حكم قرن اسم الرسول صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع الله عز وجل على قدم المساوة مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كأن يكتب اسم الله على جهة المحراب اليمنى واسم الرسول صلى الله عليه وسلم على الجهة اليسرى وإن لم يجز فكيف نوفق بين قرن الله لاسمه مع اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في غير مرة خصوصا أنني سمعت الرأي الأول وهو عدم جواز القرن من الدكتور محمد هداية على قناة الشارقة جزاه الله كل خير كما أن الدكتور هداية يزعم أيضا أنه لا يجوز قرن أبي بكر مع عمر لنفس السبب؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة الإجابة عن هذا السؤال نرجو مراجعة الفتوى رقم: 39550، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(9/369)
إيقاظ النائمين لصلاة الفجر إذا أوقع في الضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي في المنزل وللأسف بعض الأشخاص من أهلي الذين لا يقومون لصلاة الفجر، وأنا أحاول إيقاظهم كل يوم قبل نزولي للصلاة، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكني أتعرض للمشقة لأني أمكث بجوار النائم أشجعه وأحثه على القيام، وفي بعض الأوقات أتعرض للأذى، فسؤالي هو: هل إذا تركت هذا العمل لأني أجد منه مشقة وحرج (لأنهم أكبر مني في السن وأنا ضعيف بالنسبة لهم) ، وفي بعض الأحيان أذى، هل علي ذنب، أم لا أخاف في الله لومة لائم وأدخل عليهم وهم نيام وأحاول إيقاظهم مع حذري منهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على قيامك لصلاة الفجر ونسأل الله جل وعلا أن يديم عليك هذه النعمة العظيمة التي حرمها كثير من الناس ومنهم من ذكرت في سؤالك، وقد بينا حكم إيقاظ النائم للصلاة في الفتوى رقم: 67233 فلتراجع.
فالواجب عليك القيام لها حسب قدرتك ويكفيك أن توقظهم وتعلمهم بدخول وقت الصلاة، فإن استجابوا فهو المطلوب, وإن لم يستجيبوا فلست عليهم بمسيطر, إن عليك إلا البلاغ والله يتولى أمرهم، فإن كان في إيقاظك لهم ضرر عليك فلا يجب عليك ذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(9/370)
قائل عبارة (قد يحدثني البعض عن الشيء..)
[السُّؤَالُ]
ـ[من القائل: قد يحدثني البعض عن الشيء فأصغي إليه حتى يظن أني لم أسمع به من قبل، والله إني لأسمع به قبل أن تلده أمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على نص هذه العبارة منسوباً، ولكن وقفنا على عبارة قريبة منها، في تاريخ مدينة دمشق عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد، وقال الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرقي، أنبأنا أحمد بن جعفر بن سالم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا محمد بن عبد الله البخاري، حدثنا أبو كامل، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا معاذ بن سعيد، قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله ما هذه الأخلاق؟ ما هذه الأحلام؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه، فأريهم من نفسي أني لا أحسن منه شيئاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(9/371)
المرأة مكلفة بما في وسعها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفي للمرأة أن تحافظ على عباداتها لله وأخلاقها دون أن يكون هناك عمل إيجابي ومؤثر للإسلام ليس لعدم الاهتمام ولكن لعدم القدرة على فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمة مكلفة بالقيام بحق الله عليها بإداء ما أمر به، وبالقيام بحقوق العباد ومن ذلك معاشرتهم ومخالقتهم حسب شرع الله تعالى، ومن الأوامر الربانية المتعلقة بحق الله وحق عباده السعي في نصر الإسلام بما أمكن من الوسائل المشروعة، فالمرأة مكلفة بما في وسعها, ومنه الدعوة للدين وتعلمه وتعليمه وتربية الأبناء عليه والتعاون مع أخواتها المسلمات والتواصي معهن بالحق والصبر والكتابة ونشر الأفكار المفيدة عبر وسائل الاتصال المعاصرة.
وعليك بالإكثار من قراءة سير نساء السلف والتأمل في أعمالهن للاقتداء بهن، وأما ما تعجز عنه المرأة بطبيعتها أو يطرأ لها العجز عنه فالشرع لا يكلفها به إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وللمزيد من الفائدة والتفصيل فيما ذكرنا راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9751، 8587، 65335، 56214، 50811، 29987، 40262، 30150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/372)
الجلوس على طاولة موضوع بداخلها المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الجلوس على طاولات المدارس حال وضع الطلاب للمصحف فيها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن يكون المصحف في درج أو نحوه تحت الطاولة ثم يجلس الشخص فوق الطاولة فلا مانع من ذلك إذا لم يترتب عليه امتهان للمصحف ولا تحقير له، ففي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج وهو شافعي: وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه هل يجوز أم لا فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة أو كان ملاقيا لأعلى الخرج مثلاً من غير حائل بين المصحف وبين الخرج وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعاً عليه حرم وإلا فلا فتنبه له فإنه يقع كثيراً. انتهى.
وعند الحنفية يكره الجلوس في هذه الحالة إذا لم يكن لغرض المحافظة على المصحف، ففي غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحموي وهو حنفي: والجلوس على جوالق فيه مصحف إن قصد الحفظ لا يكره وإلا يكره. انتهى، وإن كان المقصود كون المصحف موضوعاً فوق الطاولة ثم يجلس الشخص على طرفها فلا بأس بذلك إذ ليس فيه امتهان للمصحف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/373)
مساكنة الفجار وهجر المسلم ولو قريبا للمصلحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم: أنا أسكن مع شباب تائهين لا يصلون، ويفعلون ما لا يرضي الله فهل أبقى معهم أم أخرج، وما الحكم الشرعي في بقائي.؟
س: نفس المشكلة في بيت العائلة، وقد قاطعت أخي لشدة فساده وأحيانا إلحاده ومقاطعته خير لي فهل أبقى كذلك أم ماذا افعل؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الإنسان يتأثر بواقع من يساكنهم, وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره, ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء واستدلوا لذلك بحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمنا.
وبناء عليه فيتعين عليك البحث عن السكن مع أناس طيبين يعينونك على الطاعة ويساعدونك في الاستيقاظ لحضور الصلاة في الجماعة, واحرص كذلك على الاستعانة بهم على هداية أصدقائك وأخيك وأهل بيتك, واستخدم في ذلك ما أمكنك من الوسائل المساعدة في هدايتهم كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن, وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة وربطهم بالأصدقاء الصالحين. وأما مساكنتهم في هذه الحال فلا تسوغ إلا لضرورة أو كنت تعلم أنك آمن من التأثر بهم ويمكنك التأثير عليهم, وقد يمكنك حصول ذلك إذا وجدت أصدقاء طيبين يشاركونك في السكن معهم ويساعدونك في التأثير عليهم.
وأما مقاطعة أخيك فلا تتعين إلا إذا كنت نصحته وسعيت في إقناعه وحاورته وناقشته وبينت له الحق في بطلان ما هو عليه من الإلحاد فإن حصل ذلك وكانت مقاطعتك له تؤثر عليه حتى يرضخ للحق ويحرص على الاتصال بك وترضيك فيشرع هجره.
وإن كان الهجر لا يؤثر عليه لوجود أصحاب وأقارب آخرين يأنس بهم عنك ويستعين بهم فليس في هجره فائدة بل هو مخالف لمنهج الأنبياء فإنهم ما هجروا أقوامهم مع حرصهم على الشرك وتماديهم عليه، فقد صبر نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا.
ولا نعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هجر بعض أصحابه إلا بعد إقامته لدولة الإسلام في المدينة وتمكن الإسلام فيها, ولذلك كان لهجره للثلاثة الذين خلفوا أثر كبير عليهم حيث ضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم وكانوا صادقين في توبتهم.
وأما من لا يتأثر بالهجران فلا ينبغي هجره, ولا الملل من كثرة دعوته ومناصحته ومحاورته وجداله بالتي هي أحسن, وبيان الحق له حتى يرجع للرشد والصواب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 34422، 41016، 28565، 54971، 58252، 62549، 34386، 24857، 52998.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1427(9/374)
كيفية التعامل مع الأخ الذي يتحرش بأخته
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بارك الله فيكم أن لي أختا اشتكت إلي منذ يومين وهي تذرف الدموع وأحسبها صادقة والله حسيبها أن أخي الأكبر حاول مرارا أن يعتدي عليها وهو كان دائما يحكي لها عن الجنس والمواقع المشبوهة في الانترنت كما حكت لي فكيف أتعامل مع هذا الأخ هل أخبر والدي أم أقاطعه أم أم أم بالله دلوني على الحل الشرعي الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا من أعظم الجرائم ومن أكبر الموبقات وسبيله من أسوء السبل، وفعله من أخبث الفعال، وقد ورد من نصوص الشرع في ذمه وتوعد فاعله ما هو كفيل بالزجر عنه والتنفير منه، وإذا كان الزنا على هذا الحال من السوء ففعله مع ذي الرحم أشد إثما وتراجع الفتوى رقم: 57108.
فإذا كان الحال على ما ذكرت من كون أخيك يقوم بمحاولة فعل الفاحشة مع أختك فقد عصى ربه وقطع رحمه، والواجب نصحه وتذكيره بأن يتقي الله تعالى في نفسه وعرضه الذي هو أحق بحمايته والدفاع عنه لا انتهاكه والاعتداء عليه، والأولى أن تقوم أختك بهذا النصح إن كانت قادرة على ذلك، إذ المطلوب علاج الأمر في أضيق نطاق، فإن انتهى وتاب وأناب فالحمد لله، وإلا، فلا بأس بأن تهدده بإخبار والدها بما يفعل. وجامع الخير في هذا كله الإكثار من دعاء الله تعالى له أن يصلح حاله وأن يهديه سواء السبيل.
والواجب على أختك معاملة أخيها معاملة الأجنبي فيما يتعلق بالحجاب منه والخلوة به ونحو ذلك مادام على هذا الحال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(9/375)
هل تهجر أخاها الذي آذاها واعتدى على حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[وهب والدي بيته إلى أمي فكتبت شقة لأخي وعملت له عقد إيجار لمحل في البيت بدون أن يدفع أخي أي إيجار وبعد وفاة والدي قالت لي أمي تعالي ابني لك شقة في البيت بمالك الخاص بك وسوف أكتبها لك وبعد ما قمت ببناء الشقة ألح عليها أخي أن لا تكتبها لي حتى وافقته أمي وظل أخي يخترع المشاكل معي وجميع طرق التطفيش حتى أترك له الشقة مع أنه قد بنى شقتين فوق شقتي غير التي يسكن فيها حتى أنه سرق عداد الكهرباء الذي قمت بتركيبه للشقة وأخفاه وقام بتشويه صورتي أنا وزوجي أمام الأقارب والجيران بكلام مفترى به علينا ثم منعنا من دخول شقتي أو تكملة تجهيزها وكل هذا ولم أقاطعه ولكنى كنت أذهب إليه وأسأل عليه وعلى زوجته وأولاده وسامحته على ما فعله بنا ومع هذا جاء لي بيتي فأدخله زوجي وتركه ونزل لصلاة الجمعة فطلب منى أن أترك بيت زوجي وأترك أولادي الأربعة وأذهب إلى بيت أمي فرفضت فذهب وقطع أسلاك التليفون وأحضر حديده كبيرة وهددني أن لم أترك له الشقة التي بنيتها في بيت والدي ويعطيني ثمن ما كلفتها فسوف يقتل زوجي وقام بسبي أنا وزوجي على سلم البيت بصوت عال فأضررت أن أعطيها له ولكن بغير رضا منى وحتى لا يطول على أولادي ترويعهم وبعد ذلك طلب من أمي أن تكتب له البيت كله وهددها إن لم تفعل فسوف يقتل زوجي حتى بدأت أمي أن ترضخ الى ما يريد وبعد كل هذا قررت أنا وزوجي أن نقاطعه فهل بعد كل مافعله يكون على ذنب إذا قاطعته وبخاصة أن شهر رمضان قد بدأ فهل ينقص من أجري شيء إن خاصمته فبعد كل ذلك لم أعد أستطيع أن أسامحه0
... ... ... ... ... ... ... ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني، فهذا الحديث يدل على خطورة التقاطع والتدابر وحرمته، إذا لم يكن له ما يسوغه شرعا ولا شك في أنه في تلك الحال ينقص الأجر، بل قد ورد أنه لا يغفر لمن بينه وبين أخيه شحناء حتى يصطلحا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
فننصحك بالصبر على أخيك وعدم مقاطعته وبمجازاته بالإحسان فإنه تحصل لك بذلك معونة الله والأجر العظيم، قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:40-43} ،
وقال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
ولكن إذا كان الأخ على ما ذكرت من عدوان وظلم فلا بأس باجتنابه من غير قطيعة، والاكتفاء بأدنى الوصل، من السلام والكلام بالهاتف،
إلا إذا كان في هجره مصلحة، كأن يرتدع بذلك عن أفعاله القبيحة فلا بأس بهجره، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 3/19: وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره ممن في هجره مصلحة له راجحة، فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإمكان. انتهى.
وإذا استطعت أن تأخذي حقك ممن له سلطة من قاض ونحوه في فلا بأس لقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1426(9/376)
هل يشرب اللبن وتؤكل الثمار بغير إذن صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذا الحديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا أتيت على راعي إبل فناد يا راعي الإبل ثلاثا فإذا أجابك وإلا فاحلب واشرب من غير أن تفسد وإذا أتيت على حائط فناد يا صاحب الحائط ثلاثا فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الحديث واضح وهو - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص في شرب لبن الإبل والأكل من الثمار المعلقة في البساتين، لمن وجد شيئاً من ذلك، بشرط أن ينادي على أصحابها ثلاث مرات ولم يجد مجيبا، وبشرط أن لا يفسد شيئاً.
وهذا الحديث يتعارض مع ما روي في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله وسلم قال: لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه. فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه.
والذي في حديث الشيخين هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وقد أورد العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري كلاما حسنا في الموضوع ننقله لك تكميلا للفائدة، قال: حمل هذا الحديث -يعني ما في الصحيحين- على ما لا تطيب به النفس، لقوله لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، وقال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس في تناوله ولا فرق بين اللبن والتمر وغيرهما في ذلك. وقال القرطبي: ذهب الجمهور إلى أنه لا يحل شيء من لبن الماشية ولا من التمر إلا إذا علم طيب نفس صاحبه، وذهب بعضهم إلى أن ذلك يحل وإن لم يعلم حال صاحبه لأن ذلك حق جعله الشارع له. يؤيده ما رواه أبو داود من حديث الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب ويشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب. فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب ويشرب ولا يحمل. ورواه الترمذي أيضاً، وقال حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة. واستدلوا أيضا بحديث أبي سعيد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من رواية أبي نضرة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناده ثلاث مرات فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد. وبما رواه الترمذي أيضاً من حديث يحيى بن سليم عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق فقال: من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ... والخبنة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها نون، قال الجوهري: هو ما تحمله في حضنك. وقال ابن الأثير الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في طرف ثوبه. يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئاً في خبنة ثوبه أو سراويله ... واستدلوا أيضا بقضية الهجرة وشرب أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم من غنم الراعي.
وقال جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم لا يجوز لأحد أن يأكل من بستان أحد ولا يشرب من لبن غنمه إلا بإذن صاحبه اللهم إلا إذا كان مضطراً فحينئذ يجوز له ذلك قدر دفع الحاجة.
والجواب عن الأحاديث المذكورة من وجوه، الأول: أن التمسك بالقاعدة المعلومة أولى قاله القرطبي.
الثاني: أن حديث النهي أصح.
الثالث: أن ذلك محمول على ما إذا علم طيب نفوس أرباب الأموال بالعادة أو بغيرها.
الرابع: أن ذلك محمول على أوقات الضرورات كما كان في أول الإسلام. وأجاب الطحاوي بأن هذه الأحاديث كانت في حال وجوب الضيافة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأوجبها للمسافرين على من حلوا به، فلما نسخ وجوب ذلك وارتفع حكمه ارتفع أيضاً حكم الأحاديث المذكورة، وقال القرطبي وشرب أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين الهجرة من غنم الراعي وإعطائه للشارع كان إدلالا على صاحب الغنم لمعرفته إياه، وأنه كان يعلم أنه أذن للراعي أن يسقي من مر به، أو أنه كان عرفه أنه أباح بذلك، أو أنه مال حربي لا أمان له، وقال ابن أبي صفرة حديث الهجرة في زمن المكارمة وهذا في زمن التشاح لما علم من تغير الأحوال بعده، وقال الداودي: إنما شرب الشارع والصديق لأنهما ابنا سبيل ولهما شرب ذلك إذا احتاجا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1426(9/377)
قطع الصديقة التي يخشى الضرر من مخالطتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أخوتي في الإيمان أرجو منكم إفادتي بأجوبة الأسئله التالية:
لدي زميلة فرضت علي صداقتها عندما كنت أعمل في الشركة, ولقد سببت لي مضايقات كثيرة ومشاكل كثيرة, إنها غيورة جدا وتتكلم على الناس بكثرة وتكذب كثيراً، وتمثل كثيراً، والآن أنا تركت الشركة وبمعنى آخر لقد أجبرت على الاستقالة وكانت هي أحد الأسباب, هل علي إثم إذا قطعت صلتي بها، فأنا لا أريدها أن تدخل بيتي لأنها فعلا صديقة سوء ... علما بأنني واجهتها كثيراً ونصحتها كثيراً ولكن لا أمل في إصلاحها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن يصل المسلم إخوانه ويتعاون معهم على البر والتقوى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني.
ولذلك فإذا كنت تستطيعين مواصلة زميلتك ودعوتها إلى الخير والتمسك بالأخلاق الفاضلة والتخلي عن الأخلاق السيئة وكل ما لا يرضي الله تعالى، فإن عليك أن تواصلي الصلة بها لما في ذلك من الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. ومن المعلوم أنه لا مفهوم للرجل عن المرأة.
أما إذا كنت تخافين أن تؤثر عليك أو تضرك في دينك أو دنياك فعليك بالابتعاد عنها وهجرها هجراً جميلاً بدون القول فيها مع رد السلام عليها وعدم التعرض لها، قال ابن عبد البر في التمهيد: أجمعوا على جواز الهجر فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضرراً في دينه أو دنياه، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.
ولهذا فإذا كنت تخشين من مخالطتها ضرراً أو أذى فلا حرج عليك في قطع الصلة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1426(9/378)
تفطير الصائمين في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ألا تعتقد أن هؤلاء الذين يأتون بالأطعمة للمساجد وخاصة حرم المدينة المنورة ويقولون إنها لتفطير الصائم ويتسببون بدهس الأكل والإسراف فيه بأنهم مأجورون لتفطير الصائم، ولكنهم في نفس الوقت يتحملون ذنوب الإسراف لأنه أتى بالطعام ولم يفكر في عواقبه، ولكن لو جعل لكل من أتي بالطعام أن يدفع أو يأتي بأشخاص يعتنون بهذا الأكل لكي لا يدهس، فانه لو لم يأتوا به لكان أفضل من أن يأتوا به وهم يعلمون أنه سوف يرمى الكثير منه، أو يقتصر على الأسودين فقط، وهل المقصود بتفطير الصائم إشباعه أم فك الصوم بتمرات وما شابه ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفطير الصائمين من أفضل الأعمال الصالحة التي يثاب عليها المسلم المحتسب لثواب الله جل جلاله، ومن فطره ولو على شربة ماء، فله مثل أجره، ومن أشبعه سقاه الله تعالى من حوض نبيه، ففي الحديث الذي رواه سلمان الفارسي: من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. رواه البيهقي وابن خزيمة في صحيحه، وأبو الشيخ وابن حبان في الثواب باختصار عنهما.
وفي رواية لأبي الشيخ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطر صائما في شهر رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها وصافحه جبريل ليلة القدر، ومن صافحه جبريل عليه السلام يرق قلبه وتكثر دموعه، قال: فقلت: يا رسول الله، من لم يكن عنده؟ قال: فقبضة من طعام، قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده؟ قال: فشربة من ماء.
وإذا أراد الشخص الحصول على أجر تفطير الصائم فلا بد أن يكون أول ما يتناوله الصائم من طعامه أو شرابه حتى يصدق عليه أنه فطره، وهذا بين واضح.
وعلى الذين يجلبون الأطعمة إلى المساجد لتفطير الصائمين أن يتقوا الله ويراعوا التالي:
1- جلب الطعام الكافي دون إسراف ولا تبذير لقول الله تعالى: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف:31} .
2- توفير ما يحفظ نظافة المسجد وذلك بوضع سفرة للطعام تحفظ الفتات عن تلويثه للمسجد وأذى الناس به ودوسهم له ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1426(9/379)
حكم ترك ما فيه اسم الله وسط القذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد شبه متدهور صحيا وبيئيا وأعانى من جهل الناس بمعنى ترك الصحف التي تحمل اسم الجلالة أو بعض آياته أو الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأقوم في بعض المرات بما يمليه علي الواجب لكن تكثر المسألة علي في بعض الأحيان فما الذي يجب علي فعله خاصة وأنا أمر في بعض الأحيان بالشوارع فأجد جرائد ملقاة هنا وهناك هل يجب علي أن أطلع على كل جريدة والبحث فيها عن الآيات أم ما تراه عيني بصورة مباشرة ويحمل آيه وهل من الكفر تجاهل الصحف البعيدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز رمي ما كتب فيه اسم الله تعالى أو آية من كتابه العزيز أو حديث من سنته صلى الله عليه وسلم، ومن تعمد رمي ما فيه ذلك وقصد الاستهزاء به أو احتقاره فهو مرتد والعياذ بالله، وكذا من وجد ذلك وعلم أن فيه آية أو حديثا فتركه وسط القذر فإنه يكفر بذلك كما قال العلوي في نوازله:
وتارك ورقة لا يعلم * مكتوبها وسط الطريق يأثم
وإن دراه خبرا أو آية * فتركه للكفر أي آية
والضابط في ذلك القصد والنية، فقد يرمي المرء الصحيفة وربما يكون وسطها آية ولكنها بالنسبة لما كتب فيها قليلة وقد لا يجدها إلا من تتبعها فيغفل عنها ولا يقصد بذلك الاستهزاء فلا يعتبر فعله كفرا، ولكن يأثم كمن مر بها وظن بها آية أو حديثا فلم يحفظها أو يطمسها فهو آثم أيضا.
ولكن ننبه السائل الكريم إلى أنه لا ينبغي أن يوسوس له الشيطان في ذلك فيبلغ به درجة التنطع والمغالاة، فما وجد فيه آية أو حديثا وجب عليه حفظه. وقد بينا الإتلاف المناسب لما كتب فيه ذلك في الفتويين رقم: 57537، ورقم: 30590.
وأما ما لم تجد فيه ذلك ولم يغلب على ظنك وجوده فيه فلا حرج عليك في تركه ولا يجب عليك تتبعه فذلك من الحرج والمشقة وقد قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وقال صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون. قالها ثلاثا. رواه مسلم.
فالتنطع مذموم والتساهل مذموم والحسنة بين سيئتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/380)
((البونزاي)) هل هو من تغيير خلق الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. أرجو منكم بيان الحكم في تربية الشجر المقزم والمسمى \"البونزاي\". والبونزاي هي عملية طويلة الأمد تقضي إلى الإبقاء على أي نوع من الشجر في حجم صغير أو ما يسمى بالتقزيم. والشجرة المقزمة تنمو بشكل طبيعي وبالحجم الطبيعي اذا ما أتيح لها ذلك. تتم عملية التقزيم بأن تزال بعض الأغصان الجديدة والجذور الطويلة سنويا وتمنع الشجرة من النمو عموديا. هل تعتبر هذه العملية أو الهواية مما يندرج تحت تغيير خلق الله أم أنها مباحة شرعا؟ وهل يمكن أن يكون النبات مما تشمله الآية الكريمة والتي تحرم تغيير خلق الله؟ يقول المهندسون الزراعيون إن عملية التقزيم لا تؤذي الشجرة وليست من الممارسات الجائرة والقاسية على أي نوع من النبات؟
أفيدونا جزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ظاهرة تقزيم الأشجار هي تزيين لها وبالتالي فهي من عمارة الأرض والإصلاح فيها وليس فيها من حرج ما لم يكن فيها إسراف، فالله تعالى جميل يحب الجمال كما في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود: 61} قال القرطبي في تفسيره.... عن زيد بن أسلم: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار، وقيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيره ...
وليس تقزيم الأشجار مشمولاً في النهي عن تغيير خلق الله، لأن هذا الكون بما فيه من أشجار وجبال وأودية وحيوان، مسخر كله للإنسان يستمتع به كيف يشاء، ويفعل به ما يشاء ما دام ذلك منضبطاً بضوابط الشرع، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. {الجاثية: 13}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1426(9/381)
نبات السدر وحكم قطع شجرته
[السُّؤَالُ]
ـ[بصراحة أريد أن أعرف ما هو نبات السدر وصورته وما هو مصطلحه باللغة الفرنسية؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسدر في اللغة شجر معروف عند أهل البادية، وثمرته النبق، الواحدة سدرة والجمع سدرات، وهو من الأشجار التي ينتفع بها الناس، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطعه عبثاً وظلماً ... فقال: من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار. رواه أبو داود وغيره.
وقد جاء ذكر السدر في القرآن الكريم في سياق حديث القرآن عن نعيم الجنة فقال تعالى: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ... {الواقعة:27،28} .
وأما ترجمته باللغة الفرنسية، فبإمكانك أن تسأل عنها أهل الاختصاص ومنهم الصفحة الفرنسية على موقعنا هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1426(9/382)
الكناية والتصريح بما يستحى من ذكره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما قام به بعض الفقهاء والقضاة السابقين بتأليف كتب في علم الباه وما تحتويه من قصص وكلمات وو و......مما يستحيي الإنسان من ذكره]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتصريح ببعض ما يتعلق بذلك قد ينافي الحياء، وكان صلى الله عليه وسلم يكني ولا يصرح، ولكن قد يحتاج إلى التصريح أحياناً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وكما في حديث عائشة أن امرأة رفاعة القرظي فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فأبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. والحديث متفق عليه، وكقوله صلى الله عليه وسلم: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك.
فمثل ذلك قد يذكر في مقام التعليم والإرشاد والتوجيه أو التشكي، ومن هنا فإن بعض العلماء قد ألفوا كتبا ذكروا ضمنها كثيراً من صفة الفراش وأحوالها والصفات المستحسنة وما ينبغي تجنبه وساقوا ذلك مساق التعليم وإن أوغل بعضهم في التصريح بما كان الأولى أن يسلك فيه مسك الكناية لبذاءته وعدم كبير الفائدة فيه، ومن ذلك ما حشدوه من القصص في ذلك المقام ولا ينبغي الاشتغال به وكثرة قراءته وإن كان لا يخلو في بعض الأحيان من فائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1426(9/383)
الأدب مع المخالف
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف التعامل مع الإخوان المسلمين إذا كانوا يؤذوننا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجماعة الإخوان المسلمين من الجماعات الإسلامية الدعوية وقد ذكرنا نبذة تعريفية لها في الفتوى رقم: 38868.
والتعامل معهم ينبغي أن يكون كالتعامل مع جميع المسلمين من توقير الكبير واحترام الصغير والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء الحقوق الواجبة للمسلم على أخيه من رد السلام وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصرة المظلوم وإبرار المقسم وتشميت العاطس وغير ذلك مما تستوجبه أخوة الإسلام.
وإذا حصل أذى للمسلم من أخيه فقد بين سبحانه وتعالى أنه يجوز له الرد عليه بالمثل والأولى له أن يعفو ويصفح ويغفر، كما قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ، وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
وإذا كان الخطأ من العلماء والدعاة فقد بينا كيفية بيان خطئهم والرد عليهم في الفتوى رقم: 59520، كما ذكرنا منهج السلف الصالح في الأدب مع المخالف وذلك في الفتوى رقم: 6506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(9/384)
حكم قطع شجرالسدر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل هناك محاذير شرعيه من استئصال شجرة السدر (النبق) فبعض المسلمين يجدون مصائب وأمراضا بعد استئصال هذه الشجرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم محذوراً شرعياً في استئصال شجرة السدر إن لم تكن في الحرم أو يحصل بقطعها ضرر أوظلم لأحد، والأصل في الأشياء الإباحة، ألا إذا ترتب عليها إضرار بالناس، وقد وردت بعض الأحاديث تفيد النهي عن قطعها في سنن أبي داود ومصنف عبد الرزاق والمعجم للطبراني، وقال الهيثمي أخرجها البيهقي، وقال كلها منقطعة وضعيفة، وقد نقل الملا علي القاري عن العقيلي أنه قال: لا يصح في قطع السدر شيء، وقال أحمد ليس فيه حديث صحيح.
وقد ضعفها ابن القطان وابن الجوزي، وقد خص البيهقي الأحاديث إن صحت بسدر الحرم، ويدل عليه ما في الطبراني: من قطع سدرة من سدر الحرم صوب الله رأسه في النار. وقال الهيثمي رجاله ثقات.
وقد حملها أبو داود على السدرة تكون بالفلاة يستظل بها الناس والبهائم فيقطعها القاطع عبثاً وظلماً بغير حق، وقد أفتى عروة والشافعي وأبو حنيفة والثوري بأنه لا بأس بقطعه، بل نقل صاحب عون المعبود عن عروة الإجماع على جوازه، واستدل عروة بقطع السلف لأعمدة السدر وجعلها في مصاريع الأبواب.
واستدل الشافعي بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم غسل الميت بالماء وورق السدر، وراجع المقاصد الحسنة وكشف الخفاء وعون المعبود ومشكل الآثار للطحاوي، والآداب الشرعية لابن مفلح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1426(9/385)
أخذ كتب المكتبة إذا انقطعت حاجة الطلاب إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[الأستاذ المسئول عن أسرة النشاط , ونحن في سنة التخرج قال لنا أن نأخذ من مكتبة القسم ما نشاء من الكتب لأننا نحن الذين بنيناها ونميناها كما أنه لن يوجد أحد بعدنا يهتم بها وغالبا ستضم إلى مكتبة الكلية. وقد قمت أنا بأخذ العديد من الكتب القيمة التي كانت موجودة بها وبعضها مازال عندي والبعض الآخر تلف بعامل الزمن. وبالرغم مما قاله الأستاذ لنا إلا أننى ما زلت متشككا في وضع هذه الكتب عندي. لأنها أصلا ليست ملكا شخصيا لهذا الأستاذ. بل هي من أموال الطلاب الذين اشتركوا معنا على مر السنين. ومازال هذا الأمر يحيرنى.. فماذا أفعل في هذه الكتب هل هى حرام (غلول) أم لا؟ وإن كانت كذلك فماذا أفعل بها حتى أكفر عن ذنبي هذا مع العلم أني لا أستطيع رد ما تبقى منها للجامعة فقد انتهت هذه الأسرة بتخرجي أنا وزملائي. وما حكم الفائدة العلمية والعلم الموجود بهذه الكتب إذا ما استفدت أنا بها في عملي أو دراستي. هل يكون حراماً؟؟؟؟؟
أرجوالافادة وإنقاذي من حيرتي فإني لا أحب أن أغل أي شيئ فقد سمعت خطبة من أحد الأئمة يحكي فيها عن الغلول وأكل الحرام ولا أحب أن أكون من هؤلاء. أرجوكم ساعدوني وبلغونى بالصواب أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الكتب فإن ما انتفعت به منها وتلف في يدك بعامل الزمن دون تفريط فلا حرج عليك فيه.
وكذلك ما بقي منها في يدك فالظاهر أنه لا حرج عليك في استعماله أو التصدق به أو هبته لمن ينتفع به، لأن العادة جرت أن هذا النوع لا تتبعه همم الناس أو أغلبهم والعادة لها اعتبارها في الشرع، ومع ذلك لو وجدت الأستاذ أو المشاركين أو بعضهم فالأحسن أن تستسمحهم.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 24546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(9/386)
المشي فوق ظل شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لايجوز المشي فوق ظل شخص يمشي بجانبك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دليلا شرعيا يمنع من مشي شخص فوق ظل شخص يمشي بجانبه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/387)
كفالة اليتيم ونسبته إلى أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أكفل يتيما أو اثنين وقد فكرت بأن يكونا فى سن الرضاع وأجعل أخت زوجتي ترضعهما فتكون زوجتي محرمة عليهما لكونها خالتهما من الرضاع، ولكن يشغلنى وضعهما فى المجتمع لأنهما سيعرف يتمهما لعدم حملهما اسمي كذلك كيف أربيهما، هل يجوز ضربهما لتعليمهما الأدب، وما هى الأحكام الشرعية المترتبة على الكفالة سواء بالنسبة لي أو لزوجتي، أرجو الاستفاضة فى الرد؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم فضل كفالة اليتيم في الفتوى رقم: 3152، وينصح الكافل لليتيم بإنشاء محرمية بالمكفول، وانظر كلام الشيخ القرضاوي في الفتوى رقم: 59655.
وأما كيف يربي المكفول، فاليتيم يربى كما يربى الأبناء، ويجوز ضربه للأدب، كما في الفتوى رقم: 24777.
ولا يجوز تبني المكفول بنسبته إلى غير أبيه كما في الفتوى رقم: 55656.
وليس في نسبة اليتيم إلى أبيه ضير، وكونه يتيماً لا يحط ذلك من قدره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً وامتن عليه ربه بأن كان يتيماً فآواه الله، قال الله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى {الضحى:6} ، وأما إن لم يكن له أب يعرف، فأخ في الدين، ويتوجب على المجتمع أن لا يحمل مثل هؤلاء ذنباً لم يقترفوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(9/388)
حكم تعليق زيارة من يكرهه على مشيئة الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
طلب مني شخص أن يقوم بزيارتي للبيت وأنا كاره لزيارته لكني لا أريد أن أجرح شعوره فقلت له حياك الله لكن ظروفي الآن لا تسمح وإن شاء الله سنرتب في المستقبل لزيارة وبعد أن ذهب ندمت أشد الندم لقولي (سنرتب إن شاء الله لزيارة) مع قناعتي أني لا أريد زيارته فوقعت بحيرة هل قولي هذه الجملة من التورية أو الكذب؟ هذا سؤالي الأول.
وبعدها مباشرة استغفرت ربي حتى أخرج من الشبهة وذهبت إلى الرجل وقلت له (أنا قلت لك إننا سنرتب إن شاء الله لزيارة والأسلم أني لازم قلت إذا أراد الله وإن شاء الله فقط حتى أخرج من كلام البشر أو بما معناه من وعود البشر وقال لي إذا إن شاء الله سنرتب موعدا قلت له فقط إن شاء الله)
فما رأيكم بالحدث الثاني هل صححت موقفي الأول وهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في قولك الأول خطأ ولا إثم إن شاء الله تعالى، لأنك علقت الزيارة والترتيب لها بمشيئة الله تعالى، وهذا صحيح فلن يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئته سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الإنسان: 30} .
وأما قولك: إن ظروفك الآن لا تسمح فلا حرج في ذلك أيضاً من الناحية الشرعية حسبما فهمنا إذا كنت تقصد ظروفك النفسية والشخصية أو المنزلية أو العائلية.
وأما قولك الثاني فكان أوضح ولكن مضمونه هو مضمون الكلام الأول، ولذا فلا نرى أنه كان له داع أصلاً، وعلى كل فنرجو ألا يكون في ذلك إثم أو إخلاف وعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1426(9/389)
صلة الصديق المقترض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في التعامل مع من أخذ قرضا ربويا يعني صديقي أخذ قرضا ربويا ومنذ ذلك الوقت الذي أخذ فيه الربا فأنا لا أذهب إليه مع أنه تزوج بهذا القرض ونصحته بأن يرد المبلغ، ولكن قال لي إنه بحاجة إليه ليفتح محلا تجاريا، فما حكم زيارته دائما والحضور للمناسبات التي يقيمها للأصدقاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على صاحبك أن يتوب إلى الله تعالى مما فعل، ولا يتم له ذلك إلا بالندم على ما حصل منه والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، مع رد المال الذي اقترضه من البنك متى استطاع ذلك تفادياً للفوائد الربوية المحرمة المترتبة عليها، لأن البنوك الربوية في العادة تسقط تلك الفوائد عند السداد المبكر للدين قبل حلول أجلها.
أما عن صلتك له ومعاملتك معه فإن ضابطها يعود إلى مقدار المفاسد والمصالح المترتبة على صلته أو هجره، فحيث كان في صلته مصلحة كانت صلته أفضل، وحيث كان العكس فهجره بنية إصلاحه أفضل، وراجع في هذا الفتوى رقم: 5263، والفتوى رقم: 20346.
وحيث قلنا بأفضلية صلته فإن الأكل عنده وقبول هديته يختلف حكمه باختلاف حاله، وتفصيل ذلك في الفتوى رقم: 51868، والفتوى رقم: 6880، والفتوى رقم: 18935.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1426(9/390)
من السنة التيامن في الأخذ والإعطاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت التأكد مما سمعت عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه من هديه تسليم الحاجيات (الأغراض) باليمين وأنه يستلم بالشمال صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
وهذا في الأعمال الطيبة الشريفة وأما إذا كان العمل غير شريف فإنه يعمله بشماله كما في الاستنجاء ولمس الذكر حال قضاء الحاجة ونحو ذلك مما قرره أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 52955.
وأما كونه صلى الله عليه وسلم يأخذ بشماله ويعطي بيمينه فلم يرد ذلك، ولا يصح لمخالفته لهديه صلى الله عليه وسلم فقد كان يعطي بيمينه ما لم يكن أمرا مستقذرا فإنه يتناوله بشماله تكريما لليمين عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1426(9/391)
حكم ترك سقي الزرع حتى يذبل ويموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إن زرعت زرعا في بيتي ثم تركته يموت عطشا مع قدرتي علي سقايته يكون ذلك حراما أو مكروها، وماذا إن لم يكن في بيتي ولست من زرعته ولكني قادر علي سقايته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الأشجار أشجاراً ينتفع بها الخلق، ففي غرسها وسقيها أجر مرغب فيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل. رواه أحمد، وقال: من أحيا أرضاً ميتة فله أجر، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة. رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: ومقتضاه أن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره. انتهى.
وفي تضييع الزرع إضاعة للمال وإهلاك للحرث وهو مرهب منه ومنهي عنه وقد كره الله إضاعة المال ونهي عن إهلاك الحرث والنسل بذم من فعل ذلك، كما في قوله تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {البقرة:205} .
وفي الحديث: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. رواه مسلم.
وأما مزرعة جارك فإن سقيك إياها من إحسان جواره الذي رغب الشارع فيه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. متفق عليه، ولمسلم: فليحسن إلى جاره. ولأحمد: فليكرم جاره.
وقد نص كثير من أهل العلم على وجوب بذل فضل الماء له إن طلب منك ماء لسقي أرضه واستدلوا بحديث مسلم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء. وراجع في ذلك شروح خليل ونيل الأوطار وسبل السلام.
وأما قيامك أنت بسقايته بنفسك فلم نر نصا لأهل العلم في وجوبه عليك، ولكنه من مكارم الأخلاق التي يتعين الاعتناء بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1426(9/392)
حكم قطع الشجر المثمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قطع شجرة السدر أو أي شجرة مثمرة إذا كانت مضرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد النهي عن قطع السدر كما عند أبي داود والبيهقي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار. صححه الألباني، وقد حمل أبو داود رحمه الله ذلك على السدر الذي يكون بالفلاة يستظل به الناس، كما في الفتوى رقم: 2610.
وحمله بعض العلماء على سدر الحرم أو ما كان في ملك إنسان لأن عروة بن الزبير وهو راوي الحديث كان يقطع السدر ويتخذ منه أبواباً، قال هشام وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه، وسئل الشافعي عن قطعه فقال: لا بأس لأنه صلى الله عليه وسلم قال: اغسلوه بماء وسدر.
قال البيهقي: والأولى حمله على ما حمله عليه أبو داود. وهو أن النهي والوعيد في من اعتدى على شجرة سدر أو نحوها مما ينتفع به الناس والدواب بظله أو ثمرته فلا يجوز قطعه ظلماً وعدواناً بغير حق. فإن كان عروة يقطعه من أرض فيشبه أن يكون النهي خاصا.
وهذا الجمع أولى لما ورد من الترغيب في غرس الأشجار المثمرة التي ينتفع بها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها. رواه أحمد من حديث أنس وصححه الألباني.
وقد نهى سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض فقال: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا {الأعراف:56} ، وقال: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {البقرة:205} ، وفي مسند أحمد من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قتل صغيراً أو كبيراً أو أحرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة ... لم يرجع كفافا. وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أمراء جيوشه فيقول: اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا.. ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء. وكذلك في وصية أبي بكر رضي الله عنه كما في مسنده.
فالحاصل أنه يجوز قطع السدر إذا دعت حاجة إلى ذلك وكانت هنالك مصلحة في قطعه وكذلك سائر الأشجار المثمرة إذا كان في قطعها مصلحة أو دفع مضرة إلا أشجار الحرم غير الإذخر للنهي عن ذلك، وما كان ملكاً لشخص فإنه لا يجوز قطعه بدون إذنه للنهي عن الاعتداء على ممتلكات الناس، ولو كان شيئاً يسيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن قضيبا من أراك. أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما قطع الأشجار المثمرة والسدر لمجرد العبث والاعتداء عليها بغير حق فإنه لا يجوز لكونه إفساداً في الأرض ينافي مأمورية الاستخلاف فيها وإعمارها، كما في قوله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود:61} ، وقطع الأشجار المثمرة عبثاً ينافي إعمارها، وأما للحاجة فإنه جائز كما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(9/393)
موضع النعل لا تعلق له بالأدب مع الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
عندنا عادة في مصر أنه إذا رأى أحدنا الشبشب (النعال) مقلوبا وضعه على هيئته الصحيحة، بحجة أنه إذا كان مقلوبا كان في جهة السماء حيث الله تبارك وتعالى ... فهل هذا العمل صحيح وفيه توقير لله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نجد أحداً من أهل العلم ينص على أن وضع النعال على شكلها الصحيح فيه أدب مع الله تعالى وأن عكسه خلاف ذلك، بل لعل هذا من خرافات الشعوب التي لا تستند إلى أصل شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/394)
حكم الزفاف في الفندق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز ليلة الدخلة في الفندق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقضاء ليلة الدخول في الفندق الأصل فيها أنها جائزة، لكن لابد من مراعاة أن يكون هذا الفندق المعني ليس فيه منكرات ظاهرة، وليس هنالك شبهة في دخول هذا الفندق، خاصة للمسلم الديِّن المستقيم، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68] .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حضور الوليمة -مع أن إجابة الدعوة واجبة- وذلك إذا كان في مكان الدعوة خمر. روى أحمد والترمذي بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر".
أما إذا لم يشتمل على ذلك فلا بأس، وإن كان الأولى لصاحب الدين والاستقامة الابتعاد عن مثل هذه الأماكن التي هي في الغالب مثار للشبهات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/395)
التثبت في أقوال العلماء، وعدم الطعن فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سب العلماء بمجرد الاختلاف معهم؟ وهل يجوز التعصب للعلماء بالحق وبالباطل كما يفعل بعض الأشخاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..... وبعد: ... فإنه نظراً لكثرة من يتكلمون في أمور الدين وحملة الشريعة عن علم وعن غير علم، وتعدد وسائلهم في ذلك كان لابد من بيان المنهج الحق في هذه الظاهرة الخطرة إحقاقا للحق وإبطالاً للباطل ووجهة نظرنا في التعامل مع هذه الحالة التي فرضت نفسها تتلخص في النقاط التالية: 1. بيان أن الواجب على كل مسلم أن يحترم أهل العلم والفضل، وأن يعرف لهم قدرهم ومنزلتهم التي أكرمهم الله بها، وأن يمسك لسانه عن الطعن فيهم والتشهير بهم، فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة. ... 2. بيان أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والواجب على من رأى خطأ لعالم أو زلة أن يسعى بالنصيحة والبيان، لا بالتحامل والتشنيع والتشهير، فإن هذا يمنع في حق عامة الناس، ومنعه في حق العلماء من باب أولى، صيانة لهذا المنصب الشريف، ومنعاً لاجتراء العامة على أهله. 3. بيان أن الاختلاف بين البشر سنة من سنن الله تعالى فيهم، ولم يزل العلماء يختلفون ويتناصحون ويتناظرون ويكتبون في الرد على المخالف مع التزام الأخلاق الحميدة، وصفاء النفوس من الأحقاد والضغائن. ... 4. بيان أن العلماء والدعاة يخطئ في حقهم فريقان من الناس: فريق يغلو فيهم ويتبعهم في زلاتهم، وينتصر لأقوالهم بغير حق، وفريق يتتبع عثراتهم، ويرميهم بما ليس فيهم، والحق وسط بين الفريقين، والتوفيق من عند الله. ... 5. بيان أن العلماء الذين يشتغلون بالفتوى ويتكلمون في مسائل الشريعة ينقسمون إلى قسمين: الأول من عرف بالاستقراء والتتبع كثرة صوابه وقلة أوهامه والتزامه الغالب بما صح من الدليل احتجاجاً واستنباطاً فيكون الأصل في أقواله القبول ولا يرد منها إلا ما بانت مخالفته للدليل. وقسم عرف بالاستقراء والتتبع أنه لا تنطبق عليه هذه المواصفات أو بعضها فيكون الأصل في أقواله أن تعرض على الدليل قبل الأخذ بها، فما وافق الدليل منها أخذ وما خالفه رد عليه بالأسلوب الرصين العلمي الهادي الذي تراعى فيه آداب البحث والمناظرة ويبتعد فيه من التقبيح والتشهير. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1421(9/396)
ماذا يفعل المستفتي عند تعارض الفتوى في المسألة الواحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن كان هناك أمر أجمع بعض العلماء على جوازه والبعض الآخر على عدم جوازه, فما هو الحال مع الذي أخذ بأحد هذين الفتويين؟ بمعنى أن يقوم الشخص بأخذ فتوى الإجازة أو بأخذ فتوى عدم الإجازة, وهل لو كان عدم إجازة الأمر الحق في آخر الأمر فماذا يقع على الشخص الذي أخذ بإجازة الأمر؟
فمثلا في أمر تنظيف الحواجب وأخذ مابينهما أفادت دار الإفتاء المصرية غيرها جواز ذلك, بل إنها أجازت أن تقوم المرأة بالأخذ من حاجبيها بأمر زوجها على حين أن البعض الآخر من الفقهاء لم يجز تنظيف الحواجب,
فماذا يقع علي إذا قمت بأخذ الفتوى التي تجيز تنظيف الحواجب وما بينها هل يقع علي إثم؟
أمر آخر وهو شعوري فى بعض الأحيان بالذنب عند قيامي بهذا وفي بعض الأحيان أقول لقد أجازتها دار الإفتاء والمتخصصون؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي للمسلم أن يأخذ بالأقوى دليلا وبالأحوط خروجا من الخلاف واستبراء لدينه وعرضه واتقاء للشبهات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا بالتفصيل حكم النمص وأدلته والأقوال فيه وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8472، 22244، 17609، 23072، 51123.
وأما إزالة ما بين الحاجبين؛ فلا حرج فيه- إن شاء الله تعالى- لأنه غير طبيعي؛ ولأن الشرع لم ينه عنه وسبق بيان ذلك في الفتوى: 2220.
وبخصوص اختلاف العلماء فإنه لا يجب على العامي من المسلمين أن يقلد واحدا بعينه من أهل العلم، ولكن ينبغي للمسلم أن يأخذ بالأقوى دليلا وبالأحوط خروجا من الخلاف واستبراء لدينه وعرضه واتقاء للشبهات، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.. الحديث
وقال صلى الله عليه وسلم: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. رواه مسلم وغيره، وفي روية الإمام أحمد: البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك".
وللمزيد من الفائدة انظري الفتويين: 1839، 79269 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(9/397)
تحريم الفتوى بدون علم وبدون فهم سؤال المستفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس ميكانيك ولكن ذو لحية ولست عالما في الدين وتعرضت لسؤال في الدين من امرأة وهذا السؤال كان عبارة عن أن رجلا كان مديونا وعليه مال وهو في السجن وهي أخذت منه هذا المال لتعطيه لأصحابة وقالت لي أنها أعطته لشخص وشخص آخر وبقيمة كذا لشخص وكذا للشخص الآخر وأنا لم أفهم السؤال منها بالضبط ولم أفهم ما فعلته بالضبط مع ذلك حركت رأسي بالموافقة على ما فعلت وأن فعلها صحيح، وقلت لها طالما وصل المال للمستحقين يكون فعلك صحيحا, وأنا لست شيخا ولكن مهندس متدين وأجبت على سؤال هذه المرأة فهل فعلي هذا صحيح، وهل إجابتي السابقة عن سؤالها تعتبر إجابة صحيحة، وماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته خطأ وخطيئة إذ لا يجوز التقول في دين الله بغير علم، وهو من الكبائر؛ كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، ولو كنت عالماً يحرم عليك الفتوى حتى تفهم السؤال وتستفسر السائل حتى تتضح الأمور، فشأن الفتوى خطير وأمرها عظيم، وما أشقها على العالم الورع المتحري، فعليك التوبة مما فعلت والاستغفار، وإن أمكن فتفاد ذلك بالاستفهام من المرأة مرة أخرى ثم إرسال السؤال إلى عالم ليبين لها حكم الشرع في مسألتها، وراجع الفتوى رقم: 14585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(9/398)
تفنيد بعض الفتاوى الصادرة عن برنامج (صناع الحياة)
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة وأنا أتابع برنامج الأستاذ عمرو خالد يسمي ب\"صناع الحياه\". الفكرة الأساسية لهذا البرنامج هو دعوة الشباب خاصة إلى التفكير بمستقبل الأمة والتحرك بإيجابية نحو التغيير للأفضل من خلال استغلال الطاقات والمشاركة الفعالة في المجتمع. ولكننا فوجئنا بتحول من الأستاذ عمرو (الذي كان يصر دائماً أنه ليس أهلاً للفتوى) في إحدى الحلقات التي أسماها \"ظلم المرأة\" وأدرج في هذه الحلقة ما يرى من وجهة نظره أنه ظلم للمرأة وأدرج تحتها: الختان، التعدد بدون سبب، لزوم السفر بمحرم، وعدم مشاركتها في الحياة السياسيه. وكان من رأيه أنه يجب على صاحب العمل أن يرجح المرأة على الرجل إذا تقدم الإثنان لشغل وظيفه معينة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون قال حديث (النساء ناقصات عقل ودين ... ) على سبيل الدعابة!!!!. وفي حلقة أخرى تسمي الثقافه والفن أطلق الفتوي بأن الموسيقى (المعازف) حلال ويجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله وقدم للجمهور مطربا جديدا الذي فيما بعد أقام عدة حفلات وأقبل عليها الشباب بشكل كبير ظناً منهم أنه من المساهمة في نهضة الدين. وفي حديث له في إحدى المجلات المحلية انتقد الفنانات المعتزلات لتركهم الوسط الفني وناشدهم بالرجوع إلى عملهم وأن يساهموا في النهضة بأعمال هادفة بدلاً من أن يتركوا الوسط الفني للأعمال الهابطة!!!!!! يرجى الدخول إلى هذا الرابط لسماع المحاضرة كاملةhttp://www.amrkhaled.net/multimedia/multimedia495.html. وقد نتج عن ذلك أن منتدى عمرو خالد دوت نت أصبح يواجه فتنة رهيبة بين من يدافع عن الحق بالأدلة الشرعية وبين من يرى أن الأستاذ عمرو على حق دائماً ولا يلتفت إلى الأدلة الشرعية. بفضل الله قام الكثير من الإخوة بالرد على بعض الشبهات السابقة ولكننا نريد من حضرتكم الإفادة فيما إذا كان متابعة هذه الحلقات فيها أي مخالفة شرعية؟ وما إذا كان الأستاذ عمرو معه أي دليل على ما عرضه علينا ولو بحجة النهضة أو فقه الأولويات كما يسميه..وبماذا تنصح من يسلم بكل ما يقوله الأستاذ عمرو دون تمييز. ونسألكم سرعة الإجابه لأهمية الأمر
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على تحريم سفر المرأة بلا محرم، وإن اختلفوا بعذ ذلك في بعض المسائل كسفرها للحج والعمرة والهجرة من دار الشرك، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. رواه مسلم. وأصله في الصحيحين، وانظر الفتوى رقم: 6693. وعلى ذلك، فإن من ادعى أن اشتراط المحرم لسفر المرأة ظلم لها، فقد رد حكم الله، وقد يصل ذلك بصاحبه إلى الكفر بالله العظيم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {الأحزاب: 36} . وقال أيضاً: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} . وكذلك الزعم بأن ختان المرأة فيه ظلم لها ـ جهل بالشريعة، لأن نبينا صلى لله عليه وسلم قد شرعه لنا، فقد قال للمرأة التي كانت تختن الإناث: إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي. رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4487، 17741، 31783. والشأن في المسلم أن ينقاد ويستسلم لأمر الله، قال سبحانه: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ {النور:51} . بينما بين سبحانه وتعالى أن من صفات المنافقين أنهم: َإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ {النور:48} . هذا، وإن الذي يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن النساء إنهن: ناقصات عقل ودين. على سبيل الدعابة ولم يرد إثبات النقص حقيقة ـ فقد افترى على رسول الله الكذب، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بين نقصان عقلها ودينها في الحديث، وانظر الفتاوى: 7520، 15621، 33323، 16032. وكذلك الزعم بأن تعدد الزوجات بدون سبب فيه ظلم للمرأة رد لحكم الله تعالى، وذلك لأن الله أباح للرجال أن ينكحوا ماطاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، والذي يقيد حكم الله، ويجعل الإباحة لأسباب فقد رد حكم الله، وأتى بحكم يوافق هواه،: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ {القصص: 50} . وانظر الفتاوى: 310، 1660، 2286، 3002، 10298.هذا، ولا ندري لماذا يحرص البعض على أن تتولى النساء شؤونهم وأن يدبرن أمورهم!! وانظر حكم تولي المرأة الولايات العامة في الفتوى رقم: 3935. ولمعرفة ضوابط عمل المرأة انظر الفتاوى: 7550، 522، 648، 1665. ولبيان حكم الإسلام في المعازف، انظر الفتويين: 987، 5555.هذا، وإن من علامات الساعة أن يتصدر من لم يتأهل، وأن يلتمس العلم عند الأصاغر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً ـ اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا. رواه البخاري ومسلم. وعلى المستفتي أن لا يأخذ دينه إلا ممن يوثق بعلمه وأمانته واتباعه للحق، فقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. وأما أخذ الفتوى من الجاهل الذي يفتي بغير علم، فهو سبب للضلال، وافتراء على الله، وإن الفتيا بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ولقد جعل الله ذلك قرين الشرك به، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {لأعراف:33} . وقال سبحانه أيضاً: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ {النحل:116} . وانظر الفتوى رقم: 14585. فإن فيها مزيد بيان. هذا، وإن خطر الفتوى بغير علم لا يقتصر على صاحبه، بل ربما يتعداه إلى باقي المجتمع فيفسده ويضله عن دين الله تعالى، وهنا يكون الخطر الأعظم والإثم الأكبر، لأن المعصية المتعدية أعظم من المعصية القاصرة، وإن من أفتى بغير علم، فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة الشرع، فإنه يتحمل وزرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني. ولقد كان سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم يتحرجون من الفتوى ويتدافعونها ـ مع كثرة علمهم وحرصهم على إفادة الناس وإيصال النفع لهم ـ ولكن لخطورة شأن الفتوى كان بعضهم يحيلها إلى بعض، وربما عادت إلى الأول. وإن ما صدر منهم من فتاوى، كان الحامل عليهم هو خوفهم من كتمان العلم الذي حذر منه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(9/399)
مناسبة قول ابن مسعود رضي الله عنه:ارجعوا فإنه ذلةللتابع وفتنة للمتبوع
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت الشيخ يقول في أحد الدروس أن ابن مسعود رضي الله عنه عندما خرج وراءه الصحابة قال لهم: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع لو علمتموني على حقيقتي لضربتموني بالنعال أو شيئاً قريباً من ذلك، وأريد أن أعرف قصة هذه المقولة، وما معنى أنه رضي الله عنه خرج، هل خرج معزولا أو مطروداً أم ماذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد روى ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأى ابن مسعود ناس فجعلوا يمشون خلفه فقال ألكم حاجة قالوا: لا، قال: ارجعوا فإنها ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة بعد ذكر هذه القصة عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله:لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.
وأخرج الحاكم في المستدرك أن عبد الله بن مسعود قال: لو تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي رجلان ولحثيتم على رأسي التراب ولوددت أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي وأني دعيت عند الله ابن روثة.
وقد كان من هدي السلف منع تعظيم الرجال لهم بالمشي خلفهم، فقد روي عن عمر أنه ضرب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه وقال هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، ذكره شيخ الإسلام في المنهاج والغزالي في الإحياء.
وأما خروج ابن مسعود فليس من باب عزله ولا طرده فإنه كان مكرما من قبل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكانوا يجلونه، والظاهر أنه إنما رآه الناس يمشي في الشارع فأحبوا مرافقته فقط.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(9/400)
لا يشترط في الفتوى الذكورة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء.. تحية طيبة: سؤالي هو: عن ما نشاهده على شاشة التلفزيون من ظهور النساء في الدين من خلال البرامج الدينية، فهل يجوز فتوى المرأة على شاشات التلفزيون، أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الفتوى أمرها خطير ومنصبها جليل لا يجوز أن ينتصب لها إلا أهلها المؤهلون للقيام بها لأنها توقيع عن رب العالمين ووراثة للمرسلين، والقول على الله بغير علم من أكبر الكبائر فقد قرنه الله تعالى بالفواحش والشرك به سبحانه وتعالى، فقال الله جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] .
ولا يشترط في الفتوى والاجتهاد والتعليم والدعوة.. الذكورة بل يحق لكل امرأة مؤهلة أن تفتي وتعلم وتدعو وترشد ... فقد كانت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن مفتيات ومعلمات، وكذلك غيرهن من نساء السلف الصالح، ولا مانع شرعاً أن تظهر المرأة المسلمة في وسائل الإعلام لتجيب على الأسئلة أو تلقي الدروس لكن يجب أن يكون ذلك مضبوطاً بالضوابط الشرعية حيث تكون متحجبة ومؤهلة ... ، وللمزيد من الفائدة عن شروط الفتوى نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14585، والفتوى رقم: 16518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(9/401)
لا حرج على المستفتي يأخذ من المفتي بدون ذكر الدليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يكفر أو يحرم أخذ الفتوى بدون دليل وإذا كان هناك فأين أجده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم حديثا يكفر المستفتي أو يحرج عليه إذا أخذ فتوى من مفت ثقة عالم لم يذكر دليلها، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون يُستفتون وبأخذ الناس فتاواهم، وقد لا يذكرون فيها الدليل، ومن أراد الأمثلة على ذلك فليطالع موطأ الإمام مالك ومصنف عبد الرزاق والمصنف لابن أبي شيبة، وسنن البيهقي وغيرها من كتب الحديث.
ولكن يتعين على المستفتي أن لا يأخذ دينه إلا ممن يوثق بعلمه وأمانته واتباعه للدليل، فقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
ويجوز للمستفتي أن يسأل المفتي عن دليل الحكم.
وأما أخذ الفتوى من الجاهل الذي يفتي بغير علم، فهو سبب للضلال، وافتراء على الله، وقد ثبت تحريمه بقول الله تعالى:) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33)
[وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النحل: 116- 117) .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 14585، 35277، 2438، 17519، 16518، 5583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(9/402)
لا ينبغي أن يلقى اللوم على العلماء فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[تعيش الأمة الإسلامية اليوم مرحلة عصيبة، وما يزيد الطين بلة كما يقولون هو الغياب التام لدور علماء الأمة ووجهائها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل مسلم مطالب بنصرة الإسلام ودفع الغربة عنه وإصلاح المجتمع حسب قدرته واستطاعته، ولذا فلا ينبغي أن يلقى اللوم على العلماء فقط، وإن كان دور العلماء هو الدور الأكبر والأهم في توعية الناس وتعريفهم بشرع الله تعالى في الوقائع والأحداث التي تنزل بهم، وأن يكونوا قادة لهم، ولا شك أن العلماء القائمين بالحق موجودون في كل زمان تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(9/403)
الفتوى بدون ذكر المرجع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل يجوز لإمام خطيب أن يفتي بدون مرجع؟
والسلام عليكم ورحمة الله.. وتقبل الله صيامك..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود بالمرجع ذكر الكتاب الذي استند عليه في فتواه فلا يلزمه ذلك، لأن مقام الفتوى لا يقتضي ذلك، وإن كان المقصود بالمرجع المستند من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين والأئمة المهديين فيلزمه أن يكون عالماً بمستنده في الفتوى، لأنه يحرم الإفتاء في دين الله بالرأي الذي لم تشهد له النصوص بالقبول، قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص والرأي الذي لم تشهد له النصوص بالقبول. انتهى
ونقل ابن القيم في كتابه المذكور عن الإمام أحمد أنه قال في رواية أبي الحارث: لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة.
وأنه قال في رواية حنبل: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالماً بقول من تقدم؛ وإلا فلا ينبغي.
لكن لا يلزم المفتي ذكر مستنده في الفتوى، ولمزيد من الفائدة عن أدب الفتوى راجع الفتوى رقم:
14585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو الحجة 1423(9/404)
أعذار الأئمة المعتبرين عند وجود قول جاء الحديث الصحيح بخلافه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء عن أحد الأئمة المقبولين عند الأمة قول يخالف حديثاً صحيحاً, فلابد له من عذر لا يخرج عن ثلاثة أصناف, فما هي ? جزاكم الله خيرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في رسالته المعروفة برفع الملام عن الأئمة الأعلام: وليعلم أنه ليس لأحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً أن يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1423(9/405)
لا مانع من طلب العلم عند حالق اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز طلب العلم من حالق لحيته وبارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلب العلم فريضة على كل مسلم، كما ورد في الحديث الذي رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني. وعلى طالب العلم أن يبحث عمن يعلمه العلم، لأن أخذ العلم عن المشايخ بالأفواه هو طريقة السلف الصالح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4378.
وليُعلم أن حلق اللحية حرام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 1491.
ومع هذا، فإنه لا مانع من طلب العلم الضروري عند مثل هذا الرجل، بشرط ألا يوجد غيره ممن هو ملتزم بالسنة وقادر على التدريس، لأن في إقبال الناس عليه إعانة له على معصيته، وإقراراً له عليها، ولأنها معصية ظاهرة يُشان بمثلها العلماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1423(9/406)
الفتوى بغير علم طريق الضلالات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث يذكر من يتحدثون في الفتوى بغير علم ومن يقول أحاديث نبوية بغير علم دون ان يتحرى الدقة ثم يتحجج أنه داعية إلى الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل، لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وموقع عن الله، قال ابن المنكدر: (العالم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم) ولذا كان كثير من فضلاء السلف يتوقف عن الفتيا في أشياء كثيرة معروفة، فقد قال عبد الرحمن بن أبي ليلى أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وروى الآجري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من فاته لا أدري أصيبت مقاتله. وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصه؟ ثم يجيب. وسئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة فغضب، وقال ليس في العلم شيء خفيف. وقال أبو حنيفة رحمه الله لولا الفزع من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت! يكون لهم المهنأ وعلي الوزر. وسئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: حتى أدري أن الفضل في السكوت أو الجواب. وعن الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما عرف من الأقاويل فيه. وقال الخطيب: قلَّ من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها، إلا قلَّ توفيقه، واضطرب في أموره، وإن كان كارهاً لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة، وأحال الأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في جوابه أغلب. وأقاويلهم في هذا مستفيضة وخوفهم من هذا المنصب كبير، لأن الفتيا من غير متأهل، والقول على الله بغير علم، منكر عظيم وإثم مبين، ووقوع في سبل الشيطان الرجيم، قال سبحانه: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدون مبين* إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [البقرة:168-169] والقول على الله بغير علم قرين الشرك، لأن الله يقول: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف:33] قال ابن القيم في مدراج السالكين: (وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريماً وأعظمها إثماً، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان، فقال: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثماً، فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله، فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد منه ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم. انتهى.
ومن أفتى بغير علم فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة للشرع ومباينة للهدى فإنه يتحمل وزرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أُفتيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه" رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة وحسنه الألباني في صحيح الجامع. فعلى المسلم أن يستشعر عظم هذا المنصب، ولا يخوض في هذا الأمر إلا بعلم، وإلاَّ تقحم النار والعياذ بالله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(9/407)
كيفية استفادة طالب العلم من العلوم التي درسها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستفيد طالب العلم من العلم الذي تعلمه وبالذات العلم الشرعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم العلم الشرعي عبادة مطلوبة لذاتها ولغيرها، فقد فرض الله علينا أن نتعلم العلم الشرعي الذي نحتاج إليه، وأن نعمل به ومن العمل به تطبيقه في واقع الحياة ودعوة المجتمع إلى تطبيقه كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يعلمهم ليعملوا ويعلموا غيرهم.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعوا إليه من وراءنا.
ومن الوسائل المساعدة في تحصيل هذا أن يقرأ المسلم القران بتدبر وتفهم لمعانيه، حتى يفقه ويتبين مراد الله فيها، وقد فضل أهل العلم قراءة مقطع قليل من القرآن مع التدبر على قراءة كثير من دون تدبر.
لما في الحديث: من قرأ القران في أقل من ثلاث لم يفقه. رواه أحمد وصححه الأرناؤط.
وروى البيهقي في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لأن أقرأ سورة البقرة فأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة.
ومما يساعد على الاشتغال به وعدم الملل أن يحسن صوته به أو يسمعه من مجيد حسن الصوت كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن صوته، ويحب سماعه من غيره، وكان يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. رواه البخاري.
فإذا وفق الله المسلم لتلاوته مع الترتيل والتدبر وحضور القلب الحي فنرجو الله أن يرزقه الاستفادة به.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في الفوائد: إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله. قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. {ق:37} . وقوله لمن كان له قلب. فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله. كما قال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ*لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. {يس:69،70} . وقوله: وألقى السمع أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام. وقوله: وهو شهيد أي شاهد القلب حاضر غير غائب وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فإذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر. انتهى.
ويتعين أن يجمع مع تدبر وتلاوة القرآن الإكثار من مطالعة كتب الحديث المؤلفة في الترغيب والترهيب والرقائق فإن النفس البشرية مهيأة بطبيعتها في الغالب لسلوك طريق الخير والشر، وبالنظر والتأمل في نصوص الأحاديث الثابتة في الترغيب والترهيب تنشط النفوس للطاعة وتنقمع عن المعصية فالترغيب يحفزها للخير والترهيب ينفرها من المعصية، ويتعين مع هذا أن يتفقه في الأعمال التي يعملها فيتعلم ما ذكر الفقهاء في أحكام العبادات وبيان شروطها وأركانها ومبطلاتها فإن تعلم تفاصيل ذلك في كل عبادة يعملها المسلم أمر متعين حتى يطيق العبادة كما أراد الله تعالى، ويتعين أن يقرأ تلك الأحكام الفقهية من الكتب التي تهتم بالدليل.
فقد قال ابن رجب في كتابه فضل علم السلف على الخلف.
قال رحمه الله تعالى: العلم النافع يدل على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى وذلك يستلزم إجلاله ومحبته وخشيته، ويدل على معرفة ما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويسخطه فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع هذا إن كان علمه علما يمكن الانتفاع به وهو المتلقي عن الكتاب والسنة. انتهى باختصار.
وننصح بمطالعة كتاب ابن رجب المذكور ومطالعة كتب ابن القيم ففيها كثير مما يفيد في هذا المجال والموضوع على كل موضوع مهم وهو من أولى ما يتعين اعتناء طلاب العلم الشرعي به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(9/408)
حكم عمل أطروحة علمية في المقارنة بين القانون الوضعي والفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أصحاب الفضيلة: ما حكم من يريد أن يكمل دراسته الجامعية ويحضر أطروحة دكتوراة في الشريعة والقانون يقارن فيها بين القانون الوضعي والفقة الإسلامي في مسألة من المسائل، وهو ليس من العلماء المتضلعين في العلوم الشريعة وليس ذا علم غزير يمكنه الرد على ما حواه القانون البشري من مخالفات للنقل والعقل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدراسة القوانين الوضعية بصفة عامة إذا كانت بغرض صحيح فلا حرج فيها، كأن يكون الغرض إظهار فضيلة أحكام الشريعة عليها، وبيان ما في هذه القوانين من تناقض وظلم وثغرات نزه الله عنها شريعته المطهرة، أو الاستفادة منها فيما لا يخالف الشرع المطهر وغير ذلك، مع ضرورة كراهية الحكم بالقوانين المخالفة للشرع والإقرار ببطلانها، كما سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 10942، 50312، 70196، 51272.
ولا يخفى أن تحقيق مثل هذه الأغراض السابقة في دراسة متخصصة، لا بد أن يكون صاحبها على قدر كبير من العلم الشرعي، ولا يبعد أن يقال إنه ينبغي أن يكون من الراسخين في العلم، على الأقل في الجوانب التي تتصل مباشرة بدراسته كالفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع، وذلك ليتسنى له إصابة الحق وتمييزه وبيانه لغيره، ولكي يتجنب الزلل والشطط، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 122460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(9/409)
هل لطالب العلم أن يقرأ في كتب المبتدعة والطرقية
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أنا شاب مسلم سوري وطالب جامعي، لكنني لست متخصصا في العلوم الشرعية
وكثيرا ما تُفتح مواضيع حوارية بين الطلبة الجامعيين حول الفرقة الفلانية والفرقة الأخرى فمن مبتدعين إلى طرقيين وسوى ذلك، وسؤالي: هل تنصحنا بقراءة كتب هذه الأطراف جميعا ونأخذ منها ما يناسبنا والأقرب إلى عقولنا؟ أم نلتزم بقراءة كتب أهل السنة بفهم سلف الأمة وسماع شيوخهم وعلمائهم والابتعاد عن علماء الطرف الأخر؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وهذه المقولة على اختصارها تبين المنهج الصواب في ما سأل عنه الأخ الكريم، فلا يصح أن يأخذ طالب العلم إلا من كتب الثقات من أهل العلم المعروفين بالديانة واتباع السنة ومجانبة البدعة ـ ولا سيما ـ والسائل يقول عن نفسه: لست متخصصا في العلوم الشرعية ـ وقد سبق لنا بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 30036، 38541، 18328، كما سبق لنا بيان حكم قراءة الكتب المحتوية على البدع في الفتوى رقم: 38299.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1430(9/410)
طالب العلم والداعية كل على خير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجلوس في المسجد فقط لتعلم العلم دون التحرك بين الناس لهدايتهم لأني أعرف جماعة إسلامية كل الذي يفعلونه الجلوس في المسجد وتعلم العلم فقط، وإن فعلوا شيئا آخر فيكون بسيطا جدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجلوس في المسجد للتعلم عبادة من العبادات العظيمة التي يجمتمع فيها شرف العمل والمكان ففي حديث مسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.
وعن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال يا أهل السوق ما أعجزكم قالوا: وما ذاك يا أباهريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم وأنتم هاهنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه. قالوا وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعا ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم مالكم فقالوا قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر شيئا يقسم، فقال لهم أبو هريرة وما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا: بلى رأينا قوما يصلون وقوما يقرءون القرآن وقوما يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني بإسناد حسن كما قال المنذري وحسنه الألباني.
وقد كان من هدي السلف تعمير المساجد بالتعليم، فكان ربيعة ومالك رحمهما الله تعالى يدرسان بالمسجد النبوي، وكذا كان أبو الدرداء يدرس بمسجد دمشق وغير هؤلاء كثير عبر تاريخ الإسلام، وما زال هذا الهدي موجودا في كثير من مساجد المسلمين.
فينبغي التشجيع والتنويه بأمثال هؤلاء وإعانتهم وتكثير سوادهم والتنافس معهم في طلب العلم.
وإذا كان هؤلاء لا يحسنون الدعوة أو لا يمكنون منها، فقد قاموا بما أمكنهم وما هو في مقدورهم، فعلى الآخرين ممن يصلحون لذلك ويقدرون عليه أن يسدوا هذه الثغرة ويدعون إلى الله تعالى ويسعون في هداية الناس، مع دعوتنا لأولئك المشتغلين بالعلم أن يولوا الدعوة اهتماهم أيضا.
فمن تعلم بابا من العلم أو آية أو حديثا فليحرص على العمل به وعلى تعليمه لغيره وحضه على العمل به.
ففي الحديث: أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره. رواه ابن ماجه بإسناد حسن كما قال المنذري وحسنه الألباني.
وفي الحديث: من علم علما فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل شيئا. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وفي الحديث: نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه. رواه أبو داود وصححه الألباني.
والحديث: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري.
وفي الحديث: تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديث: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 44674، 99411، 124488.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(9/411)
كيف تتعلم قواعد اللغة العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أعاني من ضعف في قواعد اللغة العربية مما ينعكس على كتاباتي التي تأتي هزيلة ومكسرة. أرجو إرشادي إلى كتب اللغة العربية وتكون سهلة الفهم ومفيدة؟ وهل توجد كتب تزيد في الثراء اللغوي كوفرة المفردات ومعانيها, وصياغة الجمل؟ وكيف يوصل الكتاب والشعراء إلى مستوى كبير وبمفردات رائعة لا نستخدمها في حياتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإتقان اللغة العربية سهل ويسير على من اهتم به وبذل من جهده ووقته للحصول عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم من يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه. رواه الطبراني وغيره وحسنه الألباني.
ومن الكتب المهمة والمختصرة في قواعد اللغة نحوا وصرفا كتاب الألفية لابن مالك مع شرح مبسط من شروحها المتداولة كابن عقيل. ولكن ينبغي أن يكون الطالب قد قرأ قبلها المقدمة الآجرومية مع شرحها التحفة السنية، أو قطر الندى لابن هشام أو غير ذلك من المقدمات البسيطة.
كما أن من الكتب السهلة المهمة في اللغة ومفرداتها كتاب موطأة الفصيح المسمى: نظم فصيح ثعلب، وأساس البلاغة للزمخشري.
ومما يفيدك أكثر التطبيق العملي لما تقرأ وكثرة قراءة كتب الأدب ولا سيما الأدب المعاصر مثل كتابات الرافعي وسيد قطب.
ومما يفيد أكثر قراءة كتاب الله تعالى والتأمل في ألفاظه وتركيب جمله. فهذا من أهم ما وصل به الأدباء والكتاب إلى أعلى المستويات. نسأل الله تعالى لك التوفيق والنجاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1430(9/412)
القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في وليمة نكاح، يقدم فيها لكل شخص طبق من الطعام، وكان هذا الطبق قليلا ولذيذا، وبعد الانتهاء من الأكل قال لي أحد الزملاء لولا العيب لزدت طبقا آخر، فقلت له زيادتك حرام وليست عيبا. فقال لي: وما الحرام في ذلك؟ سؤالي: هل زيادة طبق {وجبة} أخرى يعتبر حراما؟ وإن كان ذلك ليس كذلك هل أعتبر آثما باستعجالي الحكم بغير علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من دعي إلى وليمة جاز له أن يأكل منها حسب ما شاء بدون تحديد، كما هي عادة الناس في مثل هذه المناسبات، ولذلك لا نرى مانعا شرعيا في الزيادة على طبق لمن أراد، إلا إذا كان صاحب الوليمة حدد لكل شخص طبقا، ولم يسمح له بالزيادة أو لم تطب نفسه بما زاد، وهذا بعيد.
وعلى كل حال فإن التسرع في إطلاق الأحكام بدون دليل لا ينبغي، وخاصة الأحكام الشرعية من التحليل والتحريم. فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. {النحل:116} .
والقول على الله بغير علم جاء في القرآن الكريم مقرونا بأكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. {الأعراف:33} .
ولذلك فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وتعقد العزم الجازم على ألا تعود إلى مثل هذا الأمر فيما بقي من عمرك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وللمزيد انظر الفتويين: 59623، 48907.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1430(9/413)
تعلم العلوم الدنيوية من الإعداد الذي أمر الله به
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وقعت في إشكال وتوصلت إلى نتيجة أود استشارتكم فيها، والنتيجة هي أنه لابد من إتقان العلوم الدنيوية والمنافسة فيها بقوة حتى يمكننا العيش كرماء وأعزاء وأن ذلك ركن أساسي في إقامة الدين، وأنه لتكون الآخرة في قلبك لابد أن تكون الدنيا في يدك. وأضرب لنفسي هذا المثل البسيط وهو بعد فضل الله سبحانه وتعالى أن تنمية وصقل مواهب خالد بن الوليد ومهاراته العسكرية على مدى حياته هي التي جعلت منه سيف الله المسلول، وأيضا أية {فأتبع سببا} ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دراسة العلوم الدنيوية التي تحتاجها الأمة في مصالحها الدينية والدنيوية من فروض الكفايات، وهذا كاف من أن يوليها المسلمون عناية فائقة، وتعلم هذه العلوم من الإعداد الذي أمر الله به قال تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ. {الأنفال:60} .
وأعظم الإعداد إعداد الفرد المسلم الموحد الذي يطوع هذه العلوم لنصرة دينه ونفع أمته، فإذا توفر لدينا الفرد المسلم الملتزم المؤهل حصل العز والتمكين لهذا الدين.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 49739، 72130، 111460، 122837.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(9/414)
من آداب طالبة العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تطلب الأخت المسلمة العلم إذا كانت في بلدة لا يهتم أهلها بدراسة العلوم الشرعية الأصولية وأي الكتب ترشحونها في علم الفرائض (المواريث) ، كذلك كتب أسباب النزول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله قد يسر في هذا الزمن كثيراً من الوسائل المساعدة على التعلم، فقد يسر الله مواقع على شبكة الإنترنت، وأشرطة وأقراصاً تساعد على تعلم القرآن والعلم الشرعي، فلو أمكنك أن تجدي صديقة عندها همة وتتعاوني معها على وضع برنامج في حفظ القرآن وفي تعلم علوم الشرع فهذا من أحسن ما يساعد في تحقيق الأمر، فقد قال بعض أهل العلم: ثبت العلم بين اثنين. فبرمجي مع إحدى صديقاتك أو مع زوجك أو بعض محارمك برنامجاً يدرس فيه ما يحتاج المسلم من أمور العقيدة الصحيحة وأمور الفقه مع دراسة التفسير وكتب السنة.
وأما الفرائض فننصحك بقراءة كتاب الدكتور الفوزان: التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية. وفي أسباب النزول كتاب الشيخ الوادعي: الصحيح المسند في أسباب النزول. وأوسع منه كتاب لباب النقول للسيوطي، وأسباب النزول للواحدي. وراجعي في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 21744، 57232، 59868، 52174، 67089.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(9/415)
التعريف بكتاب زاد المستقنع وبلوغ المرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تعريفا بكتاب بلوغ المرام، وكتاب زاد المستقنع، من حيث محتواهم ومذهبهم، وأيهم أفضل؟
وهل هو كاف للمسلم؟ أم يجب علي أن أقرأ الفقه في كتب أخرى بجانبهما؟.
وأسأل أيضاً: عن صحة الأحاديث بكل منهما؟ وأيهما أصح أحاديث؟.]ـ
[الفَتْوَى]
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تمكن المقارنة بين كتابي زاد المستقنع وبلوغ المرام، لأن موضوع كل منهما مختلف، فكتاب زاد المستقنع متن في الفقه مختصر جدا على مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وأصله هو كتاب المقنع للموفق ابن قدامة ـ رحمه الله ـ ثم اختصره الحجاوي ـ رحمه الله ـ في هذا المتن المعروف بزاد المستقنع في اختصار المقنع، والمتن نفسه خال من الأحاديث، لأن مقصوده هو ذكر المسائل الفقهية دون إكثار من الفروع إلا ما دعت إليه الحاجة ودون ذكر للدليل ولا للتعليل، وهذا متن مهم جدا عند علماء الحنابلة.
ومن أراد طلب العلم والاشتغال بالمذهب الحنبلي فإنه يشتغل به حفظا، مع مطالعة ما كتب عليه من الشروح والحواشي، ومن أمثلها الروض المربع للبهوتي، مع حاشيته لابن قاسم، وكذا الشرح الممتع على زاد المستقنع للعلامة العثيمين، فإنه سهل الأسلوب واضح العبارة قد حل ألفاظ الزاد، وبين الراجح من الأقوال بدليله، وهناك حاشية نفيسة على زاد المستقنع للشيخ صالح البليهي ـ رحمه الله ـ اعتنى فيها بذكر الأدلة والحكم على الأحاديث وذكر مذاهب العلماء، وبالجملة فكتاب زاد المستقنع من المتون المهمة لطلاب العلم ومطالعة ما كتب عليه من الأمور النافعة ـ إن شاء الله.
وأما متن بلوغ المرام فهو: متن نفيس محرر متقن جمع فيه مؤلفه الحافظ شهاب الدين أبو الفضل ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ جملة منتخبة من أحاديث الأحكام التي يكثر الاستدلال بها عند الفقهاء، وابن حجر ـ وإن كان شافعي المذهب ـ لكنه جمع متنه هذا ليذكر فيه أدلة المسائل الفقهية التي استدل بها الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وكثيرا ما يحكم الحافظ على الأحاديث التي يوردها مبينا صحتها من ضعفها ومشيرا إلى ما فيها من العلل.
ولما لابن حجر من قدم راسخة في علم الحديث، صارت لكتابه هذا شهرة عظيمة وصيت ذائع وانتفع به طلبة العلم على اختلاف مذاهبهم، ومن ثم صار هذا المتن من أهم الكتب المجموعة في أحاديث الأحكام، فإذاعرفت أن موضوع الكتابين ليس واحدا، فاعلم أن موضوعهما ليس متباينا، بل أحدهما يكمل الآخر ولا يغني عنه، ففي أحدهما ذكر المسائل الفقهية، وفي الآخر ذكر أدلة الأحكام، ومن ههنا قال بعض أهل العلم مشيرا إلى أهمية ذينك الكتابين، متن زاد وبلوغ، كافيان في نبوغ، والذي ننصحك به بعد ما تقدم، أن تعتني بطلب العلم على العلماء المعتبرين المشهود لهم بالرسوخ في العلم، وعليك بالإكثار من قراءة مؤلفات العلماء المعاصرين الذين عنوا بنصرة السنة وتقرير الأدلة ككتب ورسائل العلامتين ابن باز وابن عثيمين ـ رحمهما الله تعالى ـ ففيها نفع عظيم للمبتدئين في طلب العلم.
وفقنا الله وإياك لما فيه مرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(9/416)
هل يصبح الدارس في الكليات الإسلامية عالما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثامنة عشرة من عمري بإذن الله. لدي سؤال هو: هل شعبة الدراسات الاسلامية تؤدي بالمرء إلى أن يكون عالما في الدين بإذن الله مع بيان المدخل لذلك-الكتب التي لا بد لطالب العلم الذي ينوي أن يكون عالما في اقتنائها وما هو الواجب حفظه وما الواجب مراجعته-؟
جعله الله في موازين حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكليات والشعب الشرعية تشكل اللبنات الأساسية لطالب العلم، وتضعه على أول الطريق، أما أن الدارس فيها يكون عالما بعد ذلك، فهذا يتوقف على تهيؤه واستعداده لذلك، واستمراره على تنمية ذاته علميا، وليس على الدراسات الأولية بمجردها.
وأما بخصوص الكتب اللازمة لطالب العلم، وما ينبغي حفظه وغير ذلك فراجع بشأنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22007، 23156، 23381، 28481، 101737، 120323، 72767، 24682، 22366
مع التنبيه على أن طالب العلم في مبدأ طلبه لا بد له من شيخ ولا يمكن أن يكتفي بمطالعة الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1430(9/417)
النية التي ينبغي لمتعلم الطب استحضارها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسال عن دراسة الطب: ما هى النوايا التي أنويها في دراستي للطب؟ وهل هناك ثواب لدارسي الطب؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بأن تنوي بهذه الدراسة القيام عن الأمة بفرض من الفروض الكفائية الضرورية لحاجة الأمة. ونرجو الله لمن يخدم المسلمين في الأمور الطبية أن يكون في عمله من مساعدة المسلمين وتفريج كروبهم ونفعهم والسعي في حوائجهم ما يعطيه الله تعالى به الثواب الجزيل الذي وعد الله به القائمين على ذلك.
وقد قدمنا بعض النصوص الواردة في ذلك في الفتوى رقم: 76374، وراجعي الفتاوى: 63622، 99124، 105463، 122837، 62836.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/418)
اجمع بين العلم والعبادة وتزكية النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ملتزم من سنتين، وبدأت أطلب العلم من شهرين، مشيت شهر 100/100 وبعد ذلك خيبت، وأنا لست حافظا للقرآن كله. والسؤال: هل أزكي نفسى بالعبادة والقرآن وأهتم بها وبالواجبات على أكمل وجه مع تقليل الاهتمام بطلب العلم نسبيا أم أهتم بطلب العلم وأشد على نفسي ولا أدلعها؟ الرجاء إرسال اسم المفتي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تعارض بين الاهتمام بطلب العلم وبين تزكية النفس، بل إن العلم الشرعي يورث تزكية النفس. قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. {فاطر: 28} . وإذا أحسن الإنسان نيته في طلب العلم وأخلصها لله، فإنه يثاب على ذلك؛ لأن طلبه حينئذ يكون عبادة، وكما قيل: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة.
فتراجعك عن الاهتمام بطلب العلم قد يكون من الشيطان ليصدك عن الوصول إلى المراتب العالية عند الله جل وعلا. قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. {المجادلة: 11} .
وروى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير.
وقال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم. وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
فنوصيك بمواصلة طلب العلم وأخذ نفسك بالحزم، والاستعاذة بالله من العجز والكسل حتى تنال المراتب الرفيعة عند الله عز وجل.
كما نوصيك بالجمع بين العلم والعبادة؛ فإن الله سبحانه قد مدح عباده الذين يجمعون بين قوة العلم وقوة العبادة، فقال: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ. {ص:45} .
قال ابن كثير في تفسيره: يعني بذلك: العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة والبصيرة النافذة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أُولِي الأيْدِي يقول: أولي القوة وَالأبْصَارِ يقول: الفقه في الدين.
وقال مجاهد: أُولِي الأيْدِي يعني: القوة في طاعة الله وَالأبْصَارِ يعني: البصر في الحق.
وقال قتادة والسدي: أعطُوا قوة في العبادة وبَصرًا في الدين.
وعليك الاهتمام بتزكية نفسك والعمل بما علمت، والمحافظة على قيام الليل، ومطالعة كتب الرقائق والسلوك، لاسيما كتب العلامة ابن قيم الجوزية؛ فإن فيها خيرا عظيما.
ونوصيك كذلك باستكمال حفظ القرآن، والمداومة على ورد يومي منه. وأما بخصوص المفاضلة بين حفظ القرآن وتعلم العلوم الشرعية فراجع الفتاوى: 93424، 101737، 22256.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(9/419)
وازن بين أنواع العلوم واختر الأفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري ما الأفضل في التعليم هل أدخل ابني الأزهر أم أدخله لغات مع وجود محفظ؟ وهل لذلك تأثير على دينه فيما بعد، مع العلم بأني أرغب في تعليمه العلم الشرعي مع الإلمام بمؤهلات العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الأمر يختلف بعدة اعتبارات، منها ميول الطالب ورغبته ومستواه، ومنها حاجة الأسرة ومستواها المادي، ومنها البيئة التعليمية ومستواها وسلامة مناهجها ودورها في التربية والتوجيه، ومنها حالة المجتمع واحتياجاته، ولكن بصفة عامة لا شك أن العلم الشرعي الذي هو ميراث الأنبياء لا يقارن بغيره في الفضل والأهمية والأثر والحاجة إليه، فلو وجدت فرصة لتحصيل العمل الشرعي المأخوذ من الكتاب والسنة بطريقة نظامية مثمرة فهذا هو الأفضل، ويتأكد هذا مع قدرة الوالد على كفاية ابنه أمور معاشه بشكل مقبول، فإن لم يتوفر ذلك واستطاع الوالد أن يحفظ ابنه القرآن ويلقنه العلم الشرعي على يد المشايخ الموثوقين مع التحاقه بمدارس التعليم العام فهذا خير عظيم، وللمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 22256، 22774، 24216، 48284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(9/420)
موقف طالب العلم إذا تعارضت أقوال العلماء في صحة الحديث وضعفه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقف طالب العلم الذي يحب الفقه ويستطيع الترجيح بين الأقوال الفقهية، ولكن ليس عنده علم في الحديث؟ فما هو موقفه من الأحاديث التي اختلف العلماء فيها بين مصحح ومضعف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصح طلاب العلم بالدراسة لعلوم الحديث والاستعانة بأحكام المحدثين على الأحاديث، وقد تيسرت في هذا الزمن الوسائل المساعدة على الاطلاع على أحكام أهل العلم على الأحاديث، فقلما يوجد حديث في كتب أهل العلم إلا ويمكن الاطلاع على الحكم عليه في الموسوعة الشاملة وموقع الدرر.
فإذا وجد خلافات في التصحيح والتضعيف ولم يجد ترجيحا للمتأخرين فلينظر في موافقة الحديث للقواعد الفقهية وللنصوص، وفي عمل الخلفاء الراشدين. فما وافق عمل الخلفاء الراشدين والقواعد الفقهية أو النصوص يقدم على غيره، ولا سيما إذا كان المخالف مفيدا لحكم جديد.
ثم إنه يتعين على الطلبة أن يصحبوا معاصريهم من أهل العلم ليسألوهم ويدرسوا عليهم النصوص ويستشكلوا عليهم ما يشكل.
ولا يسوغ للدارس المبتدئ أن يعتمد على نفسه قبل التمكن من العلم على يد الشيوخ، فقد قيل قديما: من كان كتابه شيخه كان خطؤه أكثر من صوابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1430(9/421)
لا حرج على العامي في نقل الفتوى بنصها دون استنباط منها أو قياس عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أنا مثلا فهمت فتوى غلطا قرأتها على هذا الموقع وبعد ذلك ذهبت لأصحابي وقلت لهم الفتوى التي فهمتها غلط، وأنا لا أعرف أني فاهمها غلطا. فهل ربنا يحاسبني على الفتوى الغلط التي نقلتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت أنك لست من أهل الفتوى فليس لك أن تفتي بمجرد قراءتك للفتوى، بل التزم بتبليغ نص الفتوى فقط، واحذر أن تحاول استنباط الحكم من فتوى أخرى والقياس عليها، حتى وإن ظننت عدم الفرق بينهما؛ فإنما هذا من اختصاص أهل الفتوى.
جاء في كتاب آداب الفتوى للنووي: فإن قيل: من حفظ كتابا أو أكثر في المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق، ولم يجد العامي في بلده غيره هل له الرجوع إلى قوله؟ فالجواب: إن كان في غير بلده مفت يجد السبيل إليه وجب التوصل إليه بحسب إمكانه، فإن تعذر، ذكر مسألته للقاصر، فإن وجدها بعينها في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه، وكان العامي فيها مقلدا صاحب المذهب. قال أبو عمرو: وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم، والدليل يعضده. وإن لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده، وإن اعتقده من قياس لا فارق، لأنه قد يتوهم ذلك في غير موضعه.
وإذا لم تكن قد تعمدت الخطأ، فلا إثم عليك إن شاء الله لقوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. {البقرة:286}
ولعموم قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. الأحزاب:5} لكن عليك بتدارك الأمر وإعلامهم بذلك؛ تصحيحا لخطئك وإصلاحا لما أفسدت. وعليك أيضا بالتأني عند قراءة الفتاوى وغيرها والتثبت من مضمونها، واجتناب الإفتاء طالما أنك لست مؤهلا له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(9/422)
تقدم السن لا يمنع من طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم، ولكن أجد في نفسي فتورا هذه الأيام، وأحيانا يهيأ لى أنني لن أستطيع أن أحصل شيئا عندما أسمع علماءنا، فأقول لنفسي: متى أحصل هذا العلم؟ فأصاب بإحباط. فانصحوني وجزاكم الله خيرا؟ وأنا عمري 29عاما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصا وعلما، ونفعك بما علمك، فأما مسألة السن فاعلم أخي الكريم أن كثيرا من الصحابة أسلموا في مثل سنك أو يزيد، وهناك من العلماء الكبار من بدأ طلب العلم وهو كبير السن كابن حزم الأندلسي، فإنهم يذكرون أنه بدأ الطلب بعد أن تجاوز السادسة والعشرين. ثم إن المرء قد يفوته السبق فيلتهب حماسة ليدرك من سبقوه، ولا يزيده تأخره إلا عزما على التدارك، وتذكر كيف سبق عمر بن الخطاب إلى الإسلام تسعة وثلاثون نفسا، فلما أسلم سبق الجميع إلا أبا بكر، وكان سنه إذ ذاك سبعا وعشرين سنة.
وأما الإحباط الذي يصيبك إذا سمعت أهل العلم واستبعادك للحاق بهم، فهذا من وسوسة الشيطان وضعف النفس، وكان اللائق أن تجتهد وتسأل الله من فضله، كما قال تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. {النساء: 32} .
قال السعدي: ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة، فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. اهـ.
فدع عنك أخي الكريم وسوسة الشيطان وضعف الهمة، واستعن بربك وتوكل عليه، وألح عليه في الدعاء، واتق الله وتقرب إليه بنية صادقة وعمل صالح ييسر لك أمرك، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق: 2-3} ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4} .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا. {الطلاق: 5} .
وقد سبق لنا بيان علاج الفتور في طلب العلم، في الفتوى رقم: 117572. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 65385، 4131، 8563.
كما سبق لنا بيان عوامل الفتور وأسبابه بصفة عامة وسبيل إصلاح ذلك، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121317، 17666، 51169.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(9/423)
كتب شرعية مناسبة للأطفال الصغار
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تنصحوننا بتدريسه لطلاب المسجد من المواد الشرعية وما أفضل الكتب التي تنصحوننا بتدريسها لهم مع العلم أن منهم من في الصف الرابع والصف الخامس والصف السادس وواحد منهم بالصف السابع، ولا يمكن فصل الطلاب إلى مجموعات عدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لكم هذا الاهتمام بتعليم العلم لهؤلاء الأطفال أو غيرهم، وجزاكم الله خيرا، فقد كان تعليم العلم في المساجد من هدي السلف الصالح، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 47042.
وأما الكتب المناسبة ممن هم في مثل هذا السن فيمكنكم الاعتماد على الكتب المقررة في وزارة المعارف السعودية في كافة العلوم الشرعية، فقد روعي فيها مع أصالة المنهج العلمي حسن العرض والترتيب، وسهولة الأسلوب بما يناسب هذا السن، ومن ميزاتها أيضا أنها متسلسلة ومتدرجة مع المراحل العمرية المتصاعدة.
فإن لم تتيسر هذه الكتب فيمكنكم الاستفادة من كتاب (أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة) وكتاب (الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة) وكلاهما إعداد نخبة من العلماء بإشراف وزارة الشئون الإسلامية بالسعودية.
وقد سبق لنا بيان بعض الكتب التي ننصح بقراءتها للمبتدئين في طلب العلم، في الفتويين: 27788، 2410. وبيان خطوط وآداب أولية للمبتدئين أيضا، في الفتوى رقم: 20215. كما سبق أن ذكرنا بعض الكتب التي تبين كيفية الطلب وتبين منهجه ووضع جدول زمني له، في الفتوى رقم: 110212، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1430(9/424)
كيف يختار طالب العلم المكان الأنسب لتلقي العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة أفضل معهد لإعداد الدعاة بالقاهرة لأني في حيرة كبيرة، أو ما هو الأفضل للدراسة الشرعية وأيضا توجد دار للعلوم الشرعية، ما الفرق أيهما أفضل، فقد سمعت عن (مسجد النور /العزيز بالله/ دار حاملة المسك.....) فأرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلسنا على إحاطة بحال هذه المعاهد العلمية بالقاهرة، فلا نستطيع اختيار الأفضل ولا ترجيح الأنسب للدراسة الشرعية فيها، ولكن بصفة عامة يمكن أن يرجح السائل الكريم بينها من خلال ثلاثة أمور:
- الأول: الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال والتلقي، وفي التزكية والسلوك.
- رسوخ من يتولى فيها التدريس في العلم، وشهرتهم بالصلاح والالتزام بمقتضى علمهم.
- مناسبة مستوى المنهج الدراسي نوعاً وكماً لحال المتعلم نفسه، من حيث قدرته الذهنية وميوله واستيعابه، والوقت الذي يستطيع تفريغه للطلب، ونسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(9/425)
حكم ترك الدراسة إذا كانت تؤدي للحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أترك الدراسة من أجل مرضاة الله؟ علما بأنني حديث الالتزام، وقد نويت أن لا أعود للمعاصي،
وأنا ليس لدي طريق في الدراسة سوى ما يغضب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي منَّ عليك بنعمة التوبة، ونسأله أن يثبتك عليها. وأما بخصوص سؤالك فإنك لم توضح نوع الدراسة التي تزاولها، ولا طبيعة تلبسها بالحرام. وعلى كل حال؛ إن كانت الدراسةُ محرمةً لذاتها ـ فيجب على الملتحق بها تركُها فورًا، وهذا من شروط قبول توبته، وأما إن كانت تلك الدراسة مباحةً في أصلها، ولكن لا بد لمن يزاولها من أن يقع في بعض المحظورات كالاختلاط الممنوع بين الجنسين مثلاً، فإن كان الطالب يستطيع أن يتحاشى ذلك المحظور بتحويل دراسته إلى نظام (الانتساب) مثلا فله أن يستمر في تلك الدراسة.
وأما إن كان لا يستطيع أن يتحاشى ذلك المحرمَ المقارن لمزاولته تلك الدراسة، فينظر إن كان مضطرًا لهذه الدراسة أو يحتاج إليها في معاشه احتياجًا شديدًا، فإن له مواصلتها مع الاجتهاد في تحاشي تلك المحظورات وسؤال الله المغفرة.
فإن لم يكن مضطرًا لها ولا محتاجًا إليها احتياجًا شديدًا ـ فإن الواجب عليه حينئذٍ تركها، وانظر الفتوى رقم: 5310.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(9/426)
كيفية طلب العلم وهل هناك ساعات محددة للقراءة يوميا
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني وفقهم الله تحية طيبة وبعد:
أريد سؤال حضراتكم بخصوص ساعات طلب العلم لمن يقرأ الكتب العلمية الإسلامية.
السؤال هو بارك الله فيكم:
أنا طالب علم شرعي ولله الحمد، مغترب، لدي منهاج علمي أسير عليه، وقد وضع هذا البرنامج عن طريق الشيخ أبو ذياب الغامدي حفظه الله.
الذي أريد أن أقوله: كم عدد الساعات التي تنصحون بها يوميا، وما هو الأفضل؟ وهل يمكنكم الاستئناس بكلام بعض أهل العلم؟
هل أقرأ ساعتين أم ثلاثة أم أربعة أم أقل من ذلك؟ وللعلم أنا طريقتي منهجية أطمح من خلالها الوصول لمراتب المتعلمين في الجامعة، ولا تواجهني إشكالات ولله الحمد، لأنني أعتمد على الأشرطة وكتب أهل العلم المعاصرين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فساعات طلب العلم لا يمكن أن يوضع لها حد تنتهي إليه، وهي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وإن كان التفرغ وحسن استغلال الوقت والاجتهاد في الطلب هو المطلب الأعلى ما لم يصل إلى حد السآمة.
فمما لا شك فيه أن طلب العلم من أولى ما تنفق فيه الأعمار وتشغل به الأوقات.
ثم نود أن ننبه السائل الكريم إلى ضرورة عدم الاكتفاء بسماع الأشرطة وقراءة الكتب، بل لابد من ملازمة العلماء والصالحين لأخذ العلم والصلاح عنهم، ولسؤالهم عن ما يشكل، ما دام ذلك ممكنا، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 8563. ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين رقم: 4131، 10695.
ثم نسوق للسائل الكريم نتفا مما سطره العلامة الشيخ بكر أبو زبد في حلية طالب العلم حيث قال:
من لم يتقن الأصول حرم الوصول، ومن رام العلم جملة ذهب عنه جملة، وقيل أيضاً: ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم.
وعليه فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وخذ الطلب بالتدرج. قال الله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً. {الإسراء:106} . وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا. {الفرقان:32} . وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. {البقرة:121} .
فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه: حفظ مختصر فيه، ضبطه على شيخ متقن، عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله.
أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر؛ فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط. والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح والفهوم، وقوة الاستعداد وضعفه، وبرودة الذهن وتوقده.
والأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمشافهة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق، وهو المعلم، أما الثاني عن الكتاب، فهو جماد، فأنى له اتصال النسب؟ وقد قيل: من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده. أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق. وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذ. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(9/427)
كتب نافعة لغير المتفرغين للعلوم الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: ماهي كتب الشريعة التي تنصحون بها لغير المتخصصين: غير المتفرغين للعلم الشرعي مثل الأطباء والمهندسين وغيرهم. في كل الجوانب: العقيدة، والفقه، والحديث، والتفسير، والسيرة وغيرها، والتي غالبا تكون مختصرة، وهل هناك من نصيحة لي كشخص غير متخصص في العلم الشرعي ويرغب في معرفة دينه على الوجه الأكمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتب العقيدة والفقه والحديث المفيدة لغير المتخصصين كثيرة، منها كتاب: أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، ومن كتب الفقه المناسبة: كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة. إعداد نخبة من العلماء، بعناية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة السعودية، ومطبوع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ويمكن تحميلهما من هذين الرابطين:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=136397
http://www.shamela.ws/old_site/open.php?cat=6&book=1829
ومن كتب التفسير: تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي، وأيسر التفاسير للشيخ الجزائري..
ومن كتب الحديث: الأربعون النووية، ورياض الصالحين للنووي.
ومن كتب السيرة: هذا الحبيب يا محب للشيخ الجزائري، والرحيق المختوم للمباركفوري.
وقد سبق لنا ذكر بعض الكتب الأخرى ننصح بقراءتها للمبتدئين في طلب العلم، وذلك في الفتوى رقم: 27788.
كما سبق لنا بيان الخطوط والآداب الأولية للمبتدئ في طلب العلم، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20215، 4131، 18607.
وانظر للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 22007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1430(9/428)
حكم الاجتماع لطلب العلم من غير علم الجهات المختصة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قانون ببلدنا -نحن السائلين- يمنع الإجتماع أو الحضور لمجالس العلم غير المرخص لها.
وأريد أنا وإخواني من طلبة العلم الاجتماع، ومدارسة بعض الرسائل كل جمعة ما بين العشائين.
فما هو رأي فضيلتكم؟
ملاحظة: إذا كان جواب فضيلتكم أنه يجب علينا طلب رخصة من ولاة الأمور، فماذا نفعل إذا رفضوا إعطاءنا رخصة لذلك؟
أطال الله عمركم، ونفع بكم الأمة إنه ولي ذلك والقادر عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان القرار يتعلق بالمساجد فقط، وكان اجتماعكم سيترتب عليه أذى لكم أو لذويكم أو ملاحقات، فحاولوا الحصول على تصريح بذلك لعل الله ييسر لكم، فإن لم تتمكنوا من ذلك فلا تجتمعوا في المسجد، وبإمكانكم تحصيل العلم عن طريق اجتماعكم في بيت أحدكم، أو في أي مكان يخص واحدا منكم، وتدارسوا العلم والخير.
وإن تعذر عليكم الاجتماع فوسائل طلب العلم مما لا يجلب الأذى كثيرة، لا سيما إذا كان هذا العلم مما يستحب ولا يجب عليكم تعلمه، وإن كان هناك من المشايخ المعروفين بالعلم والفضل ممن يستطيعون الحصول على تصريح فلماذا لا تطلبون منهم أن يقيموا لكم دروسا فتجمعوا بين الحسنيين: طلب العلم على يدي شيخ فاضل، واجتماعكم سويا بلا مشاكل أو ملاحقات قد تضركم.
وراجعوا الفتوى رقم: 8563. ففيها نصائح لطلب العلم والحفظ، ونسأل الله لكم التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(9/429)
طريق العلم الشرعي ووسائل تحصيله
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم هل يوجد طلبي هنا
سؤالي: أريد أن أتعمق وأفهم أكثر عن الدين الإسلامي. أحب أكمل طريقي بالتعلم وتفهم الدين الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسلوك طريق طلب العلم هو سلوك طريق الرفعة والعز؛ كما قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة: 11} .
وحب العلم وسلوك سبيله هو سلوك سبيل الجنة؛ ففي الحديث الصحيح: وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. رواه مسلم.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفقه في الدين من علامة إرادة الله بالعبد خيرا فقال: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. رواه البخاري ومسلم.
ووسائل التعلم كثيرة وميسرة على من يسرها الله عليه فمنها: حضور دروس العلم، والقراءة في الكتب النافعة المفيدة، ومتابعة بعض القنوات الفضائية الهادفة كقناة المجد العلمية، وقناة الحكمة، وقناة الرحمة، ففيها خير كثير ودروس وعلم نافع، والاستماع إلى الدروس المسجلة على اسطوانات الحاسب الآلي وفيها شروح لكثير من العلماء الفضلاء في كافة فروع العلم من العقيدة والفقه والأخلاق وغيرها، أو الأشرطة النافعة، وفي الانترنت مواقع عديدة تقدم العلم النافع، وموقعنا هذا نحسبه من خيرة المواقع في ذلك إضافة إلى مواقع العلماء الفضلاء كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وصالح الفوزان وغيرهم كثير، وإن أمكن أن يكون لك صحبة من الأخوات المجتهدات وتذاكرن مع بعضكن البعض فهو خير، ومع إخلاص النية والاجتهاد فإن الله ييسر ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابْن أَبِي عَاصِم وَالطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة مرفوعا: يَا أَيّهَا النَّاس تَعَلَّمُوا، إِنَّمَا الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ، وَالْفِقْه بِالتَّفَقُّهِ، وَمَنْ يُرِدْ اللَّه بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّين. وإِسْنَاده حَسَن كما قال الحافظ ابن حجر.
وقد ذكرنا خطوات طلب العلم في الفتوى رقم: 36564، وطرق تحصيله في الفتوى رقم: 4131، وذكرنا أن طالب العلم يستغل كل وسيلة للعلم مرئية ومسموعة في الفتوى رقم: 27137، وذكرنا كتبا هامة لدراسة العقيدة في الفتوى رقم: 4412، وذكرنا نصائح لطلب العلم والحفظ في الفتوى رقم: 8563، وذكرنا العلوم الواجب على المكلف تعلمها في الفتوى رقم: 15872، وفي موقعنا محاور كثيرة لطلب العلم ما بين مقروء ومسموع، فراجعي ذلك ففيه فوائد كثيرة، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(9/430)
كيف يطلب المبتدئ طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه للمسلمين من نصح وإرشاد.
أنا أخوكم من مصر، أريد أن أبدأ بطلب العلم. قمت بالبحث في شبكتكم عن كتب مناسبة في فقه العبادات،،، لكني احترت مع كثرة المذاهب!!!!! فقه مالكي وفقه شافعي وفقه ظاهري..........
سؤالي هو: بعد أن قمت بالبحث في كل هذه الكتب وجدت شرحا لكتابين هما كتاب منهاج السالكين للشيخ السعدى رحمه الله، ويشرحه الشيخ محمد صالح المنجد شرحا صوتيا،،،، وكتاب بلوغ المرام يشرحه نفس الشيخ،،،، وكتاب ثالث وهو عمدة الأحكام ويشرحه أيضاً الشيخ محمد صالح المنجد.
أولا: أنا اخترت هذا الشيخ محمد صالح لأن صوته واضح في التسجيلات، ولأني لا أستطيع طلب العلم إلا من خلال المسجل لعدم قدرتي على الذهاب للعلماء الثقات في بلدي مصر.
ثانياً: بالنسبة للكتب التي اخترتها فأنا أريد كتابا وافيا (ليس بمختصر ولا فيه تشعيبات كثيرة تشتت ذهني كمبتدئ) ،،، فأرجو ترشيح كتاب واحد لي من هذه الكتب، وأيضاً إذا كان لكم رأي آخر أرجو أن تفيدوني به.
وبالنسبة لكتاب شرح صحيح البخاري وجدت فيه أبوابا للطهارة والصلاة وباقي العبادات،،، هل هي تغنى عن أي كتاب ممن ذكرته لكم ... أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالاهتمام بطلب العلم الشرعي، فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، فاحرص على المواصلة، واستعن بالله، واسأله أن يسهل لك ما يمكنك من الاتصال بأهل العلم.
وأما هذه الكتب الثلاثة التي ذكرت أنك وجدتها بشرح الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله تعالى، فهي كتب مفيدة جدا، ونرشح لك منها في البداية كتاب الشيخ السعدي فهو يمتاز ببيان الأحكام مقرونة بالأدلة غالبا مع الالتزام بالراجح من الأقوال، إضافة إلى وضوح عباراته وسهولة أسلوبه.
واحرص بعد ذلك أن تقرأ كتاب بلوغ المرام فهو من أجود الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام مع اختصاره واستيعابه أكثر من العمدة فادرسه، وأحفظ أحاديثه وتعرف على ثابتها وضعيفها والأحكام المستنبطة منها.
وأما شرح صحيح البخاري فهو من الكتب المهمة لطالب العلم، ولكنه لا يغني المبتدئين في الطلب عن هذه المختصرات.
هذا، ونوصيك بالاشتغال بالقرآن وتلاوة بعضه كل يوم، والسعي في حفظه حسب الطاقة، وطالع في رياض الصالحين، والترغيب والترهيب، وكتب الرقائق والسيرة دائما، وتعلم في اللغة العربية ما يساعدك على تصحيح ألفاظ النصوص وفهمها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 59729، 31941، 38270.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1430(9/431)
طالب العلم إذا ابتلي بالنظر المحرم هل يمنعه ذلك عن الطلب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في طالب علم ابتلي بالدخول على المواقع الإباحية، وماذا يفعل؟ مع العلم بأنه حاول أكثر من مرة عدم الدخول لكن تأتي لحظة ويضعف، ما العمل؟ وهل هذا الشاب يصلح للعلم أم ماذا؟ أجيبوني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيه مما هو فيه، ويعينه على التوبة والابتعاد عن الرذائل، ونقول له سارع بالتوبة إلى الله والندم على ذلك، وأسرع بإعفاف نفسك بالزواج فإن لم تستطع فداوم على الصيام، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فائدة الزواج والصيام وأثرهما في الإعفاف، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم. قال النووي في شرح صحيح مسلم: الوجاء هو رض الخصيتين، والمراد هنا: أن الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شر المني، كما يفعله الوجاء. انتهى.
ثم عليك بالابتعاد عن كل ما يثير فيك الشهوة، لا سيما مواطن الاختلاط، واستعن بالله عز وجل، وادعه دعاء مضطر مسكين، ثم عليك أن تضع جهاز الحاسب الآلي في موضع ظاهر بحيث يراه من حولك أيضاً فلعل هذا يبعد عنك الشيطان، واستبدل تلك المواقع بمواقع طلب العلم النافع لا سيما وفي السؤال أن من يفعل ذلك طالب علم، ففي الإنترنت خير كثير لمن بحث عنه، مع مراقبة الله تعالى. والعلم بأنه يراك ومطلع عليك. ثم عليك بالصحبة الصالحة وإن أمكن ألا تتصفح الإنترنت إلا في وجود صاحب صالح فهو علاج قوي لا سيما في البداية.
وأما هل هذا الشاب يصلح للعلم أم ماذا؟ فنقول: إن الإنسان قد يضعف ويستسلم، والرغبة الجنسية أحياناً تضعف عزم الشخص فيرى بعينه المحرمات ويستلذ بها، ولكن عندما تقوى النفس الأمارة بالخير على النفس الأمارة بالسوء يكون الخلاص، وطلبه للعلم مما يشجع على ترك هذه العادة الذميمة، ومن تاب تاب الله عليه، والنظر إلى المواقع الإباحية عادة سيئة يكون دفعها بفعل الحسنات ومن أعظمها طلب العلم، فلا يجوز نهيه عما هو فيه من طلب العلم، أو تثبيطه لوقوعه في هذه السيئة بل ننهاه عن السيئة ونشجعه على طلب العلم، وليعلم أن رأس العلم خشية الله تعالى، كما قال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. {فاطر:28} .
ولمزيد من الفائدة حول طريق الخلاص من رؤية المواقع الإباحية ووجوب التوبة من ذلك، وما يعين عليها وأن الله غفور رحيم لمن أناب، راجع في ذلك الفتويين: 66439 , 111852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(9/432)
مسائل في طلب العلم وآداب طالبه
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا الشهادة الجامعية تساهم في احترام الناس لصاحبها، وهي قد تساهم في تحديد اختيار الزوجة، وأنا- والحمدلله- مطالع للكتب الدينية وغيرها، يعني هل ذو الثقافة فقط من درس في الجامعة أربع سنين، وأنا لم تتيسر ظروفي للحصول على البكالوريوس وقد درست والحمد لله الدبلوم -سنتين فقط، يعني أريد أن أسأل عن العلم بشكل عام دنيوي وديني، ما الواجب علي فيهما؟ وكيف لا أنوي حراما في مجال العلم؟ يعني إكمال الدراسة كيف يكون؟ وكيف النية والقصد فيها بحيث على الأقل لا تكون حراما؟ كيف ينوي الإنسان بشكل عام في كل عمل؟ ما الحرام من النية وما الواجب وما المكروه منها وما المندوب وما المباح، الفاضل والمفضول،؟ الله أغنى الشركاء عن الشرك، قرأت أنه قد يكون للنفس نصيب أو للشيطان نصيب أو للخلق نصيب، والإنسان له شهوات ورغبات وقد اختلط الأمر علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب العلم من أعظم القربات، والفضائل الواردة فيه كثيرة في القرآن والسنة، وهو نوعان:
النوع الأول: فرض عين: وهو ما يحتاجه الإنسان في معاملته لربه أو في معاملته للناس، ومن ذلك: تعلم العقيدة والتوحيد إجمالاً، وتعلم أحكام الصلاة والصيام والزكاة -لمن عنده مال يزكيه- والحج لمن أراد أن يحج، ونحو ذلك من العبادات.
ومن ذلك تعلم أحكام البيع والشراء لمن أراد أن يتعامل بذلك، وكذا أحكام النكاح والطلاق والأطعمة والأشربة وغيرها من المعاملات.
والنوع الثاني: فرض كفاية: وهو التخصص في العلوم المتقدمة والتبحر فيها، بالإضافة إلى تعلم أصول الفقه، والنحو وأصوله، والحديث، وغير ذلك من العلوم بما فيها العلوم الدنيوية كالطب، والهندسة، وعلوم الصناعات الحربية وغيرها. فلا يجب تعلمها على كل مسلم، بل يكفي تعلم البعض لها.
وإذا أردت طلب العلم الديني فجاهد نفسك على إصلاحها والإخلاص لله تعالى بأن تنوي بالطلب رضا الله والتقرب إليه، وأن تعبده على بصيرة وترفع الجهل عن نفسك. وقد قال الإمام أحمد: طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته، قيل: فأي شيء تصحيح النية؟ قال: ينوي أن يتواضع فيه وينفي عنه الجهل.
فانو أن تتواضع بالعلم الذي تطلبه لا أن تتكبر، وانو أن ترفع الجهل عن نفسك. واحذر من الرياء والسمعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم. رواه ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني.
وأما إذا أردت طلب العلوم الدنيوية النافعة فعليك أن تستعلي بهمتك وترتفع بنيتك إلى أن يكون قصدك القيام بهذا الواجب العظيم عبادة لله تعالى وقربة إليه، وخدمة لمجتمعك، فتجمع بذلك بين حسنتي الدنيا والآخرة: رضى الله تعالى، ورضى الناس. أما إذا قصرت نيتك على نيل وظيفة أو مال أو مكانة، فليس ذلك حراما، ولكنك تضيع على نفسك خيراً كثيراً وأجراً عظيماً، كمن يكدح لمجرد أن يشبع أو يلبس، فليس له من عمله إلا ما نواه به، ولكنك إذا نويت مع ذلك التقرب إلى الله بكفاية المسلمين وإعانتهم، وخدمة هذا الدين العظيم والقيام بشيء من فروض الكفايات تكون مثاباً على ذلك إن شاء الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى. متفق عليه.
وعموما فإن النية تحول الأعمال المباحة إلى طاعة وقربة لله تعالى؛ كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة وفي بضع -الجماع أو الفرج-أحدكم صدقة.قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا.
وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 111647، 112865، 111460، 71727، 15872، 113878، 49739، 40763، 39937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1430(9/433)
الاستفادة العلمية من مؤلف غير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نقوم ببحث رسالة الدكتوراه. ومن أهم المراجع التي يستلزم استخدامها مراجع صاحبها دكتور عالم متخصص في العلم الذي ندرسه، لكنه من جامعة تل أبيب أي ما يعرف بإسرائيل. فهل نعتبره صهيونيا ويحرم استخدام أبحاثه وآرائه باعتباره محتلاًّ؟ أم أن ذلك جائز، فإننا نأخذ العلم من المسلم والكافر اليهودي والنصراني على السواء؟ طبيعة البحث تحتم ذلك.؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في الاستفادة من الكتب العلمية المفيدة، أيا كان مصدرها، فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها، ما دام لا يترتب على ذلك محظور شرعي من موالاة الكفار أو التشبه بهم أو إعانتهم على المسلمين أو حصول الغش والتدليس، ونحو ذلك من المحرمات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(9/434)
الأنسب والأحسن للمبتدئ في كيفية طلبه للعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى الاستشارات على موقعكم المبارك سألت إحدى الأخوات عن كيفية البدء في التفقه في الدين، وقد أفدتموها بكيفية ذلك، وقد ذكرتم أسماء لبعض الكتب القيمة في العقيدة والفقه والسيرة والتفسير مثل (فتح المجيد شرح في التوحيد، فقه السنة، الرحيق المختوم، تفسير ابن كثير، منهاج المسلم)
وسؤالي حياكم الله هو هل أنا كمبتدئ في التفقه أقوم بقراءة هذه الكتب في آن واحد؟ أم أنتهي منها كل على حدة، واحد تلو الآخر؟؟؟؟
أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك على طلب العلم، ويجعلك ممن تفقه في دين الله تعالى، وأول ما نوصيك به بعد تقوى الله تعالى هو إخلاص النية لله تعالى، ولتعلم أن الأنسب والأحسن للمبتدئ أن يبدأ بتصحيح العقيدة، ويقتصر في البداية على كتاب واحد، فيأخذ منه يوميا.. درسا واحدا يتناسب في حجمه مع طاقته حفظا واستيعابا..
ويزيد الجرعة كلما رأى أنه استوعب ما أخذ ويستطيع زيادته، فإذا انتهى من كتاب انتقل إلى آخر، وإذا رأى بعد ذلك أنه يستطيع الجمع بين درسين من كتابين أو أكثر فليفعل.
وتقدير ذلك يختلف باختلاف الطلبة واستيعابهم وظروفهم.. وهو راجع إلى الطالب وإلى شيخه الذي يدرسه.
وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع انظر الفتوى رقم: 53908، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(9/435)
مدى صحة مقولة: من لا شيخ له فشيخه الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما تعليقكم حول موضوع: من لا شيخ له فشيخه الشيطان، أنا لا شيخ معينا لي، فهل شيخي الشيطان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبخصوص مقولة من لا شيخ له فشيخه الشيطان فإنها مقولة غير صحيحة، فإن الإنسان إذا تفقه في الدين بحضور الحلقات العلمية أو سماع الأشرطة والمحاضرات أو مطالعة الكتب وتدبر محتوياتها واستفاد من ذلك فلا معنى لقول إن شيخه الشيطان.
وليس من شك في أن الأولى للمرء أن يكون ذا صلة بأهل العلم المعروفين بصحة الاعتقاد وحسن السيرة ويأخذ عنهم العلم مباشرة، ولكنه إذا حصل العلم الصحيح من أي طريق فإنه يكون قد أحسن وليس عليه لوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(9/436)
الأفضل الجمع بين طلب العلم والتدريس والقيام بأعمال المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بالتسجيل في أحد المعاهد الشرعية وهذه المعاهد دون دوام أي تكون الدراسة بالمنزل وبعدها نتقدم للاختبار، وهناك بعض المواد كالخطابة لا تخلو مما أحتار بأمره كمولد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فهل الاحتفال به جائز أم لا؟ وإن كان غير جائز فأنا آخذ العلم الغير صحيح؟ فبشكل عام أعيش بمجتمع فيه من الطرق الكثيرة وأنا أريد ما يرضى به الله، فبرأيك فضيلة الشيخ هل أتابع الدراسة بتلك الكتب مع عدم راحتي لدراستها ويأتيني شعور بأنني لا أتلقى العلم الصحيح ولم أنشدّ لتلك المواد فهل ذلك لقلة همتي؟ وبالفعل لم أستطع تنظيم وقتي فالآن أنا أدرّس وأساعد أهلي بأعمال المنزل طبعا كأي فتاة ... فوقتي كله يضيع وأيضا أحفّظ الأطفال شيئا من كتاب الله وسنة رسوله ودائما أشعر بالتقصير وأقول من أجل الشهادة الجامعية كنت أدرس وأجتهد ولكن يا شيخ الله يعلم بأن وقت الجامعة ووقت الامتحانات كان الجو متاحا للدراسة أكثر من الآن. فأخاف من الموت ولم أحضّر عملا صالحا ألاقي به الله تعالى فهل أترك تدريس الأطفال وأنشغل بنفسي وبطلب العلم أم لي ثواب إن أكملت بالصيفية تعليمهم.فأرجوك يا فضيلة الشيخ ارشدني إلى الصواب؟ وان كان علي ترك هذا المعهد فما الكتب التي تنصحني بدراستها والاطلاع عليها والمتوافرة بسوريا والمفيدة (فقه -سيرة - تاريخ إسلامي -أحاديث الصحيح والموضوع - كيف أبدأ بحفظ كتاب الله - إعجاز علمي -توحيد - تفسير. لا أعرف ولكنني أسألك بالله أن تساعدني يعني أريد منك برنامجا لأسير عليه حتى أحس بأنني مسلمة والله راض عني وبأنني أعمل شيئا لله تعالى ولرسوله..وبالنسبة لدراستي فأنا خريجة كلية العلوم، وأعمل تقريبا ليس باختصاصي فأعطي دروسا خصوصية وذلك لتجنّب الاختلاط وربما أدرّس بمدرسة ابتدائية. والتجويد لا أعرف المخارج والصفات ولكن أحكام الميم والنون والمدود آتي بها، فأعتقد بأن وضعي أصبح واضحا فأرجوك لا تبخل عليّ بالنصائح فأنا أريد أن أكون ممن يدخلون الجنة دون حساب، وأسأل الله العظيم الكريم الحنّان المنان ذو الجلال والإكرام بأن يدخل من يساعدني جنان عدن ويحشرهم بالفردوس الأعلى مع الحبيب صلى الله عليه وسلم ويرزقهم العفو والعافية وحسن الخاتمة. لا تنساني من الدعاء بالزوج الصالح الكامل التقي النقي والهداية والتقى وحسن الخاتمة أختكم بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم أن يزيدك حرصا على الخير ورغبة فيه وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية التي تقر بها عينك.
