أعمال صالحة تثقل ميزان العبد يوم القيامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال والأقوال الحسنة الثقيلة في الميزان يوم القيامة وقد ينجو بها العبد مع أدلة شرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما من خير إلا ويوضع في الميزان فتثقل به كفة الحسنات، وما من شر إلا وتثقل به كفة السيئات قال سبحانه: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) [النساء: 40] أي زنة ذرة.
ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر وهل فيها من أجر ـ كما في البخاري من حديث أبي هريرة ـ قال: "لم ينزل عليّ منها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره) [الزلزلة: 7-8] ".
وأعظم ماتثقل به موازين العبد عند الله فعل ما أحب سبحانه، وهو أداء الفرائض والواجبات، كما جاء في الصحيح أن الله تبارك وتعالى قال في الحديث القدسي: (وماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه..) الحديث. وكل قربة يجب أن تكون تابعة لذلك، تالية له، ولهذا قال سبحانه في الحديث القدسي المتقدم: (.. ومايزال عبدي يتقرب إلي بالنوفل حتى أحبه) وذلك بعد أداء الفرائض. وقد ورد في الأثر أنه لاتقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة. وأعظم النوافل ما كان من جنس الفرائض، ومكملا لها، كالرواتب، وصيام التطوع، والصدقة بعد أداء الزكاة، والحج بعد الفريضة.. وهكذا.
إذا تقرر ذلك وعرفت مراتب القربات فلنذكر بعض النصوص الواردة في ذكر بعض الأعمال التي يثقل بها ميزان الحسنات، غير ما أشرنا إليه، للتنبيه على أهمية هذه الأعمال وعظم قدرها، وحث الناس على المسارعة في التزامها، من ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
وأخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وأحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: "إن الله سيخِّلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً كل سجل مثل مدِّ البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟. فيقول: لا يارب. فيقول: أفلك عذر؟. فيقول: لا يارب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فيقول: احضر وزنك. فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء".
وأخرج أحمد عن أبي سلام عن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بخ بخ. خمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والداه. وقال: بخ بخ. من لقى الله مستيقناً بهن دخل الجنة يؤمن بالله واليوم الآخر، وبالجنة والنار، والبعث بعد الموت والحساب".
وأخرج أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن".
وأخرج أبو يعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي أباذر، فقال: يا أباذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: "عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلها".
وأخرج أحمد عن أُبيٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تبع جنازة حتى يصلى عليها ويفرغ منها فله قيراطان، ومن تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط، والذي نفسي بيده لهو أثقل في ميزانه من أُحُد".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1421(8/2781)
أهم السنن التي يتأكد الحرص عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أفضل السنن أو بالمعنى الأصح ماهي أساسيات السنن التي يجب اتباعها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وماهي أولويات هذه السنن ... ؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دين الإسلام يقوم على أصلين عظيمين، عبادة الله وحده لا شريك له، وألا يعبد سبحانه إلا بما شرع في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل الطرق إلى الله مسدودة، إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وما من عمل ولا قول إلا ينصب له ديوانان: لم؟ وكيف؟ فالأول: سؤال عن الإخلاص. والثاني: سؤال عن المتابعة.
قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) [آل عمران: 31] .
وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور: 63] .
وقال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك: 2] .
وأحسن العمل: أخلصه وأصوبه، والخالص: ما كان له، والصواب: ما كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الفضيل بن عياض وغيره.
وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) [الكهف: 110] .
وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7] .
وفي الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" فلا نجاح ولا فلاح، ولا قبول، ولا نجاة، إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغير وكبير ودقيق وجليل.
وعليه فإن أعظم ما يجب الاتباع فيه: ما افترضه الله تعالى من الإيمان به وبأسمائه وصفاته، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر. فليس لأحد أن يخرج عما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولا أن يقدم عليه رأيا أو معقولاً أو ذوقاً.
ثم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أداء ما افترض الله من الصلاة والزكاة والصوم والحج، كما أمر بذلك في قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقوله: "خذوا عني مناسككم".
وكل ركن من أركان الإسلام العملية شرع له سنن من جنسه، فإذا أديت الفرائض ندب إلى فعل السنن، فهناك السنن الرواتب، والوتر وقيام الليل، وهي من جنس الصلاة، وهناك الصدقة، والإحسان بالإنفاق، وهذا من جنس الزكاة، وهناك صيام التطوع بأنواعه وهو من جنس صيام رمضان، وهناك حج النافلة والعمرة بعد الفريضة.. وهكذا.
والحاصل أن الاتباع مطلوب في كل الأمور، لكنه كلما كان العمل واجباً ومؤكداً كان الاتباع آكد وألزم.
وللوقوف على سنن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي معرفة سيرته، وتعلم هديه في عبادته، ومعاملته، وأكله، وشربه، ولباسه، وهيئته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1421(8/2782)
التحري لتوزيع وجبات الإفطار للفقراء غير مطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في أوربا وأثرياء المسلمين عموماً يتبرعون في رمضان لتفطير فقراء المسلمين، فنحن نأخذ الأموال ونشتري بها الطعام للسحور والأفطار، ولكن لا نعرف هل سيصومون أم لا؟ أو يمكن أن يأكلوها أثناء النهار، كذلك لا نعرف هل هم صاموا أم لا؟ في كلا الأمرين لا نعرف هل صاموا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الأموال التي تُبرع بها لتفطير فقراء المسلمين والتي توليتم توزيعها، ما عليكم إلا أن توزعوها على كل من جاء يطلبها للاستعانة بها على الصيام، وليس عليكم البحث عن حقيقة دعواه. المهم أن يكون مسلماً. فإن كان كما قال مسلماً فقيراً يريد ما يستعين به على صومه، فالأمر واضح. وإن كان غير ذلك فإثمه على نفسه. يدل على عدم وجوب البحث والتفتيش عن حقيقة الشخص المتصدق عليه، وقبول الصدقة ولو لم تصادف محلها قصة الرجل الذي تصدق ليلة من الليالي فخرج بصدقته فدفعها إلى شخص، فأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على غني، فقال: الحمد لله على غني ـ يرى أنها مصيبة ـ ثم خرج مرة أخرى فتصدق على بغي ـ وهي: الزانية ـ فأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على بغي. فقال: الحمد لله على غني وبغي، ثم خرج مرة ثالثة فتصدق، فوقعت الصدقة في يد سارق، فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على سارق. فقال: الحمد لله، غني وبغي وسارق. فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت. إلى آخر الحديث وهو في الصحيحين. وهذا كله مقيد بما إذا لم يظهر على الشخص من العلامات ما يؤذن بأنه غير فقير أو يغلب على الظن أنه ليس من أهل الصيام. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1421(8/2783)
بيان أحب الأعمال إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أحب الأعمال إلى الله؟ وما هي الدلائل على محبة الله للعبد؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
سؤالك عن أحب الأعمال إلى الله أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها. قال ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني. رواه البخاري.
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله قال: " أدومه وإن قل".
وفي سنن الترمذي عن ابن عباس قال قال رجل: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله قال: "الحال المرتحل" قال: ما الحال المرتحل؟ قال" الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل" قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بالقوي.
ويستدل على محبة الله تعالى للعبد بأن يوفقه الله للأعمال الصالحة، وأن يستعمله في خدمة عباده، وأن يكون متبعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يحب أهل الإيمان ويبغض أهل الكفر والمعاصي ونحو ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/2784)
الأعمال الصالحة تجلب محبة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأعمال التي تجلب محبة اللة ويرفع الله بها الناس إلى أعلى الدرجات؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يقول الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) [النساء: 69] .
فإن من عمل بما أمره الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقاً لمن؟ للأنبياء ثم لمن بعدهم في المرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تبارك وتعالى فقال: "وحسن أولئك رفيقاً".
روى الترمذي في سننه وحسنه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) .
وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد من طرق متواترة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: (المرء مع من أحب) قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/2785)
فضل كفالة اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله. ما هو أجر كفالة الأيتام مع تربيتهم؟ جزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله جل وعلا في بيان الفئات التي ينبغي للمرء أن يركز عليها في الإنفاق: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) .
[البقرة: 215] .
ويقول أيضاً: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) . [النساء: 36] .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"، وأحسبه قال: "كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر". والغالب في اليتيم أن يكون مسكيناً.
وفي البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. وأي منزلةٍ أفضل من ذلك؟ ، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له: " أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك". أخرجه الطبراني وصححه الألباني، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه.
وهذا باب خير فتحه الله، فمن كانت عنده استطاعة، فليبادر إلى فعل الخيرات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/2786)
علوم الشر لا خير فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة هذه المقولة: معرفة الأشياء خير من جهلها ولو كانت حراما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن الشريعة تحث على تحصيل كل أنواع العلوم النافعة، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 18640، 21061، 126409. وما أحيل عليه فيها.
وهذه المقولة الواردة في السؤال ليست صحيحة. وسبق أن بينا أن علوم الشر كلها لا يجوز تعلمها ولا تعليمها، انظر الفتاوى التالية أرقامها: 62913، 64153، 68417 وما أحيل عليه فيها، والأصل أن ما يضر تعلمه ممنوع.
وقد شاع في بعض البيئات قولهم: علم كل شيء أفضل من جهله، وهذه المقولة لها حظ من النظر ولكن ليست على إطلاقها فعلوم الشر لا خير فيها كما أشرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1430(8/2787)
سلاح العلم يقي المسلم من خطر الشبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[ترد علي شبهات في ديني وأريد منكم أن تنصحوني بقراءة كتب أخرى غير القرآن تزيد مني معرفتي بالله وتزيل ما يواجهني من شك وشبهات، أريد أن يكون لدي علم يقابل هذه الشبهات والوساوس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشبهات مجالاتها كثيرة وعديدة، وأكبر أسبابها الجهل بمقاصد هذا الدين وحكمه وأسراره، لذلك فإن الازدياد من العلوم الشرعية عموماً والرسوخ فيها بعد التوفيق من الله تعالى يقي المسلم من الوقوع في أسر الشبهات، ويمكنك تحديد مجالات الشبهات التي ترد عليك حتى يتسنى لنا مساعدتك، وأما الوساوس فعلاجها إنما يكون بالإعراض والتلهي والتشاغل مع صدق اللجوء إلى الله والاستعاذة به والتوكل عليه. وانظري للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 38894 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1430(8/2788)
منزلة العلوم النافعة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في كتاب تنبيه الغافلين باب يتحدّث عن فضل العلماء. هل المقصود فقط علماء الفقه والحديث والعلوم الدينية بصفة عامة،أم أيضا علماء الفلك والرياضيات والفيزياء وغيره من علوم الدنيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الإسلام يعلي من شأن العلوم النافعة كلها بصفة عامة ويرفع درجة أصحابها، نلاحظ ذلك في التنويه بالعلم وبأصحابه في التعقيب على الآيات القرآنية التي تتحدث عن العلم كقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. {فاطر: 27-28} . سورة فاطر. وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. {يونس: 5} .
إذا نظرنا إلى هذه الآيات من بداية سياقها نجد أنها تتحدث عن المطر وإنزاله، وعن النبات وأنواع الثمار وألوانها، وعن الجبال والناس والدواب والأنعام. كما تتحدث عن الشمس وضيائها والقمر ونوره وتقدير منازله وفائدة ذلك في معرفة الحساب. ثم يأتي التعقيب على ذلك بقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء. وبقوله تعالى: يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. والعلماء هنا هم الذين الذين يعرفون هذه الأشياء ويدركون حقيقتها وأسرارها وأنها مظهر من مظاهر قدرة الله وبديع صنعه سبحانه وتعالى، ومن هنا يتضح لنا أهمية علوم الفلك والحساب ... وغيرها من العلوم الدنيوية النافعة.
ومع ذلك فإن العلوم في ميزان الإسلام متفاوتة الفضل فأهمها وأشرفها على الإطلاق: علم الوحي كتاب وسنة وما تعلق بذلك، وهو المعني الأول بما جاء في نصوص الوحي من فضل العلم وأهله، وهو متفاوت الفضل والأهمية فأهمه فرض العين الذي تجب معرفته على كل مكلف كمعرفة الصلاة والصيام..، ومنه فرض الكفاية الذي يجب على الأمة تحصيله بحيث إذا حصله البعض ممن تحصل بهم الكفاية سقط الإثم عن الباقين وإذا أهمل أثم الجميع، ويشترك في هذا النوع من العلم ما هو ديني كصلاة الجنازة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..، وما هو دنيوي كالرياضيات والفيزيا.. وتعليم الحرف المهنية والصنائع..
وذهب بعض أهل العلم إلى تفضيل فرض الكفاية على فرض العين كما قال صاحب المراقي:
وهو مفضل على ذي العين في زعم الاستاذ مع الجويني
والحاصل أن العلوم النافعة كلها مقصودة بما جاء في الشرع من التنويه بالعلم وأهله وأنها متفاوتة في ذلك حسب أهميتها.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 18640، 48284، 52488. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(8/2789)
اجمع همتك على طلب العلم الشرعي ما دمت منشرحا له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أدخل كلية الشريعة جامعة الأزهر، علما بأنني متفوق ـ والحمد لله ـ لكن المشكلة أنني لن أحصل على عمل، والسؤال هو: ما رأيكم: هل أدخل كلية الشريعة؟ أم أدخل كلية ـ قمة ـ ثم ألتحق بعدها بكلية الشريعة؟ ولكن سأكون كارها للكلية التي سأدخلها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدك علماً وفقهاً في الدين، وأن يجعلك من العلماء الربانيين الذين ينفعون الأمة.
والعلوم المحمودة التي تنفع الأمة، وبفقدها يقع المسلمون في الحرج لا شك أنها من فروض الكفايات سواء كانت علوماً دينية أو دنيوية، ولقد فاوت الله جل وعلا بين البشر في استعداداتهم فهذا ميسر لعلم الشريعة وذاك ميسر لعلم الطب وهكذا.
فإذا يسرك الله لأي علم نافع للمسلمين وأحسنت فيه نيتك فإنك مأجور عليه مثاب عند الله تعالى. إلا أن العلوم الشرعية لا يضاهيها علم في شرفها ورفعتها عند الله جل وعلا، وما دام صدرك منشرحاً للعلم الشرعي دون غيره فننصحك بالتركيز فيه وجمع همتك عليه كي يعظم نصيبك منه وتجني ثماره بسرعة، وإن أردت دخول كلية أخرى أولاً ثم الالتحاق بكلية الشريعة بعد ذلك فلا بأس عليك، وقد كان بعض العلماء يوصي طالب العلم بأن يبذل شيئاً من سنوات عمره لاكتساب المعيشة ثم يتفرغ بعد ذلك لطلب العلم، كما في صيد الخاطر لابن الجوزي.
أما بخصوص عدم توافر فرص العمل لخريجي الكليات الشرعية في بلدك فهو أمر قد يكون بخلاف توقعك وإذا علم الله منك صلاح نيتك وإخلاصك وصدقك في طلب العلم الشرعي وتوكلك عليه، فإن الله لن يضيعك بل سيرزقك من حيث لا تحتسب وسيفتح لك من أبواب الرزق ما لم يكن يخطر ببالك، ولو أن كل المسلمين تركوا دخول الكليات الشرعية خوفاً من عدم توافر فرص العمل لاندرست الشريعة وانقرض علماؤها، وننصحك بمشاورة أهل العلم في بلدك، وقبل ذلك نوصيك بصلاة الاستخارة وما ندم من استشار الخالق، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 48284.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1430(8/2790)
من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب
[السُّؤَالُ]
ـ[نشهد الله أننا نحبكم في الله.
أرسلت رسالة إلى أختي لأعلمها أن الشيخ: محمد حسان سيتحدث عن العلامة: ابن جبرين في اليوم التالي لوفاته، وكانت جالسة عند منزل عمي، وعندما رأت ابنة عمي البرنامج اغتاظت وقالت بالحرف: اللهم لاتحشرني مع الإخوانيين، ثم انتقلت إلى بيت آخر وبدلت القناة، فما حكم تصرف بنت عمي؟ والرجاء إسداء نصيحة لها.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال فيهم: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ {الحشر:10} .
ولا يخفى أن في موقف المرأة المذكورة في السؤال طعن ونبذ ظاهر للشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ وهذا من الطعن في العلماء الذي أشرنا إلى خطره في الفتاوى التالية أرقامها: 11430، 18711، 19536.
وقد عقد الإمام النووي في كتاب التبيان بابا في إكرام أهل القرآن والنهي عن أذاهم، أورد فيه جملة من الآيات والأحاديث ثم قال: قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} . اهـ.
ولا نرى في مناصحة أمثال هذه المرأة أنسب من كلام العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ في نصيحته للذين يجرحون الدعاة المشهورين، والذي سبق أن ذكرناه في الفتوى رقم: 18788، وقد سبق أيضا أن بينا الرؤية الشرعية لذكر أخطاء العلماء والدعاة إن وجدت، في الفتويين رقم: 59520، ورقم: 4402.
ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 10157، ورقم: 10893.
وأما الشيخ ابن جبرين فهو من أعيان أهل العلم المعروفين في هذا العصر، وقد ذكرنا بعض الإحالات لترجمته في الفتوى رقم: 80126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(8/2791)
فضل العلم أعظم من فضل كفالة اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت مؤخرا في كتاب علو الهمة عن همم أهل الحديث وعلوم القرآن والفقه، وما لاقوه وما صابروا عليه حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فتبادر إلى ذهني أنه من المستحيل للمسلم العادي مثلي أن يجاورهم في الجنة، ثم تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجاورة كافل اليتيم له في الجنة، فتساءلت هل من الممكن أن أبلغ درجتهم؟ بل أرفع منها إن أنا كفلت يتيما، ولم أبذل عشر الجهد الذي بذلوه في تحصيل العلم وتعليمه. أم أنهم سيتميزون بخصائص في الجنة لا تكون لغيرهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم بالقرآن والسنة شأنه عظيم، وقد رفع الله تعالى قدر أهله، وفضله على غيره من الطاعات، فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {المجادلة:11}
وفي حديث مسلم: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين. وفي حديث الترمذي: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. وفي الحديث: فضل العلم خير من فضل العبادة. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وبناء على هذا يعلم أن كفالة اليتيم لا تساوي ـ مع فضلها وأهميتها وعظيم أجرها ـ فضل العلم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم حماة الدين والمعلمون له.
وراجع الفتوى رقم: 61088.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1430(8/2792)
ترجمة عن الشيخ محمد إسماعيل المقدم في الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[تحيه طيبه وبعد:
أريد طلب العلم، قرأت عن شيخ له دروس وشروح لكتب كثيرة، هذا الشيخ هو الشيخ محمد إسماعيل المقدم من الإسكندرية في مصر، أريد أن أسأل عن ترجمة هذا الشيخ وسيرته، وأريد أن ترشحوا لي ما تحسبونه على خير من العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ المذكور حفظه الله هو أحد مشاهير أهل العلم في مصر، على منهج أهل السنة والجماعة، وأحد أبرز القائمين على نشر الدعوة السلفية فيها، له مشاركات متميزة ومؤلفات محكمة في العديد من القضايا المهمة، وله دروس علمية منتظمة تربى عليها الكثير من أهل العلم، ولا يسعنا في مجال الفتوى التوسع في ترجمته، ولذا ننصح الأخ السائل بزيارة هذه الصفحة للوقوف على ترجمة حقيقية للشيخ:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15823
وهذه صفحة الشيخ على طريق الإسلام:
http://www.islamway.com/?Islamway&iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=33&scholar_name= EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD 20 EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD 20 EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD EF BF BD
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 57232، 34431، 7677.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(8/2793)
ضوابط نشر الدروس العلمية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن حكم تصوير الدروس العلمية: فرغت ولله الحمد والمنة من بعض المتون في العقيدة, وأريد أن أشرحها باللغة الانجليزية، فأقترح أحد الإخوة أن أصور هذه الدروس وأنشرها على الانترنت.
فما ترون في ذلك وأيهما أولى الابتعاد عن الظهور أم تبليغ ما تعلمت؟ ولا أظن أنه يخفى عليكم حاجة المسلمين غير الناطقين بالعربية لمثل هذه الدروس.
فكرت أن أصورها وأغطي وجهي لكن لم يوافقني على ذلك أحد، هذا ما أشكل علي فأفتوني مأجورين إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتصوير المرئي جائز على الراجح من أقوال أهل العلم، فينظر فيما يصور والغرض المقصود من التصوير؟ فإن كان ما يصور مباحا والمقصد محمودا، كتصوير الدروس العلمية ونحوها فلا بأس بالتصوير حينئذ، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 7896، 45071، 680.
ولكن ينبغي الانتباه لأمرين:
الأول: النية، فالإخلاص ضروري لأي عمل دعوي، وحب الظهور والشهرة والإعجاب بالنفس آفات مهلكة. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 25568، 6802، 32856، 52210.
الثاني: إتقان العمل وعدم الخوض في ما لا يحسنه العبد، سواء من ناحية المادة العلمية المقدمة، أو من ناحية الترجمة، وقد سبق أن بينا حكم ترجمة الكتب الشرعية ممن ليس لهم إلمام بالشريعة، في الفتوى رقم: 121543.
فإن كان السائل الكريم قد حرر نيته، واتخذ الوسائل التي تعينه على تحقيق الإخلاص، واكتفى بما يحسنه، فمثل هذه الدروس التي يقدمها من آثاره التي تكتب له ويؤجر عليها، لا سيما دروس العقيدة التي تعرف الناس بربهم وتحثهم على إفراده بالعبادة على الطريقة التي رسمها وإخلاصها لوجهه الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(8/2794)
العامي إذا بحث عن العلم ينال من الفضل بحسب سعيه وتحصيله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإنسان العامي إذا كان يبحث في دينه هل يعتبر طالب علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن طلب العلم من أجل الطاعات وأفضل القرب، وحسبك أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم فقال سبحانه وتعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} فدل على رفيع قدر العلم وعظيم منزلته، والأدلة على فضل طلب العلم لا تكادُ تنحصر، ثم إن هذا الفضل يحصل لكل من بحث عن العلم، وطلبه من مظانه، وإنما يتفاوت الناس في ذلك الفضل بحسب تفاوتهم في الطلب، فالعامي إذا بحث عن العلم، وسأل عنه أهله الراسخين فيه فهو طالبٌ للعلم ينالُ من الفضل بحسب سعيه وتحصيله، قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي في شرح حديث: من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة:
قوله من سلك أي دخل أو مشي طريقا أي حسية أو معنوية يلتمس فيه أي يطلب فيه والجملة حال أو صفة (علم ا) نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة إذا كان بنية القربة والنفع والانتفاع. انتهى.
وفي المرقاة: قال الطيبي: إنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان من مفارقة الأوطان والضرب في البلدان إلى غير ذلك، وأي علم كان من علوم الدين قليلاً كان أو كثيراً. انتهى.
وننبه إلى أن طلب العلم على قسمين: فمنه فرض عين وهو ما يلزم المكلف معرفته بعينه، ولا يسعه التقصير فيه، وفرض كفاية يلزم المسلمين أن يوجد فيهم من يحصله، ويأثمون إذا فرطوا فيه جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وانظر الفتوى رقم: 119962.
ثم ننبه أيضاً إلى أن العامي ينبغي له أن يتحرى الموضع الذي يطلب منه العلم، فيحرص على التعلم من العلماء الثقات المعروفين بتعظيم السنة واتباعها، بسؤالهم ومجالستهم إن أمكنه ذلك، وإلا فبسماع أشرطتهم، وقراءة كتبهم وفتاواهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430(8/2795)
طلب العلم بين الفرض العيني والفرض الكفائي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التعلم مفروض على من يملك القدرة العقلية والذكاء في المجالات العلمية والأدبية معا؟ وهل مفهوم العلم في الإسلام يقتصر على العلوم الشرعية فقط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلم المفروض تعلمه على كل مسلم هو علم فروض الأعيان، كمعرفة الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته إجمالاً، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب اتباعه في كل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن شريعته ناسخة لغيرها، وتعلم الوضوء، والغسل، والصلاة ونحو ذلك مما هو مطلوب من كل فرد، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 11280.
فهذا القدر المذكور مفروض على كل مسلم، وهو ـ كما ترى ـ لا يحتاج إلى قدرات عقلية خاصة.
وكذلك يفرض على من عنده مال يزكيه أن يتعلم كيف يزكيه، ومن أراد أن يحج أن يتعلم كيف يحج، وكذلك من استقل بشيء كالتجارة فرض عليه دون غيره تعلم أحكام البيع، لئلا يبيع الحرام، أو يتعامل بالربا، وهكذا.
وأما التبحر في تفاصيل العلم والخوض في دقائقه، فليس مفروضا على كل مسلم، بل هو من فروض الكفايات
فيجب على بعض المسلمين تعلمها لا على كل واحد منهم. وكذا علوم الطب، والاقتصاد، والهندسة ونحوها لا يجب تعلمها على كل مسلم، بل يكفي تعلم البعض لها. وكل ميسر لما خلق له، فهذا قد يفتح الله عليه في علم الدين، وهذا قد يفتح عليه في علم الطب، وهكذا ...
ومفهوم العلم في الإسلام واسع يشمل كل علم ينتفع به المسلم في نفسه أو ينفع به المسلمين ولو لم يكن من العلوم الدينية المحضة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر. صححه الألباني في صحيح الجامع.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة:.... وذكر منها علم ينتفع به.... الحديث وهو في صحيح مسلم.
فدل عموم هذين الحديثين وما جاء في معناهما على أن كل علم مباح يفيد الإنسان في نفسه أو يفيد المسلمين من ورائه، فهو مرغب في تعلمه، مأجور عليه إن شاء الله تعالى.
فالإسلام يحث على تعلم كل علم نافع دينيا كان أو دنيويا، ويعلي من قدر العلماء ويرفع من شأنهم، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 105463، 99696.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1430(8/2796)
ما يزال العلماء بين راد ومردود عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا انتقد الشيخ الألباني الشيخ الشعراوي، والشيخ كشك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عالم له مكانته وفضله، وقدم الكثير لخدمة الإسلام والمسلمين، والدفاع عن الدين، لكن ما من أحد من البشر إلا ويخطئ ويصيب، ولا عصمة إلا للأنبياء عليهم السلام. والشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله داعية وخطيب وإمام معروف، لكنه أيضا كغيره من البشر ليس معصوما. وما يزال العلماء بين راد ومردود عليه، وليس من منهجنا في هذا الموقع الحكم على الأشخاص، وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 97356، 115131، 97551، 7423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(8/2797)
مسائل حول الشعر ونشره وفضل طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله على نعمه علينا وله الفضل والثناء الحسن, لدي بحمد الله القدرة على كتابة الشعر بالعامية والفصحى، وقد حفظني الله ولم أنشر القصائد القديمة التي كانت عن الغرام، وعزمت ألا أنشر شيئا منه سوى الذي يتحدث عن الإسلام.
لدي أيضا قدرة غريبة في التلحين ويمكن أن أصوغ أغنية في فترة وجيزة، ولكني بحمد الله لم أفعل من ذلك شيئا لأني أخاف أن يصبح ذنبا مستمرا فكفاني الله، فله الحمد والشكر.
أريد أن أعرف هل القصائد القديمة إذا مسحتها علي ذنب إذ أنني أرى فيها من اللغة العربية ما ينفع الناس وأخاف من ذنب المسح، وأحيانا أقول يمكن أن أكتب غيرها.
أمر آخر: أنا أحب التحقق من كل شيء وأكره البدع والخرافات، وأحب الدليل في الدين وفي الأمور كلها, أجد نفسي مدركا لأشياء كثيرة تحققت منها وقرأتها فهل يجوز لي الإفتاء, في بلدنا المتصوفة يفعلون ما يفعلون، فأحيانا أقول لأحد ما مثلا استغفر الله ترزق، وأقوم بتأليف قصة عن أحد ذكر ربه فرزق لأن معظمهم ليس لديه صبر، فأحاول جاهدا تأليف قصص غير حقيقية أقول إنها حدثت لأناس فصبروا فنالوا، وأجتهد في مبدأ أن الإنسان هو الظالم لنفسه وعليه الاجتهاد والمثابرة في كل الأحوال, أحب الاستدلال من القرآن والبخاري ومسلم والمسند، أقرأ تفسير القرطبي، وأحس أحيانا أن لدي أمثلة للشرح أجمل وأوضح فأوردها، مثلا أنادي بأن مبدأ التدريب مهم في الإسلام ويجب تدريب النفس على الصبر وقيام الليل وأفعال الخير كلها، وأقول لهم إن أحدهم لو ذهب إلى شركة وقالوا ستبدأ فترة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر, لا أحد يستنكر ويباركون لك, ولكن لم يتدرب أحدنا على غض البصر، وأقول دائما ضع جدولا وقال مثلا شهر كامل سوف لن أغضب, شهر لن أنظر إلى الحرام وهكذا.
هل يجوز لي نشر ما تأكدت منه؟ وهل ينبغي علي أن أتفرغ للعلم إذا رأيت أن طبيعتي التي أحكم بها على الأشياء أجدها مطابقة لكثير من الأحاديث الصحيحة؟ وبحمد الله ما أحدث به نفسي من حكم ما أجده بعد التأكد وبحمد الله، لا أقول ما تحدثني به نفسي قبل أن أتأكد حتى ولو كثر صوابي، علما بأني كنت أحفظ ثلاثة عشر جزءا من القرآن ولكني بحمد الله لا أحفظ الآن إلا اليسير اليسير.
أعتذر للإطالة وأرجو منكم جوابا كافيا؟
وبالله التوفيق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لكَ حرصكَ على الخير ورغبتكَ فيه، وتركك تلحين الأغاني، ونسأله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، ونحبُ أن ننبهكَ إلى أمور يتبين بها جواب سؤالك إن شاء الله.
أولاً: ما ذكرته عن قصائدكَ القديمة، إن كان مما يجوزُ نشره وإذاعته في الناس فنشره جائز، وإن كان مما يحرمُ من الشعر فنشره حرام، فإن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وقد بينا حكم شعر الغزل وما يباح منه وما يكره وما يحرم في الفتويين رقم: 31012، 18243.
فإذا كانت هذه القصائد مما يُكره أستحب لك محوها وعدم نشرها، وإن كانت مما يحرم فذلك واجبٌ عليك، وما ذكرته مما فيها من الفائدة في باب اللغة، فإن غيرها يغني عنها بأضعاف مضاعفة في هذا الباب، وقد حفظ الله اللغة بكتابه وبأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، وبكلام فصحاء العرب، وليس محوكَ لقصائدك مما يؤثرُ في اللغة، أو يقلل معرفة الناس بها بوجهٍ من الوجوه، بل الذي ننصحك به أن تجتهد في زيادة معارفك بعلوم اللغة من النحو والصرف والعروض وغيرها، وأن تكثر من قراءة أشعار الفصحاء المجيدين إذا كانت لك رغبة صادقة في نصرة الإسلام بالشعر، فإن وراءك في بلوغ هذه الغاية شوطاً بعيداً.
ثانياً: محبتكَ للتحقق من الأمور ومعرفة الدليل أمر حسن تُحمد عليه، بل الواجب على كل مسلم أن يتبع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن ننبهكَ على أن الاستقلال بالفهم من الكتاب والسنة ليس لآحاد الناس وعوامهم، بل هذا وظيفة الأئمة المجتهدين، فالواجب عليك أن تقولَ بما يقول به أهل العلم، وترجع في الأمور كلها بما يقررونه، قال عز وجل: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً. {النساء:83} ، فإذا عرفت كلام العلماء في مسألة، أو فتواهم في أمر من الأمور فلا حرج عليكَ في أن تنقل فتواهم تلك للناس، بل هذا مما تُثاب عليه، فإن تعليم العلم ونشره من أعظم ما يقرب إلى الله عز وجل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وصححه الألباني.
فنصيحتنا لك أن تلزم غرز أهل العلم الراسخين فيه، والمتحققين بأدلة الكتاب والسنة، واسألهم عما أشكل عليك فإن في اتباعهم نجاة، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل: 42} . ونحذركَ كل التحذير من الاجتراء على الفتوى.
ثالثاً: تأليف ما ذكرته من القصص، أمرٌ لا يسوغ، فإنه كذب، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وفي حديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. ثم إن هذا التأليف للقصص لا حاجة إليه أصلا، فما أكثر قصص الصالحين من الصحابة فمن بعدهم الذين حصل لهم الخير الكثير بسبب طاعتهم، ومهما أردت أن تتكلم في باب من أبواب الترهيب والترغيب وجدت فيه من القصص الحقيقية ما يلائم مقصودك، وإنما عليك أن تجتهد في مطالعة كتب أهل العلم لاستخراج ما يناسب مقصودك من هذه القصص.
رابعاُ: ما ذكرته من الاستدلال بهذه الأمثلة، ومنها المثال الذي ذكرته أمر حسنٌ لا حرج فيه، وقد بين الله للناس مشروعية ضرب الأمثال بما ضربه لهم في كتابه منها، قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ. {العنكبوت:43} ، وشرط ذلك أن يكون المثل مطابقا والمعنى المضروب له المثل مشروعاً.
وأما قولك إن ما تذكره أجمل وأوضح مما في كتب أهل العلم فكلامٌ فاسد، إذ إنما تُعرف صحة ما تضربه من الأمثال بعرضها على كلام أهل العلم الراسخين فيه، وطريقتهم في ذلك، وربما يكون ما تذكره أنفع للناس من جهة مناسبته للبيئة والزمان، فإن كان هذا هو مقصودك فنعم.
خامساً: نشرك ما تثبت منه من العلم من أهم القربات كما قدمنا، وتفرغك لطلب العلم إن أمكنك ذلك طاعة عظيمة، فإنه لا منزلة أرفع من منزلة من آتاه الله العلم والإيمان، وفضل طلبة العلم وشرف حملته مما كثر فيه التصنيف، وانتشرت فيه المؤلفات، وحسب حملة العلم شرفاً وفضلا قول الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. {المجادلة:11} ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء. رواه أبو داود وغيره.
وأما ما يقع في نفسك من حديث وتظن أنه حكم الله فلا يجوز لك البتة أن تقطع به حتى تعرضه على الكتاب والسنة وفهم أهل العلم، فإن طابقها فهي منة من الله عليك، فاحمد الله عليها، وإن خالفها فارجع إلى ما دلت إليه النصوص وأفت به وانشره في الناس.
سادساً: إذا كنت قد نسيت ما حفظته من القرآن بتفريطٍ منك، فهذا ذنبٌ عظيم تجب عليك التوبة منه، وقد بينا خطورة نسيان القرآن في الفتوى رقم: 19089، فعليكَ أن ترجع إلى حفظ ما نسيته من القرآن، وأن تزيدَ عليه حتى يتم لكَ حفظ القرآن كاملاً بإذن الله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(8/2798)
براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك من يقول إن المذهب الحنبلي التكفير أمر شائع فيه. وأن أقطاب هذا المذهب قد كفروا أبا حنيفة. ويعتقد أن هذا المذهب فيه تساهل في التكفير أكثر من بقية المذاهب. وأن العلماء الذين يتبعون هذا المذهب مثلاً هيئة كبار العلماء في السعودية لديهم تساهل في التكفير فما رد فضيلتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل أحد يستطيع أن يقول ما شاء في من شاء، طالما أنها دعاوى عارية عن البينات، وهذا المنسوب في السؤال للمذهب الحنبلي إنما هو هراء ومحض افتراء.
ويحسن هنا أن نورد ردا من أحد علماء الحنابلة وأحد كبار العلماء في السعودية، حيث سئل الشيخ صالح آل الشيخ في (مجالس شرح العقيدة الطحاوية) : ما رأيكم ما جاء في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد من اتهام لأبي حنيفة بالقول بخلق القرآن إلى آخره؟
فأجاب: هذا سؤال جيد، هذا موجود في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وعبد الله بن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تنسب لأبي حنيفة وهو منها براء، خلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات إلى آخره مما هو منها براء، وبعضها انتشر في الناس ونقل لبعض العلماء فحكموا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنه كان العهد قريبا عهد أبي حنيفة، وكانت الأقوال تنقل، قول وكيع، قول سفيان الثوري، سفيان بن عيينة، قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة، وكانت الحاجة في ذلك الوقت باجتهاد عبد الله بن الإمام أحمد كانت الحاجة قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نقل. ولكن بعد ذلك الزمان كما ذكر الطحاوي أجمع أهل العلم على أن لا ينقلوا ذلك، وعلى أن لا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، هذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي. يعني في عهد الإمام أحمد ربما تكلموا، وفي عهد الخطيب البغدادي نقل مقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد، حتى وصلنا إلى استقراء منهج السلف في القرن السادس والسابع، وكتب في ذلك ابن تيمية الرسالة المشهورة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وفي كتبه جميعا يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل ويترحم عليه، وينسبه إلى شيء واحد وهو القول بالإرجاء إرجاء الفقهاء، دون سلسلة الأقوال التي نسبت إليه، فإنه يوجد كتاب أبي حنيفة الفقه الأكبر وتوجد رسائل له تدل على أنه في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة، مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان ... ولما أراد العلماء طباعة كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى رئيس القضاة إذ ذاك في مكة، فنزع هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يُطبع لأنه من جهة الحكمة الشرعية كان له وقته وانتهى، ثم هو اجتهاد ورعاية مصالح الناس أن ينزع وأن لا يبقى وليس هذا فيه خيانة للأمانة؛ بل الأمانة أن لا يجعل الناس يصدون عن ما ذكر عبد الله بن الإمام في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة لأجل نقول نقلت في ذلك، وطبع الكتاب بدون هذا الفصل، وانتشر في الناس وفي العلماء على أن هذا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد. حتى طبعت مؤخرا في رسالة علمية أو في بحث علمي وأُدخل هذا الفصل، وهو موجود في المخطوطات معروف، أدخل هذا الفصل من جديد يعني أرجع إليه، وقالوا: إن الأمانة تقتضي إثباته. وهذا لاشك أنه ليس بصحيح، بل صنيع العلماء علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك.
ولما طبع كنا في دعوة عند فضيلة الشيخ الجليل الشيخ صالح الفوزان في بيته كان داعيا لسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه وطرحت عليه، فقال رحمه في مجلس الشيخ صالح، قال لي: الذي صنعه المشايخ هو المتعين ومن السياسة الشرعية أن يحذف وإيراده ليس مناسبا. وهذا هو الذي عليه نهج العلماء.
زاد الأمر حتى صار هناك تآليف يُطْعَنْ في أبي حنيفة وبعضهم يقول: أبو جيفة.. ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه ليس من منهجنا وليس من طريقة علماء الدعوة، ولا علماء السلف، لأننا لا نذكر العلماء إلا بالجميل، إذا أخطؤوا فلا نتابعهم في أخطائهم، وخاصَّةً الأئمة هؤلاء الأربعة؛ لأنَّ لهم شأنَاً ومقاما لا يُنْكَرْ. انتهى.
ويحسن بالسائل الكريم قراءة الرسالة القيمة التي سطرها العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله بعنوان: (براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة) ليعلم مصدرا من مصادر هذه الاتهامات الباطلة وكيفية الرد عليها.
ولهيئة كبار العلماء بيان مشهور حول خطورة التسرع في التكفير وما يترتب على ذلك من ال مفاسد، نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد 56 / ص 359.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(8/2799)
الاستهزاء بالمعلم أشد قبحا وإثما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل علي إثم إذا كانت إحدى صديقاتي تعلق على المعلمة بتعليقات تضحك تستهزئ بها وأنا لم أفعل غير أني ضحكت بسبب تعليقاتها المضحكة، فهل علي إثم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستهزاء بالمسلم لا يجوز وهو من المحرمات التي نهى الله عنها في كتابه, ونهى عنها رسوله صلى الله عليه وسلم. قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات: 11} .
قال ابن كثير رحمه الله: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس. ويروى: وغمط الناس، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له. انتهى
ومما ينبغي التنبه له أن الآية الكريمة بعدما نهت عن هذه الأمور الثلاثة وهي السخرية من أهل الإيمان ولمزهم والتنابز بالألقاب نبهت على أن من فعل واحدة من هذه الثلاثة فقد استحق اسم الفسوق، كما قال الله سبحانه في آخر الآية: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ.
جاء في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر: ومعن ى بئس الاسم ... إلخ: أن من فعل إحدى الثلاثة استحق اسم الفسق وهو غاية النقص بعد أن كان كاملا بالإيمان. وضم تعالى إلى هذا الوعيد الشديد قوله: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون للإشارة إلى عظمة إثم كل واحد من تلك الثلاثة. انتهى.
فتبين بهذا أن ما فعلته صديقتك من المحرمات التي استدرجها الشيطان إليها, ومما يزيد فعلها سوءا وقبحا, أن استهزاءها كان بمعلمتها التي حقها التبجيل والتكريم والاحترام , فكيف ساغ لها أن تضيع حق معلمتها في ذلك, ثم لا تكتفي بهذا حتى تحقرها وتسخر منها وتُضحِك عليها الناس, فمن فعل هذا فحري أن يحرم العلم وبركته كما حرم الأدب وزينته.
وقد ذكر العلماء من آداب الطالب أن يجلس أمام معلمه باحترام ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة , ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها, ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة بل يكون متوجها إلى أستاذه مصغيا إلى كلامه.
وأما ما كان منك من ضحك على كلام صديقتك فإذا صدر منك باختيارك دون أن تُغلبي عليه فهذا لا شك خطأ ومشاركة لها في معصيتها, فإن حق المنكر والمعصية أن ينكرها الناس وأن ينصحوا صاحبها ويأخذوا على يده, لا أن يضحكوا له لأن ذلك بمثابة الرضا بفعله والتقرير له.
وقد عد ابن حجر رحمه الله في كتابه الزواجر السكوت على الغيبة تقريرا ورضا من الكبائر فقال: الكبيرة الثامنة والتاسعة والأربعون بعد المائتين: الغيبة والسكوت عليها رضا وتقريرا. انتهى.
والذي يضحك أبلغ – ولا شك - في المشاركة من الساكت, فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله سبحانه مما كان منك وأن تعتذري للمعلمة وأن تنصحي صديقتك بالتوبة وتعلميها بقبح ما كان منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(8/2800)
دفاع عن الشيخ العلامة محمد الحسن الددو
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا أناسا كثيرين يتكلمون على شيخنا الفاضل محمد الحسن الددو فما رأي فضيلتكم به وبهؤلاء الذين أصبح عملهم هو التكلم في أعراض أهل العلم علما بأن الشيخ قد اتهم بالعقيدة الفاسدة وأنه كذاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ العلامة محمد الحسن الددو رجل عالم من علماء السنة، وقد شهد له بالفضل وزكاه كثير من علماء الأمة وقد أصدروا بيانات بذلك أيام محنته وسجنه بموريتانيا فراجع موقع جريدة الراية انفو [RAYA.INFO] للاطلاع على بعض كلامهم في شأنه.
وأما اتهامه بفساد المعتقد فهذا أمر عجب فهو قد شرح أهم الكتب المعروفه في العقيدة الصحيحة، فقد شرح كتاب التوحيد، وشرح نظم العلامة الشيخ محمد سالم في العقيدة.
وله محاضرات في عدة مواضع في العقيدة الصحيحة فله محاضرات في الأسماء والصفات والولاء والبراء وغيرها.
ويمكن الاطلاع على هذه الدروس والمحاضرات في موقع الشيخ وموقع طريق الإسلام.
ثم إن العصمة ليست لأحد بعد الرسل، والخطأ إذا حصل من عالم ما فإنه لا يقلد فيه، ولكن لا ينبغي أن يجعل الخطأ سببا لتجريح العالم وترك الاستفادة منه، وتنقيصه واغتيابه، فاغتياب المسلم العادي محرم واغتياب العالم أشد حرمة، واعلم أن الوقيعة في أعراض العلماء ليست وسيلة للإصلاح، ورجوع المخطئ عن الخطأ، بل إن وسيلة الإصلاح ورد المخطئ للصواب إذا صدر منه الخطأ أن يتحاور معه أو يراسل عبر موقعي ببيان الأدلة من نصوص الوحي في الرد عليه.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 4402، 33943، 64606، 33346، 93432، 103867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1430(8/2801)
مؤلفون معاصرون من أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة تحب المطالعة وخاصة الكتب الدينية ولكنني أجد صعوبة في تحديد الكتب التي أشتريها فمنها ما هو أسلوبه معقد لدرجة استحالة الفهم. ومنها ما نجد فيه تطرفا أو تهاونا. فما هي الكتب الجديدة والموجودة في الأسواق وينصح بالاطلاع عليها؟ ومن هم أهم الكتاب من مشايخ أهل السنة والجماعة ويمكن الاستفادة من علمهم؟ مع الإشارة إلى أنني في لبنان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكرته الأخت السائلة صحيح فالمكتبات الإسلامية تعج بالغث والسمين وفيها ما هو نافع ومنها ما هو سم زعاف، ولذا يتعين على المسلم أن يحذر في اختيار الكتب التي يريد أن يقرأها، وقد سبق لنا أن بينا في عدة فتاوى الكتب التي ننصح بقراءتها سواء في العقيدة أم الفقه فانظري الفتوى رقم: 4412، والفتوى رقم: 35999، والفتوى رقم: 23156.
وكتاب أهل السنة المتقدمين والمعاصيرن كثير، وأهم الكتاب من مشايخ أهل السنة المعاصرين الذي ننصح بقراءة كتبهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى والشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى والشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة السعودية وكذا كتب الشيخ محمد جميل زينو فكتب هؤلاء الدعاة وأشرطتهم عرفت بالدعوة إلى الإسلام الصحيح المبني على الكتاب والسنة والخالي من شوائب البدع والأهواء التي كدرت صفاء الشريعة وشوهت جمال صورتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(8/2802)
يريد تعلم القرآن ولا يجد من يعلمه فماذا يصنع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتعلم القرآن ولم أجد من يعلمني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على تعلم القرآن وحفظه، وهكذا ينبغي أن تكون همة المسلم، وراجع في فضل تعلم القرآن وتعليمه الفتوى رقم: 29947.
