كلامها صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كون من لا يسامح لا يسامحه الله غير صحيح، وذلك أن المعتدي عليه قد سوغ له الشارع أن يقتص وينتصر لنفسه، كما قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ {البقرة:194} ، وقال تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:41} ، ولكن الأفضل للمسلم أن يعفو ويصفح لينال أجر العافين، ومنه دخول الجنة وغفران الله له، فقد قال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 8038، والفتوى رقم: 24820، والفتوى رقم: 54580.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(9/2527)
لجوء الطالب إلى التزوير حتى لا يضيع سني عمره في الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ مسلم يطلب فتوى عاجلة في موضوع هام جدا. فأرجو ردكم السريع أنا طالب جامعي سنة خامسة مهندس دولة في الإعلام الآلي. في السنة الماضية انقطعت عن الدراسة بسسب ظروف العائلة المادية الصعبة وكثرة الديون على والدي المعاق حركيا. مما اضطرني إلى التوجه للعمل والتوقف عن الدراسة حيث كنت أعمل لفترات طويلة في اليوم من أجل التمكن من سداد ديون الوالد فلم أتمكن من متابعة دراستي. المهم في الأمر هو أنني عندما أردت متابعة دراستي هذه السنة طلب مني مدير المعهد تبرير الانقطاع عن الدراسة وطلب أن تكون شهادة طبية مع العلم أنني لم أكن مريضا. وقد رفض كل المبررات التي قدمتها وهو مصر على الشهادة الطبية أرجوكم أفتوني فإني في حيرة كبيرة من أمري. هل يجوز لي أن أقدم الشهادة الطبية مع العلم أني كنت صحيحا معافا طيلة السنة الماضية والحمد لله. فإني أرى ذلك من باب التزوير والافتراء على الله أرجو الرد السريع وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأصل أن التزوير من كبائر الذنوب ولا يجوز فعله في حال الاختيار، وإذا ألجأت إليه الضرورة ساغ، وكان الإثم على من ألجأ إليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إن إصدار شهادة طبية لمن لم يكن مريضا هو من شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر، وقد ورد فيها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور". فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. والحديث متفق عليه.
فلا يجوز لطالب ولا غيره أن يسعى في مثل هذه الشهادة، كما لا يجوز ذلك للطبيب.
وإذا كان الطالب بحاجة ماسة إلى إجازة، ولم يفد شرح ظروفه للجهة التي تتولى إدارة المؤسسة التي يتابع فيها، فلا شك أن الأفضل له هو تقوى الله والصبر حتى يجعل الله له مخرجا.
وإذا كان انسحابه من الدراسة بهذا السبب قد يضيع عليه ما مضى من سنوات عمره في الدراسة ولم يجد حلا يغنيه عن التزوير، فإن له حينئذ أن يلجأ إلى ذلك لأنه في معنى المضطر؛ فقد قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} . والإثم هنا يكون على من ألجأه إلى هذا العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(9/2528)
ليس من حق الغير أن يغتاب من لم يوقع عليه الظلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: عندما يظلمني شخص ما أو يسيء معاملتي أو أكون منزعجة من تصرف شخص ما، أحس براحة نفسية عندما أحكي لأمي ما فعله ذلك الشخص معي وأبث لها (بعد الله تعالى طبعا) أحزاني، وأنا متأكدة من أنها ستذكر ذلك الشخص بسوء حين ترى استيائي منه وستقول لي مثلا إنه كذاب أو إنه سفيه أو إنه غشاش أو عديم المروءة ... فهل علي إثم عندما أفضفض لها عما في نفسي علما وأني لا أستطيع البوح إلا لأمي أقرب شخص إلى نفسي، وعلما أني أكون متأكدة في كل مرة من أنها لن تتوانى عن أي وصف سيء للشخص الذي يزعجني أو يظلمني ويعكر مزاجي، هي تنصحني دائما ولكن ذلك لا يكون إلا بعد أن تغتاب ذلك الشخص الظالم أو المسيء في حقي، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن من حقك أن تكافئي ممن اغتابك أو ظلمك، وليس ذلك من حق أمك، ولا يجوز أن تخبريها بما سيحملها على المخالفة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الإساءة التي قلت إنك تتلقينها من بعض الأشخاص، يجوز لك أن تكافئي بمثلها إذا كانت مما تجوز المكافأة فيه، والأفضل العفو، لقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194} ، وقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126} ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى.
ولا تجوز المكافأة بما ليس من جنس الاعتداء، كما أن هذه المكافأة حق للمعتدى عليه، ولا يتعداه إلى غيره، فليس من حق أمك -إذاً- أن تغتاب أؤلئك الذين أساؤوا إليك، وبالتالي فإذا كنت تعلمين أنها ستفعل ما ذكرته عنها، فإنه لا يجوز لك أن تبوحي لها بما حدث لك، لأنك إن فعلت كنت حاملة لها على ارتكاب الإثم، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/2529)
السر عند كرام الناس مكتوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كثير الأسئلة على موقعكم المفضل لدي هذا وأشكر جميع أعضاء الشبكة على اهتمامهم.
وسؤالي أنني عاقد على إنسانة ذات خلق ودين وتربت في أسرة ملتزمة ولاتترك أي فرض وهي ملتزمة بالصلاة والصيام وغير ذلك وحتى النوافل
وما يثير قلقي هو الآتي:
1 هي لا تكتم سرا عن والدتها فتطلعها علي جميع الأسرار وما يحدث بيننا وما أقوله لها وقلقي هنا على الفترة بعد الدخول بها وتكوين بيت زوجية فإن له أسرار لا يفضل أن تصل إلى أي شخص مهما كان وحاولت التكلم معها ولكنها أخبرتني أنها تربت على مصارحة والدتها بكل كبيرة وصغيرة في حياتها مع العلم بأن والدتها ملتزمة وعندما توصل إليها اي سوء تفاهم بيننا تحاول أن تحله بسرعة وتهدئة الأمور بيننا.
2- أنها حساسة جدا فلو تكلمت معها بشئ من الشدة تنخرط في البكاء وأنا حياتي كانت كلها بها نوع من الشقاء بالنسبة لحياتها وهذا يسبب نوعا من القلق لدي.
آسف على الإطالة، ولكني أريد النصيحة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إفشاء السر محرم شرعا سيما ما يتعلق بالحياة الزوجية أو استكتم عليه المرء، ونقل الخلافات الزوجية خارج إطار الزوجين مما يزيدها غالبا، فلا ينبغي ذلك إلا للضرورة، فوضح لزوجتك هذا الحكم الشرعي في إفشاء السر، وما دامت ذات خلق ودين فستستجيب لحكم الله، وأما شدة حساسية الزوجة وسرعة تأثرها فيمكن علاجها بالتفاهم والبعد عن أسباب ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله أن رزقك زوجة صالحة ذات خلق ودين، وما تشكوه من حالها لا تسلم منه امرأة غالبا، ويمكن علاجه بالتفاهم والوعظ والرفق والحكمة.
وحسب المرء نبلا أن تعد معايبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمنا مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر. رواه أحمد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ولن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها. متفق عليه.
فالنساء هكذا، لكن نقول لها: إن إفشاء السر محرم شرعا سيما ما يكون بين الزوج وزوجته في علاقتها الزوجية، وكذا ما ائتمنها عليه وأفضى به إليها من سره، فعليها أن تكف عن إفشاء ذلك ولو إلى والدتها. وتعلم أن طاعة زوجها أوجب عليها من طاعة أبويها؛ كما بينا في الفتوى رقم: 19419.
وما يكون من خلاف بينها وبين زوجها لا ينبغي أن تشرك فيه طرفا آخر ولو كان أمها إلا للضرورة لأن الخلافات الزوجية سريعا ما تتلاشى وتزول ما لم يشرك فيها طرف ثالث، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 58545، 97256، 27320، 66003.
وأما سرعة تأثرها وبكائها فلا تلام عليه، وينبغي أن تتجنب أنت ما يدعوها إلى ذلك، ولتحاول هي ضبط مشاعرها، وتتعاونا بينكما على معالجة ذلك.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95998، 2589، 62271، 75931.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(9/2530)
العشق يدمر نفسية وحياة الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقه مخطوبة وخطيبها رجل طيب ومحبوب عند الناس وهي لا تبالي بموضوع زواجها لأنها كانت على علاقة بقريبها الذي منعته الظروف الأسرية من الزواج وهي دائما على استخارة ولكن لا تحس شيئا تجاه خطيبها وكل ما يشغل بالها هو قريبها الذي أحبته لدرجة أنها تتابع أخباره وكل ما نسألها عن خطيبها تذكر حبيبها وتبدأ تتكلم عليه رغم أنها إنسانة متدينة ومودبة ومن عائلة محافظة ولكن تقول إنها ما نسته وما تقدر تتخيل حياتها مع واحد غيره رغم أن الولد تزوج وأصبح معه غلام وللآن لها على هذا الوضع سنتين وهي تؤجل موضوع زواجها لأنها غير مقتنعة وكل ما تستخير ما تحس بشيء افيدوني لكي أفيدها ونوصلها لما فيه الخير لها لأنها أصبحت هزيلة الجسم مكسورة بعيدة عن الناس. جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لتلك الفتاة ما تفعله بنفسها من التعلق بذلك الرجل الأجنبي عنها، ولا يخلو حالها من أمرين: أحدهما: أن لا يكون لها سعي في ذلك الحب ولا كسب فيه مع تعفف فهذا الحب لا تأثم بما حصل منه غلبة، لكن ينبغي عليها الإعراض عنه ومعالجة دفعه لئلا يؤدي بها إلى ما لا ينبغي.
وأما إن كان تعلقها به عن سعي واختيار بالنظر والمراسلة أو مبادلة الحديث ونحوه فهو محرم، وعليها أن تقلع عنه وتتوب إلى الله تعالى منه.
وإن كان خطيبها ذا خلق ودين فينبغي لها أن تقبله ولا عبرة بعدم انجذابها إليه وانشراح صدرها له؛ لأن عقلها وهواها قد غطاه حب ذلك الرجل الأجنبي، وإنما ينبغي أن تنظر في من خطبها فإن كان فيه خير فسيير الله لها أمره وإلا فيصرفها عنه ويصرفه عنها. وننصحك بإطلاعها على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4220، 9360، 1753، 2733.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(9/2531)
لا ينبغي مصاحبة من يشغل عن الصلاة ويحب سماع الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي صديق جميل ولقد تعرفت عليه منذ سنتين وهوحسن الخلق لكني كلما أبقى معه تنتابني نشوة جنسية كبيرة وكلما أبقى معه أحاول أن أحدثه عن الشهوات وغيرها ولا أستطيع تركه لأنه عرفنى على إخوته ووثقوا بي لأني ابن بادية وذو صيت حسن لكني متعلق به تعلقا غريبا أكثر من الصحبة وهو يثق بى أكثر من أي شخص آخر ومن عيوبه أنه يحب مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني وهو يشغلني دائما حتى عن صلاتي رغم أني أصلي الصلوات الخمس في المسجد والحمدلله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد أنك تتحدث مع هذا الشاب بشأن الشهوات الجنسية فهذا أمر لا يجوز، ويبدو أنك مفتون بهذا الشاب، وهذا قد يقودك إلى الوقوع في ما لا تحمد عقباه من الفواحش وغيرها، فإذا انضاف إلى ما ذكرت من مشاهدته للأفلام وسماعه الأغاني وشغله لك عن الصلاة فكيف يسوغ لك بعد هذا أن تقول إنك لا تستطيع أن تتركه، بل يجب عليك اجتناب هذا الشاب إن كنت تريد أن تستبرئ لدينك وعرضك، وإلا فقد يقع ما يوجب الندم منه ولات حين مندم.
وراجع الفتويين رقم: 32581، 56002.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1429(9/2532)
سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين من أفضل الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع باختصار.. كان لي زوجة والدي رحمها الله كنا من عائلة كبيرة لكن أبي كان مقاطعا لعائلته وكانت زوجة والدي رحمها الله تخرج إلى الأسواق وهو على غير عادة العائله عندنا فتملكني الوساوس إنها لو ماتت لن تقف لها عائلتنا لأنها تخرج عن إطار العائلة ففضلت ستراً عليها أمام أهلها أن لا أقيم لها عزاء حتى لا يكون المنظر مهينا أمام أهلها وماتت ويوم موتها فوجئت بأهلى جميعهم موجودين لكني كنت حسمت الأمر وفقا للوسواس اللعين بأن قلت أنها أوصت بذلك أن لا يتم عمل عزاء لها وفوجئت بأننى تسببت فى قطيعة صلة الرحم بيني وبينهم، إذ إنهم فهموا من ذلك أني أسير على وتيرة والدي مع أني قررت أني بعد الموقف سأصل رحمهم على الرغم من عدم وقوفهم معي ولأني لا يمكنني التبرير لأن ما دار كان وسواس بداخلي ولا أستطيع توضيح الأمر، لأن فيه شبه احتقار وفى نفس الأمر لا أريد أن أحمل ذنب قطع صلة رحم أمام الله، ف ما العمل
أنا الآن أشعر أني أسير وفق مخطط شيطاني كبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالتوبة إلى الله تعالى والاعتماد عليه وصلة الرحم فإن ذلك يذهب ما صدر منك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يحذر من الكذب ويجتنب سوء الظن ويبتعد عن الشك في الآخرين، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم.
وعليه أن يعود نفسه على سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين فهذا من أفضل الطاعات وأعظم القربات، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أنس بن مالك قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه ... فلما صلى وأراد الرجوع إلى بيته طلب منه عبد الله بن عمرو أن يؤويه ثلاث ليال، وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم أكن بحاجة إلى المبيت معك ... ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
ولهذا فإن بإمكانك أن تتدارك ما صدر منك من الكذب وسوء الظن بالتوبة إلى الله تعالى وتحسين العلاقة مع عائلتك، وتصل رحمهم وتقدم لهم ما استطعت من أعمال البر والخير، فإن البر يستعبد الحر والهدية تذهب وحر الصدر وقطيعة الرحم لا تجوز، وعليك بالإكثار من ذكر الله تعالى والاعتماد عليه وملازمة طاعته والإكثار من الاستعاذة به من شر الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(9/2533)
التوبة من سوء الظن بالآخرين مقبولة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد قررت أمرا ما في المستقبل بسوء نية ثم اكتشفت أن هذا الأمر سيئ لكني لن أستطيع القيام به لأنه تسببت عنه مشكلات أنا الآن لا أستطيع توضيح سبب النية وفي نفس الوقت لا أستطيع القيام بالأمر بسبب أن سوء النية تسببت عنه مشكلات كثيرة.
ما كفارة سوء الظن؟
الآن أنا أسير في اتجاه ما تسبب عنه سوء الظن وحتى لو صححت النية فأنا أسير في نفس الاتجاه هل من الممكن ان يغفر الله قيامي بتصحيح النية في أمر قدرته خطأ بنية سيئة حتى لو كان نفس الشيء الذى سأقوم به هو نفس الشيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالابتعاد عن سوء الظن والمبادرة إلى التوبة فإنها تمحو ما قبلها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال غير واضح، والذي ننصحك به بعد تقوى هو الابتعاد عن سوء الظن ووساوس الشيطان وإملاءاته الوهمية، والابتعاد عن كل ما ترتاب فيه أو تشك.
فقد روى الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. أي اترك ما تشك فيه، وخذ ما لا تشك فيه.
وما دمت قد اكتشفت أن ما تنويه سيئ ويسبب لك المشاكل فالواجب عليك الابتعاد عنه، كما أن عليك أن تحسن الظن بالآخرين، وأن تعاملهم انطلاقا من البراءة الأصلية وسلامة الصدر وطيب النفس.
وعليك بالتوبة من كل الذنوب فإن التوبة تمحو ما قبلها، والله عز وجل يقول في محكم كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}
وللمزيد انظر الفتوى: 103234.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(9/2534)
كرام الناس يصفحون ويقبلون الاعتذار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج منذ عام ورزقت بطفل ولكن خلال هذا العام كنت أحيانا أعيب في زوجتي وهي تتحمل ذلك، ولكني عاهدتها أن أتغير وحدث ذلك، ولكنها لم تنس أني عيبت عليها يوما وتطلب الطلاق مع أني أحسنت معاملتها بالتقرب من الدين فماذا أفعل بالله عليكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعيير الناس وذكر معايبهم وتتبع عوراتهم من الذنوب الكبيرة، قال الله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ {الهمزة:1} ، قال ابن عباس: همزة لمزة: طعان معياب، وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه. انتهى.
فلتتب إلى الله من ذلك الذنب، ولتطلب العفو والسماح ممن عبتها، وينبغي لها أن تقبل اعتذارك، امتثالاً لقوله تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، وأطلعها على الفتوى رقم: 72221.
وأخبرها بعدم جواز طلب الطلاق لغير عذر شرعي، وما ذكر ليس عذراً شرعياً يبيح لها طلب الطلاق ما دمت تركته وتبت منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1429(9/2535)
الحل يكمن في مخالفة النفس وعصيان الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر دائما بأني لست إنسانة سوية، مع العلم أني أصلي وأصوم وأحفظ القرآن والحمد لله الناس تحبني، ولكن أشعر أن هذا كله قناع لي فأنا أفعل أشياء لم أفعلها من قبل مثل أن أرسل رسائل إسلاميه لشاب تقدم لخطبتي ورفضته ولكن أصر أن أرسل له هذه الرسائل من دون أن يعرف من أنا، ثانياً: أحاول أن ألفت انتباه هذا الشاب وهو يعمل معي، مع العلم بأنه تقدم لي وأنا رفضته، ولكن لا أدري لماذا أفعل ذلك، فهل معنى ذلك أني لست محترمة وهذا الشاب أحيانا يتجاهلني وأحيانا يبادلني النظرات لينتقم مني لأني رفضته، بالله عليكم أفيدوني ماذا أفعل فأنا في حيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للشيطان حيلاً كثيرة وأساليب متنوعة في الإيقاع بالعبد واستدراجه للذنب وله أعوان كثر، وأشد أعوانه خطراً على العبد نفسه التي بين جنبيه، فإن لم يخالفها ويصرف هواها جرته إلى الفاحشة والمنكر، وقد حذر الله سبحانه من اتباع خطوات الشيطان، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21} ، فما تفعلينه أيتها الأخت الكريمة من هذا القبيل، وهو من طاعتك للشيطان ولنفسك الأمارة بالسوء، وليس لكونك غير سوية ولا غير محترمة، فننصحك بالكف عن هذه الأعمال وعصيان الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فكفي عن ذلك واقطعي العلاقة مع ذلك الشاب وغيره، قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن ترضعه شب على * حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وخالف النفس والشيطان واعصهما * وإن هما محضاك النصح فاتهم.
وفقك الله ويسر أمرك وهداك إلى رشدك، وراجعي الفتوى رقم: 10522، والفتوى رقم: 37015، والفتوى رقم: 522.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(9/2536)
كذبت بشأن أختها الصغرى خوفا على شعور الكبرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر رجل من أقارب زوج أختي الكبرى أنه يريد أن يتقدم لخطبتي، وأخبر زوج أختي بذلك. فأخبر هو زوجته وهي أختي الكبرى بأن قريبه يريد أن يتقدم لي، فقالت له أختي الكبرى إنني لا أصلح للزواج وأنني عصبية ولا أتحمل مسؤوليات الحياة. وهي تريد من هذا الرجل أن يتقدم لخطبة أختي التي تكبرني لأنها أفضل مني وستتحمل حياته أكثر مني -لأنه هو المسوؤل عن والدته وإخوته-، وعندما سألتها أختي الصغرى لماذا كذبت فيما قالته عني أنا وأختي التي تكبرني قالت بأنها تعرف أنني أنسب لذلك الشاب ولكنها لا تريدني أن أتزوج قبل أختي التي تكبرني لأن ذلك يؤثر على مشاعرها.
أنا حزنت كثيرا بسبب ما قالته أختي الكبرى عني خاصة وأنها تعلم أنني أتمنى أن أتزوج ذلك الشاب وهي تعرف أيضا أن أختي التي تكبرني لا تناسبه لأنها غير ملتزمة وهو ملتزم جدا.
بعد ما قالته أختي الكبرى ذهب ذلك الشاب لخطبة فتاة أخرى من خارج عائلتنا لأنه رفض أن يتزوج أختي التي تكبرني وفهم أن زواجه مني سيكون مرفوضا.
فهل يعتبر ما فعلته أختي الكبرى من الغش والكذب أم ماذا يسمى؟
وهل في ما فعلته ظلم لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت أختك قد كذبت فيما ذكرت للرجل عنك فهي آثمة لكذبها وخداعها. وما تعللت به من رغبتها في زواج الكبرى لا يبيح لها ما فعلت لما بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69017، 95111، 80753.
ولكنا ننصحك بالتجاوز عنها وعدم مؤاخذتها على ذلك فقد لا يكون لها غرض سيء فيما قامت به كما في الظاهر، ولكنها أخطأت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1429(9/2537)
مبتلى بداء حب النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفتوى الشرعية في رجل متزوج وعنده خمسة أولاد ويعشق على زوجته امرأة تصغره بـ 18 سنة والأغرب أنه أقنع زوجته بها وبأنه يحبها أكثر منها، بل زاد أن جعل زوجته تهاتف حبيبته والأغرب أنه متدين ويقول إن حبيبته أحب على قلبه من زوجته، فماذا نقول في مثل هذا أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن كان هذا الحب ناشئا عن قصد أو ترتب عليه أمر محرم من خلوة ونحوها فهو محرم وانتهاك لحدود الله يجب عليه التوبة منه والإقلاع عنه والتعفف بما رزقه الله من حلال، ولا يجوز لزوجته أن تطيعه فيما يقوي علاقته المحرمة أو يكون فيه رضاً بها أو إقراراً لها، فإن فعلت شيئاً من ذلك فهي آثمة بذلك، وأما إن كان حبه مجرداً عما سبق فليعالج نفسه بصرفها عن ذلك وإن استطاع أن يتزوج بها على زوجته فهو خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الرجل عاص لله عز وجل منتهك لحدوده بعشقه لتلك الفتاة وعلاقته بها، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويخشى من غضبه ومقته، فقد أغناه بما يسر له من الحلال فليتعفف عن الحرام، ومن يستعفف يعفه الله، ولا يجوز لزوجته ولا لغيرها أن تطيعه فيما من شأنه أن ينمي تلك العلاقة أو يفهم منه الرضى بها، ولمعرفة تفصيل ذلك انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22003، 27331، 44233، 70147.
ولكن إذا كان حبه لها عن غير قصد ولم يترتب عليه أنه يكلمها أو يخلو بها فهو مبتلى بداء الحب، وقد بينا كيفية علاجه في الفتاوى السابقة، وانظر الفتوى رقم: 5707، والفتوى رقم: 9360.
وإذا كانت لديه مقدرة على التعدد فينبغي أن يتزوجها ويعدد بها فالنكاح أنفع دواء وعلاج للمحب، وفي الأثر: لم نر للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(9/2538)
منداة الشخص بكنيته
[السُّؤَالُ]
ـ[استعمال الكنية في مناداة الرجال (أبو فلان) ، هل هي من السنة أم مستحبة أم هي تقدير للأشخاص، وإن كان القرآن الكريم قد ذكر الأنبياء بأسمائهم، كما ذكرت النساء بأسمائهن وزوجات النبي في الأحاديث ذكرت بأسمائهن، فلم في بعض البلدان العربية استعمال اسم المرأة كأنه عار، فأفتونا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستعمال الكنى من عادات العرب القديمة، وهي للإجلال والتقدير، وهكذا في بعض عادات البلدان والقبائل كذلك، وفي بعضها لا يكنون، فالحكم في ذلك للعرف والعادة، وإن كان الشخص يحب أن ينادى بكنيته فينبغي مناداته بها.
وأما ذكر النساء بأسمائهن فلا حرج فيه، وإن جرى في بعض الأعراف عد ذلك من العار فيما إذا كان بين الرجال الأجانب، فينبغي مراعاته. وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 58514، والفتوى رقم: 3942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(9/2539)
الترهيب من ظن السوء بالآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أظن أن بعض زميلاتي يغتبنني ويتكلمن عني بسوء، أحس ذلك بقلبي أي يحدثني قلبي بذلك ويأتي ظني في محله، وفعلا هي اعترفت لي بذلك بلسانها وقالت لي إني اغتبتك وقلت فيك كذا وكذا ولكن لم تقل لي ماذا قالت بالضبط، فهل يعتبرذلك من سوء الظن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظن أكذب الحديث، وقد نهى الله عز وجل عن كثير من الظن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، فلا يجوز لك هذا الظن بزميلاتك، دون دليل ولا قرينة، وكون إحداهن اعترفت لك بحصول ذلك مرة فلا يعني حصول ذلك دائماً فلعلها المرة الوحيدة.
ومجرد إحساسك القلبي ليس دليلاً يعتمد عليه، ولا برهاناً يُحكم به على الآخرين، فإنه مجرد شكوك وظنون ووساوس فاستعيذي بالله منه وممن يلقيها في قلبك، وننصحك بحسن الظن بأخواتك وبسلامة الصدر تجاههن، فإن من أفضل الطاعات وأجل القربات سلامة الصدر تجاه عباد الله، وحسن الظن بهم، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(9/2540)
أخطأت خطئين والتوبة تمحو الحوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت صديقة لي على شاب وكانت على علاقة معه في نفس الوقت الذي كانت معه على علاقات أخرى. وقد قامت صديقتي بتعريفي على هذا الشاب وصرنا نتحدث معا بعلم صديقتي. بعد ذلك لعب الشيطان بعقلي وبدأت أستلطف هذا الشاب على الرغم من أنه أول شاب أكلمه في حياتي. ولعب الشيطان بعقلي وبدأ يدخل بعقلي فكرت أن صديقتي لا تستحق هذا الشاب وأنه يستحق فتاة مثلي فقمت بإخبار هذا الشاب عن علاقات صديقتي مع الشباب ونتيجة لذلك حاول الشاب الانتقام من هذه الفتاة وقام لتعريضها للعديد من المشاكل مع أهلها على علم مني. وفي تلك الفتره كلما صحا ضميري كنت أقنع نفسي بأنها تستحق الذي يحصل لها. ولكن بعد أن اكتشفت استغلال هذا الشاب لي والمشاكل التي تلت هذه العلاقه قررت الابتعاد والتوبة إلى الله.
حاولت مساعدة صديقتي في المشاكل التي تعرضت لها لكنني لم أستطع ولم تكن هي لتثق بي بعد الذي سببته لها من أذى ورفضت التحدث معي. أشعر بالندم الشديد وأدعو الله دائما ليغفر لي هذا الذنب ويسامحني. سؤالي هو هل الندم على الأخطاء التي ارتكبتها في حق صديقتي واستغفار الله والدعاء لهذه الصديقة بالتوفيق كاف ليسامحني الله؟ وإذا لم يكن ذلك كافيا، ما الذي يمكنني فعله حتى يغفر الله لي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخطؤك ليس فقط فيما قمت به من إخبار الشاب عن علاقات صديقتك، وما ساعدتِّ فيه من المشاكل التي تعرضت لها صديقتك. فلا شك أن هذا خطأ؛ لأنه كان من الأولى أن تخلصي لصديقتك، فتنصحيها بالكف عن المعصية وبالتوبة، وأن لا تسعي في إلحاق المشاكل بها. ولكن الخطأ أيضا في أنك قد مارست الممارسات المحرمة، كما مارستها صديقتك، فخلوت بالشاب المذكور وتحدثت معه، وربما يكون قد حصل غير ذلك، وهذه أخطاء كبيرة تجب التوبة منها.
وردا على سؤالك، فإن التوبة تكفر جميع الذنوب إذا توفرت شروطها، وهي الإقلاع عن المعصية، والندم عليها، والعزم أن لا يعاد إليها. ولك أن تراجعي في شروط التوبة وأدلتها فتوانا رقم: 5646.
فتوبي إلى الله من جميع ما ارتكبته، ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل توبتنا وتوبتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1428(9/2541)
حسن الخلق وذم الاحتقار والتعالي على الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي أصله من بلد وأمي من نفس البلد التي نعيش فيها، الآن أنا وأخواتي ولدنا في بلد أمي وعشنا فيها كأنها بلادنا لأن الأصل يرجع إلى بلد الأب ونحن هنا تربينا فيها وترعرعنا ونحب أهل أمي كثيرا ولا نعرف بلد أبي وحتى يصعب علينا التكلم بلغة أبي حين نسمع الحديث بين أبي وعماتي, حدثت ظروف الحرب في بلد أبي حين اضطر إلى اللجوء الكثير من الشعب إلى نفس البلد التي نعيش فيها هروبا من الفقر والحرب مما اضطرهم لأن يعمل نساؤهم شغالات والرجال يمسحون السيارات مما جعلني أحتقر أصلي في حين كنت أحب بلد أبي وأفتخر بهم وكذلك من كثرة ما أسمع من الناس من الألفاظ القبيحة والسب والاحتقار لما نزحوا إلى بلدهم مما جعلني أكره وأسب من يقذفون الإهانات لهم وأقف دائما مع هؤلاء البسطاء، وفي بعض الأوقات يمسني بعض النقص حين أذكر أنني منهم أمام صديقاتي.
شيخنا الكريم أريد أن تعطيني كلمة عن حق التعامل مع الصنف البشري مثل هؤلاء؟ ولكم مني الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يعامل الناس بما شرع الله وحض عليه من إحسان الخلق معهم وأداء حقوقهم والسلام عليهم عند ملاقاتهم والتبسم في وجوههم والقول الحسن والتواضع لهم ومعاملتهم بما يجب أن يعاملوه به، ففي الحديث: وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي. وفي الحديث: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يجب أن يؤتى إليه. رواه مسلم.
ويحسن أن يصبر على ظلم من ظلمه وأساء إليه ويحلم ويصفح ويدفع إساءته بالإحسان، ويتأكد هذا في حق الأقارب والأصدقاء والجيران، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم ٍ {فصلت:34-35} ، وفي مسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73652، 70485، 35576، 18354، 35551، 95375، 58722، 61995، ففيها ذم الاحتقار والتعالي على اللاجئين وعدم الحكم على جنسية ما حكما عاما بما فيه تنقص لها وفي كون العمل بالإجارة عند الناس لا حرج فيه ولا عيب مهما كان نوعه ما دام العمل مباحاً في نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(9/2542)
لا يجوز للمسلم الإخبار عن علاقاته غير الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق كان له علاقه ماضية محرمة بإحدى الفتيات، هذه العلاقه لم تصل إلى درجة الزنا، وقام صديق آخر له بخطبتها دون أن يعلم عن هذه العلاقه شيئا، وبعد أربعة أشهر من خطبتها أخبره بعض الأصدقاء بهذه العلاقة السابقة، ومنذ أن علم هذا الخطيب بهذه العلاقة وهو يحاول الاتصال بصديقي صاحب العلاقه السابقة، ولكن صديقي يأبى أن يرد على اتصالاته، لأنه لا يعلم شرعاً ماذا يجيب على أسئلة صديقه هذا بخصوص هذا الموضوع، فهل يجيبه بصراحة عما سبق، أم يكذب عليه أم يستمر في التهرب من التحدث معه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلاقة المذكورة بين الشاب والفتاة معصية وذنب، ولا يجوز له أن يخبر بها أو يتحدث عنها، فإن التحدث بالمعصية معصية، والإخبار بالذنب ذنب، وعليه أن يستر نفسه ويستر هذه الفتاة، فإذا علم ذلك فلم يبق للشاب إلا أن يتهرب من هذا السؤال، وتجنب الجواب عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإذا اضطر للجواب فله أن يستعمل المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، كأن يقول لم يكن بيني وبينها علاقة وهو يقصد علاقة السيف وهو السير الذي يقلده المتقلد كما في تاج العروس وغيره من المعاجم.
وراجع الفتوى رقم: 7758.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1428(9/2543)
لا بأس بالتمتع في الدنيا بما أحله الله والآخرة خير وأبقى
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أفهم ديني جيداً ... لماذا الزنا حرام.. لماذا أن يكون لي أصدقاء من الجنس الآخر حرام ... لماذا اللباس المحتشم دون تغطية الرأس لا يجوز ... لماذا القليل من الكحول الذي لا يسكر حرام ... لماذا الفوائد من البنوك حرام.... أنا أعمل وأتعلم وأجتهد وأريد أن أتمتع بهذه الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا حرام لأنه يجلب على المجتمعات الأمراض القتالة كالإيدز وغيره، ويشيع بينهم البغضاء، ويتسبب في كثير من الجرائم وبه تختلط الأنساب وتضيع العفة، وقبل ذلك كله هو جالب لسخط الله وعقابه، وقد رتب الله عليه عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70} .
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج فيما رواه البخاري وغيره رأى رجالاً ونساء عراة على بناء شبه التنور، أسفله واسع وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار ارتفعوا وصاحوا فإذا خبت عادوا، فلما سأل عنهم؟ أخبر أنهم هم الزناة والزواني.
وسبب تحريم إقامة الصداقة بين الجنسين خارج إطار الزوجية وتحريم كشف الرأس أو غيره من عورات المرأة هو لأن ذلك يجر غالباً إلى الزنا، والوسيلة إلى الحرام حرام.
والكحول محرمة، لأنها هي سبب الإسكار في الخمر، والخمر محرمة بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90} ، والأمر بالاجتناب يفيد التحريم إذا خلا عن القرينة الصارفة، وليست هنالك قرينة صارفة، والحكمة في تحريم القليل من الكحول ولو لم يُسكر هي أن الإسكار أمر نسبي، فقد يشرب المرء الخمر ولا تسكره لتعوده عليها أو لسبب آخر، والعبرة هي بكون هذا الشراب صالحاً للإسكار بطبيعته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه الألباني.
وأما تحريم فوائد البنوك فقد ذكر أهل العلم لتحريمها خمسة أسباب، كما أورد الفخر الرازي وغيره قال: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوها:
أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة، فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: حرمة مال الإنسان كحرمة دمه. فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرماً..
وثانيهما: قال بعضهم: الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد -نقداً كان أو نسيئة- خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات.
وثالثها: قيل: السبب في تحريم عقد الربا، أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض..
ورابعها: هو أن الغالب أن المقرض يكون غنياً، والمستقرض يكون فقيراً، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم.
وخامسها: أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه.
هذا رد على جميع أسئلتك، وإذا كنت تريدين أن تتمتعي بالحياة فاجتهدي في تحصيل متعة باقية بالوقوف عند الحدود التي حدها الله، ولا تتعجلي فتكوني ممن ورد فيه قول الله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا. (الإسرا: 20) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1428(9/2544)
آثار الغضب بين المؤاخذة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في الزوجة التي تسب الزوج وأهله وتسب أحياناً الدين والرب ولا تفعل هذا الشيء إلا في حالة الغضب الشديد والانفعال وهذه الزوجة معروفة لدى أهلها بشدة الغضب، ولكنه بعد أن تهدأ تبكي وتستغفر وتندم على ما فعلت وتلقي باللوم على زوجها لأنه هو الذي يشعل الغضب فيها بسبب تقصيره تجاهها فأفيدونا؟ جزاكم الله خيراً وبارك في جهودكم، ولا تنسونا من الدعاء بوركتم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الغضب منه ما يخرج صاحبه عن طور الوعي والإدراك، وحينئذ لا يؤاخذ بما صدر عنه؛ لأنه كالمغمى عليه والمجنون، ومنه ما هو دون ذلك فلا يفقد صاحبه الإدراك وحينئذ يؤاخذ بما صدر منه. والغضب مرض خطير، ولكن يمكن علاجه بالأسباب الشرعية في ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الغضب يفقد هذه المرأة صوابها وإدراكها فلا تعي ما يصدر عنها فهي غير مؤاخذة بما تفعله حينئذ، لكن عليها الكف والحذر عن الأسباب التي تؤدي بها إلى ذلك، ولا ينبغي للزوج أن يستثيرها ويفعل لها ما يشعل غضبها.
وأما إن كان غضبها عادياً لا يفقدها الوعي والإدراك فهي مؤاخذة بما يصدر عنها وآثمة بسب زوجها وأهلها وناشز بذلك، وسبها للدين والرب والعياذ بالله يخرجها من الدين ويردها عن الإسلام إلى الكفر كما قيل:
يرتد عن إسلامه من انتهك * حرمة ذي العرش ورسل وملك
ونرجو ألا يكون ذلك؛ لما ذكرت من شدة غضبها وانفعالها فلعلها معذورة بذلك، لكن عليها أن تحذر من أسباب الغضب وتبتعد عما يجرها إلى ذلك. وقد بينا خطورة الغضب وكيفية علاجه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8038، 58964، 62950، 79179، كما بينا كيفية توبة ساب الدين والرب في الفتوى رقم: 71499، والفتوى رقم: 97490. وحكم سب الزوج وأهله في الفتوى رقم: 23235.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1428(9/2545)
الأثر المدمر لمشاهدة الأفلام الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشباب والرجال الذين يرون الأفلام الإباحية وما تأثيرها على المنزل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مشاهدة الأفلام الإباحية منكر وسبيل لإشاعة الشر والفساد، ومن اطلع على مثل هذه الأفلام فهو آثم تجب عليه التوبة، وقد يكون لمشاهدة هذه الأفلام آثار سيئة على صاحبها، وقد ذكرنا شيئا من أضرارها بالفتوى رقم: 3605 فلتراجع. وننبه إلى أن الواجب الحذر من المعاصي عموما، فلها آثارها الضارة على المرء في نفسه وأهله وماله، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 3617.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1428(9/2546)
النهي عن الخوض في أعراض المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[سألتني إحدى جاراتي عن واقعة وقعت لرجل وزوجته، فالرجل يتهم زوجته بأنه كان هناك رجل في بيتهم والمرأة تتهمه بأنه كانت هناك امرأة في بيتهم، وسألت جارتي هل هناك شهود لكليهما، أخبرتني بأنه لا يوجد شهود إلا أنها قالت إن إتهام الزوجة لزوجها هو الأقرب إلى الصدق، أفتوني جزاكم الله خيرا حتى أستطيع أن أخبر هذه الجارة، بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأي من الزوجين اتهام الآخر دون بينه ويقين، وإن كانت له بينة فالأولى الستر والمناصحة فيما بينهما دون إشاعة ذلك بين الناس. وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ويتحمل مسؤوليته في القوامة وحفظ عرضه، وعلى الزوجة مثل ذلك إضافة إلى حفظه حق زوجها في غيبة وشهادته.
والواجب على كل من له علاقة بالموضوع هو الإصلاح لا السعي في الإفساد وتوجيه الاتهام ومحاولة التحقق هل وقع الزوج أو الزوجة في الخطأ، وكف الألسنة عن الحديث في ذلك فأعراض المسلمين وحرماتهم لا يجوز الوقيعة فيها.
فأخبري جارتك أن تكف لسانها وتصون سمعها عن الخوض في ذلك، وإذا أرادت خيراً فلتنصح أختها في الله وجارتها زوجة ذلك الرجل بالكف عن اتهام زوجها والستر عليه إن رأت منه خطأ ومناصحته فيما بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1428(9/2547)
لا أثر للعن على رباط الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مريض بالسكر وهو كثير الغضب ولأتفه سبب يثور ويرمي بالكلام ويسب ويشتم وأنا صابرة على ذلك لأجل علمي بأنه يثور بسبب مرضه ثم عندما يهدأ أخبره بما قال أو فعل في كثير من الأوقات ينكر فعله أو شتمه وسؤالي أنه في بعض الأحيان عندما يسب يصل به الغضب أنه يلعنني وأنا أعلم أن اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، فهل يجوز بقائي عنده وما الحكم المترتب على ذلك، مع العلم بأنها ليست المرة الأولى ولكنه يعتذر بعد ذلك عما بدر منه، فأفيدونا؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في البقاء معه، واللعن لا يؤثر في عصمته الزوجية، لكنه خطير ومذموم شرعاً، ولا يجوز لزوجك أن يلعنك أو يلعن غيرك، لكن إن كان يفعل ذلك دون وعي منه وإدراك فهو معذور وكلامه لغو، وعليه أن يتجنب أسباب الغضب التي تؤدي به إلى ذلك، كما ينبغي لك أنت أيضاً أن تتجنبي ما يثيره ويؤدي به إلى ذلك، ولمعرفة حكم اللعن وخطورته والغضب وكيفية علاجه انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74597، 14525، 40329، 14715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(9/2548)
سر تركيز النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه على الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ركز النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه على الأخلاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للأخلاق في الإسلام منزلة عالية وفضلاً عظيماً، وقد نطقت بذلك كثير من نصوص الوحي في الكتاب والسنة، ويمكنك مراجعة بعض هذه النصوص بالفتوى رقم: 54751، والفتوى رقم: 62751.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث في مجتمع غابت عنه كثير من محاسن الأخلاق، يدل على ذلك ما ذكره جعفر بن أبي طالب عندما أخبر النجاشي بما كان عليه أهل مكة من حال في الجاهلية، وقد نقلنا قوله هذا في الفتوى رقم: 57997.
فلا غرابة إذاً في أن يركز النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه على الأخلاق، هذا بالإضافة إلى أنه صلى الله عليه وسلم بعث وفي أولى أولوياته أن يكون متمماً لمكارم الأخلاق، ففي مسند الإمام أحمد في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/2549)
الظن بالمسلم بدون دليل لا ينبغي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا زلت طالبة في الثانوية أواجه مشكلة وأريد الاستشارة في هذا الموقع المتميز وعندما أدخل لا يكون هناك متسع للاستشاره لأنه تم إغلاقه، أعلم أن مشكلتي قد أكون أخطأت بكتابتها في (س سوال) ولكن أتمنى منكم الرد علي بأقرب وقت ممكن لأني في أشد الحاجه إلى نصحكم.
فأنا قد ابتليت بزوجة عم الشر وكل صفات الشر تجري في عروقها فهي كاذبة نصابة ومخادعة تسكن في بيتنا لظروفهم الخاصة ورغم احترامي لها أنا وأختي ووالدتي ومعاملتنا الطيبة نلقى منها كل الشر، افعل خيرا تلق شرا، وتتحدث عني بصورة غير لائقة يذهب مني الحياء إن أخبرتكم، وعدم محبتها لأولادها ولأخواتها وأمها فهي بعيدة عنهم شديدة الكراهية لهم تحاول التفرقة بيننا وبين عمي وبيننا وبين الناس رغم أن جميع الناس يعرفون شرها إلا عمي المسكين الذي أصبح خاتما في أصبعها بالسحر الذي فعلته.
وها أنا أعاني من شرها وأعلم أن بقلبها الشر لي، أختي رسبت في الثانوية بسبها، وهاهي تكرر الشيء معي
ولا أنام وأنا غير مرتاحة لأن الكوابيس تلاحقني..
حلمت أكثر من 6 مرات بأنها تحاول أن تسحرني ولكنها تفشل وها أنا متوكلة على الله، فأنا مداومة على الأذكار، ولكن قبل 4 أيام لم أتمالك نفسي عندما أساءت لي رغم أن لي أكثر من سنتين ونصف متحملة لها وساكتة عن حقي خوفا من تهزئني أمي وأختي الكبرى إلا أني انهلت عليها بالشتم دون تفكير وبعد عودتي من المدرسه نظرت إلى وجهي وهو مليء بالحبوب وكأني محترقه ولا زالت الحبوب منذ 3 أيام بالرغم أن الكل يحسدني من نضارة وجهي وصفائه، وهذه أول مرة تظهر في وجهي حبوب وكأن به حرق لا أعلم هل تكون عملت لي عملا؟ بالرغم من أنها تفعل هذه الأشياء.
أتمنى الإجابه على استشارتي ونصحي بما أفعل وتفسير الكوابيس المستمرة في أقرب فرصة لأني بانتظار الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكرته عن زوجة عمك من الكذب والنصب والمخادعة ... ومن معاملة سيئة لكم رغم معاملتكم الحسنة لها ... وما تتحدث به عنك من صور غير لائقة ... وما ذكرته عنها من البغض لأولادها وإخوتها وأمها، وغير ذلك مما ذكرته عنها ... يعتبر صفات منبئة عن سوء في الطوية.
ولكن ينبغي أن تعلمي من جهة أخرى أنه لا يجوز ظن المسلم بما لم يقم عليه دليل، فما حصل لأختك من الرسوب في الثانوية، وما تجدينه من كوابيس ليلية، وما امتلأ به وجهك من الحبوب، وغير ذلك مما قلت إنه يحصل لكم ... ليس فيه دليل على أن تلك المرأة ساحرة. كما أن الأحلام لا يجوز أن تبنى عليها الأحكام على الأشخاص.
فننصحك -إذاً- بالتوبة من هذا الظن الذي تظنين به زوجة عمك. فقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. {الحجرات:12} .
وعليك أن تبتعدي منها بالقدر الذي لا يصيبك ضرر منها على تقدير أنها تريد لكم الضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/2550)
التوسع في المأكل والنزهة أم بناء بيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل أثابكم الله وبعد ... نحن نعيش منذ سنوات في بلد أوروبي, وأعرف عائلات عربية ومسلمة تعيش هنا منذ زمن منهم من مضى على وجوده هنا نفس الفترة التي مضيناها نحن ومنهم من هم أقل عندما تجلس معي إحدى نساء تلك العائلات تستفسر مني عن ما إذا قد قمنا ببناء سكن لنا في البلد فأقول لها لا لم نزل.. وتتعجب ويبدو عليها آثار الغربة, وتقول "لماذا مع أني زوجي يعمل نفس شغل زوجك" وتبدأ تلقي علي محاضرات طبعاً أنا أتضايق بشدة منها ومن العديدات منهن، لهذا السؤال فأصبحت أفكر جدياً لماذا نحن لم نقم بعد ببناء سكن, تأمين للمستقبل, كما يقلن يا شيخي الفاضل فكرت كثيراً فوجدت نفسي أنا وزوجي وأولادي ليسوا من إخوان الشيطان, أي لسنا مسرفين أبداً ومال زوجي مال حلال ونحن نحرص على الحلال وفكرت كثيرأ في أمرنا فلم أجد جواباً سوى استنتاجي الذي ليس من غيره من وجود سبب لذلك الأمر سواه وهو
أن تلك العائلات تتصف بالبخل بل أحيانا يصل لدرجة الشُح, عافانا الله من تلك الصفة فعلمت أخيراً أن تلك العائلات يا أخي قد قامت ببناء تلك المساكن على حساب حرمان أنفسهم وحرمان أبنائهم وزوجاتهم من كثير من متطلباتهم وأني عرفت أخيراً من صديقة لي من تلك العائلات إنهم لا يقومون بتشغيل التدفئة المركزية في الشتاء توفير للمادة ويعانون من البرد ويلتحفون بالبطانية والتدفئة أمامهم لماذا! حتى "يأمنوا مستقبلهم" وسؤالي
هو أنني وزوجي لا نحب أن نحرم أولادنا من متطلباتهم على قدر الاستطاعة من ملبس ومأكل ونزهات
فهل إذا عملنا مثل تلك العائلات نقدر نؤمن مستقبل أولادنا ومعروف أن البخل صفة مذمومة ودائماً أنا وزوجي أملنا بالله أنه سيفرج علينا يوما ما ويحقق لنا أمانيننا ومنها وجود سكن في البلد لأنه هو سبحانه من يعلم لأننا لا نحل أن نحرم فلذة أكبادنا من ما ذكرت، فأ رشدوني أخي هل نحن على صواب وتلك العائلات على صواب وما نصيحتكم لي، وأرجو من الله أن تجيبوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تعلم الأخت السائلة أن متطلبات الحياة منها ما هو ضروري، ومنها ما هو حاجي، ومنها ما هو تحسيني. والخلط بين هذه المراتب يوقع الشخص في حرج وشده كان بإمكانه أن يتقي ذلك لو فقه حسن التصرف وعرف سبيل الاقتصاد، وفي الحديث: السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة. رواه الترمذي. وروى النسائي مرفوعاً: كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة.
وجاء عن غير واحد من السلف: الاقتصاد نصف المعيشة، ولأبي حامد الغزالي كلام نفيس هنا إذ يقول: فالإمساك حيث يجب البذل بخل، والبذل حيث يجب الإمساك تبذير، وبينهما وسط وهو المحمود. انتهى.
وعليه؛ فلا يصلح أن يقدم التوسع في المأكل والمشرب والنزهة على مسألة بناء البيت في بلدكم، بل لو قيل إن الواجب في حقكم الاكتفاء بقدر الحاجة في ما ذكر والتعجيل بترتيب وضعكم في بلاد الإسلام للانتقال من بلاد الكفر لما كان ذلك بعيداً، فإن إقامة المسلم في هذه البلدان ضرورة تقدر بقدرها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وراجعي في حد البخل الفتوى رقم: 35141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(9/2551)
وكل صديقه في بيع سيارته فباعها وجحد ثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
يرجى إفادتي عن التالي بناء على رغبتي في بيع سيارة لي وبناء على طلب أحد الأصدقاء ورغبته في مساعدتي في ذلك خاصة ولمعرفته بأن ثمن السيارة كان جزءا من قيمة بيع بيت أسرتي لظروف مالية مرت بي وأنني أسكن حالياً بالإيجار فقد قمت بتسليم سيارتي له كأمانة لغرض بيعها منذ سنة مضت وقد قام وعلى حد قوله بتسليمها إلى أحد معارفه الذي رغب في شرائها وعلى تعهده بتسليمي ثمنها لي بعد شهرين ومضت الفترة وعند سؤالي له يبلغني أحيانا بمرض الذي اشتراها وأحيانا أخرى بسفره للعلاج وبعد أن أبلغني باسمه وسؤالي عنه بالمنطقة التي يقطن بها اتضح عدم مرضه أو سفره وأثناء مواجهته بذلك أبلغنا بأنه تسلم قيمتها ولن يسلمني إياها، أرغب هنا فقط في التعرف على حكم الشرع فى مثل هذا الأمر فقط ربما يكون له رادع دنيوى لإعادته لرشده قبل أن يلقى المولى سبحانه وتعالى، وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا صح أن من وكلته في بيع سيارتك قد قبض ثمنها ثم جحدك إياه فإنه غاصب آكل لمالك بالباطل، والله تعالى يقول: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ {البقرة:188} .
وفي الحديث: إ ن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام. متفق عليه، وفي الحديث أيضاً: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب. رواه أبو داود.
وأما ما هي حيلتك لاسترداد مالك من هذا الشخص فإن لك أن تقاضيه إلى من ينصفك منه وإذا كان ذلك غير ممكن واستطعت أن تظفر بمالك منه بدون علمه فإن لك ذلك، ومن حقك أيضاً أن تشهر به وتفضحه بين الناس حتى لا ينخذلوا به، والله تعالى يقول: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(9/2552)
الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقان قد تخاصما أكثر من ثلاثة أيام، الأول يحاول دائما التصالح مع الثاني لكن هذا الأخير يرفض، علما بأن كلا منهما يصلي في نفس المسجد وأحاول جاهدا المصالحة بينهما لكنه يصر على الرفض، فهل الحل هو تركهما هكذا، وأضيف إلى علم حضراتكم أنني أخبرت الرافض بأن أعماله لا ترفع إلى الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالمواصلة في الإصلاح بينهما، فالإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال، كما قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} ، وحاول إقناع المصر على الهجران وبين له خطورة الهجر واذكر له نصوص الوحي في شأنه، واستعن ببقية أصدقائكم في التاثير عليه.
وراجع للاطلاع على الترغيب في الإصلاح ومخاطر الهجران الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50300، 76116، 53747، 30661.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(9/2553)
الاستغناء عن الكذب بالمعاريض
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان قد أضطر إلى الكذب ولا شيء غيره حيث في بعض المسائل لا أستطيع أن أقول الحقيقة فهل يجوز أن أستخدم التلاعب بالألفاظ أي أن أقول شيئا لظاهره معنى يفهمه من يستمع ولباطنه معنى آخر لكنه في نفسي بدل الكذب مثل " أنه عندما تسألني أمي مثلا هل أكلت وأنا لم آكل فأقول نعم ونيتي أنني أكلت بالأمس "؟ أرجو عدم إحالتي لفتوى أخرى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا احتاج الإنسان إلى عدم الإخبار بالحق في مسألة فيمكنه أن يستغني عن الكذب باستعمال المعاريض.
والمعاريض وسيلة للتورية، بأن تتكلم بكلام تريد به خلاف ما يفهمه المخاطب. والتورية لها أصول وأدلة في السنة وأقوال السلف، وقد ثبت عن بعض الصحابة ومنهم عمر وعمران بن حصين أن المعاريض مندوحة عن الكذب. فعن قتادة أنه سمع مطرفا قال: صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فقل منزل ينزله إلا وهو ينشدني شعرا وقال إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وعن معتمر قال أبي حدثنا أبو عثمان عن عمر فيما أرى شك أبي أنه قال: حسب امرئ من الكذب أن يحدث بكل ما سمع، قال وفيما أرى قال قال عمر: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. وهو في الأدب المفرد أيضا، وقد صححه الألباني.
وقد بوب البخاري، باب: المعاريض مندوحة عن الكذب.
ومن هذا تعلم أنه لا حرج عليك في أن توري بلفظ يجعل السامع يفهم منه خلاف الحقيقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(9/2554)
كون الرزق مقسوما لا ينافي السعي لجلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[متزوجة ولدي طفلان زوجي يعمل طوال النهار لا أراه في اليوم سوى ساعة وهو يتعب كثيرا وأريد أن أعمل لأساعده في مصاريف البيت ولبناء منزل لنا حيث إننا لم نرزق ببيت بعد ويخبرني دائما أن أقتنع بما رزقه الله وأنه عندما سيكتب لي الله الرزق سيأتيني وأنا جالسة في البيت علما بأنني والحمد لله على يقين بأن الأرزاق من الله ومقتنعة بما لدي ولكنني أرغب بتحسين وضعي المعيشي وبفضل الله إنني ملتزمة بالحجاب الشرعي وعملي سيكون مع ذوي الاحتياجات الخاصة وأبنائي ليس لدي خوف عليهم إذ إنني في فترة غيابي سيكونون مع أمي.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
لا حرج عليك في مساعدة زوجك في عمله وكدحه على عياله ما دام ذلك منضبطا بالضوابط الشرعية، ولا بد من إذن الزوج ورضاه. وخروجك للعمل وبذل السبب لا ينافي التوكل والإيمان بالقدر. والأولى له أن يأذن لك ما لم يكن ذلك على حساب تربية الأبناء ورعاية الأسرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في العمل لمساعدة زوجك ما دام مجال عملك مشروعا، لكن لا بد من إذن الزوج ورضاه بذلك، ولا ينبغي له أن يرفض عملك لمساعدته في كدحه عليك وعلى عيالك إن كان عملك لا يؤثر على تربية الأبناء ورعايتهم.