وأما ما سألت عنه من الاحتفال بالمولد النبوي فقد سبق أن بينا أن الاحتفال به من البدع، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1563، 1888، 6064، 71677.
وبالنسبة للدراسة في المعاهد التي ذكرت فالظاهر أن بمناهجها بعض المخالفات الشرعية، فإن استطعت الرجوع إلى أهل العلم الثقات للوقوف عليها فلا حرج عليك في إكمال تلك الدراسة، فإن من المعلوم أن الدراسة النظامية أقرب لتحصيل العلم بمنهجية وتدرج وانتظام.
وأما ما طلبت من بيان الكتب التي تفيدك في العلوم الشرعية، والمنهج الذي يمكن أن تنتهجيه في الطلب وآداب ذلك وسبيل تحقيقه، فقد تقدم لنا بيان ذلك كله بتفصيله في فتاوى كثيرة، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23381، 27788، 8563، 32487، 20215، 20885، 21753، 57232. كما سبق بيان أحسن الطرائق في حفظ القرآن وتعلمه، والأمور المساعدة على ذلك، في الفتويين: 47397، 63750.
وعليك أن تجتهدي وتبذلي ما في وسعك للجمع بين طلب العلم والتدريس للأطفال والمشاركة في أعمال المنزل، وهذا يحتاج إلى تنظيم للوقت وترك لأنواع الفضول، واشتغال بمعالي الأمور. فإن تزاحمت المصالح بعد ذلك فينبغي تقديم الأهم، وهذا يختلف بحسب اختلاف الإمكانات والمواهب، وظروف البيئة ومتطلباتها، وعلى كل حال فإن تعسرت متابعة الدراسة في المعهد فيمكن الاستفادة من أشرطة أهل العلم وكتبهم، وكذلك إذا تعسرت المداومة على التدريس طوال العام فلا يحسن تركها بالكلية، ما دامت ممكنة في بعض المواسم والأيام.
ويمكن لمزيد الفائدة مراجعة الفتويين: 28063، 108057.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1430(9/437)
موازنة طالب العلم بين دراسة الفقه والعلوم الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم مبتدئ، وأريد أن أستشيركم في أمر مهم، قد اتخذت لي منهجا في طلب العلم غير أنني أريد أن أفعل كالآتي:
أنا لا أعرف عن العبادات الوضوء والصلاة إلا الشيء اليسير، لذلك قررت بعون الله أن أدرس كتاب منهج السالكين-كتاب الوضوء والصلاة- ثم أعود لدراسة التوحيد والمناهج الأخرى، وفي شهر رمضان إن شاء الله أعود إلى كتاب الصوم من نفس الكتاب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الكتاب المذكور الذي قررت أن تبتدئ به في دراسة الفقه هو سهل الأسلوب، حسن العبارة، جيد الاختيارات، شأن سائر مؤلفات العلامة السعدي رحمه الله، ونحن ننصحك بأن تتابع حضور دروس تعقد في شرح الكتاب أو أن تقرأه على شيخ متقن إذا تيسر، مع تحصيل الموازنة بين دراسة الفقه من هذا الكتاب ودراسة غيره من العلوم المهمة، كعلم العقيدة والتفسير والحديث مبتدئا بما هو فرض عين عليك، ولا نظن أنك تجهل الكثير منه، ولكن على كل حال مع تنظيم الوقت والاجتهاد في تحصيل الموازنة بتقسيم الأوقات على العلوم المراد دراستها، والاستعانة في تحديد الأولويات بالشيوخ المتقنين، وبسؤال أهل العلم الراسخين، يحصل لك مطلوبك، وتنال مرغوبك في طلب العلم بإذن الله، والذي نرى لك أنه لا تترك دراسة الفقه بعد الفراغ من كتاب الصلاة، بل وازن بين دراسته ودراسة غيره من العلوم المهمة؛ لأن الفقه من العلوم الشريفة التي لا يستغني عنها المسلم، فبه يضبط عباداته ومعاملاته ويؤديها على الوجه الذي يرضي ربه عز وجل. وقد بينا الكتب التي ينبغي أن يبدأ بها طالب العلم لطلب العلوم في الفتوى رقم: 59868.
وبينا العلوم التي هي فرض عين فتجعل لها الأولوية وتقدم على غيرها من المعلوم التي هي فرض كفاية. وانظر لذلك الفتوى رقم: 15872.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(9/438)
حكم دراسة مادة تتحدث حول الديمقراطية
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع. أنا طالبة في الجامعة ومن المواد التي ندرسها مادة الفكر الجماهيري وهي تتكلم عن الديمقراطية وأنا أعلم أنها ليست نظاما إسلاميا وهذه المادة موجودة في كل أقسام الجامعة لأنها نظام حكمنا مع أننا دولة إسلامية وتتحدث عن حكم الشعب نفسه بنفسه..الخ
ويجب علينا حفظ هذا الكلام والامتحان فيه فما حكم الدين في هذا؟ وهل علي إثم في دراستي علما بأنها مادة أساسية في جميع تخصصات الجامعة ويجب الامتحان فيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تحدثنا عن الديمقراطية في عدة فتاوى، وبإمكانك أن تطلعي على ما يقبله الإسلام منها وما يرفضه في الفتويين: 18855، 64323.
وأما دراستها ومعرفتها نظريا فلا إثم فيها، ولا مانع منها شرعا؛ فهي كغيرها من أنظمة الحكم ينبغي لطالب العلم والمثقف عموما أن يكون على اطلاع تام بها وبالنظريات التي تدور في الساحة الفكرية ليعرف ما هو موافق للشرع فيقره وما هو مخالف له فينهى عنه.
وإذا تعلم المسلم ذلك بنية خالصة كان مأجورا إن شاء الله تعالى، وذلك لما جاء في الصحيحين عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما- قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.. الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1429(9/439)
زاد الداعية إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاصل على مؤهل جامعي (بكالوريوس تجارة -- جامعة القاهرة) وأريد أن أكون داعية أدعو إلى الله على بصيرة وأود من سيادتكم الإفادة بخصوص وضع منهج علمي لي حتى أستطيع تحصيل العلوم الشرعية لإنجاحي كداعية مع التنبيه على أسماء الكتب اللازمة وكذلك المؤلفين مع ترتيب الأولويات في تلقي هذه العلوم.
وأحيط سيادتكم علماً بأنني أبلغ من العمر 37 عاماً وأعمل بالقطاع الخاص ومتزوج وأعول طفلين وأبدأ عملي من السادسة صباحاً حتى الثامنة مساءا وعندي إجازة أسبوعية يومان مع العلم بأن لدىَ وقت يسمح بذلك وعملي به متسع من الوقت للتعلم ولكن داخل ديوان العمل فقط عن طريق القراءة لأن وقتي لا يسمح بحضور محاضرات بشكل مكثف كما أن عندي خدمة النت في المنزل من الممكن الاستفادة بها كما أن ظروفي المادية تسمح لي بتحمل أعباء التعليم كما أنني عندي الرغبة القوية لذلك.
فهل أجد لديكم البرنامج العلمي والعملي المناسب لظروفي؟
وتفضلوا بقبول خالص التحية
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على هذه الهمة العالية في طلب العلم الشرعي والدعوة إلى الله وهكذا ينبغي أن يكون المسلم ونسأل الله تعالى أن يحقق لك بغيتك.
ولا شك أن العلم الشرعي قوام الدعوة إلى الله، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ {يوسف:108} .
وقد سبق أن ذكرنا بعض آداب طلب العلم وبينا منهجا متكاملا لهذا الطلب مشتملا على الكتب وأسماء مؤلفيها، فراجع الفتوى رقم: 57232.
وينبغي الحرص على طلب العلم على يد شيخ، وفي موقعنا هذا محور للصوتيات والمرئيات مشتمل على شروح لبعض الكتب من قبل بعض المشايخ فيمكنك الاستفادة منه.
واعلم أن للدعوة إلى الله تعالى ضوابط وآدابا ينبغي مراعاتها وقد أوضحنا شيئا منها بالفتوى رقم: 8580.
واعلم أن الأجير الخاص وقته للعمل فلا يجوز له ترك عمله المستأجر عليه والانشغال بشيء آخر لا علاقة له بالعمل، ولكن إن كان قد انتهى من عمله وبقي عنده شيء من الفراغ فله أن يشغله بما شاء من الأمور المباحة، وراجع الفتوى رقم: 110148.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(9/440)
أدب الطالب في جلسته بين يدي شيخه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه من السنة الجلوس في مجالس الذكر جلسة التشهد الأخير ووضع اليدين على الفخذين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم آداباً ينبغي للمتعلم أن يتحلى بها في حلق الذكر ودروس العلم، بل وصنف بعضهم كتباً في ذلك منها كتاب آداب العالم والمتعلم، ومما ذكر من آداب المتعلم في جلسته بين يدي شيخه، أن يجلس جلسة الأدب والاحترام، وليس بالضرورة أن تكون كجلسة التشهد كما في السؤال، وإن جلسها فحسن.
قال في المصدر السابق: الثامن: أن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب، كما يجلس الصبي بين يدي المقرئ، أو متربعاً بتواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصغي إلى الشيخ ناظراً إليه، ويقبل بكليته عليه متعقلاً لقوله، بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ثانية، ولا يلتفت من غير ضرورة، ولا ينفض كمه ولا يحسر عن ذراعيه، ولا يعبث بيديه أو رجليه، ولا يضع يده على لحيته أو فمه، أو يعبث بها في أنفه، أو يستخرج بها منه شيئاً، ولا يفتح فاه ولا يقرع سنه، ولا يضرب الأرض براحته، أو يخط عليها بأصابعه، ولا يشبك يديه أو يعبث بإزاره، ولا يستند بحضرة الشيخ إلى حائط، أو مخدة أو يجعل يده عليها أو نحو ذلك ولا يعطي الشيخ جنبه أو ظهره، ولا يكثر كلامه من غير حاجة، ولا يحكي ما يضحك منه وما فيه بذاءة، أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب، ولا يضحك لغير عجب ولا لعجب دون الشيخ، فإن غلبه تبسم، تبسم من غير صوت، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ولا يبصق ولا يتنخع ما أمكنه، ولا يلفظ النخامة من فيه، بل يأخذها من فيه بمنديل أو خرقة أو طرف ثوب، ويتعاهد تغطية أقدامه وسكون يديه عند بحثه، أو مذاكرته، وإذا عطس خفض صوته جهده، وستر وجهه بمنديل أو نحوه، أو إذا تثاءب ستر فاه بعد رده جهده ... قال بعضهم: ومن تعظيم الشيخ أن لا يجلس إلى جانبه ولا على مصلاه أو وسادته، وإن أمره الشيخ بذلك فلا يفعله إلا إذا جزم عليه جزماً يشق عليه مخالفته فلا بأس بامتثال أمره في تلك الحال ثم يعود إلى ما يقتضيه الأدب. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(9/441)
لا حرج على المسلم أن يسعى دائما للتفوق في دراسته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح لشخص مسلم أن يتمني أن يحصل دائما على أعلى المراتب الدراسية وهل هذه أنانية فهو يتمني دائما ألا يتدني عن مكانته ما حكم الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق كل إنسان أن يسعى لتحصيل أعلى الدرجات العلمية وأكبر المناصب، والمطلوب من المسلم أن يتقدم دائماً ويطمح للأعلى والأحسن، ولا يعد هذا أنانية وقد كان عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- يقول: إن لي نفساً تواقة: كلما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها حتى نالت الخلافة، وإنني الآن أتوق إلى الجنة، وأرجو أن أنالها.
فهكذا ينبغي أن يكون المسلم؛ فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز..... الحديث. رواه مسلم.
ولكن لا يجوز أن يكون ذلك بقصد التكبر والاستعلاء على الآخرين أو التقليل من شأنهم وخاصة الذين هم دونه أو عدم حب الخير لهم.
ولا ينبغي أن يكون ذلك بمجرد التمني وعدم العمل، وللمزيد انظري الفتاوى: 55820، 78763، 80430، 65113.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1429(9/442)
من آداب طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[عن أبي سعيد بن جندب رضي الله عنه لقد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالا هم أسن مني. ما تفسير هذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في الصحيح عن سمرة بن جندب قال: لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالا هم أسن مني.
وقال ابن علان في شرحه: قال: لقد كنت على عهد أي زمن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما تقدم ما يؤخذ منه أن سنه كانت عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين سنة، فالمراد من الغلام الصغير في السن، فكنت أحفظ عليه معطوف على كنت الأول، فما يمنعني من القول: أي من التحديث إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني. أخذ منه علماء الأثر أنه يكره أن يحدث إذا كان في البلد من هو أولى به بزيادة علم أو ضبط أو حفظ أو تقدم سن أو نحو ذلك، بل يدل عليه، وهذا بخلاف باقي العلوم فلا يكره تعاطيها للمفضول المتأهل مع وجود الأعلم بها منه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(9/443)
هل تأثم المرأة إذا لم تذهب إلى حلقات تدريس القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[عند عدم ذهاب سيدة إلى حلقات تدريس القرآن بالأحكام وتحفيظه وذلك لأسباب شخصية هل تأثم على ذلك أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تعلم القرآن الكريم وحفظه من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وأن خير الناس من تعلم القرآن وعلمه.
فقد روى البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
ولكن الواجب على المسلم عينا من حفظ القرآن هو ما تصح به صلاته، وهو سورة الفاتحة، وما زاد على ذلك؛ فهو فرض كفاية وفضل وأجر.
ولذلك فإنه لا إثم على من لم تذهب إلى حلقات تحفيظ القرآن، ما دامت تحفظ ما تصح به صلاتها، ولكنها قد فوتت على نفسها خيرا كثيرا.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتويين: 34612، 25499.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1429(9/444)
كيفية تعليم الأطفال حركات الحروف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن إيجاد صيغة تعليمية للأطفال في مرحلة الابتدائية للتمييز بين الحركات والحروف المشابهة لها مثل الضمة والواو والكسرة والياء مثال: (المدرسةُ يكتبها الطفل المدرستو) . جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الممكن- بل من السهل جدا- أن تزيل هذا الإشكال بنطق الكلمة أمام الطلاب بدون إشباع (مد في الصوت وزيادة فيه) للحركات التي تشكل عليهم. كما يجب تنبيههم إلى أن الحركة في اللغة العربية لا تحتاج لوضع حرف بعدها للدلالة عليها.
ومجرد الحركة في العربية لها ما يدل عليها وما يناسبها في الحجم فيكتفى لها بالشكلة (الضمة أو الكسرة أو الفتحة)
وأما الحرف الممدود فهو الذي يجعل بعده ما يناسبه في حجمه ووضعه وهو حرف مد من حروف العلة الثلاثة (الألف،الواو، الياء)
وإذا وجد المدرس المؤهل الذي ينطق الفصحى كما هي فإنه لا مجال لورود هذا الإشكال أصلا.
وانظر الفتوى: 71972.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(9/445)
حكم الإكثار من قراءة فتاوى العادة السرية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب وأحب أن أقرأ الفتاوى في قسم العادة السرية وأجد في ذلك نوعا من الانسجام فهل هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقراءة الفتاوى الشرعية نوع من أنواع التعلم، ولا يخفى ما للعلم من مكانة في الإسلام، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 21061. وغيرها.
فينبغي أن يكون القارئ لها مستحضراً لنية التقرب إلى الله بتعلم دينه وشريعته، وهذا يحمله على قراءة ما هو أنفع له بحسب حاله وحاجته، لا بحسب شهوته ورغبته. فإن كان محتاجا لقراءة فتوى تتعلق بما يثير فيه مكامن الشهوة المضرة، فينبغي أن لا يسترسل في التفكير في ما وراءها من أمور. وكذلك ينبغي أن يتجنب كل شيء يثير ما يضره من الشهوات، من باب سد الذرائع؛ والذَرَائِعُ هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْإِبَاحَةُ وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ. وَمَعْنَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ: حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً إلَى مَفْسَدَةٍ، فالشريعة الغراء قد سدت باب الذرائع المفضية إلى الحرام فحرمتها ونهت عنها، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الذَّرِيعَةُ مَا كَانَ وَسِيلَةً وَطَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ , لَكِنْ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةً عَمَّا أَفَضْت إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ , وَلَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْ ذَلِكَ الْإِفْضَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَفْسَدَةٌ , وَلِهَذَا قِيلَ: الذَّرِيعَةُ الْفِعْلُ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ.
ولا يخفى أن مثل حال السائل يخشى عليه أن يفضي به الحال إلى بعض المحرمات كالاستمناء مثلا، فينبغي له أن يكف عن القراءة ما دام أنه قد تعلم ما يجب له أن يتعلمه في هذه الأمور.
ويمكن للفائدة مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19396، 68497، 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(9/446)
حدث منه غش في مسيرته الدراسية مع كونه متفوقا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب من الابتدائي وأنا أحصل على الترتيب الأول وأمثل مدرستي في المسابقات العلمية بين المدارس ناجح في تخصصي ومتفوق في دراستي.
ولكن أخشى أن مطعمي حرام بسبب أمور ارتكبتها في دراستي الجامعية وهي ثلاثة أمور:
1- إذا لم أستطع إنهاء مذاكرة المادة قبل الامتحان أذهب لعيادة وأشتري تقريرا طبيا مزورا حتى يتم إعادة الامتحان لي بوقت آخر ولكن تتم إعادة الامتحان بشكل أصعب- يعني الغرض من هذه الحركة هو وقت مذاكرة أطول- ومع ذلك أحل الامتحان وبدون مشاكل.
2- في قسم الهندسة يتم طلب تدريب مدة شهر بأي شركة ولكن أنا قمت بإحضار من معهد دورات تقرير عن ذلك الشهر وهو مكذوب لأن ذلك المعهد لا يمكن أحد أن يعمل فيه بسبب أنه ليست أصلا بيئة عمل وتدريب. مع العلم أن الدكتور الذي قدمت له التقرير كان يعرف هذا المعهد تمام المعرفة. وقد قمت بهذا الأمر لأني كنت مضغوطا بمواد ذلك الفصل.
3- كذلك مشروع التخرج نزلته أنا ومجموعة من أصحابي على الفصل الأول ولم نعمل فيه أي شي كلنا ثم بعد انتهاء الفصل الأول قامت إدارة الجامعة بتعديل مادة في قانون الجامعة أنتجت عن ذلك أنني أنا الوحيد الذي يجب تنزيل مشروع 1 مرة أخرى والسبب أنني لم أكمل الساعات المطلوبة المهم بينما أصحابي يجوز لهم تنزيل مشروع 2 لأنهم قد أكملوا الساعات المطلوبة (وعلى فكرة كما قلت لم نعمل شيئا بالمشروع في الفصل الأول) ولكن الفصل الفصل الثاني أصحابي كانوا مشروع 2 فأخذوا دورة في مادة تفيد المشروع وأنا كنت لا أستطيع أدخل معهم وثم الدكتور طلبني وقال ليس مشكله نزل معهم مشروع 1و 2 وبعدها قال لا مستحيل تخلصهم الاثنين مع بعض (يعني رجع في كلامه بعد ما انقضى نصف الفصل) مع العلم أني ما راح أتأخر عن زملائي حيث هم أصلا في الفصل الأول كنا مع بعض وما فعلنا شيئا المهم قال سيؤخرني وتوسط لي دكتور أنا متفوق عنده على أساس سألني هل قدمت شيئا مع زملائك في الفصل الأول فقلت نعم مع أنه كلنا بالفصل الأول لم نعمل شيئا ثم أدخلني معهم وكان المشروع فقط واحد منا يعمل فيه ولغة البرمجة التي أخذوها أنا كنت أعلمهم بها يعني لو أخذت معهم الدورة التي أخذوها كنت عملته ولكن كان قدري أنه في تلك الفترة التي أخذ فيها زملائي الدورة عقدوني بالإبعاد ولم أعمل في المشروع سوى أنني كتبت بعض مسودة المشروع (الورقات) وعملت الشروحات المرئية أيضا يعني عملت معهم ولكن لم أبرمج في المشروع ولا سطر. ملاحظة مشروع التخرج والتدريب ليس فيها نجاح أو رسوب ولكن يلزمك إنهاؤها حتى تحصل على درجه البكالوريوس فهل أعتبر أنا منهيهم أم لا؟
وكنت متفوقا في موادي كلها ومعروف بين زملائي ولكن قد غششت في بعض المواد (بسبب إهمال مني لمذاكرة تلك المواد القليلة ليس لأني لا أفهم)
طبعاً يافضيلة الشيخ بما أني مجتهد وشاطر أحيانا أريد أن أرتقي بالعلم وأحصل على أعلى الشهادات وأدرس بالجامعات بعد الحصول على الدكتوراه ولكن بمجرد يأتيني التفكير في التشكيك بشهادتي أتوقف لخوفي أن يكون مطعمي حراما وأحيانا أفكر أني أترك كل عملي بالشهادة وأبحث عن عمل آخر فهل أتوب إلى الله مما سلف وأتوكل عليه وأكمل تقدمي العلمي والعملي أو ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما صنعته في مسيرتك العلمية من بعض الزلات والتجاوزات والتحايلات كله خطأ، وكان عليك السير الحق والاستقامة على الجادة فإن الصدق منجاة.
ويجب الإقلاع في قادم مستقبلك عن هذا الأمر والندم والاستغفار والتوبة فإن الله يغفر الذنوب جميعا.
وعليك بتفادي ما سبق وإتقان علمك وتخصصك فإن فعلت ذلك كان كفارة عما سبق من غش وحيل مذمومة. فبادر لبناء جديد خالص صادق ويوفقك الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شوال 1429(9/447)
النية الصالحة تحول الأعمال المباحة إلى طاعة وقربة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على هذه الفائدة للمسلمين قاطبة.. سؤالي عن دراسة الشخص وعمله كيف يكون في سبيل ربه تعالى، أنا أدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميه.. قسم حاسب آلي, وتخصصي في تحليل الأنظمه وليس في البرمجة، ف كيف أجعل دراستي هذه في سبيل الله، وأن أنوي النية الصالحة في هذه الدراسة.. لقد فكرت كثيراً في الموضوع قبل أن أطرح السؤال, وجعلت نيتي تكون نهايتها خيرا; أي أنني أدرس الآن لكي أتوظف بإذن الله ويكون معي دخل مادي لكي أتزوج وأحصّن نفسي وأنجب الذرية الصالحة بإذن الله, (وهذه هي رغبتي الحقيقيه في الدراسة) أي أنّ نيتي جعلتها في خير (أن أحصّن نفسي وأنجب الذرية الصالحة إن شاء الله) .. ف هل هذه النية تكون في سبيل الله.. حيث إن تخصصي لا أرى أنه يخدم الإسلام والمسلمين بشكل كبير.. أي أنه منحصر على خدمة الشركات والمؤسسات، آسف على الإطالة.. وفي انتظار ردكم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن نية المرء تحصين فرجه وإنجاب الذرية الصالحة يعتبر من الأمور الحسنة، ولكنه لا ينبغي أن يكون هو الهم الوحيد للمسلم، فالله تعالى قد خلق الإنسان لمقاصد كبيرة منها عمارة الأرض والإصلاح فيها، وإقامة الدين ونصرة الحق ... وغير ذلك من الأمور التي لا يستطاع حصرها، وقد سبق أن بينا أن العلوم الدنيوية التي يحتاجها الناس لمصالحهم ومعايشهم كعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء ومثلها المعلوماتية يعتبر تعلمها عبادة إذا قصد بها نصرة الإسلام ونفع المسلمين ولو بعضهم وهي أيضاً من فروض الكفايات التي يجب أن يتخصص فيها بعض المسلمين، لأنها إذا تركت بالكلية ستضيع المجتمعات ويتعطل القيام ببعض الطاعات، ويحتاج المسلمون إلى الكفار، وقد بينا ذلك في عدة فتاوى نرجو أن تطلع عليها وهي تحت رقم: 65459، ورقم: 72130.
وعليه؛ فلا حرج عليك في هذا التخصص بنية ما ذكرت ولكنك إذا نويت مع ذلك التقرب إلى الله بكفاية المسلمين وإعانتهم وخدمة هذا الدين العظيم والقيام بشيء من فروض الكفايات تكون مثاباً على ذلك إن شاء الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى. متفق عليه ...
فالنية تحول الأعمال المباحة إلى طاعة وقربة لله تعالى، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 40763، والفتوى رقم: 39937.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن عبادة الاشتغال بفرض الكفاية أفضل من غيرها لأن نفعها متعد فربما شمل المجتمع كله.
قال صاحب المراقي:
وهو مفضل على ذي العين * في زعم الاستاذ مع الجويني
ونسأل الله لك التوفيق والنجاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1429(9/448)
أولى ما يختاره طالب العلم من المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محتار فى المذاهب الأربعة, أريد أن أن أتمذهب على واحد منهم ولكن لا أعرف أيهم أقرب للحق فهل تنصحوني وترشدوني فى اختيار أفضل المذاهب الأربعة والكتاب الذى يبدأ به في المذهب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان ينبغي لك أن تتحير بين المذاهب الأربعة؛ فكلها مذاهب حق وهدى وسنة واتباع للنبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته والسلف الصالح.. ولذلك فنحن ننصحك بدراسة واتباع المذهب المعمول به في بلدك؛ فإن الأولى لطالب العلم أن يبدأ بدراسة المذهب الذي يعمل به في بلده ويقضى به في محاكمه الشرعية حتى لا يكون شاذا عن مجتمعه، وعلى المسلم أن لا يتعصب للمذهب الذي درسه أو قلده ويظن أن غيره من المذاهب باطل، وأن لا يكون اتباعه لمذهب معين لمجرد التشهي واتباع الهوى. وليكن نصب عينيه أن المقصود اتباعه حقا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمذاهب إنما هي طرق تعين على ذلك، ورجحانها إنما يتحدد تبعا لقوة دليلها من الكتاب أو السنة.
وسبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32653، 56633، 96735، 112309. وما أحيل عليه فيها.
وأما الكتب التي ينبغي أن يبدأ بها طالب العلم في كل مذهب فهي الكتب الصغيرة والمختصرات التي ألفت للمبتدئين وهي تحتوي على المبادئ وصغار المسائل، ثم بعد ذلك التدرج في الطلب وقراءة المراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(9/449)
يريد التعلم ليعلو شأنه أمام امرأته وأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعلم علم الدنيا مثل الطب أو الهندسة من أجل أن يعلو شأني أمام زوجتي وأهلها ولكي تتغير نظرة الناس تجاهي ولكي يفتخر أولادي بي، فيه مخالفة شرعية تصل إلى حد التحريم، مع العلم بأنني حاصل على الثانوية العامة وأعمل بها ودخلي يكفيني وأولادي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم العلوم المذكورة وغيرها من العلوم التي تفيد صاحبها والمجتمع من حوله هو من فروض الكفاية والواجب على المسلمين توفير من يقوم بها حتى تحصل لهم الكفاية، فإذا قام بها البعض أجر على ذلك وسقط الإثم عن الباقين، وقد بينا ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 99696، والفتوى رقم: 105463 وما أحيل عليه فيهما.
ولذلك فإن على من أراد الاشتغال بهذه العلوم النافعة أن يستعلي بهمته ويرتفع بنيته إلى أن يكون قصده القيام بهذا الواجب العظيم عبادة لله تعالى وقربة إليه وخدمة لمجتمعه.. فيجمع بذلك بين حسنتي الدنيا والآخرة -رضى الله تعالى ورضى الناس-.
أما من يقصر نيته على ما ذكر في السؤال فإنه لا يوصف بأنه مرتكب لمخالفة شرعية فيما نرى، ولكنه يضيع على نفسه خيراً كثيراً وأجراً عظيماً، فهو كمن يكدح لمجرد أن يشبع أو يلبس ... فليس له من عمله إلا ما نواه به كما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1429(9/450)
النية تجعل الأمور المباحة طاعة وقربة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مدخلة بيانات وكذلك آخذ دورات كمبيوتر باستمرار ونفسي أجعل كل أعمالي وتصرفاتي لوجه الله أنا أريد أضع أسبابا ونوايا طيبة قاصدة بها وجه الله عز وجل لأني أرى أن كل ذلك بعيد عن العلوم الدينية؟
كيف أجعل وظيفتي وعلمي خالصا لوجه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلوم الدنيوية التي يحتاجها الناس لمصالحهم ومعايشهم يعتبر تعلمها عبادة إذا قصد بها صاحبها نصرة الإسلام ونفع المسلمين، وهي أيضا من فروض الكفايات التي يجب أن يتخصص فيها بعض المسلمين، لأنها إذا تركت بالكلية ستضيق على الناس معايشهم، ويتعطل القيام ببعض الطاعات، كما سيحتاج المسلمون ساعتها للكفار. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65459، 72130، 49739.
فإذا تعلمها المرء وعمل بها، متقنا لها ومحسنا فيها، ناويا التقرب إلى الله بكفاية المسلمين وإعانتهم في هذا الباب، والقيام بشيء مما عليهم من فروض الكفايات، فهو مثاب في ذلك على قدر نيته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى. متفق عليه. فالنية تجعل الأمور المباحة طاعة وقربة، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 40763، 39937.
وننبه السائلة الكريمة على أن عمل المرأة الذي يتلائم مع فطرتها ودورها في بناء المجتمع ومؤهلاتها الخلقية والجسدية، لا حرج فيه إذا خلا من المحاذير وتوفرت فيه الضوابط الشرعية، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 522، 3859، 9653، 5181.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(9/451)
ضابط كتمان العلم من عدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إن سألني أحد بحكم الموسيقى في الإسلام وأنا أعلم أنها حرام, هل علي أن أجيبه بأنها حرام وأن من يسمعها يأثم أم أكتفى بأن أقول له بأنني لا أفتي؟ وهل قول هذا يعتبر كتمان علم, وأيضا هل إجابة سؤال هذا الشخص يعتبر فتوى؟
لأنني عندما سألت شخصا هو مثقف ويعرف الكثير في أمور الدين حسب معلوماته وعلمه عن أن كان يوم الخامس عشر من شعبان بدعة وإن كان الشخص الذي سيصوم هدا اليوم يأثم؟
أجابني بأنه ليس بمفت وحتى لو كان يعلم لن يجيبني لأنه وزر.
فهل الإجابة على أسئلة كهذه يكون وزرا وخصوصا إن كنا نعلم بأن كان هذا الأمر جائزا أم لا؟
وهل هذا يعتبر كتمان علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ العلم فقال: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. رواه البخاري.
وحث ورغب صلى الله عليه وسلم في سماع العلم وتبليغه فقال: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وابن ماجه. وصححه الألباني.
كما حذر ورهَّب صلى الله عليه وسلم من كتمان العلم فقال: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود وابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني.
ولذلك قال أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ ـ يَعْنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَيْئًا أَبَدًا، لَوْلَا قَوْلُ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ {البقرة:174، 175.} . رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وفي معنى هذه الآية أيضا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. {البقرة:160،159} .
وعلى ذلك فمن سئل عن مسألة يحتاجها السائل في أمر دينه، وكان على علم وبينة من هذه المسألة، فيلزمه تبليغها، حتى وإن كان لا يعلم غيرها من مسائل العلم، اللهم إلا أن يحيله على من هو أعلم منه وأقدر على تفهيم السائل وتعليمه، ممن يتيسر الوصول إليه.
وينبغي أن يعلم بأن المفتين على مراتب منهم المجتهد المطلق في كل أبواب الدين، ومنهم المجتهد في بعض مسائل الدين، فهؤلاء إن أفتوا في مسألة فإنهم يفتون باجتهادهم، ومن المفتين من هو ناقل لقول إمام من أئمة الدين الموثوق بعلمهم ودينهم، فهذا يسوغ له أن ينقل للناس ما قاله أهل العلم ما دام متثبتا منه، وأنه ينقله لهم على وجهه ولا حرج عليه في ذلك ولا إثم.
هذا مع التحذير الشديد من التقوُّلِ على الله بغير علم، ومن التجرؤ على الفتوى في ما لا يحسنه المسئول، فإن هذا من أمر الشيطان، كما قال تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 169،168}
وهذا مما حرمه الله تعالى، كما قال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. {الأعراف: 33} .
وقد سبق بيان أن العلم الشرعي لا يجوز كتمانه، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2424، 26934، 52569.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(9/452)
كيف تصحح نيتك وأنت تطلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم مبتدئ وأنا أدرس الآن في ثلاثة أصول، المشكلة هي أنني عندما أحاول المراجعة أبدأ بالتسميع لنفسي وهذا يجعلني أحسس بوساوس الرياء أي كأنني أشرح للناس وهذا يقلقني فأرجو أن توضحوا لي كيفية المراجعة؟ وكيف أخلص لله تعالى لأنني أريد أن أخلص عملي ولكن لا أستطيع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أنك على خير إن شاء الله؛ لأن طلب العلم من أفضل القرب إلى الله تعالى، حتى نقل عن الإمام أحمد أنه قال: تعلم العلم وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره.
لا سيما في هذا الزمن الذي قل فيه العلم وانتشر الجهل، فنوصيك ببذل الجهد والوقت في سبيل تحصيل العلم، لعل الله تعالى أن ينفعك به وينفع بك، وأما ما تشعر به أثناء الدراسة أو المراجعة من الوسوسة والخطرات التي تخيل إليك أنك تشرح للناس وأنك مراء، فاعلم أنها كلها من الشيطان ليصدك بها عن طلب العلم، والشيطان حريص على الوقوف أمام العبد بكل طريق يوصل إلى الله، لكي يثبطه عن المسير، وقد أخبرنا الله عنه أنه قال متوعدا بني آدم:..... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. {الأعراف 16} .
قال القرطبي: أقعدن لهم صراطك المستقيم أي بالصد عنه.... والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة. انتهى.
فاحذر أخي السائل من أن تصدك تلك الوساوس عن طلب العلم، وجاهد نفسك على إصلاح النية والإخلاص لله تعالى بأن تنوي بالطلب رضا الله والتقرب إليه، وأن تعبده على بصيرة وترفع الجهل عن نفسك. وقد قال الإمام أحمد: طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته، قيل: فأي شيء تصحيح النية؟ قال: ينوي أن يتواضع فيه وينفي عنه الجهل ...
فانو أن تتواضع بالعلم الذي تطلبه لا أن تتكبر، وانو أن ترفع الجهل عن نفسك، ولا عليك بعد هذه النية من وساوس اللعين. واجتهد في إبعادها وعدم الالتفات إليها.
وأما كيفية المراجعة فتكون بترديد ما حفظه الطالب إما على نفسه وإما على غيره من أهل بيته ونحوهم، ويكثر من ترديد المحفوظ حتى يرسخ في الذهن ويثبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1429(9/453)
حول الفتوى وسؤال العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: إذا قرأت فتوى عن مسألة تشبه مسألتي فهل لي في هذه الحالة أن آخذ بتلك الفتوى أم يجب علي أن أطرح مسألتي على أهل العلم مباشرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرء أن لا يعمل عملاً حتى يعلم حكم الله فيه، وسؤال أهل العلم إنما يراد منه تحقق المستفتي من حكم المسألة التي يريد العمل بها، وإذا كان للشخص أهلية لفهم المسائل الفقهية من كلام أهل العلم ووجد عين مسألة منصوصة فله أن يعمل بما وجده من ذلك إن كان المفتي ممن يوثق بعلمه وورعه.
وعليه فإذا كنت ممن توفرت فيه تلك الصفة وتحققت أن الفتوى التي قرأتها تجيب على مثل مسألتك ووثقت بنسبتها إلى العالم الذي أفتى بها فلك الأخذ بها والاكتفاء بما فيها، فعلى سبيل المثال إذا كانت مسألتك عن حكم ترك غسل الوجه في الوضوء مثلاً ووجدت فتوى صادرة ممن يوثق بعلمه تجيب على هذه المسألة فلك الاستغناء بها عن سؤال أهل العلم.
أما إذا أشكل عليك الأمر ولم تتحققي من كون تلك الفتوى تجيب على مثل مسألتك فيتعين عليك سؤال أهل العلم امتثالاً لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(9/454)
كيف أجعل من دراستي للعلوم الدنيوية عبادة وطاعة لله
[السُّؤَالُ]
ـ[أساتذتي الكرام، إشكال استعصى علي تدبره أدرس وأعمل في تخصص: "نظم أمن المعلومات" وخاصةً "اختراق نظم الكمبيوتر"، وأريد أن أكون الأفضل في الكون وأسعى جاهداً لذلك، ولكني أخشى الله وأريد أن أعلم هل يمكن أن يكون تخصصي هذا وتعلمي هذا داخلاً ضمن طلب العلم المثاب عليه؟ فهل إذا أردت أن يكون علمي هذا سبباً لحصولي على منصب أو مكانة معينة، فهل أكون قد تجاوزت ودخلت دائرة المحظور، لا أعرف كيف أفيد الإسلام والمسلمين من تخصصي هذا، كيف أخلص علمي لله وكيف تكون نيتي عند التعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلوم الدنيوية التي يحتاجها الناس لمصالحهم ومعايشهم كعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء ومثلها المعلوماتية، يعتبر تعلمها عبادة إذا قصد بها نصرة الإسلام ونفع المسلمين، وهي أيضاً من فروض الكفايات التي يجب أن يتخصص فيها بعض المسلمين، لأنها إذا تركت بالكلية ستضيع المجتمعات ويتعطل القيام ببعض الطاعات، ويحتاج المسلمون إلى الكفار، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65459، 72130، 49739.
ولا بأس في طلب هذه العلوم لنيل وظيفة أو مال أو مكانة، فليس ذلك حراما، وإذا تمحضت نيته لذلك فهو أمر مباح، ولكن لا أجر لصاحبه في الآخرة، وأما إذا نوى فيها التقرب إلى الله بكفاية المسلمين وإعانتهم في هذا الباب والقيام بشيء من فروض الكفايات فهو مثاب في ذلك على قدر نيته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى. متفق عليه. فالنية تجعل الأمور المباحة طاعة وقربة، وقد سبق بيان ذلك الفتوى رقم: 40763، والفتوى رقم: 39937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(9/455)
تخريج أثر عمر أنه سأل رجلا عن شيء فقال: الله أعلم فقال: قد خزينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا الأثر عن عمر: وسأل عمر رجلا عن شيء، فقال: الله أعلم، فقال عمر: قد خزينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم، إذا سئل أحدكم عن شيء فإن كان يعلمه قاله، وإن كان لا يعلمه، قال: لا علم لي بذلك. وهل يفهم منه النهي عن قول الله أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد هذا الأثر مسنداً فيما بين أيدينا من المراجع على كثرتها ولا نظن أن هذا يصح عن عمر وهو القائل لما سأله رسوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث جبريل المشهور:.... يا عمر هل تدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم ... رواه البخاري ومسلم.
وقد وردت آثار كثيرة عن الصحابة في الأمر بهذه الكلمة (الله أعلم) لمن سئل عما لا يعلم، فقد ورد عن علي بن أبي طالب، قال: إذا سئلتم عما لا تعلمون فاهربوا. قالوا: كيف الهرب يا أمير المؤمنين؟ قال: تقولن الله أعلم.. وعنه أيضاً قال: يا بردها على الكبد أن تقول لما لا تعلم الله أعلم.. ومثله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من علم منكم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل لما لا يعلم الله أعلم، فإن العالم إذا سئل عما لا يعلم قال الله أعلم، وقد قال الله لرسوله: قل ما اسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين..
وهذه الآثار رواها الدارمي في سننه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل وقال الله أعلم، وذلك فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال الله أعلم بما كانوا عاملين.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(9/456)
المنافسة الدراسية.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المنافسة الدراسية؟ أو المنافسة في الوظيفة؟ ففي الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ" 262 سنن ابن ماجه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المشار إليه في السؤال حديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، والمقصود به العلم الشرعي كما يفهم من كلام المناوي في فيض القدير، والمنافسة الدراسية إن كانت في علم شرعي أو دنيوي وكان المقصود بها التسابق للحصول على أكبر قدر من الثواب من الله فهذه مستحبة لأنها داخلة في المنافسة في الطاعة، وإن كانت في علم دنيوي وكان المقصود منها التسابق للحصول على أكبر درجات في الامتحان والدراسة فهذه منافسة مباحة وليست داخلة في الحديث لأنها ليست في علم شرعي، وأما إن كانت في علم شرعي وكان المقصد الأساس من الاجتهاد في تحصيله هو الفوز وسبق الآخرين فإن هذه منافسة داخلة في الحديث -فيما نرى- لأنها منافسة في طاعة لغير وجه الله تعالى، بل لأجل رفعة دنيوية ومنزلة وجاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(9/457)
نصائح لحفظ القرآن الكريم والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[- أريد أن أحفظ القرآن الكريم والصحيحين فما هي نصائحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحفظ القرآن من أعظم الأعمال الصالحات، وقد روى الترمذي وصححه وكذا صححه الألباني عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. فننصحك بتشمير العزم على تحقيق هذه النية الحسنة. وهذا يحتاج إلى تنظيم الوقت والبحث عمن يتابع حفظك من القراء والحفاظ، أما عن حفظ الصحيحين فننصحك بالتدرج فبعد إتقانك للقرآن وهو الأوكد، ابدأ بحفظ ما تيسر لك من الأحاديث المتفق عليها بين البخاري ومسلم من كتاب اللؤلؤ والمرجان لما اتفق عليه الشيخان. والله يعينك على طاعته.
والأحسن أن تبدأ بحفظ الأربعين النووية، ثم تحفظ بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، ثم تنتقل بعد ذلك إلى حفظ أمهات السنة مبتدئا بالصحيحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(9/458)
الانتفاع بالعلم والعمل به ونوال الجوائز المادية
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا لينال به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ما سرّ استعمال صيغة الحصر في الحديث لا يتعلمه إلا لينال به عرضا من الدنيا، وهل يفهم منها جواز التشريك في نية طلب العلم بين الدنيا والآخرة. ثم أليس فيما أفتيتم به من جواز عقد المسابقات ورصد الجوائز المالية في مجال العلم الشرعي دليلا على ذلك؟ أليس جواز كون الجائزة المالية حافزا على طلب العلم الشرعي يدعو من يشترك في هذه المسابقات حتما إلى التشريك في النية؟ وإلا فما فائدة رصد الجوائز إذن إذا كانت نية التشريك غير جائزة أصلا، وكيف تكون الجائزة حافزا على طلب العلم إذن؟!.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَعْنِي رِيحَهَا. رواه أبو داود، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
قال أبو الحسن المباركفوري: أي لا يتعلمه لغرض من الأغراض إلا ليصيب به شيئاً من متمتعات الدنيا. وفيه دلالة على أن الوعيد المذكور لمن لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما من طلب بعلمه رضا المولى ومع ذلك له ميل ما إلى عرض الدنيا فخارج عن هذا الوعيد، فابتغاء وجه الله يأبى إلا أن يكون متبوعاً ويكون العرض تابعاً. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1 / 326.
وقال القاري: قال الطيبي: فيه أن من تعلم لرضا الله تعالى مع إصابة العرض الدنيوي لا يدخل تحت الوعيد؛ لأن ابتغاء وجه الله تعالى يأبى إلا أن يكون متبوعاً، ويكون العرض تابعاً اهـ.... مرقاة المفاتيح 1 / 439، 440 بتصرف.
وقد تكلم أهل العلم على حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم عند قوله تعالى: وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {البقرة: 41} منهم القرطبي وابن كثير.
وكذلك من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وأورد هذا الحديث في تفسيرها، ثم قال: يشكل على كثير من الطلبة من يدخل الجامعات لنيل الشهادة: هل يكون ممن اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً؟ والجواب: أن ذلك حسب النية؛ إذا كان الإنسان لا يريد الشهادة إلا أن يتوظف ويعيش، فهذا اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً؛ وأما إذا كان يريد أن يصل إلى المرتبة التي ينالها بالشهادة من أجل أن يتبوأ مكاناً ينفع به المسلمين فهذا لم يشتر بآيات الله ثمناً قليلاً؛ لأن المفاهيم الآن تغيرت، وصار الإنسان يوزن بما معه من بطاقة الشهادة. تفسير القرآن للعثيمين
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لهذا الحديث من سنن أبي داود: إن قيل: هل يدخل في هذا الحديث الاشتراك في المسابقات التي عليها جوائز، إذا كان طالب العلم ممن يحرص على العلم؟ الجواب: كون الإنسان يشتغل بالعلم من أجل معرفة الحق والهدى، ثم بعد ذلك جعلت مسابقة فيها جوائز ودخل فيها، فهذا لا يخرجه عن كونه تعلم العلم من أجل معرفة الحق والعمل به؛ لأنه لم يتعلم من أجل الجوائز، ولم يكن الباعث له أن يكون عنده استعداد للمنافسة في الجوائز، وإنما تعلمه لمعرفة الحق والهدى، وهذا جاء عرضاً وتبعاً وشيئاً طارئاً لم يكن هو المقصود عند التعلم وعند الاشتغال بالعلم. وأما هل يدخل في هذا من يدرس ليصبح مدرساً ويحصل على الراتب؟ فإذا كان غرضه الدنيا فقط فله نصيب من هذا الحديث، وإن كان قصده أنه يتعلم الحق ويعمل به وينفع الناس به، فهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإنسان قد يعلم ويرشد الناس ويفيد التلاميذ ويكون سبباً في هدايتهم وفي استقامتهم مع كونه مدرساً ويأخذ الراتب الذي يعطى للمدرسين، فإذا كان الباعث له أن يفيد الناس وأن يفيد الطلاب وأن يكون عوناً لهم على معرفة الحق والهدى فلا شك أنه على خير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ولكل امرئ ما نوى. شرح سنن أبي داود للشيخ العباد.
فحفظ القرآن وتعلم العلوم الشريعة لا يجوز إلا إذا كانت النية خالصة لوجه الله تعالى كسائر الطاعات، لا لأجل الدنيا أو الوظيفة أو المدح والثناء والجاه أو المسابقات.. وأما ما يحصل بسببها من منافع دنيوية فلا بأس بها، طالما أنها لم تكن هي الحامل على طلبها، فالحال هنا قريبة من حال من يصلي ويصوم وهو يعلم الفوائد الصحية المترتبة على هذه العبادات.
فالحكم إذن للباعث الأصلي على طلب العلم، أهو ابتغاء وجه الله، وما يحصل بعد ذلك من الدنيا يكون تابعا وفرعا، أم الباعث طلب الدنيا وزينتها، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 11604، 58637، 39937، 76784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(9/459)
وسائل تعليم العلم الشرعي للطالبين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرشادي إلى كيفية تعليم الزوجة العلوم الشرعية الحلال والحرام إجمالا وحقوقها وواجباتها في حياتها عامة، وأن تعرف لماذا هي موجودة في هذه الحياة.
زوجتي في سن 16 سنه وتدرس في المدرسة ولا تعلم من العلوم الشرعية إلا ما أخذته في المدرسة.
وكما أن التلفاز والدش _مسلسلات وأفلام وغيرها_ كانت متاحة لها فقد علق قي ذهنها الكثير من هذه الثقافة.
كما ذكرت سابقا فانا أريدها أن تتعلم الدين وأن تكون امرأة صالحة، وأريد أن يكون تدينها عن طريق العلم لا عن طريق سماع الأحكام والمواعظ والخطب ومجرد حفظ القرآن لأنها بهذه الطريقة لا أضمن أن تستمر فقد يأتيها الفتور وقد تتأثر بالعلم المحيط الذي يأخذ كل ثقافته من الإعلام.
أريد أن تعرف أحكام القرآن وتفسيره وأن تتعلم الدين ليكون عندها لذة في التعلم كثر وأكثر، أرجو منكم إرشادي لي الطريقة الصحيحة وما هي الدروس العلمية للعلماء (المسموعة أو الكتب) ومن أين نبدأ وكيف نستمر فانا مؤمن أن قليلا دائما خير من كثير منقطع.
كما أريدها أن تحفظ القرآن وتفهم ما تحفظ فهل يمكن أن تضعوا لي جدولا زمنيا لعدد من السنوات (باعتبارها طالبة علم) تبينون فيه ما تحفظ وما تتعلم في كل فترة زمنية (ما هي الكتب والدروس التي تقرؤها في كل فترة زمنية حيث وإنها تقريبا سوف تبدأ من البداية.
فالعلم وحده هو الذي يحصن المسلم في هذا الزمن.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك حرصك على تعليم زوجك وتفقيهها في الدين، والعمل على أن تكون امرأة صالحة فذلك من أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجه، كما أن طلب العلم من أفضل الطاعات، ومنه ما هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وبالنسبة للمرأة إذا لم تتمكن من أخذ العلم الواجب إلا بخروجها من بيتها فإنه يلزمها الخروج لذلك مع التستر والحيطة والبعد عن أسباب الفتن، وكل ما كان ذلك عن طريق النساء الثقات العالمات كان أولى وأفضل، وقد بينا شروط ذلك وضوابطه في الفتوى رقم: 18328، وراجع أيضا الفتاوى رقم: 18640، ورقم: 15872، ورقم: 18436.
ثم اعلم أن طلب العلم له أصوله الثابتة ووسائله المعينة عليه، كما أنه لا بد من السير على منهج يتدرج بطالب العلم حتى يصل به لمبتغاه، وبالنسبة للكتب التي تتحدث عن كيفية الطلب وتبين منهجه ووضع جدول زمني لذلك فكثيرة ومنها كتاب برنامج عملي للمتفقهين، لعبد العزيز القارئ، وكتاب حلية طالب العلم لبكر أبي زيد، وأدب الطالب للشوكاني، وتذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة، وغيرها كثير، فنحيلك عليها وننصحك بالحرص على اقتنائها والاستفادة منها في طلبك العلم مع زوجك.
وللفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التاية: 11280، 7677، 18607، 4412، 10695، 4131، 2410، 8563، 20885، 21753، 22256، 22036.
وكذا ما أحيل عليه فيها من الفتاوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1429(9/460)
التضحية بالعمل لأجل إكمال الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[فى الحقيقة أنا أعمل ببلد عربي ولله الحمد، ولكني دائما لدي طموح لأن أكون أفضل من خلال إكمال دراستي وفى الوقت الحالي أريد أن أنزل إلى بلدي لمدة شهرين حتى أكمل بعض امتحاناتي وأنا الآن أعمل عملاً إضافياً يعين على الحياة بجانب عملي الأصلي الذي لا يكفي نفقاتي معه وفى هذا العمل الإضافي يرفض مديري إعطائي مدة الشهرين ولدي زوجة وولد، فهل إن تركت العمل من أجل التضحية والتطلع إلى إكمال دراستي فهل أكون قد قطعت رزقي بيدي وقال لي الناس إن هذا حق زوجتي وابني ولا يجوز لي ذلك، ولكني أرى أن أحلم للأفضل من خلال العلم وإكمال اختباراتي وظني بالله أنه يعيننني وسوف يمنحني أفضل منها، فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حق المسلم أن يطمح إلى الأفضل دائماً، وقطع العمل الإضافي لأجل المصلحة لا يعتبر قطعاً للرزق، والموازنة بين المصالح والمفاسد أمر مطلوب شرعاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن ييسر لك كل أمر عسير ويوفقك لما فيه الخير.. ولتعلم أن من حق المسلم أن يحاول رفع مستواه العلمي وتحسين ظروفه المادية والمعنوية كلما سنحت له فرصة، بل إنه مطلوب من المسلم أن يتقدم دائماً من الحسن إلى الأحسن، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: إن لي نفساً تواقة: كلما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها حتى نالت الخلافة، وإنني الآن أتوق إلى الجنة، وأرجو أن أنالها. هكذا ينبغي أن يكون المسلم الطموح.
ونزولك في الإجازة من العمل الأصلي وترك العمل الإضافي لا يعني قطع رزقك بحال من الأحوال، فإن الأرزاق بتقدير الله تعالى وأمره، وسفرك إنما هو لأداء الامتحان ورفع مستواك العلمي ... ولا شك أن ذلك يتطلب تضحية ويحتاج إلى وقت.. وإن كانت زوجتك خارج البلد الذي تقيم فيه فإن من حقها عليك ألا تغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 10254.
فإذا كنت قد غبت عن زوجتك المدة المذكورة وهي في البلد الذي تريد أن تكمل فيه دراستك أو امتحانك في مدة الإجازة المذكورة فعليك أن تذهب في هذه المدة جمعاً بين المصلحتين (صلة أهلك وإكمال امتحانك) ، والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو الموازنة بين هذه الأمور والتلطف مع مسؤولك في العمل الإضافي حتى يسمح لك بالذهاب مدة الإجازة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(9/461)
ضوابط عدم افتتان المرأة بالشيخ الذي تلقى عنه العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[محتارة في مسألة أرجو منكم أن تفيدوني فيها.. أنا منذ حوالي سنتين أو ثلاث وأنا أحضر دروسا لشيخ معين مع زوجي، وكان له الفضل بعد الله عز وجل في تغيير أحوالي الإيمانية وفي معرفة آفات نفسي.. ونحن متابعون معه في معظم دروسه ونشطاته وعلى علاقة قريبة منه.. هو بمثابة قدوتي، وزوجي يعلم ذلك ويشجعني على الاستمرار في التعلم منه. ولكن منذ حوال 5 أشهر زاد الأمر على أن يكون مجرد قدوة، فقد وقع شيء في قلبي تجاه هذا الشيخ! أجاهد نفسي أحيانا فأبتعد عن بعض النشاطات وأحيانا أخرى أقول هو من الشيطان وأحاول ألا أفكر في الأمر حتى أكمل مسيرة طلب العلم وتصحيح الإيمان. لا أدري ما الصواب: مجاهدة النفس فأبتعد نهائيا، أم مجاهدة الشيطان فأستمر.. هذا مع العلم أني لا أحدثه على الإطلاق ووسيلة التخاطب لا تتعدى بعض الرسائل البريدية الرسمية أو إذا كان موضوع أبعث عن أحد يفاتحه فيه (زوجي أو صديقة) .. لكن المشكلة فقط في القلب، وأخشى أن يكون هذا سببا لقسوة قلبي أو أن يكون تعلقا بغير الله.. أرجو نصحي ولكن مع الوضع في الاعتبار أني لم أجد بديلا لهذا الشيخ، وسألت زوجي من قبل هل هناك شيخ يهتم بتصحيح الإيمانيات عمليا كهذا الشيخ ولم أجد أحدا.. غير أنه مهتم بي وبأخوات أخريات شخصيا ويريد أن يعدنا لنكون داعيات ومربيات متعلمات على حق.. أرشدوني إلى الحل وكيفية دفع هذه الوساوس.. وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحب الشيخ أو غيره لأجل علمه أو ورعه ونحو ذلك لا حرج فيه، بل هو من الحب في الله عز وجل الذي هو أوثق عرى الإيمان؛ كما في الحديث: أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله عز وجل.
وأما حب الشهوة كأن يكون لجمال خلقته ونحوه، فما وقع منه في القلب دون إرادة ولا بذل سبب فلا إثم فيه، لكن ينبغي دفعه ومعالجته لئلا يؤدي إلى ما لا تحمد عاقبته.
والذي نراه وننصحك به هو الاستمرار في حضور تلك الجلسات الإيمانية مع الالتزام بالضوابط الشرعية في ذلك، ولو كان بين النساء وبين الشيخ حجاب بحيث لا يرونه وإنما يسمعون صوته فقط فهو أولى وأحوط، مع عدم المراسلة البريدية أو غيرها من أنواع الاتصال بذلك الشيخ ما دمت تجدين في قلبك نحوه ما تجدين من التعلق سدا الأسباب الفتنة.
ويمكنك الاستفسار منه عن طريق زوجك، ولو أمكن انفراد النساء بدرسهن كأن يكون بينهن من تستطيع القيام بدعوتهن وتربيتهن فهو أولى.
وعلى كل فلا نرى فيما ذكرت سببا للانقطاع عن حضور جلسات الإيمان ودروس العلم، لكن مع أخذ الاحتياط وسد كل السبل التي قد تؤدي إلى الافتتان والوقوع فيما يغضب الرحمن عز وجل.
وللمزيد انظري الفتاوى التالية أرقامها: 8663، 5707، 27626، 102541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1429(9/462)
التفقه على مذهب معين وترك التعصب المذهبي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت دراسة أحد المذاهب الفقهية فهل يجب أن أدرس مذهب البلد الذي أعيش فيه (كالحنفي أو الشافعي) أم أدرس المذهب الذي أميل إليه وهو المذهب الحنبلي أم أن دراسة مذهب غير مذهب البلد ممكن أن يسبب بعض المشاكل في طلب العلم، وإذا درست مذهبا معينا فهل علي كمقلد لذلك المذهب أن أتبعه في جميع المسائل الفقهية، أم أخالفه عندما أرى أن الحق (بحسب علمي وفهمي) مع المذهب الآخر لأنه علمت أن المقلد لمذهب يتبع ذلك المذهب في كل المسائل الفقهية وتعجبت كيف يكون ذلك وأنا أرى الحق في خلافه أو عند مذهب آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجب على المسلم الالتزام بمذهب معين من المذاهب الفقهية، بل له أن يدرس ما شاء منها ويتفقه في تفاصيل الأحكام وأدلتها من خلاله، ولكن عليه أن يتجنب التعصب والطعن في المذاهب الأخرى، وكذلك لا يجب على المقلد اتباع المذهب الذي يقلده في كل المسائل، بل له أن يخالفه لا سيما في المسائل التي يعلم أن الدليل فيها مع غيره، إذا علم ذلك من كلام المحققين من أهل العلم أو علم بنفسه إذا كانت له معرفة بالأدلة والأصول، وللفائدة في ذلك انظر الفتوى رقم: 56633، والفتوى رقم: 101885.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(9/463)
موقف الطالبة من تقصير المشرف على أطروحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة دراسات عليا أتممت المواد المطلوبة بتقدير مرتفع. بدأت في الأطروحة مع أستاذ متخصص بدا لي في بادئ الأمر أنه جدي وملتزم وصادق. كان يدعي بأنه خبير في مجاله. ولكنه بعد مرور أقل من سنة وبعد ما أنهيت كل المتطلبات المطلوبة، طلب مني الأطروحة كاملة لتعديلها ولتحديد موعد للمناقشة. ومن هنا بدأت أن مشكلتي حيث بدأ يماطل ويتحجج بحجج كثيرة. وقد استمرت هذه الحالة أكثر من سنة ونصف. خلالها كان يعد الجهات ذات العلاقة بأنه خلال شهر أو شهرين سيحدد موعدا للمناقشة ولكن دون جدوى. فأرجوكم أرشدوني إلى الحل.. مع الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تحددي لنا العلة التي تمنع هذا الأستاذ من عرض رسالتك على النقاش. وعلى أية حال، فإذا كنت ترين أنه مقصر أو قاصر من الناحية العلمية أو المسؤولية المنوطة به، فلا حرج عليك في إبلاغ من يستطيع تقويمه، ورده عن هذا التقصير، أو أن تطلبي مشرفا آخر بدله.
ولا ينبغي الإبلاغ عنه إلا بعد اليأس من إفادة كل الطرق الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(9/464)
الهجرة لطلب العلم.. نظرة واقعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الهجرة في طلب العلم في البلاد التي لا يعرف فيها الشخص أي أحد، وهل هناك جمعيات متكفلة بطلاب العلم يعني أنا لدي مال يكفي للرحلة فقط ولا أستطيع تدبر المبيت، فهل تنصحوني بالهجرة أم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
حكم الهجرة في طلب العلم يختلف باختلاف الأشخاص.. والعلم المطلوب، ولا ننصح المسلم بالهجرة من غير ضرورة إلى بلد لم يرتب فيه أموره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم فرض العين واجب على كل مسلم، وكذلك العلم الكفائي إذا تعين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه الطبراني وابن ماجه وصححه الألباني. ولذلك فإن حكم الهجرة في طلب العلم يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والعلم المطلوب..
وبإمكان المسلم أن يطلب ما يجب عليه وما يحتاج له من العلم الشرعي في بلده الذي يعيش فيه، ولا داعي للهجرة والغربة إذا لم تتعين، وخاصة إذا كان الشخص لا يملك من المال والوسائل الأخرى ما يمكنه من الإقامة في المكان الذي يريد الإقامة به، ونظراً لصعوبة هذا الزمن وتغير أحواله فإننا لا ننصح بالسفر والغربة والإقامة في مكان لم يرتب فيه المسلم أموره ويتخذ الإجراءات اللازمة لذلك، فقد يتعرض لأمور وابتلاءات لا يتحملها ... وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يعرض نفسه لما لا يستطيع تحمله من البلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وبخصوص الجمعيات الخيرية في البلد الذي تريد الهجرة إليه فبإمكانك أن تسأل عنها أهل ذلك البلد، لأننا لا نعرف عنها شيئاً، ولا عن ذلك البلد، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية وما أحيل عليه فيها: 14613، 19098، 80659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/465)
ما يفعل المرء إذا وجد في المسألة قولين مختلفين
[السُّؤَالُ]
ـ[تجادلت مع أحد الإخوة في مسألة الخلاف المعتبر حيث إني قلت إنه يجوز حتى وإن كان عندي ميل إلى أحد الرأيين أن أعمل بهما معا باعتبار كلا الرأيين قويا ولديه من الأدلة ما عند الرأي الآخر ولا يمكن لي بفهمي البسيط أن أرجح بحق أيا منهما، وأنا في كلتا الحالتين آخذ بقول علماء معتبرين يفتون بالدليل فعارضني في هذا وقال إنه يتعين علي الالتزام في العمل بأحد القولين واحتج لي بفتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذه المسألة فمن المحق منا في ما ذهبنا إليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ليس المرء مخيرا في العمل بأي القولين إذا اختلفت الفتاوى، وليس له أن يعمل بهما معا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أننا ننصحك بتجنب الجدال، ففي الحديث الذي رواه أبو داود بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ... الحديث.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فإن الشخص إذا اختلف عليه جوابان فإنه ليس له أن يعمل بهما معا، ولا هو مخير بينهما، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً.
ولعل الصواب أن يكون مناط الترجيح تحقيق مقاصد الشرع، ومراعاة حال المكلفين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(9/466)
الترهيب من كتمان العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة مقربة جدا إلي، أتحدث معها عن كل شيء عن حياتي، عن مشاكلي، عن أقاربي وعن دراستي. وهي بالمثل تتحدث معي عن كل شيء. اكتشفت مؤخرا أنها تخفي عني أشياء معينة خاصة بالنسبة إلى الدراسة، أمور قد تفيدني وتساعدني. لذا قلت بنفسي أنا سأعاملها بالمثل سأخفي عنها أمورا قد تفيدها.
ما حكم ذلك في الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في الشرع وعيد شديد في كتمان العلم عمن طلبه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة:159}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. رواه أحمد وأبو داود.
وعليه؛ فإذا طلبت منك صديقتك أن تعرفيها ببعض ما عندك من العلوم الشرعية أو العلوم التي فيها نفع فمن واجبك أن تبذلي ذلك لها وأن لا تكتميه عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(9/467)
كتب نافعة للاقتناء والمطالعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في إرشادي إلى بعض الكتب التي تحتوى على معلومات صحيحة، كتب عن تقويه الإيمان، كتب عن جميع الأحكام الموجودة في القرآن، كتب عن أسباب نزول الآيات في القرآن، كتب عن التوحيد، كتب عن حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بأسلوب سهل وبسيط، كتب في الأخلاق، كتب في العقيدة والمعاملات والفقه لأنني أريد أن أتفقهه في الدين وأن أكون عالما بالعلم الشرعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بتنزيل المكتبة الشاملة في جهاز الحاسوب الذي عندك فستجد فيها هذه الأشياء متوفرة، ومن الكتب المهمة في هذا المجال كتب التفسير وكتب الحديث وكتب الرقائق، وهناك كتب مهمة ننصحك باقتنائها وإكثار المطالعة فيها فمنها رياض الصالحين وتفسير السعدي ومنهاج المسلم للجزائري والملخص الفقهي للدكتور الفوزان ومختصر الفقه الإسلامي للشيخ التويجري والرحيق المختوم للمباركفوري وتفسير الشوكاني ونرجو أن تبحث لك عن رجل من أهل العلم وتسترشد به في طريقة الدراسة والكتب التي تبدأ بها.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
57232، 59868، 59729، 56544، 44674، 66727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1429(9/468)
ترك طلب العلم خشية أن يكون حجة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله ... أكرمني الله بمطالعة العلوم الشرعية من تفسير وعقيدة وفقه وأصول ... لكني أعاني بعض المشاكل في هذا الشأن وهي:
1- أحيانا تأتيني وساوس تقول لم تطلب العلم وتقرأ؟؟؟ فالعلم سيكون حجة عليك لأنك لا تدرِّس ... وماذا لو لم تتح لك فرصة التدريس في المستقبل؟؟ فالسؤال: هل العلم لا يكون حجة علي إلا إذا أوصلته للناس؟
2- في بلدنا لا أجد الكثير من حلقات العلم ... فهل يغني سماع المحاضرات والسلاسل المسجلة عن حلقات العلم هذه؟؟
3- غالبا لا أجد ثمرة ما أسمع أو أقرأ ... فمثلا قرأت فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلم أجد ثمرته على أرض الواقع ... ونسمع عن الأخلاق والاستعداد للموت وغيره، ولكن بلا فائدة ... فأخشى أن يكون حجة عليّ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلوم الشرعية من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، وقد رغب الإسلام في طلب العلم عموماً، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة:11} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم.
وروى ابن ماجه وصححه الألباني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
والذي تفكر فيه من كون العلم سيكون حجة عليك، أو أنك لا تجد ثمرة للعلم في الواقع هو من عمل الشيطان وتلبيسه عليك لتترك ما أنت عليه من خير عظيم. فأعرض عن ذلك واستمر في طلب العلم النافع، واعلم أن ثمرة العلم هو العمل به، والتقرب به إلى الله، وتبليغه بتعليمه والدعوة إلى الله تعالى به، ولا يصدنك توقع عدم إمكانية التدريس عن إتمام تعلمك فالله اعلم بما سيكون ويخلق مالا تعلمون.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ورد هذا السؤال:
يعلم الجميع أن العلم الشرعي مقرون بالعمل، فما رأي الشرع في الشخص الذي يتوقف عن طلب العلم بدعوى تقصيره في العمل، هل هو محق أم يتوجب عليه التعلم حتى ولو كان حاله كما ذكر؛ لعل عمله ينميه علمه؟
فأجابت:
ترك طلب العلم خشية التقصير في العمل خداع من الشيطان ليضل بني آدم، والواجب على المسلم طلب العلم النافع والعمل الصالح، قال صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» . وما عرف التخذيل عن طلب العلم بهذه الحجة الداحضة إلا من قبل الصوفية الضلال، فالواجب عدم الالتفات لهذا التخذيل، والإقبال على طلب العلم النافع.اهـ.
وليس صحيحا أن العلم لا يكون حجة لك إلا إذا أوصلته للناس، بل المطلوب بالعلم إصلاح نفسك أولا وتصحيح عبادتك والتقرب إلى الله بذكره ومعرفة أمره ونهيه وأسمائه وصفاته وغير ذلك مما لا يحصل إلا بالعلم؛ ثم إبلاغه للناس وهو حسب الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
فإن افترض حصول تقصير في البلاغ فلا يكون ذلك بأي حال مسوغا للتقصير في التعلم. والعاقل لا يترك ما نفعه متأكد ويقيني من أجل تقصير متوهم ومظنون. ولا يترك واجبا – كطلب العلم في بعض الحالات - خوفا من الوقوع في ترك غيره من الواجبات أو المستحبات.
وننصحك بقراءة كتاب [تلبيس إبليس] لابن الجوزي؛ فإنه عني بالكتابة في هذا الموضوع، ونرجو أن ينفعك الله بقراءته.
وأما الاكتفاء بسماع الأشرطة في التعلم، فالأولى لطالب العلم أن لا يقتصر على ذلك، إلا إذا تعذر عليه الطلب المباشر، فمما لا شك فيه أن المباشرة أفضل وأتم لكثرة ما يستفيده من شيخه في ما أشكل عليه، وكذلك في اكتسابه الهدي والأدب من مجالسته للعلماء، مما هو مفقود في هذه الوسائل التعليمية.
ولذا كان السلف يعيبون على الصُحُفي، أي: الذي يأخذ العلم من الكتب - ومثلها الأشرطة في زماننا - دون العلماء والمشايخ، ولذا قالوا: من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه. فالأولى لطالب العلم أن يجمع بين الأمرين ليحصل على الكمال والخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(9/469)
الجمع بين سماع الشيوخ وقراءة الشروح
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أولى وأكثر فائدة لطالب العلم:
أن يسمع أشرطة المشايخ وشروحهم لكتب العقيدة وغيرها، أو أن يقرأ الكتب وشروحها المطبوعة.
مثلا: هل الأفضل أن يقرأ شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله للواسطية أو أن يستمع لشرحه في الأشرطة.
أم أن الأمر بحسب حال الطالب؟
علما بأنني مقيم في بلاد الغرب، فلا يمكن طلب العلم على يد الشيوخ مباشرة.
وهلا أحلتموني على برنامج تفصيلي لطالب العلم، يستوعب جميع العلوم الشرعية، ويراعي التدرج في الطلب.
وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأولى أن تجمع بين الأمرين فإن سماع كلام أهل العلم مفيد جدا في تصحيح النطق بنصوص الوحي كما أن الكتاب مهم جدا لكونه مرجعا يبقى عندك لأن الأشرطة معرضة للخلل.
وإذا أمكنك في إجازتك السنوية أن ترحل لملاقاة بعض أهل العلم فهو أفضل، فالرحلة في طلب العلم من هدي السلف قد رغب الشرع فيها كثيرا. وراجع للمزيد في الموضوع وفي برنامج طالب العلم الفتاوى التالية أرقامها: 20215، 56137، 59868، 79605، 99005، 57232، 21753، 28481.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1429(9/470)
كفالة طالب العلم والجمع بين التعلم والتكسب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة العلماء جزاكم الله عنا كل خير في الدنيا والآخرة ... أبلغ من العمر 26عاما، غير متزوج حصلت على مؤهل جامعي, وليس لي دخل ثابت، أعمل يوما بائعا في محل ويوما آخر عاملا في مصنع وهكذا،
أعيش في قريه فقيرة الموارد الماليه والعلمية (شريعة والعلوم الدنيوية) , فقيرة بالأمن على من هم مثلي من الملتزمين بدينهم، فقيرة بأهل الخير من الصالحين والعلماء أولي الحكمة الدالين علي الخير ... فلما كان الأمر على ذلك عزمت على الهجرة إلي بلد آخر أحسن منها حالاً، على أن أعمل في مصنع عملاً شاقا لمدة 8 ساعات لعل الله بعد ذلك أن يرزقني خيراً منه؛ ولكن لم يمض أسبوع حتى أصبت في ظهري من جراء هذا العمل ولم يعد معي مال يكفيني لأن أمكث في هذا البلد حتي أجد عملاً أخف من هذا؛ فعزمت على العودة إلي قريتي، فبينما أنا كذلك عرض علي أحد الإخوان أن يقوم بكفالتي من أكل ومسكن على أن أتفرغ لطلب العلم الشرعي وحفظ كتاب الله؛ فقبلت الأمر فوراً، وبعد انتظامي في الدراسة لمدة شهرين تقريبا بدأت أشعر بأنني عالة على غيري وأني آكل من غير كسب يدي رغم أنني مازلت قادراً على الكسب، بدأت أشعر بالدونية والمذلة كلما ذهبت لأخذ المصروف الشهري، مع العلم بأنه بالكاد يكفي الطعام والسكن.
أشعر بالألم كلما سمعت عالما يتحدث عن قيمة العمل والكسب الحلال، وعن مهانة من يجعل نفسه عالة علي غيره وهو قادر علي الكسب، أنا في حيرة من أمري لا أدري أي الأمرين خير لي وأكرم في الدنيا والآخرة- هل أستمر في طلب العلم والتفرغ له وكفالة هؤلاء الصالحين لي- أم أترك هذا وأطلب العمل مع القليل من العلم، فأرجو من فضيلتكم توجيهي ونصحي وإرشادي؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
واصل طلب العلم ولا تتحرج من إعانة الإخوة الطيبين لك؛ لأن ذلك حق لك عليهم، وإن أمكن الجمع بين التعلم والكسب فهو أولى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بمواصلة تعلم العلم والصبر على تحصيله، ولا تتضايق من الراتب الذي يعطي لك فخذه بعزة نفس فإن إعانة طالب العلم على مواصلة الطلب من أهم المصارف التي ينفق عليها، وعلى أفراد الأمة أن ينفقوا فيها لأن المشتغل بدراسة العلم الشرعي قائم عنهم بفرض من أهم الفروض الكفائية ... وقد ذكر ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية: أنه تلزم على المسلمين كفاية طالب العلم إذا خرج للطلب حتى لو امتنعوا عن كفايته يجبرون كما يجبرون في دين الزكاة إذا امتنعوا عن أدائها.. انتهى.
ويعزى للقصرى المالكي أنه أفتى باستحقاق طلاب العلم على المسلمين كل سنة مبلغاً مالياً قدره بمائة دينار، وقد ذكر ابن عابدين في رد المحتار أن من مصارف بيت المال كفاية العلماء وطلاب العلم المتفرغين للعلم الشرعي. هذا وننبه إلى أنه إن مكنك أن تبرمج برنامجاً تجمع فيه بين التعلم والكسب وتستغني عن الناس فهو أفضل وأقرب لمنهج الأنبياء والصحابة وفي حديث البخاري: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 58722، 94063، 68169، 67249.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(9/471)
كيفية تعلم العقيدة الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أحسب أني ملتزم تخرجت من جامعة الأزهر كلية الزراعة بتفوق ولكن دراستي الشرعية كانت بفكر الأشاعرة وأنا أريد الالتزام بمنهج السلف الصالح فأريد التعليم الديني الصحيح والتعليم الدنيوي أيضا لكي أنفع نفسي وأهلي والمسلمين، ولكن ظروف العمل والأهل لا يساعدوني على ذلك فأنا فى بلدة بها علماء الصوفية ويضطهدون السنة بكل الوسائل فأريد الخروج من بلدتي وأتعلم بأي مكان يدرس العلم الصحيح، فأرشدوني إلى الخير؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك حرصك على سلامة معتقدك وصدق طلبك للعلم الشرعي، ولتصحيح ما درسته من عقيدة الأشاعرة فإننا ننصحك بدراسة عقيدة أهل السنة من خلال أهل العلم الموثوق بهم في بلدك أو ما جاورها. ومن ذلك الاستماع للدروس المسجلة للعلماء المعروفين بسلامة معتقدهم وهم كثير ولله الحمد ومن أحسنهم أسلوباً وشرحاً العلامة محمد العثيمين رحمه الله، كما يمكن أن تلتحق بالجامعة الإسلامية المفتوحة وفرعها الرئيس في القاهرة، فإن لم يمكنك فعليك بالرحلة لذلك، ويمكنك مثلاً السفر للتعلم في المعاهد والجامعات العلمية التي تدرس منهج أهل السنة بمكة أو بالمدينة النبوية ونحوها، فإن لم تفعل أو لم يتيسر لك فعليك اقتناء الكتب المفيدة عند أهل السنة في العقيدة، ولتبدأ بالأسهل منها كالأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وأعلام السنة المنشورة (200 سؤال وجواب في العقيدة) ، ونحو ذلك، ثم المتوسط كالعقيدة الواسطية وكتاب التوحيد، وكتاب الإرشاد لصحيح الاعتقاد للشيخ الفوزان، ومختصر معارج القبول.
ثم الأكبر منها كشرح الطحاوية، وشرح لوامع الأنوار البهية للسفاريني، وشرح الواسطية، والتدمرية، والفتوى الحموية، وشرح كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية وغير ذلك من الكتب.
وقد يختلف الأمر حسب مستواك وتحصيلك فقد يصلح للمتوسط أحياناً دراسة بعض ما ذكرناه في المرحلة الثالثة أو دراسة مختصر له، واختيار الكتاب المناسب يخضع لعوامل أخرى، كوجود الشيخ المتمكن في تدريسه وتوفر نسخه ونحو ذلك، والمهم أن تقوم بدراسة هذه الكتب أو ما تيسر لك منها ولتعلم أنها -اعني عقيدة أهل السنة- أسهل بكثير من أي عقيدة تخالفها، وهذا هو شأن الحق دائماً، كما أنه شأن هذا الدين الموصوف باليسر ورفع الحرج وعدم التكلف والغموض الموجود في غيرها من عقائد.. ثم إن أشكل عليك أمر فنسعد بتواصلك معنا واستفساراتك عما أشكل عليك.
وننبه إلى أن هذه الدراسات غير المباشرة وإن كان فيها خير ونفع إلا أنها لا تغني أبداً عن الدراسة التي تكون على أيدي المشايخ مباشرة، فيكتسب طالب العلم مع العلم الأدب والخشية والزهد في الدنيا والورع والإنابة والإخبات، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولمعرفة التوافق والتخالف بين عقيدة أهل السنة وما قرره الأشاعرة يمكنك الرجوع إلى كتاب الشيخ سفر الحوالي والذي سماه منهج الأشاعرة في العقيدة ... وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1429(9/472)
السؤال عن أحكام الشرع والإجابة ممن عنده علم
[السُّؤَالُ]
ـ[إفتاء الناس فيما يتعلق بالحلال والحرام!؟
في بعض المنتديات أجد كثيريين يسألون عن شيء هل هو حلال أم حرام. وآخرين في مواضيع أخرى يعددون ما هو حلال وما هو حرام؟
فهل هذا صحيح؟ وكيف تكون طريقة النصح لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سؤال الجاهل عما يجهله من أحكام الشرع أمر مرغب فيه شرعا، وعلى من علم الحكم الذي سأل عنه أن يجيبه، ولا يسوغ لمن لا علم عنده في المسألة المسؤول عنها أن يخوض في دين الله بغير علم لئلا يقع في المحظور الذي حرمه الله بقوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}
وقال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النحل:116-117}
وراجع الفتوى رقم: 63350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(9/473)
سبل اغتنام أوقات الفراغ
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي 17 سنة ولقد اهتديت منذ فترة والحمد لله لكن أنا ليس لدي أصدقاء صالحون ومن الصعب إيجادهم فى هذا الزمن فى بلدي, فكيف أقضي وقت الفراغ بدون معصية الله، فهل من أنشطة مفيدة وفى نفس الوقت غير ممله تنصحوني بها أقضي بها وقت الفارغ (بجانب التعبد وقراءة القرآن أو سماع الدروس والشرائط المفيدة) ؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو الحرص على استغلال أوقات الفراغ في أي شيء ينفعك في دينك أو دنياك، والحذر من تضييعها فيما لا يرضي الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بالهداية والالتزام ... ونسأل الله تعالى أن يرزقك الثبات والاستقامة على طريق الحق، وأن ييسر لك الأصدقاء والبيئة الصالحة، ولتعلم أن من الواجب على المسلم أن يحذر من أصدقاء السوء ويبتعد عنهم، ولو أدى به ذلك إلى ترك المدينة أو الحي أو الشارع الذي يسكن فيه، وعليه أن يبحث عن الصحبة والبيئة الصالحة وهم موجودون ولله الحمد ولا يخلو منهم زمان ولا مكان، وما عليك إلا أن تبحث عنهم، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالصحبة والبيئة الصالحة من أهم ما يعين المسلم على الاستقامة على طريق الحق، والمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
وإذا كانت لديك أوقات فراغ فهذه نعمة عظيمة مغبون فيها كثير من الناس، وعليك أن تستغلها في تلاوة القرآن أو المطالعة المفيدة، أو الاستماع إلى الأشرطة، ومشاهدة البرامج النافعة، أو صلة الأرحام، أو الرياضة المباحة ... فإذا لم تستغلها فيما ينفعك في دينك أو دنياك فاحذر أن تضيع منك فيما لا يرضي الله تعالى، وأهم من ذلك كله استشعارك لعظمة الله تعالى ومراقبته للعبد فهي التي تحمل وتعين أساساً على الاستقامة على طريق الحق، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 9163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1429(9/474)
ضوابط الاستدلال ببعض آية، أو ببعض حديث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من يستدل بنصف الآيات القرآنية وبنصف الأحاديث لتفسير أيٍّ ما من واقع الأمة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع في الاستدلال أن يُّقتصَر على بعض الآية أو بعض الحديث، بشرط أن لا يكون في ذلك إخلال بالمعنى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في أن يستدل المرء ببعض آية، أو ببعض حديث إذا لم يكن في شيء من ذلك تغيير لمعنى الآية أو الحديث، وذلك كأن يستدل بقول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ.. {التوبة:32} ، أو قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ. {الرعد:11} . أو يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.. أو قوله صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب ... ونحو هذا، فليس في شيء من هذا من حرج.
وأما لو اقتصر على قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ.... {الرعد11:} ، أو في قول النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ... لو اقتصر من هذا على قوله صلى الله عليه وسلم: والله ما جمعتكم ... لكان هذا مخلا بالمعنى وبالتالي فإنه لا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(9/475)
تعلم السنة ينير درب التأسي بالنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتدا بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد دونت منذ العصور الأولى، وقد أصبح الآن من اليسير الوصول إليها أكثر من أي وقت مضى وذلك بسبب تيسر الوسائل الحديثة كالانترنت وغيره، ولكن ههنا أمر مهم وهو أنه ينبغي أن يحرص المسلم على أن يتعلم هذه السنة ويدرس معانيها على يد شيخ ينير له الطريق ويدله على الفهم السليم ليتمكن من أن يعبد الله تعالى على بصيرة.
ولا شك أن العلم ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة إلى العمل، فينبغي للمسلم أن يعمل بما علم قدر وسعه وطاقته ليحقق التأسي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالا لقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ. {الأحزاب:21} وامتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وينبغي للمسلم تحصيل كل ما يعينه في سبيل الاستقامة على دينه والثبات عليه كالرفقة الصالحة وغير ذلك، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى: 70956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1429(9/476)
وسائل تحصيل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في التجارة وبيع الألبسة النسائية، فكيف يمكنني تعلم ما هو الحلال والحرام في التجارة والبيع وكل ما يتعلق بالتجارة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكنك تعلم ذلك بالصبر والمثابرة على طلب العلم وسؤال العلماء والجلوس إليهم وسماع المحاضرات والدورات العلمية المسجلة على الأشرطة وغيرها ونحو ذلك من طرق التعليم المختلفة، لكن لا بد من نية صادقة في ذلك وصبر على المشاق والصعاب التي تواجهك في ذلك الطريق، ولا يفوتك إخلاص النية وابتغاء الأجر والدعاء بالتوفيق وتسهيل الأمر.
وللمزيد انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21753، 34431، 64258، 66516.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(9/477)
تراعى المصلحة في محاسبة الطلاب على أجوبتهم الخاطئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة قرآن في مدرسة ثانوية وعند تصحيح الإجابات أثناء الاختبارات أجد أخطاء الطالبات في كتابة الآيات فظيعة وكثيرة وبدون حركات وتشكيل للكلمات، فما هو الحكم هل أحاسبهن على ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمدرس والمدرسة مربيان وراعيان ومسؤولان عن رعيتهما وما ائتمنا عليه واسترعيا فيه، فلا يظلمان الطالب ولا يحابيانه محاباة تضره وتؤثر على مستقبله، ويوجهانه إلى ما ينفعه، ويسلكان في ذلك السبيل ما يكون مناسبا من ترغيب أو ترهيب.
وبناء عليه.. فيجب عليك مراعاة المصلحة في ذلك من محاسبة الطلبة على تلك الأخطاء ليعالجوها فيما بعد ويحذروا من الوقوع فيها أو التغاضي عنها مع تحذيرهم منها وأنهم سيحاسبون عليها فيما بعد، فالأمر هنا متوقف على المصلحة وما يرجى نفعه من ذلك للطلبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(9/478)
استئذان الوالدين للرحلة في طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في رجل يريد السفر إلى بنغلادش لطلب العلم مع العلم أنه في بلادنا تغلق المساجد بعد الصلاة وليس هناك مجالس علم إلا خطبة الجمعة أو مجلس قبل خطبة الجمعة أو يجتمع مجموعة من الرجال في منزل أحد منهم للتعلم -السفر إلى بنغلادش لا يكون مباشرة عبر الطائرة بل يتم السفر من بلد إلى بلد براً لأن هذا النوع من الأسفار ممنوعة في بلادنا- والداه ليسا راضيين بهذا السفر، فهل سيعرض نفسه للخطر بالسفر من بلد إلى بلد وسيغيب أشهراً عن زوجته وابنته وهل يكتفي بحضور المجالس التي تقام في المنازل ومتابعة برامج الشيوخ على التلفزيون مع الحرص على تحسين معاملاته وأخلاقه وبر والديه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السفر لطلب العلم مرغب فيه شرعاً، وقد كثر في كلام المحدثين وحياتهم الدراسية الاهتمام بالرحلة في طلب العلم، ولكن من كان له والدان يمنعانه من الرحلة فإنه ينظر في مدى حاجتهما لخدمته، فإن كانا مستغنين عن خدمته فينظر في مستوى الحاجة للعلم الذي يرحل له ومدى فقد من يدرسه ببلده، فإن كان متعيناً شرع له السفر بدون إذنهما، وإن كان كفائياً فلا يسافر إلا بإذنهما، كما قال الناظم في حكم طاعة الوالدين في ترك السفر للتعلم:
لا تعص والديك فهما منعا * من الخروج للكفائى فاسمعا
واعصهما في فرض عينك إذا * لم يك في البلد من يعرف ذا
وأما عن حق الزوجة والعيال فإنه ينبغي له استسماح زوجته وترك النفقة لها، وأن يحاول الرجوع لها فترة بعد فترة أو يسافر بها معها إن تيسر، فإن لم يتيسر هذا وكان السفر عن الوالدين لا يمكن فعليه أن يستفيد من الدروس العلمية الموجودة في الإنترنت فبدخوله على موقع سلطان سيجد مواقع إسلامية تحوي كثيراً من الدروس النافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/479)
البرنامج الذي يجعله طالب العلم لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أدرس في الجامعة مشكلتي: أني لا أعرف كيف ألجم نفسي وأحكمها. فمثلا أكون قد برمجت لنفسي برنامج الأسبوع لأقوم بتطبيقه. إلا أني أكاد لا أنفذ منه شيئا مع العلم أني أراعي في كتابتي للبرنامج الأسبوعي كافه النشاطات التي أقوم بها وأخطط له جيدا وأراعي كافه التفاصيل الدقيقه مثلا أنا اخصص وقتا للوضوء للصلاه في أوقاتها.للماسنجر. لمشاهده التلفاز لرؤية الأصحاب وللدراسه وللوظائف وغيرها بأدق تفاصيلها وحتى أكاد أكون متيقنة اني سوف أنفذه بحذافيره لكني مرة تلو المرة لا أنفذه. لقد سئمت من نفسي التي لا أعلم ماذا تريد؟
أنا أريد أن ألتزم بما أخطط له وهي تضرب به بعرض الحائط أعود فأقول إن هذه المرة سوف أنفذ كل شيء لكن عبثا. ماذا أفعل وأنا لا أريد أن أفشل في امتحاناتي التي بدأت أجل الدراسة لها، كيف أجبر نفسي على طاعتي وأنجح في ترويضها وأنجح في دراستي ان شاء الله تعالى.
بارك الله فيكم ... وجزاكم كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعينك على تحقيق برامجك، والذي نوصيك به أولا هو تقوى الله تعالى، والمحافظة على فرائضه والابتعاد عن نواهيه، فقد قال سبحانه وتعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا. {الطلاق: 2} . وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4} .
وعليك أن تتفرغي –بعد أداء جميع الواجبات الشرعية- لمهمتك الأساسية في هذه الفترة وهي الدراسة، ولا تضيعي وقتك في الأشياء الجانبية الأخرى.
وعليك كذلك أن تكثري من الدعاء، وخاصة في أوقات الإجابة، وقت السحر ودبر الصلوات، فقد قال الله عز وجل: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ. {النمل: 62} .
ومن الأدعية المأثورة التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها في صباحه ومسائه: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من الناس.
ومنها: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وليس من الضروري أن تجعلي في البرنامج ما ذكرته من التفاصيل الدقيقه كتخصيص وقت للماسنجر ولمشاهده التلفاز، ولرؤية الأصحاب ونحو ذلك ... بل الذي يجعل له برنامج هو الأمور الأساسية، وما سواها يكون في أوقات الراحة والفراغ.
كما نلفت الانتباه إلى أنه ليس من الجائز للبنت أن تخصص من وقتها جزءا للرجال الأجانب، فما خصصته من الوقت لرؤية الأصحاب يعتبر خطأ إذا كنت تقصدين الأولاد الذكور.
كما أن الذي تجوز مشاهدته في التلفاز هو النشرات والبرامج الدينية أو الثقافية التي لا تشتمل على محرمات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(9/480)
أهم ما يبدأ به طالب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل لطالب العلم الشرعي أن يبدأ بحفظ القرآن وفهم معاني كلماته وشرح مبسط لأحكام التجويد حتى يتم حفظ القرآن، ثم يبدأ بمطالعة باقي العلوم أم يبدأ بالقرآن وبعض الكتب المبسطة في علوم الشريعة الأخرى، أي هل يفرغ نفسه تماماً لحفظ القرآن فقط في البداية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن أفضل ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم هو كتاب الله تعالى حفظاً وتجويداً وتفسيراً ... روى البخاري عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. والقرآن هو أساس العلوم والجامع لأصولها، ولكن للعلماء تفصيلاً حسناً في هذا المجال حيث يرون البدء بالقرآن للصبي قبل بلوغ سن التكليف، وبالعلوم العينية بالنسبة للبالغ.
جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل (في طلب العلم وما يبدأ به منه وما هو فريضة منه، وفضل أهله) قال الميموني: سألت أبا عبد الله أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا؛ بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه، ثم قال لي: إذا قرأ أولاً تعود القراءة ثم لزمها. وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زمننا هذا. وسيأتي قريباً قول ابن المبارك: إن العلم يقدم على نفل القرآن وهذا متعين إذا كان مكلفاً، لأنه فرض فيقدم على النفل. وكلام أحمد -والله أعلم- إنما هو في الصغير كما هو ظاهر السياق، والذي سأل ابن المبارك كان رجلاً فلا تعارض، وأما الصغير فيقدم حفظ القرآن لما ذكره أحمد في المعنى، ولأنه عبادة يمكن إدراكها والفراغ منها في الصغر غالباً، والعلم عبادة العمر لا يفرغ منه، فيجمع بينهما حسب الإمكان، وهذا واضح. وقد يحتمل أن يكون العلم أولى لمسيس الحاجة إليه لصعوبته وقلة من يعتني به بخلاف القرآن ولهذا يقصر في العلم من يجب عليه طلبه، ولا يقصر في حفظ القرآن حتى يشتغل بحفظه من يجب عليه الاشتغال في العلم كما هو معلوم في العرف والعادة. انتهى.
فمن هذا يتبين لك أن الأفضل لطالب العلم الشرعي الذي لم يصل إلى البلوغ هو أن يفرغ نفسه تماماً للقرآن وعلومه في البداية، ثم ينتقل إلى العلوم الشرعية الأخرى، وأما البالغ فإنه بعد الفاتحة وما تصح به الصلاة من القرآن يبدأ بالعلوم التي تتوقف عليها صحة عبادته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1428(9/481)
سبيل دراسة العلوم الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أريد أن أتعارف مع شباب طيبين وصالحين ويدرسون علوم الدين (17سنة) وأعرف أن موقعكم هو يتخصص للفتاوى ولكن هل يمكنكم أن تعرفوني على شاب يحب الدين ويدرسه فقط لأني أريد أن أتعلم معه الدين والحضارة الإسلامية رغم أني أرغب أن أتعلم العلوم الدينية والفقهية ولكن أرى أنه فاتني الأوان لدراسة علوم الإسلام رغم أني مازلت في الثانوية وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فموقعنا إنما يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنيا بالتعارف بين الشباب أو غيرهم.
ونلفت انتباهك إلى من يريد تعلم الدين والحضارة الإسلامية، أو العلوم الدينية والفقهية أو غير ذلك من العلوم فليس يلزم أن يتعرف على الشبان، وإنما يكفيه أن يتوجه إلى المعاهد والمدارس الإسلامية فيسجل فيها، أو يبحث عن شيخ متخصص في تلك المجالات فيدرس عنده بصفة حرة، أو غير ذلك من الطرق الكثيرة ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1428(9/482)
التحذير من علم الكلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أود اسم أفضل كتاب ألف في علم الكلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالاشتغال بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطالعة كتب السلف التي تتحدث عن الإيمانيات والعقائد.
وأما علم الكلام فقد حذر منه ومن أهله السلف قديما، ومن ذلك قول الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يطاف بهم على العشائر ويضربوا بالجريد والنعال ويقال هذا جزاء من ترك كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وراجع كتاب السيوطي إلجام العوام عن علم الكلام، وراجع في بيان المراجع المهمة في الاعتقاد الفتاوى التالية أرقامها: 51404، 41763، 16542، 64272.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(9/483)
طريقة مدارسة السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتدارس السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمدارسة السنة تكون بمدارسة كتبها تعلما وتعليما، فيقرأ الطالب على شيخ كتابا من كتب السنة كالصحيحين والسنن الأربعة وغيرها من دواوين السنة، ويبين له الشيخ ما في أحاديثها من المعاني والفقه والأحكام ثم يتعاهد تلك الدراسة بالمراجعة والحفظ والعمل، والرفقة الصالحة في طلب العلم مهمة فليتخير الطالب من زملائه الطلاب من عليه علامات الجد والمثابرة فيتخذه رفيقا في الطلب ليكون معينا له على المدارسة، ومما يرسخ تلك المدارسة ويجعلها تؤتي ثمارها هو العمل بمقتضى ما في السنة من أحكام وتطبيق ما فيها سلوك ومعاملة والدعوة إلى ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/484)
دراسة رواية أولاد حارتنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي معلم للعربية يريد أن يدرسنا كتابا منع جامع الأزهر طبعه ونشره في الدول العربية فهل نقبل أم نرفض وهو لنجيب محفوظ واسمه أولاد حارتنا، وهنالك أيضا كتاب ثان نقرؤه الآن وهو لنفس المؤلف واسمه حكايات حارتنا، فهل هذا الكتاب أيضا جيد أم لا رغم أني أرى أنه يسىء إلى الثقافة والحضارة الإسلامية؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكتاب يحتوي على كثير من الضلالات والشركيات والفساد، فإن كانت المدرسة تفرض عليكم دراسته فعليكم بالعدول عنها لمدرسة أخرى لا تفرض دراسة الضلال أو تتعلمون أنتم العربية بوسيلة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/485)
حكم المفرط في تعلم أمور دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام على من لا يعرف الأحكام المهمة في الإسلام والأحكام اللازمة للعبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن الواجب على المسلم أن يتعلم من أمور الدين ما تصح به عقيدته وعبادته ومعاملته، وأنه إن لم يفعل أثم بتقصيره وتفريطه، ويجب عليه هذا وجوباً عينياً، روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. فالمسلم المفرط في تعليم ما يجب عليه تعلمه من أمور دينه يعتبر مسلماً عاصياً. وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 56544، والفتوى رقم: 71727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(9/486)
طالب العلم يحرص على الاستفادة من العلماء قدر الاستطاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يستطيع طالب العلم أن يقرأ ويدرس كتبا متنوعة في مجالات الشريعة لوحده دون من يشرح له ذلك أي متى يكون مؤهلا للتعلم لوحده دون معلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ليست هناك مرحلة محددة للاستفادة من الكتب العلمية، ولا مرحلة محددة للاستغناء عن الرجوع للشيوخ لإيضاح المشكل والتوفيق بين الأدلة المتعارضة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طالب العلم يستحسن له الحرص على الاستفادة من الشيوخ قدر الاستطاعة نظراً للحاجة إلى الشيخ في تصحيح الألفاظ وإيضاح المعاني، وليس هناك مرحلة معينة من الطلب تخول لصاحبها الاستغناء عن الشيوخ. ولم يزل علماء السلف يحرصون على الشيوخ ولقائهم للمزيد من علمهم وأدبهم، كما أنه لا توجد درجة من الجهل تمنع من يستطيع المطالعة من النظر والمطالعة.
فالمبتدئ المستطيع للمطالعة يمكن أن يستفيد من كتب التفسير والحديث والفقه -التي تناسب مستواه- كثيراً من الفوائد، وقد تبقى عليه غوامض يحتاج فيها لمراجعة الشيوخ، ومن حاز نصيباً وافراً من العلم قد يحتاج كذلك لمن يحل له بعض الإشكالات الغامضة ويساعده في التوفيق بين الأدلة المتعارضة، وفوق كل ذي علم عليم، وراجع ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72767، 76911، 44550، 7677.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1428(9/487)
الوسائل المرئية والمسموعة لا تصنع عالما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع الإنسان أن يتعلم من الموسوعات العلمية والسيديهات وأن يصبح عالما دون أن يصاحب عالما وإنما يسمع دروسا للعلماء بشكل مستمر من التلفاز والوسائل الحديثة، أرجو أن تكون الصورة واضحة
وأريد أن تذكروا لي أسماء العلماء السلفيين المشهود لهم بالعلم والتقى في البلاد العربية وأخص صنعاء لأنني أريد السفر إليها بإذن الله والدراسة بها.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الوسائل المذكورة لها فوائد عظيمة ويمكن لطالب العلم أن يتعلم منها الكثير دون أن تغني عن المشافهة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن بإمكان طالب العلم أن يستفيد من الوسائل المرئية والمقروءة والمسموعة ومن غيرها في التحصيل، وقد تفيد بعض الطلبة أكثر من غيرها وتفتح لهم آفاقا واسعة في العلم والمعرفة.. ومع ذلك فلا نرى أنها تفي بالمطلوب أو تخرج عالما دون مشافهة الشيوخ وطلبة العلم والأخذ منهم ومناقشتهم.. فهذه الطريقة تظل من أهم وسائل طلب العلم وتثبيت المعلومات وترسيخها في الذهن.
ولذلك نوصي السائل الكريم بتقوى الله تعالى واستخدام الوسائل المذكورة ومجالسة أهل العلم وطلبته ومناقشتهم وعدم الاكتفاء بوسائل الإعلام.
فقديما قالوا: لا تأخذ القرآن من مصحفي (الذي يعتمد على المصحف) ولا العلم من صحفي (الذي أخذ علمه من الصحف) ولم يجالس أهل العلم ويناقشهم..
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتويين: 53908، 72767، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(9/488)
نقل إجابات الامتحانات من الغير من الغش
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألت عن حكم نقل الامتحانات البيتية أو الواجبات البيتية وعرفت الإجابة ولكنني أعاني من مشكلة أراها صعبة ومحرجة, فأنا طالبة جامعية متفوقة إلى حد ما والحمد لله ولكنني في بعض الأحيان أرى أن هذا التفوق ينقلب نقمة علي, فكلما طلب منا الدكتور واجبا أو أعطانا امتحانا بيتيا جاءت زميلاتي في يوم تسليمه لنقل الأجوبة, حاولت قدر الإمكان التأخر في المجيء حاولت بعدة مبررات ألا أعطيهن لينقلن ولكن دون جدوى, تساءلت عدة مرات هل ما أفعله صواب؟ هل في هذه المحاولات احتكار للعلم.؟ ولكن أجبت نفسي: أنا أسهر وأتعب وأدرس وهن ينقلن فقط أليس في هذا ظلم؟ لو أنهن يسألنني عن سؤال لم يفهمنه لأجبتهن بصدر رحب ولكنني عندما يطلبن الواجب أعطيهن اياه دون تردد مع أنني كارهة لذلك فهل أنا منافقة؟
أرجوكم ساعدوني ماذا أفعل؟؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
نقل زميلاتك إجابة الامتحان منك أو من غيرك يعتبر غشا لا يجوز.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تنصحي زميلاتك بطريقة ودية وتخبريهن أن ما يفعلن من نقل إجابة أسئلة الامتحان من زميلاتهن دون بحث ودراسة وبذل جهد يعتبر غشا لا يجوز لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم وغيره.
ولذلك فإن عليك أن تمنعي نقل الإجابة المباشرة فإن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عز وجل عنه في محكم كتابه فقال: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
وينبغي لك أن تساعديهم بما استطعت من المراجعة وشرح ما أشكل عليهن وغير ذلك فهذا من التعاون على البر والتقوى المأمور به شرعا، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.. {المائدة: 2} .
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
وللمزيد انظري الفتاوى: 66275، 10150، 2937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1428(9/489)
ما ينبغي أن يكون عليه معلم القرآن من الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد التحية أستحلفكم بالله الإجابة عن هذا السؤال للأهمية القصوى وذلك بما يخص معلمة في مسجد فهي مستغلة مكانها في بيت الله واكتشفنا أنها تتعامل مع تلميذاتها داخل المسجد بما يقوم به الزوج عفوا القصد هنا من لمس يدين ونظرات يعني عشق محرم نسأل الله العافية، وأنها تقوم بعمليات نصب واستغلال اسم الدين تدعي أنها تتصدق أي تقوم باختلاس مع العلم أنها اختلست مبلغ زكاة وطردت من مسجد سابقا فأحسنا الظن بها ولم نبح باختلاسها بعد ذلك اختلست من تلميذتها 20 ألف جنيه وهي لازالت تقوم بالتدريس وحاولنا إخراجها من بيت الله دون جدوى، فما واجبنا نحو شرع الله هل نخرج نحن التلميذات ونترك المكان أم ماذا؟ علما بأنها لم تقم بالخضوع لامتحان للأحكام وتلاوتها غير صحيحة، وبسبب الواسطة والمحسوبية لازالت في المسجد وتحارب بلسانها وقوتها كل من يقف أمامها.
أفيدونا بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا، وبالأخص أن بيت الله تنتهك محارمه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التعليم من أشرف المهام وأعظم القربات إلى الله تعالى، وخاصة إذا كان تعليم القرآن الكريم وما يتعلق به وفي بيت من بيوت الله تعالى، فلا يتولاه إلا من كان صالحا له قائما به، قدوة للطلاب في الأخلاق والمعاملات والعفاف والنزاهة واتباع السنة المطهرة..
فإذا كانت هذه المعلمة بما ذكرت من أو صاف فإن عليكم أن تسعوا لإبعادها عن هذا المنصب بكل وسيلة ممكنه فإنها خطر على بنات المسلمين، فإذا لم تستجب لكم فإن عليكم إبلاغ الجهات الرسمية المسؤولة، فإن ما تقوم به من منكرات وتفعله من اختلاس.. منكر يجب تغييره حسب الاستطاعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ولا ننصح بخروج التلميذات وترك أماكن الدراسة، بل ننصح بمواصلة الدراسة وبإخراج هذه المرأة إن أمكن واستبدالها بغيرها ممن يفيد ولا يضر، اللهم إلا إذا تعذر إخراجها وخشي منها على بنات المسلمين فلا حرج حينئذ في نقلهن إلى مكان آخر إلى أن يتم التخلص منها.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتويين: 30764، 73615.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1428(9/490)
المفهوم الصحيح لعبارة: الأجر على قدر المشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[فى تاريخ علماء المسلمين والمحدثين ما يحكى عن أن كثيراً منهم عندما يخرج لطلب العلم كان يمشي ولا يركب وإذا عرض عليه الناس أن يركب معهم إكراماً له يرفض ويقول ما كان لي أن أركب وأنا أطلب حديث رسول الله, كذلك في الحديث أن رجلا كان أبعد الناس عن المسجد ولما طالبه الناس أن يتخذ دابة تعينه رفض منتظرا الثواب من الله ثم أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله جمع له ما يتمنى من الثواب، والسؤال هو: لماذا يرفض العلماء أن يركبوا أو هذا الصحابى، أليس فى ذلك أخذاً لأسباب الله التي يسرها لنا، ثم ثانياً: أليس فى ذلك تيسيرا أكثر فى الوقت ومن ثم يتسنى وقت آخر لأمور أخرى يتقربون بها إلى الله أو ينفعون بها الناس، وثالثا: أليس فى ذلك راحة الجسد وذلك فيما ليس فيه حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت عدة أحاديث في بيان أن المشي إلى بعض العبادات أفضل من الركوب إليها، فمن ذلك المشي إلى صلاة الجماعة كما في الحديث الذي أشار إليه السائل وهو في صحيح مسلم عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله.
فهذا الصحابي كان مستقراً عنده أن مشيه إلى المسجد أعظم لأجره من ركوبه إليه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة الجمعة لما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن أوس بن أوس الثقفي، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
ومن ذلك أيضاً المشي إلى صلاة العيد، فقد روى الترمذي عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً. وقال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.
ومن ذلك المشي عند تشييع الجنازة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 24279.
فيدل ذلك كله على استحباب المشي إلى العبادات والقربات وأن ذلك أفضل من الركوب، ولكن ذلك مقيد بما إذا لم يشق المشي مشقة ظاهرة ويضعف ويقعد عما هو أولى منه وأفضل، أو يكون مفوتاً لما هو أحب إلى الله، فإن الله تعالى لا يحب أن يترك الأحب إليه بفعل ما هو دونه، ولذا جاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ويشبه أن يكون الركوب أفضل لمن يجهده المشي لهرم أو ضعف أو بعد منزله بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والحضور في الصلاة عاجلاً.
ويتأيد ذلك بأنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم حج من المدينة راكباً ولم يمش إذ إن المشي هذه المسافة الطويلة مظنة التعب والإجهاد الزائد الذي يمنع مما هو أولى منه، وفي حديث عقبة بن عامر: أن أخته نذرت أن تحج ماشية فسأل عقبة عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرها فلتركب فظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يفهم عنه فلما خلا من كان عنده عاد فسأله، فقال: مرها فلتركب فإن الله عز وجل عن تعذيب أختك نفسها لغني. رواه أحمد.
وبهذا يظهر جواب ما استشكله السائل من كون الركوب أولى أخذاً بالأسباب التي يسرها الله لنا وحتى يتم إنجاز واستثمار أكثر للوقت مع إراحة البدن فإن محل أفضلية المشي هو إذا لم يشق مشقة كبيرة أو يمنع مما هو أفضل وأحب إلى الله تعالى، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته ... إلى أن قال: هذا في كل عبادة لا تقصد لذاتها مثل الجوع والسهر والمشي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1428(9/491)
أفضل طريقة لتعلم الفقه وأبرز فقهاء الشافعية المعاصرين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أفضل طريقة لتعلم الفقه الشافعي، وحالياً من هم أبرز فقهاء الشافعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأفضل الطرق لتعلم الفقه الشافعي وغيره من العلوم الشرعية هي:
1- حسن النية والقصد من تعلمه وهو رفع الجهل، والعمل بالشرع، وتعليم الناس الخير وما إلى ذلك من المقاصد الحسنة، لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.. متفق عليه. وقال الشاعر: والنية اجعل لوجه الله خالصة * إن البناء بغير الأصل لم يقم.
2- البحث عن شيخ عارف بهذا العلم فهو خير معين للحصول عليه، فالعلماء مفاتيح العلوم، والعلم كما قيل بين اثنين، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.
3- مطالعة الكتب المصنفة فيه وإدامة النظر فيها وهي طريقة تأتي بعد التي قبلها، ولذلك قال الشاطبي رحمه الله: وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان:
أحدهما: المشافهة وهي أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين: الأول: خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم يشهدها كل من زاول العلم والعلماء، فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة وحصل له العلم بها بالحضرة، وهذا الفهم يحصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال وإيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال وقد يحصل بأمر غير معتاد، ولكن بأمر يهبه الله لمتعلم! عند مثوله بين يدي المعلم ظاهر الفقر بادي الحاجة إلى ما يلقى إليه وهذا ليس ينكر ...
الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين: الأول: أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه وهو معنى قول من قال: كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال، والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئاً دون فتح العلماء وهو مشاهد معتاد.
4- التدرج في الدراسة وذلك بالبدء بصغار المتون قبل كبارها ثم بكبارها ثم بشروحها ثم حواشيها، قال الإمام الماوردي في أدب الدنيا والدين: واعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها. فليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، وبمداخلها لتفضي إلى حقائقها، ولا يطلب الآخر قبل الأول، ولا الحقيقة قبل المدخل، فلا يدرك الآخر ولا يعرف الحقيقة، لأن البناء على غير أس لا يبنى، والثمر من غير غرس لا يجنى.
5- الجد والاجتهاد والمثابرة على الحفظ والمراجعة ولقاء العلماء والأقران ومذاكرتهم وقد قيل (لقاء الفحول ينقح العقول) .
6- العمل بالعلم فإن من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم قال تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله. وقال الثوري: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. قال الشاطبي رحمه الله: وهذا تفسير معنى كون العلم هو الذي يلجئ إلى العمل. وقال الشعبي: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به ومثله عن وكيع بن الجراح.
وأما أبرز مشايخ الشافعية في هذا العصر فهم كثر ولله الحمد، ومنهم:
1- الشيخ الدكتور محمد حسن هيتو وهو يقيم بالكويت فترة وبألمانيا فترة أخرى.
2- الشيخ الدكتور مصطفى البغا ويقيم بدمشق.
3- الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي ويقيم بدمشق.
4- الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي مصر.
5- الشيخ عماد عفة بمصر.
6- الشيخ محمد داود البطاح مفتي زبيد في اليمن.
7- الشيخ سالم الشاطري في تريم في اليمن.
8- الشيخ عمر بن حامد الجيلاني في مكة المكرمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1428(9/492)
الوسائل الحديثة لا تبلغ في نفعها تلقي العلم على أيدي المشايخ مباشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في أخذ العلم وطلب العلم الشرعي من التلفاز أو التسجيلات أو الأجهزة الحديثة علماً أن الشخص يتحرى لمن يسمع وهل الالتزام عند شيخ أفضل، نرجو التوضيح وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن استماع دروس العلم والمحاضرات عبر التلفاز أو التسجيلات ونحوها خير عظيم، وكثير من الناس استفاد وأفاد من هذه الوسائل الحديثة، ولكنها مع ذلك لا تبلغ في نفعها تلقي العلم على أيدي المشايخ مباشرة والجلوس على الركب في حلقهم وذلك لعدة أسباب ذكرناها في الفتوى رقم: 7677، وانظر للفائدة أيضا الفتوى رقم: 14961.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الثانية 1428(9/493)
الاشتغال بكتاب الله والنظر في كتب السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحقيقة سؤالي يتضمن عدة محاور، أرجو منكم الرد على جميع هذه المحاور ولو أن الرد كان على أكثر من إيميل، بفضل الله رب العالمين التزمت في عبادتي منذ عام ونصف وبحمد الله أشعر بأن الله عز وجل يرشدني دائما إلى طرق الهداية، واستدللت على ذلك بمقارنة حالي قبل وبعد الالتزام، فمثلا لم أكن أعرف أحدا من الدعاة والمشايخ كي اسمع منهم وأستفيد منهم، والآن أصبح التلفاز والكمبيوتر وسيلة دعوة، لا أسمع إلا الدعاة أو المشايخ ودروس العلم ومتابعة البرامج الدينية بعد أن كنت أسمع الأغاني وما شابه، وإحدى الدلالات أيضا كلما يعجز علي فهم أي قضية في الإسلام والله ثم والله لا إله إلا هو ما أن أفتح التلفاز أو أحضر خطبة الجمعة وأشعر بأن الكلام موجه لي، فأشعر بقمة السعادة وخصوصا حصلت ولازالت تحصل معي كثيراً، وارتقى بي الحال إلا أن أصبحت وبفضل الله ملتزما في صيام كل اثنين وخميس، والأيام البيض من كل شهر، ويا مشايخي الأعزاء ارتقى بي الحال إلا أن أصبحت دائم القراءة لكتاب الله عز وجل بمعدل 10-20 صفحة في اليوم، فهي آخذة في الازدياد بفضل الله، فأقبلت على القراءة وأخذ العلم بنهم شديد، وعندي طاقة أشعر بأني يجب أن أوجهها في الطريق السليم، فأريد أن أكون مفكرا ومؤلفا إسلاميا بالإضافة إلى عملي كمهندس اتصالات، فقررت بأن أبدأ بحفظ القرآن وفهمه معا من خلال سلسلة خواطر الشيخ الشعراوي في تفسير القرآن الكريم، في سنة ونصف بإذن الله سوف أكون قد حفظت القرآن وأدركت شيئاً من القرآن ولدي القدرة على أن أنطلق، فالمحور الأول في سؤالي هل من الممكن بأن يجمع الرجل بأن يكون مفكراً إسلاميا ومؤلفا بالإضافة إلى كوني مهندس اتصالات بالرغم من أنه لم يدرس الشريعة الإسلامية في الجامعات، وهل أبدأ في حفظ القرآن وتعلم تفسيره من الشعراوي، أم هناك علوم أخرى يجب أن أدرسها كي أتبحر في القرآن الكريم والإبحار في معجزاته كاللغة العربية مثلاً أو علوم التفسير، ومارأيكم وخصوصا كما ذكرت عندي نهم شديد في الإقبال على العلوم الإسلامية، ولكني درست هندسة اتصالات ولم أدرس شيئا عن الإسلام في الجامعات، فبماذا تنصحوني جزاكم الله خيراً؟
وأما المحور الثاني بارك الله فيكم يتضمن أن زميلي في العمل مسيحي، تصدف أحيانا يحدث نقاشا يخص الديانات وحول سيدنا عيسى وبعض المرات يصدف أن يحاول أن يشكك في القرآن الكريم، ولكنني يا شيوخنا الأفاضل أشعر بالذنب كثيراً لكوني لا أعرف أن أرد عليه، والله يا شيوخنا الأفاضل أشعر بالتقصير الكبير تجاه هذه القضية، وخصوصا أن الموضوع هذا يحتاج إلى مختصين كي يردوا عليه، وغالبا ما أنهي النقاش بأن أقول له هذه القضية لا أقدر أن أعطيك رأيي لأنها تحتاج إلى مختصين، ولكن عندها أكون أتعذب داخليا وأشعر بأني مذنب ذنبا عظيما تجاه هذه القضية، خطر في بالي أن أدرس ديانتهم والتعمق في باب الرد على المسيحية، ولكن هل أضيع وقتي في دراسة المسيحية أم دراسة القرآن الكريم وتدبر معانيه، فماذا أفعل بشأن هذا المسيحي، هل أنا مقصر تجاه هذا الباب أم ماذا، أرشدوني؟ جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم ونفع بكم الأمة الإسلامية، وآسف على الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بما أكرمك الله به من الهدى والالتزام والاشتغال بالعبادة، ونوصيك بشكر الله على أنعمه كلها، كما نوصيك بصرف طاقتك في الاشتغال بكتاب الله وتدبره والنظر في كتب السنة، واحرص على الاستفادة من كتب التفسير التي تفكك معاني الكلمات القرآنية كتفسير الجلالين، واستفد كذلك من العلوم المساعدة على فهمه كعلم اللغة والأصول، فطالع من كتب علوم القرآن وكتب اللغة ما يساعدك في فهم القرآن، واعلم أن كل مسلم يتعين عليه الاشتغال بالقرآن، والدعوة إلى الله تعالى بحسب ما يتيسر له من محاضرات أو تآليف أو غير ذلك، ولا يضره إذ كان تخصصه هندسة أو غيرها، فكم من علماء السلف كان عالماً بالشرع وكانت وظيفته الكسبية خارج إطار دراسته الشرعية، وكم من صاحب كسب اشتغل بدراسة الشرع بعد أن كبر وصار له أولاد.
وأما محاورة المسيحي فنرجو منك أن تؤخرها حتى تتسلح بالعلم الشرعي فإن الرد على الشبه يحتاج لمن وقف على أرضية ثابتة، وأما من ليس عنده علم كاف فيخاف عليه أن تنطلي عليه شبه أهل الزيغ، ويمكنك أن تحيل المسيحي إلى بعض الجهات التي تعنى بالرد على المسيحيين، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على بعض تلك الجهات وللمزيد فيما ذكرنا: 74500، 66840، 47095، 61499، 76558.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(9/494)
طلب العلم وترك انتقاد الدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد كتبت أسئلة كثيرة منذ مدة لا أستطيع تكرارها ولكن تأخر الرد وأيضا كان عندي بعض المشاكل فأرجو إن كان بالإمكان إرسالها لي مجتمعة على الايميل مأجورين ولكن أنا أسأل الآن سؤالا وهو من ضمن الأسئلة ولكني أعتقد أنه الأهم وهو يتعلق ببعض المشايخ المخالفين كما يطلق عليهم وأريد أن أسال إن كان الأمر مهما إلى تلك الدرجة فما المانع من ذكرهم لنا حتى نحذرهم ونحذر منهم وهل يجب أن يكون كل داعية عالما أو أنه يمكن الاستماع إليهم فى مسائل بعينها كالترغيب والترهيب مثلا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أنه لا ينبغي للمسلم بل وطالب العلم خاصة أن يركز جهده في انتقاد بعض الدعاة أو الحديث عنهم مما قد يكون شاغلا له عما هو أهم، بل عليه أن يصرف همته إلى طلب العلم وتعليمه الناس، فمن عرف الحق عرف أهله.
وأما ما ذكرت من مخالفة بعض المشايخ فإن هذا الخلاف يتفاوت، فمن الخلاف ما هو سائغ ومنه ما ليس بسائغ، ومنه ما يكون صاحبه قد اشتهر أمره ويخشى على الناس من شره، ومنه ما قد يكون ذكر صاحبه وتحذير الناس منه سببا في اشتهار أمره ومعرفة الناس له والوقوع في شيء من حبائل باطله.
والمقصود من هذا التفصيل بيان أن أمر الكلام عن هؤلاء "المشايخ" ينبغي أن يترك للعلماء الذين يزنون الأمور بدقة، والذين يعرفون متى يقدمون على الحديث عنهم ومتى يحجمون عن ذلك، ويترك لمن هو أعرف بحالهم. ونرجو أن يكون في ذكر هذه الضوابط العامة خير هاد لطلبة العلم، خاصة في هذا الزمان الذي شاع فيه جرأة بعض الناس على الدعاة والعلماء وفي مسائل قد تكون اجتهادية. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 18788.
وأما قولك: هل يجب أن يكون كل داعية عالما، فجوابه أنه لا يلزم أن يكون الداعية عالما بكل شيء، بل يكفي أن يكون عالما بما يريد تبليغه للناس. وراجع في هذه المسألة الفتوى رقم: 69558،. ولا بأس في الاستماع إلى الداعية فيما يحسن الحديث فيه من أمور الترغيب والترهيب ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(9/495)
دراسة المختصرات من كتب التفاسير
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة علم مبتدئة أرجو من فضيلتكم إمدادي بكيفية التعامل مع التفاسير، بمعنى كيف أنتقي ما أستفيد منه وأفيد، وهل إذا قلت للناس فقط مضمون الآية دون التطرق إلى التآويل الكثيرة أكون آثمة، فأرجو من فضيلتكم إعطائي منهجا أقتدي به؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما ينصح به المبتديء في طلب العلم أن يحرص على دراسة المختصرات في أي علم من العلوم، لأن هذا أرجى للاستفادة وإتقان العلوم، ومن ذلك ما يتعلق بعلم التفسير، ومن الكتب المختصرة في هذا العلم والمفيدة كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، والمعروف بتفسير السعدي للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، ومنها (كتاب الجلالين) على ما فيه من بعض الملاحظات التي سبق التنبيه عليها في الفتوى رقم: 65576.
وهناك أيضاً كتاب (أيسر التفاسير) للشيخ أبي بكر الجزائري، فإنه يفسر الآية بعبارة سهلة ويرشد إلى أهم التوجيهات في الآيات، ولا ريب أن مما يعين في طلب العلم تلقي العلم على يد أحد العلماء. وقد يسر الله تعالى هذا الأمر مع توفر الوسائل المسموعة والمرئية، ومن علم معنى آية أو حديث فبلغه على وجهه الصحيح فهو مأجور إن شاء الله تعالى، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا عني ولو آية. وينبغي التنبه إلى الحذر من تفسير القرآن بالرأي المذموم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 21250.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/496)
ما يحتاجه طالب العلم للتغلب على الفشل الدراسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في السنة الثالثة من الثانوية وكنت قد حصلت في السنة الثانية على68.28 مما يعني أني كنت متفوقة وذلك لأني كنت أذاكر جيداً، في هذه السنة حصلت لي مشاكل كثيرة مع أصحابي نتج عنها أني أصبحت أضيع الوقت كثيراً حيث أقعد على النت ساعات طويلة عند غياب أبي وأمي، وأصبحت متضايقة جداً لأني لا أجد أحداً أعرض عليه مشاكلي، وأصبحت أنسى بسرعة، كل ما أحفظ شيئاً أنساه ولا أعرف ماذا أعمل، فهل يمكن أن يكون ما أعانيه حسداً لأني كنت أنا الأولى من حيث المجموع، وماذا أفعل لكي أتغلب على النسيان، وأفصل بين الدراسة والمشاكل؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نوصي الأخت السائلة بالجد والمثابرة في الدراسة والبعد عن كل ما يشوش الذهن أو يضيع الوقت كالجلوس على الإنترنت لفترة طويلة، وقول السائلة: كيف أفعل لكي أتغلب على النسيان؟ جوابه: أنه سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى عن النسيان وسبل علاجه، فانظري في ذلك الفتوى رقم: 22996، والفتوى رقم: 91282.