وإن تعلم القرآن على يد شيخ متقن أمر مطلوب شرعا كما سبق، وبينا بالفتوى رقم: 33971.
ولذا ينبغي أن تجتهد في البحث عن مثل هذا الشيخ، ولعل الله تعالى ييسر لك ذلك.
فإن لم تجد هذا الشيخ فهنالك كثير من الوسائل التي يمكن الاستعانة بها على تعلم القرآن حتى يتسنى لك وجود الشيخ المتقن، منها المصحف المعلم، وهنالك أيضا قناة فضائية تسمى قناة الحافظ يمكن للمرء متابعة حفظ القرآن من خلالها.
وإن تصدق الله يصدقك، وييسر لك بغيتك، ويحقق لك أمنيتك فثق بالله ولا تبغ به بدلا فهو المرجو لكل عظيمة الشأن، وقد صدق من قال:
فثق بالله يكفك واستعنه * يعنك وذر بنيات الطريق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1429(8/2803)
ترتيب العلوم من حيث الأفضلية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد علم أفضل من علم؟ والترتيب على الأفضلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل العلوم هو علم القرآن والسنة وما استبطه أهل العلم من فقههما، ويلي ذلك ما يعين على فهمهما من علم اللغة ثم يلي ذلك العلوم الدنيوية التي ينتفع بها المسلمون فيما يحتاجون إليه من مصالحهم وعمارتهم الأرض.
فقد قال ابن أبي زيد في الرسالة: وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله تعالى علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه ودعا إليه وحض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه والتفقه في ذلك.
وقد عد النووي في المجموع: مما يجب تعلمه تعلم ما لا يتأدى الواجب إلا به من كيفية العبادات وما يجب اعتقاده ومعرفة الحلال والحرام ومعرفة أمراض القلوب وعلاجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1429(8/2804)
وجوب طلب العلم على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآية القرآنية التي مفهومها أن طائفة من الناس ينفرون إلى طلب العلم ثم يعودون إلى أهلهم فيعلمونهم ما تعلموه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل المراد بهذه الآية قوله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {التوبة:122} ، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 44674.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(8/2805)
معرفة قدر العلماء وتوقرهم من شعائر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتوى
رقم الفتوى: 111766
عنوان الفتوى: حكم ذبح الهدي في الحج قبل وقفة عرفات.
تاريخ الفتوى: 20 شعبان 1429 / 23-08-2008
كيف يجيز مذهب الشافعى ذهب الأضحية قبل يوم العيد بينما فى القرآن فصل لربك وانحر، أمر بالصلاة أولا ثم النحر، والحديث: يقول من ذبح قبل الصلاة صدقة وليست أضحية. لا اجتهاد مع نص كيف يجتهد الشافعى والنصوص موجودة لا ذبح إلا بعد الصلاة، فكيف يكون هذا الرأي مخالفا القرآن والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل أن نشرع في جواب سؤالك أخي الكريم نودُ أن نهمس في أذنك بنصيحة علك وإخواننا القراء أن تنتفعوا بها، وهي أن تلك الظاهرة التي فشت بين أوساط أنصاف المتعلمين من الاجتراء على الأئمة والتسرع في تجهيلهم وتخطئتهم أمر يتعين رده، وتعريف هؤلاء المعترضين بأقدارهم.
نعم ليس أحد معصوما من الغلط، لكن ليس معنى هذا أن يتجاسر من لم يحصل مبادئ العلوم الشرعية على التخطئة والاتهام بمخالفة النصوص دون النظر في مآخذ الأئمة ووجوه استدلالهم، ونحن حين نحكم بغلط إمام أو عالم فإنما نتابع في ذلك نظيره أو من هو أكبر منه، وأما نحن فحاشا لله أن ندعي لأنفسناً أنا بلغنا رتبة هؤلاء الأعلام.
إذا تقرر لك هذا فاعلم أنك إنما أُتيت من سوء فهمك، فالفتوى التي استشكلتها ليس لها أي علاقة بالنصوص التي ذكرتها، فالنصوص التي ذكرتها إنما هي في الأضحية، والشافعي يوافق إخوانه من العلماء في أن الأضحية لا تجوز قبل يوم النحر.
وأما الفتوى التي استشكلتها واتهمت الشافعي لأجلها بمخالفة الكتاب والسنة فهي في الهدي الواجب في الحج -أعني هدي التمتع والقران- فقد ظهر لك بوضوح براءة الشافعي مما رميته به من مخالفة النصوص، نعم قد يكون الراجح في مسألة الهدي خلاف ما ذهب إليه الإمام رحمه الله، ولتفصيل الأدلة ومناقشتها مقام آخر، وليس معنى ترجيحنا قولاً على قول الطعن في الإمام القائل بالقول المرجوح، فإن المسألة تبقى من مسائل الاجتهاد، وأقدار الأئمة معلومة لا يمكنُ أن تنتقص؛ بل تعظيمهم ومعرفة أقدارهم من تعظيم شعائر الله، قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32} ، ونحنُ إنما تعلمنا العلم من خلالهم وورثنا الدين عنهم، فالواجب علينا أن نلزم الأدب معهم حتى إذا خالفناهم في قول أو رجحنا خلاف ما ذهبوا إليه، فشرط ذلك مراعاة الأدب والتوقير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1429(8/2806)
حكم وصف الشيوخ بالعارف بالله أو العالم بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[يتداول الكثير لفظ العارف بالله أو العالم بالله على بعض الشيوخ فهل لهذه التسمية ذكر في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث عارضت صديقا وقلت له إنها بدعة من بدع الصوفية فاتهمني بأني وهابي من أتباع ابن تيمية ويا لها من تهمة تشرف ولكن نظرا لقلة علمي بحقيقة معنى اللفظ لم أجادله كثيرا، فنرجو منكم تعريف هذه المصطلحات حتى أقوي حججي معهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من استخدام هذه الألقاب في معانيها الصحيحة على من يستحقون أن يوصفوا بها لصلاح دينهم وحصول معرفتهم بالله وشرعه.
ففي شعب الإيمان عن سفيان بن عيينة قال بعض الفقهاء: كان يقال العلماء ثلاثة: عالم بالله وعالم بأمر الله وعالم بالله وبأمر الله؛ فأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السنة، وأما العالم بأمر الله فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله، وأما العالم بالله وبأمر الله فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله فذلك الذي يدعى عظيماً في ملكوت السموات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: للمؤمنين العارفين بالله المحبين له من مقامات القرب ومنازل اليقين ما لا تكاد تحيط به العبارة ولا يعرفه حق المعرفة الا من أدركه وناله.
وعليه؛ فتعريف العارف بالله: هو العالم به المحب له العامل بشريعته المتبع لسنة نبيه..
واستخدام هذه الألفاظ واستغلالها من قبل غلاة الصوفية وبعض الفرق في وصف مشايخهم لا يلزم منه أنها من بدعهم وضلالاتهم؛ فهم يستغلون الألفاظ الشرعية ويستعملون عبارات أهل العلم.. لترويج ما هم عليه، وقد وردت هذه العبارات في كتب كثير من أهل العلم والسنة وخاصة المتأخرين منهم ك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى، وابن القيم في مدارج السالكين ...
قال الغزالي:.. قلب العارف بالله تعالى الموقن به خير من ألف قلب من العوام، وقد قال تعالى: وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين؛ تفضيلا للمؤمنين على المسلمين. والمراد به المؤمن العارف دون المقلد، وقال عز وجل: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، فأراد ههنا بالذين آمنوا: الذين صدقوا من غير علم وميزهم عن الذين أوتوا العلم..
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: والعبد العارف بالله تتحد إرادته بارادة الله بحيث لا يريد إلا ما يريده الله أمرا به ورضا، ولا يحب الا ما يحبه الله، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله، ولا يلتفت إلى عذل العاذلين ولوم اللائمين كما قال سبحانه وتعالى: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. والكلام في مقامات العارفين طويل.
وقال ابن القيم:.. ذنب العارف بالله وبأمره قد يترتب عليه حسنات أكبر منه وأكثر وأعظم نفعا وأحب إلى الله من عصمته من ذلك الذنب: من ذل وانكسار وخشية وإنابة وندم وتدارك بمراغمة العدو بحسنة أو حسنات أعظم منه حتى يقول الشيطان: يا ليتني لم أوقعه فيما أوقعته فيه.
وعلى هذا فهذه الألقاب لا حرج فيها؛ فقد ذكرها أهل العلم من المتصوفة ومن غيرهم..
وننصح السائل الكريم بترك الجدال والمراء في الدين قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي في الرسالة ممزوجا بالشرح: وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْمِرَاءِ والجدال فِي الدِّينِ.
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبوداود وغيره وحسنه الألباني.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتويين: 38186، 4378.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(8/2807)
ترجمة التابعي كعب الأحبار رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو كعب الأحبار؟ هل هو صحابى أم تابعى؟ هل هو من رواة الحديث الثقات؟ وهل صحيح أنه رويت عنه بعض الاحاديث الضعيفة أو التي لا أصل لها؟ وفي أي زمن كان يعيش؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار كان من أهل اليمن فسكن الشام أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسلم وأسلم في خلافة أبي بكر وهو من كبار التابعين توفي في آخر خلافة عثمان سنة:32.
روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير، رتبته عند ابن حجر ثقة وقد كان يحدث بما يعلمه من أخبار بني إسرائيل ولا حرج في ذلك، ولم ينسب شيئا من ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وللمزيد عنه انظر الفتوى رقم: 14200، ولمعرفة ترجمته كاملة انظر كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(8/2808)
من السنة توقير العالم
[السُّؤَالُ]
ـ[اعترض أحد الناس على تعلم القرآن بالتلقي من المشايخ واكتفى بالتلقي عن طريق التلفاز بحجة أن المشايخ متكبرون ويأخذون الأموال مقابل التحفيظ، فكيف أرد عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشبهة الواردة من هذا المعترض تنقسم إلى شقين:
الأول: قوله: إن المشايخ متكبرون، فيقال له: اتق الله في علماء الأمة الذين اختصهم الله بحفظ دينه، ونقله للأجيال من بعدهم، والواجب عليك أن توقرهم لا أن تسعى في تنقصهم، كما قال طاووس - رحمه الله -: إن من السنة توقير العالم، رواه عبد الرزاق وابن عبد البر في الجامع، ولأن في تنقصهم ضياع للدين لابتعاد الناس عنهم وعن الأخذ منهم.
واعلم أن رميك العلماء بما رميتهم به نوع من الغيبة وهي من كبائر الذنوب قال تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} .
ويزداد الأمر سوءًًا أن يرمى بذلك العلماء، وإذا كان قد بدا من أحدهم شيء دفعك إلى هذا الحكم، فان الواجب عليك النصيحة لهم، والصبر على تعلم العلم منهم، وقد تواردت أقوال السلف بهذا المعنى، فقال بلال بن أبي بردة: لا يمنعنكم سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منا. انظر جامع بيان العلم (543)
وقال ابن جماعة في التذكرة: وينبغي على المتعلم أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق، ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل.
وعن بعض السلف: من لم يصبر على ذل التعلم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والأخرى.
وأما عن الشبهة الثانية: وهي أنهم يأخذون أموالاًً، فاعلم رحمك الله أن الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القراًن الكريم، ودليلهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إ ن أحق ما أخذتم عليه أجراُ كتاب الله. رواه البخاري. وبما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج صحابياُُ بما معه من القرآن رواه البخارى ومسلم. فجعل القراُن عوضاُُ عن المهر، فكذلك تجوز الأجرة على تعليمه، وأجاز النبى صلى الله عليه وسلم للراقي بالفاتحة أخذ الجعل وقال له: لقد أكلت برقية حق، كلوا واضربوا لي معكم بسهم. رواه البخاري ومسلم.
قالوا أيضاُُ: حتى لا تتعطل المصالح، لأن الناس لو انشغلوا لحاجاتهم ضاعت مصالح الدين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فكل من عمل عملاً متعدياًُ للمسلمين فله حق من بيت المال على حسب نتيجة هذا العمل وثمرته. انظر الشرح الممتع 341/4.
وعلى هذا فيجوز أخذ العوض على تعليم القرآن والتدريس والخطابة والقضاء ونحو ذلك مما هو من المصالح التي يحتاج إليها الناس.
فينبغي نصح الشخص المشار إليه بلطف، وانظر الفتوى رقم: 34050، والفتوى رقم: 35671.
وأخيرا: هل يتصور أن التلفاز يمكن أن يحل محل الشيخ في كل شيء؟
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(8/2809)
وجوب معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتعلم الأصول الثلاثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تعني تلك الأصول المتعلقة بأصول الدين والتي ألف فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتابه الأصول الثلاثة وأدلتها، فهذه الأصول هي معرفة العبد ربه سبحانه وتعالى ومعرفة دينه، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وللمزيد راجع الفتوى رقم: 4134.
وعلى وجه العموم ينبغي أن يحرص على تعلم العلم على يدي شيخ يعينه في توضيح مشكله وبيان غوامضه ونحو ذلك.
ولمزيد الفائدة فيما يتعلق بآداب طلب العلم راجع الفتاوى التالية أرقامها: 2410، 4131، 7677، 8563.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(8/2810)
لا عبرة بكلام الأقران من أهل الفضل بعضهم في بعض بطعن أو همز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك عن قول ابن حجر الهيتمي عن ابن تيمية (وفي عقله شيء) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على هذا الكلام، ولو فرض ثبوته فإنه لا يقدح في شيخ الإسلام إذ أنه مجمع على إمامته، كما أنه يعتبر زلة من ابن حجرالهيتمي تغتفر في جانب فضله وعلمه، وقديماً قال أهل العلم: كلام الأقران من أهل الفضل بعضهم في بعض بطعن أو همز أو نحو ذلك لا يعتد به، قال القاسمي في قواعد التحديث: ثم رأيت التاج السبكي قال في طبقاته (الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم الجرح مقدم على التعديل إطلاقها؛ بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه..
وقال أيضاً: قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثله من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية؛ كما يكون بين النظراء وغير ذلك، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء هذا السؤال: يقول الناس: إن ابن تيمية ليس من أهل السنة والجماعة، وإنه ضال مضل، وعليه ابن حجر وغيره، هل قولهم صدق أم لا؟.
فأجابت: إن الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية إمام من أئمة أهل السنة والجماعة يدعو إلى الحق وإلى الطريق المستقيم، قد نصر الله به السنة وقمع به أهل البدعة والزيغ، ومن حكم عليه بغير ذلك فهو المبتدع الضال المضل (والمقصود إن كان من غير أهل العلم والفضل) قد عميت الأنباء فظنوا الحق باطلاً، والباطل حقاً، يعرف ذلك من أنار الله بصيرته وقرأ كتبه وكتب خصومه وقارن بين سيرته وسيرتهم وهذا خير شاهد وفاصل بين الفريقين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(8/2811)
التعلم من العلماء لا يعني تفضليهم على النبي أو أنهم يشرعون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قال (فاتخاذ الشيوخ واسطة لتعلم العلم لا يعني تفضيلهم على الشارع صلى الله عليه وسلم) ، وما حكم من قال (وهل من مشرع غير النبي صلى الله عليه وسلم) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر من هذه الكلمات أنها لا حرج فيها فحرص الإنسان على التعلم من أهل العلم لا يعني تفضيلهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعني أنهم يشرعون، وراجع في احترام أهل العلم وعدم التعصب لآرائهم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2556، 5812، 33346، 35961، 23028.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1429(8/2812)
شمول آية (..يرفع الله..) العلوم النافعة كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشمل قوله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) العلوم الحديثة مثل (علوم الهندسة والطب......) ]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الآية المذكورة تشمل بعمومها كل العلوم النافعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الآية الكريمة جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن التأدب في مجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وفي المجالس عموما.
وبدايتها قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. {المجادلة:11} فهي عامة بلفظها ومعناها، وإن كان سبب نزولها التأدب في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن سبب النزول لا يخصص العام ولا يقيد المطلق كما هو مقرر أهل الأصول.
وبما أن الإسلام يحث على كل علم نافع ويعلي من قدر أهل العلم ويرفع من شأنهم.. فإن عموم الآية يشمل العلوم المذكورة وغيرها مما ينفع الناس إذا قصد به صاحبه التقرب إلى الله تعالى والقيام بفرض الكفاية.
وسبق بيان ذلك في عدة فتاوى منها: 105463، 58231، 99696، 52486. ونرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1429(8/2813)
تعلم العلوم النافعة في منظار الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحث الدين على التعلم الديني والدنيوي معا مع الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإسلام يحث على تعلم العلم النافع بصفة عامة-الديني والدنيوي- ويعلي من قدر أهله ويرفع من شأنهم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإسلام يحث على تعلم كل علم نافع دينيا كان أو دنيويا ويعلي من قدر العلماء ويرفع من شأنهم..
قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة: 11} وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر: 9} وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {فاطر: 28} وقال النبي- صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني إلى غير ذلك من النصوص التي تنوه بطلب العلم بصفة عامة.
وبعض الآيات المذكورة ورد في سياق حديث القرآن الكريم عن الآيات الكونية والتعقيب عليها كما في قوله تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء". فقد جاءت تعقيبا على قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ {فاطر:28} .
فالآيات هنا تتحدث عن الكون وإنزال المطر والنبات وإخراج الثمار.. وعن الجبال وأنواعها.. ثم تعقب على ذلك بالتنويه بالعلماء بصفة عامة وبالعلماء بهذه الأشياء بصفة خاصة.
ومثل ذلك التعقيب على قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {الأنعام:97}
ولذلك قال أهل العلم: إن دراسة العلوم الدنيوية كالهندسة والطب والرياضيات والتكنولوجيا والفيزياء والكيمياء والميكانيكا والبناء والملاحة والحاسوب.. وغيرها، مما تقوم عليه مصالح الناس فرض كفاية يجب أن يتخصص فيها بعض الناس، لأنها إذا تركت بالكلية فستضيع المجتمعات ويتعطل القيام ببعض العبادات، والمصالح العامة؛ فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها وعليه أن يطلبها.
وإذا كان الإسلام يحث على تعلم العلوم الدينية والدنيوية فإنه يقدم الأهم فالمهم وفرض العين على فرض الكفاية..
وانظر الفتاوى: 15872، 76784، 63622، 62896. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(8/2814)
تقييم الأشخاص ليس من تخصصنا
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو السلفي الأثري ومن الشيخ محمد الحمود النجدي الكويتي
وما رأيكم بالشيخ ياسر برهامي بالإسكندرية حيث يوجد هنا شيخ اسمه طلعت زهران يقول عنه إنه تكفيري وضال، فهل الشيخ ياسر برهامي تكفيرى وضال، أرجو الإجابة سريعا وجزاكم الله خيرا ...
ثالثا أنا مصري ومن كثرة جلساتي مع الشباب الخليجي الذين يدرسون هنا بالإسكندرية تعلمت منهم أشياء كثيرة فاضلةـ وصار عندي انتماء تام لبلدي صار كل حبي وانتمائي للخليج وداخلي أني من هؤلاء القوم فهل يجوز هذا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فموقعنا لا شأن له بتقييم الأشخاص أو الحديث عنهم فنرجو المعذرة وراجع الفتوى رقم: 31460.
وبخصوص الشق الآخر من السؤال راجع الفتوى رقم: 38887.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(8/2815)
السن المناسبة لطلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع الشاب أن يبدأ بدراسة علوم الفقه والسيرة والسنة عندما يكون عمره 21 سنة أو عند خروجه من البكالوريا، وهل هناك جامعات ستقبله مع ذلك السن؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسن المناسبة لطلب العلم (سواء كان فقهاً أو سيرة أو غيرها) هي السن التي يكون فيها الشاب قد وصل مرحلة النضح الذهني والبدني، بحيث يصير مدركاً لأنواع الخطاب، وقادراً على تحمل بعض الصعاب، والنضج الذهني والبدني -كما قال المختصون في علم النفس- يختلف باختلاف الناس، إلا أن سن الحادية والعشرين تعتبر سناً مناسبة لطلب العلم على كل حال.
وعلى الشاب أن يسارع إلى هذا الخير، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم. وذلك لأن العلم هو سبيل لتقوى الله وخشيته، قال الحق سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء {فاطر:28} ، وأخرج مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. وإذا أراد الشاب دراسة العلوم الشرعية فلن يعدم جامعات شرعية تستقبله في السن المذكورة، وربما قبلها أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1428(8/2816)
ثواب طلب العلوم الدنيوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أجر طلب العلم الدنيوي كالطب مثلا وما النية الصحيحة التي ينويها من يتعلمه وما أجره على تعلم هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
طلب علم الطب وغيره من العلوم الدنيوية فيه أجر عظيم إذا نوى به صاحبه الخير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلوم الدنيوية التي تقوم عليها مصالح الناس وبنية المجتمع تعتبر فرض كفاية، وصاحبها في عبادة إذا نوى بعمله القيام بهذا الفرض وخدمة المجتمع ... ولا شك أن أجره عظيم في هذه الحالة لأنه قائم بفرض من فروض الكفاية والتي ذهب بعض أهل العلم إلى أنها أفضل من فرض العين، وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63622، 62240، 62896.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(8/2817)
طلب العلم والاشتغال بنوافل العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما أكون أقرأ كتاب علم مفيد أو أدون العلم في كراسي أو أحفظ ما كتبته من العلم أكون أؤجر وكأني أصلي نفلا أو أفضل من هذا ومن بعض العبادات والتطوعات كما قرأت لأني قد أصابني شيء من الفتور فأريد التأكد من هذا الأجر العظيم لكي أشحذ همتي من جديد بإذن الله تعالى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
طلب العلم أفضل من جميع نوافل العبادات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، قال بعض العلماء يكفي العلم فضلاً أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيده من شيء غير العلم، فقال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} ، وهذا وحده يكفي حافزاً على طلب العلم والصبر عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلي ألف ركعة. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه المنذري. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل العلم وطلبه لا يتسع المقام لتتبعها، وللمزيد من ذلك انظر الفتوى رقم: 97277، والفتوى رقم: 43492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(8/2818)
هل ينال الثواب من يتعلم الطب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب طب بشري هل أثاب على طلب هذا العلم؟ وما الأدلة على ذلك وهل أكون كالمجاهد في سبيل الله إذا كنت مقيما في بلد غير بلدي؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تعلم الطب ونحوه قد يكون من فروض الكفاية على المسلمين، ومن قام به منهم بقصد القيام بالواجب الكفائي أثيب عليه، وقد يكون تعلم هذه العلوم مباحا يثاب عليه فاعله إن قصد القربة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم مثل هذه العلوم نعني علوم الطب ونحوها قد يكون فرض كفاية تأثم الأمة لو أعرضت عنه بالكلية، ومن قام منهم به بقصد القيام بذلك الواجب أثيب عليه، وقد يكون تعلم هذه العلوم مباحا إذا قام به من الأمة من يسقط به فرض الكفاية، وقد دلت نصوص الشرع على أن المباح إذا صحبته نية صالحة صار قربة يؤجر عليها صاحبها، وراجع الفتويين: 68624، 3249، وأما كون طالب هذا العلم كالمجاهد في سبيل الله فلا نعلم لذلك دليلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1428(8/2819)
وجوب تعلم ما تصح به العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتعلم فقه الطهارة وفقه الصلاة -الفروع- لأنهما أكثر شيئين أتعرض لهما يوميا ولأنى كثير الوسوسة ولأن أصغر مسألة أتعرض لها لا أستطيع التعامل معها فمثلا كيفية وضع الكف على الأرض في السجود، فهل يجب أن يلمس الكف كله الأرض أم جزء منه يجزئ وهكذا والكتب التي تشرح الأصول لا تستفيض فى الشرح وأظل جاهلا بأمور كثيرة، فهل هناك كتب تنصحني بها ويكون أسلوبها سهلا وسهلة الفهم لأني من العوام ولست طالب علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب على المسلم المكلف أن يتعلم من الأحكام ما تصح به عبادته من طهارة وصلاة وغير ذلك من الفرائض، فإن فرط في ذلك كان عاصياً، كما يجب على من ابتلي بالوسوسة أن يعرض عنها ولا يسترسل معها إذ لا علاج لها إلا ذلك بعد الالتجاء إلى الله تعالى والاستعاذة به من شرها، ثم إنه لا يشترط في السجود على الكف وضعها كلها على الأرض ومثلها بقية أعضاء السجود الستة الباقية، بل يجزئ وضع بعض العضو.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يوفق الأخ السائل للتفقه في دينه وأن يسهل عليه طلب العلم ويرزقه العلم النافع، ثم إن كل مسلم مكلف ملزم شرعاً بتعلم ما تصح به صلاته، فيتعلم أركانها ومبطلاتها وواجباتها بعد أن يعلم أحكام الطهارة، لأن صحة الصلاة متوقفة على صحة الطهارة، فإن فرط في ذلك كان عاصياً، لكن عليه أن يضع الوسوسة جانباً فلا يسترسل معها بل يعرض عنها كلما عرضت له، فإنه لا علاج لها سوى ذلك بعد الالتجاء إلى الله تعالى والاستعاذة به من شرها.
أما عن كيفية السجود على الكف فإن المستحب هو أن يضعها كلها على الأرض لكن ذلك لا يشترط بل يجزئ وضع بعضها على الأرض حتى عند القائلين بوجوب السجود على الأعضاء السبعة، قال في مطالب أولي النهى ممزوجاً بمتن منتهى الإرادات في الفقه الحنبلي: (ويجزئ بعض كل عضو) في السجود عليه، لأنه لم يقيد في الحديث. انتهى.
هذا وننصح الأخ السائل أن يواظب على حضور مجالس العلم ودروس العلماء ليسأل ويستفيد ويستوضح ما يشكل عليه، ولا يكتفي بمطالعة الكتب إذ قد يصعب عليه فهم بعض المسائل، وليأخذ كتاب فقه السنة للسيد سابق على سبيل المثال، ويمكن أن يسأل من وجد من المشائخ وطلبة العلم عن الكتب المتوفرة في البلد التي يمكن لمثلك أن يستفيد منها.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 78245، 35672، 59402.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1428(8/2820)
وقوع العالم في الخطأ لا يعني عدم الاستفادة من علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كشف عن ادعاءات أحد المدعين بأنه عالم بعلم الأحاديث الصحيحة والضعيفة والذي قام بالتحذير منه ورد عليه من طرف أحد العلماء ألا هو محدث العصر (الألباني) في سلسلة رفع الحجاب والتي قام من خلالها بالرد على كشك والغزالي وأخبر بأنه يقول أحاديث لا أصل لها من الصحة ونطلب من كل المشرفين على هذا الموقع إلغاء والتحذير من المحاضرات التي يلقيها لأنها تفسد عقيدة المسلمين وخاصة الذين ليس لهم علم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من العدل ولا الحكمة إذا أخطأ عالم في الاستدلال أو ذكر أحاديث ضعيفة أن تلغى كل محاضراته أو دروسه القيمة، ولا نظن أحداً عنده شيء من العلم يقول ذلك، وانظر للأهمية في ذلك الفتوى رقم: 70367، والفتوى رقم: 93432.
وعلى كل فنشكر الأخ السائل على مراسلتنا وإبداء ملاحظاته، ونوصيه بالحرص على طلب العلم والاشتغال بما ينفعه وعدم إقحام نفسه فيما يحصل بين أهل العلم من اختلاف في الرأي فهذا لا يفيده في هذه المرحلة، ونسأل الله تعالى له التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1428(8/2821)
من آداب زيارة العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل، ما هي آداب زيارات العلماء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزيارة العلماء داخلة في عموم الترغيب في زيارة الأخ المسلم، ففي سنن الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً. وحسنه الشيخ الألباني.
ومن آداب زيارة العالم كون الزائر في هيئة لائقة من نظافة الثياب والبدن والتطيب إن أمكن، وعدم المفاجأة بالزيارة إذا ترتب على ذلك حرج، إضافة إلى الاستئذان عليه، وسؤاله بأدب واحترم مع الحرص على الاستفادة من علمه ما أمكن، وعدم إطالة الزيارة إذا ترتب عليها حرج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(8/2822)
السفر لطلب العلم طريق للجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 30 سنة أود أن أطلب العلم الشرعي وأحفظ القرآن في مكة المكرمة أو المدينة المنورة بعدما التحقت هنا في الجزائر ببعض المدارس القرآنية لكن للأسف لم أستطع المواصلة لعدة أسباب منها قربي من أهلي وتجارتي ومشاكلها التي تشغلني عن حفظ القرآن مع أن المدرسة تبعد عن بيتي ب 320 كلم لكن أشغالي واحتياجات أهلي ونداءات أمي العزيزة تجبرني على العودة إلى البيت وعندها أعود إلى الأشخاص والأماكن التي تعودت عصيان الله فيها وتلهيني عن عبادته وطلب العلم ومطالعة الكتب، وثانيا نقص الجو الإيماني بين الطلاب وهم أحسن حالا مني في درجة إيمان وعبادة الله عز وجل لكن لم أستطع الارتقاء بإيماني وحفظ القرآن وهذا لعدم إلقاء دروس أو محاضرات أو حلقات للذكر فانسحبت مع أنني أتردد على المدرسة من حين لآخر عسى أن أرجع للمدرسة لكن للأسف الظروف التي أنا فيها أعاقتني عن تحقيق مرادي وأنا على هذه الحالة منذ أعوام تائه أحيا حياة لا طعم لها، قلبي منشغل بالتوبة إلى الله وطلب العلم وجوارحي مجبرة على الانشغال بملذات الدنيا والمال، ولهذا فكرت في الذهاب إلى مكة المكرمة لأعتمر والإقامة لطلب العلم الشرعي هذا الصيف إن شاء الله، لهذا أنا أطلب مساعدة أو نصيحة أو توجيها من قبل أن آتي للسعودية حتى لا أقع في مشاكل الإقامة غير الشرعية.
أرجو من حضراتكم المساعدة وشكرا جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك ونرجو لك التوفيق ووجود بيئة مناسبة لتحصيل العلم والإيمان، فلا شك أن للبيئة أثرا كبيرا في تحفيز الطالب على المواصلة والاسقامة، ولا شك أن الرحلة في طلب العلم لها دور كبير، ولذا نجد في حياة المحدثين القدامى الاهتمام بالرحلة في طلب الحديث كثيرا.
ولا شك أن بلاد الحرمين خير ما يرحل إليه، فننصحك بالاستخارة وإكثار الدعاء وسؤال الله أن ييسر أمورك، وإذا تيسرت لك العمرة فأكثر من شرب زمزم بنية تحصيل العلم، فيذكر أن ابن حجر شربه بنية أن يكون مثل الذهبي فأعطاه الله تعالى العلم بالحديث، وكان من خيرة الحفاظ.
وننصحك بالحفاظ على الطاعات والمواظبة على التعوذات المأثورة والإكثار من مطالعة فضل التعلم وفضل العلماء حتى تظل همتك للتعلم في ازدياد، وراجع الفتاوى التالية أرقامها ففيها فوائد ونصائح مهمة: 44550، 22256، 21753، 64483، 38030، 44674، 43215، 21061، 76911.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1428(8/2823)
يستفاد من صواب العلماء بدون التفات لخطئهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت مؤخرا مقولة تفيد أن الشيخ الألباني يقول إن الشيخ الشعراوي صوفي أشعري وللأسف أن هذه المقولة انتشرت بشكل واسع النطاق على الإنترنت ((للأسف رفض الموقع إدراج المواقع الأخرى))
ولكنها موجودة على جوجل وغيرهم من المواقع والمنتديات الكثير ... ولقد قرأت رأيكم عن الشيخ الشعراوي رحمه الله وللعلم فقد بحثت عن الشريط المزعوم ((وقفات مع الشعراوي وكشك للشيخ الألباني)) فلم أجده ...
بحكم أنكم مرجع لكثير من أبناء الأمة أرجو منكم التوضيح في هذه المسألة والتي أخالها محض افتراء على المشايخ رحمهم الله تعالى جميعا ...
اسأل الله لكم الأجر بالخير ولكم خالص الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من منهجنا الحكم على الناس لأنا مشغولون بإفتاء الناس في حل مشاكلهم ونوازلهم اليومية، ولأن الحكم على شخص يتطلب الوقوف على جميع محاضراته، وإذا صدرت منه عبارات موهمة لا بد أن يعلم متى قالها، هل قالها في بداية طلبه أو قالها في نهاية عمره، هل قالها مقتنعا بها أم نقلها في مجال بحث ينقل كلام الآخرين، ولهذا فإن الأسلم الكف عمن مات لأنه أفضى إلى ما قدم، والاستفادة من علمه دون تقليد له فيما يحتمل وروده من الأخطاء، وسؤال الله الهدى للحق فيما اختلف فيه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 75906، 6506، 69507، 93432، 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1428(8/2824)
الحرص على العلم أفضل أم المبادرة إلى الصلاة في الصف الأول
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة نتلقى القرآن الكريم على يد إمام مسجدنا بين صلاتي المغرب والعشاء، ونفرغ قبيل إقامة الصلاة مما يفوت علينا فضل الصف الأول، تحاورنا مع شيخنا جزاه الله عنا كل خير فقال إننا ببقائنا في المسجد نتلقى القرآن الكريم بين الصلاتين فكأننا في الصف الأول, معتبرا أن الصف الأول للمبكرين وإن منعهم مانع وليس للذي يتأخر ويصلي في الصف الأول، وأنهى كلامه بأنه لا يعذر أحداً يغادر الحلقة ليلتحق بالصف الأول بدون إذنه، وعليه الرجاء الإيضاح وبالتفصيل، مع العلم بأننا استشهدنا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام فيما معناه أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا أقيمت الصلاة ترك أهله كأنه لا يعرفهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقول الراجح أن المقصود بالصف الأول هو الصف الذي يلي الإمام مباشرة، وأما من حضر إلى المسجد مبكراً أو جلس فيه ولم يصل في الصف الأول فقد فاتته هذه الفضيلة، وإن كان من أهل العلم من يرى أن هذا هو المقصود بالصف الأول، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 93742.
لكن الاشتغال بتعلم كتاب الله تعالى ومدارسته من أفضل العبادات فهو أفضل العلوم وأشرفها، وطلب العلم مقدم على غيره من نوافل العبادات، ففي المصنف لابن أبي شيبة: عن قتادة عن مطرف قال: لَفضلُ العلم أحب إلي من فضل العبادة، ومِلاك دينكم الورع. انتهى.
وقال النووي في المجموع: والحاصل أنهم متفقون على أن الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغالات بنوافل الصوم، والصلاة، والتسبيح، ونحو ذلك من نوافل عبادات البدن، ومن دلائله سوى ما سبق أن نفع العلم يعم صاحبه والمسلمين، والنوافل المذكورة مختصة به، ولأن العلم مصحح فغيره من العبادات مفتقر إليه، ولا ينعكس، ولأن العلماء ورثة الأنبياء، ولا يوصف المتعبدون بذلك، ولأن العابد تابع للعالم مقتد به مقلد له في عبادته وغيرها واجب عليه طاعته، ولا ينعكس، ولأن العلم تبقى فائدته وأثره بعد صاحبه، والنوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن العلم صفة لله تعالى، ولأن العلم فرض كفاية أعني العلم الذي كلامنا فيه، فكان أفضل من النافلة. انتهى.
وعليه؛ فبقاؤكم مع شيخكم مشتغلين بتعلم كتاب الله تعالى ومدارسته أفضل من الحرص على الصلاة في الصف الأول، والحديث الذي استشهدتم به لم نقف عليه بلفظه المذكور، لكن ثبت في صحيح البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. انتهى.
فالحديث مفيد للمبادرة للصلاة عند حضور وقتها وأنتم حاضرون لها وموجودون في المسجد، وبالتالي فالحديث لا يصلح للاستدلال على حالتكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(8/2825)
سبب حرق بعض العلماء لمؤلفاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[من خلال مطالعتي لكتب التراجم وخاصة رجال الحديث الشريف وجدت أن بعض العلماء المعتبرين حرق كتبه قبل موته، سؤالي: هل يجوز فعله هذا خاصة وأن هذه الكتب فيها الخير الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لا نجدها عند غيره.
أرجو منكم - حفظكم الله - توضيح ذلك مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ورد عن بعض علماء الحديث من أنه أوصى بحرق كتبه بعد موته يمكن حمله على محمل حسن؛ كالخوف من أن تكون النية قد دخلها شيء عند تصنيف تلك الكتب ونحو ذلك.
جاء في كتاب الثقات لابن حبان عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى: أنه كان قد أوصى إلى عمار بن سيف -وكان ابن أخته- بكتبه ليمحوها ويدفنها. اهـ
وهذا لا يعني أن الأحاديث النبوية قد تضيع بهذا الصنيع، فالله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ دينه وشريعته، وهذه الأحاديث التي رواها سفيان الثوري منثورة في كتب السنة ودواوينها، تناقلها عنه تلاميذه ونقلوها إلى من بعدهم، ثم إن الغالب على الظن هو أن سفيان وأمثاله من العلماء كانوا يكثرون الكتابة ثم يتفرغون بعد ذلك لنخل وتنقيح ما كتبوه، فخشي سفيان أن يأخذ الناس كل ما هو مكتوب بما فيه ما لم ينقح وينسبونه إليه على أنه نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1428(8/2826)
لا منافاة بين سكن البادية والاغتراف من العلم والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من حضرتكم تفسير هاته الآية " الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم " فهل أهل البادية لا يستحقون معرفة كتاب الله وتعاليمه وما ذنبهم في ذلك؟ وهل يختار الإنسان والديه ولونه وبيئته ولغته ومكان عيشه إلخ ... ؟ كذلك ما معنى (أمتي في المدن وبعض القرى) وهل هو حديث شريف؟ وما ذنب أهل الريف والبوادي وأنا واحد منهم في كل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا تفسير الآية في بعض الفتاوى التي سنحيلك عليها لاحقا، ونفيدك أن هذا الحكم ليس عاما في الأعراب، ولا في من يسكنون خارج القرى، وإنما هو إخبار عن واقع ناس مخصوصين، ولذا ذكر الله بعد هذه الآية ثناء على بعض الأعراب المؤمنين فقال: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {التوبة:99}
وبناء على هذا يعلم أنه لا مانع من معرفة أهل الريف والبوادي لكتاب الله وتعاليم الدين، بل شوهد في القرون المتأخرة أن سكان الأرياف والبوادي في بعض البلدان الإفريقية أكثر تعلما للدين وتمسكا به من المدن الكبيرة، وهذا موجود في السودان، وفي بلاد شنقيط (موريتانيا) وغيرها.
وأما اختيار الوالدين فلا دخل للإنسان فيه لأنه أمر يحصل قبل أن يكون له أي شيء من المشيئة والاختيار، ومثله اللون.
وأما اختيار اللغة والبيئة ومكان العيش فإنه يسوغ للمسلم أن يتعلم من اللغات ما يفيده تعلمه، ويتأكد ذلك في تعلم لغة العرب التي تساعده على تدبر معاني القرآن ومعرفة أحكامه، وقد جعل بعض أهل العلم تعلم اللغة أفضل من العبادات القاصرة، واحتجوا لذلك بتفضيل الله آدم على الملائكة بسبب تعلمه الأسماء.
كما يتأكد على المسم ألا يسكن إلا في مكان يقيم فيه دينه، ويجد فيه من يفتيه ويعلمه ما يشكل عليه من أمور الشرع، ويتعين عليه ألا يساكن أهل السوء والفساد، ويتعين عليه ألا يذهب إلى مكان توجد به أمراض معدية، وأما السكن في القرى الصغيرة أو البوادي فلا مانع منه شرعا إن لم يترتب عليه محظور شرعي، وقد يكون أفضل إذا كان عزلة وبعد عن أجواء الفساد بشرط ألا يضيع الصلاة ولا يفرط في الاتصال بأهل العلم لسؤالهم عن أمور دينه ولا في التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويدل لهذا ما في حديث البخاري: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن.
وأما أمتي في المدن وبعض القرى فلا نعلمه حديثا، ولم نعثر على أصل له في شيء من دواوين السنة التي بين أيدينا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 62826، 73925، 62938، 72546.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(8/2827)
لا بأس بالتناصح بين العلماء لا التنقص
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف هل يجوز خطأ العلماء فى بعضهم البعض وهل لهم سلف في ذلك لأني قد أجد إنسانا يعد عالما ويخطئ في عالم آخر والكل على علم، فهل لهم سلف أو سند أو شيء يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز ذلك، وهل لا بد وأن أقر كلام أحدهم، فأفيدوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تناصح العلماء فيما بينهم وتحاورهم حتى يبين أحدهم الحق لصاحبه أمر محمود شرعاً، وكان معروفاً في عهد السلف، وأما تنقص العالم أخاه بظهر الغيب فالأصل منعه؛ إلا إذا خيف أن يُقتدى به في أخطاء يعملها، فالأولى بيان الحكم الشرعي في تلك الأخطاء والتحذير منها دون تجريح لأحد من أهل العلم، ولو أن أحد العلماء جرح علماء آخرين فعلى طلاب العلم عدم نشر ذلك التجريح بينهم، فكلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى، وراجع للمزيد من التفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93432، 70367، 69220، 18788، 33943، 64606، 6506، 36975، 31129، 25757، 59520، 29139، 33346.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(8/2828)
حكم تقبيل يد الصالح والعالم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبيل يد اثنين تحابا في الله حرام أم حلال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تقبيل يد الصالح لصلاحه أو العالم لعلمه أو زهده وورعه أجازه بعض أهل العلم، وذهب بعضهم إلى استحبابه لما ثبت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقبلون يده. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 38477.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهته خشية أن يدعو إلى الكبر والتعاظم ...
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وكره مالك تقبيل اليد. قال شراحه: وذلك لما يدعو إليه من التعاظم والكبر..قالوا: ولم يبلغ مالكا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ ولو بلغه لما كره تقبيل اليد.
وعلى هذا، فإن كان القصد بتقبيل يدي الرجلين المذكورين ما أشرنا إليه من الصلاح فلا مانع منه، بل هو مستحب عند بعض أهل العلم كما أشرنا. وإن كان لغير ذلك فالأولى تركه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(8/2829)
لا يترك الأئمة الأعلام لأجل زلة وقعوا فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذه الفقرة التالية في مقال ,, وقد أذهلني وصف العز بن عبد السلام (سلطان العلماء) وابن حجر صاحب فتح الباري , والإمام النووي , والبطل صلاح الدين الأيوبي؛ بأنهم من الأشاعرة الذين يؤولون الصفات ولديهم خلل في العقيدة فهل ما ذكره الكاتب صحيحا أم لا؟؟
(فملوك بني أيوب مثل صلاح الدين، وكذلك مماليكهم الذين صاروا ملوكاً كلهم على هذا المذهب الأشعري، وكثير من العلماء الكبار مثل الباقلاني وابن فورك والإسفراييني والعز بن عبد السلام والحليمي والبيهقي والنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهم كثير على هذا المذهب.
وغالب قضاة المسلمين في مصر والشام والعراق والحجاز وسائر بلاد المسلمين كانوا أشاعرة، بل كان أمير المؤمنين المأمون وأخوه المعتصم وابنه الواثق على مذهب المعتزلة الذين يقولون بخلق القرآن وإنكار صفات الله تعالى ... ) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السائل لم يذكر لنا المناسبة التي ذكر بها هذا الكلام.
ولكننا ننبه على بعض الأمور من أهمها أن الاشاعرة أخطؤوا في موضوع تأويل الصفات، وخالفوا منهج السلف الذي رجع إليه الإمام أبوالحسن الأشعري في آخر حياته، وكتب فيه كتابه الإبانة عن أصول الديانة، ومقالات الإسلاميين، ورسالة أهل الثغر، فلا يسوغ تقليدهم فيما أخطؤوا فيه، ولا يقلد من وافقهم في بعض أخطائهم.
وقد تكلمنا عليهم في عدة فتاوى فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 10400، 15695، 4118، 5719، 38987.
ثم إنه يتعين أن يعلم أن تقليد هؤلاء العلماء والأمراء لبعض من تقدمهم من أهل التأويل لا يجعلنا ننتقص أو نحط من قدرهم أو نترك الاستفادة من كتبهم، بل نترحم عليهم، ونستغفر لهم، وندعو لهم، ونستفيد من كتبهم، ونترك اتباع أخطائهم مع البعد عن تقليدهم والتعصب لهم.
فالمسلم يقر لذي الفضل بفضله، ويحرص هو نفسه على الالتزام بالسنة وحمل نفسه على الاستقامة، ويسأل الله دائما الهدى للحق فيما اختلف فيه، ويكثر من الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في استفتاح قيام الليل كما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وهو: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
ومع ذلك يكثر البحث وعرض ما تعلمه على النصوص الشرعية مع الاستعانة بمن هو أعلم منه ليفيده في تحقيق المسائل. وأما إهمال كتاب ما أو مؤلف ما لمجرد وجود أخطاء فإنه لا ينبغي.
فقد أبى الله العصمة إلا لكتابه كما قال الإمام الشافعي رحمه الله، فلو تركت كتب أهل العلم لخطأ فيها لما بقي كتاب من كتبهم يؤخذ منه العلم، فيحرم الناس بذلك من الخير الكثير.
فلنعذر بعض من اعتقد العقيدة الأشعرية، وكان مقلداً لمن علمه وأدبه، أو قصَّر في الاجتهاد، أو كان أسيراً للثقافة المنتشرة في عصره أو بلدته فكل هؤلاء بشر يصيب ويخطئ، والعبرة في وزن الرجال بالغالب لا بالزلات والهفوات المحدودة المحصورة، وإذا انتهجنا التفتيش عن زلات العلماء وأخطائهم فلن يسلم لنا أحد، فما من عالم إلا وله زلات، ولو أخذنا بكل جرح يقال في الأعلام لضاع منا خير كثير.
فالخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم لا يسوغ لنا أن تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما نترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيرا في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
وقد دأب العلماء قديما عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالجرح والتعديل كما عمل ابن أبي حاتم، وسمى بعضهم كتبه بالميزان كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان.