وكون الرزق مقسوما وسيأتي المرء ما كتب له منه لا ينافي السعي وبذل السبب، والعبد مأمور ببذل السبب والتوكل على الله عز وجل، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب له، ولذلك لما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن ناقته أأعقلها أم أتوكل على الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل. والقصة في الترمذي. قال ابن القيم رحمه الله: لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، والأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله. وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53203، 8360، 19233.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/2555)
الأفضل دفع السيئة بالتي هي أحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لي صديق عزيز حضر عندي إلى أمريكا مع أولاده وزوجته وأشفقت عليه وسلمته محلا تجاريا لي لمدة ثلاث سنوات وبعدها اكتشفت بأنه يسرقني فقمت بإغلاق المحل بسبب الخسارة وبعدها قمت بمراجعة حسابات المحل فوجدته مختلسا خمسة وعشرين ألف دولار نقدا بأوراق ثبوتية غير المخفي سيما وأن النقص بلغ حوالي سبعين ألفا وعليه فإنني اسأل إذا اشتكيت عليه فانه سيسجن وستقوم دائرة الهجرة بتسفيره من أمريكا لعدم وجود إقامة معه فهل آثم على ذلك، أم ماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن هذا الرجل من سرقة أموالك يعتبر ذنبا كبيرا، وإساءة عليك تتنافى مع ما كنت قد قدمته له من الإحسان والمساعدة.
ولكنه إذا اعترف بذنبه وتاب منه، وتبينت فيه الصدق فالأحسن أن تصفح عنه وتستره. فالله تعالى يقول في صفات أولي الألباب: وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ {الرعد:22} . ويقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون:96} .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الستر على المسلمين: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
وإذا لم تلاحظ منه توبة فلا مانع من الإبلاغ عنه إذا تعين ذلك وسيلة إلى استعادة حقك منه، مع أننا نرى أن الأولى لك الصفح عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1428(9/2556)
الحب بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للإنسان أو الفتاة بشكل خاص أن تحب شخصين في آن واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحب منه ما هو محرم ومنه ما هو مباح، فإن كان المقصود الحب المحرم فلا يجوز للشخص فتاة أو غيرها أن يحب شخصاً أو أكثر، وإن كان المقصود الحب المباح فله أن يحب من يشاء من الناس واحداً أو أكثر. ويمكن مراجعة الحب وأنواعه في الفتوى رقم: 4220، والفتوى رقم: 5707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/2557)
الغيبة لا تكون إلا لمعلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من استهزأ بمهنة معينة كتنظيف الشوارع مثلا يكون قد اغتاب كل شخص يعمل بهذه المهنة أو كالذي يقول النكت فيتكلم بالنكت عن أهل مدينة معينة فهل هذه غيبة لكل من يسكن بهذه المدينة التي يقول النكت التي تسخر من أهل هذه البلدة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 18728، والفتوى رقم: 49343، أن ذكر أهل قرية أو بلدة بمنقصة لا يعد غيبة، وأن الغيبة لا تكون إلا لمعلوم، وذكرنا كلام الفقهاء في ذلك، ومثله فيما نرى ذكر مهنة معينة بعيب فلا يعد فاعل ذلك مغتابا لكل من امتهن ذلك العمل.
ولكن ينبغي أن يعلم أن ما ذكر وإن لم يكن غيبة فإنه يعتبر من الاستهزاء، وقد دل القرآن الكريم على أن الاستهزاء من خلق الجاهلين فقد قيل لموسى عليه الصلاة والسلام: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا فكان جوابه: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {البقرة: 67} فلا يستهزئ بالآخرين إلا جاهل، وما أحسن ما قال الطغراني في ختمه لاميته بقوله:
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها فهل سمعت بظل غير منتقل
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(9/2558)
الكاذب في ميزان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الكاذب هل فاسق أم كافر أم ليس بمؤمن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب خلق من الأخلاق الذميمة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وبعضه أشد من بعض، كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 50372، والفتوى رقم: 26391
والكذب وإن كان معصية إلا أنه لا يخرج صاحبه إلى الكفر ما لم يستحله، فالمسلم الذي يكذب هو مسلم بإسلامه، فاسق بكذبه، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون مسلما بكبيرة كما قال القحطاني رحمه الله في نونيته:
لسنا نكفر مسلما بكبيرة * والله ذو عفو وذو غفران
وانظر تفصيل عقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر في الفتوى رقم: 40747، والفتوى رقم: 33347، والفتوى رقم: 36130.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(9/2559)
لا حرج في رد العدوان بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة سألتني أنها عندما ذهبت إلى الحج وهي برفقة امرأة أخرى وقالت إن تلك المرأة تعدت عليها يعني لا تحترمها وتغسل فوق ملابسها وتوسخ لها ملابسها ولم تقل لها شيئا حتى نهاية أيام الحج وفي اليوم الأخير قبل ركوبها من الطائرة تشاجرت مع تلك المرأة شجاراً عنيفا، فماذا على تلك المرأة أن تفعله، هل عليها الذبح وهل حجها مقبول، علما بأنها فعلت ذلك نهاية أيام الحج، وما هو الحكم الشرعي في هذه القضية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس على المرأة المشار إليها دم، ونرجو أن يتقبل الله حجها، وقد أحسنت في أول أمرها حين لم تقابل إساءة تلك المرأة بمثلها، وقد قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ {المؤمنون:96} .
قال السعدي رحمه الله تعالى: أي إذا أساء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم ... انتهى.
وأما مخاصمتها معها قبل السفر فإن كانت لم تتعد في الخصومة بحيث لم تزد على رد ما اعتدت به تلك المرأة عليها فلا إثم، لقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194} ، ولقوله: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ {النحل:126} ، فشرع العدل وهو القصاص، وإن كان الأولى بها أن تستمر في عفوها وصفحها فهذا أفضل، وإن كانت قد تعدت في خصومتها معها وزادت على ما اعتدت به تلك المرأة فلتستغفر الله تعالى، ولو تصدقت لكان خيراً لها، لأن: الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ المار النار. كما في حديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/2560)
المؤمن لا يكون جزوعا ولا يائسا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة خاصة وأتمنى أن أجد ضالتي عندكم فليس من باب أطرقه غير باب الله عز وجل وهو خير الحاكمين.. الحظ مذكور بالقرآن وأنا أعاني من قلة حظي مع الناس ولا أعلم سببا لذلك.. فالحمد والشكر لله ربي أنعم علي بمكارم الأخلاق وأنعم علي بالإيمان والقناعة والهدوء وليس لدي من سيئ الأخلاق وبشهادة كل من يعرفني، ولكن دائما أفاجأ بالجحود من المقربين وعدم محبتهم لي، حتى بالزواج لم يتقدم أي أحد لخطبتي وفي البيت استطاعت زوجة أخي من أن تقسي قلبه علي، وفي مكان عملي أفاجأ بالكذب والخداع والغش والتلاعب من وراء ظهري، تعبت من كثرة العكوسيات معي، رغم أنني والله العالم مسلمة أمري للباري عز وجل، وتصور قارئ رسالتي أنني في بيت الله وجدت من يعاملني معاملة سيئة، رغم أنني كنت جداً عادية وبالعكس مساعدتي لهم كثيرة كانت، والله بكيت هناك بحرقة وقلت لماذا ياربي هذا الحظ مع الناس.. أريد من يدلني على ما أفعل ويريحني يا ليتني أجد من أتكلم معه ويسمعني ويريحني؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك ابتداءأختنا الفاضلة أن تحذري التسخط على الله تعالى والازدراء بنعمه الكثيرة عليك فنحن على يقين أنك ترفلين في نعم من الله تعالى يفتقدها الكثير من الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم وغيره.
ثم إننا ننصحك ثانياً أن تهوني الأمر على نفسك، فإنه ربما تكونين تعطين الموضوع أكبر من حجمه الحقيقي، ولا يخفى عليك أن الحياة دار ابتلاء، وهذا الابتلاء قد يكون للصالحين رفعة لدرجاتهم، وقد يكون على الطالحين عقوبة لهم على ذنوبهم، ألم يبلغك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.
فنوصيك بالصبر والرضا بالقضاء، فعاقبة ذلك خير، واعلمي أن الجزع لا يدفع مرهوباً ولا يجلب مرغوباً، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 18721.
ثم إنه لا ينبغي أن تكون هذه الابتلاءات دافعة لك إلى اليأس والقعود عن طلب مصلحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، فمما نرشدك إليه هنا السعي في أمر الزواج، فهو من مصالح الدنيا والآخرة، وليس هنالك ما يمنع شرعا من أن تبحث المرأة عن زوج صالح ما دام ذلك في حدود ضوابط الشرع، كما هو مبين في الفتوى رقم: 18430.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أمر مهم وهو أنه لا يجوز للمرء أن يمتن على ربه بما هو عليه من إيمان وعمل صالح، فإنهما منة من الله عليه أن وفقه إليهما، قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {الحجرات:17} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/2561)
ترك الشحناء وسلامة القلب من الحقد
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك إمام المسجد في القرية لا يتحدث مع شخص لأنه سأله عن شخصيته وأتى شخص آخر ليصلحهما فقال له الإمام إني حاقد على هذا الرجل، فهل هناك حل لهذه المسألة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه استشارة وليست سؤالاً فقهياً، وعلى أية حال فإنا ننصح هذا الإمام بأن يسعى في التغلب على دواعي النفس الشريرة، وأن يحرص على سلامة قلبه من الحقد على أي أحد من المسلمين.
وليعلم أن وجود الشحناء بين اثنين قد يكون سبباً في حرمانهما من المغفرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم.
ونسأل الله العلي القدير أن يصلح أمور المسلمين ويوحد كلمتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/2562)
اغتنم فراغك بالعلم والقراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أذهب يومياً للدوام في دائرة حكومية ورئيس الدائرة لا يطلب مني أي عمل وأضيق ذرعاً كيف أمضي الوقت وقد رفعت شكواي لأكثر من مسؤول ولا فائدة.
سؤالي كيف أتخلص من الفراغ وأصل لمكان يناسب مؤهلاتي وهي عالية جامعية وإدارية.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في عدم تكليف مديرك لك بأي عمل ما دمت تلتزمين بمواعيد الحضور والانصراف ولم تمتنعي من أي عمل تكلفين به في حدود وظيفتك لأن ذلك ليس بسبب تقصير منك، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 37682، والفتوى رقم: 53762.
وعليك باستغلال وقت فراغك فيما ينفعك في دينك ودنياك كقراءة القرآن وكتب السنة وكتب العلم النافعة والكتب التي تدخل في مجال تخصصك الوظيفي مع البحث الجاد عن عمل آخر يتناسب مع مؤهلاتك وقدراتك.
ونسأل الله أن ييسر أمرك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(9/2563)
الكذب على الزوجة والحلف كذبا
[السُّؤَالُ]
ـ[أضطر أحيانا للكذب على زوجتي والحلف كاذبا للحفاظ على حياتنا الزوجية وعلى الأطفال.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد رخص للزوج أن يكذب على زوجته للمحافظة على رباط الزوجية وحسن العشرة بشرط أن لا يترتب على ذلك تضييع حق، وأما الحلف كذبا فلا يجوز إلا عند الضرورة المحققة المعتبرة شرعا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الشرع كلا من كذب الزوج على زوجته أو الزوجة على زوجها عند الحاجة لما يترتب على ذلك من مقصد المحافظة على العشرة الزوجية، وهذه الإباحة مشروطة بان لا يترتب هذا الكذب إضاعة حق لأي من الطرفين، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 34529.
وأما الحلف كذبا فلا يجوز المصير إليه إلا أن يضطر المرء لذلك ضرورة حقيقية ومعتبرة، وانظر الفتوى رقم: 64888.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/2564)
جواز ذكر الشخص محاسنه لدرء مفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن مدلول موقف سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه في أواخر ولايته ولما زاد لغط الناس حوله وربما جحودهم له -وقف على الملأ يذكر الناس أنه من جهز جيش العسرة واشترى البئر وووو...... إلخ وعندنا الآية ... لا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى ... فهل ما فعله سيدنا عثمان رضى الله عنه وأرضاه هو ذل فلا نتبعه (وأعلم أن هذا لا يتنافى مع كونه مبشرا بالجنة فكلنا بشر) .... أم أن للإنسان وعندما يزداد جحود الناس أن يذكرهم بفضل الله ثم فضله عليهم ولا يحسب عليه منّ ولا أذى- وسؤالي بطريقة أخرى: هل أي ذكر لخير فعلته لأحد من الإخوة هو منّ وأذى على إطلاقه حتى وإن كان بعد مدة من الزمن، أفتونا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن الصحابة يجب أن يظن بهم أحسن الظن، وأن تحمل تصرفاتهم على أحسن محمل، وعثمان رضي الله عنه هو أفضل الصحابة بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع، وقد ذكر النووي في شرح مسلم أن ذكر العبد محاسنه يُمنَع إذا كان للفخر والإعجاب، أما إذا كان لحاجة كدفع شر عنه أو تحصيل منفعة للناس فلا يمنع، ومن أمثلة دفع الشر ما ذكر عثمان هنا في السؤال.
ومنه إخبارك بما عملت من الخير للناس ليقتدي بك أو لتحقق بذلك مصلحة للمسلمين، وأما إخبارك به للمنّ على من أحسنت إليه فهو ممنوع شرعا؛ ً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {البقرة:264} .
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70135، 74140، 95508، 21126، 45813.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(9/2565)
الحديث الوارد في الهوى تأكيد للآيات الواردة في ذمه
[السُّؤَالُ]
ـ[إن كلمة الهوى عند إطلاقها لا تدل إلا على إعوجاج -وهي مذكورة في كثير من المواضع فى القرآن- ... لا ينطق عن الهوى ... اتخذ إلهه هواه ... فكيف نوفق هذا مع حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ... " فهل الهوى ممكن يتوافق مع الاستقامة، وهل معناها اللغوي يشتمل على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن من أعظم دواعي الضلال وأسباب الهلاك اتباع الهوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار، قال الشاطبي في الموافقات (4/115) : سمى الهوى هوى، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار، وقال ابن عباس: ما ذكر الله عز وجل الهوى في كتابه إلا ذمه. انتهى.
والهوى: كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، وقد ورد ذم الهوى في مواطن كثيرة من القرآن، ولكن هذا لا يتنافى مع ما ورد في الحديث الشريف المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به. فقال النووي في شرح الأربعين: أي يجب على الإنسان أن يعرض عمله على الكتاب والسنة ويخالف هواه، ويتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ومثل هذا قد شرح به كثير من أهل العلم الحديث المذكور، ومنه تعلم أن الحديث الشريف إنما يؤكد ما وردت به الآيات من ذم الهوى، فمعناه هو لجم الهوى وضبطه وتقويمه حتى ينساق وراء ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم اجتنابا وامتثالاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/2566)
الغيرة إذا خرجت عن حد الاعتدال
[السُّؤَالُ]
ـ[قد يكون تكرر مني ما شابه هذا السؤال لكن أطلب التفصيل في حل مشكلتي، وجزاكم الله خير الجزاء....
أنا امرأة متزوجة منذ 4سنوات ولدي ثلاثة أطفال، المشكلة أني غيورة جدا، والله لا أتحمل أبدا أن يرى زوجي أي امرأة من غير محارمه سواء كانت صورة أو حقيقة, جميلة أم دميمة، ولكن زوجي يعمل معيدا بالجامعة (الجامعة مختلطة طبعا ومنهن السافرات وذوات اللبس القبيح هذا فضلا عن النصرانيات وكل منهن تتصل به لتسأل عن سؤال أو تطلب درسا خصوصيا مع مجموعة من الشباب نساء ورجال مختلطين أيضا وهو يوافقهن إن كانت أمامه فقط مؤدبه أي لا تمزح مع الشباب أمامه ولا تتكلم أو أن لبسها ايشارب على ملابس عاديه كتنورة أو غيرها، فهل يجوز ما يفعله؟
وهو يقول كيف أخرجها وقد دخلت فجأة بدون استئذان في وسط المجموعة وقد تأخذ حذرها مني؟؟؟
وما الحل لدي لأني أحس أن دمي يغلي برأسي مجرد أن أسمع من تحدثه أو أرى من يدرسهن!!
فوالله ليس لديهن أدنى حياء وإن كان فقط تمثيل أمامه حتى لا يخرجهن من المجموعة!
وأيضا الجرائد والمجلات قد تكون جريدة سيارات أو أخبار أو غيرها لكنها لا تخلو من النساء العاريات لعرض السيارات (وكأنه إعلان عن فياجرا مثلا) وعلى مثلها الأخبار وغيرها، فأنا كنت أقترح عليه أنه إذا أحب أن يقرأ مثل هذه الصحف أتاني بها فأطمس ما فيها من العري وأعطيها له فهل في هذا تحطيم لشخصية زوجي أو تحكم فيما ليس لي به حق؟؟؟
فأنا أقسم بالله أني أكاد أجن وقد يحدث مني بلا إرادة أن أرمي له الجريدة أرضا ثم أنتبه أني قد أحزنته فما الحل أرجوكم أريد الافادة صريحة، وبارك الله في عملكم ومجهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة صفة حميدة إذا كانت في محلها، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه. متفق عليه، وثبت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أحد أغير من الله ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والحديث متفق على صحته.
كما أن من الغيرة ما يحبها الله عزوجل ومنها ما يبغضها فالتي يحبها سبحانه ما كانت عند وجود ريبة، والتي يبغضها ما كانت من غير ريبة قال صلى الله عليه وسلم: إن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله فالغيرةالتي يحبها الله الغيرة في الريبة والتي يبغضها الغيرة في غير ريبة. والحديث أخرجه الترمذي في سننه.
فنقول للأخت ينبغي لك أن تعتدلي في غيرتك، وأن تحسني الظن بزوجك، ولا تغاري مما لا ينبغي الغيرة منه، ولا تحملك هذه الغيرة على فعل ما لا يجوز وما لايحسن مثل التجسس عليه وتتبع عثراته، واحرصي على كسب قلب زوجك، واحذري من الغيرة العمياء التي تجعلك لا هم لك سوى تعقب حركات زوجك، وتتبع أخباره، والتشكك في كل تصرفاته، والغيرة من طلابه فإنك بهذه الأفعال تفصمين عرى المحبة والثقة بينك وبين زوجك. فمن بين ما أوصى به أحد الأسلاف ابنته قبل زواجها قوله لها: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق.
فننصحك بمحاولة إصلاح ما أفسدت، والأهم من ذلك عدم تكرار الخطأ مرة أخرى. كما أن عليك منح زوجك ثقتك وحسن الظن به. وعليك أيضا عدم الاندفاع بلا روية ولا تعقل، فالتأني والتحري خير من الاندفاع وسوء الظن.
وينبغي أن تنصحي زوجك كما ننصحه نحن كذلك بأن يجتنب كل ما من شأنه إشعال الغيرة المذمومة في قلب زوجته، وأن يتقي الله في عمله ويراعي الضوابط الشرعية في التعامل مع النساء الأجنبيات، كما أن عليه أن يثني على زوجته، ويرفع معنوياتها، ويشعرها دائما بأن لديها صفات جميلة ليست موجودة عند غيرها، ويذكرها بأن الغيرة قد تفقدها ثقتها بنفسها وتهدم بيتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/2567)
ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت إحدى النساء مع أمها من أقارب أمي بشتم أمي أمام الناس ... بعد فترة جاءت تلك المرأة لبيت أمي لتطلب السماح من أمي، وبالفعل سامحتها أمي، بعد عدة شهور تفاجأنا أن نفس المرأة قامت بشتم أمي مرة أخرى بألفاظ نابية وتلفيق تهم باطلة بشتمها وأن أمي تتدخل بحياتها وتريد تزويج زوجها من إحدى قريباتها، مع العلم بأن أمي لم تكن موجودة في ذلك الوقت ولكن المرأة اعترفت بأنها قامت بذلك ... وقد طلبت تلك المرأة من بعض النساء أن يتكلمن مع أمي لطلب السماح منها مرة أخرى ... إلا أن أمي رفضت ذلك ورفضت أن تتكلم معها أيضا وترفض أمي رؤيتها أو التحدث معها خوفا من عدة أمور أهمها أن عود العلاقات مع تلك المرأة ربما يعيد تلك المرأة لتلفيق اتهامات باطلة عليها مرة أخرى، مثل التدخل بحياتها وأنها ستكون سببا في خراب بيتها، وكأن أمي تقول أبعد عن الشر كي تبعد المشاكل عن نفسك، فهل هذا الذي تقوم به أمي جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكرت من أن هذه المرأة قد قامت بسب أمك ونسبت إليها ما لم تفعل، وليس لها عذر في ذلك، فقد أتت هذه المرأة منكراً من القول وزوراً، فالواجب أن تنصح بالتوبة الصادقة وعدم العود لمثل هذا الفعل مرة أخرى، ومن حق أمك أن تهجرها إذا كان ذلك هو السبيل لاتقاء شرها، ولكن العفو أفضل ففيه قربة إلى الله وحصول على الأجر العظيم، لا سيما وبين أمك وهذه المرأة شيء من وشيجة الرحم، قال بعض السلف: ما يفيدك أن يعذب الله أحداً لأجلك؟ هذا مع ما قد يفوت أمك من الأجر العظيم وعز الدنيا والآخرة إن هي عفت. وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5338، والفتوى رقم: 20902.
ويمكن لأمك أن تُشهد بعض النساء على اعتراف هذه المرأة بخطئها، فإن هذا قد يكون رادعاً لها من العود لمثل ذلك الفعل، ولو عادت شهدن بأنها المعتدية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/2568)
الكذب للحصول على إقامة دائمة في دولة أوروبية
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء ... في إحدى البلدان الأوروبية هناك معاملة تساعدني للحصول على إقامة دائمة ... ويقوم الكثير من الأشخاص بإتمام هذه المعاملة عن طريق تزوير الراتب الذي يحصلون عليه خلال السنة الماضية بزيادته أضعافا ... والحصول على هذه المعاملة ضروري من أجل إكمال دراستي في هذا البلد وعدم حصولي على هذه المعامله ينقص قدرتي التنافسية أمام من حصل عليها بالتزوير أو من حصل عليها بالشكل القانوني، وأنا غير متاح لي الشكل القانوني حاليا ... فهل تزوير الراتب خلال السنة الماضية بهدف الحصول على الاختصاص يعتبر غشا!! علما بأنه توجد بلدان أخرى يمكن الذهاب إليها غير هذا البلد في حالة الإجبار؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الكذب حرام إلا ما أذن الشرع به في حالات مخصوصة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المسلم أنه لا يكذب ولا يزور ما لم يضطر إلى الكذب أو يكون في الكذب مصلحة شرعية جاء بها الشرع، كحديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً ... الحديث رواه مسلم.
وبالنسبة لإقامة المسلم في بلد غير إسلامي أو دراسته فيه فإنه لا يعد من الضرورة حتى يباح له الكذب، وما فيه من المصلحة يمكن تحصليها في بلد آخر وبطريقة لا كذب فيها، وبالتالي فإننا لا نرى رخصة للأخ السائل أن يزور ويكذب من أجل الغرض المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(9/2569)
حكم من تعلق قلبه بامرأة وأحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على امرأة قصد الزواج عبر موقع للزواج يشرف عليه مشائخ حسب ما يقولون، المهم صار بيني وبينها اتصال عبر السكايب إلى أن ذهبت وطلبتها من أهلها، البنت على ما يبدو -والله أعلم- متدينة والحمد لله، لم نتبادل عبارات الغزل والحب، لكن كان هناك نوع من المودة واللين والتلطف بيننا والدعاء بالخير وأن يوفق الله بيننا في الزواج حتي وصل بي الأمر أن تعلق قلبي بها وأصبحت أكثر التفكير فيها رغم أني حين ذهبت لطلبها لم أملأ عيني منها (يعني النظر الشرعي للوجه والكفين) وفي الأخير تفاهمنا على قطع الاتصال عبر الشبكة حتى يتضح أمرنا، مع العلم بأن أهلها لا يعلمون أننا تعارفنا عبر الشبكة، فهل ما فعلته جائز أم لا، وهل ما أحس به وما أعيشه هو العشق والعياذ بالله، فأفيدونا على عجل أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما وقعتما فيه من اتصال وتبادل لعبارات المودة والخضوع إثم يجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى منه، وقد أقلعتما عن الاتصال وذلك حسن، وينبغي أن تكملا ما بدأتما به من خطتبها لدى ولي أمرها بأن تعقد عليها، ويسن لك أن تنظر إليها قبل ذلك كما أرشد الشارع الحكيم، لأنه أدعى للمودة والألفة فيما بعد.
وأما ما تشعر به تجاهها فقد يكون إعجاباً بخلقها، وقد يكون حباً لها، لكن ما دام ذلك مضبوطاً بضوابط الشرع فلا تأثم به.
وانظر للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41966، 5814، 4220، 5707، 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/2570)
تقليد قارئ معين إذا قاد إلى الرياء
[السُّؤَالُ]
ـ[كما نعرف أن لكل إنسان صوتا خاصا به للقرآن الكريم يتغنى به لكني قررت أن أغير صوتي الخاص وأقلد الشيخ مشاري بن راشد العفاسي لأن صوته أجمل فأتقنت بعض السور إتقانا جيدا وبعد مدة تعرضت لفتنة ووقعت ضمن خيارين اثنين إما الإسلام وأرجع إلى صوتي الأصلي وإما الضلال والكفر ورياء الناس مقابل تقليدي للشيخ مشاري فماذا أفعل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المستبعد جدا أن يكون مجرد تقليد الشيخ المذكور في صوته يؤدي إلى الكفر والرياء والضلال المبين، ويكون ترك تقليده يعيد للمرء إسلامه ودينه.
ولعل السائل الكريم إذا فتش الأمر بدقة وجد أن تقليد الشيخ ليس هو السبب الحقيقي لما ذكره، وأن ثمت سببا آخر تجب إزالته دون الاحتياج إلى ترك ما تعلمه من فن القراءة.
وإذا تحقق أن السبب الوحيد لما ذكره هو تقليد ذلك الشيخ، وأنه متى رجع إلى ما كان عليه عاد إليه دينه واستقامته، فمن واجبه الرجوع، ولا مقارنة بين هذا وذاك.
فمن المعلوم أن الرياء محبط للأعمال، وسبب للمقت عند الله تعالى، وأنه من كبائر الذنوب.
كما أن الكفر ذنب لا يغفره الله عز وجل دون توبة، وصاحبه محكوم عليه بالعذاب الأبدي، والخلود السرمدي في جهنم وبئس المصير، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: 48} .
وإذا كان هذا هو حال هذين الذنبين فواجب على المرء أن يتخلص منهما بأية وسيلة تتاح له؛ لأن دين المرء هو رأس ماله، والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(9/2571)
مسائل في سؤال الناس والأكل من الطعام المجاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في سؤال الإنسان الناس متاعهم إن كانوا يريدونه أو يعطونه إياه أو يأخذه وما لو كان محتاجه أو غير محتاجه أو كان يترتب على ترك أخذه ضرر عليه، فهل يجوز للإنسان أن يستخدم أشياء عند الناس هو يملكها؟ كأن يكون هناك مكان للإنترنت مجاني وهو يملك إنترنت وماذا لو كان محتاجا أو غير محتاج أو يترتب على ترك ذلك ضرر عليه ... ومثال ذلك أيضاً أن يكون هناك توزيع للأكل والمشروبات مجاني وهو يستطيع أن يأكل ويشرب من فضل الله عليه فهل يأخذ من هذا الأكل والشراب؟ وماذا لو كان محتاجا أو غير محتاج، وماذا لو كان يترتب على ترك الأخذ منها ضرر عليه أو على غيره ممن يعولهم أو لم يكن يترتب على ذلك شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
المأذون فيه عرفاً يجوز للشخص أن يتناوله بدون حرج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشخص المذكور إما أن يكون فقيراً محتاجاً لا مال له ولا كسب يغنيه ففي هذه الحالة يجوز له أن يسأل حاجته وحاجة من يعول، بل قد يجب عليه ذلك إذا تعين وسيلة لإنقاذ حياته أو حياة من يعوله، وإما أن يكون غنياً فلا تحل له المسألة؛ لحديث: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهة مزعة لحم. رواه البخاري.
ولا يعد من المسألة المذمومة أن يتناول الشخص ما يؤذن للناس في استعماله مجاناً؛ كالإنترنت الوارد في السؤال مثلاً، أو يؤذن لهم في الأكل والشرب المجاني، فهذا يجوز للغني والفقير وكل من شملهم الإذن أن يتناولوه أو يستعملوه بدون أن يلحقهم في ذلك مذمة أو إثم، قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ ... {النور:61} ، ففي الآية دليل على أن للشخص أن يأكل من مال من يعلم أن نفسه طيبة له به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(9/2572)
انتصاف المظلوم من ظالمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك زميل لي في نفس مجال العمل في بلدتنا، يحتكر العمل في مجالنا المشترك ويمنع أياً من الناس بأي طريقة من العمل مما اضطرني إلى العمل في بلد آخر بعيداًَ عن أولادي مما يوغر صدري عليه، فهل يجوز لي عمل شكاوى ضده واستعداء بعض الجهات الحكومية عليه مثل الضرائب أو غيرها أم أن هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجوز للمظلوم الانتصاف من ظالمه والسعي في رفع الظلم وإزالة الضرر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم وغيره.
فإذا كان الشخص المذكور يمنع الناس عن العمل والتجارة في مجال معين بدون وجه حق فإنه ظالم مضاد للشريعة التي أمرت بالعدل وترك الناس يتنافسون ويضربون في الأرض ابتغاء فضل الله تعالى، ومن كان كذلك جاز مقاضاته ومخاصمته حتى يزول ضرره وظلمه، لكن لا يجوز أن يتسبب السائل أو غيره في تسليط ظالم يظلم هذا الشخص، أو يأخذ منه ما ليس بحق كما هو شأن غالب واضعي الضرائب وجباتها، فإن من عصى الله فينا لا نقابله بمعصية الله فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(9/2573)
حكم التجسس على الغير بإذنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سماح الإنسان لآخر بالتجسس عليه وعدم الاعتراض على هذا والسماح له بأن يفعل ما يشاء من تفتيش له ولممتلكاته وغير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتجسس منهي عنه في صريح الكتاب والسنة، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
قال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تجسسوا ولا تحسسوا. رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
ولكن التجسس في الشرع هو تتبع عورات الناس وهم في خلواتهم وغفلاتهم إما بالنظر إليهم وهم لا يشعرون، وإما باستراق السمع وهم لا يعلمون، وإما بالاطلاع على مكتوباتهم ووثائقهم وأسرارهم وأمتعتهم وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم، وأما إذا سمحوا بتفتيش ممتلكاتهم فإن ذلك لا يعد تجسساً، وبالتالي فليس فيه من حرج ما لم يفض إلى الاطلاع على محرم كالعورات ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/2574)
حرمة من يمن على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل بالسعودية..وسافرنا لنقضي معه الإجازة وكان موافقا لموسم الحج فقال زوجي نحج هذا العام فنويت الحج بيني وبين نفسي عن أختي المتوفاة التي لم تحج عن نفسها وكنت قد حججت عن نفسي ولم أعلم زوجي بهذه النية وفي طريقنا إلي مكة سألني زوجي هل تحجي عن نفسك هذه المرة؟؟ فقلت لا بل عن أختي رحمها الله فسكت وأتممنا مناسك الحج ومنذ ذلك الحين..كلما حدث خلاف بيننا يعايرني ويمطرني بوابل من المن والأذى ويقول حججتي عن أختك ولم تستأذني مني وأنا الذي أنفقت على الحج ... وسؤالي هو: هل حجي عن أختي يكون مقبولا؟؟
وإذا كنت أخطأت فماذا أفعل حتى أبرئ ذمتي وكيف أحسب تكاليف الحج حتى أعطيها لزوجي علما بأنني موظفة ولي راتب شهري ...
أرجو الرد وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حجك عن أختك صحيح، ولا يلزمك أن تدفعي نفقة الحج لزوجك، وعليه أن يتقي الله ويتوب إليه من المن والأذى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحجك عن أختك صحيح ما دمت قد حججت من قبل عن نفسك، ونرجو من الله لك القبول، ولا يجوز لزوجك أن يمن عليك بنفقة تلك الحجة ويؤذيك، فإن المن من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وذكر منهم المنان ... والحديث رواه مسلم. وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى {البقرة: 264} وامتدح الله عباده المنفقين الذين لا يمنون بنفقتهم ولا يؤذون فقال عز وجل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:262} وكونك لم تستاذنيه لا يؤثر على ما ذكرنا، فعليه أن يتقي الله تعالى، ولا يلزمك أن تدفعي له نفقة الحج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(9/2575)
الكذب مع الإسرار بكلمة تقلب الكلام صدقا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب على شخص مع إضافة كلمة سراً بحيث تصبح الجملة مع هذه الكلمة صادقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ قريب منه. والكذب -كما عرفه أهل العلم- هو الإخبار بالشيء بخلاف ما هو عليه من وجه العلم والتعمد.
من ذلك يتبين لك أن إضافة كلمة في الخبر، وتعمد الإسرار بها، بحيث لم يسمعها المخبر، لا يخرج عن الكذب، لأن ذلك كونه إخباراً بالشيء بخلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد، إذ لو افترضنا أن شخصاً سألك عن آخر يريد معرفة ما إذا كان يعرف القراءة أو الكتابة مثلاً، وقلت له: هو يقرأ، أو قلت: هو يكتب، وكنت مضمرا لا، قبل الفعل، فإنك تكون قد أخبرته خبراً غير صحيح.
ولكن المسلم إذا احتاج إلى عدم الإخبار بالحقيقة فيمكنه أن يلجأ إلى التورية ومعاريض الكلام حتى لا يقع في الكذب، والتورية معناها أن يتكلم المتكلم بكلام له معنى ظاهر، ومعنى آخر خفي، ومقصود المتكلم هو المعنى الخفي، قال البخاري في صحيحه: باب المعاريض مندوحة عن الكذب. وقال عمران بن الحصين رضي الله عنه: إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواهما البخاري في الأدب المفرد وصححهما الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(9/2576)
زوجة أخيه أهانته وتسيء إلى أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد،:
أنا شاب قد بلغت الثالثة والعشرين من عمري والدي متوفى، أعيش أنا وأمي وإخوتي في مسكن يعلونا فيه أخي الكبير (يكبرني بحوالي عشرين سنة) وزوجته صحبة أطفاله.
ها هنا تكمن القضية، فبالرغم من المرّات المتعددة التي أجد فيها زوجة أخي تصرخ على أمي فإني لا أحرك ساكنا وأكتفي بمواساة أمي راجيا الله أن تقلع عن هذه العادات السيئة (الصراخ) ، لا تسألني عن أخي فقد أصبح لا يهتم لهذه الأمور من كثرتها كما أصبحت بالنسبة له روتينا يصبح عليه ويمسي.
لا أخفيكم أني اعتدت أيضا على هذه الأمور، لكنها الآن لم تكتف بهذا بل إنها تعدته لتهين رجولتي نعم فبمجرد طردي لابنتها (3 سنوات) من بيتنا قامت الدنيا ولم تقعد تسمعني كلاما لا أجرؤ على إلقائه على مسامعكم وأنا والله لم أرد عليها، لكني لم أستطع نوم الليل. تهين رجولتي، هي تدرك ردة فعلي لهذا تطاولت لكن الكيل طفح وها أنا واقف بين أيديكم أنتظر منكم العون بكتاب الله وسنة نبيه راجيا أن لا توصوني بالصبر فإني ما نطقت ألا وقد أزف.
إلى أن يصلني ردكم لكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز لامرأة أخيك أن تسيء إلى أمك ويجب عليك أن تدافع عن أمك، وعلى أخيك أن يمنع امرأته من الإساءة إلى أمه، ومن حقك أن ترد على إهانتها لك وإن كان العفو أولى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لامرأة أخيك أن تسيء إلى امك، ولا يجوز لك أخي السائل أن تخذل أمك فلا تدفع عنها إساءة تلك المرأة، ففي البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فكيف إذا كان المظللوم أمك؟ بل إن أخاك يجب عليه أن يمنع امرأته من الإساءة إلى أمه، ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم: 7068.
وأما بخصوص إهانتها لك فمن حقك أن ترد عليها بمثلها على أن العفو أولى لقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40) } والإثم عليها هي ما لم تعتد أنت لقوله صلى الله عليه وسلم: المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم.
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جوز الانتصار ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وللحديث المذكور بعد هذا مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
ثم قال بعد ذلك رحمه الله: ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذبا أو قذفا أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم أو يا أحمق أو جافي أو نحو ذلك لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قالوا وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه ويكون معنى على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الإثم.
وأخير نوصيك باتخاذ الحكمة في أي قرار تتخذه في هذا الصدد وبموازنة الأمور، فما كان يفضي إلى مفسدة أعظم فينبغي تجنبه وتفاديه بتحمل الأقل مفسدة، واعلم أن التواصي بالصبر من أسباب الفوز والفلاح فلا ينبغي للمسلم أن يمل منه، واقرأ قول الله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(9/2577)
الصبر وعدم الانفعال والغضب أنجح علاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سريعة الغضب ولا أحتمل أي كلمة من زوجي وأمي أيضا للأسف وأنا جداً تعبانه من هذه الأمور وأعلم أن أمي هي مفتاح جنتي فلا أشعر أن أمي قادرة على جعلنا مترابطين أنا وإخوتي بل لها دور كبير في نقل الكلام فيما بيننا والتسبب ببعض المشاكل للجميع بقصد وبدون قصد وهذا يحزنني جداً ويضيق صدري كلما تذكرته وهي تفرق في معاملتنا وأتمنى أن يسامحني الله إذا أخطأت في حقها، أما زوجي ربما بسبب أخطائه التي هي السبب في ضيق حالنا وعدم احتفاظه بأسرارنا الزوجية وعدم احترامه لي بالفعل والكلام رغم وقوفي بجانبه في كل مصيبة خاصة المادية وأنا الآن أريد أن أشعر أنني زوجة لديها زوج يصرف عليها ويلبي طلباتها ويدللها وتشعر معه بالأمان وباكتفاء الجنسي خاصة، إذا كان محتاجا لراتبي تركني أعمل وإذا اكتفى طلب مني التوقف قمة الأنانية أليس لدي حق بجمع راتبي والتمتع به لو كان في غنى عنه، لقد حاولت الكلام معه لكنه يحول كل نقاشاتنا لعراك وسب وشتم وإذا اعترضت على سبه وحاولت أن أرد عليه يسبني زيادة ويمد يده علي بالضرب حتى لو كنا بالسيارة وبعدها يتوقف عن الكلام معي ويدخلني بعالم من الوحدة التي تجنني وإذا مللت فعلا أذهب وأراضيه ويسمعني الذي فيه النصيب بأنه رضي عني الآن.... أنا الآن لم أعد أقدر أن أستمر بهذه الطريقة ساعدوني لقد اقتربت من الجنون، أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالصبر على أمك وزوجك وعدم الانفعال والغضب أثناء الكلام معهما، وإن كان ذلك خارجاً عن إرادتك فليس عليك إثم، ولكن ينبغي لك أن تعالجي نفسك عند أهل الاختصاص، ويمكنك الإرسال إلى قسم الاستشارات النفسية بالشبكة الإسلامية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمك مهما فعلت فإنها تبقى أمك التي أوصاك الله بها وحرم عليك الإساءة إليها أو التضجر منها ولو بقول أف، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} ، ولا بأس بنصحها وإرشادها إلى عدم صحة بعض أفعالها ولكن بأسلوب حسن لين، ويبدو أنه لا ينقصك العلم بمكانة الأم وما لها من حق؛ وإنما ينقصك العمل بهذا العلم وهذا يحتاج منك إلى مجاهدة للنفس ومخالفة للهوى.
وما نصحناك به تجاه أمك ننصحك به تجاه زوجك فإن له حقاً عظيماً عليك، وما ذكرت فيه من صفات سيئة ينبغي لك مناقشته فيها وتبيين خطئه فيها ونصحه بتغييرها، وعليك بالصبر على أمك وزوجك وعدم الانفعال والغضب أثناء الكلام معهما، وإن كان ذلك خارجاً عن إرادتك فليس عليك إثم، ولكن ينبغي لك أن تعالجي نفسك عند أهل الاختصاص، ويمكنك الإرسال إلى قسم الاستشارات النفسية بالشبكة الإسلامية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(9/2578)
هل يحاسب الخنثى على شذوذه إذا شذ
[السُّؤَالُ]
ـ[الإنسان الخنثى هل مذكور في القرأن الكريم وماذا يفعل بنفسه فهو ليس رجلا ولا امرأة وهل إذا شذ جنسيا سيحاسبه الله فهو لايستطيع الزواج وماحكم الشرع في هذا الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخنثى ليس مذكورا في القرآن، ولكن أحكامه الشرعية وما يتعلق به كل ذلك مقرر في كتب الفقه منثور فيها وهو لا يحاسب على أمر خلقه الله عليه، وإنما يحاسب على كسبه وتدبيره، والشذوذ الجنسي من كسبه، وكذا فعله لكل ما ليس مشروعا، لكن إن تزوج الخنثى عند تبين رجولته أو أنوثته فلا حرج عليه وهذا يزيل اللبس فيكون رجلا أو أمرأة، كما أنه في الطب الحديث أصبحت هنالك عمليات تجرى عليه تحدد الخصائص الأقوى فيه وعلى أساسها تعمل له عملية تخلصه إليها فلايكون خنثى حينئذ، وإنما يتميز رجلا بكامل خصائص الرجولة أوأنثى بكامل خصائص الأنوثة. وللمزيد ولمعرفة حكمه في الشريعة الإسلامية انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54591، 28578، 46857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/2579)
حكم الكذب بغرض مدح الأبوين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب لمدح والدي مثلاً نقول إنهم فعلوا كذا وكذا وهم لم يفعلوا، فهل هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز الكذب في مدح الأبوين أو غير ذلك مما ليس فيه ضرورة ونحوها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم في شرع الله مذموم عند عباده وخاصة إذا كان لغير ضرورة ... فقد قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم.
ولذلك فالكذب حرام لا يجوز منه إلا ما كان لضرورة ونحوها، كما روى أبو داود وغيره عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذباً الرجل يصلح بين الناس ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(9/2580)
مشروعية مقابلة السيئة بمثلها والعفو أقرب للتقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[عمي آذاني وآذى والدي ووالدتي وإخوتي كثيراً وقطع بيننا وبين الأقارب حتى أنهم قاطعونا، ينم علينا كثيراً ويريد تشويه سمعتنا، فهل يجوز الدعاء على عمي، وهل يجوز أن أتصدى له أو أشتمه لأوقفه عند حده لأنه صار يتمادى بسبب سكوتنا عن أذيته لنا، دولوني ماذا أفعل مع عمي الفاسق؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأفضل العفو عن عمك، ولك الرد عليه بالمثل دون زيادة، ويجوز الدعاء عليه لكن العفو خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل أن تعفو عن عمك وتصفح، لقول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقوله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. ولعله إذا رأى منكم الصلة والإحسان والحلم عنه يرجع عن فعله ويثوب إلى رشده، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، ومع ذلك يشرع لكم المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز، لقول الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقوله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148} ، وقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:41} ، كما يشرع لكم أيضاً الدعاء عليه، ويدل لذلك ما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ... اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسنين يوسف. وتراجع الفتوى رقم: 2789.
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، لما فيه من الأجر والثواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(9/2581)
الكذب لإيصال الحق إلى أصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب بأحد المستشفيات الحكومية هل يجوز لي التحايل لإيصال المنفعة للمرضى شديدي الفقر الذين لا يستطيعون دفع ثمن الفحوصات والعلاج "حيث إن بعض المرضى يحتاجون إلى عمل الفحوص والعلاج ولا يتم ذلك إلا بموافقة مدير المستشفى"
ولكن مدير المستشفى لا يوافق في كثير من الأحيان وذلك كما يقال لكي يوفر في الميزانية حيث إنه يأخذ نسبة من التوفير، علما بأنه يوافق على عمل هذه الفحوصات والعلاج لأصحاب المراكز المرموقة والذين لا يحتاجون أساسا لهذا وقد يعفيهم من آلاف الجنيهات، فهل يجوز لي الكذب شفويا أو كتابة لتحصيل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن التحايلات ومغالطة المسؤولين لا تجوز، وأن الكذب حرام، ولا يرخص فيه إلا لضرورة أو حاجة ويشترط ألا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض.
وضابط ما يباح من الكذب أن كل أمر محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو فيه مباح.
وليس من شك في أن ما ذكرته من أن مدير المستشفى لا يوافق في كثير من الأحيان على إجراء الفحوصات والعلاج للمرضى شديدي الفقر، بينما يوافق عليها لأصحاب المراكز المرموقة الذين لا يحتاجون لذلك، ويعفيهم من الرسوم ... يعتبر جورا وبعدا شديدا عن الإنصاف.
وعليه، فإذا كنت لا تستطيع إرجاع هذا الحق إلى نصابه إلا بالكذب والتحايل فإنه يجوز ذلك لك، وقد تؤجر عليه إذا أخلصت النية لله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/2582)
كيف تكتسب إرادة قوية وعزيمة متوقدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الـ 25 من عمري وأدرس الماجستير ومشكلتي أني أنام كثيراً خاصة في أيام العطل من 12-15 ساعة وأشعر دائما بالخمول وأني دائما نعسان، فما هي الطريقة لأتخلص من كثرة النوم وأكون نشيطا وحيويا، وماهي عدد الساعات الصحيحة للنوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك بما يقوي إيمانك من أداء الصلوات في أوقاتها، والإكثار من نوافل الصلاة والصيام، واعلم أنه لا بد لتقوية العزيمة من وضع هدف تسعى إليه، فإن الإنسان بدون هدف يضعف سعيه، ويقل عزمه، ولتكن نيتك ابتغاء مرضاة الله، وعليك بكثرة ذكر الله، فإنه باب للفرج، وقد كان من أذكاره صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال. رواه البخاري ومسلم.
ومما يزيد في النشاط قيام الليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. رواه البخاري ومسلم.
وأما عن عدد الساعات المعتادة للنوم فهي كما قال ابن القيم في زاد المعاد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكان نومه أعدل النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار، ثماني ساعات. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/2583)
حكم إظهار عيوب النفس والغير أمام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إظهار عيوب الشخص أمام الناس وإظهار المحاسن أمام الوالدين، وهل هذا يعتبر نفاقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز للمسلم إظهار عيوب أخيه المسلم ولا تتبع عوراته كما ينبغي له ستر نفسه وعدم إظهار عيوبه أمام الناس.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود إظهار الشخص عيوب غيره من المسلمين فهذا لا يجوز فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، كما ثبت في الحديث الصحيح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 65124.
وإن كان السؤال عن إظهار الشخص عيوب نفسه أمام الناس فهذا أيضاً غير مشروع، فالمسلم مأمور بأن يستتر بستر الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 33442.
وفي كلتا الحالتين -ورغم حرمة الفعل- فلا يدخل هذا في تعريف النفاق الذي سبق تعريفه وبيان أقسامه في الفتوى رقم: 94258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/2584)
من وسائل تقويم عوج من يتصيد أخطاء الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن تقويم شخص يتذكر فقط ما قد تتصور أنه خطأ من الأخرين وينسى الكثير من الأفضال لهم عليه، ويتصيد لهم الأخطاء ويتذكرها، مع أنه قد يقوم هو بالفعل مثله ولا يراها لكن يتلذذ بإشعار الأخرين بالذنب تجاهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من حال هذا الشخص وأنه يتذكر أخطاء الآخرين نحوه، ويتصيد لهم الأخطاء، مع أنه قد يكون قد صدر منه أخطاء مثلها، وينسى أياديهم عليه، ويتلذذ بإشعار الآخرين بالذنب تجاهه ... تعتبر كلها صفات منافية للإنصاف والعدل والأخلاق الحميدة.
ولو انعكس الحال بالنسبة له، بأن نسي إحسانه على الناس وتذكر إحسانهم عليهم، ونسي أخطاءهم وتذكر خطأه وقابلهم بنقيض ما يقابلونه من ظلم وحرمان وقطيعة، لوافق ما دعا إليه الشرع الحنيف، فقد قال الله تعالى في صفات أولي الألباب: وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ {الرعد:22} ، وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون:96} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة: تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك. رواه البيهقي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1428(9/2585)
الستر على النفس والآخرين هو المطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[زنيت في الماضي مع بنت دون ممارسة الجنس (تقبيل ونزع الثياب فقط) ، ثم تبت بعد ذلك وتحولت للعمل في مدينة أخرى حيث تعرفت على فتاة قصد الزواج فأسررت لها ما كنت فعلت مع الأولى وأريتها صورتها لأنهما لا يقطنان في نفس المدينة, فندمت ندماً شديداً وهاتفت البنت الأولى كي تسامحني فرفضت رغم أني ناشدتها مراراً حتى أني عرضت عليها الزواج، أنا خائف الآن أن تدعو علي فلا أتزوج أبداً أو لا أدخل الجنة ... فأفيدوني جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك التوبة مما بدر منك، والتوبة تجُبُّ ما قبلها، وكان ينبغي عليك أن تستر نفسك وألا تخبر أحداً بعلاقتك بهذه الفتاة وما فعلته معها من أخطاء قد تبت منها وندمت على فعلها، قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم.
ولقد أخطأت عندما أريت صورة الفتاة للمرأة التي تريد الزواج منها، كما أنك أخطأت خطأً أكبر باحتفاظك بصورة هذه الفتاة، وهو دليل على عدم الصدق في التوبة، فلتتلف هذه الصورة ولتتب إلى الله تعالى من فضح تلك الفتاة فإنه لا يجوز لك كشف أمرها ولا سيما إن كانت تابت، ونرجو أن لا يصيبك شيء من دعائها عليك طالما أنك تبت لله تعالى توبة صادقة وقد طلبت منها السماح فرفضت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1428(9/2586)
الوعد مع نية عدم الوفاء والحلف المقرون بالاستثناء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا قال شخص لآخر سآتي إن شاء الله وهو في نفسه لم ينو الذهاب، فهل يعد هذا كذبا، وهل يكفر عن يمينه من حلف واستثنى ثم لم يبر بيمينه كأن يقول والله لآتين إن شاء الله إلى المكان الفلاني ثم لا يذهب إليه؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، أما نية عدم الوفاء بالوعد عند الوعد فذاك من النفاق العملي كما ورد في الحديث، أما من أخبر بما لا يتنافى مع الواقع فلا يعتبر كاذباً، ومن جهة أخرى فإن من حلف ثم استثنى فقد انحلت يمينه وبالتالي فلا يطالب ببرها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المراد بقوله لم ينو الذهاب أي أنه لا يريده أصلاً فإن هذا قد نوى عدم الوفاء بالوعد عند الوعد، ونية عدم الوفاء بالوعد تعتبر من النفاق كما أسلفنا في الفتوى رقم: 44575.
وإن كان المراد أنه لم يجزم في الوقت الحالي بالوقت الذي سيأتيه فيه ولم يعزم على عدم الوفاء بالوعد فإن هذا ليس نفاقاً.
هذا عن الشق الأول من السؤال أما عن الشق الثاني منه فإن من حلف على فعل أمر ثم استثنى مباشرة بعد اليمين بإن شاء الله فإنه لا يطالب ببر يمينه ولا يحنث بعدم فعل ذلك الأمر كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 29383، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 64013.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/2587)
العفو أولى من الرد بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الشيخ أنا أمام مشكلة عويصة ومؤلمه لي كثيراً حيث إن أطرافها ممن أحب والمنتصر فيها عدو الله إبليس (لعنة الله عليه) أخي الله يحفظه طيب وكريم غير أنه عندما يغضب ينقلب دائماً للأسوأ ويتغير ويبدأ بالسب ويتطاول حتى بيده ولو بخفة ويقول لي كلمات جارحه جداً ليس معي فقط بل مع الجميع حتى أمي لا تسلم منه إذا ما غضب والمشكلة أنه ليس نادراً ما يغضب بل على العكس ما أسرع أن يغضب وكل شيء يغضبه حتى إن كان لا يستحق ... المهم أني قبل يوم من الآن حمدت الله كثيراً وسألته أن يديمها نعمة بأن يدخل رمضان وأنا وأخي أو أي أحد في مشاكل أو متقاطعين لكن إبليس لم يحب ذلك وأخي ساعده كثيراً ليقوم البارحه ليلاً بسبي بكلام جارح لسبب سخيف مما جعلني أرد الكلمات له وأجرحه.. مع العلم بأني أكبره بخمس أو ست سنوات، لكنه لا يحترم هذا الشيء المهم تصالحنا فشعرت بالظلم أني كيف أفعل ولماذا أخسر رمضان بسبب سوء تصرف أخي وبسبب شطارة إبليس فأنا على قدم وساق للاستعداد لرمضان نفسياً وروحانياً وأتمنى من الله أن يبلغني شهر الرحمة وأن يتقبل مني الصيام والقيام ويعتقني من النار، فماذا أفعل فأنا مجروحة من أخي كثيراً وأشعر بأني لن يصفى قلبي منه وأخشى أن أخسر رمضان بسبب ذلك فأرجوكم أفتوني سريعاً قبل أن يدخل رمضان لأجد حلا ولا أكون ممن خسروا رمضان قبل أن يدخلوه؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالصبر والدعاء لأخيك بالهداية وننصحك بألا تقابلي إساءة أخيك بالإساءة خصوصاً في رمضان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أيتها السائلة بالصبر والدعاء لأخيك بالهداية، واعلمي أنك لا تأثمين إذا قابلت إساءته بمثلها، لأن الله تعالى قال: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا {الشورى:40} ، لكنه سبحانه قال في تتمة الآية: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، إذاً فالعفو أولى، ولهذا فإنا ننصحك بألا تقابلي إساءته بالإساءة، ولكن عليك بالصبر والعفو، واحذري من هجره ويتأكد ذلك في رمضان، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53074، 69295، 77160.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/2588)
الصبر على أخت الزوج والإحسان إلى أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ 8 سنوات من رجل كان متزوجا من أجنبية ولديه منها ولد وبنت ولكنها تركتهم منذ أكثر من 10 سنوات، وعندما تزوجته تعهدت بتربية الأولاد ولكن لديه أخت متسلطة وهي وحيدة تزوجت من 4 سنوات ولكنها تنغص علي حياتي مع الأولاد دائمة السؤال ماذا فعلت لكم صرخت عليكم وهكذا، ولكن في هذه الأيام تكلمهم عن أمهم كثيرا مما جعلهم يعاملونني بطريقة غير مؤدبة ويصرخون، ويضربون إخوتهم أولادي، علما بأنني لآ أتكلم معها منذ ما يقارب 7 شهور ولا أزورها، الآن أصبحت أتضايق من الأولاد على أتفه الأمور أصرخ عليهم وأحيانا أضربهم علما أن الفتاة عمرها 14 عاما والولد 12. وعندا أسمع اسم عمتهم أو اتصالها بهم حيث تتصل باليوم أكثر من 5-6 مرات أغضب وأصرخ عليهم. أفيدوني لأنني أخاف الله وأردت من تربيتهم الأجر والثواب من الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
أحسني إلى أخت زوجك واصبري عليها ولك الأجر بإحسانك إلى أبناء زوجك، وتجنبي الضرب والصراخ. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بالصبر على أخت زوجك وصلتها بما أمكنك من صلة، والإحسان إليها عسى أن تنقلب عداوتها لك إلى محبة إن شاء الله، وأما بخصوص أولاد زوجك فتربيتك لهم وإحسانك إليهم تنالين إن شاء الله عليها أجرا كبيرا ونوصيك بمراعاة الحكمة وكظم الغيظ في التعامل معهم ولا يخفى عليك أن الضرب والصراخ ينافي ذلك.
وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 11477.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/2589)
حكم إطعام الزوج زوجته أمام أقاربه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شرعا إطعام الزوجة أمام الأم والأب وأخواتي البنات، علما بأن البعض من أخواتي لم يتزوجن بعد، وإذا كانت الإجابة بنعم أريد بعض الأمثلة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو من حياة الصحابة أو التابعين.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجوز للزوج أن يطعم زوجته أمام والديه وأخواته البنات مع مراعاة العرف والأدب وتجنب الإثارة، ومراعاة شعور والديه وأخواته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من إطعام الزوج زوجته أمام أمه وأبيه وأخواته البنات سواء كن متزوجات أو غير متزوجات، لكن ينبغي عليه أن يتجنب الإثارة وما ينافي الأدب، كما ينبغي عليه أن يراعي العرف فإذا كان العرف مثلاً يقضي بأن ذلك ينافي المروءة فينبغي ألا يفعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1428(9/2590)
حكم الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينفع لإنسان عمره 14 سنة أن يحب، وهل يحاسب بقدر الإنسان البالغ العاقل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد بالحب ما هو معروف الآن من إنشاء علاقة عاطفية بين شاب وشابة، فاعلم أن هذا من أفعال أهل الجاهلية وليس من أفعال أهل الإيمان، وإذا بلغ الصبي أربع عشرة سنة فقد يكون بلغ فعلاً فهو حينئذ مكلف كغيره، فلا يجوز له إقامة مثل هذه العلاقة، وإن لم يكن قد بلغ حقيقة فهو قد قارب البلوغ فليحذر من إقامة مثل هذه العلاقة، فقد ينشأ عليها فلا يستطيع الفكاك عنها بعد بلوغه فيقع بعد ذلك في المحظور الشرعي، وراجع علامات البلوغ في الفتوى رقم: 26889، وراجع في حكم الحب عموماً الفتوى رقم: 5707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(9/2591)
أحوال التحلل من الظلامات والتبعات وأفضلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مسامحتي لمن ظلمني أؤجر عليها أكثر من أن أخذ من حسنات من ظلمني يوم القيامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نقل الهيتمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) عن بعض العلماء أنه حكى في مسألة التحلل من الظلامات والتبعات ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ترك التحلل منها أفضل ونسبه إلى الشافعي، وتعليل هذا القول أن صاحبها يستوفيها حسنات يوم القيامة؛ كما ورد بذلك الحديث.
القول الثاني: أن العفو أفضل، وتعليله أنه إحسان عظيم ينبغي عليه المكافأة من الله، وهو سبحانه أكرم من أن يكافئ بأقل مما وهب له منه مع قوله: إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ {التغابن:7} .
القول الثالث: التفريق بين الظلامات والتبعات، فيتحلل من الثانية دون الأولى، وقد نسب هذا القول إلى الإمام مالك، ووجه التفرقة أن الظلامات عقوبة لفاعلها أخذاً بقوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ {الشورى:42} ، ورجح الهيتمي القول الثاني حيث قال: والذي دل عليه حديث أبي ضمضم السابق أن العفو أفضل مطلقاً، ... وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإغراء على مثل فعل أبي ضمضم بقوله: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته يقول: إني تصدقت بعرضي على الناس. انتهى. وحديث أبي ضمضم رواه أبو داود عن أنس رضي الله عنه.
وعلى هذا فنرجو أن يكون ثواب من عفا أعظم من الحسنات التي سيحصل عليها لو اقتص له من ظالمه يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(9/2592)
لاحرج في استئجار اليتيم لبعض الأعمال المنزلية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استخدام غلام يتيم في أعمال منزلية مقابل أجر متفق عليه، علما بأني لا أقبل على الإطلاق أن أستخدم أولادي في مثل هذا العمل، لاسمح الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإحسان إلى اليتيم أمر رغب فيه الشرع وحث عليه، ولا بأس في استخدام اليتيم في أعمال منزلية أو غيرها إذا لم يكن في ذلك إضرار به، ووفي حقه كاملا.
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليتيم يطلق على الولد الذي فقد أباه قبل البلوغ، فهو إنسان ضعيف، بحاجة إلى العطف والشفقة والإحسان، وهذا هو الذي حض عليه الشرع الكريم وأمر به، حيث قال صلى الله عليه وسلم: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار مالك بالسبابة والوسطى. رواه مسلم.
وفي صحيح الترغيب والترهيب أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، قال: أتحب أن يلين قبلك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك.
وإيذاء اليتيم معصية شنيعة تدل على قسوة قلب صاحبها وخلو قلبه من الشفقة والرحمة، فإن كان الإيذاء بأخذ بعض ماله، فالوعيد في ذلك شديد من الله تعالى حيث قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً {النساء:10} .
كما أن إيذاء اليتيم من صفات الكافرين أصحاب القلوب القاسية، حيث قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ {الماعون:1-2} .
ولم يرد في الشرع منع استئجار اليتيم إذا وُفي له حقه ولم يكلف من العمل فوق طاقته.
وعليه فلا مانع من التعاقد مع اليتيم على أعمال منزلية أو غيرها، بشرط أن لا يكون فيها إضرار به أو مشقة تلحقه، وأن يوفى حقه كاملا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(9/2593)
حكم التجسس لكشف الفساد الأخلاقي
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الحديث على الماسنجر، ذلك أن زوجي يعمل في جهاز أمني ويقوم بالكلام مع الفتيات والشباب الذين يعملون في شبكات الدعارة والعياذ بالله على أساس أنه بنت مثلاً وذلك لكشف هذه الشبكات، ولكني أجد أن هذه الشبكات تؤثر عليه سلبياً، فما حكم ما يفعله زوجي، كما أني أشعر بالغيرة القاتلة أحياناً، فماذا أفعل، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحادثة من خلال (الماسنجر) لا حرج فيها إن لم تشتمل على محظور شرعي، وما يفعله زوجك -إن ثبت عنه- يشتمل على عدة أمور ومنها: التجسس والكذب، والأصل عدم جوازها، ولكن إذا تعينت سبيلاً لكشف هذا الفساد فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى اعتباراً للمصلحة الراجحة في ذلك، وللمزيد من الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 15454.
وأما كون هذا الفعل يؤثر على زوجك.. فإن بدا عليه شيء من هذا التأثر فينبغي نصحه بترك مثل هذا العمل طلباً للسلامة، وبالنسبة لغيرتك على زوجك فهي أمر طبيعي، ولكن الواجب الحذر من الغيرة التي لا تقوم على أساس صحيح، فمثل هذه من الغيرة المذمومة، وراجعي الفتوى رقم: 24118.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(9/2594)
كتمان الشخص أموره لإنجاحها ليس من الخيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[ولله الحمد أعمل فى وظيفة مرموقة ومتفوق فى أدائي ولي مدير ليس على قدر كاف من الكفاءة لكنه التحق بالعمل لمعرفتة الوثيقة بمدير الدولة كلها، ذ اع صيتى أكثر منه ولقد كنت دائما أحاول أن أظهر كفاءتي أمام المديرين وأصحاب العمل لاعتقادي أني مهما أظهرت فلن يمسه سوء بسبب علاقاته وبذلك لن يضره أن أكون أنا الأفضل ولكن حدث العكس وأصبح فى موقف لا يحسد عليه أمام قريبه وأمام الناس حتى أن الإدارة عرضت علي أن أترقى إلى منصب أعلى منه لكنه لم يعلم هذا، الآن حدث بيننا خلاف نتيجة للكلام الذي سمعه وأشعر بالغدر منه فى أي وقت حيث أعتقد أنه يريد استبدالي أو تسريحي وجاءت إلي معلومات بأنه بدأ فى إرسال الرسائل ضدي وهكذا.. في الوقت والحين بدأت في الانسحاب خطوة خطوة حتى أترك له المجال لإظهار نفسه، لكنى أريد أن أترقى فى عملي وأريد العلو وأعتقد أن هذا من حقي، سؤالي هو: هل يوجد علي ذنب في عدم إخباره أنهم يريدون ترقيتي فوقه، وهل هذا يعتبر خيانة، هل علي ذنب فى إظهار كفاءتي مع العلم أن هذا سوف يجعل موقفة سيئا، أليس من حقي عندما أعمل بكد أن أحصل على التقدير والاحترام، كيف أتعامل مع المجموعة التي تريد إيذائي الآن وهم يتكاثرون يوما بعد يوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن سؤالك الأول فإننا لا نرى أن عليك ذنباً في عدم إخبار المدير بأن إدارتكم تريد ترقيتك إلى رتبة فوق رتبته، ولا أن ذلك يعتبر خيانة، لأن من حق كل امرئ أن يكتم أموره استعانة على قضائها، فقد ورد في الخبر أن كتمان الأمور معين على قضاء الحوائج، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود. رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
وحول سؤالك الثاني فإنه لا يجوز السعي في إلحاق الضرر بأي شخص، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. ومع ذلك فإن إظهار كفاءتك إذا كنت تعني به إتقان عملك فإن ذلك هو المطلوب منك شرعاً. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. أخرجه أبو يعلى والطبراني. ثم إن من أتقن عمله وأخلص فيه كان قمينا بالتقدير والاحترام من الجهات التي يعمل عندها، وليس عليه لوم في ذلك.
وأما عن سؤالك الأخير فإن الشرع الحنيف يوصي بالعفو والإصلاح ويثيب على ذلك مع أنه يجيز للمظلوم أن ينتقم ممن ظلمه بشرط أن لا يتجاوز قدر مظلمته، قال الله تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237} ، وقال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:40-41-42-43} .
وعليه، فننصحك بالعفو عنهم فيما مضى من سعيهم في إيذائك، ولن تزال معاناً من الله تعالى إن فعلت ذلك ابتغاء وجهه، وأما في المستقبل فاتق أذاهم وادفعه عنك بما ليس فيه ظلم لهم ولا تجن عليهم، وأن تتقي الله في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(9/2595)
حكم إخبار شاب لفتاة بحبه لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 19 سنة وأحب شابة عمرها 18 أي أننا لسنا في جيل المراهقة، لقد قرأت الفتوى السابقة وكانت بين شاب عمره 15 وهي عمرها 12، ولكن هل حرام بأن أعلمها بذلك، آمل بأن يكون هنالك جواب صريح أي بحرام أم لا........]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تخبر هذه الفتاة بحبك لها، لأن هذا قد يفتح باباً من أبواب الفتنة، وإذا كنت قادراً على على مؤن الزواج فيمكنك التقدم لوليها للزواج منها، فالزواج خير علاج للمتحابين، فقد ثبت في سنن ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
ويبدو أنك فهمت من الفتوى التي أشرت إليها أن سبب منع إقامة مثل هذه العلاقة العاطفية هو كون هذين -نعني الشاب والفتاة- مراهقين، وليس الأمر كذلك؛ بل سبب المنع كونها أجنبيه عليه، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 4220، والفتوى رقم: 30003.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(9/2596)
حكم خلف العهد إذا كان برضى الطرف الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[في السنة الماضية سجلت في كلية الصيدلة ثم انتقلت إلى كلية الطب ولقد وقعت على تعهد بعدم المطالبة بالدراسة فيها مرة أخرى، ولكنني رسبت في كلية الطب فقررت الرجوع إلى الصيدلة.. لأن مجال الصيدلة بعيد عن الفتن التي تحصل في الطب، كما أن مهنة طب الأسنان تدخل فيها العمليات التجميلية وتقويم الأسنان.. كما أنني عندما وقعت على التعاهد قلت لهم التعاهد مدة سنة واحدة أو أنه دائما فقالوا لكن أنت اكتب فقط أي أنهم لم يشرحوا لي القوانين واللوائح ... فما هو الحل.. أرشدوني؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
إذا كان وجه السؤال هو أنك تخشى أن تكون عودتك إلى كلية الصيدلة فيها خلف لما وقعت عليه من معاهدة، وأنك تسأل عن حكم مخالفة تلك المعاهدة، فالجواب سيكون على النحو التالي:
قال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ {النحل:91} ، أي: عاهدتم طرفاً آخر من الناس، وهذا يشمل الذي بين الله وبين خلقه، والعهد الذي بين المسلمين وبين الكفار، ويشمل العهد الذي بين ولي أمر المسلمين وبين الرعية، ويشمل العهد الذي بين أفراد الناس بعضهم مع بعض، فهذه العهود العامة والخاصة يجب الوفاء بها للأمر بذلك، ولأن نقض العهود من علامات المنافقين، قال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
فنقض العهود من صفات المنافقين، والوفاء بالعهود من صفات المؤمنين، فلا يحل لأي مسلم أن لا يوفي بعهده وهو قادر على الوفاء بحال من الأحوال، ولكن خلف العهد إنما يكون في حال ما إذا فعل أحد المتعاهدين ما يخالف المعاهدة دون رضى الطرف الآخر، وأما لو كان بتراض منهما فإن ذلك لا يعتبر خلفاً، بل هو عهد جديد ناقض للعهد السابق.
وعليه فإذا كانت عودتك إلى الصيدلة هي بدون وفاق من الجهة التي كنت تعاقدت معها فإن ذلك يعتبر خلفاً للعهد ولا يجوز، وأما إن كان برضاها وموافقتها فإنه لا يكون فيه حرج، وأما الذي ذكرته من أن مهنة طب الأسنان تدخل فيها العلميات التجميلية ونحوها، وأن مجال الصيدلة بعيد عن الفتن فإننا لا نرى ذلك مطلقاً، بل كل من المهنتين يمكن للمرء فيها أن يتقي الله وينأى عن الفتنة إذا وفقه الله لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1428(9/2597)
خير المتخاصمين من يبدأ بالسلام ورأب الصدع
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل فى العمل يكبرني بـ 20 سنة، ولكن كنا على علاقة صداقة جيدة أكرمنا الله عز وجل بالعمل في السعودية وكان هو سبب من الأسباب في حصولي على هذا العمل، بعد استلامي للعمل لاحظت تغييرا فى معاملته لى ففاتحتة في هذا الأمر، اكتشفت أن أحد العباد أخبره أني تحدثت عنه بالسوء أمام المدير وأني قلت كلمة معينة فأقسمت بالله أني لم أقلها، ولكن فاجأني بموضوع آخر وهو أني كنت السبب فى إيذائه بأني تحدثت للمدير أيضاً عن موضوع آخر، هذا الموضوع الآخر لم أكن على يقين إن كنت تحدثت فيه أم لا، فبالتالي كانت هذة النقطة التي وجدها لمقاطعتي، في البداية كنت حريصا أن أحتفظ به كصديق وذهبت إلى مكتبه مرة وإلى بيته مرتين لتوضيح الأمر، ولكن مع مرور الوقت ومع محاسبتة لي على أتفه الأشياء وإظهارة عدم الاحترام والتعامل بجفاء بدأت أشعر بالكراهة وبدأت تصرفاتي في التغيير، وبدأت في التحدث عنه كما يتحدث عني ويخبر الناس عما بدر مني، وكانت حجتي أني أدافع عن نفسي وأدرأ الشبهات، بالأمس قررت أن أذهب إليه مرة رابعة في بيته، ولكن ليس للاعتذار لأني اعتذرت من قبل عن شيء لم أفعله ولكن ذهبت للأسباب التالية:
حق الجيرة حيث إنه جاري- توضيح موقفي بأني بريء- ملاطفتة بعلبة حلوى كهدية حيث إنني أشعر بالذنب حيث إنني تحدثت عنه بالسوء- إخباره بأنه قد أهانني- إخباره بأني سامحته عما بدر منه، أؤكد لكم أني لم أعتذر هذه المرة، ولكن فعلت ما سبق ذكره من 5 نقاط، كانت النتيجة أننا اتفقنا أن لا يذكر أحدنا الآخر بالسوء مع أن يكون كل واحد في أموره الشخصية والسلام عند اللقاء.
كنت أعتقد أنه بمجرد دخولي عليه بهدية سوف ينتهي كل شيء وتعود الأمور إلى مسارها، ولكنه ما زال مقتنعا أنه لم يخطئ ولم يهني وأني أنا المخطئ الوحيد في الأمر حتى أنني قلت له إن هذا من تلبيس إبليس علينا ليفرق بيننا فكان رده أن إبليس يقدر عليك أنت ولكن أنا لا ... من وجهة نظره أنه على صواب وأنه يلقي السلام ولا يتلقى الإجابة مني، آسف للإطالة ولكن سؤالي هو: هل لهذا الشخص أي حقوق عندي بعد كل ما سردته لكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما قمت به من مبادرة إلى الإصلاح بينك وبين هذا الرجل، وخير المتخاصمين من يبدأ بالسلام، وإن كنت فعلاً على يقين أنك لم تفعل شيئاً يسيء إليه فلا يلزمك حق تجاهه، ولكن إن حدث منك فعلاً تقصير تجاهه في مرة من المرات فيجب عليك أن تستسمحه ما لم تخش مفسدة أعظم، فيكفي حينئذ أن تستغفر له وتدعو له بخير، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2094.
ولا حرج على المسلم فيما يقوم به من دفع الشبهات عن نفسه، وأما حديثه عن الآخر بسوء كما تحدث هو عنه فجائز بشرط أن يكون على يقين أنه قد تحدث عنه، وأن لا يتجاوز الحد في ذلك، وأن لا يتضمن خيانة أو كذباً وافتراء عليه ولو حدث منه مثل ذلك، وانظر الفتوى رقم: 2789.
وينبغي أن يعلم أن من أهم مقاصد الشرع أن يكون المسلمون على ألفة ومودة قدر الإمكان، فيحسن كل منهما الظن بأخيه، ويقبل عذره إذا اعتذر إليه ونحو ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 55821، والفتوى رقم: 20902.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(9/2598)
حكم إخلاف الوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع المفيد..
أنا متزوج منذ حوالي سنة، وأعاني من مشكلة مع زوجتي حيث إنها لا تفتح معي المواضيع التي تعتبرها مهمة بالنسبة لها إلا عندما تجدني في خضم رغبتي الجنسية. مما يعكر علي صفو العلاقة وأكرهها وأكره اللقاء الجنسي معها. ووالله لولا أنني محتاج للإحصان منها ما قربتها إطلاقا. وهي تعلم أن ما تفعله خطأ ولكنها تريد أن تلقنني درسا في أنها تستطيع منعي من قضاء وطري في الحلال. ربما تقولون فضيلة الشيخ بأننا لا حوار بيننا إلا في تلك الأثناء.. أبدا.. فالحوار مفتوح بيننا دائما ولكنها تستغل حاجتي منها لكي تصطاد مني وعودا لتحقيق بعض أمنياتها كشراء أشياء تريدها إلى غير ذلك. وانا من شدة رغبتي في معاشرتها أعدها بما طلبت ولا أحس بأنها خدعتني إلا بعد فتوري وقضاء شهوتي منها. فأحس بغبن كبير وبكراهية كبيرة لها.
بماذا تنصحونني فضيلة الشيخ وبماذا تنصحون زوجتي.
وهل علي شيء إن أخلفت وعدي لها أثناء شعوري بحاجتي لها ولم أنفذ ما وعدتها به. أي هل أدخل بهذا تحت حكم المضطر أو المكره؟
وعفوا على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الوفاء بالوعد لا يجب ما لم يترتب عليه ضرر بالموعود، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الراجح من أقوال العلماء في مسألة الوفاء بالوعد أنه ليس واجبا إلا إذا كان يترتب على ذلك ضرر بالموعود، وعليه فلا إثم عليك إن شاء الله إذا أخلفت وعدك لها، وراجع لمزيد فائدة الفتاوى التالية: 12729، 51099، 92999، 97850، على أننا ننصح بالوفاء بالوعد على كل حال ما لم يترتب عليه ضرر أو محرم.
وأما قولك: هل أدخل بهذا تحت حكم المضطر أو المكره؟ فجوابه لا، فلست مضطرا ولا مكرها، بل يمكنك أن تمتنع عن وعدها بأي شيء كأمرها بعدم طلب هذه الأمور في مثل هذه الأحوال، وهذا الذي نشير عليك به، فإذا أصرت على ذلك ورأيت أنك لا تصبر عنها فبدلا من الكذب الصريح يمكنك أن تلجأ إلى المعاريض ففيها مندوحة عن الكذب، وضابطها أن تستخدم الألفاظ التي تفهم منها خلاف ما تريد أنت، وراجع الفتوى رقم: 29059، والفتوى رقم: 39551، والفتوى رقم: 71299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(9/2599)
النميمة والفتنة والزنا من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أشد حرمة وعقاباً النميمة والفتنة أم الزنا، أرجو التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النميمة والزنا والعياذ بالله تعالى من أعظم الكبائر والذنوب كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وكذلك الفتنة إذا كان المراد بها إيقاع الفتنة بين الناس لأنها في معنى النميمة، ولم نجد من ذكر التفاوت بينها في الحرمة على وجه التحديد، فكلها من كبائر الذنوب إلا أن الزنا يختص بعقوبة في الدنيا وهي الحد، ثم إن الكبيرة الواحدة تعظم عقوبتها بحسب الحال والزمان والمكان، كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 48472.
قال الذهبي في كتاب الكبائر: فكل من حرش بين اثنين من بني آدم ونقل بينهما ما يؤذي أحدهما فهو نمام من حزب الشيطان من أشر الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: شراركم المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت. والعنت المشقة، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة نمام. والنمام هو الي ينقل الحديث بين الناس وبين اثنين بما يؤذي أحدهما أو يوحش قلبه على صاحبه أو صديقه بأن يقول له: قال عنك فلان كذا وكذا وفعل كذا وكذا إلا أن يكون في ذلك مصلحة أو فائدة كتحذيره من شر يحدث أو يترتب. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 56149، والفتوى رقم: 39851.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(9/2600)
ما يجوز مقابلة المسيء فيه بالمثل وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قلت إن صديقتي فعلت بي شيئا خطيرا وهي لم تفعله وعندما علمت قمت بتكذيب نفسي أمام الأصدقاء ثم تبت إلى الله ولكن الأصدقاء مازالوا حتى الآن يصدقون أنها فعلت بي هذا الشيء وأنا لم أستطع تكذيب نفسي مرة أخرى لأنها فضحتني بأسراري وقالت عني أشياء في أخلاقي لم تحدث مني أمام خطيبي واستغفرت الله بذنبها فهل أكون ظلمتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تشويه عرض المسلمة والافتراء عليها حرام، ولا يجوز لمن وقع عليه أن يعامل الفاعل بالمثل، كما يحرم إفشاء السر إذا ترتب عليه ضرر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الافتراء على صديقتك ولا الكذب عليها وتشويه سمعتها، والواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى وتبرئتها مما قلت عنها كذباً، فإن فعلت ذلك فنرجو أن يتوب الله عليك وتبرأ ذمتك، كما لا يجوز لها هي أيضاً معاملتك بالمثل ولا الافتراء عليك، ففي تفسير القرطبي: وإذا قال: أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله، ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب. انتهى.
وفي تفسير ابن أبي حاتم: سألت عبد الكريم عن قول الله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، قال: هو الرجل يشتمك فتشمته، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه، مثل قوله: ولمن انتصر بعد ظلمه. انتهى.
وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا ترتب عليه ضرر، قال الغزالي في الإحياء: فإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى.
وقال الماوردي في أدب الدنيا والدين: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه بيوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمناً والنميمة إن كان مستخبراً فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى.
وعليه، فالافتراء على صديقتك ظلم لها فتوبي إلى الله تعالى واطلبي منها السماح وانصحيها بضرورة التوبة مما أقدمت عليه هي أيضاً واصفحي عما بدر منها. وقد تقدمت الإجابة عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 98665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(9/2601)
إفشاء السر خيانة ولؤم ويحرم إن ترتب عليه ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أفشيت سر صديقتي وعندما علمت قامت هي الأخرى بإفشاء أسراري وأنا تبت إلى الله بعد ذلك هل أكون ظلمتها أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى
إفشاء السر محرم إذا ترتب عليه ضرر، ولا يجوز لمن فعل به ذلك أن يعامل الفاعل بالمثل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإفشاء السر خيانة للأمانة، فإذا كان إفشاء سر صديقتك يترتب عليه ضرر بها فهومحرم لما فيه من الخيانة والظلم لها، كما لا يجوز لها هي أيضا معاملتك بالمثل وإفشاء سرك إذا ترتب على ذلك ضرر، قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى
وقال الماوردي فى أدب الدنيا: إظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهار سر نفسه لأنه يبوء بإحدى وصمتين الخيانة إن كان مؤتمنا والنميمة إن كان مستخبرا، فأما الضرر فيما استويا فيه أو تفاضلا فكلاهما مذموم وهو فيهما ملوم. انتهى
وعلى كل، فبادرى بالتوبة إلى الله تعالى مع طلب السماح من صديقتك ونصحها بضرورة التوبة أيضا مع العفو
عما صدرمنها، وراجعى الفتوى رقم: 53697، والفتوى رقم: 7634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(9/2602)
العفو خلق رفيع لا يصل إليه إلا الصابرون
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم النصيحة، لي صديق لا يعرف العفو يقول من أخطأ لا بد أن يعاقب وأقول السماحة والعفو، وعندما تعفو يعفو الله عنك لا يقتنع، فأرجو من سيادتكم أن تفيدوني بإجابة وافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإسلام حث على التسامح والعفو عن المخطئ، ورتب على ذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما أشرت به على صديقك صحيح وهو مقام الفضل الذي لا يصل إليه إلا الصابرون، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، قال ابن كثير في التفسير: وما يلقاها يعني هذه الفعلة الكريمة الخصلة الشريفة إلا الذي صبروا بكظم الغيظ واحتمال الأذى، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم أي نصيب وافر من الخير وقيل: الحظ العظيم الجنة.
وهو من صفات الذين أعد الله لهم جنة عرضها السماوات والأرض، وفيهم يقول تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} ، إلى غير ذلك من نصوص الوحي من القرآن والسنة التي لا يتسع المقام لذكرها، فإذا كان العفو عن المخطئ بهذه المكانة في الإسلام والثواب الجزيل عند الله تعالى فلا ينبغي للعاقل أن يضيعه أو يستبدله بنزغات الشيطان. فالذي يعفو عن الناس يعفو الله عنه، وهذا من حيث العموم، أما إذا كان المخطئ مرتكباً لحد من حدود الله تعالى فإنه إذا بلغ السلطان فلا يجوز له أن يعفو عنه، وللمزيد من الفائدة في الموضوع انظر الفتوى رقم: 71999، والفتوى رقم: 13741.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1428(9/2603)
حكم من قال بأن فلانا أفضل من فلان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا من الغيبة إذا قلت محمد أفضل من خالد.........]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا كان القصد من ذلك التعريض بعيب في خالد أو بنقص فيه أو ما أشبه ذلك فإنه يعتبر غيبة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان القصد من ذلك التعريض بعيب في خالد أو نقص فيه فهو من الغيبة لأن هذا مما يكرهه الناس عادة، وقد عرف النبي- صلى الله عليه وسلم- الغيبة بقوله:.. ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
أما إذا كان القصد منه بيان حالهما في العلم أو الثقة والورع لمن يريد استفتاءهما أو ما أشبه ذلك، أو لمن يريد مخالطتهما أو أحدهما بتزويج أو شراكة.. فهذا لا يعتبر غيبة؛ بل هو من النصح الذي هو أساس الدين.
وقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس بالزواج من أسامة، وأشار عليها بترك معاوية وأبي جهم فقال لها.. أما معاوية فرجل لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة بن زيد.. الحديث رواه مسلم.
وللمزيد انظر الفتوى: 58623.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1428(9/2604)
شكاية الظالم دون تعد ليس من الغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا عندما أتعرض لأي مضايقات أو مشاكل مع أهل زوجي أو صديقاتي أو تصرف صدر من شخص لا يعجبني أخبر إحدى صديقاتي أو قريباتي المقربات بالأمر بهدف أن أخفف ما في داخلي، فهل هذا يدخل فيما يتعلق بالغيبة أو النميمة مع أن الأمر حدث فعلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة هي ذكر الغير بما يسوء حال غيبته، وهي في الأصل محرمة، وقد استثنى أهل العلم بعض الحالات التي تجوز فيها الغيبة ومنها ذكر الظالم من ظلمه على وجه القصاص من غير عدوان، وترك ذلك أفضل كما هو مبين بالفتويين: 79100، 79717. وعليه فإن حدث من هؤلاء ظلم لك ولم يقع منك مجاوزة للحد في التحدث عنهم حال غيبتهم فلا حرج عليك إن شاء الله فيما فعلت، وأما النميمة فهي نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد كما هو مبين بالفتوى بالرقم: 6710، وهذا المعنى غير متحقق هنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1428(9/2605)
التوسط والاعتدال مطلوبان في مشاعر الإنسان في تعامله مع غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[من طبيعتي إذا أحببت أحببت من كل قلبي وأخلصت وإن أخطأ الشخص بحقي أمقته ولا أستطيع التعامل معه مرة أخرى، أشعر بغصة عند رؤيته ولا أحبه مع أنه مسلم فقد أرد السلام وأتحدث معه في نطاق العمل المختصر جدا، وأتأفف من أي كلمة يقولها، أحاول أن لا يحدث هذا، لكن وللأسف يتكرر معي مع الكثير من الناس من حولي، عامل الناس كما تحب أن تعامل، ولكن إن أخطأ بحقي أصبح لا أطيقه، فماذا أفعل حتى أحل هذه المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يعتدل ويتوسط في أموره كلها وخاصة فيما يتعلق بالحب والكراهة، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
ومن صفات المسلم طهارة القلب ونظافته والحب في الله والبغض فيه والرضى له، والتحلي بأخلاق الإسلام الفاضلة التي ينبغي له أن يتحلى بها؛ كالعفو والصفح عن من أخطأ في حقه ومقابلة إساءة المسيء بالإحسان كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13} ، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وقال تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237} .
فلا ينبغي للمسلم أن يطوي قلبه على الحقد والكراهية لإخوانه، وعلاج ذلك يكون بجهاد النفس على تركه وبإيصال الخير إلى الناس الذين بينه وبينهم خصومة وشحناء والدعاء لهم، ونسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من سائر الأمراض، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47219، 49760، 7120.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1428(9/2606)
الصبر مفتاح الفرج
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي في الإسلام مشكلتي هي أنني أعيش مع أهل مرضى من الناحية النفسية وهم يتلقون العلاج، أنا أطيعهم قدر المستطاع وأغلب الأحيان ضد رغباتي وأطيعهم، مشكلتي الحقيقية أن طريق الزواج متعسر في وجهي أنا تعبت من هذه الحياة وأنا صابرة ماذا أفعل حتى يفتح الله الكريم وييسر زواجي ويطلق نصيبي أدعو لي غيباً وانصحوني ماذا أفعل، والله العظيم أني بحاجة لفرج الله ... أنا بحاجة لنصائحكم؟ جزاكم الله خيراً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وأن يشفي مرضى المسلمين جميعاً، ولتعلمي أن هذه الحياة وما فيها من خير وشر هي ابتلاء.. وأن الصبر فيها هو مفتاح كل خير كما جاء عن بعض السلف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً. رواه أحمد وغيره.
والذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى ولزوم طاعته فإنه لن يضيعك، وعليك بالإكثار من الدعاء والاستغفار ... وخاصة في أوقات الإجابة، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له. وقال صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
ولتكثري من قول (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإنه لم يدع بها عبد مؤمن في شيء إلا استجاب له، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 3570، والفتوى رقم: 14947.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1428(9/2607)
الإخلاص في العمل إتقانه ابتغاء وجه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف جديد في ميدان العمل وأريد أن أكون مستقيما ومخلصا لله في عملي، وسؤالي يتعلق بالإخلاص لله في مجال العمل، فأنا أريد أن أعرف ما هو الإخلاص لله في العمل.. وكيف أكون مخلصا لله في عملي؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كان موظفاً في عمل فيلقم بإتقان العمل المكلف به وإحسانه، فقد قال الله تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} ، كما جاء في الحديث الصحيح: إن الله كتب الإحسان على كل شيء. وفي معجم الطبراني والشعب للبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. وصححه الشيخ الألباني.
وبالتالي، فإذا قمت بوظيفتك خير قيام ابتغاء وجه الله تعالى محتسباً في ذلك لا تريد الثناء ولا المدح من أحد فقد أخلصت في عملك لله تعالى، وراجع الفتوى رقم: 47732، والفتوى رقم: 52210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1428(9/2608)
معنى: إذا رؤوا ذكر الله تعالى.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (إذا رؤوا ذكر الله) من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله" حديث حسن: السلسلة الصحيحة 311/4. وقد ورد هذا الحديث ضمن القول في تأويل قوله تعالى: أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. تفسير الطبري الآية 62 سورة يونس؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي ذكرته مذكور في كتب التفسير وقد صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، ومعناه أن من صفات أولياء الله تعالى أنهم يتميزون عن غيرهم بصفات جليلة كالسمت الحسن والخشوع الظاهر وغيرها، فعند رؤيتهم يتأثر المشاهد برؤيتهم التي تذكره بذكر الله تعالى وعظمته والاستقامة على شرعه، قال الألوسي في روح المعاني: فقد أخرج ابن المبارك، والترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ وابن مردويه وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قيل: يا رسول الله من أولياء الله، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى أي لحسن سمتهم وإخباتهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1428(9/2609)
نصائح للعودة إلى الالتزام واجتناب الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي شيخي الفاضل حججت السنة الماضية وقد كنت قبلها لا أترك صلاة الفجر أبدا وكنت في مركز تحفيظ أحفظ القرآن الكريم وكنت أسمع المحاضرات وأجاهد نفسي في الكثير من المعاصي وجل من لا يخطئ غير أني كنت أفضل حالاً مما أنا عليه الآن بعد أن أديت فريضة الحج تدهورت كثيراً أصبحت أتأخر عن الفجر وعدت لممارسة العادة الكريهه المسماة سرية. وأصبحت أغتاب وأكذب ليس كثيراً لكني لم أعد أبذل جهدا لترك المعاصي. مازلت أنصح من أحبهم بترك ما أفعله أنا من كذب وغيبة ونفاق ليس لأني أرائي بل لأني أخشى عليهم من صدق ولا أريدهم أن يكونوا مثلي بل أفضل لأني أتعذب دائماً بعد كل معصية خاصة بعد أن علمت بتحريم العادة الكريهة ساعدوني فقد قال لي أحدهم أن مقياس قبول الله لطاعة العبد هو أن يستمر في الأعمال الصالحة وأن يوفقه الله بترك المعاصي هل يعني هذا أنه لم يقبل حجي. تعلم أني صادفت الكثير من الفتن في حجي السنة الماضية وجاهدت نفسي وقد حدث أن أبي أصيب بعرق النساء ولم يكن يستطيع المشي إلا بصعوبة فكنت بعض الأوقات عندما نتأخر في أداء نسك معين أتبرم وأشكو وأعتقد أني كنت في وضع لا مجال فيه لإبداء التعاطف مع أبي لأني كنت أخشى أن تفوتنا بعض الشعائر أو أن نتأخر فيها مما انعكس على تصرفاتي فكنت قاسية في عدم إخفاء قلقي على أبي الذي كان يحاول ويحاول أن لا يحملنا حاله وأن يدعنا قدر الإمكان وحدثت مشاجرة صغيرة بيني وبين أختي في الحج بسبب أنها تريدنا أن نطوف من داخل المسجد الحرام وأنا رفضت وصممت أن نطوف من الصرح نفسه وقد كنت على حق لأن الصرح كان أقل ازدحاما من داخل المسجد غير أنها كانت تمسك بيدي وهي خائفة أن يحصل شيء وهي تردد أنني عنيدة وأني لا أفهم وأني على خطأ وهكذا مضى الكثير من وقت الطواف وأنا أحاول أن أمسك أعصابي كي لا أصرخ في وجه أختي وبين أختي التي ظلت تتبرم وتشكي وتغضب. هذا هو حجنا وقد صادفت الكثير الكثير الكثير وأتمنى لو تسنح لي الفرصة كي أحدثكم به كي تعينوني وتوضحوا لي ماذا حدث وإلى أين مصير حجنا. مع العلم أني وأختي الصغيرة لا نتحدث معاً منذ ما يقارب السنة ليس بسببي فقد سمعت أحد الأحاديث عن حرمة المقاطعة وبدأت أنا بالتحدث إليها واعتذرت لها غير أنها بعد مده قصيرة عادت للمقاطعة فقررت أني أنا الأخت الأكبر وأنها قليلة أدب وأني لن أبدأ حتى تأتي هي وقد ذهبت للحج ونحن على هذه الحالة وأقسم بالله أنه ليس خطئي بل كل ذلك بسببها فهي مغرورة وتريد من يسيطر عليها. هذه أنا وهذه حياتي المصغرة ماذا أفعل وما هو مصير حجي وكيف أقلع عن تلك العادة القبيحة فقد كرهت نفسي وتدهور حالي وأريد أن أعود لما كنت عليه أريد أن أعود لأتذوق حلاوة الإيمان فقد جاء أحد الأيام وتذوقتها ومازلت أتمنى أن أعود حتى صلاة الليل كنت أقيمه والصيام دائماً ارحموا من في الأرض بعلمكم وحكمتكم يرحمكم من في السماء برضوانه عليكم وعلي إن شاء الله.
أستأذنكم وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يوفقك للإقلاع عن المعاصي التي تفعلينها، وننبهك على عدة أمور:
1ـ جاهدي نفسك في سبيل التخلص من المحرمات التي تفعلينها، وأكثري من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى خصوصا في الأوقات التي يظن فيها استجابة الدعاء كالثلث الأخير من الليل وأثناء السجود ونحوها.
2ـ العادة السرية محرمة ولها أضرار كثيرة وعلاجها يكون بعدة أمور منها: الإكثار من الصوم واختيار الرفقة الصالحة وتجديد التوبة دائما وشغل الوقت بكل نافع مفيد، وننصحك إذا كنت غير متزوجة أن تبحثي عن زوج يحصل لك به العفاف والعون على طاعة الله تعالى والبعد عن معصيته، وراجعي الفتوى رقم: 10103..
3ـ الحج لا يبطل بالخصومة والتضجر.
4ـ لا إثم عليك في شأن المخاصمة أو التضجر إذا حصلا نسيانا أو جهلا وإن كانا عمدا فعليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى.
5 ـ قبول الطاعات كلها ومن بينها الحج أمر غيبي لا يمكن الاطلاع عليه، وقد ذكر بعض أهل العلم أن من علامات قبول الحج أن يكون الحاج بعد الحج أحسن حالا منه قبله مع الاستمرار في الازدياد من الخير.
6 ـ يحرم هجران أختك ومقاطعتها ولو كانت هي السبب في ذلك فجاهدي نفسك في شأن صلتها وزيارتها ما أمكن.
7ـ حلاوة الإيمان تحصل بعدة أمور منها الرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا إضافة إلى الإكثار من نوافل الطاعات بعد الإتيان بالفرائض.
وراجعي الفتاوى الفتاوى التالية أرقامها: 5524، 22083، 7315، 14648. 25854، 58511، 63924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1428(9/2610)
تصرفات غير لائقة من مربي الأجيال
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الإخوة والأخوات -الله يهديهم- لا يسألون أنفسهم هل المرتب حلال أم حرام، النوم في أثناء الدوام، تضييع الحصة بأكملها، الدخول المتأخر للفصل، إهمال الأنشطة، الاستئذان المتكرر لغير حاجه، اللامبالاة بكلام الرئيس الأعلى، عدم احترام الزملاء في العمل، القسوة على فلذات الأكباد، ما هو رأيكم، والله أناس لا تفرق بين الصالح منهم والفاسد، كيف ننصحهم، حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإتقان العمل أمر مرغب فيه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. رواه البيهقي وحسنه الألباني. ولا شك أن الموظف مؤتمن على عمله، وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58} ، وتضييع أوقات العمل وعدم المبالاة بهذه المسؤولية هو في الحقيقة تضييع للأمانة المأمور بحفظها، كما أن عدم احترام الزملاء دليل على سوء الخلق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح ووافقه الألباني.
فالواجب على الموظفين أن يعتنوا بأعمالهم وأوقاتها وأن يحرصوا على القيام بما أوكل إليهم من عمل يتقاضون عليه راتباً، كما أن القسوة المفرطة على التلاميذ والطلاب من بعض المدرسين لها آثار سلبية على التلاميذ، وقد سبق أن أصدرنا فتوى في حكم ضرب التلاميذ وقيود الجواز فيه وهي تحت الرقم: 29612. وانظري للفائدة الفتوى رقم: 27321، والفتوى رقم: 54883 حول حكم الأجرة التي يتقاضاها العامل المفرط في عمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(9/2611)
زيارة المرأة لأهل زوجها غير واجبة عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أتمنى النصح والإرشاد وأن يكون جوابكم راحة لي وسلاما، أنا سيدة متزوجة منذ حوالي سنة ونصف، علاقتي بأهل زوجي أكثر من سيئة منذ رمضان الفائت عندما دعوتهم جميعا للفطور 14 فردا ولم يأت سوى حموي فقط، وبعدها بدأت الأمور تتضح أمامي من لؤم وسوء وأنانية في قلوبهم، ومع هذا صبرت حتى كدت أصاب بجلطة بسببهم، أخيراً حلفت أيمانا مضاعفة بعدم زيارتهم واستمررت طوال 6 أشهر ولم يكترثوا لي المهم أن ابنهم يزورهم ولا يقطعهم (حدث ذلك بعد مشاحنات عديدة كادت تصل للطلاق بسببهم وسبب أخواته البنات وقد حاولت كثيراً التودد لهم وزيارتهم وإصلاح الأمور لكن لم يفعلوا إلا كل سوء بالمقابل وكنت دوما أصبر وأقول أفعل هذا من أجل ربي ولا يهمني رأيهم لكنهم بالمقابل ينظرون للأمور بسياسة تكبر وتكسير الرؤوس وأنهم لا يتنازلون، وأفعل الخير عدة مرات معهم وزيارتهم وأقول بأنهم سيأتون لزيارتي لكن أصدم بهم لا يزوروني أبداً ولا يزورون ابنهم حتى الإخوة لا يزوروننا، وعندما أحاول فتح قلبي لهم كلهم يقفون كبنيان مرصوص في وجهي وضدي (وقاموا بسبي كثيراً ووصفي بعدم التربية حتى وجهت والدته هذه الكلمة أيضا لوالدتي منذ فترة شهرين ذهب زوجي لخدمة العلم ولم يكن بجيبه قطعة نقود واحدة وقد تعهد الأب والأبناء بدفع أجرة البيت له، لكن لم يحركوا ساكنا ولم يسألوا أبداً عني ولم يعطوه قرشا واحداً للآن، وأنا أقوم بدفع الإيجار وتغطية مصروفنا معا من راتبي وينقصني الكثير فآخذه من أهلي، ولست أدري ما العمل مع هؤلاء الأهل، علما بأنني مقيمة مع أهلي وأعود للبيت في الخميس والجمعة فقط عندما يأتي زوجي بعطلته، فما العمل مع هؤلاء، فهم لم يساعدوه بقرش واحد منذ الخطبة وحتى الآن وعندما يتحدثون يرفعون أنوفهم وكأنهم فعلوا كل شيء له، علما بأنني ساعدته كثيراً بالأمور المادية بل كنت الأساس حتى الآن وهم لا يعرفون، وكل هذا من راتبي وأمي وأهلي الكريمين والطيبين، رجاني زوجي بزيارة أهله وقد أطعته لأنني لا أحب أن تبقى الأمور على هذا الوضع المتوتر دوما ونقضت اليمين، لكن الوضع بزيارتي لم يحنن قلوبهم أبداً، ولم يغير شيئا لديهم، ما فتوى اليمين وما العمل، فهل أنا مجبرة على زيارتهم رغم كل الأسى الذي أعيشه بسببهم أم يكفي أن يقوم هو بصلة الرحم، وهل هو مجبر على زيارتهم كل أسبوع، علما بأن الوقت لا يكفي حتى نجلس أنا وهو مع بعضنا، وهل يجوز أن أطلب إليه أن يطمئن عليهم بالهاتف ويقلل زيارته بسبب ضيق وقته وظرفه المادي، وهل من حق الوالدين على الأبناء التصرف بهذا الشكل والتبرؤ من أي إلتزام مادي أو معنوي تجاه الابن وزوجته وحفيدهم الآتي، علما بأنهم ساعدوا كل إخوته قبله، وأن مصروفنا كبير لا أستطيع تحمله وحدي وليس ذنب عائلتي أن تتحمله وإن كانت غنية ماديا، الآن أفكر جديا بالطلاق للمرة ألف بسببهم فقد نغصوا حياتي فوالله لم أفرح يوما أنني حامل ولم أرتح بسببهم ودوما متوترة وأخاف من المستقبل أنا لست منافقة أصبحت أراهم كاليهود وأكرههم, أدعو عليهم ظلموني بشدة وكل محاولاتي لإرضائهم رغم أغلاطهم كأني لمرضاة الله فقط ولطاعة زوجي ولم أجد إلا قلوبا تزداد سوادا ولؤما بعد كل محاولة تودد لهم، أصبحت أتمنى موتي أو موتهم أو السفر لآخر العالم بعيدا عن أهله، فما العمل أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة أمور، وهي:
أولاً: سوء معاملة أهل زوجك لك وإساءتهم إليك، وكل ذلك محرم شرعاً، ولك الأجر ما صبرت عليه وما جازيت إساءتهم إحساناً وظلمهم عفواً.
ثانياً: زيارة أهل زوجك وهي غير واجبة عليك، وإنما يجب على ابنهم أن يصلهم ولا يقطعهم دون تحديد مدة لذلك.
ثالثاً: سؤال زوجك الطلاق فلا يجوز لك ذلك لمجرد سوء معاملة أهله لك.
رابعاً: اليمين التي حنثت فيها وتلزمك فيها كفارة يمين إن كانت يمينا واحدة أو كررتها على أمر واحد تأكيداً ليمينك الأول هذا من حيث الإجمال، وأما التفصيل فيمكنك الاطلاع عليه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35462، 97514، 1114، 1060، 21762، 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(9/2612)
إعطاء الوعد مع نية عدم الوفاء به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم إنفاذ أي وعد حتى لو غلب الظن أنه سيكون في إنفاذه مفسدة، مثال: ابن طلب من أبيه الموافقة على الذهاب إلى المصيف مع أصحابه فوعده الأب بالموافقة لو ذاكر وأدى الامتحانات بشكل جيد ولكنه في قرارة نفسه يبيت النية علي عدم الموافقة لعلمه بفساد المكان والصحبة، ولكنه وعده للحث والتشجيع فقط، فما حكم خلف الوعد في مثل هذه الحالة وهل يلزم الوفاء؟
أرجو الإجابة بالدليل للأهمية. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوفاء بالعهد مطلوب شرعا وهو من سيما المؤمنين، وخلفه من سيما المنافقين، فعليك بالتوبة إلى الله من وعد ولدك مع إضمارك عدم الوفاء بالوعد، وأما بخصوص الوفاء بالوعد المذكور فلا يلزم بل يحرم الوفاء به إذا كان سيترتب على ذلك وقوع الابن في معصية، لكن ينبغي تطييب خاطره وتعويضه عن ذلك بما يفيده ويسره ويشجعه على الدراسة مع الحرص كل الحرص على ربطه بالصحبة الصالحة فهم خير من يعينه بعد الله عز وجل على الجد والالتزام وسلوك طريق الخير، وانظر تفصيل ذلك أكثر في الفتوى رقم: 52281.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(9/2613)
لا بأس بمساعدة الأخ إذا لم تؤد إلى تكاسله عن العمل واتكاله
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد فأخي مقبل على الزواج بإذن الله، ورغبت في مساعدته ماديا، لكن والدتي ترى أنه يجب أن يجتهد هو في تأمين هذا المال وذلك حتى يستشعر مسؤوليته تجاه أسرته الجديدة فهو لا يجهد نفسه حتى الآن ولو بالتفكير في هذه الأعباء مكتفيا بأن أهله يقومون بذلك، وهي تخشى أن يستمر هذا الأمر إلى ما بعد الزواج، حيث إن سكنه منفصل عنا وعليه أن يتحمل مسؤولية إدارة حياته الزوجية، فبم تنصحون هل أساعده أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تراه أمك وجيه وسديد فالإنسان ينبغي له أن يستقل بنفسه ويعتمد عليها فيعمل ليغنيها ويغني من يعول، ولا يتشوف لما في أيدي الناس، وعليه فإنا نرى أنه إن كانت مساعدتك لأخيك تزيده في كسله وتشجعه على الاتكالية أن لا تساعده حتى يعتمد على نفسه ويتعود على التكسب بكده، وهذا إذا لم يكن عليه التزامات يطلب منه الوفاء بها، أما إذا كانت عليه التزامات أو بحاجة إلى المساعدة في شراء حاجاته القائمة ففي هذه الحالة ينصح بمساعدته لأنه من أصحاب الحاجة في هذه الحالة، وينصح بالأخذ بالسبب في المستقبل حتى لا يكون عالة على غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1428(9/2614)
الكذب حرام إلا إذا تعين دفعا لمضرة أو جلبا لمصلحة معتبرة شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت في المدرسة يوما وكسرت زميلتي شيئا في المدرسة فأتت المعلمة وقالت من فعلت هذا, هل يجوز لي أن أقول أنا الذي كسرته؟ ولكني أعلم أنها هي التي كسرته فيعاقبوني أنا وليس هي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب حرام إلا إذا تعين دفعا لمضرة تلحق بك أو بأحد المسلمين بغير حق أو جلبا لمصلحة معتبرة شرعا، وينبغي الاستغناء عنه بالتورية والتعريض إذا أمكن ذلك، وفي مثل هذه الحالة التي ذكرت لا يجوز الكذب بل يكفي السكوت سترا على البنت الذي كسرت ذلك الشيء وعملا بحديث مسلم: من ستر مسلما ستره الله.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 71299، 64803، 46051.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(9/2615)
الصبر على أذى الجيران والإحسان إليهم أفضل من معاملتهم بالمثل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جارة تسكن فوقي منذ سنتين ترمي النفايات على حديقة داري وترش أحيانا بالماء لا أعرف نظافته وتحرمنا من الجلوس فيها أو استخدامها لاستقبال الضيوف، وفي نيتي أن أقوم بجمع ما ترميه ورده عليها بالطريقة نفسها, لعل هذا الفعل يجعلها تشعر بعملها, فما حكم هذا التصرف, فأفيدونا يرحمكم الله ويثبت أجركم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حض الإسلام على الإحسان إلى الجار وإكرامه، ورتب له حقوقاً كثيرة، ونهى عن إيذائه، فكان ينبغي لهذه الجارة أن تعرف هذه الحقوق وتؤديها، وأما أنت فإنه وإن جاز لك مقابلة الإساءة بمثلها إلا أننا ننصحك بالإحسان إلى جارتك والصبر على أذاها، ونصحها بحكمة وتبيني لها خطورة أذى الجار فذلك أنفع لك ولها وأحرى أن يكف عنك أذاها، وإليك بعض النصوص الشرعية التي تبين حق الجار.
1- قال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {النساء:36} .
2- قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. متفق عليه.
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. متفق عليه.
4- قال صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. رواه البخاري وغيره. وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 71781، والفتوى رقم: 96683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(9/2616)
لا حرج في نصح الوالد بغرض تهذيب أقواله
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجي إنسان سليط اللسان ويتحدث معي في أشياء أستحي منها كثيرا ولا أستطيع الرد عليه ويتحدث معي فيها أمام أولاده وزوجته أحيانا وأحيانا أخرى أمام زوجي نفسه ولا يستطيع زوجي الرد عليه أيضا وقلت لزوجي يلفت نظره لذلك فقال إنه سيغضب منه ماذا أفعل مع العلم أنه رجل كبير جدا ويتحدث في أمور النساء وماذا افعل إذ أني لا أستطيع أن أحب أهل زوجي أبدا ودائما بداخلي شيء ما من ناحيتهم، أنا والله العظيم لا أبعد زوجي عنهم ولا أشتكي منهم إليه مطلقاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك فيما يراودك من شعور تجاه أهل زوجك بسبب سوء خلق والد زوجك أو غيره، لكن لا ينبغي أن تظهري ذلك لهم ولا لزوجك؛ بل ينبغي أن تحسني إليهم وتتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من هفواتهم وزلاتهم، وعلى زوجك أن ينصح أباه بالكف عن مثل سلوكه غير المرضي بأسلوب هين لين وليس في ذلك عقوق له؛ إذ مثل هذا السلوك ينافي كمال إيمان صاحبه، فقد أخرج أحمد والترمذي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. وهو مما يعرض صاحبه لبغض الله له، ففي الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء. وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش.