وأما هل يمكن أن يكون ما أصابها بسبب الحسد؟ فهذا ممكن ولا نجزم به. وانظري الفتوى رقم: 7151 في علامات وأعراض المحسود والمصاب بالعين وعلاج ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(9/497)
علاج الفتور والملل من الدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بالصف الثالث الثانوي القسم العلمي وهذه السنة الرابعة لي وحتى الآن لم أدرس أو أكمل أي مادة، مع أنني شاطرة وأفهم كل ما أدرسه، وكلما يقترب موعد الامتحانات يشل تفكيري ولا أعرف أدرس وكلما أدرس أي مقطع أكون جد خائفة وأكون قد درست المقطع ولا أجيب على الأسئلة، وأريد أن أكمل هذه السنة وأنتهي من هذا العذاب، ولكن أجد ألف حجة كي أبتعد عن الكتب، أتمنى أن أجد حلا لحالتي، لأني في نفسية متعبه؟ مع فائق احترامي لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنك مصابة بالملل والفتور من كثرة المطالعة، والغالب أن الفتور والملل من الدراسة يكون سببهما إجهاد النفس وتكليفها فوق طاقتها، فكما أن التقصير مذموم فكذلك الإفراط والغلو، ولله در القائل:
عليك بأوساط الأمور فإنها * طريق إلى نهج الصواب قويم
ولا تك فيها مفرطا أو مفرطا * كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وعليه، فالذي ننصحك به هو الاقتصاد في الجد والمثابرة، وتحديد برنامج للمطالعة تكون منه حصة للاستجمام والراحة، وإذا كان في حسبانك أن السبب فيما أنت فيه هو العين أو السحر، فلا بأس بأن تستعيني في ذلك بالرقى الشرعية، واحذري من الاقتراب من الدجالين والكهنة، ويمكنك أن تراجعي للفائدة الفتوى رقم: 4310.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(9/498)
التسجيل في أحد المعاهد عن طريق المراسلة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في بلادنا ليبيا توجد لدينا معاهد عليا في تخصص الكومبيوتر بعد الثانوي خاصة فقط بمعنى نظام سمستر وكل سمستر أدرسه أدفع مبلغا عليه علما بأن أي شخص سواء اجتهد أم لم يجتهد سينجح سواء جاوب في الامتحانات أم لا
وأنا تخصصي الكومبيوتر وكل ما يدرسه المعهد من منهج في هذا المجال لدي خبرة فيه لتمكني من الدورات وممارسة الكومبيوتر والاجتهاد الذاتي من قبل كتب ومعلمين مختصين أي أنني قمت ولكن دون شهادة معتمدة لكي أستطيع العمل بها أو إكمال دراستي ... فقمت بالاشتراك بمعهد وتفاهمت أنا والمدير بأني كل ما تدرسونه قد درسته فلهذا لم أحضر أدفع كل تكاليف السمستر وأحصل على الشهادة العالية لكي أستطيع بعدها دراسة بمجهودي بكالوريوس وبحضور واجتهاد إن شاء الله علما بأني لا أستطيع دراسة البكالوريوس إلا بالشهادة العليا التي أخذتها دون الحضور في الفصل ولكن بعلم مدير المعهد لأني متخصص في هذا المجال ... وكل المعاهد في بلادنا على هدا النحو سواء حضروا أو لم يحضروا سوف ينجحون ولكن أغلبهم لا توجد لديه الخبرة في مجال الكومبيوتر ويشتغل علما بأنه لا توجد لديه الخبرة ولكن أنا وبعض الناس درسنا الكومبيوتر بطرق أخرى لأن المعاهد لا توجد بها الاستفادة الكافية الشيء الوحيد اعتماد شهادته
فأستحلفكم بالله أن تفتوني بشكل واضح
علما بأني لا أريد العمل بها الآن إلا بعد إكمالي لدراسة البكالوريوس فالغرض منها إكمال دراستي وهذا السبيل الوحيد
فهل أستطيع الإكمال وحتى إن أدرت العمل في مكان أستطيع أن أخبر مدير العمل كيف حصلت على الشهادة فإن قبل عملت وإلا فلا وتوجد امتحانات قبول علما بأني لم أرش أحدا.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الغاية من التكوين هي اكتساب الخبرة التي تؤهل المرء إلى الخدمة في المجال الذي تكون فيه، والذي يفترض أن يكون متقنا له، أو قابلا لأن يتقنه إذا مارس العمل فيه.
فما ذكرته من أن أي شخص شارك في الدراسات المتعلقة بالكمبيوتر سينجح، سواء اجتهد أو لم يجتهد، وسواء أجاب إجابات صحيحة في الامتحانات أم لا ... وأن الناس جميعا على هذا النحو، سواء حضروا أو لم يحضروا سينجحون، ولكن أغلبهم لا توجد لديه الخبرة في مجال الكمبيوتر ... يفيد –في الحقيقة- أن التكوينات والامتحانات لا تراد منها أهداف، وهذا خطأ كبير من القائمين على تلك التدريبات والامتحانات. وإذا علمت ذلك فاعلم أن الخطأ لا ينبغي أن يستأنس به تبريرا لخطإ آخر.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فالذي يبدو مما سألت عنه هو أنك تريد التسجيل في أحد المعاهد، والمتابعة فيه عن طريق المراسلة، أو ما يسمى بالتكوين عن بعد، وهو نظام معروف ومتبع في أكثر بلدان العالم.
وإذا كان لا يتعارض مع النصوص المعمول بها في بلدك، وكان مستواك في مجال الكومبيوتر هو على النحو الذي وصفته، فلا نرى مانعا من استفادتك من الشهادة التي تمنح لمن سجل في ذلك المعهد، وبالشروط التي يحددها القانون لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/499)
وسائل مضادة لتخذيل الشيطان العبد عن طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أكون طالب علم في علوم الدين، ولكن الشيطان يقف في طريقي كثيراً ويعوقني ويوقف الخطوات التي أبدؤها، فما الحل في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم من أعظم أعمال البر، فلا غرابة أن يعوق الشيطان من تجرد لطلب العلم الشرعي، لأن العلم الشرعي أخطر على الشيطان من العبادات القاصرة، وفي الحديث الصحيح: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
ولتخطي عقبات الشيطان ومعوقاته يحتاج العبد للاطلاع في نصوص الوحي على المزيد من أهمية العلم النافع حتى ينشط أكثر، ويحتاج للعزم القوي والصبر والاجتهاد، وصحبة طلاب العلم، وتنويع الوسائل، والترويح من مادة إلى مادة أخرى كلما جاء الملل، وقديماً قال الشاعر الحكيم:
اصبر ولا تضجر عن مطلب * فآفة الطالب أن يضجرا
وقال الآخر:
أخي لن تنال العلم إلا بستة * سأنبيك عن مضمونها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة * وصحبة أستاذ وطول زمان
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية للمزيد من التفصيل في الأمور المنهجية حول الموضوع: 59868، 57232، 76210، 56544، 44674.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1428(9/500)
وسائل التغلب على الفتور في طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أعاني أني عندما أبدأ في دراسة أي مادة وخصوصا اللغة الأجنبية أشعر بالفتور وتذهب الحماسة مني وأفكر لماذا أدرس هذه المادة أنا لن أدرس لأني لن أحفظ هذه الكلمة أو تلك فتتعبني هذه الأفكار في رأسي فماذا افعل؟ أو ما هو الحل؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بتقوى الله أولا في السر والعلانية، وإخلاص النية في طلب العلم وفي أمورك كلها، وأن تتذكري الهدف الذي من أجله تدرسين، وتفرغي قلبك من الشواغل والأفكار التي يمكن أن تشغلك عن الدراسة، وأن تتذكري فضل العلم وأهميته في هذه الحياة وما بعدها، واجعلي السلف الصالح قدوتك في طلب العلم وفي غيره، واطلعي على سيرهم وعلو هممهم في طلب العلم ...
كما نوصيك بالمحافظة على الدعاء في أوقات الإجابة، وعلى الأدعية المأثورة وخاصة أذكار الصباح والمساء.
وبإمكانك أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 77064، 42499، 69919، وعلى ما أحيل عليه فيها للمزيد من الفائدة.
كما يمكنك مراسلة قسم الاستشارات في الشبكة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1428(9/501)
حكم تدريب المشاركين في المنتديات على استحضار الأدلة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشرفة على قسم ديني في أحد أكبر المنتديات وأحببت أن أسأل عن موضوع وُضع في القسم..
أن أضع كلمة مثل: (الصلاة)
والتي تأتي بعدي تذكر دليلا واحدا ذكر فيه الصلاة
ثم تضع كلمة للرد الذي بعدها مثلا (التبذير)
لتأتي من بعدها وتذكر دليلا واحدا عن التبذير ثم تضع كلمة للرد الذي يأتي بعدها ... وهكذا
......................
ما رأيكم بهذه اللعبة ... ؟؟
أنتظركم جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا أسلوب من أساليب مذاكرة العلم والحث على تعلمه وترسيخه واختيار المتبارين والاطلاع على سرعة بديهتهم في استحضار الأدلة.
وكلها أمور مشروعة ومطلوبة في طلبة العلم، وأولى من يهتم بذلك ويشجع عليه هم المعلمون والقائمون على المنتديات الثقافية.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه على تعلم العلم بشتى الوسائل وربما ألغز لهم واختبر ملكاتهم ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال: هي النخلة. قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر جملة من فوائد هذا الحديث: وفيه امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وفيه التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه المؤلف باب الفهم في العلم.اهـ
وعلى هذا فإن ما تقومون به أمر محمود شرعا.
نسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(9/502)
هل يبدأ طالب العلم بحفظ القرآن أم بتعلم العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الشباب لا يحفظون القرآن بحجّة طلب العلم (أي أنّهم يدرسون التوحيد أولا ثمّ الأمور الفقهيّة والتفاسير ثمّ يحفظون القرآن) فهل هذا صحيح؟
ثمّ ما هو حكم حفظ كتاب الله تعالى؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما ينبغي أن يهتم به طالب العلم هو كتاب الله تعالى حفظا وتفسيرا، روى البخاري عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. فإن كان ثم ما هو أولى بالتقديم فهو حفظ القرآن فهو أساس العلوم والجامع لأصولها وهذا في الجملة.
وللعلماء تفصيل حسن ذكره السفاريني في كتابه غذاء الألباب ومفاده: التفريق بين الصغير والكبير فأما الصغير فالاولى أن يبدأ له بحفظ القرآن وعليه حمل كلام الإمام أحمد الذي نقله عنه الميموني، قال الميموني: سألت أبا عبد الله أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث قال: لا، بالقرآن. قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه، ثم قال لي: إذا قرأ أولا تعود القراءة ثم لزمها وأما الكبير فالأولى أن يبدأ بتعلم باقي العلوم وعلى هذا حمل السفاريني قول ابن المبارك حين سأله رجل: يا ابا عبد الرحمن في أي شيء أجعل فضل يومي، في تعلم القرآن أو في تعلم العلم؟ فقال: هل تحسن من القرآن ما تقوم به صلاتك؟ قال نعم، قال: عليك بالعلم. قال السفاريني رحمه الله: هذا متعين إذا كان مكلفا لأنه فرض فيقدم على النفل وكلام أحمد والله أعلم إنما هو في الصغير كما هو ظاهر السياق والذي سأل ابن المبارك كان رجلا فلا تعارض، وأما الصغير فيقدم حفظ القرآن لما ذكره أحمد من المعنى ولأنه عبادة يمكن إدراكها والفراغ منها في الصغر غالبا والعلم عبادة العمر لا يفرغ منه فيجمع بينهما حسب الإمكان وهذا واضح وقد يحتمل أن يكون العلم أولى لمسيس الحاجة لصعوبته وقلة من يعتني به بخلاف القرآن ولهذا يقصر في العلم من يجب عليه طلبه ولا يقصر في حفظ القرآن حتى يشتغل بحفظه من يجب عليه الاشتغال في العلم كما هو معلوم في العرف والعادة.
ومع هذا نقول إن الموفق من يمكنه الجمع بين هذا وذاك، فيأخذ من العلم ويحفظ من القرآن وهذا أمر ممكن وواقع ومشاهد.
وأما حكم حفظ القرآن فقد سبق بيانه بالفتوى رقم: 54579، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 10337، 22256.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(9/503)
حدود العلاقة بين الطالب والمعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حدود العلاقة بين الطالب والمعلم، وهل يجوز للمعلم حب الطالب حباً كبيراً والعطف عليه وتقبيله، مع العلم بأن الطالب هو الذي يأتي للمعلم ويبدي حبه الكبير له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المدرس والطالب شريكان في عملية التعليم، وهي مسألة مهمة عظيمة يتعين عليهما التعاون على نجاحها، ومن أعظم ما يساعد على ذلك أن يكونا متحابين وأن يقويا العلاقة بينهما والثقة، وأن يرحم المدرس ابنه الطالب، وأن يقدر الطالب أستاذه ويجله ويبجله دون مغالاة ولا إفراط، والنصوص الشرعية وكلام العلماء في التحابب في الله وتعظيم معلم العلم النافع كثيرة مشهورة.
ويجب على كل منهما أن يكون مخلصا لله في عمله وعاطفته تجاه الله، ويستشعر مراقبة الله تعالى، ويحذر من أن يكون في عمله تجاه الآخر مدخل للشيطان، فإذا لاحظ ريبة في حبه للطرف الآخر وجب عليه أن يجاهد نفسه ويبعد ذلك عنه، ومن الحدود المشروعة بينهما المصافحة والبشاشة، وقيام الطالب بخدمة أستاذه وطاعته في المعروف. وراجع الفتاوى التالية لمعرفة حكم التقبيل والمزيد فيما تقدم: 34604، 67086، 64984، 56180، 42715، 36179، 72196، 48196.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(9/504)
موقف الطالب مما يدرس وفيه خطأ في العقيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب، ولدينا مادة فيها أخطاء في العقيدة، وهذه الأخطاء قليلة قد تكون في المادة كلها خطآن أو ثلاثة والمعلمون يحاضروننا من هذه الأخطاء ويبينون لنا الصحيح، ولكن هذه الأخطاء قد تأتي على هيئة أسئلة في الاختبارات، وقد قال لنا بعض المعلمين الصالحين أجب عن هذا السؤال وأنسب الإجابة إلى صحاب الكتاب، مثال على ذلك: (س: وجاء ربك والملك صفا صفا [سورة الفجر] كيف كان مجيء الله عز وجل؟ فنقول: (ج: قال صاحب كتاب [كذا وكذا] كان المقصود هو مجيء أمر الله والملائكة فقط، وليس مجيء الله عز وجل، فالسؤال هو: ما هو حكم ذلك مع تبيين الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم –وفقنا الله وإياك للخير- أن الذي عليه السلف الصالح من هذه الأمة هو أنهم يثبتون لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه، من غير تشبيه له، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ويثبتون له ما أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون عند ذلك الحد، فيُمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله، فيثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه، من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ {البقرة:210} ، وقوله عز اسمه: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا {الفجر:22} .
والواجب على المؤمن أن يؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو شاء الله سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {آل عمران:7} ، فالصواب –أيها الأخ الكريم- أن تبتعدوا عن مثل هذه الكتب، فإن فيها خطراً كبيراً على دين المرء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(9/505)
الأفضل عزو الأقوال إلى قائليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة علم شرعي أتعامل الآن مع تفسير ابن كثير والطبري، فهل يجوز لي الجمع في تفسير الآيات القرآنية بين هذين التفسيرين في تدويني لمضمون أو معنى كل آية، لأنني عندما أقرأ لابن كثير أجد إضافات مفيدة عند الطبري، وهل يجوز لي عند شرح آية ما للناس (في محاضرة) أن أسند الشرح هكذا بقولي لابن كثير والطبري دون تحديد, كأن أقول هذا التفسير لابن كثير (وأسرد معاني هذا المفسر الفاضل) ونفس الشيء مع المفسر الثاني، فأفيدوني بتفصيل جزاكم الله خيراً، فإنني أبحث بتدقيق حتى لا أكون آثمة وعلى منهج قويم للتعامل مع التفاسير بشكل صحيح، بماذا تنصحونني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله أن يتقبل منك ما تقومين به من تفسير القرآن، ونفيدك أن هذين التفسيرين مهمان جداً لمن يعتني بتفسير القرآن، فلا حرج في الجمع بينهما في التحضير؛ بل يحسن مع التحضير منهما أن تحضري من غيرهما أيضاً، كتفسير الشوكاني وتفسير القرطبي وأضواء البيان والظلال وغيرها من التفاسير المفيدة.
وإذا حضرت درساً وكانت فقرات في كتاب من الكتب ولا توجد في غيره فالأحسن أن تعزي عزوا منفرداً لكل مفسر ما انفرد به، ولا حرج عليك أيضاً أن تقولي عند نهاية الدرس للطلاب راجعوا فيما ذكرنا تفسير كذا وكذا على سبيل الإجمال، أو تذكرين لهم ذلك قبل بداية الدرس أو أثنائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(9/506)
طلب العلم لا يشترط له مكان معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الذهاب لطلب العلم في السعودية ولا أجد مالاً، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثيبك خيراً في حرصك على طلب العلم الشرعي، ونسأله سبحانه أن يحقق لك ما تصبو إليه من خير، واعلم أن طلب العلم لا يشترط له مكان معين، فإذا لم يتيسر للمرء الذهاب إلى المكان الذي يرغب في طلب العلم فيه، فليجتهد في البحث عن مكان ببلده، وحيث يتيسر له ذلك، فأرض الله واسعة، وأهل العلم متوافرون في كثير من بلاد العالم الإسلامي، ووسائل تحصيل العلم أصبحت ميسرة للناس الآن كوسائل التكنولوجيا من أجهزة مسموعة ومرئية ومقروءة، فابذل الأسباب واستعن بالله، فلعله سبحانه وتعالى يوفقك فتحصل من الوسائل والسبل ما لا يخطر لك على بال، ويمكنك أن تستعين بالجمعيات الخيرية ونحوها في سبيل تحصيل ما تحتاج إليه من هذه الوسائل، أو من المال الذي يعينك على شرائها أو يعينك في السفر لطلب العلم إن اقتضى الأمر ذلك. وراجع في ذلك للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10695، 18607، 31659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1428(9/507)
دراسة التفسير والدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعيش أنا وزوجي في فرنسا وزوجي يخرج إلى العمل من الصباح حتى المساء وأنا الحمدلله أقضي هذا الوقت بالصلاة وقراءة القرأن وسماع بعض الدروس الدينية وقراءة المواضيع الدينية أيضا ولكن أعاني من مشكلة أنه عندما أقرأ القرآن الكريم لا أفهم الكثير من الآيات فأرجو أن تعطوني مواقع على الانترنت لشيوخ تفسر القرآن الكريم (دروس سماعية) وأنا بطبيعتي لا أخرج من المنزل إلا قليلا وأحب أن أرجع إلى بلدي وأنا أحفظ تفسير القرآن؟ عمري 19 وأحب أيضا عندما أرجع إلى بلدي أن أقدم شيئا للإسلام ولكن لا أعرف ماذا أقدم فهلا ساعدتموني على هذا المشروع؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عندنا بالشبكة دروسا مسموعة في التفسير لبعض المشائخ الفضلاء كالشيخ العثيمين وابن باز والجزائري والشعراوي وعطية سالم ومحمد أحمد إسماعيل المقدم وغيرهم، كما يوجد بموقع طريق الإسلام كثير من الدروس المسموعة في التفسير وغيره، وفي موقع سلطان يوجد كثير من المواقع الإسلامية المفيدة في هذا المجال.
هذا، ونهنئك بالقرار في بيتك، وتوظيف فراغك فيما يفيد، وأهم ما يتعين على المسلم أن يعمل في خدمة الإسلام أن يعبد نفسه لله، ويسعى في تعبيد الآخرين لله، ويبذل في ذلك ما أمكنه من شتى الوسائل فيحرص على إقامة أمر الله في بيته على نفسه وأسرته عملا بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم: 7} وعلى إقامته في عشيرته وحارته عملا بقوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء: 214} وبقوله تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا {الشورى: 7} كما يتعين الاهتمام بهداية الأمة كلها والسعي في مصالحها. ويبدأ المسلم بوالديه فيبرهما، وبالأولاد فيحسن تربيتهم، وبالأرحام والجيران فيصلهم ويواسيهم، وراجعي للتفصيل فيما ذكرنا الفتاوى التالية أرقامها: 40262، 19186، 31768، 41016، 47694، 72546، 69873، 65134.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(9/508)
هل ينال الجالس أمام التلفاز أو الإنترنت فضل الاجتماع على الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[وردت أحاديث كثيرة في فضل وأجر طلب العلم منها أن الملائكة تحضر الدروس في جماعة ويذكرهم الله في من عنده. فهل هذا خاص بالعلوم الدينية فقط. وهل يحصل للإنسان هذا الفضل إذا كان يتابع درسا منفردا على التلفاز أو على الإنترنت؟
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 18640، أن الفضائل الواردة في طلب العلم المقصود بها ابتداء العلم الشرعي، وبينا أيضا في الفتوى رقم: 14961، أن هذا الفضل أي حضور الملائكة وغشيان الرحمة لا يتحقق في الجلوس أمام التلفاز ولا في سماع المحاضرات الدينية لأن هذا ليس اجتماعا بالمعنى المذكور في الحديث، ولا شك أن استماع المحاضرات عبر التلفاز أو المذياع فيه خير وبركة إن شاء الله تعالى، وكذلك طلب العلم الدنيوي لمن حسنت فيه نيته، وانظر الفتوى رقم: 76784، والفتاوى المرتبطة بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(9/509)
كيف تتلقى العلم الشرعي وخصوصا القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد فعلت الكثير من المعاصي ولكني تبت إلى الله ورجعت إليه وندمت على ما فعلت والآن أريد أن أعرف الدين جيدا من حفظ قرآن وفقه وتوحيد وسيرة إلخ من العلوم ولكن المشكلة التي تواجهني هي أن دوامي في العمل نفس فترات الدروس.
أرجو منكم أن توضحوا لي ماذا أفعل وكيف تكون بداية طلب العلم كيف أحفظ كتاب الله وأتعلم التجويد دون الرجوع إلى أحد؟
وما هي الكتب التي يجب أن أبدأ بها لأتعلم جيدا.
ما هو أفضل كتاب أتعلم منه فضائل وقصص الصحابة والتابعين بحيث تكون قصص حياتهم كاملة للاستفادة منها؟.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله على ما منَّ به عليك من التوبة والرجوع إلى الله والندم على ما كان منك من المعاصي.
وفيما يخص الأسئلة التي طرحت، فإن حفظ كتاب الله وتعلم التجويد دون الرجوع إلى أحد ليس بالأمر الهين إن لم نقل إنه مستحيل. فلا بد لمن أراد العلوم أن يتلقاها من أفواه العلماء، ولا يصح الاعتماد في ذلك على الكتب مجردة، وعلى وجه الخصوص علم القرآن والتجويد.
وقد أثر عن السلف قولهم: "لا تأخذ القرآن من مصحفي، ولا تأخذ الحديث من صحفي"، فالمصحفي هو الذي يقرأ القرآن من المصحف ولم يتتلمذ على أيدي العلماء.
والذي ننصحك به أولا هو تقوى الله تعالى، والصبر والمثابرة والعزم على تحصيل العلم، ونبذ الكسل والتهاون، ومن أهم ما يعينك على ذلك المحافظة على الفرائض، والإكثار من الاستغفار، والبعد عما حرم الله تعالى، والحذر من تضييع الوقت في الأمور التي لا فائدة منها، فالمتكاسل المضيع لوقته يخسر كل شيء، بل يخسر حياته؛ لأن الوقت هو الحياة.
واعلم أنه لا تعارض بين الدراسة النظامية وطلب العلم الشرعي، فعليك بصحبة شيخ من علماء الشريعة الأتقياء، وضع لنفسك برنامجا صارما للحفظ والمراجعة، واستعن ببعض الطلبة الجادين لتذاكر معهم، وابتعد كل البعد عن أصحاب السوء، وأخلص النية لله سبحانه وتعالى.
وأما الكتب التي يمكن أن تتعلم منها فضائل الصحابة والتابعين وقصصهم فهي كثيرة، فمنها:
كتاب: (سير أعلام النبلاء) للذهبي.
وكتاب: (مشاهير علماء الأمصار) لأبي حاتم البستي.
وكتاب: (حلية الأولياء) للحافظ أبي نعيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1427(9/510)
كتاب الإيمان لمحمد نعيم ياسين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي كتاب عن العقيدة مؤلفه د. محمد نعيم ياسين بعنوان "الإيمان، أركانه حقيقته نواقضه، دار التوزيع والنشر الإسلامية. لا أرى فيه شيئا غريبا حسب علمي، هل تنصحوني بقراءته، أردت رأيكم لأنه كتاب في العقيدة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكتاب كتاب مفيد فاحرص على الاستفادة منه ومن غيره من كتب العقيدة التي تبين المعتقد الصحيح المبني على الكتاب والسنة، وأكثر من قراءة القرآن وتدبر معانيه واحرص على الاهتداء به وزيادة الإيمان وواظب على القراءة في كتب الحديث النبوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(9/511)
الاهتمام بالدراسة والعلم مطلب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إتقان مذاكرة المواد الدراسية حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إتقان المذاكرة للمواد الدراسية مباح إن كان تعلمها مباحا، ويتأكد الأمر حتى يصل لما هو أعلى من الإباحة بقدر مستوى الحاجة لتلك الدراسة، فالشرع يرغب المسلم في إتقان الأعمال التي يعملها؛ كما في الحديث: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. رواه الطبراني وصححه الألباني.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(9/512)
الخطوات التي يخطوها من أراد التفقه في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أسأل الله التوفيق والسداد للمشرفين على هذا الموقع القيم فقد أفادنا في الكثير.
أنا في الثامنة عشر من عمري وأقيم الآن في انجلترا بعد أن كنت مقيما في السودان حتى الثانية عشر من عمري ولم أدرس شيئا من اللغة العربية والدين الإسلامي منذ ذلك اليوم ولكني وبفضل الله كثير الاطلاع فمعرفتي بالدين وثيقة والحمد لله ولكن رغم ذلك أعتبر نفسي أميا باللغة العربية فاقتنيت كتاب شرح السنية للمقدمة الآجرومية بعد اطلاعي على الاستشارات والفتاوى على موقعكم, رغم أني وجدت بعض الصعوبات لكن تسهل بإذن الله.
اما الآن فإني أريد أن أدرس الصغار في هذه البلاد اللغة العربية والإسلام ولكن لا أعلم من أين أبدأ فإن معظمهم هنا لا علم له بأي شيء في اللغة العربية والدين الإسلامي مع العلم بأن الكثير من الصغار يتحدث العامية, فأرجو اقتراح كتب للتعليم وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المهم جدا أن يتعلم الشخص ما يقوم به لسانه، فيتعلم اللغة العربية وقواعدها، ويبدأ بالآجرومية وشرحها التحفة السنية، أو غيرها من المختصرات ويعود نفسه وأهله على التحدث باللغة العربية في البيت وفي الرحلات الترفيهية وفي كل المناسبات. فإن علم اللغة مما لا يستغنى عنه وقد فرط فيه كثير من الناس.
ثم اعلم أن التفقه في الدين الإسلامي هو أفضل شيء يعطيه الله للإنسان، فقد ورد في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
وأول خطوة يجب على المتعلم أن يخطوها في طلب العلم هي إخلاص القصد لله تعالى، روى أبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها.
والخطوة الثانية هي تقوى الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور * ونور الله لا يؤتى لعاص
وأما الخطوات العملية، فهي أن يتدرج الطالب من السهل إلى الصعب، ومن الأهم إلى المهم، ومن المختصرات إلى المطولات ... وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 2410 بعض المختصرات التي ينبغي لطالب العلم أن يبدأ بها وهي في مختلف المواضع فنرجو من السائل الاطلاع عليها.
ومما يجدر التنبيه عليه أن طلب العلم لا بد له من صبر ومصابرة وصحبة مدرس وشيخ عالم وصديق مجتهد حتى يعين السالك على طريقه.
ونسأل الله أن يعينك ويوفقك إلى غايتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/513)
الاستفادة العلمية والنجاح في الاختبار
[السُّؤَالُ]
ـ[الاعتداء في الدعاء لا يجوز كأن أطلب منزلة نبي أو أن ينزل علي الوحي.. ذلك والحمد لله لا جدال فيه، سؤالي هو: هل الدعاء التالي يعتبر من الاعتداء في الدعاء: اللهم وفقني في امتحانات آخر العام, اللهم اجعل أسئلة الامتحان مما ذاكرته، اللهم أرني في المنام رؤية منك ليست من الشيطان تعلمني فيها الأسئلة التي سوف تأتي في الامتحان. هل هذا الدعاء فيه طلب لعلم الغيب، وبذلك لا يجوز أم أن طلب الرؤيا التي تخبر عن شيء سوف يحدث جائز؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نرى أن في هذا الدعاء اعتداء فليس فيه إثم ولا طلب محال، وننبهك إلى أن الغاية الكبرى من الدراسة هي الاستفادة العلمية، فالإنسان يستفيد مما تعلمه في مستقبله الدنيوي والأخروي أكثر مما يستفيده من مجرد النجاح، فعليك بالجد في الدراسة والحرص على الازدياد من العلم النافع دائماً، فقد قال الله لنبيه: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} ، وراجع للمزيد في الموضوع وفي بعض الوسائل المساعدة على التعلم والنجاح الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71748، 66870، 67164، 65084، 50689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/514)
وازن بين أعمالك وتعليم الخير للناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من عمري قرأت كثيرا في شتى أنواع الثقافة وخصوصا الدينية منها والسياسية وأصبحت الآن أستطيع تكوين رأي في الأحداث العالمية وكثير من أصدقائي والمقربين مني يستشيرونني فيها فأرد عليهم باستفادة لوجه الله ولكي ينتبهوا للأخطار التى تواجه الأمة ولكي يعلموا أبناءهم ذلك وكثيرا ما أكرر لهم ذلك
فهل أثاب من الله على هذه العلوم والوقت الذى يضيع مني في القراءة والفحص والمتابعة الجدية حيث يمكن أن يضيع مني مالا يقل عن 8 ساعات يوميا في القراءة والمتابعة؟
وجزاكم الله عنى خير الجزاء وأتمنى من فضيلة الشيخ القائم على الفتوى الدعاء لي بالهداية والتوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الذي يتعلم أي علم من العلوم المباحة ليستفيد منه في خاصة نفسه ويفيد غيره من المسلمين لا شك أن في ذلك خيرا كثيرا وأجرا عظيما إذا قصد به صاحبه وجه الله تعالى ونفع عباده في دينهم أو دنياهم، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر. صححه الألباني في صحيح الجامع، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: وذكر منها: علم ينتفع به. رواه مسلم.
وأولى العلوم بذلك هي علوم الشريعة وما اتصل بها، وكذلك علوم السياسة والاقتصاد وغيرها من العلوم المفيدة، ولكن من الفقه في الدين أن يوازن الإنسان بين أعماله، ولا يشغله واجب عن أوجب، ولا فاضل عن أفضل، وأن يدلي بدلوه في كل خير، ويقرع لكل خير بابا. وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 60526، 68144، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/515)
الإخلاص في طلب العلم الدنيوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإخلاص في طلب العلم له أجر، وهل الإخلاص في طلب العلم واجب، علما أنني أدرس الآن في الطب أول سنة لي أريد أن أبدأها بإخلاص لله تعالى بعزم مني إن شاء الله؟
أرجو منكم إجابتي وجزاكم الله خيرا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الإخلاص في طلب العلم سواء كان علما شرعيا أو دنيويا نافعا من أعظم العبادات ويؤجر عليه المتعلم، وأما هل يجب الإخلاص في طلب العلم فإن كان العلم المطلوب علما شرعيا فيجب الإخلاص فيه لله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها. رواه أحمد وأبو داود واللفظ له. وقال صلى الله عليه وسلم: من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار. رواه الترمذي وحسنه الألباني، وانظر الفتوى رقم: 52210، والفتوى رقم: 72508.
وأما العلوم الدنيوية كالرياضيات والطب والهندسة فلا مانع للمرء من طلبها ابتداء لنيل وظيفة أو مال أو مكانة، لكنه إذا أخلص لله تعالى أثيب بقدر إخلاصه، فإن النية تجعل العمل المباح عبادة، ويجب الإخلاص لله تعالى في هذه العلوم الدنيوية في حق من صارت فرض عين عليه. وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 40763، والفتوى رقم: 68144.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1427(9/516)
كي تكون من ورثة جنة النعيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد النصيحة والإرشاد بطريقة محددة لمنهج حياه يؤدي إلى الجنة لرجل عمرة 46 متزوج وله ثلاثة أولاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا السؤال لا يمكن إجابته في فتوى مختصرة ولكن أحسن جواب فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: لما سأله عن عمل يدخله الجنة ويبعده من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة: 16 ـ 17} ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه ثم قال: كف عليك هذا، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
واعلم أنه يجب على المرء امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، ويكون ذلك بالمحافظة على الفرائض لأنها أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى؛ كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه.
والالتزام بتقوى الله في كل مناحي الحياة فعلا وتركا هو سبيل الجنة؛ كما قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {الذاريات: 15} وراجع في تعريف التقوى وصفات أهلها الفتوى رقم: 42230، وننصحك بالمحافظة على ما تيسر من فعل الخير، والبعد عن اتباع خطوات الشيطان، فحافظ على الأعمال الصالحة والصلوات في الجماعة، والأذكار المقيدة والمطلقة، وكثرة مطالعة كتب الترغيب والترهيب وسير السلف، واصحب المستقيمين الصالحين الذين يعينونك على الخير ويدلونك عليه، وتذكر الموت ومشاهد الآخرة دائما، واستشعر مراقبة الله عليك، والتزم غض البصر، والإعراض عن اللغو، وعليك بمخالقة الناس بالخلق الحسن ومعاملتهم بما يحمد شرعا، فكن سمحا في البيع والشراء، حسن الجوار بشوشا عند اللقاء، وعليك بالإكثار من الدعاء والتعوذات والأذكار المأثورة في المساء والصباح، وراجع زاد المعاد لابن القيم، وعمل اليوم والليلة لابن السني وللنسائي، والشمائل للترمذي، والصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة لمصطفى العدوي والأذكار النووية لتعرف البرنامج اليومي للرسول صلى الله عليه وسلم، والأذكار المقيدة والمطلقة، واحرص على طلب العلم الشرعي وحضور مجالس العلماء وحلقاتهم، وضع لنفسك وولدك وأهلك برنامجا تعليميا، فابدأ بالاشتغال بحفظ القرآن الكريم، وراجع في الطريقة المثالية لحفظ القرآن الكريم الفتوى رقم: 3913، وحاول أن تبرمج برنامجا في الحديث تبدأ فيه بصغار العلم قبل كباره، فابدأ بالأربعين النووية وهي أحاديث جامعة، ثم خذ بعد ذلك عمدة الأحكام للمقدسي ورياض الصالحين للنووي وهما كتابان التزم مؤلفاهما بالإتيان بالأحاديث الثابتة، فحاول أخذ حديث من كل واحد منهما يوميا، فإذا أنهيت العمدة فخذ بلوغ المرام وربما ينتهي بانتهاء رياض الصالحين، وحاول أن تقرأ أثناء ذلك بعض المختصرات الفقهية في العبادات، ويمكن أن تقرأ منهاج المسلم للجزائري فهو جيد في بابه. والأحسن أن تقرأ دائما على الشيوخ المحققين إن تيسر لك ذلك حتى تتمكن من تصحيح الألفاظ والترجيح عند الخلاف، واستعن بالصلاة والدعاء وأكل الحلال وترك فضول النظر والكلام والتفكير.
واحرص على التعامل مع الأولاد بما يفيدهم ولا يملهم فإن من أهم ما يساعد في ذلك أن تحفظهم القرآن وما تيسر من أحاديث الفضائل والأخلاق، وأن تعمل لهم جلسات ترويحية تحدثهم فيها عن سير السلف والأنبياء، وتبين لهم بعض الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام وسعد بها أهله ولا تزال الحضارة المعاصرة حتى الآن ضالة عنها، واطرح عليهم أسئلة بشكل مسابقة فيما علمته لهم، واحرص على تكريم وتشجيع من أنتج منهم فحفظ مقطعا أو كتابا أو أجاب إجابات موفقة في مناقشاتك معهم، وحاول دائما تحفيزهم في مواصلة الدارسة بما تيسر من وسائل التحفيز المعنوي والمادي فبين لهم أهمية التعلم وما فيه من خيري الدنيا والآخرة، وحدثهم عن تفاوت الناس في المناصب الدنيوية وأن من أسباب ذلك تفاوتهم في مراتب الشهادات وفي المهارات، وراجع كتاب عبد الله ناصح علوان المسمى "تربية الأولاد في الإسلام"، ويمكن أن تستفيد من ركن الطفل الموجود بالشبكة الإسلامية، واستشر أهل التجربة والخبرة في هذا المجال من أهل العلم والدعوة، وما أحسن لو أمكنك أن تسعى في التعاون مع الجيران على وضع برنامج لأولادكم لتحفظوهم القرآن وتدرسوهم العلم الشرعي وتحيوا بينهم روح التنافس في ذلك عن طريق المسابقات وتشجيع الفائزين، فإن الولد ابن بيئته، ويصعب صلاحه دون إصلاح زملائه وجيرانه، وإذا بلغ الأولاد فعليك بالسعي في تزويجهم في وقت مبكر بامرأة صالحة فإن الزواج يعين على حفظ الفرج وغض البصر، بل يعين على حماية نصف الدين، ورغبهم في صوم النفل قبل حصول الزواج، ففي حديث الصحيحين: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. وفي الحديث: من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان فليتق الله في النصف الباقي. رواه الطبراني وحسنه الألباني. وفي الحديث: من رزقه الله امراة صالحة فقد أعانه على شطر دينه, فليتق الله في الشطر الثاني. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 22256، 1492، 59782، 59868، 17666، 11882، 52800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(9/517)
طلب العلم وقضاء الصوم المتروك
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا شاب عمري21 سنة، هداني الله بمنه علي منذ سنتين وأطلقت لحيتي وأصلي فروضي، ولكن عندي مشكلتان يا شيخ المشكلة الأولى: بأنني لا أعرف ماذا أفعل الآن فأنا بحثت عن أماكن لتلقي العلم، ولكني إلى الآن لم أجد طريقة للذهاب فإذا توفرت المواصلات لم يتوفر العلم والعكس، وأنا أريد أن أتلقى العلم على يد شيخ معين وأنا مقيم بالدوحة في منطقة بن محمود فأتمنى أن تعطوني اسم شيخ جيد أتلقى عنده العلم....... المشكلة الثانية: عندما كنت في أيام جاهليتي عصيت ربي في رمضان قاصداً وأفطرت بالعادة السرية شهرا كاملا و6 أيام إضافية من رمضان الذي بعده، فهل لي من توبة ... وبالمناسبة ما كنت أصلي في رمضان ولا غيره؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئاً لك بما أعطاك الله من نعمة الهداية، وعليك بالحرص على الاستقامة والإكثار من الأعمال الصالحة حسب الطاقة، واعلم أن تعلم العلم الشرعي من أفضل العبادات، ويتعين على العبد أن يتعلم منه ما يصلح به إيمانه وأعماله.
واعلم أن العلماء والحمد لله يوجد منهم في قطر كثيرون يمكنهم أن يساعدوك في تلقي العلم الشرعي، فيمكنك الاستفادة من الدورات العلمية التي تقيمها إدارة الدعوة أحياناً, كما يمكنك الاتصال بالمراكز العلمية التي أعلن عنها معهد الدعوة في بعض المساجد.
علماً بأن كثيراً من الأئمة عندهم القدرة على مساعدتك فيما تريد تعلمه كما يمكنك الاستفادة من أدوات العلم التي توفرت، فاحرص على سماع الأشرطة ومطالعة الكتب، واحرص على التواصل مع العلماء والاستفادة منهم.
وأما ما حصل منك من الإفطار في رمضان فهو ذنب عظيم تجب التوبة منه وقضاء ما افطرت، كما يتعين عليك بذل الجهد في التخلي والبعد التام عن العادة السرية, والتوبة التامة من ترك الصلاة, والعزم الصادق على الحفاظ عليها. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52421، 23868، 13076، 1989.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/518)
هل يلتحق بقسم دراسات يدرس مناهج الأشاعرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو:
أنا طالب في المرحلة الجامعية واخترت قسم الدراسات الإسلامية في الجامعة ولكن المناهج التي تدرس هي مناهج الأشاعرة، فهل يجوز لي متابعة الدراسة أو أتركها، مع العلم أنه لايوجد قسم للدراسات الإسلامية بمنهج آخر.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان درس منهج السلف في الاعتقاد لا حرج عليه إن شاء الله في دراسة المناهج الأخرى، إذ يؤمل أن لا يتأثر بالمناهج الكلامية، ولينو في ذلك التعرف عليها حتى يرشد الدارسين إلى الحق ويحاورهم ويجادلهم بالتي هي أحسن لعل الله ينفعهم ويهديهم به، فقد روى شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى المناهج الكلامية وكانوا يردون على أصحابها.
وننصحك بدراسة الكتب التي تتضمن منهج السلف في الاعتقاد كمقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني والواسطية والطحاوية مع شرحيهما وكتاب التوحيد وشروحه.
واجعل لنفسك برنامجا ثابتا تخصص فيه وقتا لتلاوة القرآن مع التدبر، ولمطالعة كتب السنة والتأمل، وإذا أشكل عليك خلاف في أمر ما ولم تتبين الحق فيه فادع بالدعاء الوارد في صحيح مسلم: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1427(9/519)
مجالس التفسير التي يشرع حضورها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد مررت بموقف صعب وأريد أن أعرف رأيكم فيه، لقد حضرت درس تفسير للقرآن الكريم حول سورة البقرة والأخت التي كانت تشرح قصة خلق آدم، ولكنها قالت كلاما عجيبا أول مرة أسمعه. قالت إن الله خلق آدم من جسد من غير روح وتركه يجف لمدة 40 سنة، وفي هذه الفترة كان الشيطان يدخل في جوف آدم ويخرج منه، وكان الشيطان يعلم أن هناك من سيعصي الله بترك السجود لآدم، نظر الشيطان يمينا ويسارا ولم يجد أحدا اعترض فعرف أنه هو الذي سيعترض، وفعلا رفض السجود وطرد من الجنة، وطلب آدم من الله أن يخلق له أحدا يؤنسه لأنه أحس بالوحشة فقال له الله نم وغدا ستجد طلبك ولما نام آدم رأى في المنام حواء على هيئتها الحقيقية، ولما استيقظ رآها حقيقة على أجمل وصف، ولما أراد أن يقترب منها قال له الله لا بد أن تدفع مهرها وهو أن تصلي على النبي عشر مرات، ثم عملت له الملائكة زفة وتزوجها، وظل الشيطان في غيظ لأنهما سعيدان فظل يغني حتى جاءوا إليه وسمعوا غناءه وحاول يوسوس لهما فلم يستطع لأنه خارج الجنة.
ثم اختبأ الشيطان تحت بطن الحية ودخل الجنة ووسوس لهما حتى يأكلا من الشجرة، ولذلك عاقب الله الحية فوضع لسانها السم ونزع منها رجلها وكان عندها أربعة أرجل وجعلها تزحف على بطنها وفسرت "وخلق الإنسان عجولا" بأن آدم أول ما خلق ظل يحرك رجليه.
من أين جاءت هذه الأخت بهذا الكلام فأنا أشك فيه ولن أحضر لها مرة أخرى، ولكن كثيرون يحضرون عندها ويكتبون وراءها، فما الواجب علي فعله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نجد مرجعا يذكر هذا الكلام بالتفصيل المذكور في السؤال من كتب أهل العلم المعتمدة التي يتوخى أصحابها تحري إيراد الصحيح وترك ما سواه وإنما ذكر بعضها الجماعون الذين لا يميزون، ومظان مصادر هذا النوع من الأمور كتب الإسرائيليات، ومن المعلوم أن الإسرائيليات تجوز حكاية ما لم يعلم أن فيه خلافا للوحي الثابت، كما يدل له حديث البخاري: وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
ثم إننا ننبه إلى أن حضور مجالس تفسير القرآن الكريم مطلوب إن علم أن المدرس سليم المعتقد أو كان الطالب ممن يميز السنة من البدعة، فقد ذكر أهل العلم أن طالب العلم يصغي لما يسمعه من الدروس ثم يفتش بعد ذلك عن صحة ما سمعه كما عمل أبو هريرة حيث استمع وقبل الإفادة ممن جرب عليه السرقة والكذب ثلاث مرات ثم تأكد من صحة ما سمعه بعد ذلك، وراجع الفتوى رقم: 55004، والفتوى رقم: 28220، والفتوى رقم: 23346، والفتوى رقم: 54496، والفتوى رقم: 67538، للاطلاع على كلام بعض العلماء في بعض المسائل المذكورة في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1427(9/520)
أمور تعين على النجاح والتفوق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حصلت على 78.5 في الثانوية العامة المرحلة الأولى، فماذا أفعل من أجل الحصول على درجة أكبر في المرحلة الثانية من الثانوية العامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى ذات الأرقام التالية: 66870، 1492، 47632، 56561، 67164، 65084، 42499.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1427(9/521)
هل المطالعة فرض عين على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ
يقوم منتدى mobadara.com بتنفيذ مشروع "100 ألف شيخ يفتون: المطالعة فرض عين على كل مسلم ومسلمة" بناء على حجج مدرجة على الرابط http://mobadara.com/vb/showthread.php?p=777#post777
أرجو
1) إفتاءنا على السؤال: هل المطالعة فرض عين على كل مسلم ومسلمة"?
2) مساعدتنا بالترويج للمشروع في أوساط المسلمين وخصوصا المشايخ.
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فرض عين فيما يتعلق بالإنسان، ويتحتم عليه معرفته من الأمور العقدية والتعبدية ويمكن تعلم ذلك عن طريق السؤال أو السماع أو المطالعة، وأما الاطلاع على ما في الكتب الثقافية والسياسية الفكرية وعلم الاجتماع والنفس واللسانيات فلا يبلغ تعلمه درجة فرض العين، وأقصى ما يمكن بلوغه أن يكون فرض كفاية.
وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 47101، 19730، 18640، 11280، 18436، 15739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1427(9/522)
الاعتناء بالأحاديث الصحيحة وحفظها مقدم على حفظ الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتممت بحمد الله حفظ الأربعين النووية وحفظت حتى الآن حوالي مائة حديث من عمدة الأحكام، وكما هو معلوم لفضيلتكم أن هناك الكثير من الأحاديث الضعيفة المنتشرة بين الناس فهل يمكن لي في الوقت الحاضر أن آخذ كتابا في الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأحفظ بعضها حتى أكون على بينة من أمري ولأبين للناس ضعف هذه الأحاديث أم أنتظر حتى أنتهي من حفظ الأحاديث الصحيحة ثم أنتقل لحفظ الأحاديث الضعيفة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيك بالمزيد من حفظ الأحاديث الصحيحة وبحفظ القرآن وبتعلم الأحكام الشرعية بأدلتها الثابتة من الكتاب والسنة حتى تحصل على ما تحتاجه أنت في خاصتك من العلم الشرعي الذي يحقق لك أن تعبد الله عبادة صحيحة مبنية على الكتاب والسنة، ثم اعتن بتعليم ذلك للناس وادعهم للعمل به، وفي أثناء التعليم بين ضعف ما علمت ضعفه من الحديث، واحرص على الارتباط بعلماء السنة وحضور مجالسهم واستشرهم فيما يعرض لك، وأما تعلم الضعيف والتركيز عليه وتعليمه بالنسبة لمن لم يعلم من الصحيح إلا حوالي مائة وأربعين حديثا فنرى أنه خلاف الأولى، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 66864، 24708، 57232، 24708، 59729.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1427(9/523)
العالم إذا خالف فعله قوله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف المسلم عندما يرى العلماء الذين يدعون إلى الزهد وعدم التملق لأهل النفوذ هم أبعد الناس عما يقولون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم متعبد بما جاء عن الله تعالى من الأوامر والأحكام الشرعية وليس عليه اتباع الناس، فالواجب اتباع مارواه العالم من الشرع لا بما عمله هو، ثم إنه يتعين أن نحسن الظن بالعلماء ولا نتهمهم فقد يكون المستشكل عليهم مخطئا فيما اتهمهم به، وقد يكون عند بعضهم رؤية ووجه لما يعمل به، فالواجب على المسلم إصلاح نفسه ومناصحة إخوانه برفق دون التشهير بهم والتجريح لهم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 59520 / 64606 / 70367 / 72223 / 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1427(9/524)
الجمع بين الدراسة ودروس المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محتارة كثيرا لكون وقت الدروس في المسجد مع وقت المحاضرات، وأخاف أن أختار أو أفضل حاجة على حاجة، ويكون المفروض أن أفضل الأخرى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك أيتها الأخت الكريمة بالاجتهاد ومحاولة الجمع بين الحسنيين، والأهم من هذا وذاك أن تخلصي النية لله سبحانه وتعالى وتقصدي بما تعملينه وتقرئينه وجهه سبحانه، وسيوفقك بإذنه ويهيئ لك من أمرك رشدا فإنه يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة: 282}
ولكن إذا كانت المحاضرات يفرض حضورها أو ينبني فهمها واستيعابها على ذلك أو يؤدي عدم حضورها إلى ضرر ما فالأولى حضورها والالتزام بها في أوقاتها، وحضور ما تيسر بعد ذلك من الدروس، وفي كل خير إن قصد به وجه الله ولم يكن فيه ما لا يرضيه.
وللاستزادة انظري الفتويين: 37188، 57871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/525)
طلب العلم الشرعي في بلد غير مسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أدرس في فرنسا، وسأحصل إن شاء الله على دبلوم مهندس في نهاية هذا العام. سؤالي:
هل أبقى للعمل هنا على أمل المغادرة إذا سنحت لي فرصة عمل في بلاد إسلامية؟ أم أغادر حتما؟
أحب طلب العلم الشرعي: هل أطلب العلم الشرعي وأضرب بالدبلوم عرض الحائط..وكيف ذلك؟
أهلي في المغرب لا يعرفون كثيرا عن الدين. هل أطلب العلم في المغرب (هناك صعوبات كثيرة) ؟ أم أرحل إلى المشرق؟
انصحني يا شيخنا وحبذا لو فصلتم.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب العلوم الشرعية من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، فقد رغب الإسلام في طلب العلم عموما، وأفضل العلوم وأعظمها أجرا علوم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما، فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه الطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني.
فبادر -أيها الأخ الكريم- إلى طلب العلم متى وأينما وجدت إلى ذلك سبيلا، واسع في تعليم أهلك وإنقاذهم من ظلمات الجهل.
ثم إن إقامتك في دولة غير مسلمة أمر مباح إذا كنت تأمن معه على نفسك من الوقوع فيما هنالك من الفواحش والمنكرات، وكنت قادرا على إقامة شعائر دينك، ويستحسن حينئذ أن تصرف جهدك إلى الدعوة إلى الله وتتصل بالقائمين عليها فتجد فيهم بيئة تعينك على التمسك بالدين والدعوة إليه، وإذا لم تكن مشتغلا بدعوة واجبة هناك فلا شك أن رحيلك إلى بلد مسلم أفضل لك بكثير، وخاصة إذا كان الهدف هو طلب العلوم الشرعية.
وليس شرطا في صحة طلب العلم أن تضرب بالدبلوم الذي حصلت عليه عرض الحائط، بل يمكنك أن تتوظف به في أي بلد يتيسر لك فيه ذلك، وتشتغل بالعلم الشرعي إلى جنب الوظيفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1427(9/526)
الجمع بين الدراسة الثانوية ودراسة العلوم الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا شاب ملتزم أدرس في الثانوية ويدرسوننا موادا غريبة كالموسيقى مثلاً فعرض علي مسجد لطلب العلم فيه القرآن والمتون والآن أنا في حيرة، هل أترك الدراسة وأتفرغ لكتاب الله عز وجل أم أبقى في المدرسة التي فيها اختلاط بين الجنسين في قاعة واحدة أم كتاب الله عز وجل، فأرجوكم أرشدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاهتمام بحفظ القرآن ودراسة العلم الشرعي أمر ضروري جداً, وابتعاد الشاب عن أماكن الاختلاط المؤدية للفتنة واجب شرعي، وقد بينا تفصيل القول في الموسيقى في فتاوى سابقة كثيرة فراجع منها الفتوى رقم: 54439، والفتوى رقم: 54316.
وبناء عليه فإن أمكنك الجمع بين حفظ القرآن ودراسة العلم الشرعي وبين دراسة المناهج التي تحتاجها في دراستك حتى تأخذ شهادة تخول لك مواصلة الدراسة في الجامعة، وأمكنك البعد عما يخدش دينك فلا تنظر إلى المحرمات ولا تسمعها ولا تجالس الأجنبيات, بل تحضر بقدر الحاجة وقت الدرس، ثم تخرج مباشرة بعد ذلك فقد يكون هذا أولى وإن أمكنتك الدراسة بالمراسلة وحضور الامتحان فقط فهو أحسن.
وأما المواد التي تشتمل على محرمات كالموسيقى فتخلف عنها لرجحان مفسدتها، وحاول التركيز على غيرها من المواد لتعوض النقص الذي يحصل لك بسبب التخلف عن الموسيقى, وإذا اضطررت للإلمام بها فخذ من الطلاب بعض ما كتبوا فيها لتحصل على نقاط تمنعك من الرسوب، وأما إن لم تكن من ناحية حالتك المادية محتاجاً للدراسة بالثانوية وكنت ذا قابلية تستطيع بها حمل فرض الكفاية عن الأمة في دراسة العلم الشرعي وكنت ذا همة وعزم وستواصل حتى تأخذ رصيداً معرفياً طيباً فلا شك أن تفرغك لهذا أولى, لأن الأمة تحتاج الآن للأكفاء في العلوم الشرعية أكثر من غيرها من العلوم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 63043.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(9/527)
تحصيل علم الفقه.. طرق وآداب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا حفظت أحاديث كتاب عمدة الأحكام، وأقتنيت أحد الشروح عليه وكذلك سماع أشرطة الشرح لأحد العلماء أكون في غنى عن حفظ المتون الفقهية كزاد المستقنع حيث إن عمري 26 عاما، ومشاغل الحياة كثيرة وبالطبع لست متفرغاً لطلب العلم لأنه لا بد لي من أن أعمل لأتكسب لقمة العيش، مع العلم بأني أريد طلب العلم بمنهجية لأعمل في مجال الدعوة إلى الله، فهل هذا يكفي أم لا بد لطالب العلم إذا أراد أن يكون راسخاً في العلم أن يدرس الفقه على أحد المذاهب أولاً ثم يتوسع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم الشرعي من أعظم العبادات وأفضل القربات إلى الله تعالى، وأن طلب ما يصحح به المسلم عقيدته ويصلح به عبادته العينية فرض عين على المكلف، ومن حفظ كتاب عمدة الأحكام وفهم معناه وطالع بعض شروحه فقد حصل على خير كثير، ولكن ذلك لا يغني عن قراءة بعض المتون الفقهية التي تتبع جزئيات الفقه، ومسائله في أبواب مرتبة.
ولذلك ننصح السائل الكريم بتقوى الله تعالى والإخلاص في طلبه أولاً , وبعدم الاكتفاء بقراءة كتاب واحد، كما ننبه إلى أنه من الأفضل له القراءة على شيخ له معرفة بما يقرأ عليه، وينبغي أن يكون تقياً ورعاً زاهداً ... كما ننصح بالصبر على الطلب وعدم الاستعجال، وبإمكان العامل أن يطلب العلم وقت فراغه, وكذلك الموظف والتاجر وغيرهم، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20215، 23381، 57232 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(9/528)
الجمع بين العلم الديني والدنيوي ممكن وميسور
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت ابنة عمي في الصيف الماضي وأنا أستعجل الزواج لأني صاحب شهوة جنسية قوية، وما زال لي في الدراسة إن شاء الله 3 سنين تقريبا ولكن المشكل أني أصبحت أرى أن الدراسة مضيعة للوقت ويجب أن أهتم بالعلم الشرعي والدين لقد أصبحت مضطربا جدا. من جهة أريد استكمال الدراسة من أجل والدي ولكي أتزوج ومن ناحية أحس أنه واجب علي أن أتركها لأن فيها مضيعة للوقت وكذلك تعرضني للاختلاط ما زال 3 أشهر على الامتحان وأنا مضطرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك تعارض بين الدراسة وبين الزواج، وليس الزواج عائقا عن الدراسة أو مانعا من العلم، وهذه الفكرة خاطئة، كما أن لها آثارا سيئة، فتأخر الزواج يسبب للشاب والشابة اضرابات نفسية، بسبب الحاجة الغريزية للنكاح، وقد تؤثر هذه الاضطرابات سلبا على تحصيله الدراسي.
فنقول للأخ السائل: إن قدرت على إقناع أهلك بالزواج الآن فافعل، وهذا خير علاج لما تحس به من اضطراب، ومن شهوة قوية، وإذا لم تقدر على إقناعهم، فعليك بالعلاج النبوي وهو الصوم، مع غض البصر والابتعاد عن أسباب إثارة الشهوة، وملء الفراغ وبذل الجهد واستفراغ الطاقة في الدراسة وتحصيل العلم.
وأما بخصوص قولك: إنك تحس أن هذه الدراسة مضيعة للوقت، فنقول: ليس الأمر كذلك، فما من علم وإن كان دنيويا إلا وفيه نفع من وجه من الوجوه، وقد تنتفع به في الحصول على وظيفة.
فاستعن بالله واحرص ما ينفعك ولا تستعجل، وصحح النية، فاجعل نيتك من هذه الدراسة خدمة الإسلام والمسلمين، ونفع مجتمعك وأمتك، واجعل نية إرضاء الوالد والوظيفة والزواج تبعا، وليست الأصل، وهذا خير من ترك الدراسة وإغضاب الوالد، كما يمكنك طلب العلم الشرعي أيضا إذا ما نظمت وقتك، واستغللت أوقاتك لا سيما أوقات العطل والإجازات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1427(9/529)
ترك النوم بالليل طلبا للعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كم ساعة كان ينامها السلف الصالح، وكيف كانوا يقاومون النوم لطلب العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الله عز وجل بارك للسلف الصالح في أوقاتهم، ويتضح ذلك في وفرة علمهم وكثرة عبادتهم وجودة تأليفهم.. وسبب ذلك الأول هو قوة إيمانهم وإخلاصهم لله تعالى، وقد وصف الله عز وجل عباده المتقين بأنهم كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله، فقال الله تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ {الذاريات:17} ، ولا شك أنهم كانوا يغالبون النوم ويجاهدون أنفسهم على تحمل طلب العلم والصبر على ذلك والرحلة فيه، وقصصهم في ذلك كثيرة، فقد رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد كما جاء في صحيح البخاري وغيره.
وأما عدد الساعات التي كانوا ينامونها فلم نقف على عددها بالتحديد ولا شك أنها كانت قليلة، وللمزيد عن كيفية طلب العلم واستغلال الوقت لذلك نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8563، والفتوى رقم: 20110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/530)
الترهيب من طلب العلم للتباهي
[السُّؤَالُ]
ـ["أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ...." رواه مسلم. بالنسبة للفخر (في الأحساب) هل قصرها العلماء على شيء معين أم يدخل فيها التباهي بالأسانيد العالية بدون جدوى والطعن في أسانيد الغير رغم صحتها وأهليتها، فقد وجدت بعض المواقع مليئة بالمعارك والمنافسات حول الأسانيد وعلوها في القراءات والحديث رغم أن الاستغناء الآن عن الكتب المطبوعة والاكتفاء بالأسانيد أمر محال، والمراد هو طلب العلم الصحيح النافع كيفما تيسر قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر. وقل رب زدني علما. والله أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحسب يراد في اللغة الكرم والشرف الثابت في الآباء وما لهم من المفاخر. وقد يطلق على شرف الأفعال؛ كذا قال الزمخشري وابن منظور، وقال المناوي عند شرح هذا الحديث: الفخر في الأحساب أي الشرف بالآباء والتعاظم بِعدِّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم ... والأحساب جمع حسب وهو ما يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة وفصاحة.
وأما التباهي بالأسانيد فيمكن أن يستفاد الترهيب منه من حديث الترمذي وابن ماجه: من طلب العلم ليجاري به العلماء, أو ليماري به السفهاء, ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار. وراجع في أهمية الأسانيد واحترام أهل العلم وأهمية الإخلاص في طلب العلم والتأدب بآدابه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20215، 8563، 11967، 27005، 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/531)
هل يكتفي طالب العلم بحفظ الزاد ودراسة الشرح الممتع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم: من أراد طلب العلم على سبيل النجاة، هل يكتفي بحفظ متن معين كزاد المستقنع مع اقتناء شرح الشيخ ابن عثيمين عليه (الشرح الممتع) ويكون بذلك قد ألم بكل ما يهمه في الفقة بمعنى هل الشيخ يرجح في الشرح بين الأقوال ويذكر الراحج منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في طلب العلم أخبار كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قوله: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه مالك وابن ماجه وحسنه السيوطي، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه أحمد وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وصححه الألباني.
فننصح السائل الكريم بأن يشد عزمه ويرفع همته ليغترف من هذا الخير الكثير، ثم إن الشرح المسؤول عنه هو أحد الكتب المحدثة التي جمعت كثيرا من المسائل الفقهية التي يحتاجها المرء، وقد حرص صاحبه رحمة الله عليه على التدقيق في التصحيح والترجيح, ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنه من أفضل الكتب المعاصرة، ولكن الفكر البشري لا يمكن أن يخلو من المآخذ تماما.
وعليه فلو جمع الطالب بين حفظ متن الزاد مع اقتناء الشرح المذكور وبين مطالعة المتون الأخرى لكان ذلك أولى به في الوصول إلى ما يرجوه من النجاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1427(9/532)
كتب ومواقع يستفيد منها الشباب العائدون إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام
أود أن ترشدوني إلى كتاب فقه مختصر يتناول الأسئلة الفقهية الأكثر شيوعا بين الشباب ويورد الأحكام الراجحة دون التطرق إلى المذاهب الفقهية وذلك ليكون سهل التناول بين الشباب العائد إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا ما ينبغي لطالب العلم المبتدئ دراسته والحرص عليه وذلك في الفتوى رقم: 59910، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها، وأما سؤالك عن كتاب فقهي معين يتصف بما ذكرت فلا نعلمه ولكن للشيخ بافضل كتاب مسائل التعليم وهو كتاب مفيد نافع أسلوبه سهل يمكنك الرجوع إليه واقتناؤه، وكذلك بعض المواقع المفيدة على شبكة الإنترنت مثل موقع المربي للشيخ محمد الدويش وموقع راصد وغيرها من المواقع التي تعتني بمشاكل الشباب وتساؤلاتهم وتربيتهم على الإيمان وغير ذلك، وإليك عناوين تلك المواقع:
المربي:
http://www.almurabbi.com
موقع الراصد:
http://www.elrased.com
موسوعة القصص الواقيعة:
http://www.gesah.net/mag
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1427(9/533)
التخصص في دراسة المصارف الإسلامية لخدمة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يحيرني كثيرا وأرجو أن تسارعوا في الإجابة عليه:
حصلت حديثا على شهادة الماجستير في الإدارة المالية , ولدي طموح كبير، وبنفس الوقت أرغب جدا في خدمة ديننا الحنيف بأي شكل من الأشكال, أنا لا أدعي أنني فقيه أو طالب علم على الرغم من أنني لي الشرف أن أكون كذلك , ولكني شخص يحاول قدر الإمكان الحفاظ على دينه وبنفس الوقت يطمح في استخدام السبل المتاحة له لنصرة الدين.
لهذا أنا الآن أجد نفسي بين خيارين , إما أن أتابع في شهادتي الحالية وأحصل شهادات مهنية أجنبية في مجالي ولكن في النهاية أشعر إنني لن أفيد إلا نفسي سواء بالشهرة أو بالعمل في مكان \"راق\" ,والخيار الآخر أن أقوم بدراسة ماجستير في المصارف الإسلامية وبهذه الطريقة أشعر أنني ضمن إمكانياتي أستطيع أن أفيد ديني بشكل أو بآخر.
سؤالي بعد كل هذا ,هل أتابع في المصارف الإسلامية على الرغم من أن التحصيل الدنيوي له قد يعتبر أقل بكثير من الخيار الأول؟ هل بهذا الشكل أكون قد أرضيت الله تعالى عني بأن سخرت علمي في خدمة الدين لا في خدمة مصالحي فقط؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روي عن السلف الصالح أنهم قالو إذا وافق الحق الهوى فهو ألذ من الشهد، أي إذا وافقت ميول الإنسان وطموحاته الحق فقد هدي إلى خير عظيم ودل على صراط مستقيم، ونرجو أن تكون من الذين وافقت ميولهم وطموحاتهم الحق فأنت ميال إلى علم إدارة المال واستثماره وترغب في أن يكون علمك وتخصصك واجتهادك في علم المال المنضبط بالضوابط الشرعية، والمصارف الإسلامية أحد وجوه هذا العلم المنضبط.
وعليه، فنشد على يديك في أن تتخصص في البنوك الإسلامية وبهذا تكون لبنة في بناء صرح الحياة الإسلامية التي تعمل ويعمل كل غيور من أبناء الإسلام على استئنافها.
وبخصوص العائد المادي الأقل فلا يكون عائقا أمامك فإن الحق يستحق بعض التضحية، وما يدريك فلعل أبواب الدنيا تفتح لك إذا أخلصت نيتك واحتسبت عملك وعلمك فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1427(9/534)
فتاوى ناصحة لطلبة العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية وهذا آخر فصل لي وتحصيلي الدراسي ضعيف نتيجة تقصيري في دراستي فهل أحاسب على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتاوى التالية أرقامها: 63982، 63659، 35645، 26195، 25496، 18306، 40889.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(9/535)
كتب لا يستغني عنها طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتفقه وأتعلم العلم الشرعي وحفظ القرآن والسنة النبوية المطهرة، ولا أعرف عن من آخذ هذا العلم مع انتشار علماء يخافون في الله لومة كل لائم، فأرجو أن تكتبوا لي عن أسماء العلماء الثقات الذين لا يخشون في الله لوم اللائمين الذين يتقون الله عز وجل في كل أحوالهم، كما أنني أريد أن أكون في بيتي مكتبة إسلامية متكاملة فأرجو أن تكتبوا لي عن أسماء الكتب التي تنفعني وأولادي من بعدي في الآخرة قبل الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد وأن يفقهنا في دينه (فمن يرد الله به خيراً يفقه في الدين) كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه.
وأما ما طلبت من تحديد شيخ يتصف بما ذكرت فلا سبيل إلى معرفته إلا بسؤال طلبة العلم في ذلك البلد وستجده بإذن الله فلا يزال في الأمة خير، وأما الكتب النافعة التي ينبغي للمرء أن يحرص على اقتنائها، فانظر الفتوى رقم: 22007 لمعرفة عناوينها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(9/536)
حكم التخصص في أحد العلوم الشرعية أو الدنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى شرعية الاختصاص في أحد العلوم الشرعية أو الدنيوية؟ وكيف يقيم الشرع التجرد لهذا التخصص في أي علم من العلوم؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا علم المرء فرض عينه فلاحرج عليه بعد ذلك أن يتعلم من الأمور الشرعية أو الدنيوية ما يسد به ثغرة من ثغرات المجتمع، وهو مأجور على علمه وسعيه سواء أكان في أمور الدين أو في أمور الدنيا إذا أخلص النية لله وقصد بذلك وجهه، وكلما تخصص المرء في فن ما وحذقه وأتقنه كان ذلك أدعى إلى أن يبدع فيه ويكفي غيره منه، ولهذا قيل قيمة كل امرئ ما يحسن، وتنسب للإمام علي رضي الله عنه كما قال الدينوري في عيون الأخبار.
فلاحرج في تعلم أي علم مباح ولو كان دنيويا بل إن تعلمه قد يجب لأن تعلم ما يقوم به فرض الكفاية من تلك العلوم واجب على الأمة فرض كفاية على أفرادها، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتويين رقم: 49739، 54541.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1427(9/537)
نصائح لطالب الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول أن أحفظ الحديث النبوي الشريف، وأجد صعوبة في حفظ من روى الحديث ومن أخرجه، وبما أن النصائح قد كثرت في طرق حفظ القرآن الكريم، فأريد من فضيلتكم أن توجهوا بعض النصائح المهمة في كيفية حفظ الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آفة العلم النسيان، وعلاج ذلك يكون بأدوية منها: التقوى والصلاح، قال الله تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ {البقرة:282} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا {الطلاق:2} ، وقال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور * ونور الله لا يهدى لعاصي
ومنها: الصبر على طلب العلم، والمثابرة، وعدم الملل والضجر، والتذلل لذلك. ومنها: عدم الانشغال أثناء القراءة وطلب العلم، والابتعاد عن أماكن الضوضاء والملاهي واللهو، ويفضل أن يكون ذلك في مسجد.
ومنها: ملازمة العلماء والصالحين لأخذ العلم والصلاح والأدب عنهم.
ومنها: أن تكون مقبلاً على العلم وكتبه، تطلب منه المزيد دائماً، قال النسابة البكري: إن للعلم استجاعة، واستجاعته أن لا تشبع منه.
ومنها: أن تقرأ أو تتعلم لتفيد وتستفيد في دينك قبل دنياك، لا تتعلم لأجل دنيا، أو ليقال عنك عالم، أو لتنتصر في جدال، ولا لشهرة.
فقد روى الطبراني والترمذي من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار. ورواه ابن ماجه عن ابن عمر، وعن ابن دريك.
ومنها: أن يكون حفظك لما تقرأ على التدريج، قليلاً قليلاً مع الأيام، فقد قال معمر: سمعت الزهري يقول: من طلب العلم جملة فاته، وإنما يدرك العلم حديثاً وحديثين، وليكن الإتقان من شأنه.
ومنها: الدعاء واللجوء إلى الله بأن يسهل لك ذلك ويذهب عنك الشيطان، فقد قال الله تعالى لنبيه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} ، فأمره أن يسأله الاستزادة من العلم، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا استشكلت عليه مسألة دعا فقال: اللهم يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني. فيزول الإشكال، وللاستزادة والفائدة انظر الفتوى رقم: 17167.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1427(9/538)
السهر لدراسة العلوم الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في معهد للدراسات الإسلامية وندرس فقه عبادات وجنائي وعلوم شرعية هل دراستي لها تعتبر تفقها في الدين وهل السهر من أجل المذاكرة في هذه المواد تعتبر عبادة. وشكرا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن دراسة فقه العبادات والجنايات وسائر العلوم الشرعية كالتفسير والحديث يعتبر من التفقه في الدين، والسهر على دراسة ذلك سهر على عبادة عظيمة، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 64133.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(9/539)
العلم المفروض تعلمه على كل مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن لا تحيلوني على أجوبة سابقة، سؤالي هو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. ما المقصود بذلك، هل هو العلم الذي يوصل إلى درجة العالم، أم العلم بالفرائض والسنن التي يتعبد بها الناس لله حتى يعبدوه على علم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في المقصود بالعلم المفروض طلبه في هذا الحديث الشريف، وأصح الأقوال في معنى الحديث هو أن العلم المفروض تعلمه على كل مسلم هو: علم فروض الأعيان، كمعرفة الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته إجمالاً، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب اتباعه في كل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن شريعته ناسخة لغيرها، وتعلم الوضوء والغسل والصلاة وغير ذلك.
وأما فروض الكفايات كتغسيل الميت والصلاة عليه وغير ذلك فلا يجب على كل مسلم، وكذا من استقل بشيء كالتجارة فرض عليه دون غيره تعلم أحكام البيع، لئلا يبيع الحرام، أو يتعامل بالربا، وكذا علوم الطب والاقتصاد والهندسة لا يجب تعلمها على كل مسلم، بل يكفي تعلم البعض لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1427(9/540)
أدب الطالب مع شيخه ومعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي الطريقة المؤدبة في طرح الأسئلة لطلاب العلم الذين يستفتون مشايخهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنالك آداب عامة وآداب خاصة ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها في حضرة شيخه وحال مخاطبته إياه مستفسراً أو مخبراً أو غير ذلك، ومن تلك الآداب العامة ما نقله الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين وأسنده إلى علي رضي الله عنه قال: قال علي رضي الله عنه إن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سراً، ولا تغتابن أحداً عنده، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى ما دام يحفظ أمر الله تعالى ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران. انتهى.
فهذه جملة من الآداب العامة تلزم الطالب مع شيخه عند السؤال وغيره ولا يعني ذلك أن يقبل منه كل ما يبدي إذا خالف الحق ولكن يرد عليه رداً جميلاً، قال أحمد بن محمد المقري التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: ومخالفة التلميذ الشيخ في بعض المسائل إذا كان لها وجه وعليها دليل قائم يقبله غير الشيخ من العلماء ليس من سوء أدب التلميذ مع الشيخ، ولكن مع ملازمة التوقير الدائم والإجلال الملائم فقد خالف ابن عباس عمر وعليا وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم وكان قد أخذ عنهم، وخالف كثير من التابعين بعض الصحابة وإنما أخذوا العلم عنهم، وخالف مالك كثيراً من أشياخه، وخالف الشافعي وابن القاسم وأشهب مالكا في كثير من المسائل.
وقال الغزالي في الإحياء في باب أدب المتعلم: الوظيفة الثالثة أن لا يتكبر على العلم، ولا يتأمر على معلم بل يلقى إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق.
فالذلة بين يديه وعلى بابه عزة؛ ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما كما نقل عنه الغزالي: ذللت طالبا فعززت مطلوبا. ومن آداب السؤال للمعلم كما ذكر الغزالي: التواضع وإلقاء السمع، قال الله تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومعنى كونه ذا قلب أن يكون قابلاً للعلم فهما، ثم لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقى السمع وهو شهيد حاضر القلب ليستقبل كل ما ألقي إليه بحسن الإصغاء والضراعة والشكر والفرح وقبول المنة.
ومنها أيضاً حسنه وبيانه فحسن السؤال نصف الجواب كما قال أهل العلم، وأن يكون قصده منه التعلم لا المماراة والجدل، ففي الحديث: من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار. رواه الترمذي وحسنه الألباني، ومنها ألا يكون ثرثاراً متفيهقا متشدقاً، وألا يتتبع غوامض المسائل وأوابدها من غير حاجة ألمت به ونازلة حلت به. وهنالك آداب أخرى يحددها العرف أقوالاً أو أفعالاً ينبغي مراعاتها والالتزام بها ما لم تخالف أمر الشارع لأنها حينئذ يجب أن تنبذ، كما قال محمد مولود الشنقيطي:
والعرف إن خالف أمر الباري * وجب أن ينبذ بالبراري
إذ ليس بالمعيد جري العيد * بخلف أمر المبدء المعيد
هذه جملة من الآداب التي ينبغي لطالب العلم مراعاتها بين يدي معلمه وعند مخاطبته إياه. وللاستزادة انظر كتاب بكر بن أبي زيد حلية طالب العلم ونحوه من الكتب المؤلفة في هذا المقام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1426(9/541)
كتب يعتمد عليها طالب العلم في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم في استراليا ولا يوجد هنا إلا القليل من الكتب الإسلامية وبعض هذه الكتب هي لشيخ مشهور اسمه محمد رمضان البوطي فهل تنصحونني بقراءة كتبه وما مدى مصداقيته ومصداقية كتبه حيث إنني سمعت أن كتبه لا يعتمد عليها؟ مع العلم بأن الكتب الإسلامية يصعب تحصيلها هنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طالب العلم يبحث عن الحق دائما وأصح الكتب كتاب الله والكتب التي تعني بالأحاديث الثابتة ثم التفاسير وشروح الحديث المعتمدة وكتب فقه أئمة المذاهب الأربعة وقد تحقق توفر كثير من هذا عبر شبكة الإنترنت فهناك موسوعة اسمها الشاملة، تحتوي على كثير من الكتب المهمة في شتى المجالات ويمكن تنزيلها بسهولة في قرص وهناك مكتبات أخرى كثيرة يمكن تنزيلها أيضا.
وأما الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فهو رجل من العلماء المعاصرين فتمكن الاستفادة من كتبه مع التجرد للحق وعدم التعصب لما قرأت إذا بين لك من يوثق به أن فيه خطأ وعليك بسؤال الله الهداية للحق فيما اختلف فيه، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح قيام الليل بقوله. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1426(9/542)
الاستفادة من الشروح المكتوبة والشروح المسموعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
1-هل الشرح المكتوب يقوم مقام الشرح المسموع بمعنى هل لو اقتنيت كتاب شرح الشيخ ابن العثيمين لزاد المستقنع يكون كافيا ولا داعي لسماع أشرطة الشيخ في شرح الزاد
2- أفضل كتاب لشرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرح المكتوب فيه نوع من الفائدة ولكنه لا يغني عن الشرح المسموع غناء كاملا، وذلك لأن السامع لكلام الشيخ يستفيد منه صحة الألفاظ وضبطها.
وأما كتاب التوحيد فأحسن شروحه تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله، وفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن حسن آل الشيخ. والجديد في التوحيد للشيخ عبد الله القرعاوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(9/543)
الدراسة عند المدرس الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في 19 من العمر وأدرس في إحدى الجامعات ويقوم أحد المدرسين الأمريكان بتدريسي هل ذلك جائز في الشرع؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن المرء يجوز أن يتعلم من الكافر من أي ملة كان ومن أي جنسية، لما ثبت من تعلم أولاد الصحابة الكتابة على المشركين من قريش أسرى بدر حين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فداء من لم يجد من المال ما يفدي به نفسه. أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، ولكن هذا الجواز مقيد بما إذا لم يكن في التعلم ما يمكن أن يفتنه في دينه، وتمسك المرء بدينه هو أولى الواجبات عليه وآكدها، لأنه الوسيلة الوحيدة لفوزه وفلاحه في الدنيا والآخرة.
وعليه فإذا كان ذلك المدرس لا يريد منك مخالفة شرعية، ولا يعلمك تعليماً منافياً للدين الإسلامي فلا مانع من دراستك عنده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1426(9/544)
حكم قراءة كتاب الفتوحات المكية لابن عربي
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم قراءة كتاب الفتوحات المكية والإحياء لابن عربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب الفتوحات المكية لابن عربي تُمنع قراءته لضلال صاحبه، وقد سبق الحديث عنه في الفتوى رقم: 53523، وليس معروفاً عندنا كتاب لابن عربي يسمى الإحياء، وإنما يعرف كتاب الغزالي إحياء علوم الدين وقد سبق الكلام عليه في الفتوى رقم: 6784، والفتوى رقم: 7667.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(9/545)
موقف الأستاذ من الطالب المخالف للوائح الدكتوراه
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة الفضلاء المفتين، أود أن تتكرموا بالإجابة عن سؤال ملح لا يحتمل التأخير، وهو أنني عينت عضوا في لجنة فحص أطروحة دكتوراه، وعلي تقديم تقرير بالموافقة على تقديمها للمناقشة العلنية أو عدم الموافقة على ذلك مع التعليل، والأطروحة مكونة من قسمين: الأول دراسة عن المخطوط، والثانية تحقيق المخطوط، وبعد فحصي للدراسة تأكد لدي بصفة قطعية أن الباحث قد أخذ من دراسة أحد المحققين لكتاب آخر لنفس مؤلف المخطوط موضع الدراسة دون عزو إليه؛ وذلك في صفحات عديدة متواصلة أو متفرقة أحيانا، في فصلين يتعلقان بالعصر وحياة المؤلف وآثاره، علما بأن بقية الدراسة لا بأس بها، فهل أقدم تقريرا سلبيا يرفض المناقشة ويطلب من الباحث تعديل هذه الأمور -وقد مرت بعض النماذج من هذا لدى فاحصين آخرين- أم أقبل وأشير إلى هذه النقائص أثناء المناقشة مع التشدد معه في التقدير الممنوح له بعد المناقشة، وقد وقعت من ذلك نماذج أيضا، أنا في انتظار جوابكم؟ وجزاكم الله خيراً، ووفقكم لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ما فعله الطالب يخالف القواعد المقررة بخصوص رسائل الدكتوراه عندكم فالواجب عليك هو فعل ما تقتضيه تلك اللوائح، لكننا ننصحك بأن تنبه الطالب إلى ما فعل أولاً ولا شك أنه يستجيب لأمرك، فإن لم يستجب لك فلا تتخذ ضده إجراء يضره ما دمت تستطيع دفع الضرر عنه، وإذا كان ولا بد فلتتخير أخف الأضرار التي تبين له خطأه وتكون ردعاً له ولغيره، ولعل فيما ذكرت من التشدد في منح الدرجة له مع الإشارة إلى خطئه أثناء المناقشة ما يكفي لردعه وزجره، وذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه، وراجع الفتوى رقم: 9797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(9/546)
من صفات من يؤخذ عنهم العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستماع لكل الشيوخ يؤثر على الفهم، هناك من يقول لا تأخذ عن الشيخ فلان أو الشيخ فلان لأن أهل العلم قالوا هذا الشيخ من طائفة متشددة أو غير متشددة، أفيدونا فضيلة الشيخ، وهل ممكن
أتعرف عليك أنا أحببتك في الله ومن أي بلد، وأسأل الله أن يعينكم على الحق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب عن هذا أنه يجب على المسلم احترام أهل العلم المتصفين بالاستقامة والورع، وأن يصون لسانه عن النيل من أعراضهم ويبتعد عن اغتيابهم والتشهير بأخطائهم إن اطلع عليها، وللتفصيل في هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 4402، والفتوى رقم: 6506.
كما ينبغي للمسلم أن يأخذ العلم عن كل من اتصف بالشروط المطلوبة لذلك والتي من بينها صحة المعتقد، والسلامة من الشذود، والفقه في الدين والورع ... إلى آخر الصفات التي تقدم بيانها في الفتوى رقم: 18328.
وترجمة الشيخ الدكتور عبد الله الفقيه حفظه الله تعالى سبقت في الفتوى رقم: 35374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1426(9/547)
تعلم العلم أفضل من نوافل الصلاة والصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أذهب إلى المسجد - على فرض صلاة الظهر - وأريد أن أصلي تحية المسجد وأن أصلي نافلة أقرأ القرآن الكريم، ولكن أجد شيخًا واعظًا يعطى درسا فى الفقه هل من الواجب والأحسن أن أصلي تحية المسجد وأجلس وأستمع إلى الدرس أو أنه لا ضرر من التنفل وقراءة القرآن، علمًا بأن الدرس يوجد به ذكر الحبيب المصطفى، وهنا إذا كنت أقرأ القرآن هل أقطع القراءة وأسلم على الحبيب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل للسائل هنا بعد أن يحيي المسجد أن يجلس في حلقة العلم يستمع إلى الدرس، فإذا انتهى صلى ما شاء من النافلة وقرأ ما شاء، وذلك لأن العلماء نصوا على أن تعلم العلم أفضل من نوافل الصلاة والصوم. قال النووي: والحاصل أنهم متفقون على أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل الصوم والصلاة والتسبيح ونحو ذلك من نوافل عبادات البدن. انتهى. وهذا لمعنى ذكره غير واحد من أهل العلم.
أما بخصوص قطع القراءة لأجل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندما يذكره الواعظ والقائم بالدرس فإنه لا يلزم بذلك، وكذلك لا يلزم بها وهو يصلي بدليل أن القارئ نفسه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أثناء القراءة لا يلزم بالصلاة عليه ولو فعل ذلك كل منهما فإنه مشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(9/548)
الجمع بين دراسة العلم الشرعي والمناهج الدراسية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المناهج الدراسية بإجماع العلماء غير صالحة ولا تبني أمة كأسلافنا، فكيف يمكن الجمع بين إرضاء الوالدين بالمذاكرة والتفوق وإرضاء الله سبحانه وتعالى بطلب العلم النافع وكيف تكون نيتي حيث إنني أحيانا أشعر بضيق من هذه المناهج؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم على المناهج الدراسية جميعها بعدم الصلاحية لا يخلو من مبالغة، فلا ينبغي الحكم عليها بإطلاق فمنها ما هو صالح ومنها ما فيه دخن ومنها ما هو فاسد، ومهما كانت فلا ينبغي للمرء المسلم أن يتكل عليها في معرفة أمور دينه وطلبه للعلم النافع.
ولا يتعارض الاجتهاد والمذاكرة لأجل التفوق وإرضاء الوالدين مع السعي في طلب العلم النافع وتحصيله إذ يمكن استغلال الإجازات في ذلك السبيل وأوقات الفراغ الكثيرة، ومما يعين على الجمع بينهما تنظيم الوقت ورسم الهدف وتخطيط المنهج والهمة العالية.
ولم يكن السلف رحمهم الله تعالى يتخصصون في فن دون آخر بل كانوا في الأغلب جامعات متنقلة قد خبروا القرآن والحديث والفقه واللغة والتاريخ والسيرة والطب وعلم الفلك والحساب وغيره.
فعليك أن ترضي والديك بتحقيق رغبتهما في الاجتهاد والتفوق، ولم تذكر ممانعتهما فيما عدا ذلك، فلتحقق لهما رغبتهما ولتحقق لنفسك رغبتها في التضلع من العلوم الشرعية النافعة فتجمع بين الحسنيين. وقد بينا الواجب فيما إذا تعارضت رغبة الولد مع رغبة والديه، وذلك في الفتوى رقم: 6759، وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 47055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(9/549)
أكمل دراسة الطب طاعة لوالديك وخدمة للإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء الأفاضل أنا طالب فى العام الدراسي النهائي فى كلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة مصر وباقى على التخرج إن شاء الله ثلاثة أشهر، علمت يا سيدى أن المسلم مكلف أولا وقبل كل شيء بحفظ القرآن ودراسة العلوم الإسلامية لكي تكون منهاجا لنا فى الحياة وبناء على ذلك قررت عدم استكمال الدراسة في كلية الطب والالتحاق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدي ووالدتي فى حزن شديد ونصحاني بضرورة إنهاء الدراسة الطبية والتخرج أولاً ثم الالتحاق بالجامعة الإسلامية بعد ذلك، رفضت النصيحة على أساس اقتناعى بأن إرضاء الله أولا وفعلا أنا الآن تركت استكمال دراسة الطب وادخرت كل وقتي لاستكمال حفظ القرآن والتقدم إلى الجامعة الإسلامية فى المدينة المنورة، ما حكم الدين الإسلامى فى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلوم الشرعية من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، فقد رغب الإسلام في طلب العلم عموماً، وأفضل العلوم وأعظمها أجراً علوم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما، فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم.
ومع ذلك فإن العلوم الدنيوية النافعة التي فيها خدمة للأمة وإعانة لها على أمور دينها ودنياها، كالطب والهندسة وغيرهما من العلوم التي لا تتعارض مع الشرع، تعتبر -أيضاً- علوماً فاضلة، يُؤجَر المرء إذا تعلمها بنية خدمة الإسلام.
وعليه.. فبما أنه بقي لتخرجك ثلاثة أشهر فقط، وأن والديك قد حزنا حزنا شديداً بسبب ما أردته، وأنهما يريان أن تكمل الفترة القصيرة المتبقية لك من الدراسة، ثم تلتحق بعد ذلك بالجامعة الإسلامية، فإنا نرى أن طاعتهما في هذا هي الصواب، لما تشتمل عليه من الجمع بين المصلحتين، ولأن: رضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين. كما أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1426(9/550)
لا بأس بالانقطاع عن طلب العلم فترة لكسب المال
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعمل لجمع المال الذي يعينني على الزاوج وعفة النفس، فأتاني عملان، الأول بمبلغ متوسط ولكن يقضي على كل وقتي, والآخر بمبلغ بسيط ولكن يتيح لي طلب العلم أيضا ومجالسة الصالحين, فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العمل الأول لا يشغلك عن الواجبات الشرعية كالصلوات الخمس وغيرها، فأنت مخير بين العملين فانظر أيهما أنفع وأجدى لك، هذا وقد ينقطع المرء عن طلب العلم زمناً لكي يكسب من المال ما يقوم بشأنه ويصون وجهه عن مسألة الناس ويعف به نفسه، فإذا حصل هذا القدر منه رجع إلى الطلب فنال شرف المال وشرف العلم، فإنه قبيح بأهل العلم أن يظلوا عالة على الناس، ففي هذا من ضياع هيبة العلم واندراس آثاره ما لا يخفى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(9/551)
ما يجوز تعلمه للحصول على المال والجاه ابتداء وما لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[عرفت أحاديث عن فضل من علم الناس علمآ ينتفع به وأن له أجراً كبيراً عند الله كلما انتفع أحد من هذا العلم دون أن ينقص من أجرهم شيء. فما مكان المعلمين من هذا الأجر المذكور فى الأحاديث؟ خاصة أننا - معشر المعلمين – نتخذ من تعليم أبناء الناس مهنة نترزق منها , ولا أقصد الدخول فى موضوع تحليل أو تحريم الدروس الخصوصية لأني على قناعة كاملة أني أوفى طلابي حقهم وأجيب جميع أسئلتهم داخل بل وخارج الفصول دون شرط سوى أن يسألوني وسواء في ذلك من كان طالبا في فصلي أو في فصل غيري فأما من أراد منهم أن أعيد له المقرر كاملآ في منزله مقابل أجر ليتقوى فلا أجد حرجآ في ذلك خاصة أن ليس لي مهنة أخرى وأن الأجر الحكومي لها لا يكفي شرب الماء فقط وخاصة أيضآ أني لا أشترط في الأجر سوى أن يكون من نفس راضية وأن يحدث فارق في المستوى لدى الطالب. فما مكاني أنا ومن مثلي من المعلمين من تلك الأحاديث التى تذكر من علم الناس علما ينتفع به ولكن لم تذكر أنه اتخذ مالاً مقابل ذلك التعليم؟
جزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العلم الذي حث عليه الإسلام هو كل علم نافع سواء كان يتصل مباشرة بأحكام الشريعة أم كان يتصل بالمباحات من العلوم الدنيوية، كالهندسة والطب والرياضيات؛ إذ كل علم من هذه العلوم ينفع البشرية في جانب من جوانب الحياة، مما يؤدي إلى إعمار الأرض وإصلاحها، وهذا شيء قد أُمرنا به في الجملة. لكن لعلوم الشريعة منزلة خاصة من بين جميع العلوم النافعة لاتصالها بالله سبحانه وتعالى، فإنها إما أن تكون قرآناً أو سنة أو ما يعين على فهمهما، وشرف العلم يستمد من شرف المعلوم.
وهذا النوع من العلم لا يجوز تعلمه لأجل الحصول على المال والجاه بداية لما ورد في كثير من الأدلة الناهية عن طلب العلم لأجل الدنيا، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 20215.
ولمعرفة حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن راجع الفتوى رقم: 9252، والفتوى رقم: 24295، والفتوى رقم: 26251. ...
أما العلوم الدنيوية كالرياضيات والعلوم فلا مانع للمرء من طلبها ابتداء لنيل وظيفة أو مال أو مكانة، لكنه إذا أخلص فيها لله تعالى زاد ثوابه بقدر إخلاصه، فإن النية تجعل المباح قربة. وراجع في هذا الفتوى رقم: 39937، والفتوى رقم: 40763. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1426(9/552)
الوسائل المساعدة على الحفظ والفهم والتحصيل العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[الطريقة الأمثل التي تحتاج إلى حفظ أو فهم هو أن يكون في حالة جيدة، وأن يكون محبا لدراسته وأن لا يهمل تمارينه الدراسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أقوى ما يدفع المرء للدراسة ويشده للمراجعة في الفتوى رقم: 42499، كما بينا وسائل تحقيق التفوق العلمي وضبط الدروس وحفظها وفهمها في الفتوى رقم: 14877، والفتوى رقم: 26195. وينبغي لطالب العلم أن يستعين في دراسته بالإرشادات المبينة في الفتوى رقم: 21214.
وخلاصة القول أن رسم الهدف وتحين الأوقات المناسبة مثل الفجر وعقب النوم ونحوها من الأوقات التي يكون فيها البال مطمئناً والذهن خالياً والمحيط هادئاً بحيث لا توجد أصوات أو مؤثرات تشوش على الذهن وتشغل الفكر، وتعاهد الدروس بالمراجعة، كل ذلك من الأسباب المعينة بإذن الله تعالى على الحفظ والفهم والتحصيل العلمي، وأهمها الهدف وتنظيم الوقت، ويذكر علماء النفس وسائل كثيرة لذلك، وقد بينا طرفاً منها في الفتاوى المحال إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(9/553)
آداب تراعى لدىطلب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب التي حذر منها العلماء في مجال الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم كتباً معينة بأسمائها حذر منها خاصة، وإنما يجب الحذر من كتب جميع المبتدعة وأهل الأهواء؛ إذ يخلطون الحق بالباطل والصحيح بالسقيم ويوردون الأحاديث الموضوعة في سياق الأحاديث الصحيحة تلبيسا عليها حتى لا تكشف فيمررون بذلك عقائدهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة.
فينبغي للمسلم أن يحذر من كتب أولئك سيما إذا كان مبتدئا لم يسلح بعد برصيد علمي يقيه سمومهم ويدفع عنه شرورهم ويميز به بين الحق والباطل.
فالفقه والعقيدة وغير ذلك من أمور الدين لا ينبغي أخذها إلا عمن يوثق في علمه وأمانته واشتهر بالصلاح والاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة، وإن كان بعض العلماء ذكروا أنه لا ينبغي للمبتدئ النظر في الكتب التي فيها حدة وجرأة على العلماء كالمحلى لابن حزم رحمه الله، وكذلك كتب ابن العربي المالكي ونحوها، فقد كان في أسلوب أولئك حدة على الأئمة رحمهم الله تعالى ووصفهم بما لا يليق، فكان الأولى للمبتدئ أن يحذر من ذلك، لأنه ربما أورثه بغضا لهم وكراهية لأقوالهم وعدم الثقة بها وهم أئمة مجتهدون ربما أصابوا وربما أخطؤوا كحال البشر، وقد أجمعت الأمة على علمهم وورعهم وصلاحهم واتباعهم، ولكن ابن حزم رحمه الله تعالى كان بينه وبين بعض أتباعهم مناظرات وخصومات فأورثه ذلك ما أورثه تجاه مذاهبهم وأصحابها، ولا يعني ذلك طعنا في كتبه فإنها من أجلِّ الكتب وأنفعها ولكن ضررها على المبتدئ أكثر من نفعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(9/554)
الحفظ والمذاكرة والاستعداد للامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الأول:
ما هي الطريقة الأمثل لدراسة المواد التي تحتاج إلى فهم أو حفظ أو الأمرين معا؟
السؤال الثاني:
ما هي طرق الاستعداد للامتحان والأدعية التي تدعى قبل وخلال وبعد الامتحان؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطالب يتعين عليه العزم على الاستفادة من دراسته وأن لا يكون همه النجاح في الامتحان فقط، بل يبذل قصارى جهده في تحصيل العلم النافع ليستفيد منه ويفيد في المستقبل، فما كان من المواد يحتاج لضبط ألفاظه ينبغي أن يختار له الأوقات المناسبة للحفظ وهي وقت السحر وما بعد الفجر، وليكن الإنسان في مكان خال مما يشوش على ذهنه من المسموعات والمنظورات.
وينبغي أن يجزئ المادة المحفوظة إن كان النص طويلا فيقسمه إلى عدة فقرات فيأخذ الفقرة الأولى مثلا ويركز عليها بنظره ويقرؤها بصوت مسموع مع حضور الذهن حتى تشترك الحواس كلها في حفظها ثم بعد تكرارها عدة مراة يغمض عينيه ويحاول استحضارها فإن كان أتم حفظها فليراجعها عدة مرات.
ثم يتقدم للفقرة الثانية ويجعل بين الفقرتين رابطا إن كان الكلام مترابطا كما في القرآن، ثم يواصل حتى يكمل النص كله ثم يراجعه مجتمعا عشرات المرات حتى يتأكد حفظه ويتعهده في الأيام المقبلة لئلا يتفلت.
وأما ما كان من المواد لا يطلب ضبط ألفاظه فينبغي للطالب أن يطالعه حتى يتأكد من فهمه ويسأل المدرس أو بعض الطلبة الفاهمين عما يشكل عليه إن كان هناك إشكال، فإن تأكد من فهم الموضوع فليحاول تلخيصه في جمل مختصرة ويحفظها لتساعده على الاستذكار أثناء الامتحانات ثم يحاول أن يلقي درسا لنفسه أو لزملائه بمحتوى المادة ثم يرجع إلى المذكرة بعد ذلك ليعرف هل بقي عليه شيء لم يتذكره، ثم يراجعه مرات بعد ذلك ليتأكد تمكنه من استيعاب المادة
ومن أحسن الأوقات للمذاكرة وقت المساء مع الهدوء وتفريغ البال لما يذاكره الطالب، وليعلم أن الحفظ والفهم يتعين اجتماعهما في أغلب الأمور فإن فهم معاني المادة يساعد على حفظها.
وعلى الطالب أن يحافظ على الطاعة الواجبة وأهمها الصلاة في المسجد وينبغي المحافظة على الأذكار المقيدة والمطلقة، وعليه أن يبتعد عن المعاصي فإن التقوى سبب للفلاح وإن المعاصي سبب للحرمان كما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه. رواه أحمد وصححه الألباني.
وأما الأدعية فراجع فيها وفي المزيد عما تقدم الفتاوى التالية أرقامها: مع إحالاتها: 60018، 25728، 35247، 43863، 49867، 53348، 50689.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1426(9/555)
الدراسة في الجامعات المعاصرة المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[1) ما هو حكم الدراسة في الجامعات المختلطة؟
2) ما هو حكم الدراسة في جامعة مؤتة الجناح العسكري الموجودة في الأردن؟؟
أرجو الرد في أسرع وقت]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدراسة في الجامعات المختلطة بحالها المعروف في العالم المعاصر تعرض الدارس فيها لرؤية النساء وهن سافرات ومتجملات إن لم يكن محافظا على غض البصر، كما أنه قد يرى المناكر وهو لا يستطيع تغييرها ثم يألفها ويصبح الأمر عاديا عنده، وهذا مما يستلزم الحذر والحيطة في الدراسة بها.
وبناء عليه، فإن المرء يتعين عليه النظر في مستوى حاجته إليها وإمكانية استغنائه عنها بواسطة الدراسة بالمراسلة عبر الإنترنت أو أن يدرس في بيته ثم يحضر الامتحان فقط، فإن تيسر هذا فهو أولى، وإن احتاج حاجة شديدة إليها فلا باس بالدراسة فيها مع غض البصر وعدم الحوار مع البنات إلا مع الالتزام بالضوابط الشرعية.
وينبغي أن يحصن نفسه بالزواج إن استطاع، والارتباط بمجالس العلم وبصحبة الشباب الخيرين والقيام بما تيسر من النشاط الإسلامي وصوم النفل وكثرة المطالعة في كتب الترغيب والرقائق.
وأما الكلام على الجامعة المذكورة فإنه يتوقف على الاطلاع على حال تلك الجامعة فعليك أن تسال أهل العلم ببلدك وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5310، 60414، 57136، 63043، 2523، 8890.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1426(9/556)
المكث عند الطبيب لتعلم الطب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب الفتوى رقم65411 أريد أن أوضح لكم أن التربص يكون بمراقبة الطبيب أثناء مداواته للمرضى والاستفسار عن الأشياء الغامضة عندما لا يكون هناك مريض فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المكث عند الطبيب ومراقبة كيفية علاجه للمرضى للاستفادة من ذلك لا مانع منه شرعا في حد ذاته مالم يكن في ذلك عائق لعمله أو أخذ من وقته.. أو مانع شرعي خارج. ولهذا قلنا إنه لا مانع شرعا من تربصك عند الطبيب للاستفادة منه.. وربما يكون ذلك أفضل بالنسبة لمن يريد التعلم مثلك ـ بالشروط التي ذكرنا في الإجابة السابقة ـ فعلم كل شيء أفضل من جهله وخاصة الطب الذي هو من فروض الكفاية، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن تعلمها أفضل من تعلم فرض العين وأكثر ثوابا لتعدي نفعها، وإلى ذلك أشار السيوطي في الكوكب فقال:
فرض الكفاية مهم يقصد من نظر عن فاعل يجرد
وزعم الأستاذ والجويني ونجله يفضل فرض العين.
والحاصل أنه لا مانع شرعا من مكثك عند الطبيب لتتعلم منه مالم يكن هناك مانع شرعي خارج، وحكمك في هذه الحالة حكم طالب علم الطب. والنظر الفتوى رقم: 6777.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(9/557)
أسماء أصحاب الكهف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسماء أصحاب الكهف؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت أسماء أصحاب الكهف في بعض كتب الأخبار والتفسير، وخاصة تفسير الطبري والقرطبي وغيرهما، كما ذكر فيها اسم كلبهم.. وغير ذلك من تفاصيل قصتهم مما لا يصح، كما قال القرطبي عند ذكر أسمائهم قال: وأما أسماؤهم فأعجمية والسند فيها واه. وبإمكانك أن ترجع إلى أسمائهم في بعض المراجع التي أشرنا إليها مع العلم أنه لا يترتب على معرفتها كبير فائدة ولا ينبني عليها عمل ولا حكم شرعي ... ولو كان في ذلك فائدة لنا لقصه علينا القرآن الكريم أو لحدثنا به نبينا صلى الله عليه وسلم. وينبغي للمسلم أن يكتفي بما جاء في كتاب الله تعالى وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه القصص ... التي بين القرآن الكريم ما تضمنته من دروس وعظات وعبر.. ويتوقف عن التفاصيل الجزئية التي لا فائدة منها. وللمزيد عن أصحاب الكهف نرجو الاطلاع على الفتويين: 35798، 37624. وما أحيل إليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1426(9/558)
علماء أهل السنة والجماعة هم أولى الناس بأخذ العلم عنهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعيش في الأردن تحديدا في الزرقاء. ما اسم العلماء أو المشايخ الثقات الذين تنصحوني بأن آخذ العلم منهم في الأردن؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من إكرام الله للعبد أن يوفقه لطلب العلم على أحد علماء أهل السنة والجماعة، فيأخذ عنهم الهدي والسمت الصالح والأدب مع العلم النافع، وهؤلاء قلة في هذا الزمان لكنهم موجودون ولله الحمد.
ونحن لا نعرف أكثر علماء الأردن، لكن بإمكانك أن تسأل من تثق به من أهل تلك البلاد فإنهم أعرف بعلمائها وصلحائها، ونقترح عليك منهم الدكتور عمر سليمان الأشقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(9/559)
حجب العلم عمن هو ليس له بأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام سمعت دكتورا فى الجامعة يقول لطلابه بعد الإساءة إليه صدق الرسول حيث قال لا تعلموا أولاد السفلة العلم وإن علمتموهم لا تولوهم المناصب، فهل هذا حديث وإن لم يكن حديثا، هل هناك ما يؤيد ذلك القول في الآثار النبوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على من نسب هذا الكلام للحديث النبوي، وقد وردت أحاديث قريبة من هذا المعنى بعضها موضوع وبعضها ضعيف جداً منها ما أخرجه ابن ماجه في سننه بلفظ: طلب العلم فريضة على كل مسلم وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجواهر واللؤلؤ والذهب. وقال الألباني في العبارة الأخيرة إنها ضعيفة جداً، ومنها حديث: لا تطرحوا الدر في أفواه الكلاب. يعني العلم ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، وقال: رواه الخطيب عن أنس مرفوعاً وفي لفظ: لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير. قال ابن حبان: في إسناده يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو يروي الموضوعات.
ثم إن على الطلاب احترام الأستاذ وأن يشكروا له ما يقدمه لهم من خدمة ومعونة، وأن يكافئوه بالشكر والدعاء وما تيسر من الهدايا أو غير ذلك لما في الحديث: من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني والأرناؤوط. ولما في الحديث: من لا يشكر الناس لا يشكر الله. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1426(9/560)
يجب تعلم أحكام العبادات التي لا تصح إلا بها
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان أواجه حالات في الصلاة أو الطهارة لا أعرف حكم الشرع فيها. رغم ما يحاوله المرء للتفقه في دينه سؤالي هل يحق لي الاجتهاد حسب معرفتي ثم سؤال أحد أئمة المساجد في وقت لاحق أم علي إعادة تلك الصلاة. وإذا أفتاني الإمام بشيء يخالف ما ذهبت إليه هل علي إعادة كل الصلوات بداية من الصلاة موضوع الفتوى أم أعيد فقط تلك الصلاة.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الاسلام بعد الشهادتين، وهي عماد الدين كما في الحديث، وعليه فيجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم من أحكام الفقه ما تصح به صلاته، فيتعلم أركانها ومبطلاتها بعد أن يعلم أحكام الطهارة لأن صحة الصلاة متوقفة على صحة الطهارة. وكذلك الأمر بالنسبة للصيام والزكاة والحج والبيع وغيره من المعاملات، إذ لا يحل لامرئ مسلم أن يعمل عملا حتى يعلم حكم الله بالتعليم أو بسؤال العلماء، فإن كانت هذه الأمور التي تشكل عليك في الطهارة والصلاة مما لا تصح الطهارة في الصلاة إلا بها ولم تأت بها على الوجه الصحيح فإن الصلاة غير صحيحة ويجب قضاؤها، ويمكن أن تعرف ذلك بسؤال من له معرفة بأحكام الطهارة والصلاة، فإن ذكرت له الأمور التي تشكل عليك فسيبين لك ما إذا كان ذلك يفسد الصلاة أم لا، ويمكن معرفة ذلك أيضا بمطالعة مختصرات الفقه مثل كتاب الأخضري في الفقه المالكي، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وغيرهما، وإذا تبين أن الذي ذهبت إليه مما تبطل به الصلاة وجبت إعادة تلك الصلاة التي وقع فيها ذلك الأمر فقط لا جميع الصلوات، إذ لا يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلي عالما بأحكامها إذا كان يأتي بها على الوجه المجزئ، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قوله: وبطلت باقتداء بعاجز عن ركن قولي أو فعلي أو بعاجز عن علم بما لا تصح الصلاة إلا به من كيفية غسل ووضوء وصلاة ـ والحاصل أنه إذا أخذ صفتها عن عالم ولم يميز الفرض من غيره فإن صلاته صحيحة إذا سلمت من الخلل سواء علم أن فيها فرائض وسننا أو اعتقد فرضية جميعها على الإجمال أو اعتقد أن جميع أجزائها سنن أو اعتقد أن الفرض سنة أو العكس أو أنها فضيلة أو اعتقد أن كل جزء منها فرض وإن لم تسلم صلاته من الخلل فهي باطلة في الجميع، هذا هو المعتمد كما قرره شيخنا (العدوي) ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلم يأمرهم إلا بفعل ما رأوا، وأهل العلم نوابه صلى الله عليه وسلم فهم مثله في الاقتداء بكل، فكأنه قال صلوا كما رأيتموني أصلي أوأرأيتم نوابي يصلون. انتهى.
وعلى كل حال فإن أشكل عليك شيء مما يتعلق بالوضوء أو الصلاة وكان في الوقت متسع فعليك أن تسأل فإن لم تجد من تسأله فأت بالطهارة والصلاة على الوجه المعروف عند عامة المسلمين، وبعد ذلك تذهب إلى من له معرفة بالأحكام لتوضح له ما أشكل عليك، فإن أخبرك بما تبطل به الصلاة فأعد وإلا فلا إعادة، وأما الاجتهاد فلا يصح من كل أحد فلا بد من التفقه حتى تكون على بصيرة من أمر دينك. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين التاليتين: 4865، 21696.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(9/561)
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من حملة كتاب الله وأعاني من قسوة في قلبي حتى أنني مدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية ومفرط في الصلاة فأنا درست في المرحلة الثانوية في الثانوية الشرعية ولم أكملها ثم تركت القرآن واتجهت إلى النوم والكسل والانترنت والقنوات الفضائية والآن أنا نادم على ما فعلت لأنني وجدت أقراني وهم قد أكملوا حتى المرحلة الجامعية ويتلون كتاب الله على أكثر من رواية فهم طلبة علم وأنا تائه ضائع ضعيف الشخصية أشعر بالنقص وأحسد غيري وأكره أقراني الذين تفوقوا علي؟.....هل هناك أمل في إصلاح حالي والالتحاق بركب طلبة العلم علما وعملا وقولا أفيدوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالجد في التوبة والإنابة إلى الله تعالى والبعد عن العجز والكسل، واستعن بالله واسأله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، ويبعدك عن العجز والكسل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، كما في حديث البخاري. وكان يقول: أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء، قولوا اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني. وإصلاح حالك ليس ميؤوسا منه إذا لجأت إلى الله بصدق وأخذت بالأسباب، وتحصيل العلم ممكن، وإذا علم الله في قلبك الخير فتح عليك وآتاك خيرا كثيراً، فنوصيك بالمثابرة والجد في طلب العلم، وحاول الاستفادة مما في الانترنت من الفوائد والمنافع كالدروس العلمية والمحاضرات الوعظية والمصاحف المسجلة والبعد عن الدخول للمواقع المفسدة، ولا تفتح الانترنت وحيدا عن الناس، فإن الشيطان يقوى عليك عند الانفراد، وبرمج نفسك برنامجا يوميا تراجع فيه القرآن وتدرس فيه ما تحتاجه من الدروس إضافة إلى بعض الترفيه المباح، ومن أهمه قراءة سير السلف والقصص المفيدة والرياضة النافعة والسعي في مصالح المسلمين، وأكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب والنظر في أهوال القيامة وأحوال أهلها، والأحسن أن تصحب بعض الاخوة المستقيمين وتشاركهم في أعمال الخير التي يعملونها، فإن كانت عندهم دروس مفيدة شاركتهم فيها، وإلا فإنك تكسب على الأقل فائدة مجالسة أهل الخير وصحبتهم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 6061، 6617، 64638، 31768، 33860، 56356، 59157، 56602.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(9/562)
أخذ العلم عن حالق اللحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن حلق اللحية حرام بإجماع الأئمة الأربعة وبكلام السلف الصالح وأنا والحمد لله مرخ للحية، ولكن أود أن أتأكد من هذه المقولة التي سمعتها من أحد كبار علماء الحديث بأن حلق اللحية من أعمال الفسق الظاهر، ولا يجوز أن تأخذ من الحالق رواية الحديث! فهل هذه المقولة صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ذهب الجمهور إلى حرمة حلق اللحية، والمعتمد في المذهب الشافعي كراهتها، وبهذا يعلم عدم الإجماع على حرمة حلقها، ولكنه ثبت النهي عنه في عدة أحاديث صحيحة.
وأما عن الأخذ عن حالقها فإن الأصل أن يأخذ طالب العلم عن العلماء الربانيين العاملين أهل التقوى والصلاح ويحرص على صحبتهم ليتعلم منهم العلم والعمل والأخلاق ... فإذا لم يجدهم فلينتقل إلى الأمثل فالأمثل ...
ولا يأخذ العلم ممن ليس أهلا للقدوة من أهل البدع والمعاصي، إلا إذا لم يجد غيرهم، فهنا يجوز له أن يتعلم منهم، ولكن عليه أن ينتبه ويحذر من الاقتداء بهم في معاصيهم، فقد كان السلف الصالح رحمهم الله ينتقون المشايخ الذين يأخذون عنهم العلم ويحذرون من أهل البدع والأهواء، وربما تجنبوا بعض العلماء الصالحين الذين عندهم بعض التغفل.... فقد قال الخطيب البغدادي: ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة، وروى بسنده عن محمد بن سيرين قال: إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه. ورواه مسلم في المقدمة. انتهى.
وكان الإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه.... ولقد أدركت في هذا المسجد -يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- سبعين ممن يقول: قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان به أميناً، فما أخذت منهم شيئاً لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، فلما قدم علينا محمد بن شهاب الزهري، ازدحمنا على بابه وكان شاباً.... انتهى، ذكر ذلك عن مالك بروايات مختلفة ابن عبد البر في التمهيد والذهبي في السير.
وقال بعضهم: من فضل الله على الحدث أن يوفق إلى صاحب سنة.
وقد شرط المحدثون في رواة الحديث العدالة، وقد ذكر ابن حجر في نخبة الفكر في تعريف العدالة: أن العدالة ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والتقوى اجتناب الأعمال السيئة من الشرك والفسق والبدعة وفي الاجتناب عن الصغيرة خلاف والمختار عدم اشتراطه لخروجه عن الطاقة إلا الإصرار عليها لكونه كبيرة. انتهى.
وقال ابن عاصم في تحفته:
والعدل من يجتنب الكبائرا * ويتقي في الغالب الصغائرا
وما أبيح وهو في العيان * يقدح في مروءة الإنسان
والحاصل أنه ينبغي لطالب العلم أن ينتقي مشايخه، وإذا لم يجد الشيخ المطلوب فله أن يتعلم العلم على غيره ولا يجعل انتشار الفسوق مبرراً لترك التعلم، وليعلم أنه لا عصمة لأحد بعد الرسل، وأن خطأ المعلم والناصح لا يمنع من الاستفادة منه، فقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة قبل النصيحة من الشيطان بعد ما عرف قيامه بالتلصص والكذب ثلاث مرات، ومن المعلوم أن أبا هريرة من أعلم الصحابة وشيخه هو أعلم خلق الله، ولكن هذا لم يمنعه من الاستفادة من غيره مع علمه بانحرافه، ويتأكد التثبت فيما يلقيه المنحرف ليعلم هل هو صحيح أم لا، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46100، 14055، 1491، 2711، 17137.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1426(9/563)
كتب في دراسة المذهب الحنبلي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ جزاكم الله عنا خيراً
بعد بحث من خلال أشرطة مشايخ المملكة وقراءة بعض كتبهم وفتاويهم من خلال الانترنت ككتاب العلم للشيخ ابن العثيمين نويت بإذن الله أن أدرس الفقه الحنبلي ووضعت لنفسي منهجا متدرج في القراءة في الفقه الحنبلي يبدأ بعمدة الفقه ثم زاد المستقنع ثم الكافي ثم المغنى، وأنا كذلك بدأت في حفظ كتاب عمدة الأحكام بعد أن انتهيت من حفظ الأربعين النووية، وسؤالى الأن هل يلزمنى أن أقرأ كتاب العدة في شرح العمدة (شرح عمدة الأحكام) أو سماع أشرطة العلماء في شرحه أم أكتفى بما سبق من كتب الفقة وشروحها سواء المكتوبة أو المسموعة خاصة وأن عمدة الأحكام يعتبر كتابا فقهيا لأن كل ما فيه أحاديث أحكام فقهية وذلك اختصارا للوقت ومنعاً للتشتت خاصة في بداية الطلب]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بحفظ الأربعين حديثا النووية، وحبذا لو أتبعت الحفظ قراءة شرح الحافظ ابن رجب لها في كتاب جامع العلوم والحكم أو شرح الإمام النووي لها.
وكذلك أحسنت في البدء بحفظ أحاديث عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، فإنه قد انتقى أحاديث الكتاب من الأحاديث التي اتفق على إخراجها البخاري ومسلم إلا ما ندر.
وإن كان قد توفر لديك أشرطة شرح الشيخ العثيمين لزاد المستقنع فننصحك أن تبدأ بدراسة زاد المستقنع مباشرة وأن تتجاوز دراسة كتاب العمدة لابن قدامة، وإن لم تكن الأشرطة متوفرة فابدأ بالعمدة فإذا أنهيته فابدأ بدراسة زاد المستقنع.
هذا، وإن أفضل شروح زاد المستقنع المطبوعة هو الروض المربع للبهوتي رحمه الله.
واعلم أيها الاخ الكريم أنه إنما يلجأ إلى أخذ العلم من أشرطة العلماء عند عدم وجود العالم الذي يجلس بين يديه ويتلقى عنه العلم مشافهة، فإن من فوائد أخذ العلم في حلق العلماء أن الطالب يأخذ من العالم الأدب والهدي وحسن السمت مع أخذه للعلم، وقد كان بعض السلف يرسل ابنه لحلقة الإمام مالك ويقول: اذهب فتعلم أدب مالك قبل فقه مالك، وانظر كتاب تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم للإمام ابن جماعة.
وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية وما تفرع عنها من فتاوى: 57232، 57409، 44674.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(9/564)
علو الهمة في طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم:
كنت أرسلت إليكم باستفسار عن عدد الساعات التي يجب الحفاظ عليها في تحصيل العلم، ويبدو أني لم أجد طرح السؤال فأرجو أولاً من فضيلتكم أن تسامحوني في ذلك، ثانياً: فخلاصة القول أنى أحلم بأن أكون في يوم من الأيام كالشيخ ابن باز أو الشيخ ابن العثيمين، قد تتهمونني بالجنون أو السفه خاصة أني بدأت في طلب العلم متأخراً (25 سنة) لكن يعلم الله مكانة هذين العالمين في قلبي فهما الآن قدوتي، وأرى أن الإنسان يجب أن يجعل له قدوة يرى أنه يصعب الوصول لمستواها لأنه وإن لم يصل لمستواها يكون قد وصل لمستوى مرضي على أقل تقدير، وأقصد بأنهما قدوتي أي في زماننا المعاصر وإلا قدوتنا النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعوهم، في النهاية أرجو منكم نصحي ماذا يجب علي فعله كي أكون مثل هذين العالمين الربانيين نحسبهم كذلك ولا نزكي عل الله أحداً
وماذا عن الزواج هل أتركه الآن للتركيز في طلب العلم أم أتزوج خاصة أنى أرى أن الزواج سيساعدنى ويجعلني أكثر استقرارا وإعفافا لنفسى فى زمن أصبح العري فيه هو الأساس وذلك واضح جداً فى بلدي مصر
آسف على الإطالة وكذلك على الإلحاح في السؤال وأرجو أن لا يكون ذلك يسبب لفضيلتكم أي ضيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يكون تأخرك في بداية طلب العلم مقعدا لك عن الدراسة، فلقد بدأ الصحابة طلب العلم وهم كبار في السن ثم تفقهوا وسادوا الدنيا وملؤوها علما وفقها، وكذلك فإن كثيرا من فقهاء الأمة قد تأخروا في الطلب لكنهم بفضل الله تعالى وتوفيقه لهم ثم بعلو همتهم نبغوا وظهروا، ومن هؤلاء الإمام العز بن عبد السلام سلطان العلماء، فقد بدأ طلب العلم وقد تجاوز الأربعين من عمره.
ومن أهم ما يعينك على طلب العلم مجالسة الصالحين الذين رزقهم الله علو الهمة في طلب العلم، فإن صحبتهم نافعة جدا، والصاحب ساحب والطباع سراقة.
ومما يرفع همتك كذلك قراءة سير العلماء والأئمة المتقدمين الذين علت همتهم واستخدمهم الله في حفظ دينه وتبليغ شريعته فكانت أقدامهم في الثرى وهممهم في الثريا، ومن الكتب التي اختصت بذكر أخبارهم كتاب نزهة الفضلاء في اختصار سير أعلام النبلاء للدكتور محمد حسن عقيل موسى، وكتاب صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكتاب: علو الهمة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.
وانظر طريقة التعلم المرضية في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 56544 51291 57232 4131.
وبالنسبة لعلاقة الزواج بطلب العلم راجع الفتوى رقم: 10426.
واعلم أنه لا ضابط لتحديد ساعات الطلب في اليوم والليلة، وإنما ينبغي أن تستغل جميع وقتك فيما ينفعك ولا تجعله يذهب سدى دون انتفاع أو استفادة، فبادر بالمذاكرة والدراسة قبل الشواغل التي تطرأ في المستقبل كمرض أو طلب رزق أو نحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1426(9/565)
أب يمنع ابنه من قراءة الكتب الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أن والدي يمنعني من قراءة واقتناء الكتب الدينية ويقول لي لا تتشدد في الدين ويقول لي أنت اختصاصك كمبيوتر وليس الدين، ويقول إن هنالك الكثيرين في هذا الأختصاص وقال بصحيح العبارة (بكثر القمامة) في الفصحى ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على تعلم أمر دينك وبارك فيك ونفع بك، وأما منع والدك إياك ونهيه لك عن أمور الدين والتفقه فيها، فإنه عمل غير صالح، لأن تعلم العلم الشرعي والتفقه في الدين من أفضل ما يعمر به المرء وقته ويشغل به نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.
وقال: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة. رواه أصحاب السنن واللفظ لابن ماجه وصححه الألباني.
وتعلم العلم الشرعي قسمان:
ما يجب على كل مسلم تعلم ولا يسعه جهله، وهو ما يصلح به فرض عينه من أمور الإيمان والعبادات، وهذا إذا منعك منه الوالد فلا طاعة له، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وترك ذلك مع القدرة معصية، قال ابن حجر: وهذا لا منع فيه. وبينا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 1893.
والقسم الثاني: ما كان منه فرض كفاية مثل التوسع في تعلم أمور الدين والتفقه فيها، وهذا لا يجب على الأعيان، قال تعالى: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ {التوبة: 122} .
وهذا إذا منعك منه، وكان يؤذيه ذلك فالأولى لك طاعته في ظاهر الأمر تأدباً معه ومصاحبة له بالمعروف وتجنبا لما يغضبه، ولا حرج عليك إذا خلوت بنفسك أو كنت في مكان لا يراك أن تقرأ وتطلب العلم الشرعي، مما يدلك على ربك ويبصرك بأمر دينك، ويحصنك من شياطين الإنس والجن، فمن لم يعرف الحق وقع في الباطل، ولا تعارض بين طلبك للعلم الشرعي وبين تخصصك العلمي، بل إن ذلك مما يساعدك على دراستك وعملك وتنور بصيرتك لا كما يظن والدك، فربما كان لا يعلم الكثير عن أمور الدين، ولذلك نهاك ومن جهل الشيء عاداه كما يقولون.
وأما التشدد والغلو فليس من أمر الدين، بل هو أمر مذموم شرعاً وعقلاً، قال تعالى: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ {المائدة: 77} .
وقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا {البقرة: 143} .
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه. رواه البخاري.
ولكن التشدد في الدين يسببه الجهل وضيق الباع في العلم أكثر من التوسع فيه، كما هو مشاهد.
وأما عبارته التي ذكرتها، فإن كان قصد بها السخرية والاستهزاء بالشريعة وأحكامها فعليه أن يجدد إيمانه، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 64-65} .
قال ابن العربي: والاستهزاء بالدين كفر كيفما كان جدا أو هزلاً، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة.