وعندما يتم تطبيق هذه الموازنة على هؤلاء العلماء، ويتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لهم وحشدها إلى جانب خطئهم فإنه ستنغمر أخطاؤهم في بحار حسناتهم، وهذا هو الذي سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع حاطب -رضي الله عنه-، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- لعمر عندما استأذن في قتل حاطب: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة-أو: غفرت لكم -
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه لا يحمل أدنى خبث ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من حس عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم فأخبر صلى الله عليه وسلم انه شهد بدرا فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ماله من المشهد العظيم فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ماله من الحسنات ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال ما ضر عثمان ما عمل بعدها وقال لطلحة لما تطاطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة أوجب طلحة وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ألقاها على الأرض حتى تكسرت ولطم عين ملك الموت ففقأها وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم وقال شاب بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله وكل هذا لم ينقص من قدره شيئا عند ربه وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره والأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهه ولا تخفض منزلته وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا ... فأفعاله اللاتي سررن كثير.... اهـ
وقال الذهبي في السير: ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه.
وقال أيضا في ترجمة الحافظ شيخ الإسلام أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني مصنف كتاب الترغيب والترهيب نقلا عن تلميذه ابي موسى المديني أنه قال: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ولا يطعن عليه بذلك؛ بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.
قال أبو موسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(8/2830)
أجر مدارسة الدين وهل يعد من مجالس الذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله وجزاكم الله خيراً، ونسأل الله الثبات، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضى، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجه الكريم، سؤالي هو: نحن في بلاد لا توجد بها دروس علم ولا دروس توعية إسلامية، فنسأل الله أن يفرج علينا، ولدي أخ في الله وأحببنا أن نحصل على ثواب ذكر الله فاتفقت معه أن نجتمع في الأسبوع يوما أو يومين بعد صلاة العصر ونأخذ أحد الكتب الدينية لعلمائنا جزاهم الله خيراً ونتدارسه معاً للفائدة، فهل نؤجر على مجلس العلم هذا، وأطلب منك بارك الله فيكم أن تزودونا بنصائح لذلك وبأحاديث فضل مجالس الذكر؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولاً نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينصر أولياءه، ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، ولا حرج على الأخ السائل فيما ذكر من دراسة كتاب ديني وتخصيص وقت في الأسبوع لذلك، بل نرجو أن يؤجر على ذلك، لأن هذا من طلب العلم وتلك الجلسة أيضاً حلقة من حلقات العلم والذكر التي تحفها الملائكة، فنسأل الله لهم التوفيق والثبات، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 29260.
وأما عن النصائح والأحاديث في فضل مجالس الذكر، فانظر الفتوى رقم: 23771، والفتوى رقم: 66444 في بيان آداب مجالس الذكر، والفتوى رقم: 2410، حول بعض الكتب التي ينصح بدراستها والفتوى رقم: 22256، والفتوى رقم: 31659.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(8/2831)
لا بأس بالطموح لنيل الدرجات العلمية العالية
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً لكم على موقعكم الرائع ... مشكلتي هي مشكلة تعليمية، زوجي رجل مثقف جداً وواع جداً، ولكن وبسبب الظروف الاجتماعية لم يستطع حتى أن يحصل على شهادة الكفاءة.. الآن عمره 27 سنة ومع طول الزمن إلا أنه لم يتوقف عن الحلم بالحصول على الشهادة الجامعية.. نحن متزوجون منذ سنتين وما زلت أحاول جاهدة تحقيق الحلم رغم الظروف المالية غير الوفيرة.. الجميل في الموضوع أنه يتحلى بروح رائعة كوني أنا طالبة آداب إنجليزي وهو غير دارس.. نحن سوريون نقيم في السعودية.. لا أدري هل سيتحقق الحلم يوما أم ننسى الموضوع.. آمل أن يكون سؤالي هذا محل اهتمام من قبلكم وأن نجد لديكم الجواب الشافي؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على زوجك أن يكون طموحاً يسعى لنيل المقامات العالية، وينبغي أن تعينيه على ذلك إن كان يسعى ويَجِدّ لبلوغ أمانيه، ويرجى له أن يحقق ما يسعى للحصول عليه فمن جَدّ وجد، وأما إن كان مجرد أماني لا يسعى في سبيل تحقيقها، فلا ينبغي له ذلك وينصح بالأعراض عنه لئلا يفني عمره في أحلام اليقظة والأماني الفارغة، وقد قيل الأماني رأس مال المفاليس، وقال الشاعر:
إن الأماني والأحلام تضليل
وللفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 28477، والفتوى رقم: 34019.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1428(8/2832)
لا يؤخذ العلم من أي حد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن آخذ من مذهب من عرف عنهم أنهم يسبون الصحابة ويتهمون عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه وذلك في بعض الأمور في منطقة لايوجد فيها عالم سني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتوى في أمور الدين لا تؤخذ إلا عمن كان أهلا لها، بأن يكون ذا علم ورعا تقيا متجنبا البدع كلها، ويخشى الله ويتقيه فيما يقول، واعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم خير هذه الأمة وأفضلها وأبرها وقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع من يعتد بإجماعه من هذه الأمة على حبهم وتوقيرهم قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 100} وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الفتح: 29} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري ومسلم، فكيف يمكن أن يؤخذ العلم عمن يسب من وردت فيه هذه النصوص؟
وأما قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو كفر مخرج من الملة بلا خلاف.
ومن هنا تعلم أنه لا يجوز لك أن تأخذ من مذهب من ذكرت من أمرهم ما ذكرت، ولو كنت في منطقة لا يوجد فيها عالم سني.
واعلم أنه لا يحل لامرئ أن يعمل عملا حتى يعلم حكم الله فيه ووسائل الاتصال بأهل العلم المستقيمين منتشرة وكثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(8/2833)
العاقل يستمع للدعاة والعلماء ويأخذ أحسن ما عندهم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الشيخ نبيل العوضي أسمع منه بعض القصص وأستفيد منها ولكن بعض الشباب الصالح يقولون لي إن فيه شكا ولا تسمع منه.
أريد رأيكم فيه، ولكم مني كل احترام وتقدير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه ليس من شأن موقعنا تقييم الأشخاص والحكم عليهم، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بذلك، والله عز وجل يقول: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ {الزُّمر:17-18} فليجعل المسلم هذه الآية شعارا له في استماعه للعلماء والدعاة، وليسأل عما قد يشكل عليه فيما يوردونه، ونرجو أن تراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 18788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1427(8/2834)
الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح بدلا من تقييم الأفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الدين في بعض القنوات الدينية مثل قناة الناس وقناة الرسالة خاصة أنهم يظهرون أرقاما" على الشاشة للاتصال عليها وهي مكلفة طبعا". ثم ما رأي الدين في مشايخ وعلماء هذه المحطات مثل الشيخ سالم الذي يظهر على محطة الناس وكذلك الشيخ طارق سويدان على محطة الرسالة. وإنني والله أحب الشيخ محمد حسان في الله وكذلك الشيخ عمر عبد الكافي على الرغم من تحفظي على ملبسه فأتمنى من الله أن لا أسمع تعليقات سلبية على هذين الشيخين كما سمعت على بعض المشايخ.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه ليس من شأن موقعنا ولاسيما مركز الفتوى منه الاهتمام بتقييم الأشخاص، ولكن همنا تبصير الناس بأمور دينهم وبيان أحكام الشرع لهم، ولا ينبغي للمسلم أن يشغل وقته بتقييم الأفراد والحكم عليهم، بل عليه أن يصرف همته ويشغل وقته بطلب العلم النافع والحرص على العمل الصالح ولله در القائل: وهو عبد الله بن محمد الأندلسي المالكي القحطاني:
كن طالبا للعلم واعمل صالحا فهما إلى سبل الهدى سببان
ونرجو أن تراجع لمزيد من الفائدة فيما يتعلق بطلب العلم الفتويين: 18607، 10695.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1427(8/2835)
دفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت ما يقال عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قد عين من قبل مماليك مصر قاضيا في الشام وأنه كان كما يقال "مفتي دولة"وأن لقبه شيخ الإسلام ما كان إلا موازيا للقب شيخ الإسلام في مصر في تلك الفترة. وأنه ما كان يسكن إلا القصور وما شابه من زينة الحياة الدنيا.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سمعه الأخ السائل عن شيخ الإسلام ابن تيمية من أنه عين قاضيا في الشام من قبل المماليك، وأنه كان يسكن القصور وغيره كله هذا من الكذب البين الذي لا يخفى على من له أدنى اطلاع على سيرة هذا الإمام.
فشيخ الإسلام لم يتول القضاء مطلقا لا في الشام ولا في غيرها ولم يسكن القصور، قط بل سجن في مصر في القاهرة ثم نقل إلى الإسكندرية وسجن في دمشق في القلعة مرارا حتى مات وهو في السجن فأين ذلك الكذب من أنه سكن القصور وحتى خصوم شيخ الإسلام شهدوا له بالزهد في الدنيا والورع والعلم والشجاعة وقول الحق وأنه لا تأخذه في الله لومة لائم حتى أنه لما قدم إلى القاهرة سنة (700) حض أهل المملكة على الجهاد وأغلظ للسلطان والأمراء القول ورتبوا له كل يوم دينارا وطعاما فلم يقبل ذلك.
وإننا ننصح الأخ السائل بأن لا يكون إمعة يقبل كل ما يقال له بل عليه أن يرجع إلى كتب التراجم التي ترجمت لشيخ الإسلام ابن تيمية كالذهبي في تاريخ الإسلام والشوكاني في البدر الطالع والحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة وغيرها حتى يقف على ما كان عليه شيخ الإسلام بن تيمية من أهل العلم والعمل والدعوة والجهاد وقول الحق
وانظر الفتوى رقم: 45282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(8/2836)
الاهتمام بالعلم الشرعي أفضل من جمع المال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في العشرين من عمري بدأ هذا الموضوع عندي من ثلاث سنوات وهو الطموح والتطلع للأفضل دائما في الأمور الدنيوية وأفكر دائما في كيفية الحصول على المال وإذا حققت شيئا أريد تحقيق أكثر وأكثر أريد أن أصل إلى أعلى شيء في كل شيء. وهذا ليس في المال فقط بل في الدراسة وكل شيء مع الحمد والشكر لله على كل حال فهل هذا حرام أو عدم حمد على ما يعطيه الله لي وماذا على المسلم أن يفكر هل يفكر في الدنيا إلى الأقل وفي الآخرة أي الأكبر وهل لو فكرت في الدنيا إلى الأعلى هل هذا حرام أو فيه إثم علي علما بأني أعلم أن أي مال سيعطيه الله لي أعلم أنه مال الله وفي يوم من الأيام قبل موتي سوف يعود لله عن طريق أي عمل خير أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علو الهمة والسعي في الحصول على الأفضل دائما أمر محمود ولا حرج فيه ما لم ينشغل العبد بالمفضول عن الأفضل، أو بغير الواجب عن الواجب.
فلا حرج على العبد في الكسب المشروع حتى يكون من أغنى الناس، وليكن حريصا على الحلال في كسبه، وعلى المشروع في بذله، وليجعل قدوته عثمان وعبد الرحمن بن عوف وأشباههما من أغنياء الصحابة.
ولكن الاهتمام بالعلم الشرعي أمر آكد من جمع المال وكثرة الاهتمام به والاشتغال بتحصيله.
وعليك أن تشكر الله على ما أعطاك، فالشكر سبب للمزيد؛ كما قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم: 7}
وعلى العبد أن يكون متفكرا في الآخرة ومهتما بالسعادة فيها أكثر، ومؤثرا لها على الدنيا المنقطعة النعيم والوقت.
وعليه أن يهتم بتحقيق كمال العبودية والطاعة لله تعالى والتخلق بالأخلاق القرآنية والنبوية. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 33818، 65385، 64483، 61088، 63823.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(8/2837)
موقف الشرع من ترك العمل والتفرغ لطلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو عن التفرغ لطلب العلم، فأنا مدرس لغة إنجليزية وأقيم في الإمارات وقد حصلت بفضل الله منذ عامين على بكالوريوس الدراسات الإسلامية، وأقوم الآن بالتجهيز لرسالة الماجستير قسم أصول الدين. مشكلتي هي عدم قدرتي على توفير الوقت للقراءة والاطلاع ففكرت في الاستقرار في مصر وعمل مشروع مع بعض الإخوة يقومون هم بإدارته وأتفرغ أنا للطلب.
وأحيطكم علماً بأن أسرتي تتكون من 7 أفراد وغالب من استشرتهم في هذا الأمر أي العودة إلى بلدي يقولون بأن الحالة الاقتصادية في بلدك لا تمكنك من المعيشة بصورة جيدة ولا تقطع رزقك بنفسك. علماً بأني حالتي المادية جيدة والحمد لله لكن ليس مثل وضعي في الإمارات.
أرجو إفادتي وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلم من أفضل العبادات ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، وذلك لما اشتمل عليه من إصلاح للفرد ونفع للمجتمع وإحياء للشرع وعلومه. فقد روى ابن ماجه وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلي ألف ركعة. قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده حسن.
ويكفي العلم فضلا وشرفا أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيد من شيء سوى العلم فقال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً {طه: 114}
فإذا استطعت أن تجمع بين طلب العلم والبقاء في العمل فلا شك أن هذا أفضل، وإذا لم تستطع الجمع بينهما ولم تكن تحتاج إلى العمل وكان لديك ما يكفيك أنت ومن تجب عليك نفقته فلا مانع من ترك العمل والتفرغ لطلب العلم لأن العمل لا يجب على من لا يحتاج إليه.
والذي ننصحك به ألا تتسرع وتتخذ قرارا قبل دراسته، وأن تستخير الله تعالى في كل أمر تقدم عليه، وتستشير المخلصين من أصحاب الخبرة وخاصة الذين لهم صلة بالأمور التي ذكرت.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 64190، 57414، 37188.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(8/2838)
كلام أهل العلم يعين على فهم القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أحاور شخصا وأحاول أن أقنعه بأن يثق في العلماء فهو يقول أنه لا يسمع لعالم وأنه إذا احتاج إلى شيء ينظر في القرآن أو كتب السنة مع أنه ليس طالب علم ولا يستطيع فهم كل شيء وكذلك يطعن بكل السلفيين ويقول بأنهم يدوسون على المرأة ولا يعطونها أي قيمة وما شابه ذلك من كلام الحاقدين على الإسلام.
ولكن المصيبة الكبرى عندما حاولت إقناعه بالكف عن التردد إلى موقع على الانترنت أظنه مسيحي يطعن بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يقتنع بذلك أيضا وحاول إقناعي بأنه ليس من الممكن أن تقنع شخصا ما نصرانيا كان أم يهوديا بأن دينه خطأ وأن الإسلام فقط هو الدين الصحيح وأطلنا بالحوار ولم يتراجع عن أي من معتقداته, فأرجو أن تفيدوني في أمرين:
1. كيف أتعامل مع هذا الشخص وأمثاله وما هو حكمه في الإسلام مع العلم بأنه يصلي وعلى علمي هو من عائلة ملتزمة؟
2. عندما أنهيت الاتصال كان صديقي بجانبي فقلت له إن هذا الشخص على خطر عظيم وأنه على حافة الكفر, فما حكم كلامي هذا هل يجوز؟ وهل يعتبر غيبة؟ فإني ندمت بعد ذلك وأريد أن أخبر ذلك الشخص بما صدر مني عسى أن يسامحني فهل أفعل ذلك؟
وبارك الله بكم وبموقعكم الفاضل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن واجب المسلم أن ينصح أخاه المسلم ويحرص على هداه، ويوصيه بالحق، وأن يكثر الدعاء له، ويجيبه عما في قلبه من الشبهات، ويرقق قلبه بالمواعظ، وعليه أن يتحفظ من الإكثار من مجالسته إن كان يخشى على نفسه التأثر من انحرافه، والأولى أن يبحث له عن صحبة صالحة تعينه على التأثير عليه وعلى إقناعه بالمنهج السليم.
وأما حكمه فعليك أن تحمد الله أن صديقك يعتبر الكتاب والسنة مرجعين له فهذا أمر محمود ومؤشر خير؛ إلا أنه يتعين عليك أن تنبهه إلى أن كلام أهل العلم يساعد في فهم القرآن والسنة ويوضح مشكلهما ويوضح ما إذا كان للدليل مخصص أو مقيد أو ناسخ أو غير ذلك.
وأما طعنه في المعاصرين من أهل السنة فحاول أن تطلعه على كلامهم وتبين له حرصهم على العمل بالكتاب والسنة وتبين له الدليل الشرعي والصواب فيما ينقمه عليهم إن كان الحق معهم في ذلك.
وأما اطلاعه على الموقع النصراني فبين له خطورته وحرمته على من لم يكن له قدم راسخة في العلم الشرعي تحميه من التأثر بشبهات أهل الضلال، ووضح له أنه إذا لم يمكن الجهال أن يقنعوا النصارى بأحقية دين الإسلام فإن سبب ذلك هو جهل الجاهل وليس عدم أحقية الإسلام.
فلو وجد عالم متخصص لأفحمهم ورد حججهم كما فعل العلماء قديما وحديثا مثل شيخ الإسلام في القديم، ومثل أحمد ديدات في العصر الحديث.
فعلى من لم يستطع حوار أهل الضلال أن يسعى هو في نفسه لتقوية إيمانه وتعلم ما يلزمه تعلمه من أمور الدين، ويعزم على السعي في هداية الناس، فإن لم يتمكن من إقناعهم بسبب جهله فلا حرج عليه لأنه ليس مكلفا إلا بما في وسعه.
وأما كلامك مع صديقك عن هذا الشخص فإن كان الباعث عليه شفقتك على هذا الشخص وتخوفك عليه من التأثر بالباطل فنرجو أن لا يكون عليك فيه إثم.
ولا مانع أن تطلب منه أن يسامحك دون أن تصرح له بما قلت. وراجع الفتاوى التالية أرقامها لمعرفة مكانة المرأة في الإسلام وللمزيد عما تقدم: 33346، 64606، 70483، 63944، 5729، 2073، 16441، 20030، 14742، 18997، 36984.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1427(8/2839)
احترام العلماء وتوقيرهم وحكم نسبة الخطأ إليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[تناقشت أنا وأصدقاء في موضوع تحريم وتحليل الغناء، فقلت إن ابن حزم رحمه الله تعالى أخطأ، كما قلت إن ابن مسعود رضي الله عنه أفهم من ابن حزم في القرآن الكريم، ولقد لامني الأصدقاء بشدة، علماً بأني أقدر ابن حزم ولا أطعن فيه وأنا أقل من أن أتكلم في العلماء، ولكن الدليل الشرعي في التحريم وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة أقوى من قول ابن حزم والغزالي، ألا يعني هذا أنه أخطأ، فسؤالي هو: هل أذنبت وهل أأثم، وهل ينبغي أن لا أخوض في مثل هذه النقاشات، لأن علمي قليل حتى إن كان معي دليل ورد قويان، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن العلماء (ابن حزم وغيره) متفقون على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية، كما نريد أن ننبه أيضاً إلى أن ابن حزم رحمه الله لا يقلد في إباحة الغناء وقد جاء النص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه، وقد قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} ، وقال أيضاً: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} .
ثم إن علماء الشريعة هم ورثة الأنبياء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد غيرهم، وإجلال العلماء وتوقيرهم هو إجلال لله سبحانه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
ولقد هدد النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد من لم يعرف للعلماء حقهم فقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه الحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني.
ومع كل هذا فإنهم غير معصومين من الخطأ، ولكنهم مأجورون على اجتهادهم ولو أداهم إلى الخطأ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه. فهذا الحديث صريح في أن الحاكم يخطئ ولكنه معذور في خطئه.
وعليه فإذا كان الذي ذكرته هو مجرد نسبة الخطأ إلى عالم، في مسألة ثبت خطؤه فيها من غير أن تقصد بما قلته تنقيصاً أو استخفافاً به، فلا نرى عليك حرجاً فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(8/2840)
تلقي ابن عثيمين العلم على يد السعدي رحمهما الله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله هل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كان أحد تلامذة الشيخ السعدي الذي كتب التفسير؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى هو الشيخ العالم المحقق الفقيه المفسر الورع الزاهد محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن آل عثيمين من الوهبة من بني تميم.
ولد في ليلة السابع والعشرين من رمضان عام 1347هـ
أقبل على طلب العلم الشرعي منذ صغره بتوجيه من والده, ومن العلماء الذين درس عليهم الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي صاحب التفسير المعروف رحمه الله، وقد درس عليه الشيخ ابن عثيمين في التفسير والحديث والسيرة النبوية والتوحيد والفقه والأصول والفرائض والنحو, وحفظ مختصرات المتون في هذه العلوم.
ولمزيد من الفائدة حول ترجمة الشيخ ابن عثيمين ومعرفة شيوخه وعلاقته بالشيخ السعدي نحيل الأخت السائلة للرابط التالي:
www.ibnothaimeen.comallshaikh.shtml
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1427(8/2841)
سعيد بن المسيب سيد التابعين
[السُّؤَالُ]
ـ[لما دخل الصاحبي الجليل رضي الله عنه سعيد بن المسيب قال قولة مشهورة للخليفة عبد الملك بن مروان، فأرجو أن تمنحوني كل اللقاءات والحوار الذي جمع بينهما من التعتيب والنصيحة؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سعيد بن المسيب سيد التابعين وأحد فقهاء المدينة المشهورين, ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه, ولذلك فهو ليس بصحابي لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخذ علمه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل زيد بن ثابت وابن عباس وأمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وغيرهم، وكان يفتى والصحابة أحياء, ويقال له فقيه الفقهاء.
وكان عزيز النفس قوى الشخصية يصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، وله قصص وحكايات مع الخلفاء الأمويين وأمرائهم وخاصة عبد الملك بن مروان والوليد ابنه والحجاج وغيرهم، وكان يرفض اللقاء بهم والإتيان إليهم عندما يطلبون منه ذلك, ولم نطلع على حوار خاص جرى بينه وبين عبد الملك مباشرة، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من أخباره وتفاصيل ما حدث له مع بني أمية في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي وغيره من كتب التاريخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1427(8/2842)
الاشتغال بنشر العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في عدد من المنتديات إعجاز جديد وهو هيكلك على هيئة محمد عليه الصلاة وا لسلام، فما حكم نشر هذا الإعجاز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى ما يتعين الاهتمام به نشر الوحي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة، ونشر سنته وشمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقد رغب الشرع في نشر القرآن وتعليمه، كما في حديث البخاري: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وفي حديث البخاري أيضاً: بلغوا عني ولو آية.
وفي الحديث: نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي الحديث: إ ن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره ... رواه ابن ماجه بسند حسن، كما قال المنذري وحسنه الألباني.
فينبغي صرف الجهود في نشر هذا وتعليمه للناس اتباعاً للأمر الشرعي والهدي النبوي، وأما الهيكل الذي رأيناه مصوراً فلا يمكن الجزم بكونه على هيئة محمد صلى الله عليه وسلم، فهيكل الإنسان موصول الصدر بالبطن ولا يتصور كونه على شكل الحاء إن لم تقطع الخاصرتان، كما أن اليدين والرجلين لو فرقتا معا فسدت القاعدة ولو جمعتا معا فكذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(8/2843)
هل المطالعة فرض عين على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ
يقوم منتدى mobadara.com بتنفيذ مشروع "100 ألف شيخ يفتون: المطالعة فرض عين على كل مسلم ومسلمة" بناء على حجج مدرجة على الرابط http://mobadara.com/vb/showthread.php?p=777#post777
أرجو
1) إفتاءنا على السؤال: هل المطالعة فرض عين على كل مسلم ومسلمة"?
2) مساعدتنا بالترويج للمشروع في أوساط المسلمين وخصوصا المشايخ.
شكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فرض عين فيما يتعلق بالإنسان، ويتحتم عليه معرفته من الأمور العقدية والتعبدية ويمكن تعلم ذلك عن طريق السؤال أو السماع أو المطالعة، وأما الاطلاع على ما في الكتب الثقافية والسياسية الفكرية وعلم الاجتماع والنفس واللسانيات فلا يبلغ تعلمه درجة فرض العين، وأقصى ما يمكن بلوغه أن يكون فرض كفاية.
وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 47101، 19730، 18640، 11280، 18436، 15739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1427(8/2844)
طلب العلم لعلاج الأخطاء التي يقع فيها المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[يقع لي أحيانا وأنا أطالع بعض الكتب الدينية أو حين أستمع إلى بعض الفقهاء أن أكتشف أخطاء أعملها في العبادات أو غيرها مثلا صيغة التشهد مختلفة بعض الشيء أو وضوء مباشر بعد التبول (اكتشفت مؤخرا أنه قد تسقط نقطة متأخرة بعد ما يقوم الشخص دون أن ينتبه لها ويكون قد توضاء قبلها) :
1) ماحكم الشرع؟
2) وماذا أفعل وأنا لازلت أكتشف الأخطاء في كل مرة؟ أرجو إرسال الجواب إلى بريدي الاكتروني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتشهد له عدة صيغ كلها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأيها تشهد المسلم أجزأه، ولم تذكر لنا صيغة التشهد التي كنت تقولها فقد تكون مجزئة وقد تكون غير مجزئة، مع أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في التشهد الأول والثاني هل هما واجبان أو سنتان أو هناك تفريق بينهما، والمذهب المالكي السائد عندكم في المغرب يرى أنهما سنتان وأن صلاة من تركهما صحيحة لا سيما المعذور، وعليه فلا شيء عليك فيما يتعلق بالتشهد.
وأما من صلى وعلى ثوبه نجاسة لا يعلم بها فقد اختلف العلماء في وجوب إعادة صلاته، والراجح أنه لا إعادة عليه كما بيناه في الفتوى رقم: 6115.
وأما قولك (وماذا أفعل وأنا لا زلت أكتشف الأخطاء في كل مرة) فالذي عليك فعله هو الإقبال على تعلم ما يجب عليك فعله في الصلاة وما يجب عليك الابتعاد عنه فيها حتى تكون صلاتك صحيحة، وهذا النوع من العلم فرض عيني على كل مسلم، وعليه يحمل الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه الطبراني وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1427(8/2845)
طرح الأسئلة في المنتديات ثم إتباعها بأجوبة العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[بحكم مشاركتي في أحد المنتديات الإسلامية خطر في بالي فكرة لزيادة نشاط المنتدى , والفكرة هي أن أقوم بأخذ سؤال وجواب من فتاوى الشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله أو من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء , ثم أقوم بوضع السؤال في المنتدى ليجيب عليه الأعضاء ثم بعد عدة أيام أقوم بوضع الجواب الصحيح , فتكون الفائده أنه عندما يخطئ أحد الأعضاء في الإجابة ثم يجد الجواب الصحيح فترسخ هذه الإجابة في عقله. فما رأيكم في هذه الطريقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه فكرة طيبة مفيدة وهي من وسائل التعليم وترسيخ المعلومة وتذكير الناسي، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم العلم وبين فضل العلم وأهله ومن يعلم الناس الخير، فقد روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. صححه الألباني رحمه الله.
وبتنفيذ هذه الفكرة أو غيرها من الوسائل التي تنفع الناس في دينهم أو دنياهم نرجو أن تكون من الذين يعلمون الناس الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الثانية 1427(8/2846)
إجازة النساء النساء وإطلاق لفظ الشيخة عليهن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتصال السند القرءاني (الإجازات) عن طريق النساء الحافظات المجازات، أي أن تجيز المعلمة المجازة طالبة لها بشروط الإجازة المعتبرة عند أهل الأداء فتجيز بدورها طالباتها منعا لما في الحرج من قراءة النساء على الرجال؟، وما رأيكم في إطلاق لقب (الشيخة) على المجيزة والمجازة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روت أمهات المؤمنين العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلمنه لغيرهن, وهذا يدل على الأخذ عن النساء العالمات بما يروى عنهن، وقد روى المحدثون في كتبهم عن نساء الصحابة والتابعين وتابعيهم, ولا فرق بين القرآن والحديث. ومن المعلوم أن دراسة النساء على النساء أسلم لهن وأبعد عن الريبة, ولا مانع أن تجيز المعلمة طالبتها إذا علمت أهليتها للإجازة, ولا مانع حسبما نعلم في إطلاق لقب الشيخة على النساء وراجع الفتوى رقم: 50330 والفتوى رقم: 37692 والفتوى رقم: 56127.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(8/2847)
مؤلفات نافعة في علوم الحديث وعلوم القرآن والتفسير
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد: والسؤال عن بعض أسماء الكتب في مصطلح الحديث وقواعده لمجموع من الأئمة الأولين والفحول المعتبرين من المطولات في هذا الشأن فليس لي علم بغير تدريب الراوي شرح تقريب النواوي وعندي قواعد التحديث للشيخ القاسمي وما فيه نزر لا يشفي عطش الراغب في التبحر في هذا العلم كما لو ذكرتم لنا أسماء بعض كتب أصول التفسير الشافية والتي على صفة كتب المصطلح المسؤل عنها؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه أسماء بعض الكتب في مصطلح الحديث لا يستغني عنها طالب هذا الفن وسابر أغواره، منها كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، وكتاب معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري، وكتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، وكتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي، وكتاب فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي، ونحوها.
وأما كتب علوم القرآن، فمنها كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي، والإتقان للسيوطي، ومناهل العرفان للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني، وغيرها، وأما كتب التفسير فانظر فيها الفتويين رقم: 6452، 6979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(8/2848)
فتاوى في فضل العلماء وكيفية تبجيلهم واحترامهم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إخوتي في الله جزاكم الله عن الإسلام غير الجزاء اما بعد فان سؤالي يتعلق بمساله خطيرة وهي تبديع العلماء واتهامهم بالتحزب وتخريجهم من دائرة علماء المنهج السلفي أمثال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين والشيخ أبو بكر الجزائري والشيخ محمد بن صالح المنجد والقائمة طويلة لكني ذكرت العلماء أعلاه على سبيل المثال لا الحصر أفتونا مأجورين بما يجب علينا عمله او بماذا تنصحونا لأننا في حيره من امرنا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19773، 11430، 29143، 18788، 6506، 33346، 24283، 57719، 69220، 31871، 70032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(8/2849)
لا يسوغ بغض داعية بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: وقبل كل شيء, أود أن اشكركم على مجهوداتكم الجبارة ... وجزاكم الله خيراً.
أما بالنسبة لسؤالي فقد سبق لي طرحه لكن لم يصلني أي رد, ربما لأني كتبته باللغة الفرنسية، السؤال هو: أيحق لأي مسلم أن يعتبر أخاه في الله كافراً وأن يشوه سمعته أمام الناس وخصوصا وإن هذا الأخير يدعو لدين الله وطاعته، هذا المثل ينطبق على بعض إخواننا في الله, الذين يحاولون تشويه سمعة أخينا وحبيبنا في الله الأستاذ عمرو خالد والوقوف في طريقه ويعملون بجد للتقليص من جماهيره ومحبيه, ولقد بدأ مشروعهم بالظهور خصوصا في الدول الغربية, بحيث إن بعض الفتيات يكلمنني عن عمرو وكأنه يؤيد الشيطان ويدعو إلى طريقه, بل وكأنه هو الشيطان نفسه, طبيعي إن كان المفترون يدعون صراحة ذلك اعتمادا على بعض الهفوات والأخطاء البسيطة التي يقع فيها أخونا عمرو وتحت شعار احذروا الداهية والداعي إلى الكفر والضلال عمرو خالد، أريد رأي وفتوى بخصوص هذا الأمر، وأضيف أن عمرو خالد ليس بالوحيد فالمفترون يدعون على الكثير من الدعاة كشيخنا الجليل يوسف القرضاوي ... أما بالنسبة لمشروعهم فإن كان بدأ بالظهور فلن يكتمل بإذن الله في الأماكن التي أستطيع أن أوصل صوتي لها؟ وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير، وثبتنا على خطى الحبيب ... آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلمنا على مسألة تكفير المسلم في الفتوى رقم: 721، والفتوى رقم: 4132، والفتوى رقم: 65926.
كما تكلمنا على خطورة تنقص العلماء والدعاة والتناصح مع من أخطأ منهم بالحكمة في الفتوى رقم: 33346، والفتوى رقم: 44164، والفتوى رقم: 59243، والفتوى رقم: 27583، والفتوى رقم: 11967 مع إحالاتها.
وننبه كذلك إلى أن الخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم لا يكفر ولا يبدع صاحبه ولا تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما يترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، وبيان الحق في المسألة دون تنقيص للمخطئ؛ إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيراً في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
وقد دأب العلماء قديماً عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالميزان؛ كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على المُلك، والعلماء المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قط. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وهذا الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق أن لا يظلم بل يعدل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1426(8/2850)
الربانيون ودورهم في علاقة المؤمن بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الربانيون وماهو دورهم في علاقة المؤمن بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العينى رحمه الله تعالى في عمدة القاري كلام أهل العلم في الربانيين من هم وما صفتهم وغايتهم فقال: قد فسر ابن عباس الرباني بأنه الحكيم الفقيه ووافقه ابن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه بإسناد صحيح والرباني منسوب إلى الرب وأصله الربي فزيدت فيه الألف والنون للتأكيد والمبالغة في النسبة..... وعن ابن الأعرابي لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما. ويقال هو العالي الدرجة في العلم وقال الإسماعيلي الرباني منسوب إلى الرب كأنه الذي يقصد ما أمره الرب ... وقال نفطويه: قال أحمد بن يحيى: إنما قيل للعلماء ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به. وفي كتاب الفقه عنه: إذا كان الرجل عالما عاملا معلما قيل له هذا رباني. فإن حرم خصلة منها لم يقل له رباني ... وقال الأزهري: هم أرباب العلم الذين يُعلِّمون ما يعلمون. وقال أبو عبيد: سمعت رجلا عالما بالكتب يقول الربانيون العلماء بالحلال والحرام.... ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره هذا حكاية البخاري عن قول بعضهم وهو من التربية أي الذي يربي الناس بجزئيات العلم قبل كلياته أو بفروعه قبل أصوله أو بمقدماته قبل مقاصده. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني، ولعظيم الجمة جماني، ولغليظ الرقبة رقباني - قيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم، واحدهم رباني، من قوله ربه يربه: إذا دبره وأصلحه، والياء للنسب، فمعنى الرباني: العالم بدين الرب القوي المتمسك بطاعة الله.
فهؤلاء هم الربانيون ودورهم في علاقة المؤمن بالله سبحانه وتعالى هو الهداية والإرشاد والنصح والتعليم والتوجيه بالحكمة والصبر كما ذكر أهل العلم، وانظر الفتوى رقم: 18859.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1426(8/2851)
حكم تعليم اللغة الإنجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تعليم اللغة الإنجليزية لأبناء المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو جواز تعلم اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية لتحصيل مصلحة شرعية، ولكن المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه من بعده وعن التابعين رضي الله عنهم أجمعين أنهم لم يكونوا يقبلون على تعلم لغة غير لغة العرب إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحسن السريانية؟ إنها تأتيني كتب، قال: قلت: لا، قال: فتعلمها، فتعلمتها في سبعة عشر يوماً. وصححه الشيخ شعيب والأرناوؤط.
ورواه الحاكم وزاد: قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به. انتهى، قال الألباني في الصحيحة: سنده صحيح. انتهى.
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله في هذا الموضوع: إن المسلم ينبغي له ألا يتكلم بغير العربية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ككون الشيء معروفاً باسمه غير العربي، أو كون المخاطب لا يفهم من اللغة العربية إلا قليلاً فإن هذا لا بأس به، أما إذا كان الإنسان عربياً وهذا الشيء الذي تحدث عنه له اسم في اللغة العربية، فلا ينبغي له أن يأتي بشيء آخر من اللغات الأخرى، لأن أفضل اللغة وأتمها وأحسنها هي اللغة العربية، ولهذا نزل القرآن باللغة العربية وهو أفضل الكتب التي أنزلها الله على رسوله، وكان أيضاً لسان آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم اللسان العربي، وهو دليل واضح على فضيلة اللغة العربية. انتهى.
وعليه فتعلم اللغة الإنجليزية مباح في الأصل، وقد يكون فرض كفاية إذا احتيج إليه في بعض أمور المسلمين ومصالحهم، ولكن تعلم اللغة العربية أفضل منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1426(8/2852)
كلام الأقران يطوى ولا يروى.
[السُّؤَالُ]
ـ[الاختلاف بين أئمة كبار كالألباني وابن باز رحمهما الله، ففي كتاب الألباني الرد المفحم بصراحة أسلوب سيئ للغاية وتطاول على من سماهم المخالفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يزل العلماء يخالف بعضهم بعضاً، وقد ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا.
وما قد يصدر من بعضهم في حق بعض من كلام شديد فإنه لا يقتدى بهم فيه، ولا يروى بل يطوى، وقد قعّد السلف في هذا الصدد قاعدة عظيمة وهي: كلام الأقران يطوى ولا يروى. وقد ورد معناها عن الصحابة -رضوان الله عليهم- فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خذوا العلم حيث وجدتم، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة.
يقول الذهبي: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من العصور سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس. وراجع الفتوى رقم: 18788.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1426(8/2853)
نصوص في أهمية العلم والإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن بأن تفيدوني بأحاديث وآيات تنصب نحو هذا المفهوم (بالعلم والإيمان نحقق كل ما نصبوا إليه) ؟ مع خالص الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنه لا فلاح للعبد ولا نصر ولا عزة له إلا بالإيمان، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {الؤمنون:1} ، وقال أيضاً: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189} ، وقال سبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {السجدة:24} ، وإن الطريق إلى الإيمان واليقين هو العلم، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ {محمد:19} ، فبدأ سبحانه بالعلم قبل القول والعمل، لأنه الدليل والمرشد إليه.
وهناك نصوص كثيرة في بيان كون العلم والإيمان والصبر من أسباب النصر والتمكين والفلاح في الدارين، انظرها في الفتوى رقم: 32949، والفتوى رقم: 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1426(8/2854)
يجب تعلم أحكام العبادات التي لا تصح إلا بها
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان أواجه حالات في الصلاة أو الطهارة لا أعرف حكم الشرع فيها. رغم ما يحاوله المرء للتفقه في دينه سؤالي هل يحق لي الاجتهاد حسب معرفتي ثم سؤال أحد أئمة المساجد في وقت لاحق أم علي إعادة تلك الصلاة. وإذا أفتاني الإمام بشيء يخالف ما ذهبت إليه هل علي إعادة كل الصلوات بداية من الصلاة موضوع الفتوى أم أعيد فقط تلك الصلاة.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الاسلام بعد الشهادتين، وهي عماد الدين كما في الحديث، وعليه فيجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم من أحكام الفقه ما تصح به صلاته، فيتعلم أركانها ومبطلاتها بعد أن يعلم أحكام الطهارة لأن صحة الصلاة متوقفة على صحة الطهارة. وكذلك الأمر بالنسبة للصيام والزكاة والحج والبيع وغيره من المعاملات، إذ لا يحل لامرئ مسلم أن يعمل عملا حتى يعلم حكم الله بالتعليم أو بسؤال العلماء، فإن كانت هذه الأمور التي تشكل عليك في الطهارة والصلاة مما لا تصح الطهارة في الصلاة إلا بها ولم تأت بها على الوجه الصحيح فإن الصلاة غير صحيحة ويجب قضاؤها، ويمكن أن تعرف ذلك بسؤال من له معرفة بأحكام الطهارة والصلاة، فإن ذكرت له الأمور التي تشكل عليك فسيبين لك ما إذا كان ذلك يفسد الصلاة أم لا، ويمكن معرفة ذلك أيضا بمطالعة مختصرات الفقه مثل كتاب الأخضري في الفقه المالكي، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وغيرهما، وإذا تبين أن الذي ذهبت إليه مما تبطل به الصلاة وجبت إعادة تلك الصلاة التي وقع فيها ذلك الأمر فقط لا جميع الصلوات، إذ لا يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلي عالما بأحكامها إذا كان يأتي بها على الوجه المجزئ، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قوله: وبطلت باقتداء بعاجز عن ركن قولي أو فعلي أو بعاجز عن علم بما لا تصح الصلاة إلا به من كيفية غسل ووضوء وصلاة ـ والحاصل أنه إذا أخذ صفتها عن عالم ولم يميز الفرض من غيره فإن صلاته صحيحة إذا سلمت من الخلل سواء علم أن فيها فرائض وسننا أو اعتقد فرضية جميعها على الإجمال أو اعتقد أن جميع أجزائها سنن أو اعتقد أن الفرض سنة أو العكس أو أنها فضيلة أو اعتقد أن كل جزء منها فرض وإن لم تسلم صلاته من الخلل فهي باطلة في الجميع، هذا هو المعتمد كما قرره شيخنا (العدوي) ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلم يأمرهم إلا بفعل ما رأوا، وأهل العلم نوابه صلى الله عليه وسلم فهم مثله في الاقتداء بكل، فكأنه قال صلوا كما رأيتموني أصلي أوأرأيتم نوابي يصلون. انتهى.
وعلى كل حال فإن أشكل عليك شيء مما يتعلق بالوضوء أو الصلاة وكان في الوقت متسع فعليك أن تسأل فإن لم تجد من تسأله فأت بالطهارة والصلاة على الوجه المعروف عند عامة المسلمين، وبعد ذلك تذهب إلى من له معرفة بالأحكام لتوضح له ما أشكل عليك، فإن أخبرك بما تبطل به الصلاة فأعد وإلا فلا إعادة، وأما الاجتهاد فلا يصح من كل أحد فلا بد من التفقه حتى تكون على بصيرة من أمر دينك. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين التاليتين: 4865، 21696.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1426(8/2855)
علم الحساب من أهم العلوم ولكن ...
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الحرام الاجتهاد في تحصيل شهادة السي بي إيه (المحاسبة القانونية الأمريكية) ؟
AICPA: AMERICAN INSTITUTE CERTIFIED
... ... ... PUBLIC ACCOUNTANTS.
في أمان الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من تعلم علم الحساب والحصول على أعلى الشهادات فيه من أي جهة كانت ما لم يكن هناك مانع شرعي خارجي.
فقد أولى المسلمون الأوائل الاهتمام بهذا العلم وفاقوا فيه غيرهم لما علموا أهميته في حياتهم العامة وفي دينهم خاصة.
ولكن لا يجوز للمسلم أن يستخدم هذا العلم أو غيره فيما حرم الله تعالى من محاسبة للبنوك الربوية أو المؤسسات التي تعمل بالحرام. وقد سبق بيان ذلك وأدلته في الفتاوى: 57923، 35179، 51272. نرجو الاطلاع عليها للمزيد من الفائدة والتفصيل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1426(8/2856)
إجلال أهل العلم إجلال لما يحملونه من شرع الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كان حال السلف مع شيوخهم؟ وماذا أفعل إن دخل علي المسجد أحد العلماء؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان من أحوال السلف الصالح توقير العلماء، واحترام أهل الفضل. قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. رواه أبو داود في سننه والبزار في مسنده. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري.
قال الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر رحمه الله: اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63} .
ولقد حث الإسلام على توقير العلماء وإجلالهم، ففي سنن أبي داود عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ...
وعليه، فإذا دخل عليك المسجد أحد العلماء، أو التقيت به في أي مكان فعليك أن تجله، لأن إجلال أهل العلم إجلال لما يحملونه من شرع الله عز وجل، وذلك لأنهم هم الوارثون للرسل والمبلغون شرائعهم من بعدهم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الثانية 1426(8/2857)
الهمة طريق إلى العلم والقمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة وهي:أني طالب في أمريكا, علما أني ذكي جدا. ممتاز رغم قلة الاهتمام والدراسة ولكن مهمل. عمري 22 سنة.فهل يمكن في هذا السن أن أبدأ من جديد وأحقق المستحيل.أرجو أن تساعدوني لأني أحس بالضياع. كما أود أن أحفظ القرآن وأتعلم علومه وكذلك الحديث.والله إني أريد مساعدة أمتي على التطور. ما الحل ?أرجو المساعدة. والله أني أحس في نفسي بذور الخير وبعض الصفات الحميدة كالخجل, المساعدة, التواضع.......وهذا بشهادة الجميع. فما أريده هو مساعدتي على تنمية هذه البذور الجيدة. thank you]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشأن في المسلم أن يكون جاداً في كل أمر يشتغل به، وإنك قد توفرت على الدراسة النظامية المنهجية في الغرب، فينبغي أن لا تضيع الوقت عبثاً، فإن الأمة الإسلامية بحاجة إلى من يعيد لها مجدها واستغناءها عن سائر الأمم.
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له * فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
وتذكر دائما أنك في بلاد الغرب صورة مصغرة للمسلمين وسفيرا لهم، فلا تصد الكفار عن دينك بإهمالك وعدم جديتك، فهي أمانة أنيطت بعنقك. واعلم أن الوقت لم يمض، بل فيه متسع طالما في العمر بقية. ولقد بدأ الصحابة طلب العلم وهم كبار وتفقهوا وسادوا الدنيا، وكذلك كثير من فقهاء الأمة قد تأخروا في الطلب، لكنهم مع علو همتهم نبغوا وظهروا، ومنهم العز بن عبد السلام سلطان العلماء فقد بدأ الطلب وقد تجاوز الأربعين من عمره.
وإن مما يعينك على علو همتك أمور ثلاثة:
الأول: شعورك بالمسؤولية المناطة بك وحق أمتك عليك.
الثاني: صحبة الصالحين الذين رزقهم الله علو الهمة، فإن الصاحب ساحب والطباع سراقة.
الثالث: قراءة سير الصالحين الذين علت همتهم فكانت أقدامهم في الثرى وهمتهم في الثريا، وهناك كتب اختصت بتتبع أخبارهم، ومنها: الهمة طريق إلى القمة. للدكتور محمد حسن عقيل موسى، وكتاب: صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل. وكتاب: قيمة الزمن عند العلماء، وكلاهما للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكتاب" علو الهمة" للشيخ/ محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب" صناعة الحياة" لمحمد أحمد الراشد.