وليراجع الفتوى رقم: 1039.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1428(9/2617)
الشك في الزوجة أشد قبحا وذما
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحكي لكم قصتي وأرجو أن تساعدوني وتقدموا لي الاستشارة وأن تعتبروني بنتا من بناتكم تطلب منكم العون وتمد لكم يد المساعدة، أنا أكتب الآن وتغرورق عيناي بالدموع لدرجة أنني لا أستطيع أن أرى المفاتيح بوضوح، بدأت معاناتي منذ تزوجت قرابة14 عاما بقريب لي بعد علاقة حب قوية ولكن ولسوء الحظ وللجهل مارسنا اليوم الأول في الدورة وطبعا اختلط الحابل بالنابل (اختلط دم الدورة بدم غشاء البكارة) كذلك كان الإيلاج سهلا مع العلم نحن من قوم يختنون بناتهم مما يصعب عملية الإيلاج ومن هنا بدأت معاناتي، يعلم الله أنني كنت مهذبة جداً وما زلت حيث أنني مصدر إشادة كل من عرفني وعلى خلق ودين وأرتدي الحجاب منذ صغري، ولكن زوجي صار دائم الشك في، مع العلم بأن الناس يقولون أنني جميلة زوجي صار طبعا دائم الشك في يشك في كل تصرفاتي وأفعالي وفي زملائي في الجامعة وخاصة الذين كانت تربطني بهم علاقة زمالة مميزة، ويشك في كل شخص ينظر إلي بنظرة معينة أو شخص يسأل عني مع العلم بأننا من مجتمع مفتوح لدرجة أننا كنا مرة في إحدى المدن وكان لنا جار سيئ السمعة ولم تكن هناك أي علاقة تربطني به قال لي أنا رأيتك تقفين معه وقال في إحدى المرات أنا سمعتك تصرخين من فلان الفلاني لأنه كان يجري خلفك وعندما أنفي له ذلك يقول لي أنا لا أشك فيك ولكن إذا كنت تتعرضين لمضايقات أريدك أن تلجئي لي وتحتمي بي وإذا لم أحميك أنا فمن يحميك ولكن أنا أعلم أن الأمر لم يكن كذلك أبداً، وفي إحدى المرات سأله قريب لي سأله عني وعن أخباري وبالرغم من أن هذا الشخص محترم جداً وهو كبير في العمر جاء وسألني لماذا يسأل عنك هذا الرجل وعندما حضر هذه السنة للعمرة رفض أن ندعوه في منزلنا من دون الناس والأدهى من ذلك والأمر أنه الآن صار يشك في زوج أخته وهو قريبه كما أنه قريبي وهو فعلا يكن لي احتراما خاصا، ولكن لا أظن أن له مآرب أخرى حيث يأتينا في منزلنا مع أخته وفي إحدى الليالي يعلم الله بالصدفة أنا خرجت للحمام وتصادف أن كان هو أي زوج أخته خارج من حمام الرجال وتصادفنا في الهول حيث أنه كان ينام هو وزوجته أي أخت زوجي في الغرفة الملاصقة لغرفة نومنا ومنذ خرجت للحمام يبدو أنه كان مراقبني أو بالصدفة فقال لي أنك قاصدة ذلك وأنا رأيت عليه أشياء غريبة حيث أن ذكره كان منتصبا، وقال لي أنه هو يعاملك معاملة خاصة وأنه كان ملاحظ لهذا الشيء منذ زمن ليس بالقليل كل الذين سبقوا كل الاتهامات السابقة لم تكن بحجم هذا الاتهام أولاً في قوتها وثانيا لأن زوج أخته هذا نلتقي به كثيراً جداً ونحن في بلد غريب سويا يعني مغتربون وكل ما نلتقي به أحس أنه مراقب كل تحركاتي وسكناتي مما يزيد من جرحي ويجعلني أحس بأنني صغيرة جداً وتافهة جداً تقولون لي لماذا أنتِ صابرة على كل هذا، لكن مع كل هذا هو أحيانا بكون جيدا عندما تزول منه هذه الشكوك أو بالأحرى لا تراوده، وثانياً نحن من أسرة واحدة أسرة متشابكة ومترابطة بدرجة غريبة والسنة الماضية حاولت طلب الانفصال لكن أهلي رفضوا، ثالثا هو لا ينجب وقد ذهبنا لكل الدكاترة وظهر عنده عيب خلقي ما ولم نتمكن حتى من عمل أطفال الأنابيب، وطبعا كل ما أغضب يقول لي أنت تريدين الطلاق لأني لا أنجب وأنا والله كنت صابرة كل السنين الفائتة وقلت لو كان ربنا أكرمنا بمولود يمكن يغير معاملته لي ونجد الذي يشغلنا، وكثير من الأزواج تكون عندهم مشاكل مثل هذه ولكن مع وجود الأبناء تنسى، ولكن بعد فشل كل المحاولات للإنجاب زاد عنائي أنا أحب الأطفال كثيراً ومستعدة للتضحية بأمومتي ولكن خوفي من أن يغدر بي يوما ويطلقني لأتفه الأسباب ويذهب ليتزوج بأخرى لأنه دائم الشك في وأحيانا أحس أنه يحتقرني وأنه لا يقدر تضحيتي معه بل يرى نفسه هو الضحية ومكث معي كل هذه السنين لأنني لم أكن بكراً حين تزوجني وعندما طلبت الطلاق السنة الماضية قال لي أهلي أنت تريدين عمل مشاكل وتريدين عمل شرخ في الأسرة وأنت صرت كبيرة 39 من العمر ومن يتزوجك من بعد هذا وحتى إذا تزوجت لن تنجبي والأحسن تجلسي باقي عمرك معه، مع العلم بأن أهلي طبعا لا يعرفون مشكلتي بالكامل ويظنون أني أرغب في إنجاب الأطفال فقط، وزوجي عندما أغضب لأي سبب من الأسباب السابقة يقول لي لأني أنا ناقص ولأني أنا لست مثل الرجال أنت تعملين هذا، والله أحيانا أتعاطف معه لأني أحس أنه هو متأثر بعدم الإنجاب ويأخذ الموضوع بحساسية شديدة جداً وهو فعلا يشعر أنه ناقص وأنه ليس مثل باقي الرجال مما يجعلني أتعاطف معه مع كل ما سبق، ولكن أشعر أنه غير مقدر لذلك في كثير من الأوقات مما يؤلمني كثيراً لدرجة أنني صرت أبكي لأتفه الأسباب والدمعة لا تفارق عيني وأصبت بالغدة الدرقية النشطه مع العلم بأننا عندما تزوجنا كان يدرس في الماجستير والآن هو دكتور، دلوني ماذا أفعل أريد الرد في أقل من أسبوع لأننا نازلين الإجازة حيث لا يوجد نت كما ذكرت لا أريد أن يعرض موضوعي لأن زوجي سيعرفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظن السيء بالمسلم منهي عنه؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، فيتعين إحسان الظن بمن ظاهره الديانة، فكيف بالزوجة التي هي أولى الناس بحسن المعاملة والمعاشرة بالمعروف، ولا تنبغي الغيرة في غير ريبة فإن ذلك مذموم، ولا يجوز الاتهام للزوجة في بكارتها وعفتها بسبب سهولة الإيلاج، والذي ننصحك به أن تحتاطي وتبتعدي عن كل ما يجر زوجك لاتهامك وأن تكثري من التعوذ وسؤال الله العافية، وأن تحسني علاقتك مع زوجك وتخالقيه بخلق حسن حتى يطمئن إليك، ويجب الاحتجاب عن صهر الزوج وعدم الخلوة به.
وأما بالنسبة لموضوع الإنجاب فهو مطلب فطري لكل الناس، بل إن الشرع جعله من أهم مقاصد النكاح، وبناء عليه فلا حرج في طلب الطلاق أو الخلع من الزوج العقيم إن لم يتيسر العلاج، ولكن ينبغي لك أن توازني بين مفسدة بقائك معه بغير أولاد ومفسدة الطلاق منه إذا كان يصعب غالبا أن تتزوجي مرة أخرى، وإذا تم الطلاق فبعد انتهاء العدة يمكن أن تعرضي نفسك على بعض من يرتضى دينه وخلقه لعلك تجدين زوجاً صالحاًن ويرزقك الله منه ذرية طيبة، وعليك بالاستخارة وبسؤال الله أن يفرج عنك ويسهل أمرك ويرزقك من فضله، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55008، 32645، 28676، 48025، 54310، 75084، 95870، 94659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(9/2618)
الحل يكمن بالإعراض عن أحاديث النفس في شأن هذه المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[سأبدأ القصة من البداية وأرجو منكم إجابة.. كنت على علاقة بفتاة ولكن كان قدرنا الفراق ورغم مرور سنوات لا زلت أحبها في نفسي أما هي فقد تزوجت وأنجبت ولداً عمره الآن على ما أعتقد 3 أو 4 سنوات وما أعتقده كذلك هو أنها تحب زوجها وتحافظ عليه أكثر من نفسها، العجيب في الحكاية هو أني رأيت رؤيا منذ 3 أو 4 أشهر قبل صلاة الصبح أو بعدها ولكني لم أنتبه إليها إلا الآن، فقد رأيت هذه الفتاة قد أنجبت بنتا أسمتها آية، بعد أسبوع.. أسبوع تقريبا رأيت رؤيا ثانية رأيتها في بيتي تمسك بابنها بيدها اليسرى وحقيبة ملابسها بيدها اليمني وهي تقف بجانب النافذة تنظر لي وأنا في الفراش كأني أفقت من نومي حينها، هنا تنتهي الرؤيا الثانية ولم أعرها اهتماما، كالرؤيا الأولى، عجبي من هنا يبدأ فبعد أسبوع تقريبا اتصلت بأختي وهما على صداقة لتخبرها أنها رأت رؤيا، فقد رأتني أنا وأختي في بيت والديها في عرس وزفاف وباعتبار أن أختي لا تريد أن تحدثني عنها أو تحدثها عني علماً بأني من طلب ذلك عندما انتهت العلاقة، ولكنها أخبرتني بذلك وبالرغم من تعجبي لأنها لا زالت تذكرني إلا أني لم أعر الأمر اهتماما، كالعادة عجبي لم يتوقف في الرؤيا الثانية عندما رأيتها في بيتي كان بيتي علي غير حاله الآن، فقد رأيت مثلا تلفازا غير الذي أملك ولكن قام أخي بأخذ ذلك التلفاز واضطررت لشراء غيره ولم أنتبه إلا منذ أسابيع إلى أن التلفاز الذي اشتريت هو نفسه الذي رأيته في الرؤيا وتغير فراشي كما هو في الرؤيا فقد قام والدي عند زيارته لي بتغيير موقعه كما في الرؤيا ولم أنتبه لذلك إلا عندما انتبهت للتلفاز منذ أسبوع تقريبا أخبرتني أختي بأنها حامل بالرغم من أنها تعلم هذا منذ مدة إلا أنها لم تخبرني بذلك إلا مؤخراً، سيدي الكريم أقول لك صدقا أني أحببتها ولا زلت، فقبل أن أعرفها كانت للصلاة تاركة ومتبرجة ثم معي أصبحت تصلي وتخلت عن تبرجها ووعدتني أنها ستضع الخمار والحجاب بعد زواجنا الذي لم يكتبه لنا الله سبحانه وتعالى، ولكن بعد فراقنا وزواجها تركت الصلاة كما سمعت وعادت لتبرجها وبالرغم من ذلك وبالرغم من مرور كل هذه المدة إلا أني لا زلت أحبها وأتمنى الزواج بها بالرغم من علمي بأنها ربما تكون قد نستني وبأنها تحب زوجها، ولكني أعلم ومتيقن بأن الله على كل شيء قدير وأني أحببتها لوجهه الكريم قبل كل شيء، أحيانا عندما اقرأ سورة يوسف أو أسمعها ينهمر دمعي كيف أخرج يوسف عليه السلام من السجن وزوجه بمن أحب وأحبته.... إلى هذه اللحظة لم أيأس يوما أو ساعة من عودتها وزواجي منها وأنا أحمل كل ذلك في صدري لا يعلمه غير الله ثم أنتم الآن، فأجيبوني يرحمكم الله ولو فيه شر لي فأرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت هذه المرأة قد تزوجت فدعها عنك وشأنها، وبالنسبة لما في قلبك من حبها فإنك لا تؤاخذ عليه، لكن لا تظهر التعلق بها ولا تذكر حبها لأحد، لأن ذلك فيه إساءة إلى زوجها وإليها وقد يتسبب في تعكير صفو حياتهما الزوجية، وننصحك بالاشتغال بما يفيدك في دنياك وأخراك، وبالإعراض عن الخيالات وأحاديث النفس في شأن هذه المرأة، وإذا كان في علم الله أنها سوف تكون زوجة لك في يوم من الأيام فسوف يكون ذلك لا محالة، فهون على نفسك ودع عنك التطلع إلى ما لا يمكن الوصول إليه شرعاً، وتراجع الفتوى رقم: 5707، والفتوى رقم: 9360.. ونعتذر لك عن تعبير الرؤيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1428(9/2619)
الفرق بين الهوى والنفس ومدى أثرهما على الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الهوى والنفس، وأيهما أشد تأثيراً ووسوسة على الإنسان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفرق بين الهوى والنفس هو أن الهوى: هو ما يهواه الشخص ويتمناه ويحبه ويميل إليه من الخير أو الشر، وأما النفس: فتطلق على الروح وعلى كيان الشخص كله، وهي التي يصدر منها الهوى، فإن كانت مطمئنة كان هواها تبعاً لما جاء به الشرع، وإن كانت أمارة بالسوء كان ما تهواه سيئاً مخالفاً للشرع، ولا مقارنة بين تأثيرهما على الإنسان لأن الهوى مصدره النفس -كما أشرنا- ولذلك قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:41} ، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {ق:16} ، قال أهل التفسير: يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم ويجول في خواطرهم من الخير والشر.
وإذا كانت النفس أمارة بالسوء فإنها تكون خطراً على صاحبها كما نقل الغزالي في الإحياء عن الحكماء فقال: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(9/2620)
التحدث بأسرار الناس خيانة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حق الزوجة عدم إخبار زوجها بأخبار تخصها أو تخص أحدا من أهلها وهي في بيت الزوجيه باعتبار هذه الأخبار من الأسرار التي تخصها، على سبيل المثال:
1- زوجة تواطأت مع أخيها حتى تزوج مرة ثانية على زوجته الأولى وكتمت هذا الخبر عن زوجها ما يقرب من عام حتى أنجب أخوها من زوجته الثانية مولوده الأول، وعند معاتبتها على عدم إطلاع زوجها قالت إنه سر أخيها؟
2- إخفاء بعض السلوكيات السيئة من الأبناء عن الآباء بحجة أنها وعدت الابن إن اعترف بالخطأ ألا تخبر الأب، هل الوفاء بمثل هذا الوعد يجوز، وهل يجب الوفاء بأي وعد حتى لو علم أن له آثار سلبية، وإن كان يجوز للزوجة أن تحجب أسرارا عن زوجها وهي في بيت الزوجية فما حدود ذلك، فأرجو الإجابه بالدليل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في كتمان ما يخصك عن زوجك أو يخص أحداً آخر من أهلك أو غيرهم ولا سيما إن استكتمت عليه، بل لا يجوز لك إفشاؤه للنهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق صاحب السر، قال الحسن البصري رحمه الله: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
وهكذا كل ما لا تعلق للزوج به ولا يترتب عليه إهدار حق له فلا حرج في كتمانه عنه ولو لم يكن سراً.
وأما إخفاء بعض سلوكيات الأبناء عن الأب فينظر في ذلك إلى المصلحة بين إخباره وعدمه، وبين ما إذا عاهدت أحدهم أنك لن تخبري أباه لئلا يعاقبه ورجوت إقلاعه عن ذلك السلوك دون إخبار أبيه، فلا ينبغي إخباره وفاء بما عاهدت الابن عليه، ولكون الأبوين قدوة للأبناء في سلوكهم وفي ذلك تربية لهم على الوفاء بالعهد وغيره، وإذا كان في إخبار الأب مصلحة راجحة فينبغي إخباره لكن بأسلوب لا يشعر الابن به، وهكذا.
وأما ما يجوز للزوجة إخفاؤه عن زوجها وهي في بيته فكل ما لا تعلق للزوج به ولا يضره كتمانه عنه مما هو خاص بها أو بغيرها ونحوه، وللفائدة في الموضوع انظري الفتوى رقم: 41073، والفتوى رقم: 7634.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(9/2621)
الإخلاف في الوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[أذنبت يا فضيلة الشيخ ذنبا لا أستطيع أن أسامح نفسي رغم رضا والدتي وهو أني كثيرة العصبية لدرجة أن صوتي يعلو على والدتي لكن بدون تجريح وهذا لا يلغي الذنب وفي فترة كنت ذاهبة للعمرة وكنت أتناول حبوب منع الحيض ومعروف أن هذه الحبوب تزيد من انفعال الشخص فكنت شديدة الحدة لدرجة أن والدتي بكت لكن كانت مقدرة وضعي،هذا الأمر جعل مني شديدة الندم وأخذت وقطعت وعدا في بيت الله وأمام الكعبة بعدم الغضب على والدتي مهما كان الأمر لكن لم أف بوعدي وأحاول دائماً كتمان غضبي.
أفيدوني جزاكم الله خيرا أنا مذنبة قطعت وعدا مع الله ولم أف به، علماً بأن قطع الوعد مع البشر عظيم, فمع الله ماذا يكون، أرشدوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رفع الصوت على الوالدين من العقوق لهما وهو محرم شرعا، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهما وصحبتهما بالمعروف كما قال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً {لقمان: 15} .
فبادري بالتوبة من هذه المعصية وجاهدي نفسك للتخلص منها، واطلبي من والدتك المسامحة واجتهدي في تجنب أسباب الغضب فإذا حصل فإن علاج الغضب يكون بعدة أسباب من أهمها الاستعاذة بالله تعالى من شر الشيطان الرجيم إضافة إلى الوضوء وتغيير الهيأة من قيام إلى جلوس وهكذا.
والوعد لا يعتبر يمينا، وإخلافه لا تترتب عليه كفارة وإن كان الأفضل هو الوفاء غير أنه هنا يجب الوفاء به لأن عدم الوفاء هو فعل تلك المعصية التي هي رفع الصوت على الأم. ولمزيد من التفصيل راجعى الفتاوى التالية أرقامها: 2200، 17057، 49827. 50556
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(9/2622)
بالمجاهدة الصادقة يصرف الله عنك التفكير بهذه المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال هام احتاج للإجابة السريعة عليه حتى أتقي الله في كل تصرفاتي، أنا شاب في التاسعة والثلاثين من عمري متزوج ولدي طفلتان وكنت وأنا في الكلية أحب فتاة كانت زميلة لي وكنت أنوي الزواج بها ولم يحدث بيننا ما يغضب الله حتى ولو بالنظرة، ولكن لم يشأ القدر أن نتزوج المهم رأيتها بعد فترة طويلة حوالي 10 سنوات تقريبا المهم منذ رأيتها وأنا بعدها أحلم بها دائماً فقد كانت فتاة أحلامي، ولكني عندما أحلم بها فإن أحلامي تتجاوز حقيقة الواقع فأحلم بها كأنها زوجة لي، فما حكم الدين والشرع في ذلك هل أنا بذلك أرتكب ذنبا وإن كان كذلك كيف أتخلص من هذا الذنب ليغفر الله لي لأني أخاف الله في كل أموري وأتقيه، مع العلم بأني أحب زوجتي وبناتي حباً جماً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مقصودك أنك ترى هذه المرأة في حال نومك فلا حرج عليك ولو رأيت أنك تفعل معها كما تفعل مع زوجتك، لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود والترمذي.
وأما إن كان المقصود أنك تتخيل ذلك يقظة وتسترسل فيه فلا يجوز لك ذلك، ويجب عليك صرف الفكر كلما خطر لك لكيلا يؤدي بك إلى الوقوع في الحرام، ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 96804، 47520، 28477. ولمعرفة حكم الحب في الإسلام وكيفية علاجه انظر الفتوى رقم: 5707، والفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1428(9/2623)
حكم تفاخر الشخص لكونه من أهل الحرمين الشريفين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن أفتخر بأني سعودي من أرض الحرمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التفاخر بالوطنية والقبيلة والجنسية والجهوية.. والتعصب لذلك من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام للقضاء عليها، فالناس في هذا الدين العظيم سواسية كأسنان المشط لا فضل ولا فخر.. لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى، تضافرت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة، وسبق بيانه بالتفصيل في عدة فتاوى منها الفتويين: 34325، 30143. بإمكانك أن تطلع عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما.
ولذلك فإن على المسلم أن يبتعد عن هذا النوع من الأخلاق الذميمة التي تخالف شرع الله وتزيد من تفرق المسلمين وتعصبهم..
أما إذا كان الشخص من أهل الحرمين الشريفين ومقيما بهما بالفعل حيث يصلي بمسجديهما ويتقرب إلى الله بما تيسر له من أعمال الخير في الأماكن المفضلة.. وكان ذلك من باب التحدث بالنعمة- وليس الفخر والاستعلاء على الآخرين- فهذه نعمة ولا شك ينبغي التحدث بها كما أمر الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11}
وفضل مكة والمدينة- حرسهما الله- معروف من نصوص الوحي ولدى كل مسلم بالضرورة، ويكفيهما فضلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1428(9/2624)
النهي عن إشهار السلاح في وجه المسلم بغير حق شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت ظاهرة تقول إن أحدا إذا أشهر سكينا في وجه أخيه يموت من أشهر في وجهه السكين بعد أربعين يوما.
فهل هذه حقيقة أم دعاية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حقيقة لهذه المقولة، ولكن قد ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم وإشهار السلاح في وجهه بغير حق شرعي، وتوعد من فعل ذلك بالطرد من رحمة الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتوى: 67313.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(9/2625)
علاج التمادي في الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني أحب خالتي حبا شديدا جدا أكثر من أي شخص على ظهر الأرض بل ربما أكثر من نفسي ودائما أتحدث معها على الهاتف لأكثر من ساعة أسبوعيا رغم أنها تعيش في بلد أخر. وما جعلني أتعلق بها أنها أنسانة شديدة التدين وعلى ورع شديد ولكن كما تعلمون أن الحب المفرط له الكثير من السلبيات كما تعلمون فكيف أقلل من حبي لها.
أفتوني في أمري يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخالة لها حق عظيم وحظ كبير من البر والاحترام، فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخالة بمنزلة الأم.
ولكن كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده كما يقال، فإذا كان حبك مفرطا بحيث يترتب عليه تضييع لواجب أو تفريط في حق أو انتقل من حبها كخالة وأم إلى نوع آخر من الحب الغريزي، أو التعظيمي فإنه يجب الحد منه وإيقافه عند حده، ولا يجوز التمادي فيه.
ولمزيد انظر الفتاوى: 18303، 49005، 71090، 69728، 63839، 9360
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1428(9/2626)
لا حرج على من غلبه الضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أشاهد برنامجا عن سجود السهو وأخطاء المصلين وأقاموا شخصا لتبيين أخطاء المصلين يعني يفعل الأخطاء كالالتفات وإخراج الموبايل..... فغلب علي الضحك من تلك الأخطاء، فهل هذا فيه شيء، وهل هذا استهزاء وسخرية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الضحك قد صدر منك لما رأيت من منظر مضحك ولم يكن بقصد السخرية والاستهزاء بذلك الرجل -وهذا هو الظاهر- فلا حرج عليك فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1428(9/2627)
حكم الكذب للتخلص من الكلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في المنزل كلبان وأنا أعلم حكم اقتناء الكلب، ولكن والدي يحبهم جداً وفشلت كل الحيل في التخلص منهم، فما الحكم الشرعي في قتلهم من دون علم أهلي والكذب بشأن سبب موتهم كأن أقول مثلا أنهم ماتوا موتا طبيعيا بسبب مرض أو نحوه، مع العلم بأني أعاني منهم أشد المعاناه من نجاستهم ورائحتهم الكريهة وفضلاتهم فهل لي رخصة لدفع هذا الأذى؟ وجزاكم الله خيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الرحيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الشرع قتل الحيوان الذي ثبت أذاه وضرره إذا لم يمكن دفعه أو رفع ضرره بغير القتل، وسبق بيان ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 21463 وما أحيل عليه فيها.
وعليه فإذا كانت هذه الكلاب مما لا يجوز اقتناؤه فيجوز لك التخلص منها بالطرد ... أو القتل إذا لم يمكن التخلص منها بغيره بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر أكبر مما هو حاصل الآن.
وإذا كان قتل هذه الكلاب يؤذي الوالد فلا حرج عليك أن تتخلص منها خفية ثم تقول لوالديك إنها ماتت ميتة طبيعية وتقصد بذلك شيئاً آخر من باب التورية تجنباً للكذب، وإذا اضطررت للكذب هنا فلا حرج لأنه يرخص فيه شرعاً في مثل هذه الحالة، فقد نص أهل العلم على أن الكذب يرخص فيه إذا تعين دفعاً لضرر أو تحقيقاً لمصلحة شرعية لا يمكن الوصول إليها بغيره، وانظر تفاصيل ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 48814، والفتوى رقم: 50157 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1428(9/2628)
حكم ما يصدر من الشخص في حال نومه أو خطئه من تصرفات
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث أنني كنت أقرأ القرآن ثم نمت وكان المصحف بجانبي وأثناء حركتي بالنوم دفعت المصحف بيدي دون قصد، فانتبهت لهذا لكن في تلك اللحظة لا أدري ما حصل لي لا أدري إن قلت كلمة تحتقر القرآن أم كانت تلك وسوسة أنا لا أتذكر أن نطقتها أم لا، لكني عدت للنوم وعندما استيقظت من النوم تذكرت هذا الموقف وقد ضاق صدري ولم أعد أطيق نفسي، فهل يعني أنني كفرت، مع العلم بأنني أنا لن أتعرف ولا أقبل أن أكون قد كفرت، أيضا دائما تأتيني هذه الوساوس وغالبا ما أتغلب عليها، ولكن هذه أقواها، أرشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يحفظ لسانه وأن يعود نفسه على النطق بالخير والصمت عن الشر؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: كف عليك هذا (لسانه) قال: قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وغيره.
كما أن على المسلم أن يعود نفسه على احترام كتاب الله وتعظيم شعائر الله حتى يكون ذلك سجية في طبيعته ... فإذا تصرف أو تكلم ... كان ذلك ظاهراً في كلامه وتصرفاته كما قيل: كل إناء بالذي فيه ينضح.
وأما ما صدر من الشخص في حال نومه أو خطئه فإن الله تعالى لا يؤاخذه به، ففي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولذلك فإن ما حدث لك لا يعتبر كفراً. وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 62205، والفتوى رقم: 21649.
والذي ننصحك به ونرشدك إليه بعد تقوى الله هو أن تعود لسانك على النطق بالخير ... وأن تبتعد عن هذه الوساوس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1428(9/2629)
الأخلاق الفاضلة تكتسب بالمرانة
[السُّؤَالُ]
ـ[النفس البشرية، نفس متقلبة، وقد سمعت الآية الكريمة "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" فهل هذه الآية تدل أن أي خلق بشري أو أي من الطباع قابل للتغير، والسؤال عن البخل تحديداً، فهل يمكن أن يصبح البخيل كريما أو حتى إنسانا عاديا، وهل يوجد في تاريخنا الإسلامي من اشتهر ببخله ثم تغير وأصبح كريما أو إنسانا عاديا في هذا المجال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأخلاق الحميدة منها ما يجبل عليها الإنسان ومنها ما يكتسب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. حسنه الألباني في صحيح الجامع، والكرم خلق حميد يجري عليه هذا الكلام، فقد يجاهد البخيل نفسه للتخلص من هذا الداء فيعينه الله عز وجل، والقلب ما سمي قلباً إلا لتقلبه، أخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص عن أبي موسى قال: إنما سمي القلب قلباً لتقلبه. وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض. وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهراً لبطن. لأن القلوب بيد الله وهو المتصرف فيها، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
والبخل والشح داء خبيث، ففي الأدب المفرد للبخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأي داء أدوى من البخل. وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق أنه قال لجابر بن عبد ال له: وأي داء أدوأ من البخل. قالها ثلاثاً. وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: فرع في ذم البخل والشح والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات، قال الله تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وقال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ. وقال عز وجل: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً. رواه البخاري ومسلم. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنفق ينفق عليك. رواه البخاري ومسلم. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توكي فيوكى عليك. رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها. رواه الترمذي، وقال حديث صحيح، ومعناه تصدقوا بها إلا كتفها، فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه الله. رواه مسلم.
فمعرفة البخيل بهذه الآيات والأحاديث وكلام السلف ومواقف الكرماء المشرفة وثناء الناس عليهم ونحو ذلك يدفعه إلى التخلص من بخله بالتدريب على النفقة والعطاء شيئاً فشيئاً، فالأخلاق الفاضلة قد تكتسب بالتدريب -كما قلنا قبل- فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، ولم نقف على شخص معين كان مشهوراً بالبخل ثم صار كريماً أو متوسط الحال، ولكن عدم علمنا بذلك لا يعني عدم وجوده في الواقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(9/2630)
العفو من الإحسان الذي يحبه الله ويرضاه
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت من غير مسلمة وأحببتها كثيرا وأنا عصبي الطبع في حالات ظلم الشريك أو ضغطه علي وكنا إذا تخاصمنا بسبب غضبي لا نتكلم وأعاملها بجفاء ومرات غضبنا كانت كثيرة جدا، وهنا بدأت المشكلة أحبت زوجتي أن تعمل ووافقت لها وعملت بشركة جديدة لم يكن فيها سوى هي ومدير العمل لحين توظيف آخرين وحدثت الفاجعة وجدت خطابا منها تتحدث إلى الله فيه أنها وقعت في الزنى مع مدير الشركة وواجهتها بالأمر واعترفت لي وأن السبب معاملتي لها وقد أبدت الندم والتوبة الشديدة، وهي الآن حامل وسوف أقوم بعمل تحليل دى ان ايه للتأكد من نسب المولود لأني لا أثق فيها, هنا أسألك بالله هل ممكن أن أتسامح عن حد الزنا وهو الرجم أو الحد القانوني لا أريد أن أقسوعلى مخلوق ولا أريد الفضيحة، ولكن أولا لا أريد أن أغضب الله أبدا وهذا سبب عذابي الآن وهنا عندي أمران إن كان المولود لي سوف أتركها تعيش معي كخادمة للمولود ولن أعاملها كزوجه وسوف تدفع ثمن غلطتها حرمان وحبس وعذاب، وإذا لم يكن المولود لي فسأطلقها.
الآن أنا في نار بين اتباع الحد وبين عدم تخيلي أن أكون سببا في موت أو عذاب أحد ويطوف في خاطري أن أجد سببا للعفو عنها ولكن أتعذب كلما تذكرت غلطتها.
وسؤالي في حالة المولود هل يحق لي أن أعفو وأصفح عنها وتصبح زوجتي الطبيعية هل هذا يعتبر رأفة ترضي الله إذا أثبتت بجميع الطرق أنها أصبحت مسلمة صالحة وتوبتها من القلب لله صادقه فعلا، هل ميولي إلى العفو يغضب الله مني أم يرضيه عني، أقول هذا ولا أعرف كيف سوف أنسى فعلتها التي جعلتني أكره النظر في وجهها وتسببت في كسري?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولا إلى أنك قد أخطأت بزواجك من غير مسلمة لأن ذلك وإن كان مباحا بشروطه فإنه قد تنبني عليه مفاسد كثيرة، وانظر في تفصيل ذلك الفتويين: 33896، 323، كما أنك قد أخطأت أيضا بتركك لها تعمل في عمل مختلط، بل ليس معها فيه غير المدير فالخلوة بينهما كائنة قائمة وقد قيل:
ومن رعى غنمه بأرض مسبعة * ونام عنها تولى رعيها الأسد.
وأما الحمل فإنه منسوب إليك لكونك صاحب الفراش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. أخرجه البخاري ومسلم، فلا يمكنك أن تتبرأ منه بالتحاليل أو غيرها إلا إذا لاعنتها وحينئذ ينسب الولد لأمه ولا ينسب إليك، وهذا ما بيناه في الفتوى رقم: 7424.
وأما خطأها فينبغي مسامحتها فيه والستر عليها إن ظهر ندمها عليه واستقامتها بعده، وأما إقامة الحد عليها فليس ذلك لك. ولا يجوز لك قتلها ولا جلدها وإنما ذلك للإمام فحسب كما في الفتوى رقم: 7940. والستر عليها أولى من رفعها إليه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر..... رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني. وقال أيضاً: لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم. فالستر عليها أولى، ومسامحتها خير ما دمت تطمع في إسلامها واستقامتها، والله سبحانه يحب الستر على عباده والعفو عنهم؛ كما قال: وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ {آل عمران:134} فجعل العفو من الإحسان الذي يحبه ويرضاه، وبذا تعلم أنه يحبه ويرضاه منك ولا يغضبه عليك.
وينبغي أن تعينها على التوبة والاستقامة وتحبب إليها الإسلام بالصفح الجميل والمعاملة الحسنة لعل الله يهديها على يديك، ففي الحديث: فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه، وإذا أسلمت فإن ذلك يكفر جميع ذنوبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص وفي آخر الحديث قال عمرو: يا رسول الله، أنا أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها.
ويجب عليك أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته. .... رواه البخاري وغيره. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 75457.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(9/2631)
الكريم يعفو ويسامح رجاء أن يكون من المحسنين
[السُّؤَالُ]
ـ[صدفة ضبطت زوجتي تشتمني وتكشف عن أسراري مع إحدى الحريفات، ورغم اعترافها ومعذرتها لم أسامحها عن هذه الفعلة الشنعاء حسب رأيي فهجرتها في الفراش بدون أن أغادره، لكنها لم تكترث بذلك وأنا أرى أنها الآن غير مؤتمنة على أسرار البيت وهي الآن تقوم بشؤون المنزل فقط وإلى حد اليوم لم أطلب منها غير ذلك، قلبي ليس مطمئنا وأنا في حيرة من أمري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم إفشاء سر أخيه سواء أكان رجلا أو امرأة سيما ما يحدث بين المرأة وزوجها من أمور الفراش وغيرها، وقد فصلنا القول في ذلك فانظر الفتوى رقم: 27320، والفتوى رقم: 58545، كما لا يجوز للمرأة سب زوجها وشتمه. ولمعرفة حكم ذلك وما يترتب عليه انظر الفتوى رقم: 1032.
وأما هجرك إياها لذلك فلا حرج فيه، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً لما ألححن عليه في سؤال النفقة، وانظر الفتوى رقم: 40735، لكن ينبغي أن تسامحها لأنها قد اعترفت بخطيئتها وأظهرت توبتها وندمها وهذا ما نراه وننصحك به، فالكريم يعفو ويسامح، والله سبحانه يحب المحسنين ومنهم الكاظمين للغيظ والعافين عن الناس، كما في قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} .
واعلم أن مما يعين على التفاهم بين الزوجين وتجاوز الخلاف بينهما النظر إلى الجوانب المضيئة في الحياة الزوجية، والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من الهفوات والزلات، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر. رواه مسلم. وقوله: استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. متفق عليه. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 2050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(9/2632)
أحسن إلى اخيك ووقره مكافأة على إحسانه إليك
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف بيني وبين أخي حول عدة نقاط وأرجو منكم القضاء بيننا بما تمليه علينا شريعتنا الغرُاء: أخي الأكبر يخلط للأسف بين ما هو واجب وبين ما هو مطلوب أو مرغوب بمعنى أنٌ عليه ديونا للناس وهو ميسور الحال لكنه يؤخر قضاء هذه الديون, بالمقابل فهو ينفق من ماله على ما يؤجر عليه ولكن لا يعاقب بتركه, علما بأنني حاولت أن أبيُن ذلك له مرارا بطرق لطيفة لكنه لم يفهم, كذلك فهو لا يحترم أوقات سداد الدين فمثلا أقرضته الشهر الماضي مالا على أن يرده في أجل مسمُى ولما انقضى الأجل طالبته به فإذا هو يرغد ويزبد وأسمعني ما أكره وأخذ يتفضُل عليُ والسبب في ذلك أن كيف لي أن أحاسبه على مال أنا أعطيته إيُاه, لا والأكثر من ذلك فقد قاطعني فابتدرته على الفور وذكرته بالله وأنُ ذلك من نزغ الشيطان وتركت باب الحوار مفتوحا ولكنه أغلقه واعتزلني, فاعتزلته اتقاء لمزيد من المشاكل فهل أنا آثم؟ علما بأنه لما كنت في فترة الدراسة كان أخي يمدني ببعض المبالغ المالية للاستعانة بها وأنا أشكر له صنيعه هذا وأدعو الله أن يجعله في ميزان حسناته وأن يجعله كريما في الآخرة كما هو في الدنيا، اليوم أصبحت كافلا لنفسي بفضل من الله فهل يجب عليٌ شرعا أن أرجع هذا المال لأخي, علما بأنا لم نتفق منذ البداية على أنٌ هذا المال دين لأجل مسمٌى, بمعنى أنه لم يطالبني بإرجاعه يوم أعطانيه ولكنه طالبني به اليوم، أشكركم مسبقا على الرد وجعله الله في ميزان حسناتكم وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون للحديث فيتبعون أحسنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحق للمدين أن ينفق في غير الواجب إذا كان ذلك سيؤثر على قضاء ديونه، لما في حديث الصحيحين: مطل الغني ظلم. كما لا يحق له أن يؤذي غريمه بالقول أو الفعل، ولكنا ننصحك في تعاملك مع أخيك الأكبر بأن تبره وتحرص على توقيره والإحسان إليه ومكافأة سابق إحسانه لك، وأن تتواضع له وترفض القطيعة ولو كان هو يرغبها، فإنك بذلك تكسب معية الله تعالى وتربح ثوابه، وسيجر ذلك التعامل الحسن أخاك إلى الحياء منك ومعاملتك بالمثل، وتذكر قول الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وتذكر ما في حديث مسلم أن رجلا قال: يا رسول الله أن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي حديث البخاري: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها. وفي صحيح مسلم: وما زاد الله عبداً بعفوا لا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وفي حديث الترمذي: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17043، 37424، 65231، 75903، 12167، 56749، 73064، 72850، 44020، 31315، 97146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(9/2633)
استسمح عن كشف السر وكفر عن يمينك
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب منى أخي الأكبر أن أساعد ابنته لأنها سرقت شيئا كبيرا لكي أعيده إلى أصحابه وحلفني في دراستي الجامعية أن لا أخبر أحدا وبعد فترة نسيت وأخبرت إخواني والآن أنا متعثر في دراستي ولم يبق لي غير مادة واحدة، جزاكم الله خيرا ما هو الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ما كان ينبغي لك أن تفشي سر ابنة أخيك لأحد مهما كانت قرابته، ولاسيما أنك قد حلفت لأخيك بحفظ السر، ونسأل الله أن يعفو عنك ولا يؤاخذك بما حصل بسبب النسيان، وعليك أن تستسمح أخاك وبنته استسماحا عاما ولا تخبرهم بحقيقة الأمر لئلا تغضبهم عليك، وعليك أن تكفر كفارة اليمين، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 38836، 73637، 38889.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(9/2634)
ضوابط ذكر المشاكل الزوجية في المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التحدث عن المشاكل الزوجية أو طرح مشكلة اجتماعيه حدثت لأحد أقاربي وكتابتها في المنتديات المحترمة من باب طلب النصح والمشورة أو إعطاء مثال يعد حراما، وهل هو إخراج لأسرار البيوت؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في ذلك إن كان دون ذكر أسماء الأشخاص وتعيينهم، والغرض حاصل بذلك، وقد بينا ما يباح من الغيبة للحاجة وجواز الشكوى للنصيحة والمشورة، فانظري ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29617، 46283، 79354، 6082.
ولكن ننبهك إلى أن المنتديات يدخلها الصالح والطالح وأصحاب النظر والرأي السديد وغيرهم من العوام والجهلة، فلا بد من مراعاة ذلك وعدم التشهير بالأسماء وتعيين الأشخاص كما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(9/2635)
العشق.. بريق خادع.. وسوط لاذع..
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة وتعرفت على رجل وتوطدت علاقتنا وصرنا نتقابل كل فترة ونذهب لشقة أو ما شابه ونجلس مع بعضنا ونمارس فيها مباشرة بالأجساد وقد حاولنا كثيراً أن نتوقف عن المقابلة لكن دون جدوى، علما بأننا نظهر خارجيا مظهر الملتزمين من نقاب ولحية وتحفيظ ودروس وهذه الأشياء وكذلك هو متزوج ولديه أبناء وأنا أشعر بعدم الأمان مع زوجي وأشعر بالأمان إن كنت قريبة من هذا الشخص وأتمنى أن أعيش معه، لكن لا أعرف ما هو الحل وأنا أكاد أجن لو مر يوم ولم يتصل بي هذا الشخص وهو كذلك وأشعر معه بتفاهم عال جداً فى كل فروع الحياة، فهل إن طلبت الطلاق من زوجي حتى ينتهي هذا الموقف وأتزوج من الشخص الآخر حتى لا أذنب أكثر من هذا يكون حلالا أم حراما، وإن كان حلالا بماذا سأبرر هذا الطلب أمام أمي وأخي وزوجي، أنا لا أستطيع البقاء هكذا في ذنوب لا يحصيها إلا الله، ولما حاولت أن أقطع العلاقة فشلت فشلا ذريعا وأحسست بالانهيار وأنا أريد الطلاق، أرجوكم أفيدوني في أقرب فرصة وبشرح واف؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بنعمة الإسلام والاشتغال بالدراسة وحفظ القرآن والالتزام النسبي الذي ذكرت، وأعظم بها من نعمة، ونسأل الله أن يعفك ويطهر قلبك ويحصن فرجك وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، ونسأله تعالى أن يرزقنا وإياك الهدى للحق، ويجنبنا وإياك الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
واعلمي أن المشكلة العظمى هي معصية الله تعالى ومخالفة نهيه عن الاختلاط ونظر المحرمات والخلوة بين الأجنبيين، وما انجر عن ذلك فيما بعد ... فلا شك أن اختلاءك بهذا الرجل الأجنبي، وممارستكما للمعاصي من أشنع المحرمات، وأعظمها قبحاً، ويزداد قبح الأمر وتغلظ عقوبته في حق المتزوجين الملتحي والمنقبة اللذين يحضران الدروس العلمية ويشتغلان بحفظ القرآن أكثر من غيرهما، فالواجب عليكما أولاً أن تتوبا إلى الله مما حصل منكما وتنيبا إليه إنابة صادقة قبل أن يحل بكما سخط الله وعقابه الدنيوي والأخروي، فلا تأمنا أن يصيبكما الله نتيجة معصيتكما بالأمراض الفتاكة كالإيدز أو غيره في الدنيا وأخطر من ذلك عذاب الآخرة، واعلمي أنه يجب عليك البدار بقطع الصلة بهذا الرجل، فاقطعي كل صلة تربطك به، وغيري رقم هاتفك وامحي رقم هاتفه، حتى تقطعي عليكما خط العودة ... واعزمي على التخلص من هذه الحالة النفسية بعزيمة قوية وإرادة داخلية، وأنقذي نفسك من دوامة اجترار الآثام والآلام بالدعاء والتوبة والندم على ما فات، وعقد العزم على عدم العود إلى مثل هذا الذنب، قبل أن يفجأك الموت وأنت على حالة لا يرضى عنها الله، توبي قبل أن يهجم عليك الموت وأنت واقعة فيما يغضب الله تعالى، وتصوري كيف سيكون أمرك عند الله لو قبضت روحك على هذه الحالة، فعليك بالحذر والانتباه فإن الأعمال بالخواتيم.
فعليك بالمسارعة بالتوبة إلى الله، والندم على ما فرطت في جنبه تعالى، وإذا سقطت مرة وأغواك الشيطان فلا تعتبريها النهاية، ولا تستسلمي لليأس بل اهزمي الشيطان واستغفري ربك وكوني ممن قال الله تعالى فيهم: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:135-136} ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبداً أصاب ذنباً وربما قال أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً، فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر، فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً وربما قال أصاب ذنباً قال: رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي -ثلاثاً- فليعمل ما شاء. ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظري ذلك في الفتوى رقم: 5450.
استحيي من الله خالقك ومربيك ومدبر أمورك ومن إليه مرجعك وهو الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذك بما اقترفت فاخشي بأسه وتنكيله، وهو القائل: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {النحل:45} ، وهو القائل: وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {النساء:84} ، ألا تذكرين أهمية الحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: والحياء شعبة من شعب الإيمان. متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء. أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي وحسنه الألباني.
وعليك باستشعار مراقبة الله تعالى، وملاحظة أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم سرك ونجواك وحالك في الخلوة والجلوة، قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {التوبة:78} ، وقال الله جل وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {الحديد:4} ، وقال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا {النساء:108} ، وقال تعالى: أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {هود:5} ، قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره هذه الآية: يبين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يخفى عليه شيء، وأن السر كالعلانية عنده، فهو عالم بما تنطوي عليه الضمائر وما يعلن وما يسر، والآيات المبينة لهذا كثيرة جداً، كقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. قوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ. ولا تقلب ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها آية بهذا المعنى. انتهى.
ومما يساعد على التوبة وغفران الذنب كثرة الأعمال الصالحة والاستغفار ومجاهدة النفس في دفع الخطرات الشهوانية الشيطانية وصحبة الخيرات وقراءة سير الصالحين والتأسي بهم والحذر من المعاصي وصحبة أهلها، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ، فمعنى هذه الآية الكريمة أن من بذل وسعه في طاعة الله، فإن الله سيهديه لطريقه ويقوده لمرضاته، وقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31} ، وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54} ، وقال سبحانه وتعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} ، وقال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} ، هذا وننبهك إلى بعض الأمور المهمة لعل الله ينفعك بها:
1- حاولي طلب الصفح من زوجك مع الحذر التام من التصريح له بما فعلت إذ لا يجوز لك ذلك أصلاً، بل لا يجوز لك أن تبوحي بهذا الذنب لأحد، بل عليك أن تستتري بستر الله، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وعليك بمحاولة التقرب من زوجك أكثر، وبحسن التبعل والتجمل له، والاستعفاف به عن الحرام، وإذا تاقت نفسك للحرام وفكرت به فعليك أن تستعفي بزوجك فاسعي للاتصال الجنسي معه واطلبي ذلك منه تلميحاً أو تصريحاً فذلك من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجانب، ففي صحيح مسلم: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه. انتهى. وفي حديث الصحيحين: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. وفي الحديث: من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان، فليتق الله في النصف الباقي. رواه الطبراني وحسنه الألباني.
ولا فرق في هذا الحكم بين النساء والرجال، واستحضري في فضل طاعة الزوج والبعد عن الفاحشة قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، وقد روى أبو هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في ما يكره في نفسها ولا في ماله. رواه أحمد وأبو داود والبيهقي.
2- أكثري سؤال الله أن يعينك على العفة ويطهر قلبك ويحصن فرجك وتوجهي إلى ربك بالدعاء، فهو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} ، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186} ، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم أني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني. وقد روى أبو أمامة: أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فاقبل عليه القوم فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريباً فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني، فضعي يدك على قلبك وادعي بهذا الدعاء.
3- أكثري من ذكر الله والتعوذ من الشيطان دائماً كلما جاءك التفكير في اللقاء بهذا الأجنبي، فالذكر والتعوذ هو الحصن الحصين من نزغات الشيطان، والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ {الأعراف:201} ، وفي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
4- عليك بالبعد عن نظر الأجانب والخلوة بهم، والتفكير فيهم وتذكري دائماً أن الله سبحانه وتعالى أمر كلاً من الجنسين أن يغض بصره عن الآخر، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا.. {النور:30-31} ، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
5- حافظي على الصلوات المفروضة، وأكثري من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45} .
6- أكثري من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين للنووي، والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري. وننصحك بصحبة الأخوات الصالحات، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود والترمذي. وأكثري من سماع الأشرطة الدينية، ومن ذلك (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، (واتقوا ما ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، (وعلى الطريق) للشيخ علي القرني، وتجدينها وغيرها على موقع طريق الإسلام islamway.com على الإنترنت.
7- احذري مواصلة اتباع الهوى، فإن العاقل من يعقل نفسه عما تشتهي من لذة فانية طمعاً في لذة باقية في جنة عالية، فيلتزم بالطاعة ويخشى أشد الخشية من الوقوع في أي أمر يغضب الله تعالى، فقد قال سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات:40-41} ، أما من انساق وراء شهوته واتبع هواه، فقد انحط عن رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية، قال سبحانه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا* أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا {الفرقان:43-44} .
8- استحضري نهي الله عن الفواحش وما ذكر فيها من الوعيد، كما في قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا ً {الإسراء:32} ، وفي قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:68-69-70} ، وفي صحيح البخاري في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جاءه جبريل وميكائيل قال: فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا -أي صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني -يعني من الرجال والنساء- فهذا عذابهم إلى يوم القيامة. وفي صحيح البخاري أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان. أخرجه أبو داود والحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أمة محمد: والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد: والله لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلاً ولبكيتم كثيراً. متفق عليه. ولقد ذكر الإمام ابن القيم علاجاً لداء العشق، فراجعيه في الفتوى رقم: 9360 فهو علاج ناجع لحالتك إن شاء الله تعالى، وراجعي لذلك أيضاً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26714، 15736، 27370، 24277.
9- إذا تواصل الداء معك -لا قدر الله- فهناك حل آخر وهو طلب الخلع من الزوج، فبغض الزوجة لزوجها وخشيتها من أن لا تؤدي حق الله في طاعته مبيح لمخالعتها له، قال ابن قدامة في المغني: مسألة قال: (والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل، وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا باس أن تفتدي نفسها منه) . وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخُلقه أو خَلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه. انتهى.
والأصل في ذلك قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ {البقرة:229} ، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. انتهى، ولكنا لا ننصح بهذا الحل إلا بعد اليأس من إمكانية غيره وبعد الاستخارة والاستشارة للإخوة في قسم الاستشارات بالشبكة، ولا تغتري بمستوى تفاهمك مع ذلك الرجل فهو متزوج وعنده ولد ويبعد أن يضحي بأسرته من أجلك، ويبعد أن تنحل مشكلتك بكونك زوجة ثانية تزاحمك في زوجك زوجته الأولى ومصلحة أولاده ووقت عمله، وقد تفقدينه كثيراً عندما تمرضين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1428(9/2636)
الأصل حسن الظن بالزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوج عاش مع زوجته أكثر من عشر سنوات وله معها أطفال وطول هذه المدمة لم يخطر في
باله أن يشك في إخلاصها، ولكنه مؤخرا أصبح الشك في إخلاصها لا يتركه ينام ولا يشتغل في راحة، علما أن هذا الشك مبني على تصرفات غريبة ومعطيات واقعية ولكن لا ترتقي إلى اليقين
هذا المسكين حائر لا يدري ماذا يفعل، مع أنه لا يريد أن يظلمها ولكنه كذلك لا يريد أن يعرض عرضه وأولاده للخطر، أفتونا ما العمل جزاكم الله خيرا، ف هل يجوز له أن يتحرى بمعنى يتجسس عليها
وإذا صدقت شكوكه وضبطها فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بحسن الظن بزوجتك إن لم يكن هناك شيء محقق، ولا مانع من أن تحتاط في رقابتها وتبرمج معها برنامجا ربانيا يملأ وقت فراغها ويشغلها بالطاعة عن التفكير والشغل بما لا يرضي الله، وعليك ألا تتسرع في الطلاق ولا تفضح زوجتك بل عظها وعاقبها على ما تحققت منه، وراجع في الغيرة المحمودة والمذمومة وفي عدم التغافل عن الشكوك المبينة على معطيات واقعية، وفي علاج انحرافات النساء الفتاوى التالية أرقامها: 49690، 36189، 30463، 25070، 48516، 75940، 21021، 76463، 30145، 58787، 15388، 34240.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(9/2637)
إخبار الصديق صديقه بتفاصيل حياته.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتكلم مع أخ لي وأحكي له كل شيء عن حياته، نحن متقاربان جدا ونتفاهم دائما, يعانقني ويقبلني على وجهي دائما مع كل الاحترام بيننا.وأقول له بأني أحبه وهو كذلك. المرجو منكم إجابتي على هذا السؤال ماذا يقول الشرع في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموادة والمصادقة بين الرجل والرجل لا حرج فيها ما لم يكن فيها ميول جنسي، ولمعرفة حكم الحب في الإسلام وأنواعه انظر الفتاوى التالية: 8424، 5707، 16208، وقد تقدم حكم المعانقة والتقبيل بين الرجل والرجل فانظره في الفتوى رقم: 34604. ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 480.
ثم إن إخبار الصديق صديقه بتفاصيل حياته وأسراره لا حرج فيه ما لم تكن فيه مجاهرة وإخبار بما ستره الله تعالى على العبد من المعاصي والسيئات، فذكرها على سبيل المجاهرة بها والإخبار لا يجوز، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي، وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري. أو يكن لما يجب ستره كما في الفتوى رقم: 58545.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1428(9/2638)
المسلم مطالب أن يجنب نفسه مواطن التهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقبل زوجتي في فمها ونحن في سيارتنا بعيداً عن عيون الناس، أسألكم الدعاء لزوجتي كي تحب الحجاب وتطبقه وتدعو لها أخواتها وكل معارفها؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في ذلك، لكن ينبغي التحرز من مواطن الشبه وأماكن التهم لئلا يساء بكما الظن، فالمسلم مطالب أن يجنب نفسه مواطن التهم ... يدل على ذلك الحديث المتفق عليه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً.
وأما الحجاب فقد بينا حكمه، وما ينبغي فعله للزوج تجاه زوجته الممانعة في لبسه، فانظره في الفتوى رقم: 37089، والفتوى رقم: 71662.
ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يمن على زوجتك بالهداية ويوفقها لما يحب ويرضى، ويحبب إليها الإيمان ويزينه في قلبها، ويكره إليها الكفر والفسوق والعصيان، ويستعملها في طاعته والدعوة إلى صراطه المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(9/2639)
الاعتذار بالفشل شأن العاجز
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة: ما رأيكم فيمن يرفض الارتباط والزواج لأنه غير قادر على نسيان التجربة السابقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنيبغي أن يكون المسلم إيجابيا ينظر للمستقبل لأن ذلك يكسبه الإقدام ويدفع عنه الكسل والخور، ولا يلتفت إلى ما مضى مما قد يثبط همته ويقعده عن طلب المعالي، ومن هنا كان التوجيه النبوي الكريم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فمن قدر له عدم النجاح في تجربة سابقة في الزواج فلا ينبغي أن يدفعه ذلك إلى عدم السعي في الزواج مرة أخرى من غير مانع شرعي، ولا يلزم من فشل تلك التجربة أن يفشل غيرها، وما يدريه فلعل الله تعالى قد أراد به خيرا أو صرف عنه شرا بما حدث له في الزواج السابق.
وننبه إلى أن الزواج تعتريه الأحكام التكليفية، فقد يكون واجبا في حق المرء أو مستحبا.. باختلاف الأحوال كما هو مبين بالفتوى رقم: 16681.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(9/2640)
متى يصل الإعجاب إلى مرتبة الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الرأي في هذه المقولة التي سمعتها منذ مدة حول الإعجاب:
أن المعجبة قد تدخل في الشرك دون أن تشعر. لماذا.. لأنها حين تقرأ سورة الفاتحة.. وتقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وفي قلبها وتفكر بمعشوقتها فإن الضمير في قول: إِيَّاكَ ... سيعود إلى ما في نفسها ... فمن الذي في نفسها حين تقرأ وبمن تفكر.
أتمنى أن أجد إجابة مقنعة حول هذه المقولة لأنني أريد أن أبين خطر هذا الأمر لفتاة وقعت فيه.
جزآكم الله خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناتكم يوم القيامة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يسمى عن بعضهم بالإعجاب أو الحب هو في الغالب من الذنوب والمعاصي المتعلقة بالشهوة الغريزية الشاذة المنحرفة، وهي من معاصي الجوارح، وليست من الذنوب المتعلقة بالعقائد، ولذلك فالحكم عليها يكون بأحد أحكام التكليف الخمسة فيقال عنها حرام أو جائزة..
أما الحكم بالتوحيد أو الشرك فيكون في باب العقائد.
ولذلك فإن المعجبة يقال عنها إنها فعلت محرما، ولا يقال في الإعجاب شرك؛ إلا إذا وصل بصاحبه إلى درجة تجعله يعتقد في محبوبه ما لا يجوز أن يعتقد في المخلوق، أو يقدم له شيئا من خصائص الألوهية، وهذا مستبعد من المسلم وهو لا يخص الحب أو الإعجاب، فكل من صرف شيئا من خصائص الألوهية لغير الله تعالى مهما كان فهو مشرك.
وقد سبق بيان حكم الحب وأنواعه، وما يسمى في بعض المجتمعات بالإعجاب الذي هو من العشق المحرم في الفتويين: 24566، 44429، نرجو أن تطلعي عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما.
وأما من يرد ضمير الجلالة: إياك نعبد. على محبوبه أو يخاطبه بذلك فلا شك أنه مشرك شركا أكبر مخرجا من الملة، فالعبادة لا تكون إلا لله تعالى، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره سبحانه وتعالى، ولكن مجرد التفكير بالمعشوق أثناء قراءة الآية لا يجعل معناها منصرفا إليها، ولو استرسل الشخص في التفكير فيه، فما بالك إذا كان ذلك مجرد خاطر وارد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(9/2641)
صاحب العفو أعلى منزلة وقدرا عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنا آثمة في التصرف الذي أتعامل به مع أخت زوجي حيث إنها تبلغ من العمر25 سنة إني يعلم الله أعاملها كأختي حتى أنني أوصي زوجي بأن يكون عونا لها هي وأخواتها ولكن هي تزاعلني وتخاصمني بدون سبب وتظل على هذا الحال أسابيع تكلمني بدون نفس ثم ترضى وتكلمني وبعد فتره تفعل نفس الشيء مع أنها تعامل زوجي بطريقة أفضل وهذه المرة قررت أن أعاملها بالمثل حتى تحس بقدري وتحترمني لأنني لم أغلط فيها أو أسيء لها فهل أنا آثمة في هذا التصرف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك من معاملة الأخت الظالمة بالمثل، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ* وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:39-40} ، لكن العفو خير لك وأوسع، ويرجى بسببه أن يتحول العدو إلى صديق حميم، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، ولقوله تعالى في الآية السابقة: فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. قال أهل التفسير: أي لا يضيع ذلك عند الله؛ كما صح ذلك في الحديث: وما زاد الله تعالى عبداً بعفو إلا عزا.
وقوله تعالى بعد هذه الآيات: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور، قال ابن كثير في تفسيرها: أي صبر على الأذى وستر السيئة (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، أي لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل. وقال الفضيل بن عياض: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل: يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل، فقل له: إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور. من ابن كثير باختصار.
فنوصيك بالبقاء على ما كنت عليه من معاملتها بالتي هي أحسن وبالمعروف، ولن يضرك كيدها، وكلي أمرها إلى الله عز وجل، وحاولي عدم الاحتكاك بها إلا عند الحاجة، وكان الله في عونك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(9/2642)
حكم إطلاق صفة النفاق على أهل بلدة ما
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحت ما الحكم في الموضوعات الموجودة حاليا في المنتديات مثل موضوع حفظ القرآن الكريم, بمعنى أنه كل يوم يحدد ورد للأعضاء يحفظ ويعلم أيضا فيه التجويد وأحكام القرآن؟ فهل هذا جائز؟
وما الحكم لو قال شخص على بلدة إسلامية هذه البلدة أكثر أهل الأرض نفاقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطريقة المذكورة لحفظ القرآن لا مانع منها، بل هي مفيدة لما يترتب عليها من حفظ بعض كتاب الله تعالى، إضافة إلى معرفة التجويد وبعض معاني القرآن الكريم. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 61881.
وما أطلقه ذلك الشخص من صفة النفاق على أهل تلك البلد أمر لا ينبغي، وإن كان ليس غيبة؛ لأن المحرم من الغيبة إنما هو ذكر أشخاص معروفين، أما غيبة أهل قرية من غير تحديد لأشخاص معلومين فليس من هذا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 18728، والفتوى رقم: 49343، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 68127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(9/2643)
من آداب إسداء النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نزهة مع زوجتي وأحد أصدقائي وزوجته وعندما كانت زوجتي تطعم طفلتي نهرتها أمام زوجة صديقي لكونها فعلت شيئا خاطئا مع ابنتي وهذا أحزنها كثيراً ولا أعرف ماذا أفعل ولا أعرف إن كنت أخطأت في حقها أم أنني على حق فيما فعلت فأرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن من رأى من أخيه شيئاً لا يليق فإنه يتحين الفرصة لينصحه على انفراد بعيداً عن أعين الناس وأسماعهم ولا يكلمه أمامهم، فهو أدعى لقبول النصيحة، وتصحيح الخطأ، وهذا أدب مطلوب مع كل أحد، ومع الزوجة من باب أولى، لحقها على الزوج في حسن العشرة، فإذا كان هذا الأدب مطلوباً في حال النصح الذي الأصل فيه أنه يكون برفق وبغير رفع صوت ولا نهر، فما بالك بالنهر والزجر، فهذا لا ينبغي أن يكون أمام الآخرين، بل ولا في حال الانفراد كذلك، وإنما يعالج الخطأ بالإقناع وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة بالتي هي أحسن، وعلى كل حال: ينبغي لك أن تطيب خاطر زوجتك وتعتذر إليها عما بدر منك.
وعليك أن تعلم أن جلوس النساء والرجال في مكان واحد، ينظر بعضهم لبعض لا يجوز، وإنما يجلس الرجال في جانب، والنساء في جانب آخر. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29848.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(9/2644)
أفضل علاج لصرف المستهزئين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حلاً لمشكلتي أنا أعاني من عقدة نفسية منذ فترة حقيقة لا أعرف كيف أواجه الأمر لأني كل ما مررت في الطريق يراني الناس بشعة الوجه خاصة الرجال وهم أكثر من يسبني ويشتمني في وجهي من غير حياء ويضحك كذلك ولا أعرف السبب مع أني والله حسنة الخلقة وفكرت بوضع الخمار على وجهي، لكني لا أستطيع لأني أعاني مشكلة في التنفس فأخبروني ماذا أفعل وكيف أتعامل مع هذا الوضع لأني باستمرار أتعرض له، مع العلم بأني على قدر من الخلق والدين والحكمة؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعينك على طاعته وحسن عبادته ... والذي نوصيك به بعد تقوى الله تعالى هو عدم الاهتمام أو الاستماع إلى فضول العابثين، والاستعلاء على ما يلقونه من سب أو تعليق ... فهذا الذي يرد عنك كيدهم ويمنحك الثقة بنفسك والقوة في شخصيتك.. فقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان:63} ، وقال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ {القصص:55} .
كما نوصيك بالمحافظة على الأدعية والأذكار المأثورة، والصلة بالله تعالى وبكتابه ففيه شفاء النفوس والأبدان، وراحة القلوب وطمأنينتها.. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} ، وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} ، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 78469.
وبخصوص النقاب فإنه فرض على المسلمة إذا كان لا يسبب لها ضرراً، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل وكيف تفعل من عندها مشكلة في التنفس.. وذلك في الفتوى رقم: 38367، والفتوى رقم: 38420 نرجو أن تطلعي عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما، وبإمكانك أن تراسلي قسم الاستشارات بالشبكة بشأن ما تعانيه من عقدة نفسية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1428(9/2645)
حكم لعن الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لعن الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في المسلم أن لا يكون كثير اللعن والشتم، لما في الحديث: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. أخرجه الترمذي.
وأما لعن الدنيا فالظاهر جوازه إذا قصد ما فيها مما يشغل عن طاعة الله، وتحرز اللاعن مما فيها مما يساعد على الطاعة، وذلك لما في الحديث: الدنيا معلونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً. رواه الترمذي وحسنه الألباني. وفي الحديث: الدنيا معلونة معلون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله تعالى. رواه الطبراني بإسناد لا بأس به كما قال المنذري وحسنه الألباني. وقد فسر المباركفوري حديث الترمذي فذكر: أن المراد أن الدنيا معلونة أي مبغوضة من الله لكونها مبعدة عن الله ملعون ما فيها أي مما يشغل عن الله إلا ذكر الله وما والاه أي أحبه من أعمال البر.. .
ومن المعلوم أن حقارة الدنيا وشغلها عن الله سببه عدم العمل بأمر الله فيها، فمن عمل بأمر الله فيها كانت سبباً لكسب الأجور والحسنات، ففي الحديث: إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1428(9/2646)
الوفاء بالعهد مع الزوجة أفضل ما لم يترتب ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج ولدي من الأولاد ودارت الأيام توفيت ابنة لي فأغمي على زوجتي لأنها تعاني من مرض وعندما أفاقت طلبت مني المعاهدة على كتاب الله أن لا أتزوج غيرها.. فرد أولياء الأمر الموجودون عندها من أهلها بأن أوافق على ذلك فاضطررت على الموافقة ودارت السنين وأحببت إنسانة أخرى، علماً بأني أحبها بإخلاص ووجدت فيها كل ما ينقصني بأهلي لأني غير مرتاح مع زوجتي، فهل يصح لي الزواج لأنني لا أدري هل ألتزم بعهدي وأقع في الحرام أم يحل لي الشرع الزواج بامرأة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أخذته عليك زوجتك من عهد بأن لا تتزوج عليها يمين يجب الوفاء به أو التكفير عنه، لقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91} ، قال ابن قدامة كما في الشرح الكبير: وإذا قال: علي عهد الله وميثاقه لأفعلن، أو قال: وعهد الله وميثاقه لا أفعل، فهو يمين. انتهى. وكفارة اليمين سبقت في الفتوى رقم: 204.
وينبغي الحرص على الوفاء بالعهد مع الله عز وجل، قال ابن قدامة في المغني: قال الإمام أحمد: العهد شديدة في عشرة مواضع من كتاب الله، وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا، ويتقرب إلى الله تعالى إن حلف بالعهد وحنث ما استطاع، فإن عائشة رضي الله عنها أعتقت أربعين رقبة، ثم كانت تبكي حتى تبل خمارها وتقول: واعهداه. انتهى. يعني عندما عاهدت الله أن لا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت. ونحن ننصح الأخ بالوفاء بما عاهد عليه زوجته ما لم يترتب على ذلك ضرر عليه؛ كأن يخشى على نفسه من الوقوع في الفاحشة لو لم يتزوج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(9/2647)
المسلم يوجد الثقة بينه وبين زوجته لا الظن والريبة
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبتي كانت على علاقة بشخص آخر قبلي (صديق) وهو الشيء الذي لم أتمكن من غفرانه لها إلى اليوم حيث إنّها كانت تعده بالزواج وبالتالي أعتقد أنّه باتت بينهم علاقة قويّة (قد تصل إلى حد التشبيه بالخطبة الشرعيّة) ! هناك الكثير من الأسئلة التي لا أزال أطرحها عليها في هذا الخصوص، وإما أن ترفض الإجابة وتبدأ بالبكاء بحجة أني أظلمها أو تعطيني جوابا لا يقنع عقل العاقل! هي تابت إلى الله ولا يمكنني أن أعرف أي حقيقة عنها مهما كانت إلا منها وبالتالي لن أصل إلى شيء بسؤالي لها! إنصحوني جزاكم الله خيراً عن كيفية التصرف وهل يحق لها الكذب علي عندما أسألها من أجل أن لا تغضبني ومن أجل أن تستمر علاقتنا، أنا في تمام التيه من كوني قد أظلمها وأيضا متأكد بأنها تخفي معظم الحقيقة حيث إنها أعطتني أجوبة متضاربة مرات كثيرة! أفيدوني جزاكم الله خيرا وكل ما أحتاجه هو النصح الحكيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لك يا أخي الكريم أن تسعى في هتك ستر زوجتك، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، هذا إن صحت الظنون التي يروجها الشيطان ويذكيها ليغرس في نفسك شجرة الشك التي لا تقلع إلا بتدمير أسرتك، وتفريق شملها، فكيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ... رواه البخاري ومسلم، وأنت بفعلك هذا تسعى لأن تتحسس وتتجسس وتعمل الظن.
فأرح بالك تماماً، وأحسن الظن بزوجتك، وانظر إلى حاضرها، ودعك من الماضي، واجتهد في تعميق الإيمان في قلبك وقلب زوجتك، وتنمية الخوف من الله تعالى، واحرص على إيجاد الثقة المتبادلة بينك وبين زوجتك، واحذر من تغذية الشعور بالريبة والشك، وتأمل معي قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم. رواه أبو داود وابن حبان عن معاوية رضي الله عنه.
فلا حاجة لك في أن تصل إلى الحقيقة التي قد عفا عليها الزمن، وربما توصلك الحقيقة التي مضت إلى ظلم من صلح حالها، واستقام شأنها، وعليه فإننا ننصحك بأن تعرض عن كل الأفكار التي تدفعك إلى تتبع المساوئ، وفقك الله وسددك، وأصلحك وأصلح لك زوجتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1428(9/2648)
الغضب.. آثاره.. درجاته.. وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك إثم على من حلف وهو في حالة غضب, وهل هو حاله مثل الطلاق في حالة الغضب, ومن حلف في حالة غضب هل توجد عليه كفارة, وما حكم من حلف وهو غاضب؟ هذا ولكم جزيل الشكر والتقدير على جهودكم الجبارة المبذوله في خدمتنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب درجات هي:
الأولى: أن يحصل للإنسان مبادئه وأوائله ولكنه لا يغير من عقله فهو يعي ما يقول، فهذا لا إشكال في لزوم كل ما التزمه وصحة كل ما أبرمه من عقود، ومن ذلك حلفه أو طلاقه أو غيرها فيلزمه ذلك كله.
الثانية: أن يبلغ به الغضب نهايته فلا يعي ما يقول، فلا خلاف في عدم لزومه أي شيء مما يصدر عنه من عقود ونحوها لأنه مثل المغمى عليه فكلامه هذيان.
الثالثة: أن يستحكم به الغضب ويشتد عليه فلا يزيل عقله، فهو يعي ما يقول، ولكنه يحول بينه وبين نيته، ففيه خلاف، ولكن الأدلة كما قال ابن القيم تدل على عدم وقوع طلاقه وعقوده التي يبرمها في معاملاته.
فإن كان الغضب الذي تعني من الحالتين الأخيرتين فلا حنث عليك لأن يمينك يكون من باب لغو اليمين، وقد قال الله تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة:225} ، وقال تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، وما كان في الحالتين الأخيرتين من درجات الغضب فلم ينعقد عليه القلب لفقد صاحبه القصد، وبناء عليه فانظر حالك وقت تلفظك باليمين وإلى أي تلك الأقسام والدرجات ينتمي، وإن كفرت عنه فهو أولى وأحوط إذا كان من الثالثة خروجاً من الخلاف واحتياطاً للدين، والكفارة هي ما سبقت في الآية السالفة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 204، والفتوى رقم: 2780.
وحكم الحلف حال الغضب كحكمه خارجه فلا إثم فيه ما لم يحلف بما لا يشرع الحلف به أو يحلف على ما لا يجوز إذ يجب تنزيه اسم الله وصفاته عن ذلك، كأن يحلف على فعل معصية ونحوه، وننبه إلى أن المسلم عليه أن يبتعد عن أسباب الغضب لما فيه من المفاسد الدنيوية والأخروية المترتبة عليه، وذلك أخذاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني: فقال: لا تغضب. فرددا مراراً، فقال: لا تغضب. رواه البخاري. وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: فإذا الغضب يجمع الشر كله. قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب. خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من دينه. وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 49827، والفتوى رقم: 8038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(9/2649)
حكم ذكر عيوب المطلقة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت مرتين من قبل وكل ما أتقدم لفتاة تسألني لماذا طلقت من قبل وأهلها يسألوني كي يعلموا الأسباب التي حصل الطلاق من أجلها وأنا أكون مضطرا لأقول الأسباب كي يكونوا على علم ولا أغشهم، فمن ضمن توضيحي هناك أسباب تكون على طليقاتي وهنالك أسباب تتعلق بي أنا، فهل يكون كلامي عن الأشياء التي حصلت بيننا غيبة ونميمة.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم أن الغيبة من المحرمات التي يجب على المسلم أن يبتعد عنها، فقد قال الله عز وجل: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}
فلا تجوز الغيبة إلا لغرض شرعي، وقد لخص أهل العلم الأغراض الشرعية التي تجوز فيها الغيبة في ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كالخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. وقد بين الإمام النووي الأحاديث الدالة على هذه الأسباب في رياض الصالحين في باب ما يجوز من الغيبة.
ولذلك فلا يجوز لك ذكر عيوب مطلقتك لمن خطبتها أو لأهلها لأنه لا يترتب على ذلك غرض شرعي يتعلق بذكر عيوبها، لكن إذا أراد شخص أن يتزوجها واستشارك فإن لك أن تذكر له ما يكره عادة في مثيلاتها بشرط أن يكون ذلك أمرا مؤثرا، وأن تقتصر على ذلك وأن يكون ذكره بقصد النصيحة وليس بقصد التشهير والتشفي ... وانظر الفتويين: 29510، 56434.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1428(9/2650)
بث الفساد بين الناس من كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ شهرين تقدم لخطبتي رجل يكبرني بـ 12 سنة ومتزوج، وأنا وافقت عليه، ولكن زوجته لم توافق فبدأت بخلق المشاكل فأخذت رقم هاتفي وأعطته لصديقتها وكلمتني بصفتها هي وقالت لي إنها زوجته ويجب أن أبتعد عنه وإلا سوف تؤذيني، وعندما ذهب هو إلى المنزل وجد زوجته نائمة وكأن شيئا لم يحدث وبينت له أنها ليست هي الفاعلة، فاتصل بالمرأة التي كلمتني وقالت له أشياء فظيعة عني وبأنها تعرفني وأنا في حقيقة الأمر لا أعرفها ولقد هددته، ومر على ذلك يومان ولم يتصل بي رغم أنني لا أستطيع أن أبتعد عنه لأنني فعلا أحببته (ولقد تواعدنا على أن نبني حياتنا مع بعض ولقد حلف عدة مرات بأنه يحبني) ، وعندما كلمته قال لي إنه يجب تتوقف علاقتنا وأنني أخاف على بناتي بأن يمسهم أي مكروه، وباختصار هذه المرأة حاولت أن توقع بيننا فعندما اتصلت بي قالت إنها من طرفه وعندما اتصل بها قالت إنها من طرفي، فأرشدوني ماذا أفعل هل أسكت وأضيع فرصة حياتي أم ماذا؟ أريد ردكم في أقرب وقت.. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوقيعة بين المسلمين وإفساد ذات بينهم وتفريق جمعهم، وبث الفساد بينهم، من كبائر الذنوب، وفي الحديث: فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن تحلق الدين. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح.
ومن فعل ذلك كان مستحقاً للعقوبة الأخروية من الله سبحانه، والدنيوية من القاضي إذا رفع إليه، وثبت عليه ما سبق، فإنه يعزره بما يردعه ويردع أمثاله. أما الأخت فلتعلم أن حقها لن يضيع فإن الله يمهل ولا يهمل، ولها رفع الأمر إلى المحكمة أو من ينصفها من هذه المرأة، ولها أن تبين للخاطب أن ما قيل عنها غير صحيح، وتثبت له كذب تلك المرأة وسوء نيتها، وعليها أن تتوقف عن مكالمته ومقابلته فإنه لا يزال أجنبياً عنها، حتى يتم عقد النكاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(9/2651)
الحاسد بين الإعذار والإنذار
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي هي الحسد وأنا أعلم تمام العلم قول الله سبحانه وتعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) ولكني لم أتغير من الداخل والمشكلة لدي غريبة فأنا لا أحسد من هم أعلى مني ولا أتمنى أن أكون مثلهم لكني أتضايق إذا تحسن وضع أي شخص وفي أي مجال حتى لو كان هذا الشخص أقل وضعا مني فمثلا لدي صديق وضعه أقل من وضعي وفقه الله ببيت جديد ومع أن بيته الجديد أقل من بيتي فقد تضايقت لأن حاله تحسن وإذا غير جهازه الخلوي إلى جهاز أفضل مع أنه أرخص من جهازي الخلوي فأنا أتضايق فأنا أتمنى داخليا زوال النعمة عنه لكن دون دعاء عليه أو سعي لضرره - أرجو مساعدتي ومن هذه المساعدة سرعة الرد - ماذا أفعل لأتغير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحسد له أضرار بالغة على صاحبه، وقد نهى عنه الشرع الحنيف. روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا ... وقال الحسن رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا تعادوا نعم الله، قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وللتعريف بالحسد، وكيفية المخرج منه ننقل لك ما أورده ابن حجر العسقلاني في الفتح، حيث قال: قوله: ولا تحاسدوا ... الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا، فإن سعى كان باغيا. وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر، فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور. وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها. وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه: ثلاث لا يسلم منها أحد؛ الطيرة، والظن، والحسد. قيل فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ. وعن الحسن البصري قال: ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء. اهـ.
فعليك -أيها الأخ الكريم- بالدعاء في أوقات الاستجابة لصرف هذا الداء عنك، ويحسن أن تترك التفكير فيما عند الآخرين؛ لأن ذلك يؤدي غالبا إلى الحسد.
ونسأل الله أن يبعد عنا وعنك هذا المرض الخطير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(9/2652)
لا خير في من لا يغار
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان عندما أرى زوجتي تتحدت مع زوج أختها وتضحك معه ونحن على طاولة الشاي أو الغذاء أو في بعض الأحيان عندما تتحدث من البيت بالهاتف وتضحك معه تنتابني بعض الغيرة، فهل هذه الغيرة طبيعية أم هي مذمومة في حكم الإسلام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيرة من الغرائز البشرية التي أودعها الله في الإنسان، تبرز كلما أحس شركة الغير في حقه بلا اختيار منه، والغيرة إذا كانت في محلها فإنها صفة محمودة، ولا خير في من لا يغار، بل إن قلبه منكوس، قال ابن قدامة في المغني: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني. وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟! إنه لا خير في من لا يغار. وقال محمد بن علي بن الحسين: كان إبراهيم عليه السلام غيوراً، وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. انتهى.
ثم إنه لا يجوز إقرار ما اعتادت عليه بعض المجتمعات من اختلاط الرجال بالنساء على طاولات الشاي وموائد الأكل ونحو ذلك، وما يصحب ذلك من الحديث والضحك ... ففي الصحيحين: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
ومن الخطأ الكبير أن تتحدث زوجتك مع زوج أختها وتضحك معه، أو تتحدث معه عبر الهاتف وتضحك معه، فهذه أخطاء كبيرة، ولا يجوز أن تُقر عليها زوجتك.
وعليه.. فما ذكرت أنه ينتابك من الغيرة هو من الغيرة المحمودة، ولكنه لا يكفي في تغيير مثل هذا المنكر، بل الواجب أن تمنع حدوث مثل هذه الحالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1428(9/2653)
كاتم السر يمدح ولا يذم
[السُّؤَالُ]
ـ[أجبرني شخص على الحلف على القرآن أن لا أخبر أحدا بموضوع ما يخصه هو وشخص آخر وأنا ما زلت عند يميني ولكن انتشر الخبر بين الناس عن طريق أناس آخرين، وأنا أوحي للجميع بعدم معرفتي بالموضوع (وكأنني أستغرب حدوثه) ، مع العلم بأن معظم الناس متأكدين من علمي بهذا الموضوع مما سبب كراهية لي لا ذنب لي بها (خاصة الشخص الآخر مع أنه يعلم باحتمالية حدوث الموضوع أصلا، ولكن موقفه تجاهي هو أنني لماذا لم أبلغه عند حدوث الموضوع مع أن الموضوع أصلا لا علاقة لي به من الأساس، ولكني كنت مؤتمنة عليه وعلى تسهيل بعض الأمور للشخص الأول وهي أمور حلال شرعا) ، والبعض الآخر يتهمني بالكذب بأنني لا أعلم شيئا مع أنني الوحيدة التي كنت أعلم، فماذا أفعل لتبرئة نفسي ولإيضاح أنني لا يمكنني التحدث بالموضوع أمام أحد بسبب اليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لمن اؤتمن على سر أن يفشيه، فإن أفشاه فهو خائن للأمانة، ففي سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة. وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك. وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنفال:27} ، لا سيما إذا كان المؤتمن قد أكد الأمانة بالحلف عليها بكتاب الله تعالى، ولو قدر أنه خالف فعليه كفارة يمين.
والظاهر من سؤالك أنك قد التزمت بحفظ السر ولكنه انتشر من غيرك، فإن ثبت هذا الأمر وأقر به صاحبه فلا حرج عليك في الإخبار به الآن لأنه لم يعد إفشاء للسر ولا تلزمك كفارة، والطريق الصحيح لدفع ما يشاع عنك بأنك تكذبين هو أن تبيني أن هذا الأمر كان سراً ائتمنك عليه صاحبه، وأن الوفاء بذلك وعدم الإخبار لا يعد كذباً ولا تهمة؛ بل يعد مدحاً وشرفاً، ولا مكان لغضب هؤلاء الناس ولا ترويجاتهم المبنية على الهوى وعدم مراعاة حكم الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1428(9/2654)
هل يترك الإحسان إذا قوبل بالجحود والنكران
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت شقيقتي رحمها الله وتركت طفلين لم يتجاوز الأكبر 7 سنوات وتزوج زوجها المشكلة هي أن زوجها دائم افتعال المشاكل مع والدتي التي لا تدخر جهدا لأجل إسعاد أبناء أختي المتوفاة ويثير أعصابنا بكلام تافه وليس لأنها أمي بل تقتطع منا ونحن راضون مبالغ لتشتري ما لذ وطاب من ملبس ومأكل وغيره أكاد أقول إن الحلم تحققه والدتي للأبناء، ولكن هذا يزداد جحودا حتى صرت لا أحب رؤية أولادها لأجله وأحاول جاهداً إثناء والدتي عن أوجه الصرف ليس بخلا ولكن ليشعر، فمقابل ما تفعله جحود ونكران، ماذا أفعل أريد نصح أمي بأن تنسى أولاده ليشعر بقيمتها وهي لا تدري أنه يفتعل هذه المشكلات معنا، ويعلم الله أنها بريئة منها ولكننا تعبنا، فهل محاولتي معها لتجاهلهم حلال أم أنا أدعو لمعصية، لقد تعبنا تعبنا مقابل الخير نكران وجحود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن هذين الطفلين إن لم يكن لهما مال فنفقتهما على أبيهما، فهو الذي يجب عليه أن ينفق عليهما، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 31691.
وأما الإحسان إليهما من قبل الأقارب فهو أمر مطلوب وفيه أجر عظيم، ومن ذلك رعاية أمك لهما، فهي إنما تفعل ذلك رحمة بهما وشفقة عليهما، وإذا كان الأمر كذلك فليس من المعروف نصحها بترك هذا البر والإحسان، بل هي صاحبة الحق في حضانتهما، ولا ينبغي لك كره هذين الطفلين بسب تصرفات أبيهما، ففي ذلك مؤاخذة لهما بجريرة غيرهما.
وأما ما ذكرت من مقابلة هذا الرجل الإحسان بالجحود وافتعاله المشاكل مع أمك، فإن ثبت ذلك عنه فهو بذلك مسيء ومفرط، ومن شأن الكرماء مقابلة الإحسان بالإحسان لا بالإساءة والنكران، ومع هذا نوصيكم بالصبر عليه، وتسليط من يبذل له النصح، ومن يرجى أن يكون قادراً على ردعه عن مثل تلك التصرفات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1428(9/2655)
حكم فرح المظلوم بمصاب الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسلم الذي تعرض للظلم والإهانه بشدة من أخية المسلم ثم رأى عقاب الله للظالم في الدنيا، ولم يستطع أن ينزع من قلبه الفرح لما حدث للظالم في الدنيا، فهل على المظلوم إثم لأنه فرح لعقاب أخيه في الدنيا، أم أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يريح صدر المظلوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للمظلوم مع ظالمه ثلاث خيارات:
1- العفو عن الظالم رجاء ما وعد الله به من الأجر العظيم والثواب الجزيل.
2- عدم العفو واحتفاظ المظلوم بحقه ليلقى الظالم عقابه من الله تعالى عاجلاً أو آجلا.
3- أخذ الحق ومقابلة السيئة بمثلها دون زيادة.
وأفضل هذه الخيارات هو الأول، وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54580، 44986، 54408.
أما الحقد والكراهية والشماتة بالمصاب والفرح ببلاء المبتلى.. فليست من أخلاق المسلم، ولا ينبغي له أن يطوي قلبه على هذه الأخلاق المذمومة، بل ينبغي له أن يتذكر قول الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:22} ، وأن يجعل أبا بكر رضي الله عنه قدوته في ذلك، فعند ما نزلت هذه الآية تنازل عن مظلمته، وقال: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فأعاد إلى مسطح النفقة التي كان يجريها عليه وقطعها عنه بسبب ظلمه لابنته عائشة رضي الله عنها، والأثر في الصحيحين وغيرهما.
وإذا عالج المسلم نفسه -بعد العفو- ولم يستطع أن يتغلب على ما يجده فنرجو ألا يكون عليه إثم ما لم يعمل أو يتكلم، لأن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن ما في قلوبها ما لم تعمل أو تتكلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(9/2656)
الكبر وشعور المرأة بعدم الارتياح لامرأة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على زوجة صديق زوجي وبعد أن حددنا أول موعد لنتقابل فوجئت بأنها متبرجة (ترتدي بنطلون وجاكت قصير وطرحه قصيرة) ، فعلمت انها غير ملتزمة، ملحوظة: أنا منتقبة، ولن أخفي أني لاحظت أن لبسها سيئ المظهر بما نقول فى العامية (مش شيك) ، وشعرت أني لن أرتاح معها أبداً، ولكن عندما دعوتها لتحفظ معنا فى المسجد جاءت ولم تتأخر وشعرت أنها تريد أن تحفظ وتتمنى ذلك ولكني ظللت غير مرتاحه للبسها، أولاً: لأنه غير ملتزم.. وثانيا: لأنه سيئ المظهر، وكذلك بدأت أشعر أني غير مرتاحة لأسلوب كلامها وشعرت بفارق اجتماعي بيننا، وحزنت لهذا كثيراً لأني شعرت أنني بهذا قد أكون متكبرة، فأنا لم أجرح مشاعرها، ولكني لم أستطع أن أنافقها فكانت تقول لي أنها أحبتني كأني أختها وأنا أقول لها كلمات شكر ليس أكثر، ودعوت أن يبعدها الله إن لم يكن في صداقتها خير لي، وقدر الله أن ابتعدت عني لأنها ذهبت لمسجد آخر أقرب لبيتها ... ولكن أنا أريد أن أعرف هل يجوز لي أن أشعر أني غير مرتاحة لإنسانة ولا أريد أن أصادقها لأني لا أرتاح للبسها أو طريقة كلامها وتفكيرها، -أي لشعورى بفرق اجتماعي بيننا- وأبعد عنها لهذا السبب، ذلك دون أن أجرح مشاعرها بفعل أو قول، أم أن هذا يعتبر تكبرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان شعورك بعدم الارتياح لها سببه تقصيرها في حق الله وعدم التزامها للبس الشرعي العفيف وبذاءتها في القول فلا حرج في ذلك، بل هو أدنى درجات إنكار المنكر أي الإنكار بالقلب وعدم الرضى بالمعصية والاشمئزاز النفسي منها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وأما إن كان شعورك سببه كونها دونك اجتماعياً ونحو ذلك، ونتج عن ذلك الشعور تصرف من قول أو فعل يسيء إليها أو زدراء بها فلا يجوز لأنه من التكبر واحتقار المسلمين، وفي الحديث عند مسلم وغيره يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ويشير صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق، وغمط الناس. قال ابن رجب الحنبلي: المتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص فيحتقرهم ويزدريهم ولا يراهم أهلا لأن يقوم بحقوقهم ولا أن يقبل من أحدهم الحق إذا أورده عليه.
فعليك أن تنقي قلبك من ذلك فإنه من أمر الجاهلية وكيد الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاتبه ربه لما جاءه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى من فقراء المسلمين فأعرض عنه لانشغاله بدعوة صناديد قريش وزعمائها وذوي المكانة فيها طمعاً في إسلامهم، فأنزل الله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى*فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى* كَلَّا {عبس} ، روى الترمذي في جامعه ومالك في موطئه وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أنزل (عبس وتولى) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً، فيقول: لا، ففي هذا أنزل.
وأما إن كان ما ذكرت مجرد شعور قلبي وحديث نفس دون قول أو فعل يقتضي ذلك فلا مؤاخذة فيه، قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. رواه البخاري ومسلم.
وينبغي دفع تلك الخواطر والمشاعر لئلا تستقر في النفس وتتمكن في القلب إذ يؤاخذ عليها حينئذ، قال الإمام المازري رحمه الله: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب: أن من عزم على المعصية ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما وقع من ذلك في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية. وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب.
فما دامت الفتاة أظهرت لك إقبالاً على الدراسة وعطفاً عليك فكان الذي ينبغي أن تختضنيها وتحاولي التأثير على سلوكها وفصلها عن صديقات السوء ولك في ذلك الأجر وهو ما ننصحك به، وشكرها والثناء عليها ليس من النفاق فامدحيها بإقبالها على التعلم وخلقها ونحو ذلك، ولا تقولي إلا حقاً، وحاولي نصحها فيما تقتصر فيه من اللباس أو نحوه، وحذريها من صديقات السوء وافصليها عنهن، وليكن ذلك كله بحكمة وأسلوب حسن مع التدرج وعدم العجلة فلا تحمليها على الحق جملة فتدفعه جملة، ولكن بشيء من الرفق واللين والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه وأخلصي النية والقصد لله سبحانه وتعالى وتجردي من حظوظ النفس وأهوائها، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(9/2657)
مراتب وصور الصلاة رياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول إن بعض العبادات حرام؟
أي مثلا إذا كانت الصلاة رياء في هذا السياق على باقي العبادات.
وهل هناك ما يسمى بالأحاديث الموضوعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة رياء تأتي على مرتبتين:
الأولى: أن يكون الدافع للقيام بها رياء محضا، فهي محرمة باطلة وصاحبها آثم.
الثانية: أن يكون الدافع إليها التعبد لله والرياء معا، وهذه المرتبة لها ثلاث صور:
الأولى: أن يغلب جانب الإخلاص.
الثانية: أن يغلب جانب الرياء.
الثالثة: أن يستويا.
وصاحب هذه المراتب ارتكب محرما أيضا وهو قصد الرياء، فتوصف صلاته بذلك من هذا الوجه.
وأما الأحاديث الموضوعة فهي المخترعة التي يخترعها بعض الكذابين وينسبونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي موجودة، وقد ذكرنا نماذج من ذلك في الفتوى رقم: 54747.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(9/2658)
التوبة من الكذب المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذ كذبت على صاحب العمل؟
أنا استأذنت منه أن أغيب يوم السبت ولكنه سألني بعدما جئت ماذا كنت تعمل، قلت له كنت في مشوار لكنه ألح فى السؤال واضطررت لأن أكذب لأني كنت أعمل مقابلة في عمل آخر ولو قلت الحقيقة لربما خسرت العمل معه وأنا لم أكن متأكدا بعد من العمل الثاني.
وجزاكم الله خيرا وجعلنا الله في ميزان حسناتكم وجمعنا بكم في الجنة على خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الكذب هو أنه حرام فلا يجوز في حال الاختيار، ولا يجوز إلا إذا تعين وسيلة إلى دفع ضرر أو رد حق فائت..وانظر الفتوى: 39152، فقد حرم الله- عز وجل -الكذب في محكم كتابه وعلى لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم- وبين أنه من أسباب دخول النار، وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى: 26391.
ولذلك فإن عليك أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره مما وقعت فيه من الكذب المحرم، وإن كان بإمكانك أن تستخدم التورية والمعاريض فقد قال بعض أهل العلم: في المعاريض مندوحة عن الكذب.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 60177، 25914.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1428(9/2659)
ما يباح وما لا يباح من الاستماع للغيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تشكو لي بعض صاحباتي عن أزواجهن أو حمواتهن مما يدخل في باب الغيبة، فهل أستمع إليهن وأنصحهن أم أنهاهن عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الشرع بتحريم النيل من أعراض المسلمين والخوض فيها بغيبة أو نميمة أو نحوهما، فلا يجوز للمسلم أن يسمح في مجلسه أن يغتاب فيه أحد، ولا أن يستمع لهذه الغيبة أصلاً، بل ويجب عليه أن ينكر على هذا المغتاب، فإن انتهى فبها ونعمت وإلا فالواجب عليه أن يفارق هذا المجلس، لقول الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68} .
وبناء عليه، فإن حدث من هؤلاء النسوة أو غيرهن اغتياب أحد عندك فلا يجوز لك الاستماع لهن، بل ويجب عليك نصحهن والإنكار عليهن مباشرة، ما لم يكن ذلك منهن على سبيل التظلم أو طلب النصح والإرشاد أو الإصلاح، وكنت أنت قادرة على التدخل بما يحقق المصلحة، ويجب عليهن في هذه الحالة أن يقتصرن على ذكر ما يتجلى به الموقف وتتحقق به المصلحة، ولو ذكرت ذلك على سبيل الإجمال والتلويح، لا على سبيل التفصيل والتصريح لكان أولى. وراجعي للمزيد من الفائدة في ذلك الفتوى رقم: 6710، والفتوى رقم: 69416.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1428(9/2660)
حكم الإخبار عن بعض الواقع والسكوت عن بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هل عدم قول الحقيقة كاملة يعد كذباً، حبذا لو ربطتم الإجابة بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، والذي نراه هو أن الإخبار عن بعض الواقع والسكوت عن بعض لا يعد كذباً بل تورية، وعليه فمن أخبر عن بعض الواقع والذي سماه السائل (الحقيقة) وسكت عن بعض ولم يخبر بخلاف الواقع لم يكن كاذباً، وانظر الفتوى رقم: 4512 في الفرق بين الكذب والتورية، وإن ترتب على عدم الإخبار بكل الواقع ضياع حق كان ذلك حراماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(9/2661)
كريم القوم لا يحمل الحقد والحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يلاقي سوء المعاملة من إخوته وأخواته والمقاطعة من الزيارة وهم حاسدون له وحاقدون عليه، لأنه لم يقرضهما مبالغ مالية ليشتروا بها شققا ويفرشوا بها شققهم وهو يسعى لشراء بيت ليسكن به هو وعائلته، فكيف يتصرف معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للإخوة مقاطعة أخيهم لمجرد أنه لا يقرضهم، ولا يجوز لهم حسده أو الحقد عليه، فقد حرم الله عز وجل قطيعة الرحم، فقال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:22-23} ،، كما حرم سبحانه وتعالى الحسد والحقد، فقال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ {النساء:54} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ... لا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد. رواه النسائي، وحسنه الألباني.
وعلى هؤلاء الإخوة أن يتقوا الله ويتوبوا إليه ويصلوا رحمهم، كما أن على هذا الأخ أن يدفع بالتي هي أحسن كما أمر الله عز وجل بقوله: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، وينبغي له أن يساعد إخوانه بما يستطيع من القرض أو غيره، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13685، 24115، 13912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1428(9/2662)
ضوابط شكاية زملاء العمل للمدير
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدث زوجة عن زوجها أن رئيسه في العمل معاملته غير جيدة بالرغم من أنه ابن بلدهم وإذا قال صاحب المحل أعطيهم إجازة فهذا الرئيس لا يريد أن يعطيهم الإجازة , والرئيس في هذا العمل يعمل كسائر العاملين ولكن هو لا يقوم بهذا الواجب ويبقيه للعمال. وقد اشتكى احد العمال لصاحب المحل عن هذا الرئيس وقرر صاحب المحل أن يطرده. ما هو الحكم الشرعي لمن اشتكى لأنه سبب طرد الرئيس من المحل؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح هذه الزوجة وغيرها بتقوى الله وكف لسانها عن كثرة القيل والقال والخوض فيما لا يعني، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه رواه مالك في الموطإ.
وأما شكوى بعض العمال من رئيسه.. فإن من حق من تضرر أو ظلم من رئيسه في العمل أو غيره أن يرفع مظلمته لمن هو أكبر حتى يتمكن من الإنصاف والحصول على حقه.
والأولى لمن أراد أن يشتكي من رئيسه أو زميله إذا حصل منه تقصير أن ينصحه أولا- فإن الدين النصيحة- فإذا استجاب فبها ونعمت؛ وإلا فإن عليه أن يرفع أمره إلى إلى صاحب العمل أداء للأمانة ونصحا للمؤمنين.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 58621، 30022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(9/2663)
الفرق بين الإسراف والكرم والسخاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجي كثير إنفاق الفلوس على الطعام ويحب كثيرا أن يعزم على العشاء أوالغداء وحصل شجارات بينا فهو لا يتقبل مني الكلام بهذا الموضوع أنا لا أريد أن أمنعه لكن أود أن يكون تصرفه بعقلانية أكثر فنحن لسنا أغنياء لكننا مستورون والحمد لله انصحوني ماذا أفعل حتى تخف الشجارات بيننا زوجي عصبي الطبع ولا حتى بهدوء يتقبل وهل يجوز لي أن آخذ فلوسا من جيبه وأخبؤها للمستقبل لي وله ولولدنا دون علمه وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن أخذ الفلوس من الزوج دون علمه فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 66496.
وأما عن شكوى الأخت من إنفاق زوجها المال الكثير على الطعام فنقول: إن إطعام الطعام قربة وصدقة ما لم يتجاوز الحد، فإن تجاوز كان إسرافا مذموما.
والحد يرجع إلى العرف وهو يختلف من مكان إلى آخر، ومن شخص إلى آخر.
قال تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام: 141 قال ابن كثير: قيل معناه لا تسرفوا في الإعطاء فتعطوا فوق المعروف وقال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ثم تباروا فيه وأسرفوا فأنزل الله: وَلا تُسْرِفُوا وقال ابن جريج: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلا له فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. رواه ابن جرير عنه وقال ابن جريج عن عطاء: نهوا عن السرف في كل شيء. وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله فهو سرف. وقال السدي في قوله: وَلا تُسْرِفُوا قال: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب في قوله وَلا تُسْرِفُوا قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا ربكم، ثم اختار ابن جرير قول عطاء أنه نهي عن الإسراف في كل شيء ولا شك أنه صحيح لكن الظاهر والله أعلم من سياق الآية حيث قال تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا الأنعام: 141 أن يكون عائدا على الأكل أي لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن كقوله تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا. لأعراف: 31 الاية وفي صحيح البخاري تعليقا [كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة] وهذا من هذا والله أعلم) انتهى
فنقول: ينبغي للزوج أن يكون إنفاقه بالمعروف، وأن يجتنب التبذير والإسراف في الإنفاق سواء على نفسه وأهله أو على من يضيفهم، وأن يعلم أن الكرم منزلة بين البخل والتبذير، فلا يظن أن ما يفعله من الكرم إذا تجاوز به الحد والمعروف.
قال ابن قيم الجوزية في الوابل الصيب: وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس ـ كما قال البعض ممن نقص علمه ـ حد الجود بذل الموجود. ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما، وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما، وكان للحمد مستوجبا، ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا. انتهى
أما الأخت السائلة فما يمكنها فعله هو أن تبين للزوج أن ما يفعله ليس من الكرم والسخاء المحمود، بل هو من التبذير والإسراف المذموم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(9/2664)
حكم هجر الصديقة وأسرتها بسبب سوء تصرفها
[السُّؤَالُ]
ـ[أتت فتاة تسكن حينا إلى منزلي وطبعا خرجت لأستقبلها. ففوجئت أنها لم تأت وحدها كالمعتاد بل مع أخيها الذي أخذ ينظر إلي نظرات وقحة ثم مضى. والحمد لله أني كنت ألبس حجابي طبعا أنا غضبت جدا لما حصل أولا لأنها لم تستأذني وثانيا لأن الموقف كان مهينا جدا بالنسبة لي ولكل وجهة نظره الخاصة.
مرت سنة الآن وأنا مقاطعة للفتاة ولأهلها وأشعر أني لا أحبهم. السؤال الأول هل علي إثم في مقاطعتهم كل هذه المدة؟
السؤال الثاني عندما ألتقي الفتاة أو إحدى أخواتها أحاول أن أتجاهلهن ولكن إن بادرتني إحداهن بالسلام (وأحيانا أنا أفعل) رددت عليها وابتسمت في وجهها ولكن في باطني أكون متضايقة منها. فهل هذا يعد نفاقا والعياذ بالله؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لمن يكن من الأمر إلا ما ذكرت فلم يحدث من هذه الفتاة ولا من أهلها أي خطأ تجاهك إذ لا يلزم هذه الفتاة أن تخبرك بوجود أخيها معها، وربما لو أنها فعلت لكان أولى. وعلى كل حال ينبغي أن تهوني على نفسك، ولا تحملي الأمر ما لا يحتمل، وينبغي لك كمؤمنة أن تتخذي من الاحتياطات عند الخروج ما يصونك عن التعرض لمثل ما حدث لك من هذا الشاب إن ثبت ذلك.
ولا يجوز لك أن تقاطعي هذه الفتاة وأهلها لمجرد ما حصل من ابنهم إذ أن في هذا مؤاخذة لهم بجريرة غيرهم، وقد قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {فاطر: 18} ولا يجوز هجر المسلم لأخيه المسلم إلا لمسوغ شرعي ووفقا لضوابط معينة راجعيها بالفتوى رقم: 7119، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 1642، وحصول السلام يرتفع به الهجر، ولكن الأولى لك أن تجعلي التعامل معهم على وضعه الأصلي من الصلة والود إن لم تخشي من ذلك ضررا.
وأما تبسم المسلم أو سلامه على من يكره فليس من النفاق بل هو من مكارم الأخلاق، ولكن أن تراجعي في بيان ذلك الفتوى رقم: 26817.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(9/2665)
الدفع بالتي هي أحسن يقلب الميزان لصالحك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مخطوبة لشاب على خلق، مشكلتي أن له أختان تكرهاني لا أعلم لماذا وفي بعض المرات يقولون له أشياء غير صحيحة عني رغم أنه والله العظيم لا أتعامل معهما إلا بكل حسنى وأحب لهما كل خير ولكنهما يسيئان إلي وخاصة مع والديهما ولا أعرف كيف أتصرف معهما خاصة أني سأعيش مع والديه في البيت أي معهم فأرشدوني ماذا أفعل، وهناك مشاكل الغيرة التي أعاني منها كثيراً والتي تتحول أحيانا إلى شك.
فأرجوكم ساعدوني؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الذي خطبك هو على خلق ودين، فينبغي أن ترضي به زوجاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. أخرجه الترمذي وغيره.
وإذا قدر الله زواجك منه فالذي ننصحك به هو مقابلة كراهة أختيه لك بالمعروف وبالكلمة الطيبة، والتغاضي عن هفواتهما، قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، وفيما يخص موضوع الغيرة فنحيلك فيه على الفتوى رقم: 1995، والفتوى رقم: 9390.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1428(9/2666)
إساءة صاحب العمل وتكبره على عماله
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ
عندي مشكلة تعرضت للإهانة على يد صاحب العمل الذى أعمل عنده وهو شاب وأنا شاب إلا أنني أكبره بـ 3 سنوات وكانت هذه الإهانة (وليست سبابا) بمناسبة أنني نسيت إحدى الأعمال الموكلة إلي مما تسبب فى غرامة مالية بسيطة إلا أنه بالغ فى الأمر وقام بالاتصال بى من ليبيا وأهانني وأغلق التليفون فى وجهي بعد الصراخ وكذا من تلك الأمور ثم لما رجع إلى هنا قام بإدخالى مكتبة وأغلق علينا الباب ثم فتح كل المواضيع المعلقة بيني وبينه وألمح لي خلال الكلام (لأنني كنت نقلت له حكما شرعيا) إنني هنا الآمر الناهي ولا أسمح لأحد أن يعدل علي ولا يقول لي حلال وحرام، وأن كل شيء هنا متروك لتقديري وأنا الذي سأحاسب على ذلك
وهو والحق يقال يخشى الله ويخرج زكاة المال ويتصدق إلا أنه حاد الطباع جداً وهذا الموضوع الجديد والإهانة التي وجهها لي أساءت لي ولنفسيتي جداً جداً فأنا حساس جداً، كما أنني مصاب بداء القولون العصبي، فإذا حدثت هذه الأمور فإن القولون يتحرك علي أشعر بألم وأعراض أخرى مثل الاضطرابات فى المعدة تكاد تفسد علي صلاتي وهذا لأنني شخص حساس جداً، ومسالم إلى أبعد الحدود، وأنا قررت أن أترك العمل حفظا لكرامتي وعلى أساس أن الرزق بيد الله إلا أن أصحابي وزملائي فى العمل يمنعونني لأن حالتي المادية ليست على ما يرام، كما أنني أقوم بتسديد بعض الديون بصفة شهرية وهذه الديون إن شاء الله تنتهى نصفها فى يونيو ونصفها فى أكتوبر2007 وبصراحة أنا لا أعرف ماذا أفعل أنا أكتب الرسالة ودموعي فى عيني من الإحساس بالتعب النفسي، فأفتونى بالله عليكم ماذا أفعل هل أترك العمل حفاظأ لكرامتي والرزق هذا على الله وحده وهو لن يتركني ولن ينساني أم أسكت وأتحمل هذه المهانة حتى تنتهى ديوني أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول صاحبك إنه هو الآمر الناهي في مؤسسته صحيح، ولكن ذلك لا يعني أن من حقه الإساءة إلى الآخرين وإهانتهم، وقولك: إنه يخشى الله، لا يتفق مع قوله: إنه لا يسمح لأحد أن يقول عنده إن هذا حلال أو حرام، وأن كل شيء هناك متروك لتقديره، وهو الذي سيحاسب عليه ... هذا في الحقيقة كلام لا يصلح أن يقوله شاب موصوف بخشية الله.
فالإسلام يدعو إلى التواضع والتآلف ونحو ذلك من الأخلاق النبيلة، وينهى عن ضد ذلك من الكبر والتقاطع والتدابر ونحو ذلك من الأخلاق الدنيئة، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وفيه أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي بعضكم على بعض..
وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: الكبر بطر الحق، وغمط الناس. رواه مسلم، قال النووي رحمه الله: أما بطر الحق فهو دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وقوله صلى الله عليه وسلم: وغمط الناس. معناه: احتقارهم.
هذا فيما يخص صاحبك، وأما أنت فإذا كنت -كما ذكرت- مصاباً بالداء المذكور، وأن مثل هذه الإهانات تسبب لك التوتر العصبي والاضطرابات التي قد تزيد من اعتلالك فإنه ينبغي لك ترك هذا العمل، لأن محافظة المرء على صحته من آكد الواجبات عليه، وعلى زملائك الذين ينهونك عن ترك العمل أن يخبروا صاحبك بما أنت فيه من الحال، ويقنعوه بتجنب الإساءة إليك، وأما كون الرزق بيد الله فالواجب أن يكون ذلك جزءاً من عقيدة المؤمن لا يتغير بتغير الأحوال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(9/2667)
غيبة المسلم والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أشاهد الكرة من الممكن أن أقول هذا اللاعب كذا وذاك كذا، فهل يعتبر ذلك من الغيبة وإن كان الذين أقول عليهم ذلك لاعبين من أهل الكتاب فهل علي ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذكر الشخص بما يكره في حال غيبته يعتبر من الغيبة المحرمة التي لا تحل إلا لغرض صحيح، وقد ذكرنا الأغراض المبيحة للغيبة في الفتوى رقم: 6082، والفتوى رقم: 6710 فراجعهما.