وأما إن كان يقصد الاستهزاء بأشخاص بعض الناس لا لكونهم يحملون الشريعة ويتعلمونها، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى إذ السخرية من المسلم حرام.
والذي ننصحك به هو أن تتعلم أحكام دينك وتتلطف مع أبيك، وحاول أن بين له الحق بالحكمة واللين وإياك ورفع الصوت عليه والجدال معه، قال تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23-24} .
ولتهتم بأمر دراستك وتخصصك، وأحسن النية والقصد ولا يكن همك الدنيا، ولكن كفاية المسلمين وخدمة هذا الدين بما تتعلمه، فالإسلام بحاجة إلى ذلك كله.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والهداية إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(9/566)
اجتهد في الدراسة دون النظر إلى الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذكية في المدرسة، لكن هناك طالبة تضع المعلمات لها علامات تامة مع أني أشطر منها، وأصبحت أشك أني لست مجتهدة وأيضا ابنة خالي معي في المعهد على أساس أنها أشطر مني لكن هي مثلي وليست أشطر أهلها ليل نهار يقولون لها ادرسي أما أهلي وأحمد لله يقولون أعطي طاقتك فقط وأخاف أن يجمعوا أكثر مني بالرغم من ذكائي أنا مضطربة، ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من الغرائز التي جبل عليه معظم الناس الرغبة في التفوق على الآخرين في الدرجات والمناصب، والحق أن التفوق الذي يستحق المنافسة والغبطة هو ما كان في طاعة الله تعالى والتقرب إليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها. والحديث في الصحيحين وغيرهما.
ومما يريح الضمير ويبعد عن التنافس المذموم أن ينظر المرء إلى من هو دونه منزلة في أمور الدنيا، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: انظروا إلى من أهل أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. كما في السنن والمسند.
ومع ذلك فإنا لا ننصح الأخت الكريمة بعدم الطموح إلى الدرجات في الامتحان، ولكن نقول لها: إن الأولى بها أن تجتهد في الدراسة وتثابر دون النظر إلى ما أعطاه الله للآخرين، فإنها إذا اجتهدت فسوف تجني ثمرة عملها، ولا يضيرها أن يشاركها في ذلك غيرها من الطالبات.
وإذا كان المعلمات يعطين لبعض الطالبات من الدرجات أكثر من حقهن، أو كن ينقصن بعض الطالبات عن حقهن فقد أخطأن في تلك المعاملة، لأن العدل في منح الدرجات واجب، وعلى كل حال فإن نصيحتنا لك هي أن تهوني على نفسك، فكثرة الانشغال بهذه الأمور تؤدي غالباً إلى القلق والاضطراب، وقد تحرم صاحبها من الوصول إلى هدفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1426(9/567)
صفات من تريد التعلم عليه من العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أريد معرفة هل هذا الشيخ جيدا أم لا، ماذا أفعل؟ إذا تتوفر فيه كل الشروط، ولكن أحيانا يختلف مع شيوخ السعودية، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في طلاب العلم أنهم محمولون على العدالة ما لم يظهر منهم ما يؤدي لجرحهم من التعصب للبدع، أو مقارفة المعاصي، ولا ينبغي التنقيب عن المستور من أحوال الناس، وعلى من اطلع على شيء من ذلك أن يستره ما لم يكن في هتكه مصلحة شرعية معتبرة، قال ابن عبد البر في التمهيد: وكل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله.
هذا.. وميزة أهل العلم الربانيين هي قيامهم بالعمل بما علموا وتعليمهم ودعوتهم الناس إليه، ومن فرط في علم أو عمل أو تعليم للناس يخاف عليه من الخسارة، كما قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر} ، فعلى من أراد الاستفادة من أهل العلم أن يختار للأخذ منه أعلمهم وأشدهم تمسكاً والتزاماً بالعمل بالعلم وأحرصهم على نشر الخير وهداية الناس، قال ابن القيم في طريق الهجرتين في بيان فضل العلماء: قال بعض السلف: من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء.... ثم قال ابن القيم: وهؤلاء هم العدول حقاً بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم إذ يقول فيما يروى عنه من وجوه شد بعضها بعضا: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وراجع للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31129، 30036، 61916، 33346، 29139، 31871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1426(9/568)
تلقي العلم عن العلماء الربانيين فيه خير كبير
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ بارك الله فيكم
أود من فضيلتكم أن تنصحونى أي شرح لمتن عمدة الأحكام ألتزم به (شروح صوتية) ، هل شرح الشيخ ابن العثيمين أم شرح الشيخ محمد المختار الشنقيطى فأنا أميل لشرح الشيخ الشنقيطى لأسباب لا أعلم مدى صحتها وهي أن الشيخ الشنقيطي تخصصه فى هذا الجانب من العلم وهو الفقه بينما الشيخ ابن العثيمين تشعب في فنون العلم كلها مع إتقانه لها رحمه الله، وبالتالي يكون الشيخ الشنقيطي أضبط لفن الفقه،
ثانياً: الشيخ الشنقيطى عاش بعد الشيخ ابن العثيمين أطال الله عمره وبالتالى من وجهة نظري أن من تأخر يظهر له أشياء لم تظهر لمن سبقه خاصة إن كان من العلماء الربانين المجتهدين، نقطة ثانية أرجو من فضيلتكم النصيحة فيها وهي أود أن أعلم في كل فن من فنون العلم شيخا متقنا علما في فنه فلمن أحرص على تلقي العلم على يديه مثلاً في العقيدة وفي علوم الحديث وهكذا وهذه النقطة تنقسم لشقين:
1- لمن أسمع من المشايخ الذين لهم دروس مسجلة في حالة عدم تمكني من السفر للمملكة لتلقي العلم على يد علمائها، فأنا أرتب أموري حتى أتمكن من السفر.
2- إذا تمكنت من السفر للمملكة لمن أحضر في حلقات العلم، اَسف للإطالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي كلا الشيخين خير، ولك أن تقتصر على من ترى أن شرحه أيسر وأقرب لفهمك وأسهل في الحصول على أشرطته، وأما في العقيدة، فننصحك بالاستماع إلى شروح المشهود لهم بسلامة الاعتقاد، فقد شرح الشيخ العثيمين (العقيدة الواسطية) لابن تيمية، كما شرح الشيخ الغنيمان (كتاب التوحيد) لمحمد بن عبد الوهاب، وشرح الشيخ سفر الحوالي (شرح العقيدة الطحاوية) ، ومن الذين تميزت دروسهم في العقيدة أيضاً الشيخ عبد الرحمن المحمود والشيخ ناصر العقل.
والذي ننصحك به إذا لم تخرج لطلب العلم في السعودية أن تقتصر على استماع أشرطة الشيخ العثيمين والشيخ الشنقيطي، ولقد تميزت دروس العثيمين بالتنوع في مختلف فنون العلم، كما تميزت بالتدرج في الكتب المشروحة، وهذه الطريقة التربوية في الشرح أجدى لطالب العلم المبتدئ.
أما إذا انتقلت إلى المملكة السعودية، فإنك ستجد حلقات العلم في كل مكان، فالتحق بأقربها منك، وإن كنت في الرياض فالتحق بالدورات العلمية التي تقام في مسجد ابن تيمية أو مسجد علي بن المديني، أو التحق بالدورات التي يقيمها الشيخ عبد الكريم الخضير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1426(9/569)
حكم متابعة المباريات أثناء قراءة كتاب ديني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتابع مباراة في كرة القدم وأنا أقرأ في كتاب ديني، مع العلم بأن المباراة لا تستحوذ على اهتمامي كاملا بل إني أتابع بين الحين والآخر، كما أنني أستفيد من الكتاب الديني جيدا، هل يجوز أيضا أن ألعب لعبة على أي جهاز وأنا أستمع إلى محاضرة من المحاضرات، مع العلم بأنني أستفيد منها جيدا، وهل يعتبر ذلك من الوقت الضائع في كلا السؤالين، ما حكم متابعة الأفلام والمسلسلات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على هذا السؤال نريد أولاً أن نبين لك أن مشاهدة المباريات إنما تجوز بضوابط كنا قد بيناها من قبل، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 453.
وأن ألعاب الكمبيوتر لا تجوز إن كان يصبحها موسيقى أو كشف عورات ونحو ذلك مما لا يجوز، ولا مانع منها إذا خلت من جميع المحرمات، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 45870.
ولا شك في أن الأولى عدم متابعة المباريات أثناء قراءة كتاب ديني، لأن أقل ما فيه أن القارئ سوف لا يستوعب مضمون الكتاب استيعابا كاملاً، ومع ذلك، فإذا كانت المباريات مما تجوز متابعته، ولم يكن في هذا الفعل نوع من الاستخفاف بالكتاب، فلا نرى فيه حرمة.
وما قيل في الجمع بين المباريات وبين مطالعة الكتاب، يقال مثله في الجمع بين اللعب وبين متابعة المحاضرة.
وكون هذا من الوقت الضائع أو ليس منه، إنما يتحدد حسب درجة استفادة القارئ أو المستمع من ذلك الوقت.
ولك أن تراجع في حكم متابعة الأفلام والمسلسلات فتوانا رقم: 1791.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(9/570)
طلب العلم مرغب فيه شرعا في أي مكان تيسر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التعلم في دول المغرب العربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم مأمور به ومرغب فيه شرعاً سواء كان ذلك في دول المغرب أو المشرق أو غيرها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني.
وعلى ذلك فلا مانع شرعاً من التعلم في دول المغرب في حد ذاتها ما لم يكن هناك مانع شرعي آخر، فإذا كانت المؤسسات التعليمية تشاهد فيها المنكرات من التبرج والاختلاط المحرم فإنه لا يجوز التعلم في هذه المؤسسات إلا لضرورة أو حاجة تنزل منزلتها، ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 2523، والفتوى رقم: 31656 وما أحيل إليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(9/571)
نصائح مفيدة لطلبة العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا خريجة قسم رياضيات منذ 9 أعوام بتفوق بعدها سجلت في دبلوم الدراسات العليا بأحد الاختصاصات انتظاراً لفرصة العمل وأملاً في إكمال الدراسة وجاء تعييني في الجامعة لأدرس بها خلال دراستي فأهملت ذلك الدبلوم حتى لا أرهق نفسي كوني عينت في مجال آخر يتطلب اختصاصا آخر في الرياضيات حسبما قالوا لي في ذاك الحين وبعد ذلك حصلت على منحة للدراسة في الخارج
وقد مضى علي الآن أربع سنوات دون أن أحصل على الماجستير ودائماً أرى الدراسة صعبة ولا أستطيع أن أتابع أو أنتظم ببرنامج للدراسة وأعلم أنها هنا صعبة وتتطلب جهداً مضاعفاً لكن الخوف من الفشل وعدم الثقة بالنفس يمنعني دوماً من التركيز والفهم بل وحتى لا أستطيع مجاراة المدرسين والطلاب في الدروس ودائماً متأخرة أصبحت نظرة الأساتذة لي مخجلة وكأني لا أصلح لشيء خاصة وأني عربية ومحجبة في هذه البلاد التي تعتقدنا متخلفين وخاضعين بالإضافة إلى ذلك فإني دوماً كئيبة لأني لا أرى أمامي سوى حالة السواد والضياع عندما أفكر أن جامعتي ستطالبني بدفع ما قدمته لي كوني لم أحقق شيئا خلال المدة التي أرسلتني إليها والمشكل أني تزوجت وزوجي يدعمني نفسياً بشكل كبير في هذا المجال ودوماً يقول لي ليخفف عني وأعتقد أنه صادق أنني لا يجب أن أخاف لأنه بجانبي مهما حدث لي من مشاكل سواء أردت إتمام الدراسة أم لا لكن دوماً أقول لنفسي عندما سيجدني فاشلة لم أنجح في دراستي بعد هذه المدة فإنه سيقلل من شأني وكذلك أهله لأهمية العلم لهم ولأنه مضى علي أعوام هنا دون تحقيق أي تقدم وفي كل سنة عندما يقترب الامتحان يزداد توتري بشكل لا يحتمل لدرجة قد تقارب الانهيار واليأس ولولا بعض الإيمان أو ربما الخوف من الموت قبل الاستعداد له لكنت انتحرت بسهولة وخاصة أن كل زملائي الذين أتوا معي قد نجحوا لكن من هم قد جاؤوا بمثل اختصاصي فهم متأخرون أيضاً إذ يجب الاعتراف أن الاختصاص صعب جداً ولدينا فارق كبير في المستوى بيننا وبين الطلاب الآخرين أرجوكم الحل فلا أريد أن أخسر نفسي أو زوجي وحياتي من أجل تفكيري بما سيقوله الآخرون أو عدم قدرتي على تحمل الفشل الذي لم أتعوده
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، والذي نوصيك به أولاً هو تقوى الله تعالى، والمحافظة على فرائضه والابتعاد عن نواهيه، فقد قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {الطلاق: 2} . وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4} .
وعليك أن تتفرغي لمهتمك الأساسية في هذه الفترة وهي الدراسة، ولا تضيعي وقتك في الأشياء الجانبية الأخرى، فليكن جهدك ووقتك للدراسة فقط، فإن من جد وجد ومن زرع حصد، فالمسلم يأخذ بالأسباب وبسنن الله تعالى في هذا الكون التي لا تحابي أحداً ثم بعد ذلك يكل الأمر إلى الله تعالى ويعتمد عليه.
وعليك كذلك أن تكثري من الدعاء، وخاصة في أوقات الإجابة، وقت السحر دبر الصلوات، فقد قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل: 62} .
ومن الأدعية المأثورة التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها في صباحه ومسائه: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من الناس.
ومنها: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ولا تلتفتي إلى نظرات من يقلل من شأنك، وليكن ذلك دافعاً لك إلى مزيد من الاجتهاد وإثبات الوجود وكسب القوة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
وبخصوص زوجك جزاه الله خيراً، فهذا شأن الزوج المسلم الوفي أن يساعد زوجته ويقف إلى جانبها ويشجعها، وخاصة في أوقات المحن، ونوصيه بتقوى الله تعالى، والقيام بواجبه ومساعدة زوجته حتى تتفرغ لدراستها وتتجاوز هذه العقبة، فالله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
ونرجو أن تطلعي على المزيد في الفتوى رقم: 62954.
وإذا كانت الجامعة مختلطة فراجعي الجواب رقم: 2523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1426(9/572)
الطموح للترقي في العلم رفعة في الدارين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا زوجة عاملة وأم لطفلة عمرها 3 سنوات، حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال وبحكم عملي في منظمة تعليمية (المجتمع المحيط بي في العمل معظمهم يكمل دراسته العليا) أردت أن أكمل دراستي العليا لكي أحصل على الماجستير ثم الدكتوراه بإذن الله تعالى، ولا أخفيكم أمراً أني سعيت لهذا الأمر من أجل أن تشب ابنتي ولها أم على مستوى عال من الثقافة والتعليم حيث إن الليسانس والبكالوريوس في هذه الأيام أصبح لا أهمية لهم بدون دراسات أخرى تدعمهم،
وقد حاولت تثقيف نفسي بنفسي ولكننا تربينا في بلادنا العربية أن لا نتطلع على شيء إلا إذا كان هنالك امتحان في آخر العام للأسف، لذلك قررت أن أكمل الدراسات العليا وقلت في نفسي لابد أن يكون هذا ابتغاء وجه الله حتى أكون مثالا للمسلمة المثقفة المتعلمة التي ترفع شأن الدين إذا وجدت في أي مجتمع غير مسلم إن شاء الله تعالى.
وأنا في نقس الوقت بدأت أذهب لتعلم تجويد القرآن الكريم وأخذت ابنتي معي حتى تشب على تعلم القرآن الكريم فتسمع القرآن بطريقة صحيحة وتتعلم حضور مجالس العلم إن شاء الله
وسؤالي هو:
هل ما أقبلت عليه من سعيي للحصول على الماجستير خطأ وكان من الأولى أن أدرس ديني بطريقة متعمقة، أم السير في دراستي العليا بالتوازي مع حفظي للقرآن الكريم وتعلم تجويده كما أفعل حالياً مناسب وليس فيه شيء من الحرمة؟ (علماً بأني لم أقبل على أي خطوة إلا وقد استخرت الله العظيم فيها)
جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكون صاحب همة عالية يتطلع إلى الأفضل دائما لنفسه ولمجتمعه ولأمته وللبشرية كلها. وعليه أن يبذل في سبيل ذلك ما استطاع من جهد، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز.. الحديث رواه مسلم
ولهذا فلا مانع من بذل الجهد لترفعي من متسواك وتحسني من خبرتك وتسعي في الحصول على أعلى الدرجات العلمية في مجال تخصصك أو في غيره، وليس في ذلك خطأ ما دامت النية خالصة، وما دام العمل مضبوطا بالضوابط والآداب الشرعية.
ولا شك أن العلوم الشرعية والتفقه في الدين أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ويقول صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. متفق عليهما.
وقد أحسنت عند ما جعلت نصيبا من جهدك وجزءا من وقتك لحضور مجالس العلم وحلقات تجويد القرآن الكريم وحفظه.
والخير فيما اختاره الله تعالى لك وخاصة أنك لم تقدمي على خطوة إلا بعد الاستخارة الشرعية.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والثبات، ونرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 53374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1426(9/573)
الدراسة التي تحوطها محرمات كثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله
أنا شاب من تونس عمري 23 أدرس في كلية طيران في إدارة الكلية يوجد نساء متبرجات وبعض الطالبات
في القسم يوجد فتاة واحدة لكنها متبرجة ومشاكسة وفي القسم أيضا طلاب منهم من يكثر اللغو والألفاظ البذيئة ومعاكسة الفتيات والغيبة والكلام الغليظ، في الطابق الذي فوقنا مدرسة لتعلم التجميل للنساء، في المكان الذي أدرس فيه تجمع سكني للفئة المترفة وهناك محلات تجارية تكثر فيها المتبرجات، أعاني من العزلة قليلا ما أجد من يذكرني في الله وهذا يستوجب أن أغيب. في الصيف عمل تحضيري في المطار ويستوجب ذلك حلق اللحية وبعد الدراسة في العمل كذلك والعمل في المطار، والداي غاضبان علي ويدعوان علي يريدانني أن أدرس وأنا متزوج لكن ليس لي بيت وهي في بيت أبيها واضطررت لذلك لما ألاقيه من فتن ولصعوبة المعيشة, ووالداي يشترطان أن أعمل العمل التحضيري حتى يقبلوها في البيت، أفتوني رحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أنه في إدارة الكلية التي تدرس بها يوجد نساء متبرجات، وأن في القسم توجد فتاة متبرجة ومشاكسة، وأن فيه أيضاً طلاباً يكثرون اللغو والألفاظ البذيئة ومعاكسة الفتيات والغيبة والكلام الغليظ، وأن في الطابق الذي فوقكم مدرسة لتعلم التجميل للنساء، وأن هناك محلات تجارية تكثر فيها المتبرجات وأنك قليلاً ما تجد من يذكرك بالله، وأن الظروف التي تعيش فيها تستوجب عليك أن تغيب في الصيف لعمل تحضيري في المطار، وأن ذلك يستوجب عليك حلق اللحية ... إلى غير ذلك مما سردته سرداً وفصلته تفصيلاً، كلها أمور توجب عليك الابتعاد عن هذه الكلية، والبحث عن مؤسسة دراسية أخرى تأمن فيها من الفتنة، وتستطيع أن تقيم شعائر دينك، فإذا لم تجد إلا هذه الكلية، وكنت محتاجاً إليها لمعاشك والإنفاق على من تلزمك نفقته، جاز لك البقاء فيها من باب أن الضرورات تبيح المحظورات.
ومتى أتيح لك من الأسباب ما تستغني عنها به، وجب عليك تركها، وقد أحسنت في كونك متزوجاً، فإن ما ذكرته من الفتن في الكلية وغيرها، يقتضي منك أن تتزوج لأنه أغض لبصرك وأحصن لفرجك، وما يشترطه عليك والداك من العمل التحضيري، إذا كان المانع لك منه هو أنه يستوجب حلق اللحية، فقد بينا لك أنك إذا كان في الإمكان وجود فرصة للدراسة أو للعمل تنجو معها مما ذكرت من الفتن، فإنه يحرم عليك المتابعة على الحال التي أنت فيها، وإن لم يكن ذلك متاحاً لك فإنه يصير ضرورة في حقك، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 56933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1426(9/574)
نصائح لطالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ بارك الله فيكم ونفعكم ونفع بكم.
أنا شاب فى الخامسة والعشرين من العمر قد من الله علي بالهداية إلى طاعته من حوالي ثلاث سنوات، وقد عقدت العزم بحول الله وقوته على السفر لبلاد الحرمين لتلقي العلم من علماء هذه البلاد المباركة، وأنا أطلب منكم النصيحة، وأود أن أخبركم بأني لا أحفظ من القراَن إلا خمسة أجزاء، فى النهاية أرجو من الله ألا تبخلوا على بنصيحتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على ما من الله به عليك من الهداية، وعلى ما تحفظه من القرآن، وعلى ما عزمت عليه من السفر لطلب العلم، والذي ننصحك به هو صدق النية في طلب العلم الشرعي، لأنه من أهم ما يعتني به الشخص في حياته، فبه تعرف الأحكام ويعبد الله على علم وبصيرة.
ولتعلم أخي الكريم أن العلم الشرعي يزكو به صاحبه وتعلو مكانته، ويرفع الله به درجته ويزيد المرء خشية وورعاً وتقوى لله سبحانه وتعالى، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يسأل ربه الزيادة من العلم، كما قال الله تعالى في سورة طه: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} ، فعلى من أراد السير على طريق الهداية أن يستحضر دائماً النية والإخلاص لله سبحانه، وأن يعرف للعلماء المتقدمين من السلف المكرمين حقهم، فلا يغمزهم ولا ينبزهم ولا يذكرهم إلا وترحم عليهم، وكذلك يعرف لعلماء عصره حقهم ويراعي الآداب معهم ويستنير بتوجيهاتهم وإرشاداتهم، وأن يدعو لهم بخير.
ثم على طالب العلم أن يبدأ بالأهم فالمهم من العلم، وبما أنك قد حفظت شيئاً من القرآن فعليك بقراءة كتاب تفسير مبسط حتى تعرف معاني ما تقرؤه، ثم بمختصر بسيط في العقيدة، ثم بمختصر معه آخر في الفقه، وركز على الأحكام المتعلقة بحياتك اليومية كالصلاة والطهارة وأتقن أحكامهما، ثم إن أحببت أن تتوسع وتزداد فلك ذلك.
ومن المهم أيضاً أن تتعلم ما يقوم به لسانك، فتتعلم اللغة العربية وتبدأ بالآجرومية وشرحها التحفة السنية فإن علم اللغة مما لا يستغنى عنه، وقد فرط فيه كثير من الناس. ومما يجدر التنبيه عليه أن طلب العلم لا بد له من صبر ومصابرة، وصحبة مدرس وشيخ عالم، وصديق مجتهد حتى يعين السالك على طريقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1426(9/575)
علم العزائم من علوم الشر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: هل صحيح أن هناك علم العزائم أو العزيمة، وكيف يكون ذلك، هل هناك كتب لدراسة هذا العلم الرجاء الإجابة عن هذه الأسئلة ومدي بشواهد على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلم العزائم إنما يتخصص فيه من لا خلاق لهم، يتقربون به للشياطين استعانة على المعاصي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أصحابه: والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهي ما يضره ويلتذ به، بل يعشق ذلك عشقاً يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله، والشيطان هو نفسه خبيث، فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل لهم، فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره ما لا ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة.
ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة -وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إما حروف الفاتحة، وإما حروف قل هو الله أحد، وإما غيرهما- إما دم وإما غيره، وإما بغير نجاسة. أو يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان، أو يتكلمون بذلك.
فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم: إما تغوير ماء من المياه، وإما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة، وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين ومن لم يذكر اسم الله عليه وتأتي به، وإما غير ذلك. انتهى، وعليه فننصحك -أيها الأخ الكريم- بالابتعاد عن هذا العلم، لأنه من علوم الشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/576)
طالب علم الحاسوب هل يعد خارجا في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في الهند في حيدر آباد وأدرس الحاسوب، هل أنا خارج في سبيل الله كطالب العلم الديني أم طالب العلم الدنيوي لا يدخل في هذه النعمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدراسة العلوم الدنيوية كالهندسة والطب والرياضيات والتكنولوجيا والفيزياء والكيمياء والميكانيكا والبناء والملاحة ومنها الحاسوب طبعاً وغيرها، مما تقوم عليه مصالح الناس فرض كفاية يجب أن يتخصص فيها بعض الناس، لأنها إذا تركت بالكلية فستضيع المجتمعات ويتعطل القيام ببعض العبادات، والمصالح العامة، وعلى المسلم إذا أراد التخصص فيها أو في بعضها أن يتعلمها بنية القيام بفرض الكفاية.
ولكن تعلم هذه العلوم لا يبيح للمرء أن ينصرف عن تعاليم دينه بالكلية، بل الواجب عليه أن يصحح عقيدته ويحصنها عن العقائد الفاسدة، ويتعلم أحكام عبادته، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والأيمان والنذور، ولا يجوز له أن يمارس عملاً أي عمل إلا بعد معرفة حكم الله فيه.
وبناء على ما ذكر، فإن كنت قد أردت بتخصصك هذا إقامة فرض من فروض الكفاية، ولم تفرط في شيء من واجباتك الأخرى، ولا في تحصيل العلوم العينية، فإنك به ستكون مأجوراً عند الله تعالى وخارجاً في سبيله، وإن كنت إنما أردت به غرضاً دنيوياً محضاً، أو انشغلت به عن بعض الأمور الواجبة، فإنك لا تكون مأجوراً أو خارجاً في سبيل الله، بل قد يحصل لك من الوزر بقدر تفريطك في الواجبات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(9/577)
منهج طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[التزمت قريبا والحمد لله ولدي رغبة في أن أتعلم العلم الشرعي الصحيح،فمن أين أبدا وأي كتاب تنصحوني به؟ وشكرا. ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللجواب على هذا السؤال يرجى مراجعة الفتاى ذات الأرقام التالية: 27788، 2410، 59910، 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(9/578)
لا يؤخذ العلم إلا عمن يوثق في دينه وعقيدته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحضور عند شيخ صوفي مع الحذر من المخالفات علما أنه يعلم أشياء صحيحة لا تخالف الدين كالفقه والحديث وأن بلادي أغلب علمائها صوفيون]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاولى للمسلم أن يحذر على دينه وعقيدته من أن يشوب ذلك شائب أو يكدر صفوه كدر، ولا يأخذ العلم الشرعي إلا عمن يثق في دينه وعقيدته، وسلم من البدع والخرافات، فإذا لم يتيسر له ذلك وكان قد تحصن وعلم العقيدة الصحيحة فله أن يأخذ عن أولئلك القوم ما ليس له مساس بعقيدتهم وبدعهم، فيتعلم منهم الفقه وعلوم الآلة كالنحو والصرف والبلاغة ونحو ذلك، وليكن على حذر أن يدسوا له بعض السموم فيتشربها من حيث لا يدري.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتويين التاليتين: 29243، 57719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(9/579)
نصائح وإرشادات لمن حفظ كتاب الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سأتم حفظ القرآن إن شاء الله قريبا وأريد منكم نصائح وإرشادات لمن حفظ كتاب الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما أنعم الله به عليك من الاشتغال بالقرآن، ونسأل الله لنا ولك الإخلاص والقبول.
وننصحك بالاهتمام بتثبيت القرآن وتدبره، والاهتمام بتفسيره وقيام الليل به وتعليمه، واحرص على الاستزادة من العلم، فادرس ما أمكنك من علوم الحديث والعقيدة والفقه والعلوم المساعدة، واحرص على العمل بكل ما تعلمته لتجني ثمرة بذلك وجهدك، وللتفصيل فيما ذكرنا راجع الفتاوى التالية أرقامها: 57232، 49770، 59729، 59910، 51291.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(9/580)
المؤاخذات على مختصرتفسيرابن كثير للصابوني
[السُّؤَالُ]
ـ[طالب يستفسر من فضيلتكم عن كتاب تفسير ابن كثير اختصارالصابوني وهو في حوزتي فماذا أفعل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مختصر تفسير ابن كثير للصابوني أراد فيه مختصره أن يسهل أصله على الطلاب باختصاره وحذف أسانيده وحذف المكرر والإسرائيليات وخلافات الفقهاء، وقد انتقد بعض أهل العلم بعض صنيعه في ذلك فاتهموه بأنه حرف في بيان ابن كثير لعقيدة السلف، ومن هؤلاء الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
ومع ذلك فإن الكتاب مفيد على العموم، ومن كان من طلاب العلم لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ فيما أورده من الشبه في مسائل العقيدة بإمكانه أن يهدي هذا الكتاب لأحد العلماء الذين بإمكانهم التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب ليستفيد منه أو يقارنه بأصله، فيعلم على ما خالف فيه الأصل ليستفيد منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(9/581)
طرق تعلم العلم الشرعي ميسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من بعض البلاد من الله علينا بحفظ نصيب لا بأس به من كتابه العزيز وإن شاء الله سيكون كله عن قريب وفي الأثناء أريد أن أدرس العلوم الشرعية من فقه وتفسير وغير ذلك علما بأن وضعنا في تونس أصبح لا يخفى على أحد، حلقات القرآن والعلم ممنوعة، كل السبل مغلقة أرجوكم أرشدوني دلوني على من يتكفل بتدريسي أريد أن أتفقه في ديني أريد أن أفيد وأستفيد أرجوكم لا تتركوني فإنه مؤلم أن ترى المساجد ممتلئة بالشباب وأكثرهم لا يعلم دينه بل لا يجد من يعلمه -]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالهداية واصطفاك للاستقامة على الصراط المستقيم، واعلم أن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن الله غالب على أمره ولو كره المشركون، وأنك إن لم تستطع الالتحاق بحلقات العلم فإن الله يَسَّر وسائل أخرى لتحصيل العلم النافع، ومن أهمها الكتاب الشرعي والشريط الإسلامي، اعكف على دراسة متوازنة في كتب العلم الشرعي بقدر المستطاع، واستفد من الدروس الشرعية التي تبثها شبكة الإنترنت وتجدها على مواقع كثيرة من أهمها موقع طريق الإسلام: www.islamway.com
واستفد من الفتاوى ذات الأرقام التالية في عمل برنامج لطلب العلم تسير عليه بانتظام وأناة: 51115، 56544، 57232، 59729، 59868
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(9/582)
الشك والسؤال لمعرفة الحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مناقشة أومحاولة فهم الأمور الدينية من الناحية العلمية يعد حراما؟ أحيانُُا يصيبني الشك في بعض الأمور الدينية وأحاول أن أسأل أو أفسرها هل هذا حرام لأني أقلق من أن يكون هذا دليلا على قلة الإيمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يجب عليه الإيمان بما ثبت في الوحي سواء فهم حكمته أم لم يفهمها، ولا يحق له الشك فيما ثبت ولا تأخير اعتقاده والعمل به، ولا حرج عليه بعد ذلك في محاولة معرفة الحكمة من الناحية العلمية أو العقلية، ولا حرج عليه في سؤال من عنده علم بذلك ومحاورته في الموضوع، وأما تكلف من لايعلم في استخراج الحكم فيتعين الحذر لئلا يقع الإنسان في القول على الله بغير علم، وراجع الفتوى رقم: 43698، والفتوى رقم: 32263. للإفادة فيما يتعلق بالتفسير العلمي للقرآن والحقائق العلمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1426(9/583)
منهج للتفقه في الدين وتربية الأولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم والحمد لله وأريد أن أتفقه في ديني فبم أبدأ دلوني على كتب نافعة جزاكم الله خيرا. وسؤالي الثاني هو أني أدرس أطفالا في بلاد غربية الدين فكيف أفعل لأحبب لهم الدين وحب الرسول وإذا أمكنكم أن تعطوني أمثلة وبارك الله فيكم وفي علمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالاشتغال بحفظ القرآن الكريم وحاول أن تبرمج برنامجا في الحديث تبدأ فيه بصغار العلم قبل كباره، فقد برمج المحدثون كتبهم على قسمين أساسيين: 1ـ كتب تتحدث عن الإيمانيات والرقائق والترغيب والترهيب 2ـ كتب تتحدث عن الأحكام والمسائل الشرعية. فابدأ بمختصرات كل منهما ثم واصل شيئا فشيئا فابدأ بالأربعين النووية وهي جامعة لنماذج من القسمين ثم خذ بعد عمدة الاحكام للمقدسي ورياض الصالحين للنووي وهما كتابان التزم مؤلفاهما بالإتيان بالأحاديث الثابتة فحاول أخذ حديث من كل واحد منهما يوميا فإذا انتهت العمدة فخذ بلوغ المرام وربما ينتهى بانتهاء رياض الصالحين، ثم توسع بعد ذلك فخذ المنتقى في الأحكام مع شرحه نيل الأوطار وخذ الترغيب للمنذري في الرقائق والإيمانيات ثم اقرأ بعد ذلك الأمهات مبتدئا بأصحها وهلم جرا، وحاول أن تقرأ أثناء ذلك بعض المختصرات الفقهية في العبادات ويمكن أن تقرأ منهاج المسلم للجزائري فهو جيد في بابه والأحسن أن تقرأ دائما على الشيوخ المحققين إن تيسر لك ذلك حتى تتمكن من تصحيح الألفاظ والترجيح عند الخلاف واستعن بالصلاة والدعاء وأكل الحلال وترك فضول النظر والكلام والتفكير. وراجع الفتوى رقم: 22256، وما فيها من إحالات. وأما الأولاد الصغار فإن من أهم ما يرغبهم في الدين أن تحفظهم القرآن وما تيسر من أحاديث الفضائل والأخلاق وأن تعمل لهم جلسات ترويحية تحدثهم فيها عن سير السلف والأنبياء وتبين لهم بعض الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام وسعد بها أهله ولا تزال الحضارة المعاصرة حتى الآن ضالة عنها، واطرح عليهم أسئلة بشكل مسابقة فيما علمته لهم. واحرص على تكريم وتشجيع من أنتج منهم فحفظ مقطعا أو كتابا أو أجاب إجابات موفقة في مناقشاتك معهم، وراجع كتاب عبد الله ناصح علوان المسمى تربية الأولاد في الإسلام. ويمكن أن تستفيد من ركن الطفل الموجود بالشبكة الإسلامية واستشر أهل التجربة والخبرة في هذا المجال من أهل العلم والدعوة وخاصة ممن جربوا في ميدان الغرب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1426(9/584)
الطريق إلى التعلم وتزكية النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية تركت الدراسة حيث إنني أسكن في السكن الجامعي ولا أرغب في العودة إليها حيث إنني أحافظ على صلواتي وأخشى ربي وقد أحسست وأنا في البيت مع أهلي أنني لا أضيع وقتي كثيرا حيث نظمت وقتا لتلاوة القرآن وحفظه وتفسير آياته ووقتا آخر لقراءة الكتب التي تفيدني في دنياي وآخرتي فهل هذه الأمور قد ترضي ربي عوضا عن تركي للدراسة وأرجو إخباري بأمور أخرى تفيدني في ديني ودنياي وآخرتي وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} فحصر سبحانه وتعالى الغاية من خلق الخلق في تحقيقهم للعبودية له سبحانه لا شريك له.
والواجب على المكلف أن يبدأ بأداء ما افترضه الله تعالى عليه من العبادات، ثم يندب له أن يثني بالنوافل بعد أدائه الفرائض لينال أجرها، وليكمل ما وقع من نقص في الفريضة. ففي الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... رواه البخاري. وانظري الفتوى رقم: 24093 وما تفرع منها.
هذا، ولكن لتعلمي أن جنس العبادة التي أنيطت بابن آدم ليست مقصورة على أركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، بل إن العبادة في الإسلام أعم وأوسع من ذلك، فكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة إذا فعله العبد بنية التقرب إلى الله فهو عبادة يستحق عليها الثواب، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمؤمنين وبر الوالدين وحسن تبعل الزوجة لزوجها والعكس والدعاء وغض البصر وحب المؤمنين وموالااتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم وطلب العلم النافع وشهود مجالس الخير وغير ذلك من محاب الله إذا أداه العبد بإخلاص فإن الله يتقبله ويثيبه عليه.
هذا، وإن معرفة ما شرعه الله تعالى من العبادات متوقف على العلم، وعلى ذلك، فإننا ننصحك بطلب العلم الشرعي بطريقة منهجية، فداومي على برنامج منتظم لطلب العلم تتقربين به إلى الله وتزكو به نفسك وتحصلين به ما يعينك على أداء واجب الدعوة مستقبلا في صفوف النساء، والعلوم التي ينبغي أن تبدئي بتحصيلها هي العقيدة والفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية.
فادرسي في كل فن من الفنون السابقة ولو كتابا واحدا ودونك برنامجا متوازنا لطلب العلم، ففي العقيدة ادرسي كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين، وفي الفقه ادرسي الملخص الفقهي للشيخ صالح فوزان، وفي التفسير ادرسي زبدة التفسير للدكتور محمد سليمان الأشقر، أو تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، أو تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير للشيخ محمد نسيب الرفاعي، وفي الحديث ادرسي شرح الأربعين النووية للإمام النووي، أو جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب، وفي السيرة نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للعلامة الخضري، أو الرحيق المختوم للمباركفوري، وفي الرقائق والتزكية والتهذيب الداء والدواء لابن القيم، ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
هذا، وننصحك بثلاثة أمور:
الأول: الإكثار من ذكر الله تعالى، خاصة الأذكار الموظفة، مثل أذكار الصباح والمساء، والتي تقال عند النوم، وفي أدبار الصلوات، وتجدينها وغيرها في "حصن المسلم" للقحطاني.
الثاني: التفتيش عن صحبة صالحة من الأخوات الفاضلات والانتظام في سلكهن وعبادة الله معهن، والتعاون معهن على طلب العلم، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
الثالث: استمعي إلى أشرطة المحاضرات الإسلامية النافعة، وتجدينها على موقع طريق الإسلام islamway.com وهذا كله لا يتعارض مع دراستك في الجامعة بل إن الدراسة قد تعين على كثير من هذا وبالتالي، فلا ننصحك بترك الدراسة التي تتوفر فيها الضوابط الشرعية لأنها حينئذ عبادة إذا أخلصت فيها النية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(9/585)
كيف تتعرف على دينك وتتقرب من ربك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أبدأ من جديد لكني لا أعرف أحس أن حياتي كلها غلط وأي عمل أقوم به غلط لأني لست مطلعة على ديني بما فيه الكفاية بكل أسف وأخجل أن أقول لا أعرف شيئا عن ديني أعينوني أعانكم الله والله ولي التوفيق]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي بصرك بطريق الحق، فكم من تائه متبع لهواه وشهواته سادر في معاصيه حتى يدركه الموت وهو كذلك!.
والله يفرح بتوبة العبد ورجوعه إليه، وبابه مفتوح، والطريق إليه واضح، وهو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولتستدركي ما فاتك لا بد أن تتعلمي ما أوجبه الله عليك لتؤديه على الوجه الذي يرضي الله تعالى، وتتعلمي ما يسخطه حتى تجتنبيه.
فالتحقي بمركز لتحفيظ القرآن وعن طريقه تواصلي مع الأخوات الفضليات لتتعاوني معهن على طلب العلم النافع، فإن الصحبة الصالحة من المعينات على الثبات على طريق الحق، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
كما نوصيك بالمداومة على قراءة القرآن بتدبر، وإن مما يعينك على تدبر القرآن قراءة تفسير مختصر فيه، ومن هذه المختصرات: "زبدة التفسير" للدكتور محمد سليمان الأشقر، وانظري الفتوى رقم: 28309.
كما نوصيك بالمحافظة على الأذكار الموظفة، خاصة التي تقال عند الصباح والمساء، وعند النوم وبعد الصلوات، وتجدينها وغيرها في كتاب حصن المسلم للقحطاني، أو كتاب مختصر النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة للشيخ محمد إسماعيل. وأكثري من دعاء الله عز وجل أن يشرح صدرك ويلهمك رشدك ويكفيك شر نفسك، وأن يثبتك على طريق الحق، والتمسي في ذلك أوقات الإجابة خاصة ثلث الليل الآخر، واجعلي في مكتبتك الكتب التالية:
1- الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين.
2- الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان.
3- زبدة التفسير للدكتور محمد سليمان.
4- رياض الصالحين للإمام النووي.
5- شرح الأربعين النووية للإمام النووي أيضا.
6- مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
7- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ محمد الخضري.
8- الداء والدواء لابن القيم.
واجتهدي في قراءة هذه الكتب وغيرها، وأكثري من سماع الأشرطة الإسلامية، وحضور المحاضرات والندوات العلمية التي تقام في البلد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(9/586)
لا تعارض بين الدراسة النظامية وطلب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب علم أحب العلم كثيرا لكنني أتكاسل أحيانا المهم يا شيخ أنا حلمي أن أتعلم العلم الشرعي فقط ولهذا أريد أن أحفظ القرآن والسنة وأعمل بهما وأحيانا لا أريد الذهاب للمدارس أي الثانوية لأنني أدرس أشياء كثيرة وأنا خسرت السنة النهائية في الثانوية من اجل الفلسفة واللغتين الفرنسية والإنجليزية وهذه الأشياء لا أراها تخدم هدفي
فهل أترك الدراسة الأكاديمية وأتوكل على الله في حفظ القرآن والسنة أو هذا وسواس من الشيطان؟؟؟؟؟ والله أنا حائر جدا
أريد الدراسة حتى أتمكن من دخول جامعه الأزهر والحمد لله المعدل في الشرعية مرتفع جدا لكن هذه المواد هي التي تجعلني أرسب وبصراحة لحد الآن لم أجد حلا لها]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى والصبر والمثابرة والعزم على تحصيل العلم ونبذ الكسل والتهاون، ومن أهم ما يعينك على ذلك هو المحافظة على الفرائض، والإكثار من الاستغفار، والبعد عما حرم الله تعالى، والحذر من تضييع الوقت في الأمور التي لا فائدة منها، فالمتكاسل المضيع لوقته يخسر كل شيء، بل يخسر حياته؛ لأن الوقت هو الحياة.
ولا ننصحك بترك التعليم النظامي لما يمكن أن تستفيد فيه من علوم وخبرة تخدم دينك وتعينك في دنياك، فلا تعارض بين الدراسة النظامية وطلب العلم الشرعي، كما ننصحك بصحبة شيخ من علماء الشريعة الأتقياء، وضع لنفسك برنامجاً صارماً للحفظ والمراجعة، ولتستعن ببعض الطلبة الجادين لتذاكر معهم، ولتبتعد كل البعد عن أصحاب السوء، ثم بعد ذلك لا تقدم على خطوة أو اتخاذ قرار إلا بعد الاستخارة واستشارة النصحاء الأمناء.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 4131، 23381، 28511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1425(9/587)
كيف يتفوق طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي على طالب العلم أن يفعله لكي ينجح ويتفوق-أنا طالب بالثانوية العامة بمصر- في الحالة الآتية:
الصلاة متقطعة بسب ممارسة العادة السرية مرتين أسبوعيا، إهمال المذاكرة، والخوف من المواد، وتشتت الذهن فيما بين المذاكرة وبين أمور الحياة المختلفة.
أنا لدي أصدقاء أولاد وبنات متدينون، وأنا دائما أفكر في أن أرتبط بزميلة لي-إن شاء الرحمن عز وجل- وقد تشتت ذهنني عن المذاكرة التطلع إلى المستقبل والتخيل للحياة فيه دون أي عمل جاد اتجاهه.
وجزاكم الله تبارك وتعالى عنا خيراً ورحمة منه وملأ بيوتكم بالافراح والسرور، ونرجو دعاءكم لنا بالصلاح والهداية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهديك، ويأخذ بناصيتك إلى صراطه المستقيم، وييسر لك أسباب النجاح، واعلم أن ترك الصلاة والتهاون في أمرها أمر خطير للغاية، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 1145.
كما يمكنك أن تراجع في حكم العادة السرية فتوانا رقم: 7170.
واعلم كذلك أن الارتباط بالفتيات واتخاذهن صديقات في الدراسة وغيرها شر كبير، وعلى المسلم أن ينأى بنفسه عنه ابتعاداً عن الفتنة وصيانة لدينه. روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة حضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
والذي ننصحك به أولاً أيها الأخ الكريم هو أن تشمر للعبادة، وتبتعد عن الباطل، وتأخذ أمورك بالجد والحزم، فتبتعد عن المحرمات، وتقوم بفعل الواجبات وأولها الصلاة، ثم تقسم وقتك لمراجعة دروسك حسب ظروفك، فهذا إذا فعلته أمكنك النجاح في الدنيا والآخرة، وكان النجاح مفيداً لك، وإذا بقيت على ما وصفت نفسك أنك فيه، فلا نرى لك نجاحاً، ولا نرى أنك تستفيد شيئاً لو قدر أنك تجاوزت من صف لآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(9/588)
حلية طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أخلاق طالب العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منزلة الأخلاق في الإسلام عظيمة، وانظر الفتوى رقم: 42432.
كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التزام عقيدة التوحيد وبين التمسك بأخلاق الإسلام، وانظر بيان هذا الارتباط في الفتوى رقم: 53373.
هذا، وإن أحرى الناس بالاستقامة، وبالتمسك بأخلاق الإسلام هم طلاب العلم، ولذلك حرص السلف الصالحون على تأديب أبنائهم، فقد كان بعضهم يقول لابنه: (اذهب فتعلم أدب مالك قبل علم مالك!!) ، وقال آخر: (ليكن أدبك دقيقاً وعلمك ملحاً!!) بل إن الملوك والأمراء حرصوا على تأديب أبنائهم وتحليتهم فقدموهم للعلماء ليؤدبوهم، ولقد كان يطلق على الحافظ ابن أبي الدنيا (مؤدب الخلفاء) .
هذا، وإن هناك أخلاقاً ينبغي لطالب العلم أن يلتزمها في نفسه ينبل بها، وأخلاقاً أخرى ينبغي أن يلتزمها في تعامله مع شيخه، وأخلاقاً ينبغي أن يلتزمها في تعامله مع زملائه في الطلب وحلق العلم، وإن من أخصر الكتب التي جمعت هذه الأخلاق وغيرها كتاب (حلية طالب العلم) للعلامة بكر أبو زيد، وخاصة النسخة التي شرحها العلامة ابن عثيمين.
ولعل أهم كتاب صنف في أخلاق طالب العلم هو (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم) لابن جماعة، فإنه يمثل بحق النظرية التربوية الإسلامية. كما ينبغي لطالب العلم أن يرطب قلبه بأحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم صالح الأخلاق، وانظر في ذلك كتاب (الأدب) من صحيح الإمام البخاري، وكتاب (الأدب المفرد) للإمام البخاري أيضاً.
وكذلك فإن مطالعة الكتب التي عنيت بذكر تراجم العلماء وحليتهم وأخلاقهم فيها نفع كبير لطالب العلم، إذ إنها التطبيق العملي لهذه الأخلاق، وإن من أهم وأفضل ما ينتفع به طالب العلم من كتب التراجم كتاب (سير أعلام النبلاء) للحافظ الذهبي أو مختصره (نزهة الفضلاء في اختصار سير أعلام النبلاء) لمحمد حسن عقيل موسى الشريف، وكتاب (صفة الصفوة) لابن الجوزي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1425(9/589)
طلب العلم لأجل دعوة الأقارب إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر طلب العلم بهدف دعوة الأهل والأقارب من الرياء أو النفاق أم نؤجر على ذلك؟ حفظكم الله من كل سوء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم والتفقه في الدين من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه تبارك وتعالى، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة.
والعلم إنما يراد للعمل، ومن أهم العمل الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، وأولى الناس بذلك هم الأهل والأقارب كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بعشيرته الأٌقربين، فقال تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {الشعراء:214} .
فطلب العلم لأجل العمل به وتعليمه والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن علم وبصيرة من أعظم القربات إلى الله وكون الشخص يحب أن يدعو ذويه ليجلب لهم الخير ويدفع عنهم الشر لا يتنافى مع الإخلاص ولا يدل على النفاق، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4131، 29887، 52210.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1425(9/590)
منهج متكامل لطلبة العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء من سيادتكم مدنا بمنهج متكامل لطلب العلم الشرعي مبيناَ فيه الفنون وطريقة الطلب
والكتب المفيدة, وكيفية حفظ كتب الحديث وبماذا أبدأ ... وجزاكم الله خيراَ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلوم الشرعية على قسمين:
علوم مخدومة، وهي علوم المقاصد.
وعلوم خادمة، وهي علوم الوسائل أو علوم الآلة.
والأولى أن يبدأ طالب العلم بدراسة علوم المقاصد، وهي العقيدة والفقه والتفسير والحديث. ويدخل فيه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يثني بدراسة علوم الوسائل، وهي علوم العربية وأصول الفقه وأصول الحديث وغير ذلك.
ثم لا بد للطالب من معرفة آداب الطلب، ولا بد له أن يرطب قلبه بالمرققات والمزهدات.
ثم لا بد للطالب من أمرين أولهما: التدرج في طلب العلم، فيبدأ بصغاره قبل كباره.
الأمر الثاني: التوازن بين العلوم، فلا تطغى دراسة الطالب لأحد فنون العلم على دراسته لباقي الفنون في نفس المرحلة. وانظر الفتويين: 51291، 56544.
ومما يناسب ذكره هنا بيان منهج متكامل لطلبة العلم في أولى مراحل الطلب:
في العقيدة: يبدأ بسلسلة كتب: "العقيدة في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور عمر الأشقر. وفي الفقه: "الملخص الفقهي" للشيخ صالح فوزان. وفي التفسير: "زبدة التفسير" للدكتور محمد الأشقر، أو "تيسير الكريم الرحمن" للشيخ السعدي. أو "مختصر تفسير ابن كثير" لمحمد نسيب الرفاعي.
وفي الحديث: "شرح الأربعين النووية" للإمام النووي. و"عمدة الأحكام" وشرحه "تيسير العلام" للشيخ عبد الله البسام. و"رياض الصالحين" للإمام النووي.
وفي السيرة: "نور اليقين في سيرة سيد المرسلين" للخضري، أو "الرحيق المختوم".
وفي النحو: "التحفة السنية في شرح المقدمة الآجرومية" لمحمد محيي الدين عبد الحميد.
وفي أصول الفقه: "الواضح" للدكتور محمد سليمان الأشقر.
وفي مصطلح الحديث: شرح ابن عثيمين على المنظومة البيقونية.
وفي آداب طالب العلم "حلية طالب العلم"للشيخ بكر أبو زيد " وفي الرقائق "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة و"الداء والدواء" لابن القيم.
وهذه المرحلة تليها مراحل أخرى.
وأما كيفية حفظ الحديث فبكثرة المطالعة وتكرار النظر، وقد كان جبل الحفظ يحيى بن معين وهو من هو في الضبط والاستحضار كان يكتب الحديث خمسين مرة ليضبطه في صدره. وننصحك باستماع محاضرة "يا طالب العلم القرآن أولاً" للشيخ محمد إسماعيل المقدم، وتجدها على موقع islamway.com على الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(9/591)
العلم الواجب وطريقة التعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة من المسلمين مقيمون في بلاد الكفار للدراسة ونريد أن نتعلم عن ديننا الإسلامي لأاننا حرمنا هذا النوع من التعليم في بلدنا الذي أتينا منها نريدكم أن تعلمونا ما هي الأمور التي يستحب أو تجب على المسلم أن يعلمها بالضرورة, لأن الأمور والله اختلطت علينا وباب الدين وعلومه واسع وشاسع ولا نستطيع أن نحيط به ولذا نسألكم أن تعينونا إن شاء الله بالأمور التي يمكن أن نتعلمها وسيكون من المحبب لنا أن تدلونا على أسماء الكتب التي يمكن أن تفيدنا في ذلك إن شاء الله.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وصححه السيوطي. والعلوم الشرعية منها ما تعلمه فرض واجب، ومنها ما تعلمه مستحب. والواجب من العلوم هو ما يصحح المرء به عقيدته وعبادته ومهنته التي يعمل بها، والواجب لتصحيح العقيدة: العلم بأركان الإيمان الستة بحيث ينشأ عن هذا العلم الاعتقاد الجازم بها على وجه الإجمال. والواجب لتصحيح العبادة: معرفة ما تتم به طهارة العبد وصلاته وصيامه. ويجب عليه أن يتعلم الحلال والحرام في أحكام المهنة التي يمتهنها كأحكام البيع لمن يعمل به ونحو ذلك. وتصير باقي العلوم في حقه مستحبة، إلا إذا تعين عليه بعض الواجبات، فيجب عليه تعلم ما يؤديها به بحسب قدرته، فإن وجب عليه الحج وجب عليه تعلم أحكامه، وإن وجبت عليه الزكاة وجب عليه تعلم أحكامها، وإن اشتغل بالتجارة وجب عليه تعلم أحكام البيوع، وإن أراد الزواج أو الطلاق وجب عليه تعلم أحكامهما، وهكذا وانظرالفتوى رقم: 11280. ومن لم يستطع التعلم، فليسأل أهل العلم قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} . وينبغي لمن أراد أن يدرس العلم الشرعي بطريقة منهجية أن يراعي أمرين: الأمر الأول: التوازن بين العلوم فلا تكون دراسته قاصرة على علم واحد. الأمر الثاني: التدرج عند دراسته كتب الفن الواحد. ويقترح في البداية أن يدرس الطالب في العقيدة كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين، وتطهير الجنان والأركان للشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي، أو يدرس سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة للدكتور عمر الأشقر. وفي الفقه يدرس كتاب: الملخض الفقهي. للشيخ صالح فوزان. وفي التفسير يدرس تفسير الشيخ السعدي المسمى: بتسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، أو زبدة التفسير من فتح القدير، للدكتور محمد سليمان الأشقر. وفي الحديث يدرس كتاب شرح الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله تعالى. وفي السيرة: الرحيق المختوم، وفي الآداب رياض الصالحين، وفي الرقائق الداء والدواء، لابن القيم ومختصر منهاج القاصدين. هذا وننصح السائل بالاستماع إلى أشرطة العلماء التي تشرح هذه العلوم وخصوصاً أشرطة العلامة محمد بن صالح العثيمين، والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي. وبإمكان الأخ السائل معرفة كثير من الأحكام التي تهمه من خلال موقعنا وذلك بتصفح العرض الموضوعي في مركز الفتوى. هذا، ونحيطك علماً أنه لا يجوز الإقامة في ديار الكفار إلا بشروط انظرها في الفتاوى: 15053، 11316، 18462.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1425(9/592)
الدراسة في المدارس المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب في إحدى المدارس بتونس. أسال فضيلتكم عن حكم دراستي التي فيها بعض الخروج عن الأحكام الشرعية.
1-الاختلاط بين الجنسين.
2-كل مدرساتنا متبرجات.
3-كل العلوم دنيوية مع بعض المواد التضليلية باستثناء مادة التفكير الإسلامي والتي فيها خروج عن عقيدة أهل السنة.
4-كل الصلوات تفوتنا ولا نستطيع صلاتها في وقتها في المدرسة.
5-الدراسة تعطلنا عن طلب العلم الشرعي.
6-يعارض والداي خروجي.
فما العمل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت وكانت الدراسة في هذه المدارس ضرورية بحيث يفوت بتركها تحصيل مصلحة ضرورية لك أو للمسلمين، ولم يوحد غيرها من المدارس المنضبطة بضوابط الشرع، فلا مانع من الاستمرار فيها للضرورة، ولكن يجب عليك الالتزام بالأمور الآتية:
1- ... المحافظة على الصلاة في أوقاتها قدر طاقتك.
2- ... غض البصر عن المحرمات والحذر من الخلوة غير المشروعة بالبنات.
3- ... الانتباه للأفكار غير الصحيحة التي تدرس لكم من خلال مادة الفكر الإسلامي.
أما إذا كان هذا العلم غير ضروري لك أو للمسلمين، أو كان ضروريا لكن يمكن دراسته في أماكن تلتزم بشرع الله تعالى ولو كان في غير بلدك فلا يجوز لك في هذه الحالة الاستمرار، ويجب عليك التحول فورا لعدم ما يدعو إلى البقاء فيها.
وإننا لنرى في حالة الاستمرار في هذه المدارس أن تستثمر وقتك المتبقي في تعلم ما يجب عليك تعلمه من أحكام دينك كأحكام الصلاة والصيام والزكاة ونحوها.
ولمزيد من التفاصيل والضوابط راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5310، 2160، 48668.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(9/593)
خطوات على طريق التفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي يتبعها الإنسان لكي يكون فقيهاً في الدين الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم –وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى- أن التفقه في الدين الإسلامي هو أفضل شيء يعطيه الله للإنسان، فقد ورد في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
وأول خطوة يجب على المتعلم أن يخطوها في طلب العلم هي إخلاص القصد لله تعالى، روى أبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها.
والخطوة الثانية هي تقوى الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور * ونور الله لا يؤتى لعاص
وأما الخطوات العملية، فهي أن يتدرج المطالب من السهل إلى الصعب، ومن الأهم إلى المهم، ومن المختصرات إلى المطولات ... والأحسن أن يبدأ بعلوم الآلة، فيتعلم اللغة العربية وقواعدها، وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 4131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(9/594)
الطرائف والملح في مجالس العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يحضر دروس العلم للتفقه في أمور الدين وحفظ القران ولكن لا تخلو جلستهم من اطمئنان بعضهم على بعض وبعض الأحاديث في الأمور الخاصة أو خلط الجد بالهزل أحيانا فهل تفسد جلستهم للذكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا أن يتحدث طلبة العلم في بعض أمورهم الخاصة أو يستأنس بعضهم ببعض ويطمئن إليه ما لم يصل ذلك إلى الإهمال وضياع الوقت، أو يكون فيه غيبة أو نميمة.
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد بعد الصلاة وقبلها، وربما كانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ويبتسم معهم.
جاء ذلك في صحيح مسلم وغيره، وهكذا درج السلف من التابعين وغيرهم. ففي مصنف ابن أبي شيبة عن الأعمش قال: رأيت أبا وائل وأصحابنا يجلسون يوم عرفة ويتحدثون كما يتحدثون في سائر الأيام، وهذا يدل على أن الحديث بين طلبة العلم ولو كان في المسجد أو محل الدروس لا مانع منه شرعا مادام محكوما بالضوابط الشرعية.
وقد كان أهل العلم يحدثون طلبتهم في مجالس العلم ببعض القصص المفيدة وذكر الطرائف والملح التي تروح عنهم وتزيل كآبة الجد ورتابة المجالس الرسمية.
قال العلامة الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في الطلعة في علوم الحديث:
وروِّح القلب بذكر الطُّرَف * فإن ذلك صنيع السلف
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1425(9/595)
لا تستوحش من قلة الأخيار والعلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 24 سنة، كيف نعلم أن استقامة المسلم صحيحة وأنه فعلا على الصراط المستقيم؟ توصون دائما بالصحبة الصالحة للمحافظة على الاستقامة، لكن هل من يواظب على الصلوات جماعة إلا الصبح ويواظب على مجالس العلم السنية وغيرها وعقيدته ليست عقيدة أهل السنة والجماعة ولا تجده يسابقك في الخيرات ولا يسعى إلى حفظ كتاب الله ولا فهمه مع وجود الوقت يمكن اعتباره صديقا صالحا، وهل من يواظب على الصلوات كلها وعلى مجالس علم أهل السنة لكنه لا يستطيع تركيب جملة عربية واحدة صحيحة بل وإذا كتبت له رسالة لم يفهم مغزاها ومضمونها فضلا عن أن يفهم كتاب الله أو كلام العلماء الذين يحضر مجالسهم، وإذا قدمت له دليلا من الكتاب والسنة أو أقوال العلماء المعتبرين على خطإ ارتكبه لا يعمل به معللا ذلك أنه سمعه من عالمه وتطبيق قول عالمه أولى من قولي، ولا يساعدك في طلب العلم ولا تدبر آيات كتاب الله ... فهل هذا أيضا يعتبر صديقا يعتمد عليه، في الحقيقة أعلم أن مع أمثال هؤلاء وجب تطبيق قوله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وأنه لا يجب اتخاذهم أخلاء بل فقط إخوة يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ثم المجادلة بالتي هي أحسن، لكنني لا أحب الكلام إلا عن الله وكتابه وأمور الدعوة والمناقشة في أمور علمية ولعدم تواجد أخ يحب مثل ذلك فأنا أحس وأعلم أني أستكثر على أولئك فيملون، فوالله ما أدري ما هي أمثل طريقة للتعامل والتعايش مع مجتمع قل فيه علماء السنة وأهلها وكثرت البدع والخرافات وتشدد بعض العلماء وغلوهم ينفرون الناس عن دين الله بدل تحبيبهم إياه. فأنا أرجو من الله ثم منكم نصيحة عملية مع العلم أنه في بيتي ومع أهلي لا يذكر الله نهائيا فنحن الآن في رمضان وإن كنا في الأعوام الماضية نسمع لصلاة التراويح بمكة فهذة السنة إما مسلسلات أو مباريات كرة ولا من يغير المنكر وإلى الله المشتكى، فأين يا ترى المفر؟ والسلام عليكم ورحمة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المنهج الصحيح الواجب اتباعه في العقيدة والعمل هو منهج أهل السنة والجماعة، فمن كان معظماً لمنهج السلف، متبعاً للكتاب والسنة بفهمهم فهو مستقيم، ومن كان مجانباً لمنهجهم محاداً لفهمهم مقدماً للأهواء والآراء فليس بالمستقيم، إذ ليس بعد الهدى إلا الضلال والردى، وإن الحصيف لا يخالل إلا من كان على المنهج القويم، إذ الطباع سراقة، والصاحب ساحب، وانظر بعض مواصفات الصديق المقارن في الفتوى رقم: 23215.
وإذا قل علماء السنة، فينبغي الالتفاف حول من وجد منهم والأخذ عنهم، وكذلك يمكنك الانتفاع بما يقوم مقامهم عند غيابهم وهو أشرطتهم، وبفضل الله قد انتشرت أشرطة العلماء والدعاة الموثوقين مثل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وكذلك من أهم وسائل التربية قراءة كتب العلماء والتوفر على دراستها، وذلك وفق منهج متوازن بين العلوم وتقديم الأهم منها، والبدء بعلم المقاصد وفق السلم التعليمي المتدرج، وبإمكانك الاستفادة من المتاح من علماء السنة في وضع سلم تعليمي يتناسب معك، ولا تستوحش من قلة الأخيار الذين ترغب في مجالستهم ففي الكتب عوض عن كثير منهم، قيل لابن المبارك: إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا؟ قال: أجلس مع الصحابة والتابعين، أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس.
وقال سفيان الثوري: ما العيش إلا القفل والمفتاح، وغرفة تصفقها الرياح لا صخب فيها ولا صياح.
هذا.. ويجب عليك أن تأمر أهلك بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بقدر المستطاع، واعتزلهم وقت فعلهم المنكرات إن قدرت، ومن أشرت إليهم من الأصحاب الذين يواظبون على فعل الصلوات في الجماعة ويحضرون مجالس العلم، فإنهم من خير من يتخذ للصحبة، وينبغي غض الطرف عما قد يكون فيهم من جهل، ولا يلزمهم الأخذ بقولك، وترك أقوال علماء ظنوا فيهم العلم والصلاح بل لا يجوز لهم ذلك إذا كنت لا تُعرف بالعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1425(9/596)
العلم يقبض بموت العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد
في عصرنا الحاضر كثير من الشباب بعد عن التدين نظرا للفتن التي تحيط بهم من تبرج النساء وعدم القدرة على الزواج وغياب كثير من الدعاة أو بعضهم عن الاجتهاد في دعوة الناس وإصلاحهم ولكن ولله الحمد ستبقى دائما طائفة من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ظاهرة على الحق.
المشكلة هي كالتالي
هناك بعض الشباب هداهم الله تعالى على يد بعض الإخوة فبدأوا يصلون ويحضرون للدروس فمنهم من أرخى لحيته وقصر ثوبه ومنهم من اجتهد في طلب العلم ودراسة الدين واستمر على التدين ومنهم من انشغل بما يقول فلان في فلان وبأن هذا ضال وهذا كذا وهذا كذا ولا تنصت لفلان حتى اختلطت عليه المفاهيم وأدى به ذلك إلى ترك الدروس وترك بعض السنن ومنهم من حلق لحيته وغير ذلك كما تعلمون لأن هذه الأمور لا تقتصر على بلد دون بلد بسبب تعدد الفتاوى وكثرة الجماعات وعدم توحدها على منهج الله (نسأل الله أن يجمع كلمة الأمة على اتباع كتاب الله وسنة نبيه وفق منهج أصيل يرضاه الله ورسوله آمين) وتجد الشخص يبحث عن حكم المسألة فيجد فلانا يقول حلال والآخر يقول حرام فلا يعرف ماذا يتبع وكذلك هناك سبب آخر وهو عدم معرفة فقه الخلاف وعدم انتشاره بين الناس أو أن بعض طلبة العلم لا يطبقونه مما يؤدي بالعوام إلى الكلام في فلان وفلان دون احترام أو تقدير والله المستعان.
أسئلتي هي كالتالي
1.ما هو ردكم على هذه الظاهرة المنتشرة في العالم؟ وما هو حلها؟
2. بماذا يبدأ المسلم التزامه هل بإطلاق لحيته وتقصير ثوبه أم أن هناك أشياء أخرى أهم؟ وكذلك بالنسبة للمسلمة هل تبدأ بالحجاب أم أن هناك أشياء أخرى أهم؟ أي باختصار, كما أن لطلب العلم منهجية فكذلك للتدين, فما هي هذه المنهجية وما هي مراحلها بالتفصيل بالنسبة للرجل والمرأة مع الدليل؟
3. ما هي أسماء الكتب والأشرطة التي يمكن للرجل أو المرأة بسببها تحصيل الفقه في الدين, وكذلك الالتزام بشرع الله بطريقة سهلة, مفهومة, وميسرة, وترغب الناس في التدين, ولا تتطلب منهم وقتا كثيرا؟
أرجو منكم أن لا تتجاهلوا هذه الأسئلة لمالها من نفع كبير علي وعلى من سيقرؤها من المسلمين وأسال الله العلي القدير أن يعينكم على تحقيق الخير والنصرة للإسلام والمسلمين وأن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه من خدمة للإسلام والمسلمين في الدنيا والآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الظاهرة التي تشكو منها قد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا. رواه البخاري ومسلم.
هذا، وينبغي على طلاب العلم أن يتثبتوا مما ينقل عن العلماء والدعاة، وأن يحملوه على أحسن المحامل حتى لا يظنوا بهم سوءا فيقعون في أعراضهم ويطعنون فيهم، وانظر الفتوى رقم: 4402، ودونك نصيحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى لمن انشغل بجرح الدعاة إلى الله في الفتوى رقم: 18788.
والحل يكمن في التفاف الشباب حول علماء الأمة الأثبات، وأن يكونوا تبعا لهم، وأن يتعلموا الآداب ويحرصوا على تحصيلها كما يحرصون على طلب العلم، فقد كان بعض السلف يقولون: ليكن علمك وأدبك دقيقا. وكان بعضهم يرسل ابنه للإمام مالك ويقول: اذهب فتعلم أدب مالك قبل فقه مالك.
كما ينبغي إشاعة العلم في ربوع الأمة، والحرص على استفاضة البلاغ العام قياما بأمر الله، وعلى الشباب أن يعوا المخططات التي تحاك لصرفهم عن معالي الأمور وتشغلهم بأنفسهم.
وإن من السذاجة أن يكون بأس الدعاة وطلاب العلم بينهم شديدا، بينما يمكر أعداء الدين الليل والنهار ليطمسوا هوية هذه الأمة.
وأما سؤالك بم يبدأ المسلم في تدينه، فنقول: يجب عليه امتثال الواجبات بقدر المستطاع، وأن يكف عن الحرام.
قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} . وقال صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه، وقال أيضا: اتق المحارم تكن أعبد الناس. رواه الترمذي.
هذا، وإن من الواجبات على الرجال إعفاء اللحية، ومن الواجبات على النساء الحجاب الشرعي المستوفي للشروط.
كما يجب على كل مسلم أن يتعلم أركان الإيمان إجمالا، وكذلك يجب أن يتعلم فروض الأعيان حتى يعبد الله على الوجه الذي يرضيه عنه، وما زاد على ذلك فحسن.
وأما بالنسبة للكتب التي يتم من خلالها التفقه في الدين فكثيرة، وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 2410، 22774، 31659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(9/597)
موقف العامة من اختلاف العلماء في الفروع
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا كل خير، أما بعد:
أنا حيران لا أعرف من أتبع بعض العلماء يقولون بأن الشيء جائز والآخر ليس بجائز في فتوى خاصة، ماذا أفعل لماذا لا يتفقون على فتوى عامة، أليس الإسلام أمة واحدة متماسكة، لماذا العلماء الذين يريدون وحدة الأمة لا يتحدون بينهم في الأول كمثال أم أستفتي نفسي أو أختار بين فتويين ما تريد نفسي الأمارة بالسوء، أرشدوني؟ وشكراً، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تجتهد في اختيار العالم الذي تريد أن تسأله عما أشكل عليك من أمر دينك، ويكون الأساس الذي تختاره عليه هو العلم والورع والاتباع للسنة النبوية المطهرة، فإذا اجتهدت واخترت من بين علماء الأمة من تطمئن إليه نفسك وأفتاك بما يرى أنه الصواب والحق، فعليك أن تأخذ بما أفتاك به.
ولا مانع شرعا من أن تسأله عن دليله على ذلك من القرآن والسنة أو الإجماع أو القياس أو أقوال أهل العلم ليطمئن قلبك وتتثبت لنفسك وعليه أن يبين لك ذلك، كما قال العلامة العلوي الشنقيطي في ألفية الأصول:
ولك أن تسأل للتثبيت * عن مأخذ المسؤول لا التعنيت
ثم عليه غاية البيان * إن لم يكن عذر بالاكتنان
ولا داعي للقلق والانزعاج من اختلاف العلماء في المسائل الفرعية فهذا الخلاف ليس خلاف تضاد ولا تصادم ... وإنما هو اختلاف تنوع وتوسعة وهو دليل على سعة الدين وشموله وصلاحه للزمان والمكان وملاءمته لكل بيئة وعصر ... وقديما قال العلماء:اختلاف الأئمة رحمة واسعة واتفاقهم حجة قاطعة.
وتبقى بعد ذلك الأصول والثوابت هي التي تكون عامل الإجماع ووحدة الأمة، ولا يضر بعد ذلك الاختلاف في الجزئيات فهذه فيها نوع من التوسعة وحرية الرأي والاجتهاد، والعلماء متفقون على هذا ويدعون الناس لفهمه، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42128، 4145، 26350.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(9/598)
حكم طلب المرأة أو الرجل للعلم من بعضهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السابعة عشر من العمر من الله علي بالعلم والحمد لله ولذلك أجد الكثير من الإخوة يسألوني ويستفسرون مني عن بعض الأشياء التي أجيدها كنت أتحدث مع معظهمهم عبر الماسنجر \" محادثه خاصة\"
وكانوا جميعهم من الشباب حتى استضافتني إحدى الأخوات بغرض العلم تكبرني سنا مع أني لا أعلم سنها الحقيقي ولكني طالب وهي تعمل في شركة عرفت ذلك عندما عرضت علي تصميم ورقة عمل للشركه التي تعمل بها، المهم أني حتى لا أعرف اسمها والمعاملة بيننا رسمية جدا \" سؤال وجواب \" ولم أشعر قط أني أفعل شيئا خطأ حيث إني لا أجيبها مثلا لأنها فتاة وأنا فتى فأنا أعامل الجميع سواسية ولكن في زيارتي لأحد المنتديات وجدت موضوعا عن هذا دخلت الموضوع وجدت الإخوة فيه يمنعون أي حديث مهما كان فما دمت أنت ذكر وهي أنثى ولست من محارمها يبقى حرام حرام طبعا كلامهم عن غرف الحديث والشات والماسنجر
وليس عن المنتديات التي لي سؤال آخر عنها سأضعه في نموذج آخر فهل طلب العلم حرام ما دام بين ذكر وأنثى؟ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعلم الرجال عبر حجاب أليست الشاشة والبعد الذي يبلغ عشرات ومئات الكيلومترات حجاب كاف؟ أتمنى أن يكون السؤال واضحا وغير مبهم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الشرع منع أي علاقة بين رجل وامرأة أجنبيين سدا للذريعة، إلا إذا كان ذلك مضبوطا بالضوابط الشرعية من عدم الخلوة والاختلاط المريب والخضوع بالقول والاقتصار على قدر الحاجة إذا دعت لذلك، فإذا كانت المرأة تسأل عما أشكل عليها من أمور دينها أو دنياها.. فلا حرج في ذلك شرعا. قال الله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً {الأحزاب: 32} . وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم، فقال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} . وأهل الذكر في كل شيء هم أهل الاختصاص فيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه أصحاب السنن وصححه الألباني. ولهذا كان السلف الصالح رجالا ونساء يأخذون العلم بعضهم من بعض بالضوابط الشرعية التي أشرنا إلى بعضها.
وعلى ذلك؛ فطلب المرأة أو الرجل للعلم من بعضهما ليس بحرام إذا ضبط بالضوابط الشرعية، وربما انتقل من مرحلة الجواز إلى الوجوب، سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق وسائل الاتصال المختلفة مع الاحتياط التام وعدم المحادثة في الغرفة الخاصة في الشات وأمن الفتنة من الجانبين. ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 22324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(9/599)
فتاوى موجهة لطلاب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد الله على نعمة الإسلام والحمد الله الذي رزقنا نعمة القراءة والاستماع والإبصار والعقل لكي نفهم ونعرف الحق ونحفظ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعذروني حيث إني سوف أطيل الرسالة.
إخوتي في الشبكة الإسلامية شكرا على جهودكم الجبارة في نشر الإسلام في كل مكان ومن ثمرة جهودها هذه الرسالة. ولكن للأسف بعض تلك الجهود لا تصل للجميع بسبب عدم توفر شبكة الإنترنت. وبجهود بعض المتطوعين تكتمل تلك الجهود وإن لا تعطي تلك الجهود ثمرتها المرجوة لوجود عراقيل كثيرة وقلة حلقات العلم لطلاب العلم وإن كانت هناك دروس ولكن لا تفي بالغرض المرجو منه بسبب الاختلافات المذهبية وغير ذلك من أسباب، مما أدى لطلاب العلم طلب العلم من الكتب والأشرطة السمعية والبصرية ليكونوا طلاب علم ولو بقليل إني أعلم علم اليقين أن هذا المنهج صعب جدا ولكن بجهود طلاب العلم ما كان صعبا أصبح ولو بشيء القليل سهلا.
والأسباب التي أدتنا إلى التعلم من الكتب والأشرطة:-
1. عدم وجود علماء أهل السنة والجماعة.
2. عدم وجود مشايخ يقومون بحلقات علم.
3. البدع والضلالات انتشرت بشكل رهيب في الآونة الأخيرة والتقليد الأعمى المذهبي أيضا.
4. التفقه بأحاديث ضعيفة.
5. العمل.
هذه الأسباب الهامة التي جعلتني أتبع منهج القراءة والاستماع للأشرطة وإني أعلم أن طلب العلم من الكتب والأشرطة لا يفي بالغرض المرجو منه ولكن ماذا نفعل إن لم يكن هناك حلقات للمشايخ تفيدنا بشكل جيد لنكون طلاب علم حقيقين.
أرجو منكم المساعدة في تطوير ذاتي منهجيا لاكون طويلب علم لا طالب علم لسد الخلل.
ملاحظة:
برنامجي الحالي والكتب:
1. حفظ ما تيسر من القرآن الكريم مع تفسير السعدي.
2. تيسير علم الحديث للمبتدئين مع شرح الباعث الحثيث + أشرطة لعلي حسن الحلبي. هذا لمعرفة الحديث الصحيح والسقيم ولو بشي بسيط.
3. صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة. أعده الشيخ كمال بن السيد سالم.
4. وبعض كتب الوعظ والسير للذهبي.
ملاحظة أخرى إني طويلب علم في علم الحديث.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اهتماماتك ونسأل الله أن يحقق طموحاتك، وأن يجعلك من علماء السنة وناصريها.
ونفيدك أنه قد سبق أن بينا بعض التوجيهات المفيدة في هذا المجال في عدة فتاوى، فراجع على سبيل المثال الفتاوى التالية أرقامها: 20215، 18607، 19384، 21214، 20885، 21744، 21753، 22256، 22774، 24682، 27137، 28481، 31659، 32327، 32487.
ويمكنك أن تتصفح موضوعات آداب طالب العلم ضمن العرض الموضوعي.
وذلك بالنقر على كلمة عرض موضوعي في يمين الصفحة الرئيسية للموقع، ثم تنقر على موضوع الآداب والأخلاق، ثم تنقر على موضوع الآداب، ثم على موضوع آداب طالب العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(9/600)
التزام البعض بدروس وإحياء ليال معينة تتكرر دوريا بانتظام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السؤال عن قيام بعض الإخوة بالأعمال الدعوية في المسجد وأريد أن أسأل عن حكم الدين في هذه الأعمال خوفاً أن يوجد عمل منها مخالف للسنة وخوفاً أن يكون فيها بدعة من البدع وهذه الأعمال هي:
يوم السبت: حلقة سيرة من كتاب الرحيق المختوم
يوم الأحد: صلاة ركعتين بنية قيام الليل بعد صلاة العشاء مباشرة
يوم الاثنين: حلقة تلاوة وأحكام وتفسير
يوم الثلاثاء: درس عام للناس بعد صلاة المغرب مباشرة
يوم الأربعاء: حلقة فقه من كتاب فقه السنة للسيد سابق
يوم الخميس: صلاة ركعتين بنية القيام بعد سنة العشاء مباشرة
ملحوظة: علماً بأن هذه الأعمال مخصصة في هذه الأيام فقط وأن هذه الأعمال اجتهادية من أفراد يقومون بهذة الأعمال الدعوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في تحديد أوقات معينة في الأسبوع لدراسة العلوم الشرعية، بحيث تتكرر هذه الأوقات المعينة دورياً بانتظام، بل إن ذلك أدعى للنظام والانضابط في الطلب، وهو عين ما تفعله الهيئات التي تعنى بالدراسات الأكاديمية النظامية كالجامعات، والأصل في ذلك المصالح المرسلة، وانظر الفتوى رقم: 27680.
أما التزام بعض جماعة المسجد بإحياء ليالٍ معينة بصورة تتكرر دورياً بانتظام، ففيه تفصيل: فإن اعتقد المصلون فضل الصلاة في هذه الليالي بخصوصها دون غيرها من الليالي بدون أن يدل على ذلك دليل صحيح صريح، فهذا العمل بدعة، وعليه فينبغي ترك هذا العمل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد. وفي رواية: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه البخاري ومسلم.
وأما إن لم يعتقد المصلون فضل قيام الليالي المخصوصة، بل لم يدر بخلدهم ولم يخطر ببالهم أصلاً، وإنما هذه الليالي ناسبت فراغهم من الدراسة أو ناسبت اجتماعهم في ليلة إجازتهم الأسبوعية من أعمالهم أو نحو ذلك فلا حرج إن شاء الله، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ونهارها بالصيام، فقال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيا م. رواه مسلم.
وقد ثبت فضل الذكر والدعاء وقراءة القرآن يوم الجمعة، فتخصيص ليلتها بالقيام أو نهارها بالصيام يوهم اعتقاد فضل ذلك، فنهى عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي لحظه شيخ الإسلام من النهي، فقال: فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره، ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره لها فضيلة على قيام غيرها من الليالي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص. انتهى. من اقتضاء الصلاة المستقيم.
فالعبرة بما يقوم في القلب من اعتقاد ثبوت ما لم يثبت بالشرع، وهذه هي المفسدة التي أشار إليها شيخ الإسلام، والله تعالى أعلم.
ولكننا ننصحكم أن تزيدوا في برنامجكم العلمي مادة العقيدة، ولتكن من كتاب (الإيمان) للدكتور محمد نعيم ياسين، وكذلك مادة الحديث ولتكن من كتاب (شرح الأربعين النووية) للإمام النووي، فإنه نافع جداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(9/601)
لا بأس باجتماع نية طلب العلم في جوار الحرم مع نية أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 27 عاماً وقد من الله علي بالالتزام منذ حوالي عامين، وأنا أعمل محاسباً بإحدى الشركات وأتقاضى راتباً جيداً جداً يساعدني على أن أحيا حياة كريمة، ولكني أعمل لفترة كبيرة تصل إلى 12 ساعة في اليوم وباقي الوقت يمضي في النوم وأداء الاحتياجات الدنيوية وأداء احتياجات والدتي وإخوتي ولا أستطيع توفير وقت لطلب العلم الشرعي، حيث إنني أعاني من نقص العلم الشرعي وقلة الفقه في الدين مما يسبب لي إحساساً بالتقصير يؤدي إلى إحساسي بالضيق النفسي دائماً ويعوقني أيضاً عن الدعوة في سبيل الله، مع العلم بأني الآن أحاول حفظ القرآن الكريم، وقد من الله علي بحفظ أربعة أجزاء، ولكن ذلك بعد فترة طويلة جداً من الحفظ، وذلك نظراً لضيق وقت الحفظ والمراجعة، فهل يشرع لي أن أسافر إلى بلاد الحرمين عسى أن ينعم الله علي بعمل يعينني على طاعته وأن أستطيع تحصيل العلم في هذه البلاد المباركة وأنا أكون بجوار الحرم الشريف، وهل إن اختلط بهذه النية نية أخرى هي الحصول على مال يعينني على الزواج ومساعدة إخوتي تكون نيتي غير خالصة لوجه الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يترك تحصيل العلم الشرعي والفقه في الدين، لما للعلم من المكانة عند الله تعالى، حيث قال جل من قائل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11} ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه، وقال: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
فإذا لم تكن متمكناً من تعلم ما يُعرف بفرض العين في بلدك، فإن السفر إلى الحرمين الشريفين أو أي بلد آخر لطلب هذا النوع من العلم واجب عليك. روى الطبراني والبيهقي: طلب العلم فريضة على كل مسلم. صححه الألباني.
ولا يضرك في جوار الحرم الشريف وفي طلب العلم أن تكون لك نية أخرى هي طلب الوظيفة والحصول على المال، فإن الله أذن للحجاج في التكسب أثناء الحج، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ {البقرة:198} ، قال ابن جرير عن جمع غفير من السلف: إن هذه الآية نزلت في التجارة في موسم الحج.
لكن ننبهك إلى أمرين: الأول: هو أن فرض العين يقال لما يحتاجه كل شخص في أموره الخاصة به، كأن يتفقه في عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج، ثم إنه إذا كان يمارس عملاً تجارياً فإن عليه أن يتفقه فيما يزاوله على الدوام من هذا العمل.
الأمر الثاني: أنك ما دمت محتاجاً إلى هذا العمل الذي أنت فيه الآن لإعانة نفسك ووالدتك وإخوتك فلا ينبغي لك تركه إلا عندما توفر بديلاً مباحاً حتى لا تضيع نفسك ومن تعولهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1425(9/602)
حكم القيام للمعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الأستاذ يعاقب على عدم الوقوف له أثناء الدخول علينا فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان يلحقك الضرر من عدم القيام للأستاذ أو غيره ممن له سلطة عليك، فإن عليك القيام له دفعاً للضرر إذا كان القيام له على سبيل الإعظام والتكبر.. قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة:173} ، وأما إذا كان القيام له على سبيل البر والإكرام والاحترام ... فلا شيء في ذلك، بل ذهب بعض أهل العلم إلى استحبابه، ولتفاصيل ذلك وأدلته وأقوال العلماء، نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8430.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1425(9/603)
حكم الدراسة في الجامعات والمدارس الكاثوليكية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال عن الالتحاق بالمدارس الكاثوليكية، أنا أريد أن أدرس في جامعة كاثوليكية والعديد من أصدقائي من المسلمين أخبروني أنه لا يصح لي أن أدرس بها، علماً بأني لا أرغم على أخذ أي من المواد المتعلقة بالكاثوليكية، وأيضاً أصلي بالجامعة، فهل هناك مأخذ علي لدراستي هناك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الدراسة في هذه الجامعة ونحوها من المدارس الكاثوليكية، لأن هذه الجامعات والمدارس لا تخلو من نشاط تبشيري، لا يأمن معه الطالب من التأثير على عقيدته، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 8080، والفتوى رقم: 18150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(9/604)
كتمان العلم.. بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إن علمني أحد علماً وقال لي لا تعلمه لأحد فقمت بتعليمه، فهل يصبح ما فعلته حراماً، وهل إن سألني أحد عن هذا العلم لينتفع به فلم أخبره وكتمت هذا العلم فهل يصبح ذلك حراما، وهل هذا متفق عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم الشرعي لا يجوز كتمانه عمن يحتاج إليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2424، والفتوى رقم: 26934.
وأما أن كان هذا العلم الذي عندك من العلوم الدنيوية فإنه لا إثم في كتمانه ما لم يكن من النوع الذي يجب علمه على جهة أنه فرض كفاية، كالهندسة والطب فيجب تعليمه لمن يرتفع بهم الإثم، ولا يجب في غيرهم.
واعلم أنك إذا كنت عاهدت هذا الشخص في هذه الصورة فإنه يتعين عليك الوفاء؛ لقول الله: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء:34} ، وراجع في تأكيد الوفاء بالعهد الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46673، 37542، 12729، 5797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(9/605)
ليس من الصواب أن يشنع على من تمسك بأقوال الأئمة والعلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا عالم يقول إن من ترك العمل بالحديث في مسلم عن مسافة القصر ثلاثة فراسخ، أي 20 كيلومترا وأخد بمذهب الجمهور فقد ترك السنة. فما صحة قوله ولماذا لا نأخد بالحديث المذكور؟ كذلك في باب السترة فقد شنع تشنيعا حين اختلفت مع أحد تلاميذه وقلت إنها فقط مندوبة وليست واجبة في كل الأحوال. ما نصيحتكم للعلماء الذين يأخذون بالحديث ويخالفون أقوال الأئمة والعلماء ويقولون تلك هي السنة ويشنعون علينا بترك السنة إن لم يضللونا؟ وهذا العالم أنا أراه متشددا حيث يمنع الصلاة خلف حالق اللحية وهو يبيح الأخذ منها. ولاينصح بالمنبه لصلاة الفجر ويقول إن قمت تبارك الله وإلا فلا. وما العمل إن كان هو العالم السني الوحيد بالمدينة، هل نستفتيه أو نكتفي بفتاواكم؟ وكيفية العمل مع تلاميذه هل ننصحهم بعدم تقليده؟ صديقي طالب عنده فما نصيحتكم له إذ أنه لا يقبل إلا كلامه هو وأما غيره فلا. فأنا أراه تقليدا أعمى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه عن الإمام مسلم صحيح ونصه: عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، شعبة الشاك صلى ركعتين. والحديث رواه أيضا أبو داود في سننه وأحمد في مسنده. واعلم أن من أخذ بمذهب جمهور العلماء لا يعد تاركا للسنة، والحديث الذي أوردته في السؤال ليس نصا في تحديد مسافة القصر، بل شرحه كثير من أهل العلم بأن المقصود فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج في سفر وأدركته الصلاة بعد قطع ثلاثة أميال أو أكثر فإنه يصليها قصرا. وراجع في مذاهب العلماء في مسافة القصر فتوانا رقم: 10813. وقد ورد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسترة، لكن جمهور الفقهاء حملوا هذا الأمر على الندب وقالوا إنه ليس للوجوب، وراجع فيه الفتوى رقم: 1998. واعلم أن الواجب اتباعه هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات. ولكن العالم إذا أراد العمل بحديث فلا بد أولا من معرفة صحته وما إذا كان منسوخا أم لا، وما إذا كانت ثمت نصوص أخرى تقيده أو تخصصه ونحو ذلك. وهذا هو ما قام به الأئمة والعلماء ـ جزاهم الله عنا خيرا. وعليه فليس من الصواب أن يشنع بعض أهل العلم على من يتمسك بأ قوال الأئمة والعلماء، ولا ينبغي أن يعتبر اتباع الأئمة تركا للسنة، لأن الأئمة رحمهم الله هم الذين محصوا هذه السنة وخلصوها مما أراد لها أعداء الإسلام من التزييف والوضع والانحراف. وينبغي كذلك ملاحظة أن العلماء ليسوا معصومين من الخطأ، ومتى اطلع على أن قول أحدهم قد جانب الصواب وثبتت السنة الصحيحة بتخطئته وجب العدول عنه والأخذ بالسنة. وحلق اللحية يعتبر فسقا، ومثله تهذيبها إذا كان إنهاكا لها، وراجع فيه الفتوى رقم: 3851. وراجع في الصلاة خلف الفاسق الفتوى رقم: 1636. واتخاذ المنبه لمن يعلم أنه لا يستيقظ للصلاة واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وراجع فيه الفتوى رقم: 46996. ولا مانع من استفتاء هذا العالم مع عرض أجوبته على أهل العلم، فيؤخذ منها ما كان صوابا ويترك مالم يكن، مع تنبيهه ما أمكن إلى الصواب وتنبيه تلاميذه دون تجريح له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1425(9/606)
كيف تطلب المرأة العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة عمري 27 سنة حاصلة على بكالوريوس تجارة وأشغل منصبا متميزا مؤسسة علمية ولكن كل ما أتمناه هو أن أتفقه في الدين والعلم الشرعي عن طريق دراسة معتمدة تستوفي كل ما أصبو إليه لأني لا أريد مجرد مقتطفات ولكن أريد طريقا معروفا إلى جانب رغبتي في حفظ القرآن الكريم كاملا أريد منهاجا شرعيا لحياتي وأيضا أريد شيخا أو داعية أتتلمذ على يده وآخذ منه العلم كما كان يفعل السلف أحاول الوصول للدكتورة عبلة الكحلاوي عميدة كلية الدراسات الإسلامية لمناقشة هذا الموضوع معها. فهل تستطيعون مساعدتي. وجزاكم الله كل الخير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لك التوفيق والعون لما يحبه ويرضاه، وبإمكانك أن تراجعي الفتوى رقم: 21753، والفتاوى المتعلقة بها، فإن فيها منهجا مبسطا لطلب العلم، مع ذكر الأولويات في الطلب، كما ننصحك أن تطلبي العلم على امرأة معروفة بالعلم، أما طلبه على يد رجل فلا بد أن يكون في مجالس عامة للعلم، وليست مجالس خاصة، ويمكنك أن تصلي للدكتورة عبلة الكحلاوي عن طريق الاتصال بالجامعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1425(9/607)
صفات من يؤخذ عنه العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب منّ الله علي أن اصطفاني عن باقي عباده بطلب العلم الشرعي في هذا البلد الذي حوصر علماؤه منذ عقود عديدة وهو الآن يئن تحت وطأة الجهل والضلالة، وبما أن الحال كذلك فالحصول على شيخ يرسم لك طريق الهداية أمر يكاد يكون مستحيلا لأن المجالس يجب أن تكون سراً وإلى غير ذلك من العقبات، فسؤالي يتمثل في هذا العالم الذي طلب العلم في المدينة المنورة التي نسأل الله أن يرزقنا العيش فيها وحضور مجالسها، حيث إن لهذا العالم فتاوى غريبة وتصرفات غير لائقة، أولاً لا يراعي حال طلبته في الوقت حيث إن مجالسه تكاد تكون بالكلية في الثلث الأخير من الليل أو حتى بعد صلاة الصبح بدون مراعاة حال الذين سيلتحقون بأعمالهم التي تستوجب السفر 150 كيلو متراً للحاق بها وحجته في ذلك عليكم بالصبر والاتعاظ بقصص السلف في طلب العلم كابن عباس رضي الله عنه، مع العلم بأنه لا يسمح لنا بالغياب أكثر من 3 مجالس أيا كانت الحجة وإلا فالفصل ينتظرنا، ثانياً: أحل لنفسه وللعلماء سماع الموسيقى، ثالثاً: حدد العورة خارج الصلاة بما تغطيه الملابس الداخلية \"سليب\" ولا تكون من السرة إلى الركبة إلا إذا استحيينا من الطرف المقابل، رابعاً: يتكلم أحياناً كلاما بذيئاً ودليله أنه لم يأمرنا بذلك \"فبهداهم اقتده\"، خامساً: يلبس الذهب واللباس الفاخر الذي ينفق عليه أحياناً أموالاً طائلة ولا يأمرنا بلباس الذهب، سادساً: كثير الشك حتى على مستوى طلبته ولا يحسن الظن بالناس، سابعاً: يأمرنا أحيانا بالذهاب معه إلى البحر وهو كعادته في حلة العري يتبختر وينفق الكثير من المال ونحن كالعادة علينا باتباعه فمنا من لا يطيق تلك المصاريف ولا يستطيع الرفض لأنه سبق أن ثار علينا وقال تأخذون حاجتكم وتذهبون، ثامناً: يتفرج على المسلسلات والنساء المتبرجات بدعوى أن الذي يحرم في النظر إلى الصورة هو العورة المغلظة، تاسعاً: يذهب للسهر في مناطق الاختلاط حيث يكثر الغناء والعراء الفاحش والسائحات الكافرات العاهرات هذا زيادة إلى غلاء الأسعار في هذه المناطق، عاشراً: إذا قرر قطع أحد أمرنا بقطعة وإلا قطعنا، الحادي عشر: قال لنا إن الأضحية فرض عين على كل مسلم قادر على تحصيل ثمنها من مصروفه الخاص مدة سنة، الثاني عشر: يقول إن الله منّ عليه برؤى صادقة فإن رأى رؤية لا بد من أن تتحقق، الثالث عشر: كثير ذكر كلمة نحن العلماء، الرابع عشر: إذا رأى الخطأ لا يصلحه إلا بالصوت العالي والشتم وإطلاق صفة الجهل على المخطئ ... وإلى غير ذلك من المسائل التي تفرد بها دون غيره من السلف الصالح كحكم الحدث والعرس وغيرها، أنه كثير الازدراء ببقية العلماء والدعاة وكأن يصفهم بالجهل إلا لبعض من علماء السعودية كابن عثيمين وبن حميد ويصنفهم في قائمة الفقهاء والعلماء لا المجتهدين ... وفي يوم سألته عن بعض العلماء كالألباني وابن باز فقال لي أنهم غير ثقات ولكن اقرأ لهم كتبهم وعندما نتقدم في المجالس سأبين لكم أخطاءهم ولكن ليس علينا أن ننكر فضل علمه وما علمه لنا من الأمور التي نحتاج إليها كثيراً من حياتنا ومعاملاتنا فهو أحيانا يفسر الآية الواحدة في 3 و4 مجالس ويخرج العديد من الاستنبطات، عندما تراه يفسر الآيات ويسبح في المعاني تحس بصدقه وإخلاصه وغيرته على هذا الدين الحنيف فهو يتشدد في الكثير من المسائل حرصا وخوفا من الوقوع في الشبهات، فما هو العمل في ظل هذه الظروف القاسية خاصة أنه الوحيد الذي أعرفه من العلماء، وهل سؤالي هذا يعتبر غيبة له؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يؤخذ منه العلم إنما هو العالم الورع السليم في معتقده العارف بما يدرسه، والذي ذكرته عن هذا الرجل من استماع للموسيقى والأغاني ولبسه للذهب، وسوء الظن بالناس والعري والتبختر في مشيه، ومتابعة المسلسلات والنظر إلى النساء المتبرجات، وسهره في الأماكن المختلطة، وأماكن الكافرات والعاهرات، وازدرائه بالعلماء والدعاة وغير ذلك من الصفات التي ذكرتها عنه كلها أمور تنافي الورع والتواضع وأخلاق أهل العلم.
وإذا كان الذي ذكرته عن هذا الشيخ صحيحاً فلا خير في اتباعه أو مصاحبته، لأنه لا يؤمَن أن يدرِّس معلومات خاطئة، وأن يعدي طلبته بتلك الأخلاق والممارسات السيئة، والآثام والمعاصي التي ذكرت أنه لا يتركها.
ثم ما دليلك على علمه وفضله بعد كل ما ذكرته عنه، وما الدليل على أن تفسيره واستنباطاته من الآيات كانت صحيحة، وأي صدق وإخلاص للدين وغيره بعد كل هذا، وأي شبهات يخافها مع انغماسه في تلك المحرمات، إن هذا -حقا- تناقض واضح.
وبناء على هذا؛ فالواجب عليك وعلى من يريد العلم أن يتجنب هذا الشيخ ويبحث عن غيره، وإن لم يكن يوجد في البلد من يصلح للتعليم فالواجب السفر طلباً للعلم، فقد روى الإمام مالك وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. الحديث صححه الألباني.
والغيبة هي: ذكرك أخاك بما يكره، وقد حرمها الشرع الحنيف، قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا {الحجرات:12} ، وعدها العلماء من كبائر الذنوب، وهي مباحة في الجرح والتعديل للرواة والشهود وفي حال المجاهرة بالفسق، وعند التظلم، وللاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والتحذير، والتعريف ... وراجع فيها الفتوى رقم: 29510، وعليه؛ فما ذكرته لا يعد غيبة طالما أنك مستفت تريد معرفة حكم أخذ العلم ممن هذه حالته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1425(9/608)
السؤال عما أشكل من أمر الدين هو من هدي السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أخي في الإسلام أشكركم على اهتمامكم والإجابة على سؤالي في الفتوى رقم 51425
بعنوان ما يفعله من أصابه شك في إيمانه باليوم الآخر
فأنا عندما انتابتني هذه الوساوس كنت أخذت في البكاء وكان ذلك في وجود زوجي فطبعا عندما رآني زوجي أخذ يسألني عن السبب فبالتالي أجبته وقلت له السبب وطلبت منه أن يسأل إمام المسجد بما يدور في ذهني من أسئلة وسوسة في هذا الموضوع
فهل ما فعلته صح أم خطأ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سؤالك عن ما أشكل عليك في دينك هو الصواب الصحيح الموافق لهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم، فالمسلم إذا أشكل عليه شيء من أمر دينه ينبغي له أن يبادر بالسؤال عنه، سواء كان ذلك في عقيدته أو عبادته أو معاملاته، فقد أمر الله عز وجل بذلك في محكم كتابه فقال تعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] (النحل: 43) .
ويتأكد ذلك إذا كان الأمر يتعلق بالعقيدة وبالإيمان وأركانه والذي هو أساس الدين.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟! قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان.
وفي سنن أبي داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أحدنا يجد في نفسه -يعرض بالشيء- لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر.. الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
فهذه الأسئلة وغيرها كثير كانت من الصحابة عن أمر دينهم وخاصة في العقيدة التي هي أساس الدين، وكانوا رضوان الله عليهم يحاسبون أنفسهم، ويخافون على دينهم، ويخافون من النفاق وفساد العقيدة، كما ثبت ذلك عن جمع من الصحابة والتابعين.
قال ابن القيم: وبحسب إيمان العبد ومعرفته يشتد خوفه على نفسه أن يكون منافقا.
وعلى ذلك؛ فما فعلته هو الصحيح إن شاء الله تعالى، وسؤالك وارد وفي محله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإيمان الصادق والثبات في هذه الحياة وبعد الممات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1425(9/609)
لا ينبغي لطالب العلم أن يخوض في ما لم يعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء قراءتي لكتاب ديني أخطأت في فهم نص فقلت إن أهل السنة والجماعة يقولون إن القرآن هو كلام الله ولا نقول إنه مخلوق ولا نقول إنه ليس بمخلوق، ثم فهمت النص في كتب أخرى وعرفت أن أهل السنة والجماعة يقولون إن القرآن كلام الله تكلم به وليس بمخلوق، وسؤالي هو: هل أحاسب على الذي قلته سابقاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فصلنا القول في مسألة القول بخلق القرآن وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3988، 17271، 26017، 42856.
وكان ينبغي لك أيها الأخ السائل أن لا تتسرع في التصدي لتبليغ العلم قبل تمام أهليتك فيه لئلا تقع في مثل ما وقعت فيه من سوء فهم نصوص كتب أهل العلم، ولمعرفة سبيل طلب العلم وطريقته راجع الفتوى رقم: 18328، والفتوى رقم: 24872.
وعلى كل حال فنرجو الله جل وعلا أن يتجاوز عنك، ما دمت قد تبت توبة مستوفية شروط قبول التوبة، وهي هنا: الندم والإقلاع والعزم على عدم العودة مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1425(9/610)
كيف تطلب علم الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل سيادتكم سؤالاً وإن لم أكن أحتاج إلى فتوى بل أحتاج إلى استشارة وهي أنا أريد أن أطلب علم الحديث وأنا معي بكالوريوس زراعة، فما السبيل لذلك أفادكم الله، وما هي المعاهد المختصة بذلك، أنا من المنيا، أفيدونا لعل ذلك يكون في ميزان حسناتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمرحباً بطالب العلم، وهنيئاً لمن قذف الله في قلبه الرغبة في طلب العلم! اعلم رحمك الله أن طلب علم من العلوم لا علاقة له بوظيفة الإنسان أو دراسته الأكاديمية، وإنما يتوقف على توفيق الله له، ثم على استعداده الشخصي للتخصص في علم من العلوم، فأشهر المشتغلين بعلم الحديث في مصر لهم تخصصات بعيدة عن علم الحديث.
ثم اعلم أن التخصص في دراسة علم من العلوم يأتي بعد دراسة الحد الأدنى من جميع العلوم الشرعية، فبعد أن تدرس العقيدة ومختصراً في الفقه وتقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتضبط قواعد النحو وتنهي كتاباً في التفسير و ... لك أن تتخصص في أحد العلوم وتخصه بمزيد دراسة وعناية وتوسع في المادة المقروءة.
هذا.. وعلم الحديث على قسمين: قسم يتعلق برواية الحديث، وصيغ تحمل الرواة له، وصيغ أدائهم وطريقة وصوله إلينا والنظر في شروط صحته، وعلله، وتتبع طرقه في الكتب التي أخرجته، والنظر في حال الرواة ونحو ذلك، وهو ما يطلق عليه علم الحديث رواية أو علم مصطلح الحديث، ومن أشهر ما صنف فيه: نخبة الفكر، وشرحه نزهة النظر، كلاهما للحافظ ابن حجر، واختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وشرحه الباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر، ومقدمة ابن الصلاح وغير ذلك.
والقسم الثاني: يتعلق بفقه الحديث ومعرفة مراد الرسول منه، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وقواعد الجمع عند التعارض، والترجيح عند تعذر الجمع، ونحو ذلك مما له تعلق بمتن الحديث وفهم معناه، وهو ما يطلق عليه علم الحديث دراية، ومن أشهر ما صنف فيه (الأربعين النووية) وشرحها للحافظ النووي والحافظ ابن رجب، وشروح أحاديث الأحكام وشروح الصحيحين والسنن ونحو ذلك.
واعلم أن أفضل القسمين وأشرفهما وأعلاهما هو الثاني، أعني علم الحديث دراية لأنه هو الذي يتعلق به العمل، والقائمون عليه قليل في هذا الزمان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها. أي فهم المراد منها، ثم بلغها عني، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
فالأمة تحتاج أكثر إلى حامل الفقه البصير به الفاهم لمعناه، قال السيوطي في الألفية عن تعلم علم الحديث وتقديم الفقه عليه:
وحمله وضبطه حيث استعد * وإن يقدم قبله الفقه أسدّ
وإذا أردت أن تطلب العلم عن طريق دراسة نظامية متكاملة ومتوازنة بين جميع العلوم في مصر، فاطلبه على أعلامه المنتمين لمذهب أهل السنة في بلدك، وإن تيسر لك الدراسة في القاهرة، فهناك معهدان، الأول: معهد العزيز بالله بحي الزيتون، والثاني: المعهد الذي يقوم عليه الشيخ مصطفى محمد بضاحية حلوان.
وكذا يمكن طلب العلم على يد المتخصصين الذين هم مشاهير العصر في علم الحديث، ويمكنك الوصول إليهم عن طريق سؤال المهتمين بهذه العلوم.
فإذا لم يتيسر لك طلب العلم على العلماء الذين ينتمون إلى مذهب أهل السنة والجماعة ولم تتمكن من الالتحاق بأي من المعهدين المشار إليهما آنفاً، فإن الله عوضنا خيراً بأشرطة العلماء، ومن أشهرهم العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وقد طبع الكثير من شروحهما على متون العلم في أسطوانات مدمجة متوفرة بالأسواق، وهذا التيسير في نشر العلم من فضل الله علينا، وتحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر. رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1425(9/611)
طرق ووسائل وأغذية لتقوية الذاكرة والحفظ
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أريد من حضرتكم أن تخبروني عن الرقية الشرعية لحفظ الكتب.
... ... جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم دعاء أو ذكرا ثابتا معينا لتقوية الحفظ، ولا شك أن هناك طرقا ووسائل لتقوية الذاكرة، نقتصر منها على ما يلي:
أولا: تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: واتقوا الله ويعلمكم الله [البقرة: 282] . فالمتقون يمنُّ الله تعالى عليهم بنور البصيرة لبعدهم عن المعاصي والذنوب التي تجعل قلب صاحبها مظلما قاسيا منكوسا.
ثانيا: الجد والاجتهاد عن طريق كثرة الحفظ والفهم، حيث تقوى الذاكرة بتعودها على ذلك، قال الإمام ابن القيم في كتابه الطب النبوي: وأي عضو كثرت رياضته قوي، وخصوصا على نوع تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه.انتهى.
ثالثا: كثرة أكل الزبيب، قال الإمام ابن القيم أيضا في الطب النبوي: قال الزهري: من أحب أن يحفظ الحديث فليأكل الزبيب.
رابعا: كثرة أكل الزنجبيل، فقد ذكر ابن القيم أيضا في كتابه المتقدم: أن من فوائده كونه يزيد في الحفظ.
خامسا: أكل ما يسمى باللبان الحاسكي أو الجاوي، فقد روى البيهقي في مناقب الشافعي من طريق ابن عبد الحكم عنه قال: دمت على أكل اللبان وهو الكندر للفهم فأعقبني صب الدم سنة، يعني أصيب بمرض الباسور.
ومن الجدير بأن ينبه عليه، كون المسلم يستعين على تذكر ما نسيه بالإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى: واذكر ربك إذا نسيت [سورة الكهف: 24] .
وأما حديث ابن عباس أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمي تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك، قال: أجل يا رسول الله فعلمني، قال: إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصل علي وأحسن وعلى سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تُجب بإذن الله، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط، قال عبد الله بن عباس: فو الله ما لبث علي إلا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال: يا رسول الله، إني كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن، وإذا قرأتهن على نفسي تفلتن، وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، وإذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلت، وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة يا أبا الحسن.
فهذا الحديث الطويل المشتمل على دعاء لحفظ القرآن الكريم، رواه الترمذي والحاكم في المستدرك، وهو حديث موضوع لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع التعبد بما فيه، لا سيما مع تضمنه لصلاة غريبة ليس لها نظير في الصلوات المشروعة الثابتة.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في تعليقه على المستدرك: هذا حديث منكر شاذ.
وقال في سير أعلام النبلاءج9ص217 في ترجمة الوليد بن مسلم: قلت: أنكر ما له حديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي وساق الحديث بتمامه، ثم قال: قلت: هذا عندي موضوع والسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(9/612)
حلية طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حلية طالب العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحلية طالب العلم كتاب ألفه الشيخ بكربن عبد الله أبو زيد، وهو أحد الكتب المؤلفة في الآداب التي على طالب العلم أن يتحلى بها.
وتوجد كتب أخرى ألفت في هذا المجال منها: أدب الطالب للإمام الشوكاني، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وتذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة، وجامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله، وكتاب: برنامج علمي للمتفقهين لعبد العزيز القارئ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(9/613)
حكم قراءة كتاب رياض الصالحين على المصلين ممن لا علم له
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الزملاء بالعمل يقومون بقراءة بعض الأحاديث من كتاب رياض الصالحين دبر صلاة الظهر (الواقعة أثناء الدوام بمقر الشركة) مع العلم أنهم ليسوا من العلماء أو طلاب العلم فما حكم الشرع في ذلك وهل من نصائح يمكن أن ننصحهم بها؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المتصدر للدعوة إلى الله عز وجل ينبغي له أن يكون عالماً بما يدعو إليه،
وإلا فإلى أي شئ يدعو وبماذا يدعو؟!
ولكن قراءة كتاب نافع ككتاب رياض الصالحين، للإمام النووي لا يتطلب عالماً أو طالب علم، فما يقوم به هؤلاء الإخوة أمر يشكرون عليه ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتهم، ولا داعي للتشويش والبلبلة.
إلا أننا ننصحهم بعدم الخوض والكلام في المسائل الشرعية التي لاعلم لهم بها لأن ذلك يجرهم إلى القول على الله بغير علم. وقد قال تعالى: [وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ] (البقرة:169)
فالقول على الله بلاعلم أمر خطير، ويؤدي إلى عكس ما أرداه الداعي من نفع العباد. فالواجب الحذر من ذلك.
ولمزيد من الفائدة نحيل السائل إلى الفتاوى: 29987، 31169.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/614)
كيف تدرس الحديث دراسة منهجية
[السُّؤَالُ]
ـ[ثانيا أود التعمق في دراسة علم الحديث نظرا للشبهات الكبيرة والحرب الضروس التي تواجه السنه النبوية وأود أن أدرس الحديث دراسة منهجية فكيف يتم لي ذك علما بأنني أعمل أي يجب أن أوفق بين العلم والدراسة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دراسة علم الحديث من آكد الأمور وأهمها، واعلم أن المحدثين قد ألف بعضهم كتبا جامعة كما عمل صاحبا الصحيحين وأصحاب السنن، وبعضهم ألف في مجالات خاصة، فمنهم من ألف في الأحكام، كما عمل ابن حجر في البلوغ، والمقدسي في العمدة، وابن تيمية في المنتقى، ومنهم من ألف في الإيمان والرقائق والترغيب كما عمل النووي في الرياض، والمنذري في الترغيب، والدمياطي في المتجر الرابح.
وبناء عليه، فإنا ننصحك بالبدء بالمختصرات في كل من الفنين أي: فني الأحكام والإيمانيات، فابدأ بالعمدة والرياض، وادرس من كل منهما يوميا حديثا واحدا على الأقل، ثم أتبع البلوغ والمنتقى للعمدة، وإذا انتهى الرياض فأتبعه بما صح من أحاديث المتجر والترغيب، فإذا كملت هذه المختصرات فادرس الجوامع بادئا بأصحها، واحرص على الإخلاص وصحبة أهل العلم ليدرسوك الحديث ويوضحوا لك المشكل، واستعن بالشروح المعتمدة لكتب الحديث، واحرص على العمل بما علمت، فقد روي عن الإمام أحمد أنه كان لا يقرأ حديثا إلا عمل به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(9/615)
دراسة العلوم الدنيوية لا تنافي التفقه في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دراسة العلوم الدنيوية وترك الدراسة من أجل التفقه في الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدراسة العلوم الدنيوية كالهندسة والطب والرياضيات والتكنولوجيا والفيزياء والكيمياء والميكانيكا والبناء والملاحة وغيرها مما ينفع الإنسان في حياته فرض كفاية يجب أن يتخصص فيها بعض الناس، لأنها إذا تركت بالكلية فستضيع المجتمعات ويتعطل القيام ببعض العبادات.
وعلى المسلم إذا أراد التخصص فيها أو في بعضها أن يتعلمها بنية القيام بفرض الكفاية.
ولكن تعلم هذه العلوم لا يبيح للمرء أن ينصرف عن تعاليم دينه بالكلية، بل الواجب عليه أن يصحح عقيدته ويحصنها عن العقائد الفاسدة، ويتعلم أحكام عبادته، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والإيمان والنذور، ولا يجوز له أن يمارس عملاً أي عمل إلا بعد معرفة حكم الله فيه.
وليست دراسة العلوم الدنيوية منافية للتفقه في الدين، والإسلام يدعو إلى الوسطية والاعتدال، فلا تترك العلوم الدنيوية بالانشغال في الدين، ولا تترك العلوم الشرعية بالانهماك في الدنيا، وكان في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى هذه الوسطية يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ... رواه مسلم.
والذي ينبغي فعله هو أن يتعلم كل أحد ما يحتاجه في فرض عينه كما تقدم ثم يتخصص بعد ذلك على حسب حاجة الأمة إلى ما يريد وما هو مهيأ له فطرة، فقد تكون حاجة المجتمع أشد إلى متخصصين شرعيين، وهذا هو الحاصل الآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1425(9/616)
دراسة علم الاجتماع.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي كالتالي: أنا شاب عمري 25 سنة مشكلتي أني طالب في الجامعة وأدرس تخصص عام الاجتماع أحسست أن هذا التخصص أصبح ينفرني من ديني وينقص من إيماني، ما حكم الشرع إذاً، وما حكم الشرع في دراسة علم الاجتماع خاصة الغربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علم الاجتماع إجمالا من العلوم النافعة، وقد سبق إلى الكتابة فيه المسلمون قبل غيرهم من الكتاب الغربيين، ومن أشهر من عرف بالكتابة فيه العلامة ابن خلدون في مقدمته وعلى هذا، فمن الجدير الاهتمام به والحرص على تعلمه وتعليمه، ولا ريب أن هذا العلم قد أدخلت فيه بعض النظريات التي تتنافى ومبادئ الإسلام، كما هو الحال في بعض الأفكار التي أدخلها دوركايم وفرويد وغيرهما، وهذا يستوجب الحذر من الوقوع في حبائل هذه الشبهات التي قد يترتب عليها فساد في العقيدة.
ومن هنا فالواجب على من تصدى لهذا العلم دراسة أو تدريسا أن يكون على بصيرة في دينه، تمكنه من درء تلك الشبهات، وأن يكون صاحب عقل ثاقب يدفع به ما يعتريه من شبهات.
وعلى هذا نقول للأخ السائل: إن كنت قادرا على دفع هذه الشبهات بتعلم العلم الشرعي أو سؤال أهل العلم عما يشكل عليك فلا حرج إن شاء الله في مواصلة الدراسة، وإن لم تكن قادرا على ذلك وغلب على الظن فساد دينك بسبب هذه الدراسة، فالواجب عليك تركها إعمالا للقاعدة الأصولية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1425(9/617)
هل يراجع ما كشفه الأساتذة من الامتحان بالغش
[السُّؤَالُ]
ـ[ (عندنا في الكلية بعض حالات الغش الواضح وذالك من قبل الأساتذة (وهم من الهندوس) وذالك في الامتحانات التطبيقية (امتحان معامل) بكشف جزء من الأسئلة قبل زمن الامتحان بنصف ساعة وحينها نكون في مراجعة شاملة فهل يجوز لنا مراجعة ذالك الجزء المكشوف من حيث إن الغش لم يكن من جهتي ومن حيث إنه رزق ساقه الله إليك وأثناء الكشف إذا حاولت أن تجعل يدك في أذنك لكيلا تسمع جنيت إلى نفسك جرما وذلك بأن ترسب في هذه المادة) أرجو الإجابة على هذا السؤال بكل وضوح وبكل احتمالاته وجزاكم الله خيرا.
أرجوا الإجابة بأسرع ما يمكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حرمة الغش في الامتحانات وفي غيرها، وذكرنا أدلة ذلك في فتاوى كثيرة سابقة، ويمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 2937.
أما وقد ذكرت أن الأساتذة هم الذين يقومون بالغش عن طريق كشف بعض الأسئلة قبل الامتحان فهذا شر كبير وضرر عظيم، إذ كيف يحصل التمييز بين الفائز وغيره، مع ما ذكرت؟
وعليه فإنا لا نأمرك بإغلاق أذنيك عن سماع شرح أسئلة الامتحان لأن ذلك لا يفيد شيئا من رفع ضرر الغش، بل إنه قد يعطي نتائج عكسية بفوز من لم يكونوا أهلا لذلك، ورسوب المستحقين للنجاح والذي نراه واجبا عليك في هذه المسألة هو أن تنكر هذا الفعل بقلبك، لأنها أضعف درجات الإيمان في تغيير المنكر، ثم تحاول إقناع الأساتذة خارج الدرس وبصيغة انفرادية بالعدول عن مثل هذا التصرف، وإذا لم يفد ذلك طرحت المسألة على الإدارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/618)
حكم تعلم اللغة على يد مخالف لمنهج السلف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام وخطيب بأحد المساجد في ليبيا أحتاج إلى تقوية في اللغة العربية لحاجتي إليها في الدعوة إلى الله جل وعلا فأدرس هذه اللغة على يد مخالف لمنهج السلف، فهل لي أن أدرس عنه، علما بأن الدراسة يوم واحد في الأسبوع وأيضاً لا أدرس عنه إلا اللغة العربية فقط، وأنا حريص على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دراسة علم اللغة على مخالف لمنهج السلف جائزة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسارى المشركين الذين أسروا في غزوة بدر بتعليم جماعة من أبناء الصحابة الكتابة، كما ذكره ابن حجر في الفتح، وابن القيم في زاد المعاد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن لأناس من أسارى بدر فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. رواه البيهقي في السنن وابن سعد في الطبقات.
وليعلم الأخ السائل بأن مخالفة منهج السلف التي يعتبر صاحبها مخالفا للفرقة الناجية لا تعتبر إلا بمخالفة في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة كما قرره الشاطبي في الاعتصام.
وأما الخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم فلا يحكم على صاحبه بأنه مخالف لمنهج السلف، ولا تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما يترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم بجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيراً في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
وقد دأب العلماء قديما عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالميزان كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قط. قال الله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] ، وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس فهو أحق أن لا يظلم بل يعدل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/619)
دروس علمية على الإنترنت يستفاد منها
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم العلماء الذين تنصحون بالاستماع إليهم ولفتاويهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالاستفادة من كل العلماء المعروفين بسلامة المعتقد واتباع السنة.
ويمكنك الإستفادة من الدورس العلمية على الإنترنت للعلماء الكبار المشهورين كالشيخ ابن باز والشيخ ابن العثيمين والشيخ الشنقيطي والشيخ مصطفى العدوي وغيرهم، فيمكن أن تتابع دروسهم في مواقعهم الخاصة بهم، أو في موقع الشبكة أوموقع مفكرة الإسلام أو غير ذلك من المواقع الطيبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(9/620)
حكم الدراسة في معاهد المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أدرس في معهد لتكوين الأئمة تابع للدولة والمدرسون فيه من أهل البدع ولا يسمح لأحد أن يتوظف إماما إلا بعد تخرجه من هذه المعاهد فما حكم الدراسة فيها علما أنه إذا اعتزلناها ترك المجال والمنابر لأهل البدع،]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن القرب من البدع وأهلها والاختلاط بهم فيه من الخطر على دين المسلم ما لا يخفى، ولهذا فإن الأصل أن يبتعد المسلم عن أهل البدع والأهواء ويعتزلهم، ولكن أهل البدع يتفاوتون في بدعهم، فمنهم أصحاب البدع الغليظة أو المكفرة، ومنهم أصحاب البدع الخفيفة، وهؤلاء يمكن التعامل معهم وتجنب بدعهم والحذر منها وردها عليهم، ولهذا إذا لم يمكن لأهل الالتزام بالسنة الوصول إلى أماكن التأثير ومراكز الدعوة والتعليم والتوجيه.. فلهم أن يدرسوا في المعاهد والكليات التي يدرس فيها هؤلاء المبتدعة، حتى يتخرج منهم مدرسون وموظفون يستطيعون التدريس وشغل المناصب التي تخدم الإسلام وأهله.
فالشريعة الإسلامية إنما جاءت لتحصيل المنافع وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإذا استطاع المسلم أن يقلل من الشر أو يسد مكانا يمكن أن يشغله فاسق أو مبتدع.. فلا شك أن ذلك أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1425(9/621)
مدى أهمية تعلم قواعد اللغة لطالب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل لطالب العلم بعد حفظ القرآن ودراسة العقيدة النحو أم الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعرفة العلوم الشرعية من أجلِّ العبادة وأفضلها، قال الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون َ [الزمر:9] ، وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28] .
وفي سنن الترمذي والدارمي من حديث أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.
والعلوم الشرعية منها ما هو مقصود لذاته، ومنها ما تتوقف على معرفته معرفة غيره كعلوم اللغة، قال الشيخ عليش في منح الجليل مبينا العلوم الشرعية:..... وهو ما يحتاجه الشخص في نفسه ومعاملته من فقه وأصوله وحديث وتفسير وعقائد، وما تتوقف عليه كنحو ولغة وصرف وبيان ومعان...... 3/137.
فصحة ألفاظ الحديث وألفاظ القرآن وغيرهما من العلوم الشرعية تتوقف على معرفة قواعد اللغة، فلا غنى إذاً عن النحو لمن يريد معرفة علوم الشرع.
والحاصل أن الحديث مطلوب معرفته والنحو وسيلة إلى تلك المعرفة، فلا استغناء للطالب إذاً عن واحد منهما، وتحصيل الوسيلة يكون قبل البدء فيما هو غاية، ثم اعلم أن علم الفقه وأصوله وتفسير القرآن ومعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه هي من العلوم التي لا ينبغي جهلها، بل لا يجوز جهل ما كان عينيا منها كفقه العبادات وما يحتاجه المرء في معاملاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1425(9/622)
ضوابط جواز تلقي العلم من الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أستاذي في الجامعة، في مادة حقوق الإنسان، ملحد.
هل يجوز أن أتابع الحضور في محاضراته؟
أيضا يدرسنا بعض الأساتذة غير مسلمين وهم من بلدان غير عربية كأستراليا وأمريكا وانكلترا ... المشكل أنهم يدعون الطلاب للحضور إلى الكنيسة، يفعلون هذا سرا، وهناك يقترحون عليهم أن ينقلبوا إلى المسيحية. هل يجوز أن أحضر في دروسهم أم لا. وماذا يجب علي أن أفعل برأيكم؟
أطلب المعذرة من سيادتكم لضعفي في كتابة اللغة العربية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن المرء يجوز أن يتعلم من الملحد ومن أهل أي ملة أخرى من ملل الكفر، لما ثبت من تعلم أولاد الصحابة الكتابة على المشركين من قريش أسرى بدر حين جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فداء من لم يجد من المال ما يفدي به نفسه. أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة..
ولكن هذا الجواز مقيد بما إذا لم يكن في تعلم المسلم من الكافر ما يمكن أن يفتنه في دينه، فتمسك المرء بدينه هو أولى الواجبات عليه وآكدها، لأنه الوسيلة الوحيدة لفوزه وفلاحه في الدنيا والآخرة.