وأما طلب العلم الشرعي وحفظ القرآن فإن ما كان من ذلك فرض عين يجب عليك تعلمه وتقديمه على كل شيء، وأما ما كان منه فرض كفاية فينبغي أن يكون بالتوازي مع دراستك للعلوم التجريبية. وانظر الفتوى رقم: 44674. ففيها بيان العلم العيني والعلم الكفائي. وبإمكانك التحصيل بالسير على منهج علمي متدرج ومتوازن، وانظره في الفتوى رقم: 57232. وكذلك عن طريق استماعك للأشرطة العلمية المنهجية التي يشرح فيها العلماء متون العلم، وتجدها متوفرة على موقع طريق الإسلام على الإنترنت: www.islamway.com. وبإمكانك أن تلتحق بإحدى الجامعات أو المعاهد الشرعية المنتشرة في أمريكا ومنها: الجامعة الأمريكية المفتوحة، وبإمكانك التواصل معها عبر موقع الجامعة على الإنترنت. كما ننصحك بالانخراط في المراكز والتجمعات الإسلامية التي أسست من قبل في أمريكا، فإن الصحبة الصالحة من أهم أسباب الاستقامة على أمر الله والتمسك بدينه خصوصاً في الغربة، وإن الشيطان مع الواحد وهومن الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(8/2858)
التفضيل بين العلماء الأعلام
[السُّؤَالُ]
ـ[في رأيكم، أيهما أكثر وأحسن علما وأكثر نفعا ومآثر في الأمة شيخ الاسلام أحمد ابن تيمية أم الشيخ العز بن عبد السلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذين الشيخين عالمان جليلان وقد سبق أن ذكرنا طرفا من ترجمتهما في الفتوى رقم: 44312 والفتوى رقم: 7022.
وأما التفضيل لأحدهما على الآخر في العلم والنفع للأمة فإن هذا يحتاج لمن علم بنتائج عملهما ومستوى إخلاصهما، وعنده قدرة على الاطلاع على مستوى دراستهما، ولا شك أن هذا غير ممكن الآن، فالواجب أن نقتدي بالرسل والعلماء العاملين وأن ننشئ أجيالا تتابع منهجهم، ونصرف من طاقاتنا وأوقاتنا فيما يترتب عليه عمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426(8/2859)
الجمع بين طلب العلم والعبادة أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يقرأ القرآن كثيرا ويصلي كثيرا ويقوم الليل ويصوم كثيرا وشخص آخر يصلي الفروض فقط لكنه يتعلم كثيرا جدا حتى أنه يعتبر عالما في الهندسة المدنية فأيهما أفضل؟ وهو يتعلم من أجل العلم فهل ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم \\\"العلماء ورثة الأنبياء....وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب\\\"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قراءة القرآن والصلاة والصيام وقيام الليل كل ذلك من أعمال البر التي رغب فيها الشارع وحث عليها ووعد عليها بالأجر والمثوبة العظيمة، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي: إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ...
كما رغب الشارع في تعلم العلم النافع فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر: 9} وقد اختلف أهل العلم أيهما أفضل التفرغ للعبادة أو الكسب وتعلم العلم النافع؟ وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 41315 ولا شك أن ما كان نفعه متعديا أفضل مما كان نفعه قاصرا سيما وأن تعلم العلم وتعليمه مما يجري على الإنسان نفعه بعد موته، وقد بينا في الفتوى رقم: 21061 والفتوى رقم: 18640 الأدلة الدالة على شرف العلم وفضله، ومنها ما ذكرت في السؤال، وهو جزء من حديث طويل ذكرناه مع تلك الأدلة، ولكن ذلك كله إنما هو في العلم الشرعي الذي يعرف العبد بربه ويدله عليه، ويتبين به الحلال والحرام مما يؤدي إلى الخشية منه عز وجل؛ كما قال: إنما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {فاطر: 28} وقال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم
وأما العلوم الدنيوية فلا بد من تعلمها للمسلمين فهي فرض كفاية، ومن تعلمها لأجل كفاية المسلمين وخدمة هذا الدين فإنه مثاب على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. ولكنه لا يصل إلى درجة العالم بالعلوم الشرعية المخلص فيها، وفي كلٍ خير، والأولى أن يجمع المرء بين طلب العلم والعبادة
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1426(8/2860)
الترغيب في طلب العلم الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحمل شهادة بكالوريس في الهندسة وأود أن أدرس الفقه والشريعة فبم تنصحون، فقد سألت بعض المشايخ -جزاهم الله خيراً- فقالوا لي أن من الممكن إكمال الدراسات العليا في الشريعة بمؤهلاتي الحالية، كما أود أن تذكروا لي بعض الجامعات والكليات المعروفة؟ شاكراً لكم جهدكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن طلب العلوم الشرعية من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، فقد رغب الإسلام في طلب العلم عموماً، وأفضل العلوم وأعظمها أجراً علوم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما، فقد قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {المجادلة:11} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. رواه البخاري ومسلم.
ولهذا فإننا نشد على يديك ونقوي عزيمتك ونسأل الله تعالى أن يعينك ويبارك سعيك ويرزقك النجاح في الدنيا والآخرة، وكليات الشريعة منتشرة في العالم العربي والإسلامي بكثرة ولله الحمد، وتوجد في أكثرها الدراسات العليا، ففي السعودية ومصر والجزائر والمغرب وغيرها تتوفر هذه الدراسات، أما بخصوص قبول كليات الشريعة ... لمن هو في تخصصك في الدراسات العليا فذلك راجع إلى هذه الكليات وأنظمتها الداخلية، والتي لا علم لنا بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1426(8/2861)
تعلم الطب من فروض الكفاية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تطمئنوني أنا فلسطيني حصلت على علامة عالية وأردت أن أدرس الطب ولكن لم تتح لي الفرصة في غزة مع العلم أن غزة فيها الكثير من الأطباء ولكني أحب الطب ثم حصلت على منحة في تركيا وأنا فيها الآن هل يبقى أجري كأجر المرابطين في فلسطين أم أنه علي إثم الآن أرجو أن تجيبوني جوابا صريحاً لأني أتألم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن علم الطب من أهم فروض الكفاية التي إذا قام به البعض سقط الفرض والإثم عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد أو قام به من لا تحصل بهم الكفاية أثم من هم قادرون وقصروا.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه أفضل من فرض العين أي أكثر ثواباً لتعدي نفعه، ولأن بالقيام به تصان بقية الأمة من الإثم المترتب على إهماله.
وقد أشار لذلك صاحب المراقي بقوله: وهو مفضل على ذي العين في زعم الاستاذ مع الجويني.
وإليه أشار السيوطي في الكوكب فقال:
فرض الكفاية مهم يقصد ... ... ... ... ... من نظر عن فاعل يحرد
وزعم الاستاذ والجويني ... ... ... ... ... ونجله يفضل فرض العين
ولذلك فهو لا يقل أهمية عن الجهاد والرباط في سبيل الله إذا صلحت النية.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر.رواه البخاري ومسلم.
فهذا في الذي حبسه العذر، فما بالك بالذي نفر لتعلم فرض الكفاية، وقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {التوبة: 144} .
وما في معناه مما يحتاج إليه، وكثرة الأطباء في بعض المناطق لا تغني عن تعلم الطب من جديد فهؤلاء معرضون للخطر ويحتاج إليهم في مناطق أخرى.
ولهذا، فأنت مأجور وسعيك مشكور إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1426(8/2862)
علم الباطن في ميزان الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بسؤالي هذا: ما معنى علم الباطن? أشكركم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا المصطللح لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن علماء السلف الكبار، وإنما قال به بعض الصوفية، ويقصدون به ما يبلغ به العبد درجة الإحسان ويرتقي به في مقامات اليقين وإخلاص النية وسلامة العمل من الرياء ... ونقل المناوي في فيض القدير عن الغزالي قوله في المنهاج: العلم المفروض في الجملة ثلاثة: علم التوحيد، وعلم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه، وعلم الشريعة.
وما ورد عن علي وغيره مرفوعاً وموقوفاً: علم الباطن سر من أسرار الله عز وجل وحكم من أحكامه يقذفه في قلوب من يشاء من عباده. قال عنه الألباني في السلسلة: موضوع.
ومن قصد من هؤلاء بعلم الباطن إخلاص النية وسلامة الباطن من الرياء وأمراض القلوب، فهذا لا مانع منه ونصوص الوحي من الكتاب والسنة مليئة بالحث على طهارة الظاهر من المعاصي والباطن من أمراض القلوب، كما قال تعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ {الأنعام:120} .
وأما من زعم منهم أن للشريعة ظاهراً وباطناً وأن الظاهر يخالف الباطن ... وأن للخواص مخالفة علم الظاهر لمعرفتهم بالباطن ... فهذا زيغ وضلال.. وانظر لتفصيل ذلك وأقوال العلماء فيه الفتوى رقم: 10661.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1426(8/2863)
الرؤية الشرعية في تفضيل بعض العلماء على بعض
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت إن الحافظ ابن حجر رحمه الله أفضل من الشيخ الشعراوي في الفضل والعلم.
فهل أنا آثمة؟ وهل ذلك من التألي على الله عز وجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن هذا القول ليس فيه إثم إن شاء الله تعالى، وليس هو من باب التألي على الله تعالى الذي جاء في الحديث ذمه والنهي عنه.
فقد روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك. أو كما قال.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود: ومن يتألى على الله يكذبه.
وفرق بين أن يفضل الشخص بعض أهل العلم على بعض حسب علمه، وبين من يحلف أن الله تعالى لا يغفر لفلان العاصي.
فقد كان أهل العلم قديما وحديثا يفضلون بعض العلماء والرواة..على بعض في كثرة العلم والضبط والإتقان والرواية والورع.. تجدين ذلك عند المحدثين والفقهاء والأصوليين.
وعلى ذلك، فلا مانع شرعا إن شاء الله في تفضيل بعض العلماء على بعض؛ وخاصة إذا كان ذلك لغرض شرعي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحدكم مادحا فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا.. الحديث في الصحيحين وغيرهما.
ولا شك أن الإمام الحافظ ابن حجر من علماء هذه الأمة الكبار الذين يستحقون الترحم عليهم وذكر محاسنهم، ولكن ذلك لا يعني تقليلا من شأن غيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(8/2864)
أفضلية العمل في مجال التعليم
[السُّؤَالُ]
ـ[شكراً كثيراً على هذا الموقع المميز وأرجو من الله أن يثيبكم عليه الخير في الدنيا والآخرة، سؤالي هو: هل يجوز العمل في وزارة المالية التابعة للدولة رغم أن هذه الوزارة عملها جباية الضرائب وتسير على قوانين فرنسية لا تمت للإسلام بصلة مثل تصاعدية الضريبي على الأرباح وغيرها من قوانين البشر، وإن خيرت مع قطاع التعليم في بلدي ما رأيك ماذا أختار؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود هو السؤال عن حكم العمل في إدارة الضرائب التابعة لهذه الوزارة فقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 5811.
أما العمل في إدارة أخرى لا تقوم بجباية الضرائب فينظر في مجال العمل، هل هو مما يباح شرعاً أم لا؟
أما مسألة ماذا تختار لو خيرت بين هذه الوزارة وقطاع التعليم؟ فجواب ذلك يختلف بما تحققه من مصالح معتبرة لدينك ولنفسك، وبقدر ما تحقق وتقلل من المفاسد، ولكننا نقول بشكل عام: إن اختيار قطاع التعليم أفضل لأن فيه مجالاً رحباً للدعوة إلى الله عز وجل وبث روح التدين والاستقامة في نفوس الطلبة، ولكن هل هذا المجال مفتوح أمامك أم لا؟ نحن لا نعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(8/2865)
ما دونه ابن القيم في فضل العلم والعلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أثر العلماء في حياة الناس كما يقول ابن القيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموقع يعتني بإسعاف المستفتين مما نزل بهم. ونأمل أن يواصلنا الأخ السائل بهذا النوع من الأسئلة، وأما عن كلام ابن القيم في العلم والعلماء فبإمكانه مطالعة كلامه في مصنفه الحافل"مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة" حيث أفرد فصلاً ممتعا أوضح فيه فضل العلم، وقارن فيه بينه وبين المال ورجحه عليه، وكذلك انظر كلام ابن القيم في "منزلة العلم" من كتابه "مدارج السالكين"، وفي فصل: "في تقسيم الناس من حيث القوة العلمية والعملية". من كتابه: "طريق الهجرتين وباب السعادتين".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(8/2866)
تسمية علم السلوك بعلم السر
[السُّؤَالُ]
ـ[س: لماذا سمي علم السلوك بعلم السِّر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلم السلوك هو الذي يتعلق بأحوال النفس، قال صاحب أبجد العلوم ج: 2 ص: 328: علم السلوك هو معرفة النفس ما لها وما عليها من الوجدانيات، ويسمى بعلم الأخلاق، وبعلم التصوف أيضا، وفي مجمع السلوك وأشرف العلوم علم الحقائق والمنازل والأحوال وعلم المعاملة والإخلاص في الطاعات والتوجه إلى الله تعالى من جميع الجهات. اهـ. وقد بسط القول فيه ابن القيم رحمه الله تعالى في شرح المنازل وفي سفر الهجرتين.
وأما تسميته بعلم السر فهو أحد أخطاء الصوفية الذي يزعم البعض منهم أن من العلوم ما هو سر لا يصلح لجميع الناس، وإنما يعطى فقط لمن اتصف بصفات معينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(8/2867)
الانشغال بالعلوم التجريبية والجهل بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعذر الجاهل (بأحكام الشريعة) لجهله أم هناك حالات لا يعذر فيها. وهل مثلا إنسان يكون عالما (دكتورا في مجال معين غير الدين) وتجده لا يعرف الكثير من الأحكام الشرعية (حتى البسيطة منها) بحجة أنه ليس من اختصاصه وأنه منشغل ببحوثه الخاصة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا ضوابط العذر بالجهل والحالات التي يعذر فيها المرء، والحالات التي لا يعذر فيها في الفتويين التاليتين: 19084، 49735. فليرجع إليهما. ولا فارق بين كون الإنسان عالما في العلوم الدنيوية أوجاهلا بها فهو يستوي مع غيره في الأمور التي يعذر فيها والأمور التي ليس فيها عذر. أما الانشغال بالبحوث العلمية التجريبية فليس عذرا لأحد في التفريط في تعلم العلم الواجب، وهو ما كان متعلقا بفروض الأعيان التي أوجبها الله كالصلاة والصيام والزكاة والعقيدة الإسلامية، وراجع الفتويين: 51180، 56544، وللفائدة راجع الفتويين: 51115، 49739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1426(8/2868)
الاستفادة من العالم الأعمى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون العالم أعمى؟ وهل هناك حديث في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في كون العالم أعمى، ولا حرج في الاستفادة منه وقت عماه، سواء كان بصيرا في صغره ثم عمي أو كان أعمى من صغره، ويدل لهذا الوقوع، فقد كان ابن ام مكتوم أعمى وأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الناس بعد ذلك، وكان كعب بن مالك رضي الله عنه بصيرا في شبابه ثم عمي بعد ذلك، وقد أخذ عنه الناس كما في حديث الصحيحين قصة توبته، وكان ورقة بن نوفل شيخا كبيرا قد عمي وقد أتته خديجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لتسأله عما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عمي ابن عباس وكان يفتي أهل الأرض، وفي عهدنا الحاضر نسمع عن كثير من العلماء العمي، منهم الشيخ العلامة ابن باز والشيخ كشك وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1426(8/2869)
خطورة الإعراض عن تعلم الدين وتعليمه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ثلاث أسئلة أرجو منكم الإجابة عنها.. وجزاكم الله خيرا..
الأول.. ما هو أجر من يحفظ القرآن الكريم؟
ثانيا: أنا أريد أن أدرس العلم الشرعي..ولكني أخاف أن أدرسه ولكن لا أطبقه فأكتسب الذنوب لأني أعلم ولا أطبق.. فلذلك أفكر في عدم دراسته؟؟ فماذا عساني أفعل؟؟
ثالثا: أخاف جدا من الرياء وأحس بأن جميع أعمالي يخالطها الرياء.. فما هو الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 35857 بعض ثواب حافظ القرآن الكريم.
ثم إننا ننبه إلى أن المسلم مكلف شرعا بتعلم أمور الشرع والعمل بها والدعوة إليها، وهذه المسائل من جهاد النفس الواجب شرعا، ولا يحق لأحد أن يترك إحداها بسبب توهمه عدم إمكانية العمل بالأخرى، فلا يترك التعلم والدعوة بحجة عدم إمكانية التطبيق، فإن عدم التعلم معصية وعدم العمل بالعلم معصية، وعدم التعليم معصية أخرى، فلا يحق للعبد أن يجمع عليه جميعها، وقد عد أهل العلم من نواقض الإسلام الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعلمه، فلهذا فإن عليك أن تبذلي ما استطعت من الطاقة في تعلم ما يهمك من أمور الشرع، وأن تكثري من مطالعة كتب الرقائق والترغيب والترهيب، والتأمل في أحوال أهل الآخرة، والنظر في سير السلف الصالح، ومصاحبة الأخوات الملتزمات المستقيمات لعلك تتمكنين من تطبيق ما علمت.
وراجعي في الرياء وعلاجه الفتوى رقم: 10992 والفتوى رقم: 13997 والفتوى رقم: 10396 والفتوى رقم: 49482 والفتوى رقم: 8523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1426(8/2870)
ذكر أخطاء العلماء والدعاة.. رؤية أخلاقية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكلام عن جماعات مثل الإخوان المسلمين ورجال الدعوة أو السلفيين بأن نقول تلك الجماعة عملها خطأ ولا تنفع الإسلام بشيء أو كان بالإمكان أن تنفع الإسلام أكثر مما نفعت أو أن أسلوبها خطأ، ومن قبيل هذا الكلام خلال جلسة نقاش يعتبر حرام أو فيه شيء من الحرمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيبة المحرمة قد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها: ذكرك أخاك بما يكره. وقد عدها بعض العلماء من كبائر الذنوب، وعلى ذلك فيجب على المسلم أن يطهر لسانه ومجالسه منها، وأن يكف المغتابين عن الاسترسال فيها إن استطاع أو يقوم عن مجالستهم، وإلا شاركهم في الإثم.
ولقد حذرنا رسولنا من الاستطالة في أعراض المسلمين وحرم الخوض فيها، بل جعل ذلك من أربى الربا!! وانظر الفتوى رقم: 9350.
هذا وإن من أولى الناس بحفظ أعراضهم هم العلماء والدعاة، الذين لم يحصروا همهم في أمور الدنيا، بل اجتهدوا في نصرة هذا الدين، وجعلوا همهم هو خدمته بالنفس والنفيس، ولاقوا في سبيل ذلك ما لاقوا، بل إن بعضهم قدم روحه رخيصة في سبيل إبلاغ ما يعتقد، وإن الذي يفري الكبد أن ترى البطالين من أهل الدنيا متكئين على أرائكهم يُقَوِّمون عمل الحركات الإسلامية!!
وليس معنى ذلك أن هذه الجماعات معصومة من الخطأ، بل فيها صواب وفيها خطأ، وإن أفضلها هو أكثرها تمسكاً بمنهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5608، 21741، 4321، 5900.
وإن من حق قادة العمل الإسلامي في جميع الجماعات المنتمية لمنهج أهل السنة والجماعة الموجودة على الساحة أن يتوجه إليهم الغيورون من عموم الأمة بالنصح والتوجيه مع التزام الآداب الشرعية في ذلك، وانظر الفتوى رقم: 18788، والفتوى رقم: 41140.
هذا، وإن من القواعد المقررة أنه لا غيبة لمبهم غير معين، وانظر الفتوى رقم: 18728.
وقد يقال إن الجماعات الإسلامية المشار إليها باسم خاص بها -هو تعيين لها- إذ إن هذه الجماعات شخصيات معلومة، وعلى ذلك فينبغي الحذر من التعميم عند تقويم أي اعوجاج في بعض أفرادها، بل ينبغي استثناء من رحمه الله وعافاه من الوقوع فيما وقع فيه بعض أفرادها الآخر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(8/2871)
تعلم الإمام والمأموم أحكام السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سها الإمام في صلاته ولم يتفطن إلى خطئه والمأموم لم يستطع تنبيه الإمام لهذا السهو أيضا لجهله. فهل يؤخذ المأموم بجهله (فيعيد صلاته) أم لا حرج عليه (أي لا يؤخذ الجاهل بجهله) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم تعلم أحكام كل ما أوجب الله تعالى من فروض العين كالصلاة والصيام. قال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية ممزوجا بكتاب طريقة محمدية: حاصله أن العلم تابع للمعلوم فإن كان المعلوم فرضا أو حراما ففرض أي فالعلم به فرض للامتثال في الأول والاجتناب في الثاني، وإن كان واجبا أو مكروها فواجب أي فتعلمه واجب للإقدام في الأول والكف عن الثاني.
هذا مبني على ما قرر في الأصول من أن وجوب الشيء يدل على حرمة تركه، وحرمة الشيء تدل على وجوب تركه. انتهى
وعليه، فالواجب على المسلم إماما أو مأموما تعلم الأحكام المترتبة على صحة الصلاة من أحكام السهو ونحوها، وليس الجهل عذرا في تركها، كما سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 13872.
ولم يذكر السائل تفصيل ما سها عنه الإمام حتى نعرف هل الصلاة صحيحة أم لا، فإذا وضح ذلك بيناه إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1426(8/2872)
غاية ما انتقد على الشيخين أحمد شاكر والألباني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بقول المحدثين (الشيخ مصطفى العدوي مثلا) أن الشيخ الألباني, والشيخ أحمد شاكر متساهلان في تصحيح الأحاديث؟؟ فما المقصود من هذا القول وما هي ثمرته؟؟ وهل من ثمرات هذا القول ان أحاديثهما الأصل فيها الضعف؟
وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلامتان الألباني وأبو الأشبال أحمد محمد شاكر رحمة الله عليهما من علماء العصر الذين ساهموا في تجديد الدين ونفي البدع والخرافات عنه وتنقية السنة المشرفة مما علق بها من الأحاديث المدسوسة والضعيفة، وميزا صحيحها من سقيمها، وردا على شبهات أهل البدع والزيغ والضلال، ونشرا عقيدة السلف الصالح رحمة الله عليهما، فلا نغلو فيهما وندعي لهما العصمة وعدم الخطأ، ولا نجفو عنهما بتتبع زلاتهما التي لم يسلم منها بشر، فكل يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكمال عزيز، وليس من شرط العالم أن لا يخطئ؛ وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لزلة أو خطأ ولعله رجع عنها، وقد يغفر له باستفراغ الوسع في طلب الحق، حيث يطلق لفظ محدث على من حفظ عشرين ألف حديث، قال السيوطي في تدريب الراوي: وقد كان السلف يطلقون المحدث والحافظ بمعنى كما روى أبو سعد بن السمعاني بسنده إلى أبي زرعة سمعت أبا بكر بن شيبة يقول: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يعد صاحب حديث.
أما المقصود من هذا القول فيسأل عنه قائله، وأما ثمرته فتختلف باختلاف من وجه إليهم هذا الكلام، فإن وجه لطلاب علم مهتمين بهذا المجال وكان في نطاق البحث والمذاكرة فلا بأس به، وإن وجه إلى عوام فليس بجيد لأنه قد يدفعهم إلى الجرأة على العلماء وعدم الوثوق بعلمهم والاستفادة منه، راجع الفتويين: 39675، 4402.
علما بأن الشيخين لم ينفردا بتصحيح ولا تضعيف، وإنما يعتمدان على كلام أهل العلم السابقين، ويرجحان بميزان دقيق، ومن راجع كتبهما علم ذلك، وغاية ما انتقد على العلامة أحمد شاكر هواعتماده على توثيق ابن حبان.
أما العلامة الألباني، فقد اطلعنا على عامة ما كتب فوجدنا أنه في باب الحسن لغيره في بعض الأحيان، يأتي بشواهد ومتابعات لا تشهد للحديث الذي يحسنه، وهذا قليل لا يوجب رد تصحيحات الشيخ رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1425(8/2873)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أننا نجتمع أنا وجارتي كل أسبوع ونقيم حلقة ذكر (نقرأ فيها بعض الأحاديث أو نتحدث عن درس من دروس الفقه وهكذا) ، ثم نتحلق حلقا صغيرة ونقرأ بعض سور القرآن القصيرة لكي يتم حفظها جيداً بالنسبة للنساء الكبيرات، فما الحكم في عملنا هذا، حيث نخشى أن يكون بدعة، مع العلم بأننا استفدنا منه كثيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في عقد مثل هذه المجالس ابتداع، بل نرجو أن تكون في موازين حسناتكن يوم القيامة وأن يجعلكن من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وانظري الفتوى رقم: 6669.
هذا وانظري بعض ما ورد في فضل قراءة كتاب الله جل وتعالى في الفتوى رقم: 49523.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1425(8/2874)
العلوم الدنيوية مطلوبة بجانب العلوم الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل طلب العلم الشرعي أو الكفائي؟ وماذا نحتاج اليوم، وهل طلب العلم الشرعي الواجب لا يكون إلا في المدارس؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان السائل يقصد بالكفائي ما سوى العلم الشرعي مما تحتاجه الأمة المسلمة من علوم الطب والاقتصاد والهندسة، فإن علم الشرع الذي يعرف به المسلمون أمور عقيدتهم وعبادتهم ومعاملاتهم أفضل لما فيه من اشتغال متعلمه بدراسة نصوص الوحي وأحكام الشرع، ومن الثابت أن شرف العلم إنما يكون بشرف المعلوم، ولأن حاجة المسلمين إليه في كل وقت أكثر من غيره.
وأما الذي نحتاجه اليوم، فإنا نحتاج إلى تعلم كل مسلم ما يحقق به عبادة ربه ومعرفة عقيدته، وأن يعلم الحكم في كل معاملة يريدها من بيع أو نكاح أو إجارة، كما نحتاج إلى علماء مهرة في الدراسات الشرعية متبحرين في التفسير والحديث والفقه والأصول والقواعد الشرعية.
وأما ما يحتاجه المسلمون من العلوم الدنيوية فهو ما يعينهم على الاستفادة من جميع العلوم الدنيوية ويغنيهم عن الحاجة إلى الكفار، ثم إن طلب العلم يمكن أن يكون في المدارس أو بغيرها من الوسائل كالدراسة الفردية على العلماء، أو بسماع الأشرطة، أو المطالعة. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للزيادة في الموضوع: 39630، 15872، 56544، 11280، 49739، 25486، 54742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(8/2875)
علماء أجلاء ثقات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابن العربي وابن أبي الدنيا والسبكي وابن أبي النعمان من رواة الحديث الثقة أم ماذا؟
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن العربي والسبكي وابن أبي الدنيا من العلماء الأجلاء الكبار، أما السبكي وابن العربي فهما عالمان محققان جليلان، ولكنهما متأخران عن طبقة المحدثين المؤلفين في الحديث كأصحاب السنن والمسانيد.
وأما ابن أبي الدنيا فهو عالم جليل محدث، ولكن كتبه يكثر فيها الحديث الضعيف.
وأما ابن أبي النعمان، فلم نعرفه فيمكن أن تذكر لنا اسمه أو بعض آثاره حتى نتمكن من معرفته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(8/2876)
أهمية علم الحساب، ومجالات استخدامه
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن شرعية عمل المحاسب القانوني وسأبين لكم ما أسأل عنه بالتفصيل ,,
القانون المنظم للشئون الاقتصادية يلزم أي كيان اقتصادي بأن يقدم ميزانية لنتيجة أعمال نهاية العام ولا بد أن تكون هذة الميزانية معتمدة من محاسب قانوني خارجي يراجها ويشهد بأنها تتفق مع واقع الشركة فعلا , وقد يقوم المحاسب القانوني بنفسه بإعداد هذه الميزانية وكل حسابات المنشأة ذاتها. والسؤال:
أولاً: هل يجوز اعتماد ميزانيات ما عمله أصلا حرام مثل البنوك الربوية والملاهي الليلية وإعداد الحسابات للمطربين وما شابه ذلك؟ خصوصا وأنهم لابد وأن تراجع أعمالهم لدى أي محاسب لفرضية القانون لذلك.
ثانياً: قد يقوم المحاسب بإعداد أو مراجعة واعتماد حسابات شركات بعض أعمالها حرام مثل أن تكون الشركة تباشر نشاطا ليس فيه حرج ولكن لها إيداعات ببنوك ربوية وحسابات بها والقانون يلزم المحاسب هنا بأن يطلب مصادقات من البنك لتأكيد هذه الإيداعات وأن يشهد بصحتها فما هو الحكم في مثل هذه الحالة؟
ثالثاً: من أعمال المحاسب القانوني أن يكون وكيلاً عن المنشأة في كل ما يتعلق بالضرائب من فحص وإقرارات ولجان وخلافه فما الحكم في ذلك؟
رابعاً: إن كانت هذه هي طبيعة عمل المحاسب القانوني فما الحكم في أن يسعى لدراسات علمية أكبر في هذا المجال من الحصول على زمالة جمعيات مهنية وهيئات دولية للمحاسبين القانونيين تتيح له فرص عمل أكبر؟
خامساً: وفي ضوء ما سبق ما الحكم في العمل لدى مكاتب المحاسبة القانونية كموظف بها قد تكلف بأي عمل من الأعمال السابقة أو أي عمل آخر؟
أرجو الإجابة على النقاط السابقة بوضوح وتفصيل حيث إن هذه الفتوى ستكون مرجعا للعديد من الأشخاص المنتظرين لها,, ووفقكم الله لما فيه رفعة الإسلام وخدمة المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلم المحاسبة علم نافع ومهم في أمور الناس الدينية والدنيوية، أما الدنيوية فواضح جداً، وأما الدينية فأقرب مثال هو حاجة فقه المواريث إلى هذا النوع من علوم الآلة.
يقول ابن عرفه: ومعرفة ما يجب من الحق لكل ذي حق في التركة يتوقف على علم الحساب. اهـ
وقد اشتهر بعض العلماء بتفوقهم في هذا الفن منهم الحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة.
يقول الإمام السرخسي عنه: وقد كان له من البراعة في علم الحساب ما لم يكن لغيره من أصحاب أبي حنيفة.
هذا واعتبر العالم الوزير ابن هبيرة أن تعلم علم الحساب كغيره من علوم الطب والزراعة من فروض الكفاية، كما ذكر ذلك عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية، فقال: وذكر ابن هبيرة أن علم الحساب والطب والفلاحة فرض على الكفاية. اهـ
فإذا تقرر هذا، فإن المسلمين مطالبون بأن يتقنوا هذا العلم وينالوا فيه الدرجات الرفيعة، فإذا حصلوه اقتصروا في استعماله على ما تبيحه الشريعة، وما تبيحه الشريعة مجال واسع، أما حساب الربا فيحرم عمله لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. رواه مسلم.
ولا ريب أن من يحسب الربا يناله جزء من هذا الوعيد، وما يقال عن مؤسسات الربا من التحريم يقال عن أوكار الرذيلة (الملاهي الليلية) .
وأما حساب الضرائب، فيختلف باختلاف الحكم على الضريبة نفسها، فمن الضرائب ما يكون مباحاً ومنها ما يكون ظلماً وسحتاً، فما كان ظلماً وسحتاً لا يجوز للمسلم الإعانة عليه بوجه من الوجوه، وهذا يتصور إذا كان يعمل محاسباً في الجهة الآخذة للضرائب. أما الجهة الدافعة لها فهي في حكم القوانين اليوم مكرهة على الدفع شاءت أم أبت، فإذا دفعوا الضرائب مكرهين لم يلحقهم إثم، ومن باب أولى المحاسب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1425(8/2877)
تعلم أمور الدنيا لا يتنافى مع تعلم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب تونسي في حيرة من أمري عندي الكثير من الأمور عجزت عن ترتيبها والحيرة تتمثل في الرغبة في طاعة الله، لكن لا أدري كيف ذلك، طبيعة الدراسة عندنا (فتيان، وفتيات) تكوين دنيوي بحت (رياضيات، فيزياء ... ) كثرة ساعات الدراسة إضافة إلى ما تستحقه من وقت لمراجعتها، أوقات الدراسة لا تراعي أوقات الصلاة (بل أحياناً لا نستطيع أن نأتي بصلاة الجمعة) حيرتي تتمثل في الرغبة في مزاولة العلوم الدينية (يتطلب الخروج إلى إحدى الدول العربية) ، تعلم العلوم الدنيوية للمساهمة في رقي الأمة الإسلامية (مع ما وضحته من كيفية الدراسة) ، فأرجو أن ترتبوا لي ما يجب علي أن أفعله حسب الأولوية الشرعية مع توضيح حكم كل واحدة منها (علما بأنني شاب في 20 طالبا في تونس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعينك على طاعته ويعرفك ما يجب عليك من أمور دينك، وييسر لك الخير.
وأعلم أن حفظ المرء لدينه مقدم على جميع المصالح، لأنه وسيلته الوحيدة للنجاة يوم القيامة، والصلاة هي الركيزة الثانية من الركائز التي بني عليها الإسلام، وتأخيرها عن وقتها من أعظم المحرمات، قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} ، وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103} .
والتخلف عن صلاة الجمعة من أسباب الختم على القلوب والعياذ بالله، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.
وإذا تخلف المرء عن ثلاث جمع كان ذلك أشد، روى أصحاب السنن وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه.
ثم إن فتنة الفتيان بالفتيات من أخطر الفنن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
وعليه فما ذكرته من أحوال المؤسسة التي أنت فيها يبين أن أولى أولوياتك هو الانتقال إلى بلد تحفظ فيه دينك وتتعلم أحكام شرعك، وليس يلزم أن يكون هذا البلد عربيا، بل كل البلاد الإسلامية تصلح لذلك، وإذا تعلمت أمور دينك أمكنك أن تخدم نفسك وتخدم الأمة الإسلامية، وتعلم أمور الدنيا لا يتنافى مع تعلم الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1425(8/2878)
العلم بالدين والدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول النبي عليه السلام: إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به.. وإذا أمرتكم بشيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم ٌ قرأت هذا الحديث في أحد المواضيع فهل هو حديث صحيح؟ وفي هذه الحالة أريد ان أعرف لأي مدي يكون أعلم بدنياه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعنى المشار إليه في السؤال صحيح، وقد ورد في عدة أحاديث صحيحة منها ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون (النخل) فقال: لو لم تفعلوا لصلح قال: فخرج شيصاً (تمراً رديئاً) ، فمر بهم فقال: مالنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا ... قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم.
وفي صحيح ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما ناموا عن صلاة الفجر قال بعضهم لبعض فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون؟ إن كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم به، وإن كان شيء من أمر دينكم فإلي ...
وأما مدى معرفة الشخص لدنياه، فإن ذلك يتوقف على ذكائه وتجربته وخبرته، وما تأخذ أمور الدنيا من تفكيره واهتمامه، فقد يكون المرء عليماً بأمور دنياه خبيراً بدقائق أمورها وهو لا يعرف الكثير عن دينه والعكس صحيح.
وقد يكون بعضهم يعرف شيئاً من هذا وشيئا من ذلك، فهذا من المواهب والملكات التي يعطيها الله تعالى لبعض عباده.
اما الكفار فهم غافلون عن دينهم بالكلية، ولا يعرفون شيئاً عن الآخرة والميعاد والجنة والنار، ولهذا قال تعالى عنهم: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {الروم: 7} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(8/2879)
العلامة الألباني.. ما له وما عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الناس ينتقد الشيخ الألباني ويقول إنه ليس بفقيه وله شذوذ وأقواله لا يُعتد بها..
أرجو ذكر بعض أقوال العلماء في الشيخ الألباني رحمه الله، وأرجو التكرم بالإيضاح هل هو فقيه أم لا؟ وهل وصل إلى رتبة الاجتهاد أم لا؟ وجزاكم الله خيرًا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله نصر دينه وأظهره برجال، منهم في هذا العصر العلامة ناصر الدين الألباني الذي خدم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وميز صحيحها من سقيمها، ورد على شبهات المبتدعة الذين لا يرون الأخذ ببعض أنواعها، كما أنه تصدى لنشر عقيدة السلف الصالحين، ونشر كتبا كثيرة في ذلك، فرحمه الله رحمة واسعة.
ولكن العصمة للأنبياء، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والشيخ مع علمه وفضله له بعض الأقوال الفقهية المخالفة للصواب، كقوله بتحريم لبس الذهب المحلق للنساء، وقوله بعدم جواز الاعتكاف إلا في الحرمين والمسجد الأقصى، وقوله بوجوب أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية!! ونحو ذلك من الأقوال المخالفة لجماهير أهل العلم قديما وحديثا.
ولقد قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة الإمام الغزالي: وما من شرط العالم أنه لا يخطئ. اهـ.
وفي الجملة، فإن الشيخ الألباني من علماء الحديث في هذا العصر، وله باع طويل في هذا الفن، وخطؤه قليل، وهو مغمور في بحر صوابه.
هذا، وينبغي الإمساك عن الكلام في أهل العلم والفضل من الذين سبقونا بالإيمان، خاصة من توفاه الله منهم.
وليحذر من الوقيعة في العلماء، فإن لحومهم مسمومة، وإن الطعن في العلماء طريق إلى الطعن في الدين، لأن الدين إنما حفظ بهؤلاء الرجال الأعلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1425(8/2880)
تعلم الحلال والحرام من آكد الواجبات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أستطيع التفرقة بين ما يجوز أو لا يجوز من الأفعال ولا أقصد في الأشياء الواضحة مثل حرمة السرقة مثلا وغيرها ولكن أقصد في أمور الحياة العادية من الأفعال الطبيعية التي يفعلها الناس بتلقائية (في الطهارة مثلا) فهل يجب علي السؤال في كل صغيرة وكبيرة في كل ما يقابلني في حياتي من أمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعلم العبد ما يحتاج إليه من أمور دينه كالعبادات والحلال والحرام من آكد الواجبات. لأن الله لا يتعبد إلا له بما شرع، كما يدل له حديث مسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. فوجب تعلم ما شرعه الله من كيفية الأعمال التعبدية كالطهارة والصلاة وغيرها. حتى يتمكن من عبادة الله على بصيرة وبينة من أمره، ويجب عليه تعلم ما يجوز وما لا يجوز حتى لا يقع في المحرمات والموبقات. فإن تيسر له وضع برنامج للتعلم فهذا هو الأفضل، وإن لم يتيسر له ذلك تعين عليه سؤال أهل العلم المعتبرين في عباداته ومعاملاته. كما يمكن أن يستفيد من الوسائل الحديثة كالأشرطة ووسائل الإعلام ووسائل الاتصال كسؤال العلماء بالهاتف أو عن طريق الاتصال الالكتروني. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 18640، 22256، 22774.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(8/2881)
أم السعد والقراءات العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي القراءات العشرلحفظ القران التي عملت بها الداعية ام السعد مع توضيحات جد مدققة لكي نستعملها لحفظ القران. وجزاكم الله خيرا ودمتم في خدمة الدين. وعيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القراءات العشر التي أخذت أم السعد فيها الإجازة على شيختها بالإسكندرية هي قراءات القراء العشرة المشهورين، وهم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف.
وقد تكلم على هذه القراءات وبين الخلاف بينها الإمام ابن الجزري في النشر وفي الطيبة.
وأما العمل الذي عملته حتى أتقنت حفظ القرآن فهو مواصلة دراستها وتدريسها للطلاب والتفرغ الكلي له.
وراجع قصتها في موقع إسلام أون لاين، فقد ذكرت فيه أنها قالت: ستون عاما من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(8/2882)
قول الشخص عن نفسه إنه عالم بين الاستحباب والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقول الشخص عن نفسه إنه عالم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الشخص عن نفسه إنه عالم إذا كان يقولها ليشهر علمه ويقبل عليه الناس فينتفعون به، فذاك أمر مستحسن، وقد رغب العلماء في تولي القضاء لمن يريد به تشهير علمه.
قال خليل: وندب ليشهر علمه. قال الخرشي: والمعنى أنه يستحب طلب القضاء إذا كان عالماً خفي علمه على الناس فأراد أن يشهره بالقضاء ليعلم الجاهل ويرشد المستفتي.
وقد قال الشاعر:
إذا أنت لم يشهرك علمك لم تجد * لعلمك مخلوقاً من الناس يقبله
وإن صانك العلم الذي قد حملته * أتاك له من يجتنيه ويحمله
وإن كان يقولها كبراً وإعجاباً بنفسه، فذاك حرام لما رواه مسلم وغيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
وإن كان يقولها لا لشيء، فالظاهر أنها لا تنبغي لمنافاة قولها للتواضع الذي هو اللائق بالمسلم، وأحرى من كان ينتسب إلى العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(8/2883)
تعلم التفاصيل االدقيقة لعلوم الشريعة يعد من فروض الكفايات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تنتابني شكوك في العقيدة أحب أن أصل يوماً إلى قول الشهادة من ملء قلبي، علماً بأنني متحجبة وأصلي وأقرأ القرآن بانتظام وأدعو الله، والآن أنا سأوجه إلى شعبة للدراسة في الجامعة وأحب كثيراً أن أدرس في شعبة علمية لأنني أحب العلوم وعلوم الطب، وما يوجد في جسم الإنسان فهل من الواجب أن أذهب إلى شعبة دينية أم أذهب إلى شعبة علمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على المرء دراسة العلوم الشرعية وجوباً عينياً إلا بالقدر الذي يصحح به العبادات المفروضة عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج ونحوها، أما تعلم التفاصيل الدقيقة لعلوم الشريعة، فإنه من فروض الكفايات، ولمعرفة تفصيل ذلك راجعي الفتوى رقم: 15872.
وبناء على هذا فليس من الواجب عليك الالتحاق بشعبة شرعية لتتخصصي في علوم الشريعة، وإن كنا نرى أن ذلك أفضل نظراً لزهد الناس في دراسة العلوم الشرعية، وقلة من يصدق طلبه فيها، فيكون تقدمك لها بمثابة سد ثغرة قل عدد المرابطين فيها.
علماً بأنه لا تجوز الدراسة في الجامعات المختلطة بالصورة المعروفة للاختلاط في عصرنا إلا إذا كان هذا النوع من العلم ضرورياً للفرد أو للأمة، ولا يمكن تعلمه إلا في هذه الجامعات، فإن وجدت جامعة لا اختلاط فيها لم يجز الالتحاق بالجامعات المختلطة ومن دعته الضرورة للالتحاق بها فليحافظ على دينه من الضياع وأخلاقه من الفساد، وعلى المرأة أن تلتزم في مثل هذا المجتمع بالحجاب، وأن تحذر من الخلوة المحرمة، والعلاقات الآثمة، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20297، 28087، 23414، 7309.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(8/2884)
علم الفلك الحسابي والاستدلالي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل الله العلماء وأنزلهم أحسن منزلة. فهل يدمج علماء الفلك ضمنهم مع العلم بأنهم يقومون بدراسة نفسية الشخص وملامح الشخصية انطلاقا من حركة الكواكب. وهل التصديق بما يقولون حلال أو حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علم الفلك ينقسم إلى قسمين: حسابي واستدلالي.
أما الحسابي فيستدل به على الجهات والقبلة وأوقات الصلوات ومعرفة أسماء الكواكب، ولا خلاف بين الفقهاء في جوازه، بل ذهب الجمهور إلى أنه فرض كفاية. قال ابن عابدين ... والحسابي حق وقد نطق به الكتاب في قوله تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {الرحمن5} أهـ..
أما الاستدلالي فهو الاستدلال بالتشكيلات الفلكية على الحوادث السفلية، وهذا القسم منهي عنه لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. قال البغوي في شرح السنة: المنهي عنه من علوم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع، وربما تقع في مستقبل الزمان ... وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ {لقمان: 34} . فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة فغير داخل فيما نهى عنه. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ {الأنعام: 97} .
وقال ابن تيمية: والتنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر، ويحرم إجماعا. اهـ.
فهو بهذا الاعتبار علم باطل وحدث عاطل مبناه على التخمين لا على العلم واليقين، لم ترد به الشريعة الغراء، وإنما يلهج به من لا خلاق له ولا نصيب، كما في "غذاء الألباب" وعليه، فلا يدخل الفلكي –المنجم- ضمن من فضل الله من العلماء، لأنه آثم بعمله هذا، وتجب عليه التوبة والكف عن التنجيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1425(8/2885)
ما موقف المسلم من الدعاة غير الملتزمين بالسنة في الهدي الظاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل:
أحب كثيرا أن أستمع إلى المشايخ والدعاة في القنوات الفضائية وهناك الكثيرون الذين أعطاهم الله تعالى القدرة على الوصول إلى قلوب البشر واستطاعوا بأسلوبهم الأخاذ أن يصلوا بكثير من العصاة إلى بر التوبة والأمان وإني وغيري الكثيرين نجد الراحة الكبيرة في الاستماع إلى محاضراتهم التي يشهد الله تعالى أنه ليس فيها ما يحيد عن منهج الإسلام وأجدهم لا يأمرون إلا بمعروف ولا ينهون إلا عن منكر ... ويدعون إلى محبة الله تعالى.. إلا أن ما يضايقني في الأمر هو بعض المآخذ التي تؤخذ على مثل هؤلاء الدعاة وهي عدم التزامهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في اللباس والالتحاء. حيث أنهم يرتدون البدل الحديثة وأربطة العنق ولا يلتزمون بقصر البنطلون الذى من المفترض أن يكون لا يتجاوز كعب القدم.. فهل هذا سبب يدعوني إلى عدم الاستماع لمثلهم. في عصرنا هذا اختلطت علينا الأمور فقد تجد من المسلمين من يرتدى الجلباب ويطلق اللحية ولكن لا يطبق في معاملاته من الدين شيئاً ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لا يؤاخذكم بصوركم وأشكالكم ولكن بما كسبت قلوبكم.. وأنا أجد في هؤلاء الدعاة الكثير من الخير وتقوى الله تعالى مما قد لا أجده في غيرهم فهل أترك الاستماع لهم مع راحتي واقتناعي التام بهم وأبحث عن غيرهم ممن قد لا يملكون القدرة على الوصول إلى قلوب الناس.