ولا فرق في ذلك بين المسلم وغيره من أهل الكتاب المسالمين، وأما الكافر الحربي فلا تحرم غيبته، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 23256، وعلى ذلك فإن كان اللاعبون المذكورون غير محاربين فلا تجوز لك غيبتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/2668)
الواجب الاعتذار للأصدقاء مع التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أحدثت فتنة بين صديقاتي وكنت أنا السبب في ذلك، وما يتعبني هو حكمهم بأنني إنسانة منافقة، فما الذي أفعله هل أبتعد أم أطلب التسامح وأنسى حكمهم، فأفيدوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا شك أن الأصدقاء والأقارب والجيران ... حقوقهم أعظم والإحسان في حقهم آكد، والتسبب في أذية المسلمين وفي الفتنة والتفريق بينهم معصية كبيرة وذنب عظيم تجب المبادرة بالتوبة منه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: شرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب. أخرجه أحمد في المسند، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرآء العثرات. أخرجه ابن أبي الدنيا وهو ضعيف، قال الألباني: فلعل الحديث بهذا الشاهد يصير حسنا.
ولذلك فالواجب عليك هو المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى والاعتذار لصديقاتك وطلب السماح منهن لما تسببت فيه من الأذى لهن وإحداث الفتنة بينهن، والتوبة النصوح تجب ما قبلها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي وغيرههم، قال الشيخ الألباني: حسن. وعلى صديقاتك أن يقبلن معذرتك، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 36984، والفتوى رقم: 48026.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(9/2669)
ينبغي التمييز بين الإصلاح بين الناس التدخل في ما لا يعني
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكو إلى الله ثم إليكم خوفي وشكي في نفسي أنا مدرسة عصبية أمام الغلط لا أسكت على غلط وأحب من قلبي صديقاتي وأسعى إلى أن أصلح ما فسد فى حياتهن مع أزواجهن بنصيحة كتومة لأسرارهن لا أحسد أبداً إذا وفقن فى حياتهن أعترف لك يا شيخي أنني صريحة وإذا ساءني شيء فى عملي تكلمت ولا أهاب أحداً صراحتي وجهري سبب لي كرها خفيا ممن حولي من صديقاتي أنا لا أكره أحدا وهن يظهرن الحب لي ويخفين وجها آخر أنا لا أهاب أحدا إلا الله، أخاف أن يكون معنى حديث رسول الله: أن الله إذا أحب شخصا نادى ملائكته إني أحببت فلان فأحبوه، وإذا كرهه فلا ينادي ملائكته وخلقه أن أحبوه فيحبوه، فماذا أفعل فى حياتي هل أغير حياتي، كيف أتصرف مع الناس وكيف أحسن حالي معهم، ويعلم الله أنني طيبة معهم أحبهم مخلصة في صداقتي أخاف الله فى عملي متزوجة ولي 3 أطفال فكيف أحسن نفسي لا أستطيع أن أخفي شيئا فى قلبي إذا بدر من أحد سوءا حتى تجاه شخص آخر أقوم وأدافع عنه وهذا تدخل فيما لا يعنيني! فأرجوكم دلوني على تصرف إسلامي يرضيني ويرضي ديني وكيف أغير طبعي الذي لا يعجب أحدا، وكيف أكون محبوبة والله ما كانت تصرفاتي كلها إلا صوابا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت -كما ذكرت- طيبة مع الناس وتحبينهم، ومخلصة في صداقتك، وتخافين الله في عملك، تحبين صديقاتك وتسعين في إصلاح ما فسد في حياتهم مع أزواجهن.... فلن تكوني -إن شاء الله تعالى- ممن ورد فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعلى أية حال فإننا ننصحك فيما طلبت فيه النصح بما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. واعلمي أن هذا الحديث لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين، وإنما يقتضي ترك المرء ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث: ومعنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه.... فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات ... وترك ما لا يعنيه كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى بتصرف بسيط.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله: وحدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مآل ...
فلا تتوقفي عن السعي في الإصلاح بين الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولو أبغضك بعض الناس جراء ذلك، فقد أخرج الترمذي وغيره: أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه ولا تكثري علي. فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام عليكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(9/2670)
حكم الإخبار بالذنب للمصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجهر للطبيب مثلا بذنب كان الإنسان يفعله إذا كان ذلك قد يفيد في تشخيص والمساعدة في الشفاء بفضل الله من أمراض متعلقة بهذا الذنب أم أن ذلك من المجاهرة المنهي عنها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم المجاهرة بالمعاصي والإخبار بها، وأن ذلك لا يجوز إن كان لغير قصد المصلحة، وذلك في الفتوى: 60031.
فإذا كان الإخبار تترتب عليه مصلحة فليس من المجاهرة المنهي عنها شرعا؛ كما نص على ذلك أهل العلم.
ولذلك فإذا كان إخبار الطبيب بالذنب يساعد على تشخيص المرض أو علاجه فلا مانع منه لما يترتب عليه من المصلحة، ولكن يقتصر على ما تدعو الحاجة إلى ذكره. وسبق بيان ذلك وأقوال أهل العلم فيه في الفتوى: 7518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(9/2671)
ضرورة التنزه عن سلاطة اللسان وحب الانتقام والسب
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي امرأة كريمة وحساسة في طبعها وتعطف وتحن على أفراد أسرتها في العديد من المرّات وتخدمهم وتعامل هكذا الأجانب أيضا غير أنه بتقدير أكثر -والله لا أعلم، هل اتقاء لشرهم لأنها تخاف انتقامهم المباشر غير اأنها على النقيض من أسرتها التي تعاملها بعناية وحساب للعواقب إذا ما صدر منها تصرف غير لائق تجاه أفراد الأسرة كلهم أو أحدهم - وهي للأسف موسوسة تخاف عدوى الأمراض وتقوم ببعض التصرفات التنظيفية المبالغ فيها مرارا وهي سليطة اللسان وتحب الانتقام لنفسها وخاصة من ولديها الاثنين وزوجها عبر السب والتجريح، فهي مثلا تملي علي شروط نظافة الموسوسين وتطلب مني القيام بها وإن رفضتُ تقول لي بالحرف: أنت ولد الحرام تعق أمك، الله يسخط عليك، أنت حرامي وعندما -سبحان الله- أبتعد عنها وأسافر لأدرس في مدينة أخرى تخاطبي في التلفون وتقول لي أنت رضيّ أمك وتبادلني كلام حنان الأم الراضية عن ولدلها بعد أن ألين لها الكلام ويحصل هذا كذلك في البيت الأسري في العديد من المرّات وأنا حريص أن أكون بارّا بوالدي امتثالا لأمر الله تعالى. ويوما، وبعد غياب بلغ 15 يوما بسبب ذهابي للدراسة في مدينة أخرى، دخلت البيت وخلعت حذائي لألبس صندلا مصنوعا من البلاستيك لأخي ذي الأظافر المصابة بمرض فطري، علما بأنني لبسته مرارا وتكرارا من دون أن أعدى بهذا الفطر، وعند رؤية أمّي لي وأنا ألبس صندل أخي جاءتني مسرعة وقالت لي اغسل رجليك فقلت لها يا أمي هذا الوسواس الذي يعود من جديد، وتجدر الإشارة إلى أنني عانيت من هذا الوسواس في الماضي ويحاول الشيطان، نعوذ بالله منه، أن ينكد علي حياتي ويعيدني إلى ما كنت عليه من وسوسة في الصلاة وفي الوضوء وفي اللباس ... وتوضيحا لحالتي أيها الفضلاء ففي المدينة التي أدرس فيها أكتري بيتا على حساب والدي وخاصة أمي التي تنفق عليّ الكثير من مالها وسبحان الله هي على عكس من أبي الذي لا يجزل في العطاء إلاّ أنه مؤدب وحواري وغير جارح في كلامه كأمي. ومن أجل استجلاء للوضع أكثر، أخبركم أن عمري يناهز 27 سنة غير متزوج لأنني لازلت أدرس وأمي تقارب 54 سنة وأن أخي ذي الثلاثين من عمره تقريبا يظهر أيضا علامات الوسوسة في الصلاة والوضوء -وكذا في اللباس ولكن بمقاييس أدنى- والشخص الوحيد الذي يعجبني لكونه سلم من هذه التصرفات والأفكار هو أبي النّصوح غير المكترث ذي الطبع الهادئ. والله يا فضلاء، رغم التعب- بسبب كوني أعيش وحدي بغية التفرغ للدراسة في مدينة بعيدة عن تلك التي توجد فيها أسرتي-أكون بعيدا عن أجواء أسرتي التي تتلوث بالوسواس جرّاء أفعال أمي أو أخي الأكبر، أعيش في كرامة نفس ولا تتعرّض شخصيتي لتهكم متقطع يعود بشكل دوري وأحس برجولة وحرية أكثر وأستطيع بالتالي المشاركة في الحياة كمسلم أكثر قوة وإيجابية واتزانا.
ما رأي فضيلتكم في ما عرضت على أنظاركم وما هو الحل بخصوص أمي والعيش في البيت الأسري بطريقة يرضاها الله وخالية من أي وسوسة شيطانية؟
وجزاكم الله عن عملكم هذا العيش في الجنة بجانب رسول الرحمن، آمين، آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل كيف يمكن للإنسان أن يتغلب على الوساوس، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 51239، وفتوانا رقم: 3086.
وما ذكرته عن أمك من سلاطة اللسان وحب الانتقام، والسب والتجريح لزوجها وولديها، هي أخطاء كبيرة. فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم وغيره.
وإذا كانت هذه الأمور في الأصل محرمة ولو في غير حق الزوج، فكيف إذا انضم إلى ذلك كونها في حق الزوج الذي أمر الله جل وعلا بمزيد طاعته وإجلاله!
فحاول نصح أمك برفق ولين، ولا تخض معها في الأمور التي عرفت أنها يمكن أن تجلب انزعاجها، وحاول –ما استطعت- تنفيذ أوامرها وتلبية رغبتها التي لا تدعو إلى الوسواس أو التنطع.
والله نسأل أن يعيننا وإياك على البر والطاعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(9/2672)
طريقة التحلل من المظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ومن فضح مسلما فضحه الله يوم القيامة. من قام بالعمل بالشطر الثاني من قوله صلى الله عليه وسلم، فكيف تكون التوبة بإعادة الحقوق لإصحابها إذا كان ذلك يزيد الأمر تعقيداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ رغم البحث عنه في دواوين السنة، وقد ثبتت أحاديث في الحض على ستر المسلمين والتنفير من تتبع عوراتهم واغتيابهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. رواه الترمذي وغيره، وقال الألباني: حسن صحيح.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته.
واعلم أن التحلل من المظلوم واجب شرعي، فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحلل من المظلوم في الدنيا، فقال: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري. ولكنه إن كانت المصارحة بالإيذاء تزيد الأمر تعقيداً فالأولى أن تتحلله تحللا عاما ولا تذكر له الأمر؛ لئلا تغضبه كما قاله بعض أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(9/2673)
الشكوك من كيد الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الممتاز وأسأل الله أن يثبتكم ويثبتنا على طاعة الله.
السؤال ...
إني اهتديت لربي من بعد ضلالة ولله الحمد هذا من فضل الله سبحانه وتعالى وابتعدت عن أصحاب السوء الذين كنت أقضي معظم وقتي معهم وانفردت لطاعة الله سبحانه وتعالى ولكن السؤال يا شيخ معظم الأحيان أتذكر ما كنت أفعله في أيام الجهل من المعاصي والذنوب فمعظم الأحيان يضيق على صدري ومعظم الأحيان أبكي على ما فعلته ومعظم الأحيان أتحدث مع نفسي وأقول لنفسي إني لم أفعل هذا من نفسي بل كان تأثير أصدقائي على من ذنوب وكان يتخيل لي أن الله لن يغفر لي الذنوب وأنا وأعوذ بالله من كلمه أنا عاهدت الله أني لن أرجع إلى المعاصي وأصحاب السوء ومعظم الأحيان لما أجلس مع أصحابي في العمل ويتكلمون عن النساء بطريقة غير مشروعه يضيق صدري وأتمنى أني لم أجلس معهم وأنا لم أكن على علم أنهم سوف يتحدثون عن هذا الموضوع.
وكيف أستطيع التخلص من الشك والأوهام التي تزعج عقلي وأتوهم أوهاما في خطيبتي التي والدتي خطبتها لي وأنا أعلم أنها إنسانة محترمة وأهلها محترمون وهي محترمة وشريفة ولكن أحيانا أتوهم أوهاما لا أعلم كيف أتوهمها في إنسانه محترمة وأنزعج كثيرا كثيرا وأحيانا أتكلم مع نفسي وأقول فلانة ليست كذا وكذا وإنما هي محترمة وشريفة وكيف يا شيخ أستطيع أن أقوي إيماني بالله وخشوعي في الصلاة له سبحانه وتعالى؟
فأريد نصيحتك يا شيخ وأن تنورني بفضل الله سبحانه وتعالى وأريد نصائح أنتفع بها في بداية توبتي لله سبحانه وتعالى وتحل مشكلتي تجاه الشك والأوهام.
وجزاكم الله خيرا.
إني أحبكم في الله. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على التوبة والاستقامة، ونسأل الله أن يزيدك هدى وتقى وثباتا على الحق. وبخصوص وسائل الثبات والاستقامة نرجو أن تراجع الفتاوى: 15219، 13135، 1208.
وأما تذكر الذنوب والندم عليها فهو في أصله أمر محمود، ولكن إن خرج إلى حد الوسوسة صار من كيد الشيطان ليوقع به المرء في عواقب لا تحمد من القنوط من رحمة الله أو العودة لهذه الذنوب ونحو ذلك. وانظر في وسائل الإفلات من حبائل الشيطان الفتوى رقم: 12928.
وما ذكرت من الشكوك التي تنتاب قلبك تجاه خطيبتك أيضا من كيد الشيطان فلا تلتفت إليها، إذ الأصل في المسلم السلامة، وعلينا إحسان الظن به ما لم يظهر منه خلاف ذلك، وإن كانت هذه الفتاة على دين وخلق، وكنت قادرا على مؤنة الزواج فينبغي أن تبادر إلى إتمام الزواج، لأن فيه عونا على إعفاف النفس والبعد عن الفتن.
وبالنسبة لهؤلاء الأصدقاء فينبغي أن تكون على حذر منهم قدر الإمكان، وإن أمكنك أن تكون في مكان آخر غير المكان الذي هم فيه في العمل فافعل. وانظر الفتوى 9163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/2674)
حرمة الاعتداء على جسد المسلم وعرضه وماله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كاتب كتابي ولم أدخل على زوجتي وبعد حدوث مشاكل بيننا كبيرة قررت الانفصال، وفي أثناء الخطوبة أعطتني أمها مبلغا من المال على سبيل المساعدة وهو مبلغ 3750 جنيهاً، وقالت لي إنه ليس دينا وإنه مباح في الإسلام وعلى هذا المبدأ أخذته وعند إقدامي على الطلاق قام أخواتها بتوجيه من أمهم بضربي ضرباً شديداً مما أدى إلى حدوث إصابات وجروح في الوجه ولم أطلق حتى الآن، فما هو موقف الإسلام في هذا وهل هذا المبلغ يعتبر ديناً يجب علي رده أم لا، وما هو حقي الشرعي في هذا الأمر وهي حالياً رافعه دعوى طلاق في المحكمة ضدي وقالت أقوالا غير صحيحة بالله عليكم أفيدوني كيف أتصرف بما يرضي الله ولا يضيع حقي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن المال الذي أعطتكه أم زوجتك فإن كان على سبيل الهبة ولم تدَّع هي غير ذلك فلا يلزمك رده، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 19549، والفتوى رقم: 76802.
ولا يجوز الاعتداء على جسد المسلم ولا على عرضه ولا ماله، لأن الله عز وجل حرم ذلك كله، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا.... متفق عليه.
ولك مقاضاة من تعدى عليك بالضرب ونحوه، كما أن لك إمساك زوجتك وعدم تطليقها إذا كان النشوز منها؛ إلا بعد التنازل عن حقوقها ورد ما أعطيتها، وبما أنك تدعي حقاً لا يسلم من الطرف الآخر، فننصح بالرجوع للمحكمة الشرعية في بلدك، وإثبات حقك وأخذه بطريق حكم القاضي الملزم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/2675)
الترغيب في ستر المسلم الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله الإجابة الشافية، كنت أرملة 38 سنة ولا أنجب وعندي بنت واحدة توفي والدها بعدما سبب لها عقدة نفسية من سوء معاملته لي ولها تقدم لي ما يناسب ظروفي لسوء أخلاق أهل زوجي الأول وعقدة بنتي وتزوجته عرفيا 2 شهود عدل وكان الولي أخي من الرضاعة لأن أهلي رفضوه لأنه ليس غنيا وهو يزورني بدون جرح لها حيث تكون خارج المنزل وابنتي تعلم بهذا الزواج، ولكن الله أعطاني فيه كل ما حرمت من زوجي الأول والآن أنا خائفة من أهلي ومن الله، فهل هذا الزواج حلال لنا 3 سنوات مع بعض لم أر منه إلا كل خير، وحل لعقدي السابق وعلمني الدين الحق فماذا تنصحوني، مع العلم بأن أهلي وأهل الزوج الأول صعاب جداً، هل نداري على أنفسنا ونعيش أم أتركه وهذا في نظره (ذبح) والخيار الثالث وهو إخبار الأهل أو أحد منهم مستحيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنكاح دون إذن الولي لا يصح شرعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه أبو داود والترمذي. ومباشرة الولي الأبعد ولو توفرت فيه شروط الولاية للعقد لا يصح إلا عند عضل الأقرب أو في حال غيبته، وقد فصلنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 32427.
وبناء عليه، فنكاحك غير صحيح حسبما اتضح من خلال سؤالك؛ لأن المباشر للعقد هو أخوك من الرضاعة فحسب، وأخو الرضاعة ليس من الأولياء إلا إذا كان ابن عم، وعلى فرض أنه ابن عم فلا تصح مباشرته مع وجود الأقرب منه وعدم عضله، فعليك إذاً أن تتوبي إلى الله تعالى، وتعلمي أن نكاحك لذلك الرجل باطل لما بيناه، ولكنه نكاح شبهة يدرأ الحد ويلحق به الولد، وإذا أردتما الاستمرار فيه فعليكما أن تجددا العقد وتصححاه بإذن الولي، فإن لم يرض الولي فلك رفع أمرك إلى القاضي الشرعي، ولمعرفة ترتيب الأولياء وما يتحقق به العضل انظري الفتوى رقم: 5550، والفتوى رقم: 52230.
وأما ما ذكرت عن زوجك الأول فلا ينبغي لأنه قد رحل عن هذه الدنيا وأفضى إلى ما قدم، فكان الأولى أن تستريه ولا تذكريه إلا بخير فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنواعليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت، قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض. متفق عليه.
فمسامحته والستر عليه خير له وخير لك أيضاً؛ لأن الله تعالى سيستر عليك إن سترت عليه، ويجزيك عنه خيراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. متفق عليه. وعند مسلم: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/2676)
قبول العذر من شيم الكرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي كان بها مس وأثناء ذلك اتهمت زوجتي بعمل سحر لها ولجميع العائلة مما أدى إلى أن معظم أفراد العائلة صدقوا ذلك وتغيرت معاملتهم لزوجتي إلى أن حدث أن واجهت أختي زوجتي ببيت الوالد بذلك وبناء على ذلك غادرت زوجتي بيت الوالد واتخدت موقفا بأن لا تتكلم مع أي من أخواتي أو أمي وأن لا تدخل بيت الوالد مرة اخرى إلى أن شفيت أختي وزارتني في بيتي تطلب العفو لأنها لم تكن تعي ما تفعل ولكن زوجتي رفضت حتى مقابلتها وأغلقت على نفسها الحجرة حتى غادرت أختي البيت مر على هذا ستة أشهر وحاولت وكذلك والدي بشتى الطرق رد المياه إلى مجاريها ولكن فشلتنا في ذلك وطول هذه المدة حاولت أن لا أقطع صلتي بأي منهم وزوجتي لم ترفض زيارة طفلتي لأي منهم حفاظا على صلة الرحم مع العلم بأن جميعهم متزوجون ولهم بيوتهم ومعاملة زوجتي لي وكذلك والدي أكثر من ممتازة.
شرعا هل يحق لزوجتي الاستمرار في ذلك فلا مفر أن يتقابلا في المناسبات العائلية الآن لا تسلم عليهم وتتفادى مقابلتهم وأنا في حيرة من هذا ولا أريد أن أجبر زوجتي على شيء لا تريده وفي نفس الوقت أريد الحفاظ على الرباط العائلي..أرجو النصيحة. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت أختك قد صدر منها ما كان تجاه زوجتك وهي في غير وعيها فلا إثم عليها في ذلك؛ لأن المجنون غير مؤاخذ بما يصدر عنه من ذلك، ولا ينبغي للعقلاء اعتبار كلامه ولا تصديقه، وإن فعلوا فهم مؤاخذون بذلك مثلما حصل من أهلك تجاه زوجتك، فقد اتهموها بالسحر بناء على زعم أختك الممسوسة، وهذا خطأ فادح وظلم كبير، وعليهم أن يعتذروا إليها ويطلبوا مسامحتها ويتوبوا إلى الله مما خاضوا فيه، فإن من البهتان والإثم المبين الذي تجب التوبة منه أن ينسب المرء لمؤمنٍ أو مؤمنة ما هو بريء منه، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {الأحزاب:58} .
ولكن ينبغي لزوجتك أن تقدر ظرفهم، وقد ابتليت ابنتهم بالمس، وفقدت العقل فطار صوابهم وذهب رشدهم فصدقوها في دعواها، وما تهذر به. فينبغي التجاوز عما كان والتغاضي عن الهفوات فهو من الإحسان الذي يثيب عليه الكريم الرحمن كما في قوله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشُّورى:40} وقوله: وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ {آل عمران:134} وقوله: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصِّلت:34}
كما أن إكرام أهل الزوج من إكرامه هو وحسن معاشرته؛ كما بينا في الفتوى رقم: 70321.
وخلاصة القول أن هجرها لأمك وأخواتك لا يجوز، ويتحصل ترك الهجر بالسلام عليهم إذا التقوا في المناسبات أو غيرها؛ لما في الحديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم. فعليها أن تسلم على من تلقى منهم، والأولى والذي ننصحها به أن تزورهم بنفسها، وتعتذر عن مقاطعتها إياهم بعد توبتهم واعتذارهم لها، وتذكر أن ذلك بسبب الشيطان كما قال يوسف لما لقي أبويه وإخوته بعد ما فعلوا به: هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ {يوسف:100}
كما ننصحها أن تقبل عذر أختك وأهلك لأن قبول العذر من شيم الكرام، ولكن لا مانع أن تطلب منهم أن يظهروا الاعتذار أمام من سمع اتهامهم إياها، لئلا يبقى عنده تصور خاطئ عنها. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53141، 25074، 55821، 23920.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(9/2677)
حكم إخبار المعلم عن الطلبة الذين يغشون في الامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي أن أبلغ المعلم على الطلبة الذين تيقنت من نقلهم لإجابة الامتحان؟ وهل يعتبر ذلك غشا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الغش خلق ذميم وعمل منكر، لا يجوز لمسلم أن يفعله كما هو معلوم لدى كل مسلم.
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة، وخطر الغش في الامتحانات على الفرد والمجتمع في الفتوى رقم: 2937، نرجو أن تطلع عليها.
والواجب عليك أن تنصح من رأيته يمارس الغش أو يرتكب أي محظور شرعي فقد صح عن نبينا- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الدين النصيحة ... الحديث. رواه مسلم.
وليس عليك من باب الوجوب أن تخبر المعلم أو غيره.
ولمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 67693.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(9/2678)
خشوع النفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا بعض الجماعات التي يكون دينها مبنيا على الباطل تتحصل على الخشوع أكثر منا نحن الذين نتبع منهج أغلبية الفقهاء والعلماء. وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الخشوع الحقيقي هو خشوع أهل الإيمان المستمسكين بالحق عن بينة وبصيرة، وهذا الخشوع هو الخشوع الذي أثنى الله تعالى في كتابه على أصحابه، ويمكن تحصيله بوسائل قد سبق ذكرها بالفتوى رقم: 36116.
وأما ما قد يبدو على بعض أهل الباطل من خشوع؛ كما هو الحال في الرهبان وبعض طوائف أهل البدع فهو خشوع زائف، قال الشاطبي في كتابه "الاعتصام": والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه. وكل بدعة فللهوى فيها مدخل، لأنها راجعه إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع ... قال بعض الصحابة: أشد الناس عبادة مفتون. واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: يحقر أحدكم صلاته في صلاته، وصيامه في صيامه.. إلى آخر الحديث. وهو متفق عليه. ويحقق ما قاله الواقع كما نقل في الأخبار عن الخوارج وغيرهم.
فالمبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه وغير ذلك من أصناف الشهوات، بل التعظيم على شهوات الدنيا، ألا ترى إلى انقطاع الرهبان في الصوامع والديارات عن جميع الملذوذات، ومقاساتهم في أصناف العبادات والكف عن الشهوات وهم مع ذلك خالدون في جهنم؟! قال الله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً {الغاشية:2-4} وقال: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف:103-104} .
وما ذاك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام، ونشاط يداخلهم يستسهلون به الصعب بسبب ما داخل النفس من الهوى، فاذا بدا للمبتدع ما هو عليه رآه محبوبا عنده لاستبعاده للشهوات وعمله من جملتها ورآه موافقا للدليل عنده، فما الذي يصده عن الاستمساك به والازدياد منه، وهو يرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره، واعتقاداته أوفق وأعلى. وقد نقلنا كلام الشاطبي هذا مع طوله لفائدته.
وليعلم أن الشيطان ربما تسلط على أهل الحق ليثبطهم عن الطاعات، وربما تسلط على أهل الباطل فحثهم على باطلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1428(9/2679)
الترغيب في العفو عن الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تعاملت مع شخص فظلمني وأكل مالي، ولكن سامحته الآن عندما أتعامل معه لا أستطيع أن أنسى أنه شخص ممكن أن يغدر أو يسيء وخاصة أنه لم يتب من أفعاله لا معي ولا مع غيري، سؤالي هو: هل موقفي منه يتعارض مع مسامحتي إياه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله عز وجل الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين عباده، ورغبهم في الصلح والعفو عن الظالم، فقال الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، نسأل الله أن تكون ممن حصل على هذا الأجر، وما دمت قد عفوت عن صاحبك وسامحته فينبغي لك أن تزيل من قلبك كل ما يتناقض مع ذلك وألا تسيء به الظن، فإذا لاحظت أنه لم يتب على الحقيقة، وكان في نفسك عليه شيء من ذلك فإن هذا لا يتنافى مع مسامحتك له، ولكن عليك أن تنصحه وأن تحذر منه، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وعليك أن تحذر إخوانك منه نصيحة لهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة ... الحديث. رواه مسلم. وهذا ما لم تخش أن تترتب على هذا التحذير مفسدة أكبر من مفسدة خداعه لهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(9/2680)
النهي عن سب الأموات ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شتم أو لعن الموتى بأي حال من الأحوال؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن سب الأموات، ولكن هذا النهي ليس على إطلاقه، بل يجوز ذكر بعض مساوئ الموتى لغرض مشروع، وقد سبق بيان ذلك بالفتويين: 60079، 73859، فراجعهما، وراجع في اللعن عموما الفتوى رقم: 30017، وذكرنا فيها جواز لعن من علم أنه مات على الكفر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(9/2681)
الحب المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عشت منذ صغري يتيما وأنا الآن في العشرين من العمر أدرس طلابا في المسجد وأشعر بحب كبير اتجاههم وعاطفة زائدة نحوهم وأفكر كثيرا بهم فهل هذا خطأ؟ مع أني بشكل عام أحب الطلاب الذين هم أقل مني عمرا وأعلل ذلك أني فقدت أبي في نفس سن الطلاب الذين أدرسهم. مع الشكر الجزيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تتقي الله تعالى، وتحذر من هذا الحب الزائد الذي تشعر به تجاه الصغار، فربما يكون خطوة من خطوات الشيطان ليجرك بها إلى ما لا تحمد عقباه.
واعلم أنه لا يجوز لك النظر إلى الشباب المرد بشهوة، فقد اتفق العلماء على حرمة ذلك وتذكر أنك تحفظ كتاب الله وتدرسه في بيت من بيوت الله، وقد قال سبحانه وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} .
وبذلك تعلم أن هذا الحب الزائد للطلاب خطأ، وعليك أن تبادر بالتخلص منه والإقلاع عنه، وأن تجعل حبك لهم حبا عاديا، وأن تقصد به وجه الله تعالى.
وعليك أن تبادر بالزواج امتثالا لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى: 3867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1428(9/2682)
السعي في الإصلاح بين الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء أعرض بين أيديكم مشلكة ليست لي بل لأحد أقربائي حيث إن لي قريبا أنعم الله عليه من نعمه وله تجارة وأبناء وقد كان على أتم حال ولله الحمد وبحكم التجارة تواجد بالقرب من قريبي عمالة من مختلف البلدان، ولكن كان أقرب هذه العمالة شخصا يمنيا عاش مع قريبي وأبنائه من العمر ما يتجاوز العشرين سنة أو أكثر وقد كانوا في أصلح حال، ألا أنه جاء وقت وحصل نوع من الخلاف بين ابن قريبي وهذا العامل اليمني، وكانت هذه النقطة وهذا الخلاف سببا لقطع العلاقة بين قريبي وابنه حيث إن قريبي أصبح يفضل هذا العامل بلا مناقشة على ابنه ويضع اللوم والعتاب على ابنه مهما كان الأمر وقد كانت هناك محاولات كثيرة لإرجاع العلاقة فيما بين قريبي وابنه إلا أن الصدود من كلا الطرفين هي ما نتج عن هذه المحاولات، القريبون من مركز العمل يرون أن هذا العامل اليمني يرتكب أخطاء ويرميها على الابن وهو موقن بأنه مصدق من قبل قريبي وكأن قريبي خاتم بين أصبعيه يسيره فيما يشاء، وبسبب هذ الأمر أصبح الابن يعيش في عزلة ويعاني أحيانا من أمراض غير معروفة مع نفور من الأب، أقربائي يشكون في أن هذا العامل قد عمل عملا لذلك القريب وابنه ولكن دون تأكيد، فأرجو من سعادتكم نصحي وإرشادي فيما لو كانت هناك طريقة لتقريب الأنفس بين الأب وابنه، وإن كان هناك عمل، فكيف يمكن التأكد من ذلك وما العمل حينها؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاتهام بالسحر معصية عظيمة، ونحن ليس عندنا وسيلة لمعرفة كون الشخص مسحوراً، ولا وسيلة معينة للتقريب بين الأنفس، ولكنا ننصحكم بالسعي في الإصلاح بين الناس عملاً بقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ {الحجرات:10} ، وبقوله: فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ {الأنفال:1} ، وقال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} ، وننصحكم كذلك بحض الأب وابنه على الأعمال الصالحة فهي تحبب الناس، كما أن المعاصي سبب لوقوع العداء بينهم، ثم إنا ننبهكم إلى أنه تشرع رقية المسلم وتحصينه من جميع أنواع الشر سواء كان مصاباً أم لا، كما قال النووي.
كما ننبه إلى تأكيد بر الوالدين والبعد عما يسخطهما، والحرص على رضاهما ففي رضاهما رضى الله، وفي إسخاطهما سخط الله، فعلى الابن أن يبذل أقصى الجهد في إرضاء أبيه. وراجع للمزيد في الموضوع والفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49555، 49997، 76411، 65741، 36998، 75774، 73279.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1428(9/2683)
الإحسان إلى الحماة من أسباب كسب ودها
[السُّؤَالُ]
ـ[أشعر أن زوجي يتصرف معي بشكل مختلف جدا عن عادته وأحيانا يهينني إذا كان الموضوع يتعلق بأمه أو أخواته, علما بأنني أحترمهم وأبرهم بشهادة الجميع وخوفا من الله تعالى، كيف لي أن أتأكد أن حماتي لم تعمل عملا أو حجابا لزوجي (ابنها) ليبقى متصلا معها مع العلم والله يشهد أنني لم أمنعه عن أي من أهله بل بالعكس دائما أشجعه ليبر أمه وأهله، لكن زوجي دائما يفضل مصلحة أي أحد على مصلحتي، علما بأنني أعطيه كل راتبي ويتصرف بالمال بدون الرجوع لي وإذا طلبت شيئا أحسه يتردد ويتذبذب، وإذا طلب أحد من أهله أي شيء يعطيه من دون تردد، والدة زوجي كانت تتعامل مع بعض الناس الذين يكتبون الحجب (السحر) وتؤمن به وإذا أصاب أحد من أهلها سوءا تقول إن أحداً عمل لهم حجابا خصوصا البنات إذا لم يتزوجن أو إذا لم ينجبن، إخوة زوجي يتصرفون نفس الشيء مع زوجاتهم, قبل زواجهم يكونون غير بارين بأمهم، ولكن بعد الزواج ينقلبون ويصبحون تحت أمر أمهم في أي شيء تقوله، فأفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز لأحد أن يتهم أحداً بالسحر إلا ببينة، والاتهام بالسحر أمر خطير، لا يكفي فيه مجرد الشك، والشيطان حريص على أن يشكك بعض الناس في بعض، ليفسد ذات بينهم، وخصوصاً بين الأقارب والأرحام والأصهار، وعلى المسلم أن يحافظ على قراءة القرآن والأذكار حتى يحصن نفسه وأهله وبيته من السحر والمس وغيرهما، فلا تتهمي حماتك بالسحر، ولا تجعلي من نفسك نداً لها، وأحسني إليها تكسبي ودها، واعلمي أن الزوجة الصالحة الحكيمة هي التي تجمع الرجل بأهله، وتسعى فيما يؤلف بينهم، ولا تجعل نفسها نداً لهم فكوني كذلك تسعد نفسك وتقر عينك، وتسود المحبة والألفة أرجاء بيتك، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 16985، والفتوى رقم: 13748.
ثم ننصح زوجك بالإحسان إليك وإكرام عشرتك ومراعات مشاعرك، وليعلم أنه لا يلزم من إعطائك حقوقك كاملة ولا من معاشرتك بالمعروف أن يصده ذلك عن أن يحسن إلى أمه وأن يبرها، بل الجمع بين هذا وذاك أمر ممكن، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 2383، والفتوى رقم: 72205.
وأما راتبك فهو ملك لك ولا يحق لزوجك أن يأخذ منه إلا ما طابت نفسك به، وما صرفت عليه منه فهو من حسن العشرة وصدقة تؤجرين عليها إن خلصت نيتك. وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 32165.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1428(9/2684)
توضيح حول فتوى سابقة في حكم غيبة شخص أو جماعة بعينها
[السُّؤَالُ]
ـ[ساءني ما ذكرتموه في الفتوى رقم (49343)
ووجدت حسب نظري وأتمنى أن يكون قاصرا أن في الفتوى تناقضا عجيبا إلا إذا سقط سهوا لدى علمكم المتين إن قبيلة (زهران) معلومة لا مجهولة وتعداد أفرادها كبير حالها حال (مطير) حين يغتابها الناس
فقلتم في الإجابة (وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانا بعينه أو جماعة بأعيانهم)
وزهران هي دوس أرض الصحابة فهل غيبتهم حلال؟ أليسوا معلومين؟ وذكرهم بمساوئ الأمور وتشويه تاريخهم كما يحدث في شبكة الانترنت فلا أكاد أجد موضوعا يخص قبيلتي إلا وفيه قلب للحقائق ومحاولة تقليل للقبيلة ووصفها بالتحجر والرجعية وعدم التطور نظرا لالتزامهم الشديد
والله لوقع على قلبي الحزن حين قرأت من ردكم (ولا شك أن الأورع والأحوط الابتعاد عن كل ما يسيء المسلم ويؤذيه.. ولو كان مجهولا)
مابين القوسين كيف تقتنع به النفس أذية الإنسان إن وقعت عليه تحرم
لا يحزن القلب ردكم فالأزد يأبى الله إلا أن يرفعهم وهم أسده في الأرض
ولكن ما يحزنني أن بعض أفراد قبيلتي يتأثر مما يشاع عنهم فيحاول أن يدع الالتزام والغيرة على المحارم
حسبي الله ونعم الوكيل
أتمنى الرد ومراجعة الفتوى السابقة
فزهران نسب معلوم ونسب أفراد ورجال وصلب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على ما أسديت لنا من توجيه، ونسأل الله تعالى أن يزيدك حرصا على الخير، وأن يوفقنا وإياك لطاعته.
واعلم أننا في موقع الشبكة الإسلامية ننشد الحق ونحرص على ذكر الدليل فيما نورد من فتاوى، مع ذكر أقوال العلماء قدر الإمكان، وهذا ما فعلنا بالفتوى المذكورة والمتعلقة بغيبة غير المعين، حيث ذكرنا كلام النووي في هذه المسألة، واستنباطه من الحديث المعروف بحديث أم زرع. وذكر قبيلة باسمها وإن كانت معلومة لا يدخل في التعيين الذي قصده العلماء في هذه المسألة.
ونحن على كل حال قد قمنا بحذف كلمة " زهران " من السؤال ما دام الأمر فيه شيء من الحرج عندك. ونرجو أن تراجع فتوانا رقم: 80437، وهي في بيان فضل الأزد وفضل أهل اليمن عموما.
وعندما ذكرنا بالفتوى التي أشرت إليها بالسؤال إباحة النكت قيدنا ذلك بخلوها من الكذب، فإذا وقع فيها شيء من الكذب أو ما أسميته أنت قلب الحقائق، أو التقليل من القبيلة ونحو ذلك فلا تجوز مثل هذه النكت، لاشتمالها على ما هو محرم شرعا من الكذب ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(9/2685)
اللجوء إلى التورية دفعا للحرج عن النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في بلد أجنبية أدرس في إحدى الجامعات، أنا والحمد لله ممّن يساعدون في المسجد ولا أتبع المنكرات. لقد أُصبت بمرض في أعضاء الذكورة عندي وسأقوم بإجراء العملية بعد أسبوع تقريباً من اليوم.
أنا في هذه البلاد لا أقارب لي ولا أخلاء مُقرَّبين، لذلك ولحساسية الموضوع بالنسبة لي لم أخبر أحداً بالأمر، حتى أهلي.. كي لا يقلقوا
وسأضطر للكذب لإخفاء الأمر عمَّن حولي، فإذا علم شخص واحد بهذا.. سينتشر الخبر بين المئات مِمّن يعرفونني.. ووالله لا أعرف من أساميهم إلا القليل.
ومنهم الطيبون، الذين رغم طيبتهم سيبدؤون معي بمزاح الشباب غير لائق وغير أخلاقي.. ومنهم الخبيثون.. الذين سيطلقون ألسنتهم عليّ يقذفونني بألسنة لاسعة.
يعني باختصار، سأضطر للكذب كي لا يصل الخبر إلى أهلي عن طريق بعض الطلاب هنا من معارفنا في بلادي، وكي أسلم من شرور البعض.
فما حكم كذبتي هذه، وهل لي رخصة.
والأمر المهم الآخر لست متأكدا من هذا، ولكن على الأغلب سيتواجد بين الأطباء ومساعديهم في غرفة العمليات نساء (يا مصيبتي)
فماذا علي أن أفعل، خاصّة وأن ليس بيدي شيء من الاختيار، وإذا أخرت العملية ستسوء الحالة أكثر
أريد منكم كلاماً يريحني، علماً أنني لست ممّن يبحث عن فتوى على المزاج، بل الشرع ثم الشرع ثم الشرع
وادعوا لي ولإخواني وأخواتي المسلمين والمسلمات بالشفاء.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الكذب أنه لا يجوز، لما تواتر من ذمه. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ {غافر: 28} . وفي الحديث المتفق عليه: إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ".
ومع هذا فقد جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.
فهذه النصوص –كما رأيت- قد رخصت في الكذب في بعض الحالات، ولكننا نرشدك إلى ما هو أحوط لدينك.
وذلك أن التورية قد أباحها أهل العلم، وفيها –دون شك- مخرج مما ذكرت أنك فيه من الحرج. فقد ترجم البخاري قال: باب المعاريض مندوحة عن الكذب، وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: صحبت عمران بن حصين إلى البصرة فما أتى علينا يوم إلا أنشدنا فيه الشعر وقال إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب. وهذا الأثر صححه الألباني وغيره.
وطريقة التورية هي أن تخبر الناس بضد الخبر الذي تريد إخفاءه، ويكون قصدك بذلك الإخبارَ عن شيء آخر تستحضره في ذهنك.
وفيما يخص احتمال كون الأطباء ومساعديهم سيكون من بينهم نساء في غرفة العمليات، فالواجب أن تمنع ذلك إن كنت تستطيعه، أو تطلبه منهم على الأقل، فإن عرفت أنهم لا يستجيبون لطلبك، فلا حرج عليك فيما سيكون؛ لأنك مضطر إلى العملية، كما ذكرت، والضرورات تباح لها المحظورات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(9/2686)
الأصدقاء إذا كان يصف بعضهم البعض بأنه غير صالح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 29 سنة، أعيش هنا في الغرب لمدة 5 سنوات تقريبا، لدي صديقان من أصل مغاربي الأول 31 سنة والثاني 38 سنة، وأحبه في الله، ولكن هناك صراع بين كل واحد منهما، يقول كل واحد منهما عن الآخر فلان غير صالح، حاولت أكثر من مرة أن نلتقي نعم التقينا جميعا ونلتقي مرات ثم مرات، ولكن عند الانصراف كل واحد يتصل ويتحدث عن الآخر، ويوسوسون لي في رأسي، أرجوكم أرشدوني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صديقيك هذين مخطئان بما ذكرته عنهما من الصراع الذي لم يظهر له سبب، ومخطئان أيضاً فيما ذكرته عنهما من أن كل واحد يصف الآخر بأنه غير صالح، وهذا الوصف إما أن يكون سباً، وقد ورد في الحديث الشريف: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. رواه البخاري ومسلم.
وإما أن يكون احتقاراً، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بحسب امرئ مسلم من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم والترمذي وغيرهما. وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال ابن حجر في فتح الباري: وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء. انتهى.
هذا بالإضافة إلى أنه غيبة وهي من الكبائر والعياذ بالله، فحاول أن تنصح صديقيك هذين بالصلح، والعدول عن هذا الخلق وسوء الحال الذي هما عليه، فإن استجابا لنصحك فذاك، وإلا فاحذر أن تلحقك العدوى مما هما عليه من السلوك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(9/2687)
عدم الثقة بالنفس والتواضع والخوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم الثقة بالنفس بالإسلام؟ وهل يعتبر تواضعا؟ وما حكم الخوف أيضا؟ والخوف بمعنى الشعور بعدم الأمان؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم الثقة بالنفس نوع من العجز لا يرتضيه الإسلام، فإن المسلم مطالب بالإقدام وبذل الأسباب ثم تفويض الأمور إلى الله تعالى. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. ولمعرفة بعض سبل علاج عدم الثقة بالنفس راجع الفتويين: 25496، 75418،. ويمكنك كذلك الدخول على قسم الاستشارات بالشبكة الإسلامية، والبحث بكلمة " عدم الثقة بالنفس " لتطلع على بعض التوجيهات النافعة في هذا المجال.
وإذا كان عدم الثقة بالنفس خلقا ذميما، فهو ليس مرادفا للتواضع ولا مظهرا من مظاهره، لأن التواضع خلق محمود، وهو لا ينافي الثقة بالنفس، ويكفي دلالة على ذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان متواضعا مع شجاعة وإقدام وتوكل على الله في كل ما هو من أمور الخير. ولنذكر هنا عبارة نافعة ذكرها " ابن الحاج " – المالكي – في كتابه " المدخل " حيث قال: إذا ثبت التواضع في القلب ثبت فيه جميع الخير، من الرأفة، والرقة، والرحمة، والاستكانة، والقنوع، والرضى، والتوكل، وحسن الظن، وشدة الحياء، وحسن الخلق، ونفي الطمع، وجهاد النفس، وبذل المعروف، وسلامة الصدر، والتشاغل عن النفس، والمبادرة في العمل بالخير، والبطاء عن الشر اه.
وبخصوص الشق الآخر من السؤال والمتعلق بالخوف راجع الفتوى رقم: 46749، ويمكنك أيضا البحث في قسم الاستشارات بكلمة " الخوف " أو كلمة " الرهاب الاجتماعي " وستجد كذلك توجيهات نافعة أيضا تعين على التخلص من هذا المرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1428(9/2688)
سبل استجلاب الخلق الحسن
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أعود نفسي على الأخلاق الحميدة والتكلم بصوت منخفض؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حسن الخلق يمكن أن يكتسب، دل على هذا الحديث الذي رواه الطبراني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. وهذا دليل أيضاً على أن الحرص والاجتهاد في طلب حسن الخلق سبب لتحصيله، هذا أولاً.
ثانياً: سؤال الله تعالى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. رواه مسلم.
ثالثاً: معرفة خطورة سوء الخلق وأنه قد يفسد العمل الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل. رواه الطبراني.
رابعاً: معرفة ثواب التمسك بالأخلاق الحسنة، فقد ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تبين منزلة الأخلاق الحسنة في الإسلام، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: وإن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. رواه أحمد وابو داود.
وتحدث المرأة بصوت منخفض ولا سيما عند وجود الرجال، بل والأجانب منهم خاصة، فهذا من حسن خلقها، لأن في ذلك نوعا من الحياء والحشمة وهما وصفان حميدان في النساء، فبمجاهدتها نفسها ودعائها ربها تستطيع أن تتعود على خفض صوتها وتوفق في ذلك بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1428(9/2689)
التحالم معناه وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التحالم؟ وهل هو حرام أم لا؟ أو فيه عيب؟ أرجو الاجابة بسرعة لو سمحتم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتحالم مصدر مشتق من فعل تحالم، ومعناه أن يري المرء الناس من نفسه الحلم والأناة وهو بخلاف ذلك.
قال في مختار الصحاح: الحلم بالكسر الأناة، وقد حلم بالضم حلما وتحلم تكلف الحلم، وتحالم أرى من نفسه ذلك وليس به.
ومثل هذا في تاج العروس.
وأما سؤالك عما إذا كان التحالم حراما أم لا؟ فجوابه أنه إذا كان يفعل ذلك تصنعا ومغالطة للناس ليحتال على بعض الأمور التي ليست من حقه فإنه لا يكون جائزا، وإن كان يفعله تدريبا لنفسه على الحلم والأناة فإنه في هذه الحالة يكون هو الصواب؛ لأن الواجب على المرء أن يعود نفسه الصفات الحسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1428(9/2690)
الإذن العرفي يجري مجرى الإذن اللفظي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المرء الاستئذان إذا علم يقينا برضى الطرف الآخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي هذا السؤال إجمال، فإن كنت تقصد الاستئذان عند الدخول على شخص في بيته فلا بد من هذا الاستئذان ولو علم يقينا رضاه؛ لأن الشخص قد يكون في تلك اللحظة على حال لا يحب أن يُرى فيها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. رواه البخاري ومسلم وتراجع الفتوى رقم: 43128، 75406.
وإن كنت تقصد الاستئذان في التصرف فيما هو ملك للغير فقد ذكر العلماء قاعدة مفادها أن الإذن العرفي يجري مجرى الإذن اللفظي، وممن ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القواعد النورانية. وتلميذه ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين. ومما قال ابن تيمية ما نصه: الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول وفعل، والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضا، وعلى هذا يخرج مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان بيعة الرضوان -وكان غائبا- وإدخاله أهل الخندق إلى منزل أبي طلحة ومنزل جابر بدون استئذانهما لعلمه أنهما راضيان بذلك، ولما دعاه صلى الله عليه وسلم اللحام سادس ستة اتبعهم رجل فلم يدخله حتى استأذن اللحام الداعي، وكذلك ما يؤثر عن الحسن البصري أن أصحابه لما دخلوا منزله وأكلوا طعامه قال: ذكرتموني أخلاق قوم قد مضوا. وكذلك معنى قول أبي جعفر: إن الإخوان من يُدخل أحدهم يده في جيب صاحبه فيأخذ منه ما شاء.
ومن ذلك قول صلى الله عليه وسلم لمن استوهبه كبة شعر: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فقد وهبته لك. وكذلك إعطاؤه المؤلفة قلوبهم عند من يقول إنه أعطاهم من أربعة الأخماس.
وعلى هذا خرَّج الإمام أحمد بيع حكيم بن حزام وعروة بن الجعد لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار. فإن التصرف بغير استئذان خاص تارة بالمعاوضة، وتارة بالتبرع، وتارة بالانتفاع، مأخذه إما إذن عرفي في عام أو خاص. اهـ
وعلى هذا؛ فلا يجب الاستئذان في التصرف في شيء هو ملك للغير إذا علم رضاه، وتصرف بما لا يضر بالمالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1428(9/2691)
طلب السماح ما لم يؤد إلى فساد ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة مستجدة في الجامعة ونتائجنا الفصلية نستطيع معرفتها عن طريق الإنترنت من خلال إدخال الرقم الجامعي والرقم السري، الرقم السري يكون موحد لجميع الطلاب والطالبات المستجدين والأرقام الجامعية لطالبات قاعتي أستطيع الحصول عليها من النت وأنا قمت برؤية نتائج جميع طالبات قاعتي، ولكني أحس بالذنب الآن، فهل هذا يعتبر من التجسس، وماذا أفعل لأن عدد الطالبات كبير جداً لا يمكنني أبداً أن أطلب الحل منهن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم التجسس على المسلمين والتطلع إلى عوراتهم وما يخفون من أمورهم الخاصة، فنصوص الوحي من القرآن والسنة مليئة بالنهي عن التجسس والتحسس ... قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12} ، وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً.
ولذلك فإذا كان الطلاب لا يحبون الاطلاع على نتائجهم ويعتبرون ذلك من أسرارهم الخاصة فإنه لا يجوز لك البحث عن ذلك والاطلاع عليه، وعليك بالمبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، والعزم على عدم العودة إلى مثل هذا العمل، كما أن عليك أن تطلبي السماح ممن تستطيعين الوصول إليهم ما لم تخشي أن يؤد ذلك إلى نتائج عكسية، فإذا كنت تخشين أن يحدث ذلك مشاكل فيما بينكن فالأولى أن تكتمي الأمر وتكثري لهم من الدعاء ... حتى لا يؤدي هذا المنكر إلى منكر أكبر منه وهو فساد ذات البين، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 15454.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(9/2692)
استخدام المعاريض للاستيلاء على حقوق الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[فما رأيكم حول استخدام المعاريض لغير الضرورات والمبتلى به المسلمون اليوم هو استخدامها لغرض المزاح مع الحلف أحيانا أو لغرض أكل حقوق لا يستحقونها في قوانين دولهم، فهل في هذا العمل كذب وخروج عن المباح، وهل هي للضرورات فقط أفتونا وفقكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في المعاريض والتورية مندوحة عن الكذب، وهي مشروعة في الأمور المشروعة، وسبق بيان ذلك وأدلته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54839، 57066، 74967 نرجو الاطلاع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
وأما استخدامها لأكل حقوق الناس والتحايل بها للاستيلاء على ما لا يحق للشخص فهذا لا يجوز لما فيه من المكر والخديعة والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار. رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني في السلسلة، وبعضه في صحيح مسلم، ويكون الأمر أعظم إذا عزز ذلك بالحلف عليه بالله تعالى.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك. رواه مسلم.
ولا ينفع في ذلك استخدام المعاريض أو نية الحالف ما دام الأمر فيه تعلق بحق الغير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما يمين الحالف على نية المستحلف. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1428(9/2693)
الصفات الحميدة والخبيثة تكتسب بالتعلم وتأثير البيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يتهم الناس بأنه خبيث أو لئيم أو أنه غير طيب القلب، فهل هذه الصفات تأتي بالفطرة أم أنها مكتسبة أم الإنسان نفسه يستطيع التحكم فيها، وهل يأثم الإنسان إذا وصف أخاه بهذه الصفات، وماذ يفعل المسلم إذا نعت بهذه الأشياء خصوصا إذا أصبحت عنده عقدة؟ وجزاكم الله عني خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يكف عليه لسانه ويحذر من زلاته، فقد قال الله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب. رواه البخاري، وفيه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة.
فلا يجوز للمسلم أن يتهم أخاه بالخبث واللؤم أو غير ذلك من الأوصاف القبيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام.. رواه مسلم.
والأصل في المسلم البراءة، وكل مولود يولد على الفطرة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه يكون عنده استعداد لقبول الخير والشر ... وعلى المسلم أن يعود نفسه على الأخلاق الفاضلة ويجنبها الأخلاق الفاسدة، ويستعين على ذلك بالدعاء وسؤال الله تعالى من فضله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتوقى الشر يوقه. رواه الطبراني وغيره وحسنه الألباني.
ولذلك فالصفات الحميدة تكتسب بالتعلم ومن البيئة.. وكذلك الصفات السيئة. وينبغي لمن سمع شيئاً مما يكره أن يقابل الإساءة بالإحسان، وسيجد نتيجة ذلك إن شاء الله تعالى كما أرشدنا إليه الله جل وعلا، فقد قال سبحانه وتعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} ، كما أن عليه أن يخلص نفسه من العقد النفسية والوساوس الشيطانية بصلته بالله تعالى وصحبة الصالحين ... والاستعاذة من الشيطان والبعد عن الفاسدين ... وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42432، 46253، 55527.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(9/2694)
النهي عن الاتهام بغير بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الأعزاء إخوتي في الله إن لي إليكم سؤالا أفيدوني يفيدكم الله، شخصيتي رجل مسلم عربي مغربي اُكنى صاعو عبد السلام عمري 60 سنة ولي 3 إخوة كبيرنا يفوق 70 سنة اسمه محمد، هذا الأخ قد يتهمني بسوء الظن وإنني على يقين بأنه ظلمني بهذه التهمة، ولكن تركت الأمر إلى الله وجاء يوم عيد الأضحى ورافقت زوجتي وأولادي إلى داره لكي تزول العداوة بيننا، ولكنه امتنع على مصالحتنا، فما قول الإسلام في هذا الأمر، السبب له ولد عمره 28 سنة ولي ولد عمره 37 سنة ولدي دافع على ولده بالمال حتى يأتي إلى فرنسا وحينما أتى إلى فرنسا وبقي ما شاء الله أكثر من سنة واتصلت به الشرطة وسألوه على تعارفه قال لهم عند عمي وجاءوا به إلى داري واستحضروني إليهم وقالوا لي لماذا خزنت أوراق التعارف في دارك لهذا الرجل فطلبت منهم العفو وقالوا لي وإياك مرة أخرى، وأخي أطلق علي التهمة كأننا أخذنا منه 2000 يورو، وبعناه إلى الشرطة، والله على ما أقول وكيل، والآن أنتظركم حتى أستفيد منكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أخيك من اتهامه لك بما لا يقوم عليه دليل، ومن امتناعه من الصلح معك لمَّا جئته يوم العيد بزوجتك وأولادك، هو -في الحقيقية- أمر لا يحسن من مثله كأخ أكبر، وكرجل قد بلغ من العمر ما بينته في السؤال، ومع هذا فما ذكرته لا يبيح لك أن تقطعه، فقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.