وعليه، فإذا كان أستاذك في مادة حقوق الإنسان لا يريد منك مخالفة شرعية ولا يعلمك تعليما منافيا للدين الإسلامي فلا مانع من حضورك محاضراته ودروسه، وأما أولئك الأساتذة الذين يدعون الطلبة إلى زيارة الكنيسة سرا ويقترحون عليهم ترك الإسلام واعتناق المسيحية، فلا يجوز حضور دروسهم ولا المشاركة في أي نشاط معهم، بل الواجب عليكم جميعا وبطريقة منظمة ومدروسة أن تبادروا إلى إدارة المؤسسة لإشعارها بقضيتهم إن كنتم تثقون في أنها ستغير حالهم، وإلا فإلى أي جهة أخرى يمكن أن تغير هذا المنكر الشنيع، ولا تؤخروا ذلك ولا تتوانوا فيه، فإنه شر مستطير، ويلزم توقيفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1425(9/623)
العلم الواجب تعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الاحاديث العلم وطلب العلم لكن أي علم يقصد به العلم الدنيوي ام العلم الديني]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
سبق برقم: 39630.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1425(9/624)
العمل بالشهادة الجامعية الشرعية لا حرج فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[استفساري هو عن مسلم تعلم العلم (الديني) واختار تعلمه بعد أن لم يستطع تحقيق العلم الدنيوي لسبب من الأسباب، فاختار التفقه في الدين حبا في الدين وحبا في نيل الشهادة الجامعية وطمعا في رضا والديه، فهل يعد هذا تعلم من أجل أن يقال إنه عالم، إن كان هدفه التفقه في الدين والحصول على شهادة تمكنه من العمل والكسب والأهم من كل ذلك إرضاء والديه اللذين غضبا لتركه الجامعة والعلم الدنيوي
وبارك الله بمجهودكم وهداكم إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد أقدمت على التفقه في الدين حبا لمعرفة دينك وإرضاء لوالديك، فقد أحسنت ووفقت لخير عظيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. متفق عليه.
وأما نية نيل الشهادة الجامعية للتمكن من العمل والكسب بها، فلا يقدح في الإخلاص، لأن هذا شيء تابع فلا يؤثر على الأصل، لكن بشرط أن تجعله تابعا وأمرا ثانويا، ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياك لما فيه صلاح الدين والدنيا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(9/625)
لا يصير المرء عالما بحفظ أربعين حديثا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حفظ أربعين حديثا أصبح عالما؟ أريد أن أكون من العلماء فما هي الشروط؟ وجزاكم الله كل خير على اجتهادكم السامي والمفيد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخيرَ أردت لنفسك إذا كنت تريد أن تكون من العلماء، ففي الصحيحين من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
واعلم أن من أراد أن يكون من العلماء فلا بد أن يصحب العلماء ويجالسهم ويتعلم منهم العلوم الشرعية كالعقائد والقرآن والحديث والتفسير والفقه وقواعده وأصوله، وقواعد اللغة وآدابها، وعلم السير وغير ذلك، والإنسان إذا حفظ أربعين حديثا فقد فعل حسنا، ولكنه لا يصير بها عالما، والأحاديث التي جاءت بذلك كلها ضعيفة أو موضوعة، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 14768. وراجع أهم الخصال المطلوبة لمن أراد تحصيل العلم الشرعي في الفتوى رقم: 19384.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1425(9/626)
استماع الأشرطة لا ترقى بسامعها لدرجة طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستماع إلى الأشرطة الدينية من دروس ومحاضرات تعتبر طلب علم؟ وما جزاء هذا؟ وهل أقدمه على تلاوة القرآن والذكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أراد أن يطلب العلم عليه أن يأخذه من الكتب المعتمدة، وليتدرج فيها فيبدأ بالمتون الصغيرة، ثم المتوسطة، ثم المطولة ... وهكذا، ثم ليستعن بالعلماء على توضيح مشكلها، فيختار لكل فن أصحاب الاختصاص فيه فيتلقى منهم مباشرة، وهذا هو الطريق الصحيح المضمون النتائج بإذن الله تعالى.
أما الأشرطة فلا ينبغي أن تجعل وسيلة محضة لطلب العلم، وعلى كلٍ؛ فإن الاشتغال بالاستماع إليها فيه فائدة وأجر إن شاء الله تعالى، لكن لا ترقى إلى درجة من سلك الطريق الصحيح الذي ذكرنا في طلب العلم، وانظر الفتوى رقم: 7677.
أما بخصوص شغل الوقت بهذه الأشرطة عن تلاوة القرآن الكريم والذكر فهذا يرجع فيه إلى حال المستمع، فإن كان في المادة التي يستمع إليها حكم يجهله أو موعظة يرجو تأثيرها فالاستماع إلى الأشرطة أولى، وإذا لم يكن الحال كذلك فالانشغال بالتلاوة والذكر أفضل.
وننبه إلى أن هذا كله في حال التعارض، أما إن أمكن الجمع فلا إشكال في الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(9/627)
لطلب العلم قانون لا بد من السير عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[وبعد أكتب لكل القائمين على الموقع الإسلامي بالشكر الجزيل وقواكم الله لمحبته ورضاه لا أطيل عليكم، سؤالي: أنا شاب ملتزم بأمور ديني ولله الحمد والمنة ولكن ببداية المشوار وبعون الله ولكن أريد منكم أن تبينوا لله كيفية البداية وكيف لي الوصول إلى التفقه الديني لتحصين نفسي بالعلم بعد مشيئة الله وأود أن تبينوا لي المشوار الكامل وما هي الكتب أو الطرق المؤدية إلى الفلاح بإذن الله ووفقكم الله وجعلنا ممن استمع لأحسن القول فاتبعه والصلاة والسلام على الرسول المختار]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لطلب العلم قانونا لا بد من السير عليه، ومنهجا لا بد من الالتزام به، وأول ما يجب على طالب العلم الالتزام به هو الإخلاص في طلب العلم، وتصفية النية من الشوائب والأكدار، قال حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية:
والنية اجعل لوجه الله خالصة إن البناء بدون الأصل لم يقم
ومن يقل ليقوم الناس بطلبه أخسر بصفقته في موقف الندم
ومن به يبتغي الدنيا فليس له يوم القيامة من حظ ولا قسم
وأما الخطوة الثانية، فهي طلبه على شيخ ورع تقي عالم، وأن يتجنب الانفراد بقراءة الكتب وحده، قال العلماء: من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه.
وقالوا: من دخل في العلم وحده خرج وحده، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 8328.
ولا بد أن يراعي طالب العلم التدرج في الطلب، والموازنة بين فروع العلم، فلا يطغى عنده علم على علم، والعلوم التي ينبغي على الطالب دراستها هي:
1- التوحيد.
2- الفقه.
3- الحديث.
4- علم الأصول.
5- التفسير.
6-النحو والصرف وعلوم اللغة، قال الحكمي:
وخذ إذا شئت ما قد تستعين به من آلة تلفها حلا لمنبهم
كالنحو والصرف والتجويد مع لغة يدرى بها حل ما يخفى من الكلم
ولمعرفة بعض الكتب التي تمكنك دراستها راجع الفتاوى التالية أرقامها: 10695، ورقم: 4412، ورقم: 2410، ورقم: 28481، ورقم: 22007.
والله أعلم. ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(9/628)
حكم دراسة الهندسة الوراثية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دراسة الهندسة الوراثية حرام، بحيث يندرج ذلك في تغيير خلق الله، أم أنه أقرب إلى تغيير خصائص الأشجار بالتطعيم، مع العلم بأن أمتنا الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه العلوم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 5386، معنى الهندسة الوراثية وأضرار تطبيقها، إلا أننا هنا ننبه إلى أن الدراسة شيء والتطبيق والمباشرة شيء آخر، فالدراسة من حيث هي مباحة إذا لم يرتكب الدارس محرماً في وسيلة تعلمها، أما ممارستها فلا تجوز لما ذكرنا من أضرار، إلا إذا تيقن عدم الضرر فلا حرج حينئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1425(9/629)
هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول إن أهم شيء في الدين الفقه، والفقه لا يؤخذ إلا من الصوفية، وما موقفنا من هذا الشخص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أهمية الفقه في الدين لا تحتاج إلى نقاش إذ هي أمر لا يختلف فيه ويدل لها حديث البخاري: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
وقد سبق الحديث عن فضل التفقه وأهميته، في الفتوى رقم: 4131، والفتوى رقم: 18607، والفتوى رقم: 21061.
وليعلم أن الفقه يؤخذ عن أهله الذين يعرفونه، وليراع في اختيار من يأخذ عنه التزامه واستقامة عليها، وقديماً قال الإمام مالك وابن سيرين إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18328، 38541، 24872، 30036.
وأما كونه لا يؤخذ إلا من الصوفية، فهو مردود بأن علماء السلف الذين كانوا يؤخذ عنهم في عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم لم يكونوا صوفية، ولا شك أن أولئك المتقدمين هم خير هذه الأمة، كما يدل الحديث: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1424(9/630)
أقوى ما يدفع المرء للدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس في إحدى كليات القمة, ولكني أكره هذه الكلية ودراسة موادها, وأشعر بالبرود تجاه المذاكرة, ولا أذاكر, فهل من وسيلة تحمس نفسي كي أذاكر وأحقق أهدافي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أقوى ما يدفع المرء للدراسة السعي وراء هدف معين من دراسته، وبتحديد الهدف والرغبة فيه يتم للمرء ما يريد بإذن الله تعالى، أما إذا كانت الدراسة بدون هدف فإنها ولا شك ستكون عبئاً على المرء وكلفة زائدة بلا فائدة، وقد بين بعض ما يعين على الدراسة في الفتاوى التالية أرقامها: 37657 / 18108 / 24422 / 14877 / 26195 / 21214
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1424(9/631)
تبرأ ذمة العامي بسؤاله العالم الموثوق به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الأخذ بفتاوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين مع وجود الكثير من المفتين في هذه الأيام مع أن الحكم قد حرمه آل الشيخ وأجازه ابن عثيمين رحمه الله؟ وهل يجوز لي العمل بجوازها؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعامي الذي لا قدرة له على أخذ الأحكام الشرعية من أدلتها يجب عليه أن يسأل أهل العلم الذين يثق في علمهم وورعهم، وتبرأ ذمته بذلك لقول الله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
فإن اختلف أهل العلم في المسألة أخذ برأي الأعلم والأورع، وانظر الفتوى رقم: 17519، والفتوى رقم: 32653، والفتوى رقم: 23703، والفتوى رقم: 6787.
وعلى هذا فلو أخذ الإنسان برأي هذين الشيخين الجليلين أعني عبد العزيز بن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، في مسألة ما خالفا فيها غيرهما جاز له ذلك، على ألا يكون الحامل على ذلك هو الترخص والتشهي، وانظر الفتوى رقم: 5812.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(9/632)
كيفية تعلم علم مصطلح الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن كيفية تعلم علم مصطلح الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن علم مصطلح الحديث كغيره من العلوم الشرعية، يحتاج إلى تعلمه على يد شيخ متقن له، ولا يكتفى في تعلمه بقراءته من الكتب، إذ أن ذلك موجب للوقوع في الخطأ والزلل، وقديما قال السلف: من كان شيخه الكتاب فخطؤه أكثر من الصواب، ثم إنه لا بد من التدرج في تعلمه بدراسة المختصرات أولا كنخبة الفكر للحافظ ابن حجر، ثم المتوسطات كالباعث الحثيث للحافظ ابن كثير ثم المطولات كتدريب الراوي للسيوطي.
ولمزيد من الفائدة، تراجع الفتويان: 10695، 35715.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1424(9/633)
يراد العلم الشرعي للعمل عند وجود محله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب العلم لنفسه ولأنه يجلب المال، ولكون الترقي فيه لا يجعلك أقل من الآخرين، ولكون الناس تنظر وتحترم وتتكلم وتختار الأكثر علما ودرجة، ولالتفاف الناس حول المتعلم وإهمال من هو أقل منه علماً، فهل لى أن أقبل على العلم بهذه النوايا ولا يكون إثم علي؟ وهل يمكن أن أضع ضمن هذه النوايا نية طلب العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المسؤول عنه من العلم هو العلم غير الشرعي كعلوم الرياضيات والفيزياء ونحو ذلك، فهذا لا مانع من أن يطلبه الشخص يبتغي به مصلحة نفسه ابتداءً، أما إن كان المسؤول عنه هو العلم الشرعي فيقال فيه هنا ما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله أن للعلم مقصدين: مقصد أصلي ومقصد تابع، فمقصده الأصلي هو التوصل به إلى العمل أو مظنة العمل عند وجود محله، والقصد التابع هو من كون صاحبه شريفا، وأن قوله نافذ وحكمه ماضٍ وأن على المكلفين تعظيمه، وأن العلم جمال ومال ورتبة، وأن للعلم لذة في نفسه إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم، ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس.
فهذا القصد إما أن يكون خادماً للقصد الأصلي أو لا، فإن كان خادماً له فالقصد إليه ابتداء صحيح، وإن كان غير خادم له فالقصد إليه ابتداء غير صحيح، وفي الحديث: من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا لصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عَرف الجنة يوم القيامة. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(9/634)
العلم الذي ينال به الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب هاجرت من بلدي بهدف طلب العلم إلى ألمانيا، والجامعات هنا مختلطة يعني يوجد معنا بنات، هل لي أجر في هذا العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلم الذي ينال به الأجر هو علم الشريعة، والوسائل المعينة على فهم نصوص الوحي، والعلوم التجريبية التي يحتاج إليها المسلمون، كالصناعة والطب وما أشبه ذلك، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 15872.
وأما هجرتك إلى ألمانيا ودراستك بالجامعات المختلطة، فراجع فيهما الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2007، 18462، 4030، 8328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(9/635)
كيفية تعلم علم الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أطلب علم الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن طلب العلم وكيفية الطلب في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21753، 10695، 20885.
وعلم الحديث واحد من تلك العلوم، ودراسته تكون بقراءة الكتب المؤلفة فيه على أهل العلم العارفين بالحديث ومصطلحات أهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1424(9/636)
ضوابط الرد بين الجنسين في مسائل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عما إذا كان هناك حرج في الرد على بعض المواضيع العلمية والثقافية في الإنترنت، إذا كان كاتب الموضوع رجلاً والراد عليه امرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل ألا تكون هناك صلة أو علاقة بين رجل وامرأة أجنبيين إلا بقدر الحاجة، وتقدر بقدرها وتكون في حدود الأدب والأخلاق.. ودون خضوع بالقول.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة عن هذا الموضوع في الفتوى رقم: 11507.
ولا مانع من رد المرأة على الرجل أو العكس في مسائل العلم، إذا كان ذلك منضبطاً بالضوابط الشرعية، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- رجالاً ونساء يرد بعضهم على بعض في مسائل العلم، وقد قال الإمام مالك قولته المشهورة: ما من أحد إلا مأخوذ منه قوله ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(9/637)
تتوقف صحة الاعتقاد والعبادة على تعلم العلوم الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لِمَ يبدأ المسلم اولاً بتعلم العلوم الشرعية الضرورية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحث الإسلام ودعوته إلى العلم والرفع من شأنه وشأن حامليه يعلمه كل من له أدنى معرفه بالكتاب والسنة، ومن ذلك قول الله عز وجل في أول ما أنزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق] ، وقال سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون [الزمر:9] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وغيره، إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على طلب العلم ومكانته.
وقد قسم العلماء العلوم إلى قسمين ذكرناهما في الفتوى رقم: 15872.
وعلى كلٍ فإن المسلم إذا كان لم يصل إلى مرحلة البلوغ، فلا حرج عليه في أن يبدأ بتعلم العلوم غير الضرورية، كعلم العربية والحساب وما شابههما، أما من وصل مرحلة البلوغ وليست لديه معرفة بمسائل الاعتقاد وأحكام العبادات، فالواجب عليه أن يبدأ بالعلم الضروري، لتوقف صحة الاعتقاد والعبادة على تعلمه لذلك.
ووصفك العلوم التي يبدأ بها المسلم بأنها ضرورية يكفي لتبرير أن تكون هي أول ما يبدأ به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(9/638)
السبيل الأمثل لاستفادة الطالب من وقت ذهابه إلى المدرسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألكم كيف أستطيع أن أجعل وقت ذهابي إلى المدرسة عبادة؟ حيث أني طالب بالصف الثالث الإعدادي وأذهب إلى المدرسة تقريبا لمدة ست ساعات يوميا فأريد أن أستفيد من هذا الوقت علميا ودينيا. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فشكر الله لك أيها الأخ الكريم هذه الهمة العالية، وهذا الحرص على العمر أن لا يذهب سدى، ونسأل الله لك الثبات والرشد، واعلم أن النية الصالحة تحول العادات إلى عبادات يؤجر عليها المسلم، فمن ذلك أن المؤمن إذا نوى بأكله التقوي على طاعة الله أجر على الأكل، وإذا نوى بقيامه بالتمارين الرياضية الاستعداد بدنيا للجهاد أجر على هذا العمل، وهكذا، فعن معاذ رضي الله عنه قال: (فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) رواه البخاري، قال الحافظ: (معناه أن يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب، لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصل الثواب) . وقال في عون المعبود شرح أبي داود وهو يذكر فوائد الحديث: (وأن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منها) . انتهى. وفي ضوء ما تقدم نقول للأخ الطالب أن ينوي عند ذهابه إلى المدرسة تعلم العلم لكي ينفع به نفسه وأمته ودينه، فالمسلمون بحاجة إلى الطبيب المسلم الملتزم وإلى المهندس المسلم الأمين، وإلى المخترع والمبدع وغيرهم. وإذا استصحب الطالب النية فإن من شأن ذلك أن يدفعه للجد والاجتهاد في تحصيل العلوم النافعة والتفوق على أقرانه، فيجتمع له الأجر والنجاح. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(9/639)
لغة العرب وعاء الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي طلب العلم وأنا لا أعرف شيئاً من علوم النحو نهائياً سواء الفاعل والمفعول به ولا أعرف إن كانت هذه من النحو أو القواعد؟ مع العلم بأني يئست.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من أن يبدأ الطالب بطلب فرع من فروع علوم الشريعة وهو لا يعرف شيئا عن النحو وقواعد اللغة العربية، لأن علم النحو من علوم الآلة والوسائل المعينة على فهم نصوص الوحي وآثار السلف وكلام أهل العلم وليست مقصودة لذاتها، ومع ذلك فإن لغة العرب هي وعاء الشريعة، ولا يمكن لطالب العلم أن يستوعب العلوم الشرعية ويفهمها الفهم الصحيح إلا إذا كان له حظ من علوم العربية.
والنحو له فائدتان لا غنى لطالب العلم عنهما:
الأولى: سلامة اللسان من الأخطاء في التحدث والقراءة والكتابة.
الثانية: الفهم الصحيح لنصوص الوحي وكلام الناس.
وعلى هذا.. فبإمكانك أن تبدأ بتعلم بعض العلوم الشرعية من حفظ كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وبعض المتون الفقهية.
ثم يتدرج في تعلم مبادئ النحو أو غيره، ومع الوقت فسوف تستفيد إن شاء الله تعالى، ولا طالب علم محروم، ولا داعي لليأس والقلق، وعليك بتقوى الله تعالى وكثرة الدعاء.
فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29] .
وقال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(9/640)
من لم يشغل قلبه بالحق شغله الشيطان بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت متفوقا بطريقة مفرطة، وفجأة ضاع هذا التفوق فلم أعد أحب المذاكرة، وبعد ذلك ملأت الشهوة قلبي ولم أعد أستطيع حفظ شيء وأنا أحس أنه لن يعود عقلي للعمل ثانية؟ وأنا أحفظ الشيء وأفهمه فإذا مرت خمس دقائق لا أذكر إلا العنوان فهل من طريقة سريعة واقعية لا كلامية أستعيد بها عقلي بعد سنوات من التوقف؟ وقد ماتت عزيمتي ورغبتي فلا أستطيع تحصيل علم وليس عندي رغبة فيه أصلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلكي يعود إليك تفوقك وحفظك لا بد أن تفرغ قلبك أولاً من الشهوات التي ملأته، فإن القلب المشغول بها تائه وضائع، ومن لم يشغل قلبه بالحق شغله الشيطان بالباطل، ثم عليك بالمحافظة على مذاكرة دروسك أولاً بأول، ومن أهم ما يعينك على عدم النسيان أن تقرأ الدرس قبل حضوره، وأن تنتبه لمعلمك أثناء شرح الدرس، وأن تعود إلى البيت فتقوم بمراجعة الدروس التي درستها في نفس اليوم، وهذا يحتاج منك إلى جهد كبير لا بد من الصبر عليه، وقد قال الشاعر:
واجهد بعزم قوي لا انفناء له لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
وقد بينا أسباب النسيان ووسائل الحفظ في كثير من الفتاوى، منها الفتاوى رقم: 17167 / 8563 / 22996 / 18607
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(9/641)
لا تخلو كتب الفقه من الاستشهاد بالضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا شيخ يعيب علينا الاستدلال ببعض الأحاديث الواردة في البخاري، وكذلك يقول إن سيد سابق في فقه السنة لا يعتمد عليه لأن معظم أحاديثه ضعيفة، وكذلك يحرم قراءة القرآن عند القبر قطعا، وكذلك الدعاء للميت بعد الدفن، كما يقول إن الميت لا يعذب في قبره، بل يعرض عليه عذابه كالتلفاز ليراه، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت، فإن هذا الشخص مخطئ في إنكاره عليكم الاستدلال بأحاديث من صحيح البخاري، وفي قوله إن كتاب فقه السنة معظم أحاديثه ضعيفة وأنه لا يعتمد عليه، وفي قوله إن الميت لا يعذب في القبر وإنما يعرض عليه عذابه كالتفاز!!!
وقد سبقت لنا الإجابة عن أكثر هذه المسائل، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية:
16296، 14865، 2112، 27788.
وأما كتاب فقه السنة فإنه كتاب نافع، مع اشتماله على بعض الأحاديث الضعيفة، لكن ليس من العدل ولا من الصواب أن يقال إن معظم أحاديثه ضعيفة، ولا تخلو كتب الفقه من الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة التي قد يعتقد الفقيه صحتها، أو يرى جواز الاستدلال بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1424(9/642)
الجمع بين العمل وطلب العلم أفضل للمرء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل محاسباً لدى شركة ويستمر عملي يوميا لمدة تزيد على 16 ساعة مما يتسبب في عدم مقدرتي على طلب العلم الشرعي مع العلم بأني في أمس الحاجة لتحصيل العلم الشرعي حيث إن الله منّ علي بالالتزام منذ وقت قريب فهل أترك هذا العمل؟ مع العلم بأنه ليس هناك عمل آخر متاح في الوقت الحالي وأنا مقبل على الزواج أم أقوم بتأخير الزواج وأتجه لطلب العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنصيحتنا لك أن تحافظ على عملك ما لم يكن فيه محذور شرعي، ويمكنك طلب العلم في أوقات أخرى، وجمعك بين الأمرين أعني بين العمل وطلب العلم هو الأفضل إن كنت محتاجاً إلى العمل، حتى تكف نفسك عن الحاجة إلى الناس.
وقدم العلم الواجب الذي يجب عليك علمه ولا يسعك جهله من أمور الإيمان والعبادات، واختر شيخاً بصيراً ربانياً من أهل السنة لتدرس عليه.
وأما بشأن الزواج، فقد نص أهل العلم على أن من لم تتق نفسه إلى الزواج ولم يجد مشقة في تركه فتركه لطلب العلم أفضل، غير أننا في زمن كثرت فيه الفتن وعمت فيه البلايا وعظمت فيه المغريات.
وعليه، فإن وجدت طريقاً إلى تحصين نفسك بالزواج فلا تتأخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(9/643)
كيف تصبح من كبار العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحلم منذ الصغر بأن أكون من كبار العلماء في الطب كابن سينا وابن النفيس فما هي الوسائل العملية والواقعية للوصول لذلك أو لشيء منه؟ وبخاصة تحصيل القدر الكبير في الوقت القليل فإنني أعاني بشدة من البطء في التحصيل؟
نرجو الإفادة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أهم ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فهذا أعظم الأبواب والأسباب الموصلة إلى محبة الله ورضاه، ومن أحبه الله ورضي عنه وفقه وسدده وأعانه، قال سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] .
ثم عليك بتنظيم الوقت، وكثرة المراجعة والمذاكرة، والقراءة في سير المجدين أصحاب الهمم العالية، وسؤال الله تعالى التوفيق لما فيه الخير لك، فإن العبد لا يدري ما هو الخير له على الحقيقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(9/644)
خطوات طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كيف يتسنى لي بطريقة سهلة وميسرة تعلم العلوم الشرعية (ما هي خطوات ذلك) ؟
وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أول الخطوات التي على المرء أن ينتهجها لتعلم العلوم الشرعية بطريقة ميسرة تحديد الفن المراد تعلمه، وأول علم ينبغي البداءة به هو العقيدة، لأن بتصحيحها تصح الأعمال وتنفع صاحبها، فعلى المتعلم إذا أن يبدأ بتعلم العقيدة الواسطية أو الطحاوية مع الشروح المبسطة، ثم يتدرج في معرفة العبادات ثم المعاملات، ثم الأخلاق والسير الإسلامية، وهكذا.... ولابد من أخذ العلم من الشيوخ أهلِه، وخصوصاً في بداية التعلم.
ومطالعة الكتب والمجلات والاستماع إلى الأشرطة، والاستفادة من برامج الكومبيوتر، وحضور حلقات التعليم في المساجد وغيرها خير معين على طلب العلم.
واختيار أهل الديانة والورع للتعلم منهم، والإخلاص في الطلب، والصبر والتحمل، والتواضع والتقوى، كل ذلك من وسائل طلب العلم وتحصيله، وراجع الفتوى رقم: 20215 لمزيد من الفائدة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/645)
لا دعاء معين لحصول البركة في الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب أدرس في إحدى دول الإتحاد السوفيتي سابقا،
أنا أدير مدرسة إسلامية وخطيب المسجد، وطالب طب بشري، مع العلم بأني أبلغ من العمر 19.
أرجو إفادتي بالأحاديث والنصائح التي تبارك لي في وقتي (أرجو ممن يقرأ هذا السؤال أن يدعو لي، لأنني مصاب بالتأتأة، أي ثقل في اللسان لأستطيع الدعوة إلى الله باللغة الروسية) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودك، وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين، ونسأله سبحانه أن يشرح صدرك ويطلق لسانك. ونوصيك بما حكاه الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام بقوله: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:25 - 28] .
وأكثر من دعاء الله تبارك وتعالى أن يبارك لك في وقتك وجهدك. ولم نقف على دعاء معين يقوله العبد ليبارك له في وقته، ولذا فليدع بما يناسب حاله، ويكثر من الطاعات والقربات، وينظم وقته بما يناسب حاله، وكل إنسان أعرف بظروفه وارتباطه. ويمكن للأخ السائل أن يستفيد من الفتوى رقم: 5549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(9/646)
دخول الكلية اعتمادا على درجات الرياضة.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقبل على الثانوية العامة، وأمارس لعبة تسمى التجديف.. لعبة جماعية.. في هذه اللعبة أحصل على درجات من البطولات، وهذه الدرجات تضاف على المجموع الدراسي ... فأستطيع أن أدخل كلية، وبدون هذه الدرجات لا أستطيع أن أدخلها.. فهل هذه الدرجات حق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسؤال ذو ثلاث جهات:
الأولى: دخولك أنت لكلية معينة معتمدًا على هذه الدرجات التي تحصلت عليها بهذه الرياضة، مع أنك لو لم تمارس هذه اللعبة لما حصلت على هذه الدرجات، والحكم في ذلك أنه لا بأس به لأنك تحصلت على هذه الدرجات بمجهودك من غير غش أو رشوة، أو غير ذلك من الطرق الممنوعة.
والثانية: جعل المدارس هذه اللعبة ضمن المواد الأساسية التي تزيد درجات الطالب أو تنقض، وهذا لا ينبغي لأمرين: الأول: أن بعض الطلاب قد لا يرغب في هذه اللعبة. والثاني: أن بعض الطلاب قد ينجح اعتمادًا على درجات هذه اللعبة مع أنه قد يكون فاشلاً في غيرها من المواد الأساسية. كما فهمناه من سؤالك.
الثالثة: أن السائل لم يبين لنا صفة هذه اللعبة حتى نعرف هل هي مباحة أم لا؟ لأن كلامنا السابق إنما هو فيما إذا كانت اللعبة مباحة أو نافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1424(9/647)
من طرق ووسائل طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف الطريق لطلب العلم الإسلامي؟
هل يمكن الحصول عليه بكثرة المطالعة أو بصحبة العلماء.
إن كان جوابكم صحبة العلماء فكيف أحصل على علماء الحق. هل يمكن الالتحاق بإحدى الجامعات الإسلامية. أرجو من سماحتكم تفصيل الجواب
أبقى الله شبكتكم وجعلها مفيدة لجميع المؤمنين والمؤمنات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم الشرعي من أعظم القربات عند الله تعالى، ومن أجمل ما يتحلى به المسلم إذا قصد بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة، فلم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله الزيادة من شيء غير العلم، فقال تعالى مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم هو خطاب لأتباعه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأما كيفية طلب العلم فلها طرق منها صحبة الشيوخ والقراءة عليهم والسماع منهم، ومُذاكرة طلاب العلم. ومنها المطالعة في الكتب والأقراص الإلكترونية (CD) وسماع الأشرطة وغير ذلك من الوسائل.
وأما الحصول على العلماء فعليك أن تصحب علماء بلدك أولاً، فإذا حصلت ما عندهم فارحل إلى غيرهم، وهكذا.. فالأرض لا تخلو من قائم لله بالحق ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق والعلم والدين والاستقامة.
وإذا كان لديك مؤهل أو إمكانية تخولك الدخول في إحدى الجامعات الإسلامية فبها ونعمت، ومن خلال ذلك يمكن التعرف على العلماء ومصاحبة من ترضى علمه ودينه وخلقه. وتستطيع التعرف على علماء آخرين وهكذا.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة عن هذا الموضوع في الفتويين التاليتين: 4131، 7677.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(9/648)
علو الهمة يبعث على التفوق
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أود سؤالكم كما يلي لو سمحتم: أنا ضعيف في دراستي والحمد لله ملتزم دينيا، ودائما أجد وأجاهد نفسي لكي أكون من الناجحين في الدراسة ولكن بلا فائدة، وإنني لن أيأس أبداً بإذن الله تعالى، كذلك إني أجاهد نفسي لأ تفوق في دراستي لكي أكون متفوقا دينيا ودراسيا (يعني أريد أن أكون ناجحا في دراستي وفي ديني لكي يعكس هذا التفوق ويبين الصورة المثلى أمام العالم أن الدين الإسلامي هو دين التفوق وليس دين جهل كم يدعي الغرب الجاهل لحقيقة هذا الدين الراقي) ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا فتوى برقم:
14877 فيها بيان وسائل التفوق في الدراسة، ونؤكد عليك بألا تيأس وكن دائماً عاليا الهمة، واعلم أن الله على كل شيء قدير، فكم من إنسان كان ضعيف الذاكرة صعب الحفظ وبالمجاهدة فتح الله عليه! وصدق الله إذ يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] ، وليكن همك في تحقيق التفوق مرضاة الله تبارك وتعالى لا الثناء من الناس، ولا يعني عدم تفوق مسلم ما أن الدين الإسلامي دين ضعف وجهل ونحو ذلك، ففي رجال الإسلام قديماً وحديثاً من العلم والشجاعة والجود والكرم ما لا يباريهم فيه غيرهم، وأعني بالعلم، العلم الشرعي، أما علوم الدنيا والصناعات فقد تفوق فيها الكفار لاسيما في هذا العصر، لأنهم كما وصفهم الله: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] .
ولذا لما كرسوا جهودهم فيها وأخذوا بالأسباب وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وليس معنى هذا أن المسلمين لا يشتغلون بذلك، بل هم أولى بالاشتغال بما يحقق له التقدم والنصر على غيرهم، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 28007.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(9/649)
العلم قبل القول والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلة قديمة حديثة, كلما حل فصل الصيف نجد صعوبة في صلاة العشاء, علماً بأن وقتها يصل إلى00:15 ليلاً. وهذا شاق علينا جميعاً، لهذا انقسم المسلمون هنا في أوروبا إلى قسمين: قسم يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم, وقسم يحدد الوقت في ساعة ونصف بعد المغرب ثم يصلي العشاء, وهذا يسبب لنا بلبلة كثيرة في المساجد, فما هو الحل الصحيح، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللأسف فإن كلا الفريقين مخطئ، فلا هؤلاء أصابوا، ولا أولئك أصابوا، وإنما الواجب عليكم جميعاً أن تصلوا كل صلاة في وقتها مهما تأخر غروب الشمس، ومهما كان الوقت بين العشاء والفجر قصيراً، ولا يجوز لك م أن تجمعوا بين الصلاة لهذه العلة ولا أن تقدروا زمناً باجتهادكم ثم تصلوا العشاء، ولمزيد من الفائدة نوصي بمراجعة الفتوى رقم:
18219، والفتوى رقم: 18940
ونذكركم بأن الله تعالى قال في كتا به: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَع ْلَمُونَ. [النحل:43] ، فإذا عرضت للمرء مسألة يجهل حكمها فعليه أن يبادر بال سؤال لا أن يجتهد بنفسه، ويعمل بغير علم؛ بل كما ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه فقال: باب ال علم قبل القول والعمل، ثم قال رحمه الله: لقول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فبدأ بالعلم. ان تهى.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن سفيا ن الثوري رحمه الله أنه تلاها -أي الآية السابقة- فقال: ألم تسمع أنه بدأ به فقال: اعلم، ثم أمره بالعمل؟. انتهى.
والحاصل أن الإنسان عليه أن يتعلم قبل أن يعمل، وإن شفاء العي السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(9/650)
تدريس العلم عقب الصلاة المفروضة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل إماما في مسجد، وألقي كل يوم درسا من رياض الصالحين بعد صلاة المغرب ولله الحمد، ولكن أحد المصلين احتج بأن التسبيح والتهليل بعد صلاة المغرب أفضل من الدرس، أرجو إفادتي مع الأدلة فيما هو أفضل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تعليم الناس وتعلمهم أحكام الدين هو واجب شرعي لا يجوز تركه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري وغيره عن عبد الله بن عمرو، وروى ابن ماجه وحسنه السيوطي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. كما أن التسبيح والتهليل وما شابهه ما من الأذكار أمر ندب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، قال: ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعاً وثلا ثين، فرجعت إليه فقال: تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثين. ولكن لا تناقض بين العبادتين والجمع بينهما ممكن، بأن يترك للمصلي وقت قصير ينجز فيه أذكاره تلك، ثم يلي ذلك الدرس من رياض الصالحين أو غيره، مع العلم بأن تعلم العلم وتعليمه أفضل من كل عبادة، روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء..... أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدرامي، وفي رواية للدرامي: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1424(9/651)
لا تهتم بالرجال والجماعات واهتم بالعلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مؤخرا عن كتاب منهاج المسلم الذي هو من تأليف الشيخ أبو بكر الجزائري أنه كتاب مشبوه ولا تجوز قراءة هذا الكتاب لأن صاحبه عنده خلل في العقيدة بالرغم من أن هذا الكتاب شامل وقد أعجبني كثيراً لما فيه من أمور فقهية تهم حياة المسلم اليومية أرجو منكم الإفادة بخصوص هذا الكتاب أفادكم الله.
وشكرا جزيلا والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال لابد من العلم بأن موقعنا غير متخصص في تقييم الجماعات والرجال، ولكننا نذكر قواعد عامة تستطيع بتطبيقها على الجماعات والرجال أن تعرف حقيقتهم.
أما عن كتاب منهاج المسلم للشيخ أبي بكر الجزائري فهو كتاب جيد، ولا نعلم فيه أخطاء في العقيدة، وكذلك مؤلفه، ولكن لابد من العلم بأنه لا معصوم إلا الأنبياء، وأن كل بني آدم خطاء، فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وحسب المرء أن تغل ب حسناته سيئاته، وخيره شره.
وراجع الفتوى رقم: 26245 والفتوى رقم: 23342 والفتوى رقم:
31460
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(9/652)
معرفة حق المعلم من هدي النبوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما أحب معلمتي لصفات خيرة فيها ولحسن معاملتها للآخرين ولنا فهل هذا إعجاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحب الطالبة للمدرسة لصفاتها الحميدة وحسن أخلاقها أمر مطلوب ما لم يتجاوز حده إلى التعلق أو الشذوذ، والإعجاب الذي يصاحب الصفات الحميدة أمر مطلوب أيضاً كذلك، ولمزيد فائدة راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20802، 26373، 31486.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(9/653)
بين الخلاف السائغ والمعتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
هل يجوز لنا أن نختلف في أمور الدين كما اختلف العلماء الكرام، وهل يجوز لنا أن نأخذ برأي أحد منهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك مسائل إجماعية عن المتقدمين من أهل العلم لم يخالف فيها من يعتد بخلافه، فلا يحل لنا أن نختلف فيها ويسعنا ما وسعهم، وهناك مسائل اختلف فيها الأئمة قبلنا، فخلاف المتأخرين فيها سائغ إذا كان كل من المختلفين ذا أهلية أو مقلداً لذي أهلية، وهذا الاختلاف من السعة والرحمة كما في الفتوى رقم: 16387.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1424(9/654)
طلب العلم ... توجيهات مفيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
نسأل عن خطة تكوين في الدراسات الاسلامية نحن مجموعة تلاميد بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة -المغرب- هدفنا تطوير التدبير الإسلامي؟
والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يزيدكم حرصاً على الخير، ولا شك أن طلب العلم من أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.
ولكي يؤتي هذا الطلب ثماره لابد من مراعاة أمور معينة، ومنها:
الأمر الأول:
تقوى الله تعالى، فإن العلم نور لا يؤتى لعاص.
الأمر الثاني:
ملازمة معلم يتلقى عنه العلم، فمن كان شيخه الكتاب فخطؤه أكثر من الصواب، كذا قال أهل العلم.
الأمر الثالث:
التدرج في التلقي، فيبدأ بصغارالعلم قبل كباره، ولكل فن من فنون العلم كتب يبدأ بها، وقد سبق لنا ذكر بعضها بالفتوى رقم: 21744، والفتوى رقم: 27788.
الأمر الرابع:
مذاكرة العلم، فإنها تحافظ عليه وتزيده رسوخاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(9/655)
انظر عمن تأخذ دينك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ وأخي في الله....
كيف نرد على الناس الذين يقولون لي لا تتبعي العالم أو الشيخ فلان فإن عقيدته فاسدة ولا تتبعي الداعية الإسلامي الفلاني فإنه مسبل إزاره ولا يعفي لحيته ويقوم بتضعيف أحاديث وهي قوية وغيرها وغيرها علماً بأن لهم تأثيرا عجيباً في نشر الدعوة الإسلامية ويقولون لي أيضاً إذا اتبعتيهم فإنك تحملين إثماً وذنباً على نفسك، وكذلك يقولون لي أنت لست متأكدة مما يقولون ولكن حتى لو أخطأ أحدهم فإنما حسابه على ربي، وأنا لا أتبعهم في المعصية وإنما في طاعة الله ورسوله فقط، أجيبوني جزاكم الله عني كل خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرء ينبغي له إذا أراد أن يتلقى العلم أن يبحث عن صاحب سنة، فإذا وفق لذلك فليحمد الله تعالى وليحرص على ملازمته، وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.، وقال بعضهم: من فضل الله على الحدث أن يوفق إلى صاحب سنة.، ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 30036، والفتوى رقم: 31129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(9/656)
طالب العلم يتدرج في طلبه مبتدئا بالمختصرات ثم المطولات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي سؤال وأتمنى أن تجيبوني جزاكم الله خيراً.
السؤال: أنا فتاة ضعيفه وليس لي أحد يعلمني العلم الشرعي لأنه لا يوجد لدينا مراكز تحفيظ قريبة وأريد يا شيخ تحديد كيفية دراسة العلم الشرعي في المنزل وتحدد لي نقطة نقطة بالتفصيل في التعليم الشرعي، وتحدد أسماء بعض الكتب التي تتم دراستها وبعض الأشرطة التي توجد فيها الدروس لتفسير القرآن وغيره وتبين لي كيفية دراسة بعض الكتب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أفضل ما يسعى إليه المسلم ويطلبه هو أن يتعلم أحكام دينه حتى يعبد الله عز وجل على بصيرة لأن العبادة يتوقف قبولها وصحتها على موافقتها للشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه مسلم.
ولهذا كان طلب العلم فريضة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني،
وعليه فنصيحتنا للسائلة هي أن تتدرج في طلبها للعلم بحيث تكون البداية بالمتون الصغيرة وهكذا تترقى حتى تصل إلى المتون المطولات، ولمعرفة اسماء هذه الكتب نحيلها على الفتوى رقم: 19533.
ولكي تتم الفائدة ويحصل المقصود لا بد من الاعتماد على شخص تكون له القدرة على شرح ما ترغبين في قراءته من هذه الكتب، وأولى الناس بهذا هو أبوك وإخوانك أو غيرهم من ذوي قرابتك بشرط أن يكونوا لك محارم، فإن تعذر ذلك ولم يوجد غير الأجنبي جازت القراءة عليه إما بواسطة التليفون أو من وراء حجاب، بشرط عدم الخلوة كما كان الصحابة يتعلمون من أمهات المؤمنين.
أما بالنسبة للأشرطة التي سألت عنها فليس بإمكاننا أن ندلك على أشرطة معينة تلبي رغبتك تلك، لكن يمكنك التعويض عنها بقراءة تفسير ابن كثير وفتح القدير للشوكاني وغيرهما من كتب التفسير المعتمدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1424(9/657)
حكم دراسة العلوم المناهضة للشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أدرس في السنة الثالثة حقوق مادة قانون الأحوال الشخصية التي تقول بمنع تعدد الزوجات والتطليق الأبدي للمرة الثالثة وإباحة التبني وأشياء أخرى تحرف القرآن فما حكم ذلك هل هو علم غير نافع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن ما ذكرته هو من العلوم الفاسدة الباطلة التي تناقض أحكام الشرع وتصادم قطعيات القرآن، ففي تعدد الزوجات يقول الله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] .
وفي جواز الزواج من المرأة المطلقة ثلاثاً بعد أن تنكح زوجاً آخر وطلقها، يقول الله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:230] .
وفي حرمة التبني يقول الله عز وجل: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4] .
وتعلم هذا الباطل على سبيل الإقرار به وتصديقه ردة وخروج عن ملة الإسلام، لكن إن اضطر الشخص لدراسته، فليدرسه للوقوف على باطله والتحذير منه، قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(9/658)
أهم ما يتحلى به العالم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أصبح طالب علم لأكون ممن يحملون علم الدين للناس وأكون مقصدا للتعلم، فأرجو إرشادي ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدمت لنا نصائح لمن يريد طلب العلم وضحنا فيها بم يبدأ من أجل تحصيل علمي مؤهل، يمكنك أن تنظرها في الفتوى رقم: 4131..
وإضافة إلى ما تقدم ننصحك بأن تخلص النية لله سبحانه وتعالى، ولا تبغي من وراء هذا التعلم إلا رضا الله ونشر الخير والفوز بجنات النعيم، ولتظل مستشعراً الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أول من تسعر بهم جهنم ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن! قال: كذبت! ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/659)
لا بأس بتقسيم الوقت بين تعلم عدة علوم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز أن نخصص في التعلم وقتا لقراءة شيء من القرآن ووقتا للاستماع إلى شريط ووقتا آخر لقراءة كتاب أو مطوية؟
والسلام عليكم ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع من تقسيم الوقت بين قراءة القرآن واستماع الأشرطة النافعة والقراءة في الكتب المفيدة، بل إن هذا مما يعين الشخص على الاستفادة من وقته أكثر، ويتخير من الأوقات ما يناسب العلوم التي يريد تعلُّمها.
وراجع الفتوى رقم:
5549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1423(9/660)
كيف تطلب العلم الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم.
أنا أريد أن أتعلم ديني وزوجي يمنعني من الذهاب للمسجد أوالمعاهد الدينية هل يمكن أن تساعدوني بأن أتعلم ديني وذلك بإمدادي بأسماء مواقع تغنيني عن التعلم خارج البيت ويكون بها اختبارات حتى آخذ الموضوع مأخذ الجد وأرجوالدعاء لي؟
والسلام عليكم ورحمة الله....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكن للسائلة الكريمة أن تلتحق بالجامعة الإسلامية المفتوحة وفرعها الرئيس في القاهرة ولها أفرع في السعودية وأوربا, وإن كنا ننبه إلى أن هذه الدراسات غير المباشرة وإن كان منها خير ونفع إلا أنها لا تغني أبداً عن الدراسة التي تكون على أيدي المشايخ مباشرة, فيكتسب طالب العلم مع العلم الأدب والخشية والزهد في الدنيا والورع والإنابة والإخبات، وهذه ثمرات العلم، تنتقل بالمجاورة والمساكنة من المشايخ إلى الطلبة، ولو قرأ طالب العلم آلاف الكتب ما أثرت في قلبه كما تؤثر دمعة صادقة من عالم ملأ الله قلبه بالخشية من الله تعالى، ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله: لا تأخذوا العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي.
فعلى كل مكلف أن يجتهد قدر طاقته في تلقي العلم من أفواه أهله المتخصصين، فهذه سنة سلفنا وأصحاب نبينا ومن بعدهم، وللفائدة تراجع الفتوى رقم:
2410.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأن يطهر قلوبنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(9/661)
العلماء هم أفضل الخلق بعد النبيين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالقزع بالتحديد؟ وكيف يكون؟ وما الأدلة على تحريمه؟ وما رأي فضيلتكم بمن يقول إن العلماء السعوديين معقدين في مثل هذه المسائل؟.
أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن سؤالك بالتفصيل في الفتوى رقم: 3983، والفتوى رقم: 24367، والفتوى رقم: 26767.
وننبه إلى أن العلماء هم أفضل الخلق بعد النبيين والمرسلين، ولا ينبغي أن يطلق عليهم إلا الصفات الحميدة التي تليق بمقامهم عند الله تعالى، فالعلماء ليسوا معقدين إنما هم أشرح الناس صدراً، وأرحب الناس فكراً، وأزكى الناس قلباً، وأذكى الناس عقلاً، وليعلم أن الغيبة مذمومة لكل مسلم، وغيبة العالم أشد ذماً، وأكثر حرمة.
وراجع الفتوى رقم: 6710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1423(9/662)
كتب ينصح بقراءتها للمبتدئين في طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وغيري من الشباب نريد أن نعرف كيف نتعلم أمور ديننا وعلى يد من ثم كيف نختار ما نقرأه ونحن لا نملك المقومات اللازمة لحسن الاختيار وقد اختلط الحابل بالنابل فصرنا لا نفرق بين هذا وذاك وفي هذا الزمن وجدنا الكثير من المتنطعين أو المفرطين ممن يفتون بغير علم وقد ضلوا وأضلوا وقد كان سيدنا عمر (رضي الله عنه) يستعيذ بالله من المنافق العليم قالوا: يا أمير المؤمنين كيف يكون منافقاً وعليماً؟ قال: عالِم اللسان جاهل القلب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحسن بكم أن تذكروا لنا في أي بلد أنتم، حتى نستطيع إرشادكم إلى من تأخذون عنه العلم الشرعي حسب معرفتنا.
وعموماً عليكم بالدعاة الذين يدعون للتمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ولا يقعون في أعراض العلماء والدعاة خاصة من عرف عنه حسن المعتقد والاستقامة على الدين، ولزوم السنة، ومحاربة البدعة.
وأما الكتب التي ننصح بقراءتها، فهي:
- الأصول الثلاثة، للإمام محمد بن عبد الوهاب.
- كتاب التوحيد له أيضاً مع شرحه (قرة عيون الموحدين) .
- والعقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية مع شرحه المختصر للشيخ خليل هراس.
- وأعلام السنة المنشورة في اعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، للشيخ حافظ بن أحمد حكمي. هذا في العقيدة.
وأما في الفقه، فالأمر متوقف على معرفة البلد لتحديد المذهب فيها، ولكن يمكنكم القراءة في كتاب: فقه السنة، للشيخ سيد سابق مع تعليقات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عليه.
وفي الرقائق والسلوك نرشح لكم كتاب: البحر الرائق في الزهد والرقائق، للشيخ أحمد فريد.
وزادكم الله حرصاً، ونرجو التواصل معنا مع تحديد بلدكم.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1423(9/663)
طالب العلم يستغل كل وسيلة للعلم مرئية ومسموعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصحف والمجلات والإنترنت والكمبيوتر من وسائل طلب العلم؟؟؟ مع التفاصيل جزاكم الله خيراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في طلب العلم أن يكون تلقيه عن المشايخ الأثبات لأن طالب العلم يستفيد من الشيخ أموراً كثيرة منها: العلم الصحيح الموثوق، ومنها: الأدب وحسن السمت وجميل الأخلاق.
ولكن إذا وجد من الصحف والمجلات والإنترنت وبرامح الكمبيوتر ما هو نافع وفيه علم شرعي موثق صادر عن جهات نشر معروفة بالأمانة وتحري الدقة والصواب فلا بأس من الانتفاع مما في هذه من العلوم النافعة، إذ إن هذه الأشياء وسائل، والوسائل لها حكم المقاصد، فإن استطاع الإنسان أن يأخذ ما فيها من خير كالعلم النافع، ويتجنب ما فيها من الشر والفساد فلا بأس بذلك.
لكن لا يقتصر طالب العلم في تحصيله عليها دون الرجوع إلى العلماء والمشايخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/664)
احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في العشرين من عمري أدرس في الجامعة الإسلامية ولكني أعاني من بعض المشاكل وهي أني أحس بضيقه شديدة في صدري لا أستطيع الفهم بشكل جيد ولا أستطيع ترتيب وقتي ولا أعرف كيف أحفظ هذ العلم الذي تعلمته ولا كيفية المراجعه بعد رجوعي من الجامعة أريد أن أذاكر محاضراتي أولاً بأول ولا أستطيع.. كل مرة أقول غداً لا أعلم لماذا هل للذنوب دور في ذلك أم أنه عدم حسن التصرف كيف أستطيع ملاحقة نفسي قبل فوات الأوان ولا أستطيع ترتيب أفكاري عند مذاكرة المحاضرات ولا أعرف كيف ذلك أرجو نصحي وإرشادي.
جزاكم الله عن المسلمين خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا ننصح السائلة الكريمة بتقوى الله تعالى في سرها وعلانيتها، والمحافظة على الفرائض وخاصة أداء الصلوات في أوقاتها، والبعد عن المحرمات، وعن كل ما يشوش على ذهنها ويشغل بالها، ومن أهم ما يعينها على ذلك: المداومة على أذكار الصباح والمساء، وهي موجودة ومرتبة في كتيبات جاهزة ميسرة ولله الحمد.
ومما يعينها على ذلك صحبة النساء الخيرات الملتزمات بدينهن، وسماع الدروس المفيدة والمحاضرات النافعة، وخاصة التي تتحدث عن علو الهمة، وعظم المسؤولية الملقاة على عاتق المسلم، والتحديات التي تواجه المسلمين، وخاصة الشباب الجامعيين الذين يفترض أن يكونوا في طليعة المجتمع، والقيام بواجباتهم تجاه أمتهم على أكمل وجه.
وعليها أن تبتعد عن صحبة الأشرار وسماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات.
فكل ذلك مما يزيد في الهم والغم علاوة على أنه مضيعة للوقت الثمين الذي هو من أول ما سيسأل عنه الإنسان يوم القيامة.
والحاصل أن على السائلة الكريمة أن تستعين بالله تعالى، وتشد على عزيمتها وتقوي من إرادتها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم.
وعن كيفية استغلال الوقت يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 5549.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1423(9/665)
نصيحة لتقوية العزيمة وإعادة الثقة في النفس من جديد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في السابعة عشر من عمري أعاني من عدم الثقة بنفسي وعدم قدرتي على تملكها مما تسبب في رسوبي في الباكالوريا وإني أعيد السنة هذا العام وأريد طريقة تخلصني من هذه المشكلة وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكون قوي العزيمة ماضي الإرادة مستعيناً في كل أموره بالله سبحانه وتعالى، ولتعلم أنه ما من أحد يبذل جهده ويجدُّ في عمله أو دراسته.. إلا وجد النتيجة. هذه سنة الله تعالى في هذا الكون فالله تعالى ربط الأسباب بالمسببات.. ولهذا قالوا: من جد وجد، ومن زرع حصد.
ولتعلم أن الرسوب في الامتحان يجب أن يكون حافزاً قوياً يدفعك للجد والاجتهاد، فالحياة تجربة، وقد أخذت تجربة من السنة الماضية وعلمت السبب في رسوبك فعليك أن تتجنبه.
وقد رغبنا الشارع في الأخذ بأسباب القوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا.. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم.
والحاصل أن الرسوب يحصل لكثير من الناس ولكنهم ينهضون ويستفيدون من تجربتهم السابقة.
وهذا ما نريد أن تستفيد منه وتبذل وتتقدم حتى تحصل على النجاح نسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1423(9/666)
ملازمة العالم الرباني من أهم مطالب المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ماحكم الشرع فيما يلي: لا بد لكل مسلم من ولي يدله على الله فعليه أن يصاحبه ويطيعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه الجملة تحتمل أمرين: الأول أن يكون المراد ما يفعله المتصوفة في عصرنا الحاضر من اتخاذ شيخ من مشايخهم إمامًا يُطاع ولا يُعصى، ولو كان ما يأمر به خلاف النص الشرعي، هذا فضلاً عما يحدثونه لمريديهم من أذكار بدعية وعبادات لا أصل لها، وقد وصل بهم الأمر إلى أن قالوا: كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله يقلبه كيف يشاء. وقالوا: من قال لشيخه لِمَ؟ لم يفلح.
وقد سبق بيان تاريخ الصوفية وبيان معنى الولاية، وحقيقة الطرقية، ومنهج بعض طرقهم في الفتاوى التالية أرقامها: 13353
4445
13742
2166
13402
20393
17107
الثاني: أن يراد بالولي هنا العالِم الذي يدعو إلى الله على بصيرة، فهذا لا شك في أن ملازمته والاستفادة منه من أهم مطالب المسلم في حياته، وذلك لأن المرء أثناء سيره إلى الله تعالى يحتاج إلى عالم رباني يبين له معنى العبادة الصحيحة، ويحذره من مضلات الفتن والأهواء، وينير له الطريق إلى ربه سبحانه، ولا بد أن تتوفر في هذا الشيخ عدة شروط، ذكرناها مستوفاة في الفتوى رقم:
18328، وإننا لنوصي السائل الكريم بلزوم أهل السنة، ومفارقة أهل البدعة، والصبر على الأذى الذي يلحقه بسبب هذا.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(9/667)
كتب في الحديث وشروحه ينصح بدراستها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يوجد كتب شاملة لسنته عليه الصلاة والسلام اذكرو لي بعض الكتب التي أستطيع الرجوع إليها؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول ما ترجع إليه من الكتب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم هو صحيح البخاري وصحيح مسلم، ثم الكتب الأربعة: سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وأيضاً مسند أحمد وموطأ مالك.
وننصحك بقراءتها مع شروحها إن وجدت كفتح الباري شرح صحيح البخاري وشرح النووي لمسلم، وتحفة الأحوذي على الترمذي، ومعالم السنن للخطابي، وعون المعبود شرح أبي داود، وشرح ابن ماجه لعلاء الدين مغلطاي.
وكذلك كتب التخاريج والتحقيق، كصحيح الترمذي وضعيفه للألباني وصحيح وضعيف النسائي وابن ماجه وأبي داود كلها للألباني رحمه الله تعالى.
وكذلك الرجوع إلى كتب شروح أحاديث الفقه كنيل الأوطار للشوكاني وبلوغ المرام للعسقلاني.
وكذلك كتب السيرة كزاد المعاد، وصحيح السيرة النبوية للعمري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1423(9/668)
حفظ المتون وفهم شرحها طريقة مثالية
[السُّؤَالُ]
ـ[إلى صاحب الفضيلة المشرف على فريق الفتوى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم هذه الطريقة للناشئين في طلب العلم حيث يحفظ كل منهم الأصول الثلاثة ويملي بعضهم ما حفظه على أخيه ويقوم أحدهم الذي فهم الشرح أكثر منهم بنقل بعض الشروح؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر في السؤال من حفظ المتن ومراجعته مع الإخوان أسلوب حسن في حفظ العلوم ينبغي الاستمرار عليه، كما ينبغي قراءة الكتب التي كتبها العلماء في أدب الطلب، وهي -ولله الحمد- كثيرة.. منها المطول ومنها المختصر فمنها: حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد، ومنها: أدب الطلب للإمام الشوكاني، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وتذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة، وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/669)
مراجع للتعرف على المذهب الشافعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التعرف على المذهب الشافعي بدقة وكيف يمكنني اتباعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التعرف على المذهب الشافعي بدقة لا يمكن أن يحصل من فتوى، فالكلام فيه طويل حيث لابد من معرفة المراحل التي مر بها المذهب من زمن الإمام حتى اليوم، وكذا معرفة مصطلحات المذهب وأئمة المذهب وكتب المذهب، وماذا يقدم وماذا يؤخر عند الاختلاف إلى غير ذلك مما لابد منه في أي مذهب، ولكن يمكن للسائل أن يراجع ما كتبه أهل العلم في ذلك، ومن ذلك:
الفوائد الملكية والفوائد المدنية للكردي.
وكتاب المذهب عند الشافعية.
ومقدمة المجموع للإمام النووي.
ومقدمة المنهاج بشروحها.
وسلم المتعلم المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للأهدل.
والفوائد الملكية فيما يحتاجه الطلبة الشافعية للسقاف.
وغيرها كثير.
وراجع لزاماً الفتاوى التالية: 5812 2397 7763 17519 8790 18248 2704
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(9/670)
برنامج مقترح للموازنة بين العلم وقيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن تنظيم الأوقات مع الدراسة في المدارس والجامعات ومع قيام الليل أفكر كيف كان الناس يفعلون من قبل عن الصحابة فهل كانوا يعملون؟ وكم ساعة كانوا ينامون؟ أستاذي أخبرني أن النوم أقل من 8 ساعات يؤثر سلبياً على التركيز وعلى الدراسة.
أنا طالب مجتهد وقد كنت أقوم بالليل في الإجازة والآن سأدخل الجامعة آمل مشورتكم وهي مهمة جداً لا أريد أن أصلي الوتر ركعة واحدة، وأريد أن أستيقظ في الليل وأن أصلي فكيف كان الناس يفعلون ذلك من قبل أنا طالب في طب الأسنان فأنا في حاجة إلى الدراسة وإلى النوم أيضاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الدراسة اليومية تنتهي قبل العصر، فاجعل الوقت إلى صلاة العصر وقتاً للغداء والراحة، وما بعد العصر إلى المغرب وقتاً لمراجعة محاضراتك، وما بين المغرب والعشاء وقتاً لقراءة القرآن، وقراءة بعض الكتب النافعة، والأفضل أن يكون ذلك في المسجد.
واجعل ما بعد العشاء وقتاً للمذاكرة والعشاء، ثم أنت بين خيارين: أن تنام مبكراً لتستيقظ قبل الفجر بساعة، فتقوم الليل إلى أذان الفجر، وبين أن تقوم ساعة بعد انتهائك من المذاكرة.
وأما بعد الفجر، فإن استطعت شغله بالمذاكرة أو القراءة فافعل، فإنه أفضل أوقات التحصيل والحفظ.
واحرص مع ذلك على أذكار الصباح والمساء وغيرها، واجتهد في حضور بعض المحاضرات الدينية، ولو محاضرة واحدة في الأسبوع، فإن الإنسان بحاجة دوماً إلى التذكير والإعانة.
ونسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1423(9/671)
العلوم الأحق بالتقديم عن غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم تسبيق طلب العلم عن أي عمل آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلب العلم الشرعي من فرائض الإسلام، وفضائل الدين، لكنه باعتبار حكمه في حق الشخص ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما كان تعلمه فرضاً عينياً، وهو ما يحتاجه المسلم في أصول إيمانه، وما تصح به عبادته ومعاملاته، ولا يسعه جهله.
والثاني: ما كان تعلمه فرضاً كفائياً، وهو ما زاد عن ذلك.
والأول يجب أن يقدم على كل شيء إذ به يصح العلم، ويصح الاعتقاد، ويصلح حال المسلم في دنياه وأخراه.
وأما الثاني، فيختلف حكم تقديمه على غيره من وقت إلى آخر، ومن شخص إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، فأحياناً قد يقدم طلب العلم، وأحياناً غيره باختلاف أنواع الواجبات والأعمال الأخرى، وباختلاف حال الشخص نفسه، ولا يمكن إعطاء حكم عام مطلق في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(9/672)
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو إفادتي كيفية قضاء الأيام التي أفطرتها في الأعوام السابقة في شهر رمضان والتي أفطرتها بعذر شرعي ولكني مرت علي أعوام ولم أقض ما أفطرته من أيام وتراكمت علي حتى أنني لم أستطيع تحديدها جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المسلم الالتزام بشرع الله تعالى فيما أوجبه أو حرمه عليه، ولا يُعرف الحرام والحلال إلا بالعلم، والله تعالى يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] .
والسؤال عن الأمور قبل الإقبال على فعلها لا بعده، فيجب عليك أن تتوبي إلى الله أولاً من التقصير في سؤال أهل العلم، لتحصيل ما يجب عليك تعلمه، كما يجب عليك التوبة كذلك إذا كان تأخير الصوم بدون عذر.
وبعد التوبة إلى الله تعالى من ذينك الأمرين يجب عليك قضاء ما فاتك من أيام مع دفع كفارة تأخير الصيام عن الأيام التي تأخر قضاؤها من غير عذر حتى دخل رمضان الآخر، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
5802 والفتوى رقم: 6143
فإن كان تأخير الصيام لعذر كمرض ونحوه، فعليك القضاء فقط دون الكفارة، ولا إثم عليك لعدم التقصير أو التفريط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1423(9/673)
اسأل عما وراءه عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التعرف على أسماء أصحاب الكهف.... أفيدوني مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنعتذر عن الإجابة على هذا السؤال لأننا لا نجيب على الأسئلة التي ليس وراءها عمل، فماذا نستفيد من معرفة أسمائهم، وماذا نخسر من عدم معرفتها، فالعلم بأسمائهم من العلم الذي لا ينفع، والجهل بها من الجهل الذي لا يضر، حيث لا تترتب على ذلك أي أحكام أو فوائد في الدين أو الدنيا أو الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1423(9/674)
حسن السؤال من أفضل وسائل نيل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[في كم معنى أتت كلمة (حديث) في القرآن الكريم؟ وما هم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان هذا السؤال من أسئلة المسابقات فليعلم -السائل الكريم- أننا لا نجيب على أسئلة المسابقات لكثرة الأسئلة التي ترد إلينا وشدة حاجة أصحابها إلى إجابتها في الأعم الأغلب، ولهذا نشغل بإجابة أسئلتهم.
وأما إن كان هذا السؤال مجرد سؤال طاف بخاطرك فأردت له إجابة فنقول لك - أخي السائل -: عليك دائمًا أن تبحث عمَّا فيه نفع وفائدة، ولتعلم أن حسن السؤال من أفضل الوسائل التي ينال بها العلم، ولقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما، بما نلت العلم يا ابن عباس؟ فقال: بلسان سؤول وعقل عقول.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ...
قال الإمام النووي -رحمه الله-: وقوله "العاقل" كونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه، وحسن المراجعة، فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1423(9/675)
كيف تبرأ ذمة من عجز عن النظر في الأدلة.
[السُّؤَالُ]
ـ[إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
إن الله لا يعبد بجهل.
فهل المسلم ملزم بتعلم وفهم كل الأدلة التي يحتج بها العلماء لإثبات كل صغيرة وكبيرة في ما يتعلق بالعبادة, مع العلم أن كل عمل المسلم عبادة. ماذا عن تقليد الناس أو العالم دون إدراك الحجج , وفي حالة الاختلاف في مسألة ما هل يكفي الاطمئنان القلبي لرأي ما للعمل به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل لا يعبد إلا بما شرع، ومن عبده وتقرب إليه بما لم يشرعه فعمله مردود عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
فالواجب في العبادة أمران:
الأول: الإخلاص فيها لله عز وجل.
الثاني: المتابعة فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعامي -وهو الذي لم يطلب علم الشريعة ليتمكن من النظر في الأدلة الشرعية- يجب عليه أن يسأل أهل العلم، قال الله عز وجل: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
وتبرأ ذمته بسؤال من يثق بعلمه ودينه كما ذكر ذلك أهل العلم في كتب أصول الفقه، وإن وجد أكثر من عالمٍ قلد الأعلم الأورع، ولا يجوز له أن ينتقي من أقوال العلماء ما يوافق هواه، بل الواجب اتباع ما يغلب على ظنه أنه الصواب الموافق لحكم الله، وذلك باتباع الأكثر علماً الأشد ورعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1423(9/676)
تعلم القراءة والكتابة مطلب شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول محو الأمية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمي في كلام العرب هو الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب.
ولا شك أن إزالة هذا المعنى الذي هو الجهل ونحوه مطلوب شرعاً، والدليل قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق] .
ففي هذه الآيات الأمر الصريح من المولى عز وجل بالقراءة، والأمر الضمني لتعلم الكتابة، وهذا أمر واضح، وعليه فنقول كلمة: محو الأمية لا شيء فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1423(9/677)
كتم العلم ... بين الوعيد وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لطالب العلم أن يكتم ما ذاكره أو درسه في كتب خارجية عن زملائه لكي يتفوق عليهم في تحصيل الدرجات أم لا؟ وما يجني من علم بما علم؟ وشكراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولا يبخل بمساعدته ما لم يكن في ذلك ضرر عليه.
ثم إن ما ذكر في سؤالك يفصل فيه:
-فإن كانت المواد شرعية وسئل الطالب عن شيء منها، فيلزمه أن يخبر به زملاءه، ولا يكتمه عنهم خوفاً من الوقوع في الوعيد الوارد في كتم العلم، أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كتم علماً بما ينفع الله به في أمر الناس ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار.
-أما إذا كانت المواد غير شرعية، وليست من العلوم التي يتوقف عليها مصالح ضرورية تفيد المجتمع كالطب، فإنه لا مانع من كتمها، ولا يلزمك تبليغها لهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1423(9/678)
كتب ترشد لكيفية طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أبدأ طلب العلم الشرعي؟ وهل هناك كتب تدل على ذلك؟
أريد أن أصل إلى درجة القدرة للرد على شبهات أعداء الإسلام والتمكن من الأمور الشرعية الأساسية
(فقه- سيرة -......) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن طلب العلم، وكيفية الطلب في الفتاوى التالية أرقامها:
21753
10695
20885
22256
18328
22036.
وكذا ما أحيل عليه فيها من الفتاوى.
أما بالنسبة للكتب التي تتحدث عن كيفية الطلب فكثيرة ومنها: كتاب: "برنامج عملي للمتفقهين" لعبد العزيز القارئ، وكتاب "حلية طالب العلم" لبكر أبي زيد، "وأدب الطلب" للشوكاني، "وتذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة، وغيرها كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1423(9/679)
مصلحة حفظ الدين مقدمة على كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد
أنا شاب تونسي أعد الباكالوريا هذه السنة، وأنوي إن شاء الله أن أتخصص في تقنية الطائرات في الخارج ولكن خوفي من أن أبتعد قليلا عن العبادة الصحيحة كعدم النهوض للصلاة في الوقت وهو الشيء الأساسي أوعدم وجود مسجد للقيام بصلاة الجمعة علما وأني مازلت أبحث عن البلد الذي يمكن فيه التوفيق بين الأمرين. الأمر الذي جعلني أفكر في الاستغناء عن رغبتي والالتحاق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. علما وأننا سننتقل إلى السعودية بعد سنين قليلة. أرجو ان ترشدوني؟ وعفوا عن الإطالة وجزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن دراستك بالجامعة الإسلامية ووجودك بالقرب من أهلك خير لك وأصلح لدينك.
ومع أهمية دخول المسلمين للتخصصات النافعة في تقنية الطائرات وغيرها، إلا أن مصلحة حفظ الدين مقدمة، لاسيما وأن الإقامة في غير بلدان المسلمين الأصل فيها المنع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. رواه أبو داود والترمذي.
وليس للمسلم أن يجلس في تلك البلاد إلا لضرورة أو مصلحة، كعلاج أو دعوة أو تعلم علم ينفع المسلمين لا يمكن تعلمه في غير هذه البلاد، مع تحصن المسلم المقيم في هذه البلاد بالعلم الذي يدفع به الشبهات، وبالعفة التي يقهر بها الشهوات.
وأما الشاب الذي هو في مقتبل العمر، فبقاؤه في تلك البلاد فتنة عظيمة له.
ولهذا نقول: إن تيسر لك دراسة هذا التخصص في بلد من بلدان المسلمين تأمن فيه على دينك فافعل، وإلا فالحق بالجامعة الإسلامية لتحفظ نفسك ودينك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(9/680)
تحكيم العقل في أحكام الشرع زيغ وضلال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في شخص يقول إنه لا يفترض أننا نكون الصم العمي للعلماء فيفترض تحكيم العقل في بعض المسائل التي يحدث فيها خلاف بين العلماء, أفيدوني وما هو الواجب علي تجاه هذا الشخص لاسيما وهو صديق. وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا مأمورون بالرجوع إلى أهل العلم عندما نجهل حكم الشرع في حادثة من الحوادث، فقد قال الله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
وأمرنا الله عز وجل بطاعة أولي الأمر ومنهم العلماء، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] .
وقال سبحانه: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:83] .
فمن لم يكن من أهل العلم بحيث يتوصل إلى معرفة حكم الشرع من خلال النظر في الأدلة.. من لم يكن في هذه المرتبة وجب عليه اتباع العلماء.
وأحكام الشرع -من حلال أو حرام- لا تعرف بالعقل ومن اتبع فيها عقله زاغ وضل. وما أحسن قول الإمام علي رضي الله عنه حين قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من أسفل.
فإننا أمرنا بمسح أعلى الخف مع أن الأوساخ إنما تنال أسفل الخف.. فلو حكمنا العقل لحكم العقل بأن المسح لأسفل الخف، وهذا على خلاف الشرع.
والخلاصة أننا أمرنا باتباع ما أنزل الله على رسوله، فقد قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] .
ولا يمكن لغير العالم معرفة ما أنزل الله، وما هو حكم الله إلا بالرجوع إلى أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1423(9/681)
كيف يتفقه طالب العلم في دين الله.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب جزائري مسلم أريد التفقه في الدين لكن ليس لدي الوسيلة إلى ذلك بسبب كثرة الجماعات عندنا واختلافها التي أفسدت علينا الدين فما هو السبيل إلى ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلب العلم الشرعي من أجلِّ العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" رواه مسلم.
والعلم الشرعي منه الفريضة ومنه النافلة، فتعلم الفرائض الشرعية كالصلاة والصيام والحج لمن قدر عليه، والزكاة لمن له مال، وقبل ذلك تعلم ما يلزم من مسائل التوحيد والإيمان ومعرفة الباري سبحانه، وكذا تعلم أحكام الأعمال التي يمارسها الإنسان كأحكام البيع والربا إن كان ممن يبيع ويشتري، كل ذلك تعلمه فرض على المسلم والمسلمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" فإن وجد المسلم من يتعلم منه هذا القدر من العلم في بلده فعل، وإن لم يجد وجب عليه أن يرحل إلى من يعلمه، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى المسلم أن يطلب العلم عند من يثق بعلمه ودينه بأن يكون مشهوراً بين الناس بالعلم والصلاح والتزام السنة، فإن من توفيق الله للعبد أن يسوقه إلى عالم سنة، ويجنبه أهل البدع والأهواء. والسنة ولله الحمد منشورة مشهورة، وعلماؤها معروفون، فينبغي للأخ السائل أن يبحث عن أهل العلم المعروفين بحبهم للسنة وتمسكهم بها، كما أن كتب العلماء الذي عرفوا بصلاحهم وعلمهم كثيرة منتشرة كأمثال الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمهما الله، فينبغي للطالب اقتناء كتب مثل هؤلاء العلماء، والاستماع لشروحهم المسجلة على أشرطة الكاسيت.. فللشيخ العثيمين شروح مسجلة في غالب العلوم الشرعية.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1423(9/682)
حفظ المتون مهم ولكن ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في حفظ المتون كفاية لطالب العلم بأن يصير متمكنا في العلوم الدينية؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حفظ المتون مهم جداً في طلب العلم، وكما قيل: فاحفظ فكل حافظ إمام، وقيل: من حفظ المتون حاز الفنون.
لكن حفظ المتون لا يكفي وحده في الطلب بل لا بد من فهمها والنظر في شروحها، فكم من حافظ للمتون غير فقيه بما فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فرب حامل فقه ليس بفقيه. رواه أحمد والترمذي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1423(9/683)
الإخلاص لوجه الله أولا وقبل كل شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا شاب ملتزم أود ترتيب أموري فيما يخص المطالعة فبأي فرع (اختصاص) من الفروع أبدا: -العقيدة مثلا أم السيرة الحديث أم الفقه ... ألخ - لنفرض أننا اتفقنا على السؤال الأول ما هي الكتب التي تنصحوننا بقراءتها والموافقة لكل فرع من الفروع السالفة الذكر؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول ما ينبغي أن يعمله طالب العلم أن يخلص لله تعالى في كل أقواله وأفعاله، ولهذا كان أكثر المصنفين يبدأون كتبهم بحديث عمر رضي الله عنه: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.....إلخ. وهو حديث متفق عليه.
وعليك بكتاب الله تعالى فهو ينبوع الحكمة ومقوم اللسان ومصحح الأفكار، وعليك بمصاحبة شيخ يجمع إلى العلم والمعرفة: التقوى والورع، وإذا أردت البداية بالعقيدة فنحيلك إلى الفتوى رقم:
4412.
وبالنسبة للكتب الشرعية فبإمكانك أن تطلع على الفتوى رقم:
2410. والفتوى رقم: 22007.
فيجب على الإنسان أن يبدأ بالأهم فالمهم فيبدأ أولاً بالعقيدة الصحيحة ثم بأحكام الطهارة والصلاة.. وغير ذلك من الواجبات العينية.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والاستقامة على طريق الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1423(9/684)
أفضل ما يعتني به طالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شخص أعمل من 7 صباحاً حتى 9 مساء وخلال هذه الفترة أستطيع سماع القرآن والخطب والصلاة في المسجد أو جماعة فقط ومتزوج وأعيش بجانب أهلي لذلك لا أملك سوى ساعة أو ساعتين للقراءة فما هو الأفضل حفظ القرآن أو قراءته أو قراءة كتب السنن والأحاديث؟
أرجو مساعدتي وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر للسائل الكريم حرصه على طلب العلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه مالك وابن ماجه، وحسنه السيوطي.
ونزف إليك هذه البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بخط وافر" رواه أحمد وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وصححه الألباني.
واعلم أخي السائل أن لطالب العلم آداباً عليه أن يتأدب بها، وهي مفصلة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18607، 21214، 20215 فارجع إليها.
ولمعرفة العلوم المفروض تعلمها على كل مسلم راجع الفتوى رقم: 11280.
ثم اعلم أخي السائل أن أولى ما ينبغي عليك الاعتناء به في بداية طريقك هو كتاب الله فاعتن بحفظه وتلاوته وتعلم أحكامه وتفسيره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ثم عليك بدراسة العقيدة إذ بدراستها تزداد معرفة بربك ومولاك، وبما ينبغي له وما لا ينبغي له، وبذلك يرتاح قلبك وتطمئن نفسك ويسمو إيمانك، ثم لتترق في العلوم شيئاً فشيئاً بحسب ما يفتح الله عليك.
ولمعرفة طرق تحصيل العلم الشرعي راجع الفتوى رقم: 4131، ولمعرفة الكتب الهامة في العقيدة راجع الفتوى رقم: 4412، ولمعرفة الكتب الهامة في سائر العلوم راجع الفتوى رقم: 2410.
والله المسؤول أن يفقهنا وإياك في دينه، وأن يجمع لنا بين العلم والعمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1423(9/685)
كتب في فنون شتى ينصح باقتنائها وقراءتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب التي ينبغي أن يحرص طالب العلم على اقتنائها في مكتبته في شتى العلوم وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكتب الإسلامية كثيرة جداً ولكن لا بأس في أن نذكر بعضها في الفنون المختلفة:
- ففي القرآن وعلومه:
1- القرآن الكريم 2- تفسير ابن كثير.
3- علوم القرآن لمناع القطان. 4- أحكام القرآن لابن العربي.
5- حق التلاوة 6- النشر في القراءت العشر.
- وفي العقيدة والتوحيد:
1- كتاب التوحيد وشروحه 2- العقيدة الواسطية وشروحها.
3- العقيدة الطحاوية وشروحها. 4- معارج القبول.
5- لمعة الاعتقاد لابن قدامة.
- وفي السيرة:
1- الرحيق المختوم. 2- فقه السيرة.
3- سيرة ابن هشام.
- وفي الفقه حسب المذهب فمثلاً في المذهب الشافعي:
1- متن أبي شجاع وشروحه.
2- متن المنهاج وشروحه.
3- منظومة الزبد وشروحها.
- وفي الحديث:
1- الأربعين النووية وشروحها. 2- جامع العلوم والحكم.
3- عمدة الأحكام. 4- رياض الصالحين.
5- اللؤلؤ والمرجان. 6- نيل الأوطار.
7- كتب السنة، وهي كثيرة جداً ومنها: الصحيحان والسنن الأربع.
- وفي أصول الفقه:
1- متن الورقات. 2- مراقي السعود.
3- روضة الناظر. 4- جمع الجوامع.
5- أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف.
-وفي أصول الحديث:
1- التقريب للنووي، وشرحه للسيوطي.
2- مقدمة ابن الصلاح.
3- اختصار ابن كثير وشرحه لأحمد شاكر.
4- نزهة النظر.
5- ألفية العراقي وشروحها.
- وفي اللغة العربية:
1- الأجرومية وشرحها. 2- متممة الأجرومية.
3- قطر الندى. 4- ألفية ابن مالك وشرحها.
5- شذا العرف في فن الصرف. 6- البلاغة الواضحة.
7- جواهر الأدب.
- وفي الرقائق:
1- البحر الرائق. 2- مدارج السالكين أو مختصره.
3- مختصر منهاج القاصدين.
- وفي القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة:
1- منظومة ابن سعدي وشرحها.
2- منظومة الأهدل وشروحها. 3- القواعد الفقهية للنووي.
4- الوجيز للبورنو. 5- الموافقات للشاطبي.
6- قواعد الأحكام لابن عبد السلام.
7- الفروق للعراقي. 8- الأشباه والنظائر للسيوطي.
- وفي الفتاوى:
1- فتاوى ابن تيمية. 2- فتاوى اللجنة الدائمة.
3- قرارات المجمع الفقهي.
- وفي الإدارة والتخطيط:
1- حتى لا تكون كلاً. 2- قواعد النجاح السبع.
3- حل المشكلات.
- والكتب كثيرة جداً، وفيما ذكرناه الكفاية إن شاء الله، وإذا لم يستطع السائل أن يشتريها كلها فليشتر ما تيسر، وليبدأ بالمختصرات، ونسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/686)
برنامج مقترح لطلب العلم وشغل الفراغ بالنافع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم: كيف يقضي الزوجان وقتهما في البيت نحو طلب العلم من أجل قتل الفراغ وخاصة في عدم وجود التلفاز بالبيت وهل يبدأن بالشروح الكبيرة أم الكتيبات الصغيرة؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على وقتك وعلى طلب العلم وعلى الاهتمام بأهلك. ونسأل الله أن يجزل لك الأجر والمثوبة.
أما بالنسبة لشغل أوقات الفراغ فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
11465 9776 1492
وأما بالنسبة لكيفية قضاء الزوجين الوقت في طلب العلم فنقول وبالله التوفيق: إن هناك وسائل كثيرة لطلب العلم فمنها:
1- قراءة الكتب.. وننصح بالبدء بالكتب المختصرة والسهلة، ومما ننصح بقراءته في ذلك الكتب التالية:
رياض الصالحين للنووي، والرحيق المختوم، للمباركفوري وتفسير الجلالين، والعقيدة الواسطية مع شروحها المبسطة، وكتاب التوحيد مع شروحه المبسطة.
2- قراءة القرآن والاهتمام بحفظه ولو بحفظ بضع آيات في اليوم.
3- الاستماع إلى الأشرطة العلمية وأشرطة المواعظ وأشرطة السيرة وقصص الأنبياء، وغيرها من الأشرطة وهي كثيرة.
4- قراءة المجلات الإسلامية والنافعة وهي كثيرة أيضاً.
5- الاستفادة من الكمبيوتر والبرامج العلمية والترفيهية وغيرها من البرامج.
6- المشاركة في حلقات القرآن وحلقات العلم التي تقام في المساجد أو البيوت، وإذا أردت تفاصيل أكثر عن كيفية طلب العلم فلتراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10695 4131 2410 8563 20885
ونسأل الله أن يوفقنا للمحافظة على أوقاتنا، وأن يعيننا على طلب العلم والعمل به، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1423(9/687)
طريق التفقه في العقيدة والدين للمبتدئ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب جزائري مسلم أريد التفقه في الدين لكن ليس لدي الوسيلة إلى ذلك بسبب كثرة الجماعات عندنا واختلافها والتي أفسدت علينا الدين فما هو السبيل إلى ذلك؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسبيل التفقه في الدين بالنسبة لك أن تحرص على حفظ كتاب الله تعالى، وما استطعت من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تقرأ بعض المتون المختصرة في العقيدة والفقه والأصول واللغة، وأن تسعى للحصول على شرحها من قبل العلماء الموثوقين، كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ الفوزان حفظه الله، وغيرهم.
ونشير عليك في ذلك، بقراءة العقيدة الواسطية مع شرح الشيخ ابن عثمين أو الشيخ الفوزان، وزاد المستقنع بشرح الشيخ ابن عثيمين، أو الملخص الفقهي للشيخ الفوزان، وشرح الأصول للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وشرح الأجرومية له أيضاً.
فإن آنست من نفسك تحصيل هذه الأصول، فخالط من الجماعات من تزداد بمخالطته علماً وعملاً، ممن يجعلون اعتمادهم على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يخوضون في الأعراض، ولا ينشغلون بتتبع الزلات، وتصيد العثرات.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1423(9/688)
إرشادات ووصايا لطالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المشكلة الأساسية تتركز في كون عدم مقدرتي على متابعة دراساتي العليا. إذ إني أعمل من أجل الحصول على درجة الماجستير. ولقد بدأت بالدراسة ولكن ولمرتين متتاليتين لم أستمر. الرجاء إفادتي. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي البداية نسأل الله لنا ولك التوفيق والنجاح، وأما بخصوص مشكلتك فنرشدك إلى أمور لعلها تفيدك وتساعدك على إتمام دراستك.
أحدها: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء في أوقات الإجابة، فهو وحده القادر على أن يجعل الصعب سهلاً.
ثانيها: تنظيم الوقت، ودراسة الأهم، والاستعانة ببعض المختصين في مجال تخصصك لشرح بعض ما تراه عويصاً عليك.
ثالثها: الجد وعدم اليأس والقنوط..ففي المثل يقولون: من اجتهد نجح.. ومن جد وجد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1423(9/689)
الطريق الصحيح لطلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا يوجد عندي سؤال عن شيء محدد!! لكن عندي استفسار أو حيرة عن الإنسان الذي لا يعلم عن أمور دينه إلا القليل ويريد أن يتعلم أكثر من ذلك؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولمعرفة المزيد عن فضائل طلب العلم راجع الفتوى رقم:
18640.
وطلب العلم له أصوله الثابته وحدوده الحافظة له من تلاعب الأدعياء، وأهل البدع والضلال، وقد بينا قبل ذلك ما يعين على طلب العلم في الفتوى رقم:
18607.
ولابد في طلب العلم من شيخ يتأدب الطالب على يديه ويسترشد به إذا أشكلت عليه الأمور، وقد بينا شروط ذلك وضوابطه في الفتوى رقم:
18328، ولمعرفة فرض العين وفرض الكفاية من العلوم راجع الفتوى رقم:
15872 والفتوى رقم: 18436.
وننصح الأخ الكريم بالتعلم وأن لا يستحي من السؤال عن ما لا يعلم من أمور دينه، فالعلم بالتعلم، والله تعالى يقول: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً [النحل:78] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1423(9/690)
خطوط وآداب أولية للمبتدئ في طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أريد أن أعلم ما علي تعلمه من العلم الشرعي وبالترتيب مع العلم بأني جامعي.. أجهل الكثير من ديني مع أنني أقتني الكثير من الكتب مثل البداية والنهاية وتفسير ابن كثير وزاد المعاد وكتباً أخرى فى العقيده وغيرها ولكن لا أقرؤها وأريد طلب العلم الشرعي وأشعر بضعف إيمان وأنا لم يمر على التزامي عام أسالكم الدعاء ثم النصح وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المكلف أن يتعلم من أمر دينه، في عباداته، ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره ونهيه ما يصحح به عقيدته وعبادته، وطلب هذا النوع من العلم علاوة على أنه واجب عيني، فإنه من أفضل القربات، فهو الطريق إلى الجنة، وميراث الأنبياء، ومن خرج فيه فهو في سبيل الله حتى يرجع، كما جاء بكل ذلك السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثمة آداب يحتاجها من سلك هذا الطريق، لابد منها لتحصيل المقصود، من هذه الآداب:
أولاً: الإخلاص في الطلب، ففي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار. رواه الترمذي.
ثانياً: الصبر على الطلب وتحمل العناء فيه، فقد عقد الدارمي في سننه باب: الرحلة في طلب العلم واحتمال العناء فيه، وقال البخاري باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد.
ثالثاً: اختيار من يتعلم على يديهم، فقد قال الخطيب البغدادي: ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعُرِف بالستر والصيانة. وروى بسنده عن محمد بن سيرين قال: إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه. ورواه مسلم في المقدمة.
رابعاً: تجنب تلقي العلم من الكتب فقط، فقد قال الخطيب: ويكون قد أخذ فقهه من أفواه العلماء لا من الصحف.
وأورد عن سليمان بن موسى قال: لا تقرأوا القرآن على المصحفيين، ولا تأخذوا العلم من الصحفيين.
خامساً: التواضع، فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فلا أستطيع أن أسأله هيبة.
إلى غير ذلك من الآداب، فجدَّ في الطلب، والزم الأدب، وأسأل المولى تعالى التوفيق والسداد ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(9/691)
الخلاف السائغ في الأحكام جدير أن تتسع له الصدور
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا مسلم (مالكي) هل يجوز صلاة تحية المسجد مباشرة قبل صلاة المغرب؟ وأيضا ما بين الأذان والإقامة فهنا في المغرب تطرح هذه المشكلة بكثرة ويحدث نوع من المشادات بين المصلين.
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم حكم صلاة تحية المسجد في وقت الكراهة، وبين آذان وإقامة المغرب في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9389، 5276، 7392.
ونشير هنا إلى أنه لا يجوز للمسلمين أن يفترقوا ويتنازعوا في مسائل اختلف فيها العلماء والأئمة، بل أن الأمر في ذلك واسع، فمن أخذ بقول إمام فلا ينكر على من أخذ بقول الإمام الآخر ما دام الخلاف سائغاً، وليكن نصب أعيننا الدليل (كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) ، ولننبذ التعصب للأئمة والمذاهب، فنحن في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الألفة والمحبة والتعاون والاتحاد، لا إلى التنازع والفرقة والاختلاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1423(9/692)
أهم الخصال المطلوبة لمن أراد تحصيل العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي شروط العالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشروط التي يجب أن تتوافر في الشخص ليكون عالماً شرعياً تتمثل فيما يأتي:
1) إخلاص النية لله تعالى.
2) العلم بنصوص الكتاب والسنة ولا يلزم الإحاطة بها، ولكن يلزم أن تكون له القدرة على معرفة مظان فقه نصوص الكتاب والسنة ليرجع إليها عند الحاجة.
3) أن يكون عالماً بمسائل الإجماع.
4) أن يكون عالماً بلسان العرب، ولا يشترط الحفظ عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يكون متمكناً من استخراجها من مؤلفات الأئمة المعروفين.
5) أن يكون عالماً بأصول الفقه، وهو من أهم العلوم.
6) أن يكون عارفاً بالناسخ والمنسوخ.
7) أن يكون قد تلقى العلم على يد المشايخ، لأن هذا أضبط للعلم، وأبعد عن التخبط والتناقض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1423(9/693)
وصايا لمن أراد التفقه في دين الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد أن أتفقه في الدين رحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء في الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
وفي رواية في غيرهما: "إن العلم بالتعلم، وإن الفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء".
فلعل الله تعالى أراد بك خيراً، فامض في هذا المشروع المبارك، وليصحبك فيه أولاً: إخلاص النية لله تعالى، وقد قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5] .
وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وعن معاذ رضي الله عنه: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أوصني، قال: "أخلص دينك يكفك القليل من العمل" رواه الحاكم وصححه.
وبدون الإخلاص يكون العمل وبالاً على صاحبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلم علماً ما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً في الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني: ريحها. رواه أبو دواد وابن ماجه.
وعليك بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فإنها عون لك على طلب العلم والتفقه في الدين، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29] .
فمن اتقى الله تعالى جعل له ملكة وموهبة يفرق بها بين الحق والباطل.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله عندما شكا إلى شيخه وكيع بن الجراح سوء حفظه وعدم فهمه، فأوصاه بالتقوى، فقال في ذلك:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يؤتى لعاص
والحاصل: أن عليك أن تتقي الله وتخلص النية وتصحب شيخاً من أهل العلم، حيث تبدأ بصغار المتون وتتدرج إلى أن تصل مرادك، والله في عونك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(9/694)
العلوم الواجب على المسلم والمجتهد تحصيلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المسلم الإلمام بالعلوم الشرعية كلها من باب العلم مثل مصطلح الحديث وأصول الفقه وغيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجب على كل مسلم العلم بمصطلح الحديث وأصول الفقه ونحو ذلك، ولكن يجب على كل مسلم تعلم فروض الأعيان كالعلم بالله تعالى ورسوله، والصلاة والوضوء، والزكاة إن كان له مال، والتجارة إن كان تاجراً وهكذا، وعلى هذا النحو يحمل الحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه مالك وابن ماجه، وحسنه السيوطي.
وقد سبق الحديث عنه في الفتوى رقم: 11280.
ولكن هذه العلوم وأمثالها يشترط علم المجتهد بها، فيشترط في المجتهد أن يكون مسلماً مكلفاً صحيح الفهم عالماً بمصادر الأحكام من كتاب وسنة وإجماع وقياس وبالناسخ والمنسوخ وباللغة العربية والصرف والبلاغة وبأصول الفقه، لئلا يقول على الله بغير علم، فيضل ويِضل، ويفسد الناس بفتاويه المنحرفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1423(9/695)
المذاهب المقتفية للكتاب والسنة لا حرج في اتباع أي منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من فلسطين فأي مذهب أتبع وأريد أن أعرف كيف تم تقسيم المذاهب على المناطق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على العبد في هذه الحياة اتباع ما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله عز وجل: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] .
وخير من فهم هذا المنزل وعمل به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام رضوان الله عليهم، فقد زكاهم الله وشهد لهم بالإيمان وأخبر برضوانه عليهم وأكثر من الثناء عليهم في كتابه، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير الناس ثم القرن الذي يليهم ثم القرن الذي يليهم، فقال عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ولما أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة أخبرنا بأن النجاة من عذاب الله في اتباع ما كان عليه هو والصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلاَّ ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فالعصمة لمنهج الصحابة وما ساروا عليه، ثم تبعهم على ذلك أئمة الهدى كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأمثالهم من أئمة الدين الذين شهدت لهم الأمة بالعلم والاستقامة، فالسداد والاستقامة في اتباع هؤلاء القوم فنعم السلف كانوا والله، ويجب الحذر من المناهج المبتدعة والفرق الضالة التي لم يعرفها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأمر كما قال القائل:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
ومن أراد النجاة فعليه بالتمسك بالسنة وتكثير سواد أهلها، هذا إذا كان السؤال عن المذاهب العقدية وما أكثرها. وأما إن كان مقصود السائل السؤال عن المذاهب الفقهية فنقول: المذاهب الفقهية المعتبرة أربعة وهي: مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك ومذهب الشافعي ومذهب أحمد -رحمهم الله جميعاً-.
ومن أراد أن يتفقه فليتفقه على أحد هذه المذاهب بحسب توفر العلماء في بلده، وأما السؤال والاستفتاء فالواجب على الجاهل أن يسأل من عرف بين الناس بالعلم والدين فإن ذلك كافيه إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1423(9/696)
اشغل وقتك بما ينفع وروح عن نفسك بالمباح
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أنظم وقتي بين الدراسة واللعب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلم المسلم أن يحفظ وقته وأن يشغل نفسه بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ. رواه البخاري.
والوقت من أهم الأشياء التي سيسأل عنها المسلم يوم القيامة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. رواه الترمذي من حديث أبي برزه رضي الله عنه، وقال عنه حسن صحيح.
إلا أن للمسلم أن يروح عن نفسه بما هو مباح من اللعب.
وعليه، فلا حرج عليك أن تخصص لك وقتاً تروح فيه عن نفسك، بشرط أن يكون ترويحاً مباحاً، وأن لايصل إلى حد الإسراف، وأن لا يؤدي ذلك إلى تفريط في واجب أو تضييع لحق، وانظر في ذلك الفتوى رقم:
6496
ويمكن الاستعانة بالفتوى رقم:
5549 في تنظيم الدراسة وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/697)
المقاصد الشرعية المطلوبة في العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا أتعلم العلم لكي أعلمه للناس وليكون لدي العلم فهل هذا هو الصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى من يطلب العلم أن يطلبه عبادة خالصة لله ولا يرجو من ورائها إلا رضاه سبحانه، ولا يتوصل به إلى دنيا ولايتخلله رياء ولا سمعة، وإلا كان العلم وبالاً على صاحبه ووقوداً عليه في نار جهنم.
والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مشهور في أول من تسعر بهم جهنم ومنهم: ... وَرَجُلٌ تَعَلّمَ الْعِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ. فَأُتِيَ بِهِ. فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فالإخلاص في العلم شرط في قبوله، فعليك بالإخلاص في طلب العلم لله، ولا ينافي ذلك أن يطلبه الشخص ليعلم الناس، وليكون عالماً بدين ربه وما يقربه إليه لأن الكل من المقاصد الشرعية المطلوبة في العلم. وأما الفتيا بالفتاوى التي تعلمها فلا ينبغي لك إلا أن تكون عالماً أو ناقلاً للفتوى كما هي دون تبديل أو تحوير، وانظر في ذلك الفتوى رقم:
14585 16518.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/698)
بيان الخطأ مع التزام الأدب
[السُّؤَالُ]
ـ[1-يأتي بعض الناس ليلقي درساً ما ويبين أنه على صواب ويقوم بالاعتداء المبرح على بعض المشايخ والعلماء (حتى لو كانوا على خطأ) ما حكم الشرع من هذه المسألة00أفيدوني جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطعن في أهل العلم والانتقاص لهم غير جائز شرعاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ورحم الله أبا القاسم الحافظ بن عساكر القائل: (لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة) .
وأما بيان خطأ العالم -إن أخطأ- مع التزام أدب الرد فليس في ذلك ما يعاب عليه فاعله، فإن العلماء لم يزل يرد بعضهم على بعض وكتبهم مملوءة بذلك.
وما من أحد من الناس إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن تخلط بين إجلال أهل العلم وتوقيرهم وبين قبول كل ما يقولونه، فالحق أحق أن يتبع، والخطأ يرد على صاحبه مع التزام آداب الرد، وبهذا يعطى كل ذي حق حقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1422(9/699)
حكم استضافة من يطعن في العلماء الثقات
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد استضفت أحد الدعاة إلى الله المعروفين فى الجزائر إلى منزلي علماً بأن هذا الداعية تكلم فى شيخنا العثيمين رحمه الله قال: بأن الشيخ العثيمين لا يعرج على المنهج لا من قريب ولا من بعيد هذا كلام الداعية أما الشيء الذي يهمني أن بعض أصحابي هجروني وهذا الفعل جعلني أبغض جميع أصحابي أرجو الرد فى أقرب وقت؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قول هذا الداعية في الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى (لا يعرج على المنهج لا من قريب ولا من بعيد) قول باطل يجب على قائله الكف عنه، والتوبة منه، فإن هذا طعن في العلماء بالباطل وانتقاص لهم بالتشهي والهوى، ونرشد قائل هذا الكلام إلى أن يتدبر قول أبي القاسم الحافظ بن عساكر رحمه الله تعالى: إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة.
فالشيخ العثيمين - رحمه الله تعالى - من العلماء البارزين، والمشاهير المعروفين بالتمسك بالعقيدة الصحيحة، والسير على منهج السلف الصالح رحمهم الله، وكان يبذل جهوداً لا تخفى في تعليم العلم النافع، والدعوة إلى الله، نحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً مع اعتقادنا أنه ليس معصوماً، بل قد يقع منه الخطأ كسائر البشر، نسأل الله التوفيق والسداد، واستضافة من يطعن في العلماء لا تجوز إلا لمصلحة، كأن يكون من استضافه عنده رسوخ في العلم، فينصحه ويناقشه بالحسنى لعله يرجع إلى الحق.
أما استضافته إكراماً له وتقريراً لما هو عليه من الباطل، فلا تجوز، ولا بأس من هجر من فعل ذلك إذا كان الهجر يؤدي الغرض منه، وهو زجر المهجور، وحمله على الكف عما فعل، والواجب عليك هو أن تبين لإخوانك المقصد من استضافة هذا الشخص، وتتبرأ مما هو عليه لتعود المودة والألفة بينك وبين إخوانك.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1422(9/700)
إهانة العلماء وتحقيرهم حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[صدر كتاب في عنوانه إطلاق اسم (الكلب العاوي) على العلامة الشيخ القرضاوي حفظه الله ورعاه من كل شر، فهل هذا من الإسلام أن يطلق على العالم المسلم لقب الكلب العاوي والعياذ بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز إطلاق هذا الوصف على أحد من العلماء أو الدعاة، بل ولا يجوز إطلاقه على أي مسلم.
ويجب احترام العلماء وتوقيرهم، وإحسان الظن بهم، ولزوم الأدب في نقاشهم أو الرد عليهم.
وإهانة العلماء وازدراؤهم -مع كون ذلك محرماً- يهون من قيمة العلم وأهله، ويجرئ العامة على ترك التعلم، والعزوف عن مجالس العلماء، وربما قادهم ذلك إلى نبذ الدين رأساً.
والله المستعان.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1422(9/701)
تنظيم مقترح لاغتنام الأوقات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبعد
أرجو منكم أن تحلوا لي مشكله تنظيم الوقت بين الدين والدراسة ووضع برنامج محدد للوقت أضيعه وأنفذه لتحقيق الأهداف الموجه
وذلك وفق البيانات التالية:
أنا طالب في المدرسة بالصف الثاني ثانوي يبدأ الدوام الدراسي الساعة السابعة حيث أستقيظ من النوم الساعة6
وأرجع من المدرسة في الساعة الواحدة والنصف مساءاً وبعد نصف ساعة يكون موعد النوم وكما تعلمون الصف الثاني ثانوي مرحله انتقالية هامة لتحديد المستقبل ويحتاج إلى وقت كبير للدراسة ووقت كافٍ من النوم والعبادة
مثلاً ماذا أفعل بعد الغداء كأخذ قسط من الراحة مده.........ومن النوم...... ووقت للدراسة..........والعبادة ووقت النوم الطبيعي والمناسب ليلاً والاستيقاظ صباحا مع مراعاة صلاة الفجر
اعذروني للإطالة عليكم ولكن لأهمية السؤال وكما إنني على وشك بداية العام الدراسي الجديد ولأهمية هذا البرنامج في الحياة والدين كما أني أصلي جميع الصلوات في المسجد
وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك ويعينك فيما أنت فيه من الخير، ولا شك أنك بحاجة إلى الاجتهاد والمثابرة، وبذل الوسع في دراستك وتحصيلك كما أنك _والجميع _ بحاجة إلى تحصيل الحد الأدنى من المعارف الشرعية اللازمة لسعادة الإنسان وراحته وطمأنينته.
ولذلك نشير عليك بتخصيص الوقت ما بين العصر والمغرب وما بعد العشاء غالباً لمذاكرة دروسك.
وأن تجعل ما بين المغرب والعشاء وقتاً تخلو فيه بنفسك، تالياً كتاب الله تعالى، أو حافظاً له، أو قارئاً بعض الكتب النافعة.
وأن تختار ساعة أو ساعتين في الأسبوع تجعلها للقاء إخوانك وأحبابك الصالحين تجتمع معهم على شيء من طاعة الله، أو اللهو المباح.
وألا تحرم نفسك من حضور درس أو محاضرة أسبوعية، وأن تجعل لنفسك ورداً من قيام الليل، ولو نصف ساعة قبل نومك.
وهذا كله إلى جانب مساعدة الأهل وقضاء بعض حوائجهم. واعلم أن التوفيق بيد الله تعالى، وأن أعظم أسبابه تحقيق مرضاة الله وطاعته، ولزوم الاستقامة في الأقوال والأفعال، والبعد عن المحرمات والآثام. وكم من مستقيم حَصَّلَ في وقت يسير أضعاف ما يحصله غيره في وقت أطول، وهذا مشاهد ومعروف، وهو ثمرة من ثمرات الطاعة، فإن الله مع المتقين والمحسنين والصالحين، ومن كان الله معه فهو مسدد موفق، يبارك له في وقته وفي فهمه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياك من عباده الصالحين.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/702)
طرق تحصيل العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي خطوات طلب العلم؟ وما هي أهم الركائز للحصول على علم أوفر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
طلب العلم الشرعي من أهم ما يعتني به الشخص في حياته، إذ بالعلم الشرعي تعرف الأحكام ويعبد الله على علم وبصيرة. ولتعلم أخي الكريم أن العلم الشرعي يزكو به صاحبه وتعلو مكانته. ويرفع الله به درجته ويزيده العلم خشية وورعاً وتقوى لله سبحانه وتعالى. وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يسأل ربه الزيادة من العلم. كما قال تعالى في سورة طه: (وقل رب زدني علماً) [طه: 114] . فعلى من أراد السير على هذه الطريق أن يستحضر دائماً النية والإخلاص لله سبحانه وأن يعرف للعلماء المتقدمين من السلف المكرمين حقهم فلا يغمزهم ولا ينبزهم ولا يذكرهم إلا وترحم عليهم، وكذلك يعرف لعلماء عصره حقهم ويراعي الآداب معهم ويستنير بتوجيهاتهم وإرشاداتهم وأن يدعو لهم بخير. ثم على طالب العلم أن يبدأ بالأهم فالمهم من العلم فيبدأ بحفظ شيء من القرآن مع قراءة كتاب تفسير مبسط حتى يعرف معاني ما يقرؤه ثم بمختصر بسيط في العقيدة ثم بمختصر معه آخر في الفقه ويركز على الأحكام المعلقة بحياته اليومية كالصلاة والطهارة ويتقن أحكامهما ثم إن أحب أن يتوسع ويزداد فله ذلك ومن المهم أيضا أن يتعلم الشخص ما يقوم به لسانه فيتعلم اللغة العربية ويبدأ بالآجرومية وشرحها التحفة السنية فإن علم اللغة مما لا يستغنى عنه وقد فرط فيه كثير من الناس وهذا باب واسع وبحر لا ساحل له وأوله صعب وآخره سهل. ... ومما يجدر التنبيه عليه أن طلب العلم لا بد له من صبر ومصابرة وصحبة مدرس وشيخ عالم وصديق مجتهد حتى يعين السالك على طريقه.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1421(9/703)
كتم العلم غير جائز.
[السُّؤَالُ]
ـ[من تعلم العلم هل يصبح نقله للآخرين فريضة على المتعلم حتى لو كان القصد منه التعلم للعبادة الصحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من علم من العلم شيئاً ثم كتمه عن الناس مع حاجتهم إليه، فقد ارتكب ذنباً عظيماً لقوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) . [البقرة:159] وهذه الآية - وإن نزلت في اليهود فإنها عامة في كل كاتم، إذ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وقد نص العلماء على أن الكتم الملعون صاحبه على نوعين:
أ - تارة يكون بمجرد إخفاء المعلوم وستره مع مسيس الحاجة إليه وتوفر الداعي إلى إظهاره.
ب - وتارة يكون بإزالته ووضع شيء آخر موضعه.
- ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم وكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة ". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة وغيره، وقوله أيضاً: " بلغوا عني ولو آية ". رواه البخاري. من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، و"بلغوا": أمر، والأمر محمول على الوجوب ما لم يرد ما يصرفه إلى الندب، ولا صارف له هنا خصوصاً فيما دعت الحاجة إليه.
فالحاصل أن من علم من دين الله شيئاً، فإنه يجب عليه أن يعلمه لكل من كان ذا حاجة إليه، سواء تعلمه في الأصل لمجرد أن يعمل به أم لا؟ ثم ننبه السائل إلى أن بث العلم من الأعمال التي لا تنقطع بموت صاحبها، فيظل أجره سارياً عليه ما دام هنالك من يعلمه أو يعمل به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/704)
كتب يوصى طالب العلم المبتدئ بقراءتها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: أنا شاب أبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما وأكثر هذه السنين كان وللأسف في معصية الله وأسأل الله أن يغفر لي كل ذنوبي بعد أن من علي برحمته وهداني. أنا الآن أطلب العلم الشرعي ولكن لا أعرف من أين أبتديء وما الذي يجب علي أن أتعلمه أولا؟ ولو تفيدوني بأسماء بعض الكتب التي يجب علي أن أحفظها في (العقيدة والفقه والحديث ……) أعني المختصرات مع العلم بأنني على المذهب المالكي. أفيدوني أفادكم الله لأنني لا أعرف بماذا أبدأ وقد قرأت مقولة تقول (من ضيع الأصول، حرم الوصول) وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الهدى والاستقامة على الخير. وأن ييسر لنا ولك تحصيل العلم النافع والعمل به كما يحب ربنا ويرضى، والذي ننصحك به في طلب العلم الشرعي هو أن تخلص النية فيه أولاً لله تعالى وأن تستعين به، وأن تلازم شيخاً ورعاً سليم المعتقد عالماً بما يدرس وأن تبدأ في كل فن بالمختصرات.
أما في العقيدة فنحيلك إلى جوابنا السابق تحت الرقم: ... ... ... ... ... ...
4412
وأما في الفقه المالكي فيمكنك أن تدرس مختصر الأخضري في فقه الطهارة والصلاة، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني أو نظم الكفاف لمحمد مولود الشنقيطي، واعلم أن كتب الفروع لا تخلو من مسألة يكون خلافها هو الراجح دليلاً، لذلك ينبغي لمن درسها أن يسأل عن أدلة المسائل فيها، ويتحرى ما رجح دليله وإن خالف مشهور المذهب،. فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في الحديث فيمكنك أن تدرس في المصطلح: البيقونية، أو نخبة الفكر أو أحد أنظامهما. وفي فقه الحديث فيمكنك أن تدرس العمدة للحافظ المقدسي، أو بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، أو منتقى الأخبار لأبي البركات ابن تيمية جد شيخ الإسلام، وهو الذي شرحه الشوكاني بكتابه نيل الاوطار، وعليك بمطالعة كتب السنة الأصول كالصحيحين والسنن الأربعة والموطأ والمسند، واحفظ ما استطعت أن تحفظ من ذلك.
وأما في أصول الفقه فيمكنك أن تدرس الورقات لإمام الحرمين الجويني، أو أحد الأنظام التي نظمتها.
ولا بد لطالب العلم أن تكون له مشاركة جيدة في علوم العربية من نحو وصرف وبلاغة فادرس من ذلك مختصرات نافعات كالمقدمة الآجرومية أو ملحة الإعراب للحريري ولا مية ابن مالك، وإن استطعت أن تتوسع لتدرس ألفية ابن مالك في النحو والصرف معاً فذلك الأولى، وفي البلاغة تدرس الجوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون للأخضري.
وفي الختام نوصيك بتقوى الله العظيم فهو زاد طالب العلم وعدته التي لا يستغني عنها، ونؤكد عليك بالسعي في حفظ كتاب الله تعالى وإعطائه أولوية فهو رسالة الله إلى الخليقة، وفيه الهدى والنور، وهو منبع كل علم نافع، وعليك أن تتعلم تجويده وقراءته على شيخ حاذق عارف بذلك، ولازم كتب التفسير المعتمدة كابن كثير والقرطبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1422(9/705)
ينظم المسلم وقته على حسب ماتقتضيه مصلحته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أفضل تقسيم للوقت ليتبعه الإنسان ليوفق ما بين الدنيا والآخرة؟ أقصد ترتيب مابين العبادات والأمور الدنيوية كطلب العلم مثلاً؟ أرجو إِعطائي تنظيما معينا يعينني على الدنيا والآخرة بإذن الله؟ أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: ...
فهذه المسألة التي تطرقها تختلف من شخص لآخر وبحسب عمله وبحسب حاله هل هو متزوج أم لا؟ هل هو طالب دراسة أم لا؟ وغير ذلك فلا أحد يستطيع أن يعطيك برنامجاً، وأنت تسير عليه لكن الذي أحب أن أنبهك إليه ما يلي: 1: اجلس مع نفسك وبيدك ورقة واكتب أولاً جميع الأشغال (المهمة) الاعتيادية في يومك فمثلاً إذا كنت طالب مدرسة فقل مثلاً، من الساعة السابعة إلى الواحدة – في المدرسة وبعدها الغداء ثم النوم،ثم القيام بعد العصر بمراجعة الدروس وكتابة الواجبات، بعد المغرب (فراغ) بعد العشاء (فراغ) بعد الفجر (فراغ) . إذاً عندك ثلاثة أوقات هي التي بإمكانك استغلالها فأشغلها بما تحبه فبعد المغرب لحفظ المتون وبعد العشاء للدروس وسماعها، وبعد الفجر مراجعة وحفظ ما تيسر من كتاب الله. وحبذا لو تحدد لك كتاباً معيناً تشتغل به قراءة وحفظاً ومراجعة ودراسة على يد شيخ وإياك والتنقل من كتاب إلى كتاب وأنت لم تنته من الكتاب الأول – وحبذا أيضاً لو قمت بتوزيع عدد أوراق الكتاب على أيام السنة بعد ما تخرج منها أيام الامتحانات وأيام العطل كالعيدين والعشر الأواخر من رمضان، فما صفا لك من أيام قسم الكتاب عليه وسترى بعد ذلك النتيجة الجيدة إن شاء الله وهذه ملامح عامة وأنصحك بكتابين: عجز الثقات لمحمد عقيل موسى و (حتى لا تكون كلاً) للدكتور عوض القرني.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/706)
حكم الأكل من بيت الأخ من غير علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم أخذ الأكل من بيت الأخ أو الأخت خفية دون علمهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأكل من بيت الأخ جائز إذا علم أن نفسه تسمح بذلك، وأما إذا لم تسمح فلا يجوز الأخذ من ماله دون علمه، ويدل للجواز قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون. {النور:61} . ويدل للمنع إن علم عدم الإذن قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه الإمام أحمد. وراجع في ذلك الفتويين: 38223، 100520.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1430(9/707)
لا تحب أن تشرب من كأس أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لا أحب أبدا أن أشرب من كأس أحد أو آكل من طعام قد مسه أحد قبلي، وأتجنب استعمال أدوات قد استعملت من قبل أي شخص آخر. هل يعتبر ذلك إثما؟ علما بأن ذلك يسري على الكل أقصد حتى أهلي، مع العلم بأني أقول ذلك بشكل لطيف وغير جارح، وبأني يعلم الله لا أفعل ذلك على سبيل التمثيل أو التعالي ولكن نفسي تأبى ذلك.
وهل أأثم إن فعلت ذلك مع أبي وأمي- أقصد لا أشرب من أكوابهم بل أستعمل كوباً خاصاً بي-وأقسم بالله أني أفعل المستحيل لكي أبر أمي وأبي وأنال رضاهم ولكن فى هذا المجال- أدوات الآخرين- لا أستطيع.أرجو الإجابة عن سؤالي لأنه يؤرقني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وكان من هديه عليه الصلاة والسلام ترك التكلف، وقد كان يشرب من موضع شرب زوجته وهي حائض. روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ. (الْعَرْقَ: الْعَظْم الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّة مِنْ لَحْمٍ, وَتَعَرَّقْتَ العظم: أَخَذْت عَنْهُ اللَّحْم بِأَسْنَانِك)
فننصح بحمل نفسك على ترك ذلك التكلف، لا سيما إذا تسبب في تغير مشاعر الآخرين ـ وخاصة والديك ـ تجاهك.
وأما بالنسبة للإثم فلا تأثمين بذلك إن شاء الله، ما دام ذلك أمرا جبليا فيك ليس على سبيل التعالي والتكبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(9/708)
داءالسمن.. والكيفية المثلى للتخص منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السمنة منهي عنها أو مكروهة؟ وكيف أنقص الوزن على الطريقة النبوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسمنُ لا يُذم بإطلاق، وإنما يُذمُ منه ما كان ناشئاً عن الانهماك في الدنيا، والتوسع في الملذات، والعكوف على الشهوات، وهي بهذا الاعتبار منهيٌ عنها، لأن النهي عن تعاطي أسبابها يستلزم النهي عنها، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يأتون بعد القرون الفاضلة، ممن لا يكونُ لهم همٌ إلا تحصيل الشهوات العاجلة، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن.
وأما ما كان من السمنُ بغير اكتساب العبد واختياره، كأن كان خلقة خلقه الله عليها، فليس هو مذموماً ولا منهيا عن، لأنه ليس تحت مقدور العبد.
ولذلك قال السيوطي في شرحه على مسلم: ويظهر فيهم السمن أي كثرة اللحم أي يكثر ذلك فيهم استكسابا لا خلقة. انتهى.
وقال القاضي في المرقاة: قال التوربشتي: كنى به – أي بقوله ويظهر فيهم السمن - عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين، فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس، بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم. وفي شرح مسلم: قالوا والمذموم من السمن ما يستكسب، وأما ما هو خلقة فلا يدخل في هذا. انتهى.
والمطلوب من كل مسلم أن يحذر أسباب هذا السمن من الترف الزائد، والإسراف في تناول الشهوات.
قال الحافظ في الفتح: قوله: ويظهر فيهم السمن أي كثرة اللحم، ووجه كونه عيبا أنه يحصل من كثرة الأكل وليس من الصفات المحمودة. انتهى.
وقال أيضاً: وإنما كان مذموما لأن السمين غالبا بليد الفهم ثقيل عن العبادة كما هو مشهور. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالسِّمَن يظهر من كثرة الإِرفاه؛ لأن الذي لا يُترِفُ نفسه لا يسمن غالباً، وهذا يدلُّ على أنَّ كثرة التَّرف، ليست من الأمور المحمودة. انتهى.
وأما سؤالك عن طريقة إنقاص الوزن على الطريقة النبوية، فاعلم أن أهم مقصد يعتني به المسلم، هو صلاح قلبه، وأن يقبل به على ربه عز وجل، وما أفضى إلى ذلك من الأسباب، فإن العبد يجتهد في الأخذ به، ومن ذلك التقلل من الدنيا، وأن يأخذ العبد منها ما يتبلغ به في سفره إلى الله والدار الآخرة.
ثم اعلم أيضاً أن صلاح الأبدان، واستقامة أمرها كائنٌ في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فمهما حرص العبد على ذلك حصل له الخير في دينه ودنياه، ومن ذلك ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتدال في المطعم والمشرب، فلا ينتقص الإنسان منه انتقاصاً يضر ببدنه، ولا يتوسع فيه توسعاً يفضي به إلى ألا يكون له همٌ إلا بطنه، وحظ نفسه من الشهوة، فروى الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبَه، فإن كان لا محالة، فثُلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفَسِه.
فهذا من أنفع شيء لصلاح البدن، وكونه على هيئة معتدلة، فعلى المسلم أن يجتهد في تطبيق هذه الوصية النبوية لما فيها من النفع، ثم عليه أن يحرص على النافع من الأغذية، فإنه هو الذي ينتفع به البدن. و
هذا فصلٌ نافع في معنى هذا الحديث نسوقه من كلام ابن القيم رحمه الله: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم فى الاحتماء من التخم، والزيادة فى الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذى ينبغي مراعاته في الأكل والشرب
في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلا في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير. ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع، فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن. هذا إذا كان دائما أو أكثريا. وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم من اللبن حتى قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا، وأكل الصحابة بحضرته مرارا حتى شبعوا.
والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته. انتهى بتصرف.
ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا للتعرف على الكيفية المثلى للتخلص من السمن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(9/709)
حكم الدعاء بالشفاء والصحة للشخص الذي شرب
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت بيننا عبارة: بالشفاء. بعد شرب الماء، فهل يعتبر ذلك بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود السؤال عن حكم الدعاء بالشفاء والصحة للشخص الذي شرب. فالجواب أن الدعاء مشروع على العموم، وقد أورد الشوكاني في خصوص الشارب أنه يدعى له عقب الشراب فيقال له: هنيئاً مريئاً. وهذا مستنبط من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: هو أهنا وأمرأ وأبرأ. رواه أبو داود وغيره عن أنس بن مالك.
وعليه؛ فإن هذا لا يعتبر من البدعة، وقد بينا تعريف البدعة، وأقوال أهل العلم فيها، فانظره في الفتوى رقم: 17613، هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة، وذلك في الفتوى رقم: 116742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(9/710)
ما يقال للشارب عقب شربه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحسن الله إليكم قرأت في كتاب نيل الأوطار كلاما نقله الشوكاني عن ابن رسلان وأود التأكد من صحته ومن صحة الحديث الذي استدل به حيث قال في شرحه لكتاب الأشربة: قال ابن رسلان في شرح السنن: وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشراب فيقال له عقب الشراب هنيئًا مريئًا، وأما قولهم في الدعاء للشارب صحة بكسر الصاد فلم أجد له أصلًا في السنة مسطورًا بل نقل لي بعض طلبة الدمشقيين عن بعض مشايخه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال للتي شربت دمه أو بوله صحة فإن ثبت هذا فلا كلام انتهى، وإذا كان غير صحيح فهل هذا من كلام الصوفية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلام الشوكاني الذي نقلته الأخت السائلة بالحرف يتضمن حديثين، فالحديث الأول الذي استنبط منه العلماء ما يدعى به للشارب -كما جاء في نيل الأوطار- فيقال له: هنيئا مريئا.. حديث صحيح رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني، ولفظه: عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثا، وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ. وهذا الاقتباس واضح. وهو في صحيح مسلم بلفظ: أروى وأبرأ أو أمرأ.
وأما الحديث الثاني الذي جاءت الإشارة إليه فهوحديث شرب بركة (أم يوسف) لبوله صلى الله عليه وسلم، وهو مذكور في كتب السير وغيرها.
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: حديث أن أم أيمن شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إذاً لا تلج النار بطنك، ولم ينكر عليها. رواه الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطني والطبراني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن وساق الحديث بطرق كثيرة وروايات مختلفة وتكلم على بعض رواته ثم قال بعد ذلك: وله طريق أخرى رواها عبد الرزاق عن ابن جريج، وفي بعضها: قالت: شربته، قال: صحة يا أم يوسف -وكانت تكنى أم يوسف- فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه.
وأشار الحافظ إلى ضعف الرواية الأولى، والرواية الثانية لم يحكم عليها؛ لكن قد حكم عليها الشيخ الألباني بالضعف كما في السلسلة الضعيفة.
وعلى هذا؛ فهذا حديث ولكنه ضعيف كما قلنا، ولا علاقة له بكلام الصوفية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(9/711)
تتقيأ الطعام بعد أكله خوفا من السمنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأفاضل، أشكركم على جهودكم وجعلها الله في ميزان حسناتكم ...
أما بعد، إخواني أنا أعاني من مشكلة نفسية ألا وهي أني أستفرغ عمدا بعد كل وجبة أتناولها، أعلم أن هذا الأمر حرام لأنها نعمة الله، ولكن لا أستطيع أن أقاوم ولا أستطيع تحمل الطعام في معدتي وخصوصا إن كان في أوقات الصباح أو المساء، قبل البدء في الطعام أكون على علم بأني سوف أستفرغ وعليه أتناول وأتناول الطعام حتى أمتلئ، أنا نحيلة الجسد ولكن قبل 6 سنوات كنت بدينة وبعدما خسرت الوزن، أصبحت لدي عقدة زيادة الوزن، لا أدري إن كنت أستطيع التغير، كثيرا ما أستغفر الله وأنوي ألا أعاود هذا الأمر ولكن يحدث أحيانا رغما عني وأنا لا أتناول طعاما صحيا بتاتا ولا أهتم بالطعام وفي أوقات معينة لا أتناول الطعام لفترات طويلة خوفا من الاستفراغ ومن البدانة.
ما الحل إخواني، أريد شيئا يردعني، حديث، آية، أجعلها نصابا عيني حتى أستطيع مقاومة هذا المرض والذي جعل صحتي سيئة.
ولكم التحية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففقد ذكرت السائلة الكريمة علمها بحرمة ما تفعله، وهو كذلك إن كان الفعل بإرادة منها وقصد ولم يكن ذلك لدفع ضرر لا يمكن دفعه إلا بذلك، وقد سبق بيان حكم تقيؤ الطعام هربا من السمنة وما فيه من الجنايات العديدة، في الفتوى رقم:، 20991، والفتوى رقم: 33519.
والعلم بالحرمة كاف لإدراك خطر العقوبة التي تنتظر العاصي، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30} وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {يونس: 23} .
ثم من العجيب أن تأكل امرأة مسلمة لتتقيأ، وهي تعلم أن هناك من المسلمين من لا يجد من الخبز الجاف ما يسد به جوعه!! وأن هناك من المسلمات من تسقط حملها بسبب سوء التغذية!! وفي هذا وحده رادع لمن كان له قلب حي.