في انتظار ردكم.
مع شكرى الجزيل
شفاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أولى الناس بالتمسك بتعاليم الدين (وخصوصاً ما تعلق منها بالهدي الظاهر) هم طلبة العلم والدعاة إلى الله تعالى، إذ إنهم الطليعة والروََّاد والقدوة والمبشرون بعزّ الإسلام، وهديه وحسن سمته.
ولاشك أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الظاهر والباطن، فإذا صلح الباطن فينبغي أن يُرى أثر ذلك الصلاح على الظاهر، وانظري الفتوى رقم: 2846.
ولكن إذا خالف بعض العلماء والدعاة فتركوا شيئاً من الهدي الظاهر، فإن الأوْلى إحسان الظن بهم، فإن ثمت موانع قد تمنع بعضهم من التمسك بما شرعه الله تعالى من الهدي الظاهر، ومن هذه الأسباب: عدم اعتقاد وجوب التزام ذلك الهدي، ومن ذلك إعفاء اللحية، فمع أن الجمهور على وجوب إعفائها وحرمة حلقها للأدلة المتكاثرة على ذلك (انظريها في الفتويين: 263، 2711) .
إلا أن المتأخرين من الشافعية لا يقولون بحرمة حلقها، وإنما يقولون بكراهة ذلك، وانظري الفتوى رقم: 1491.
وكذلك إسبال الثياب، فمع اتفاق العلماء على حرمة جر الثوب خيلاء، إلا إنهم اختلفوا في حكم من أسبل ثوبه لكن بدون خيلاء، وانظري الفتوى رقم: 5943.
هذا، وينبغي التنبه إلى أمور:
الأول: أن ترك بعض العلماء والدعاة لبعض الواجبات أو المندوبات تهاوناً وتقصيراً أو تأولاً لا يجعلنا نتابعهم على ما هم عليه، فإن متبوعنا هو نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
الثاني: ليس كل من ظهر على شاشات التلفاز أو نُشر له في الصحف يكون من العلماء الذين يؤخذ عنهم، فإن مجال الإعلام قد دخله أناس كثيرون، فمنهم من يقتدى بفعالهم، ومنهم من ليس أهلاً لذلك.
الثالث: إن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. رواه مسلم لا يدل على أن التمسك بالهدي الظاهر ليس مما لا ينظر الله إليه، بل هو من الأعمال المطلوبة، إما على الوجوب أو الاستحباب.
الرابع: من الأدب مع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن إذا ذكرناه أن نصلي عليه كما أمرنا، الأفضل أن تجمع بين التلفظ بالصلاة عليه وكتابتها، وأن لا نكتفي بالرمز (صلعم) اختصاراً، وانظر الفتوى رقم: 7334.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1425(8/2886)
الفرق بين العالم والداعية والواعظ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التعريف الحقيقي للعالم؟ وكيف نميز بين العالم والداعية أو الواعظ؟ وهل هناك درجات للعلماء مثلا عالم مجتهد أو غير ذلك؟ وهل يمكن تصنيف جميع اختصاصات العلماء مثلا عالم بالحديث عالم فقيه ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العالم هو من فقه في دين الله، والعلم النافع هو ما أورث صاحبه الخشية، ولذلك قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء {فاطر: 28} .
قال ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علماً وبالاغترار جهلاً. وقال أيضاً: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم الخشية.
وقال الحسن: تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا، فإن السفهاء همتهم الرواية، والفقهاء همتهم الرعاية.
وقال في تحفة الأحوذي عن العالم المفضّل على العابد: هو الذي ينشر العلم بعد أدائه ما توجب إليه من الفرائض والسنن المؤكدة. انتهى
وإن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع، وقال الشافعي لبعض أصحابه: العلم ما نفع، ليس العلم ما حفظ.
هذا، وإن للعالم صفات شخصية، منها: حسن السمت والهدي والدل، قال صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني، وقال بعض السلف: من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه.
وعلى ما سبق، فإن العالم ينبغي أن يكون داعية، والداعية يجب أن يكون عالماً بما يدعو إليه، قال تعالى:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108} .
وقد بوب البخاري في صحيحه بقوله: باب: العلم قبل القول والعمل: والذين ذكروا شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدوا منها شرط العلم بما يأمر به أو ينهى عنه، وانظر صفات الداعية في الفتوى رقم: 8580.
ولكن في الأزمنة المتأخرة غلب اسم العالم على من تصدر للتدريس وإفتاء الناس والتزم منهجاً في تعليمهم وسلماً يتدرج بهم عليه.
وغلب لقب الداعية على رجل العامة الذي يخالط الناس ويعطيهم من وقته ويقيم أنشطة غرضها جمع الناس على التمسك بالإسلام واعتزازهم به.
وأما الواعظ، فهو الذي يلهب القلوب بسياط تذكيره، ويغلب على أسلوبه الترغيب والترهيب.
ولا شك أن الناس درجات، فمنهم العالم المجتهد المطلق ومنهم المقلد، وبين الدرجتين مراتب، ولقد بحثها الفقهاء في باب الاجتهاد والتقليد من كتب أصول الفقه، وانظر الفتوى رقم: 19384.
وكذلك دوَّن العلم، وصنفت الكتب، وصار التأليف صنعة لها منهج واصطلاح وظهرت التخصصات العلمية تبعاً لتنوع العلوم، وهناك من أتقنها كلها أو جلها ما بين مستقل ومستكثر، ومنهم من أختص بعلم واحد، والناس أجناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1425(8/2887)
العلم الذي يوصف صاحبه بحياة القلب ونور البصيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يا حضرة الشيخ كالتالي: قيل العلم نور والجهل ظلام، الرجاء الشرح والتعليق؟ وجزاكم الله خيراً، الرجاء الرد في أسرع وقت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم الذي يوصف صاحبه بحياة القلب ونور البصيرة هو العلم بالله تبارك وتعالى وبرسله، وبما جاءوا به من وحي السماء الذي ينير الطريق ويزيل الحجب والظلام، ويكشف حقائق هذه الحياة وما بعدها، ويعطي الصورة الحقيقية لهذا الكون.
فمن اهتدى بوحي الله تعالى فعلمه نور يكشف له حقائق الوجود، ومن أعرض عن هذا النور، فإنه في ظلام دامس ولو ظن أنه علم كل شيء من مظاهر الدنيا، فإنه يظل ميت الأحياء؛ كما قال سبحانه وتعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {الأنعام:122}
وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله تعالى وأحاديث نبوية تنوه بالعلم وأهله، وتنفر من الجهل وأهله، قال الله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {الزمر:9} . وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء {فاطر:28} .
جاءت هذه الآية تعقيباً على الأمر بالنظر في مظاهر هذا الكون، والتأمل في بديع صنع الله تعالى حيث يقول تعالى في بداية السياق: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور {فاطر:27-28} .
ولأهمية العلم ومكانته في هذا الدين العظيم، فإن الله عز وجل لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيده من شيء سوى العلم، فقال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه:114} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1425(8/2888)
الاستطالة في عرض أهل الفضل من أربى الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في الآونة الأخيرة جماعة من الناس يحذرون من سماع أشرطة محاضرات بعض المشايخ مثل عائض القرني وغيره، فما قولكم قي مثل هؤلاء الجماعة وهم يقدحون أيضا في بعض العلماء مثل سيد قطب رحمه الله ويقولون إن عندهم أخطاء فلا ينبغي سماع أشرطتهم ويقولون إن الجمعيات الخيرية بدعة وحزبية ويقولون بأن أصحابها حزبيون، فهل هذا الكلام صحيح وهل الجمعيات الخيرية بدعة؟ وكذلك يقولون على المجالس الدعوية أن العمل الجماعي بدعة وأن تشكيل لجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجوز ... وهم فوق ذلك كله لا يصافحون ولا يسلمون على من خالفهم وأنكر ذلك عليهم ويقولون أنه مبتدع وحزبي ولا يردون عليه السلام إذا سلم عليهم وهم في الآونة الأخيرة يبنون مسجد لهم بالحجارة والطين ويريدون أن يكون مثل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسقفه من جريد النخل وهم يخالفون الناس في الأذان وفي الصلاة خاصة صلاة الفجر في رمضان يصلون جماعة أخرى بعد انتهاء صلاة الناس وهم يحرمون الأناشيد مطلقا، وكذلك التمثيل، فالسؤال: ما هو حكمهم، وبماذا تنصحونهم، وكيف الرد عليهم من حيث قولهم: الجمعيات بدعة، الأناشيد لا يجوز استماعها مطلقا، مخالفة جماعة المسلمين في الأذان والصلاة، القدح في الدعاة والعلماء، عدم مصافحتهم وعدم التسليم وأيضا عدم رد السلام على مخالفيهم، بناء المسجد بالطين مثل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حسب ادعائهم بالسلفية نسبة إلى سلف الأمة، حكم التمثيل؟ وجزاكم الله خيراً، ونفع بعلمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم الإخوة الكرام أن هذا الموقع غير معني بالحكم على الجماعات المعاصرة والأشخاص، وقد بينا ذلك في فتاوى كثيرة مع بيان ضوابط عامة لابد منها، من تلك الفتاوى الفتوى رقم: 37011، والفتوى رقم: 33010، والفتوى رقم: 26245 فراجع هذه الفتاوى لزاماً، وراجع الفتاوى المربوطة بها ففيها ما يفيدك بإذن الله تعالى.
ونضيف هنا أيضاً أن الله تعالى قد حرم الغيبة والنميمة والبهتان وجعلها من كبائر الذنوب حفاظاً على الأعراض والأديان، فأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وقال: وإن أربا الربا استطالة أحدكم في عرض أخيه المسلم. أخرجه أبو داود وصححه المقدسي في المختارة، ولا سيما غيبة أهل العلم والفضل، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4402، 19526، 11967.
أما بالنسبة لأشرطة عائض، فراجع الفتوى رقم: 29143، وفيما يخص سيد قطب راجع الفتوى رقم: 11552 والرسالة الذهبية للعلامة بكر بن أبي زيد، ولحكم الإنشاد راجع الفتوى رقم: 2351، ولحكم التمثيل راجع الفتوى رقم: 19761.
أما عن بناء المساجد بالطرق الحديثة فلا يعد من البدع، وليس من السنة الالتزام ببناء المسجد بالطين. راجع الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(8/2889)
كتمان العلم.. بين الإباحة والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إن علمني أحد علماً وقال لي لا تعلمه لأحد فقمت بتعليمه، فهل يصبح ما فعلته حراماً، وهل إن سألني أحد عن هذا العلم لينتفع به فلم أخبره وكتمت هذا العلم فهل يصبح ذلك حراما، وهل هذا متفق عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم الشرعي لا يجوز كتمانه عمن يحتاج إليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2424، والفتوى رقم: 26934.
وأما أن كان هذا العلم الذي عندك من العلوم الدنيوية فإنه لا إثم في كتمانه ما لم يكن من النوع الذي يجب علمه على جهة أنه فرض كفاية، كالهندسة والطب فيجب تعليمه لمن يرتفع بهم الإثم، ولا يجب في غيرهم.
واعلم أنك إذا كنت عاهدت هذا الشخص في هذه الصورة فإنه يتعين عليك الوفاء؛ لقول الله: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء:34} ، وراجع في تأكيد الوفاء بالعهد الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46673، 37542، 12729، 5797.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1425(8/2890)
العلامة السيوطي مؤلف كتاب الإتقان في علوم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو مؤلف كتاب الإتقان فى علوم القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما مؤلف كتاب الإتقان في علوم القرآن فهو الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبو بكر بن ناصر الدين الخضيري السيوطي نسبة إلى أسيوط قرية من قرى مصر، ولد رحمه الله تعالى سنة 849 هـ، له مؤلفات كثيرة منها على سبيل المثال: تكملة تفسير جلال الدين المحلي ولذا عرف بتفسير الجلالين، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، وكتاب مفحمات الأقران في مبهمات القرآن، ومنها الإتقان وقد قال فيه: إنه جعله مقدمة لتفسيره المسمى مجمع البحرين، ومنها في الحديث: كشف الموطأ في شرح الموطأ، وله ألفية في مصطلح الحديث وألفية في النحو وأخرى في البيان، وله كتاب الكوكب الساطع في الأصول. توفي رحمه الله سنة 911 هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(8/2891)
تعلم الهندسة والطب والبرمجة من فروض الكفايات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤجر المسلم عند طلب علم آخر من العلوم غير العلوم الشرعية مثل البرمجة أو الهندسة ... الخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنسان في هذه الحياة مجبول على التحرك والعمل بدوافع وغايات متعددة، فإن قصد إرضاء الله وابتغاء وجهه فيما يقوم به من الأعمال المباحة فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله، وسواء كانت هذه الأعمال من العبادات أو الأمور الأخرى فإن النية الصالحة تحول المباحات إلى عبادات، فمثلا تناول الطعام بنية التقوي على أداء العبادات البدنية يكون عبادة، وأيضا فإن تعلم الهندسة والطب والبرمجة من فروض الكفايات، وقد نص الإمام النووي في المجموع على أن تعلم العلوم الدنيوية من فروض الكفايات. قال ابن القيم في الطرق الحكمية: ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك، فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك، ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي أن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية لحاجة الناس إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1425(8/2892)
هل يوصف من لم يحصل على الشهادة الجامعية بالجهل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري خمسون عاماً ولم أنل من التعليم إلا المتوسط ولكن الحمد لله أحفظ من القرآن أكثر من خمسة عشر جزءاً، ولكن سمعت من وصفتني بأني جاهلة لا أحمل شهادة جامعية ولأنني غضبت في نقاش دار بيني وبينها فهل أعتبر فعلاً جاهلة وأنا والحمد لله أقرأ دائماً الكتب الدينية، وأعلم من الله ما لا يعلمون هم، أرجو إفادتي هل العلم هو فقط العلوم الدنيوية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم الذي بينت الآيات والأحاديث فضله ومكانة صاحبه عند الله هو العلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، وما أجمع عليه العلماء أو استنبطوه من الوحيين، وهو الذي قال الله فيه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11] ، وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [الزمر:9] ، وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري.
وقال ابن القيم رحمه الله:
... ... ... العلم قال الله قال رسوله * إن صح والإجماع فاجهد فيه
وقال الشافعي رحمه الله:
... ... ... كل العلوم سوى القرآن مشغلة * إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
... ... ... العلم ما كان فيه قال حدثنا * وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وأما العلوم الدنيوية التي يتعلم بها ما ينفع الناس فلا شك أن العلم بها أفضل من جهلها، ويمكن أن يطلق على من جهلها أنه جاهل بها لا أنه جاهل مطلقاً، ولا سيما إذا كان يحفظ نصف القرآن ويقرأ الكتب الدينية، وليعلم أن العلم والجهل يطلقان على الإنسان بحسب ما يغلب على حاله، فقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد: أنه لا نقيصة على العالم من جهل الشيء اليسير من العلم؛ إذ الإحاطة لا سبيل إليها، وقد يسمى العالم عالما وإن جهل أشياء، كما يسمى الجاهل جاهلاً وإن علم أشياء، وإنما تستحق هذه الأسماء بالأغلب.
ثم إن الدراسة في الثانوية والجامعة ليست شرطاً في تحصيل، فكم من عالم حصل كثيراً من المعارف وهو لم يدرس بها، وكم من صاحب شهادات عليا وهو ضعيف المستوى في العلم.
هذا.. ونوصيك بالحرص على إكمال حفظ القرآن والإكثار من المطالعة في كتب الحديث والسعي في تعليم أولادك وجاراتك، وعليك بالصبر والبعد عن الجدال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا. رواه أبو داود وصحح إسناده النووي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1425(8/2893)
لا سبيل لمعرفة كيفية قذف الله نو العلم في قلوب المتقين
[السُّؤَالُ]
ـ[العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ... كيف يكون ذلك؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكيفية التي يقذف الله تعالى بها العلوم في قلوب من يشاء لا سبيل إلى معرفتها، فهي من فعل الله الذي ليس لنا أن ندرك منه أو نعرف إلا ما أخبر به الله، أو أخبر به عنه نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا] (الأنفال: 29) .
فالله يقذف نور العلم في قلوب المتقين من عباده المبتعدين عن معصيته. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": واقتدى الإمام أحمد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم تجلى لهم أمور صادقة، وذلك لقرب قلوبهم من الله، وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى، وكلما بعد عن الله كثرت عليه المعارضات، وضعف نور كشفه للصواب، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب يفرق به العبد بين الخطأ والصواب، وقال مالك للشافعي رضي الله عنهما في أول ما لقيه: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمات المعصية. (2/ 513) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1425(8/2894)
لا يستوي المجتهد في تحصيل العلم النافع والمتثاقل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاجتهاد في الدراسة أمر يثاب عليه المسلم؟ بمعنى أصح, هل يستوي المسلم الذي يجتهد في دراسته والمسلم الذي يهمل الدراسة ولا يريد الاجتهاد فيها؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الذي يبذل جهده ويقضي وقته ويجتهد في تحصيل العلم النافع، الذي ينفع الشخص في خاصة نفسه أو ينفع به مجتمعه أن له الأجر الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى إذا قصد بذلك وجه الله والدار الآخرة.
ولا شك أيضا أن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب نياتهم وإخلاصهم وما يبذلونه من جهد.
قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [سورة المجادلة: 11] . وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [سورة الزمر: 9] .
والحاصل أن من اجتهد في تحصيل العلم النافع بنية صادقة كان من الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر. رواه أحمد وأصحاب السنن.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 40763.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1425(8/2895)
المفتي مبين لحكم الله حسب الدليل؛ لا الهوى أو الرأي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يقول \"انتقم الله من العالم فلان فلم تات المصائب إلا من وراء فتواه\" والقائل ملم بالأمور الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز مثل هذا القول في حق مفت شرعي لأن الفتوى إعلام للمستفتي بحكم الشرع في النازلة المسؤول عنها، بحسب ظن المفتي إن كانت من مسائل الاجتهاد.
فالمفتي إنما هو مبين لحكم الله في المسألة مستنداً إلى دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وليس بهواه أو برأيه، وهو ليس معصوماً، إلا أنه يتعين على المستفتي أن لا يأخذ دينه إلا ممن يوثق بعلمه وأمانته واتباعه للدليل، فقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه؛ فهذا القائل قد أخطأ في قوله هذا، وعليه الاستغفار من هذا القول والتوبة إلى الله، وعليه أن يعرف للعلماء حقهم ويقدر لهم قدرهم، فلا شك أن منزلة العلماء في الإسلام عظيمة، فهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين للناس، وهم الذين استشهدهم الله تعالى على وحدانيته، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فقال الله تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] .
وقال ابن عساكر: إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(8/2896)
لا مقارنة بين العلم الشرعي وغيره من العلوم
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم الخامس والعشرين من رمضان 2001 كنت أستمع للرقية الشرعية على أسطوانة كمبيوتر عدة مرات حتى في إحدى مرات استماعي أحسست كأن روحا تخرج من جسدي فخفت ودعوت وقلت اللهم أعتقني من النار اللهم اجعلني رفيق رسول الله في الجنة وفعلا أصبح كتفي خفيفين بعدما كانا ثقيلين وأصبحت
أنام مرتاحا وأصبحت خفيف نشطا ومرتاحا نفسياً جداً وصغرت الدنيا في عيني
وأصبحت مهتما بأمور ديني وأصبحت لا أحتمل الخطأ في الدين حتى مددت يدي على
بعض الناس الذين يعملون المنكرات أمامي وأصبحت عندي أشعار دينية ولكن مرة من
الأيام في الجامعة قلت لهم لماذا الفساد لأنني رأيت منكرات في الجامعة حتى
مسكوني الأمن الداخلي ولكني لم أهتم فكانت كلمتي هي كلمة الحق ولم يضربوني
وقلت سوف أعمل مشروع التخرج في الاستفادة من العقول البشرية لكن لم أجد
من يفهمني حتى أصبت باكتئاب أي في التنمية البشرية
ثم عولجت ثم تخرجت من كلية الهندسة ولكن أريد القراءة في كلية الشريعة في
إحدى الدول الإسلامية ولكن محتار حيث هل أكمل في مجال تخصصي أي ماجستر
وأحدث نفسي ما ينفع علم الدنيا ما لم يخدم الإسلام وقلت ممكن في مجال تخصصي أن
أستطيع أن أخدم الإسلام ولكن قلت أضيع وقتي في كثير من العلم الدنيوي فلا
أجد فرصة للتفقه في الدين فقلت إني أدرس في كلية الشريعة ثم أتخصص في
التوجيه التربوي والتنمية البشرية حتى نستطيع صناعة القنبلة الإيمانية
الإسلامية وفعلا ما ينقصنا هو التوجيه التربوي الإسلامي
ثم أكمل في مجال تخصصي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية والسلامة، ونسأل الله أن يصلح حالك وأن يسهل أمرك وأن يختار لنا ولك ما فيه الخير، والذي ننصحك به هو أن تقبل على العلم الشرعي وتلتحق بكلية الشريعة، حيث إن نفع ذلك لك وللمسلمين أكثر من الالتحاق بكلية الهندسة، ولا يعني هذا التقليل من شأن الهندسة، ولكن لا مقارنة بينها وبين الشريعة، وننصحك بأن تستخير الله سبحانه، وأن تستشير من تثق فيه من أهل العلم والفضل حتى يشيروا عليك بما يرونه مناسبا لحالك وحال واقعك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1425(8/2897)
أولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فضل العالم في الكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم الأخرى كفضل عالم الدين والفقه في الدنيا والآخرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن تعلم كل علم ينتفع به المسلم في نفسه أو ينفع به المسلمين أجراً كبيراً وخيراً كثيراً، ولو لم يكن من العلوم الدينية المحضة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر. صححه الألباني في صحيح الجامع، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة:.... وذكر منها علم ينتفع به.... الحديث وهو في صحيح مسلم.
فدل عموم هذين الحديثين وما جاء في معناهما على أن كل علم مباح يفيد الإنسان في نفسه أو يفيد المسلمين من ورائه، فهو مرغب في تعلمه، مأجور عليه إن شاء الله تعالى.
هذا فيما يتعلق بفضل العلوم التي ذكرت كالفيزياء والكيمياء ونحوهما.
وأما عن كون العالم بهذه العلوم له نفس الفضل الذي للعالم الشرعي فهذا أمر مستبعد جداً، فالعلوم الشرعية متفاضلة فيما بينها، قال محمد بن مفلح في الآداب الشرعية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه والأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام.
والعلوم الشرعية أفضل العلوم على الإطلاق، ففي رسالة ابن أبي زيد القيرواني: وأولى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله علم دينه وشرائعه مما أمر به ونهى عنه، ودعا إليه وحض عليه في كتابه، وعلى لسان نبيه، والتفقه في ذلك والتفهم فيه والتهمم برعايته والعمل به ...
وهذا الفضل المذكور هو بالنسبة للدنيا والآخرة، لأن شرف المرء في الدنيا إنما يستمده من شرفه في الآخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(8/2898)
تعليم العلم في المساجد من هدي السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم الشرع في تخصيص قراءة الأحاديث أو القراءة من كتاب من قبل الإمام بعد صلاة العصر يوميا، علما بأنه جرت العادة على عدم القراءة في يوم الجمعة، والحال مستمرا علما بأنه متفق عليه من قبل جميع الأئمة عندنا ولا يمكن القراءة إلا بعد نهاية صلاة العصر فقط، وينتقد الإمام الذي لا يقوم بذلك وكذلك ينتقد المأموم الذي يقوم قبل نهاية قراءة الإمام، ونظراً للخوف من دخول ذلك ضمن الصلاة، هل يدخل ذلك في البدعة أم أنه بدعة حسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وأما حكم قراءة الأحاديث النبوية أو غيرها من العلوم الشرعية بعد صلاة العصر أو غيرها أو قبلها فلا مانع منه شرعاً، بل هو من تعليم العلم وتعلمه الذي هو من أفضل القربات إلى الله تعالى، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جداً نكتفي منها بقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا، قال بعض أهل العلم: لم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيد من شيء سوى العلم.
ولا مانع أن تترك القراءة أو الدرس يوم الجمعة أو غيره من الأيام إذا لم يكن فيه حضور أو كان الناس في شغلهم.... ولا حرج أن يقوم من أراد الذهاب إلى عمله أو كان له شغل بعد أداء الصلاة وقبل نهاية الدرس أو القراءة، ولا شك أن تعليم العلم وقراءته في المساجد كان من هدي السلف الصالح وفعل الأئمة الكبار كمالك وغيره وليس ذلك من البدع.
ففي سنن ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو بحلقتين إحداهما يقرأون القرآن ويدعون الله تعالى، والأخرى يتعلمون فقال صلى الله عليه وسلم كل على خير، هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون الله تعالى فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون، وإنما بُعثت معلماً فجلس معهم.
وضابط البدعة كما قال الشاطبي رحمه الله: أنها طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد..... وطريقة التعلم في المسجد وقراءة العلم فيه ليست مخترعة كما رأيت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(8/2899)
ما من أحد من الناس إلا ويؤخذ من قوله ويترك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موقفنا من الحافظ جلال الدين السيوطي، فله -رحمه الله- أمور عجيبة في التصوف منها مثلا دفاعه عن ابن عربي!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله كان أشعري العقيدة، مثل كثير من علماء عصره، فضلا عن عامة الناس، يعرف ذلك من يقرأ تفسير الجلالين، الجزء الأخير الذي كتبه السيوطي، فقد كان يؤول أكثر آيات الصفات على طريقة الأشاعرة، ويصرفها عن الحقيقة التي هي طريقة السلف ونهجهم في آيات الصفات، ونلاحظ أن السيوطي يذهب أحيانا مذهب السلف في تفسير بعض آيات الصفات، فلا يؤولها، بل يثبتها على حقيقتها كما يليق به سبحانه. من مقدمة كتاب "التحبير في التفسير. تـ/ زهير علي نور. والسيوطي كان ذا مسلك صوفي أخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ الكامل محمد بن عمر الشاذلي، وله فيه كتاب بعنوان (تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية، وهو يرى أن الطريقة الشاذلية في المتأخرين نظير طريقة الجنيد في المتقدمين، وأن طريق الجنيد وصحبه طريق قويم. من كتاب "السيوطي وجهوده في الحديث وعلوه" (ص 120) . بديع اللحام.
وقد نقل ابن عابدين في رد المحتار على الدر المختار كلاما للسيوطي يدافع فيه عن ابن عربي، ومما قال: وللحافظ السيوطي رسالة سماها "تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي" ذكر فيها أن الناس افترقوا فيه فرقتين: الفرقة المصيبة تعتقد ولايته، والأخرى بخلافها، ثم قال: والقول الفصل عندي فيه طريقة لا يرضاها الفرقتان، وهي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه، وذلك أن الصوفية تواطأوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة بين الفقهاء "، ثم ذكر كلاما يحاول فيه تبرئة ابن عربي من أقواله الشنيعة وآرائه الكفرية، مثل وحدة الوجود، والحلول والاتحاد، وغيرها.
ولكن الإمام السيوطي لم يقل أحد بأنه يقول بهذه الأقوال والآراء التي عليها ابن عربي وأصحابه.
وإنما هذا رأي واجتهاد منه في ابن عربي.
وأما الموقف الصواب من الإمام السيوطي وغيره من العلماء، فهو بيان خطأ العالم –إن أخطأ- مع التزام أدب الرد، وما من أحد من الناس إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي الخلط بين إجلال أهل العلم وتوقيرهم وبين قبول كل ما يقولونه، فالحق أحق أن يتبع، والخطأ يرد على صاحبه مع التزام أدب الرد، وبهذا يعطى كل ذي حق حقه.
وراجع الجواب رقم: 6506
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1425(8/2900)
ثمار وفوائد علوم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[إن علوم القرآن الكريم واسعة مثل علم التجويد والإعجاز وغيرها، فما هي ثمرة علوم القرآن، أي قسم أفضل من علوم القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن علوم القرآن وذلك في الفتوى رقم: 24880.
وأما عن فائدة وثمرة علوم القرآن فهناك ثمار كثيرة ومنها:
1- تلاوة كتاب الله كما أراد الله.
2- فهم كلام الله كما أراد الله.
3- التدبر والتفكر في كلام الله.
4- حفظ كتاب الله عز وجل عن الزيادة أو النقصان أو التغيير.
5- استنباط الأحكام الشرعية على الوجه الصحيح.
وأما عن أفضل علوم القرآن فإننا لا نستطيع أن نحكم على نوع منها بأنه الأفضل على الإطلاق، إلا أننا نقول ما تعلق منها بتصحيح عقيدة وعبادة المرء وغيرهما من فروض الأعيان فإن تعلمه فرض عين، وما عدا ذلك فإنه فرض كفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية وإن اختلف الأصوليون أيهما الأفضل، فذهب جمهورهم إلى أن فرض العين أفضل، وذهب أبو إسحاق الاسفرائني والجويني إلى أن فرض الكفاية أفضل، قال السيوطي في الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع: فرض الكفاية مهم يقصد من نظر عن فاعل مجرد
وهو مقدم على ذي العين في رأي الاستاذ مع الجويني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(8/2901)
الإمام أبوحنيفة النعمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد أنا الطالب سامر من الأردن اجتذبني الموقع منذ فترة وأتاني موضوع لأسال عنه::::::
وهو أنني أريد موضوعا عن سيرة أبي حنيفة النعمان لا يقل عن 10 صفحات
مع العلم الكامل بأنني أزعجتكم ولكنني مضطر وأرجو أن يكون بسرعة
والله هو المعين والسلام.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيراً على متابعة موقعنا، ونأمل أن تكون قد استفدت منه.
أما بالنسبة لسيرة وترجمة الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- فقد ذكرنا طرفاً منها في الفتوى رقم: 17320، ولمزيد من الفائدة عن سيرته -رحمه الله- نحيلك على كتب التاريخ والتراجم، ككتاب صفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ونحو ذلك من الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(8/2902)
إبطال قول من كفر شيخ الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد شاهدت في أحد القنوات الفضائية (المستقلة) مناظرة بين شيخين أحدهما يسمى السقاف يكفر شيخ الإسلام ابن تيمية ماحكم هذا الشيخ فى الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على سؤالك في الفتوى رقم: 39089، والفتوى رقم: 7022، والفتوى رقم: 32029.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(8/2903)
الاشتغال بطلب العلم.. أم تحصيل الرزق الزائد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤاخذ الرجل الذي يتفرغ للعبادة وحضور مجالس العلم عن العمل، علما بأنه غير متزوج وعنده ما يكفيه وزيادة لأنه يعمل لشهرين فقط في السنة بالتجارة؟؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضافرت أدلة الشرع على فضل العلم والحث على تحصيله، ومن ذلك قول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر: من الآية9) ، وقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر: من الآية28) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري.
وقد قسم أهل العلم طلب العلم إلى نوعين:
أحدهما: واجب عيني، وهو ما لا يسع المكلف جهله كأحكام العقائد والطهارة والصلاة ونحوها؛ لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. قال النووي في المجموع: وهذا الحديث وإن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح. هـ
وثانيهما: واجب كفائي، وهو تحصيل ما لا بد للناس منه من إقامة دينهم من العلوم الشرعية كالقرآن والأحاديث وعلومهما والأصول والفقه والنحو واللغة وغيرها.
قال الرازي في تفسيره عند قول الحق سبحانه: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (التوبة: من الآية122) ، قال: في هذه الآية دلالة على وجوب طلب العلم، وأنه مع ذلك فرض على الكفاية لما تضمنت من الأمر بنفر الطائفة من الفرقة وأمر الباقين بالقعود لقوله: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً (التوبة: من الآية122) اهـ. وقال السرخسي في المبسوط: فإن أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله تعالى طلب العلم، وقال ابن أبي زيد القيرواني: طلب العلم فريضة عامة يحملها من قام بها إلا ما يلزم الرجل في خاصة نفسه. قال شارحه: كالتوحيد والوضوء والصلاة والصوم والحج والبيع والشراء، فإنه فرض عين لا يحمله أحد عن أحد. اهـ
وبناء على ما تقدم؛ فإن طلب الإنسان للعلم العيني واجب وجوب الفرائض، وبالتالي يقدمه على الاشتغال بتحصيل الرزق الزائد عن الحاجة الضرورية لقيام بُنيته إذا لم يستطع الجمع بينهما، وكذلك إن كان هذا العلم كفائياً ولم يوجد من يقوم به في بلده، أما إن وجد وكان عنده ما يكفيه لحاجته من المال كما هو الحال في هذا السؤال، وعلم من نفسه الأهلية لطلب العلم، فهذا الأولى له الاشتغال بطلب العلم لما في ذلك من الخير الخاص والعام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 محرم 1425(8/2904)
الجمع بين قيام الليل وطلب العلم أولى
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير جزاء على هذا الموقع الممتاز فأنا ولله الحمد اتابع فتاويه بشكل يومي وأعتبره مصدري الرئيسي للإفتاء، وسؤالي هو ايهما أكثر ثوابا التهجد أم تعلم علوم القرآن من تفسبر وقراءة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 15382.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(8/2905)
ما يفعله المسلم إذا اختلفت أقوال العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحد أرشدني بأن ذلك الشيء الذي أقوم به مثلاً بدعة أو حرام وكان أمرها مشكوكا فيها وقد أفتى بها شيخان كبيران مختلفان بالرأي بالسؤال الذي طرحته وعلى قدر واسع من العلم ماذا أتخذ بموقفي هذا؟؟؟
هل أتبع جماعة معينة تحرم ذلك وتبيح ذلك أم أتبع ما يمليه عليّ قلبي بالقرآن والسنة وأول دقة يدقها قلبي بأن ذلك الشيء حرام أو بدعة أو غير مقتنع به
أي معنى آخر لسؤالي هو كثر التفسير وكثر المفسرون وكثر الذي يصدرون الفتاوي وبصراحة وعدم المؤاخذة الواحد ليس عارفا ما هو الصحيح فذاك يقول لك حرام وذاك يقوم لك لا وآخر يقول لك بدعة وسؤالي هذا متمم لسؤالي رقم 6]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
6 و 7
وبعد: فإذا أراد العامي أن يستفتي عن أمر، فإنه لا يجوز أن يسأل أي أحد، بل يسأل من يثق في دينه وعلمه، ولا يجوز له تتبع الرخص والزلات، بل يعمل بما أفتاه به ذاك العالم الموثوق في دينه وعلمه، وإذا اختلفت أقوال العلماء، فقد تقدم الكلام عما ذا يصنع المسلم تجاه ذلك، وذلك في الفتوى رقم: 6787، والفتوى رقم: 5592.
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ بما يمليه عليه قلبه إذا خالف الدليل الشرعي، وراجع الفتوى رقم: 38050، والفتوى رقم: 17826.
والله أعلم.
... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1425(8/2906)
من أعلام الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابن حزم والعز بن عبد السلام وأبوحنيفة من أهل السنة؟ مع ذكرمن المفتي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة للإمام أبي حنيفة فهو غني عن التعريف، فهو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة، ومذهبه هو أقدم المذاهب، ونحيلك فيما يتعلق به إلى الفتوى رقم: 17320
أما الشيخ العز بن عبد السلام، فهو إمام من أئمة أهل السنة، ولُقب بسلطان العلماء لقوته في إنكار المنكر وصدعه بالحق، فقد أخرج من بلده دمشق بسبب إنكاره على السلطان تسليم بعض بلاد المسلمين إلى الإفرنج، كما ذكر الحافظ ابن كثير الذي وصفه بأنه شيخ المذهب الشافعي في زمنه، ثم وصفه قائلا: وله مصنفات حسان منها التفسير واختصار النهاية والقواعد الكبرى والصغرى، وانتهت إليه رئاسة الشافعية وقصد بالفتاوى من الآفاق. انتهى من "البداية والنهاية" لابن كثير.
وقد توفي سنة ستمائة وستين.
أما ابن حزم الظاهري، فهو أبو محمد علي بن أحمد القرطبي، فقد وصفه الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" بأنه علامة حافظ، ثم استطرد في وصفه قائلا: فقرأ القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية وبرز فيها وفاق أقرانه، وصنف الكتب المشهورة يقال إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب من ثمانين ألف ورقة.
إلى أن قال ابن كثير مستطردا ما عنده من ملاحظات تجاه منهج ابن حزم: والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع، لا يقول بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء وأدخل عليه خطأً كبيرا في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي ذكره ابن ماكولا وابن خلكان ففسر بذلك حاله في باب الصفات. انتهى.
والله أعلم. ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1424(8/2907)
احترام أهل العلم والفضل واجب
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الشباب يقومون بالشتم وبالطعن في بعض العلماء والأئمة ويقولون أخطأ في كذا مسألة مثل الداعية عائض القرني أو لأنه مسبل لأزاره مثل الداعية عمرو خالد ولايستمعون لهم أبدافما حكم ذلك في الشريعة؟ وماكيفية التعامل معهم؟
جزاكم الله خيرا.
... ... ... ... ... ...]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرجلان اللذان ذكرت من الرجال الذين عرفوا بالدعوة إلى الله تعالى، ولهما جهد طيب في نشر دين الله تعالى، ونفع الله تعالى بهما خلقاً كثيراً، ونحسبهما من أهل الخير والصلاح ولا نزكي على الله أحداً، مع العلم بأن العصمة ليست إلا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما غيرهم من الناس فيؤخذ من قوله ويترك.
والواجب على كل مسلم احترام أهل العلم والفضل وتوقيرهم والاعتراف لهم بالمنزلة التي أكرمهم الله تعالى، إضافة إلى إمساك لسانه عن شتمهم والطعن عليهم والتشهير بهم، فإن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، كما قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى، وللمزيد عن هذا الموضوع نحيلك إلى الجوابين التاليين: 4402 / 29143.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(8/2908)
يحمل كلام أهل العلم على أفضل محمل ممكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد جوابا كافيا شافيا بخصوص مقال قيل إنه سجل عن الشيخ يوسف القرضاوى..... قيل فيه
إن الشيخ أثنى على إسرائيل بشأن الانتخابات الأخيرة لنزاهتها...... إلى هنا الأمر يحتمل لكن ما لا يحتمل أن الشيخ أضاف أنه لو ترشح الله في الدول العربية لا يحصل على نسبة99 بالمئة. وهذا كلام خطير نرجو التوضيح.
وبارك الله فيكم...... وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة لا يجوز للمسلم أن يقولها لما فيها من الغض من مقام الخالق سبحانه، وتشبيهه بالمخلوق الذي يكون موضع القبول أو الرفض من المخلوقين أمثاله -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- وعلى فرض أن الشيخ قد قال ذلك، فهو سبق لسان، ولم يقصد بها الشيخ ما فيها من الغض من الخالق وتشبيهه بخلقه، وسيرة الشيخ وكتبه ودعوته تدل على ذلك، وإنما قصد الشيخ -حفظه الله- عدم رضا الناس عن أحد ولو كان خالقهم، وهذا المعنى صحيح ولكن لا يجوز التعبير عنه بهذه العبارة.
والواجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، ولا سيما العلماء منهم والدعاة، وإن رأى خطأ سعى في النصح وبيان الحق، متحريا أدب الإسلام في النصيحة، ومبتعدا عن التشهير والتشنيع.
وراجع لزاما الفتويين رقم: 6506، ورقم: 18788.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1424(8/2909)
تعليم باب من العلم خير من صلاة ألف ركعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل وردت أحاديث في أن أجر معلم القرآن كأجر ألف ركعة..وحديث اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه، هل هو ضعيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج ابن ماجه عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية في كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلي ألف ركعة. وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب.
وقد ورد في فضل العلم ما هو أعظم من ذلك، فلا عجب، وأما دعاء اللهم إني لا أسألك رد القضاء، فسبق الحديث عنه في الفتوى رقم: 6703.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1424(8/2910)
دفاع عن الإمام أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحه هذا الكلام بأنه يوجد في كتاب عبد الله بن أحمد بن حنبل سب وشتم وتكفير لأبي حنيفة النعمان وقد أكد ذلك باسم الكتاب ورقم الصفحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك بداية إلى أن أهم ما يتعين علينا في هذا العصر إصلاح أنفسنا ومجتمعنا، فعلينا أن يحاسب كل منا نفسه، وينظر في عيوبه، ويسعى جاداً في إصلاحها، كما ننبه إلى تأكيد احترام وتوقير أهل العلم وتقديرهم، والتغاضي عن زلاتهم، فقد قال ابن القيم رحمه الله: العلماء بحار وأخطاؤهم أقذار، والماء إذا جاوز القلتين لم يحمل الخبث.
وقال الذهبي رحمه الله: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ولو أن كل إمام أخطأ ألغيناه لم يبق لنا إمام.
ويتأكد هذا الأمر في علماء السلف، فإنه لا يحق لنا أن نقول فيهم إلا الدعاء لهم بالمغفرة، فنقول ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.
وأما ما سأل عنه السائل فإنه يوجد فعلاً في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ابن حنبل كلام حول هذا الموضوع، وقد تكلم الدكتور محمد سعيد القحطاني في تحقيقه لهذا الكتاب على هذه الانتقادات التي انتقد بها أبو حنيفة، فذكر أن أكثر من خمسين في المائة منها لا يصح سنده عمن عزي إليهم، وذكر أن ما ذكر من اتهامه بالكفر إن قصد به ما نسب إليه من القول بخلق القرآن فهو مردود بما ورد بسند صحيح عند اللالكائي وعند البيهقي من نفي القول به عنه.
وبما روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن الإمام أحمد أنه قال: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول بخلق القرآن، وذكر الدكتور كذلك أن عبد الله بن الإمام أحمد لم ينفرد بالكلام على أبي حنيفة، بل تكلم فيه ابن حبان والبخاري وابن قتيبة وابن أبي شيبة والخطيب البغدادي واللالكائي، ثم نقل عن ابن عبد البر أن من وثقوا أبا حنيفة وزكوه أكثر ممن تكلموا فيه، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: من ظن أنا أبا حنيفة وغيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى.
هذا وليعلم أنه قد زكى الإمام أبا حنيفة كثير من الأئمة، فقد نقل المزي في تهذيب الكمال تزكيته والثناء عليه عن كثير من الأئمة منهم ابن معين وابن المبارك وابن جريج ويحيى بن سعيد القطان والشافعي، فذكروا من سعة علمه وورعه واشتغاله بالعبادة، وقد أطال المزي في ذلك فذكر في حياة أبي حنيفة والثناء عليه قريباً من ثلاثين صفحة، وقد ألف الذهبي كتاباً في فضائل أبي حنيفة وصاحبيه، سماه مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وذكر في هذا الكتاب ثناء التابعين وأتباعهم على أبي حنيفة، منهم الأعمش والمغيرة وشعبة وسعيد بن أبي عروبة وابن عيينة، وقد ألف فيه الحافظ محمد بن يوسف الصالحي الشافعي رحمه الله كتاباً سماه عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان.
وقد ألفت في هذا العصر بعض الكتب في الرد عنه، بعضها في الرد على ابن أبي شيبة، وبعضها في الرد على الخطيب، ومن أهمها رسالة دكتوراه كتبها الدكتور محمد قاسم عبده الحارثي اسمها مكانة الإمام أبي حنيفة بين المحدثين، فحبذا لو أمكن الاطلاع عليها، وعلى تحقيق الدكتور القحطاني لكتاب السنة، وراجع الفتاوى التالية بأرقامها: 20876 / 31408 / 22612.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1424(8/2911)
خدمة الأم.. أم طلب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[خدمة الأم أو تحصيل العلوم الإسلامية أيهما أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجواب يختلف باختلاف، الأحوال فإن وجد من يقوم بخدمة أمك بحيث تأمن عليها الضيعة فالأفضل الاشتغال بطلب العلم، وإن لم يوجد من يقوم بخدمتها وكانت تحتاج إلى الخدمة فالواجب برك بأمك، لاسيما مع توافر بعض الوسائل لتحصيل العلم كأشرطة التسجيل، وإذاعات القرآن الكريم وغيرها من الوسائل، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 14613.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(8/2912)
استحضار منزلة طالب العلم يشحذ الهمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في كلية من كليات القمة دخلتها مكرها نظرا لمجموع الثانوية العامة, ولكني لا أتحمس للمذاكرة ولا أطيق الذهاب إليها. فهل من دواء يحمسني في المذاكرة ويحببني في الكلية؟ وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد رغب الإسلام في العلم، وأرشد العباد إلى إعمار الأرض واتخاذ السبل المعينة لذلك من وسائل الرقي والتقدم، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: من الآية61) ، ومن أعظم هذه الوسائل، العلم النافع، وتدخل في ذلك هذه العلوم التي تفيد الناس في أمور معاشهم كالطب والهندسة وغيرهما، وقد ذكر أهل العلم أن تعلم هذه العلوم قد يكون من فروض الأعيان أو فروض الكفايات حسب حاجة الناس إليها، مما يدل على أهميتها واهتمام الإسلام بها، فعلى هذا فإن أخلص المسلم فيها نيته وأصلح مقصده، كان تعلمه لها وتعليمه إياها كل ذلك ينال به الأجر العظيم من الله تعالى، ولعل هذا الإخلاص من أعظم ما يعين المرء في طريق الطلب أي باستحضار كونه في سبيل إلى الجنة ينفع به الأمة، وينصر به دينه، ثم إنه لا بد من الاستعانة بالله تعالى ودعائه بمثل ما ورد في الحديث الذي رواه النسائي في الكبرى والحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، إلى غير ذلك من عموم الأدعية، هذا بالإضافة إلى مصاحبة الطلبة المجتهدين الذين يعينونك في هذا الطريق ويكونون سبباً في تحبيب هذا العلم إلى نفسك، ثم إن كان عدم حصولك على رغبتك هو السبب في ضعف همتك ولم يمكنك الحصول عليها، فلتتذكر قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) [البقرة:216]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(8/2913)
أعرضوا عن الكلام في الدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عن صحة الأشرطة للشيخ فالح الحربي بعدم الاستماع للشيخ عائض القرني في أشرطته عائض القرني وبنيات الطريق، وتحذير الأمة من خطأ فاحش عند عائض القرني، وهل لي أن أستمع لهذه الأشرطة وأعمل بها، وهل استمع للشيخ فالح الحربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فموقعنا غير متخصص في تقييم الجماعات والرجال، وننصح الأخ السائل وجميع الإخوة السائلين أن يشغلوا أوقاتهم بالنافع المفيد، وأما عن الاستماع إلى أشرطة من ذَكرهم السائل، فإننا نقول خذ الصواب والخير من أي أحد يقوله، ورد الخطأ والشر من أي أحد يقوله، وراجع لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37011، 31460، 29143، 24218، 12212.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1424(8/2914)
عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[من من الشيوخ عنده عقيدة أهل السنة والجماعة الصحيحة وما عقيدة ابن تيمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعلماء الراسخون في العلم والذين يفقهون الناس في دينهم وينشرون العقيدة الصحيحة، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، هؤلاء كثيرون ولله الحمد وقلَّ أن يخلو منهم بلد، لكن نرشد السائل الكريم إلى بعض كتب عقيدة أهل السنة والجماعة والتي تليق بالمبتدئين من طلبة العلم فراجع الجوابين التاليين: 4550 / 27677
أما عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية فمرجعها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد لخصها في كتبه المشهورة التي من بينها العقيدة الواسطية وغيرها من كتبه المفيدة النافعة، وللتعرف على شخصية هذا الإمام نحيلك إلى الفتوى رقم: 7022
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1424(8/2915)
استنباط الأحكام من مصادرها لا يطلع به إلا المجتهدون
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم:
قرأت لأحد الكتاب وهو -جمال البنا- مقالاً يخلص فيه إلي وجوب الرجوع الي أصول الدين وترك كل ما دون ذلك (يقصد اجتهادات الفقهاء والعلماء على طول أربعة عشر قرنا) ، فما هو الرد على مثل هذه الشبهة وأمثالها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن المرجعية العليا في الإسلام عند الاختلاف هي القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة كما قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] .