ثم إنك إذا استمررت على الإحسان إليه والتواصل معه، واستمر هو على قطيعتك فإن عاقبة ذلك ستكون خيراً لك، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1428(9/2695)
هل يدخل الرياء في فعل الشعائر الظاهرة أمام الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي بمسجد يبعد عن المنزل بحوالي 4 دقائق سيرا على الأقدام مع أنه يوجد مسجد بجوار المنزل وأنا أفعل ذلك لأني لا أرغب في أن يراني أحد يعرفني وأنا أصلي وحتى لا يراني أحد من الجيران ويقولون هذا يصلي في المسجد ولو لم أصل في المسجد يقولون هذا لا يصلي في المسجد السؤال هل يعتبر هذا نفاقا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خوف المسلم من اتهام الناس له بالتخلف عن الجماعة لا يعتبر نفاقا، إذا كان هو في الحقيقة لا يتخلف عنها إلا في حالة العذر، لكن على المسلم أن يجعل الإخلاص لله تعالى في عبادته نصب عينيه وفوق كل اعتبار، وأن لا يعير ملاحظات الناس إذا تخلف عن الجماعة لعذر من الأعذار اهتماما كبيرا، ثم إنه لا حرج في الصلاة في المسجد الأبعد بل قد يكون ذلك أفضل في بعض الأحوال، كأن يكون الأبعد هو الأكثر جمعا أو الأعتق إذا لم يؤد الذهاب إليه إلى تعطل الجماعة في المسجد الأقرب.
وإخفاء الإنسان عمله عن أعين الناس إذا خشي على نفسه من الرياء أمر حسن في غير الشعائر التي شرعها الله ظاهرة.
أما إذا كان الشخص يتخلف عن الجماعة ومع ذلك يوهم الناس أنه يصلي فيها، فإن هذا قد اتصف بصفات المنافقين من التخلف عن الجماعة ومراءاة الناس، ولا ينفعه اعتقاد الناس أنه يصلي في الجماعة، ولا يغني عنه ذلك من الله شيئا، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويتدارك خطأه.
ولبيان بواعث الإخلاص ومدافعة النفاق يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 19043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1428(9/2696)
اتخاذ الأصحاب في ميزان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم المصاحبة، أرجو الإجابة في أقرب فرصة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تعني بالمصاحبة اتخاذ الرجل صديقاً أو أصدقاء من الرجال، يأنس بهم ويفضي إليهم بأسراره، أو اتخاذ المرأة صديقة أو صديقات من النساء كذلك، فليس فيها من حرج إذا لم يتعلق بها إثم، لأن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على التحريم، بل قد يكون مثل هذه المصاحبة مطلوباً في الشرع إذا كان من أجل التعاون على إقامة السنة ونصرة الدين.
وأما إن كنت تعني اتخاذ الرجل صديقة أو عشيقة له، أو اتخاذ المرأة صديقاً أو عشيقاً، فإن ذلك لا يجوز في الإسلام، وهو لون من الفاحشة التي كانت تمارس في الجاهلية، وجاء الإسلام بالنهي والزجر عنها، قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنى ويستحلون ما خفي، يقولون: ما ظهر منه لؤم وما خفي فلا بأس بذلك، فأنزل الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى اتخاذ الأخدان أي الأصدقاء والصديقات، على كل من الرجال والنساء، فقال في خصوص النساء: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ {النساء:25} ، أي أصدقاء، وفي خصوص الرجال: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ {المائدة:5} ، والسفاح هو: الإعلان بالزنى مع كل فاجرة، والمخادنة أن يكون للرجل امرأة قد خادنها وخادنته، واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها، قاله ابن جرير الطبري في تفسيره، وقد ورد في السنة تحريم الخلوة بالأجنبية، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. وفي مسند الإمام أحمد: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(9/2697)
ليس أي ذكر للآخرين يعتبر غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتألم حزنا وألماً خوفاً من الله عز وجل وأريد رأيكم
فقد لاحظ أخي في أول يوم العيد أنني حزينة ومخنوقة جداً فسألني , فقلت له مخنوقة فسألني لماذا؟ فقلت له لا أريد أتكلم لكي لا أغتاب أحداً , ولكنه أصر أن يعلم ما بي فقلت له لقد علمت من (ص) صديقتي في مصلى العيد أن فلانة صديقتنا ستتزوج ثالث يوم العيد ولم تقل لي إلى الآن حتى إنها لم تقل لـ (ص) إلا لأنها محتاجاها تساعدها في بعض الأمور.والذي يؤلمني: هل أنا بهذه القولة قد اغتبتها؟
فأنا أشعر بالذنب جداً وقد قلت كفارة الغيبة (اللهم اغفر لنا ولها) ولكني أشعر بالذنب ثم صليت ركعتين توبة. وأريد كذلك أن أعرف هل من اغتاب أحداً ثم استغفر له , غفرت له هذه الغيبة؟ وإذا كان كذلك فما الحديث الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال ولكنه قد اغتاب هذا و....... إلى آخر الحديث , فهل معنى ذلك أن المقصود أن هذا المفلس لم يستغفر عما بدر منه؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن الغيبة محرمة، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا، فقال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ {الحجرات: 12} .
ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب، ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.
ولكن الغيبة ليس معناها ذكر الآخرين في غيابهم بأي كلام، سواء كانوا يكرهونه أم لا يكرهونه.
فلو كان الأمر كذلك لما جاز لإنسان أن يذكر اسم إنسان آخر في غيبته. وإنما الغيبة أن يذكر المرء أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث الشريف: قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
ورغم أننا لم نفهم ما تقصدينه بقولك: إلا لأنها محتاجاها تساعدها في بعض الأمور، فإنك من هذا التعريف يتبين لك أن مجرد علمك ممن أطلقت عليها (ص) أن فلانة صديقتكما ستتزوج ثالث يوم العيد ولم تخبرك إلى الآن ولم تخبر (ص) لا يعتبر غيبة.
وعلى أية حال، فإن استغفارك لصديقتك وصلاتك من أجل التوبة كلها أمور حسنة ولو لم يصدر منك ذنب في حق صديقتك.
وما سألت عنه مما إذا كان من اغتاب أحداً ثم استغفر له غفرت له تلك الغيبة، فجوابه أن غفران الذنوب هو من أمور الغيب التي لا تمكن معرفتها في هذه الدنيا، والذي يمكن معرفته الآن هو كيفية التوبة من الذنوب. ويمكنك أن تراجعي في شروط التوبة فتوانا رقم: 18180.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1428(9/2698)
الغبطة على الأمر الحسن محمودة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أرى شخصا حافظا القرآن والحديث وعنده علم أتمنى أن أصبح مثله فهل هذا رياء؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتمني المرء أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنية صالحة إن شاء الله إذا كان القصد من ورائها التقرب إلى الله تعالى بحفظ كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعد هذا رياء؛ بل هذا من الغبطة، وهي أن يتمنى المرء أن يكون له مثل ما لغيره من الخير والفضل والنعم من غير أن يتمنى زوال ذلك عن ذلك الغير، والغبطة إن كانت على شيء محمود كانت محمودة، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 49638، والفتوى رقم: 40768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1428(9/2699)
سب المسلم وصداقة المرأة مع الأجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي كالتالي:
ما حكم من سب صديق زوجته بكلام يمس الشرف، واستمرار علاقته به مع أنه شيء يعذب الزوجة?
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز سب المسلم ولا شتمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بحسب امرئ مسلمٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي،
وإذا كان السب بقذف أو تعريض فلذلك عقوبة زاجرة قد بيناها في الفتوى رقم: 34262.
ولكن ننبه هنا إلى أن قولك (صديق زوجته) إن كان أجنبيا عنها فتلك علاقة محرمة آثمة، فلا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ولا يجوز لزوجها أن يقرها على ذلك، وقد بينا حرمة ذلك وعقوبته في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20296، 14126، 4220، 56653.
وبناء عليه فيجب عليها أن تقطع علاقتها بذلك الرجل إن كان أجنبيا عنها وتتوب إلى الله تعالى مما سلف وهو يقبل توبة المنيبين إليه كما في قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزُّمر:53} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(9/2700)
عدل النبي صلى الله عليه وسلم في سائر الأحوال والأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الكرام جزاكم الله خير الجزاء على هذا العمل
السؤال هو: العدل خلق كريم وصفة عظيمة جليلة. تبعث الأمل لدى المظلومين. ويحسب لها الظالمون ألف حساب. تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة والمربون. وكان أعظمهم في ذلك سيد العالمين وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
أريد ثلاثا من تلك الصور في حياته صلى الله عليه وسلم
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عدل النبي صلى الله عليه وسلم في العطايا والبعد عن إيثار أقرب الناس إليه تقديمه إطعام أهل الصفة على إخدام بنته فاطمة فقد روى الطبراني عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة، بعث بها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين وسقاء وجرتين، فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك أي بنية؟ . قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت. فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتيا جميعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى مجلت يداي! وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخدمنا، فقال: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم. فرجعا، فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا فقال: مكانكما. ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ . قالا: بلى، قال: كلمات علمنيهن جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين. قال: فوالله ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال له ابن الكوا: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين. قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل اختلاطه، وبقية رجاله ثقات.
ومن عدله في التسوية بين الناس في إقامة الحدود ضعيفهم وقويهم قريبهم وبعيدهم ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
ومن عدله بين نسائه ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. قال إسماعيل القاضي: يعني القلب، وهذا في العدل بين نسائه رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
وكان صلى الله عليه وسلم يحرض على العدل كثيرا ويبين أهميته فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المقسطين عند الله على منابر من نور؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا. رواه مسلم. وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع. رواه الطبراني ورواته ثقات.
وفي المسند عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يقسم مالا إذ أتاه ذو الخويصرة -رجل من بنى تميم- فقال: يا محمد اعدل فوالله ما عدلت منذ اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم مني ثلاث مرات. ... قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(9/2701)
الإحسان إلى أم الزوجة وعدم جرح مشاعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة ساكنة في بلد عربي غير بلدي الأصلية وأمي تجلس معي في نفس البيت بناء على رغبتي وزوجي كان عمل إقامة لأمي على شغله والمشكلة أن زوجي يتكلم كثيرا وأوقات يتكلم بكلام غير لائق مع أمي على سبيل المثال بقول لها إنها تعيش أحسن عيشة وإنها لا تفرق معها تأكل إيه وغيره من هذا الكلام الخاص بالعيشة والأكل وأنا أحاول ألفت انتباهه فيقول إنه يمزح ولا يتكلم بجد وهى تتضايق وأنا أحاول أخفف الموضوع حتى لا يتحول الموضوع الى مشكلة بينهما لأن زوجي عصبي وممكن يكبر الموضوع أنا لا أدري ماذا أفعل أنا تعبت وأحاول أصلح الموضوع وزوجي ليس فيه فائدة المشكلة أنى عارفة أنه لا يتكلم بجد ولكن أمي تأخذ الكلام بجدية لأن الكلام مكرر وهى حساسة لهذا الموضوع وخصوصاً هي التي تجلس معي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الفعل مما ينبغي أن يشكر عليه الزوج ويمدح به، إذ لا يجب عليه إسكان الأم ولا استقدامها على نفقته. ولكن لا ينبغي ان يضيع صنيعه بالمن والأذى كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ {البقرة:264}
وليعلم أن الإحسان إلى أم الزوجة والبر بها من الإحسان إلى الزوجة وإكرامها وحسن عشرتها، وقد بينا فضله ومثوبته في الفتويين رقم: 45589، 6682.
فينبغي أن يكف عما يجرح مشاعر حماته، ويبتعد عما يكدر صفوها ويكسر خاطرها من الأقوال والأفعال، وله المثوبة على ذلك إن قصد به وجه الله. وله الذكر الحسن والثناء الجميل.
وننصحك أيتها السائلة الكريمة ببيان الأمر له بحكمة ولين، وعرض هذه الفتوى عليه، وعدم تعنيفه ومجادلته وإغلاظ القول عليه، إذ يدرك بالرفق ما لا يدرك بالشدة والعنف. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه. متفق عليه.
وللفائدة نرجو مراجعة الفتويين رقم: 1032، 1070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1427(9/2702)
الكذب وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي، مشكلتي أن زوجتي تكذب أحيانا في أمور أعتبرها جوهرية، مما يؤدي إلى أني أعنفها ضربا، فربما لم أنس إشكالات قديمة قريبة من هذه، ما حدث أخيرا هي كذبة قد تكون تحت ضغط أو خوف أو عدم انتباه،المهم أني لا أحتمل ذلك. أنا جاهز للتفاصيل إذا رأيتموها ضرورية.
شكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب خلق ذميم وفعل قبيح، وهو محرم شرعا وطبعا لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة عاجلة كانت أو آجلة. والكذب ليس من خلق المؤمن ولا من شانه، كما عند مالك في الموطأ من حديث صفوان بن سليم قال: قيل: يا رسول الله، المؤمن يكون جبانا؟ قال: نعم، قيل: يكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: يكون كذابا؟ قال: لا. وللبزار وأبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص رفعه: يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب، وفي الآية قوله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ {النحل:105} وانظر الفتوى رقم: 1824.
لكن أهل العلم استثنوا من ذلك بعض الحالات التي يجوز فيها الكذب للمصلحة العظيمة فيه، ومن ذلك حديث الرجل لزوجته وحديث المرأة لزوجها، فقد روى أبو داود عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها. متفق عليه، وانظر الفتوى رقم: 22227.
فإن كان كذب زوجتك من هذا القبيل فلا ينبغي أن تعنفها لكونه مباحا، وأما إن كان في غير ذلك فهو معصية ومنكر، لكن ينبغي مراعاة الحكمة في تغييره، فما كان منه تحت الضغط والخوف أو للمصلحة لا يكون مثل ما كان منه اعتباطا فيراعى ذلك.
وينبغي أن تعلم أن ضرب الزوجة بغير مسوغ شرعي ومصلحة معتبرة من التعدي والظلم وإساءة العشرة، ولذا منعه الإسلام إلا في حالات ضيقة ونادرة جدا فانظرها في الفتويين رقم: 69، 22559.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1427(9/2703)
الترخيص للمظلوم أن يجهر بالشكوى
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وهل تعني كلمة السوء هنا الذنب أم ماذا؟
وجزاكم الله خيرا عنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الآية الكريمة نزلت ترخيصا للمظلوم أن يجهر بالشكوى من الظالم كما قال أهل التفسير، ومعناها: أن الله تعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول ولا غير الجهر به من أحد، ولكن الجهر به أفحش وأقبح؛ إلا إذا كان ذلك من المظلوم فله أن يذكر ما ظلم به، ولا حرج عليه أن يدعو على الظالم أو يسبه أو يشتمه مقابل ظلمه وعلى حسبه، والأفضل له أن يعفو عن من ظلمه كما في سياق الآية وكما جاء في آيات أخرى وأحاديث كثيرة.
وقد جاء معنى هذه الآية أو ما يشبهه في آيات كثيرة منها قوله الله تبارك وتعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة: 194} وقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى: 40 ـ 41} وقوله تعالى: وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا {الشعراء: 227} والسوء في الأصل يطلق على كل ما يكره ويستقبح من القول والفعل وهو ضد السرور، قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: والسوء كل ما يغم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال البدنية والخارجية. وقد جاءت هذه المعاني في سياق آيات قرآنية ذكرها الراغب في مفرداته.
وأما معناها هنا فهو ما يستقبح من القول كالسب والشتم واللعن، وهذه ذنوب يكرهها الله تعالى؛ إلا إذا صدرت من المظلوم. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 2789، 2968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(9/2704)
لا يؤاخذ الصبي قبل البلوغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ارتكب ذنوبا أو معاصي أو فواحش (غير متعلقة بحق مادي) وهو دون البلوغ بسنوات عدة عليه أن يطلب ممن فعل ذلك بحقهم العفو والسماح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصبي غير مؤاخذ بما حصل منه قبل البلوغ مما ليس بحق مادي؛ لما في الحديث: رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.
وعلى العبد أن يستر نفسه ويكتم أمره ويحافظ على الاستقامة على ما يرضي الله بعد بلوغه، ولا مانع أن يستسمح من فعل به شيئا استسماحا عاما دون التصريح له بما حصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1427(9/2705)
فتاوى للتحفيز على استئناف الهمة والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول الشرع في شخص بمثل هذه الحالة التالية:
هو شخص محطم دينيا ودنيويا:
أما في حالة الدنيا فإنه بعد ما علم النهاية المحتومة لكل فرد فإنه لم يعد له أي أمل أو وجهة يسعى إليها فإن خوفه قد محا له الطموح وإن كان هذا الخوف من غير أي إعداد فإن هذا الشخص لا يفعل شيئا مفيدا لمستقبله لعدم وجود همة, حافز يدفعه للعمل بجد.
أما في حالة الدين فإنه بعد ما علم أن ليس على الله بعزيز سوى رسله وبالأخص محمد صلى الله عليه وسلم ومن ماثلهم فإنه على علم بأنه مهما قدم فلن ولن يصل إلى معشار منزلتهم وما أعد الله لهم في الجنة فإذا لم وعلى ما الاجتهاد وقد حجزت المراكز الأولى المرموقة؟؟؟
هذا إنسان ليس له طموح ليسعى إليه في دين ولا دنيا!! فما علاج هذه الدناءة أو ما شئت فقل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية ارقامها: 55820، 63659، 71971، 61088، 36430، 26195، 25496، 20725، 64483، 32933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(9/2706)
صرف المال ببذخ إسراف وتبذير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من قلق شديد وخوف من أي أمر وبالذات في الحياة العملية ومشكلة الأخرى أني غير موفر للمال، مهما يأتني أي مال أصرفه ببذخ وبعدها أحس بندم شديد، أرجو الإفادة في هذا الموضوع وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت أنك مصاب به من قلق شديد وخوف من أي أمر من أمور الحياة العملية، قد يكون سببه البعد عن الله تعالى، فكن على صلة بالله تعالى حتى يذهب عنك ما تجد، وتعرف على الله في الرخاء يعرفك الله في الشدة، والجأ إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في دعائك، وأكثر من قول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وفرغ جزءا من وقتك -ولو قليلا- لتلاوة القرآن والتدبر في معانيه، فإن الله تعالى يقول: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {الإسراء:82} .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم علاج الهم والغم بقوله: ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا، فقيل: يا رسول الله؛ ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد.
وأما الذي ذكرته من صرف المال ببذخ فهو من الإسراف والتبذير اللذين ورد التحذير منهما في الشرع الحنيف. قال تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف: 31} . وقال تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً {الاسراء:26- 27} .
فحاول تجنب صرف المال في غير مصارفه الشرعية، وتب إلى الله مما كنت تفعله، ونسأل الله العلي القدير أن يزيل عنك القلق والخوف، ويأخذ بناصيتك إلى صراطه المستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(9/2707)
حكم الكذب لمساعدة شخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب متجر وكان يعمل عندي أجير وقد انقطع عن العمل وبعد فترة ثلاثة أشهر سرق محلي لأكثر من مرة وبعد المراقبه تم القبض على هذا الأجير في الجرم المشهود وتم الصلح بيني وبين أهل الأجير ودفعوا لي قيمة المسروقات وحين ذهبت للمحكمه للتنازل عن المذكور قمت بتغيير أقوالي بعد حلف اليمين لتخفيف العقوبة عليه ونيتي تخيفيف ما أمكن من العقوبة وحتى لا يصبح عالة على غيره وحتى لا تترك زوجته المنزل فهو متزوج منذ فترة وجيزة وعسى الله أن يهديه ويصلح من أمره فهل أنا آثم؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان الأجدر بك إن أردت التخفيف عن الشخص المذكور ومساعدته أن تفعل ذلك من غير أن تقدم على الكذب، وبإمكانك أن تستخدم التورية والتعريض في كلامك إن احتجت إلى ذلك حتى تسلم من الكذب، وعلى كل فإن كنت قد وقعت في الكذب فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وتكثر من الاستغفار، ولا تعد إلى مثل هذه الحالة.
وقد كانت الإجابة بناء ما فهمنا من سؤالك فهو غير واضح، فإن كان المقصود غير ذلك فالرجاء إعادة السؤال بطريقة واضحة لنجيب عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/2708)
تعاملي مع ضرتك بخلق المسلمة.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي مشكل في علاقتي مع زوجي لطالما حاولت أن أتغلب عن نفسي لكنني لم أستطع لأنه بصراحة زوجي لديه زوجة أخرى وهي لا تنجب وأنا التي أنجبت وأنا أخشى منها على بناتي ولا أستطيع أن أتركهم معها وقليلا ما أرسلهم لها، فهل في هذا ذنب في حقها، وأيضا زوجي دائما يمنعني من التقرب منها ولكنني وجدت في هذا مشاكل كثيرة أثرت على علاقتي بزوجي، فهل في نظركم هذا هو الحل لهذا المشكل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنجاب نعمة من نعم الله تعالى على عباده، فهو سبحانه الذي يهب لمن يريد، ويمنع من يريد، فلا ينبغي للمسلم أن يتطاول على أخيه المسلم بسبب ذلك، قال تعالى: للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشُّورى:49-50}
وعليك أن تتعاملي مع ضرتك تعامل المسلمة مع المسلمة، فإن للمسلم على المسلم حقوقا سبق بيانها في الفتوى رقم: 79161، فراجعيها.
ومن تلك الحقوق حسن الظن به، إلا إذا ظهرت قرائن واضحة بخلاف ذلك.
وليس عليك حرج في منع بناتك من الذهاب إلى ضرتك أو غيرها، وخاصة إذا كنت تخشين عليهن التأثر بأخلاق أو تصرفات منحرفة.
وعليك بطاعة زوجك وتنفيذ أمره، فإذا منعك من الذهاب إلى زوجته الثانية فلا يجوز لك مخالفته في ذلك.
وأما الإشكالات التي بينك وبين زوجك فلا ندري ما سببها، هل هو الاقتراب من ضرتك أو الابتعاد عنها فالسؤال غير واضح، وعموماً فيلزمك طاعة زوجك في المعروف كما سبق، ويلزمك من الناحية الشرعية أن تتعاملي مع ضرتك بخلق المسلمة.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/2709)
صور الغيبة المباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الجمع بين فتواكم رقم 79061 وبين الحديث " من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة " علما بأن الحديث الذي تم الإشارة إليه في فتواكم " صعلوك ليس له مال " أن وصف الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقلل من شأن المسئول عنهم على غرار " إذا أتاكم من ترضون دينه فزوجوه " أرجو التوضيح وهل على من يريد أن يخطب فتاة يصارحها بذنوبه ومعاصيه علما بأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائيين التوابون. وشكرا لكم محبكم في الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما في حديث (من ستر مسلماً ... ) حكمٌ عام، وما في الفتوى المشار إليها حكم خاص.
فالأصل هو العمل بعموم الحديث، فيلزم المسلم ستر أخيه المسلم وعدم هتك ستره، أو ذكر معايبه، وجعل الشرع الكريم ذلك من الغيبة المحرمة، ففي صحيح مسلم: قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. فلا يجوز للمسلم أن يذكر أخاه المسلم بما يكره، إلا أن هذا الحكم العام تستثنى منه صور تباح فيها الغيبة:
الأولى: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول المظلوم عن الظالم: سرقني أو ظلمني، ولا شك أن ذكر الغير بأنه سارق أو ظالم مما يسوء، ولكن جاز ذكره للتظلم.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا، أو شخصا يصاحب إنسانا سارقا أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفا بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصا. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى. وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم، وغيره.
وعليه.. فلا تعارض بين الحديث والفتوى.
ولا يلزم الخاطب أن يذكر ذنوبه وآثامه عند من يريد خطبتها، بل الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويستر على نفسه، وأما إذا كان مصراً على قبائح الذنوب وشنيع الآثام فيحرم عليه أن يغرر بمن يريد الزواج منها، فيظهر في ثوب الصالح المستقيم، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول -كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره-: من غشنا فليس منا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1427(9/2710)
خطورة الغضب وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل الأعزاء: طلقت زوجتي مرة واحدة، الأولى وأنا غضبان طلقت زوجتي مرة واحدة، الثانية وأنا غضبان طلقت زوجتي مرة واحدة، الثالثه وأنا غضبان أمام القاضي في المحكمة، سوف أروي لكم القصة بالتفصيل: بعد زواجنا كثرت المشاكل بدون مبرر صحيح مما جعلنا نشك في وجود سحر وغيره فأتينا برجال دين وكشفوا علينا وتبين وجود بعض أنواع السحر والأمراض الروحانية وسواء مني أو منها وهذا بالفعل موجود على أرض الواقع ولكن لم أتحمل المشاكل شبه اليومية فأغضب وتطلع مني كلمة الطلاق مرة وبعد عدة أشهر طلعت مرة ثانية وبعد عدة سنوات طلقتها أمام القاضي في المحكمة بحيث اكتمل عدد 3 طلقات، نحن نحب بعضنا البعض والله ونتمنى البقاء مع بعض والعيش ولكن مشاكل السحر وغيره هي السبب، لا زلنا إلى حد الآن نحب بعضنا البعض، والطلاق مر عليه شهران ونصف الشهر فهل يمكن الرجوع إلى بعضنا البعض أو الأمر انتهى إلا بعد زواجها من رجل آخر ثم يطلقها وترجع إلي، بالله عليكم أفتوني في أمري جزاكم الله عني خيرا، والله الفراق صعب على النفس فنحن الاثنان قد تعبنا جدا لفراقنا ونحن الاثنان مرضى روحانيين والله كيفما أحكي لكم، هل يوجد عذر بسبب مرضنا الروحي والذي نعاني منه نحن الاثنان؟
بالله عليكم لا تبخلوا علينا جزاكم الله خيرا.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم طلاق الغضبان ومتى يعتبر ومتى لا يعتبر، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 54697، 1496، 3073، كما بينا حكم طلاق المسحور في الفتوى رقم: 9157، فانظر في حالك وقت صدور الطلاق منك على ما بيناه في الفتاوى المحال إليها.
ولكننا ننبهك أيها السائل الكريم إلى خطورة الغضب وما يؤدي إليه، ولذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ودعى إلى قطع أسبابه وبين سبل علاجه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني: قال: لا تغضب، فردد مرارا فقال: لا تغضب. وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله. قال ابن التين: جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب. خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينقص ذلك من دينه. وقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. متفق عليه من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.
فأيما امرئ اشتد عليه الغضب فإن كان قائما فليجلس أو قاعدا فليتكئ أو متكئا فليضطجع، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع. أخرجه ابن أبي الدنيا وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح.
ومن سبل دفع الغضب وإسكانه: الوضوء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ. رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1427(9/2711)
حد الغيبة وهل يكتب كل ما يلفظه العبد
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يذكر الناس وهم ليسوا حاضرين ومرات يكون ذكر الناس بسوء فرد علي قائلا إني أفعل من الخير كذا وكذا والله كبير ولن يسجل كل كلمة أقولها وإن الله أعلم بالنوايا وكلام على هذا النحو، فما حكم ذلك وأرجو من فضيلتكم شرح الغيبة شرحا مفصلا وأرجو توجيه النصيحة لمن يقول مثل هذا القول والطريق الأمثل لتركها، وإذا كان هذا الشخص الذي كنت أحاول نصحه هو والدتي فهل علي إثم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ذكر الناس بما يكرهون في حال غيبتهم هو عين الغيبة، كما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قيل: يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم وغيره.
أي قلت فيه البهتان وهو الكذب والباطل، والغيبة من كبائر الذنوب التي جاء النهي عنها والتحذير منها بأسلوب يدعو إلى البعد منها، فقال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وينبغي للمسلم أن يتقبل النصيحة ممن قدمها إليه ويكف لسانه عن كل ما لا ينفعه في دينه أو دنياه ... فكل ما يتلفظ به العبد مكتوب عليه، كما قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ... وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: وإن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب. رواه البخاري.
وعليه ألا يغتر بفعله للخير فإن حقوق العباد من الذنوب التي إذا لم يأخذوها في الدنيا أو يسامحوا بها ... أخذوها في الآخرة من حسنات المغتاب أو بطرح من سيئاتهم عليه والعياذ بالله تعالى.
وأما نصيحتك لوالدتك فهي من آكد الواجبات فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدين النصيحة ... الحديث رواه مسلم.
وأحق الناس بالنصيحة أقربهم منك، ولكن ينبغي أن تكون النصيحة برفق ولين وحسن خطاب، ويتأكد ذلك مع الوالدين، وخاصة الأم التي خصها الشرع بمزيد من البر والإحسان، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26952، 27679، 71434.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(9/2712)
موقف الموظف الكفء تجاه الموظفين الحاسدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
ما حكم الدين في من يمارسون النفاق في العمل للمسؤول ويتبعه في خير وشر ودائماً يخوض مع الخائضين باتباعهم أسلوب نشر السوء وتشويه سمعة الطيبين من الخلق دون أن يعلم أن هناك مكائد تدبر له وماذا يفعل إذا اشتد عليه الحصار من قبل المنافقين ويشعر بالوحدة أحياناً وبالعزلة أحياناً أخرى، كل هذا لأنه في حاله ولا يخوض معهم ويتمتع بالكفاءة وليس الولاء كما يريدون هو رجل صاحب بيت وأولاد ونحسبه مؤمن هل يقطع رزقه بيده وهذا ما يريدونه أم يصبر ويفوض أمره إلى الله، وللعلم هذه هي طريقتهم إن أرادت مسؤولتهم التي توجههم لذلك قطع رزق أحدكم من أناس تركوا العمل بهذه الطريقة المجرمة وللأسف تضم معهم في هذه الجريمة مسؤولتي، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أولئك الذين قلت إنهم يخوضون مع الخائضين ويتبعون أسلوب نشر السوء وتشويه سمعة الطيبين من الخلق إنما حملهم على ذلك الحسد، والحسد خلق سيء يلجأ إليه بعض الناس للرغبة من التفوق على الآخرين في المال والمناصب وغيرهما، فلا يرضون بقسمة الله تعالى، ولا يعرفون طريقاً لتحقيق تلك الرغبة إلا بحسد الآخرين على ما أعطاهم الله، والتسخط على قسمته لهم، فتحترق قلوبهم كمداً وتتراكم عليهم الآثام والأوزار ولن يجلبوا لأنفسهم إلا ما كتبه الله لهم.
والحسد نار تأكل قلب الحاسد، وهو دليل على ضعف النفس وقلة الحيلة، وهو مما يحط من منزلة المرء بين الناس، وكما قيل: الحسود لا يسود.
فننصح هذا الذي وصفته بأنه لا يخوض مع أولئك فيما يخوضون فيه، وأنه يتمتع بالكفاءة إلى غير ذلك مما ذكرته من صفته ... ننصحه بإتقان عمله وأدائه على أكمل وجه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.
كما ننصحه بالإخلاص لله تعالى وابتغاء مرضاته دون من سواه، ففي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس. ونسأل الله له الثبات والنصر على الأعداء والسلامة من كيدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1427(9/2713)
وسائل تجنب الإسراف ورمي الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل متزوج ولي أولاد، وزوجتي من الزوجات الطائعات وتحافظ على صلاتها وتصوم وهي أيضا منتقبة، ولكن بها عيب خطير وهو أنها تترك الكثير من الطعام دائما حتى يتعفن ونلقيه بالقمامة، وأنا والحمد لله ميسور الحال، ولكن في كثير من الأحيان يضيق الله علينا معيشتنا، وأنا أشعر أن هذا بسبب ما تفعله زوجتي، وقد نصحتها كثيراً جداً لأكثر من ست سنوات وعاتبتها ونهرتها وعاقبتها، ولكن عندما أؤاخذها فإنها ترجع عما تفعله، ولكن لمدة أيام معدودة ثم تعود لما كانت عليه، ودائما أقول لها اتقي الله وصوني نعمة الله، ولكن لا حياة لمن تنادي، فماذا أفعل معها وأنا أخاف الله وأخشى أن يحاسبني لأنني لا أتخذ ضدها موقفا حازما، فهل أنذرها بالطلاق وإن لم ترجع أطلقها أم ماذا أفعل، علما بأنني سعيد معها جداً في سائر أمور حياتنا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يبسط عليكم نعمته ويزيدكم من فضله ويرزقكم ذكر ذلك إنه سميع مجيب، وأما ما سألت عنه.. فما كان من الطعام صالحاً غير تالف فلا يجوز رميه، إلا إذا خشي حصول ضرر باستعماله، أو كانت النفوس تعافه وترغب عنه، فليصرف حينئذ للحيوان الداجن، فإن لم يوجد فنرجو أن لا يكون برميه بأس، ويمكن معالجة الأمر بمنع أسبابه وذلك بأن تحذر من الإسراف، وهو الإنفاق من غير اعتدال، ووضع المال في غير موضعه، كما قال ابن عابدين: إن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء فيما لا ينبغي.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67} ، فلا يطبخ المرء إلا على قدر حاجته، ويمكن ضبط ذلك بملاحظة العادة والتجربة فلا يبقى زائد حينئذ، وإذا افترضنا بقاءه فالمسؤولية مشتركة حينئذ بينكما ولا ينبغي تحمليها للزوجة فحسب، بل تتعاونان على حفظ ما يبقى أو تصرفانه إلى الفقراء والمساكين، وإن قصرت هي في بعض ذلك أحياناً فلتقم أنت مكانها بما ينبغي وحينئذ يحصل التكامل، وأما تهديدها بالطلاق أو غيره، فلا ينبغي لأن ذلك قد يهدم كيان الأسرة وهو ما يتمناه الشيطان ويعمل لأجله.
فننصحك بمساعدة زوجتك في شأن البيت والخدمة أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. قال ابن حجر في فتح الباري: وقد وقع مفسراً في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ: ما كان إلا بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها: يخيط ثوبه ويخصف نعله، وزاد ابن حبان: ويرقع دلوه، زاد الحاكم في الإكليل: ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادماً.
وقال المناوي في فيض القدير: وفيه ندب خدمة الإنسان نفسه وأن ذلك لا يخل بمنصبه وإن جلَّ.
فتعاونا على ذلك وتعاهدا ما يبقى فذلك من شكر النعمة، وقد تعهد الله للشاكرين بالمزيد، كما في قوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1427(9/2714)
حكم ذكر الظالم بما فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث عن الظلم والظالم حرام لأني طلقت وظلمت والله شهيد على ذلك ولكن الناس تسأل لماذا طلقتي أضطر إلى قول الحقيقة لأنه يتحدث عني بالكذب والحقيقة كانت فيها زوجة صديقة عاملني بقسوة وطلقني بسببها والله يعلم ذلك أنا تأكدت ورفضت علاقة السهر والاختلاط أنا أخاف الله لم أتهمهم قطعيا بالزنى فقط كيف كان يعاملني بسببها واتصالات كثيرة وعلاقة حب قوية مع الدلائل، ولكن لما أسأل أتحدث عن كثرة ما عاملني هو وهي، هل أقع بالإثم إذا تحدثت، وإذا كان كذلك فماذا أفعل، وما هو دعاء العوض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الحالات التي تجوز فيها الغيبة: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
أما عند غير هؤلاء فلا يجوز إلا على سبيل القصاص من غير عدوان ولا كذب ولا ظلم، وتركه أفضل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: منها: المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه، إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء كما قالت هند: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. كما قال: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته. وقال وكيع:عرضه: شكايته، وعقوبته حبسه. وقال تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وقد روي أنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه (أي يضيفوه) فإذا كان هذا فيمن ظلم بترك قراه الذي تنازع الناس في وجوبه وإن كان الصحيح أنه واجب، فكيف بمن ظلم بمنع حقه الذي اتفق المسلمون على استحقاقه إياه أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير، وترك ذلك أفضل. انتهى.
وعليه فحديثك عن زوجك بما فيه مما ذكرت لا تأثمين به إذا كان قد ظلمك وأساء عليك كما قلت، أما مجرد الطلاق فليس ظلما مع القيام بحدود الله وإعطاء كل ذي حق حقه.
أما الدعاء الذي يقال عند المصيبة ولطلب العوض.. فهو ما ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1427(9/2715)
خوف الرياء ليس مدعاة للكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف فتاة تقوم بغسيل كلوي عفانا الله وأحببت أن أتبرع لها بالمال ولكني أخاف الرياء فكذبت وأعطيت لشخص يعطيها المال مدعيا بأنه ليس مني بل من زميل لي في العمل؟ فهل هناك إثم؟ مع حرصي دائما على التبرع بالصدقة تطهيرا للنفس والمال وحرصا مني على تفادي دخول درهم واحد حرام على مالي بدون قصد أو جهل مني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في حرصك على مساعدة هذه الفتاة وحذرك من الرياء وأكل الحرام، فنسأل الله تعالى أن يثيبك على ذلك خيرا.
فإن كنت قد أشرت على هذا الرجل الذي أوصل هذا المال بإخبارها بخلاف الواقع فقد أسأت من هذه الجهة فإن هذا من الوقوع في الكذب من غير حاجة تدعو إليه إذ من الممكن أن تخبر بأن هذا المال من فاعل خير فيتحقق المقصود فالواجب على كل منكما التوبة.
وننبه إلى أمر ينبغي الحذر منه وهو أن لا يكون خوف الرياء مانعا من البر وفعل الخير، وتراجع الفتوى رقم: 31449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1427(9/2716)
من استشير في خاطب هل يبين مساوئه أم يسكت
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب في الغربة , وأعلم أنه لا يصلي لأني سكنت معه فترة من الزمن (رغم ادعائه بأنه يصلي) , وأعلم عنه عدم التزامه حيث إنه يستضيف الأجنبيات في غرفته ويخلو بهن , كما أني قد علمت أنه يرتكب الفاحشة (الزنا) وذلك من خلال تبريره بأنها علاقة (بوي فريند - كيرل فريند) أمام الأجانب , لكنه لا يقر بذلك أمامي.
وادعى هذا الشاب أنه تاب من جلب الفتيات إلى بيته منذ فترة وأنا أعلم يقينا بأنه يكذب.
إذا عاد هذا الشاب إلى بلده المسلم, وتقدم لخطبة فتاة مدعيا أنه مستقيم ومحافظ على صلاته. وقام أهل هذه الفتاة بسؤالي عن هذا الشاب.....
السؤال: بماذا أجيب أهل هذه الفتاة, وهل أتجاهل ما كان يفعله في بلاد الغربة (بلاد كفر اجتمعنا فيها بحكم الدراسة.... ولا حول ولا قوة إلا بالله) , أم ألمح لهم بأنه غير مناسب , أم أجيبهم صراحة بما أعرفه عن هذا الشاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك يا أخي الكريم إن استشرت في هذا الرجل أن تذكره بما فيه من العيوب لأنك مؤتمن، وترك بيان حقيقته غش نهانا الله عنه.
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس وفيه أنها ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام تقدما لخطبتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ...
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: في هذا الحديث فوائد منها جواز وصف الإنسان بعيب فيه للتعريف أو مصلحة تترتب عليه، لا على قصد التنقيص، وهذا أحد وجوه الغيبة المباحة وهي ستة مواضع يباح فيها ذكر الإنسان بعيبه ونقصه وما يكرهه، وقد بينتها بدلائلها واضحةً في آخر كتاب الأذكار الذي لا يستغني متدين عن مثله.اهـ
وقال الإمام النووي في موطن آخر: وفيه دليل على جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة. اهـ
بل نص جمع من الأئمة منهم ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله في تحفة المحتاج على أنه يجب على المسلم أن يبين وينصح ولو لم يستنصح فقال: (ومن استشير في خاطب) ... أو لم يستشر ... (ذكر) وجوبا ... (مساوئه) الشرعية وكذا العرفية فيما يظهر أخذا من الخبر الآتي [وأما معاوية فصعلوك لا مال له] ... الخ
ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم 57460.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(9/2717)
حكم الدراسة في دار للقرآن استبدل مديرها ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أدرس بدار للقرآن، وفي هذه السنة وقع سوء تفاهم بين مالك دار القرآن ومديرها وتم التحايل من طرف أشخاص من أجل عزل المدير لكي يتولوا هم تسييرها. وفعلا نجحوا في ذلك وأساؤوا للمدير فتضامن معه كل أساتذة دار القرآن والمشهود لهم بالصلاح وقرروا هم أيضا الانسحاب احتجاجا على ما حصل, فما كان منا نحن كطلبة إلا سحب تسجيلنا من هذه الدار كي لا ندعم هذه الإدارة الجديدة الظالمة.
الآن وقد مر شهر, أجد نفسي أنني في حاجة للدراسة في دار القرآن لما لها من فضل كبير في تفقهي في ديني وحفظي للقرآن ولكني في حيرة من أمري, هل ألتحق من جديد أم لا, الكثير يشهد أن إدارتها الجديدة بنيت على باطل وبذلك بتسجيلي فيها أكون قد وافقت على هذا الباطل وناصرته ولكني من جهة أخرى أنا أريد طلب علم والأساتدة الجدد لم يجرحهم أحد ولم يعرف عليهم سوء على العكس أكد لي الطلبة الجدد أنهم من خيرة الأساتذة (المشكلة في الإدارة فقط) أرجو أن ترشدوني لحل , خصوصا وأن هذه الدار قريبة مني وقليلة هي الدور التي تقدم لطلابها مثل ما تقدمه من علوم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على مناصرتها للحق وبعدها عن الظلمة وحبها للقرآن الكريم وأهله وحرصها على تعلمه، فقد حذر القرآن الكريم من الركون إلى الظلمة وصحبتهم والميل إليهم فقال تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {هود: 113} ولذلك فقد أحسنتم عندما ساندتم المظلومين ضد الظلمة.
وبخصوص تسجيلك في هذه الدار فالأفضل لك أن تبحثي عن دار أخرى يقام فيها العدل وينصف فيها المظلوم كما أمر الله تعالى، وإذا لم تجدي غيرها أو كانت تحصل لك المشقة لبعدها أو ما أشبه ذلك فلا تتركي الفرصة تفوتك بعدم تسجيلك في هذه الدار القريبة منك وخاصة إذا كان أساتذتها أكفاء طيبين، لأن الشريعة مبناها على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، ومن أعظم المصالح حفظ كتاب الله تعالى وتعلم دينه، ومن أعظم المفاسد الجهل بكتاب الله تعالى وبدينه، وعليك أن ترشدي من استطعت إرشاده وتنصحي للجميع فذلك أساس الدين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
ولمعرفة فضل حفظ القرآن الكريم ومنزلة حفظته نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 19251.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(9/2718)
حكم ذكر المواقف المضحكة عمن لا يعرفون بأعيانهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ذكر القصص عن بعض المواقف الغريبة المضحكة عن بعض الناس يعد من الغيبة؟؟
وهل يدخل في ذلك القصص عن جحا حيث إني قرأت أنه من التابعين أي أنه شخصية حقيقية، فهو ولا شك لا يحب أن يتكلم عليه الناس كما يتكلمون عنه بقصص مضحكة، ومن هذه الكتب كتاب أخبار الحمقى والمغفلين للإمام ابن الجوزي فهل مثل هذه القصص تعتبر من الغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغيبة قد عرفها العلماء بأنها ذكر المرء أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث: قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
والغيبة حرام باتفاق الفقهاء. وذهب بعض المفسرين والفقهاء إلى أنها من الكبائر بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك. قال القرطبي: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، واستدلوا بقوله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، وبقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، وبقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق.
وقد نصوا على أن الغيبة لا تكون إلا على شخص أو أناس معلومين أو مبهمين يعلم المخاطب أعيانهم فيحصل بذلك انتهاك أعراضهم، قال القرافي: حرمت أي الغيبة لما فيها من مفسدة إفساد الأعراض. وانظر الفتوى رقم: 18728.
ويناء عليه فانه لا حرج في ذكر حكايات لمن لا يعرفهم الناس المعاصرون بأعيانهم.
وأما جحا فقد ذكر أمره في بعض كتب العلماء ولكنه لم يثبت ما يفيد أنه شخص معروف، فقد ذكر بعضهم أنه دجين بن ثابت اليربوعي أبو الغصن البصري ولكن ضعف ذلك المحققون.
قال ابن حجر في تعجيل المنفعة: دجين بن ثابت اليربوعي أبو الغصن البصري عن أسلم مولى عمر وهشام بن عروة وعنه ابن المبارك ووكيع وأبو عمر الحوضي ومسلم بن إبراهيم وجماعة وهاه ابن معين وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن حبان كان قليل الحديث منكر الرواية على قلته يقلب الأخبار ولم يكن الحديث شأنه وهو الذي يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحا وليس كذلك قلت ابن عدي روى لنا عن يحيى بن معين انه قال الدجين هو جحا ولم يصح عنه وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان والدارقطني وغيرهم. اهـ
وقال الذهبي في السير: أبو الغصن هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبو الغصن ثابت ابن قيس الغفاري مولاهم المدني عداده في صغار التابعين، يروي عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب ونافع بن جبير وخارجة بن زيد الفقيه وأبي سعيد كيسان المقبري والقدماء ورأى جابر بن عبد الله فيما اعترف به أبو حاتم.
حدث عنه معن بن عيسى وعبد الرحمن بن مهدي وبشر بن عمر الزهراني والقعنبي وإسماعيل بن أبي أويس وجماعة وأخطأ من زعم أنه جحا صاحب تيك النوادر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1427(9/2719)
صبر الزوجة على أذى أم زوجها وأخواته
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي إنسانة عصبية جدا ولسانها سليط، كم من مرة أهانتني بسبب جنسيتي فأنا لست من جنسية زوجي لكني الحمد لله مسلمة وأبرها وكلما أريد أن أحسن إليها أو أكلمها بكلمة طيبة ترد علي بالإساءة وتسيء إلى وإلى أهلي أيضا وزوجي حزين من هذا الشيء ولكن يبرها وحتى أنها وبناتها أذلوني ووصفوني بالكلبة وسكت ولم أرد عليهم بشيء وأنا دائما في خوف منها أن تأخذ زوجي مني وأن يتركني ولكن أنا واثقة من الله ومن زوجي أيضا فهو يبرها ولكن يفهم كل خططها وكلامها ولكن عندما تقول له يطلقني أو أن لا يصرف علي أو أن يجعلني أدفع ثمن هدية اشتراها لي زوجي فهل يجوز لها ذلك وهل على زوجي أن يطيعها في كلامها مع العلم أنها تملك من المال الوفير وتعطي كل أولادها إلا زوجي وهو الابن الأكبر لها لا تعطيه شيئا أبدا وتقول هذه نقودي أنا، فماذا أفعل وهل كلامها صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه سلم قال: ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، ما نقص مال من صدقة وما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله تعالى عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. أخرجه الترمذي وحسنه ابن ماجه وأحمد وحسنه السيوطي.
والشاهد فيه أن المرء متى ما ظلم مظلمة فصبر زاده الله تعالى عزاً ورفعة، فننصحك بالصبر على ما تلقينه من أذى من أهل زوجك، واعلمي أن الإحسان إليهم إحسان إلى الزوج وبر به، ولا يزيدك ذلك عنده إلا إعجابا بك وإكبارا. ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت كذلك، ففي الحديث: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
وينبغي أن تحاولي معرفة سبب بغضهم إياك، فربما كان السبب منك فأصلحت ما بينك وبينهم فرضوا، وربما كان حسدا منهم أوغير ذلك ودواء الحسد هو الترفع عن الحاسد وعدم مجاراته فيما يقول.
كما أن دفع السيئة بالحسنة من أقوى أسباب جلب المودة، كما قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
ولا يجوز لهم سبك ونعتك بمثل تلك الألفاظ البذيئة، وعلى زوجك أن ينصح أمه بأسلوب هين لين لتكف عن ذلك، ومنع الأم من الظلم ليس عقوقا بل هو من البر بها، وليكن حكيما في ذلك.
وأما مطالبتها إياه بفراقك أو دفع ثمن هداياه إليك فليس ذلك من المعروف، وينبغي أن يسترضيها وأن يفعل المعروف، وإذا استطاع ألا تعلم بما يهدي إليك فهو أولى تجنبا لأسباب الخلاف، ولئلا تحرمه من صلتها إن كانت تصله بمال ونحوه.
وخلاصة القول أننا نصحك بمواصلة الصبر على أذى أهل زوجك ودفع سيئتهم بالحسنة والعفو والصفح الجميل. مع محاولة معرفة سبب ذلك ومعالجته ما أمكن. وإذا كان من أسبابه وجودك مع أهله في شقة واحدة فلك مطالبته بسكن منفصل مستقل فذلك من حقك عليه، وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38116، 5338، 6710. وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
وأما ما ذكرت من كونها لا تعطي زوجك مثلما تعطي لباقي أبنائها فلا يجوز لها ذلك على الراجح إلا إذا كان لمسوغ معتبر كفقرهم واستغناؤه، وقد بينا حكم العدل بين الأبناء في العطية وكلام أهل العلم في ذلك في الفتويين: 6242، 39797.
نسال الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ أعراضنا وألسنتنا من قالة السوء إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1427(9/2720)
التناصح بين المسلمين والإحسان إلى المسيء
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وكفى وصلى الله وسلم على رسول الله أما بعد،،،
سؤالي لكم أيها الأحبة يا أهل العلم، أنني في هذه الفترة ونحن ها هنا في أرض فلسطين أرض الجهاد والاستشهاد، أرض الثبات على دين الله ثم الثبات في الميدان مما يجعل من أنفسنا غيورة على الإصلاح، الداخلي قبل الخارجي..أيضاً بالنسبة لي لا أستطيع الصمت عن الحق ولا أستطيع السكوت على خطأ أياً كان لأن أيها الأفاضل كما تعلمون بأن السيئة تجر سيئة وممكن أن يكون هزيمة جيش بسبب بعض الأخطاء والتي نصمت عنها.... ولكني أخشى أن أكون آثما إن بقيت صامتا ... فما هو السبيل لإصلاح الأمر التالي؟ وهو أنني محفظ في مسجد من بيوت الله ومسؤولي أو أميري يفعل أمورا ليست من شيم الإسلام ... وليست من أخلاق الإسلام..مثل الكذب، والمحسوبية، مما جعلني محرجاً ألتمس له العذر بالمراجعة مراراً وتكراراً بأن هذه الأمور من ظلم الشباب والعبد خطأ ويجب أن تكف عن ذلك ... ولكن أيها الأحبة أحس بأنني لم أعد أتماشى معه لأنني أصبحت على وعي تام بجميع الأمور باطنها وأعلاها ... حيث إنه بعد ذلك لم يستجب لي، فقمت بمراجعة من هم أعلى منه مرتبة في المسجد ولكنهم للأسف متعودون على أسلوب (الطبطبة) دعني أسميه أي كل واحد يخفي عيوب الآخر ... ومع أنني أثبت لهم الصفات غير المحمودة في هذا الأمير ... ولكن أحبتي في الله لم يعاقب، مع العلم بأن في المسجد شيوخا عظاما وحفظة لكتاب الله ولكن للأسف ليس لهم دور، ومن تحدث بالحق في هذا المسجد، يقومون بقول مجموعة من الألفاظ والتي لا يقومون بتنفيذها....مثل (السمع والطاعة مهما أخطأ الأمير فهو أفهم منك ويعرف ويقدر الأمور وينظر للأمور بعدة زوايا) أنا على علم ووعي تام بهذه الأمور، ولكن هناك أمور لا يمكن السكوت عنها ففي الحق وقول الحق لا زعيم ولا أمير والمؤمن الحق يجب أن لا يخاف في الله لومة لائم، كما وأن أحبتي في الله (الساكت عن الحق شيطان أخرس) ولكن اليوم عندما تحدثت بالحق أخرسوني وقالوا لي لا تتدخل بما لا يعنيك ... ولكن للأسف لا يعلمون بأن أمر المسجد أمر أحبتي في الله أخواني أمر يجب أن أحاور بل وأقاتل من أجلهم لأن (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) فأنا متضايق أشعر بالضيق والوحدة والتألم جداً لهذا الأسلوب المتبع وعدم سيادة الحق والله يعلم بأن ليس لي مصلحة ولكن همي الوحيد لمن بعدي من إخوتي وأحبابي حيث أنهم بلغوني بأنني يجب أن أعتذر له ... حسبنا الله ونعم الوكيل....أعتذر وأنا بأدلتي وبرهاني وهم علموه ولكن أخفوه لعلة في صدورهم، قال تعالى (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ....فماذا عساي أن أفعل ... هل أعتذر ... وأساهم في سيادة الليل....هل يرضى الله ورسوله عن ذلك؟ أرجو أحبتي في الله نصيحتي. ماذا أفعل؟ هل السمع والطاعة للأمير ... مهما بلغ السوء....هل دائماً المحق يعتذر للخاطئ.......أرجو مساعدتي حتى يرضى الله عني وعنكم ... إن شاء الله قال تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} ؟ وجزاكم الله خير الجزاء لما تقدمونه من نصح وإرشاد فجوزيتم عنا وعن المسلمين كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التناصح بين المسلمين من آكد أمور الشرع، وبه تنال محبة الله والسلامة من الخسران، ويتعين أن ينصح المسلم أخاه برفق وأن يكثر سؤال الله له الهداية، وما دمت نصحت أخاك وأعلمت المسؤولين بأمره فقد بذلت في تحقيق الاصلاح ما يمكن، واحرص على مواصلة شغلك بتعليم أبناء المسلمين القرآن، ولا تجعل من خلافك في بعض الأمور مع إخوانك ما يجعلك تصطدم معهم أو تكسل عن التعاون معهم في الخير، فإن الخلاف شر كما قال ابن مسعود لما صلى أربعا مع عثمان بمنى.