ثم اعلمي أختي الكريمة أن الله تعالى كما يبتلي الفقير الفاقد ليرى صبره، كذلك يبتلي الغني الواجد ليرى شكره وحسن استقباله لنعمه واستعماله لها، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الانبياء:35} وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام:165} فإياك والبطر والكفر بنعمة الله، فإنه بذلك تزول النعم وتحل النقم، كما قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {النحل:112} ، وقال عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ {القصص:58} .
فعليك أن تتقي الله وتشكري نعمة الرزق، وقد سبق بيان كيفية شكر النعم وقواعده في الفتوى رقم: 73736، كما سبق بيان كون شكر النعمة يقتضي عدم العبث بها، في الفتوى رقم: 12981.
واعلمي كذلك أن إضاعة المال والتبذير والإسراف كلها أفعال ذميمة ومحرمة، ولا تؤدي بصاحبها إلا إلى الضياع ومحق البركة، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 50261، 31942.
وأخيرا.. أختي الكريمة عليك أن تتذكري حال النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ النُّعْمَانُ بْنَ بَشِيرٍ: ذَكَرَ عُمَرُ رضي الله عنه مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنْ الدُّنْيَا فَقَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ دَقَلًا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَ هُ.
وقال في رواية: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ، وَمَا تَرْضَوْنَ دُونَ أَلْوَانِ التَّمْرِ وَالزُّبْدِ ". رواه مسلم وأحمد. والدقل هو التمر الرديء اليابس.
وبإمكانك أن تعرضي نفسك على أطباء ثقات عسى أن يكون ما بك بسبب مرض معين فيصفوا لك الدواء الشافي بإذن الله تعالى، وقبل ذلك وبعده اسألي الله تعالى العافية والتوفيق لما يحب ويرضى وأن يبعدك عما يسخطه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(9/712)
القدر الذي يبلغ به المسلم حد الاعتدال في الأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن رسول الله نصح المسلمين إلى التقليل من الأكل وحصره في لقيمات ... هنا أريد أن أعرف ماهي الكمية المقصودة باللقيمات، فما جربت ذلك إلا ضعفت وهزلت وقل تركيزي رغم أني لا أرى أني أنقصت كثيراً في كمية الطعام، وما زدت في الأكل في حدود المعقول طبعا إلا زادت قوتي، ولا أظن أن الرسول حاشاه كان ضعيفا أو هزيلا أو قليل التركيز، فما هو الحد الأدنى المقصود باللقيمات، أو ربما طاقة الإنسان تختلف، عندها لا يمكننا تعميم الحديث، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله في العموم حسب ابن آدم"?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يطلب الاجتزاء به من الطعام هو القدر الذي يحافظ به المسلم على قوته، قال المباركفوري في شرح سنن الترمذي عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، قال: (يقمن صلبه) أي ظهره (وهو) كناية عن أنه لا يتجاوز ما يحفظه من السقوط ويتقوى به على الطاعة ... انتهى.
ويدل لتأكيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. رواه مسلم.
فترك الأكل أو تخفيفه المؤدي لضعف الإنسان وقلة تركيزه ليس مكلفاً به، وإنما يتعين الوسط والبعد عن السرف عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة. رواه البخاري معلقاً وابن ماجه والنسائي وأحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(9/713)
حكم أكل الثمر الساقط من حديقة الجار
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أني أريد أن أعرف هل حلال أم حرام أن آكل من ثمر يسقط في حديقتي من شجرة الجيران؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أنه لا يجوز أكل هذه الثمار لكونها ملكاً للغير إذ لا يجوز الأكل من ملك الغير إلا بإذنه، لأن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ.. {البقرة:188} ، واستثنى الشرع ما تتسامح به النفوس عادة مثل أن يمر ببستان غيره فيأكل منه، قال في المغني: من مر ببستان غيره يباح له الأكل منه، من غير فرق بين أن يكون مضطراً إلى الأكل أو لا، ومحل ذلك إذا لم يكن للبستان حائط، أي جدار يمنع الدخول إليه لحرزه، لما في ذلك من الإشعار بعدم الرضى. وأصل جواز ذلك ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم حائطاً فأراد أن يأكل، فليناد يا صاحب الحائط ثلاثاً، فإن إجابه وإلا فليأكل.
وأما بخصوص مسألتك فالذي يظهر لنا رجوعها إلى ما جرت به العادة هناك من مشاحة أو مسامحة والعمل بمقتضى ذلك، والورع تجنب الأكل منها إلا إن علم طيب نفس الجار بذلك أو أذن فيه.
قال النووي في المجموع: وحكم الثمار الساقطة من الأشجار حكم الثمار التي على الشجر إن كانت الساقطة داخل الجدار وإن كانت خارجة فكذلك إن لم تجر عادتهم بإباحتها فإن جرت فوجهان أحدهما لا يحل كالداخلة وكما إذا لم تجر عادتهم لاحتمال أن هذا المالك لا يبيح (وأصحهما) يحل لاطراد العادة المستمرة بذلك وحصول الظن بإباحته كما يحصل تحمل الصبي المميز الهدية ويحل أكلها.
وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 51744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(9/714)
هدي النبي في الطعام أنفع الهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يستطيع الإنسان أن يتحكم بشهوته في تناول الطعام الكثير وأن يقتنع بكمية قليلة.. أرجو الإجابة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يجاهد نفسه للتحكم في هواه وشهواته النفسية والبدنية؛ فقد حذرنا الشرع من اتباع الهوى والشهوات ومن الإسراف في الأمور كلها وأمرنا بالاعتدال والتوسط.. فقال تعالى:.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف: 31} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن ادم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
فإذا علم المسلم تعاليم دينه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم في الطعام.. فإن اتباع ذلك من أهم ما ينفعه في التغلب على شهوته والتحكم فيها عند تناول الطعام، وإذا زادت شهوة الطعام عن المعتاد وظل المرء لا يقنع إلا بتناول الكثير من الطعام فإننا ننصح في ذلك باستشارة أهل الاختصاص من الأطباء.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتوى رقم: 19064، والفتوى رقم: 52393.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(9/715)
حكم من أكل مع جماعة ولم يدع جماعة أخرى إلى طعامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شخص يأكل في جامع مع مجموعة ويترك إخوانه الآخرين بدون أن يدعوهم إلى الطعام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يأثم الشخص الذي أكل مع جماعة ولم يدع جماعة أخرى إلى طعامه، وإن كان ما فعله منافيا لمكارم الأخلاق ما لم يوجد مانع من ذلك، بل الأولى أن تكون دعوته شاملة للجميع ولا يترك البعض لما قد يترتب على ذلك من تنافر وكراهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(9/716)
حكم إلقاء بقايا الطعام في البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا بقي شيء قليل من الطعام وكنت بجانب البحر هل يمكنني أن ألقيه فيه في هذه الحالة، وما هو حكم إلقاء الطعام في البحر بشكل عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا بقيت من الطعام بقية ولم يمكن الاحتفاظ بها والاستفادة منها ولو بالتصدق بها على المحتاجين فيما بعد أو إعطائها للحيوانات فإنه لا بأس برميها والتخلص منها، ولا فرق بين أن ترمى في البحر أو غيره مما لا يعتبر إهانة للطعام.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 79104، والفتوى رقم: 78542.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/717)
حكم الأكل من الطعام الذي يقدم في عرس غير شرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أكل الطعام الذي يقدم في الأعراس غير الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأكل من هذا الطعام الأصل فيه الحل إلا أن يكون مما حرمه الله، لكن الحرام هو الحضور ذاته، إذا كان فيها ما هو محرم شرعاً ولا يقدر الإنسان على تغييره، لما في ذلك من إقرار ظاهر لأهل الباطل على باطلهم، والرضى بالمنكر منكر ... وراجع الفتوى رقم: 22806، والفتوى رقم: 131.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(9/718)
حكم مضغ الأكل في الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مضغ الأكل أو العلك بدورة المياه (الحمام) أكرمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحمام ليس مكاناً للأكل كما هو معلوم، والأكل فيه يعتبر من خوارم المروءة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 52863 وعليه فلا ينبغي الأكل فيه من غير حاجة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(9/719)
الشرب قائما أم قاعدا
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أنه من السنة شرب الماء وأنت جالس ما عدا ماء زمزم فيستحب شربه وأنت واقف.. فما صحة هذا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من السنة الشرب قاعداً بما في ذلك ماء زمزم، وما ثبت من شربه صلى الله عليه وسلم قائماً من زمزم فللحاجة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن السنة الشرب قاعداً، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه شرب من زمزم قائماً، وكان ذلك للحاجة، ففي زاد المعاد لابن القيم: وكان من هديه الشرب قاعداً، هذا كان هديه المعتاد، وصح عنه أنه نهى عن الشرب قائماً، وصح عنه أنه أمر الذي شرب قائماً أن يستقيء، وصح عنه أنه شرب قائماً، قالت طائفة: هذا ناسخ للنهي، وقالت طائفة: بل مبين أن النهي ليس للتحريم، بل للإرشاد وترك الأولى، وقالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلاً، فإنه إنما شرب قائماً للحاجة، فإنه جاء إلى زمزم وهم يستقون منها، فاستقى فناولوه الدلو، فشرب وهو قائم، وهذا كان موضع حاجة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1429(9/720)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شرب أكثر من فرد من إناء واحد؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
شرب عدة أشخاص من إناء واحد مباح لفعل الصحابة ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يباح شرب عدة أشخاص من إناء واحد، ويدل لهذا ما في البخاري أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: (يا أبا هر) . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (الحق) . ومضى فاتَّبعته، فدخل، فأستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبناً في قدح، فقال: (من أين هذا اللبن؟) . قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر) . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي) . قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة
الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: (يا أبا هر) . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (خذ فأعطهم) . قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليَّ فتبسم، فقال: (أبا هر) . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (بقيت أنا وأنت) . قلت: صدقت يا رسول الله، قال: (اقعد فاشرب) . فقعدت فشربت، فقال: (اشرب) . فشربت، فما زال يقول: (اشرب) . حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً، قال: (فأرني) . فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(9/721)
أكل عند جاره ثم اكتشف بعد فترة أن أكله حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أكلت عند جارتي وبعد فترة اكتشفت أن أكلهم حرام، فهل دعائي غير مستجاب وهل علي أي عقوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أكل المسلم عند جاره من مال حرام يظنه مباحاً لا يكون إن شاء الله سبباً في منع استجابة الدعاء ولا مؤاخذة فيه، لأن الخطأ في مثل هذا معفو عنه لما في الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22568، 64572، 76284، 39726، 71204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(9/722)
حكم الشرب في علب تشبه علب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في شرب مشروبات الطاقة المنتشرة في الأسواق وما الحكم في شرب المشروبات التي توضع في علب تشبه علب الخمر.
شكرا جزيلا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مشروبات الطاقة لا تجوز لما تشتمل عليه من الأضرار. والأصل إباحة الشرب في العلب المشبهة لعلب الخمر، ولكن هذا الأصل منخرم لعدة أمور تجدها مفصلة في الفتوى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما حكم مشروبات الطاقة فقد بيناه من قبل، ويمكنك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 95457.
وأما المشروبات التي توضع في علب تشبه علب الخمر، فالأصل أنها إذا لم تكن مسكرة ولم يكن فيها ضرر أنها مباحة.
ولكن هذا الأصل قد يكون العدول عنه هو الصواب للأمور التالية:
1. أن العلب المذكورة تعتبر ترويجا للخمر.
2. أنها إذا كانت تشبه علب الخمر شبها كبيرا فربما التبست على بعض الناس بالخمر فشرب خمرا ظانا أنها ليست خمرا، ولا يخفى ما في ذلك من ضر ليس أقله أن يعتاد شرب الخمر.
3. أن الجهة التي تعمدت تصميم تلك العلب على شكل علب الخمر، لا تخلو من نية سيئة في ذلك، وبالتالي فإن تجنب اشتراء منتوجها هو الأولى بالمسلم.
4. أن من قواعد الشرع الحنيف سد الذريعة إلى الحرام، ووجود تلك العلب على النحو المذكور قد يجعل شاربي الخمر يتذرعون بأنهم كانوا يحسبونه مشروبا غير خمر.
وهذا القدر كاف للحكم بعدم إباحة المشروبات التي توضع في العلب المذكورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(9/723)
حكم إلقاء الطعام الباقي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن تناولنا وجبة الإفطار في رمضان تبقى طعام يسير في طبقين فقمت بأكله، فقال لي صديق لم تأكل الباقي، قلت له الطبق يدعو لي، والأفضل أكله بدلاً من رميه، فقال لي هات دليلا على دعاء الطبق، أو حرمة رمي الباقي، فما الحكم فى باقي الطعام القليل أو الكثير؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على دليل في أن الطبق يدعو لمن أكل ما تبقى فيه من الطعام، ولكن السنة قد صحت بسلت القصعة وعدم ترك شيء للشيطان، لأن في الطعام بركة، ولا يدرى في أيه تكون تلك البركة.
روى الإمام مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة.
وذكر النووي عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدرون في أيه البركة) ، قال: معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه أو في ما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك.
ثم إن ما كان من الطعام صالحاً للاستعمال، فلا يجوز رميه، لأن ذلك من إضاعة المال التي ورد النهي عنها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم -والواجب حينئذ- إعطاؤه للفقراء والمساكين إن وجدوا، أو حفظه لوجبات أخرى، ولا يرمى إلا إذا خشي حصول ضرر باستعماله، أو كانت النفوس تعافه وترغب عنه، فليصرف حينئذ للحيوان، فإن لم يوجد فنرجو أن لا يكون برميه بأس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1428(9/724)
ماذا يفعل من صدر من فمه صوت بسبب الغازات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يتدشق الإنسان أي يحدث صوتاً يخرج من فمه عادة ما يكون بسبب الغازات، وهل صحيح أنه ينبغي أن يقول أستغفر الله بعد هذا الفعل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي الكف عن ذلك، والأولى أن يستغفر منه إذا كان ناتجاً عن الإفراط في تناول الطعام، وأن يحمد الله إذا كان لسبب عادي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل يقصد الجشاء وهو الغازات أو الريح التي تخرج من الفم بعد تناول الطعام أو الشراب أو غير ذلك فهذا ينبغي الكف عنه، وخاصة إذا كان في الصلاة، فقد قال بعض أهل العلم إنه مبطل لها كالنفخ والكلام، وإن كان في غيرها فينبغي رده وخاصة إذا كان بحضرة غيره، فعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: أكلت ثريدة بلحم سمين فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشأ، فقال اكفف عليك جشاءك أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة، فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، وكان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى. رواه الطبراني وغيره.
فإن كان سببه تناول الطعام أو الشراب بقدر الحاجة أو غير ذلك مما هو عادي فالأنسب حمد الله تعالى على نعمه وإخراج ما يتأذى منه، وإن كان بسب الإفراط في الطعام والشراب، فالأنسب الاستغفار من ذلك، هذا إذا كان قصدك التجشؤ، وأما إن كان قصدك التصفير فإنه مكروه وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 15111.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1428(9/725)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام واللباس
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان يأكل الرسول في اليوم وكيف يأكل وهيأته، وما لباس النبي وهل لبس البنطال وقميصا أو كنزة إلى نصف ساعديه، وهل كان طول ثوبه إلى نصف ساقه، وإذا كان كذلك فكيف علينا أن نتبع هذه السنة في هذا العصر لأن الشخص إذا لبس بنطالا إلى نصف ساقيه ضحك منه الآخرون، وهل السنة هي فوق العقب ولو بشيء يسير أم إلى نصف الساق حصرا، وهل من يطيل ثوبه إلى تحت العقب يأثم أم فقط الذي يرتديه على سبيل التكبر والخيلاء كما في حديث أبي بكر ... فأرجو التوضيح وكيف نحيي هذه السنة وجزاكم الله خيراً، علما بأنني سمعت أن النووي قال بكراهة تنزيهية لمن يرتدي ثوبا لأسفل من العقب فهل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من هديه صلى الله عليه وسلم الأكل مما تيسر، ولم يرد شيء في تحديد عدد أوقات تناوله الطعام في حال وجوده حسب اطلاعنا، وكان يسمي الله عند البدء بطعامه، ويحمده عند انتهائه منه، ويأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ من الطعام، ولا يأكل متكئاً.. هذا من هديه في الطعام. ومن هديه في اللباس لبس العمامة والقنلنسوة والجبة والقميص والإزار قيل والسراويل، وورد أن أزرته كانت إلى نصف ساقيه، لكن ثبت عنه أن الإسبال إلى ما فوق الكعبين لا حرج فيه، أما ما تحت الكعب فقد ورد فيه الوعيد، لكن حمله كثير من أهل العلم على من فعل ذلك خيلاء، ومنهم من حمله على إطلاقه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لم يرد في هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل تحديد عدد أوقات تناوله الطعام في اليوم، بل كان يأكل ما تيسر فإن لم يجد صبر، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد في بيان هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل: كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر؛ حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويُرَى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة وهي كانت مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقها إذا فرغ وهو أشرف ما يكون من الأكلة، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس ويدفع بالراحة، وكان لا يأكل متكئاً، والاتكاء على ثلاثة أنواع أحدها: الاتكاء على الجنب. والثاني: التربع. والثالث: الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.
وكان يسمي الله تعالى أول طعامه، ويحمده في آخره، فيقول عند انقضائه (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا) ، وربما قال: (الحمد لله الذي يطعِم ولا يطعَم منَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين) وربما قال (الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه) . وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا. انتهى.
أما عن لباسه صلى الله عليه وسلم.. فقد كان يلبس العمامة والقلنسوة، ويلبس القميص وهو المعروف اليوم بالثوب، بل قيل إنه من أحب اللباس إليه، ويلبس الجبة والإزار، وقيل إنه لبس السراويل، لكن الحديث في ذلك ضعيف، ولم نجد من ذكر أنه لبس القميص مع السراويل إن صح أنه لبسها، وقد حذر من إسبال الأزرة والقميص إلى ما تحت الكعبين، أما ما كان فوقهما فلا حرج فيه سواء كان ثوباً أو أزرة أو بنطالاً.
قال ابن القيم في زاد المعاد في بيان هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس: كانت له عمامة تسمى السحاب كساها عليا وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه؛ كما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن حريث قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه. إلى أن قال: ولبس القميص وكان أحب الثياب إليه وكان كمه إلى الرسغ، ولبس الجبة والفروج وهو شبه القباء والفرجية، ولبس القباء أيضاً، ولبس في السفر جبة ضيقة الكمين، ولبس الإزار والرداء ... واشترى سراويل، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه. انتهى بتصرفف.
وقال في عون المعبود: قال السيوطي: ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل ولم يلبسها، وفي الهدي لابن القيم الجوزي أنه لبسها فقيل إنه سبق قلم، لكن في مسند أبي يعلى والمعجم الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم، قلت: يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل، فقال: أجل في السفر والحضر والليل والنهار، فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه. كذا في فتح الودود. انتهى.
وفي سنن أبي داود عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. والحديث صححه الألباني، قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: والحديث فيه دلالة على أن المستحب أن يكون إزار المسلم إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، وما كان أسفل من الكعبين فهو حرام وممنوع. انتهى.
ولبيان كلام أهل العلم في حكم الإسبال إلى ما تحت الكعبين إذا كان لغير خيلاء انظر الفتوى رقم: 21266.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(9/726)
إعطاء بقايا الطعام لمن يحتاجه من إنسان أوطير أو حيوان أفضل من أكله بعد الشبع
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عندما نأكل ثم نشبع ويبقى قليل من الأكل فهل يجب علينا أن نأكله حتى لا يجري وراءنا يوم القيامة، يقولون إنه لا يجب أن تأكل -تبذيرا- بعد أن تشبع، فماذا نفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عليكم التكلف في تناول ما بقي من الطعام أو غيره، وينبغي للمسلم أن يعتدل في إنفاقه وفي أكله وشربه وفي أموره كلها، فقد قال الله تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه. رواه الترمذي وغيره وصححه.
وإذا بقي عنه ما لا يحتاج إليه من طعام فينبغي له أن يعطيه من يحتاج إليه من الأقارب والجيران.. وإذا لم يصلح لذلك أو للادخار لوقت آخر، فلا ينبغي التكلف بأكله بعد الشبع، لما ذكرنا من كراهة الإسراف في الأكل، ولما قد يترتب على ذلك من ضرر على الصحة، بل يتصدق به على من يحتاجه أو يعطى للحيوان، وقد سبق لنا بيان آداب الطعام في الفتوى رقم: 16952 بإمكانك أن تطلع عليها وعلى الفتوى رقم: 12891 للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(9/727)
تسمية المضطر على الطعام المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من يكون في صحراء ولم يجد ماء واضطر لشرب ما هو موجود وحتى لو كان حراما. هل يجوز له ذلك؟ وهل يذكر اسم الله عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى حرم سائر الخبائث على المسلمين ومنها النجاسات كلها لكنه استثنى من ذلك حالة الاضطرار، قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} ومن هذا النص أخذ العلماء القاعدة الأصولية المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات.
ومعنى القاعدة: أن الممنوع شرعاً يباح عند الضرورة، وقد مثل الفقهاء لهذه القاعدة بأمثلة منها:
1- إباحة أكل الميتة عند المخمصة، أي المجاعة.
2- إساغة اللقمة بالخمر لمن غص ولم يجد غيرها.
3- إباحة كلمة الكفر للمكره عليها بقتل أو تعذيب شديد.
وهذه القاعدة فرع عن قاعدة كلية سماها العلماء (الضرر يزال) وعلى هذا؛ فإذا اضطر الإنسان ضرورة غير عادية بحيث يخاف على نفسه الهلاك فقد أبيح له تناول ما ينقذ به نفسه من التلف والهلاك، وما دام تناول المحرم في حالة الاضطرار جائزا فالظاهر أن له أن يسمي الله تعالى كما يسميه عند استعمال المباح.
وقد سبق مزيد الفائدة في هذا المعنى في الفتوى رقم: 62687، والفتوى رقم: 81050.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1428(9/728)
هل يأكل الشيطان من طعام الشخص الذي لا يسمي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح أن الشيطان يأكل من الطعام الذي لم تذكر فيه البسملة، وكيف ذلك والطعام لا ينقص منه شيء، وإلى أي حد يمكن أن يؤثر الجن على الإنسان إذا كان صح له تأثير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الطبراني وغيره: أن رجلاً كان يأكل عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في آخر لقمة قال: بسم الله أوله وآخره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما زال الشيطان يأكل معه حتى قال: أوله وآخره، فقاء الشيطان كل شيء أكله. وفي رواية: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه. والحديث قال عنه الألباني: ضعيف.
قال بعض أهل العلم: وهو محمول على الحقيقة، أو المراد البركة الذاهبة بترك التسمية، كأنها كانت في جوف الشيطان أمانة، فلما سمى رجعت إلى الطعام.
وإذ كنا لا نلاحظ أن مادة الطعام تنقص فإن بركته تنقص أو تزول بالكلية، ولا شك أن الشيطان يأكل وإن كنا لم نشاهد أكله أو نعرف كيفيته، وهو يأكل بشماله، فالمسلم يؤمن بذلك؛ كما ثبت في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الموطأ وصحيح مسلم وغيرهما، ونرجو أن تطلعي على المزيد من الفائدة في آداب الأكل في الفتوى رقم: 16952.
وأما عن تأثير الجن على الإنس فإنه يكون بالوسوسة ... وربما يتسببون في أذيته بالضرب أو الصرع أو القتل أو غير ذلك لسبب فعله بهم، أو للعبث به، والتسلط عليه، وهذا بالنسبة للبعض وأهل الغفلة الذين لا يتحصنون من الجن بالأذكار والأدعية المأثورة، فقد قال الله تعالى عن عباده المخلصين: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ {الحجر:42} ، وقد نص أهل العلم على أن أذية الجن للإنس ممكنة وواقعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في دقائق التفسير: وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم، أو صب عليهم ماء حاراً، أو يكون قد قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى، وهذا أشد الصرع، وكثيراً ما يقتلون المصروع، وتارة يكون بطريق العبث، كما يعبث سفهاء الإنس بأبناءالسبيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1428(9/729)
ترك لعق الأصابع بعد الطعام.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بلعق أصابعنا بعد الفراغ من الأكل وقبل غسلها لكن لدينا في المغرب أنه عيب لعق الأصابع فهل إن لم أفعلها أمام الناس يعتبر من التكبر؟. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد ترك هذه السنة نظرا لاعتبارها عيبا عند الحاضرين لا يعتبر كبرا فيما يبدو، لكنه قد يكون رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترجيحا لجانب عوائد الناس عليها، ولا يجوز للمسلم أن يترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها أو أمر بها رغبة عنها، وينبغي أن يطبقها ويأمر بها غيره، ويكفي عقاباً لمن تعمد ترك السنن رغبة عنها ما في الصحيحين وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رغب عن سنتي فليس مني. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح حديث الرجل الذي سأل عن الفرائض:
وحلف ألا يزيد عليها،، قال القرطبي: في هذا الحديث وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما دلالة على جواز ترك التطوعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه، فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا يعني لورود الوعيد عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم: من رغب عن سنتي فليس مني. انتهى. فإن كلام الحافظ هذا وإن كان في موضوع سنن ونوافل الصلاة والزكاة والصيام والحج؛ إلا أن هذا ينطبق على سائر سننه صلى الله عليه وسلم في موضوع الرغبة عنها.
وخلاصة القول أن ترك لعق الأصابع بعد الطعام رغبة عن السنة يعتبر نقصا في الدين، وإن ترك لا لشيء فلا إثم على من تركه، لأنه ليس واجبا بل هو من سنن وآداب الأكل، ولبيان ما ورد في هذه السنة فقد روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة. والحديث رواه أصحاب السنن.
وروى الترمذي وغيره أيضا عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة. قال في تحفة الأحوذي عند شرح هذا الحديث: قال النووي: معناه أن الطعام الذي يحضر الانسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة. فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة: الزيادة وثبوت الخير والامتناع به. والمراد هنا ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك. انتهى. وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1428(9/730)
الأكل باليد اليمنى
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال: الأکل باليد هل هي سنة النبي وهل أکد علي رعايتها ويقال إنه يوجد تحت أظفار اليد اليمين مادة نافعه تنفع الجسد هل هذا صحيح أم لا وما هي المادة؟
وجزاکم الله ألف خير وشکرا علي هذه الشبکة الرائعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الأكل باليد، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل بملعقة ونحوها، فالأفضل الأكل باليد، ويجوز بالملعقة كما فصلناه في الفتوى رقم: 51496، إلا إذا كان المرء في مكان لا يستسيغ الناس أكله بيده أو كان الطعام الذي قدم مما لا يمكن أكله إلا بالملعقة فإنه يأكل بها وتزول الكراهة للحاجة على قول من يقول بكراهة ذلك كما هو مقرر عند الفقهاء أن الحاجة تدفع الكراهة، وأما القول بأن تحت أظفار اليد اليمنى مادة نافعة فلا نعلم له أصلا يعتمد عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(9/731)
الشرب من القلة المصرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشرب من القلة المصرية يعتبر من الشرب من فم السقاء المنهي عنه؟ وما حكم قراءة القرآن على الماء ثم استخدامه والشرب منه أو الاغتسال به؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي يظهر والله أعلم أن الشرب من القلة المذكورة بمثابة الشرب من فم القربة لاشتراكها معها في بعض علل النهي عن مباشرة الشرب من فمهما، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الشيخ محمد بن أبي جمرة ما ملخصه: اختلف في علة النهي فقيل يخشى أن يكون في الوعاء حيوان أو ينصب بقوة فيشرق به أو يقطع العروق الضعيفة التي بإزاء القلب فربما كان سبب الهلاك, أو بما يتعلق بفم السقاء من بخار النفس, أو بما يخالط الماء من ريق الشارب فيتقذره غيره, أو لأن الوعاء يفسد بذلك في العادة فيكون من إضاعة المال، قال: والذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور. انتهى.
لكن هذا النهي محمول على التنزيه وليس على المنع؛ لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربة معلقة قائماً. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 66982.
ولبيان حكم استعمال الماء المقروء عليها شرباً واغتسالاً راجع الفتوى رقم: 55023، والفتوى رقم: 7852.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(9/732)
هل يسن شرب الماء على هيئة القرفصاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة أن يتخذ الإنسان وضعية القرفصاء وهو يشرب الماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن حكم شرب الماء والإنسان جالس جلسة القرفصاء يحسن أن نبين كيفية جلسة القرفصاء وهي بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة ثم صاد مهملة ومد، قال أبو عبيد: القرفصاء جلسة المحتبي ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه. وقال عياض: قيل هي الاحتباء. وقيل: جلسة الرجل المستوفز. وقيل: جلسة الرجل على إليتيه. والاحتباء تارة يكون باليد وتارة بثوب. وقد قال ابن فارس وغيره: الاحتباء أن يجمع ثوبه ظهره وركبتيه، وقيل: القرفصاء الاعتماد على عقبيه ومس إليتيه بالأرض. والذي يتحرر من هذا كله أن الاحتباء قد يكون بصورة القرفصاء؛ لا أن كل احتباء قرفصاء. انتهى ملخصا من فتح الباري.
والسنة أن يشرب الإنسان الماء جالسا ويكره قائما؛ لما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي رواية: نهى عن الشرب قائما. قال قتادة: فالأكل؟ قال: أشر أو أخبث. وفي رواية عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي رواية عنهم: نهى عن الشرب قائما. وفي رواية عن عمر بن حمزة قال: أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقئ. وعن ابن عباس: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم، وفي الرواية الأخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم. وفي صحيح البخاري: أن عليا رضي الله عنه شرب قائما وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت.
قال الإمام النووي -رحمه الله- بعد إيراد هذه الأحاديث: اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوى باطلة لا غرض لنا في ذكرها ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن؛ بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه، وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة، والصواب فيها أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض.
فتبين بهذا أن السنة أن يشرب الإنسان جالسا على هيئة من هيئات الجلوس، ولا نعلم أن لشرب الماء جالسا جلسة القرفصاء خصوصية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(9/733)
أحكام الشرب قائما
[السُّؤَالُ]
ـ[من باب الشرب (كتاب المشكاة) في شرب الماء، أرجو التوضيح في ثلاثة أحاديث..... وما هي أحكامها
1- عن أنس رضي الله عنه في النهي أن يشرب وهو قائم. رواه مسلم
2- عن أبي هريرة لا يشرب أحد منكم قائما من نسي فليسترق....، رواه مسلم
3- عن علي رضي الله عنه: صلى الظهر ثم قعد................. قال إن الناس يكرهون الشرب قائما وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل صنعت، رواه البخاري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لفظ حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم هو قوله صلى الله عليه وسلم: لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقئ. وفيه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما. وفيه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما. فهذه الأحاديث تدل على أنه ثبت النهي عن الشرب في حال القيام.
وقد ثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب زمزم وهو واقف، وأن عليا رضي الله عنه شرب وهو واقف، وقد وفق العلماء رحمهم الله تعالى بين الأمرين بأن النهي للكراهة التنزيهية، وليس للتحريم، وأن شرب النبي صلى الله عليه وسلم واقفا كان لبيان الجواز، قال النووي في شرح صحيح مسلم بعد ذكر هذه الأحاديث: وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال ولا فيها ضعف، بل كلها صحيحة، والصواب فيها أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز، فلا إشكال ولا تعارض، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه ... إلى أن قال: فإن قيل: كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها، بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مكروها، وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وطاف على بعير، مع أن الإجماع على أن الوضوء ثلاثا والطواف ماشيا أكمل، ونظائر هذا غير منحصرة، فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشيء مرة أو مرات، ويواظب على الأفضل منه، وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وأكثر طوافه ماشيا، وأكثر شربه جالسا، وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم. والله أعلم.
واما قوله صلى الله عليه وسلم: فمن نسي فليستقئ فمحمول على الاستحباب والندب، فيستحب لمن شرب قائما أن يتقايأه لهذا الحديث الصحيح الصريح، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب ... إلى أن قال: ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ناسيا أو متعمدا، وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه، بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى لأنه إذا أمر به الناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف أولى، وهذا واضح لا شك فيه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(9/734)
النهي عن الشرب واقفا هل هو للتحريم أم الكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حكم شرب الماء واقفا، وما هي قصة الحديث عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه عندما شرب واقفا متعمدا لأن من أصدقائي من يحتج به على أن الأمر لا يفيد الوجوب ولو بدون قرينة. ويحتج أيضا بحديث يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بصبغ الشعر مخالفة لليهود النصارى ويقول إن الصبغ ليس بواجب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه قد ورد النهي عن أن يشرب المرء وهو واقف، وثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب زمزم وهو واقف، وأن عليا رضي الله عنه شرب وهو واقف، ووفق العلماء ببين الأمرين بأن النهي للكراهة التنزيهية وليس للتحريم، وأن شرب النبي صلى الله عليه وسلم واقفا كان لبيان الجواز، وانظر الفتوى رقم: 10111، لمزيد من الإيضاح، وإذا علمت أن النهي عن الشرب قائما ليس للتحريم، فاعلم أيضا أن الأمر بصبغ الشعر بغير السواد ليس للوجوب كما قال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بأبي قحافة رضي الله عنه يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد، ثم ذكر الحديث المشار إليه في السؤال، وهو قوله صلى الله عليه وسلم إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم، قال القاضي: قال الطبراني الصواب أن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض بل الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط فقط، قال واختلاف السلف في فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالإجماع انتهى. ولبيان حكم الصبغ بالسواد راجع الفتوى رقم: 11528، هذا عن حكم هاتين المسألتين، أما عن الأمر وما يفيده فتراجع الفتوى رقم: 66156.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1427(9/735)
المذموم في الأكل والنوم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ بارك الله في علمكم وعملكم: هناك أمر ملتبس علي ويشغلني جداً وهو الأكل والنوم، فعندما أسمع من المشايخ ذم كثرة الأكل وأن من يأكل حتى يشبع وذلك بصفة مستمرة فإن ذلك مذموم وأنا محافظ على قدر معين من الأكل حددته لنفسي منذ سنين طويلة حتى قبل الالتزام لأني لا أحب الأكل في ذاته لكني حريص جداً على المحافظة على الصحة التي أنعم الله بها علي وأنا شاب عمري 26 عاماً، والحمد لله من الله علي بقوة البدن، وكراهية العلماء لكثرة الأكل يقولون أنها تثقل البدن وتؤدي للخمول والنوم وأنا يحدث معي العكس بمعنى عندما أقلل طعامي لا أقدر على القيام بالأعمال التي أقوم بها عندما آكل القدر الذي اعتدت عليه، بل أظن أن طلب العلم وحفظ القراَن وقراءته تحتاج مني أن اَكل بصورة جيدة، فأرجو توضيح هذه النقطة. النقطة الثانية: هي النوم ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه أن أفضل القيام قيام داود عليه السلام وأنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه فعندما حسبت ساعات نومه عليه السلام وجدتها في حدود 8 ساعات وكذلك قرأت في موقعكم كلاما لابن القيم أن النبي كان ينام 8 ساعات، وأجد نصائح العلماء لطلبة العلم ألا يكثروا النوم وبعضهم ينصح بالنوم 6 ساعات وأنا أحاول المحافظة على النوم 6 ساعات لكني أقوم مرهقا جداً، وسمعت كلاما لأحد أكبر علماء الحديث المعاصرين وهو مصري ينصح طلبة علم الحديث بعض النصائح ومنها أن الطلبة وكما هو الحال في مصر يضطرون للعمل لمدة 12 ساعة فنصحهم بالنوم 2 ساعة حتى يستطيعوا التوفيق بين العمل وطلب العلم ومن يومها وأنا أشعر بنكد وأقول لنفسي أنت ليس منك فائدة فهناك من ينام ساعتين ويعمل لمدة 12 ساعة ويطلب العلم وأنت لا تستطيع أن تحافظ على النوم 6 ساعات وكذلك لا تعمل ومع ذلك لم تحقق المنشود في طلب العلم وتسير ببطء رغم وفرة الوقت لديك فأرجو توضيح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج عليك في الأكل والنوم بقدر ما تحافظ به على صحتك واستراحتك النفسية، واعلم أن المذموم هو الإسراف ومجاوزة الحد، وأما الأكل والنوم بقدر الحاجة دون إسراف فغير مذموم وإن كنا نقر بأن مجاهدة العبد نفسه بما لا يجحف به من الصيام التطوعي وقيام الليل مرغب فيه شرعاً، ورغب الشارع كذلك في تنظيم الأكل والنوم حتى يأخذ الإنسان ما يكفيه ويتصدق بما لا يحتاج له أو يؤثر به إن استطاع، ففي الحديث: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة. رواه البخاري في الصحيح معلقاً، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد ذكر أهل العلم أن طالب العلم لا بد له من عقل مدلل، فلو أنه حرص على نوم القيلولة ونوم أول الليل ربما استغنى عن غير ذلك من النوم واستفاد من وقت آخر الليل ووقت الصباح وهما وقتان مباركان مهمان لطالب العلم، ولو أنه كذلك أخذ مأكولات ذات قيمة غذائية تكفي حاجة الجسم ونظم أوقات أكله فلربما استغنى بذلك عن الوجبات الإضافية غير المنظمة وعن المأكولات الجاهزة التي تحتاج منه إنفاقاً كثيراً، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12649، 19064، 50734، 51751، 58418، 62398.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(9/736)
حكم الأكل من طبيخ تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الأكل من طبخ تارك الصلاة العارف بوجوبها ولكن تاركها تكاسلا؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في كفر تارك الصلاة كسلا، فمنهم من يرى كفره إذا دعاه الإمام أو نائبه إلى الصلاة فلم يصل، وأما قبل ذلك فمحكوم بإسلامه وتحل ذبيحته، وهذا الذي رجحناه في فتاوى سابقة، ومن أهل العلم من يرى أنه لس بكافر، وأما أكل الطعام الذي طبخه هو سواء كان لحما أو خبزا فلا مانع منه مطلقا، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 50370.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(9/737)
حكم استعمال الكوب الذي عليه صورة إنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرب في كوب به صورة مخلوق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصورة لما له روح التي على الأكواب ونحوها لها حالان:
الحالة الأولى: أن تكون هذه الصورة قد أخذت أولاً عن طريق التصوير الفوتغرافي ثم نسخ منها على الأكواب، فهذه الراجح فيها الجواز إذا سلمت من سبب آخر للتحريم كأن تكون لامرأة متبرجة مثلا كما سبق بيان ذلك في فتاوى منها الفتوى رقم: 53003.
الحالة الثانية: أن تكون الصورة رسمت ثم نسخت، فالتصوير حينئذ محرم لا يجوز، وكذا النسخ.
وأما حكم استخدام ما وضعت عليه الصورة المرسومة ففيه تفصيل، فإن كانت الصورة على شيء مهان فلا يحرم استخدام ذلك الشيء سواء كان فراشاً أو مخدة أو كوبا.
وأما إن كان غير مهان، بل كان معلقا على الجدران، أو موضوعا للزينة، أو ملبوسا عمامة أو غيرها, وكذا إذا كان كوبا فلا يجوز إبقاؤه على تلك الحالة بل لا بد من إزالة الصورة، أو إتلاف ذلك الشيء، وهذا ينطبق على الكوب المسؤول عنه، وإليك ما قاله أئمة الدين في ذلك:
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المغني: فإن رأى نقوشا، وصور شجر، ونحوها، فلا بأس بذلك; لأن تلك نقوش، فهي كالعلم في الثوب. وإن كانت فيه صور حيوان، في موضع يوطأ أو يتكأ عليها، كالتي في البسط، والوسائد، جاز أيضا.
وإن كانت على الستور والحيطان، وما لا يوطأ، وأمكنه حطها، أو قطع رؤوسها، فعل وجلس, وإن لم يمكن ذلك، انصرف ولم يجلس; وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر: هذا أعدل المذاهب.اهـ
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر: وأما فعل التصوير لذي الروح فهو حرام مطلقا، وإن أغفل من الصورة أعضاؤها الباطنة أو بعض الظاهرة مما توجد الحياة مع فقده، ثم رأيت في شرح مسلم ما يصرح بما ذكرته حيث قال ما حاصله: تصوير صورة الحيوان حرام من الكبائر للوعيد الشديد سواء صنعه لما يمتهن أو لغيره إذ فيه مضاهاة لخلق الله، وسواء كان ببساط أو ثوب أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو مخدة أو نحوها. وأما تصوير صور الشجر ونحوها مما ليس بحيوان فليس بحرام. وأما المصور صورة الحيوان فإن كان معلقا على حائط أو ملبوسا كثوب أو عمامة أو نحوها مما لا يعد ممتهنا فحرام، أو ممتهنا كبساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها فلا يحرم لكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت؟ الأظهر أنه عام في كل صورة لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة} ، ولا فرق بين ما له ظل وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهب جمهور علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم كالشافعي ومالك والثوري وأبي حنيفة وغيرهم، وأجمعوا على وجوب تغيير ما له ظل. قال القاضي: إلا ما ورد في لعب البنات الصغار من الرخصة.اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1427(9/738)
هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملعقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل بملعقة لا بيده؟ وكيف نستطيع الموافقة بين العرف السائد وآداب العصر وسنة المصطفى فيما يتعلق بالأكل باليد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل بملعقة، وإنما كان يأكل بيده فالأفضل الأكل بها ويجوز بالملعقة كما فصلناه في الفتوى رقم: 51496.
وعليه فالأصل أن يأكل المرء بيده إلا إذا كان في مكان لا يستسيغ الناس أكله بيده أو الطعام الذي قدم مما لا يمكن أكله إلا بالملعقة فإنه يأكل بها وتزول الكراهة للحاجة على قول من يقول بكراهة ذلك كما هو مقرر عند الفقهاء أن الحاجة تدفع الكراهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(9/739)
تعويد الطفل على استعمال يده اليمنى من الأمور المتيسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ولد ابني يساريا، هل أتركه كما هو أم أعلمه الأكل والشرب والكتابة بيده اليمنى؟ وفي هذه الحالة هل من انعكاسات نفسية على ذلك؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسنة استخدام اليمين في كل ما هو من باب التكريم، ومن ذلك استخدام اليد اليمنى في الأكل والشرب ونحوهما, وجمهور العلماء على كراهة الأكل والشرب باليد اليسرى، وذهب بعض العلماء إلى التحريم. وتعويد الطفل على الأكل والشرب بيده اليمنى من الأمور المتيسرة، فينبغي المبادرة إلى تعويده ذلك، وقد يصعب الأمر في استخدام اليمين في الكتابة ونحوها فينبغي الرفق به وتعويده ذلك قدر الإمكان, ولا نظن أن يترتب على ذلك شيء من الآثار النفسية السلبية، وينبغي أن تتحرى معه الحكمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1427(9/740)
حكم الشرب من القنينة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشرب من القنينة جائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز الشرب من القنينة، ويدل له ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه شرب من في قربة معلقة قائماً. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
ولكن الأولى تركه وصب ما في القنينة في كأس ثم يشرب منها، وذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن الشرب من فم القربة. رواه البخاري.
وقد وفق أهل العلم بين فعله ونهيه بحمل النهي على التنزيه وحمل الفعل على الجواز كذا قال النووي، ثم إن الأمر في القنينة إذا كان يرى ما بداخلها أوسع من القربة لأن من حكمة النهي عن الشرب من فم القربة الخوف من دخول حشرة في فم الشارب من فم القربة وهو لا يعلم، وقيل بأنها للخوف من إنتان الماء بالشرب منه، وهذا قد لا يكون واقعاً في شأن الشارب من القنينة، وراجع شرح العيني للبخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1426(9/741)
هل تقدم الفاكهة قبل الأكل أم بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد أي حديث نبوي يحث على تناول الفاكهة قبل الأكل: تفكهوا قبل الأكل. هناك من يزعم أن هذا من كلام رسول الله؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العجلوني في كشف الخفاء مقولة بلفظ: تفكهوا قبل الطعام. وقال فيها: هذا مشهور على الألسنة ولم أقف على أنه حديث أو أثر، ثم ذكر أن عليا الأجهوري ذكره ناظما له على التفصيل حيث يقول:
قدم على الطعام توتا خوخا ... ... ... ... ومشمشا والتين والبطيخا
وبعده إجاص كمثرى عنب ... ... ... ... كذاك رمان ومثله الرطب
ومعه الخيار والجميز ... ... ... ... ... قثا وتفاح كذاك اللوز
وقد ذكر الغزالي في الإحياء عند الكلام على الوليمة: أن من آداب الطعام تقديم الفاكهة أولاً فذلك أوفق في الطب، فإنها أسرع استحالة فينبغي أن تقع في أسفل المعدة ثم قال: وفي القرآن تنبيه على تقديم الفاكهة في قوله تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. ثم قال: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. اهـ
وقد ذكر النووي عند شرح حديث أبي الهيثم بن التيهان لما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، ثم أخذ المدية وانطلق ليذبح لهم.
ذكر النووي في شرحه أن فيه دليلا على استحباب تقديم الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1426(9/742)
آفات الشرب قائما
[السُّؤَالُ]
ـ[الحكمة من الشرب جلوسا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم بعض الحكم لتناول الشراب في حال الجلوس دون غيره. منها حصول الري بهدوء لاستقرار المشروب في المعدة فيتوزع على الجسم بصورة طبيعية. قال ابن القيم في الزاد: للشرب قائما آفات عديدة منها: أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها ويشوشها ويسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج وكل هذا يضر بالشارب إذا داوم عليه، وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة لم يضره. ولهذا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما نهيا ليس للتحريم كما قال أهل العلم، وإنما للإرشاد وفعل الأولى. فقد شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائما لبيان الحكم أو للحاجة. وللمزيد من التفصيل والأدلة على ذلك نرجو الاطلاع على الفتاوى: 10111، 54220، 60218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(9/743)
النهي الشديد عن الأكل والشراب بالشمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام أكل بشماله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل بشماله قط، ولم يشرب بها، بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي الشديد عن الطعام والشراب بالشمال
ففي صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله. وقال صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك وكل مما يليك. متفق عليه.
وفي صحيح مسلم أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له: كل بيمنيك، قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه.
وللمزيد من الفائدة عن كيفية أكله صلى الله عليه وسلم وشربه وآداب الطعام نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 16952، 34327.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1426(9/744)
ثواب من أكل الساقط من الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعلا أن من يأكل من فضلته -المقصود فيها ما يسقط من صحن الأكل على الأرض أو على ما نسميه سماطا أو سفرة- يكون كفى نفسه من الفقر، وما الدليل على ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على الطعام وشكر نعمته، فقد روى مسلم في صحيحه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، قال أنس رضي الله عنه: وأمرنا أن نسلت القصة. قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة.
وأما كون أكل ما سقط من الطعام يقي من الفقر فلم نقف على نص صريح بذلك، ولكنه دليل على المحافظة على نعمة الطعام وعدم تضييعها والاهتمام بها وشكرها، وقد أمر الله تبارك وتعالى بشكر نعمته بعد الأمر بالأكل من رزقه، فقال تعالى: كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ {سبأ:15} ، وأخبرنا في آية أخرى أنه يزيد في نعمه من شكره عليها، فقال تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7} ، وشكر النعمة يكون بصرفها فيما يرضي الله تعالى وفيما خلقها له، وأما كفرانها فهو تضييعها وتبذيرها أو صرفها في معصية الله تعالى.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب أكل الساقط من الطعام ما لم تصبه نجاسة أو يكون فيه ضرر، وللمزيد من الفائدة عن آداب الطعام وأقوال أهل العلم فيه نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 16952، والفتوى رقم: 58916.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/745)
استخدام اليد اليمنى فيما هو من باب التكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعلم سبب استخدام الناس لليد اليمنى في أكثر الأمور، ولماذا يتفاءل العرب باليد اليمنى، وسبب كشف الكتف الأيمن لدى الرجال أثناء الحج، ولماذا تستخدم اليد اليمنى للمصافحة والأكل, بينما يقتصر استخدام اليد اليسرى للغسيل وغيرها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من السنة استعمال اليد اليمنى أو تقديمها في كل ما هو من باب التكريم كالوضوء، والغسل، واللبس، ودخول المسجد والمنزل، والسلام، والأكل والشرب، واستلام الحجر الأسود، والأخذ، والعطاء، والخروج من الخلاء.... واستعمال اليسرى فيما كان من أذى ونحوه، ففي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى.
وكشف الكتف الأيمن في الطواف هو المسمى عند أهل العلم بالاضطباع، وهو أن يشتمل المحرم بردائه على منكبه الأيسر، ومن تحت منكبه الأيمن، حتى يكون منكبه الأيمن بارزاً، وهذا الاضطباع سنة من السنن، ويستحب في الطواف وليس بالواجب، ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً.
وبهذا يتبين للسائل الكريم أن سبب استخدام الناس لليد اليمنى فيما ذكر، واضطباعهم في الحج هو التطبيق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(9/746)
تناول الطعام بحضرة فتاة متبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[في العمل وعند وقت الراحة لا نستطيع الخروج لتناول الأكل خارج مكان العمل فنضطر للأكل في مكان العمل ومعنا فتاة قد ترتدي أحيانا ملابس غير لائقة وتظهر العورة فهل نستحمل فترة تناول الطعام ثم ننصرف أم يجب علينا الابتعاد عنها أي الفتاة والأكل بالتناوب؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي -عصمنا الله وإياك من الزلل- أن فتنة النساء من أعظم الفتن وأخطرها وأضرها على المسلم، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وتعرض هذه الفتاة لكم بالكيفية التي ذكرت هو عين الفتنة، فلا يجوز لكم البقاء معها، فإن كان في إمكانكم تحصيل عمل غير هذا العمل تبتعدون فيه عنها فذلك أحوط لكم، وإن لم يتيسر لكم ذلك، وكنتم محتاجين إلى هذا العمل فعليكم أن تجتهدوا في غض البصر والابتعاد عنها لا في وقت تناول الأكل فقط، بل في كل الأوقات، وسواء أكلتم بالتناوب أو بطريقة أخرى فالمهم أن تجنبوا أنفسكم هذه الفتنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(9/747)
نسيان التسمية على الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو:
أنسى ذكر اسم الله على الطعام رغم محاولتي التذكر وهو أمر يشغلني ما هو الحل لتذكره وهل هناك دعاء أذكره في أول النهار يغنيني عن ذكر اسم الله على الطعام وهل أنا آثمة إذا ما نسيت ذكر اسم الله على طعامي وجزاك الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتسمية عند الطعام مستحبة عند جمهور أهل العلم، وبعضهم يقول بوجوبها. قال العيني في عمدة القارئ: باب في بيان التسمية على الطعام أي القول بسم الله في ابتداء الأكل، وأصرح ما ورد في صفة التسمية ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: إذا أكل أحدكم الطعام فليقل بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره.
والأمر بالتسمية عند الأكل محمول عل الندب عند الجمهور، وحمله بعضهم على الوجوب لظاهر الأمر.
وقال النووي: استحباب التسمية في ابتداء الطعام مجمع عليه، وكذا يستحب حمد الله في آخره.
قال العلماء: يستحب أن يجهر بالتسمية لينبه غيره، فإن تركها عامدا أو نسيانا أو جاهلا أو مكرها أو عاجزا لعارض ثم تمكن في أثناء أكله يستحب له أن يسمي.
وتحصل التسمية بقوله بسم الله، فإن أتبعها بالرحمن الرحيم كان حسنا، ويسمي كل واحد من الآكلين.
وقال الشافعي: فإن سمى واحد منهم حصلت التسمية. انتهى.
فمن نسي التسمية أول الطعام وتذكرها أثناءه أتى بها قائلا بسم الله أوله وآخره.
وليس هناك ذكر مشروع يغني عن الذكر المأثور قبل الطعام وهو ذكر اسم الله تعالى، ففي الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.
ولا حرج عليك إن نسيت البسملة عند الطعام، لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
ومن الوسائل المفيدة لتذكر البسملة عند الطعام تنبيهك لمن يشاركك الطعام من أفراد العائلة بأهمية ذكر اسم الله تعالى عند الطعام والجهر بهذا الذكر لعلك تنتبهين إليه.
وفقك الله تعالى لما يحبه ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/748)
الذكر قبل الأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الأذكار الشرعية أن نقول قبل بدء الطعام: (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشار إليه السائل قد ذكره النووي في كتاب الأذكار في الذكر الوارد قبل الطعام وإن كان فيه ضعف. وفي فيض القدير للمناوي على الجامع الصغير عند حديث: إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه، وإذا شرب لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا، منه، فإنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن. والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود. قال المناوي: إذا أكل أي إذا أراد أن يأكل، ويحتمل جعله على ظاهره. انتهى. ويعني بقوله جعله على ظاهره: أي إذا فرغ من الأكل، ويكون الذكر حينئذ بعد الأكل. ويؤيد هذا الاحتمال ما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار قال: والدعاء كثير لا يحصى، وخيره ما كان الداعي فيه بنية ويقين بالإجابة، ويكفي من ذلك قوله في أول الطعام بسم الله الرحمن الرحيم، وفي آخره الحمد لله رب العالمين اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(9/749)
أكل الماشي.. بين الكراهة والإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول العلماء في أكل المار؟ ماهو؟ هل هوحلال أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصد السائل الكريم السؤال عن أكل المار الذي يمشي أو القائم فإنه حلال، لما رواه الإمام أحمد ومالك وابن ماجة والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام. وقال بعض أهل العلم إن ذلك يختلف باختلاف البيئات، فإذا كان الشخص في بيئة يكره أهلها الأكل للماشي أو الشرب قائما فإن ذلك يكره كراهة تنزيه لا تحريم، ويعد من خوارم المروءة التي تسقط الشهادة وإن كانت مباحة. قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية: ... وتسقط أيضا (الشهادة) بفعل ما يسقط المروءة وإن كان مباحا كالأكل في الطريق والمشي حافيا ...
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 10111، 54220. هذا إذا كان قصد السائل أكل الماشي، وإن كان قصده غير ذلك فنرجو توضيحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(9/750)
الذكر المسنون قبل البدء بالطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مشكلة هي أني في كثير من المرات تصيبني حالات من الشراهة في الأكل بطريقة غير معقولة لدرجة أن أشعر بأن معدتي سوف تنفجر لا أدري ما هذه الحالة على عكس أيام تمر علي لا أشتهي فيها الطعام، أود أن أنوه أيضا بأنني فتاة متدينة وأقرأ القرآن إلا أنني أحيانا أشعر أن الشيطان يأكل معي لأني آكل بطريقة غريبة وشرهة؟ وأنا أتساءل هل هناك أدعية وأذكار من الممكن أن أقرأها قبل أن أتناول وجبة طعامي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر اسم الله تعالى عند بداية الأكل سبب لمنع الشيطان من المشاركة في ذلك الطعام، وإذا لم يذكر اسم الله تعالى فإن الشيطان يكون شريكا في الأكل. ففي صحيح مسلم من حديث حذيفة قال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: معنى يستحل يتمكن من أكله، ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى، وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه. ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها، وأن الشيطان يأكل حقيقة؛ إذ العقل لا يحيله، والشرع لم ينكره بل أثبته، فوجب قبوله واعتقاده. انتهى.
فينبغي لك الحرص على مجاهدة النفس في سبيل عدم الإكثار من الأكل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. رواه الترمذي وغيره وصححه الشيخ الألباني.
والذكر المأثور قبل الطعام هو ذكر اسم الله تعالى، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عمر بن أبي سلمة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك. وللتعرف على الآداب الشرعية للأكل، راجعي الفتوى رقم: 16952. ولا بأس بعرض الأمر على طبيب مختص في هذا المجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1426(9/751)
أقوال العلماء في حكم أكل اللقمة الساقطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أنه إذا سقطت لقمة أحدنا فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان\"فهل هذا على سبيل الوجوب أم الاستحباب؟ وهل قال أحد من أهل العلم بوجوب ذلك؟
أرجو التفصيل للحاجة الشديدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث. قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة. قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة، وفي شرح النووي لصحيح مسلم أثناء ذكره سنن الأكل: واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجاسة، فإن وقعت على موضع نجس تنجست ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان. انتهى.
وقد قال ابن حزم بوجوب أكل الساقط من الطعام.
ففي سبل السلام للصنعاني: وهذه الأمور من اللعق والإلعاق ولعق الصحفة وأكل ما يسقط ظاهر الأمر وجوبها، وإلى هذا ذهب أبو محمد بن حزم وقال إنها فرض. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(9/752)
حكم الإكثار من الأكل والنوم
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يكثر من الأكل والنوم فما حكمه شرعا وكيف يعالج ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كره أهل العلم كثرة الأكل وكثرة النوم، ما لم يفض ذلك إلى ضرر، فإذا أفضى إلى ضرر حرم، قال في كشاف القناع: ويجوز أكله أكثر من ثلثه بحيث لا يؤذيه، وأكله كثيرا مع خوف أذى وتخمة يحرم.
وكثرة النوم تنشأ في الغالب عن كثرة الأكل. قال السفاريني في غذاء الألباب: قال الإمام ابن الجوزي في تبصرته: الشبع يوجب ترهل البدن وتكاسله، وكثرة النوم وبلادة الذهن، وذلك بتكثير البخار في الرأس حتى يغطي موضع الفكر والذكر، والبطنة تذهب الفطنة وتجلب أمراضا عسرة. ومقام العدل أن لا يأكل حتى تصد الشهوة وأن يرفع يده وهو يشتهي الطعام، ونهاية المقام الحسن قوله عليه الصلاة والسلام: ثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس. والأكل على مقام العدل يصح البدن، ويبعد المرض، ويقلل النوم، ويخفف المؤنة.
وعلاج هذين الداءين إنما يكون بالتقليل من الطعام ومجاهدة النفس على ذلك. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: الأزم دواء -الأزم الإمساك عن الأكل-، ومراده الجوع، وهو من أجود الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها، وهو أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدتها وغليانها. وقد روى أبو نعيم في الطب النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صوموا تصحوا. وقد أورد الهيثمي هذا الحديث في المجمع، وقال فيه: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1425(9/753)
حكم أكل الرجال والنساء على مائدة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في أوروبا، ودعينا أنا وزوجتي للغداء عند أحد الأصدقاء وزوجته، فلما وضعوا الأكل وضعوه على مائدة واحدة فأحرجنا أنا وزوجتي وأكلنا معهم على مائدة واحدة، علماً والحمد لله أن زوجتي محجبة وملتزمة بأمور دينها فما حكم فعلنا؟
وجزاك الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أكل الرجال والنساء على مائدة واحدة إذا كان يؤدي إلى الفتنة فإنه لا يجوز، وإذا أمنت فيه الفتنة وتقيد فيه بالضوابط الشرعية، فإنه لا حرج فيه.
وعليه، فطالما أن زوجتك متحجبة وملتزمة، فلا حرج في أكلها على مائدة يجلس عليها رجل أجنبي، وكذا الحال بالنسبة لك أنت، فإذا كنت لا تخشى على نفسك الفتنة من الجلوس على مائدة تشاركك فيها زوجة صديقك فلا حرج فيما فعلت، والأحوط تجنب مثل هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1425(9/754)
حكم استعمال أطباق وأواني البلاستيك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأكل في أطباق البلاستك محرم كما سمعت؟ ما الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا من استخدام أطباق وأواني البلاستيك وغيرها والأكل فيها والشرب. وإنما المنهي عنه شرعا هو أواني الذهب والفضة، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وفي رواية لمسلم: إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب إنما يحرجر في بطنه نار جهنم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(9/755)
تستحب المضمضة بعد تناول الطعام الدسم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان معي وضوء وأكلت ثم أريد أن أصلي هل يجب أن أمضمض فمي حتى أصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تجب عليك المضمضة بعد الأكل؛ بل هي مستحبة إذا كان الطعام له دسم؛ بدليل ما في الصحيحين واللفظ للبخاري، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض وقال: إن له دسما. قال الحافظ في فتح الباري: والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس -راوي الحديث- أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال: لو لم أتمضمض ما باليت. انتهى.
وفي الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ومن الآداب اللاحقة للأكل أيضا أنه يندب لك أن تنظف فاك بعد أكلك طعامك الذي فيه الدسم كاللحم والزيت واللبن بالمضمضة مع الاستياك ولو بأصبعك لتزيل أثر الطعام من أسنانك، ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض فاه وقال: إن فيه دسما، وإنما ندب تنظيفه لدفع ما يبقى من تغيير طعم الفم، والتعليل يقتضي ندب التنظيف ولو كان الطعام لا دسم له، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن فيه دسما، يقتضي أن ما لا دسم فيه لا يندب تنظيفه. انتهى.
وعليه فالمضمضة مستحبة بعد الطعام المشتمل على دسم وليست بواجبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(9/756)
حكم أكل الأب وحده دون أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي أب لا يأكل مع أولاده ما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل جواز أكل الإنسان وحده أو مع غيره، ودليل هذا قول الحق سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً {النور: 61} . إلا أنه من الخلق الحميد أن لا يتعمد الشخص ذلك، خاصة إذا كان بين أهله وأضيافه، وقد كان من عادة العرب الحسنة التي ورثوها عن إبراهيم أن الواحد منهم لا يأكل وحده، ومنه قول بعض الشعراء:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له * أكيلا فإني لست آكله وحدى.
قال القرطبي ناقلا عن ابن عطية: وكانت هذه السيرة موروثة عندهم عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فإنه كان لا يأكل وحده، إلى أن قال فنزلت الآية مبينة سنة الأكل ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرما، نحت به نحو كرم الخلق فأفرطت في إلزامه وإن إحضار الأكيل لحسن ولكن بألا يحرم الانفراد.هـ. وعلى هذا فالأولى بهذا الرجل أن لا ينفرد عن أسرته في الأكل لما في ذلك من حسن الخلق وتطييب الخاطر، وإن أبى إلا الأكل وحده فلا حرج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(9/757)
أكل الأب منفردا دون أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا عندي أب ماشاء الله لا يأكل مع الأولاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 56383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(9/758)
ماحكم الأكل بالسكين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[- ما حكم الأكل بالسكين (أداة مدببة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في الأكل بالسكين، ولكن الأولى هو الأكل باليد مباشرة، وراجع التفاصيل في الفتوى رقم: 51496.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1425(9/759)
هل يقدح الأكل في الطريق في الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أكل (الطعام) في الطرقات العامة (الشارع) وهل لا تقبل شهادته، وهل يعتبر الأكل (الطعام) عوره، وما هي آداب الطعام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأكل في الطريق مباح لا مانع منه شرعاً، ولكن لا ينبغي فعله لأهل الفضل والمروءة إذا كان مما يعاب أو يزري بالمروءة، وقد عده أهل العلم من قوادح المروءة إذا وقع من شخص في بيئة لا يفعلون ذلك، قال الشيخ ميارة في الإتقان والإحكام -وهو مالكي المذهب- في تعريف العدل: والعدل هو الذي يجتبب الذنوب الكبائر دائماً، كالشرب والسرقة ... ويتقي أيضاً الذنوب الصغائر في غالب أحواله، ويتقي أيضاً الأمر المباح الذي يقدح في المروءة كالأكل في السوق والمشي حافياً ... إذا كان ذلك في بلد لا يفعل أهله ذلك ... وكذلك صغائر الخسة كتطفيف حبة أو سرقة لقمة ...
وعلى هذا؛ فأكل الطعام في الشارع جائز وليس بعورة ولا يقدح في الشهادة؛ إلا إذا فعل في أهل بلد لا يفعلون ذلك فإن صاحبه ترد شهادته.
وأما آداب الطعام فمنها: التسمية في بدايته أو آخره إن لم يسم في أوله، وليقل: بسم الله أوله وآخره، ومنها: غسل اليدين قبله وبعده، والأكل مما يليه، والأكل جالساً، وحمد الله تعالى بعده ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتوى رقم: 34275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(9/760)
هديه صلى الله عليه وسلم في الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان طعام الرسول عليه الصلاة والسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هديه في الطعام أحسن هدي، فكان لا يرد موجودا، ولا يتكلف مفقودا، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
وقد أكل الحلوى والعسل، وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحبارى، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصا ومشوبا، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الأقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد وهو الخبز باللحم، وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك وهو الشحم المذاب، وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحبه، ولم يكن يرد طيبا، ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر، حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة وهي كانت مائدته. انتهى من زاد المعاد باختصار.
وللمزيد في الموضوع راجع كتب السيرة والشمائل والآداب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:، 23267، 2298، 4528، 16952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(9/761)
من آداب الشرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أوّد السؤال عن سنن الشرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فآداب الشرب كثيرة منها: التسمية عند أوله، والحمد عند آخره وأن يشرب في ثلاثة أنفاس، لما رواه الطبراني وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس، وإذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله تعالى، وإذا أخره حمد الله تعالى يفعل، ذلك ثلاث مرات. ولقوله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله. رواه البخاري. ومن آداب الشرب أن يكون باليمين لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله. رواه مسلم وغيره.
ومنها أن يشرب جالساً لقول أنس رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائماً. رواه مسلم. وانظر الفتوى رقم: 10111. ولمزيد من الفائدة نحيلك للفتوى رقم: 10438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1425(9/762)
حكم الجمع بين إدامين في وجبة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرء أن يجمع بين إدامين في وجبة واحدة لأن عندنا في الأفراح غالبا ما يقدم الدجاج ثم اللحم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن للإنسان أن يجمع بين إدامين في وجبة واحدة، إذ لم يرد نهي عن ذلك، إلا أن بعض الزهاد من السلف كانوا لا يحبون المداومة على الجمع بين الإدامين لئلا يتعود فيؤدي إلى الكلفة، أو قلة الصبر.
قال في تلبيس إبليس: وإنما نهى بعض القدماء عن الجمع بين إدامين على الدوام لئلا يتخذ ذلك عادة فيحوج إلى كلفة، وإنما تجتنب فضول الشهوات لئلا يكون سبباً لكثرة الأكل وجلب النوم، ولئلا تتعود فيقل الصبر عنها، فيحتاج الإنسان إلى تضييع العمر في كسبها، وربما تناولها من غير وجهها ...
فترك السلف لهذا إذاً إنما هو من باب التنزيه.
وعليه؛ فلا مانع من تناول الدجاج ثم اللحم أو غيرهما من الألوان في أفراحكم وفي غيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1425(9/763)
حكم الأكل في الحمام عند الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[انا امرأة حامل ويجب أن آكل وأتغذى ولكن بحكم عملي في الشركة لا أستطيع الأكل في المكتب بحيث إن مديري عندما يراني آكل تفاحة أو أي شيء يعلق علي كثيراً ويقول لي نحن لسنا في رحلة ولكن دوامي حوالي من8 إلى 9 ساعات في اليوم ولا أستطيع أن أبقى بلا فواكه أو أي طعام، فهل عند الضرورة أستطيع أن أكل في الحمام بالسرقة، مع العلم بأني ذهبت إلى الدكتور لأني بدأت أدوخ وأحيانا أقع على الأرض ودمي ليس قويا بما فيه الكفاية أفيدوني وشكرا لكم، مع العلم بأني لا أستطيع أن أكل في مطبخ الشركة لأنه مليء بالشباب والفراشين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يفعله هذا المدير مناف للآداب التي يجب أن يتأدب بها المسلم مع النساء الأجنبيات عنه، فالحديث معهن ينبغي أن يكون لحاجة وبقدر الحاجة بدون انبساط فيه وتندر وطرف ونحو ذلك، وعلى المرأة إن صدر منه شيء من ذلك أن تمنعه ولا تمكنه من التمادي فيه أو تكراره.
وأما موضوع الأكل في الحمام، فإنه كما هو معلوم لم يجعل الحمام للأكل في عرف الناس، وهم يعدون الأكل فيه من خوارم المروءة، ومع هذا فليس بحرام شرعاً، فإذا دعت الضرورة أو الحاجة فينبغي أن يسمي الآكل قبل الأكل خارج الحمام ويحمد الله بعد خروجه أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(9/764)
المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت عن بعض الحكماء قوله: أفضل الدواء أن ترفع يدك من الطعام وأنت تشتهيه. فأخذت بقوله فقالت لي أمي إنه من قام من الطعام وهو بين يديه يحشر يوم القيامة فيوضع بين يديه جمر من النار ويقال له كله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء كما قال الحارث بن كلدة طبيب العرب، وهذا مجمع عليه عند الأطباء، وهو يؤيد صحة الحكمة التي ذكرت كما يؤيدها الحديث: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وأما ما ذكرت الوالدة فلا نعلم دليلا يدل عليه، والأمور الغيبية وما يحدث يوم القيامة لا تعلم إلا عن طريق الوحي، والأصل التوقف عن القول بها حتى يثبت ما يدل عليها في الوحي. وراجع الفتوى رقم: 7372 والفتوى رقم: 12157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1425(9/765)
حضور ولائم من يريد ترشيح نفسه لمنصب في الدولة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هناك أحد الشباب يريد أن يرشح نفسه إلى منصب من مناصب الدولة ويجمع الشباب ويقيم لهم الولائم لكي يتم ترشيحه، ما هو حال الشخص الذي يأكل من هذه الولائم شرعاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا النوع من الولائم يسمى مأدبة، قال ابن قدامة في المغني: والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب، والآدب صاحب المأدبة، قال الشاعر:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا يرى الآدب منا ينتقر.
والأصل أن هذا النوع من الولائم مباح ولا حرج على المرء في حضوره والأكل منه، إلا إذا صحبه أمر محرم. وعليه؛ فإذا خلا هذا الطعام من كافة أسباب التحريم فلكل من دعي له أن يحضر إذا أراد ذلك، وكون هذا الشخص يريد ترشيح نفسه في منصب من مناصب الدولة لا يغير حكما في المسألة، إذا كان هو أهلاً لشغل هذا المنصب، ولم يكن في توليه له محظور شرعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(9/766)
حكم الأكل بالملعقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأكل باليد سنة؟ لأن بعض الطعام مثل الشوربة واللبن وأمثال ذلك لا تؤكل إلا بالملعقة! وهل يأثم من لا يأكل بيده.
أفيدونا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسنة أن يأكل الإنسان بيده، وإن أكل بالملعقة فقد ترك الأفضل ولكنه لايأثم، لأن الأكل باليد إنما هو سنة وليس واجبا، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية ناسبا للإمام أحمد ".. السنة أن يأكل بيده، وأن لا يأكل بملعقة ولا غيرها، ومن أكل بملعقة وغيرها أخلَّ بالمستحب وجاز. انتهى كلامه". وقال ابن الحاج في المدخل: وينبغي له أن لا يأكل بهذه الملاعق ولا بغيرها، وذلك لثلاثة أوجه:
أحدهما: مخالفة السلف في ذلك ...
والثاني: أنه يدخل ذلك في فمه، ثم يرده إلى الطعام ...
والثالث: فيه نوع من الرفاهية، اللهم أن يكون له عذر..
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى: " وسئل عن الأكل بالملاعق هل هو بدعة؟ فأجاب بقوله: الذي يظهر أنه إنما يكون بدعة قبيحة إن أصابها شيء من لعابه ثم ردها للطعام، أو إن كان فيه نوع تكبر أو تشبه بالأعاجم، وإلا فلا وجه لقبحها.
وبناء على ما تقدم يتضح أن الأكل بالملاعق لا حرج فيه، ولكن الأكل باليد أفضل. وأما الشوربة واللبن وما لا يصح تناوله باليد فلا مانع من تناوله بالكيفية الممكنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1425(9/767)
حكم الدعاء بعد الأكل عند المضيف
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله،لقد عزمت بعض الإخوة في الله من المسجد في بيتي لتناول الغداء وقبل الانصراف أصرواعلى أن يقوم أحد منا بالدعاء والأخرون رافعون أيديهم يؤمنون،فخالفتهم في هذا الأمر،هل هذا الدعاء الذي يقال قبل الانصراف من المجمع بدعة؟ وما يجب قوله إن كان هذا بدعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدعاء إن كان يقصد به الدعاء لمن أطعمهم فهو من السنة، ويدل لذلك ما رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة.
وقد بوب على هذا أبو داود فقال: باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده.
وإن أراد به أنهم دعوا لأنفسهم وللمسلمين فإنه لا حرج في ذلك ما لم يلتبس ببدعة أو محظور شرعي، ولا ينبغي أن يداوم عليه، لأن التزام ما لم يلزم أو يلتزم شرعا يدخله في البدعة الإضافية، وراجع الجواب 631، والجواب: 6823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1425(9/768)
حكم الأكل باليد اليسرى مع اليمنى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحل الأكل باليد اليمني مع اليد اليسري مثلا كأكل قطعة من البطيخ باليمني ثم أكل قطعة من سندوتش جبنة باليسري أم أنه يحرم تماما الأكل باليد اليسري وهل اتفق العلماء ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 34688.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1425(9/769)
الأفضل الكف عن تناول ما له حرارة شديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله.. وبعد:
يا شيخ ما حكم المأكول سواء كان طعاماً أو شراباً حاراً مثل الشاي الحار أو الطعام الجديد المطهي، قرأت حديثاً في ذلك ولكن لا أدري أين؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن تناول الطعام باردا أفضل وأعظم بركة، وذلك في ما رواه الإمام أحمد في المسند عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا تردت غطته شيئاً حتى يذهب فوره ثم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه أعظم للبركة. حسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعليه فإن من الأفضل الكف عن تناول كل ما له حرارة شديدة، لمخالفته للسنة ولما قد يصيب الإنسان من ضرر مترتب على ذلك، وللمزيد من الفائدة والتفصيل في الموضوع نحيلك إلى الفتوى رقم: 11121.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(9/770)
صفة الجلسة الصحيحة أثناء الأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الجلسة الصحيحة أثناء الأكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل جاثيًّا على ركبتيه، وأكل مقعيًّا، وجالسًا على وركيه، وكل ذلك بقصد التواضع. أخرج ابن ماجه والطبراني من حديث عبد الرحمن بن بسر قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة، فجثا على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا.
وروى الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا مقعيًّا يأكل تمرًا. والمقعي: هو الذي يلصق إليته بالأرض وينصب ساقيه.
وفي رواية: وهو محتفر والمراد: الجلوس على وركيه غير متمكن.
وعليه، فكل جلسة تنبئ عن التواضع فهي جلسة صحيحة للأكل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(9/771)
الأكل باليمين.. أدب أم واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأكل باليد اليمنى سنة أم واجب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 16952 أن الأكل باليمين من الآداب وليس من الواجبات، وبهذا قال كل من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وذهب ابن حزم وابن عبد البر إلى حرمة الأكل بالشمال، لظاهر الأخبار. حكاه عنهما ابن مفلح في الآداب الشرعية، إلا أن المنصوص عليه في الاستذكار أنه من باب الأدب قال: وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك أو على ما ليس في ملكك، فما كان منه واردا على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار، وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم، وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة. ثم قال: والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين.. فهذا كله وما كان مثله نهي أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان، فمن واقع شيئًا من ذلك لم يحرم عليه فعله. اهـ
وحكى التاج السبكي عن والده الإمام تقي الدين السبكي أنه اختار تحريم الأكل بالشمال.
استدل من أوجب الأكل باليمين بحديث عمر بن أبي سلمة وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال له: وكل بيمينك. والحديث متفق عليه. وبحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم وأحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال.
وقال من ذهب إلى وجوب الأكل باليمين وحرمة الأكل بالشمال: في الأحاديث دلالتان تدلان على الوجوب:
الأولى: الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين.
الثاني: أن في الأكل بالشمال تشبهًا بالشيطان. ورد الجماهير من العلماء على ذلك بما يلي:
أما الأمر: فإن الأصوليين ذكروا من صوارف صيغة الأمر عن الوجوب إلى الندب، أن يكون الأمر واردًا في باب الأدب؛ كقوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] ، ومثَّل له العلماء أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك، وكل مما يليك. ولا شك أن الأكل باليمين داخل تحت الأدب.
وأما التشبيه بالشيطان فلا يفيد الحرمة، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المجلس بين الظل والشمس مجلس الشيطان. رواه أحمد. وأخبرنا صلى الله عليه وسلم في أمر القيلولة بقوله: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني بتعدد طرقه وإن ضعفه غيره.
وفي سنن ابن ماجه: وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله. قال المنذري: إسناده صحيح. وصححه المناوي.
والجماهير من العلماء على عدم وجوب القيلولة، وعدم وجوب المناولة باليمين، إلى غير ذلك.
وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من أكل بالشمال في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن سلمة بن الأكوع: أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله! فقال: كل بيمينك. قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر.
فقيل في الجواب عنه أجوبة من ذلك:
1- أن الرجل منافق، بدليل رده أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرًا واستعلاءً. جزم بذلك القاضي عياض.
2- أن الدعاء عليه لمخالفة الحكم الشرعي عمومًا. جزم بذلك الإمام النووي.
3- أن الدعاء عليه لكبره. قال المناوي في فيض القدير: ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الامتثال، كما هو مبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(9/772)
الأكل بالشمال تشبه بالشيطان وأهل الكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشول وآكل باليد اليسرى، ولا أستطيع الأكل باليد اليمنى، فهل في ذلك كراهية علما بأني حاولت استخدام اليد اليمنى ولم أستطع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيكره الأكل والشرب بالشمال عند جماهير أهل العلم، وذهب بعضهم إلى تحريمه لورود الأمر بالأكل والشرب باليمين، والنهي عن ذلك بالشمال في أحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله. وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر بن سلمة: كُل بيمينك وكل مما يليك.
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه. والأحاديث في هذا كثيرة فلا يليق بالمسلم مخالفتها والتشبه بالشيطان وأهل الكبر. وهذا عند القدرة على الأكل باليمين. أما عند العجز فلا حرج في ذلك. قال الإمام النووي في شرح مسلم: وكراهتهما- أي الأكل والشرب - بالشمال.. وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(9/773)
الأكل في الطريق وخوارم المروءة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأكل في الطريق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأكل في الطريق مباح لا شيء فيه، ومع كونه مباحا، فينبغي لأهل المروءة والفضل اجتنابه إن كان مما يشان ويعاب عند عرف أهل بلدهم كما هو الحال في كثير من البلاد، وصاحب المروءة يترفع عن فعل ما يكون فعله قادحا في مروءته وإن كان مباحا.
وقد عرف العلماء المروءة بتعاريف من ذلك ما ذكره الإمام الماوردي في أدب الدنيا والدين بقوله: فالمروءة مراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجه إليها ذم باستحقاق. اهـ
وقال الماوردي رحمه الله أيضا: سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة فقال: العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل.
قال الإمام النووي في المنهاج: والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فالأكل في سوق والمشي مكشوف الرأس وقبلة زوجة وأمة بحضرة الناس وإكثار حكايات مضحكة ولبس فقيه قباء وقلنسوسة حيث لا يعتاد وإكباب على لعب الشطرنج أو غناء أو سماعه وإدامة رقص يسقطها، والأمر فيه يختلف بالأشخاص والأحوال والأماكن. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/774)
حكم القيء بعد الأكل هربا من السمنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أنا لي صديقه كانت سمينة ولكنها بعد فترة عملت حمية ونقصت من وزنها، وحتى لا تسترد الوزن الذي فقدته أصبحت عندما تأكل تتقيأ حتى لا يبقي الطعام في معدتها، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان يمكنها أن تستمر على الحمية وتقليل الأكل حتى لا تعود لها السمنة، فلا يجوز لها أن تتقيأ، لأن عملية التقيؤ لا تخلو من إضرار بأجهزة الجسم، كما هو معلوم، ولا سيما إذا كانت مستمرة، وقد تترتب عليها عدة أمراض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
ولأن في تقيؤ الطعام بعد أكله إضاعة للمال والمسلم منهي عن ذلك، وإذا كان لا يمكنها الاستمرار على الحمية وتقليل الأكل، وكان ضرر هذا التقيؤ أقل من ضرر سمنتها جاز لها التقيؤ عملاً بقاعدة ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين،
ويرجع في تقدير حجم الضرر إلى ثقات الأطباء المسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1424(9/775)
لا حرج في الأكل مع الجنب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن ناكل مع من عليه جنابة قبل أن يغتسل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز الأكل مع الجنب قبل أن يغتسل، وذلك لأن المسلم لا ينجس.
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنست منه، فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله، إن المسلم لا ينجس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(9/776)
لا حرج في الأكل بالشمال لمن عجز عن استعمال اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجل من أهل المساجد يده اليمنى مصابة بضعف منذ الصغر لا يمكنه من الأكل والشرب بها مع العلم بأنه يستطيع قيادة السيارة بكلتا يديه فهل مباح له ذلك، مع العلم بأنه يعاني نفسيا خصوصا أمام الناس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن عجز عن الأكل والشرب بيمينه أو كان ذلك يشق عليه لمرض فلا حرج في أكله بشماله، ولا داعي لأن يتحرج من ذلك ما دام معذوراً عند الله، وانظر الفتوى رقم: 16952.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1424(9/777)
جكم الجلوس على مائدة تضم غير مسلمين وتحوي مأكولات محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم
هل لا يحل الجلوس إلى مائدة تضم غير مسلمين إذا وجدت ضمن المأكولات محرمات كالخمر والخنزير والميتة؟
حتى وإن كان لكل طبقه الخاص على غرار المطاعم الجامعية ولم يأكل المسلم من تلك المحرمات؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم على المسلم أن يقعد في موطن ترتكب فيه المحرمات كشرب الخمر أو أكل الخنزير أو سماع الغناء أو الرقص الفاضح، وقس على ذلك بقية المحرمات، لأن الحضور إقرار وتعرض لغضب الله تعالى.
فإن كان قادراً على الإنكار فلا حرج عليه في الحضور، وانظر الفتوى رقم: 17307، والفتوى رقم: 18355، والفتوى رقم: 7179.
وأما إن كان في مكان يغلب فيه وجود غير المسلمين، ولم يجد مكاناً بعيداً عن المنكر لتناول طعامه، وكانت مائدته مستقلة عن موائد من حوله فلا حرج عليه في هذه الحالة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(9/778)
ترك الكلام على الطعام وإكثاره بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن نص أحاديث نبوية شريفة عن: التحدث أثناء تناول الطعام وهل (تحدثوا على الطعام ولو على حساب أسلحتكم) حديث صحيح؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نقف على حديث ثابت مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ أو بمعناه.
ولكن العلماء ذكروا في آداب الطعام أنه ينبغي للآكلين أن يتحدثوا ولا يتكلفوا في ذلك أو يكثروا.
قال ابن الحاج في المدخل: وينبغي له ألا يترك الحديث على الطعام، فإن تركه على الطعام بدعة، ولا يكثر منه، فإن الإكثار منه بدعة أيضاً، ولأنه قد يشغل غيره عن الأكل ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1423(9/779)
هديه عليه الصلاة والسلام في شرب العسل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي سنة الرسول الكريم في شرب العسل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب العسل والحلوى. أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلوى " وقد كان صلى الله عليه وسلم يشرب العسل ممزوجاً بالماء البارد.
قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: وأما هديه في الشراب فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة، فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفي هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1423(9/780)
تقيؤ الطعام لتخفيف الوزن ... جنايات عديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعض الفتيات اللواتي يخفن على أجسامهن من السمنة يتعمدن أن يتقيأن ما أكلنه (في بعض الأحيان) حتى لا يزيد وزنهن.
فما حكم الدين في هذا؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تناول الطعام الزائد عن حالة الشبع إسراف محرم، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) [الأعراف:31] .
قال السرخسي في المبسوط: ولا منفعة في الأكل فوق الشبع، بل فيه مضرة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة، أو شر منها، ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فإنه يسد به جوعته، إذا أوصله إليه بعوض، أو بغير عوض، فهو في تناوله جانٍ على حق الغير، وذلك حرام، ولأن الأكل فوق الشبع ربما يمرضه، فيكون ذلك كجراحته. انتهى.
فإذا كان هذا هو حكم من يتناول طعاماً زائداً، فما بال من يُهدر الطعام بعد تناوله؟
الجواب: أنه يحرم إن اتخذ ذلك عادة له لما فيه من الإسراف المحرم، وقد مضى الجواب على هذه المسألة برقم:
2298
ومعلوم أنه توجد طرق كثيرة لتخفيف الوزن غير هذه الطريقة العدوانية على نعم الله تعالى وفضله، ولمعرفة الآيات الدالة على ذم الإسراف والتبذير، راجع الجواب رقم: 9266
ولمعرفة حكم المسرف والمبذر راجع الجواب رقم: 14929
ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم: 12891
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1423(9/781)
نقول: سمعنا وأطعنا.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أرجوالبيان التفصيلي.. لماذا الله سبحانه وتعالى فضل اليمين على الشمال في كل شيء؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لله الحجة البالغة، والحكمة العظيمة في شرعه وقدره، والله سبحانه كما قال عن نفسه: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
فإذا جاء أمر الله أو خبره فما على المؤمن إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا وصدقنا سواء علم الحكمة أو لم يعلمها.
ومن شرع الله سبحانه أن جعل اليمين للطيبات، واليسار للخبائث، وليس لدينا دليل على ذلك. فلذا نقول: إن العلم في ذلك لله، وعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(9/782)
الإسراف في المباحات من العدوان المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- أنا عمري 16 عاماً ولكني آكل كثيراً زيادة الأكل الذي آكله علماً بأن جسمي صحيح ونحيف ولكني أواجه بعض المشاكل في معدتي مما قد يؤثر علي في الصلاة وغيرها، فأرجو إفادتي بخصوص هذا الأمر وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسراف هو مجاوزة الحد في استهلاك المباحات، بالمبالغة في أكلها أو شربها أو غير ذلك من الاستخدامات.
قال ابن عابدين في رد المحتار: الإسراف صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي. انتهى
وقد سبق تعريف الإسراف مفصلاً في الفتوى رقم:
12649.
والإسراف خُلق مذموم، أفتى العلماء بحرمته، ومنهم من قال بكراهته، والقول بالحرمة أولى، لأن الأدلة تشهد له، وقواعد الشريعة تعضده وتقويه.
قال السرخسي في المبسوط -حنفي-: وأما السرف فحرام، لقول الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا وقال جل وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا [الفرقان:67] . وذلك دليل على أن الإسراف والتقتير حرام، وأن المندوب إليه ما بينهما. انتهى
وقال الخادمي في بريقة محمودية -حنفي-: اعلم أن الإسراف حرام قطعي، لثبوته بقطعي، ومرض قلبي، وخلق رديء دنيء، ولا تظنن أنه أدنى كثيراً في القبح من البخل ... انتهى
وقال في المبسوط: ولأنه إنما يأكل في منفعة نفسه، ولا منفعة في الأكل فوق الشبع، بل فيه مضرة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة، أو شر منها، ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فإنه يسد به جوعته إذا أوصله إليه بعوض أو بغير عوض، فهو في تناوله جانٍ على حق الغير، وذلك حرام، ولأن الأكل فوق الشبع ربما يمرضه، فيكون ذلك كجراحته. انتهى
وإلى القول بالتحريم ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما نقله عنه غير واحد منهم ابن مفلح في الآداب الشرعية فقال: وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم. انتهى
وقد جاء القرآن الكريم والسنة النبوية، بالتنفير من هذا الفعل الذميم، فقد جعل الله تعالى المسرف أخاً للشيطان فقال عز وجل: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء:27] .
والمسرف غير محبوب عند الله تعالى، فقد قال عز وجل: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] .
فضلاً عن أن الإسراف يؤدي إلى كثير من المعاصي الأخرى، كقصد السمعة والرياء بهذا السرف، والوقوع في البطالة وضعف النفس والكسل.
وأما السنة فقد ورد فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.
فعلى الأخ السائل الكريم أن يقلع عن هذا الخلق، لما يترتب عليه من الضرر البدني والديني، لاسيما وأنه يؤثر على صلاته، والمرء مأمور بحفظ دينه والأخذ بالأسباب المؤدية إلى حفظه. وراجع الفتوى رقم:
2298 والفتوى رقم:
12649.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(9/783)
السنة تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آكل باليد اليسرى باختصار كل عملي باليد اليسرى قالوا لي حرام الآن أريد أن أجبس يدي اليسرى كي أتعلم أن آكل باليد اليمنى ما هو حكم الشرع بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه من تمام نعمة الله علينا، وكمال هذا الدين العظيم أنه نظم كل شيء في حياتنا، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه، ومن ذلك: بعد العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، تصرفاتنا الخاصة والتي وجهنا فيها إلى مستوى يليق بشرف الإنسان وتكريم الله تعالى له، ومن ذلك كيفية تناول الإنسان المسلم لطعامه وشرابه.
ففي الصحيحين عن عمر بن سلمة رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَمَِ الله تعالى، وكل بيمنك، وكل مما يليك".
وفي صحيح مسلم: أن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له صلى الله عليه وسلم: "كل بيمينك". قال: لا أستطيع!! قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه.
دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتحقق ما ألصقه بنفسه من عدم الاستطاعة التي اعتذر بها، لأنه لم يلتزم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذبه في اعتذاره. والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على أحد.
ولهذا، فمن السنة تقديم اليمنى في كل ما هو من باب التكريم: كالوضوء، والغسل، واللبس، ودخول المسجد والمنزل، والسلام، والأكل والشرب، واستلام الحجر الأسود، والأخذ، والعطاء، والخروج من الخلاء ...
وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه، وما كان من أذى.
وبهذا يتبين للسائل الكريم أن عليه أن يعود نفسه على تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيها الخير الكثير وخاصة ما يتعلق بالأكل والشرب، وهو شيء سهل ولله الحمد، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر ...
ولتحذر أخي الكريم من مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63] .
ولتعلم أن تجيبس اليد ليس بعلاج لمشكلتك مع ما يترتب عليه من المفاسد مثل: الصلاة بحائل، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(9/784)
الأدب النبوي عند تناول الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ولد عمره سنة و5 أشهر وأريد ان أعلمه أن يعتمد على نفسه بالأكل ولذلك عندما أضع له الطعام ينثره على الأرض ولكن زوجي يغضب ولا يريدني أن أفعل ذلك حيث يقول إنه حرام فهل لكم أن تفيدوني في ذلك حيث إن الهدف من ذلك تعليم الطفل الاعتماد على نفسه بالأكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هنالك آداباً للأكل ينبغي تعليمها لمن يستطيع إدراكها وتطبيقها من أولادنا، ومنها:
1- غسل اليدين قبل الطعام، ليتفادى ما قد يكون عليهما من الأوساخ، ولأنه أنفى للفقر، لما رواه الترمذي وأبو داود من حديث سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده".
2- الدعاء بالبركة، لحديث: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعَاماً فَلْيَقُلْ: اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، وَإذَا سُقِيَ لَبَنَاً فَلْيَقُلْ اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِىءُ مِنَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلاّ اللّبَن". رواه أبو داود من حديث ابن عباس.
3- التسمية قبل الأكل، والمراد أن يقول: بسم الله، لحديث: "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- الأكل باليد اليمنى، لحديث: "لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشرب بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها". رواه مسلم من حيث عبد الله بن عمر، ولحديث: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". رواه البخاري وغيره من حديث عمر بن أبي سلمة.
5- أن يأكل مما يليه، للحديث السابق، ولحديث: "البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه". رواه الترمذي من حديث ابن عباس وصححه.
6- الأكل بثلاث أصابع، لحديث كعب بن مالك السلمي في مسلم قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها".
7- أكل اللقمة الساقطة، لحديث: "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة. قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة". رواه مسلم من حيث أنس.
8- أن لا يأكل متكئاً، لحديث: "أما أنا فلا آكل متكئاً". رواه البخاري والترمذي من حيث أبي جحيفة. واختلف في صفة الاتكاء. قال الحافظ ابن حجر: فقيل: أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان. وقيل: أن يميل على أحد شقيه. وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض. قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته.
9- إكرام الخبز والطعام، وعدم إهانته بالبصاق أو المخاط إلا لضرورة، لحديث: "أكرموا الخبز" أخرجه الحاكم في (المستدرك) ، وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في (الشعب) عن عائشة، وصححه السيوطي. قال المناوي في (فيض القدير) : أكرموا الخبز بسائر أنواعه، لأن في إكرامه الرضى بالموجود من الرزق، وعدم الاجتهاد في التنعم وطلب الزيادة.
10- أن لا يعيب الطعام كأن يقول: هذا مالح أو حامض أو غليظ أو رقيق، لحديث مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، كان إذا اشتهى شيئاً أكله، وإن كرهه تركه".
11- أن يحمد الله تعالى بعد طعامه، لحديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين". رواه الترمذي من حديث أبي سعيد.
فينبغي للمسلم أن يحافظ على هذه الآداب، وأن ينشئ أولاده عليها من صغرهم، حتى يتعودوا عليها، ولكن بما أن الولد المذكور ما زال في السنة الثانية من عمره، فالغالب أن مثله لا يمكن له أن يأكل استقلالاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(9/785)
لا حقيقة لهذه الإشاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يشاع بين الرجال أن البنت المولودة يوم الجمعة تكون دون غشاء بكارة (دون عذرية)
فأرجو من سمو فضيلتكم أن تفيدوناعن حقيقة هذه المقولة عما إن كانت حقيقة أم وسيلة لتلاعب النساء بالرجال وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا علم لنا بحقيقة هذه الإشاعة ويظهر لنا أنها من الإشاعات التي ليس لها أصل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(9/786)
مضغ العلك قد يكون من خوارم المروءة
[السُّؤَالُ]
ـ[مضغ العلكة خارج البيت هل هو حرام أو مكروه أو من باب الأدب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه....
أما بعد:
فمصنع العلك مباح ولا حرج فيه ولا إثم سواء كان في البيت أو خارجه، لكن قد يكون من خوارم المروءة. وهذا يختلف من بلد إلى آخر، ومن شخص إلى آخر.
والمطلوب من المسلم أن يحافظ على مروءته لأنها شرط في عدالته، ومروءته تتحقق باجتناب الأمور الدنيئة المزرية به.
ومضغ العلك في الأسواق وأمام الناس في عرف كثير من البلدان معدود من خوارم المروءة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1423(9/787)
حكم الأكل والشرب واقفا
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الشرب والأكل واقفا هل يعتبر من الكبائر؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم الشرب واقفاً قد تقدم في الجواب رقم: 10111.
وأما الأكل، فإنه مثل الشرب، فيجوز للحاجة ويكره لغيرها، وقد سئل أنس رضي الله عنه - وهو رواي حديث النهي عن الشرب قائماً - سئل عن الأكل، فقال: ذاك أشر أو أخبث. كما في صحيح مسلم وغيره.
وقد روى أحمد في المسند والترمذي في السنن وصححه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام.
قال صاحب تحفة الأحوذي: وفيه دلالة على جواز الأكل ماشياً، وحديث أنس المذكور في الباب المتقدم يدل على المنع، فيحمل حديث أنس على كراهة التنزيه، وحديث ابن عمر على الجواز مع الكراهة، جمعاً بين الحديثين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1422(9/788)
حكم الشرب قائما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الشرب واقفاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "زجر عن الشرب قائماً".
فهذا الحديث الصحيح صريح في النهي عن الشرب قائماً، ولكن ثبت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائماً، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم قائماً.
وفي صحيح البخاري أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أتي على باب الرحبة بماء فشرب قائماً، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت.
ورجح المحققون من أهل العلم مثل النووي في شرح صحيح مسلم، وابن القيم في زاد المعاد: أن النهي للكراهة التنزيهية، وإن فعله صلى الله عليه وسلم بيان للجواز عند الحاجة، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1422(9/789)
عبارات وأقوال ينبغي الحذر منها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي للعبارات التالية: 1. لا حياء في الدين 2. الله ما بيمسع من ساكت 3. لا حول الله يارب 4. صلي على كمشة أنبياء علماً بأنني قرأت ورقة صادرة عن اللجنة الدينية في الأردن تذكر هذه الجمل وجملا أخرى تحت عنوان "كلمات تؤدي إلى جهنم"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعبارات المذكورة لا يجوز استعمالها لما فيها من الخطأ، والإساءة وبيان ذلك:
1- أن قولهم: لا حياء في الدين، خطأ ظاهر، فإن الحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو خير كله، كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري ومسلم واللفظ له: "الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان".
وروى مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله".
وروى الحاكم وغيره بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".
فكيف يقال مع هذا: لا حياء في الدين!
ولا شك أن قصد القائل هو أن يرفع الحرج عن نفسه، حين يسأل عن شيء يستحي من ذكره. لكنه أخطأ التعبير، والصواب أن يقول حينئذ: إن الله لا يستحيي من الحق. كما قالت الصحابية الفقيهة أم سليم رضي الله عنها "يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء.." الحديث رواه البخاري.
2- وأما قولهم: الله ما بيسمع من ساكت.
فهذا منكر من القول، ونسبة النقص إلى الله تعالى خطأ وكذب، فإن الله تعالى يعلم السر وأخفى، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهم وإن كان مرادهم أن على الإنسان أن يدلي بحجته وأن يتكلم، لأن سكوته لا يفيده، بل قد يكون عرضة لضياع حقه، فلا يجوز أن يجعلوا الله تعالى عرضة، ولا أن ينسبوا إليه ما لا يصح، ولو قالوا حينئذ: تكلم فإنه لا يعلم السر إلا الله، لكان قولاً لائقا حسنا في هذا المقام، وهو كما ترى عكس مقولتهم الخاطئة.
3- وأما قولهم لا حول الله يارب.
فظاهرها نفي الحول عن الله تعالى، وهذا باطل، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله. أي لا تحول من حال إلى حال، ولا قوة للإنسان على ذلك إلا بإقدار الله تعالى له، وتوفيقه إياه.
4- وأما قولهم: صل على كمشة أنبياء.
فظاهر العبارة التنقص من مقام الأنبياء عليهم السلام، والواجب احترامهم وتوقيرهم والاعتراف بفضلهم، وأن لا تجعل الصلاة عليهم لعباً وهزؤاً. فإذا ذكر اسم أحدهم صلى المتكلم والسامع عليه بقوله: صلى الله عليه وسلم. ونحوه. ومن الخطأ أن يأمر الإنسان غيره بالصلاة ولا يصلي، ولفظ (كمشة) أي مجموعة لا يليق استعماله هنا، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/790)
آداب الجلوس للطعام.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الهيئة التي كان يجلس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأكل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى الإمام ابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء… وفيه: فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله جعلني عبداً شكوراً، ولم يجعلني جباراً عنيداً ". وإسناده جيد، وقال ابن حجر: المستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى.
قال ابن القيم في حكمة ذلك: لئلا يحصل الامتلاء المنهي عنه.
وقال أيضا في الهدي: ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس متوركاً على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعاً لله وأدباً بين يديه، وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها، لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله تعالى عليه. انتهى
وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل متكئاً، والاتكاء على ثلاثة أنواع: أحدهما: الاتكاء على الجنب. والثاني: التربع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا آكل وأنا متكيء" أخرجه الإمام أحمد والبخاري وابن ماجه.
وهناك صفة أخرى للأكل نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الانبطاح، فعن ابن عمر أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم. وهو صحيح.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/791)
يكرة الأكل أثناء قضاء الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأكل في دورات المياه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فأما الأكل في دورات المياه والكلام فيها فإنهما مكروهان. لأن الآكل ينبغي له أن يسمي الله قبل أكله وأن يحمده بعده والدورات لا تصلح لأن يذكر فيها اسم الله. والله سبحانه أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/792)
النفخ على الطعام بقصد تبريده مكروه مطلقا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم النفخ بالفم على الطعام من أجل تبريده للطفل الجائع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
النفخ على الطعام مكروه مطلقاً سواء كان للطفل أو لغيره والدليل على ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك فقد روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب". والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/793)
الإسراف في الأكل عادة ذميمة (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث للهواء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في التقيؤ المتعمد بإدخال السبابه بالحلق عند الإسراف في تناول وجبه بقصد التخفيف عند الإفراط في الأكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ...
فإذا كان التقيؤ عمداً في نهار رمضان فإنه يبطل الصوم ويلزم فاعله إمساك بقية اليوم وقضاؤه والدليل على ذلك ما رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء" وهو صحيح. وأما إذا كان التقيؤ في غير نهار رمضان بسبب ما ذكر في السؤال ولم يكن هذا عادة عند الشخص فهذا لا حرج فيه. وأما إذا كان يتخذه عادة بحيث يسرف على نفسه في الأكل ثم يتقيأ فهذه عادة سيئة وهي من فعل الرومان الكفار كما ذكر ذلك أهل التاريخ حيث كان من عادتهم الإفراط في الأكل ثم يتقيؤون ويأكلون وهكذا. والخير في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد والترمذي عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن ادم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" وهو صحيح. وفي ذلك مفاسد عظيمة منها ضياع المال حيث يأكل طعاما لا يستفيد منه. فعلى المسلم أن يجتنب تلك العادة السيئة والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/794)
ما ينبغي المزاح بين الزوجين إلا بما يوجب الألفة والمودة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت لزوجتي ـ مازحا ـ العبارة التالية: أغشية البكارة الصناعية تغزو الأسواق العربية بخمسين ريالا وخاصة للزوجات اللواتي فقدن بكارتهن، سلمي لي على الشرف، فهل يعتبر هذا قذفا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقذف هو الرمي بالزنا، وقد يكون صريحاً وقد يكون كناية أو تعريضاً، وما ذكرته في تلك العبارة ليس بصريح، وما دام قد وقع على سبيل المزاح فلا يكون قذفاً، لأنّ الكناية والتعريض لا تكون قذفاً إلا بقرينة.
قال ابن قدامة: فإن لم يكن ذلك في حال الخصومة ولا وجدت قرينة تصرف إلى القذف فلا شك أنه لا يكون قذفا. المغني.
وينبغي اجتناب مثل هذا المزاح، والحرص على الكلام الطيب والألفاظ الحسنة التي تجلب الموّدة والألفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(9/795)
يندب للمرأة إغلاظ صوتها عند مخاطبة الأجانب لقطع الطمع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال مهم جدا: أنا فتاة أخاف على نفسي من الذئاب البشرية التي لا ترحم، المهم ـ جزيتم خيرا ـ أنني فكرت ـ ولم أفعلها بعد ـ أن أغلظ صوتي وأخشنه أثناء ردي على الهاتف، أو بمجرد مخاطبتي لرجل، فهل أعتبر آثمة على ذلك؟ وهل يعتبر تشبها بالرجال؟ وللمعلومة ـ فقط ـ فأنا بصوتي الحقيقي معظم من يسمع صوتي على الهاتف يظنني ولدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإغلاظ المرأة في قولها عند مخاطبة الأجانب مما يحمد ويندب، قال البغوي في تفسير قوله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا {الأحزاب:32} .
قال: المرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع. انتهى.
وكذلك قال طائفة من المفسرين كابن الجوزي في زاد المسير، وابن عادل في اللباب.
وقال القرطبي: المرأة تندب إذا خاطبت الأجانب وكذا المحرمات عليها بالمصاهرة، إلى الغلظة في القول من غير رفع صوت، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام. انتهى.
وكذا قال أبو حيان في تفسير: البحر المحيط.
وقال الألوسي في روح المعاني: روي عن بعض أمهات المؤمنين أنها كانت تضع يدها على فمها إذا كلمت أجنبيا تغير صوتها بذلك، خوفا من أن يسمع رخيما لينا، وعد إغلاظ القول لغيرالزوج من جملة محاسن خصال النساء ـ جاهلية وإسلاما.
وجاء في الموسوعة الفقهية: على المرأة إذا تكلمت بحضرة الرجال الأجانب أن تتكلم بصوت طبيعي ليس فيه تكلف ولا تقطيع ولا تليين لقوله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا {الأحزاب:23} . انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1430(9/796)
استخدام المعاريض عند الحاجة لتفادي الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أطرح سؤالي أتقدم إليكم برجاء بسيط وهو: أن تحاولوا إجابتي وأن لا تحيلوني إلى فتوى مشابهة وجازاكم الله عني كل خير.
أنا سيدة مسلمة متزوجة منذ سنوات، عانيت وزوجي الكثير قبل أن ننجب طفلنا الأول بواسطة تقنية أطفال الأنابيب، والسبب في اضطرارنا للجوء لهذه التقنية هو ضعف، أوانعدام حركة الحيوانات المنوية لدى زوجي بسبب دوالي الخصيتين، ورغم قيامه بعمليتين جراحيتين على أيدي أخصائيين مختلفين إلا أن المشكلة لا تزال قائمة، حيث لم تتحسن حركة الحيوانات المنوية وظلت إمكانية الحمل الطبيعي علميا شبه مستحيلة، بل إن المشكلة ازدادت تعقيدا، حيث أصبح زوجي محتاجا لإجراء عملية ثالثة لإزالة الماء المتراكم في الخصيتين إثر العملية الثانية والذي سبب له انتفاخا وأوجاعا متكررة.
ولقد حرصنا على إخفاء جميع هذه العمليات عن العائلة وأعاننا على ذلك بعدنا عنهم، حيث إننا لا نعيش في نفس المدينة بسبب ظروف عمل زوجي، وذلك لأسباب عديدة أهمها حرصنا على سلامة طفلنا وما قد يسببه له ذلك من مشاكل نفسية ـ وربما اجتماعية ـ خاصة وأننا نعيش في مجتمع شبه قروي وما قد تسببه من إحراج أيضا لزوجي خاصة مع أهله وأصدقائه، والحقيقة أننا عانينا خلال سنوات من العقم لم نترك فيها علاجا إلا جربناه وقد كلفنا ذلك الكثير من المعانات والمشقة النفسية والمادية وكنا خلال كل تلك المدة نخفي كل ذلك العذاب عن أسرتي وأسرة زوجي للأسباب التي ذكرتها سابقا، ولكن أيضا لحرصنا على أن لا نزيدهم على همومهم هما، وأيضا لأننا كنا نريد أن نتخلص من الضغوطات المسلطة علينا خاصة عندما طالت فترة الزواج ولم يتم الحمل ولم يكن أمامنا من حل سوى اختلاق بعض الكذب حتى نصرفهم عنا ريثما يجري زوجي العملية أوريثما نجري عملية الإخصاب المجهري التي تكللت بالنجاح بعد محاولات عديدة وبعد تجميد عدد من الأجنة حيث كنت أفهمهم أن هناك مشكلا عندي وليس عند زوجي وأنني أتابع العلاج وكان زوجي أيضا عندما يتغيب عن العمل بسبب العملية يفهم أسرته أنه يعاني من آلام في الظهر وأن الطبيب نصحه بالراحة، المهم أننا كنا نختلق بعض الأعذار وحقيقة لا أريد أن أسميها أكاذيب فمقصدنا كان الستر والبعد عن الضغط ولم يكن أمامنا أي خيارغير الصبر والدعاء ولم نقصد أحدا غير الله بعد الأخذ بالأسباب ـ والحمد لله ـ أن استجاب لدعائنا ورزقنا مولودا نرجو الله أن يكون من الصالحين.
والآن كبر طفلنا ولا يزال لدينا بعض الأجنة المجمدة التي نحتاج لزرعها عسى الله أن يرزقنا منها أخا أو أختا لطفلنا، والحقيقة أننا لا نزال نعاني من ضغط الأسرة وتساؤلاتهم حول عدم إنجابنا حتى الآن فقد مضت سنوات على إنجابنا طفلنا الأول فهم يظنون أن المشكلة قد زالت، فلم لا أسارع بالإنجاب، خاصة وأنني أصبحت أتقدم في السن وقد يصبح الأمر أصعب، ولأن هذا الضغط المسلط علي أصبح كبيرا فإنه سبب لي مشاكل أكبر نفسية وأسرية يضاف إليها صعوبة العلاج وتعقيده والآثار الجانبية الخطيرة للأدوية التي أتناولها فإني أحتاج لمتابعة العلاج للتخلص من الضغط ولم أجد من حل غير إيهام الأسرة أنني قد حملت وأسقطت وأن حملي مرة أخرى قد يطول ريثما أتابع العلاج بعيدا عن الضغوطات، والمشكلة سيدي الشيخ: أنني لا أحب الكذب فأنا ـ والحمد لله ـ ملتزمة ولكنني أخفيت الأمر في الأول حرصا على طفلي مما قد يسببه له ذلك وكذلك حرصا على أسرتي من التدخلات الخارجية وأريد الآن إخفاءه لأننا نعتبره أمرا خاصا جدا، وسؤالي الآن، هل ما قمنا به يعتبر كذبا؟ وهل يجوز لي أن أخبر العائلة أنني قد حملت وأسقطت وأن حملي مرة أخرى قد يطول حتى يتركوني أتابع علاجي وحتى لا يشكوا في أمر ابني؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج عنكم وهنيئا لكم بما وفقكم الله له من الصبر والدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
ونفيدك أن الكذب عرفه النووي بأنه الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ـ سواء كان عمدا أو جهلا أو سهواـ وأما حكم الكذب فالأصل فيه التحريم، لما في حديث الصحيحين: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وإذا احتاج الإنسان لإخفاء بعض أموره فليستخدم المعاريض لتفادي الكذب، فقد روي البخاري في الأدب المفرد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: إ ن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وعليه فيتعين عليك في إخبارك للعائلة أن تستخدمي التورية والتعريض، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 7758، 7432، 39152، 124083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1430(9/797)
إطلاق اللسان بالمزاح قد يجر للاستهزاء بالدين وبالله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم ولله الحمد، وأصلي في المسجد بانتظام، ولكن مشكلتي أنني أمزح كثيرا وقد قلت بعض الأشياء التي أخشى أن تكون كفرا ولكني لم أكن أقصد الاستهزاء بالشرع أو الدين.
المرة الأولى: قلت لو أن الدنيا تسير كما يريد أبي ما أرسل الله رسلا وإنما كان يجب على الناس أن يعرفوا الله بأنفسهم ومن لم يعرفه يدخل النار وذلك لأن أبي متشدد جدا.
المرة الثانية: سمعت حديثا عن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: من حلف بالأمانة فليس منا. وعندنا قرية في الصعيد كلهم يحلفون بالأمانة- أمانة لتيجي وهكذا- فقلت إذن فهم جميعا ليسو منا وضحكت.
المرة الثالثة: حكيت حكاية عن شخص جاهل من بلدنا حيث قال لزوجته لما طلبت منه أن يدعو الله عز وجل: هو ربنا ما وراهوش غيرنا. فكنت أتكلم مع ابن عم لي فقلت: على رأي اللي قال هو ربنا ما وراهوش غيرنا. وضحكت ثم أتبعت الكلمة بالاستغفار وندمت عليها.
فهل من هذه الكلمات ما يكون كفرا يستوجب الشهادتين والاغتسال وتبين بسببه زوجتي التي لم أدخل بها؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بما أعطاك الله من الالتزام والمواظبة على الصلاة في المسجد، ونفيدك أن المسلم يتعين عليه حفظ لسانه والبعد عن الاسترسال في العبارات التي ربما يضحك بها الشخص أصدقاءه ويهلك بها نفسه.
فالبعد عن مثل هذه العبارات متعين حتى ولو لم يصل لدرجة الكفر. فيلكن شعار المسلم وعادته دائما قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. {الأحزاب:70} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وأما إطلاق اللسان بالمزاح فقد يجر للاستهزاء بالدين وبالله الموقع في الكفر لقوله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ. {التوبة:65-66} .
وهذه العبارات المذكورة في السؤال لا تنبغي ويتعين البعد عنها، والتوبة منها، وأخطرها شأنا العبارة الأخيرة، فإن الله لا يشغله تدبير أمر عن أمر آخر, ولا سماع دعاء شخص عن سماع دعاء آخر.
ولكن نرجو ألا يصل الأمر لحد الارتداد فندمك ومبادرتك بالاستغفار يدل إن شاء الله على عدم قصدك لذلك.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 14172، 78602، 26193.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1430(9/798)
يراعى العرف في تبادل كلمات الحب بين الزوجين أمام الأقارب
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم تلفظ البنت مع زوجها بيا حبيبي ويا عمري، وياعيوني وكل دنيتي أمام الأم والإخوان من ذكور وإناث، علما أنه صار اختلاف بين الأخت وأحد الإخوان، الأخت تقول عادي والأخ يقول لا بد أن يكون هناك حياء، ومثل هذا يكون بينها وبين زوجها في منزلهم لا في منزل الوالدين. فمن معه الحق منهم لأن الوضع ترتب عليه مزايدات ومغالطات قد تؤدي للفرقة؟ وما رسالتكم للأخت والأخ والزوج الذي يري أن في ذلك إهانة لزوجته ويسعى لنصرتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن مخاطبة الزوجة لزوجها بمثل هذه العبارات أمام أمّها وإخوتها جائز، ما لم يترتب عليه محظور شرعي.
وينبغي مراعاة العرف والعادات في مثل ذلك، فإذا كان التلفظ بمثل هذه العبارات ممّا يخدش الحياء في عرف الأهل فينبغي للزوج والزوجة اجتناب ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا وحسن المعاشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها. اهـ من فتح الباري.
وأمّا عن الأخ والأخت فينبغي ألّا تكون مثل هذه الأمور التي هي من الآداب التي تختلف باختلاف الأعراف والعادات، سبباً للتشاحن والخصومة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتهاجر بين المسلمين، فإذا كان بين الإخوة من النسب فهو أشدّ، فإنّ قطيعة الرحم من الكبائر، فالواجب عليهما ترك الجدال والمشاحنة وتخيّر الكلام الحسن في المخاطبة، فقد أرشدنا القرآن إلى أن نتخيّر الكلام الحسن حتى لا ندع مجالاً للشيطان ليفسد بيننا، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا. {الإسراء: 53} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(9/799)
حكم التصرف في الشي الملعون
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى أبي قطعة أرض صحراوية من الحكومة ليتم توزيعها فيما بعد بيني وبين إخوتي، وقد تولى أخي الأكبر رعاية الأرض، وقد أعطاه أبي زيادة في الأرض نظير رعايته تلك. والمشكلة الآن هي أنه عندما أردت الزواج احتجت لبيع نصيبي من الأرض لأتزوج بثمنه، ولكن أخي الأكبر كان يعارض البيع فتضايقت من أسلوبه ومعارضته ففكرت أن أقول لهم إني لا أريد نصيبي من الأرض وأتركها هكذا ملعونة. وحقيقة لا أدري هل قلت لهم ذلك بلساني أم كان مجرد فكره دارت في عقلي ولكن لم أقلها. والسؤال: هل لو كنت قلتها بلساني يصير نصيبي من الأرض ملعونا ولا يجوز الاستفادة به مثلما حدث من المرأة التي لعنت دابتها فأمر الرسول ألا يقرب أحد تلك الدابة لأنها ملعونة؟ وهل الشك في أني قلت أم لم أقل ذلك بلساني يؤثر في الحكم؟ وما الحكم لو أني عملت بقاعدة أن الشك لا ينفي اليقين، وكانت الحقيقة أني قلت ذلك بلساني فهل يؤاخذني الله بعملي بقاعدة الشك لا ينفي اليقين أم يأخذني بالحقيقة التي يعلمها هو سبحانه تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشار إليه السائل الكريم رواه مسلم عن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة. وروى مسلم أيضا نحوه من حديث أبي برزة، وفيه: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة. وروى أحمد نحوه من حديث ع ائشة، وفيه: لا يصحبني شيء ملعون.
ولكن ليس معنى هذا أن الانتفاع بهذا الشيء الملعون لا يجوز، قَالَ اِبْن الْقَيِّم في حاشيته على سنن أبي داود: الصَّوَاب أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهَا, لِئَلَّا تَعُود لمِثْل قَوْلهَ , وَتَلْعَن مَا لَا يَسْتَحِقّ اللَّعْن, وَالْعُقُوبَة فِي الْمَال لِمَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَة بِالِاتِّفَاقِ. وَلَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَتْ بَعْد مَشْرُوعِيَّتهَا أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسْخهَا حُجَّة, وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْد اللَّه بْن حَامِد عَنْ بَعْض أَصْحَاب أَحْمَد أَنَّهُ مَنْ لَعَنْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعه زَالَ مُلْكه عَنْهُ. اهـ.
وقال النووي: واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه؛ إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها، لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة، فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان. اهـ.
وبهذا يعلم أنه لا يحرم الاستفادة من الشيء الملعون أو التصدق به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 97417. وعلى ذلك فلا حاجة لمعرفة ما إذا كنت تكلمت بذلك بلسانك أم لا.
فملكك لم يزل عن نصيبك منه، ولو كنت قد بعته فبع نصيبك وتزوج به إن شئت أو أبقه في ملكك ولا تبعه.
وأما قاعدة: اليقين لا يزول بالشك. فقاعدة صحيحة، وهي من القواعد الخمس الكلية، والعامل بها وإن أخطأ في نفس الأمر فهو معذور غير مؤاخذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1430(9/800)
الفضفضة في منظار الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن ما نسميه نحن النساء الفضفضة لبعضنا البعض، كأن نجلس، ونبدأبالتحدث عن الأمور التي تضايقنا وتكدرنا من أمور الدنيا؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يبقي همه في جوفه فيحب أن يفضفض مع الأهل والأصدقاء ليخففوا عنه هذه الهموم. فهل هذا جائز أم تعتبر من عدم الحمد لله والشكوى لغيره. أفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا خلت هذه الفضفضة عن المحرمات كالغيبة والكذب، وعن الحديث عما يدور بين الأزواج من علاقة جنسية، وعن تسخط الأقدار، وكانت مجرد بث الهم، أو الشكوى من مشكلة تكدر الخاطر عسى أن يكون لها حل عند المستمعات، فلا بأس بذلك، فمجرد التشكي لا يحرم إلا إذا صاحب ذلك تسخط لما قدره الله، ويستوي في هذا الإخبار عن مشكلة أو مرض بالإنسان يضايقه.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْبَاب، وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْأَلَم لَا يَقْدِر أَحَد عَلَى رَفْعه، وَالنُّفُوس مَجْبُولَة عَلَى وِجْدَان ذَلِكَ فَلَا يُسْتَطَاع تَغْيِيرهَا عَمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعَبْد أَنْ لَا يَقَع مِنْهُ فِي حَال الْمُصِيبَة مَا لَهُ سَبِيل إِلَى تَرْكه كَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّأَوُّه وَالْجَزَع الزَّائِد كَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ مَعَانِي أَهْل الصَّبْر، وَأَمَّا مُجَرَّد التَّشَكِّي فَلَيْسَ مَذْمُومًا حَتَّى يَحْصُل التَّسَخُّط لِلْمَقْدُورِ، وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَة شَكْوَى الْعَبْد رَبّه، وَشَكْوَاهُ إِنَّمَا هُوَ ذِكْره لِلنَّاسِ عَلَى سَبِيل التَّضَجُّر. وَاَللَّه أَعْلَم. انتهى.
وراجعي الفتوى رقم: 16790، ففيها وصفات لعلاج القلق ودفع الهموم، والفتوى رقم: 4535، والفتوى رقم: 20100. ففيها بعض آداب المجلس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(9/801)
صاحبه سب أمه فكيف يرد عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صاحب بالمدرسة قال سبة للوالدة وعرف الشخص أني لا أحب من يخطئ على الأهل فهو لم يقلها بشكل مباشر لكن بلغة أخرى غير لغتنا فكل ما أقول له لا تقلها يقولها، يعرف أني لا أحب هذه الكلمة فماذا أفعل يا شيخ هل أفعل معه مشكلة أم ماذا أفعل، أم أتركه يذهب لأمه يا شيخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا* إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {النساء:149} ز
قال السعدي: يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله، ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين، وقوله (إلا من ظلم) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى..
وقوله (إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء) ، أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه. انتهى.
فمجازاة هذا الصاحب بجنس عمله ورد سيئته بمثلها، وإن جاز لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا {الشورى:40} ، فإنه ينبغي العفو والصفح، ولنسمع ربنا تبارك وتعالى يقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} ، وإذا قرأنا بعدها قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:41} ، فينبغي أيضاً أن نكمل حتى نسمعه تعالى يقول: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} ، وهذا كقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:126-127-128} ، ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وننبه السائل الكريم على أن مثل هذا الصاحب يحتاج إلى من ينصحه ويأخذ بيده، ويترفق به في إنكار هذا المنكر عليه، فإن فعلت ذلك فنرجو أن يكون لك نصيب من قوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، كما ننبه السائل الكريم على أن هذا الصاحب إن سب الوالد أو الوالدة فلا يجوز لك أن تسب والده أو والدته، بل تسبه هو، فإن من الظلم أن يسب أو يعاقب غير الجاني، والله تعالى يقول: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وحسنه الألباني..
وأخيراً لا بد من التنبه إلى أن ما كان محرماً في ذاته كالقذف لا يحل الاقتصاص فيه بالمثل، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 57954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1430(9/802)
ضوابط المزاح مع الزملاء في المدرسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أعرف اللهو في المدرسة حرام مثلا أجري وراء زميلى مازحا أمزح مع زميلى بالكلام هكذا يعني. على فكرة أنا في مدرسة إعدادية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل إباحة اللعب واللهو ما لم يصل إلى حد الإسراف وتضييع الواجب أو يكون بحرام.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 10123، 23854، 36646، وعلى ذلك فلا مانع من اللهو أو اللعب في المدرسة وقت الفسحة والفراغ مع زميلك إذا كان مضبوطا بالضوابط الشرعية المشار إليها ما لم يتأذ من ذلك أو يتضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1429(9/803)
لا يراد بعبارة (ثكلتك أمك) حقيقة الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما أقرأ هذا الحديث:
- كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون} ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم.
الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2616
خلاصة الدرجة: حسن صحيح
فخلاصة درجة الحديث صحيح فكيف يكون كذلك، وفيه كلمة ثكلتك أمك فهل يقوم الرسول عليه الصلاة والسلام بالدعاء على أصحابه. فما أعرفه أن ثكلتك أمك أي فقدك أمك. أم هناك معنى آخر لا أعرفه ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث صحيح فقد صححه الترمذي فقال: حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني والأرناؤوط.
وأما كلمة: ثكلتك أمك. فهي كلمة معتادة عند العرب، وقد بينا معناها وأنها لا يراد بها الدعاء على من تقال له في الفتوى رقم: 45413.