والرد إلى الله أي إلى القرآن وإلى رسوله أي إلى السنة، ولكن من ذا الذي يقول إن الرجوع إلى هذين الأصلين يعني هجر وترك كل أقوال واجتهادات وآراء علمائنا وفقهائنا وإهالة التراب على ثروة فقهية هي بحق أعظم ثروة علمية وفقهية موجودة على وجه الأرض.
وكأن القائل بهذه الدعوة يعتقد أن هؤلاء الفقهاء والعلماء صدروا عن شيء غير القرآن والسنة أو أنهم تكلموا فيها بغير علم ولا دراية، حتى أتى هو في القرن الواحد والعشرين ليعيد الأمور إلى نصابها وليضع النقاط على الحروف وليحكم بين الناس في ما كانوا أو مازالوا فيه يختلفون.
ولن نطيل الجواب على هذه الشبهة ولكن نقول في اختصار هب أننا تركنا هذا الميراث العظيم من الفقه ولم نعتمد شيئاً منه فإلى ماذا يحتكم المسلمون في شؤونهم كلها عبادات ومعاملات إلى فهم من؟؟ إلى فهم الشخص المذكور وأمثاله، عندئذ لم نصنع شيئاً سوى أننا استبدلنا الشافعي ومالكاً وأحمد وأبا حنيفة وإسحاق والنووي وابن تيمية بهؤلاء المحدثين! فأي الفريقين خير؟؟
وإما أن كل واحد من المسلمين مهما يكن علمه ومهما يكن فهمه وسواء كان عامياً أو متعلماً جاهلاً أو عالماً، كل واحد من هؤلاء يعمد إلى القرآن وإلى السنة مباشرة يستنبط الأحكام منهما، ومعلوم بالاضطرار فساد هذا القول إذ سيؤدي إلى إن يكون لكل شخص دين مفصل على حسب فهمه وذوقه وعقله ويحق علينا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159] .
نسأل الله أن يثبت قلوبنا على الحق حتى نلقاه، ورحم الله أئمتنا وألحقنا بهم في دار كرامته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1424(8/2916)
العالم هو الأجدر بالتخلق بأدب النصيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[العلامة فالح بن نافع الحربي قال حفظه الله تعالى:
عمرو خالد هذا ضايع، لا مع العير ولا مع النفير، هذا الإنسان له دروس وله محاضرات للنساء وفي كذا..، ويتكلَّم في السيرة، يتكلم كذلك المجرم طارق السويدان، وهُمَا من الغربيين الذين درسوا في الغرب وجاءوا ولا علم عندهم، ولا عقول، ولا تأصيل، وذلك إخواني مُحترف، وهذا -الله أعلم- إيش أصله، حلِّيق، إنسان مايع ضايع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم حفظ لسانه من الكلام في أعراض المسلمين، فإن كانت ثمة نصيحة فتقال على وجهها الشرعي وبضوابطها الشرعية، والترفع عن الألفاظ البذيئة السوقية التي لا يليق أن تصدر من مسلم، فضلاً عن شخص ينسب إلى العلم.
ومن ورد الكلام عنهم في السؤال دعاة لهم جهود طيبة، ونفع الله بهم خلقاً من عباده، ولهم أخطاء، نسأل الله أن يغفر لنا ولهم، وبيننا وبينهم رحم الإسلام وأخوة الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(8/2917)
العلم قبل القول والعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتبين الحلال من الحرام مع اتقاء الشبهات في العمل والحياة؟ وجزاكم الله على فتواكم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي -وفقك الله- أنه لا توجد وسيلة لاجتناب المحرمات والتورع عن الشبهات إلا بمعرفة الإنسان حكم الله تعالى في المسائل التي يعمل، لأن ذلك هو أساس الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.
ولهذا كان طلب العلم فريضة؛ لما روى ابن ماجه وصححه الألباني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وقد عقد البخاري باباً أسماه "باب العلم قبل القول والعمل".
ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمكلف أن يقدم على أمر إلا بعد معرفة حكم الله تعالى فيه، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات، قال الأخضري في مختصره: ولا يحل له -يعني الملكف- أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه، أو يسأل العلماء العاملين.
وبالجملة فنقول لك: إذا أردت معرفة الحلال من الحرام فعليك بدراسة كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب أهل العلم المبينة لذلك، أو سؤالهم عما أشكل عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(8/2918)
معيار التحذير من العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أريد معلومات عن تحذير العلماء من بعض المشايخ، من يحذر في وقتنا هذا؟ إلخ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخت السائلة بالابتعاد عن هذا المنزلق الذي وقع فيه كثير من المنتسبين للعلم والدعوة في هذا الزمان، وأن تشتغل بالعلم النافع والعمل الصالح، والاستفادة بقدر الاستطاعة من المشايخ والدعاة الذين عرف عنهم الصلاح والتقوى والعلم والدعوة والتعليم، وليس هنالك عالم معصوم من الخطأ، ولكن خطأ العالم يعذر فيه ولا يتابع عليه.
ولا ينبغي التحذير إلا ممن كان معلوم الانحراف عن منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعمل، وإلا من كان صاحب بدعة يدعو إليها.
ولمزيد من الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 10893، والفتوى رقم: 11967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(8/2919)
العلامة الألباني من علماء العصر البارزين
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء ذكر أسماء العلماء الأفاضل أعضاء مركز الفتوى الذين يجيبون على الأسئلة على الموقع.
ولماذا لا يعتمدون كثيرا في فتاويهم على أقوال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قسم الفتوى في الشبكة الإسلامية يضم عددا من المشايخ وطلبة العلم، برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الفقيه.
وقول السائل: "لماذا لا يعتمدون في فتاويهم على أقوال المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؟! فلنا مع السؤال وقفات:
أولا: الفتوى الشرعية الصحيحة تعتمد على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة والقياس الصحيح، ولا تعتمد على قول عالم من العلماء الأجلاء.
مع العلم بأن أقوال العلماء يستنار بها ويستأنس بها، إلا أن الاعتماد في الفتوى يكون على الكتاب والسنة والإجماع.
ثانيا: الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني من علماء العصر البارزين، ومن الذين لهم الفضل في نشر العلم وتدوينه، ولا ينكر هذا أحد، فرحمة الله عليه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه وجمعنا به في دار كرامته.
إلا أنه مثل غيره من العلماء، قد يخطئ في مواطن، ويصيب في مواطن أخرى، وهي أكثر والحمد لله، وقد قال مالك رحمه الله تعالى: ما من أحد إلا ويؤخذ من كلامه ويرد، إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي أن تعتمد الفتوى على قول عالم واحد في كل ما يقول، إضافة إلى أن الشبكة الإسلامية كثيرا ما تستنير بتصحيح الشيخ الألباني رحمه الله للأحاديث وتنقلها في الفتاوى، وتنقل آراءه الفقهية، وانظر على سبيل المثال أرقام الفتاوى التالية: 1025، 16596، 1569، 3549، 2237 وغيرها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لشيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير ما جزى عالما عن أمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1424(8/2920)
يؤجر من تعلم علما مباحا فيه نفع للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر الدراسة الجامعية لها أجر عند الله عز وجل مثل طلب العلم الديني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك في أن في تعلم كل علم ينتفع به المسلم في نفسه أو ينفع به المسلمين أجراً كبيراً وخيراً كثيراً، ولو لم يكن من العلوم الدينية المحضة.
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر.، صححه الألباني، في صحيح الجامع، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة ... ، وذكر منهما علم ينتفع به ... الحديث، وهو في صحيح مسلم.
فدل عموم هذين الحديثين وما جاء في معناهما على أن كل علم مباح يفيد الإنسان في نفسه أو يفيد المسلمين من ورائه، فهو مرغب في تعلمه مأجور عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1424(8/2921)
لحوم العلماء مسمومة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أصدق العلماء أو أعتبرهم علماء وهم ينظرون إلى وضع المسلمين ولا يتحركون ولا يسعون في الأرض للإصلاح، سوى أنهم ماكثون في قصور ويفتون بالحلال والحرام.
لم أعد أعبأ باستفتاءاتهم ويزداد قلبي كرها لهم. ماذا أصنع حتى أتخلص من هذه الأحاسيس؟
وأرجوا أن تردوا على أسئلتي الفارطة.
السلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن علماء الإسلام يسعون بقدر ما يستطيعون، كل في مجال تخصصه لنفع المسلمين وتبصيرهم بدينهم، ورفع الذل والمهانة عنهم، ولكن بنظر ثاقب وفهم سديد، ومراعاة للمصالح والمفاسد، وما سيكون في المستقبل نتيجة قولهم أو موقفهم الذي سيتخذونه، والذي حملك على عدم الوثوق بهم واتهامهم بالعجز والوهن هو أنك تراهم لا يتكلمون بما تراه أنت أو بعض من ينادي بالمواجهة وإثارة القلاقل دون وعي ودراسة للحال والمآل والأثر، ونحن لا ننكر أنه يوجد علماء سلطان أو علماء دنيا يبررون لأعداء الله، ويخذلون أولياء الله، ويصدق فيهم قول الله عز وجل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [لأعراف: 175-176] .
ولذا، ننصحك أخي الفاضل بتغيير هذه النظرة الخاطئة إلى أهل العلم والفضل، ونوصيك بالقرب منهم وسؤالهم والاستفادة منهم، ونذكرك بأن معاداتهم تعتبر محاربة لله تعالى.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.. ونقل النووي رحمه الله في "التبيان في آداب حملة القرآن" عن أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله أنهما قالا: إن لم يكن العلماء أولياء الله، فليس لله ولي.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله: اعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب، "فليحذر الذي يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".
ولمزيد الفائدة، تراجع الفتوى رقم: 33943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(8/2922)
موت العلماء ثلمة لا تسد
[السُّؤَالُ]
ـ[قد توفي عالمنا الكبير ابن باز وتبعه الألباني بخمسة أشهر ثم االشيخ العثيمين فهلا أتحفتمونا بموعظة تروي لنا الحزن العميق لفقداننا هؤلاء العلماء الراسخين في العلم، وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكفى بالموت واعظا.
ولا شك أن موت هؤلاء العلماء الأجلاء من المصائب التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في هذه السنوات الأخيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله عز وجل أن يخلف على أمة الإسلام بخير من مصابها.
ونوصيك بكثرة تلاوة وتدبر القرآن فإنه موعظة وشفاء لما في الصدور، كما نوصيك بمطالعة كتاب رياض الصالحين وصحيح الترغيب وكتب الرقائق، وسماع خطب الأئمة الموجودة في موقع المنبر، فستجد إن شاء الله كمية هائلة من المواعظ النافعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1424(8/2923)
علماء أسلموا بعد كفر
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أريد معرفة علماء كانوا كفارا وأسلموا. جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأكثر الصحابة كانوا كفارا قبل نزول الإسلام ثم أسلموا، وكان منهم علماء أجلاء كثيرون، مثل الخلفاء الراشدين، باستثناء علي رضي الله عنه الذي أسلم وهو صغير، وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبادلة وسلمان الفارسي، وأبو هريرة، وأبو ذر، وجابر، رضي الله عنهم جميعا، وغير هؤلاء كثير.
ولم يخل تاريخ الإسلام كله من علماء كانوا كفارا ثم أسلموا، منهم في عصرنا هذا، الشيخ أحمد ديدات، صاحب جنوب إفريقيا وأمثاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(8/2924)
التحذير من كتابات (السقاف)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
قرأت في بعض المواقع عن رجل يدعى "حسن بن علي السقاف"، وهو يرد في كتب كثيرة على الألباني بردود فظيعة حتى أنه يقول إنه لا يعلم شيئاً في علم الحديث، وينصح الألباني بأن يسمي السلسلة الصحيحة بالضعيفة والعكس، فمن هذا الرجل، وهل هو صوفي؟ نرجو التوضيح، فالأمر يخص محدث العصر؟! جزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الرجل المدعو حسن السقاف له كثير من الخلط والخبط في العقيدة، وله إساءات بالغة على كثير من أهل العلم المنتسبين إلى منهج السلف، فيسميهم مشبهة وحشوية ومجسمة، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ الألباني والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وقد ذكر صاحب كتاب "كتب حذر منها العلماء" الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان مؤلفات هذا الرجل السقاف ضمن هذه الكتب التي قد وقع التحذير منها، ومن ذلك:
كتاب: عقيدة أهل السنة والجماعة.
كتاب: بهجة الناظر في التوسل بالنبي الطاهر.
كتاب: الإغاثة بأدلة الاستغاثة.
كتاب: إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشر.
كتاب: تلقيح الفهوم العارية في نفي لفظ "أين الله" وعدم ثبوته في حديث الجارية.
هذه بعض مؤلفاته المحشوة بالسموم، وقد تولى عدد من الأفاضل الرد عليه ومن هؤلاء:
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في كتابه: الكشاف عن ضلالات حسن السقاف.
الشيخ علي الحلبي في كتاب: الأنوار الكاشفة لتناقضات السخاف الزائفة، وكتاب الإيقاف على أباطيل قاموس شتائم السقاف.
والشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد في كتابه: الإتحاف بعقيدة الإسلام والتحذير من جهمية السقاف.
وغير هؤلاء، ولمزيد من الفائدة يراجع كتاب: "كتب حذر منها العلماء" ص 296 فما بعدها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1424(8/2925)
تقبيل يد العالم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل اليدين للرجل الصالح لحصول التبرك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق حكم تقبيل يد العالم في الفتوى رقم: 35766. أما التبرك بالصالحين أو بغيرهم مما لم يرد فيه نص فغير مشروع كما سبق في الفتوى رقم: 25217، والفتوى رقم: 14693. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(8/2926)
اختلافات العلماء وموقف المسلم منها
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا ترون أن شيوع خلافات العلماء المضخمة بين العامة يؤثر على سير الصحوة، وكيف العمل مع هذه الظاهرة التي تكسر الصف الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا جوابان حول هذه الظاهرة وما ينبغي أن يكون عليه حال المسلمين تجاهها، انظر في ذلك الفتوى رقم: 6506، والفتوى رقم: 25757.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1424(8/2927)
لا يجوز أن يرمى أحد بالبدعة اعتباطا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم قراءة الكتب التي صاحبها يحيي البدعة مثل الصابوني والقرضاوي والزيدانو.....؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالموقع غير معني بتقييم الجماعات والرجال، ونؤكد على أنه لا يجوز أن يرمى أحد بالبدعة إلا بعد توفر شروط التبديع وانتفاء موانعه.
وراجع لزاما الفتاوى التالية: 33012، 22224، 6506، 18788، 31460، 30044.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1424(8/2928)
محبة أهل العلم من علامات الإيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم محبة بعض الشيوخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أفضل القربات حب المؤمنين عامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ... متفق عليه.
ويزداد أداء الفضل أكثر إذا كان هذا المؤمن عالمًا، لأن إجلال أهل العلم إجلال لما يحملونه من شرع الله عز وجل، وذلك لأنهم هم الوارثون للرسل والمبلغون شرائعهم من بعدهم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
ولقد حثَّ الإسلام على توقير العلماء وإجلالهم، ففي سنن أبي داود عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ...
وعلى هذا فحب المؤمنين جميعًا وخصوصًا أهل العلم من علامات الإيمان، فإنه ينبغي للمسلم أن يحب أهل العلم جميعًا، ولكن لا مانع من أن يكون حبه لبعضهم أكثر من غيره، أما بغض المؤمن من غير سبب شرعي يقتضي ذلك ككونه صاحب معاص مجاهرًا بها، فمرض يجب على المسلم علاجه، بل قد يخشى على صاحبه من الوقوع في المعصية، بل الوقوع في الكفر إن صاحب ذلك استهزاء بالعلم الذي يحمله العالم أو الدعوة التي ينشرها بين المسلمين. قال في بريقة محمودية نقلاً عن صاحب الأشباه: الاستهزاء بالعلم والعلماء كفر. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(8/2929)
لا نعنى بتصنيف الأشخاص والحكم عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في الدكتور المغراوي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخ السائل بالاعتناء بطلب العلم، وتقديم معرفة الحق على تصنيف الناس بالظنون، ففي المقولة السائرة بين الناس: "اعرف الحق تعرف أهله".
ونحن في هذا الموقع لا نعنى بتصنيف الأشخاص والحكم عليهم، ولكن سبقت لنا أجوبة في أدب التعامل مع من عرف بالعلم والدعوة، وإن خالف في بعض المسائل. فراجع الفتوى رقم:
6506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(8/2930)
انتقاد العلماء بين المصلحة والتشفي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أنتقد فتوى العلماء الذين يظهرون في الفضائيات والذين هم على غير منهج السلف، وأحذر أصدقائي منهم ونتدارس ما أفتو به، وبمعنى أصح نبين تمييعه ومخالفته أم أن هذا من الغيبة المحرمة أفيدونا جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن منزلة العلماء في الإسلام عظيمة، فهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين للناس، وهم الذين استشهدهم الله تعالى على وحدانيته، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فقال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) .
فإذا كان انتقاد العلماء وفتاواهم بقصد تجريحهم والتشهير بهم والنقص من قدرهم والنيل من أعراضهم وتتبع أخطائهم وعثراتهم، فإن هذا لا يجوز لمسلم أن يفعله بأخيه المسلم من عامة المسلمين، ويكون التحريم في حق العلماء أشد وأعظم، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته " وقال ابن عساكر: إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب.
أما إذا كان ذلك بقصد المصلحة وبيان الخطإ بصورة محترمة، فلا مانع منه بل إن ذلك مطلوب شرعاً، فعلى من علم شيئاً من دين الله أن يبينه للناس، وإذا سمع أن أحد العلماء أخطأ فعليه أن يبين خطأه بحكمة واحترام مصحوب بالدليل الشرعي وأقوال العلماء فيه.
ومن هذا القبيل كان السلف الصالح يرد بعضهم على بعض باحترام وكذلك الأئمة الكبار، وكان علماء الحديث يبينون خطأ هذا الراوي وصحة رواية الآخر، وراجع الجواب رقم 4402
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1424(8/2931)
العلماء..توقير وتبجيل..وتوجيه وتذكير
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
نرى كثيرا من العلماء لا ينصح حكامنا ولايأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر، ومنهم من يتفوه بلسانه بدون وجل أن ليس مبتغاه دولة تحكم بالإسلام، فهو يكذب على الله ما حكم هؤلاء،
أجيبوني تؤجرون ولا تخافوا ولا تداهنوا ولا تسايروا ولا تجبنوا ينصركم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا نلفت انتباهكم إلى الحرص على احترام العلماء وتوقيرهم وحسن الظن بهم، فالعماء ورثة الأنبياء، كما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء، وقد بوب الإمام النووي في رياض الصالحين فقال: باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وذكر في هذا الباب قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون (الزمر: 9) ، وذكر فيه حديث أبي موسى: أن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
فلا بد من تقدير العلماء والتغاضي عن زلاتهم، (وقديما) قال الإمام ابن القيم: العلماء بحار، وأخطاؤهم أقذار، والماء إذا جاوز القلتين لم يحمل الخبث.
وقال الإمام الذهبي: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولو أن كل إمام أخطأ ألغيناه لم يبق لنا إمام.
وراجع نصيحة العلامة الشيخ ابن باز في الفتوى رقم 18788،، وراجع الفتوى رقم 24283،.
كما ننبه أصحاب الفضيلة علماءنا الأجلاء على الاهتمام بقيامهم بوراثة النبوة، فعليهم أن يقوموا بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وأن ينتهزوا ما يتيسر لهم من الفرص، في توجيه الناس وتذكيرهم.
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الراكب خلفه على الحمار، والماشي معه في السوق، والمصلين معه في المسجد، والمسافرين معه في الغزوة والحج.
كما في حديثي معاذ وابن عباس، وفي حديث الجدي الأسك وغيرهما، وكذلك كان نوح يدعو ليلا ونهارا سرا وجهارا، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على هذا فقال: بلغوا عني ولو آية. رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. رواه مسلم من حديث أبي هريرة
وقال: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
كما ننبه من خالط الحكام من العلماء أن ينصح لهم عملا بحديث مسلم: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وأن يكون لهم بطانة خير، يأمر بالمعروف ويحض عليه.
ففي الحديث: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأن يحرص على قول الحق مهما كلفه ذلك من الثمن، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري.
وقال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله. رواه الحاكم والضياء وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. رواه مسلم.
كما ننبه إلى خطورة الكذب على الله والافتراء عليه، فهو ظلم عظيم.
قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام: من الآية 144] .
وقال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:116 -117] .
قال ابن كثير في تفسيره: يدخل في هذا كل من حرم شيئا مما أحل الله، أو أباح شيئا مما حرم الله بمجرد رأيه وتشهيه.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن من أهم الأمور التي تساعد على حكم الإسلام والتمكين لأهله حرص الجميع على الالتزام بالدين والاسقامة على جميع الأوامر، سواء كانوا علماء أو غيرهم.
مصداقا لقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور: من الآية55] .
فبقدر استقامتنا على الالتزام بتعاليم الإسلام يعود حكم الإسلام، وبقدر النقص يكون النقص، وكما تكونون يولى عليكم.
وقديما قال الإمام ابن القيم يأبى عدل الله أن يولي علينا أمثال معاوية فضلا عن أبي بكر وعمر، فإن ولاتنا على قدرنا، وولاة السلف على قدرهم، وكأن أعمالنا ظهرت في جنس عمالنا.
فعلى جميع الأمة أن ترجع إلى ربها بالتوبة الصادقة، وأن تتعاون على إقامة دينها وتحكيمه في جميع شعب حياتها، وأن تتناصح فيما بينها، وأن يحسن بعضها الظن ببعض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(8/2932)
الموقع غير متخصص في تقييم الجماعات والرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
إخوتي في الله: أطلب منكم هذا الطلب داعيا الله عز وجل ان أجده عندكم ألا وهو أنني أريد تزكية الشيخ الألباني أو ابن باز أو العثيمين في كل من الشيخ ربيع المدخلي والشيخ مقبل بن هادي الوادعي وإن كان لديكم تزكية مقروءة أو صوتية أي مسموعة فأفضل.
وبارك الله فيكم وجزاكم ألف ألف خير وجعلها الله في ميزان حسناتكم بإذن الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننصح الأخ السائل، وجميع الإخوة الداخلين على مركز الفتوى بأن يسألوا عما تحته عمل، وعما ينفع علمه في الدنيا والآخرة، وبألا يهتموا بما قاله فلان في فلان من مدح أو قدح، وألا يعلقوا الحق بالرجال، فإن البشر خطاؤون مهما بلغوا من العلم والفضل، فكل يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فماذا تستفيد من تزكية فلان لفلان، أو تجريح فلان لفلان، خصوصاً في هذه الأيام التي صارت فيها كثير من الجماعات تتعصب لشيوخها، وتنبز من يخالفهم بأقذع الألقاب.
فننصح الجميع بالاهتمام بالعلم، وبما كان عليه السلف الصالح، ومن سار على نهجهم من العدل والإنصاف وحسن الظن والتماس الأعذار ولين الكلام....
أما عن تزكية المشايخ للشيخين المذكورين، فإنه لا علم لنا بها ولا بمظانها، ويمكنك البحث عن ذلك في مواقعهم على الإنترنت، وراجع الفتوى رقم: 19749، والفتوى رقم: 29143.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1424(8/2933)
الواجب نحو أهل العلم عموما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي العلماء في شخصية الدكتور يوسف القرضاوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الموقع مختص بالرد على التساؤلات التي تتعلق بالأحكام الشرعية التي تهم المسلمين، ولا علاقة له بالحكم على الأشخاص، والواجب نحو أهل العلم عموماً أن يعرف لهم قدرهم وفضلهم، وأن يحفظ لهم ما قدموا من خدمة للإسلام والمسلمين، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكتب لهم العصمة، فما وافق الكتاب والسنة أخذ به طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما خالفهما رد، ولمزيد من الفائدة نحيل السائل على الفتوى رقم: 6506.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(8/2934)
خير الناس من تعلم القرآن وعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعلم التجويد في بريطانيا ولا آخذ أجراً على ذلك والحمد لله فأنا أطلب الأجر من الله، ولكن المسجد الذي أعطي فيه التجويد بعيد والمواصلات غالية فهل لي أن أحتسب ما أدفعه للمواصلات صدقة والله يتقبلها أم ماذا تعتبر؟ ولكن الأخوات يردن أن يدفعن لي أجرة المواصلات هل إذا قبلتها ينقص ذلك من أجري؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشكر الله لك تعظيمك لكتاب الله عز وجل، ونسأل الله أن يثيبك ويثقل به موازينك، واعلمي أن ذهابك وإيابك وما تدفعينه من أجور مواصلات، من الأعمال الصالحة التي تكتب لك، ولا بأس أن تأخذي أجرة المواصلات وفي هذه الحال يبقى لك أجر تعليم القرآن، والسعي إليه من مكانك الذي أنت فيه ونِعمَّا هذا الأمر، ففي الحديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه." رواه البخاري.
وروى مسلم بسنده عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحب ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل."
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(8/2935)
تقصير المسلمين في الأخذ بأسباب العلوم الكونية
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من العلماء المعاصرين يقولون بأن المسلمين في هذا الزمان يعيشون عالة على اكتشافات الغربيين هم يخترعون والمسلمون يستعملون لذا فهم آثمون
· فهل عدم اكتشافات المسلم تحط من قيمته عند الله
· وهل الآيات التي تحث المسلمين في القرآن على النظر في الكون يفهم منها وجوب الاكتشافات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد نص الفقهاء على إباحة استعمال ما أنتجه الكفار من الملابس والسلاح وغير ذلك.. وهذا مشهور في كتبهم.
والاكتشافات منوطة ببذل الوسع والجهد؛ كما في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] .
فإذا قامت طائفة من المسلمين بالتخصص في المجالات التي هي من فروض الكفايات كالطب وما يتصل به وبذلوا وسعهم في ذلك فقد سقط الإثم عن الأمة.
ولا شك أن هنالك تقصيراً كبيراً من عموم المسلمين في الأخذ بأسباب العلوم الكونية النافعة والاستفادة منها حتى سبقهم إليها الكفار. وصار المسلمون عالة عليهم في كثير منها، مع أن أسلافهم كانت لهم الريادة في هذه العلوم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1423(8/2936)
احترام العلماء وتقديرهم والتغاضي عن زلاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتسمى بالسلفي؟ وهناك بعض الإخوة يقومون بالطعن في العلماء والدعاة مثل الشيخ عائض القرني والشيخ سلمان العودة وغيرهم الكثير البعض يتهمهم بأنهم خوارج والآخر يقول بأنهم يميلون للصوفية بل إن بعضهم تكلم في الشيخ العلامة بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء وعندما تسألهم لماذا يقولون لأن الشيخ ربيع المدخلي متكلم فيه فهل هم على حق وإذا كانوا غير ذلك فنريد منكم الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من ورد ذكرهم في هذا السؤال هم من الدعاة المشهود لهم بسلامة المعتقد والحرص على السير على نهج السلف الصالح من أئمة الهدى، فالواجب تقديرهم، واحترامهم، وشكر ما يقومون به من جهد في الدعوة إلى الله والنصح لهذه الأمة، وما يقعون فيه من خطأ اجتهاداً منهم يثابون عليه، إذ أنهم بشر غير معصومين، فيسلك في بيان خطئهم أدب الإسلام، وهدي سيد الأنام، من غير غلو وتقصير ومن غير إفراط وتفريط , ولمزيد من الفائدة في ذلك نحيل السائل على الفتاوى تحت الأرقام التالية:
11967، 4402، 19536.
أما بخصوص التسمي بالسلفية فهوا أمر جائز؛ ويجب اتباع منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين في العقيدة والعبادة والسلوك، وأنعم بهم من قدوة، فحق لمن اتبع سبيلهم أن يفخر بذلك، لاسيما في هذا الزمان الذي انتشرت فيه البدع والخرافات، وقلّ فيه النصير لهذا المنهج، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى بالرقم:
5608.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(8/2937)
خطأ بعض العلماء لا يسوغ اتهام الجميع
[السُّؤَالُ]
ـ[أودُّ إعلام فضيلتكم أنني أرجو بأسئلتي هذه الورع والتقوى أصبحت في الفترة الأخيرة أقرأ وأسمع وأشاهد فتاوى أفتى بها علماء وفقهاء وشيوخ من جامع الأزهر ولكنها ليست من الإسلام في شيء ومن الناس من لا يميّز فيأخذ بالفتوى ويقول في ذمة المفتي وأصبحت أقول لكل من أرى ((إذا علمت أن فلاناً أو فلانة من الأزهر فاشطب ولا تستمع أبداً للقول ولا تأخذ منه شيئاً وأنا مسؤولة عن هذا الكلام)) فهل يجوز لي ذلك أم عليَّ الاستغفار والتوبة وعدم الرجوع إلى ذلك وعدم التعرض لأي عالم من علماء المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يحق له أن يقول إن فتوى العالم الفلاني أو علماء الجهة الفلانية من الإسلام أو ليست من الإسلام، هم أهل العلم الثقات العدول، فما من أحد من أهل العلم إلا وهو رادً أو مردود عليه، وإنما يجب التسليم المطلق لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهما المرجع عند التنازع، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] .
وأما عوام المسلمين وطلبة العلم، فالواجب عليهم كف ألسنتهم عن الخوض في أعراض العلماء، فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في أخذ منتقصيهم معلومة، ويجب عليهم التوبة والاستغفار من هذا الذنب العظيم الذي هو غيبة عامة لكل علماء الأزهر والمتخرجين منه، فكيف يلقى المسلم ربه، وخصومه هم هؤلاء العلماء والفضلاء الذين لا يحصيهم إلا الله ممن تخرجوا من هذه الجامعة العريقة التي لها قدم صدق في نشر الإسلام والذود عن حياضه، وخطأ رجل أو رجال لا يسوغ اتهام الجميع، فإن هذا من البغي الذي لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة ثانية.. على العوام أن يقلدوا من العلماء من يثقون بدينهم وعلمهم وورعهم، فإنه إذا كان على العلماء أن يجتهدوا في الدليل، فعلى العوام أن يجتهدوا في تقليد الأعلم الأتقى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(8/2938)
لا تعارض بين الدين والدراسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد ترك الدراسة والتفرغ للدين والمحاضرات وجماعات التبليغ لأنني عندما أذاكر دروسي قدرة الاستيعاب عندي ضعيفة جداً لدرجة أنني أجلس على الكتاب الواحد أربع ساعات وغيري في نصف ساعة مع أنني أذاكر الأربعاء والخميس والجمعة مع العلم بأنني طالب في الثانوية العامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لا ننصحك بترك الدراسة والتفرغ -كما تقول- للمحاضرات والعبادة؛ لأنه لا تعارض بين الدين والدراسة، فالدين دعا إلى العلم وحثَّ عليه وجعل طلبه عبادة لله تعالى، فقال الله سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] .
وقال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] .
وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11] .
وقد أخرج الترمذي وأحمد وغيرهما من حديث زر بن حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب.
ولا شك أن هذه الآيات وما ورد كذلك من الأحاديث تتنزل ابتداءً على طلب العلم الشرعي؛ لأنه أفضل العلوم وأشرفها، ولكنها تشتمل كذلك العلوم الدنيوية النافعة التي فيها خدمة للأمة وإعانة لها على أمور دينها ودنياها.
وما ذكرته من عدم الاستيعاب أو ضعفه لا يستدعي ترك العلم، بل على الطالب المجاهدة والمثابرة، وكلما تعب الطالب في تحصيل العلم كان ذلك أثبت لمعلوماته.
وعليك بالدعاء وكثرة الاستغفار، فإن ذلك يجلي القلب ويكشف غمته ويجعله مهيئًا لاستقبال العلم. وقد كان ابن تيمية رحمه الله إذا صعبت عليه مسألة استغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر، قال: فيفتح الله عليَّ فتحاً عظيماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(8/2939)
من جعل للعلم أوقاتا معلومة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل المداومة على الاجتماع لمجموعة من الناس في المسجد يوم الجمعة بعد صلاة المغرب لحفظ أوتعلم قراءة القرآن أو قراءة أجزاء منه تعتبر من البدع بحكم أنها تتكرر بتكرار الوقت واليوم والأسبوع مما يعتبر تشبها بالفرائض كالصلاة والحج والصوم التي تتكرر بتكرار الوقت والأيام والأسابيع والشهور والسنين
أفتونا أثابكم الله؟ جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تحديد ساعة معينة من اليوم، أو يوم من الأسبوع إلى غير ذلك بحيث يتكرر بصفة منتظمة لتعلم العلم، لا يعتبر أمراً مبتدعاً، إذ ليس المقصود التعبد بتعلم العلم في هذا الوقت المحدد، وإنما المقصود العلم دون النظر إلى الوقت، وقد بوب الإمام البخاري: "باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة" وأورد تحته حديث أبي وائل قال: كان عبد الله يذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. والحديث رواه مسلم أيضاً.
قال الحافظ في الفتح في شرح هذا الحديث: ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين: إما كل يوم مع عدم التكلف، وإما يوماً بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط، وإما يوماً في الجمعة، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1423(8/2940)
ثواب معلم العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الموقرون: إنني أعمل مدرساً فهل هذا يعتبر من العلم الذي ينتفع به ويعد في ميزان ثوابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.... الحديث وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن من يدرس علماً ينتفع به المسلمون، وكان مخلصاً لله في عمله، مبتغياً الأجر منه عز وجل.. لا شك أنه يشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
قال الحافظ بدر الدين بن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم صـ63-64: إذا نظرت وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم:
أما الصدقة الجارية: فإقراؤه إياه العلم وإفادته إياه، ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي وحده: من يتصدق على هذا. حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود. أي بالصلاة معه، لتحصل له فضيلة الجماعة، ومعلم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم، التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدنيا والآخرة.
وأما العلم المنتفع به: فظاهر، لأنه كان سبباً لإيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به.
وأما الدعاء الصالح له: فالمعتاد على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة الدعاء لمشايخهم وأئمتهم.... فسبحان من اختص من شاء بجزيل عطائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1423(8/2941)
الوقوع في أعراض العلماء شر مستطير
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جماعة في الجزائر تطلق على نفسها الجماعة السلفية يتكلمون باسم الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ بن باز رحمهم الله ويسبون شيوخاً آخرين كالشيخ القرضاوي والشيخ محمد الغزالي رحمه الله وغيرهم، كيف تفسرون هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد يوجد لبعض الدعاة والعلماء بعض الأخطاء التي لا يوافقون عليها لكن لا يجوز أن يقع المسلم في أعراضهم بسببها، بل لعلماء المسلمين حرمتهم وإجلالهم، وقليل خطئهم يغفر بكثير حسناتهم، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6506.
ونصيحتنا لمن يقعون في أعراض العلماء والدعاة نصيحة الشيخ ابن باز رحمه الله التي وجهها لأمثال هؤلاء والمبينة في الفتوى رقم:
18788 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1423(8/2942)
الحط من قدر حملة القرآن خدمة لأعداء الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: ما هو حكم عدم احترام إمام المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من حق المسلم على المسلم أن يحترمه ويكرمه، وأن لا يحقره ولا يذله.. دلت على ذلك نصوص الشرع الكثيرة، واحترام العلماء وأهل الفضل والصلاح خاصة هو من إجلال الله تعالى، كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " أخرجه الحاكم، وحسنه الألباني فالواجب اتجاه أئمة المسلمين وعلمائهم هو محبتهم ومودتهم وتوقيرهم وإجلالهم كما أمر الله رسوله بدون غلو أو إفراط.
ولا شك أن الاستهزاء أو السخرية بهم واحتقارهم صفة من صفات المنافقين والمجرمين، كما قال تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون* وإذا مروا بهم يتغامزون) ولقد حرص أعداء الإسلام على تشويه سمعة العلماء وحملة القرآن والدعاة إلى الله والحط منهم، وتبعهم في ذلك جهلة المسلمين.
واعلم أن الاستهزاء بالعلماء والصالحين على نوعين:
1-الاستهزاء بأشخاصهم الخَلقية أو الخُلقية وهذا محرم، لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم..)
2-الاستهزاء بهم لكونهم علماء ومن أجل ما هم عليه من العلم واليقين فهذا كفر، لأنه استهزاء بالدين والعلم، سئل الشيخ حمد بن عتيق عن معنى قول الفقهاء: لمن قال: يا فُقيه بالتصغير.. يكفر؟ فكان جوابه: اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح من الاستهزاء، واستدلوا بقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون* لا تعتذروا قد كفرتم) [التوبة:65-66]
وسبب النزول مشهور، وأما قول القائل: فُقيه أو عويلم أو مطيع ونحو ذلك، فإذا كان قصد القائل الهزل أو الاستهزاء بالفقه أو العلم أو الطاعة فهذا كفر أيضاً ينقل عن الملة، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً. الدرر السنية:8/242 مختصراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1423(8/2943)
يرد الخطأ على قائله مع التأدب معه ومعرفة حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صدر تجريح بعض الشيوخ (سعيد بن مسفر وعائض القرني ويوسف القرضاوي) بعدم السماع لهم وعدم قراءة كتبهم من علماء مثل (الالباني /ابن باز أو غيرهم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمذكورون في السؤال ممن عرفوا بالدين والعلم والدعوة إلى الله عز وجل ولا نعلم تجريحاً في أحد منهم لأحد ممن يعتد به من أهل العلم، وهم مع ذلك بشر يصيبون ويخطئون، فالواجب قبول ما قالوه من حق، ورد ما قالوه من الخطأ مع التأدب معهم، والدعاء لهم، والتماس العذر لهم.
وقد سبق أن بينا في جواب سابق نصيحة الشيخ ابن باز لمن يتكلم في العلماء، والدعاة فليراجع، وهو برقم:
18788
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1423(8/2944)
تعليم العلم يحقق جملة من المنافع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في جامعة الإمام وقد حملت على عاتقي علماً قد تعلمته فكيف أقوم بتعليمه كي لا يكون ذنباً أحاسب عليه يوم القيامه وقدحفظت 4 أجزاء ولكن لم أراجعها فنسيتها وأعرف أني قد خسرت خسارة عظيمة أرجو نصحي فأنا محتاجة إلى هذه النصيحة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من خصائص العلم أنه يزيد بالإنفاق منه، وينقص بل ربما يزول بكتمه وإمساكه. وصدق من قال:
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفاً شددت
وصدق إيضاً من قال:
خليلي أفن العمر غير المدد ... على نشب إن منه واسيت يزدد
ولا تفينن العمر في جمع ما إذا ... بخلت به تذمم وإن جدت ينفد
فمن أراد أن يبارك الله له فيما علم فعليه أن يجتهد في إبلاغه لغيره، وبذلك سيظفر بجملة من المنافع والفوائد:
أولها: أجر تعليم الجاهل وإبلاغ العلم.
وثانيها: الحفاظ على علمه من النسيان والذهاب.
وثالثها: الحصول على مثل أجور من يعمل بذلك العلم ممن بلغهم.
فكيف يليق بالمؤمن أن يرغب عن كل هذه الفضائل ويستجيب لداعي الكسل والتفريط،؟!! وقد قال بعضهم:
إذا هجر العلم يوما هجر ... وزال فلم يبق منه أثر
كماء ترقرق فوق الصفا ... إذا انقطع الماء جف الحجر
فنحن ننصح الأخت السائلة بأن تنشط في دعوة بنات جنسها ممن يمكنها لقاؤهن وذلك بإقامة حلقات العلم والذكر في البيوت، وقراءة الكتيبات النافعة على النساء، فإن ذلك من أعظم الوسائل لمذاكرة العلم، وإن كانت تستطيع الكتابة وإعداد مواضيع نافعة للمرأة فلتبادر إلى ذلك.
وأما عن نسيان ما حفظ من القرآن فتلك آفة أخرى! وينبغي للأخت أن تسارع بمراجعة ما حفظته منه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها. متفق عليه واللفظ لمسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها. رواه أبو داود والترمذي. ...
فلا ينبغي للمسلم أن يهمل ما حفظه من القرآن حتى ينساه، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1423(8/2945)
منهج القرآن والسنة في الترغيب بتحصيل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأساليب التي تحبب الطالب في حصة المكتبة المدرسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شرعنا الحنيف إذا كلف العباد بفعل أمر من الأمور، رغبهم فيه، وأبدى لهم فضائله، وما يترتب عليه من ثواب، وإذا كلفهم بتركه، أبدى لهم مساويه وما يترتب عليه من عقاب، وكان هذا هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي مجال الأمر نجد مثالاً قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] .
رغب الله عباده في الجهاد ببيان الأجر والثواب.
وفي مجال النهي نجد مثالاً قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:29، 30] . حذر الله من قتل النفس بتناول ما يضرها، وذكر الجزاء عوناً لعباده على ترك ما نهاهم عنه.
ومثل هذا كثير في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي جانب الفعل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين، في الجنة. وأشار مالك بالسبابة والوسطى. رواه مسلم. رغب في كفالة اليتيم ببيان ثواب الفاعل.
وفي جانب الترك، قال صلى الله عليه وسلم: من يضمن لي ما بين لحييه - يعني لسانه - وما بين رجليه - يعني فرجه - أضمن له الجنة. رواه البخاري حذر من الزنا وآفات اللسان، وأظهر ثواب تركهما ترغيباً فيهما، وحثاً عليها.
فهكذا يا أخي الكريم إن أردت أن تُحَبب إلى طلابك حصة المكتبة فبيِّن لهم فضائل العلم والقراءة، ويمكنك الاطلاع على هذه الفضائل في كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر رحمه الله، وكتاب المجموعة العلمية للشيخ بكر أبي زيد حفظه الله، وكتاب "آداب طالب العلم للدكتور محمد رسلان وغير هذه الكتب التي ملأت المكتبة الإسلامية.
وراجع فتوانا رقم:
18640 ورقم:
14768.
ولمعرفة موقف بعض الناس من العلم الشرعي راجع الفتوى رقم:
19730.
ولمعرفة فائدة العلم في زمان الفتن راجع الفتوى رقم:
18328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(8/2946)
كفى بفضل العلم قوله تعالى (وقل رب زدني علما)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو أجر المعلم عند الله وهل صحيح بأن مجلس العلم الواحد يعادل عبادة ستين عاماً؟
وجزاكم الله كل خير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أجر المعلم كبير وفضله عظيم، ويكفيه فضلاً أن الله تعالى إنما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم معلماً. ففي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم من بعض حجر نسائه فدخل المسجد، فإذا هو بحلقتين؛ إحداهما: يقرأون القرآن ويَدْعُون الله تعالى، والأخرى: يتعلمون ويعلمون، فقال صلى الله عليه وسلم: كلٌّ على خير، هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون الله تعالى، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهؤلاء يتعلمون. وإنما بعثت معلماً، فجلس معهم.
وفي فضل معلم الناس الخير وعظيم أجره جاء عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير.
وفي رواية: وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
ويكفي مجالس العلم فضلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختارها وفضَّلها على مجالس قراءة القرآن والذكر والدعاء، ويكفي في فضل العلم أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيده في شيء سوى العلم، فقال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً. [طه:114] ، وقال سبحانه: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. [المجادلة:11] ، وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. [الزمر:9] . وقال صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء.
ومن هنا ندرك خطأ أولئك الذين يقللون من شأن العلم وأهله، وخاصة علوم الدين وما يخدمها من اللغة، وعلوم الآلة، فالخير كله في العلم والتعلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه
وندرك كذلك خطأ أولئك الذين يقللون من شأن المعلمين ويزدرون وظيفتهم.