وأما الاعتذار فلا غضاضة ولا حرج فيه فقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في إحسان العبد إلى من أساء إليه، والاعتذار أقل أنواع الإحسان شأنا، وعلى الإخوة أيضا أن يسعوا في إقناعه هو بالحق، نسأل الله أن يصلح أمركم، ويسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يحفظكم من شر كل ذي شر. وراجع للاطلاع على الأدلة فيما ذكرنا وللمزيد من التفصيل الفتاوى التالية أرقامها: 66026، 65834، 63172، 61901، 69295، 28677، 60052، 72221، 55821.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1427(9/2721)
اجتناب ظن السوء بالزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عقد قراني منذ حوالي سنه (كتب كتاب) مع العلم بأن علاقتي بها هي علاقه زوجين أى أنني أباشرها ارتبط بها لأني كنت أرى أنها محل ثقة وعلى قدر من التدين ومنذ حوالي شهر حدث أن كنت عندهم وطلبت مني أن أوصل بعض الكتب لأحد أقاربها وفتحت أحدهم أمامي وأخرجت منه ظرفا وحين سألتها عنه ارتبكت ورفضت أن تريني ما به وبررت ذلك بأنه لا يخصها في شيء ولا يجب أن أراه لأنه يتعلق بسمعة فتاة حاولت أن أهدىء من قلقها في البداية ولكنها أصرت على موقفها وأصررت أنا أن أرى ما أخفته قالت إنها ستكلم تلك الفتاة وتخبرها لتتخلص من إحساسها بأنها قد تكون خائنة للأمانة واتصلت بها أمامي وفتحت الظرف وكان عبارة عن كارت من كروت المعايدة إلا أنها قرأت الظرف وارتبكت أكثر وقالت لي إنه ليس هذا هو الظرف الذي تتحدث عنه وأخرجت ظرفا آخر وأرتني إياه وكان به ما يدل على وجود علاقة زواج أو علاقة غير محترمة بين كاتب هذا الظرف والمرسل إليه وكان إمضاؤه (أبو مروان) وقالت لي إن تلك الفتاة مرتبطة بذلك الشخص منذ فترة طويلة وإنه قريب لها وأنها قطعت علاقتها بها لفترة بسبب هذه العلاقة مع العلم بأن زوجتي في أحد الأيام قالت لي إنها تتمنى أن تنجب ولدا تسميه مروان ومع العلم بأن هذه الفتاه تحمل نفس اسم زوجتي وأصررت كذلك أن أرى الكارت الثاني وكان به إمضاء باسم الشاب وكان بالكارت الاسم وتاريخ الميلاد الذى هو تاريخ ميلاد زوجتي وبررت ذلك بأن تلك الفتاة لها نفس تاريخ الميلاد وأن هذا الشاب كان زميلا لهما بالجامعة وكان يريد أن يرتبط بتلك الفتاة وأن هذا الكارت للفتاة ولا يخص زوجتي في شيء وأقسمت على ذلك كثيرا في أثناء المناقشه بيننا طلبت من والدتها أن تحضر بيننا النقاش وقالت إنها تعرف كل شيء أول ما أن دخلت والدتها سألتها عن هذا الشاب وبمن كان يريد الارتباط فردت والدتها باسم الفتاة وأكدت لي أن ابنتها لم يكن لها أي علاقة به وأنها طوال سنوات الدراسة بالجامعة لم يكن لها أي علاقات واتصلت بتلك الفتاة لتسألها أمامي عن تاريخ ميلادها ولكن الفتاة قالت تاريخ يسبق تاريخ ميلاد زوجتي بيومين فقط وبررت زوجتي ذلك بأنها لم تكن تعلم وأنها طوال السنوات الماضية كانا يحتفلان معا بعيد ميلادهما في يوم واحد وأن كل من كان معهما بالجامعة يعرف أنهما في تاريخ ميلاد واحد وفي اليوم التالي اتصلت بإحدى صديقاتهما أمامي وتحدثت معها وسألتها عن تاريخ ميلاد تلك الفتاة وكان من سياق الحديث ما يؤكد كلام زوجتي ولكني لم ألتفت لذلك وقلت قد تكون تلك المكالمة متفق عليها ووصل بنا الأمر إلى حد الطلاق فقد اتصلت بها بالتليفون في العمل وقلت لها أنت طالق أصابتها حالت إغماء فقلقت عليها وظللت بجانبها حتى أفاقت وكانت تصلي وتدعو كثيرا وهي تبكي وطلبت منها أن تقسم لي على المصحف بأنه لا علاقة بهذا الأمر وأنه لا يخصها في شيء فأقسمت لي بذلك وأقسمت لي أنها لم ترتبط بأحد قبل ارتباطها بي وكان لدي شعور بنسبه كبيرة أنها صادقة وكانت تطلب مني كثيرا أن أصدقها وأن أصلي صلاة استخارة لأن الله لن يتركني في حيرتي دون أن يظهر لي الحقيقة وبالفعل رددتها إلي في نفس اليوم الذي طلقتها وطلبت منها أن تقطع علاقتها بتلك الفتاة تماما وبالفعل قطعت علاقتها بها وطلبت منها أن ترتدي الاسدال فقالت لي إنها سترتديه مع العلم بأنها منذ فترة كانت ترغب في ارتدائه من تلقاء نفسها ولكنها حتى الآن لم ترتده ظلت الأمور بيننا هادئه لمدة 3 أسابيع وقبل عيد ميلادها بأسبوع بدأت أشعر بأني لا أستطيع التعامل معها وظل الأمر يسوء حتى كان عيد الفطر ثم عيد ميلادها والأمر يمر بنا من سىء لأسوأ وأحيانا أشعر بأني ما كان يجب أن أصدقها وأشعر بأنها غريبة عني وكلما تحدثت معي لتحاول أن تهدئني تزيد من عصبيتي كثيرا وأشعر أني لا أطيق الحديث معها وتبكي هي كثيرا وتقول بأنني أجرحها. أنا لا أدري ماذا أفعل لأتخلص من هذا الشعور وكيف ستمر الحياه بيننا دون أن يعكر صفوها هذا الأمر مع العلم أنها متعلقة بي جدا؟
من فضلكم أفيدوني لأن الأمر بالنسبه لي في منتهى الخطورة. وعذرا للإطالة عليكم في الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الأصل في المسلم السلامة من كل ما يسوء، فلا يجوز الإقدام على اتهامه بشيء من ذلك إلا عن بينة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات: 12} وعليه وبناء على ما ذكرت في سؤالك نقول لا يجوز أن تظن بهذه المرأة الظن السيء فضلا عن أن تحقق ذلك الظن بقول أو فعل، فاتق الله تعالى ولا تلتفت إلى ما يوقع الشيطان في قلبك من خواطر يفسد بها ما بينك وبينها من ود، بل أمسكها عليك واتق الله واستأنف معها حياتك كأن شيئا لم يكن، ونوصيك بأن تحرص على تعليمها أمور دينها، وأن تربيها على آداب الشرع، وقبل ذلك أن تكون أنت قدوة لها في ذلك، وحينئذ ستجد منها إن شاء الله ما يسرك وتقر به عينك، وأكثر من الدعاء بمثل قول الله تعالى: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان: 74} .
وننبه في ختام هذا الجواب إلى عدة أمور منها:
الأول: أن الرجل إذا عقد له على امرأة عقدا شرعيا فقد أصبحت بذلك زوجة له، ويحل له منها ما يحل للزوج من زوجته، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 2940، ونبهنا هناك على أنه ينبغي أن يراعى ما قد يوجد من عرف في تأخير الدخول.
الثاني: أن الاحتفال بعيد الميلاد لا يجوز، وتراجع في هذا الفتوى رقم: 26617.
الثالث: أن الحجاب واجب شرعي على المرأة المسلمة لا خيار لها في تركه. وراجع الفتوى رقم: 1867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1427(9/2722)
حفظ أسرار الناس واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[تم عقد قراني منذ عام، ولكني في حكم المدخول بها وفي أثناء وجود زوجي عندنا بالبيت كان بعض الأوراق في كتاب لي طلب أن يراها أنا رفضت لأنها لا تخصني وفيها ما يتعلق بفتاة قريبة لي وبسمعتها كذلك لأنها أمانة عندي، فهل يحق لي أن أصر على موقفي ولا أريه ما يريد أم أن هذا يعد مخالفة للشرع ولحقوقه علي حتى وإن سبب هذا الأمر خلافا بيننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على من كان لديه أمانة حفظها وعدم التصرف فيها إلا بإذن من صاحبها، ومن تصرف فيها دون إذن صاحبها فهو آثم متعد، كما أن ما كان من باب الأسرار يجب حفظه وعدم إفشائه.
وعليه.. فمن حقك منع زوجك من الاطلاع على هذه الأوراق، التي هي أمانة عندك، خاصة إذا كان فيها ما يمس سمعة هذه الفتاة، وليس من حقه طلب ذلك منك، ولا يجب عليك طاعته في هذا الأمر، لكن ننصحك بعدم معاندة الزوج، والتخلص من هذه الأوراق بردها إلى صاحبتها، حتى لا تكون مثار خلاف بينك وبين زوجك، وفقك الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1427(9/2723)
الكذب للإصلاح بين الزوجين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة تشك في زوجها أنه يخونها مع امرأة أخرى وكي أجعلها مرتاحة كذبت وأخبرتها أن ذلك كان فيما مضى وأنه تاب ولا يعرف الآن سوى زوجته وأنا في الحقيقة لا أعلم إن كان قد تاب ولكن لتفادي المشاكل أخبرتها بذلك وهي الآن مرتاحة لما أخبرتها وتعيش مرتاحة مع زوجها وأولادها ولكن أنا كذبت ما العمل؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب من الذنوب العظيمة والأخلاق الذميمة، وهو من صفات المنافقين التي وصفوا بها في القرآن الكريم، والحديث النبوي.
ولكن الكذب إذا كان بقصد الإصلاح كان مباحا، لما جاء في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها.
وعليه، فنرجو أن لا يلحقك ذنب بما أردته من تفادي المشاكل وبما أدخلته من السرور على تلك المرأة.
ولكن الأحسن إذا وجدت حالة مشابهة لهذه أن تلجئي إلى التورية، فإنها مندوحة عن الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(9/2724)
النهي عن الاتهام بدون بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا العزيز وقعت في مشكلة وهي، أنا طالب وأحب دراستي وهذا العام صادف أن جئت في قسم مشاغب وفي يوم ما أثناء الدرس أخذوا يتضاربون بالأوراق عندما لا يكون الأستاذ منتبهاً، ولكن هذه المرة انتبه الأستاذ وقال لهم إذا قمتم بهذا الفعل ثانية سأوقف الدرس إلى أن أعرف من الضارب، فضرب أحدهم شخصاً آخر بغطاء القلم فسمع الأستاذ الصوت وأوقف الدرس واستدعى المدير فطلب منا هذا الأخير أن يأخذ كل واحد ورقة ويكتب فيها من يعتقد أنهم السبب في هذه الضربة فكتبت ثلاثة أسماء مع أني لم أكن متأكداً، وتبين لي فيما بعد أنهم ليسوا هم من ضربوا، ولكن كانوا يشاغبون وهدد المدير بتوقيفهم وإحضار أوليائهم وأخذ ضميري يؤنبني بعد ذلك الحادث، إذ أن أغلب القسم لم يكتب وكنا قلائل نحن الذين كتبنا، ولكني والله شاهد فعلت هذا دون تفكير في الأمر، وبدافع أن يعم الهدوء ونبتعد عن المشاغبات، فأنا الآن في حيرة من أمري ماذا أفعل، مع أنني فكرت أن أستسمحهم، ولكن لا أدري ما قد يحل بي إذا عرفوا أني كتبت أسماءهم، فقد أتعرض للضرب والإهانه وتشوه صورتي مما قد يؤثر علي دراسياً، والله أني في حيرة، أجبني وأرحني أراحك الله، فأنا لا أدري عملي صحيح أم خطأ، وما يجب علي أن أفعل وحتى وإن قلت للمدير إنني أشك مجرد شك فقد لا يتركهم لأنني لست وحدي من كتب، الأمر يقلقني أخاف أن أكون قد ظلمتهم، أرحني جزاك الله خيراً؟ وأرجو عدم التأخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الواقع ما ذكرت فلا ريب أنك مخطيء في إقدامك على اتهام بعض زملائك الطلاب أنهم من قاموا بالفعل المذكور من غير بينة منك على ذلك، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12} ، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، ومن تمام توبتك أن تستسمحهم في ذلك.
ولكن بما أنك تخشى حدوث ضرر أكبر، فلتكثر من الدعاء والاستغفار لهم، عسى الله أن يتوب عليك ولا تعد لمثل هذا الفعل في المستقبل، وراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51474، 18997، 36627.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(9/2725)
حكم الكذب لمصلحة معتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول إنني ليس لي رقم تلفون لأحد زملائي مع العلم أن لي رقم تلفون ولكني لا أحب أن أعطيه له خوفا أن أحرجه, يعد كذبا وحرام علي أن أستمر فيه. وهل علمه أن لي رقم تلفون ينفي أن ما فعلت يعتبر كذبا وحراما. مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن عقد الصداقات بين الفتيان والفتيات هو مما تأباه الشريعة الإسلامية لما ينجر عنه في الغالب من الفتن والفساد، وقد أخبر الصادق المصدوق بذلك في حديثه الشريف حين قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فالأصل في الكذب أنه حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من أقبح الذنوب.
ولا يجوز الكذب للغرض الذي ذكرت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب. رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وقال المنذري: رواه الإمام أحمد عن شيخه عمر بن هارون، وفيه خلاف، وبقية رواته ثقات.
ولكن في التورية مندوحة عن الكذب، فلك إذا خشيت من شيء أن تُعرِّضي تعريضا يخرجك من الوقوع فيما تخافين منه، ولا تكونين به كاذبة؛ كأن تقولي: ليس لي رقم تلفون. وأنت تقصدين أنه ليس لك رقم تلفون ثابت إذا كنت تملكين تلفونا جوالا مثلا، ونحو ذلك ...
وإنما قلنا بالتورية لورود الأحاديث الآمرة بذلك، والتي عنون لها الإمام البخاري بقوله: باب المعاريض مندوحة عن الكذب.
وأما إذا صدر منك شيء من الكذب فإن إثمه لا ينتفي بمجرد علم صديقك بأنك كذبت عليه؛ وإنما عليك التوبة من ذلك الذنب بالندم والعزم على أن لا تعودي إلى مثله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(9/2726)
لا بأس بالكذب إذا تعين طريقا للوصول إلى الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بإحدى الشركات الكبرى وحسب نوعية عملي أتنقل كثيراً عند زبائني من مالي الخاص في نفس المدينة، لكن خارج المدينة أتقاضى تعويضا رغم أنه لدي الحق في التعويض شهرياً للانتقال داخل المدينة، لكن الشركة لا تريد تطبيقه قانونياً فرأى المدير المسؤول عني أن ندعي شهرياً الانتقال خارج المدينة لتعويضنا بمقدار حوالي ألف دولار زائدة، فهل علينا حرج في هذا الادعاء ريثماً يتم حل المشكلة رغم أن الكل يعلم به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان من حقك الحصول على بدل للانتقال داخل المدينة لعدم ما يلزمك بتحمل تكلفة الانتقال عقداً أو عرفاً، ولم تجد طريقاً للحصول على هذا الحق إلا بادعاء أنك تنقلت خارج المدينة، فلا حرج في ذلك، وإن كان فيه كذب فإن الكذب إذا تعين طريقاً للحصول على الحق لا بأس به، قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه.
قال ابن الجوزي: كل مقصد محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فهو واجب. علماً بأنه لا يجوز لك أن تأخذ أكثر من حقك، وراجع للتفصيل والفائدة الفتوى رقم: 27641، والفتوى رقم: 25629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1427(9/2727)
النهي عن السخرية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة أخي ليس وراءها غير السخرية مني ونحن نعيش في بيت واحد فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى زوجة أخيك أن تتقي الله تعالى في لسانها، فلا يجوز لها أن تسخر منك أو من غيرك بهمز أو لمز أو غيبة وغيرها، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 15186، والفتوى رقم: 35551.
وإذا لم تكف فينبغي أن تكلم زوجها ليؤدبها ويمنعها من ذلك، مع أن صبرك على أذاها ودفع سيئتها بحسنة خير لك، قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشُّورى:40} ، وقال: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصِّلت:34-35}
ولمعرفة حكم السكنى مع زوجة الأخ والدخول عليها انظر الفتوى رقم: 43476.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(9/2728)
ليس من التألي على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما بدأ رمضان قررت أن أكف نفسي من أي معصية حتى تصلح نفسي في رمضان, حتى أني قرأت عن المشركات والمخرجات من الملة خوفا على ديني, لدرجة أني أردت أن أحاول أن أنبه كل صحبي لأنه موضوع خطير, ولكن بدأت أتحطم عندما كنت أصلي وسهوت فقلت في نفسي عن فئة من الناس عصاة (لكنهم مسلمون) أنهم ضاعوا (وفي الحقيقة لا أعلم إن كنت قلتها بمعنى أنهم ضاعوا بأخلاقهم وحياتهم أم ضاعوا أي سيدخلون النار) وفي الحالتين أنا مخطئ ولكني أظن أنه الثاني لأني كنت أبرر إحدى خطاياي في نفسي, من بعد هذه الحادثة أصبحت أفهم معاني القرآن وأركز في الصلاة, أحيانا أبكي , وقد استغفرت عن تلك الخطيئة لأن المشكلة أن الله عز وجل يقول: ((من ذا يتألى علي.......وأحبط عملك)) .
فهل لي من توبة, وهل إذا تألى أحد على ربه يستطيع أن يتوب إليه فيغفر له حتى لو قالها بلسانه. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعيذني وإياكم من الوقوع في مثل هذه الأخطاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن التألي على الله منهي عنه، ففي صحيح الإمام مسلم من حديث جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك. وفي شعب الإيمان للبيهقي من حديث جندب قال: وطئ رجل على عنق رجل وهو يصلي، فقال الرجل: والله لا يغفر لك هذا أبدا، فقال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي أن لا أغفر له؟! فقد غفرت له وأحبطت عملك.
ولكن ما ذكرته من حالك ليس من هذا الباب، لأن هذا الذي صدر منك هو مجرد حديث نفس، والله تعالى يتجاوز عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
وحتى على افتراض أنك تكلمت بما حدثت به نفسك، فإنه يعتبر مجرد إخبار وليس فيه تأل على الله.
وحتى على افتراض أنك تأليت على الله، -وهو افتراض جدلي- فإن ما ذكرت أنك صرت فيه بعد هذه الحادثة من تفهم لمعاني القرآن وتركيز في الصلاة، والبكاء أحيانا من خشية الله, يعتبر توبة حسنة مقبولة -إن شاء الله- عند الله تعالى. ورُبَّ معصية انقلبت إلى نعمة على صاحبها بسبب ما أحدثه بعدها من التوبة والانكسار وزيادة الذل والخضوع لله رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(9/2729)
الإثم على آثار الحب لا على نفس الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الثالثة عشر من العمر وأحب ابن خالتي كنت أتواصل معه بشتى الأنواع، ولكني أريد أن أعرف هل الحب الأعمى حرام، لأني لا أستطيع السيطرة على حبي له، وما حكمه في الإسلام مع العلم بأني لا أستطيع منع حبه وهو يحبني أيضاً؟ مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحب وميل القلب مما لا يملك الإنسان التصرف فيه، ولا يأثم الإنسان بسبب هذا الحب إذا وقع بدون تسبب منه، ولكن الذي يملكه الإنسان هو ما يترتب على ذلك الحب من تصرفات، فإذا ترتب على ذلك الحب ما يخالف الشرع، فإن المسلم يأثم به، وقد سبق في الفتوى رقم: 4220، والفتوى رقم: 5714 ما يكفي ويشفي في هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1427(9/2730)
التجسس على البريد الألكتروني حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 سنة في مرة من المرات اصطدت (باسوورد) لشاب كان يضايقني وأصبحت أتصفح إيميله بسهولة هذا الشاب من أقاربي فجعت أنه يراسل فتاة من أقاربنا أنا وإياه لكنها تقرب له أكثر فهي بنت خالته وأنا أعرفها وأعرف أهلها وفوجئت أنها رسائل حب وغزل وعشق وهيام الشاب عمره 19 والفتاة 18 ماذا أفعل هل أغير الباسوورد الخاص به أم لا يجوز أن أتطفل أفيدوني؟ مع أني للآن ساتر عليهما ولم أخبر أحدا بذلك؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم التجسس على المسلمين، وذكرنا أنه حرام لا يجوز لغير ضرورة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات: 12} ولما رواه أحمد وغيره عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته. وانظر ذلك مفصلا في الفتويين رقم: 16126، 65893، فلا يجوز لك أن تطلع على بريد ذلك الأخ، ويجب عليك أن تستر عليه ما علمت، ولا تغير رقمه السري أو غيره، لكن انصحه وبين له حرمة إقامة العلاقات مع الفتيات ومراسلتهن والحديث معهن، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1072، 1753، 621، فإن استمر على ذلك ولم يقلع وخشيت تفاقم الأمر فلك أن تتخذ من الوسائل المشروعة ما تغير به ذلك المنكر، كأن تخبر بعض من له سلطة عليهما، وينبغي تهديده بذلك قبل الإقدام عليه. وإذا كان تغيير (الباسوورد) يقطع تلك العلاقة فلا حرج في قطعه دون علمه، لكن نخشى أن يفتح بريدا آخر فيتراسلان عليه. فانظر فيما تغير به ذلك المنكر من الوسائل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل: 125} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(9/2731)
الحب يفعل فعل السحر في القلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم سوف أشرح لك قضيتي بالتفصيل الممل، أنا شاب في ال 21 من عمري أدرس وأشتغل وأنا من الأوائل في مجموعتي وقد أنعم الله علي بالصحة والعافية وأعطاني أخلاقا وتربية حميدة ووسامة والحمد لله، المهم أن الكثير من البنات حاولن التقرب مني إلا أنني لم أعر ذلك اهتماما لعدة أسباب وهي:
1 – كرست نفسي وحياتي لخدمة أهلي خصوصا وأنني أكبر إخواني.
2- عندي أخوات بنات وأخاف عليهن من التعرف على شباب إذا ما تعرفت أنا على بنات.
3- خوفي أن أتعرف على بنت وأتعلق بها وأبدأ أعيش حياة معذبة كما غيري من الشباب (وهو موضوع قضيتي)
القصة كالتالي: -
بقيت على عزمي حوالي الأربع سنوات وأنا أكافح ألا أتعلق ببنت أبدا إلى أن وقعت وتعرفت على فتاة أحبتني بصدق وإخلاص ولكني كنت دوما أحاول أن أفرق علاقتنا ولكنها كانت دوما تتحملني وبقينا على هذا الحال حوالي السنة ولم تمل البنت إلى أن تعلقت أنا بها وأصبحت لا أستطيع الإعراض عن حبها وكبر الحب بيني وبينها واتفقنا على الزواج وخلال هذه السنة سوف أتقدم لخطبتها خصوصا وأن أهلها تقريبا يعلمون بموضوعنا ما عدا والدها، والمشكلة أني لا أقدر أن أصبر هذه السنة من شدة تعلقي بها خصوصا وأنها تسكن في محافظة أخرى غير محافظتي ولا أراها إلا كل سنة وأنا الآن يا شيخنا لم أعد كما كنت من سابق في عملي ودراستي من كثرة التفكير بها. (أظن ذلك زاد عن حدود الحب) لذلك يا شيخنا أنا أشك أنه قد تم عمل سحر لي أو ما شابه مما غيرني هكذا رغم أنها من بيت محافظ لا يؤمنون بهذه الأشياء.
يا شيخنا لو فرضنا أنه تم عمل سحر لي كيف أستطيع أن أتخلص منه رغم أني والحمد لله محافظ على صلاتي
للمعلومة: أنا أكلت من تحت أيديها أكثر من مرة، وشكرا لكل من يساعدني أو يحاول أن يساعدني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيرا على رعايتك لأسرتك وقيامك على أمرهم، وهذا من أعظم أنواع البر والخير، وسترى بإذن الله تعالى عاقبة الخير عاجلا وآجلا.
ونسأل الله تعال أن ييسر لك الزوجة الصالحة التي تعينك وتشجعك على ما أنت قائم به من الخير ورعاية أهلك، وأما بشأن الشك في وجود السحر فلا نرى مبررا له أبدا، وعليك أن تحسن الظن بالمسلمين، والحب له تصرفه في القلب، والمؤمن العاقل هو من جعل هذا التصرف محكوما بضوابط الشرع، فلا يتعدى حدود الله تحت تأثير الحب، وفقك الله لكل خير ويسر لك الزواج.
ولمعرفة كيفية التخلص من السحر إن وجد انظر الفتوى رقم: 20791، والفتوى رقم: 30556.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1427(9/2732)
الكذب بين الحرمة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بالسنة النهائية بالكلية نظام الكلية يأخذ في الاعتبار الحضور والغياب في المحاضرات و" السكاشن" على حد سواء على عكس معظم الكليات الأخرى, والدفعة مقسمة إلى مجموعات على أساس الترتيب الأبجدي, وكل مجموعة لها المحاضرون الخاصون بها, ويؤخذ الحضور والغياب مع هؤلاء المحاضرين, وبطبيعة الحال فإن الكلية لا تكترث كثيراً برأي الطلبة في المحاضرة وهل يفهم منه الطلبة أم لا، المهم أن هذا الموضوع يكون سبباً في أنه قد يحضر بعض الطلبة لمحاضرة المجموعة الأخرى الأفضل وتطلب من أحد الزملاء أن يكتب أسماءهم في الكشف الحضور وذلك لكي يوفروا وقتهم ومجهودهم وفي نفس الوقت يحضرون عند المحاضرة الأفضل، أريد أن أفعل ذلك, ولم يسبق لي أن فعلته وذلك لاعتقادي بأنه قد يعتبر شهاد زور, ولكني الآن في هذا العام كل المحاضرين الخاصين بمجموعتنا سيئون فلا أحد يفهم منهم, فإذا كان هؤلاء المحاضرون أنفسهم يسمحون بأن يكتب الطالب الغائب اسمه في كشف الحضور فهل في هذا إثم؟ مع العلم بأن هذا سيوفر لي الكثير من الوقت والجهد وخصوصاً لشهر رمضان المبارك وبعده مباشرة امتحانات؟ برجاء سرعة الرد ... وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى حكم الدراسة في الجامعات المختلطة، ولك أن تراجعي في ذلك الفتوى رقم: 2523.
وما ذكرته من أن بعض الطلبة يحضرون عند محاضر ليس هو المخصص لمجموعتهم، ثم يطلبون من أحدهم أن يكتب أسماءهم في كشف الحضور عند محاضر لم يكونوا قد حضروا عنده يعتبر كذباً، والكذب حرام، ولا يرخص فيه إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض.
وقد جوز أهل العلم الكذب في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فهو واجب.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ج2 ص145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب..
ولا شك أن من حق الطالب أن يسعى في تجنب المحاضر الذي لا يستفيد من الحضور معه شيئاً، ويبحث عن المحاضر الذي يستفيد منه أكثر.
وعليه.. فإذا كان الحال على ما ذكرته من سوء جميع المحاضرين الذين عينوا لمجموعتكم، فلا نرى بأساً من السعي في الحضور عند غيرهم بالطريقة التي ذكرتها إذا لم توجد وسيلة غيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(9/2733)
لا بأس بالاعتذار لمن أسأت إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجه منذ 5 سنوات، ومنذ سنتين اختلفت أنا وزوجي بسبب ابنة خالته التي كانت تقيم معهم في المنزل بسبب طلاق والديها وتزوج كل منهم بآخر، فهو وأهله يرون أنها أختا له وقد طلبت منه بعض الضوابط في المعاملة واستجاب، ولكن هناك بعض التجاوزات التى يرى أنه لو فعلها لي سوف يحقره أهله، ويقولون إنه ليس رجلا وأنه ينفذ كل ما أقول له، وقد اشتدت الخلافات بيني وبين أم زوجي بسبب هذا الموضوع، وعندما أراد أهلي أن يوفقوا بيننا اشترطت حماتي أن أعتذر لهذه البنت عن لفظ قد صدر مني لزوجي وهو قام بابلاغهم به ورفضت الاعتذار وكاد زوجي يطلقني لولا تدخل أهلي، ونحن الآن في خلاف دائم أنا وزوجي لأنه يرى أني لم أنفذ كلامه أمام أهله، وأنه لم يأت لابنة خالته بحقها وأنه يعيش معي لمجرد تربية الأولاد، وهو يحاول أن يتعامل معي في حدود الأصول، ولكني أشعر أن بيننا حاجزا، وهو يعترف بذلك ويعلق صفاء العلاقه بيننا على مرضاة أهله، علما بأنه يصل رحمه بهم ويخرج معهم وهذه البنت معهم لكنه يشترط علي عدم الكلام في هذا الموضوع، وهو يقاطع أهلي أيضا بسسب عدم ذهابي عندهم، وأنا لم أرفض مراضاة أمه وأبيه والذهاب إليهم، ولكني رفضت الاعتذار لهذه البنت لأني أحس أنها ستكون السبب في خراب بيتي لأنه قبل ذلك قال أمام أهلي والناس جميعا أنها قبلي وقبل أولادي، وترك لي البيت واضطررت للتنازل من أجل أولادي وهو يرى أنه بذلك لا يفعل شيئا ضد الشر ع أو الدين أو الأصول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت بنت خالة زوجك محرما له من الرضاعة فهي أخته مثل سائر أخواته، ولا ينبغي أن تغاري منها إلا إذا ظهر من تصرفه تجاهها ما يريب، وأما إن كانت أجنبية عنه فهي كغيرها من الأجنبيات لا يجوز له أن يرى منها عورة أو يلمس لها جسدا مثل سائر الأجنبيات عنه، ولك أن تغاري منها إن فعل ما يدعو إلى ذلك، فناصحيه بالابتعاد عن ما لا يجوز له، ولتكن مناصحته باللين والإحسان ليقبل ذلك، لكن بعض النساء تكون الغيرة عندهن مفرطة فيتوهمن بعض الأشياء لغير سبب، ويحكمن العاطفة أكثر من العقل، فإن كنت من أولئك فحاولي التخفيف من ذلك، ولا تصدقي الهواجس والظنون، واعلمي أن بين زوجك وابنة خالته رحم فقدري ذلك، ولا تجعلي نفسك ندا لها قطعا لأسباب الخلاف وحفاظا على بيتك وأولادك.
وننصحك بالصبر على أذى أهل زوجك وعامليهم جميعا بالتي هي أحسن لتذهب روح الجفاء بينكم، ولا يضيرك أن تعتذري لابنة خالته إن كنت أسأت إليها، وحاولي التقرب منها وكسب ودها لتكسبي ود زوجك وأهله، واعلمي أن إكرام أهل الزوج ورحمه من إكرامه هو وحسن معاشرته كما بينا في الفتوى رقم: 70321، واعلمي أن الزوجة الصالحة الحكيمة هي التي تجمع الرجل بأهله وتسعى فيما يؤلف بينهم، ولا تجعل نفسها ندا لهم، فكوني كذلك تسعد نفسك وتقر عينك وتسود المحبة والألفة أرجاء بيتك، وانظري الفتويين: 16985، 13748، علما بأن لك الحق في سكن مستقل عن أبوي زوجك وعن غيرهما بالأحرى.
كما ننصح زوجك بالإحسان إليك وإكرام عشرتك ومراعاة مشاعرك، وأن يوازن بين حقك عليه وحق أهله، فلا يفرط في أحد الحقين، ولا يغلب كفة أحد الطرفين كما بينا في الفتوى رقم: 2383، وبهذا يزول الجفاء بينكما بإذن الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1427(9/2734)
الكذب للتحريش بين الناس أعظم جرما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما جزاء من يكذب ليحدث المشاكل بين الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فاعل هذا الأمر قد ارتكب إثما عظيما لقيامه بالكذب والتحريش بين الناس، وراجعي في خطورة الكذب والنميمة الفتاوى التالية أرقامها: 65281، 61447، 26391، 60922، 31047، 64638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(9/2735)
الصفح والعفو أفضل من الهجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لم أتزوج ويتيمة الأب والأم وأعيش 2من الأولاد فى نفس البيت وهم متزوجون وزوجة أحدهم تعاملنا معاملة سيئة جدا بدون مبرر ورغم هذا سامحتها كثيرا لله أولا ثم أخى رغم أنه كان يسمع الإهانات وكان يبرر هذا بأنها غلبانة لا تقصد مع العلم أنها قالت لي أنا أقصد فقررت أن أبعد عنها وأرمي عليها السلام فهل هذا حرام ورمضان قريب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لزوجة أخيك أن تهينك وتتطاول عليك بلسانها، وإن فعلت فلك الرد عليها بالمثل، ولك أن تصفحي عنها وتسامحيها، والعفو أولى؛ كما أخبر المولى في قوله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشُّورى:40} وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126}
ولا ينبغي لأخيك أن يعينها على الإساءة إليك، بل يمنعها من الظلم ويزجرها عن التطاول وبذاءة اللسان وحتى لو كان يراها لا تقصد الإساءة بما تقول.
ولكن إذا استطعت أيتها الأخت الكريمة أن تصبري على أذى تلك المرأة والتغاضي عما يصدر منها تجاهك فهو خير وأولى، وسيثيبك الله عليه مغفرة وأجرا عظيما، كما أنه أحفظ لاستقرار البيت وبقاء الألفة والمودة داخله، ثم إنها لن تلبث وهي ترى منك الصفح والرد على إساءتها بالجميل أن تعتذر وتغير من أسلوبها معك؛ كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصِّلت:34}
وإذا اخترت الإعراض عنها والاكتفاء بمجرد إلقاء السلام عليها فلا حرج عليك في ذلك لعدم تحقق الهجران الممنوع شرعا، ولكن الأولى والذي ننصحك به ما ذكرناه سابقا
وللفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62469، 46985، 7119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(9/2736)
حكم الكذب لإنقاذ مسلم من القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم في الأصل، لكنه قد يجوز وقد يجب، فإن أمكن الاستغناء عنه بالتورية فهو أولى فقد صح عن عمر وعمران بن حصين أنهما قالا: في المعاريض مندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وفي الحال المسؤول عنها إن كان المسلم معصوم الدم فإن الكذب لإنقاذه من القتل واجب ارتكابا لأخف الضررين وتحقيقا لمصلحة المحافظة على حياة المسلم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 62701، 39152، 63123، 48814.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1427(9/2737)
الفراغ بين النعمة والنقمة
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية لا بد وأن أشكركم على تعاونكم في حلول مشاكل الشباب وجهودكم على ذلك..
أنا قمت بسؤالكم كثيرا وأجبتوني بسرعة فائقة على جميع أسئلتي بارك الله فيكم، مشكلتي يا شيوخنا الأفاضل الفراغ، الحمد لله أنا شاب ملتزم بالصلاة والصبر. أبحث عن عمل ولكن بلا جدوى أعاني من هذه المشكلة منذ سنة ونصف فذهبت إلى الإمارات العربية المتحدة للبحث ووجدت وظيفة ولكن سرعان ما أفلست الشركة واضطررت أن أرجع إلى بلدي فلسطين رجعت غارقا في الديون، مشكلتي يا سادتي في عدة جوانب مرتبطة ببعض الفراغ الذي أعيش فيه ولد عندي مشاكل كثيرة منها انشغالي بالانترنت والمواقع الإباحية وكثرة الاستمناء مما ولد عندي قلة الثقة بالنفس وحالة الهيجان المستمرة وعقد نفسية مرارا بسبب عدم زواجي (عمري 23 سنة صغير على الزواج) ومن المشاكل أيضا الأكل الزائد عن حده مما أدى بي إلى البدانة وعدم الثقة بالنفس وتطورت الحالة إلى أن صرت أن أحب الانعزال عن الناس وعدم الاختلاط بهم، شيوخي الأفاضل، عندما أختلي بنفسي أبكي بسبب المشاكل التي أعيشها وقلة حيلتي أمام حلها ومواجهتها أحس بأن الاستمناء أصبح عادة لا تقهر وكثرة الأكل من طباعي وصعب جدا أن أرجع ثقتي بنفسي، ولا يمكنني أن أكون مسؤولا، شيوخنا الأفاضل الجانب الثاني من المشكلة وأنا في الإمارات كنت كثير الدعاء إلى عزوجل، وكثير الاستغفار والصلاة له، وكنت أدعو دائما بأن لا أرجع إلى البلد إلا إذا كان وضعي المادي متحسنا ورجوعي يكون إجازة، سادتي رجعت إلى البلد مكسور الجناح، حائرا.. أحس يا شيوخنا الأفاضل بنقصان حرارة الدعاء.. ومرارا فتور ديني ولكني ملتزم بالصلاة ولكن خشوعي قل عن الأول علاقتي بالله اضمحلت أخشى من أن أكون من الكافرين حسب معنى قوله تعالى بأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا أكذب عليكم وأقول لكم بأنه عندي أمل بالوظيفة أملي ضعيف جدا بالوظيفة أحس بأن الفقر وقلة الرزق مكتوب عليَّ، شيوخي الأفاضل هذه ممكن أن تكون نوع من الفضفضة أريد بعضا من نصائحكم وآسف على الإطالة؟
وشكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر للسائل الكريم اهتمامه بدينه وثقته بالموقع والقائمين عليه، ونسأل الله تعالى أن يحفظه من كل مكروه ويوفقه لكل خير.
وننصحه بأن يرتفع بهمته ويستعلي على شهواته البدنية الحيوانية، ويستغل أوقات فراغه فيما ينفعه في دينه ودنياه، وأن يعف نفسه بالزواج إن استطاع أو بالصوم كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن شبابه فيما أبلاه. رواه الترمذي وغيره وقال حسن صحيح.
كما ننصحك بالابتعاد عن العادة السرية ومشاهدة الأفلام الخليعة والمواقع الإباحية فهذه أمور محرمة يجب على المسلم الابتعاد عنها والمبادرة إلى التوبة منها، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 34473، نرجو الاطلاع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها، ولعل ما تشكوه هو بسبب إتيان هذه الأمور التي تفسد العقل والتفكير وتنهك البدن وتوهنه، ولتعلم أن الفراغ نعمة من الله تعالى إذا استغل فيما ينفع، وقد يكون نقمة إذا ضيع أو صرف فيما يضر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. رواه البخاري وغيره.
ولا تقصر همتك على التعلق بالعمل بالوظيفة فبإمكانك أن تمارس غيرها من الأعمال الحرة وغيرها، ولتحذر من اليأس والقنوط، ولتعلم أن المكتوب لا يطلع عليه أحد ولا يجوز أن يتذرع به. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى: 64427، 62398، 54617، 72587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(9/2738)
خير وسيلة لدرء الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي لديه شركة مع إخوانه ولكن له نصيب أكبر منهم، وهم يسألون الناس كم يكسب، ولما عرفوا أنه يكسب أكثر منهم بدؤوا يقولون إنه يسرقهم، ولكن الحقيقة أن نصيبه أكثر، فهل إذا ما دعوا عليه يكون عليه شيء
حيث إنهم يقولون إنه كيف يكبر نصيبه من دونهم ولكن حتى إذا أراد أن يكبر نصيبهم أيضا هم ليس لديهم الإمكانية لذلك.
السؤال: هل على أبي شيء حرام وهل الدعوة هذه يستجاب لها حيث إنهم أصبحوا ينظرون لنا في كل شيء وأحس أنني وأخواتي نحسد على كل شيء أبي يعمله لنا حتى إني عملت مشروعا ولكن خسر وكانوا شامتين فلذلك أحس أني لو عملت أي شيء سوف أخسر لأنهم أصبحوا يستكثرون كل شيء علي، ويعتقدون أن أي شيء يدخل لنا أنه من المفروض يكون لهم أيضا مع أن أبي له تجارة أخرى هم غير شركاء فيها ولكن هم لا يعلمون بها لأن أبي يخاف من العين، سؤالي هل الحسد يفشل أي شيء أعمله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لأحد أن يدعو على أحد بغير حق، ومن فعل ذلك كان ظالما متعديا، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يستجيب دعاءه، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أوقطيعة رحم.
ثم اعلمي أن خير وسيلة لدرء الحسد هي المداومة على الأذكار الصباحية والمسائية، ومن أهم ذلك قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات تكفيه من كل شيء. كما في الترمذي وأبى داود. وثبت عنه أنه قال: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ما تعوذ الناس بأفضل منهما. كما في سنن النسائي. وثبت عنه أنه كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما. كما في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه.
فلا ينبغي أن تخافي أو تعتقدي أنكم لو عملتم أي شيء سوف يفشل، فالأمور كلها بيد الله، ومن يتق الله ويتوكل عليه يكفيه كل شيء. قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2-3} .
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1427(9/2739)
الإساءة للزوجة والأولاد ليست من أخلاق الكرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة عمري 33 سنة من أب عربي وأم نصرانية، وأنا متزوجة وعندي 6 بنات ومشكلتي أني أعاني من قسوة زوجي أنه سريع الغضب لا يتعامل معنا إلا بقسوة وكلامه معنا جارح، فهو لا يهتم بنا ولا ينفق علينا ولا ينادي بناته إلا بحيوانات، ويعيرني بأمي برغم من أني مسلمة وأرتدي الحجاب وأربي بناتي تربية إسلامية وأنقطع عن زيارة أهل أمي، لكي لا يكون هناك أي مشاكل من ناحية ديننا ودينهم، ولكن لقد صبرت عليه 14 عاما، أعامله بما يرضي الله لم أشك يوماً لأهلي وأحاول أن أظهر أمامهم وأمام الناس أنني سعيدة، ولكن أنا أتعس امرأة، إن زوجي لم يهتم يوماً ببناته لا من جهة الدين ولا من جهة الدراسة ولا يلاعبهم ولا يتكلم معهم، بل منذ أن يدخل من العمل لا يحب أن يراهن أمامه، وأنا دائماً أحاول أن أجد له مبررا لمعاملته السيئة معي ومعهن، ولكن البنات يكبرن وابنتي الكبرى عمرها 13عاماً ونصفا، دائماً تلومني على معاملتي الطيبة معه، حاولت أن أفهمها أن هذا واجبي أن أعامله بالتي هي أحسن لأكسب رضى الله، كم من مرة طلبت منه أن يؤمنا ويصلي مع بناته أو يقرأ معهن القرآن، دائما يرفض ويقول لي هذا عملك أنت فأنا لم أطلب منك أن تنجبي لي أطفالا وفعلا فهو كان يغضب حين أكون حاملا ولكن أنا أحببت أن تكون لي عائلة كبيرة لأنا كنا عائلة صغيرة أبي وأمي وأختي وأنا، ولكن كيف أتصرف مع زوجي وما هي النصيحة التي تنصحونني بها، فأنا حقاً بدأت أشعر بالتعب، وكيف أتعامل مع بناتي اتجاه أبيهن؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يأمر بحسن معاشرة الزوجة، وبالإحسان إلى البنات، وانظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 69040، 63981، 50942، 49195.
فزوجك -مع الأسف- بعيد كل البعد عن أخلاق الإسلام وتعاليمه، ليس فيما يجب أن يكون عليه كزوج وأب، بل وحتى في ما يجب عليه كمسلم، فالله عز وجل يقول: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وأحمد.
فالمطلوب منك أن تبقي على إحسانك وأداء واجبك الذي كلفك الله به من حسن عشرة الزوج، وحسن تربية البنات، واحتسبي الأجر عند الله عز وجل، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وننصحك بالصبر على زوجك ودعاء الله عز وجل أن يهديه، ويصلح حاله، ويحببك وبناته إليه، ومعاهدته بالنصيحة المخلصة الرفيقة اللينة، مع محاولة التقرب منه، والتحبب إليه بالتزين له وحسن التبعل.
أما بناتك فعلميهن أن الوالد مهما فعل فله حق على الأبناء؛ لأنه سبب وجودهم في هذه الحياة، وقد وصى الله عز وجل بالوالدين إحساناً، وجعل حقهما بعد حقه سبحانه، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(9/2740)
لا يخون المسلم الكافر ولا ينقض عهده معه
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي يسب الرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام وبنات المسلمين، هل يجب أن نحافظ على أمانته؟ مثلاً: شخص نصراني أعطاني كلمة مرور بريده الإلكتروني، وبعد فترة سب الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وبنات المسلمين، فهل يجوز البوح بكلمة مرور بريده؟ أم يجب أن أحافظ على هذه الأمانة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الإسلام يرتد به المسلم وينتقض به عهد الكافر إن كان له عهد عند المسلمين، ولولي أمر المسلمين أن يعاقبه العقوبة التي يستحقها قتلا كانت أو غيره، ولكن يصير حربيا بمجرد ردته أي له حكمه في الجملة........، ومع ذلك فإن خيانته في أمانته لا تجوز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. رواه الترمذي.
فقد ورد النص بأن المسلمين إذا خافوا من الكفار الخيانة ونقض العهد بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم، فإن المسلمين لا يعاملونهم بالمثل، فلا يغدرون بهم، ولا ينقضون العهد معهم، بل يخبرونهم بعدم استمرار العهد بين الطرفين، قال تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ. {الأنفال: 58} .
وعليه، فلا نرى لك إباحة البوح بكلمة مرور بريد هذا الكافر، ولكن يجب عليك قطع العلاقة به إن كانت علاقة مودة وصداقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1427(9/2741)
هل المغتاب يكون آخر من يدخل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث بمعنى أن المغتاب إن تاب إلى الله كان آخر من يدخل الجنة وإن لم يتب يدخل النار ... أرجو كتابة الحديث وراويته وصحته، وهل هذا الحديث صحيح (من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة إلا أن يغفر له صاحبه) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على حديث بهذا اللفظ، ونفيدك أن المغتاب إن تاب توبة صادقة وتحلل من أصحاب المظالم فنرجو الله أن يغفر له، ولا يجعل سابق ذنبه الذي تاب منه سبباً في تأخر دخوله الجنة. وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على بعض الأحاديث الصحيحة في الغيبة وكيفية التوبة منها: 66515، 45328، 36984، 48752، 6710، 47802.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1427(9/2742)
الغيرة على الزوجة من أخيها وكفارة الفطر في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة الصائم إذا أفطر متعمداً، هل يجوز منع الزوج زوجته من اختلائها مع أخيها عند استقبالها له لسبب ما، وأنا أثق كامل الثقة بعدم ارتكابها أي خطأ، ولكن بسبب الغيرة فقط، عندما يقوم أخوها بتقبيلها أمامي وجلوسها بجانبه، أفيدونا؟ جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة من أفطر متعمداً في رمضان لغير عذر ذكرناها في الفتوى رقم: 26114 فلتراجع.
وأما منعك لزوجتك من خلوتها بأخيها مع ثقتك بهما فلا نرى له حاجة، وهذه الغيرة من الغيرة التي يبغضها الله، كما ورد بذلك الحديث، وراجع فيه الفتوى رقم: 17659.
بل قد يكون له مردودٌ سلبي، وقد يقذف الشيطان في قلبها أنك تتهمها وتشك فيها، ولذا فنصيحتنا لك أن تعرض عن هذا الفعل وإن كان جائزاً لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1427(9/2743)
هل يترك العمل لأجل أن زملاءه اغتابوه
[السُّؤَالُ]
ـ[اغتابني زملائي في العمل لدرجة أنني سأترك العمل أفيدوني ولا طاقة لي اليوم بهم مع العلم بأنني شاب متدين والحمد لله، أري رؤى وأحلاما تتحق على الدوام، رأيت بأن أحدهم سابني من خلفي وأنا في مكان مرتفع أبني بالطين، ورأيت عقربا تلدغني وعقارب أمسح على ظهرها دون أن تلدغني، والعقرب في المنام نمام وهذا ماحدث لي حتى إني بت أخشى أن أنام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الله عز وجل الغيبة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} . فشبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أحمد وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط.
وننبهك -أيها الأخ الكريم- إلى أن الأفضل لمن وقع عليه الظلم والأذى والإهانة من الناس أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النور:22} ، وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وقال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126} ، وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا {المزمل:10} ، وقال تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {التغابن:14} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. ولا علم لنا بما ذكرته من أن العقرب في المنام نمام، لأن هذا مما لا يجوز الكلام فيه إلا بعلم، إلا أننا نذكرك بأن الرؤيا الصالحة التي تتحقق للإنسان كلما رآها علامة خير، وهي من صفات أولياء الله، قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {يونس:62-63-64} . روى عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا؟ قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له. أخرجه أحمد والترمذي.
وعليه، فننصحك بالاستمرار في ما أنت فيه من التدين، وأن لا تترك عملك. فعسى أن يكون الله يريد بك الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(9/2744)
هل يجوز للفتاة أن تبدي للرجل إعجابها به
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أختصر كلامي والبدء مباشرة دون الكلام التفصيلي عن نفسي:
أنا أتردد كثيراً على منتدى من منتديات الانترنت الكثيرة, لكن هذا المنتدى أغلب مشرفيه وأعضائه من بلدنا
هذا منتدى ديني اسمه , ولفت نظري شخص من هذا المنتدى, لا أعرف شكله , عمره , اسمه , لا شيء عنه , ولكن لفت نظري المواضيع التي يطرحها في المنتدى, ورده على بعض المواضيع وأفكاره الخلاقة التي واضح أنها أفكاره هو وليست مقتبسة، فمثلا آخر فكرة له هي "التنافس في الطاعات " وكل أسبوع نعلن الفائز في هذه الطاعة، وليس هذا فقط حتى المواضيع التي يطرحها أكثر من رائعة، وبدأت أعجب به وأنا الآن أحس أني أحبه كثيراً كثيرأ وأفرح كثيرا عندما أراه قد دخل المنتندى أو رد على أحد مواضيعي، فلا تقل لي إني فتاة مراهقة وأنه مجرد إعجاب فانا أدرك تماما مشاعري تجاهه، ولكن لست أدري كيف أفعل لأعبر له عن حبي واهتمامي به فشخصيتي وغروري بنفسي لا يسمحان لي ذلك......انصحوني ما أفعل أرجوكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك، رواه أحمد بسند حسن، كما قال المنذري، ووافقه الألباني.
فإن علمت من نفسك أن هذا الإعجاب لا ريبة فيه، وأنك إنما حصل لك بسبب الطرح الذي يطرحه هذا الرجل في المنتدى وحض الناس على الخير فلا إثم عليك إن شاء الله، بل نرجو أن يدخل هذا الحب في الحب في الله.
وعليك أن تراقبي الله تعالى في جميع تصرفاتك، واحرصي أن لا يتعدى الأمر إلى علاقة غير مشروعة، ولا نرى حاجة تدعو إلى أن تُعربي لهذا الشاب عن حبك له إن كان من الحب الذي بيناه، فإن هذا غالبا ما يكون مدخلا من مداخل الشيطان، فنوصيك بالحذر من خطواته، وإن كنت تقصدين غير ذلك فالأمر أعظم والخطر أشد، وبالجملة فإننا ندعوك إلى عدم فتح أي علاقة مع أي شاب مهما بدا لك صلاحه إلا في الحدود الشرعية التي أباحها الله، فلو أردته للزواج فينبغي أن تراسليه عن طريق أحد محارمك، فإن كان يرغب في زواجك فليأت البيوت من أبوابها.
وراجعي في أنواع الحب وأحكامها الفتاوى التالية أرقامها: 62791، 5707، 55163، 70382، 28268.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1427(9/2745)
الهدي النبوي في الحب والبغض
[السُّؤَالُ]
ـ[أطلب منكم بأن تفتوني في حال من كان يصدق في جمع أموره مع الآخرين وهم لا يصدقونه ولوكانوا يعلمون أنه صادق معهم حقا ولم يكن كاذبا فما عليه أن يفعل، وأيضا أولم يأت في الحديث الشريف: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ومن بدا لي أنه لا يحبني وأبغضني من أجل أحد آخر فلماذا علي أن لا أبغبضه وأصارحه بماهو حق، أو ليس كذلك، أفتوني في هذا الأمر وأرجو منكم أن تدعو الله لي
بأن يصلح لي جميع أموري؟
وشكرا.
... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين العافية والاستقامة على طاعته والثبات على دينه، واعلم أن المسلم لا بد أن يهتم بشأن إخوانه المسلمين لأنهم معه كالجسد الواحد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
ولا ينبغي للمسلم تكذيب أخيه إذا لم يكن له دليل على كذبه، ومن كذبه أخوه فينبغي له نصحه وإزالة ما عنده من سوء ظن به، وليعف عنه وليصفح ففي ذلك أجر كبير، وعلى المرء أن يعتدل في حبه وبغضه كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حين قال: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما. رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني. ونسأل الله تعالى أن يصلح لنا ولك الأمور في الدين والدنيا والأخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(9/2746)
ابحث عن أسباب إعراض صديقك عنك
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي يتجنبني ولا يتكلم معي وعندما أتكلم معه يثقل عليه الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به في معاملة صديقك هذا إذا كنت ترغب في مواصلة الصداقة معه هو غفران زلته وترك عتابه في أي شيء، والاعتذار له ولو كان هو المخطئ في حقك، فإن في ترك العتاب عتاباً، وإذا أراد منك المحال مما لا تستطيع تحمله فاسكت عنه، فإن السكوت قد يكون أبلغ جواب، وقد أورد أحد الشعراء هذا المعنى في أبيات قال فيها:
إني ليهجرني الصديق تجنياً * فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متعاقل * يدعو المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/2747)
اللجوء إلى المعاريض تجنبا لأذى الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[معي بكالوريوس هندسة وحتى الآن لم أجد عملا، لكن أحيانا أتقدم لوظائف أقل من مؤهلي للعمل بها مؤقتا حتى يفرجها الله، هنا أجد معاملة سيئة ممن أعمل معهم عندما يعرفوا أني مهندس، هل إذا قلت إن معي ثانوية عامة أصبح كاذبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب حرام شرعاً، وفي الحديث: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار.. متفق عليه.
هذا، وإذا كنت تتأذى إذا أخبرت البعض بمؤهلك الجامعي فيمكنك أن تلجأ إلى استعمال المعاريض ففيها مندوحة عن الكذب، والمعاريض هي التورية بذكر لفظ محتمل يفهم من السامع خلاف ما يريده المتكلم، وفي مثل حالك يمكنك أن تقول لمن يسأل عن مؤهلك عندي ثانوية فأنت في قولك هذا صادق فعلاً، والمستمع يفهم أن مؤهلك ثانوية، وبهذه التورية تكف أذى البعض عنك وتسلم من الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1427(9/2748)