مع العلم أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من لا يستحق الدعاء عليه من المؤمنين يكون رحمة للمدعو عليه ويعتبر منقبة له.
ففي حديث مسلم: اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة ابنة عمر رجلا فقال: احتفظي به، قال فغفلت حفصة ومضى الرجل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا حفصة ما فعل الرجل؟ قالت: غفلت عنه يا رسول الله فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قطع الله يدك، فرفعت يديها هكذا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنك يا حفصة فقالت: يا رسول الله: قلت قبل لي كذا وكذا، فقال لها صفي يديك، فإني سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت الله عز وجل عليه أن يجعلها له مغفرة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(9/804)
التصرف مع من يحدث بكل ما سمع
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كثيرة القيل والقال فكيف أتصرف معها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقيل والقال مكروه بنص قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. متفق عليه.
فينبغي للسائل أن يبين لزوجته حكم القيل والقال وأنه مكروه وربما جر إلى محرم من غيبة ونحوها، وفي الحديث الآخر: كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل سمع. رواه مسلم.
كما ينبغي له أن يرشدها ويبين لها أهمية الوقت وأن يشغلها بعمل صالح ديني أو دينوي يأمرها بملء فراغها بما يعود عليها بالنفع في الدنيا والآخرة، وليبعدها عن صحبة من لا تستفيد من صحبته في آخرتها أو دنياها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(9/805)
حكم النطق بكلمة (أف) عند التضجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النطق بكلمة أف عند التضجر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من النطق بكلمة (أف) عند التضجر إذا لم تكن خطاباً لأحد الوالدين، ولم تترتب عليه أذية لمسلم، وإن كان الأولى بالمسلم التحلي بالصبر والحلم وعدم النطق بمثل هذه العبارات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(9/806)
الهدي النبوي في الكلام والجلوس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في المجلس مع الناس، ما هي الوضعية التي كان يتكلم بها هل كان مثلاً يتكلم مع أصحابه وهو متكئ وهم جلوس، هل كان يمد رجله في المجلس، أجيبوني إذا كنتم تعلمون؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما هديه صلى الله عليه وسلم في الكلام فيستبين من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه. وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم. رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر: قوله: (لو عده العاد لأحصاه) أي لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه لأطاق ذلك وبلغ آخرها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم ... وقوله: لم يكن يسرد الحديث كسردكم. أي يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع. زاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس: إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً، فهما تفهمه القلوب. انتهى.
وأما هيئة جلسة النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد فيها عدة أحاديث، منها:
- حديث قيلة بنت مخرمة: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: قال الخطابي: هو جلسة المحتبي، وليس هو المحتبي بثوبه ولكنه الذي يحتبي بيديه.
وفي القاموس: القرفصاء أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه، أو يجلس على ركبتيه منكباً ويلصق بطنه بفخذيه ويتأبط كفيه ... والمتخشع: أي الخاشع الخاضع المتواضع. انتهى.
- ومنها حديث عبد الله بن زيد: أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، قال سعيد بن المسيب: كان عمر وعثمان يفعلان ذلك. رواه الشيخان.
ولكن روى جابر ما يعارضه، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
قال ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك، قلت: الثاني أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ ... والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم، قال الخطابي: وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة. انتهى.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده. رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي: احتبى بيده زاد البزار: ونصب ركبتيه أي جمع ساقيه إلى بطنه مع ظهره بيديه عوضاً عن جمعهما بثوب، فالاحتباء باليدين غير منهي عنه إلا إذا كان ينتظر الصلاة. انتهى.
وهذه الأحاديث الثلاثة بوب عليها الترمذي في كتاب الشمائل المحمدية: باب ما جاء في جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: باب ما جاء في تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأسند فيه أحاديث منها:
عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على وسادة على يساره، ورواه الترمذي وأبو داود في سننيهما، وصححه الألباني.
ومنها عن أبي بكرة الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، قال: وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، قال: وشهادة الزور أو قول الزور. وهذا متفق عليه.
ومنها عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئاً. رواه البخاري. ومما روي في هيئة جلسته صلى الله عليه وسلم ما رواه أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل فكلمه لم يصرف وجهه عنه حتى يكون هو الذي ينصرف، وإذا صافحة لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزعها، ولم ير متقدما بركبتيه جليساً له قط. أخرجه أحمد وابن ماجه، وضعفه الألباني إلا جملة المصافحة، قال السندي: قوله (ولم ير) على بناء المفعول (جليسا له) مفعول متقدما أي لم يقدم في المجلس ركبته على ركبة جليسه، والحديث مسوق لأخلاقه الكريمة، وفي الزوائد: مدار الحديث على زيد العمي وهو ضعيف. انتهى.
ومن ذلك ما رواه جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود واللفظ له.
قال العظيم آبادي: تربع في مجلسه: أي جلس مربعاً واستمر عليه. انتهى.
وقال جابر بن سمرة أيضاً: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متكئاً على مرفقه. رواه أحمد.
وهناك هيئات نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما رواه الشريد بن سويد، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا -وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكات على ألية يدي- فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
ومن ذلك ما رواه بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وأما مد الرجل أمام الناس فلم نر فيه حديثاً صحيحاً، وقد كثر في كلام أهل العلم قولهم بجرحة من يمد رجله عند الناس، وقال النووي في المجموع: يجوز القعود متربعاً ومفترشاً ومتوركاً ... ومد الرجل، ولا كراهة في شيء من ذلك إذا لم يكشف عورته ولم يمد رجله بحضرة الناس، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحية على ذلك.. انتهى.
وذكر بعض الأحاديث التي ذكرنا سابقاً، وقد روى الترمذي في السنن: أنه صلى الله عليه وسلم لم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له. وهذا الحديث ضعفه الألباني وقد ذكر الملا علي قارئ والمباركفوري في شرح هذا الحديث: أنه ما كان يقدم ركبتيه على ركبتي جليسه كما يفعل الجبابرة، وقيل: أراد بالركبتين الرجلين وتقديمهما مدهما وبسطهما ...
وراجع للفائدة فصل في احترام الجليس وإكرام الصديق والمكافأة على المعروف في كتاب الآداب الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1429(9/807)
هل يجوز أن أقول لمن ظلمني أنت ظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: هل يجوز أن أقول لشخص ظلمني "أنت ظالم" حيث إني سمعت من بعض المشايخ أنه لا يجب أن تقال هذه العبارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجوز للمسلم أن يواجه من ظلمه بظلمه.. وإن كان الأولى له أن يعفو ويصفح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للشخص أن يواجه الظالم بظلمه ويقول لمن ظلمه: أنت ظالم ... ؛ فقد قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148} .
قال أهل التفسير: يباح للمظلوم أن يجهر بالدعاء على ظالمه، وأن يذكره بما فيه من السوء، وقيل: معناه لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد؛ إلا أن يكون مظلوماً.
وقد ذكر النووي في شرح مسلم أن من صور السباب المباحة أن يقول المظلوم يا ظالم أو يا أحمق أو نحو ذلك. وقال المناوي: للمسبوب أن ينتصر ويسبه بما ليس بقذف ولا كذب كيا ظالم ولا يأثم, والعفو أفضل. انتهى.
وقد ذكر بعض شراح خليل أن المتخاصمين في مجلس القضاء يجوز أن يقول أحدهما للآخر ظلمتني, ولكن إذا قال له يا ظالم يؤدبه القاضي منعا لإيذاء أحد المتخاصمين صاحبه، ولكن هذا خاص بمجلس القضاء.
والإسلام وإن كان أباح للمظلوم الدعاء على ظالمه ومواجهته بظلمه..؛ فقد رغبه في العفو والصلح والدفع بالتي هي أحسن.. ورتب على ذلك الخير الكثير والأجر العظيم؛ فقال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ {الشورى:40،41،42}
وقال تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237}
وقال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}
وللمزيد انظر الفتويين: 56122، 17572.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1429(9/808)
الكلام مع غير المسلمين على النت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التكلم مع ناس غير مسلمين في الإنترنت سواء كانت بنتا أو ولدا بكلام في ما يرضي الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت بقولك: بكلام يرضي الله تقصد دعوة الكفار إلى الإسلام، فإن هذا من أفضل المنازل وأشرف الأعمال، وهو وظيفة الرسل الكرام، قال جل وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33} ، والأولى أن يتولى الرجل دعوة الرجال وتتولى النساء دعوة النساء، وأما إن كنت تقصد مجرد الكلام والدردشة مع الكفار فإنا لا ننصح بذلك، لأن الإنسان مجبول على الاستفادة من أصدقائه والتأثر بهم، وكما قيل: الطباع سراقة ... ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
والمرء يكون يوم القيامة مع من أحب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب. متفق عليه. وهذا كله في حق الرجال مع الرجال أو النساء مع النساء، وأما الرجال مع النساء فإن افتتان الرجل بهن أمر معروف، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنتهن حيث قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه. وروى مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعاً: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. فالواجب الابتعاد عن الحديث معهن على كل حال، وإذا أردت دعوتهن إلى الإسلام فليكن ذلك عن طريق زوجتك أو إحدى محارمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(9/809)
تحدث المعلمة مع أخي طالباتها فيما يخصهن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة وأخو البنات يتحدث معي بمواضيع تخص أخواته فهل هذا جائز أم حرام حيث إنه يتحدث معي على الجوال الشخصي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلام المرأة مع الرجل مباشرة أو عبر وسائل الاتصال ليس محرما في حد ذاته إذا أمنت الفتنة والتزمت الآداب الشرعية، وإنما يحرم إذا كان في حرام أو يؤدي إلى حرام، فقد كان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يتحدثون مع النساء في حوائجهم بالضوابط الشرعية دون خلوة أو خضوع بالقول، ولذلك فإذا كان أخو البنات يتحدث معك لحاجة من دراسة أخواته أو غير ذلك من الأمور المشروعة بالضوابط الشرعية فلا مانع من ذلك إن شاء الله بشرط أمن الفتنة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتويين التاليتين: 17502، 62991. وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1429(9/810)
جواز المزاح ليس على إطلاقه
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت مقلبا في أحد أصدقائي وذلك عن طريق الرسائل وشعرت بأنه شك في وسألني فأنكرت لأني رأيته غاضبا ولكن اقتنع بأني لست أنا من فعل ذلك، الآن أشعر بالذنب فهل يجب علي أن أخبره حيث مر الآن أكثر من ثلاثة أشهر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصدك بالمقلب المزاح مع صديقك فإن المزاح لا يجوز شرعاً إذا كان فيه كذب أو غيبة أو نميمة، فإن كان من هذا القبيل فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح منه إلى الله تعالى، كما أن عليك أن تتوب إلى الله تعالى من الكذب الذي وقعت فيه عندما سألك صديقك. وكان بإمكانك أن تتجنب الكذب باستخدام التورية والمعاريض، فقد قال بعض أهل العلم: في المعاريض مندوحة عن الكذب. وانظر لذلك الفتوى رقم: 60177، والفتوى رقم: 25914.
وأما إخبار صديقك فإن كان يترتب عليه مصلحة فعليك أن تخبره، أما إذا كان يترتب عليه ضرر فلا ينبغي لك أن تخبره، وللمزيد من الفائدة عن المزاح وآ دابه وكراهة الإفراط فيه انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73378، 1052، 67495، 95207.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(9/811)
ضوابط الشعر والترفيه المباحين
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً على ما تُقدمونه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما تٌقدمونه فى ميزان حسناتكم إنه ولي ذلك والقادر عليه.. أنا صاحب منتدى وكان به مخالفات شرعية، والحمد لله سبحانه وتعالى منّ علي بالتوبة ونُريد أن يكون منتدانا خاليا من المخالفات الشرعية.. فكل ما أٌريده منكم.. أن تضعوا لنا شروط وقوانين لقسمين من المنتدى هما (الشعر والأدب) ، وأنتم تعلمون أن معظم الشباب يدخلون ويكتبون عن الحب والغزل وما شابه ذلك فنريد أن تضعوا لنا قوانين وشروطا لهذا القسم، وأيضا قسم (الترفيه) تضعوا لنا شروطا وقوانين، ونرجو أن تعجلوا لنا في جوابكم؟ وأسأل الله أن يجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم إنه ولي ذلك والقادر عليه.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج في إدخال قسمي الشعر والترفيه في المنتدى بشرط أن يتقيد ذلك بالضوابط الشرعية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشعر نوع من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا يمدح لذاته ولا يذم لذاته، ولكن النظر إلى مضمون الشعر، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: وليس في إباحة الشعر خلاف، وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية والاستشهاد به في التفسير، وتعرف معاني كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستدل به أيضاً على النسب والتاريخ وأيام العرب. انتهى.
والغزل غرض من أغراض الشعر، وقد أباحه أهل العلم بشرط أن لا يكون فيه فحش، وأن تكون المتغزل بها مبهمة أو زوجة للمتغزل، ولم يتعرض لذكر ما حقه الإخفاء من أعضائها، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 64626.
كما أن الحاجة إلى الترفيه هي إحدى الحاجات البشرية، وتظهر عند الشباب بشكل أقوى، لأن مرحلة الشباب هي بداية تكوين الوعي وإعمال العقل على نحو واضح، وهي مرحلة نضج الطاقة الذهنية والمقدرة الجسدية، لكن هذه الحاجة إذا أطلق لها العنان فإنها كثيراً ما تكون سبباً لإنزلاقات كثيرة، فالواجب أن لا تستعمل في محرم كالقمار ونحوه، وأن لا تؤدي إلى محرم كالغيبة والأيمان الكاذبة وتأخير الصلاة عن وقتها، وأن لا تشغل عن واجب وأن لا تأخذ كثيراً من الوقت، كما يحسن أن يكون الترفيه فيما يزيد ثقافة المترفه، كأن يكون فيه حل مسائل فقهية أو رياضية أو غير ذلك من مجالات الحياة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1429(9/812)
حكم قول سبحان الله عندما يرى أو يسمع ما يتعجب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم من يقول سبحان الله عندما يحكي له شخص التدهور الموجود في مكان ما؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع شرعا من قول سبحان الله عند ما نسمع أو نرى مايتعجب منه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعا من قول المسلم: سبحان الله، عندما يرى أو يسمع ما يتعجب منه، فكثيرا مايرد هذا اللفظ (سبحان الله) على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى لسان صحابته عند التعجب فمن ذلك ما جاء في الصحيحين: "استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صواحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة عند ما كان جنبا: " ... سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس" وهو في الصحيحين
والتسبيح معناه التنزيه، وسبحان الله معناها: أنزه الله عما لايليق بكماله وعظمته، وهذا من أفضل أنواع الذكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1429(9/813)
النقص في الاسم وتصغيره والزيادة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الدين في تصغير الأسماء للتحبيب كأن نقول لاسم نهلة نهيلة، ولخديجة دجي وغير ذلك، وكذلك بالنسبة لأسماء الرجال، محمد ينطق به حمودة؟ وشكراً.. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بتصغير الاسم أو نقصه بحذف بعض حروفه ما لم يكن في ذلك تنقيص وسخرية، وقد بوب البخاري في صحيحه باب: من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً، وأورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: يا عائش. هذا جبريل يقرئك السلام: قالت: وعليه السلام ورحمة الله ... وقوله صلى الله عليه وسلم لأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجش رويدك سوقك بالقوارير.
ونقص الاسم كالزيادة فيه، فلا يمنع منه إلا إذا أصبح من باب التنابز بالألقاب والتنقص، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11} .
ومن ذلك يتبين لك أنه لا حرج في دعاء نهلة نهيلة، وخديجة دجي، ومحمد حمودة، إذا كان ذلك على سبيل الممازحة والتحبب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/814)
حكم الكلام في أمور الجنس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث في أمور الجنس مع الرفاق والتنفيس عن الهموم الجنسية دون شتم أو قذف أو تعيين شخص بذاته هل هذا حرام بين شباب عزاب غير متزوجين يحبون إطفاء الشهوة بالحديث فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الكلام في الجنس مجرة للشرور والمسلم يحفظ لسانه عما يخاف منه الشر وعلاج الشهوة بالزواج وإلا فالصوم وشغل القلب بما يسلي عنها مع صحبة أهل الخير والبعد عن رفاق السوء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. قال النووي: هذا الحديث صريح في أنه ينبغي ألا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً وهو الذي ظهرت مصلحته ومتى شك في ظهور مصلحته فلا يتكلم. انتهى.
والكلام مع الشباب في هذه الأمور قد يجر إلى بعض الشرور والآثام، فيحصل منه تمني الوقوع في الفواحش أو التفكر في محاسن النساء أو الاستمناء وكل هذا محرم شرع، والوسيلة المشروعة لإطفاء الشهوة هي الزواج أن تيسر وإلا فالصوم وأعراض العبد بقلبه عن التفكر في الجنس وشحن وقته بتعلم علم نافع أو عمل صالح أو التسلي بما يفيد من رياضة مشروعة أو قصص مسلية هادفة مفيدة ومن ذلك قصص السير والأنبياء والسلف الكرام، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70444، 69427، 68803، 65187، 60114، 34932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/815)
حكم قول المتحدث لجليسه (أكرمك الله) عند ذكر اسم حيوان
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الناس عند ذكر الحيوان الله يكرمك، مع العلم بأن الإنسان مكرم، السؤال هو قول الله يكرمك، وما هو الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم دليلاً من السنة يدل على استحباب أو وجوب قول (أكرمك الله) عند ذكر الحيوان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شيئاً من ذلك ولا يقول (أكرمك الله) كقوله لأصحابه: إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبعاً. وكذا قوله: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. ولم ينقل عنه أنه قال (أكرمك الله) مثلاً.
ولكن لا مانع من ذكر ذلك إذا استهجن الناس عدم ذكره وظنوا بالقائل سوء الأدب أو علم من السامع كراهية سماع كلام معين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1428(9/816)
معنى (إن شاء الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[يا أخي في الإسلام ... أنا عندي سؤال في الدين ما معنى (إن شاء الله) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة إن شاء الله معناها: تعليق أي أمر يريد المسلم فعله في المستقبل على مشيئة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا* إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ {الكهف:23-24} ، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 36567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1428(9/817)
جواب المنادي بقول (لبيك)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الرد على من يناديني بكلمة (لبيك) ؟ لأن البعض يقول إنها مخصصه لرب العالمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في إجابة المنادي بـ لبيك، ولم نجد -بعد البحث- أحدا من أهل العلم ذكر أن الإجابة بها خاصة بإجابة الله سبحانه وتعالى، وقد أجاب كثير من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ لبيك، فقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك. رواه البخاري ونادى أبا ذر أيضا فقال: لبيك وسعديك يا رسول الله، رواه البخاري أيضا، وبوب عليهما البخاري بابا سماه: باب من أجاب بلبيك وسعديك، ومثله أبو داود في سننه، فقد بوب بابا سماه: باب في الرجل ينادي الرجل فيقول لبيك. وذكر فيه نداء النبي صلى الله عليه وسلم لبلال فأجاب لبيك وسعديك. الحديث.
وجاء في المدونة عن مالك رحمه الله: أن عمر بن الخطاب كتب عام الرمادة إلى عمرو بن العاص في مصر "واغوثاه" فاجاب عمرو لبيك لبيك لبيك. وذكر ابن سعد في الطبقات: أن بلالا قال مرة يا أبا بكر: فقال أبو بكر: لبيك. فقال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ قال: لله، قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(9/818)
حكم مشية التبختر لغرض مداعبة الزوجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حد كذب الزوج على زوجته، هل يكون في التغزل بها، أم في الأمور الحياتية اليومية لتجنب المشاكل، وهل يجوز له أن يكذب عليها ليضحكها، وهل يجوز للزوج حينما يلاعب ويداعب زوجته ويلهو معها أن يمشي مشية التبختر؛ لأجل التمثيل والملاعبة فقط، لا لأجل التكبر، وإذا قال لها كلاما كذبا لأي غرض كان، فهل إذا استحلفته بالله أن الكلام صحيح، فهل يجوز أن يقول لها نعم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن حد الكذب وضابطه الذي يباح بين الزوجين فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 34529. ولا يختص بالتغزل بالزوجة بل يشمل ذلك وغيره، ولا بأس به لإضحاك الزوجة لأنه لا يترتب عليه إسقاط واجب ولا أخذ حق، ولما فيه من حسن العشرة، وزيادة المودة، أما إذا استحلف فلا يجوز له أن يحلف على شيء هو فيه كاذب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 6953.
أما مشية التبختر فقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع. رواه الطبراني في المعجم الكبير، قال المناوي في فيض القدير: التبختر مشية يبغضها الله إلا بين الصفين. ولم نقف على من أباحها في غير هذا الموضع بحسب علمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1427(9/819)
حكم الزيادة أو النقص في اسم الشخص عند مناداته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم مناداة شخص اسمه مصطفى بـ "صطيف" أو عبد الرزاق بـ "رزوق" أو عبد الجبار بـ "جبارو" أو عبد الرحمن بـ "رحماني"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بتغيير الاسم أو الزيادة في حروفه ما لم يكن في ذلك تنقيص وسخرية بالمدعو، فقد بوب البخاري في صحيحه باب: من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، وأورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: يا عائش. هذا جبريل يقرئك السلام. قلت: وعليه السلام ورحمة الله ... وقوله صلى الله عليه وسلم لـ أنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجش رويدك سوقك بالقوارير.
ومعلوم أن نقص الاسم كالزيادة فيه، فلا يمنع منه إلا إذا أصبح من باب التنابز بالألقاب والتنقص، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11}
ويستثى من هذا ما إذا كان في تغيير الاسم اعتداء على اسم الله تعالى، أو اسم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا نرى أن الوارد في السؤال يشمل شيئا من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1427(9/820)
تناجي الزوجة مع أمها في بيت الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[أزور أحيانا ابنتي المتزوجة وحين نكون بصدد الحديث في غرفة في موضوع ما يدخل زوجها ويطالبنا بأن نعلمه عما نتحدث بدعوى أنه صاحب البيت وأن من حقه أن يعلم بكل ما يدور فيه لأن كلامنا بتلك الطريقة حسب قوله لا يجوز شرعا علما أني حتى على الهاتف لا أستطيع محادثتها بحرية إذ أنه يغضب إذا دخلت ابنتي الغرفة لتحادثني؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من حق الزوج على الزوجة أن تعلمه بكل أمر من أمورها كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 14445، وعليه فلا حرج عليها في أن تتكلم مع أمها أو غيرها على انفراد، ولا يلزمها أن تخبر الزوج بما تحدثتا به وليس من حق الزوج منعها من ذلك سواء كان ذلك الكلام في بيته أو في غيره، ومع ذلك ننصح السائلة أن تتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الخلاف والشقاق بين ابنتها وزوجها، ويمكنها أن تتحدث مع ابنتها في الأمور الخاصة بطريقة أخرى لا يترتب عليها هذا المحذور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1427(9/821)
الإعراض عن المتكلم خلاف الأدب
[السُّؤَالُ]
ـ[كان صديقي يكلمني وكنت أنظر إلى النافذة فسألني لماذا لا تنظر إلي فقلت له (أغض بصري) ولم أتعمد أن أغض بصري فهل في هذا بأس؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله عز وجل بغض البصر عما حرم الله تعالى كالنظر إلى النساء الأجنبيات, فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30} ، أما نظر الرجل إلى الرجل فالأصل فيه الإباحة إلا إذا عرض له عارض كخوف الفتنة من الأمرد ونحو ذلك، فقد نص أهل العلم على تحريم النظر إلى الأمرد عند خشية الفتنة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 26446 فنرجو الاطلاع عليها.
وإذا كان الرجل يتحدث مع أخيه أو صديقه فينبغي له أن يكرم حديث أخيه بالإنصات, ومن ذلك التوجه إليه والنظر من غير تحديد, ولا داعي لغض البصر في هذه الحالة. أما الإعراض عنه أو النظر إلى جهة أخرى غير جهة المتحدث فليس من آداب الحديث؛ لما فيه من الجفاء وعدم الاهتمام بالمتحدث أو بحديثه، وقد قيل: أكرم حديث أخيك بإنصاتك, وصنه من وصمة التفاتك.
هذا, وننبه إلى أن ما قلته لصديقك إن كان خلاف الواقع فذلك من الكذب، والكذب محرم -كما لا يخفى- فليحذر المؤمن مواقعته واستمراءه، فإن ذلك سبيلاً لأن يكون سجية يصعب التخلص منها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:.... ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ... الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(9/822)
المزاح بين الإفراط والتفريط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المزاح مع الأصدقاء بالمبالغة في الثناء على النفس، كأن أقول مثلا أنا عالم، أو غزير العلم، مع العلم أن الكل يعلم أن هذا الكلام يكون لأجل الضحك؟
وفقك الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمزاح لا حرج فيه ما لم يكن باطلا، بأن يتضمن غيبة أونميمة أوكذبا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولايقول إلا حقا، كما عند الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. وصححه الألباني.
وذكر الدينوري في تأويل مختلف الحديث قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهة أن أحمل عليها من الحق ما يملها، وكان شريح يمزح في مجلس الحكم، وكان الشعبي من أفكه الناس، وكان صهيب مزاحا، وكان أبو العالية مزاحا، وكل هؤلاء إذا مزح لم يفحش ولم يشتم ولم يغتب ولم يكذب، وإنما يذم من المزاح ما خالطته هذه الخلال.
وقال المناوي في فيض القدير: قيل لابن عيينة: المزاح سبة، فقال: بل سنة ولكن من يحسنه.
ومما يمنع في المزح والجد تزكية النفس؛ لقوله تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ {النجم: 32} ولوكان يعتقد صدقه فيما يزكي به نفسه، فكيف إذا كان كاذبا؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحِك بها جلساءه ما ينقلب إلى أهله منها بشيء ينزل بها أبعد من السماء إلى الأرض. أخرجه أحمد وغيره، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني وفيه عبد الوهاب بن رجاء ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وعند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إ ن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار. وصححه شعيب الأرناؤوط
فإذا أردت أن تمزح فافعل كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل، وانظر هذه الكلمة الجميلة التي نقلها المناوي في فيض القدير عن الماوردي قال: العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما، أحدهما: إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين، وهذا يكون بما أنس من جميل القول، وبسط من مستحسن الفعل، كما قال حكيم لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ السفهاء، والتقصير فيه نقص بالمؤانسين وتوحش بالمخالطين، والثاني: أن يبغي من المزاح ما طرأ عليه وحدث به من هم، وقد قيل لا بد للمصدور أن ينفث، ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن ذلك، وأتى رجل عليا كرم الله وجهه فقال: احتلمت بأبي قال: أقيموه في الشمس، واضربوا ظله الحد، أما مزاح يفضي إلى خلاعة أو يفضي إلى سبة فهجنة ومذمة، قال ابن عربي: ولا يستعمل المزاح أيضا في أحكام الدين فإنه جهل انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1427(9/823)
ضوابط إطلاق لفظ (حاج) على الأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى أغلب الناس عندما يرون شخصاً كبيراً في السن يقولون له بسلامهم مثلاً (كيفك حجي بمد الياء) ، ويكون هو ليس له علاقة بذلك، وفي بعض الأحيان يكون غير مسلم، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان جواز تلقيب من حج بالحاج إذا لم يخش منه عجب أو رياء، فراجع في ذلك الفتوى رقم: 45243.
ولقب الحاج قد يطلق في بعض المجتمعات الإسلامية على كبار السن عموماً من باب التوقير والاحترام، لكن الذي ينبغي هو عدم إطلاقه على من لم يحج، لأن الحج اصطلاح شرعي فلا يستعمل في غير ما وضع له شرعاً.
وأما الكافر فلا يجوز تلقيبه بذلك، لأن الحج عبادة وطاعة لله تعالى مثله مثل الصلاة والزكاة والصوم ونحوها من العبادات، فلا يجوز وصف الكافر بها، فضلا عن تلقيبهم بذلك، ويستعمل الأعاجم المسلمين لفظه (حجي) بدلاً من (الحاج) وقد انتقل ذلك إلى بعض العرب أيضاً، وينطبق عليها ما سبق من الكلام على لفظه الحاج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/824)
قول القائل (ولا نزكي على الله أحدا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة ولا نزكي على الله أحدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى تلك العبارة أن المرء إنما يحكم بحسب ما يظهر من حال الشخص ويكل حقيقة الأمر وعاقبته إلى الله، فقد يوافق الظاهر الباطن وقد يخالفه، ولذلك قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32} وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ {النساء: 49} فكان الواجب أن يقول المرء بعد ما يصف المرء بما علم فيه أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا، كما يتبرأ من علمه بقوله: والله تعالى أعلم وهكذا، وقد بينا طرفا من ذلك في الفتويين: 19563، 51277.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1427(9/825)
التواصل مع الأصدقاء وتجنب الحديث حول ما لا ينفع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
وبارك الله جهودكم، مشكلتي أنه لي جارة ملتزمة والحمد لله، وكثيراً ما كنا نتحدث على الهاتف مع أنني أكره أن أقضي معظم وقتي بالكلام على الهاتف وليس لي الوقت لذلك ومن كثرة الكلام معها أدخل في النم والكلام الفارغ وهذا الشيء ضايقني جدا وعزمت على هجرها هجرا جميلا بحيث لا أقطع ولا أصل كثيرا حتى لا أقع في محرمات وهي تلاحظ أنني متغيرة وتحاول معرفة السبب، فهل لي بأن أقول لها إنها السبب في ارتكاب معاصي أم ألتزم الصمت وأبقي على تجاهلها مع أنني أسلم عليها وأكلمها عندما ألتقي بها ولكنني قطعت التحدث معها على الهاتف لأنها تحب التحدث كثيرا عليه أحيانا ساعة وأكثر فلا أريد أن أجرحها بمعرفة سبب انقطاعي عنها بالهاتف؟ ولكم جزيل الشكر (المهم لا تحيلوني إلى فتوى أخرى) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الهجر لا يكون إلا عند عدم إمكان التأثير والإفادة، فعليك أن تشغلي من يتصل بك بعد السلام عليه بالتناصح معه والتواصي بالحق والصبر، وأن تشغلي الوقت عن الحديث فيما لا يعني، وإذا لاحظت من الأخت حب الحديث عن الآخرين فبيني لها خطورة الغيبة والنميمة وأهمية إحسان الظن بالناس والاشتغال بتلاوة القرآن والذكر ودراسة العلم الشرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(9/826)
عدم التكلم إلا بالقرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول في الآونة الأخيرة عند الكلام مع الناس أن تكون إجاباتي من القرآن والسنة حيث إني أحفظ الآية أو الحديث لوقت محدد وأمام الناس أنسى أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين أنك إذا وقفت أمام الناس لوعظهم أو بيان أمر ما لهم وقد حفظت الأدلة التي ستستشهدين بها خلال تلك الكلمة فإنك تنسينها عند الإلقاء للخجل ورهبة الموقف أو غير ذلك من الأسباب فيمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية:، 56561، 8563، 17167، 22996، 47959، فقد بينا خلالها بعض الطرق المعينة على الحفظ والتذكر، ومما يفيدك هنا أن تسجلي رؤوس الآي والأحاديث التي تودين الاستدلال بها في ورقة وهكذا.
ولكن إذا كان قصدك أنك تريدين أن لا تتكلمي إلا بالقرآن أو السنة ولا تجيبي أحدا إلا بهما فهذا متعذر وفيه تكلف بين لا ينبغي، وقد كرهه بعض أهل العلم سيما إذا كان فيما ليس له علاقة بالأمور الشرعية. فستضطرين إلى أن توردي آيات وأحاديث لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالمعاني التى تطرقينها. وراجعي الفتوى رقم: 23259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1426(9/827)
لا حرج في حكاية ما ليس فيه دعاية للفجور والفحش
[السُّؤَالُ]
ـ[الله يحفظكم ويرعاكم وسدد على الخير خطاكم،، إخواني أنا أكتب في أحد المنتديات وفاجئني أحد الإخوان بمشاركة خادشة للحياء فحاولت جاهدا مجاراته بما يحدث من عولمة وأن هذا غير صحيح على الإطلاق ولكنه أتى لنا بدراسات لوجوب الانفتاح والتفتح للصغار والمراهقين حاولت جاهداً البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة ولكن ضعفي الديني نسأل الله التوبة لم يساعدني في الرد على هذا الكاتب لاسيما أنه سليط في اللغة العربية وفذ في كلامه ومتمكن وما دعاني للرد عليه هو قوه معاني كلماته التي كتبها لنا في المنتدى..
أفيدوني أفادتكم الله وأثابكم وجعلها في ميزان أعمالكم عن فتاوى وأحاديث علني أرد على هذا بها..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث مع الشباب بما يستحيى منه عادة لتحقيق مقصد شرعي كتعليمهم ما أشكل عليهم من أمور الطهارة أو علاج مرض كل ذلك جائز بقدر ما يحتاج إليه. والأولى الكناية ما أمكن، فقد روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء.
وفي الحديث أن أم سليم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق..هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء. رواه البخاري. وفي الصحيحين عن عائشة قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر؟ قال تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري. فاجتبذتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم.
قال النووي: وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات.
وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا: مكانكم، ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه. قال الحافظ ابن حجر في الفتح وهو يعدد الفوائد المستفادة من هذا الحديث: وفيه أنه لا حياء في أمر الدين.
ولا حرج في حكاية ما ليس فيه دعاية للفجور والفحش، فقد روي عن ابن عباس أنه أنشد وهو محرم: وهن يمشين بنا هميسا. إن تصدق الطير ننك لميسا فقيل له: أرفثت؟ فقال: الرفث ما كان عند النساء. رواه ابن أبي شيبة والبيهقي والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1426(9/828)
المزاح.. ضوابطه وآدابه
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم من الأيام دعيت إلى غداء وكان معنا شاب لم أره إلا في ذلك اليوم وأنا أحب المزاح كثيرا لما تكلم قال كلمة لو أنه صمت كان أفضل وأجبته ولكن لم أنو في ذلك إلا المزاح إلا أنه غضب وأخذ سكينا ووضعها على وجهي ولكني سكت ولم أجبه وسؤالي ماذا يقول الإسلام في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أذن الشرع في المزاح بشرطين:
الأول: أن يكون صدقا.
والثاني: أن يكون يسيرا.
قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: المزاح: أما اليسير منه فلا يُنهى عنه إذا كان صادقا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقا، فإنه قال لرجل: يا ذا الأذنين. وقال لآخر: إنا حاملوك على ولد الناقة. وقال للعجوز: إنه لا يدخل الجنة عجوز. ثم قرأ: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا {الواقعة: 35-36} وقال لأخرى: زوجك الذي في عينيه بياض.
ومما يدل على تحريم الكذب في المزاح ما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له. والحديث قوى إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله.
أما إذا أضيف إلى الكذب القول القبيح فالأمر يكون أشد خطورة؛ لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. والحديث ظاهر فيه النهي عن الكلام القبيح في جميع الأحوال من جد ومزاح.
وعليه، فإن كان ما قاله الشخص المذكور حقا ورددت عليه بطريق المزاح بما هو حق فلا شيء عليك؛ إلا أنه لا ينبغي لك أن تمزح إلا مع من وثقت به وعرفت طباعه حتى لا تدخل نفسك في الحرج. وقد كادت مرة أن تقع مقتلة بين رجلين قال أحدهما للآخر والله إن ذبحك حلال، فالمازح يقصد أنه إذا ذبح شاة فيجوز أكلها لأنه ليس بمشرك، وذلك لم يفهم مقصوده وظن أنه يقصد أن ذبحه حلال لكونه أتى بما يوجب قتله، فلا تمزح إلا قليلا ومع من وثقت به لا مع كل أحد.
وأما ما قام به الشخص الآخر من حمل السلاح عليك فخطأ، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها وإن كان أخاه لأبيه وأمه. وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار. متفق عليه. وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حمل علينا السلاح فليس منا. رواه مسلم.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(9/829)
حكم ممازحة الرجل امرأة أجنبية عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبي إنسان متدين ويتقي الله في معامالاته ولكنه كان يمزح مع صديقة مقربة لي جداً في مرة وزاد المزاح بطريقة ضايقتني، وحين لفت نظره ثار علي وقال إنه ليس لي حق في أن أتحكم في تصرفاته، فهل له حق في ذلك؟ وأرجو منكم ما هي حقوقي التي يمكن أن أطالبه بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج وليست عقداً، فلا تترتب عليها حقوق خاصة لأحد من الخاطبين.
وأما بشأن ما حدث فليس للرجل أن يمازح امرأة أجنبية عنه، وليس له النظر إليها، مع العلم أن المخطوبة لا تزال أجنبية عن الخطيب حتى يتم العقد، فننصح الجميع بلزوم أوامر الله والوقوف عند حدوده سبحانه، قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {البقرة: 229} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1426(9/830)
حصاد الألسنة مر المذاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النكت التي تسخر من الجنه والنار والخلق وغيرها، سأكتب نكتتين قرأتهم للتوضيح وسهولة الإجابة على السؤال
1- أيه الفرق بين بيطري وجهنم؟
عشان تخش بيطرى لازم تحرم نفسك من كل حاجة حتى لو كانت حلال
أما جهنم بتعمل كل حاجة حرام
2- جماعه مساطيل طب عليهم البوليس
شويه جريوا وواحد نام في الطين ولما الضابط سأله بتعمل أيه، قاله هو الإنسان مخلوق من أيه؟ قاله من طين، قاله خلاص أنا لسه مخلوق دلوقتي، أنا أسفه أني كتبت النكت هذه، لكن هي للتوضيح لا أكثر، وأرجو إجابة شافية لهذا الموضوع لأنه منتشر جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النكت التي تسخر بالجنة والنار وخلق الله تعالى محرمة لما فيها من السخرية والاستهزاء بالدين لما قدمنا في الفتوى رقم: 48790، والفتوى رقم: 12487، والفتوى رقم: 46391.
والواجب على العبد أن يحفظ لسانه وأن يعد نفسه للهرب من النار والظفر بالجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي.
وقد قال: ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها. رواه الترمذي والطبراني وحسنه الهيثمي والألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(9/831)
الهدي النبوي في المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمزح ولا يقول إلا الصدق في مزاحه.
أنا أريد منكم ألوانا من مزاح حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام.
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا. فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا.
وجاء في مختلف الحديث لابن قتيبة.. فلو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الطلاقة والهشاسة والدماثة إلى القطوب والعبوس والزماتة أخذ الناس أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من المشقة والعناء، فمزح صلى الله عليه وسلم ليمزحوا، ووقف على أصحاب الدركة وهم يلعبون فقال: خذوا يا بني أرفدة، ليعلم اليهود أن في ديننا فسحة..
وكان أصحابه رضوان الله عليهم يتأسون به صلى الله عليه وسلم ويقتدون بهديه وشكله.. كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: 21}
وروى الطبراني عن قرة قال: قلت لابن سيرين: هل كانوا يتمازحون -يعني الصحابة-؟ قال: ما كانوا إلا كالناس، كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر. ومثله عن سعيد بن المسيب.
ومن ما روي من مزاحه صلى الله عليه وسلم كما في كنز العمال وغيره عن ابن عباس أن رجلا سأله: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح؟ قال: نعم. فقال رجل: ما كان من مزاحه؟ فقال ابن عباس: كسا النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثوبا واسعا، وقال: البسيه واحمدي الله، وجري من ذيلك هذا كذيل العروس.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا ذا الأذنين. رواه أحمد وأصحاب السنن.
واستحمله رجل طلب منه ما يحمل عليه، فقال له: إني حاملك على ولد ناقة، فقال: ما أصنع بولد ناقة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق. رواه أبو داود والترمذي.
وفي سنن البيهقي وغيرها أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حزام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه في السوق فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني من هذا؟ فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله: إذاً والله تجدني كاسدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد.
وكان أصحابه رضوان الله عليهم ربما مازحوه صلى الله عليه وسلم.
ففي غزوة تبوك كان صلى الله عليه وسلم في قبة صغيرة من أدم فجاءه عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه فسلم عليه فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ادخل، فقال: عوف: أكلي يا رسول الله؟ قال: كلك. رواه أبوا دود.
فعوف رضي الله عنه يمازح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 11614، 19225.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1426(9/832)
أدب الخطاب مع الشخص الكبير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي كبيره من عائلته باسمه أو يعطي له لقبا احتراما له؟
وهل يلقب المرء من هو أكبر منه ب 10 سنوات مثلا؟ أفيدوني من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 61379
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1426(9/833)
إدراج الآيات القرآنية في التخاطب مع الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من الناس من يستخدم الآيات القرآنية في درج الكلام كأن يطرق أحدهم الباب فيجيب (ادخلوها بسلام) أو يسأل عن شيء فيقول (وما تلك بيمينك يا موسى) أو يعطي شيئا فيقول (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) فما حكم ذلك.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تم الإجابة على هذا السؤال في الفتوى رقم: 23259.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(9/834)
النهي عن التشويش على المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من سيادتكم سرعة الرد على هذا السؤال فإني أتعرض لهذا الموقف كثيراً وأشعر بحيرة شديدة واكتئاب
فأنا موظفة في إحدى الشركات وحينما يؤذن المؤذن أذهب للصلاة في الحجرة المخصصة للسيدات ولكن في أثناء صلاتي تدخل علي بعض الزميلات لأداء الصلاة ولكنهن يتكلمن بصوت عال بجانبي ويضحكن أحيانا كثيرة وأنا لا أستطيع الصلاة بتركيز وأشعر أن أذني تكون معهن غصبا عني لأن صوتهن عال فأضطر لإكمال صلاتي وانتظرهن حتى ينتهوا من صلاتهن ثم أذهب لإعادة الصلاة مرة أخرى مع أني قلت لهم قبل ذلك ولفت نظرهن لكني أشعر بفعلي هذا بالنفاق بمعنى كأني أمثل أمامهن أني أكمل صلاتي مع أني في نيتي أكون ناوية أن أعيد الصلاة مرة أخرى أستسمح سيادتكم بسرعة الرد لأعرف هل تقبل صلاتي أم لا؟ وهل الله غضبان علي أم ماذا؟ وهل ما أقوم به نفاق أم لا؟
أستحلفكم بالله أن تجيبوني وتهتموا برسالتي
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا دخلت في الصلاة المفروضة وجب عليك إتمامها، ولا يجوز لك قطعها لمجرد ارتفاع بعض الأصوات حولك، ولا ينبغي لك أيضاً قطع صلاة النافلة لهذا السبب، ولكن لو فعلت فليس نفاقاً، ولكن الذي ينبغي لك هو الاستمرار والإقبال على صلاتك بقدر استطاعتك، ثم بعد الانتهاء من الصلاة قومي بنصح من يقمن بذلك وأعلميهن بما في رفع أصواتهن من أذى وتشويش على الآخرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(9/835)
من ضوابط رواية النوادر والنكات
[السُّؤَالُ]
ـ[فإني أود الاستفسار عن بعض النوادر ولا أدري حكمها لأنها تصلنا عبر البريد وتصل إلى المئات أو أكثر وقد سقت لكم هذه النادرة كي تفتوني في حكم نشرها، وجزاكم الله خيراً، ورد في الأثر أن أشعب وهو رمز الطمع عند العرب دخل على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور فوجد أمير المؤمنين يأكل من طبق من اللوز والفستق فألقى أبوجعفر المنصور إلى أشعب بواحدة من اللوز فقال أشعب يا أمير المؤمنين ثاني اثنين إذ هما في الغار فألقى إليه أبو جعفر اللوزة الثانية فقال أشعب: فعززنا بثالث فألقى إليه الثالثة فقال أشعب: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك فألقى إليه الرابعة فقال أشعب: ويقولون خمسة سادسهم كلبهم فألقى إليه الخامسة والسادسة فقال أشعب: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم، فألقى إليه السابعة والثامنة فقال أشعب: وكان في المدينة تسعة رهط فألقى إليه التاسعة، فقال أشعب: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة فألقى إليه العاشرة فقال أشعب: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين، فألقى إليه الحادية عشر فقال أشعب: والله يا أمير المؤمنين إن لم تعطني الطبق كله لأقولن لك وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ... فأعطاه الطبق كله! هذا هو أشعب وبرغم طمعه وجشعه إلا أنه كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه النادرة تدخل فيما يسمى بالمزاح، والمزاح منه ما هو مباح وما هو ممنوع، روى الطبراني من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا.
وكان مزحه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه قليلاً، وذلك لأن الإكثار من المزح يميت القلب ويجلب الضغائن، ولك أن تراجع فيما يجوز من المزاح فتوانا رقم: 11614.
وعليه، فإذا تحققت صدق هذه النادرة بأن وجدتها في مصادر متعددة وموثوق بها، فلا بأس بنشرها بشرط أن لا يكثر مثل ذلك منك، وإن شككت في صدقها فاترك نشرها خوفا من الوعيد الذي جاء في الحديث الذي أحلنا على فتوى محتوية عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1425(9/836)
حكم كلام الرجل مع الخادمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا خادمة مسلمة تلتزم بالحجاب الشرعي وتقوم بفروضها حسب ما تقول لي زوجتي, وعندي طفلتان الأولى عمرها سنتان وثلاثة أشهر والثانية سنة وشهران الحمد لله وتعمل زوجتي مدرسة فتخرج من البيت قبل خروجي للعمل بساعة أو نصف ساعة وأعيش في الطابق الثاني عند أهلي وعند خروجها تبقي باب المنزل مفتوحاً وبعض الأحيان إحدى أخواتي تأتي للمساعدة في تجهيز ابنتي لذهابها إلى الحضانة وأنا في هذه الأثناء أقفل على نفسي باب غرفتي حتى أنتهي من لبسي ثم أذهب مباشرة إلى العمل ولا أتحدث مع الخادمة إلا قولي لها انتبهي للصغيرة أو اطلب منها أن تنزل عند أهلي أثناء غيابنا فهل في هذا خلوة غير شرعية مع هذه الخادمة, الرجاء المساعدة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدخول على الأجنبية وهي منفردة في بيت يعتبر من الخلوة المحرمة. ويدل لتحريمه حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. وحديثهما: لا يخلون رجل بامرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم.
وأما كلامك معها وأنت عند الباب وهي في الداخل من دون أن تنظر إليها، فهو مباح إن لم تكن فيه ريبة أو خضوع منها بالقول. ويدل لإباحته قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53} .
وما ثبت عن السلف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من التخاطب بين الجنسين.
والأولى أن توصيها زوجتك أو أختك بما تحتاج له من الوصايا.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 30792، 17502، 3672، 17374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(9/837)
يجوز قول (فداك أبي وأمي) لغير النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ياشيخنا الفاضل سؤالي هو أن أحد الإخوة هداه الله سمعته يقول لرجل صالح شيخ دين متأثر به كثيرا قال بأبي وأمي هو هذا الشيخ قلت له ما يجوز هذا الكلام إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو كان هذا الرجل صالحا ما يجوز وقد أنكر علي قال هات دليلا شرعيا قلت: حديث أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سوهما؛ لم يقتنع فأنا مجرد عامي؛لهذا أريد أن أتأكد من سماحتكم مع ذكر الأدلة حفظكم الله وحتى يبان الحق أتمنى ذكر أي شيء أنتم أدرى به المهم أتمنى الدليل.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب جماهير العلماء إلى جواز التفدية بالأبوين وهو الصحيح، واحتجوا بأدلة منها حديث علي بن أبي طالب في الصحيحين قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي بأبويه أحداً إلا سعداً فإني سمعته يقول يوم أحد: ارم سعد فداك أبي وأمي.
وحديث عبد الله بن الزبير عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم، فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: فداك أبي وأمي. متفق عليه.
والمراد من (فداك أبي وأمي) أن: أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك وهي من الألفاظ الشائعة عند العرب.
قال الإمام النووي: فيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء، وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري، وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه والصحيح الجواز مطلقاً، لأنه ليس فيه حقيقة فداء، وإنما هو كلام وألطاف وإعلام بمحبته له ومنزلته، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالتفدية مطلقاً. اهـ
وقد استعمل هذا اللفظ الصحابة والتابعون فيما بينهم، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال أبو بكر الصديق يوم أحد: كن طلحة فداك أبي وأمي.
وعن علقمة قال: قرأت على عبد لله فقال: رتل فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن.
قال الحافظ في الفتح: وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز، أبو بكر بن أبي عاصم وجزم بجواز ذلك، فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم، ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه ولو كان ذلك محظوراً لنهى النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره. اهـ
وعليه، فيجوز استعمال لفظ (بأبي وأمي) ولا فرق بينه وبين (فداك أبي وأمي) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(9/838)
كيف يحتاط الشاب الوسيم من أهل الريبة من الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[فأنا والحمد لله منحني الله حسن خلقة وأنا أصبحت أعاني بسببها فكلما تكلمت مع فتاة التصقت بي. وأما في هذه الأونة أصبح كلما رأني رجل أصبح يريد أن يتكلم معي ليقول أود أن أستمني لك. وهذا أقل ما قيل سواء أن أعرفه أولا أعرفه. فأطرده من شدة الغضب أو الخجل أو الخوف من الله أو أذكره بالله. وأنا شاب في مقتبل العمر وأخاف على نفسي أن أفتن، فأرجو أن تدلني كيف أعمل للمصابين بهذا المرض، وكيف أدعوهم إلى الله والأغرب من ذلك والذي فجأني حتى الذين أعرفهم أصبحوا يتمنون أن يستمنوا لي؛ فأنا في حيرة من أمري وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحسن خلقك كما حسن خلقتك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم. هذا، وإن الواجب عليك عدم الاختلاط بالنساء، إلا بمراعاة ضوابط وآداب، منها: غض البصر، وعدم الخلوة، وعدم المصافحة باليد، ونحو ذلك مما حرم الله تعالى، وانظر الفتوى رقم: 8890، 8924، 2412. وكذلك ينبغي أن تحذر من مخالطة ضعاف الإيمان وفاقدي المروءات من الرجال، وأن تتوقى الخلوة بهم، وأن تكون جاداً في كلامك، وأن تتجنب التكسر واللين عند مخاطبة الرجال، وأن تتجنب لبس الملابس الضيقة التي تجسم العورة وتظهرها. كما يجب عليك أن تلتزم بآداب الإسلام الواجبة، كإعفاء اللحية. ثم إننا نوصيك بتقوى الله ليجعل لك مخرجاً مما أنت فيه، واستعن به، واسأله أن يرفع عنك البلاء، وأن يحفظك من أهل الريب. وإذا ابتليت بمن لا خلاق له، فلا تتردد في إبعاده والإغلاظ له، ولك أن تخوفه بالله وأليم عقابه، وأنه مطلع على عباده لا تخفى عليه منهم خافية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(9/839)
من أحكام التناجي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التناجي إذا كان في المجلس أكثر من ثلاثة، ومتى يمكن للنجوى أن تكون جائزة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق حكم تناجي جماعة دون واحد في الفتوى رقم: 52152.
وأما الشطر الثاني من السؤال، فإن النجوى تجوز إذا أذن الواحد للمتناجين بالنجوى، أو كان الجماعة أربعة فأكثر فتناجى اثنان دون البقية.
أما إذا كانت الجماعة ثلاثة فقط، فلا يجوز تناجي اثنين دون الثالث حتى يختلطوا بالناس أو يجدوا رابعاً على الأقل ويدل لهذا ما في الصحيح: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل إن ذلك يحزنه. متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لابن حبان عن أبي صالح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه. قال أبو صالح: فقلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: ذلك لا يضرك.
وروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع ابن عمر أحد غيري فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعا: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد.
ويدل لجواز تناجي اثنين دون باقي الجماعة إذا كانوا أربعة فأكثر ما في صحيح مسلم من مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها بحضرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وقال النووي في شرح حديث لا يتناجى اثنان دون الآخر: في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة بحضرة واحد، وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر، وأما إذا كانوا أربعة فتناجي اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع.
وقال ابن حجر في الفتح عند شرح حديث مناجاة الرسول لفاطمة: قال ابن بطال مُسَارَرَة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز، لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(9/840)
حكم تحدث الجماعة بلغة أخرى لا يفهمها واحد منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الحديث والمزاح بلغة غير العربية في مجلس كلهم يفهمونها إلا واحدا لا يفهم ما يقولون هل ينهض من هذا المجلس أم يصبر بحكم القرابة وعدم تشتيت شمل العائلة وهل يعتبر هذا الأمر نجوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المتحدثون يتكلمون اللغة العربية ويستطيعون الحديث بها، فإن فعلهم هذا يخالف شرع الله تعالى وتعاليم رسوله الكريم الذي يحث على الإلفة والمودة بين الناس، ويعتبر اللغة العربية ويجعلها من شعائر الإسلام ولغة المسلمين الكبرى، وهو كذلك إساءة للأدب مع جليسهم وذوي رحمهم.
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناجى الاثنان دون الواحد، كما في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد. وفي رواية: لأن ذلك يحزنه.
ومن باب أحرى إذا كانت جماعة تتحدث دون واحد، ولهذا قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وكذلك الجماعة إذا أبقوا واحداً منهم. لوجود العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم النهي وهو كون التناجي دونه يحزنه أو يشعره بالمهانة وعدم الاعتبار.
والتحدث باللغة الأجنبية أو إدخال بعض عباراتها أو مفرداتها في اللغة العربية من المصائب التي ابتلي بها المسلمون والهزائم التي منوا بها في هذا العصر بسبب الابتعاد عن دينهم الذي هو مصدر قوتهم وعزتهم، وهو نتيجة من نتائج الغزوالفكري الذي استهدف عقول المسلمين وعقائدهم وأخلاقهم ولغتهم، فأثر في عقول بعض الشباب وضعاف النفوس، وقد حذر أهل العلم قديماً وحديثاً من هذا الأمر ومنعوا التحدث بغير اللغة العربية إلا لحاجة أو لمن لا يتحدث بها أصلاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن فلا ريب أنه مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن المسلم ينبغي له ألا يتكلم بغير العربية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وعلى هذا، فلا مانع شرعاً أن ينسحب الأخ من هذا النوع من المجالس الذي لا يقيم أهله وزناً لجليسهم، وإن كان الأفضل أن ينبههم بطريقة ودية إلى خطئهم وهو ما ننصح به السائل الكريم، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 33344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1425(9/841)
مسائل في اليمين والمزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[نود منكم إعطاءنا إجابة شافية لهذا السؤال وهو كالآتي: مجموعة اجتمعت لوليمة ثم أخذوا في الضحك واللعب والمزاح منها مزحوا على شخص من الأول على سبيل المزاح في بيع سيارة وشراء ثم تطورت الحكاية وأخذ صاحب السيارة وبدأ يتكلم بجدية على أساس يريد المبلغ وهو في الحقيقة المبلغ خيالي وهذا ليس ثمن السيارة فقام الطرف الآخر يتكلم فقال: له أنت تمزح معي فقال له لا أريد السعر الذي دفعت للسيارة فتوسط الحاضرون وقالوا له الموضوع من الأساس مزاح، ثم رد الشخص الموكل لصاحب السيارة فقال للشخص الذي دفع المبلغ الخيالي للسيارة ليس لديك كلمة رجل فتعصب الشخص وحلف اليمين وهو والله العظيم سوف أدفع لك المبلغ هذا، وتعصب كثيراً وقال نحن نمزح، فقال له لا نمزح ادفع المبلغ ثم تدخل الحاضرون وحلوا المشكلة وانتهت، الشخص الذي حلف اليمين وهو والله العظيم سوف أدفع المبلغ ما حكمه في الشريعة هل عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو يعتبر اليمين لغوا، نرجو منكم الرد على سؤالنا وبالتدقيق كيف إذا تم اختيار أحد الأمور الثلاثة؟ ولكم جزيل الشكر، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور:
الأمر الأول: ما يتعلق بالمزاح، والمزاح لا ينبغي الإكثار منه، ولا يجوز أن يكون فيه كذب، ولا أن يكون سبباً في القطيعة والتباغض، وقد تقدم الكلام عن آداب المزاح وذلك في الفتاوى التالية: 11614، 12643، 10123.
والأمر الثاني: ما يتعلق بالشخص الذي حلف بالله ثم أخلف ما حلف عليه، وهذا تلزمه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإذا لم يجد فليصم ثلاثة أيام، وراجع التفاصيل في الفتوى رقم: 6602، والفتوى رقم: 26595.
والأمر الثالث: ما يتعلق بيمين اللغو، وهي أن يحلف المرء على شيء دون أن يقصد اليمين، كقوله: لا والله، وبلى والله، أو أن يحلف على شيء يظنه كما حلف، فيتبين أن الأمر على خلاف ما يعتقده.
وما فعله صاحبك ليس من هذا، بل هو يمين منعقدة، وللفرق بين اليمين المنعقدة ويمين اللغو راجع الفتوى رقم: 44446.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1425(9/842)
كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل الحمد لله لا تفوتني الصلاة ولكن عندما ألقى أصحابي أتكلم كثيراً ونضحك كثيراً هل يوثر على الصلاة وهل يستجاب دعائي جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صحة الصلاة لا علاقة لها بالكلام والضحك إذا كانا خارجها، لكن قد يكون ذلك دليلاً على عدم تأثر الشخص بالصلاة إذا كان الكلام يتضمن المحرمات مثل: الغيبة أو النميمة أو ذكر الفواحش أو غير ذلك مما يتطرق إليه من أكثر الكلام، فالمواظبة على الصلاة في الجماعة أمر عظيم لا بد أن يكون له تأثير على المسلم، وذلك التأثير يتمثل في الوقار والسكينة والاقتصار على الحاجة من الكلام قال الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت: من الآية45) قال القرطبي: وفي الآية تأويل ثالث وهو الذي ارتضاه المحققون، وهو أن المراد بأقم الصلاة أي إدامتها والقيام بحدودها ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهي صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة، وعموماً فإن كثرة الكلام ولو كان مباحاً منهي عنها، كما جاء في حديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي. رواه الترمذي، وإن كان ضعيفاً إلا أنه في فضائل الأعمال.
وأما كثرة الضحك فراجع لها الفتوى رقم: 30423، والفتوى رقم: 12643 ثم إنه لا مانع من إجابة دعائك إذا توفرت عندك أسباب قبول الدعاء، وهي مفصلة في الفتوى رقم: 2150.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1425(9/843)
شرط جواز تلقيب من حج بالحاج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقال للحاج بعد حجه (يا حاج- يا حاجة) ، وهل يؤدي ذلك إلى الرياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتلقيب الإنسان بما يحب مستحب شرعاً، أما بما يكره فمعصية، قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره سواء كان صفة له أو لأبيه أو لأمه، واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، واتفقوا على استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه، فمن ذلك أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن عثمان ولقبه عتيق، ومن ذلك أبو تراب لقب لعلي بن أبي طالب. انتهى.
ومن هذا يتبين جواز تلقيب من حج بالحاج إذا لم يخش منه عجب أو رياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1425(9/844)
حكم المناداة الشخص باسمه ناقصا حرفا أو أكثر
[السُّؤَالُ]
ـ[س6/ هل يجوز للخطيبين أن يصغرا اسميهما، على سبيل المثال هي اسمها "بسمة" فيراسلها ويناديها باسم "بسُّوم" وهي تناديه باسم "حسُّون" بدلاً من "حسن"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس بذلك ما لم يكن في تصغير الاسم أو الزيادة على حروفه تنقيص وسخرية، وقد بوب البخاري في صحيحه باب: من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً. وأورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: يا عائش. هذا جبريل يقرئك السلام. قلت: وعليه السلام ورحمة الله ... وقوله صلى الله عليه وسلم لـ أنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجش رويدك سوقك بالقوارير.
ومعلوم أن نقص الاسم كالزيادة فيه، فلا يمنع منه إلا إذا أصبح من باب التنابز بالألقاب والتنقص، لقوله تعالى: يَاأَيُّها الْذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزِوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئَكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1424(9/845)
الحديث بالهاتف.. الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التحدث بالهاتف؟ وإن كان جائزاً فهل كلما سنحت له الفرصة أو كلما أراد ذلك وقد يصبح بشكل يومي أو ما شابه ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهاتف وسيلة من وسائل الاتصال ونعمة من نعم الله تعالى التي سخرها لعباده. فلا ينبغي للمسلم أن يستخدمه إلا فيما ينفعه في دينه أو دنياه، فإن كان التحدث بالهاتف لصلة الرحم أو تفقد الأهل أو غير ذلك من الأمور المباحة أو المستحبة، فهذا لا شك في جوازه، وربما كان واجبًا إذا كان ذلك لصلة الرحم الواجبة.
أما إذا كان التحدث عبر الهاتف بما لا يجوز شرعاً كالغيبة والنميمة، فهذا لا شك في حرمته. وكذلك لا يجوز التحدث عبر الهاتف إذا كان بين الرجال والنساء الأجنبيات لغير مقصد شرعي أو مصلحة مرجوة.
ويجب على المسلمة أن تسد عنها باب التحدث مع الرجال الأجانب لئلا يكون ذلك بابًا للفساد لا تستطيع سده بعد ذلك.
وبإمكانك أن تطلعي على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم:
7396.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1424(9/846)
أدب المزاح مع الأبوين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمه الله وبركاته........... حياكم الله وبعد:
هل المزاح الثقيل مع الوالدين من العقوق؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا حرج في المزاح القليل الصادق إن كانت فيه مصلحة تقتضي ذلك، كتخفيف لعناء السفر وملاطفة الطفل، أو إدخال السرور على الوالدين أو أحدهما، ودليل ذلك ما رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا.
ومما يجدر التنبيه له هنا، أن المزاح مع الأبوين، يحتاج إلى أدب واحترام وتقدير لمكانتهما، إذ لو خرج عن ذلك كان حراما، لأنه يدخل في باب العقوق لهما، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ. [الإسراء: 23] .
قال ابن كثير في تفسيره: أي لا تسمعهما قولا سيئا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1424(9/847)
المكالمات الهاتفية بين الأجنبيين لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على رجل في طور الانفصال عن زوجته (الطلاق) وأنا الآن على علاقة معه نتبادل المكالمات الهاتفية كل يوم علما بأنه يعيش في الخارج، أحبه كثيراً وأنا بحاجة إلى التأكد من مشاعره، ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لك أن تتحدثي مع هذا الرجل ولا أن تراسيله ولا أن تلتقي به، لأن المحادثة هاتفية أو غيرها أو المراسلة أو اللقاء، كل ذلك سبب للوقوع في ما وراءه، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله: الراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه. متفق عليه.
وإذا كان هذا الرجل جاداً فليتقدم لخطبتك من وليك، علماً بأنه لا يجوز لك أن تشترطي عليه طلاق زوجته لتتزوجي به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها. رواه مسلم.
كما أنه لا يصح زواجك به بدون موافقة وليك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. رواه أحمد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه أحمد، وتتميماً للفائدة راجعي الفتوى رقم: 21582.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(9/848)
حكم العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أجنبية عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العلاقه الجنسية عن طريق الهاتف هل هي حرام، أرجو الإفادة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أجنبية عنه عن طريق الهاتف محرمة ولا تجوز ولو كانت حدود العلاقة مجرد الصداقة وتبادل الأحاديث الودية، وراجع الفتوى رقم:
1072، والفتوى رقم: 10522.
أما إذا انضاف إلى ذلك الحديث في أمور الجنس أو ممارسته عبر الهاتف فإنه يكون أشد حرمة، وراجع الفتوى رقم: 7875 ففيها بيان أن الكلام الجنسي بين الزوجين عبر الهاتف لا ينبغي فكيف بالأجنبيين، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
11690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/849)
كلام المرأة مع الأجانب لمجرد الرغبة معصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة وهي الرغبة في التحدث مع أي رجل ولا أجد لها حلا. فماذا أفعل؟ خصوصا بعد ما تركني خطيبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تسترسل في الحديث مع الرجال الأجانب، وإنما تقتصر إن دعت الحاجة إلى التحدث معهم على الحاجة التي لا بد منها، وتحذر من الخضوع بالقول حتى لا يطمع فيها ضعاف النفوس، ومرضى القلوب، قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) [الأحزاب:32] والكلام مع الأجانب لمجرد الرغبة يعد من الإثم الذي يجب على المسلم أن يبتعد عنه، والحرام الذي يجب أن ينتهي عنه.
والذي أنصح به السائلة الكريمة أن تتقي الله تعالى، وتحذر من مخالطة الرجال الأجانب والتحدث معهم لغير ضرورة، حتى وإن احتاجت إلى ذلك فينبغي لها أن تنيب غيرها للتحدث معهم في حاجتها، حتى تسد عنها هذا الباب، وتقنع نفسها بأنه لا سبيل إليه حتى تعود لطبيعتها..
ويجب عليها أن تحافظ على نفسها في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، ورق فيه الدين، وقل الحياء..
ولتستعن بالله تعالى في كل أمورها ولتسأله العون والتيسير، قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) [الطلاق: 4]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(9/850)
الكلام المستهجن قد يفضي إلى المكروه أو الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي خاص بالألفاظ لأنني قلت عندما كنت أحدث أختي إن من واجبي أن أستهبل عليك؟ فقالت لي إنك أدخلت الاستهبال من الواجبات فهل علي إثم وأنا لم أقصد أن أدخله في الدين بتاتا؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83] .
وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) [الإسراء:53] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً، أو ليصمت" رواه البخاري.
فهذه الأدلة وأمثالها تبين أن الكلام الذي لا فائدة منه منهي عنه، لأنه قد يجر إلى المكروه، ولو كان مباحاً، وقد يجر إلى الحرام كذلك.
والكلمة التي قلتيها لأختك من الكلام الذي يستهجنه الناس، وإن لم تكن حراماً، لا سيما إذا كانت من باب الدعابة والطرفة، وكان الأولى لك أن تتنزهي عنها، وما قالته لك أختك تخويفاً لك غير صحيح، لأنك لم تقصدي ذلك، ونصيحتنا لكما أن تنشغلا بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، والمحافظة على محاسن الأخلاق، وترك سفاسفها، والتنزه عن كل ما يشين، والتحلي بكل ما يزين.
والله تعالى يوفقنا وإياكما لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(9/851)
"فال الله ولا فالك" تعبير صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز هذه الكلمة:" فال الله ولا فالك"؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في قول الشخص "فال الله ولا فالك" قال الشيخ بكر أبو زيد -حفظه الله-: هذا من الكلام الدارج على لسان بعضهم عندما يسمع ما لا يعجبه، فيقولها قاصداً"لطف الله بعبده" ولن يغلب عسر يسرين.. لذا فلا يظهر فيها ما يمنع.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: هذا التعبير صحيح لأن المراد الفأل الذي هو من الله وهو أني أتفاءل بالخير دونما أتفاءل بما قلت. هذا هو معنى العبارة، وهو معنى صحيح أن الإنسان يتمنى الفأل الكلمة الطيبة من الله دون أن يتفاءل بما سمعه من هذا الشخص الذي تشاءم من كلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(9/852)
الهدي النبوي في المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدى صديق يكثر في فمه الكلام القبيح ويقصد به المزاح هذا كما يقول فما هو رد الشرع عليه؟
الرجاء الرد لكي أعرض عليه الجواب الشافي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أذن الشرع في المزاح بشرطين:
الأول: أن يكون صدقاً.
والثاني: أن يكون يسيراً.
قال ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين: المزاح، أما اليسير منه فلا ينهى عنه إذا كان صادقاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً، فإنه قال لرجل: "يا ذا الأذنين". وقال لآخر: "إنا حاملوك على ولد الناقة"، وقال للعجوز: "إنه لا يدخل الجنة عجوز" ثم قرأ: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [الواقعة:35-36] ، وقال لأخرى: "زوجك الذي في عينيه بياض".
ومما يدل على تحريم الكذب في المزاح ما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث، فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له". والحديث قوى إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله.
أما إذا أضيف إلى الكذب القول القبيح، فالأمر يكون أشد خطورة، لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" والحديث ظاهر فيه النهي عن الكلام القبيح في جميع الأحوال من جد ومزاح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1423(9/853)
النكتة غير الواقعية لا يستمع لها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
هل يجوز حكاية النكة أو الاستماع إليها مع العلم أنها غير واقعية؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز حكاية النكت أو القصص غير الواقعية لإضحاك السامعين، وإذا علم السامعون بكذب الحاكي لها فلا يجوز لهم الاستماع إليه، بل يجب عليهم الإنكار عليه.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 11614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(9/854)
شروط جواز تجريح الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[المعلوم أن على الظالم التوبة والاستغفار من ظلمه، هل هناك أدعية معينة للاستغفار من الظلم وهل إذا جرح شخص شخصا آخر سواء بالفعل أو بالقول وكان الأول على باطل فإنه يكون ظالما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الظلم ظلمات يوم القيامة -كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم- فإذا تاب الإنسان من ظلمه فإنه يشترط لصحة هذه التوبة وقبولها ما ذكره العلماء.
قال الإمام النووي: التوبة واجبة من كل ذنب، فإذا كانت المعصية بين العبد وربه لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أولها: الإقلاع عن المعصية.
الثاني: الندم على فعل المعصية.
والثالث: العزم ألا يعود إليها فيما بقي من عمره.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي -بظلمه أو غيبته مثلاً- فشروط صحتها وقبولها أربعة: الثلاثة المذكورة، والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كان مالاً رده إليه، وإن كان قذفه أو نحو ذلك مكنه من الحدّ أو طلب منه العفو حتى يرضى، وإن كان غيبة استحله منها.. وإن تعذر الوصول إليه أو خاف أن تزداد العلاقة بينهما سوءا فإنه يكثر له من الدعاء بظهر الغيب، فإذا توفرت تلك الشروط صحت التوبة إن شاء الله وليس هناك دعاء معين يدعو به التائب، ولكن مما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء قوله -كما في الصحيحن: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطيئتي وعمدي، كل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير.
وفيما يخص بتجريح الظالم فإن كان من المظلوم فجائز بشرطين:
الأول: ألا يتجاوز ما فعل له أو ما قيل له.
الثاني: ألا يخشى أن يجر أخذه لحقه مباشرة إلى إثارة فتنة أكبر،
وإن لم يفعل فهو خير له، قال تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] ، قال المفسرون: يباح له أن يجهر بالدعاء على ظالمه، وأن يذكره بما فيه من السوء، وقيل: معناه لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد؛ إلا أن يكون مظلوماً.
أما إذا كان الشخص غير مظلوم فلا يجوز له أن يؤذي غيره بقول ولا فعل؛ إلا إذا كان صاحب سلطة يريد ردع الظالم أو من باب: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فقال رجل يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوماً أريت إن كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فذلك نصره. رواه البخاري. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1423(9/855)
حكم التخاطب بغير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نأثم عندما نتكلم بلغة أجنبية (الفرنسية أو الأسبانية) لأنها جزء من عاميتنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التخاطب بغير العربية غير ممنوع شرعاً، ولا إثم على من فعل ذلك، مع أن تركه أولى إلا لحاجة كتعليم ونحوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نعم لو قيل: تكره العقود بغير العربية لغير حاجة، كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة: لكان متوجهاً، كما قد روي عن مالك وأحمد والشافعي ما يدل على كراهة اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة.
وانظر الفتوى رقم: 8086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(9/856)
في زمن الفتن يشتد الاحتراز لدى مخاطبة الأجنبية
[السُّؤَالُ]
ـ[في الزمن الذي انتشر فيه الخلاعة والعري ألا يجب التحدث لأي فتاة على (نظام كلمه ورد غطاها) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التحدث مع المرأة الأجنبية لا يجوز إلاَّ إذا أمنت الفتنة، ولذلك نهى الله عز وجل النساء عن الخضوع في القول، فقال سبحانه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] .
كما أن الله عز وجل لم يرخص في التكلم مع المرأة الأجنبية إلاَّ مع التزام الحجاب، فقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن [الأحزاب:53] .
والحاجة إلى الوقوف عند هذه الأوامر والنواهي في زمن الفتن أشد وأعظم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1423(9/857)
المزاح المباح
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مراهقة ودائماً أحب الكلام عن أشياء جيدة في الإسلام مع أختي، وقد نضحك مع بعضنا البعض ثم أخلد إلى النوم إلا أنني أحس بألم في قلبي، وقد بدأ هذا منذ 1998 وما زال ينتابني نفس الإحساس يأتي هذا خفياً وينقشع بصورة خفية من فضلكم أفيدوني.
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن أراد المزاح أو الضحك مع غيره، فلا حرج عليه في ذلك، لكن من غير كذب ولا معصية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً". رواه الطبراني.
لكن كان مزحه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه قليلاً، لأن كثرة المزاح والضحك مضرة لصاحبها، ومنها أنها تميت القلب.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان أن عمر بن عبد العزيز قال: وإياكم والمزحة، فإنها تجر إلى القبيح، وتورث الضغينة.
ولعل ما تجدينه في قلبك هو من أثر الإفراط في الضحك والمزاح، وهذا مجرب معروف.
فعليك أن تقللي منه، واشغلي وقتك مع الآخرين فيما ينفع من: مدارسة القرآن، ومطالعة الكتب النافعة، والنقاش الهادف، والكلام المباح الذي لا إفراط فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1422(9/858)
حكم إطلاق كلمة (أنت الأول والأخير في حياتي) وما شابهها
[السُّؤَالُ]
ـ[1-نقول بالعامية.. في وصف شخص غالي وحبيب على النفس.. أنت الأول والأخير في حياتي أو اهتمامي أو إلخ ... فهل يجوز هنا إطلاق كلمة الأول.. أو الأخير.. (وهي من أسماء الله الحسنى) في هذه المواطن ... مثل إطلاق كلمة المهيمن (فلان هو المهيمن على الوضع) إلخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن حكم التسمي باسم من أسماء الله والتفصيل في ذلك برقم:
7887 ورقم: 2079 ورقم: 10300 وأما ما ذكره السائل فليس من التسمي وإنما هو من الوصف، وهذا جائز، فإنك تقول: (فلان الحاكم على البلد) و (فلان الملك على المملكة) و (السيد على قومه) و (فلان الخبير بقومه) و.. ومن ذلك: (أنت المهيمن على الوضع) و (أنت الأول والأخير في حياتي)
هذا وننبه السائل إلى أن الأولى للمرء أن يبتعد عن إطلاق هذا النوع من الألفاظ دائما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1422(9/859)
شروط جواز المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الطرف مع الأصدقاء أقصد أن الطرف تكون خالية من الكذب وأشياء أخرى فإنما هي طرف فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتجوز الطرفة في حدود الأدب الشرعي، ومن ذلك تجنب الكذب، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له" وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ َأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَالدَّارِمِيُّ،عن معاوية بن حيدة، وتجنب السخرية والاستهزاء بالآخرين لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [الحجرات:11] وقوله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) [الحجرات:12]
قال المباركفوري في شرح الحديث: (ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثِ صِدْقٍ لِيُضْحِكَ الْقَوْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَمَا صَدَرَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَضِبَ عَلَى بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ مِزَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يُؤْذِي قَلْبًا، وَلَا يُفْرِطُ فِيهِ. فَإِنْ كُنْت أَيُّهَا السَّامِعُ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا وَعَلَى النُّدُورِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْك. وَلَكِنْ مِنْ الْغَلَطِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِنْسَانُ الْمِزَاحَ حِرْفَةً , وَيُوَاظِبَ عَلَيْهِ وَيُفْرِطَ فِيهِ ثُمَّ يَتَمَسَّكُ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ كَمَنْ يَدُورُ مَعَ الزُّنُوجِ أَبَدًا لِيَنْظُرَ إِلَى رَقْصِهِمْ , وَيَتَمَسَّكُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُون) َ.
قوله في الحديث: (وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ) كَرَّرَهُ إِيذَانًا بِشِدَّةِ هَلَكَتِهِ , وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَذِبَ وَحْدَهُ رَأْسُ كُلِّ مَذْمُومٍ، وَجِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1422(9/860)
الجائز من المزاح والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان كثير المزاح وكثير من هذا المزاح يسبب لي كثيراً من الحرج مع الأخوان فى العمل فقد لايقبل هذا ويخفي الآخر غضبه فأريد طريقة تجعلني إنسانا جاداً لا أمزح أتمنى أن تعينونني لأنني عانيت جداً من هذا المزاح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً" رواه الطبراني.
وكان مزحه صلى الله عليه وسلم تسرية عن أصحابه، وكان قليلاً، وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم يمزحون، ولم يكونوا يكثرون منه، لأن من أكثر من المزاح أضر به، وقلل من هيبته، بل وربما أسقطه من أعين الناس.
ففي شعب الإيمان عن عبد العزيز بن أبي داود: أن قوماً صحبوا عمر بن عبد العزيز فقال: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وإياكم والمزحة، فإنها تجر إلى القبيح، وتورث الضغينة، وتجالسوا بالقرآن، وتحدثوا به، فإن ثقل عليكم فحديث من حديث الرجال حسن.
فعليك أن تقلل من المزاح، وأن تكثر من تلاوة القرآن وذكر الله، ومطالعة الكتب النافعة متى وجدت إلى المطالعة سبيلاً، وعليك أن تعلم أن محل جواز المزاح هو ما لم يتأذ منه من تمازحهم، فإن صرحوا أوعلمت من حالهم أنهم قد يتأذون من مزاحك، فعليك أن تكفه عنهم، وأن تعلم أن أذية المؤمن منكر، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1422(9/861)
قول المسلم لأخيه (أنت يهودي) رمي له بالكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال لشخص أوعائلة يا يهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإنّ قول مسلم لمسلم، أو لمجموعة من المسلمين: يا يهود، رمي لهم بالكفر، ورمي المسلم بالكفر أمر خطير، فإنه يعيد الكفر على الرامي به - إن لم يكن من رماه بالكفر كافراً صراحة - فقد أخرج الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلاّ رجعت عليه".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1422(9/862)
مخاطبة المرأة للأجنبي - قريبا أو غيره - لا يجوز إلا بضوابط
[السُّؤَالُ]
ـ[لي قريب أصغر مني بسنتين وهو الآن يدرس سنة أولى في جامعة الشارقة وقد بدأت أراسله عبر البريد الالكتروني، وأحيانا يكلمني في الهاتف وأنا هنا في الاردن، وعمري عشرون سنة وأنا أراسله كأخ لي باعتباره أصغر مني فهل في هذا حرج؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما تقومين به يعد من الإثم الذي يجب عليك أن تنتهي عنه، فقد روى مسلم عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس". ...
إذ إن الأصل الذي تدعو إليه الشريعة هو قرار المرأة في بيتها، ومجانبتها مخالطة الرجال، ومنها المخالطة بالكتابة والمراسلة عبر أي وسيلة كانت، قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) [الأحزاب: 33] . ...
فالمرأة لا يجوز لها مخالطة الرجال غير محارمها بأي شكل، ولو بالكلام إلا بقدر الحاجة، ومع شرط أمن الفتنة.
قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) [الأحزاب: 32] .
وكون هذا الشاب الذي تراسلينه أصغر منك، أو أكبر لا عبرة به، وكذلك لا عبرة بكونه قريبا لك، فالعبرة بكونه رجلاً أجنبياً، أي غير محرم. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1422(9/863)
الفاحش والبذيء بعيد من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من اعتاد على الشتم وبذاءات اللسان. وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن اعتاد البذاءة وشتم الناس، ففعله هذا فسوق، لما رواه الشيخان عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
ومثل هذا السلوك ينافي كمال إيمان صاحبه، لما أخرجه أحمد والترمذي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
وهو مما يعرض صاحبه لبغض الله له، ففي الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء".
وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش".
وكيف يصنع من سلوكه هذا، والمسلمون لم يأمنوا شره، ولم يسلموا من لسانه، بما روى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" قال ابن حجر في فتح الباري: (وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء) انتهى.
فعلى المسلم أن يتوب إلى الله من هذا السلوك الذي يبعده من ربه، ويبغضه إلى المسلمين، ويؤدي به إلى نار الجحيم، ففي الترمذي وأحمد وابن ماجه عن معاذ في حديث طويل وقد ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار، فقال له بعد ذلك: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟. فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1421(9/864)
الأفضل أن يقال عن الميت: رحمه الله، لا: المرحوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نعت الميت المسلم بالمرحوم أم يجب أن يقال (المرحوم بإذن الله) ؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكلمة - مرحوم- من الكلمات الشائعة بين الناس، فإن كان يقصد منها الإخبار بمعنى أن الميت مرحوم فعلاً فهذا لا يصح ولا شك في ذلك، وأما إذا كان يقصد منها الدعاء له فلا حرج فيها، والأولى والأحسن استعمال كلمة رحمه الله أو غفر الله له، ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/865)
حكم الاجتماع على ذكر المعاصي وأهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أجتمع مع أصدقائي من جنسيات إسلامية مختلفة ونتحدث ـ أحيانا ـ عن المعاصي التي ترتكب من قبل النساء والشباب ـ إناثا وذكورا ـ في بلداننا من تبرج وسفور واختلاط وقلة حياء وزنا وغيره، وأن الأمر في ازدياد، وفي كل مرة ـ وأثناء الحديث ـ تنتابني وساوس بأنني سعيد بما أسمع، وسعيد بما أخبر به من معاصي في بلدي وأفرح أنني لست منهم، وبعدها أحزن حزنا شديدا، وأندم وأتوب وأعزم على عدم العودة لمثل هذه الأحاديث عندما أتذكر قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور19) .
مع العلم أنها وساوس أو حديث نفس لا أتلفظ بها، والهدف ـ عندما نخوض في مثل هذه الأحاديث ـ معرفة أسباب هذه الفتن، لتجنبها، ولوقاية أسرنا ـ علي الأقل ـ منها، فهل أنا آثم فيما أشعر به؟ مع العلم أنني أتمنى لكل المسلمين في كل أنحاء العالم البعد عن المعاصي، وأحزن على ما فيه الدول الإسلامية من معاص، ولا ينتابني هذا الشعور ـ المذكور سابقا ـ إلا في أثناء مثل هذه الأحاديث فقط لا غير.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه الأحاديث عما يحدث في بلاد المسلمين من معاص وتعد لحدود الله سبحانه لها أحوال: فإن كان الحديث لهدف طيب نبيل كشحذ الهمم للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا أمر طيب محمود، لكن ينبغي أن يكون الحديث بالقدر الذي يتحقق به هذا الغرض، ولا يزاد على ذلك، أما إن كان الحديث لأجل المسامرة ومؤانسة الطباع فهذا مذموم، لأنه من باب اللغو إضافة إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد أخرى ظاهرة، منها:
1- أنه قد يقود إلى احتقار الناس والتكبر عليهم وتحسين الظن بالنفس والغرور بالعمل، وهذا أصل الهلاك وأساس الشر، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم. قال أبو داود: قال مالك: إذ قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس يعني في أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهى عنه.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: هذا معناه عند أهل العلم أن يقولها الرجل احتقاراً للناس وإزراء عليهم وإعجاباً بنفسه، وأما إذا قال ذلك تأسفاً وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضياً عن نفسه معجباً بها حاسداً لمن فوقه محتقراً لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتاً لنفسه موبخاً لها غير راض عنها. انتهى.
وفي مصنف عبد الرزاق عن محمد بن يعقوب قال: قال عيسى بن مريم: لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم، فإنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
2- أن الإكثار من ذكر هذه المنكرات والمعاصي يؤدي إلى قسوة القلب، فإن عموم الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب، فما بالك إذا كان الكلام في الفجور والتبرج والفواحش وسائر هذا الفساد الطاغي المتفشي بين الناس.
3- أن الإكثار من ذكر هذه الفواحش يؤدي إلى إسقاط بغضها من القلب، وهذا ذريعة إلى الاستخفاف بها وقد يؤدي ـ والعياذ بالله ـ إلى مواقعتها، أما مجرد شعورك بالفرح بما تخبر به مما هو منتشر من فساد أمور الناس فهذا شعور غير طيب، ولكن لا تؤاخذ به ما دام مجرد شعور، فالواجب على المسلم أن يحزن لما يرى من بعد الناس عن دينهم وتفريطهم في حقوق ربهم، أما أن يفرح بذلك فهذا لا يجوز، أما فرحك بأنك لست من أصحاب هذه المعاصي فهذا له حالان: فإن كان فرحك بسبب ما أنعم الله به عليك من العافية فهذا لا بأس به، بل هو فرح محمود، وقد قال سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58} .
أما إن كان فرحك أشراً وبطراً وإعجاباً بعملك فهذا لا يجوز.
وفي النهاية ننبه على أن مثل هذه الاجتماعات بين الإخوان في الله أو الأصدقاء ينبغي أن تستثمر فيما يرضي الله سبحانه، وأن يحذر من خطوات الشيطان لاستدراجهم إلى الخوض في الباطل، فإن الشيطان أحرص ما يكون على إفساد عباد الله الصالحين، وكثيراً ما يجتمع الناس بنية الخير والتعاون على البر والتقوى، ثم لا يلبث الشيطان أن يدير دفة المجلس إلى اللغو والباطل وما يغضب الله سبحانه، وقد ذكر ابن القيم كلاماً نفيساً في أمر اجتماع الإخوان، فقال في كتابه ـ الفوائد: الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.
الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات: إحداها: تزين بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1430(9/866)
حكم وضع الرجل يده بيد زوجته في الطريق العام
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة سيئة منتشرة عند بعض المسلمين في ألمانيا وهي أنك ترى الرجل الملتحي يمشي مع زوجته التي تغطي شعرها بمنديل في الطريق ويضع يده في يدها، وأحدهم يبررذلك الفعل بأنه أمارة على أن المرأة متزوجة فهل يحرم هذا الفعل أم لا؟.
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوضع الرجل يده في يد زوجته يرجع فيه إلى عرف البلد وأهلها المقيمين فيها، فإن كان الناس يعدون هذا الأمر مستقبحا فينبغي حينئذ تركه حفاظا على الحياء ومراعاة لمشاعرالناس, أما إن كان الأمرلاحرج فيه عند الناس فلا بأس حينئذ به، وراجع الفتوى رقم: 65794.
ولا ندري مقصوك بقولك: إن المرأة تضع على رأسها منديلا، فإن كان هذا هو المنديل المعروف بحيث لا يستر شعرالمرأة, فإن ذلك لا يجوز، لأن هذا من التبرج, والتبرج من كبائر الذنوب التي تبوء بإثمه المتبرجة وزوجها الذي يمشي معها على هذه الحالة, لأن هذا من الدياثة وقلة الغيرة, والدياثة من الذنوب الكبيرة، كما بيناه في الفتويين رقم: 12581 , ورقم: 56264.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(9/867)
بيان وتفصيل حول الاختلاط بين الجنسين
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أستطع إرسال السؤال في صفحة سؤال جديد فأرسلته هنا. آسف. وقد فتحت سؤالا جديدا حتى تتم الإجابة هناك رقمه (2215947) . السؤال الجديد: --------------- كنت قد أرسلت إليكم سؤالا من قبل تحت رقم (2211868) والحمد لله استقبلت إجابة مقنعة، لكن قبل ذلك كنت أرسلت نفس السؤال إلى موقع آخر واستقبلت إجابة منهم أيضا على هذا الموقع: حيث يمكنكم رؤية الإجابة بإدخال الرمز: كما قمت بنسخ الإجابة بالأسفل. لكن حسب ما أرى الإجابة جاءت منافية ومتضادة تماما مع أجوبتكم الشيء الذي جعلني حائرا ومستغربا لشهور عدة.. فحسب ما أعرفه أن الإسلام دين واحد.. مشكلتي الآن هو حيرتي في اتباع الطريق المستقيم وأيهما على حق في الإجابة هل أتم أم هم؟، كما أني أخشى أن اتبع أحدا منكم وفي يوم القيامة يظهر الآخر هو الذي على الحق وأصبح حينها نادما. وبارك الله فيكم ----------------------------
الإجابة كما جاءت في الموقع السابق: ------------------------------ يقول الأستاذ أحمد زهران إجابة على سؤالك أخي الحبيب/ شمس الدين وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. وبعد فأشكر لك حرصك على تعاليم دينك، خاصة وأنت في مرحلة الشباب، وأسأل الله أن يكتب لك النجاح في عملك ويوفقك إلى ما يحبه ويرضاه. واعلم أخي أن المدنية الحديثة وضعتنا في أمور لا نُحسد عليها سواء في التعليم أو العمل أو ما أشبه ذلك، وعلماء الاجتماع قرروا أن الإنسان اجتماعي بطبعه أي أنه يميل إلى الاجتماع والمشاركة مع الآخر، ولا يستطيع أن يعيش وحده في عزلة عمن حوله أو عن العالم. ولكننا في مقابل ذلك مطالبون بأن نحسن التعامل مع الأوضاع القائمة وأن نتصرف بحكمة وعقلانية، تجعلنا لا نفرط في تعاليم ديننا، ولا نعتزل المجتمع من حولنا، لأننا مأمورون شرعًا بأن نصلح هذا المجتمع وأن نقومه، حتى يعود إلى صفاء دينه وشريعته، وهذا الإصلاح لا يتأتى لنا إن اعتزلنا الآخر لأفكاره أو تصوراته أو مفاهيمه، بل ينبغي لنا أن نصحح له فكره وتصوراته ومفاهيمه، وأن نبين له سوء فهمه للدين، فلم يكن الدين يومًا من الأيام تعاليم مجردة معزولة عن الواقع، بل هو جاء مراعيًا ظروف الإنسان وبيئته ومجتمعه الذي يعيش فيه. وأود أولاً أن ألفت انتباهك أخي الكريم إلى أمر مهم وهو ما ورد في رسالتك من حكمك على تحدُّث الزملاء إلى الزميلات والعكس بأنه أمر حرام، وهذا مما لا ينبغي أن تقع فيه، أو أن تصدر فيه حكمًا من دون علم؛ لأن الحكم على الأمور لا بد أن يكون بدليل شرعي من الكتاب والسنة، قولاً أو فعلاً، وما بين أيدينا من نصوص يؤكد أن الحكم يخالف ما ذهبت إليه، فقد ردَّت إحدى المسلمات على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد في قضية المهور، وحدث أن رجع عمر إلى رأيها علنًا، وقال:"أصابت المرأة وأخطأ عمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ورود هذه الأمثلة المنضبطة من مخالطة النساء للرجال للحاجة والمصلحة الغالبة، لا ينبغي أن يعمم حكمها، فيحكم بحلِّ الاختلاط مطلقا، طالما لا يقترن بمحذور شرعي آخر كالتبرج والخلوة؛ إذ الأصل في الاختلاط المنع والحظر سواء على وجه التحريم أو الكراهة بحسب الحال؛ لأنه ذريعة للفساد، وقد أمر الله قدوة النساء أمهات المؤمنين فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وبين الحكمة من ذلك فقال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا {الأحزاب: 33} وهذه حكمة ظاهرة، ولأجلها أيضا قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ثم بين العلة فقال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ {الأحزاب: 53} .
قال السعدي: لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه. فلهذا من الأمور الشرعية التي بين الله كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: يختلف حكم اختلاط الرجال بالنساء بحسب موافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه: الخلوة بالأجنبية، والنظر بشهوة إليها، وتبذل المرأة وعدم احتشامها، أو عبث ولهو وملامسة للأبدان كالاختلاط في الأفراح والموالد والأعياد ... يقول ابن فرحون: في الأعراس التي يمتزج فيها الرجال والنساء، لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إذا كان فيه ما حرمه الشارع؛ لأن بحضورهن هذه المواضع تسقط عدالتهن.
ويجوز الاختلاط إذا كانت هناك حاجة مشروعة مع مراعاة قواعد الشريعة ولذلك جاز خروج المرأة لصلاة الجماعة وصلاة العيد. اهـ بتصرف واختصار.
ومما لا شك فيه أن فهم الأدلة الشرعية في ضوء السنة العملية والسيرة النبوية وتطبيقات الصحابة في الجيل الأول الذين هم خير الناس ـ هو صمام الأمان من الانحراف، سواء في الفهم أو في التطبيق، ولذلك وعد الله تعالى من اتبعهم بإحسان بالجنة والرضوان، فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100} .
ولو أخذنا مثلا مفصلا لقضية خروج المرأة ومخالطتها للرجال في العهد النبوي، لوقفنا على مراد الشارع الحكيم، وهذا المثال هو خروج المرأة لصلاة الجماعة ومخالطتها للرجال في المسجد، فنرى أولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهن بالخروج، بل نهى عن منعهن، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله متفق عليه. وانظر الفتوى رقم: 35324.
وثانيا: نرى هل اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخروج بالآداب العامة كالحجاب وغض البصر والنهي عن الطيب ونحو ذلك، أم زاد على ذلك ما يدفع به اختلاطهن بالرجال ما وجد إلى ذلك سبيلا.
والجواب القاطع: أن النبي صلى الله عليه وسلم مع إذنه لهن بالخروج والتواجد مع الرجال في مكان واحد، وهو المسجد: خير البقاع وأبعدها عن الريبة، في أبهى مظاهر الطهر والخشوع والإخبات: الوقوف بين يدي الله في الصلاة، ومع ذلك يشرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين المفاسد الغالبة للاختلاط، جمعا بين مصلحة خروجهن ومصلحة منع اختلاطهن بالرجال، فشرع صلى الله عليه وسلم لهن آدابا تراعى في الطريق إلى المسجد، وأخرى عند دخوله، وثالثة حال التواجد فيه وأثناء الصلاة، ورابعة في كيفية الانصراف منه.
· فمن الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات مرة فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ـ أي السير وسطه ـ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
فانظر ـ رحمك الله ـ إلى الهدي النبوي في الزجر عن الاختلاط بين النساء والرجال حتى على أبواب المساجد، هذا واللقاء عارض طارئ، لا يتكرر بالظروف نفسها والملابسات ذاتها، مع أشخاص بأعينهم، ثم سل نفسك: فماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سيقول ويفعل لو رأى الاختلاط في مكاتب العمل، يتكرر يوميا، مع الأشخاص أنفسهم، مما يتيح أقرب السبل للتداخل الزائد والتعارف المشبوه، فماذا لو أضفنا ما ذكره السائل من خلو المحادثة مما ينفع، وأن الأمر لا يقتصر على مجرد الحديث بل يمتد إلى المضاحكة، وما يعنيه هذا من التبسط ورفع الحرج. مع وجود اثنتين من المتبرجات!!
ثم لو قارنا هذا الحال بحال الصحابيات الكريمات التي كانت إحداهن تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. فلا شك أن هذا لو وجد في عصرنا هذا من امرأة مسلمة تريد أن تقتدي بخير الناس جيلا، لوصفت بالجمود والتطرف والتشدد، حتى من بعض أهل الخير فضلا عن غيرهم.
· ومن الثاني: ما رواه نافع عن ابن عمر مرفوعا: لو تركنا هذا الباب للنساء قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي في عو ن المعبود: لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال بل يعتزلن في جانب المسجد ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام اهـ.
· ومن الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. رواه مسلم.
قال النووي: فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك اهـ.
· ومن الرابع: ما روته أم سلمة أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. رواه البخاري.
قال الطيبي وتبعه أبو الحسن المباركفوري في شرح المشكاة: أي قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه بعد قيامهن ليتبعه الرجال في ذلك حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يقع اجتماع الطائفتين في الطريق، ويحصل الأمن من الفتنة باختلاط الرجال بالنساء في الطريق. اهـ.
وقال ابن بطال: وذلك والله أعلم، خشية الفتنة بهن، واشتغال النفوس بما جبلت عليه من أمورهن عن الخشوع فى الصلاة والإقبال عليها وإخلاص الفكر فيها لله؛ إذ النساء مزينات فى القلوب ومقدمات على جميع الشهوات، وهذا أصل فى قطع الذرائع. اهـ.
ومما يتعلق بخروج النساء للصلاة ما ذكره النووي في شرح مسلم في ذكر علة أمر الحُيَّض من النساء باعتزال مصلى العيد، قال: سببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة اهـ.
ولا يزال أهل العلم على مر العصور ينبهون ويحذرون من مغبة هذا الاختلاط حتى في مجالس الوعظ وترقيق القلوب.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: ما أحدث القُصَّاص من جمع النساء والرجال ـ يعني في مجلس الوعظ ـ فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك، فأما إذا حضرت امرأة مجلس خير في خفية غير متزينة وخرجت بإذن زوجها وتباعدت عن الرجال وقصدت العمل بما يقال لا التنزه كان الأمر قريبا مع الخطر اهـ.
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال. قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم ... . فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وفي حديث آخر: باعدوا بين الرجال والنساء ...
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.. فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعا لذلك اهـ.
ثم ننبه على إصابة السائل الكريم في الحكم بحرمة مثل هذا الاختلاط المذكور في السؤال، والذي فيه تبرج البعض ومضاحكة آخرين. فالظن بالسائل أن حكمه هذا ليس على مجرد المحادثة بل على الواقع برمته وملابساته التي ذكر بعضها.
ونوصي السائل الكريم بالثبات والتمسك بما هو عليه من مجانبة الفتن في زمان غربة الدين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {آل عمران: 200} وما ذلك منه إلا استفادة من خبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق عليه. واستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم: اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء رواه مسلم.
كما نوصيه بالاجتهاد في الدعوة إلى الله بحكمة وبذل النصيحة للمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1430(9/868)
الجلوس في مقهى قريب من المسجد هل يعد استهزاء به
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءني صديقي من إحدى البلاد ضيفا، ثم أراد أن يذهب لأحد مقاهي الشيشة، حيث أخذنا كرسيين خارج المقهى في الهواء الطلق، ولكنني لم أشيش، ولكن المقهى قريب من المسجد. فهل قعودي معه استهزاء بدور العبادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الجلوس في مكان ترتكب فيه المعاصي، ولا شك أن حال المقاهي اليوم كذلك، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 45834، 38684. ولا يخفى أيضا أن شرب الشيشة حرام كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 74855.
وأما هل يعد الجلوس في مقهى قريب من المسجد من الاستهزاء فالجواب أن مجرد الجلوس لا يعد استهزاء طالما كان خاليا من السخرية والاستخفاف، فإن الاستهزاء بشعائر الدين ردة وخروج من الملة والعياذ بالله.
قال البيضاوي: الاستهزاء السخرية والاستخفاف يقال هزئت واستهزأت بمعنى، كأجبت واستجبت، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع. انتهى.
على أنه يجب التنبه إلى ضرورة تنزيه المسجد عن مجاورة أماكن اللهو والفساد، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 104595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(9/869)
حكم مجالسة الأشخاص غير المتدينين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مجالسة الشخص العامي غير المتدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجالسة غير المتدين إن كانت تجر إلى منكر أو محظور شرعي فهي مضرة يجب تركها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة. متفق عليه.
وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
وقال أيضاً: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
وأما إن كانت مجالسته غير موقعة في الإثم فهي جائزة، بل إن كانت على سبيل النصيحة والدعوة إلى الخير، مع أمن التضرر والتأثر به، والانجرار إلى المعاصي بسببه، فهي مما يندب وقد تجب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدِّينُ النَّصِيحَةُ. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. متفق عليه.
فمخالطة الناس مع الصبر على أذاهم من أجل وعظهم والسعي في هدايتهم ودعوتهم للخير من أجل الطاعات وأعظم القربات، كما بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37677، 29987، 30069، 3716.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1430(9/870)
آداب البصاق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يبصق في الشارع أو في اتجاه القبلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للبصاق آداباً منها أن يتجنب التفل في اتجاه القبلة وعن يمينه، ففي سنن أبي داود وغيره عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه. وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعاً: يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه.
قال الصنعاني في سبل السلام: ومثل البصاق إلى القبلة البصاق عن اليمين، فإنه منهي عنه مطلقاً أيضاً، وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود: أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة، وعن معاذ بن جبل: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عنه أيضاً.
وفي مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشربيني: ويكره البصاق عن يمينه وأمامه وهو في غير الصلاة أيضاً كما قاله المصنف، خلافاً لما رجحه الأذرعي تبعاً للسبكي من أنه مباح، لكن محل كراهة ذلك أمامه إذا كان متوجهاً إلى القبلة كما بحثه بعضهم إكراماً لها. انتهى.
وأما كونه في الشارع فليس هناك ما يدل على النهي عنه إلا أنه يستحب للمرء التأدب بالآداب العامة والاهتمام بالنظافة، والبصاق مستقذر فلا ينبغي فعله بحيث يتأذى منه الناس، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 61665.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1429(9/871)
إخراج الريح متعمدا بحضرة الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي سيادتكم في إخراج الريح (أعزكم الله) متعمداّ في حضرة الطعام؟
وكذلك أثناء الاستماع للقرآن الكريم في الإذاعة؟
الرجاء التوضيح لكل من الحالتين. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إخراج الريح بحضرة الناس أمر مشين لا يليق بالمسلم، وخاصة إذا كان صاحبه متعمدا، ويتأكد قبحه إذا كانوا بحضرة الطعام. وربما يكون مع ذلك حراما إذا كان فيه ضرر وأذية للغير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطإ وغيره. وسبق بيان ذلك في الفتويين: 27611، 108063.
وأما عند الاستماع لتلاوة القرآن فإذا كان المستمع وحده؛ فالظاهر أنه لا حرج فيه لخلوه ممن يتأذى به ولعدم اشتراط الطهارة للاستماع للتلاوة، ولو انصرف المستمع احتراما للقرآن وتعظيما لشعائر الله؛ فلا شك أن ذلك أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(9/872)
حكم الجلوس والصلاة بين الشمس والظل
[السُّؤَالُ]
ـ[للعلم أن الجلوس بين الشمس والظل لا يجوز فهل الصلاة في مكان قد يكون بين الشمس والظل يؤثر في الصلاة وإذا كان كذلك فماذا عن صلواتي السابقة، أيضا هل الجلوس بين النور (من المصباح مثلاً) والظل لا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت النهي عن الجلوس في مكان يقع بين الظل والشمس، ففي سنن ابن ماجه عن بن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس. وصححه الشيخ الألباني.
وقد ورد في حديث آخر صحيح أن الحكمة من النهي كون المكان المذكور مجلساً للشيطان، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 26981.
إضافة إلى الآثار الصحية المترتبة على الجلوس في هذا المكان.
ففي فيض القدير للمناوي: (إذا كان أحدكم في الشمس) في رواية في الفيء (فقلص) بفتحات اي ارتفع وزال (عنه الظل وصار) أي بقي (بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليقم) أي فليتحول إلى الظل ندباً وإرشاداً لأن الجلوس بين الظل والشمس مضر بالبدن إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين كما هو مبين في نظائره من كتب الطب ذكره القاضي وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك ثم لما خفي هذا المعنى على التوربشتي قال الحق الأبلج التسليم للشارع فإنه يعلم ما لا يعلمه غيره فإن قلت هذا ينافيه خبر البيهقي عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس قلت محل النهي المداومة عليه واتخاذه عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيراً يتولد منه المحذور المذكور، أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضار على أنه ليس فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول وبهذا التقرير انكشف أنه لا اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من قبيل استعمال العدل في البدن كالنهي عن المشي في نعل واحدة. انتهى.
وهذا النهي المذكور في الحديث محمول على الكراهة، ففي الموسوعة الفقهية: يكره الجلوس بين الضّحّ والظّلّ، لحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى: أن يجلس بين الضح والظل، وقال: مجلس الشيطان. وقال ابن منصور لأبي عبد الله: يكره الجلوس بين الظل والشمس؟ قال: هذا مكروه، أليس قد نهي عن ذا؟ قال إسحاق بن راهوية: صح النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.. قال سعيد: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي في الشمس فأمره أن يتحول إلى الظل. وفي رواية عن قيس عن أبيه: أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقام في الشمس فأمر به فحول إلى الظل. انتهى..
وعليه فالجلوس في المكان المذكور مكروه وليس بمحرم والصلاة في هذا المكان صحيحة، ولم نقف على ما يدل على النهي عن الجلوس في مكان بين النور والظلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1429(9/873)
إخراج الريح بحضور الزوجة ليس من حسن العشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تفتوني في هذه المسألة وعذرا للإحراج:
أنا متزوجة من ثلاث سنوات. زوجي لديه عادة إخراج رياح من الدبر (ضراط) وخاصة على السرير. هذا الشيء يسبب لي ضيقا شديدا جدا وقد حدثته بالأمر عدة مرات ولكن دون فائدة. هو يبرر أنه مريض ولكنه لا يذهب إلى الطبيب.قد يعتقده البعض أمرا تافها ولكن الصوت والرائحة تضايقني وتسبب لي النفور من زوجي. هل من الإنصاف أن أتطيب لزوجي وأحاول أن أظهر له بأحلى مظهر وهولا يبالي بشعوري؟ هل هذا من آداب العلاقات الزوجية؟ وما رأي الشرع في ذلك؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعمد إخراج الريح أمام الناس أمر مستقبح ومضر، ولا يليق بصاحب المروءة، ومن كان به عذر فليفعل ذلك بعيدا عن الناس، ومن كان مريضا فليبحث لنفسه عن العلاج.
فإن كان زوجك يفعل ما ذكرت فهو مسيء، فإن هذا الأمر لا يليق بالمسلم فعله عند الناس، ولو فرضنا أن به عذرا من مرض ونحوه فيمكنه أن يفعل ذلك بعيدا عن الناس، لئلا يتأذوا برائحته ولا سيما الزوجة. وينبغي له إن كان به مرض أن يبحث عن سبيل للعلاج. والذي نوصيك به هو الصبر على زوجك ومناصحته في هذا الأمر برفق ولين. ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 27611.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/874)
حكم جلوس الشخص بعضه في الظل وبعضه في الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتونا مأجورين
حول مسألة الجلوس بين الظل والشمس ...
والمعلوم أن حديث النهي صححه أكابر أهل العلم كالإمام أحمد وإسحاق بن راهويه
كما نقل ذلك المروزي في مسائله عنهما ... والحديث هو:
عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي: أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى أَنْ يُجْلَسَ
بَيَّنَ الضِّحِّ وَالظِّلِّ وَقَالَ: «مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ» .
وسؤالي هو:
1) هل النهي للتحريم أم للكراهة؟ مع ذكر دليل الترجيح
2) ما هو توجيه قول ابن المنكدر وإسحاق التاليين:
أخبرنا عبد الرزاق عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبان قال: سمعت ابن المنكدر يحدث
بهذا الحديث عن أبي هريرة قال: وكنت جالساً في الظل وبعضي في الشمس، قال:
فقمت حين سمعته، فقال لي ابن المنكدر: اجلس، لا بأس عليك، إنك هكذا جلست.
(عبد الرزاق ح19801) ، وإسماعيل بن إبراهيم بن أبان، لم أعرف من هو، وكأن في الكلام سقطا؟
وقول إسحاق: قد صح النهي فيه عن النبي. ولكن لو ابتدأ فيه أهون؟؟.
[مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه – المروزي (3569/4868/9) ]
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأمر محمول على الكراهة، وكلام ابن المنكدر وإسحاق محمول على أن من جلس في الظل ابتداء أهون ممن تعمد الجلوس بين الظل والشمس.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث صحيح كما ذكرت، وقد حمل قتادة رحمه الله النهي على الكراهة، كما رواه عنه عبد الرزاق بسند صحيح أنه قال: يكره أن يجلس الإنسان بعضه في الظل وبعضه في الشمس. ويدل لهذا أن الأصوليين ذكروا من صوارف النهي عن التحريم أن يكون النهي واردا في باب الأدب والإرشاد. فعلة النهي هنا هي حماية الإنسان من التضرر بالأشياء المتضادة كما ذكر المناوي، ويدل له كذلك ما روى البيهقي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس، وقد وفق المناوي بين هذا الحديث والحديث السابق، فحمل النهي على المداومة واتخاذ ذلك عادة. وأما كلام ابن المنكدر وإسحاق فالمراد من جلس ابتداء في الظل ثم وصلته الشمس أهون حالا ممن تعمد الجلوس بين الظل والشمس، ولكن الأولى لهذا أيضا أن يتحول عن ذلك المكان؛ لما في الحديث: إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه فليقم فإنه مجلس الشيطان. رواه أبو داود وصححه الألباني، وقد حمل المناوي الأمر في هذا الحديث على الندب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(9/875)
جلوس الرجل في مكان المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يجلس في فراش كانت تجلس عليه أنثى مباشرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينهى أن يقعد الرجل مكان جلوس المرأة حتى تمضي مدة زمنية بحيث يتحول مكان جلوسها باردا سدا للذريعة وقطعا لما يترتب على مثل هذا الأمر من فتنة، ففي فيض القدير للمناوي: وأخذ بعض المالكية من الحديث حرمة التلذذ بشم طيب أجنبية لأن الله إذا حرم شيئا زجرت الشريعة عما يضارعه مضارعة قريبة، وقد بالغ بعض السلف في ذلك حتى كان ابن عمر رضي الله عنهما ينهى عن القعود بمحل امرأة قامت عنه حتى يبرد. انتهى.
وعليه فمن الاحتياط في الدين والورع ابتعاد الرجل عن الجلوس في مكان جلوس امرأة حتى يبرد مخافة حصول فتنة قد تترتب على مثل هذا الجلوس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1427(9/876)
هل يشرع ذكر القيام من المجلس للخروج من حوار المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي توضيح واستفسار بسيط يتعلق بمجموعة من الفتاوى التي قرأتها في موقعكم القيم حول مشروعية تسجيل الدخول والخروج في المنتديات ببعض الأذكار، فأنا مشرف في أحد المنتديات وللعلم فقد منعت مثل هذه المواضيع استنادًا على هذه الفتوى للشيخ السحيم حفظه الله الذي يشارك في كثير من المنتديات:
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=804
واسمحوا لي بإضافة شخصية بسيطة فبضاعتي قليلة ولكنني أردت الاستزادة والاستفادة منكم فأقول: تسجيل الدخول والخروج لا يكون في بداية أول مشاركة فلو أنني كنت أبدأ كتابة المواضيع أو الردود بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لزالت عني الشكوك والشبهة، فالتسجيل يكون في موضوع معين مثبت ويخصص لهذا الأمر فقط، فنرى التقييد في أغلب الأحيان، إذ يقال سجل دخولك بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام كلما دخلت المنتدى في هذا الموضوع، فأشعر أن هذا قد يكون تحديدًا لذكر معين بوقت معين وهو عند الدخول إلى الصفحة فأرجو توضيح المسألة إن استطعتم وإزالة هذا الإشكال؟
والموضوع الآخر عن تسجيل الخروج من المنتدى بذكر كفارة المجلس، وكذلك تكون في موضوع منفصل، والإشكال هنا أن البعض قد لا يكتب شيئا ويكون قارئا فقط فهل هناك حاجة لذكر كفارة المجلس؟ ولا أدري إن كان قياس المنتديات بالمجالس صحيحاً أم لا فأرجو منكم التوجيه لأنني مسئول عن القسم ولا أود أن أحرم أو أمنع ما هو مباح، وإن كنت أفعل ذلك من باب تجنب الشبهات واتباعاً لبعض الفتاوى التي قرأتها.
ولعل هناك حاجة للتفصيل فقد تختلف مسألة كفارة المجلس عن غيرها والله أعلم
وهنا فتوى أخرى عن إحدى المسائل
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=26939
وللفائدة فقط: فأعتقد أن هذه المواضيع انتشرت من منتديات الرافضة إذ يوجد في منتدياتهم تسجيل الدخول بلعن الصحابة رضوان الله عنهم وغيره مما لا يليق بنا ذكره عاملهم الله بما يستحقون والله المستعان.
هذا وجزاكم الله خيرًا على هذا الموقع القيم الذي أعتبره من أفضل مراجع الفتوى على الشبكة.
وعذرًا على الإطالة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلمنا في هذا الموضوع في الفتوى رقم: 61125، والفتوى رقم: 61863، والفتوى رقم: 66274، فراجعها وتأمل أدلتها بتأن، وراجع الفتوى رقم: 69507، والفتوى رقم: 66444، واعلم أن الابتداء بالحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المشروع في ابتداء كتابة الرسائل وغيرها مشروع أيضا في ابتداء كلام الخطيب والمدرس والمُحاور، فقد ذكر أصحاب السير أن أبا بكر رضي الله عنه لما استشار جماعة من الصحابة في غزوالشام افتتح كل منهم كلامه بالثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتشرع كذلك في قراءة القارئ لكتاب يقرؤه كما بيناه في الفتاوى السابقة، فالداخل على المنتدى إما أن يكون أراد القراءة لما فيه من الفائدة، أو أراد الحوار أو الإسهام بكتابة في موضوع ما، فاشتغاله بالذكر أو كتابته كلمة ذكر جعلها أصحاب المنتدى كلمة سر للدخول أفضل من إدخال كلمة أخرى لا تفيد، فعملهم يحمل على الدلالة على الخير والحث على الذكر، ثم إن كفارة المجلس ثبت في حديث الترمذي التعبد بها عند القيام من المجلس الذي حصل فيه كلام وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك. والمتحاورون في المنتدى لا فرق بينهم وبين أصحاب المجلس من ناحية كثرة الكلام.
وبناء عليه.. فلا مانع من قيامهم بالذكر عند الخروج من الحوار في المنتدى، ثم إن الإتيان بهذا الذكر مشروع عند القيام من النوم ومن أي مجلس؛ كما حمل عليه قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {الطور: 48} فلا مانع من إتيان من انتهى من البحث أو المطالعة به، وقد اختار حمله على القيام من النوم الطبري، وروى ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح أنه فسرها بالقيام من كل مجلس، ويدل لهذا ما في سنن أبي داود وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وذكر ابن حبان له رواية أخرى عن أبي هريرة مرفوعة، وقد صحح الحديث الشيخ الألباني فقال: صحيح دون قوله ثلاث مرات. وفي الحديث أيضا: من قال سبحان الله وبحمده, سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كان كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كان كفارة له. رواه النسائي والحاكم وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1427(9/877)
المشي على ظل شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم أن نمشي على ظل شخص يمشي بجانبك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على دليل شرعي يمنع من المشي على ظل شخص يمشي بجانب آخر، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الدليل المانع من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(9/878)
كيفية الاستفادة من وقت الزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأوقات التي نقضيها مع جيراننا في الزيارات هل هي من إضاعة الأوقات وهل إذا ذكرنا الله في المجلس لكن ليس بشكل مستمر إنما أثناء الحديث نكون ذكرنا الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتواصل والمجالسة بين الجيران أمر مشروع إذا كان لله، لما في الحديث القدسي: وجبت محبتي للمتحابين والمتجالسين في والمتزاورين في. رواه مالك في الموطأ بسند صحيح.
وإذا حصل التواصل والتجالس فيتعين أن توظف الأوقات في تدارس علم أو تواص بالحق والصبر وتناصح، فقد رغب الشارع في ذلك.
قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
وفي الحديث القدسي: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وفي الحديث: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم.
وقد رهب الشارع من إضاعة الوقت في الأحاديث الفارغة التي لا تفيد كما في الحديث: إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. رواه البخاري ومسلم
وراجعي الفتوى رقم: 19449 في موضوع الذكر في المجلس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(9/879)
إخبار الزوجة أختها بتصرفات زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا تحدثت معي أختي من باب التفكير في أمر عمله زوجها أي أنها لم تعرف لماذا تصرف هكذا فافترضت لها النية الحسنة في فعله فهل هذا غيبة، وإذا تحدثت النساء عن أزواجهن وبعض الأفعال التي لا تعجبهن أو تقلقهن هل هو من الغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا تعريف الغيبة وبيان خطورتها وضابط ما يباح منها في الفتوى رقم: 6710 والفتوى رقم: 40863 والفتوى رقم: 51408.
فمن تحدثت مع أختها في بعض الأمور التي يعملها زوجها، فإن كان الحديث عن الأمور الخاصة بالأمور الزوجية كالاستمتاع فلا يجوز لهما الحديث في ذلك، لأن الحديث فيه من إفشاء السر المحرم.
ففي الحديث: أن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها. رواه مسلم. وإن كان الحديث في أمور عملها الزوج ودارستها أختها في تفسير ذلك وفيما يناسب من التصرف تجاه ذلك حتى يحصل الانسجام والتوافق بين الزوجين ولم يكن في ذلك ما يدعو لنشوز الزوجة وعصيانها لزوجها ولا تخبيبها عليه ولا ذم للزوج فالظاهر أن هذا لا حرج فيه، وأما حكاية النسوة حال أزواجهن فلا تخلو من محاذير، فربما يحصل فيها تنقص الأزواج والإخبار عنهم بما يكرهون الإخبار به زيادة على عدم وجود المصلحة فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(9/880)
تشابك الأيدي بين الزوجين في الأماكن العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[تشابك الأيادي بين الزوج وزوجتة في الأماكن العامة هل يجوز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتشبيك الأيادي بين الزوجين في الأماكن العامة إذا كان على وجه التلذذ أمر لا ينبغي لأن فيه هتكا للحياء، وفي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحياء شعبة من الإيمان. وفي البخاري: فإن الحياء من الإيمان. وفيه: الحياء لا يأتي إلا بخير. وفي مسلم: الحياء خير كله. ومحل هذا كله إن لم تكن العادة في البلد جارية في مثل هذا الأمر، وإن كانت جارية به فلا حرج فيه، وإن كان البعد عنه من شيم الفضلاء، وقد عد العلماء تقبيل الزوجة أمام الناس من خوارم المروءة. قال علي الخطيب: قبلة زوجة أو أمة بحضرة الناس،، قال شارحه البجيرمي: ولو محارم له أو لها والأوجه أن تقبيلها ليلة جلائها بحضرة الناس والأجنبيات يسقطها ـ يعني العدالة ـ لدلالته على الدناءة وإن توقف فيه البلقيني. هـ.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1426(9/881)
الجليس سبب رئيس في سعادة جليسه أو شقائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 28 سنة، كنت ملتزما دينيا بشكل كبير ومنذ فنرة اشتركت مع رجل في مشروع، لكن تبين لي أن هذا الرجل يبحث عن النصب والاحتيال في حين أنني أبحث عن الربح والفائدة، والآن أشعر بالإحباط ولا أشعر بلذة الإيمان كالسابق، والآن لست ملتزما دينيا ولا دنيويا، فهل هذا عين أم حسد أم ماذا؟ وما هو الدواء لهذه الأمور أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه هو أن ما أصابك ليس حسداً ولا عيناً، ولكنه تأثير من ذاك الرجل الذي اصطحبت معه وصار شريكاً لك في المشروع، فمخالطة الناس لها أثرها الذي لا ينكر في سلوك الإنسان ومنهجه، والجليس سبب رئيس في سعادة جليسه أو شقائه، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا {الفرقان:27-28-29} .
وفي الحديث الشريف: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيباً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.
وعليه؛ فأول دواء ننصحك به هو الانفصال عن ذاك الرجل الذي وصفت من أمره ما وصفت، ثم بعد ذلك تبدأ في أخذ الأسباب التي تقوي الإيمان وتجلب محبة الله تعالى، والتي يقول عنها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها عشرة:
أحدهما: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثار محاب الله على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
السابع: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى. قال ابن القيم: وهو من أعجبها.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم يختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
العاشر: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/882)
دعاء كفارة المجلس سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كفارة المجلس فرض عين أم كفاية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن دعاء كفارة المجلس سنة وليس واجبا لا عينا ولا كفاية، وكل أحد جلس في مجلس وأراد أن يقوم منه يسن له أن يقول كفارة المجلس، وللفائدة طالع الفتوى رقم: 16824.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(9/883)
البصاق في الطريق.. حكمه.. وآدابه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البصق في الطريق؟ وإذا كان صاحبها يعاني من مرض يجعله يحتاج أن يبصق كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يستحب للمرء التأدب بالآداب العامة والاهتمام بالنظافة. والبصاق مستقذر فلا ينبغي فعله بحيث يتأذى منه الناس. ومع هذا فإنا لم نقف على نص ينهى عن البصق في الطريق، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الدليل بالتحريم.
وقد نص أهل العلم على نحو هذا. قال صاحب مطالب أولي النهى: ويباح بصاق ونحوه بغير مسجد عن يساره وتحت قدمه.
وعليه؛ فلا مانع من البصق في الطريق، سواء كان الفاعل يعاني من مرض أو لا. إلا إذا كان المرض معديا وتنتشر عدواه بالبصاق فيمنع حينئذ من البصاق في الطريق إلا إذا دفنه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
وللبصاق آداب منها: أن يتجنب التفل في اتجاه القبلة وعن يمينه،. ففي سنن أبي داود وغيره عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه. وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا: يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه. قال الصنعاني في سبل السلام: ومثل البصاق إلى القبلة البصاق عن اليمين، فإنه منهي عنه مطلقا أيضا، وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود: أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة، وعن معاذ بن جبل: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عنه أيضا. وفي مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشربيني: ويكره البصاق عن يمينه وأمامه وهو في غير الصلاة أيضا كما قاله المصنف؛ خلافا لما رجحه الأذرعي تبعا للسبكي من أنه مباح, لكن محل كراهة ذلك أمامه إذا كان متوجها إلى القبلة كما بحثه بعضهم إكراما لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(9/884)
الترهيب من سفر الرجل وحده بالليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد حديث لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى فيه عن الخروج من المنزل كثيراً بالليل، إن كان نعم فما هو الحديث وما شرحه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم حديثاً ينهى عن الخروج من المنزل بالليل مطلقاً، ولكنه ثبت الحث على كف الصبيان عن الخروج أول الليل في الساعة الأولى، كما سبق في الفتوى رقم: 18698، والفتوى رقم: 6978.
وثبت كذلك الترهيب من سفر الرجل وحده بالليل، كما في الحديث: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(9/885)
هيئات الجلوس والاستلقاء المنهي عنها والمباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن وضع القدمين فوق بعضهما أثناء الجلوس أو النوم مع مد القدمين إلى الأمام؟ وعن الجلوس والارتكاز على اليدين إلى الوراء لأنها تشبه جلسة المعذبين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره.
وثبت في الصحيحين عن عباد بن تميم عن عمه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، وللجمع بين الأدلة حمل العلماء أحاديث النهي على حالة ما إذا كان ذلك يؤدي إلى ظهور العورة أو شيء منها، وراجع في هذا الفتوى رقم: 41712.
وورد -كذلك- النهي عن بعض هيئات الاتكاء والجلوس لأنها هيئات يفعلها الذين يعذَّبون، روى أبو داود وأحمد من حديث الشريد بن سويد قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال: أتقعد قِعدة المغضوب عليهم.