والحاصل: أن الإسلام رفع شأن العلم وأهله بصفة عامة، حتى إن الحيوانات المتعلمة أفضل من غيرها، ولكن علوم الشريعة في المرتبة العليا، ولكن تفضيل المجلس العلمي الواحد على عبادة ستين سنة أو مدة معينة لم يرد به نص فيما نعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(8/2947)
نصيحة الشيخ ابن باز للذين يجرحون الدعاة المشهورين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ياشيخ لعلك تسمع عن منتدى يوجد على الإنترنت يسمى بمنتدى سحاب وهذا المنتدى مليء بالنقد الموجه إلى كثير من أهل العلم وطلبته يصل أحيانا إلى تجريحهم أشد التجريح والنيل منهم حتى أني قرأت في الآونة الأخيرة قصيدة كتبها أحدهم هجاء للشيخ يوسف القرضاوي يصفه فيها - أعزكم الله - بالحمار. فما رأيكم ياشيخ في هذا المنتدى؟ وبماذا تنصحوننا؟ هل نحذر منه ونصرف الناس عنه أم ماذا؟
أفيدونا وجزاكم الله خيراً.
وهذا عنوان هذا المنتدى www.sahab.net.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنصيحتنا لإخواننا رواد المنتديات في الإنترنت وغيرهم من المسلمين في مثل هذا الأمر هي نصيحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والتي نشرت في صحف الجزيرة والرياض يوم السبت 22/6/1412هـ والتي قال فيها:
وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم، وربما سجلوه في أشرطة تنتشر على الناس، وقد يفعلونه علانية في محاضرات عامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها:
أولاً: أنه تعد على حقوق الناس من المسلمين، بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس وإرشادهم، وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة.
ثانياً: أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة والبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم، خاصة وأن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعية إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء والمتربصين من أهل الكفر والنفاق أو من أهل البدع والضلال.
ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين وغيرهم من الملاحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة والكذب عليهم والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
رابعاً: أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة، ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة وفتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.
خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات:12] .
والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك السوء، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
ساساً: وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن، حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإن لم يتيسر ذلك، ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1423(8/2948)
نصوص الشريعة تدل على وجوب تحصيل كل أنواع العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن آيات أو أحاديث تدعم طلب العلم. وتحث المسلم على العلم النافع وبالأخص المتعلق بعلم الحاسب الآلي والإنترنت. هل هنالك حديث أو آية تحرم أو تبيح استخدام الحاسب الآلي أو الإنترنت وبالأخص في التربية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهناك آيات وأحاديث كثيرة ترغب في طلب العلم وتحث عليه، من ذلك قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114] وقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9] وقوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات [المجادلة:11] وقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران:18] وقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7] وقوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28] .
وروى ابن ماجه والطبراني وصححه السيوطي لغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وقد سبق بيان المقصود بالفريضة في هذا الحديث في الفتوى رقم:
11280.
وروى أبو داود وصححه الألباني عن كثير بن قيس قال: كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جئت لحاجة، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
فالعلم هو الذي يرفع مكانة صاحبه في الدنيا وفي الآخرة، به فضل الله آدم عليه السلام على الملائكة وأمرهم بالسجود له، وبه رفع الله العبيد والموالي حتى صاروا أئمة يقتدى بهم.
وفيما ذكرنا من الأدلة كفاية على فضل العلم وشرف صاحبه، والمقصود بهذا العلم هو العلم الشرعي.
وأما تعلم الحاسب الآلي والإنترنت ونحوهما من العلوم المتقدمة في مجال التكنولوجيا والعلوم الدقيقة فهي فرض كفاية في هذا العصر.
لأن المسلمين يحتاجون إليها في شؤون حياتهم الدنيوية، وفي مجال الإعداد ولمواجهة اعداء الله عز وجل في شتى الجوانب، وليس هناك نص بعينه من كتاب أو سنة على فريضة ذلك؛ إلا أن نصوص الشريعة العامة وقواعدها تدل على وجوب تحصيل المسلمين ما يتقوون به ويواجهون به أعداءهم، ومن ذلك قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] .
ولا يمكننا الحصول على تلك القوة إذا اعتزلنا هذه التكنولوجيا ولم ننتفع بها، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
11616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1423(8/2949)
العلم النافع طريق اللحاق بالأخيار
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو ابن تيمية هذا العصر؟
الشيخ عائض القرني أم الشيخ سفر الحوالي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن ذكرهما الأخ السائل شيخان جليلان، لاشك أن كل واحد منهما على حظ من العلم الشرعي، كلٌ في مجال اختصاصه، فينبغي أن يعرف لهما الفضل بدون غلو في الإطراء. وطالب العلم لا ينبغي له الاشتغال بمثل هذه الأسئلة؛ بل ينبغي صرف الأوقات في تحصيل العلم النافع الذي يلحق به الإنسان هؤلاء الأخيار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1423(8/2950)
العلوم الواجب على المكلف تعلمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي العلوم الشرعية التي هي فرض عين على كل مسلم وفى أي حدود (نرجو التفصيل) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلب العلم من أعظم القربات، والفضائل الواردة فيه كثيرة في القرآن والسنة، وهو نوعان:-
النوع الأول: فرض عين:
وهو ما يحتاجه الإنسان في معاملته لربه أو في معاملته للناس، ومن ذلك: تعلم العقيدة والتوحيد إجمالاً وتعلم أحكام الصلاة والصيام والزكاة -لمن عنده مال يزكيه- والحج لمن أراد أن يحج، ونحو ذلك من العبادات.
ومن ذلك تعلم أحكام البيع والشراء لمن أراد أن يتعامل بذلك، وكذا أحكام النكاح والطلاق والأطعمة والأشربة وغيرها من المعاملات.
والنوع الثاني: فرض كفاية:
وهو التخصص في العلوم المتقدمة والتبحر فيها، بالإضافة إلى تعلم أصول الفقه والنحو وأصوله والحديث وغير ذلك من العلوم بما فيها العلوم الدنيوية كالطب والهندسة وعلوم الصناعات الحربية وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1423(8/2951)
الاستعداد المفروض على الأمة في كل مجالات الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد أقاربي المتخرج حديثا من الجامعة فقال: اذا كان الاستعداد قدر الاستطاعة لمواجهة الأعداء أمر قد جاء فيه نص فما الحكم في التقدم العلمي في المجال المدني وتحسين أوضاع الناس المعيشية والسكنى والتقدم في الطب وتحسين الطرق وتوسعتها وهل هو واجب شرعي؟ أفيدونا مشكورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بعض الناس هداهم الله يخطئ حينما يقصر مفهوم الإعداد في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ* وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (لأنفال:60)
على جانب واحد أو جوانب من الإعداد كالعلم الشرعي والتربية الإيمانية أو الجانب الاقتصادي والعسكري فقط والمفهوم الصحيح للأعداء المأمور به في هذه الآية الكريمة أوسع وأشمل مما ذكروا، فهو يشمل الإعداد العلمي الشرعي والتربية الإيمانية، كما يشمل العلم بالطب والاقتصاد والمجال الصناعي والعسكري، وغير ذلك مما يحقق قوة واستقلالية للمسلمين عن أعدائهم، فالأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى وجود متخصصين في جميع هذه الجوانب، فالواجب على العلماء والمصلحين ومن له قدرة على توضيح هذا المفهوم للناس أن يسعى جاداً في بيانه، لتتكامل الجهود وتتوحد القوى لتحقيق الهدف المقصود، وهو التمكين لهذا الدين في الأرض وتحقيقه في واقع الحياة، حتى تسمو هذه الأمة وتترقى وتستقل عن التبعية لأعداء الله عز وجل الذين هم في الحقيقة لا يألون جهداً في إصفافها واقتلاعها من على وجه الأرض: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) والقيام بهذه الجوانب المختلفة من الإعداد فرض كفاية، فإذا قام في كل جانب من يسد الحاجة سقط الوجوب عن الباقين، أما إذا لم يقم في كل جانب ما تسد به الحاجة -وهو الواقع الآن- فإن الإثم متوجه إلى الجميع، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1423(8/2952)
خطر الطعن في العلماء والدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أصلي وأحفظ القرآن وأستمع للخطب للعديد من الشيوخ، منهم فضيلة الشيخ إبراهيم الدويش والشيخ محمد حسان والشيخ ناصر العمر والشيخ عايض القرني والشيخ عبد الحميد كشك وغيرهم من المشائخ، ولكن بعض أصدقائي من المستقيمين قالوا لي لا تستمع لهؤلاء المشائخ، لأن منهم من أفكاره إخوانية وجهادية وتهييجية للشباب.
أفتوني أثابكم الله هل كلامهم هذا صحيح؟
وبارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هؤلاء المشايخ الذين ذكرتهم هم من أبرز الدعاة والمرشدين، ومن أكثرهم نفعاً، ونحن نحسبهم من أهل الخير والصلاح، ولا نزكي على الله أحداً، مع العلم بأن العصمة ليست إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الناس فيؤخذ من قوله ويترك، ولو تركت دروس من تكلم فيه من العلماء، وأفكاره ومؤلفاته من أجل كلام فيه أو ملاحظة عليه لهجر كثير من العلماء، ولضاع أكثر مصادر هذا العلم ومراجعه، فقلما يسلم أحد من ألسنة الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1422(8/2953)
نبذة عن حياة الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تزويدي بمعلومات عن الشيخ عبد الحميد كشك الداعية المصري رحمه الله وأرجو أن لاتقصروا في الكلام وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشيخ (عبد الحميد كشك) رحمه الله، داعية وخطيب وإمام معروف، تخرج في جامعة الأزهر بتفوق كبير، ومارس الدعوة والخطابة ردحاً طويلاً من الزمن، وله كتبه وأشرطته المميزة التي جابت أرجاء العالم، ولا يسعنا في هذا المقام أن نتحدث عنه بالتفصيل لكن نوجز سيرته في سطور:
1- ميلاده ونشأته: ولد الشيخ رحمه الله في 10 مارس 1933م في بلدة شبرا خيت إحدى مراكز محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية. ولد سليماً معافى من الأمراض، ولما بلغ السادسة من عمره أصيب برمد صديدي في عينيه، وفقد بصره في تمام السابعة عشرة من عمره.
2- تعليمه: التحق بجمعية تحفيظ القرآن الكريم وهو صغير بالقرية، فأتم حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمعهد الاسكندرية الديني ...
ثم تحول إلى المعهد الأزهري بالقاهرة إلى أن تخرج من القسم الثانوي، وكان ترتيبه الأول بنسبة 99 ثم التحق الشيخ بكلية أصول الدين، وبها أتم دراسته، وكان أيضاً من الأوائل، وتم تكريمه على مستوى الجمهورية، وتم تعينه بوزارة الأوقاف إماماً وخطيباً.
3- الشيخ ورسالة المسجد: لم يكن الشيخ في مسجده يقوم بعمله على أنه موظف، وإنما كان يعتبر عمله رسالة قبل أن يكون وظيفة، ودعوة قبل أن يكون مورد رزق يتكسب منه، ومن ثم فقد استطاع الشيخ أن يجعل من مسجده داراً للعبادة، ومدرسة للتعليم، ومعهداً للتربية، ومأوى للمحتاجين والمساكين، وسوطاً لتأديب الخارجين… قال عنه (جيلز كيبل) رجل المخابرات الفرنسي: (نجح كشك في إعادة رسالة المسجد في الإسلام، حيث تحول مسجده إلى خلية نحل تكتظ بحشود المصلين) .
4- محنته: سجن أكثر من مرة لأجل جرأته وصدعه بالحق، وطلب منه أن يفتي بما يوافق الساسة في ذلك الوقت ولكنه أبى،
ومنذ خروجه من السجن في آخر مرة سنة 1982م لم يصرح له بالعودة إلى مسجده ومنبره، وظل كذلك إلى أن توفاه الله.
5- من أسباب نجاحه وشهرته:
كلماته الساخرة وعبارته الطريفة، ولطف دعابته ولواذع سخريته وإنك لتسمع خطبته مرات ومرات فتظل كأنك ولأول مرة تسمعها*.
عدم تقليده لأحد من الناس بل كان مدرسة مستقلة بذاتها.
بلاغة أسلوبه وقوة لغته وإتقانه للفصحى وقدرته على إيصال أسلوبه للناس على اختلاف ثقافتهم ومعارفهم ولهجتهم.
زهده في الدنيا وبعده عن مغرياتها المختلفة مما حبب الكثير فيه.
استشهاده بروائع الشعر وظريفه، وجميل القصص، وبديع الأمثال.
صبره وثباته في المحنة، وشجاعته في قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- مؤلفاته: امتاز الشيخ بأسلوبه الأخاذ الذي يخاطب العقل كما يخاطب الوجدان ويحرك العاطفة كما يحرك الشعور والإحساس، يأسر
القلوب إذا خطب، ويلهب المشاعر إذا تحدث، ويحرك الدموع إذا خوف وأنذر، ويضحك الأسارير إذا علق وسخر.
للشيخ عدة مؤلفات منها: فتاوى، وعدة كتب منشورة منها (قصة أيامي مذكرات الشيخ كشك) وله شرائط صوتية كثيرة جداً.
7- بعض المآخذ على الشيخ: أخذ عليه رحمه الله إيراده للأحاديث الضعيفة وقد يورد الموضوعة أحياناً.
8- وفاته: توفي في الخامس والعشرين من رجب 1417هـ الموفق 6 ديسمبر 1996م، وهو ساجد رحمه الله.
هذه بعض الملامح من سيرته ويمكن الرجوع إلى مذكرات الشيخ كشك. طبعة المختار الإسلامي. ومجلة المجتمع العدد: 1230- 1231، ومجلة اللواء الإسلامي بمصر، 26ديسمبر 1996م. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1422(8/2954)
التثبت في أقوال العلماء، وعدم الطعن فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... لعلكم سمعتم التحامل الذي شنه زمرة لا فقه لها على العلامة يوسف القرضاوي فهل من كلمة توجهونها لهؤلاء الذين يطعنون في القرضاوي وسيد قطب وغيرهما من رموز الدعوة وبارك الله فيكم وجمعني وإياكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..... وبعد: ...
فإنه نظراً لكثرة من يتكلمون في أمور الدين وحملة الشريعة عن علم وعن غير علم، وتعدد وسائلهم في ذلك كان لابد من بيان المنهج الحق في هذه الظاهرة الخطرة إحقاقا للحق وإبطالاً للباطل ووجهة نظرنا في التعامل مع هذه الحالة التي فرضت نفسها تتلخص في النقاط التالية: 1. بيان أن الواجب على كل مسلم أن يحترم أهل العلم والفضل، وأن يعرف لهم قدرهم ومنزلتهم التي أكرمهم الله بها، وأن يمسك لسانه عن الطعن فيهم والتشهير بهم، فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة. ... 2. بيان أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والواجب على من رأى خطأ لعالم أو زلة أن يسعى بالنصيحة والبيان، لا بالتحامل والتشنيع والتشهير، فإن هذا يمنع في حق عامة الناس، ومنعه في حق العلماء من باب أولى، صيانة لهذا المنصب الشريف، ومنعاً لاجتراء العامة على أهله. 3. بيان أن الاختلاف بين البشر سنة من سنن الله تعالى فيهم، ولم يزل العلماء يختلفون ويتناصحون ويتناظرون ويكتبون في الرد على المخالف مع التزام الأخلاق الحميدة، وصفاء النفوس من الأحقاد والضغائن. ... 4. بيان أن العلماء والدعاة يخطئ في حقهم فريقان من الناس: فريق يغلو فيهم ويتبعهم في زلاتهم، وينتصر لأقوالهم بغير حق، وفريق يتتبع عثراتهم، ويرميهم بما ليس فيهم، والحق وسط بين الفريقين، والتوفيق من عند الله. ... 5. بيان أن العلماء الذين يشتغلون بالفتوى ويتكلمون في مسائل الشريعة ينقسمون إلى قسمين: الأول من عرف بالاستقراء والتتبع كثرة صوابه وقلة أوهامه والتزامه الغالب بما صح من الدليل احتجاجاً واستنباطاً فيكون الأصل في أقواله القبول ولا يرد منها إلا ما بانت مخالفته للدليل. وقسم عرف بالاستقراء والتتبع أنه لا تنطبق عليه هذه المواصفات أو بعضها فيكون الأصل في أقواله أن تعرض على الدليل قبل الأخذ بها، فما وافق الدليل منها أخذ وما خالفه رد عليه بالأسلوب الرصين العلمي الهادي الذي تراعى فيه آداب البحث والمناظرة ويبتعد فيه من التقبيح والتشهير.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(8/2955)
من أقوى ما يصحح الاعتقاد بالانتفاع بزمزم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أشرب من ماء زمزم لكن أريد أن يكون اعتقادي قويا، كيف يكون اعتقادي قويا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أقوى ما يصحح الاعتقاد بالانتفاع بزمزم أن تطلع على النصوص الواردة في شأنه وعلى تجارب من شربوا منه فنالوا مرادهم.
ومن النصوص الواردة في شأنه الحديث: ماء زمزم لما شرب له رواه أبو داود.
والحديث: خير ماء على وجه الأرض: ماء زمزم فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم. رواه ابن حبان وغيره وحسنه السيوطي.
وقد كثرت القصص في انتفاع الناس بزمزم وعلاجهم به للأمراض الكثيرة. فكم عقيم وكم مصاب بالسرطان عافاهم الله تعالى بسببه. وراجع الفتوى رقم: 110732، والفتوى رقم: 120191.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(8/2956)
كلام العلماء حول حديث: "ماء زمزم لما شرب له"
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من علامة محدث سلفي ثقة نحسبه كذلك أن حديث " ماء زمزم لما شرب له" ضعيف، وسألت شيخا قال نعم ضعيف، الحديث الصحيح هو "طعام طعم وشفاء سقم" أو كما قال، وقلتم أنتم: إنه صحيح.
وأنا شربت ماء زمزم بنية كذا وكذا ولم يتغير الوضع ولم تتحقق النية ليس عندي شك في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قال فقد صدق، ولكن المشكلة فيمن يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث آخر لا أدري ما صحته أو من رواه: "من أصابته مصيبة فقال إن لله وإن إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خير منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلفه خير منها"، ويقولون: إن أم سلمة قالت هذا الدعاء وقالت من هو أفضل من أبي سلمة بعد ما مات أبو سلمة فعوضها الله بزوج خير منه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا الحديث صحيح؟ ومن رواه؟، وهل إذا قلت سيعوضني الله خيرا في دنياي؟ لأني أبحث عن أصدقاء وكل مرة أفقد واحدا وليس لي أصدقاء ومالي حرام أريد أن أحصل على مال حلال وأريد أشياء أخرى، فأرجو التوضيح..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث مما اختلف أهل العلم في ثبوته، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، إن سلم من الجارودي.
قال المنذري في الترغيب والترهيب: سلم منه، فإنه صدوق، قاله الخطيب البغدادي وغيره، لكن الراوي عنه محمد بن هشام المروزي لا أعرفه.
وقال السيوطي في الحاوي للفتاوي.: حديث مختلف فيه، قيل: صحيح. وقيل: حسن. وقيل: ضعيف.... وقد ألف الحافظ ابن حجر جزءا في حديث ماء زمزم لما شرب له وتكلم عليه في تخريج الأذكار فاستوعب، وحاصل ما ذكره أنه مختلف فيه، فضعفه جماعة. وصححه آخرون، منهم الحافظ المنذري في الترغيب، والحافظ الدمياطي. قال ابن حجر: والصواب أنه حسن لشواهده ... وله شواهد أخر مرفوعة وموقوفة تركتها خشية الإطالة، ولما نظر المنذري والدمياطي إلى كثرة شواهده مع جودة طريق أبي الزبير عن جابر حكما له بالصحة.
وحسنه بطرقه ابن الهمام في شرح فتح القدير، والعجلوني في كشف الخفاء، والألباني في إرواء العليل، وصحيح الترغيب والترهيب، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: حسن، وجوَّد الزركشي إسناده في التذكرة في الأحاديث المشتهرة.
وقال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد..: الحديث حسن، وقد صحَّحه بعضُهم، وجعله بعضُهم موضوعاً، وكِلا القولين فيه مجازفة. وقد جربتُ أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزمَ أُموراً عجيبة، واستشفيتُ به من عدة أمراض، فبرأتُ بإذن الله.
وقال صاحب الرسالة العلمية ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة: فالحاصل أن هذا الحديث يَتَقَوَّى بمجموع هذه الطرق، فيكون حسناً لغيره لا لذاته كما يفهم من كلام ابن القَيِّم؛ إذ إنَّ طُرُقَهُ كلها لم تَسْلَم من الضَّعْفِ. وحَسَّنَه الحافظ المنذري في كلامه على أحاديث المهذب. وقال الحافظ ابن حجر: ومرتبة هذا الحديث أنه باجتماع هذه الطرق يصلح للاحتجاج به. وقال مرة: غريب، حسنٌ بشواهده.
وممن صححه من القدماء ابن عيينة، فقد قال ابن المقرئ في تاريخ دمشق: كنا عند ابن عيينة فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد ألستم تزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له؟ قال: نعم. قال: فإني قد شربته لتحدثني بمائتي حديث. قال: اقعد. فحدثه بها. .
وسئل ابن خزيمة: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له وإني لما شربت سألت الله علما نافعا.
. ولما حج الخطيب البغدادي شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات آخذا بالحديث: ماء زمزم لما شرب له. فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد في بغداد، الثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، الثالثة أن يدفن عند بشر الحافي. فقضى الله له ذلك.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية عن هذا الحديث فقالت: هو حديث حسن، وحسنه أيضا ابن عثيمين كما سيأتي.
وأما من ضعف الحديث، فمنهم أبو حفص الوراني في المغني عن الحفظ والكتاب حيث قال: لا يصح في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. . ومنهم النووي، فقال في المجموع: رواه البيهقي بإسناد ضعيف من رواية جابر، قال: تفرد به عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف.
وهذا التضعيف ـ والله أعلم ـ هو لطريق بعينه، وهذا لا خلاف فيه، فإن من حسَّن الحديث أو صححه فبالنظر لمجموع طرقه وشواهده. وإلا فالنووي نفسه قد قال في تهذيب الأسماء: وجاء ماء زمزم لما شرب له معناه من شربه لحاجة نالها، وقد جربه العلماء والصالحون لحاجات أخروية ودنيوية فنالوها بحمد الله تعالى وفضله.
وقال أيضا: وهذا مما عمل العلماء والأخيار به، فشربوه لمطالب لهم جليلة فنالوها، قال العلماء: فيستحب لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرض ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم وإني أشربه لتغفر لي، ولتفعل بي كذا وكذا، فاغفر لي، أو افعل، أو اللهم إني أشربه مستشفيا به فاشفني، ونحو هذا.
وانظر تفصيل الكلام على تخريج الحديث في: فتح الباري، التلخيص الحبير، البدر المنير، تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، المغني عن حمل الأسفار، المقاصد الحسنة، أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ... وقد سبقت في فضيلة ماء زمزم، والرد على من شكك في ذلك الفتوى رقم: 8709، والفتوى رقم: 3491.
وكذلك معنى الحديث اختلف فيه أهل العلم أيضا، فمنهم من عممه، ومنهم من خصصه، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول.: زمزم سقيا الله وغياثه لولد خليله إسماعيل عليهما السلام، فبقي غياثا لمن بعده في كل نائبة، إن شربت لمرض شفيت، وإن شربت لغم فرج عنك، وإن شربت لحاجة استعنت، وإن شربت لنائبة صلحت، لأن أصله من الرحمة بدا غياثا، فلأي شيء شربه المؤمن وجد غوث ذلك الأمر.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قَوْلُهُ " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ له " فيه دَلِيلٌ على أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يَنْفَعُ الشَّارِبَ لِأَيِّ أَمْرٍ شَرِبَهُ لِأَجْلِهِ، سَوَاءٌ كان من أُمُورِ الدُّنْيَا أو الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ (ما) في قَوْلِهِ " لِمَا شُرِبَ له " من صِيَغِ الْعُمُوم ِ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: هذا الحديث إسناده حسن، ولكن.. هل المراد العموم وأن الإنسان إن شربه لعطشٍ صار ريانا، أو لجوعٍ صار شبعانا، أو لجهلٍ صار عالماً، أو لمرضٍ شفي، أو ما أشبه ذلك. أو يقال: إنه لما شرب له فيما يتعلق بالأكل والشرب، بمعنى إن شربته لعطش رويت ولجوعٍ شبعت دون غيرها. هذا الحديث فيه احتمال لهذا ولهذا. .
وقال في موضع آخر: الذي يظهر لي والله أعلم: أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى به البدن، بمعنى: أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك وعن الشراب كفاك.
ومما ينبغي التنبه له أن حصول المراد لشاربه أو تأخر ذلك لا يستدل به على صحة الحديث أو عدمها، فإن ذلك شبيه باستجابة الدعاء، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر: 60} ، وليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب في الحال، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياه أو صرف عنه من السوء مثلها. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيب ٌ، وأحمد، وصححه الألباني.
وقَال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه، إما أن يعجلها له، وإما أن يدخرها له. رواه أحمد، قال المنذري: بإسناد لا بأس به. اهـ. وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، كما قال ابن حجر في فتح الباري.
ثم ينبغي كذلك أن تراعي شروط وأسباب حصول الإجابة أو القبول أو حصول المطلوب، فقد نبه أهل العلم على أن شرب ماء زمزم لا يفيد شاربه إن فعله مجربا لا موقنا.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له.. وأخبر النبي بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك، وكذلك يكون إلى يوم القيامة، لمن صحت نيته وسلمت طويته، ولم يكن به مكذبا ولا شربه مجربا؛ فإن الله مع المتوكلين وهو يفضح المجربين، ولقد كنت بمكة مقيما.. وكنت أشرب ماء زمزم كثيرا وكلما شربته نويت به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل؛ ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهما. . وذكر القرطبي أيضا نحو ذلك في تفسيره الجامع لأحكام القرآن.
وقال المناوي في فيض القدير: من شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث، وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها. قال الحكيم: هذا جار للعباد على مقاصدهم وصدقهم في تلك المقاصد والنيات؛ لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه، فإذا فزع إليه استغاث به وجد غياثا، وإنما يناله العبد على قدر نيته، قال سفيان الثوري: إنما كانت الرقى والدعاء بالنية؛ لأن النية تبلغ بالعبد. .
ولمحمد بن إدريس القادري كتاب اسمه: إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له،.
وأما حديث أم سلمة فهو ثابت في صحيح مسلم، حيث قالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
وقد بيَّن السائل الكريم سببا من أسباب منع هذا الخير عن نفسه، حيث قال في سؤاله (مالي حرام، أريد أن أحصل على مال حلال) ، فمن المعروف أن المال الحرام مانع من موانع الإجابة، حيث قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب.. يا رب.. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!. رواه مسلم.
قال النووي: (فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ) أَيْ: مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَاب لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ؟ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ .
فنوصي السائل الكريم بالتوبة والاستغفار، ولزوم تقوى الله والاستقامة على شرعه ونفيده بأن من ترك الحرام عوضه الله خيراً منه، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا* وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا* ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا {الطلاق} ، وفي الحديث: إ نك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. وقد سبقت بعض الفتاوى التي تفيد السائل في حكم المال الحرام وكيفية التعامل معه وهي تحت الأرقام التالية: 65938، 5876، 55376، 34667، 16295.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1429(8/2957)
منافع التمر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي فوائد التمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فثبت في الصحيحن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تصبح بسبع تمرات وفي لفظ: من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر. وثبت عنه أنه قال: بيت لا تمر فيه جياع أهله. رواه مسلم.
ويمكنك الدخول على هذا الرابط لمعرفة بعض فوائد التمر:
http://elagha.net/art/tamer-fawed.htm
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(8/2958)
الأضرار الناجمة عن تناول الدم شربا
[السُّؤَالُ]
ـ['إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير" ما الحكمة من تحريم الدم وما وجه الإعجاز في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم الدم والانتفاع به في الفتوى رقم: 7020، فراجعه للفائدة.
وننبه أولاً إلى أن التكلف في البحث عن الحكم التي من أجلها فرض الله على عباده التكاليف الشرعية وتوقيف العمل على ذلك لم يكن من هدي السلف الصالح ولا عناية لهم به، إنما كان جل اهتمامهم رضي الله عنهم امتثال الأوامر واجتناب المحرمات وإظهار ما أمكنهم إظهاره من محاسن الشريعة الغراء.
وقد عرَّف شيخ الإسلام الهروي يرحمه الله تعظيم الأمر والنهي بقوله: تعظيم الأمر والنهي وهو أن لا يعارضا بترخص جافٍ، ولا يعرضا لتشدد غال، ولا يحملا على علة توهن الانقياد. انتهى
قال الإمام ابن القيم يرحمه الله في شرح ذلك: وقوله: ولا يحملا على علة توهن الانقياد يريد أن لا يتأول في الأمر والنهي علة تعود عليهما بالإبطال؛ كما تأول بعضهم تحريم الخمر بأنه معلل بإيقاع العداوة والبغضاء والتعرض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه كما قيل:
أدرها فما التحريم فيها لذاتها ... ولكن لأسباب تضمنها السكر
إذا لم يكن سكر يضل عن الهدى ... فسيان ماء في الزجاجة أو خمر
وأما البحث عن الحكم الشرعي وأسرار التشريع لإزالة شبهة أو لإظهار عظمة الإسلام وبيان إعجاز القرآن ومقارعة الخصوم بالحجج والبراهين ونحو ذلك فأمر حسن، وقد كشف لنا العلم الحديث أن الدماء تعتبر مرتعاً صالحاً لتكاثر الجراثيم ونحوها، ثم هو فوق ذلك لا يحتوي على أي مادة غذائية، بل إنه عسر الهضم جدّاً، حتى إنه إذا صُبَّ جزء منه في معدة الإنسان تقيأه مباشرة، أو خرج مع البراز دون هضم على صورة مادة سوداء.
ومن هنا ندرك الحكمة والمقصد الشرعي من التذكية التي أمر الله بها قبل تناول لحوم الحيوانات، وذلك أن في هذه التذكية إخراجاً لتلك الدماء الخبيثة الضارة.
يقول الأستاذ أحمد الهاشمي: وقد أكدت جميع البحوث العلمية في هذا المجال أن الأضرار الناجمة عن شرب الدم أو طبخه كبيرة للغاية بسبب ما يحويه الدم من الجراثيم، فضلاً عن أن الدم عنصر فقير جدّاً من الناحية الغذائية، وأن القدر البروتيني الذي يحويه الدم يأتي مختلطاً بعناصر شديدة السمية، وغاية في الضرر، الأمر الذي يجعل الإقدام على تناوله مجازفة كبرى وإلقاء للنفس في التهلكة، بل هو فوق ذلك يحتوي على عناصر سامة يأتي في مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون، وهوغاز قاتل خانق، وهذا ما يفسر تحريم المنخنق من الحيوان أيضاً، وذلك أن المنخنقة إنما تموت عن طريقة تراكم هذا الغاز في دمائها ما يؤدي إلى نفاقها. ولا يخفى أن تكرار شرب الدماء لمن اعتاد عليها وهي مشبعة بهذا الغاز القاتل مؤدٍ إلى أضرار صحية بالغة الخطورة قد تؤدي بحياة الإنسان. انتهى
فسبحان الله العظيم القائل: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 145] .
ووصف القرآن العظيم نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف: 175] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(8/2959)
من تاب من مواعدة الفتيات هل يلزمه شيء تجاههن
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل: حتى وقت قريب كنت شابا عابثا منصرفا إلى الدنيا وملذاتها، وكنت أقيم علاقات محرمة مع الكثير من الفتيات في وقت واحد ـ والحمد لله ـ صحى قلبي وعدت إلى ربي وبكيت حرقة وندما على ما فعلت وأسأل الله أن يقبل توبتي، طلبت من والداي البحث لي عن زوجة ذات دين وخلق ووجداها وهما في طور التفاهم وأسأل الله أن تكون فاتحة خير علي، ومشكلتي هي في من كنت أواعدهن من الفتيات ولم أجد طريقة لأخبرهن بالحقيقة، حقيقة أني كنت عابثا والله هداني، فكرت في قول الحقيقة مباشرة، ولكن الحقيقة سبقتني إذ عرف بعضهن أنني كنت عابثا وأنني كنت أواعدهن في وقت واحد، فانهلن علي بالدعاء بالشر وقلن لي أنهن لن يسامحنني أبداً، أنا أعرف أن الله غفور رحيم وأنني أرجو عفوه ومحسن الظن به، ولكن عدم مسامحتهن لي، هل يرتب عليها إثم؟ وهل يكن خصوما لي يوم لا ظل إلا ظل الله تبارك وتعلى؟ أرشدوني، كيف أمحو ذنوبي الآن في الدنيا قبل أن أقف بين يدي الرحمن بارك الله فيكم؟ فقلبي يعتصر وأخاف أن أعاني من تبعات ذنوبي، بارككم الرحمن وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يثبت خطاك على سبيل التوبة والإنابة وأن يغفر لك ما أسلفت من ذنوب ويكفر عنك ما كسبت من سيئات، واعلم أنه لا يلزمك شيء تجاه هؤلاء الفتيات وليس لهن عليك حقوق، ولا تعد لمحادثتهن ـ ولو بالاعتذارعما كان ـ لأنه يفتح عليك أبواب الفتنة مرة أخرى، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 114706.
وكل ما يلزمك هو أن تحفظ قلبك وتقيم نفسك على طريق التوبة والعمل الصالح، ثم ننصحك بالإكثار من الأعمال الصالحة المكفرة، فقد قال الله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1430(9/1)
موقف المسلم من النمام وحكم هجر الأخ فوق ثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسافر إلى السعودية ومع اثنين من زملائي فى نفس التخصص، وعندي مشكلة كبيرة لا أعرف من يتحمل وزرها، وهي أني بعد مجيئي إلى السعودية قام أحد الزملاء بالتعاون مع رئيسي المباشر، وذلك للتفرقة بيني وبين زميلي الآخر، وأنا كنت جديدا بالمملكة، وطبعا عملوا علي حصارا كبيرا وعقدوني فى الشغل وكرهوني فى حياتي، وفى النهاية وقعت فى المحظور وقمت بمخاصمة الزميل الثالث ونحن موجودان مع بعض بدون كلام لمدة سنة كاملة، وأنا أتعذب لأني لا أحب خصام أحد، ولكن الزميل الخائن ينقل كل شيء للرئيس. والله لو كلمته ووجد العلاقة ترجع يقلب علي، وأنا لا أعرف هل أتحمل وزر الخصام؟ في النهاية تدخلوا بينا إلى أن ساءت العلاقة وكرهني وأنا كرهته بدون سبب، والزميل الخائن وأنا آسف في التعبير، ولكن أنا أعاني مرارة الظلم من يوم قدومي إلى الآن. فأفتوني بالله عليكم ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به زميلك ورئيسك من تضييق عليك وحصار لك إثم كبير؛ لأن إيذاء المسلم بدون وجه حق حرام، وما يقوم به زميلك هذا من نقل للكلام مما تسبب في حدوث الأحقاد بينك وبين زميلك نميمة محرمة، والنميمة من كبائر الذنوب، وهي تدل على خبث صاحبها وسوء طويته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام. جاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: ولذلك قالوا النميمة من الخصال الذميمة، تدل على نفس سقيمة وطبيعة لئيمة، مشغوفة بهتك الاستار وكشف الأسرار، وقال بعض الحكماء: الاشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الوجعة من الجسد ويترك الصحيحة، وقالوا: الساعي بالنميمة كشاهد الزور يهتك نفسه ومن سعى به ومن سعى إليه، ورأى بعضهم رجلاً يسعى بآخر عند رجل فقال له: نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن النطق به، فإن السامع شريك المتكلم. انتهى.
وضابط النميمة المحرمة هو ما جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا، حتى لو رأى شخصاً يخفي ماله فأفشى كان نميمة. انتهى.
فعليك بنصح زميلك الذي يسعى في هذه الفتنة، وأن تعلمه بقبح فعله، وتذكره بعقاب الله وأخذه للعصاة الظالمين، وقد يكون من المناسب أن تحاول مع ذلك تألف قلبه بهدية أو غيرها من أبواب الإحسان، فإن من كياسة الإنسان وفطنته أن يحول أعداءه إلى أصدقاء، وهذا ما طلبه القرآن وحث عليه، فقال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
ولكن مهما حدث فما كان لك أن تهجر زميلك الآخر ولا أن تقاطعه، فهجر المسلم بدون مسوغ شرعي حرام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه مسلم. وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني. جاء في فيض القدير: أي مهاجرته سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها. والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى.
فسارع إلى إصلاح ما بينك وبين زميلك هذا، ولا تخش الناس، فالله أحق أن تخشاه. واعلم أن من توكل على الله واتقاه كفاه، ودفع عنه كيد الكائدين وشرور المفسدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(9/2)
كيف تعودين إلى تذوق حلاوة الإيمان والقرب من الله
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص أني ذقت حلاوة الإيمان والقرب من الله في سن المراهقة والحمد لله أنعم الله علي بالزوج الذي يحترمني, اتفقنا على طاعة الله كنت إذ ذاك أسكن بمدينة صغيرة حتى ارتحلت لأعيش مع زوجي في مدينة كبيرة بها صخب ومزيفات الدنيا الزائلة وما فتئت أنصاع لها، لم أعد محجبة بدأت أتهاون في الصلاة تداركت أمري وتحجبت ثانية ولكن لم أستطع تذوق الإيمان إني أحس بالضياع والتعاسة ولو أني أعيش حياة سعيدة رفقة زوجي وابني، أعطاني الله من كل النعم شكرته بالكلمات ولم أشكره بالفعل، أعلم أنه العقاب وهو الحرمان من تذوق الطاعة والحب لله أبعدني الله، أريد الرجوع كيف؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شعورك بالتقصير والإساءة أمر طيب، فمن الناس من قد يزين له سوء عمله فيراه حسناً فيكون ذلك مدعاة للإغراق في الضلال، قال تعالى: أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء {فاطر:8} .
والذي نرشدك إليه أولاً هو البحث عن الأسباب التي دعتك إلى الوصول إلى هذا الحال من التفريط، فتعملين بعد ذلك على إزالة هذه الأسباب، إذ إن التصفية هي المقدمة الصحيحة للتربية، ولا بد أن تكون التخلية قبل التحلية، فعليك بالتوبة النصوح والندم على كل لحظة تفريط في جنب الله..
ثم عليك باتباع الوسائل التي تعين على الثبات على الدين، وزيادة الإيمان في قلبك، وقد ذكرنا جملة منها في فتاوى لنا سابقة نحيلك منها على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19370، 17666، 10943.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(9/3)
نقد الأشخاص الجائز منه والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي شيخي الكريم عن الحكم في المسائل التالية:
1- هل إذا انتقدت تصرفا ما لأخي أو أبي أمام أحد من أهل بيتي أمام أختي أكون قد أذنبت فأنا لا أستطيع أن أقول أمام أبي أو أخي عن سوء تصرفهم خصوصا إذا تضايقت منهم بشيء فأنا لا أكون أقصد النميمة.
2- هل إذا فضفضت عن ما بدر من زوجي وضايقني لأمي أو أختي أكون قد أذنبت؟.
3- هل إذا انتقدت شكلا أو تصرفا لشخص ما بصوت منخفض دون أن يسمعني أحد أكون قد أخذت ذنبه؟
4- هل إذا انتقدت أمي مثلا بيني وبين نفسي لتصرفاتها التي لا تعجبني بغض النظر عن موضوعها أكون قد أسأت وأذنبت بحق أمي؟
5-أنا أحيانا أتحدث مع نفسي عن كل ما يضايقني من حولي لأنني لا أحب أن أفضفض أمام أحد فقد أسب أو أشتم مع حديثي الخاص؟
أرجو توضيح الحكم الشرعي لي فأنا أحس بتأنيب الضمير بهذه الأمور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فق د حرم الله الغيبة، وصور فاعلها في صورة بشعة، قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12} .
وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة، ف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. رواه مسلم.
والغيبة تباح في بعض المواضع للمصلحة، وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم، ستة أسباب تبيح الغيبة، ومنها التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، والاستعانة على تغيير المنكر.
وعلى ذلك فإن ذكر شيء من عيوب أبيك أو أخيك أو زوجك عند أمك أو أختك، لا يجوز إلا أن يكون في ذكره مصلحة، من تغيير المنكر أو إزالة الظلم، أو طلب مشورة.
وأما عن انتقاد شخص بصوت منخفض دون أن يسمعه أحد، فإن كان لا يشتمل على سب أو طعن بما ليس فيه، فلا حرج فيه، أما إذا كان يشتمل على سباب أو كلام فاحش، فهو غير جائز، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
وأما عن انتقاد تصرفات أمك أو غيرها، في نفسك دون التكلم مع أحد، فلا إثم في ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
وننصح السائلة أن تستعين بالله وتبث شكواها إليه، فهو سبحانه قريب مجيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو الحجة 1429(9/4)
عد إلى الله وحافظ على الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 28 يوجد عندي مشكلة لا أعرف ما أفعل عندما كان عمري 18 أحببت بنتا, وفي جيل 19 دخلت الجيش وبعد فترة ما قررت أن أخرج من الخدمة لعدت أسباب:
1- أني شعرت ورأيت أنه جيش ظلم.
2-وحبي لبنت ما- والله والطريق المستقيم ... وبعد فترة أطلقت النار على كف يدي الشمال لكي أخرج من الجيش وأبدأ حياة جديدة. وبعد فترة علاج سنة بالتقريب خطبت الفتاة. وأنا والله هداني إلى الطريق المستقيم.. (ولكن انظروا ما حصل لي قبل عقد الكتاب لقد كانت إشاعة أن هذه الفتاة قد حصل معها حالة اغتصاب في محل شغل وكانت في جيل تقريبا 17 وسمعت هذا الشيء ولكني أصررت على أن أتزوج هذه الفتاة وعلى ما عرفت أن الفتاة كانت أظن مخطوبة لفترة 6 أشهر وانفصل ولأسباب ما الله أعلم بعد فترة قليلة من خطبتي للبنت أنا، شاب قال لي إن هذه الفتاة قد (زنت) مع خطيبها الأول, وبصراحة غضبت ولم أنم في هذه الليلة وبعد يوم ذهبت إلى الشاب الذي قال لي وضربته.ولم أقل لأحد ما جرى ... وبعد فترة سألت خطيبتي على حالة الاغتصاب وقالت لي وكانت تبكي: نعم هذا قد حصل معي وأنا والدي لا يعرفون الحقيقة. أنا في الصراحة انقهرت وسكت ... وفي هذة الفترة بدأت أبني بيتي في القرية وخطيبتي بدأت تدرس في الجامعة لفترة 4 سنوات وبعد فترة بدء الغرام والحب والغير ... قبل أن أعقد الكتاب على سنة الله ورسوله كانت توجد علاقة رومنسية مع خطيبتي وكنا على اتفاق بعد عقد الكتاب سوف نجامع بعض وهذا ما جرى. ولكن هذة كانت لي مفاجأة بعد ما دخلت عليها بثوان لم يخرج دم من الغشاء أو أي أوجاع ... ومن هنا بدأت المشاكل لا أعرف ما أفكر وبدأ الظن (في الشاب الذي قال لي إن خطيبها الأول قد زنا فيها (في فترة التعارف-الفاتحة) أو حالة الاغتصاب ... لا اعرف ما أقول. وكما قالت لي: إن (الحيوان) الذي اغتصبها قد هاجمها من الخلف وليس من الأمام ... لقد أخذتها إلى دكتور النساء وكانت تبكي بشدة لعرف السبب وقال لي أنه يوجد عندها غشاء مطاطي ... وفي الصراحة سكت واستمرت الخطبة وكنت أعاشرها لا أحد يعرف, كان يوجد عندي غيرة وكان بيننا بعض الخلافات, ولكن بعد فترة سنتين كان وضعي المادي ضعيفا وكنت أعمر البيت وأحتاج إلى أموال كثيرة لكي أنهي البيت وأنا لا أستطيع أن أعمل فقط شغلا محددا لأني (معاق) في يدي ... ويظن هذه مشكلة, وطالت الخطبة حوال 3 سنوات وكان يوجد بعض المشاكل التافهة من الغيرة ... ولكن في يوم اتصل الأب وقال لي: سوف أنهي هذه الخطبة وحاولت أن أفهم ما السبب وحاولت أن أصلح أنا وأهلي, ولكن رفضوا والبنت أيضا رفضت وأنا أحب خطيبتي كثيرا, ولكن طلبت الطلاق هي ووالداها وحاولت أن أتكلم معها وبعد فترة ذهبت المحكمة الشرعية لأول جلسة وقلت للحاكم إني أريد الصلح ولا أريد الطلاق وأريد التحدث مع زوجتي, ولكن الأب رفض وبكيت كثيرا وقلت للحاكم لا يوجد عندي نية الطلاق ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله....ومنذ حين حزين وقلق وسواس وغضب شديد وخسرت زوجتي وتركت الصلاة ولا أشتغل ووقفت البناء وبدأت أدخن الحشيش وأنا على هذه الحال 3 سنوات وضيق الصدر لا أعرف أشعر وكأنْني مريض نفسانيا, أو لا أعرف مسحور حتى هذا اليوم أبكي لأني خسرت ديني وزوجتي حتى لا أستطيع أن أنسى حتى يوجد عندي تفكير شياطيني الانتقام أو أي شيء ولكن لا أستطيع لأني أخاف الله ولكني مقهور لماذا طلقوني من هذه الفتاة وأنا أحبها (وفي المحكمة لم أستطع أن أقول إني دخلت عليها أو ما جرى لها....أرجوكم ساعدوني ما الذي جرى لنفسي وماذا أفعل لكي أرجع للصلاة لأني تعبان كثيرا والشياطين توسوس في كل نفسي داخلي وخارجي.......... ساعدوني؟ .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن يكشف كربك، وأن يقدر لك الخير حيثما كنت. وإن أولى ما ننصحك به أن تتوب إلى الله تعالى من ترك الصلاة وتعاطي الحشيش، فإن ذلك من أخطر الأمور ومما قد يزيد به الهم والشقاء، فما يدريك أن يفجأك الموت فتلقى الله وأنت على هذا الحال فتخسر دينك ودنياك. وراجع الفتويين 1208، 13135.