وروى أبو داود عن ابن عمر أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد: ساقطاً على شقه الأيسر، ثم اتفقا، فقال له: لا تجلس هكذا؛ فإن هكذا يجلس الذين يعذَّبون. صححه الألباني. وراجع في هذا فتوانا رقم: 33812.
وأما النوم مع مد القدمين أو وضع إحداهما فوق الأخرى فلا يتصور فيه نهي لأن هذه هي الكيفية الطبيعية للنوم، ولأن النائم هو ممن رفع عنه القلم فليس مؤاخذا بالكيفيات التي يكون عليها في نومه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(9/886)
حكم مد الرجل إلى جهة القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد: أرجو من فضيلتكم الإجابة على سؤالي هذا ونصه كما يلي: هل من حرج في مد (بسط) الرجل داخل المسجد وهل يجب نهي من يفعل ذلك؟ وجزاكم الله خيرا عنا وعن المسلمين جميعا. محمد دحماني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبسط الرجلين في المسجد أو إلى جهة القبلة مكروه عند بعض أهل العلم.
قال ابن مفلح المقدسي في الآداب الشرعية: ذكر غير واحد من الحنفية رحمهم الله أنه يكره مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره، وهذا إن أرادوا به الكعبة زادها الله شرفا فمسلم، وإن أرادوا مطلقا كما هو ظاهر فالكراهة تستدعي دليلا شرعيا، وقد ثبت في الجملة استحبابه أو جوازه كما هو في حق الميت، قال في المفيد من كتبهم: ولا يمد رجليه يعني في المسجد كأن في ذلك إهانة ولم أجد أصحابنا ذكروا هذا، ولعل تركه أولى، ولعل ما ذكره الحنفية رحمهم الله من حكم هاتين المسألتين قياس كراهة الإمام أحمد الاستناد إلى القبلة كما سبق، فإن هاتين المسألتين في معنى ذلك. انتهى.
وعليه، فالمسألة المذكورة اجتنابها أولى، ولا يجب نهي من يفعلها لعدم حرمتها، لكن لا بأس بنصحه ببيان أن الأولى اجتناب ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1425(9/887)
المصلحة الشرعية تحدد استحباب مخالطة الناس من عدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أستاذة وزميلاتي يقمن بتجمعات مع بعض في بيت واحدة منا وأنا لا أحب هذا وهن يتهمنني بالخروج من الجماعة. أنا أحب أن أرجع لبيتي بعد العمل ولا أزور أية زميلة إلا للتعزية أو غيره من الأسباب المعقولة. فهل أنا أخرج عن الجماعة علما بأن بعضها فيه دروس دينية. شكرا جزيلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم الذي يريد أن يحافظ على دينه أن لا يصاحب إلا الأخيار، ولا يكثر من المجالس التي يكثر فيها القيل والقال.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وقد قال أهل العلم: إن مخالطة الناس بغير ضوابط شرعية قد تسبب مرض القلب، فربما سمع أو شاهد ما لا يرضي الله تعالى، وعلى هذا، فإن كانت زميلاتك من الخيِّرات الصالحات اللواتي يستفدن من مجالسهن في الخير والزيادة من العلم ويُجنبن مجالسهن الغيبة والنميمة والكذب فالأفضل لك مجالستهن والاستفادة منهن حسبما يسمح به وقتك وظروف عملك ومنزلك.
أما إذا كانت مجالسهن فيها ما يخالف الشرع فلا حاجة في مخالطتهن والجلوس معهن على تلك الحال.
قال الله تعالى: [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا] (النساء: 140) .
ومع ذلك، فلا مانع بل الأفضل أن تنبهيهن على ما يرتكبن من أخطاء، وتبيني لهن ذلك بالأسلوب الأحسن.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه الترمذي.
وما دامت زميلاتك يقمن الدروس الدينية ويستفدن من بعضهن فالأفضل لك مخالطتهن والتعاون معهن على البر والتقوى حسب وسعك واستطاعتك، وذلك لقول الله تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة: 2) .
وعلى كل حال، فعدم مخالطتك لهن لا يعتبر خروجا من الجماعة بالمعنى الشرعي.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 29823، 34422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1425(9/888)
حق الطريق
[السُّؤَالُ]
ـ[في قرية من قرى الأقصر (الطود) . يقوم الناس بالجلوس في الطرقات وتحدث عن فلان وفلانه وموضوعات أخرى ونظر إلى ما حرم الله. ما حكم ذلك؟ ونريد النصيحة. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى في حق هؤلاء القوم عدم الجلوس في الطريق، فإن أبوا إلا ذلك، فعليهم أن يعطوا الطريق حقها، ويمتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرشد إلى ما ينبغي في هذا الأمر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. ثم عليك بنصح هؤلاء مبينا خطورة الوقوع في أعراض المسلمين، وهذه المسألة مفصلة في الفتوى رقم: 26952.
كما أن إطلاق البصر في الحرام من الأمور المحرمة، فقد أمر الله تعالى كافة المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عن النظر إلى الحرام، حيث قال تعالى: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ] (النور: 30-31) .
وراجع الفتوى رقم: 23552.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن مثل هذا المجلس: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة. رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني، وروى في معناه الإمام أحمد في المسند وصحح إسناده الشيخ شعيب الأرناؤوط.
ثم الواجب البعد عن مجالسة هؤلاء ومواصلة نصحهم، لقوله تعالى: [وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] (الأنعام: 68) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(9/889)
ارتياد المقاهي بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت من الكثير أن الذهاب إلى القهوة أو الـ (كوفي شوب) حرام..أو بمعنى آخر أنه لا تقبل للذاهب إليه صلاته لمدة 40 يوما..
فهل هذا صحيح؟؟ وما الأدلة على ذلك؟
أيوجد حديث مروي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بخصوص ذلك الشأن؟
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هناك حديث في ما نعلم ينهى عن إتيان المقهى أو أن من أتاه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، لكن إن كان هذا المقهى تقترف فيه المحرمات كشرب الخمر والنظر إلى الصور الخليعة المحرمة عبر التلفاز والقنوات الفضائية، فلا يجوز للمسلم حضور هذا المجلس الذي يعصى فيه الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر. أخرجه أحمد عن عمر، والترمذي عن جابر.
ولمعرفة من يعاقب بعدم قبول الصلاة أربعين يوماً انظر الفتوى رقم: 8334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1426(9/890)
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء منكم تبيين حكم لاعب الورق؟ مع العلم بأن اللعب ليس من أجل القمار وإنما من أجل الترويح عن النفس؟ وماذا إن كان في اللاعبين من يقر بملء إرادته بأن القرآن ليس كله صحيحا فهل يجوز اللعب معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان حكم اللعب بالورق الفتويين: 1825 / 8183
وأما حكم مجالسة من يتعاطونه، فإن اشتمل مجلسهم على منكر، كاللعب على عوض أو انشغال عن الواجبات أو تضييع لحدود الله، فلا يجوز حينئذ الجلوس معهم، وإن خلا المجلس عن مثل هذه المنكرات جاز الجلوس معهم، إلا أن الأولى بالمسلم اجتناب مثل هذه المجالس، لأن الجلوس فيها من خوارم المروءة.
وبخصوص الرجل المذكور في السؤال، والذي يدعي كون القرآن ليس صحيحاً كله، فهذا مرتد عن دين الإسلام والعياذ بالله، وقد سبق حكم التعمل مع المرتد في الفتوى رقم:
15238
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/891)
حكم الاستلقاء مع وضع الرجل على الأخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا.. أفيدوني عن حديث قد سمعته أكثر من مرة، ولكني لا أعرف بدايته بالأصح لم أسمعه كاملا ولا مرة، ولكن معناه تحريم أو النهي عن وضع الرجل على الرجل (القدم) وهو حديث صحيح لأني سمعت بعضا منه في الإذاعات الإسلامية - كإذاعة المملكة العربية السعودية وقطر والامارات ... أرجوكم دلوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رُئِي في المسجد مستلقيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى، كما في حديث عباد بن تميم عن عمه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري ومسلم وثبت أيضا في صحيح مسلم النهي عن الاستلقاء على الظهر رافعا إحدى رجليه على الأخرى، ففي رواية جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره.
قال النووي رحمه الله: قال العلماء: أحاديث النهي عن الاستلقاء رافعا إحدى رجليه على الأخرى، محمولة على حالة تظهر فيها العورة أو شيء منها، وأما فعله صلى الله عليه وسلم فكان على وجه لا يظهر منها شيء، وهذا لا بأس به ولا كراهة فيه على هذه الصفة.
وقال الحافظ ابن حجر: قال الخطابي: إن النهي الوارد عن ذلك (الاستلقاء مع وضع الرجل على الأخرى) منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك، قلت (الحافظ) الثاني أولى من النسخ ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1424(9/892)
المقاهي أقل ما فيها إضاعة الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجلوس في الكوفي شوب حرام؟ مع العلم بأني والحمد لله لا أدخن، ولكن أجلس مع أصدقائي ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالغالب على المكان المذكور أن يشتمل على بعض المحرمات، كشرب الدخان (الشيشة) ، وأحياناً يصحبها ما هو أشد حرمة كالحشيش المسكر، وفي بعض البلاد يختلط فيها الرجال بالنساء، وبناء على هذا فلا يجوز الجلوس فيها، لأن داخلها ساكت عن المنكر، مقر له راضٍ به، كما أنه يوشك أن يقع في ما وقع فيه من قبله من المحرمات، علماً بأن غالب من يرتاد هذه الأماكن أهل الفراغ والأخلاق غير الحميدة، والواجب على المرء أن يستثمر وقته في العلم النافع والعمل الصالح، فإن العمر يمر واليوم الذاهب لا يعود، وكل عبد عن عمله وعمره يوم القيامة مسؤول، فليستثمر فيما ينفع قبل أن تأتي ساعة لا ينفعه فيها الندم، وراجع الفتوى رقم: 33947.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(9/893)
من جلس في مكان وفارقه ثم عاد فوجد غيره فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[جلس صديقي في كرسي ثم قام منه فجلست أنا فيه ثم عاد وقال قم قلت لا ثم قال هذا مكاني قلت لا بل صار مكاني لماذا تقوم منه فذكر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على أن المكان مكانه فمن يكون صاحب المكان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل صديقك يقصد حديث مسلم: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به. وقد تكلم النووي على شرح هذا الحديث فقال: قال أصحابنا: هذا الحديث في من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود، بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلاً يسيرًا ثم يعود، لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة. فإن كان قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول. وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك، والصواب الأول. انتهى كلام النووي.
وينبغي أن يعلم أنه لا فرق بين من جلس في موضع الصلاة ومن جلس على كرسي في قاعة محاضرات أو قاعة انتظار. وينبغي للمسلمين أن يتعاملوا بالحسنى وأن يؤثر بعضهم بعضًا في غير القربات، وأن يخضعوا للحق، ولا سيما إذا احتج عليهم بحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(9/894)
مخالطة.. أم مجانبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ عدة أشهر من زوج ملتزم، يتميز بأنه لا يرغب في التعرف على الناس، ولا يرغب في عمل زيارات للناس إلا إذا كانوا ثقة، ويتصفون بالالتزام من وجهة نظره، فما رأيكم؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمؤمن الذي يريد الحفاظ على دينه أن لا يصاحب إلا الناس المستقيمين، وأن لا يكثر من مخالطة العصاة من العوام إلا إذا أراد أن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن ابن سعيد.
وقد ذكر العلماء أن كثرة مخالطة الناس بغير ضوابط شرعية من أسباب مرض القلب، فلربما سمع الإنسان غيبة أو همزا أو لمزا في الآخرين، أو خوضا في كلام لا ينفع فيكون مسؤولا عنه يوم القيامة.
كما أن كثرة الخلطة والزيارات تجر إلى كثرة الكلام بمناجاة أو غيرها، وقد قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء: 114] .
وقال صلى الله عليه وسلم: من صَمَتَ نجا. رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
أما إذا كان الإنسان على قدرٍ من العلم يُمَكِّنُهُ من الدعوة إلى الله، فالأفضل في حقه دعوة الناس وتعليم الجاهل وإرشاد السائل. كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] .
وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(9/895)
هكذا يجلس الذين يعذبون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع اليدين خلف الظهر والاتكاء عليهما، وهل في ذلك تشبه باليهود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ورد النهي عن هيئات من الاتكاء بعلة أنها جِلسة الذين يعذبون، أو جلسة المغضوب عليهم (وهم اليهود) ، روي عن ابن عمر: أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، وقال هارون بن زيد: ساقطاً على شقه الأيسر ثم اتفقا، فقال له: لاتجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قد جلس فاتكأ على يده اليسرى، فقال: هذه جِلسة المغضوب عليهم. فعلى المسلم أن يبتعد عن مثل هذه الهيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1424(9/896)
إشغال الناس بالنافع فيه ثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[في وليمة ما عادة يكون كلام الحاضرين عبارة عن القال والقيل الذي لا طائلة من ورائه فأبادر بقراءة بعض الأمداح النبوية لصرف الحاضرين عن القيل والقال فهل هذا جائز؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام الناس يمضون أوقاتهم في اجتماع العرس في القيل والقال، وربما في كلام محرم فإشغالهم بغير ذلك من الأمور النافعة مطلوب شرعاً، كالموعظة أو قراءة شيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومدائحه الخالية من الشرك كالاستغاثة به، والخالية من الغلو فيه، ولمن قام بذلك فضل وأجر عند الله تعالى إذا أحسن النية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1424(9/897)
الكلام المباح في المجالس لا حرج فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[في وليمة ما عادة ما يكون كلام الحاضرين عبارة عن القال والقيل الذي لا طائل من ورائه، فأبادر بقراءة القرآن جماعة، وبعض المدائح النبوية لصرف الحاضرين عن القال والقيل، فهل هذا جائز وشكرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تحدث الحاضرين للوليمة في ما بينهم لا يمنع إن لم يكن فيه غيبة أو شيء محرم، لأنها مكان فرح، وقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على زينب بنت جحش، واستأنس بعض الناس بالحديث بينهم حتى تأخر انصرافهم كما في صحيح مسلم، ولم ينكر عليهم الحديث بينهم، وإنما أنكر عليهم التأخر.
أما إذا أردت أن تشغل الناس بما هو أفضل فينبغي أن يُفصَّل، فإذا كان الناس يستجيبون للتحلق معك وسماع القرآن، فهذه حلقة علم وذكر يرجى لأصحابها أن ينالوا الوعد المذكور في حديث مسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكنية، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده.
أما إذا كانوا مشغولين باللغط عن القرآن فلا ينبغي الجهر بالقرآن لما يخاف من عدم احترامه، وراجع في هذا الموضوع الفتوى رقم: 26180
وأما قراءة القرآن جماعة في وقت واحد، فتراجع فيها الفتوى رقم:
7673
وأما إنشاد الأشعار المفيدة فلا بأس به ما لم تشتمل على محظور، وتراجع فيها الفتوى رقم: 24151
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1424(9/898)
إخراج الريح أمام الحضور لا يليق بأهل المروءة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي أخ يخرج الريح أثناء جلوسنا في المجلس وعند نصيحتي له أن هذا الشيء لا يليق وأنها من صفات قوم لوط يكون جوابه: ماذا أفعل؟ هل تريدني أن أذهب إلى الخلاء من أجل هذا الشيء البسيط وهذا الصوت البسيط وأنا لا أفعل هذا الشيء أمام الغرباء أو في أثناء وجود ضيوف في مجلسنا وأنه أمر بسيط نحن إخوان ولا يوجد بيننا عيب أو محظور سؤالي: هل إخراج الريح في المجلس يعتبر من الحرمات بما أنها من صفات قوم لوط أو أنه لا يليق وحسب؟ وأرجو منكم توجيه نصيحة إلى أخي.
وجزاكم الله خيرا على هذا المجهود وجعله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يفعله أخوك من خوارم المروءة ودنيء الأخلاق، أما إذا كان فيه أذية لجلسائه فيحرم عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه.
كما أن هذا الفعل ينافي الحياء الذي هو من الإيمان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن الحياء من الإيمان. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن أنس مرفوعا: ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه. رواه الترمذي وحسنه.
وحقيقة الحياء هي: أنه خُلق يبعث على فعل الحسن، وترك القبيح.
وأما كون هذا الفعل من سلوك قوم لوط فلم نجد ذلك ثابتاً بسند صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ذلك أهل التفسير كالطبري، والسيوطي في الدر المنثور، والقرطبي وذلك عند كلامهم على قول الله جل وعلا: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت:29] .
فالله أعلم بصحة ذلك، ولكنه ليس من أدب أهل الدين والإيمان، فيذكر الأخ بذلك، وإن اضطر لإخراج الريح، فليقم من المجلس إلى مكان خلوة بعيداً عن الناس، ولا يفعله بحضرتهم ولو كان الجليس أخاً أو قريبا له، لأن هذا استخفاف بالجليس وسوء أدب معه، وأحق الناس بالتأدب معهم هم الأهل والأقارب.
لكن من خرج منه شيء من غير قصد، فمن كمال المروءة أن جليسه يتغافل عنه، ويستمر في حديثه، وكأنه لم يسمع شيئاً، لما في الصحيحين عن عبد الله بن زمعه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل؟.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1423(9/899)
تنظيف البيت من نسج العنكبوت مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وجود العنكبوت بالبيت يجلب الفقر أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أسند الثعلبي أن علياً رضي الله عنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه في البيوت يجلب الفقر.
ولكننا لم نقف على من تكلم عليه، والمسلم يزيلها من بيته ومكانه لأن ذلك من حملة النظافة التي ندب إليها الشارع.
بل إن بعضها من ذوات السموم فيسن قتله كما ذكر الألوسي في روح المعاني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شوال 1423(9/900)
دعاء ختم المجلس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دعاء ختم المجلس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فدعاء ختم المجلس هو الوارد فيما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس في مجلسٍ فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.. إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(9/901)
من آداب المجالس
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يافضيلة الشيخ هو كثر الكلام بعض الأحيان في المجالس بين الشباب ويأتي واحد يقول كلاماً يأثم عليه بسبب نرفزة أو زعل من أحد الجلوس هل يأثم الباقون من جراء الكلام؟.
والله يوفقكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبعض الألفاظ في سؤال السائل غير واضحة.
وعلى العموم، فإن الواجب على المسلمين التأدب بأدب المجالس، ومن أدب المجالس ألا يقال فيها إلا خير، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً، أو ليصمت".
وكذلك يجب حفظ اللسان عن كل قول يسيء إلى الآخرين، وإذا صدر من أحد الشباب قول منكر شرعاً، فإن الواجب على الحاضرين الإنكار عليه، لما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
قال النووي في شرح صحيح مسلم: ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف.
فعلى هذا إذا أنكر عليه بعضكم سقط عنكم الإثم، ويؤجر من أنكر، وإذا سكتم جميعاً عن الإنكار بلا عذر معتبر شرعاً أثمتم جميعاً، وكذلك لابد من تقديم النصيحة لمن تسبب في استفزاز هذا الشاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(9/902)
دعاء كفارة المجلس
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو المسنون من القول قبل وبعد الاجتماع الجيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاجتماع بالناس لا يحمد إلاَّ في الخير، كما قال سبحانه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] .
فينبغي للمسلم الحرص على الاجتماع بالمسلمين في أماكن الطاعات كالجمعة والجماعة وحلقة العلم والدعوة والتوجيه للآخرين.. إلى غير ذلك من مجالات الخير.
وينبغي إذا حصل الاجتماع أن لا يخلو المجلس من ذكر الله عز وجل، فقد روى أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلاَّ قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة.
ومن السنة أن يختم المجلس بدعاء كفارة المجلس الذي صحت فيه الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك مارواه أبو داود عن أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاَّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1425(9/903)
كف الجشاء عن الناس أدب رفيع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال هو ما حكم الشرع فى التكرع بعد الأكل أو من غير الأكل ونسمع بعض الناس يتكرعون بصوت
عالي ويرددون الحمد لله هل هذه آداب إسلامية
وجزاكم الله عنا كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن تعمد رفع الصوت بالجشاء مناف للآداب الإسلامية، ومكارم الأخلاق، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي عن ابن عمر قال: تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كف عنا جشاءك" وأخرجه ابن ماجه أيضاً.
وينبغي للمسلم أن يتعلم آداب الأكل والعطاس والتثاؤب، ويعرف الهدي النبوي في ذلك، كما يتأكد في حقه أن يجتنب كل سلوك ينفر الجالسين، ويتأكد على من لم يتحل بآداب الشرع أن يراقب نفسه عن كثب، ويقوِّم اعوجاجها، ويحلي نفسه بالأخلاق والسلوكيات الفاضلة.
أما حمد الله تعالى بعد الجشاء، فلا بأس به - وإن لم يكن من الأمور التي ورد الأمر به بعدها - لأن الحمد مطلوب على كل حال، وفي كل موطن، إلا المواطن التي ينزه الذكر عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1422(9/904)
من أدب المجالس.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن تكثر في مجالسهم الأحاديث التي لاعائد منها كالخوض في المسائل الجنسية والعلاقات الغرامية والأمور الزوجية الخاصة كأن تتحدث إحداهن عن زوجها وما جرى بينهما أو يتحدث هو عن زوجته أو عن صديقته بكل جرأة ودون حياء ويستمتعون بذلك الوقت الذي يمضونه في مثل هذا الكلام ولا يرون فيه بأساً أو ما يستوجب الاستغفار أو التوبة فما عقوبة هؤلاء وكيف تردون عليهم؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا شك فيه أن المسلم مطالب بالحفاظ على وقته، ومسؤول عن أيام عمره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه، وعن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به" رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ولا يستوي من يضيع عمره وراء شهوة ونزوة مع من يكدح في سبيل طاعة ودعوة (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) [السجدة: 18] . والإعراض عن اللغو من الصفات الحميدة للمؤمنين، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون) [المؤمنون:1-3] قال ابن كثير: وقوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) أي: عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قال بعضهم، والمعاصي كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، كما قال تعالى: (وإذا مروا باللغو مروا كراماً) [الفرقان: 72] . انتهى.
فليحذر المسلم من تضيع العمر فيما لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، لأنه مسؤول عن أقواله وأفعاله، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق: 18] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" رواه البخاري ومسلم، قال النووي: فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم.
ومجالس المؤمنين يجب أن تصان عن المحرمات كالغيبة والنميمة، والوقوع في الأعراض. ومن أشد المحرمات إفشاء ما بين الزوجين مما يتصل بالمعاشرة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى أمرته وتفضي إليه ثم ينشر سرهما" رواه مسلم وأعظم من ذلك جريمة وإثماً من يتحدث عن علاقات محرمة، ويحكى فاحشة الزنا جهاراً، فهذا جمع بين جريمة الزنا، وجريمة المجاهرة بالذنب وقد قال عليه الصلاة والسلام: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً، ثم يصبح قد ستره ربه عز وجل، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
وهذا كله يدل على الاستهانة بحرمات الله والجرأة على حدوده، وتلك من صفات المشركين الكافرين -والعياذ بالله- قال تعالى حاكياً صفتهم: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) [التوبة:29] .
فهؤلاء الذين يخوضون في الحديث عن المسائل الجنسية، والعلاقات الغرامية، وأسرار المعاشرة، على خطر عظيم، فعليهم أن يتقوا الله وأن يحذروا عقابه، وتجب عليهم التوبة والاستغفار، وليعلموا أن المجالس التي لا يذكر فيها الله تكون حسرة على أصحابها يوم القيامة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة" أي نقصاً وحسرة، رواه النسائي وأبو داود والترمذي وحسنه. وروى أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم جلسوا مجلساً وتفرقوا منه، لم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة".
فكيف بالمجالس التي تذكر فيها الفواحش، وتفشى فيها الأسرار دون نكير؟ فالواجب هجر مثل تلك المجالس بعد مناصحة أهلها. نسأله الله بمنه وكرمه أن يحفظنا من كل سوء ومنكر من الأقوال والأفعال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/905)
كراهة التثاؤب بصوت عال
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من يتثاءب بصوت عال ويفتح فمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التثاؤب يكره تعمده، ويكون أشد كراهة إذا كان في الصلاة، وقد بينا ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتويين رقم: 75، 54276.
وعلى من تثاءب أن يسد فاه، ويحذر من خروج الصوت ورفعه، وإذا كان غلبة واستطاع رده فلا شك أن ذلك أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ((ها)) ضحك الشيطان. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(9/906)
مسائل في العطاس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم حمد الله بعد العطاس وتشميت العاطس في شريعة الإسلام؟
هل هذا العمل مشروع عن النبي صلى الله عليه وسلم، أم هو سنة قديمة مشروعة عن الأنبياء الآخرين من قبله، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره في الشريعة الإسلامية الأخيرة وصوبه فحسب، كما يستفاد من كلمة "تشميت" التي كانت توجد وتستعمل في اللغة العربية من قديم؟
وهل اتفق علماء المسلمين على شرعية تشميت العاطس خلفاً وسلفاً، أم هناك اختلاف بين الفقهاء في مشروعيته أو درجة حكمه؟
هل يثبت هذا العمل عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الإجماع أم بطريق الآحاد؟
وهل يوجد في هذه المسألة كتاب شامل في مراجع العلم الإسلامي أو أطروحة معاصرة لأستفيد منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حكم حمد العاطس لله تعالى: الاستحباب والندب، وتشميته واجب على كل من سمعه، وقيل: واجب على الكفاية.
جاء في صحيح البخاري:.... فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله.
وفي الصحيحين: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله.. الحديث.
كما قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة مع شرحه: ومن عطس خَارِجَ الصَّلَاةِ فليقل ندبا الحمد الله، وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له يرحمك الله، إنْ كَانَ مُسْلِمًا وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ، وقيل: إنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ..حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، ويرد العاطس عليه يغفر الله لنا ولكم، أو يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. اهـ
قال النووي في روضة الطالبين: وأما العاطس فيسن له أن يقول الحمد لله. اهـ
والظاهر -والله أعلم- أنه من هدي الأنبياء السابقين، فقد روى النسائي وعبد الرزاق وغيرهما بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له فجلس فعطس فقال الحمد لله، فقال له ربه يرحمك الله.. ائت أولئك الملائكة فقل السلام عليكم فأتاهم فقال السلام عليكم فقالوا له وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه تعالى فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير بلفظ: لما نفخ في آدم الروح مارت وطارت فصارت في رأسه فعطس فقال الحمد لله رب العالمين فقال الله يرحمك الله.
وعلى كل حال فمشروعيته متفق عليها بين أهل العلم، وإن اختلفت درجات هذه المشروعية عندهم.
وأما ثبوت هذا العمل (حمد العاطس وتشميته) عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك فيه؛ فقد تناقلته الأجيال عمليا خلفا عن سلف، وقد وردت فيه أحاديث ويمكن أن تصل إلى درجة التواتر المعنوي.
ولم نقف على كتاب خاص بهذا الموضوع، ولكننا قد أصدرنا عددا من الفتاوى في هذا الموضوع وبإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية وما أحيل عليه فيها: 51339، 49098، 115407، 9072، 56119.
وننصحك أن تصرف همتك في تحقيق يفيد أكثر، فإن أغلب هذه التفاصيل لا ينبني على معرفتها عمل، وتكفي معرفة مشروعية هذا الأمر، ولا يحتاج إلى أن يكون الاجماع حاصلا على كل تفاصيله، ولا أن يكون ورد فيه خبر متواتر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1430(9/907)
لا يشمت العاطس إن لم يحمد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تشميت العاطس إن لم يحمد الله أو إذا لم تسمعه يحمد الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد
فإن على العاطس أن يحمد الله تعالى، وعلى من سمعه أن يشمته، فهذه هي السنة، فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عطس أحدكم وحمد الله، كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله.
وإذا لم يحمد الله تعالى فإنه لا يشمت، وذلك لما رواه مسلم عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه. وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 51339.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(9/908)
من أسباب التثاؤب
[السُّؤَالُ]
ـ[من كل صلاة يوم الجمعة بعد الصلاة مباشرة أقوم بالصلاة على سيدنا محمد 100 مرة وقراءة سورة الفلق عشر مرات أثناء ذلك ينزل الدمع من عيوني وأتثاءب كثيرا ما سبب ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عندنا ما يمكن الجزم به في بيان سبب ما يحصل لك؛ إلا أن أهل العلم ذكروا أن التثاؤب يحصل من الشيطان، ومن الامتلاء، وثقل البدن، والدمع يكثر نزوله عند التثاؤب.
ثم إننا ننبه إلى أن الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة مرغب فيه؛ لما في الحديث: أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة ... رواه الحاكم وغيره وصححه الألباني.
لكن لا ينبغي الالتزام بتحديد عدد معين في وقت معين دون الاعتماد على نص يحدده لما يخشى على فاعله من الدخول في البدعة الإضافية، وكذا الحكم في تحديد عدد معين لسورة معينة في وقت معين.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42991، 67904، 69307، 71601، 33808، 21892، 21892، 9615، 63159.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(9/909)
ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب
[السُّؤَالُ]
ـ[دار جدال بيني وبين أحد الإخوة بعد أن عطست فقلت "اللهم لك الحمد" فنهاني صديقي متعللا بعدم جواز هذا وأنه يجب علي قول "الحمد لله" فهل حقا هذا لا يجوز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى أن تقول الحمد لله؛ وإن كان ما أتيت به في معناه لكن تتبع ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم هو الأكمل والأحسن، خاصة وقد قال العلماء أن الأذكار توقيفية أي لا تغير الألفاظ الواردة بها باجتهاد أو غيره، روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم.
وروى أيضاً عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت
وفي الكلام عن توجيه العلماء لأمر النبي للبراء بعدم تغيير لفظ النبي واستبدال لفظ الرسول به جاء في فتح الباري لابن حجر: ... لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي، ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى، فكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحاً؛ وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة، أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان يرادفه في الظاهر، أو لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1429(9/910)
العطاس يحبه الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[في كثير من الأحيان عندما أذكر الله بخشوع وتقرب واستسلام لله أعطس، فما تفسير ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على تفسير لما يحدث لك من العطاس عند الذكر ... ولكن ورد في الأحاديث الصحيحة أن العطاس يحبه الله تعالى، ففي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(9/911)
حمد الله بعد العطاس سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة هذا: الحكمة من قول "الحمد لله" بعد العطسة لأن القلب يتوقف عن النبض خلال العطاس، والعطسه سرعتها 100 كلم في الساعة، وإذا عطست بشدة من الممكن أن تكسر ضلعا من أضلاعك، وإذا حاولت إيقاف عطسة مفاجأة من الخروج، فإنه يؤدي إلى ارتداد الدم في الرقبة أو الرأس ومن ثم إلى الوفاة، وإذا تركت عيناك مفتوحتان أثناء العطاس، من المحتمل أن تخرج من محجريها.. وللعلم أثناء العطسه تتوقف جميع أجهزة الجسم التنفسي والهضمي والبولي وبما فيها القلب رغم أن وقت العطسة (ثانية أو جزء من الثانية) ، وبعدها تعمل إن أراد الله لها أن تعمل وكأنه لم يحصل شيء، لذلك كان حمد الله تعالى هو شكر لله على هذه النجاة؟ وجزاكم الله خيراًً.. وأحسن إليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن السنة أن يحمد الإنسان ربه بعد العطاس فيقول "الحمد لله" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله, وليقل له أخوه يرحمك الله ... الحديث رواه البخاري ومسلم.
وهذا الذكر مشروع سواءً علمنا الحكمة منه أو لم نعلم، وما ذكرته السائلة من سرعة العطسة, وأنها قد تكسر ضلعاً وغير ذلك لا علم لنا به ولا حاجة للمسلم في البحث عنه، وما يقال من أن القلب يتوقف عند العطاس أو أن بعض أجهزة الجسم تتوقف أثناء العطاس هذا ليس بصحيح، كما بيناه في الاستشارة رقم:
http://www.islamweb.net.qa/ver2/istisharat/details2.php?reqid=254123
في قسم الاستشارات بالشبكة عندنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(9/912)
كثرة التثاؤب من الشيطان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أتثاءب كثيرا عند قراءة القرِآن وعند التسبيح فلماذا؟ هل هو من الشيطان؟ أم أن هناك شيء ما؟
جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كثرة التثاؤب من الشيطان كما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان.
والشيطان يتسلط على العبد عندالغفلة عن ذكر الله تعالى أو ارتكابه للمعاصي، وعلى المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان ويداوم على ذكره سبحانه وتعالى وخاصة عند تلاوة القرآن فإن الشيطان يخنس عند ذلك، وقد يحاول شغل العبد عن ذكر الله تعالى وعن تلاوة القرآن وجلب النكد له بكل وسيلة، ومن ذلك التثاؤب، وقد ذكر أهل العلم بعض أسباب التثاؤب وعلاجها تجدها في الفتويين: 42991، 45956.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1426(9/913)
(يهديكم الله ويصلح بالكم) تقال للمسلم والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[يهديكم الله ويصلح بالكم، هل كانت موجهة للمسلم أم للكافر?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه: يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم.
والمسلم يسأل الله عز وجل الهداية في كل ركعة من صلاته كما في فاتحة الكتاب، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى بأنه يكفر عن المؤمنين سيئاتهم ويصلح بالهم ... فقال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ {محمد:2} ، ولهذا فالدعاء بالهداية وصلاح البال للمسلم أمر مطلوب شرعاً، كما أنه لا مانع من الدعاء بذلك لغير المسلم، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لليهود إذا تعاطسوا عنده: يهديكم الله ويصلح بالكم.
ولكن لا يجوز أن يدعى لغير المسلمين بالرحمة والمغفرة ... وإنما يجوز أن يدعى له بالهداية إلى دين الله وصلاح الحال، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 56119، والفتوى رقم: 49098.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1426(9/914)
لا يلزم تشميت العاطس فوق ثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت زميلتي في العمل عندها حساسية وتعطس بصفة شبه دائمة نتيجة مرض فهل يجب أن أشمتها في كل عطسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فقل إنك مضنوك. قال عبد الله بن أبي بكر: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة. قال الباجي في المنتقى: وقوله صلى الله عليه وسلم {ثم إن عطس فقل: إنك مضنوك} قال عيسى بن دينار المضنوك هو المزكوم, وقد ورد تفسيره في الحديث بذلك وقول عبد الله بن أبي بكر لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة قال عيسى بن دينار: الذي يأخذ به مالك أن يبلغ بالتشميت ثلاثا فإن زاد على ذلك فلا يشمته وذلك أنه لما ورد الحديث بالشك ذهب إلى الاحتياط وقال الشيخ أبو القاسم: وإذا عطس مرارا متوالية سقط عمن سمعه تشميته.
وعليه، فلا يجب تشميت زميلتك إذا استمر بها العطاس بعد الثالثة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1426(9/915)
مسائل حول تشميت العاطس
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن تم تشميتي في العطاس؛ هل يجب جواب المشمت عيناً كلاً على حده أم يكفي جواب واحد للجميع بصيغة الجمع، أو بالإفراد قاصداً كل واحدٍ على سبيل البدل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عطس فحمد الله وشمته من سمعه سن له الرد عليهم بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لنا ولكم بصيغة الجمع، ولو كان المشمت له واحداً، كما نص على ذلك جماعة من أهل العلم ومنهم النفراوي في الفواكه الدواني حيث قال: (تنبيه) إنما كان المشمت يقول: يرحمك الله بالإفراد، والعاطس يرد عليه بيغفر الله لنا ولكم بالجمع، لأن الملائكة تشمت العاطس أيضاً، فلذلك طلب الجمع، لأنهم مع المشمت جمع هكذا قاله الأجهوري.
ولو قال يهديك الله ويصلح بالك قاصداً بذلك كل من شمته أجزأ في الرد عليهم جميعاً، لأن الأعمال بالنيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1425(9/916)
أحكام وضع اليد على الفم حال التثاؤب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التثاؤب خلال الصلاة هل يجب أن أضع يدي اليمنى على فمي حينما أتثاءب لأني لطالما سمعت أنه يجب فعل ذلك عند التثاؤب كي لا يدخل الشيطان لا أدري أن كان هذا الكلام صحيحاً أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبشأن وضع اليد على الفم عند التثاؤب يرجى مراجعة الفتوى رقم: 75.
ولا يختص استحباب وضع اليد على الفم عند التثاؤب بالصلاة؛ بل هو مستحب في الصلاة وغيرها، ولم يتطرق الحديث لتعيين اليمنى من غيرها، وإنما فيه الأمر بوضع اليد على الفم، وقد ذكر بعض العلماء أن ذلك باليسرى سواء وضع ظاهرها أو باطنها، ففي أسنى المطالب في الفقه الشافعي: فإن تثاءب سن له أن يغطي فاه بيده، قال ابن الملقن وغيره: والظاهر أنها اليسرى لأنها لتنحية الأذى. انتهى.
وقد كره المالكية سد الفم بباطن اليسرى لأنها معدة لمباشرة الأذى، وقالوا: إنما يسده بظاهر اليسرى أو باليمنى ظاهرها أو باطنها. وهذا كله على الندب والاستحباب، والمطلوب سد الفم عند التثاؤب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1425(9/917)
رتبة حديث \"من المتكلم في الصلاة..\"
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله الجنة بما تخدمون به هذه الأمة، سؤالي: أبحث عن متن حديث أورده الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 10 ص 735 باب: الحمد للعاطس، وهو في تهذيب الآثار للطبري، وبحثت عنه ولكن لم أجده، وربما يكون في القسم المفقود الذي لا أملكه ولكنه موجود، فلعلكم تجدون متن الحديث فيه، والحديث هو: عن أم سلمة قالت: عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله، وعطس آخر: فقال: الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً كثيراً مباركا فيه، فقال: ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الذي ذكر السائل هو متن الحديث، وقد ذكر في مصادر أخرى غير فتح الباري فذكره صاحب كنز العمال وذكره المباركفوري في شرح الترمذي، وذكر ابن حجر أنه لا بأس بسنده وتابعه المباركفوري في ذلك.
وقد ثبتت مشروعية هذا الذكر عند العطاس أيضاً بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمن عطس في الصلاة، وذلك في حديث الترمذي والنسائي وأبي داود والحاكم وغيرهم، وقد صححه الحاكم وسكت عليه الذهبي وصححه الألباني في تخريج المشكاة، ونص الحديث عن رفاعة بن رافع قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه مباركا عليه كما يجب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يكلمه أحد، ثم قالها الثانية من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال: كيف قلت؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركا فيه مباركا عليه كما يجب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1425(9/918)
ما ورد في العطاس والتثاؤب من أحاديث
[السُّؤَالُ]
ـ[لن أطيل عليكم، ما هو موضوع العطاس والتثاؤب، وما هي الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع، وما مدى صحتها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الموضوع يعني ما يشرع من الآداب والأذكار لمن عطس أو تثاءب، وما يشرع من تشميت العاطس إذا حمد الله، وقد جاءت فيهما مجموعة من الأحاديث، فقد روى البخاري ومسلم في الصحيح عن أنس بن مالك قال: عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست أنا فلم تشمتني. قال: إن هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله.
وروى مسلم عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه.
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقاً عل كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب، فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان.
وننصحك بإدخال كلمتي التثاؤب والعطاس في خيار البحث في موقع الدرر السنية، وفي موسوعة الحديث الموجودة في موقع الإسلام، وسترى العديد من الأحاديث في الموقعين مع بيان التخريج لها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 28927، 31375، 49098.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1425(9/919)
الصيغة المسنونة لتشميت العاطس
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد: هل صيغة تشميت العاطس وهي يهديكم الله ويصلح بالكم لها نص من حديث، أم هي منقولة تواتراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تشميت العاطس بهذه الصيغة ثبت أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به العاطس عندما يقال له بعد الحمدلة يرحمكم الله، فقد ثبت ذلك في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهد يكم الله ويصلح بالكم.
وأما الدعاء للعاطس بهذه الصيغة فإنما ثبت في حق الكفار كما قال الطحاوي وابن حجر، فقد ثبت: أنه كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله، فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم. رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه الألباني والأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1425(9/920)
ما يقال للكافر إذا عطس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ما يقال للكافر إذا عطس؟ وهل ندعو له بالهداية وصلاح البال؟
جزاكم الله عنا خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكافر غير المحارب إذا عطس وحمدالله تعالى يرد عليه بيهديكم الله ويصلح بالكم، ولا يقال له: يرحمك الله، أويغفر الله لك، أو ما أشبه ذلك من ثواب الآخرة والرحمة فيها لأن ذلك خاص بالمؤمنين، بل يدعو له بالهداية إلى هذا الدين والإيمان به.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد على اليهود عندما يتعاطسون عنده رجاء أن يدعو لهم بالمغفرة والرحمة..
فقد روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي موسى قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم ـ يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الل هـ، فيقول لهم: يهديكم ويصلح بالكم.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 14165، 29836
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1425(9/921)
العطاس لا دلالة له في تعيين الأشياء
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان....
هل العطاس له أصل في تعيين الأشياء؟
مثلا أنا أذهب لزيارة أخ من الإخوة في هذه الحالة أنا أو شخص عطس إذا كان عطسه مرة واحدة تدل على عدم وجود الأخ في البيت أو مرتين تدل على أنه موجود. حقيقة أنا جربت هذه ورأيت صحيحا أكثر من مرة. ولكن! لا أدري هل له أصل في الشرع أم لا؟
جزالكم الله تعالى خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لهذا الكلام أصل في الشرع حيث إن العطاس لا يدل على وجود شخص في مكان أو عدم وجوده، سواء كان عطسة واحدة أو اثنتين أو أكثر، واعتقاد ذلك يعد تصديقاً بالخرافات وحصول هذا الأمر أحياناً لا يدل على أنه حق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1425(9/922)
التثاؤب.. ذمه.. سببه.. وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد..
فٌٌإني شاب في الثالثة والعشرين من عمري وأعاني من كثرة التثاؤب، فأفيدوني أفادكم الله?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التثاؤب من الشيطان، كما في الحديث، وعلى من أحس به أن يدفعه ما استطاع وأن يضع يده على فيه، وأن يخفض صوته ولا يعوي عواء الكلب، فإن الشيطان يضحك من ذلك، روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان.
وأما عن علاجه، فإن العلماء ذكروا أن من أسبابه امتلاء البدن وثقله، مما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل والتخليط فيه، فعلاجه يكون بالتقليل من ذلك، ففي فتح الباري: قال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات، إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل.
ولا بأس أن يستعين المرء في دفع التثاؤب بالإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1424(9/923)
حكم الاستعاذة عند التثاؤب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد"
فما حكم قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد نص بمشروعية الاستعاذة بالله من الشيطان عند التثاؤب، ولكن ورد ما يدل على أن التثاؤب من الشيطان، ولذا، فلا بأس بالاستعاذة بالله من الشيطان عند التزام الآداب الأخرى التي بيناها في الفتوى رقم: 31375.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(9/924)
جواز الحمد للعاطس في الصلاة بلا مرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس وهو قائم أو راكع أو ساجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فروى الترمذي بسنده عن رافعة بن رافع قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية، ثم قالها الثالثة، فقال رافعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله، قال: كيف قلت؟ قال: قلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها. قال الترمذي: حديث رافعة حديث حسن.
قال في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: قال ابن الملك: يدل الحديث على جواز الحمد للعاطس في الصلاة، يعني على الصحيح المعتمد ... انتهى
وذهب بعض العلماء إلى أنه يحمد في نفسه، بل ذهب طائفة منهم إلى أنه لا يحمد ولو في نفسه، كما جاء في المنتقى شرح الموطأ: وعطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه. قال سحنون: ولا في نفسه.
والحديث يردَّ عليهم، وكما قال صاحب تحفة الأحوذي: فإن حديث الباب يدل على جواز الحمد للعاطس بلا مرية. انتهى
وسواء كان المصلي في القيام أو في الركوع أو في السجود أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(9/925)
تشميت الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أن تشميت العاطس من حق المسلم على المسلم إذا حمد الله فعندما يعطس الطفل الذي لم يتكلم بعد هل نشمته؟ أم هل نقول بالنيابة عنه الحمد لله؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا عطس الطفل الصغير، فإنه يدعى له بالبركة والصلاح، ونحو ذلك. ولو لم يحمد الله مثل: بارك الله فيك، وزاد بعضهم: وجبرك الله، أو أصلحك الله، ونحو ذلك.
وقيل: يحمد الله وليه أو من حضر، ويقال له ما سبق ذكره، كما في الآداب لابن مفلح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(9/926)
أقوال الفقهاء في تشميت المرأة الرجل العكس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة العاملة في مكان مختلط أن تشمت الرجل إذا عطس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتشميت العاطس المسلم واجب على الكفاية، وقيل: مستحب، والذي تدل عليه النصوص هو الأول:
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: حق المسلم على المسلم ست.... وإذا عطس فحمد الله فشمته. رواه مسلم.
وهذا الوجوب في حال دون حال، فإذا خشيت الفتنة من تشميت الرجل للمرأة والعكس فلا يجوز، ولهذا فرق العلماء في هذا الأمر بين المرأة الشابة والمرأة العجوز، وبين المرأة المحرمة والأجنبية، جاء في مطالب أولي النهى: فلا يشمت الرجل شابة ولا تشمته كما في رد السلام، وتشمت المرأة المرأة، ويشمت الرجل الرجل، ويشمت الرجل المرأة العجوز والبرزة لأمن الفتنة. انتهى
وذكر صاحب الذخيرة من الأحناف: أنه إذا عطس الرجل فشمتته المرأة.. فإن عجوزاً رد عليها، وإلا رد في نفسه، قال ابن عابدين وكذا لو عطست هي. كما في الخلاصة. انتهى
وفي الفواكه الدواني من كتب المالكية قال: بعد أن ذكر أن تشميت العاطس واجب كفائي قال: إنما هو في حق العاطس الرجل المسلم والمرأة المحرم أو الأجنبية المتجالة أو ما في معناها مما لا تميل إليها النفوس غالباً. انتهى
فالمقصود أن المسألة تدور حول وجود الفتنة من عدمها.. فإذا لم يخش فتنة جاز للمرأة أن تشمت الرجل والعكس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1423(9/927)
الصيغة المسنونة لتشميت العاطس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يشمت العاطس بالحمدلله عوضاً عن يرحمك الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوارد في السنة أن العاطس هوالذي يقول: الحمد لله. ومن سمعه يقول له: يرحمك الله. فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.
وعليه.. فتشميت العاطس بالحمد لله غير صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1423(9/928)
دعوة أهل العلم لإلقاء الدروس من نشر العلم والدعوة إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من المسؤولين عن الدعوة فى مصر من الأمصارـ ومن باب الدعوة ـ نقوم بدعوة شيوخ من خارج قطر لهذا البلد ـ وطبعاً ـ عندما ينتهى الشيخ من الدرس يأخذه أحد الإخوة إلى بيته ثم نحضر له عشاءً، ولأن بيت الأخ لا يتسع فبعض الإخوة يجلسون مع الشيخ والبعض الآخر لا يكون حاضراً أو لا يستطيع الجلوس مع الشيخ، فما حكم ما نأكل؟ وما حكم ما نفعله؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قيامكم بدعوة بعض العلماء لتقديم دروس علمية في بلدكم أمر محمود شرعاً، فقد طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم من يعلمهم فأرسل معهم مصعباً ـ رضي الله عنه.
وأما غياب بعضكم عن محل الضيافة نظراً لضيق المكان فلا حرج فيه، ولا حرج كذلك على من جلسوا مع الشيخ أن يأكلوا من الطعام إن لم يكن لهم شركاء في الطعام يحرجون عليهم، وظننا بالإخوة الدعاة أنهم لا يحرجون على إخوانهم وزملائهم ومشاركيهم في العمل الدعوي في هذا الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1430(9/929)
حكم استضافة شارب الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استضافة شارب الخمر في المنزل؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إطعام الكافر والفاجر المحتاج مشروع في الجملة، بدليل عموم الحديث: وفي كل كبد رطبة أجر. متفق عليه.
وعموم قوله تعالى في شأن الصحابة: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا {الإنسان: 8} . ومن المعلوم أن أساراهم كانوا كفارا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر الأسرى على الكفار بلبن ناقته وأما دعوة الفجار للطعام فإن كان يقصد السعي في هدايتهم ومناصحتهم بعد الإحسان إليهم واستمالة قلوبهم فهو مشروع.
وأما دعوتهم للطعام فالأولى تركها وإيثار الأرحام والفقراء وعدم خلطة هؤلاء واستبدالها بخلطة صحبة صالحة من المعروفين بالاستقامة، لما في حديث أبي داود: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 63076، 77010، 105538.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(9/930)
عرض الضيافة لشخص على سبيل المجاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[في حياتنا اليومية هناك بعض المجاملات، مثلا نقول لشخص ما: تعال ادخل البيت. بينما لا نقصد ذلك فعلا، بل نقول ذلك مجاملة. ما حكم تلك المجاملات؟ هل تدخل في باب الكذب؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في عرض الضيافة على من يمر بجنب بيتك مجاملة إذا كنت ستستقبله إذا وافق، وأما إذا كنت ستعتذر وترفض الضيافة إذا وافق فيخشى أن يكون هذا من الكذب، ولكنه يرتفع الإثم إذا عرض لك عارض ثم اعتذرت له وقبل العذر، فالأصل أن المسلم يحرص على الوفاء بالوعد والبعد عن خلفه، لأن خلف الوعد من شيم النفاق، ومن وعد ناويا عدم الوفاء يعتبر كاذبا
قال ابن حجر في الفتح: خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد، أما لو كان عازما ثم عرض له مانع، أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق. قاله الغزالي في الإحياء. وفي الطبراني ما يشهد له، ففيه من حديث سلمان: إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف. وذكر حديث ابن داود: إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه. اهـ.
وقد روى أبو داود عن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة.
وهذا الحديث حسنه الألباني لوجود شاهد له عند أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا: من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه شيئا فهي كذبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(9/931)
الستر على المسلم وعدم تمكينه من أسباب المعصية أولى من فضحه
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل لدي سؤال كالتالي: لقد طلب صديق لأخي مفتاحا لشقة لي في بلدي عندما كنت مقيما في الخارج لغرض الدراسة. وذلك لغرض الإقامة فيها لمدة يوم واحد. ولكن المصيبة هي أن الشاب أحضر فتاة معه في هذه الشقة لممارسة الرذيلة. عندما علمت بالأمر كرهت الشقة التي نجسها ذلك الشاب وأريد أن أقاضي هذا الشاب على فعلته التي ارتكبها في حق الله ثم في حقي. فانا أريد حكم الله فيه وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تعدى هذا الشاب في إدخال غرفتك ما لا ترضى دخوله، ويزداد إثمه ويعظم تعديه إذا أدخل معه فيها أجنبية وارتكب معها معصية، ولكن لا يظهر لنا أن لك عليه حقا ماديا ما دمت قد أذنت له في دخول الغرفة وأعطيته مفتاحها.
علما بأنه لا يجوز اتهامه بالمعصية وارتكاب الكبيرة ما لم يكن مجاهرا بها إلا ببينة أو إقرار منه.
وإذا لم يكن مجاهرا فالأولى ستره وعدم رفع أمره للقاضي، مع عدم تمكينه من مثل هذا العمل مرة أخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(9/932)
مدة الضيافة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة في بيتنا ولظروف أجبرت خالي وعائلته المكوث معنا وهو لا يعمل وليس لديه أسباب وجيهة لذلك ونحن ضاق بنا الحال الفترة قاربت السنتين وليس هناك وضع شرعي فهو لديه أولاد وبنات أصبحنا نحاول نضيق عليهم ولكن دون فائدة وهم ليسوا من النوع الذي يحترم خصوصية الناس. فما رأي الشرع هل ما زالوا يحق لهم حق الضيف وإكرامهم وخدمتهم واجبة فأفيدونا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالضيافة في الإسلام ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة، كما ثبت في الحديث الصحيح. وبناء على ذلك فخالك وعياله ليس لهم ما للضيف الآن، ولا تجب خدمتهم، بل إن إقامتهم الطويلة عندكم لا تجوز إذا كان فيها إحراج لكم ومضايقة خصوصاً ما ذكرت من كونه ذا بنين وبنات، وقد ثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن الضيف لا يجوز له أن يطيل المقام عند مضيفه حتى يوقعه في الحرج والضيق. وراجعي في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 35629.
وإذا كان من بين أولاده بالغ وليس محرماً لك برضاع فإنه لا تجوز المساكنة في هذه الحالة إلا إذا تعددت حجر المنزل ولم تتحد المداخل والمخارج ولم يحصل اشتراك في منافع البيت من مطبخ وحمام ونحوهما، وراجعي للمزيد في ذلك الفتوى رقم: 67218.
فينبغي التلطف بخالك هذا في إعلامه بالحكم الشرعي وطلب مغادرته المنزل..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(9/933)
الآداب التي ينبغي للضيف مراعاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي واجباتي تجاه ضيف (مع عائلته المكونة من 5 أفراد تربطنا بها صلة رحم) ، يتجاوز الثلاثة أيام في منزلي ويسبب قلقا لكل أفراد عائلتي لسوء طباعه وإصراره على إحراجنا بتعاليقه وتصرفاته وغيبته لنا ولمستوى عيشنا أمام أقاربنا، خاصة وأنه جعل زيارتنا عادة في كل العطل المدرسية ومن دون استئذان، وفي المقابل لا يستضيف أحدا في منزله وإن صادف وذهب أحد من أفراد عائلتي إلى بيته لقضاء عمل في البلدة التي يقطنها ولمدة لا تتجاوز اليوم والليلة، يخلق الأعذار بأنه يجب أن يزور أحدهم أو ما شابه ويتركه ساعات طويلة وحده في منزله ولا يبدي أي مظهر من مظاهر الحفاوة بل بالعكس يتعمد السؤال عن سبب مجيئه ومدة بقائه وتاريخ عودته إلى أهله فيحس بالضيق والإحراج (نفس التصرف مع كل أفراد العائلة الكبيرة) ، فأنا أحس بالضيق والقلق، بين صلة الرحم وإكرام الضيف وراحتي في منزلي، وأخاف ان ينفذ صبري وأتصرف بطريقة لا ترضي الله، أنا حقا في إحراج وأتمنى أن تقدموا لنا نصيحة ... بارك الله فيكم وأعتذر على الإطالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الضيف يجب إيواؤه وقراه ثلاثة أيام فحسب، وما زاد على ذلك فهو صدقة، وهذا خاص بالضيف في البدو، وأما في الحضر فلا يجب له ذلك كما هو رأي أكثر أهل العلم، وقيل بل يستويان، فالأولى هو تضييف ذلك الضيف والإحسان إليه وإن لم يكن هو يفعل ذلك بكم لرحمه وقرابته، ولكن يوعظ ويذكر ليكف أذاه ويغض بصره، فإن تمادى فلا حرج في طرده، لكن برفق وأدب وتلطف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن ذكرنا أحكام الضيافة وحقوق الضيف ومدة الضيافة الواجبة بشيء من التفصيل في الفتوى رقم: 35629، والفتوى رقم: 50538.
والذي نراه في مثل الحال المسؤول عنها أنكم إن استتطعتم أن تحسنوا إلى هذا الضيف متى ما نزل عندكم لرحمه وقرابته فهو الأولى، ولكم نصحه وتذكيره بالحكمة والموعظة الحسنة أن يكف لسانه ويغض بصره ولا يفشي سراً ولا يذيع مكنوناً، فإن تمادى فيما هو عليه مما ذكرت من بذاءة اللسان فلا حرج عليك ألا تؤويه، لكن ليكن صرفه بالمعروف من غير طرد ولا إهانة، فإن الرفق مطلوب شرعاً، وحسن الخلق من الإيمان، وينبغي أن يعتذر منه بأسلوب حسن يطيب به خاطره.
وليس له أن يلج عليكم دون استئذان، وينبغي إعلامه بذلك وبيان أدب الشرع له، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {النور:27-28} ، وأما عدم مكافأته لكم على إحسانكم ورد الجميل لكم فليس ذلك من شيم الكرام وأهل المروءة فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المكأفاة على المعروف، فقال: ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه النسائي وأبو داود واللفظ له.
ولكن ذلك لا يمنع صلته والإحسان إليه، فالصلة ليست مكافأة وإنما حق لذوي الرحم على رحمه ابتداء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري. وجاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.
ومعنى قوله تسفهم المل، كما قال النووي: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(9/934)
حكم رفض الابن قدوم صديق العائلة إلى بيت أبويه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل رمضان شهر صيام وقيام ولإفطار الصائم فيه أجر عظيم، مشكلتي تتمثل في كوني لي صديق (صديق العائلة) ليس من المنطقة التي أسكنها وهو يحب أن يمضي شهر رمضان معنا على عكس إرادتي فأنا لا أحب من يعكر صفو سيرورة الأمور، نعم فإني أرى أمي تبالغ في إكرامه مما لا طاقة لنا به إضافة إلى كونه (الصديق) لا يفوت فرصة إلا مدح نفسه، ويقوم بالمقارنة بيني وبينه، مع العلم بأنه لا وجه للمقارنة فنحن لا ننتمي إلى نفس الطبقة الاجتماعية، مما يثير أعصابي ويؤجج نار الكره في صدري، لقد قضى هذا الأخير العامين الماضيين (رمضان) معنا الشيء الذي جعلني لا أجني من صيامي سوى الجوع والعطش، وأنا عازم هذا العام أن أحصل على شيء من الأجر إن شاء الله، فهل لي أن أرفض قدومه، مع العلم بأن له ملجئا غير بيتنا يأوي إليه، وهل أنا مذنب إذ كانت طباعي وطباعه لا تتفق، وإن كنت مذنبا ما هي كفارة عدم ارتياحي لوجوده في انتظار ردكم؟ لكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ليس لك أن ترفض قدوم صديق العائلة إلى البيت ما دام أبواك يرغبان في قدومه، ولا يترتب على حضوره في البيت محذور شرعي، ولا تأثم لاختلاف طباعك معه ولا لكونك لا ترتاح إليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشهر رمضان شهر صيام وقيام كما لا يخفى، ولإفطار الصائم فيه أجر عظيم فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني وصححه الألباني.
وإذا كان أبواك أو أحدهما يرغب في زيارة هذا الرجل للبيت فليس لك أن ترفض قدومه، لكن إذا كان قدومه إلى البيت ينطوي على مخالفة شرعية كأن تحدث خلوة أحياناً أو لا تحتجب أمك منه أو يحدث خضوع بالقول فيمكنك في هذه الحالة أن توضح الحق لوالديك بأسلوب رقيق لا ينافي الأدب الواجب من الابن تجاه والديه.
واختلاف الطباع من سنة الله الكونية في عباده فليس في كسبك ولا تؤاخذ به، ولا تؤاخذ كذلك إذا لم تكن مرتاحاً إليه، وعلى أي حال فالذي ننصحك به هو أن تغض الطرف عما لا ترضاه من طباعه وتحاول أن تتودد إليه، وألا تجعل وجوده في البيت مانعاً لك في الاجتهاد في العبادة في رمضان، والسعي في فكاك رقبتك من النيران، والفوز بالجنان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(9/935)
رد الجميل من شيم الكرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مواطن أقطن في تونس مشكلتي أن لي صديقا (صديق العائلة) "طالب" ليس من نفس المنطقة، مضطر أن يقضي اليوم في بيتي طيلة العام الدراسي أو بالأصح أياما محددة في الأسبوع المشكلة أني لم أحبه لسبب أو لآخر، ولم أعد أطيق رؤيته في المنزل فكرت في طرده لكن أخلاقي لم تسمح لي أو بالأحرى خير عائلته سابق، فالرجاء دلوني على التصرف السليم، مع العلم بأن عائلته قد احتضنت أختي لنفس السبب طيلة 5 سنوات؟ ولكم الشكر سلفا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن ذكرنا أحكام الضيافة وحقوق الضيف بشيء من التفصيل في الفتوى رقم: 35629، والفتوى رقم: 50538.
والذي نراه في مثل حال السائل مع ضيفه أنه إن استطاع أن يحسن إليه ويضيفه كما أضاف أهله أخته فهذا أولى، فرد الجميل من شيم الكرام وأهل المروءة ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المكافأة على المعروف، فقال: ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه النسائي وأبو داود واللفظ له.
وإن لم يتمكن من إبقائه عنده لمدة طويلة لسبب أو لآخر فليكن صرفه له بالمعروف من غير طرد ولا إهانة، فإن الرفق مطلوب شرعاً، وحسن الخلق من الإيمان، فليحاول أن يعتذر منه بأسلوب حسن يطيب به خاطره وليسع معه في توفير سكن أو مكان مناسب على حسب الإمكان، وقد قال الله تعالى: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ {آل عمران:115} ، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 67218، والفتوى رقم: 75166.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1428(9/936)
مشروعية الذبح والنحر للضيف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ذبح الشاه أو نحر الإبل عند قدوم الضيف لزيارتي في البيت.مثل استقبال الملك أو ولي العهد أو الرئيس أو الحاكم بالرغم من أن الغرض من ذلك هو من باب العادات والتقاليد لا غير. جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع قد حض على إكرام الضيوف بما يحسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام. متفق عليه. وقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قرى ضيفه. رواه أبو يعلى. وقال الشيح حسين أسد: سنده صحيح.
وقد ذكر الخطابي أنه يتكلف للضيف في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف، ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته.
وقد ذكر القرآن إبراهيم عليه السلام لما جاءه الملائكة جاءهم بعجل سمين مشوي، ومن المعلوم أنا متعبدون بالاقتداء بإبراهيم، وبناء عليه، فإنه يشرع الذبح والنحر للضيف فتلك عادة حسنة، وعلى فاعلها أن يستحضر الثواب، وأن يحرص على عدم إفساد الطعام، ويضع ما بقي بعد أكل الضيوف في ثلاجة حتى يأكله هو بعد ذلك أو يوزعه على من يأكله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(9/937)
حكم تخصيص قسم من البيت للضيوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يخصص المرء غرفة مستقلة في بيته لاستقبال من يضيفه من أقاربه وأصدقائه ويقوم بإكرامهم وحسن ضيافتهم، فقد حصل خلاف بيني وبين أهل بيتي حول ذلك وتم الذهاب إلى أحد المشايخ فحرم علي أن اقتطع أي شيء من بيتي وقال إنه بيت للزوجية ولا يحق لك التصرف فيه ولا بجزء منه ومن يضيفك عليك بإنزاله في الفندق أو أن تستأجر له بيتا، مع العلم بأن بيتي ملك لي وفي حال تخصيصي للغرفة المذكورة تبقى منه غرفتان مع مطبخ وحمامان مستقلان لأهل بيتي، وأحب أن أضيف.. إنني شخص معروف من قبل أقاربي ولي والحمد لله أصدقاء ولهم علي واجبات ويقابلونني بمودة وكرم عند زيارتي لهم وأحوالي المادية والحمد لله ميسورة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً أن يخصص المسلم غرفة من بيته لضيوفه إذا بقي من البيت ما يكفي أهله ولم يشتركوا مع الضيوف في المرافق، وربما يكون ذلك هو الأولى والأفضل إذا لم يكن فيه تكلف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان. رواه مسلم وغيره، وعلى ذلك فلا مانع أن يعد المسلم أو يخصص فراشا وغرفة وما يحتاجه الضيف في منزله.
أما الإيجار لبيت آخر أو في الفندق فلا يخفى ما فيه من التكلف المنهي عنه شرعاً، وخاصة إذا كان للشخص بيت يكفي أهله وضيفهم، فقد روى الطبراني وغيره عن سلمان رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا.
وما دام البيت ملكا لك ويتسع لأهلك وضيوفك -دون تكلف- فلا معنى لقول هذا الشيخ بتحريم تخصيص جزء منه لضيوفك، فقد كان السلف الصالح يستضيفون ضيوفهم في بيوتهم ولا حرج في ذلك -في حد ذاته- إن شاء الله تعالى، وللمزيد عن حكم الضيافة وحقوق الضيف نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 35629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1426(9/938)
الضيف ما له وما عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقديم مأكول أو مشروب للضيف واجب أم سنة؟
وما هو الواجب في حق الضيف عموماً والذي إذا لم يفعل تقع الحرمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد فصلنا حق الضيف والواجب له وعليه في الفتوى رقم: 35629، فنرجو مراجعتها والاطلاع عليها، وكذلك الفتوى رقم: 50538.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(9/939)
حكم استضافة الكافر وما يفعله إذا أضافه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو واجب المسلم في حال أنه استضاف في بيته أحداً من أهل الكتاب وآخر كافرا، وهل عليه أن يستضيف الكافر ثلاثة أيام، وبعد الثلاثة أيام هل يجبره على المكوث عشرة أيام ليقوم بترغيبه في الإسلام وبعد انقضاء العشرة أيام ماذا على المسلم أن يفعل مع الشخص الذي من أهل الكتاب أو الكافر، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في حكم الضيافة، فالجمهور على أنها مستحبة ليست واجبة، وذهب الحنابلة إلى أنها واجبة في حق المسلم دون الكافر، وفي رواية عن الإمام أحمد أنها واجبة في حق المسلم والكافر لعموم الأدلة.
قال ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة: وتجب الضيافة على المسلم للمسلمين والكفار لعموم الخبر وقد نص عليه أحمد في رواية حنبل وقد سأل إن أضاف الرجل ضيفٌ من أهل الكفر يضيفه؟
فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم. فدل على أن المسلم والمشرك يضافان، والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر.
وهذا الوجوب مقيد بكونه في القرى، أما الأمصار فلا تجب فيها الضيافة على الصحيح من مذهبهم، كما قال المرداوي: والقدر الواجب يوم وليلة ويستحب ثلاثة أيام وما زاد فهو صدقة.
وعليه، فإذا استضفت ضيفا في بيتك، سواء كان مسلماً أو كافراً، ويدخل في الكافر أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأنهم كفار فيستحب إكرامهم والإحسان إليهم لمدة ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة، لقوله عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، والضيافة ثلاثة أيام، فما زاد بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه. الحديث رواه البخاري.
والذي ينبغي أن تفعله اتجاه الكافر، سواء كان من أهل الكتاب أو من غيرهم من الكفار دعوته إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن تعرفه بالإسلام وأنه دين السماحة واليسر والمحبة وهو الدين الذي لا يرضى الله سواه قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] .
وعليك أن تعاملهم بالتي هي أحسن، وأن تعطي لهم صورة حسنة عن الإسلام، فلعل الله أن يهديهم على يديك وتفوز بالأجر العظيم عند الله عز وجل، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري في الصحيح: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
ولا يجوز لك أن تبدأهم بالسلام – وإذا سلموا عليك فقل وعليكم.
ويجوز لك عيادتهم إذا مرضوا، وأن تعرض عليهم الإسلام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عندما زار غلاماً يهودياً كان يخدمه لما مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقعد عند رأسه فقال له عليه الصلاة والسلام: أسلم، فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار. رواه البخاري.
ويجوز لك تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو سلامة من مكروه، ولكن لتحذر الوقوع فيما وقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاهم بدينهم، كما يقول أحدهم متعك الله بدينك، أو يقول: أعزك الله أو أكرمك. لا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام، وأعزك به ونحو ذلك.
وأما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق مثل تهنئتهم بأعيادهم وصيامهم أو بسجودهم للصليب.
وعليك أخي الكريم أن تستحضر النية في دعوتك لهم إلى الإسلام عندما تجالسهم وتخالطهم حتى تفوز بالأجر العظيم عند الله، وننصح الأخ السائل بقراءة كتاب أحكام أهل الذمة لابن القيم الجوزيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1425(9/940)
حقوق الضيف
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو حق الضيف؟
هل يعتبر الذي يريد أن يسكن معك من غير المحارم والذين تجب عليك نفقتهم ضيفا؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حق الضيف إكرامه يومًا وليلة، فإن أطال الإقامة أكثر من ذلك، فليواصل مضيفه إكرامه يومين بعد ذلك، فإن زادت مدة إقامته على ثلاثة أيام كانت ضيافته بعد ذلك صدقة، إلا أنه لا ينبغي للضيف أن يطيل الإقامة عند أخيه حتى يحرجه ويكلفه ما ليس عنده.
ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قِرَى ضيفه. قيل: وما قرى الضيف؟ قال: ثلاثة، فما كان بعد فهو صدقة. رواه أبو يعلى وقال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح.
وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه، قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به.
وقد فسر الخطابي الحديث فقال: يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف، ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته، فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك.
وقد رجح كثير من المحققين منهم ابن رجب وابن حزم والشوكاني في النيل، وأبو الطيب الأبادي في عون المعبود مذهب الإمام أحمد والإمام الليث في وجوب إكرام الضيف، وعمدتهم هذه الأوامر المتكررة في الأحاديث السابقة. ويؤكد ذلك ما في الحديث من إباحته صلى الله عليه وسلم للضيف أن يأخذ قراه من دون إذن من نزل عليهم؛ ففي الحديث: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه. رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ووافقه الذهبي والألباني.
وقد ذكر النووي في شرح مسلم والباجي في المنتقى، وابن حجر في الفتح، أن الجمهور لم يوجبوا الضيافة، بل قالوا بسنيتها.
وروي عن أحمد أنه لا يجب إلا اليوم الأول، لما في الحديث من الفرق بين الجائزة والضيافة، ذكره المرداوي في الإنصاف، وابن رجب في جامع العلوم والحكم.
وروي عن مالك وأحمد أنها مخصوصة بغير أهل الحضر.
قال ابن عبد البر: الضيافة حق على أهل البادية والحاضرة عند الشافعي، وخصها مالك بغير أهل الحضر. وقال سحنون: الحضري لا تجب الضيافة عليه لوجود المطاعم والفنادق. وقال البهوتي في كشاف القناع: لا تجب الضيافة في الأمصار؛ لأنه يكون فيها السوق والمساجد، فلا يحتاج مع ذلك إلى الضيافة بخلاف القُرى، فإنه يبعد فيها البيع والشراء، فوجبت ضيافة المجتاز.
ومهما يكن من الخلاف في الحضر فإنه ينبغي الاعتناء بالضيافة؛ لأنها سنة إبراهيم عليه السلام، وقد أُمرنا باتباعه. ولما في القيام بها من حفظ العرض ومن زيادة التحابب بين الناس، ومن الإحسان إلى ابن السبيل، ولا يعتبر من يريد السكن معكم ضيفًا، ولكن ما يقدم له من الإكرام يعتبر صدقة لما في حديث الصحيحين السابق: فما كان وراء ذلك فهو صدقة.
ويجب عليه إذا رغب أو رغبتم في سكنه معكم أن يبتعد عن الدخول على النساء الأجنبيات، ولا سيما في حال انفراد الواحدة منهنَّ؛ لما في حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. ولما في حديث الصحيحين: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.
ويجب على المرأة أن تمنعه من الدخول عليها، لما في الحديث: فَاتّقُوا اللهِ فِي النّسَاءِ. فَإِنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللهِ. وَلَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ. رواه مسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(9/941)
عيادة المريض أعظم أجرا من مجرد الاتصال به هاتفيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اتصالي بمريض بنية عيادة المريض له نفس الأجر والثواب حيث إنه يبعد عني بمسافات؟ وما هو مقدار الأجر؟ وهل يساعد على تقليل الذنوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالثواب المترتب على عيادة المريض لا يعلمه بالتحديد إلا الله تعالى، ولكن وردت أحاديث في الترغيب في عيادة المريض منها أن من عاد مريضا ناداه مناد قائلا: طبت وطاب وممشاك وتبوأت من الجنة منزلا. كما ثبت في الحديث الحسن الذي رواه الترمذي في سننه. وورد فيه غير ذلك.
واتصالك بالمريض المذكور فيه أجر إن شاء الله تعالى لكنه لا يماثل الأجر المترتب على الوصول إلى المريض وعيادته مشيا أو ركوبا إذا كان ذلك ممكنا بدون كبير عناء وحرج، فالأجر يكون بقدر المشقة، وبالتالي فلا يمكننا تحديد الثواب المترتب على اتصالك بالمريض المذكور، وقد يكون هذا الثواب سببا لتكفير بعض صغائر الذنوب فالحسنات من أسباب محو الصغائر، أما الكبائر فلا تمحى إلا بالتوبة الصادقة.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 30325، 96251، 97510.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1428(9/942)
عيادة المرأة للمريض الأجنبي صحبة زملاء وزميلات العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة عيادة المريض الأجنبي في رفقة مجموعة من زملاء وزميلات العمل لأني أمتنع عن ذلك، ولكن إحداهن تقول لي إن زيارة المريض لها ثواب عند الله وتقول لي اذهبي برفقة زوجك لزيارة هذا الزميل المريض إن لم ترغبي في تلك الزيارة معنا، فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس أن تزوري هذا المريض بصحبة زوجك بشرط توفر الضوابط الشرعية من المحافظة على اللباس الشرعي وعدم التبرج بزينة وغض البصر وعدم الخضوع بالقول، أما زيارته بصحبة زملائك وزميلاتك فهذا لا يجوز لما في ذلك من الاختلاط المحرم الذي لا تؤمن معه الفتنة. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 522.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1428(9/943)
من آداب زيارة المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بالتفصيل بعض الآداب المناسبة لزيارة المرضى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أولاً أن زيارة المريض مرغب فيها شرعاً، وهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم، روى الترمذي وابن ماجه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً " وفي صحيح مسلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " حق المسلم على المسلم ست وذكر منها: ... وإذا مرض فعده ".
وقد ذكر أهل العلم أن لزيارة المريض آدابا منها:
1) ... ... ... اختيار الوقت المناسب للزيارة.
2) ... ... ... أن يخفف الجلوس.
3) ... ... ... أن يغض البصر.
4) ... ... ... أن يقلل السؤال.
5) ... ... ... أن يظهر الاهتمام به.
6) ... ... ... أن يخلص له في الدعاء. ومما جاءت به السنة في الدعاء للمريض ما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض ".
7) ... ... ... أن يوسع له في الأمل.ويسليه بكلام طيب كما ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله للمريض:" لا بأس، طهور إن شاء الله " رواه البخاري.
8) ... ... ... يشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر.
9) ... ... ... ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر. ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(9/944)
الأكل عند المريض هل ينقص ثواب عيادته
[السُّؤَالُ]
ـ[مرض أحد زملائي بكسر في قدميه فعندما قرأت عن الثواب العظيم لعيادة المريض فذهبت إليه مع زملائي وعندما قدم زميلي لنا واجب الضيافة من فاكهة ومشروب بارد رفض أحد زملائي وقال حتي لا يضيع الأجر والثواب، فهل هذا صحيح وما الدليل علي ذلك حيث إن زميلي المريض أكد ذلك أيضا وقال له أنا مسامح كل واشرب وسيكتب لك الأجر، فأفيدوني أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد عن أبي أمامة رضي الله عنه في حديث مرفوع: إذا عاد أحدكم مريضاً، فلا يأكل عنده شيئاً، فإنه حظه من عيادته. أخرجه الديلمي في مسند الفردوس. وإسناده ضعيف جداً، لأن في سنده عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، وهو متروك، وكذبه ابن معين، كما في التقريب.
وقد أورده الألباني في السلسلة الضعيفة، وقال: ضعيف جداً، والصحيح جواز الأكل عند المريض، وأن ذلك لا ينقص من ثواب عيادته، بل ربما يكون الأكل أحياناً مما يدخل السرور عليه فيندب حينئذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1428(9/945)
عيادة المريض الفاقد الوعي
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض أصبح لا يعقل شيئاً ولا يعرف أحدا ممن حوله هل عيادته أصبحت غير واجبة، لأنني سمعت مثل هذا القول من أحد المدعين له، وإن كان الأمر كذلك، فالمرجو توضيحه بأدلة شرعية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعيادة المريض المسلم حق له؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز.
فزيارة المريض عبادة لها أجور عظيمة، ولكنها ليست واجبة، والغرض منها مؤانسة المريض وجبر خاطر أهله والدعاء له، فإن كان فاقد العقل وتعذرت مؤانسته فلا تنتفي الأغراض الأخرى من الزيارة، ولم نقف على تفريق للعلماء بين مشروعية زيارة المريض العاقل دون غيره، والأصل بقاء النصوص على عمومها وإطلاقها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1428(9/946)
مما يقال عند المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يقال عند زيارة المريض؟ أفيدونى أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال: أذهب الباس رب الناس, اشف وأنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يغادر سقما. وقد روى ال بخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال: لا بأس طهور إن شاء الله, فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله، قال: قلت: طهور, كلا بل هي حمى تفور أو تثور, على شيخ كبير, تزيره القبور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذا.
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عافاه من ذلك المرض. والحديث أيضا رواه الترمذي في السنن, وصححه الشيخ الألباني، وراجع الفتوى رقم: 19900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(9/947)
كيف يصلي من وضع قسطرة للبول
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض ملازم للفراش ويُركب قسطرة للبول دائماً فكيف يصلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلاة لا تسقط عن المرء بحال ما دام عقله معه، ولكن تجب عليه كيفما استطاع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب. رواه البخاري.
وإذا كان من الضرورة أن تبقى القسطرة دائماً بحيث لا يستطيع نزعها وقت الصلاة أو كان يتضرر بفعل ذلك فلا حرج عليه في الصلاة بها، لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، وقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286} ، ولكن إذا كان يستطيع نزعها ولو في اليوم مرتين فقط في زمن العصر والعشاء مثلاً فإنه يؤخر صلاة الظهر فيجمعها مع العصر، ويؤخر صلاة المغرب فيجمعها مع العشاء.
يقول الإمام ابن قدامة بعد ذكر جواز الجمع لأجل المرض: وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما لما روينا من الحديث ... والحديث هو حديث حمنة بنت جحش لما جاءت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الصلاة والصوم مع استمرار نزول الدم بها، فقال صلى الله عليه وسلم: فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جمعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ... إلى آخر الحديث وهو في سنن الترمذي وغيره.
إذاً فلا حرج في أداء الصلاة كيفما استطاع المرء، ولكن لا ينتقل إلى هيئة أو حالة وهو يستطيع ما هو أولى منها وأكمل, كمستطيع القيام لا يجلس, ومستطيع الجلوس لا يضطجع, وهكذا في التطهر. وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 57599، والفتوى رقم: 2528.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(9/948)
درجة حديث (من أكل أو شرب عند مريض....) وآداب عيادة المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما درجة الحديث النبوي الشريف ((من أكل أو شرب عند مريض فقد استوفى أجره)) ما متن هذا الحديث ? وما المقصود منه ?
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على هذا الحديث رغم البحث عنه في دواوين السنة وكتب التخريج والعلل وكتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة وغيرها. وقد ذكر العلماء آداب زيارة المريض، ولم يذكروا من بينها عدم الأكل والشرب عنده، قال ابن حجر في " فتح الباري" وجملة آداب العيادة عشرة أشياء، ومنها ما لا يختص بالعيادة: أن لا يقابل الباب عند الاستئذان، وأن يدق الباب برفق، ولا يبهم نفسه كأن يقول: أنا، وأن لا يحضر في وقت يكون غير لائق بالعيادة كوقت شرب المريض الدواء، وأن يخفف الجلوس، وأن يغض البصر، ويقلل السؤال، وأن يظهر الرقة، وأن يخلص بالدعاء، وأن يوسع للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1426(9/949)
حكم عيادة المرأة لصديق زوجها المريض برفقته
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لزيارة صديق لي بالمستشفى وكانت زوجتي معي، طلبت منها الانتظار خارج الغرفة حتى أنتهى من زيارة المريض، وبعد أن انتهيت من الزيارة انصرفت أنا وزوجتي, فعاتبتني زوجتي لأنها لم تأخذ ثواب زيارة المريض لأننى لم أدعها تدخل معي لزيارته, فما صحة قولها لي وهل لا بد أن تدخل غرفة المريض لأخذ الثواب، مع العلم بأنني قد أبلغت صديقي المريض بحضورها معي لزيارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الشرع على عيادة المريض، وعدها من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ولا فرق في ذلك بين رجل وامرأة، ففي الحديث الصحيح: حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه مسلم.
وعليه؛ فليس هناك ما يمنع من دخول زوجتك وزيارتها المريض معك، ولكن بالشروط الشرعية من عدم الخلوة، والالتزام بالحجاب الشرعي، وغض البصر وعدم الخضوع بالقول، وبما أنها قد رافقتك لزيارة صديقك المريض، والذي منعها من الدخول هو ما أمرتها به أنت من الانتظار، فنرجو أن يكون قد حصل لها من أجر العيادة ما قد حصل لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(9/950)
الحكمة من عيادة المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من زيارة المريض في المنام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زيارة المريض مأمور بها شرعاً، وهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم.
ففي الصحيحين وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، وذكر منها: ... وعيادة المريض ... الحديث.
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم ست وذكر منها: ... وإذا مرض فعده ... الحديث.
ولذلك عدة حكم لا تخفى على المتأمل، منها: إيناسه، والوقوف إلى جانبه في وقت الضعف والمرض، ومنها: تقوية الروابط بين أفراد المجتمع المسلم، ومنها: تذكير الزائر والمزور بنعم الله عليهما من الصحة وغيرها، فقد قيل: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
وأما كون الزيارة في حال منام المريض فلا داعي لها، لما في ذلك من إزعاجه الذي يتنافى مع مقصود الزيارة أصلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(9/951)
حكم عيادة المريض من الجنس الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشارع في زيارة المريض من الجنس الآخر وليست هناك أي صلة رحم؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس هناك ما يمنع من ذلك، لكن بالشروط الشرعية من عدم الخلوة، والالتزام بالحجاب الشرعي، وغض البصر، وعدم الخضوع بالقول.
وننبه إلى أن مراعاة العرف في ذلك أمر له اعتباره، فقد يكون ذلك في بعض الأعراف قبيحا ومخلا بالشرف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1424(9/952)
لا بأس بقراءة القرآن والذكر عند المريض رجاء البركة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد أتمنى من حضراتكم الكرام الجواب على سؤالي وهو: هل يجوز ختم القرآن على الشخص الحي الذي لا يستطيع القراءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعاً من قراءة القرآن على الشخص المريض سواء كان يستطيع القراءة أو لا يستطيعها.
فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقرأ بالمعوذات على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه عندما ثقل وأصبح لا يستطيع القراءة، كانت تقرأ وتنفث في يديه الشريفتين رجاء بركتهما، وتمسح بهما على جسده الشريف.
فقد روى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنا أنفث فيهن، فأمسح بيد نفسه لبركتها.
وقال البهوتي: لا بأس بالذكر عنده والقراءة، إذا رجي بذلك التخفيف، والقراءة أولى.
والحاصل أنه لا مانع شرعاً من قراءة القرآن والذكر عند المريض رجاء بركة ذلك والتخفيف عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1423(9/953)
حكم عيادة المريض الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز زيارة النصراني المريض لكونه زميلا لنا في العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج شرعاً من عيادة المريض الكافر، بل تشرع إذا كان الغرض منها تأليف قلبه، ودعوته إلى الإسلام.
فقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم عاد غلاماً يهودياً يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم الغلام.
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عاد عمه أبا طالب لما حضرته الوفاه، ودعاه إلى الإسلام.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن أبا الدرداء عاد جاراً له يهودياً.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عيادة المريض النصراني واتباع جنازته، فقال: لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها، فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(9/954)
موقف الجار من جيرانه التاركين للصلاة المغتابين النمامين
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي رغم أنني وزوجي نتقي ونخاف ربنا ونصلي والحمد لله، إلا أن جيراننا معظمهم لا يصلون ولا يخافون ربنا، وكذلك جارتي التي تسكن بجانبي لا تصلي، وتكثر من النميمة والغيبة، وأنا لا أستطيع نهرها لأنها أساسا لا تستمع لي، وأنا في حيرة من أمري ماذا أفعل، حتى كنا في بعض الأحيان نغلق بابنا، ولا نفتح إلا للضرورة حتى أتفادى اللقاء بها، رغم أنها تظهر لي حبها، وأنا أحسن إليها ولأولادها، والله أنا في حيرة، ساعدوني بفتاواكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوصانا الشرع بالإحسان إلى الجيران، وجعل لهم حقوقاً، ولو كانوا غير مسلمين، وقد سبق بيان هذه الحقوق ومراتبها في الفتوى رقم: 36092، والفتوى رقم: 71781.
ومن أعظم أنواع الإحسان إلى الجيران دعوتهم إلى الله وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بحكمة وبصيرة، وانظر لذلك الفتوى رقم: 38409.
فما ذكرت عن جيرانك من ترك الصلاة، والوقوع في الغيبة والنميمة، هي ذنوب عظيمة، فإن الصلاة أعظم أمر الدين بعد الإيمان، ولا حظ في الإسلام لمن تركها، لكن ذلك لا يسقط حقهم كجيران، ولا يمنع الإحسان إليهم، ومع الأمر بالإحسان إليهم لا يجوز لك مشاركة جارتك في الغيبة والنميمة ولو بالسماع، وإنما عليك نهيها عن ذلك، وبيان حرمة الغيبة والنميمة، ويمكنك توجيه الحوار بعيداً عن الأمور المحرمة والمبادرة بالكلام النافع، فإذا لم ينفع ذلك فعليك تجنب الجلوس معها لغير حاجة، وانظري الفتوى رقم: 18866، والفتوى رقم: 15277.
ومن واجب النصيحة تذكير هؤلاء الجيران بخطر التهاون بالصلاة، والاستعانة في ذلك بإهداء بعض الأشرطة أو الكتب أو التوجيه للمواعظ والدروس بالمساجد أو البرامج التي تبث على القنوات الفضائية، مع كثرة الدعاء لهم بالهداية، وننبه إلى أن الإحسان والخلق الطيب له أثر كبير في قبول النصح، كما أن أجر الدعوة إلى الله عظيم، ولمعرفة المزيد عن وسائل الدعوة راجعي في ذلك الفتوى رقم: 21186، والفتوى رقم: 13288.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(9/955)
أدب المسلم مع الجار المؤذي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجب التعامل مع الشخص الذي يزعجك في السكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الجار في الإسلام عظيم، فقد أكدت نصوص الوحي من القرآن والسنة على وجوب مراعاة حق الجار والإحسان إليه، وقد لخص أهل العلم حق الجار في ثلاثة أمور:
أولها: الإحسان إليه ببذل المستطاع من المعروف.
وثانيها: كف الأذى عنه.
وثالثها: تحمل ما يصدر عنه من الأذى، ولذلك فينبغي لكم أن تدفعوا مساوئ هذا الجار بالإحسان إليه ومواصلة النصح له وتغيير أسلوبه، مع مراعاة الأوقات والأحوال المناسبة لها، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، ومنها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73929، 18866، 71781.
كما سبق في الفتوى رقم: 60282 بيان أن أذى الجار من الكبائر، ومع ذلك فالصبر على الجار المزعج أو المؤذي أولى وأجمل، والعفو عن إساءته ومقابلتها بالإحسان سبيل للظفر بمغفرة الله وأجره، ومحبة المخاصم وقربه، فإن أصر على أذيته وتمادى فيها مع بذل كل الطرق التي من شأنها أن تصده عن اعتدائه ولم تفد، فلا حرج حينئذ في رفع أمره إلى السلطات لرفع ضرره ومنع تعديه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 74089، والفتوى رقم: 29088.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(9/956)
يبدو أنك قائمة بحق الجوار
[السُّؤَالُ]
ـ[حق الجار: لي جارة لا نتمتع بأي انسجام فكري أو اجتماعي أو ثقافي ... أسأل عليها بين الحين والآخر أي بمعدل مرتين أسبوعيا وأسلم عليها لكن لا أقدر على زيارتها أكثر من 10 دقائق كل مرة وهي أحيانا تعتب علي، لا أدري هل أنا مقصرة في حق الجار، وما هي حقوقها علي؟ وشكراً جزيلاً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقها عليك هو صلتها والإحسان إليها وكف الأذى عنها، وإذا كنت تزورينها ولو قليلاً وتسألين عن حالها ولو مرة في الأسبوع فذلك صلة، ولا يشترط حبها ومصاحبتها، وإنما حقها عليك أن تحسني إليها بالمعروف وتكفي عنها الأذى وتصليها بما استطعت، ومرد ذلك في الغالب إلى العرف، وللوقوف على تفصيل حقوق الجار انظري لذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46583، 110490، 36092، 110799.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(9/957)
الترغيب في إكرام الجار والإحسان إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يعني إكرام الجار، فهل إذا حل علي ضيف أم أرسل له من الصدقات، علما بأنهم ليسوا بحاجة إليها هذا ما أعلمه عنهم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إكرام الجار والإحسان إليه من الإيمان ومن آكد أبواب الإحسان، فقد أوصى الله سبحانه وتعالى في كتابه بالجار، فقال: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} {النساء:36} ، وأكد على هذا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ففي الصحيحين عن أبي شريح العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ... الحديث.
ثم إكرام الجار لا يقتصر على حسن ضيافته أو التصدق عليه إن كان فقيراً - وإن كان هذا مطلوباً - بل هو أعم من ذلك، فيشمل: الإحسان إليه وعدم إيذائه، وتفقد أحواله، والسلام عليه، وعيادته إذا مرض، والإهداء له ولو لم يكن محتاجاً، وحسن ضيافته إذا زارك، وإقراضه إن احتاج، وكف الأذى عنه، والصبر على أذاه إن حصل، وتهنئته إن أصابه خير، ومواساته إن أصابه مكروه، بل ومن إكرام الجار ما يكون حتى بعد موته وذلك باتباع جنازته، ولعظم حق الجار، قال صلى الله عليه وسلم: ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. رواه البخاري ومسلم.
وسبق تفصيل حقوق الجار وفضل الإحسان إليه في فتاوى كثيرة يمكن أن ترجع إليها ومنها الفتوى رقم: 36092، والفتوى رقم: 38409 في حق الجار، والفتوى رقم: 60224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1429(9/958)
مجازاة الجار بجنس عمله وإساءته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي نحو جاري بسبب أذيته لي بالكلام والسخرية وعدم رد السلام عليه لتأديبه
وهل ت جب أذيته كم اآذاني لقوله تعالى: وجزاء سيئة بمثلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفهوم من السؤال أن صاحبه يسأل: هل يجب عليه أن يرد السلام على جاره الذي يؤذيه بالكلام والسخرية. أم يجوز له أن يمتنع عن رد السلام عليه تأديبا له على ذلك؟ وهل يؤذيه في المعاملة جزاء على سلوكه، كما قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها؟
فإن كان هذا هو المراد، فينبغي أن نعلم أن الابتداء بالسلام سنة ورد السلام فرض في الجملة عند الفقهاء، لقوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا. {النساء:86} .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس. رواه البخاري ومسلم.
فإن كان المُسَلم عليه واحدا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم. قال ابن العربي: قال علماؤنا: أكثر المسلمين على أن السلام سنة ورده فرض.
وقد عد بعضهم ترك السلام في الكبائر.
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وفيه نظر، وقد صرح بعض الأئمة بأن ذلك صغيرة وهو متجه، نعم إن احتف بالترك قرائن تخيف المسلم إخافة شديدة وتؤذيه أذى شديدا لم يبعد حينئذ أن الترك كبيرة لما فيه من الأذى العظيم الذي لا يحتمل.
ويتأكد هذا الحكم إن اجتمع مع الإسلام وصف آخر، كصلة الرحم والإحسان إلى الجيران، كما قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. {النساء: 36}
هذا هو الأصل، وقد يتغير الحكم في بعض الأحوال، حيث نص بعض الفقهاء على جواز تَرْكُ رَدِّ سَلَامِ الْفَاسِقِ زَجْرًا له عن فسقه.
فقد سئل الرملي: هل يجب رد السلام على الفاسق أو لا؟ فأجاب: بأنه لا يجب رده إذا كان تركه زجرا له ولا يستحب ابتداؤه.
ونقل الخادمي في بريقة محمودية عن كتاب القنية: ولا يسلم على الشيخ الممازح أو الكذاب أو اللاهي ومن يسب الناس ومن ينظر في وجوه النسوان في الأسواق ما لم يعرف توبتهم.
ومما يدل لذلك ما رواه نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ فَلَا تُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وابن ماجه وحسنه الألباني. قال القاري في مرقاة المفاتيح: قال ابن حجر: لا تقرئه مني السلام: لأنا أمرنا بمهاجرة أهل البدع، ومن ثم قال العلماء: لا يجب رد سلام الفاسق والمبتدع، بل لا يسن زجراً لهما، ومن ثم جاز هجرهم لذلك.
ولا شك أن الأذية الظاهرة للجار من المعاصي الموجبة لفسق صاحبها؛ فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعلُ، وتصدقُ، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار. رواه البخاري الأدب المفرد، ورواه أحمد وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوايقه. وقال صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ رواه مسلم.
وينبغي التنبه إلى أن عدم وجوب الرد لا يعني عدم الجواز، ويبقى النظر دائما إلى مراعاة المصلحة، فإن كان الجار المؤذي لا ينزجر بهجره بل يزداد إيذاؤه، فالحكم حينئذ يرجع إلى الأصل.
وقد سبقت بعض الفتاوى في هجر المجاهر بالمعاصي وأحواله وأحكامه ومراعاة جانب المصلحة فيه: 7119، 14313، 21242، 24983، 29790، 58252، 18120، 14139.
ومع ذلك فإنا نوصي السائل الكريم أن يمتثل وصية الله تعالى القائل: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. {فصلت:35،34} .
فليصبر على أذى جاره إكراما له؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ. رواه البخاري ومسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. رواه البخاري ومسلم.
فالصبر هو أول ما يؤمر به من يشتكي جاره.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاصْبِرْ. فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ. فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأما مجازاة هذا الجار بجنس عمله، ورد سيئته بمثلها فإن هذا وإن جاز وهو العدل لقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا. {الشورى:40} فإن الفضل والكمال في ما ذكره الله في إتمام الآية وهو قوله: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى:40} . وإذا قرأنا بعدها قوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى:41} . وذكر الفضل في قوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43} .
وهذا كقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ. {النحل:128،127،126}
ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(9/959)
مقابلة إساءة الجيران بالإحسان من شيم أصحاب الهمم العالية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقطع جارتي؟
نعيش في الشقة المقابلة لهم وتربطنا بهم علاقة جيدة وخاصة زوجي وزوج جارتي فهم أصدقاء عمل من سنوات طوال. إلا أنني اشعر أن جارتي لا تحب لي الخير وتحسدني على الاستقرار مع زوجي فضلا عن أنها لا تتمتع بوازع ديني جيد فهي أحيانا تخرج بشعرها أو بالمكياج أو تتهاون بالمحافظة على الصلاة وتدخن ... الخ من الأمور البسيطة نسبيا. تعرضت جارتي هذه لحادث سيارة يوما ما فساعدناها أنا وزوجي بقدر كبير من المال والعمل والطعام ... إلا أنها بعد ما أكرمها الله بالشفاء كانت تتعمد أن تذكر وتشكر زميلاتي وكيف وقفوا معها وقت الشدة وبحضوري للتقليل مما قدمت لها علما بأنهن لم يقدمن مثل ما قدمنا نحن. وكثيرا ما كانت تشكر وتمتدح زوجي وطيبته لكي توصل رسالة لي بأنني لا استحق زوجي لأنني سيئة. في احد الأيام أضطررت لعمل عملية جراحية وبقيت في المستشفى 3 أيام وكانت هي الوحيدة التي أعلمتها بذلك على أمل أن تساعد زوجي في رعاية بناتي الصغار أثناء غيابي. ألا أنها لم تطرق الباب ولم تسأل لا عني ولا عن أطفالي ولم تتصل حتى تلفونيا تسأل عن صحتي!! وكنا نزورهم في العيد ولا يردوا الزيارة لنا! وإذا حصل عندهم أي شيء نكون أول المهنئين أو المواسين بينما هي وزوجها قلما يسألون عنا! في إحد السنوات كنت أوصل أولادي إلى المدرسة بسيارة أجرة بينما أولادها يذهبون بالباص فكانت كثيرا ما تنتقدني على ذلك وتقصد بأنني أقوم بذلك لأنني بخيلة أريد التوفير. بعد ذلك حصلت على رخصة قيادة وصرت أوصل أولادي بسيارة زوجي وكانت تطلب مني أن أوصلها أحيانا إلى بعض الأماكن فأقوم بذلك. وفي السنة الثانية لم يستطيعوا أن يسجلوا أولادهم بباص المدرسة لأنه غال! وأظن أنها كانت تطمع في أن أوصل أولادها مع أولادي علما أنهم ليسوا في نفس المدرسة. إلا أنني كنت أتعمد الخروج بعدها كي لا أراها في الشارع بانتظار سيارة أجرة فأضطر لأخذ أولادها وقد حدث ذلك عدة مرات. أحيانا كان زوجي يتأخر عن دوامه فيقوم هو بتوصيل الأولاد فكانت تتعمد أن تنزل وأولادها بنفس الوقت كي ينحرج زوجي ويوصل أولادها. كانت النار تجري في عروقي عندما أرى ذلك. وكنت أطلب من زوجي ان لا يأخذ أولادهم ولكنه كان يرفض طلبي ويصر على تقديم المساعدة لهم على الرغم من معرفته بتقصير جارتي عن مساعدتي في كثير من المواقف. فكان دائما يقول هؤلاء جيراننا وأصحابنا ويجب أن نساعدهم متى استطعنا بغض النظر عن كونهم يبادلوننا المساعدة أم لا. مع تكرار هذا الأمر من زوجي مرارا ومرارا اشتد بي الغيظ وقلت له أنت لا تساعد صاحبك ولا أولاد صاحبك بل أنت تساعد المرأة حتى تقول عنك بأنك طيب وخدوم وغيره. إلا أنه كان يصر على عناده لي ويوصلهم إذا كان دوامه متأخراً أو يرجعهم من المدرسة إذا رجع باكرا. فكنت دائما أتشاجر معه وأقول له أنت لا تهتم بي ولا بأولادك أنت كل همك أولاد الجيران وأمهم كي يقولوا عنك طيب أما أنا فيقولوا عني خبيثة لأني لا أوصلهم في غيابك وأنت تعلم أنها كانت تسخر مني سابقا عندما كنت أوصل أولادي بالتاكسي. وحصل أن هددته وقلت له يا أنا يا أولاد الجيران!!! ولكنه مرة أخرى كان وظل يعاندني فقلت له إذا وصلتهم أو جبتهم مرة ثانية لن أبقى لك في البيت وتكون أنت السبب في خراب بيتنا من اجل مصلحة جيراننا. وفي نفس ذلك اليوم المشؤم عاندني ورجعهم من المدرسة مع أولادي فلما رأيتهم ينزلون من السيارة، حيث كنت أراقب من النافذة، جن جنوني، فما أن دخل البيت هو وأولادي حتى انفجرت بالبكاء والصراخ في وجهه قائلة أنت لا تحبني أنت تكرهني وأنا ساكتة وراضية بس لا وألف لا هيا طلقني الان. فأخذ يهدئني ويقلل من شأن كلامي إلا إنني كنت في قمة الهيجان والتعب النفسي من تصرفاته فقررت الخروج من البيت غير أن أولادي صاروا يبكون وأخفوا مفتاح الشقة إلا أنني بقيت مصرة على كلامي أنا لا أريدك طلقني. فقال لي ليس لدي مانع أن أطلقك ولكن ليس الآن، بل عندما ننزل إلى بلدنا حيث إنني أخذتك من بيت أهلك ولا يحق لي أن أرميك في الشارع فلما ننزل أو أحجز لك تذكرة بعدها أطلقك. بعد ذلك هدأت أعصابي قليلا وكلم هو أخي الكبير الذي ساعد بدوره في تهدئتي. بعد فترة هديت تماما وعاد كل شيء إلى ما كان عليه من ألفة ومحبة بيني وبين زوجي واعتذرت منه.
سؤالي هل زوجي محق في معاملته مع الجيران الذين لا يبادلوننا نفس المعاملة الحسنة وخاصة الزوجة؟ هل أنا أثمة على طلبي الطلاق من زوجي وماذا يترتب علي من كفارة لذلك؟
هل يحق لي أن أمتنع عن زيارة جيراننا هؤلاء رافضة طلب زوجي بذلك؟
آسفة جدا على الإطالة.
لكم مني خالص التحية والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشكر لله عز وجل أولا أن وفق إلى تجاوز هذه المحنة، ثم إننا نشكر زوجك على ما تحلى به من الحكمة، ونشكرك أيضا على أن أغلقت باب الشيطان ولم تتمادي بالإصرار على طلب الطلاق، ونسأل الله تعالى أن يقر عين هذه الأسرة.
وما يقوم به زوجك من معاملة جيرانكم بهذه المعاملة الحسنة -رغم ما ذكرت من سوء معاملة تلك الزوجة- لكم هو عين الحكمة والعقل، وموافق لما جاء به الشرع من الصبر والعفو والتجاوز وهذه معان قد لا يقدر على الإتيان بها إلا ذوو الهمم العالية، ونحسب أن زوجك منهم ولا نزكيه على الله، وراجعي الفتوى رقم: 97784.
وأما طلبك من زوجك الطلاق لمجرد ما يحصل منه مع الجيران من حسن المعاملة فلا يجوز، ويجب عليك التوبة من ذلك وعدم العود لمثله ولا تلزمك كفارة مخصوصة، ولمعرفة مسوغات طلب المرأة الطلاق راجعي الفتوى رقم: 6822.
ولا يجب عليك زيارة جارتك ولو أمرك بذلك زوجك لا سيما إذا كان يترتب عليها أذى لك، ومع ذلك لا يجوز هجرها.
وإن وصلتها وصبرت على أذاها كان هذا أعظم لأجرك وأدعى لحسن العشرة بينك وبين زوجك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/960)
ستر الجار ومساعدته إذا لم يترتب على ذلك ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم أنا وجاري نعمل في نفس المؤسسة حيث أشغل رئيس مصلحة وهذا الجار موظف فيها. في أحد المرات قام هذا الجار بخطأ مهني قدرت حسب اجتهادي على أنه جسيم، وكان علي أن أخبر رؤسائي بذلك حتى يكونوا على علم بكل ما يجري في المؤسسة وحتى لا يلوموني على عدم إخبارهم لو تطورت الأمور إلى الأسوأ.
بناء على إخباري هذا قامت الإدارة بنقل جاري إلى مصلحة أخرى دون أن يفقد أيا من امتيازاته المادية.
المشكلة هو أن هذا الجار اعتبر أن ما قمت به هو من صميم الوشاية ولامني على عدم إخباره والتستر عليه.
سؤالي هو: هل أعتبر آثما في حق جاري وما العمل، علما أنه قبل أن ينتقل إلى المصلحة الأخرى شرحت له أنه كان لزاما علي إخبار الإدارة بما قام به، وقلت له مع ذلك بأن يسامحني إذا رآى أني ظلمته ورفض.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي ستر الجار ومساعدته إذا لم يترتب على ذلك ضرر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الخطأ الذي صدر من جارك في العمل لا يترتب عليه أو على الإخبار به ضرر بالنسبة لك أو للمؤسسة فإن إخبارك به يعتبر نميمة، وكان ينبغي لك تنبيه جارك على خطئه وأن تستره به، وخاصة إذا كان يترتب على الإخباربه أذية له أو ضرر عليه فلا يخفى ما في ذلك من الإثم، فالجار أحق بالستر والمساعدة.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. رواه البخاري وغيره.
أما إن كان يترتب على ستره ضرر عليك أو على المؤسسة فإن عليك من باب المسؤولية والأمانة والنصيحة التي هي أساس الدين وواجب المسلم لعامة المسلمين وخاصة لمن ولاك أمرا أو حملك مسؤولية أن تخبره بما يترتب عليه ضرر أو يفوت مصلحة.. وليس عليك في ذلك إثم إن شاء الله تعالى، وكان على جارك أن يسامحك ويقبل معذرتك.
وينبغي لك أن تعاوده مرة أخرى وتحاول إرضاءه بكل وسيلة مستطاعة فحق الجار عظيم.
وللمزيد انظر الفتوى: 67267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1429(9/961)
نوم المرأة في بيت صديقتها المتزوجة حال غياب زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تنام امرأه مع صاحبتها وزوجها في بيتهم، علما بأن زوجها يعمل بنظام الورديات فعندما تكون الورديه ليلية من العاشرة مساء إلى السادسة صباحاً فهي تذهب لتنام في بيت صاحبتها، حيث إنها لا تستطيع النوم لوحدها في ذلك اليوم، وذلك بعلم زوجها ورضاه ورضى صاحبتها وزوجها، فأرجو أن تفتوني رعاكم الله لأن هذا جاري؟ ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وصى على الجار؟ مع شكري وتقديري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع أن تنام المرأة مع صديقتها في بيت زوج إحداهما في الحالة المذكورة، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 69475، والفتوى رقم: 65182.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1428(9/962)
لا يضر الجار جاره ولا يقابل الضرر بضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في بيتي وجاري محل حدادة وأنا منزعج جدا من الآلات التي عنده لأنها تصدر أصواتا عالية وإني تحدثت مع هذا الجار أن يبني بيني وبينه جدارا ليخفف الضرر ومنذ 3 سنوات لم يفعل إلى الآن فهل يجوز لي أن أضره لأنه لم يستجب لي واحتقرني ولم أهبه له إني أخاف الله ولا يجوز أن يضر المسلم أخاه المسلم أنا أريد أن أضع له عود كبريت في القفل ليزعجه كل صباح لأشعره كيف يكون الضيق هل يجوز لي أن افعل أم لا؟ الرجاء الرد مع الشكرأنا أعيش في غزة لا يوجد عندنا قانون ولا بلدية قوية ولا شرطة قوية إني أيضا شكوته لأقاربه فقالوا على المتضرر الرحيل أو أنت حاسده على شغله فماذا أفعل؟ وجزاكم الله كل خير الرجاء الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حق الجار في الإسلام ووصية النبي- صلى الله عليه وسلم-به وحثه على الإحسان إليه وتحمل أذاه والكف عن أذيته في الفتويين: 14785، 71781، نرجو أن تطلع عليهما.
وفيما يخص الضرر بالغير وأذيته فإنه لا تجوز على العموم، ولكن المنع يتأكد بين الجيران لعظم حقوقهم فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطإ وغيره. وقال أهل العلم: الضرر يزال، وهي قاعدة من قواعد الشرع المتفق عليها.
وقال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام في باب الضرر..
ومحدث ما فيه للجار ضرر ... محقق يمنع من غير نظر
كالفرن والباب ومثل الأندر ... أو ما له مضرة بالجدر
..
وما بنتن الريح يؤذي يمنع ... فاعله بالدبغ مهما يقع
قال شراحه: ومثله ما يتأذى بصوته كالكمد وشبهه بلا خلاف
والحاصل أنه لا يجوز للجار أن يضر بجاره، وإذا فعل ذلك ولم يسامحه فإن على المسئولين وولاة الأمر أن يزيلوا عنه الضرر.
ولذلك فالذي ننصحك به بعد تقوى الله هو حسن المعاملة مع جارك، وحل المشكلة معه بطريقة ودية، وإذا لم ينفع ذلك فارفع أمره إلى السلطات المحلية أو اتخذ غير ذلك من الوسائل السلمية حتى تزيل عنك بطريقة سلمية، ولا ننصحك بفعل ما يضر بجارك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/963)
موقف المسلم من أذى الجار
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ونفع بعلمكم وتقبل منكم، سؤالي هو: أنه لدينا جيران يربون ديكا كثير الصياح، وأكثر ما ينشط في فترة القيلولة وفي منتصف الليل، وبالطبع فقد قطع علينا النوم والراحة، وقد سبب لي معاناة شديدة في أيام الاختبارات خصوصا، وتأثر أدائي في الاختبارات سلبا بسبب قلة النوم! وقد طلبنا منهم أن يتصرفوا بشأنه ولكنهم لا يرغبون في ذلك، فهل يجوز لي إذا تمكنت من قتله أن أقتله دون علمهم، ثم أبدلهم بشيء أهديهم إياه يساوي ثمنه أو يزيد تعويضا لهم وإبراء لذمتي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام حث على الإحسان إلى الجار وجعل أذيته من كبائر الذنوب، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وفي رواية أخرى: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. وحقوق الجيران متبادلة، فعلى كل واحد منهم أن يحسن إلى جاره ويكف عنه أذاه.. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 46583، والفتوى رقم: 60282 نرجو أن تطلع عليهما.
ولذلك لا يجوز لجيرانكم أذيتكم أو إزعاجكم بأي وسيلة، وبإمكانكم أن تشيروا عليهم أن يحولوا ديكهم الذي يؤذيكم بأصواته إلى جهة أخرى من منزلهم بعيداً عنكم، وعليكم إذا لم يفعلوا أن تصبروا وتتحملوا ... فإذا لم تستطيعوا فبإمكانكم أن تشكوا منهم للجهات المسؤولة لرفع الضرر عنكم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر.... وفي المرة الثالثة أو الرابعة قال له: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق فجعل الناس يسألونه فيخبرهم ... فجعل الناس يلعنونه ويقولون: فعل الله به وفعل وفعل.. فجاء إليه جاره وقال له: ارجع لا ترى مني شيئاً تكرهه. رواه أبو داود وغيره.
وأما الحل الذي ذكرت فإنه لا يجوز لما فيه من الاعتداء على ممتلكات الناس، وربما يترتب عليه ما هو أكبر منه إذا علم الجار بذلك، فعليك أن تسد ذلك الباب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1427(9/964)
كيفية التعامل مع الجار سيء الخلق
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية التعامل مع جيران لايملكون من الأخلاق ذرة حيث إنهم جعلوا بيتهم للدعارة والفساد علما أن النصح لاينفع معهم. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الجار في الإسلام عظيم, فقد أكدت نصوص الوحي من القرآن والسنة على وجوب مراعاة حق الجار والإحسان إليه، وقد لخص أهل العلم حق الجار في ثلاثة أمور: أولها: الإحسان إليه ببذل المستطاع من المعروف. وثانيها: كف الأذى عنه. وثالثها: تحمل ما يصدر عنه من الأذى؛ ولذلك فإن عليكم أن تدفعوا مساوئ هذا الجار بالإحسان إليه ومواصلة النصح له وتغيير أسلوبه, مع مراعاة الأوقات والأحوال المناسبة لها فقد قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} وبإمكانكم أن تسلطوا عليه بعض الخيرين لينصحه بطريقة مناسبة, فإذا استجاب لكم فقد حصل لكم خير كثير وثواب جزيل عند الله, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه. وإذا لم يستجب وتمادى في غيه واستطعتم الصبرعليه فهو خير إذا لم يكن يجاهر بمعصيته أو يدعو إليها, وإلا فعليكم أن تبلغوا عنه من يستطيع إزالة منكره, وإن لم يوجد من يستطيع ذلك فإن عليكم أن تنتقلوا عنه إذا استطعتم إلى مكان آخر. وللمزيد من التفصيل والأدلة نرجو الاطلاع على الفتويين رقم: 18866 / 28848.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1427(9/965)
الإحسان إلى الجار ولو جار
[السُّؤَالُ]
ـ[أوصى الرسول الكريم بالجار وله حديث مشهور بذلك، عندنا جارة تؤذينا منذ 4 سنوات ذهبنا إليها عدة مرات وطلبنا منها أن تكف عن إيذائها لنا دائماً تقول لنا أنا لست مخطئة وكل الجيران من حولنا يدعون عليها وسبحان الله غير محبوبة من قبل الجيران المشكلة أني بدأت أنا أيضاً أدعو عليها وفعلاً تحققت أشياء فيها ومصائب كنا نتخيلها أنها ستتعظ لكن بدون فائدة أراها دائماً في أحلامي وسبحان الله كلها تتحقق حتى أني رأيت بيتها مظلما على الرغم من وجود الشمس وبيتنا منير وبيتها وبيت أهلها وأخواتها مهدم ويتصاعد التراب منه المهم لا أريد أن أدعو عليها بعد الآن ولكني أريد منكم أن تنصحوني بأدعية لأني أعرف أن الشيطان الرجيم يدخل في هذه الأشياء، والله من كثرة دعاء الناس عليها حلت عليها أنواع المصائب وهي عندما تصادف مشكلة خاصة بها تكف عن أذاها وعندما تنفرج أزمتها ترجع إلى ماكانت عليه أريد منكم أن ترشدوني بما أفعله ونحن لا نريد أن نقف أمام الله معها يوم الموقف العظيم صبروني بكلمات أقولها كلمات فرج لأني أعرف أن الله لايقبل بالظلم وهو الجبار؟
جزاكم الله عنا ألف خير..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على الإحسان إلى الجار ومعاملته بالرفق واللين ولو جار، قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ {النساء: 36} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وفيهما عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. وقال العلماء إن الإحسان إلى الجار يكون بثلاثة أمور:
الأول: الإحسان إليه بالهدية والقرض والسلام عليه والبشاشة في وجهه ومساعدته بكل ما يحتاج وتهنئته وتعزيته.
الثاني: كف الأذى عنه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والله لا يؤمن ـ أقسم على ذلك ثلاث مرات ـ قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه.
وأما الثالثة: فهي تحمل الأذى إذا صدر منه.
وعليه فأول ما ننصحك به هو اتباع هذا الهدي النبوي السديد، فإن الخير كله في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم.
ويمكنك أن تراجعي في مشروعية الدعاء على الظالم فتوانا رقم: 23857.
وفيما طلبته من كلمات الفرج فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة في الكرب والهم، مثل ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكن حزنه فرحا، قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا.
وعليك أيضا بدعاء ذي النون، فقد أنجاه الله بدعائه حين دعاء به وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد والترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1427(9/966)
ساعد جارك بما لا يسبب لك حرجا
[السُّؤَالُ]
ـ[جار حالته المادية ميسورة قادر على شراء الأشياء الأساسية لمنزله ولكن لا يشتريها ويطلبها من جيرانه. ماذا تفعل معه وكيف تجاوبه. هل تعطيه ما يريد.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تواردت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على الوصية بالجار عموما وإكرامه والإحسان إليه تفضلا وتكرما وبدون النظر إلى حاله، قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء: 36} . وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
لهذا نوصي السائل الكريم بتقوى الله تعالى ومساعدة جاره بما استطاع بما لا يضره أو يكلفه أو يسبب له حرجا. فإن تسبب ذلك في ضرره، فإنه لا ضرر ولا ضرار، والحرج مرفوع، والتكلف منهي عنه شرعاً. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين: 46583، 49216.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(9/967)
أذى الجار من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[جارنا في الطابق الأعلى يضع على شباكه أرزا وخبزا بقطع صغيرة للعصافير والحمام البري (مثل الذي يضعوه بساحة الحرم والتجمعات لجذب الحمام) ونحن بالطابق الأرضي كل وسخ الحمام وبقايا الطعام وأرواث الحمام تسقط علينا ويتسخ كل محيط البيت فتكلمت معه وأفهمته أن هذا الكلام لا يجوز وأنه بذلك يؤذي الجيران وأن مثل هذه الأمور إذا أحب ان يفعلها فليكن في بيت مستقل لوحده أو مزرعة فكان جوابه أنه لايجب علي أن أقطع رزق هذا الحمام قلت له الله يزرق الطير والبشر قال إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام وقال لي هل تتحمل أنت ذنب قطع رزق هذا الحمام قلت له نعم لأن الرزق على الله وقلت له عدم مضايقة الجار واجب وفرض لكن إطعام الحمام ليس بواجب ولا فرض.1- هل علي ذنب لأني قلت له إنه لاذنب علي إذا توقف بسبي عن إطعام الحمام؟ 2- هل قوله إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام صحيح (خصوصا وأنه حمام بري) ؟ 3- هل يجوز أن أشتكيه إلى السلطات المختصة إذا لم يتجاوب؟ 4- قلت له إن والدتي تنظف المكان كل يوم لكن والدتي بالحقيقة تنظف المكان كل بضعة أيام وقلتها على سبيل المبالغة فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إيذاء الجار من الكبائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول لله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. رواه البخاري، وفي (صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. قال ابن حجر في (فتح الباري) : وفي هذا الحديث تأكيد حق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل. فالواجب على جارك أن يمتنع عن إطعام الحمام بهذه الصورة التي تؤذي جيرانه، وليس على من نصحه بالامتناع عن ذلك إثم، لأن إطعام هذا النوع من الحمام ليس واجبا عليه، بينما إيذاء الجار من المحرمات، بل من الكبائر كما ذكرنا. وأما قوله: إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام، فليس بحجة، لأن الله تعالى هو الذي نهى عن إيذاء الجار. فلا يجوز لجارك أن ينفع الطير بإضراره بإخوانه المسلمين فضلا عن جيرانه. كما أنه ينبغي لك أيها السائل الكريم أن تصبر على أذى جارك وأن تنصحه بالتي هي أحسن، فإن هذا أيضا من حقوق الجار، ومن الخلق الحسن، إلا إذا لم تطق تحمل أذيته، ولم يستجب لنصحك بعد الصبر عليه، فيجوز لك حينئذ أن تشتكيه إلى الجهات المسؤولة، فقد روى أبو داود وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر، ثم أتاه الثانية: فقال: اذهب فاصبر، فقال في الثالثة أو الربعة: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه، فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره، فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه. ثم عليك أيها السائل الكريم أن تتحرى الصدق في الكلام حتى تكتب عند الله صديقا، لقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1426(9/968)
أذية الجار دليل على ضعف الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على جهودكم في استقبال أسئلتنا والرد عليها. جزاكم الله عنا خير الجزاء
أود أن أسأل عن مشكلة خاصة بالجيران المجاورين لنا: إن أحد جيرانى يأخذ رقم تليفون منزلي ويعطيه للشباب المنحرفين ليعاكسوا أهل بيتي بالكلام غير اللائق أخلاقيا وعندما واجهته بالأدلة أنكر وسب في أهل بيتي سبا علنيا أمام باقي الجيران, وما أود أن أسأل عنه الآن: كيف أعامل جاري هذا بما يرضاه الشرع؟ وأنا قد قاطعته واعتزلته ولا كلام ولا تعاملات بيننا. فهل هذا يجوز؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام عظم حق الجار، وجعل إكرامه من كمال الإيمان، وجعل أذيته دليلا على نقص الإيمان وضعفه، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14785 و 32391 و 46583.
ولتتقي شره ننصحك باتخاذ التدابير التالية:
أولا: حاول إدخال أحد الرجال الثقات بينك وبين جارك، وليكن إمام المسجد مثلا أو أحد أقربائه من العقلاء، فيذكره بالله العظيم لعله يتذكر أو يخشى، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقد يتأثر الرجل بالموعظة فينكف عن غيه ويرجع عن أذيته لك.
ثانيا: لا تسمح لنساء البيت برفع سماعة الهاتف إلا إذا تأكدن من أن رقم الشخص الطالب معروف لديهن، وهناك تقنية تعينك على ذلك.
هذا؛ ولك أن تتخذ معه أسلوب المداراة، والمداراة طريقة نبوية يلجأ إليها العقلاء، فتعامله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل جفاة الأعراب أو المنافقين المؤذين، فكان صلى الله عليه وسلم يتألفهم بالهدية ويهش في وجه بعضهم اتقاء شره، فعن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة. أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت ثم ألنت له في القول؟ فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه. رواه البخاري ومسلم. وذكر البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا تلعنهم. ومثله قول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان. وفي بعض الأخبار: ما وقى الرجل به عرضه فهو له صدقة. وخالطوا الناس بأعمالكم وزايلوهم بالقلوب. وقال محمد ابن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له منه فرجا. وقال بعضهم: خالص المؤمن مخالصة، وخالق الفاجر مخالقة، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن في الظاهر.
والخلاصة أن المداري يبذل الدنيا ليصون دينه وعرضه، والمداهن يبذل دينه ليحصل لعاعة من الدنيا، فالمداراة خلق المؤمن والمداهنة خلق المنافق. وقد قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم {فصلت: 34} . وقال ابن عباس في معنى قوله: وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ {القصص:54} . أي الفحش والأذى بالسلام والمداراة.
فزره في بيته وأعطه هدية، وألن له في الكلام مداراة واتقاء لشره، فإن لم ينكف عن غيه فلك أن تقاطعه ولا تزد عند لقائه عن رد السلام إن ألقاه عليك، وبإمكانك أن تستدعي عليه الشرطة والجهات الأمنية إن كانت لديك بينات وعلمت أن في ذلك مصلحة راجحة. واستعن عليه بالدعاء، فاسأل الله دائما أن يكفيك شره ويكف بأسه عنك. وإن وجدت بيتا آخر فانتقل إليه والله يعوضك خيرا، والموعد القيامة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1426(9/969)
المنزل إذا زاد طوله عن سبعة أذرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشريعة في من يزيد من طول منزله عن 7 أذرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في تطويل المنزل حتى يبلغ سبعة اذرع أو يزيد عليها، مالم يكن في ذلك إضرار بالجيران بحبس الهواء عنهم، أو استخدام السطح الطويل للاطلاع على عوراتهم. فإن حصل شيء من ذلك وجب البعد عن الضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1426(9/970)
الكذب والمعاريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تسكن ببلجيكا وعندها جارة تسعى أوتطلب كل يوم مرتين في الصباح والمساء وتعطيها أمي ما تريد لا تقول شيئا ليست مسكينة أو فقيرة لديها نقود يعني لها مدخول جيد أكبر من مدخول أمي وتلك الجارة لا تأتي عندها في المناسبات أوالأعياد إلا إذا أرادت أن تطلب شيئا ما، وسؤالي هو تقول أمي بعض الأحيان لاتعطيها ماتريده تلك الجارة ويكون موجود عندها في المنزل ما تريده تقول لها ليست عندي هل هذا حرام عليها أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى حرم الكذب وحض على الإحسان إلى الجيران والسائلين ولو كانوا أغنياء. ففي الحديث: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري ومسلم. وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء: 36} . وقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ {البقرة: 177} . وفي الحديث: للسائل حق وإن جاء على فرس. رواه أبو داود وجود سنده العراقي والسخاوي ورواه أبو يعلى وصححه الشيخ حسين أسد. وفي رواية لمالك وأحمد: أعطوا السائل وإن جاء على فرس. وبناء عليه فإن كان لا بد من عدم إعطائها ما تريد فإنه يتعين البعد عن الكذب والاستغناء عنه بالمعاريض لقول عمر: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 51748، 1052، 46051، 35844.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1425(9/971)