والخطيبة أجنبية عن خاطبها، فإن كان قد وقع منك مع هذه الفتاة بعض الأمور المحرمة في فترة الخطبة فالواجب عليك التوبة أيضا، وأما إن كنت قد عقد لك عليها وحصل منك شيء من ذلك معها بعد العقد عليها فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنها حينئذ زوجة لك شرعا. وإن كان الأولى مراعاة ما قد يكون متعارفا عليه من تأخير الدخول إلى بعد العقد، وراجع الفتوى رقم 30292.
وقد أخطأت بسؤالك هذه الفتاة عما إذا كانت قد زنت أم لا، وأخطأت أيضا بأخذك إياها إلى الطبيب للفحص، ومن جهة ثالثة أخطأت باتهام ذلك الشاب بأنه قد زنا بها من غير بينة؛ إضافة إلى ضربك له بناء على ذلك, فيجب عليك التوبة من هذا كله واستسماح ذلك الشاب. وقد أخطأت هذه الفتاة أيضا بإخبارها إياك بأنها قد وقعت في الفاحشة، وقد كان الواجب عليها أن تستر على نفسها، وأما زوال غشاء البكارة فقد يحصل بأسباب غير الزنا كما بينا بالفتوى رقم: 103011.
ولا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق لغير مبرر شرعي، ولا يجوز لأهلها تحريضها على ذلك، بل ينبغي أن يسعوا في الإصلاح قدر الإمكان، وأما هذا الطلاق فما دامت قد أوقعته المحكمة فلا كلام لنا فيه، فإن كان ثمة تظلم منك من هذه الجهة فينبغي أن تراجع المحكمة، ثم إن النساء غيرها كثير فقد ييسر الله تعالى لك زوجة خيرا منها، فلا تقلق نفسك بالتفكير في أمرها، وما يدريك فقد يكون الله تعالى صرف عنك شرا بوقوع هذا الطلاق.
قال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {البقرة 216} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(9/5)
حكم انتحال الفتاة شخصية امرأة أو رجل في المحادثة عبر النت
[السُّؤَالُ]
ـ[نظرا لانتشار الشبكة العنكبوتية وسهولة المحادثة مع أشخاص كثر, أدى ذلك إلى انتحالي عدة شخصيات من صنع الخيال مثل شخصية بنت معقدة، بنت من عائلة ثرية ووحيدة، شخصية بنت مثقفة ... حتى وصل بي الأمر إلى التحدث مع الآخر بصفتي ولدا وليس فتاة.
المشكلة هو تعلق الناس بي ومسألة الكذب على الآخرين تؤرقني. كانت مجرد قكرة خطرت في بالي وأحببت تجربتها، علما بأنني إنسانه ملتزمة ومشاركة بعدة جمعيات تطوعية.
أريد أن أتوب ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. متفق عليه.
والكذب في المزح فيه وعيد خاص ففي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم ويل له ويل له.
فعليك أن تتوبي إلى الله عز وجل، فإن ذلك معدود من كبائر الذنوب ويشترط لصحة التوبة:
أولا: أن تندمي على فعلك هذا.
ثانيا: أن تعزمي عزما أكيدا ألا تكذبي أخرى.
ثالثا: أن تقلعي عن هذا الذنب مباشرة.
فإنك إن تبت إلى الله توبة نصوحة تاب الله عليك.
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}
وانظري الفتوى رقم: 95207.
واعلمي أن ما خطر ببالك إنما هو من وسوسة الشيطان لك فاحذريه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {البقرة:168}
وكذلك محادثتك التي لا تخلو أن يكون منها محادثات مع شاب، وذلك يجوز إلا لحاجة معتبرة شرعا، وفي إطار الضوابط الشرعية.
فتوبي إلى الله عز وجل منه، وانظري الفتوى رقم: 97907.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(9/6)
أيهما يثاب من يترك التدخين خوفا من الله ومن يتركه خوفا على صحته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في شخص مسلم توقف عن التدخين خوفاً على صحته بعد أن أخبره الأطباء بأنه قد يصاب بالسرطان, حيث قال هذا الشخص لولا خوفي من المرض لما توقفت عن التدخين، علماً بأن هذا الشخص يعلم حرمة التدخين، وعلى العكس تماماً هناك شخص مسلم توقف عن التدخين لأنه حرام وليس خوفاً على صحته،
السؤال هو: هل يستوي الشخصان في التوبة عن ذنب التدخين؟ أم أن التوبة تقبل ممن توقف عن التدخين خوفاً من الله تعالى وليس خوفاً من المرض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من ترك التدخين خوفاً من الله أثابه الله على تعففه عن الحرام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة. رواه الإمام مسلم.
وفي رواية عند البيهقي في شعب الإيمان: إن تركها -أي السيئة- كتبوها له حسنة إنما تركها من جرائي.
قال المناوي في فيض القدير: من جرائي أي من أجلي وإن تركها لأمر آخر صده عنها فلا ...
وأما من ترك التدخين خوفاً من المرض فلا يثاب على ذلك لأنه لم يتب بتلك النية إلى الله عز وجل، وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 21526، 26764، 56908.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(9/7)
نصائح للزوجة التي يرتكب زوجها المخالفات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سؤالي عن زوجي الذي يخطب بالناس الجمعة ويعتبر مسؤولا عن هذا المسجد, ولكن يذهب إلى المطاعم التي يوجد فيها الفساد من نساء عاريات والخمر، التي في المطعم ويسمع الأغاني وهذا بحكم عمله، ولكن هذا ليس عمله الدائم ولكن فترة الصيف, وأيضا يحب المظاهر ويذهب إلى الأسواق، علما بأن الأسواق يوجد فيها ما يؤسف, ويتكلم إلى النساء الأجانب بكلام حب وغزل من باب المزح، وأنا لا يجلس معي ولا يتكلم فما رأيك في هذ؟ اوأرجو منك يا شيخ أن تدعو لي أرجوك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً، وأن يصلح لك زوجك ويهديه لأرشد أمره وأن يقر به عينك.
وإن ثبت عن زوجك ما ذكرت فهو بذلك قد أتى جملة من المنكرات، وقبيح من مثله أن يفعل ذلك وهو يخطب بالمسلمين في صلاة الجمعة، ومثله ينبغي أن يكون قدوة في الخير لا أن يفعل مثل هذه المنكرات، فإنه والحالة هذه قد يكون سبباً لفتنة بعض المسلمين في دينهم وسبباً لصد غير المسلمين عن الدخول في الإسلام، ومن دعاء المؤمنين: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا {الممتحنة:5} .
وعلى كل حال فأولى ما نوصيك به هو الصبر عليه، وكثرة الدعاء له، والسعي في إصلاحه بالنصح والتوجيه الحسن وتخويفه بالله تعالى، ولا بأس بأن تستعيني عليه بمن ترجين أن يكون قوله مقبولاً عنده، وننبهك إلى أمر مهم وهو أن زيادة اهتمامك بشأنه وشأن بيته وتزينك له قد يعينك في التأثير عليه ويجعلك محل اهتمامه، فينبغي أن تحرصي على ذلك.
وننبه إلى أن العمل في المطعم الذي تقدم فيه الخمور لا يجوز، فإن كان عمل زوجك له علاقة بالإعانة على شرب الخمر بأي وجه من الوجوه، فإن كسبه منه محرم، فلا يجوز لك الأكل من مثل هذا الكسب إلا لضرورة، وإذا اختلط ماله هذا بمال آخر حلال فيكره الأكل منه ولا يحرم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 19674، والفتوى رقم: 101982.
وننبه أيضاً إلى أنه لا يجوز للمسلم حضور أماكن المنكرات إلا لقصد صحيح كالإنكار ونحو ذلك، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 14314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(9/8)
حكم الشخر الذي يصدره بعض الناس عند النزاع
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان يشخر علي أي أمر أحاول أقنعة أو أفهمه يقول ما في حديث أو آية عن ذلك أرجو الإفادة لهذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل ما صار شعارا لأهل الفسق والعصاة لا يجوز فعله، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
قال المناوي في التيسير وفي الفيض: أي من تشبه بالصلحاء وهو من أتباعهم يكرم كما يكرمون، ومن تشبه بالفساق يهان ويخذل. انتهى.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود: قال القاري: أي من شبه نفسه بالكفار مثلا من اللباس وغيره أو بالفساق لم يكرم. انتهى بتصرف يسير.
وقال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم. انتهى.
وهذا الفعل المذكور في السؤال إنما يفعله بعض الفسقة عند المنازعات والمشاجرات كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 38452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(9/9)
حكم مس المرأة عورة المرأة على سبيل المزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن نساء يقمن بحركات غير أخلاقية من لمس عضو المرأة السفلي مثلهم من باب المزاح أو عمل تصرفات غير لائقة بهذا الموضوع، وحركات تدل أنها مثل تصرفات الزوج، ولكن دون اللمس الجسدي مع بعض ما دورنا نحن بتوصيل الرسالة لهم وما فتواكم بالموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته مما يفعله بعض النسوة، هو من الأمور المحرمة الخارجة عن حد الآداب والتعاليم الشرعية، قال تعالى: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:31} ، وعن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. وإن حفظ العورة ألا تظهر لأحد غير الأزواج، ولا يمسها أحد سواء كان رجلاً أو امرأة مثلها، ومثل هذه التصرفات يؤدي بهن إلى السحاق، وهو من الشذوذ، وعده كثير من العلماء من كبائر الذنوب، قال ابن عبد البر: وعلى المرأتين إذا ثبت عليهما السحاق الأدب الموجع.
فعلى هؤلاء النسوة التوبة إلى الله عز وجل، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وما يفعلنه هو انتكاس للفطرة السوية، ويسبب لهن غضب الله وسخطه، ويحرمهن من الخير في الرزق والبركة في الصحة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. كما في المسند وسنن ابن ماجه وغيرهما.
فالواجب علينا دعوتهن إلى الأخلاق الحميدة، وإلى ترك المنكرات، وبيان عقوبة من تجرأ على معاصي الله، وأنصح لك بقراءة كتاب (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) لابن القيم رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(9/10)
حكم التخلص من أشرطة إسلامية بتكسيرها ورميها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد سألت عن حكم التخلص من أسطوانات كانت تحتوى على بعض المواد الإسلامية وذلك لأسباب قهرية، حيث قمت بتكسيرها ورميها (بدون قصد امتهان) عياذا بالله من ذلك ولكن لظروف أمنية وأشياء من هذا القبيل.
السؤال: ما حكم هذ الفعل وخاصة بسبب وجود وسوسة شديدة حول هذا الموضوع لدي لأن يكون هذا الفعل فعلا محرماً والوسوسة شديدة حتى أن من الوسوسة (كيف التوبة مما فعلت؟) ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تخشى تعرضك لشيء من الأذى بوجود هذه الأشرطة عندك، ولم يكن بإمكانك دفع هذا الأذى عن نفسك إلا بإتلافها فلا حرج عليك فيما فعلت. وأما رميها فلا يعتبر فيه مهانة لشيء فيه ذكر الله تعالى كما هو في حال الشيء المكتوب.
فقد سئل الشيخ عبد الرحمن بن جبرين عن حكم أشرطة القران إذا تلفت، هل يجوز رميها في سلة المهملات؟ وهل يأثم الإنسان إذا رماها، فأجاب: يجوز إتلافها إذا تعذر الانتفاع بها أو تعذر أن يسجل عليها مواعظ أو محاضرات، فإذا كانت لا تصلح فلا مانع من إتلافها, وذلك لأنها ليس لها حرمة القرآن الذي هو الكتابة بالحروف، فإنها ليست مقروءة، ويمكن مسحها وبه يزول أثرها، فلا يأثم إذا أتلفها أو رمى بها في سلة المهملات. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(9/11)
معنى دعاء: (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ... )
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدعو بدعاء: اللهم أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ومن فتنة المحيا وفتنة الممات. فأرجو منكم توضيح هذه المعاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فغلبة الدين تعني كثرته واستيلاءه خصوصاً مع المطالبة به والعجز عن قضائه، وقهر الرجال بمعنى غلبتهم وقهرهم، وجاء في بعض روايات الحديث وغلبة العدو، وفتنة المحيا ما يعرض للإنسان من شهواتها وابتلاءاتها مع عدم الصبر ونحو ذلك، وفتنة الممات قيل هي فتنة الموت وقيل فتنة القبر وقيل عند الاحتضار ووقت خروج الروح.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ومعنى فتنة المحيا والممات الحياة والموت واختلفوا في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الاحتضار. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: (ومن فتنة المحيا) بفتح الميم ما يعرض للمرء مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات أو هي الابتلاء مع زوال الصبر (والممات) أي ما يفتن به عند الموت أضيفت له لقربها منه أو المراد فتنة القبر أي سؤال الملكين والمراد من شر ذلك. انتهى.
وقال أيضاً: غلبة الدين أي استيلاؤه (وقهر الرجال) غلبتهم. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(9/12)
أسباب النسيان وعدم التركيز
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من عدم القدرة على التركيز أو الاستذكار وحين بحثت عن سبب ذلك وجدت الإجابة عدم تقوى الله وكثرة الذنوب, وفعلاً أنا أعلم أن ذنوبي كثيرة، فكلما حاولت الالتزم بقراءة ورد من القرآن لا ألتزم, ورغم أني أحافظ على الصلاة إلا أني لا أعي شيئا من صلاتي للأسف، كيف أحقق التقوى وأصلح قلبي ماذا أفعل؟ وأسألكم الدعاء لي بالهداية للإيمان والصواب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نصحك من أرشدك إلى أن تشتت أمور الإنسان وعدم جريان أحواله على ما يرام سببها قلة التقوى ومقارفة الذنوب، بل وعواقب ذلك لا نستطيع سردها في هذا الجواب، ولكن مما ذكره العلماء من آثار الذنوب الوخيمة حرمان العلم النافع، فالعلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، وحرمان الرزق، ووحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها لذة، والمعاصي تجعل الأمور عسيرة، وتضعف القلب والبدن والعقل، وتمحق بركة العمر، وغير ذلك كثير مما فصله الإمام ابن القيم في كتابه (الجواب الكافي) فراجعيه.
وكما أن للمعاصي آثاراً وخيمة، فكذلك لاستقامة الإنسان على تقوى الله تعالى آثار محمودة وثمرات نافعة في العاجل والآجل، ومنها المخرج من كل ضيق والرزق من حيث لا يحتسب، وتيسير الأمور وسهولتها، وتيسير العلم النافع ومحبة الله تعالى والقبول في الأرض، والنجاة من عذاب الدنيا، والبشارة عند الموت، ثم ميراث الجنة ودخولها، وتحقيق التقوى يكون بالحرص على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ظاهراً وباطناً، وتحصيل أسباب الخشوع في الصلاة وملازمة الدعاء في قيام الليل والساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وفي السجود وأدبار الصلوات، ولا سيما وصية النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: إني لأحبك يا معاذ، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تدع أن تقول في كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.
وراجعي تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8563، 33697، 3087، 17998، 5450، 97814.
ونسأل الله لنا ولك الثبات على الإيمان وذوق حلاوته، والتوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يتوب علينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1429(9/13)
ألق السلام على صديقك ولا تقاطعه
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق يظن بي أني متكبر ومتعال عليه ولا يلقي علي السلام, ذكرته بعواقب الخصام والشحناء فى الإسلام وكذلك يشيح بوجهه عني وأجده لا يريد أن يخالطني ويبتعد عني، وأنا بين خوفي من الله من المقاطعه وعزة نفسي، فأفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك أن تبدأه بالسلام حتى تكون خير المتقاطعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت عندما ذكرت صديقك بخطورة الخصام والتقاطع والهجران بين الإخوان، ونسأل الله تعالى أن يؤجرك على ذلك، وننصحك بمواصلة هذا الطريق فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}
ولا يحملنك ما تسميه بعزة نفسك على مقاطعة أخيك وهجرانه ولو خالف فيك أمر الشرع، فخوفك من الله تعالى يجعلك أولى بالمبادرة وأن تكون خير المتهاجرين الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:.... وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الأثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا.
وإذا تنازلت وأنهيت مقاطعته وبدأته بالسلام، فقد ثبت لك الأجر وبقي عليه الإثم إن أعرض بعد ذلك، وللمزيد من الفائدة عن هذا الموضوع انظر فيه الفتوى رقم: 74817، والفتوى رقم: 68519.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1429(9/14)
إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنا آثمة أو مقصرة. أنا أعمل خارج المنزل لأعول عائلتي ولدي طفل بعمر شهور. أنتهي من عملي وأعود وأظل بقية اليوم في بيتي لا أنفك من ترتيب ورعاية وتدبير أمور المنزل حتى أنتهى كالمغشي علي.
أؤدي صلواتي على عجل ولا أذكر الله إلا قليلا. يأكلني العمل من كل ناحية. ماذا أفعل؟
أحاول في كل زمن أجده، أذكر بعض الأدعية ولكن ما من زمن.
أريد أن يرحمني الله برحمته.
هل يا ترى جهادي في بيتي يدخلني به الله الجنة إن شاء الله أم لست منهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
مادمت تحافظين على الفرائض والقيام بحق أسرتك، وتصحبين النية الصالحة؛ فإنك على خير عظيم ومأجورة على كل ما تقومين به إن شاء الله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حافظ على ما افترض الله تعالى عليه، وقام بما يلزمه من الأعمال العادية بنية صالحة - يقصد بعمله الحصول على المال الحلال ليستغني به عن الناس ويؤدي به الواجب- يصبح عمله كله طاعة وقربة إلى الله تبارك وتعالى.
وقد روى الطبراني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له. والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، ولكن سبق أن بينا أن عبادة الله تعالى لا تقتصر على أداء الشعائر التعبدية، وأن بإمكان المسلم أن يجعل حياته كلها- بما في ذلك نومه وراحته وعمله العادي- عبادة لله تعالى كما قال معاذ - رضي الله عنه-: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وسبق بيان ذلك في الفتويين: 58107، 4476.
ولذلك فإن ما تقومين به وما تجدينه من التعب هو في ميزان حسناتك إذا احتسبت أجره عند الله تعالى
والذي نوصيك به بعد تقوى الله تعالى: هو المحافظة على الفرائض، وعلى ذكر الله تعالى بلسانك وبقلبك، وخاصة الأذكار المأثورة في الصباح والمساء..؛ فقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى. فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله. والذكر لا يمنعك من مزاولة عمل آخر معه. نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1429(9/15)
حكم من يتوب ثم ينكث في توبته وهل له توبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان مسلم أصلي يوما أو يومين ثم أتكاسل عنها أياما ليس جحودا والعياذ بالله وإنما كسلا ثم أعود وأبكي على ذنوبي وأعود للصلاة وهكذا.. صار لي سنتان على هذا الطريق ربما العشرين عاما،
أدخل إلى عالم الإنترنت فأشاهد المواقع الإباحية والأفلام. أمارس العادة السرية رغم أنني متزوج ولي أبناء.
لم أعد أثق في توبتي إذا كانت لي توبة أصلا فكلما تبت عدت إلى مصائبي أخشى حتى لو مت وأنا تائب أن أقف بين يدي ربي أن يقول لي: إنك كنت كثير النكوث في توبتك.
إذا قلت لي صاحب الصالحين سأقول: إنهم قليلون في بلدي إن لم أقل معدومين.
فجزاكم الله خيرا هل لي من توبة رغم كثرة النكوث، والله إنني أعيش في عذاب فأرجو منكم الجواب. وما هي الطريقة التي تجعلني أثبت على التوبة. وهل إذا مت وأنا تائب أذوق النار لأنني فرطت في الصلاة المكتوبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيا أخي الكريم نسأل الله أن يتوب عليك، اعلم أن ما ذكرت من أمرك وهو عدم الانتظام في الصلاة هو أمر عظيم وجد خطير، فإن الصلاة هي عماد الدين وأحد أركان الإسلام الخمسة، فقولك: إنك تقطعها أحياناً فهذا أمر لا يجوز، بل عند بعض العلماء أن ترك الفريضة الواحدة كفر كما هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة. رواه مسلم عن جابر.
وقد ذم الله وتوعد من أخر الصلاة عن وقتها فما بالك بمن تركها في بعض الأوقات، قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم:59} .
وورد عن ابن عباس وابن مسعود كما في تفسير القرطبي: أن المقصود بإضاعة الصلاة هو إخراجها عن وقتها المحدد لها شرعاً،
وقال الله تعالى: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {البقرة:238} وقال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تترك صلاة مكتوبة، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 3830، 1195.
وأما تصفحك على الإنترنت لمشاهدة المواقع الإباحية فهو أمر محرم، فمن الواجب عليك أن تقلع عن هذا الأمر فوراً، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ {النور:30}
واعلم أن مداومة النظر لهذه المواقع قد يجر العبد إلى ما هو أكبر منه، فقد يصل به الأمر إلى الزنى أو غير ذلك.
وأما قيامك بالاستمناء فهو محرم؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المعارج:30،29} ففعل الاستمناء محرم، وهو من المتزوج أشد حرمة. وراجع الفتوى رقم: 7170، 6617.
فعليك أخي الكريم أن تتقي الله وتعلم أنه مطلع عليك في السر والعلن، وتستحي منه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ {الرعد:10}
فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فعليك أن تتقي الله، وتتخذ كل السبل الميسرة لكي تقلع عن هذه الأمور التي فيها فساد للقلوب وقسوة في القلب، ومما يعينك على التوبة من هذا الأمر أن لا تفتح هذه المواقع، وإن سولت لك نفسك بفعله مرة أخرى، فلتخرج فورأ وتغادر المكان، وحاول أيضاً أن لا تختلي بنفسك أثناء جلوسك على الإنترنت وتذكر دائما أن الله يراك ويعلم ما أنت عليه.
ونقول لك عليك بالتوبة إلى الله ولا تقنط من رحمة الله، قال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}
وأما عيشك في عذاب فهو بسبب إعراضك عن الله ومخالفة أمره سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. {طه:124} .
فعليك بالتوبة إلى الله وهي واجبة عليك ولا تمل من التوبة.
قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
فعليك بالإقبال على الله تعالى واللجوء إليه والاستعانة به حتى يكفيك من الشيطان الرجيم وكيده، فإن الشيطان هو الذي يوسوس إليك دائما بعدم التوبة إلى الله حتى يفسد عليك دينك، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135} .
وقال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}
فالتوبة التوبة أخي الكريم، فاندم على ما فعلت، واعزم على أن لا تعود، وأقلع عن الذنب فوراً، قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
وعليك بكثرة الأعمال الصالحة، وأكثر من ذكر الله تعالى واستغفاره يتوب الله عليك.
واعلم أنك لو صدقت في توبتك مع الله فسوف يقبل الله توبتك، ولو تاب الله عليك وقبل توبتك فإن التوبة تجب ما قبلها إن كانت صادقة، فتب إلى الله ولا تمل. وراجع الفتوى رقم: 31318. والفتوى رقم: 24031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1429(9/16)
المطلوب من المسلم عند وقوع البلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم على موقعكم الإيماني هذا وعلى ما تبذلونه من جهود لمساعدة الآخرين ولإعلاء كلمة الحق. أسال الله أن يجزيكم عنا خير الجزاء.
مشكلتي تمس وللأسف عقيدتي. قبل سنتين تقريبا، انخرطت في عمل جديد أثر على التزامي بأداء صلاتي وبمواقيتها. أتوقع أن هذا هو ما سبب مشكلتي مع إنني والحمد لله تبت وبدأت التزم من جديد بالصلاة.
مشكلتي هي: كلما تصيبني مصيبة أو مشكلة، أحزن وأغضب في داخلي وبصورة تلقائية تنتابني فكرة أن من سبب هذه المصيبة أو المشكلة لي هو الله تعالى ثم أبدا بالتفكير بأن الله قد لا يحبني ولهذا السبب ابتلاني بهذه المشكلة أو تلك. على سبيل المثال أنا أعاني من التأتأة منذ زمن طويل وكلما أحرج أمام مجموعة من الناس أحزن حزنا شديدا وأبدأ بالتفكير في داخلي: لماذا ابتلاني ربي بهذا المرض المزعج من دون كل معارفي؟ لماذا لا يشفيني منه وأنا أسأله ذلك لأكثر من 10 سنين؟ لماذا ... ؟
في بعض الأحيان تحصل لي مشكلة في العمل سببها إهمالي فقط، إلا أن الغريب والمضحك في الأمر أن نفس الفكرة تنتابني وأبدأ بالتفكير أن الله تعالى قد سيرني لتحصل لي هذه المشكلة؟
ومما يزيد في مشكلتي هذه أن المصائب والمشاكل التي لدي كثيرة جدا وأكثرها بسبب أنني عراقي مهجر بسبب الحرب في بغداد!
في الحقيقة أنا أحزن على هذه الأفكار السيئة أكثر من حزني على مشاكلي ومصائبي، لأنها تؤثر على إيماني وعى علاقتي بالله عز وجل كثيرا. في بعض الأحيان، أجلس أفكر بهدوء وبعقلانية وأتوصل إلى نتائج طيبة بأن الحياة فيها الحلو وفيها المر وما هي إلا طريق للآخرة وان الله عز وجل يبتلينا أحيانا ليختبر إيماننا وليطهرنا من الذنوب وأن هناك من البشر ومن المؤمنين ممن ابتلوا بمصائب أكبر بكثير من مصائبي إلا أنهم صابرون. ألا أنني وبعد مرور فترة أنسى كل ذلك وتنتابني نفس الأفكار السيئة من جديد.
هل أن أيماني قليل جدا لهذا الحد؟ كيف أتجاوز هذه الأفكار؟ لي صديق ابتلي بمصيبة كبيرة جدا إلا أنه يقول والأيمان يملأ وجهه: الحمد لله ... إنا لله وإنا إليه راجعون. كم أتمنى أن أصبح مثله!
أرجوكم أن تساعدوني في حل مشكلتي هذه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أنك تعلم أن هذه الدنيا دار اختبار وابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ً {الملك:2} . وقال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} .
والمؤمن يوقن أن ذلك كله له فيه الخير عند الله تعالى، ورفع درجاته في الآخرة، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
ولذلك فإن عليك أن تبعد عن نفسك الأفكار الفاسدة، وتعلم أن الله تعالى لا يفعل بعبده المؤمن إلا خيرا، علم ذلك أو لم يعلمه؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط.
والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو تقوية إيمانك وزيادته بزيادة ذكر الله تعالى والثقة به، والمحافظة على ما افترض الله تعالى وزيادة أعمال الخير والطاعات.. والابتعاد عن الأفكار السيئة، ومما يعينك على ذلك ما أشرت إليه من النظر والتأمل في حال من هو دونك، ومن هو أشد منك بلاء وأعظم مصيبة؛ وهو ما أرشد إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد صح عنه أنه قال: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله. رواه مسلم وغيره.
هذا ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه. وللمزيد انظر الفتويين: 27082، 73589.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1429(9/17)
لا يجوز تبرير المعاصي بحسن القصد أو النية
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الناس يقومون ببعض المعاصي وعندما نحذرهم يقولون إنما الأعمال بالنيات، ونحن لم نرد معصية الله والقصد شريف!!
هل يجوز التعذر بهذا الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز تبرير المعاصي بحسن القصد أو النية.. ويخشى على من يفعل ذلك أن يكون من المنافقين..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حجة لهؤلاء ولا عذر لهم في ارتكاب المعاصي والمخالفات الشرعية بحسن النية وشرف القصد.. فإن على من فعل معصية أن يبادر إلى التوبة ويقول كما قال الأبوان الكريمان: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
أما تبرير المعصية وعدم الخوف من عقوبتها بحجة عدم قصد المعصية وأن القصد منها شريف فإنه خطأ فادح.
ويخشى على هؤلاء من أن يكونوا ممن ورد فيهم الأثر عن الحسن البصري - رضي الله عنه قال: ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله تعالى وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
وقال الغزالي في الإحياء: المعاصي لا تتغير إلى طاعات بالنية فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله إنما الأعمال بالنيات فيظن أن المعصية تتقلب طاعة.
وقال أيضا: والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع وإن جهله فهو عاص بجهله إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 7699، 105112.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1429(9/18)
حكم اتباع المثل القائل: مثلما تعامل الناس تعامل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اتباع المثل "مثلما تُعامِل تُعامَل" أنا بفطرتي إنسانه طيبة، تحب الناس ومساعدتهم، لكني أجد نفسي في كثير من الأحيان مستغلة، لا يلجأ إلي أحد إلا إذا كان يريد مني المساعدة، فهل يجوز رفض المساعدة، بالإضافة إلى أنني أجد أن بعض الناس يخفون عني بعض المعلومات بما يتعلق بالعائلة، بالدراسة وغيرها، فهل يجوز لي عدم إخبارهم عن ما أعرف فيما إذا سألوني؟ ولكم مني جزيل الشكر والعرفان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه تجوز معاملة الناس بالمثل، ولكن الأولى هو الصبر والصفح ومجازاة المسيء بالإحسان، وذلك لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.... {الشورى:40} ، ولقوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} ، وفي الحديث: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد وصححه الألباني.
فالإحسان إلى الناس ومساعدتهم ونفعهم أمر عظيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فننصح الأخت السائلة بأن تظل على ما هي عليه من مساعدة الناس، ولا تنتظر من أحد شيئا، وأن تحتسب ذلك عند الله، وأن تحسن إليهم وإن لم يحسنوا هم، فقد ثبت عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس. رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي إسناده جيد، وقال الألباني حسن صحيح. وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة، أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وتراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 75950، 53422، 74207، 76374.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(9/19)
حكم الكذب على الأب المريض بمرض عقلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي مريض عقليا ونمنعه من الخروج لقضاء مصالحه كما يطلب وذلك بالكذب عليه أننا سوف نقوم برفقته لتحقيق ما يطلب, وإن لم نفعل تشتد عصبيته وهذا غير مناسب لصحته، فهل نحن نأثم حين نكذب عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب حرام الأصل إلا إذا كانت هناك مصلحة شرعية أو درء مفسدة أو إصلاح ذات البين فيباح؛ لأن الكذب للمصلحة الشرعية جائز كما نص على ذلك أهل العلم، ومنهم الإمام النووي في كتابه المشهور (رياض الصالحين) حيث قال: باب بيان ما يجوز من الكذب: أعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كل تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً.
وفي حالة والدكم نسأل الله له الشفاء، إن لم يكن هناك مفاسد فعلية من خروجه فعليكم أن تخرجوا به إلى حيث أراد ما لم يضر ذلك بكم أو به، أما إن كان في خروجه مفاسد فيجوز الكذب عليه لدرء المفاسد المترتبة على خروجه، والأحوط في هذا كله أن توروا، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، فانظروا أي المفسدتين أشد عليه؟ خروجه معكم لقضاء مصالحه أم اشتداد عصبيته إذا منعتموه من الخروج بالكذب عليه.. وفقكم الله لما فيه رضا أبيكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(9/20)
حكم انتحال الفتاة عدة شخصيات في حوارها مع الآخرين عبر الشات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة وأتمنى أخذ الفتوى الصحيحة منكم:
اتساع الشبكة الإلكترونية وسهولة الدردشة مع جميع الناس جعلني أرتكب خطأ وهو أني أدخل الماسنجر وأنتحل عدة شخصيات خيالية عند التعامل مع من معي بالقائمة مثلا: أنتحل شخصية انطوائية, وأحيانا شخصية ثرية وكنت أستمتع بهذا الشيء إلى أن وصل بي الأمر أن أنتحل شخصية رجل، المشكلة أني وجدت أن الأشخاص الذين معي بالقائمة قد تعلقوا بتلك الشخصيات الوهمية.. عندها أحسست بالخطأ وأريد أن أترك هذا الأمر وأتوب، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتوبة بابها مفتوح وربنا سبحانه يفرح بتوبة عباده إليه، وقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
وأول خطوات التوبة هي الكف والإقلاع عن المعصية والندم عليها والعزيمة على عدم الرجوع إليها، ومما يعين على صدق التوبة والثبات عليها الإقبال على الله عز وجل بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأداء فرائضه والبحث عن الرفقه الصالحة التي تذكر مجالسها به سبحانه، وتعين على الطاعة وتبعد عن المعصية، والبعد كل البعد عن جلساء السوء وأصدقاء الهوى كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28}
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 5450، 1208، 1909.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(9/21)
كيف أحقق الإخلاص في استغفاري
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً سؤالي هو: أنني قرأت كثيراً عن فضل الاستغفار ومكانته ومنزلته عند الله عز وجل, وكثرت في المنتديات مواضيع وقصص على ألسنة أصحابها بأن الاستغفار كان وسيلة لتحقيق غاية ما من زوج أو أموال أو أولاد فقررت أن أستغفر الله كثيراً والله يسر لي هذا الأمر فأصبحت أستغفره في الليل والنهار وفي الأسحار، ولكن المشكلة أنه ينتابني شعور وأفكار بأنني غير مخلصة لله في عملي بل أردت الدنيا وأنه أنا لم أكن أستغفر كثيراً إلا من بعد ما سمعت القصص، بأنني أقول في نفسي بسبب استغفاري سوف يرزقني ما أريد وأكثر مما أريد, وأحيانا أتركه خوفا من الوقوع في الشرك بالله، بأنني اشركت خير الدنيا مع الله فأرجوكم أحتاج الجواب الشافي مع تفسير الأفكار التي تأتي في خاطري عندما أعزم على الاستغفار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حكم من يقوم بالعبادات لمجرد تحصيل غرض دنيوي وذلك في الفتوى رقم: 25249 فنرجو مراجعتها.
وأما أن يقوم العبد بالعبادة ابتغاء وجه الله ورجاء ثوابه في الدنيا والآخرة فهذا أمر مشروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(9/22)
ثواب كفالة ابني الأخ اليتيمين عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى أخي وله من الأبناء اثنان: ولد وبنت, فما حكم الشرع تجاه مسؤليتي تجاههم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة. وأشار بأصبعه السبابة والوسطى.
ونسأل الله - أخانا - الكريم أن يوفقك في الإحسان لهذين الطفلين وكفالتهما، والواجب عليك ما يلي:
1- أن تحسن إليهما، وأن ترفق بهما فيجدان منك الرحمة والبر لتكون عوضاً لهما عن أبيهما.
2- إن لم يكن لهما مال ورثاه، فالواجب عليك أن تنفق عليهما من مالك؛ لأن الله أوجب النفقة على الآباء، ثم قال: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ {البقرة:233} ، فأوجب الله على الوارث مثل ما أوجب على الآباء، ونراك وإخوانك (أعمام الأطفال إن وجد وا أقرب من تجب النفقة عليهم) .
3- فإن كان لهؤلاء الأطفال مال وقدمك القاضي عليه، فالواجب المحافظة على هذا المال بنمائه مما هو أنفع لهما، ويكون الإنفاق عليهما من هذا المال، وإن أردت الإحسان أنفقت من مالك وأبقيت لهما المال، لكن في هذه الحالة يكون إنفاقك تطوعاً لأن لهما مالاً.
ونسأل الله أن يعينك على كفالة أبناء أخيك بتربيتهما وتعليمهما، وتوجيههما كما تفعل بأولادك عسى أن يبلغ بذلك الدرجة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(9/23)
حكم شهادة الزور تحت الإكراه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا خُطف الوالد والوالدة والإخوة وكان شرط إطلاق سراحهم جميعاً أن أشهد شهادة زور, وإلا فالموت مصيرهم. فماذا أفعل أشهد أم لا أشهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى من رحمته رفع الحرج عن المسلمين في دينهم، فقال سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78} وقال عز وجل: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ {المائدة: 6} .
ومن ذلك تجاوزه سبحانه وتعالى عن المكرَه على فعل معصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وقد اختلف أهل العلم في تعريف الإكراه ولعل أوجز تعريف له أنه حمل الغير على ما يكرهه.
والشروط التي يتحقق بها الإكراه المعفو عن فاعله هي:
1- قدرة المكرِه (بكسر الراء) على إيقاع ما هدد به.
2- خوف المكرَه (بالفتح) من إيقاع ما هدد به.
3- أن يكون ما هدد به قتلا أو إتلاف عضو، وما في حكم ذلك مما يوجب غما يعدم الرضا.
4- أن يكون المكرَه ممتنعا عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه.
5- أن يكون محل الفعل المكره عليه متعينا.
6- ألا يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه (انظر الموسوعة الفقهية) .
فإذا تحققت هذه الشروط فلا حرج في شهادة الزور لمن أكره بمثل ما ذُكِر في السؤال، شريطة أن لا تؤدي هذه الشهادة إلى إزهاق نفس أو هتك عرض محترمَين.
وقد سبق بيان شروط الإكراه وأنواعه، في الفتاوى ذات الأرقام الآتية: 24683، 63720، 65639، 35101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(9/24)
كيفية زيادة الصبر والتحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكنني زيادة صبري وتحملي على ما يحدث لي دون معارضة لحكم الله؟
وهل قول اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أطلب اللطف فيه، هل هذه المقوله حرام أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... ومن يتصبر يصبره الله, وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر متفق عليه.
ومعناه: من يتكلف الصبر يرزقه الله الصبر, وهو في هذا كباقي الأخلاق والخصال المكتسبة كالعلم والحلم, فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
ويمكن أن تدرب نفسك بالصبر على عمل اختياري كحفظ جزء كبير من القرآن, أو المشاركة في عمل خيري تطوعي وتلزم نفسك بشدة على الثبات والاحتمال لإنجاز ما فيه حق وإزالة باطل, فالثابت في مثل هذه الحال هو الصابر وإن كان في أول الأمر متكلفا، ومتى رسخت الملكة يسمى صاحبها صبورا وصبارا-كما يقول رشيد رضا في كتابه المنار.
ولا شك أن الصبر يزداد مع زيادة الإيمان والثقة بقضاء الله تعالى وقدره, ولتعلم أنه لا يكون في كون الله إلا ما شاء الله, يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نصيحته لابن عباس عند أبي داود: واعلم أن ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث: واعلم أن النصر مع الصبر. فالنصر في الآخرة وفي الدنيا ونيل المطالب لا يكون إلا بالصبر على القضاء والرضا به.
ومما يزيد من الصبر معرفة جزاء الصابرين والاطلاع على أحوالهم, ابتداء بأحوال الأنبياء والتأمل في قصصهم -ففي قصصهم عبرة- وإمامهم في هذا المقام محمد صلى الله عليه وسلم، فاجعل من وقتك للتأمل في قصصهم والاعتبار بحالهم, وستجد في قصص معاصرين نماذج فذة في الصبر على جميع أنواع الشدائد بل أخالك تعرف شخصيا كثيرا من أولئك المبتلين الصابرين فصاحبهم واستفد من تجاربهم، فالمؤمن يتأسى بأخيه المؤمن.
أما عن مقولة: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، فقد وردت في رسالة بعنوان: أخطاء تقع في الدعاء. راجعها وصححها فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: قول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ليس حديثا، وقد حذر كبار العلماء من هذه المقالة، لأن فيها سوء أدب مع الله ولمنافاتها لمفهوم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا الدعاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(9/25)
عودي إلى الله ففي ذلك سعادتك في الدنيا والآخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي مشكلة كبيرة جدا ولم أستطع أن أجد حلا..
باختصار أنا قمت بعمل علاقات خاصة وأخطأت كثيرا، المشكلة أني لم أعد أستطيع توقيف نفسي، وفي نفس الوقت أنا لست سعيدة بها, لا أعلم وأنا موجودة في بلد أجنبي أتاح لي المجال للعلاقات الخاصة. أرجوكم أريد حلا لما أنا والله تعبت من نفسي ومن أخطائي ولا أعلم ما أفعل، فما عاد شي يردعني عن الخطأ لما أحس أني تبلدت مع أني لست سيئة وقلبي لا يحب غير الخير لغيري، ولكن أعتقد أني لا أحب الخير لنفسي كيف أفعل بمصيبتي وكيف أنجو من كل ما أنا فيه وكيف أردع نفسي.......؟
أنا مطلقة وعندي ولدان ولكن زوجي يرفض تطليقي يريدني معلقة منذ سنتين من افتراقي معه ...
أرجوكم الرد على رسالتي بشيء يبعث السكينة في قلبي المتزعزع..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبب ما أنت فيه هو البعد عن الله عز وجل، فعودي إليه بالتوبة النصوح مما وقعت فيه من أخطاء، وأول ذلك أن تقطعي تلك العلاقة المحرمة وتكفي عنها وعن غيرها مما هو محرم شرعا، وامتثلي أوامر ربك واجتنبي نواهيه وجاهدي نفسك على ذلك وسيهديك سبيله كما قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} وحافظي على الصلاة وإقامتها على أكمل وجه فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ {العنكبوت:45} .
وابحثي عن رفقة صالحة تعينك على الطاعة وتبعدك عن المعصية واجتنبي رفيقات السوء وصاحبات الهوى، واسمعي قول الله عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28} .
وأما مشكلتك مع زوجك فلم تبيني لنا هل تم الطلاق فعلا بنطق الزوج له أو بحكم القاضي الشرعي عليه بذلك أم أنه لم يقع, وإنما رفعت دعوى ضده ولم يتم الطلاق بعد، فإن كان الأول فلست معلقة ولا سبيل له عليك، وإن كان الثاني فنصيحتنا لك أن تعودي إليه وتصلحي ما بينك وما بينه إن أمكن ذلك، بالتغاضي عن الهفوات والزلات والتسامح فيما كان من أخطاء منكما، فذلك خير لك من الطلاق، لما فيه من مصلحة الأولاد واجتماع شمل الأسرة، وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 1208، 53593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1429(9/26)
العفو عمن ظلمك من مكارم الأخلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كانت لي صديقة محبوبة كانت لي مثل الأخت تدرس معي وتلعب معي, كنا كالإخوة الذين لا يتفرقون إلا عند الموت, كنت أحبها كثيرا وكنت أثق فيها, أحيانا كنا نذهب معا إلى المدرسة وكانت لي أعز صديقة لي في الدنيا كلها لا أنساها أبدا مهما كلفني الأمر؛ لأن هذه الصديقة التي لم أثق فيها عندما كنت أنظر فيها نظرة مميزة فلولا هذه الصديقة لما كنت اكتشفت حالي, كانت تتكلم في غيابي كلاما لا يعاد مرة أخرى ولم أستطع أن أخبر والدي ولا والديها, ومنذ ذلك الحين نسيتها من بالي هي تسكن في العمارة الثانية, وأنا أسكن في العمارة الأولى ولا أذهب عندها أبدا فلن أسامحها إلا أن تعتذر لي وتطلب السماح.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشُّورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22} وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
والعفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
واعلمي أيتها السائلة أن فساد ذات البين من المهلكات، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلى قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
والأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
ويستثنى من ذلك أصحاب المعاصي والبدع والمنكرات فقد شرع لنا رسول الله هجرانهم وترك محادثتهم ومخالطتهم، وقد فعل ذلك بنفسه مع الثلاثة الذين خلفوا، قال كعب بن مالك أحد الثلاثة: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة.
وقال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث في الفتح: فيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث. وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا.
جاء في فتح الباري: وقال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
فننصحك بمسامحة صديقتك وطلب الاعتذار منها ووصلها إن كان وصل الحال بينكما إلى الهجر.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5338، 39037، 61656.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(9/27)
يريد تفسيرا لحالة خوفه من الموت وشعوره بقرب ساعته
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء منذ كم من يوم حصل معي موقف..عند خلودي للنوم في تمام الساعة 1 صباحًا شعرت بدوران في رأسي أول مرة يحدث لي مثل هذا الأمر..والدوار كان كبير جدًا..أحسست بأني سأموت, أو حان موعد موتي.. وبعدها انتظرت إلى صلاة الفجر والحمدالله نمت بعدها. .ومن بعد هذا الموقف بدأت أهتم بصلاتي والسنن.. ولكن إلى الآن أفكر في الموت وأن يوم موتي قريب..أريد معرفة السبب والتفسير.. أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار به أمر مطلوب شرعاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وقال السدي في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور {الملك: 2} . أي: أكثركم للموت ذكراً، وله أحسن استعداداً، ومنه أشد خوفاً وحذراً.
قال الإمام القرطبي في التذكرة: قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. انتهى.
فذكر الموت والخوف منه دأب الصالحين ووصية النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة السابق
وذلك لأن ذكر الموت والخوف منه يجلب خشية الله ومراقبته ويبعث على فعل الخيرات والاستعداد للآخرة والبعد عن الذنوب والمعاصي، ويزهد العبد في شهوات الدنيا الفانية, إلا أنه لا يجوز أن يصل هذا الخوف إلى حد اليأس والقنوط من رحمة الله أو الانشغال عن عمل الصالحات وما أمرنا به من الاستخلاف في الحياة، والمؤمن الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، ويحذر العقاب ويرجو الثواب، ويخاف الآخرة ويستعد لها.
فالخوف من الموت على ضربين:
الأول: مركوز في طبيعة البشر وهذا غير مذموم لأنه خارج عن نطاق التكليف ولا دخل للإنسان في حصوله.
الثاني: مذموم وهو الخوف المؤدي للحرص على البقاء في الدنيا والركون إليها وكراهية الجهاد والجبن عن الصدع بالحق، كما في حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
بحيث يكون الإنسان حريصا على البقاء في الدنيا متمتعا بشهواتها وملذاتها غافلا عن الآخرة وما يتعلق بها.
وأما عن سبب الخوف الذي تعيش فيه فهو لعله بسبب المعاصي والغفلة فكما ذكرت أنك بدأت تهتم بصلاتك أي لم تكن مهتما قبل ذلك فكفى بذلك ذنبا, فنحسب أن هذا هو تذكرة لك من الله عز وجل, فإن الخوف والقلق في أحيان كثيرة يكون سببه الذنب والمعصية.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: ومن عقوباتها -يعني المعاصي- ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أماناً، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيراً بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصداً إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. اهـ..
فننصح الأخ السائل بالتوبة الصادقة المستوفية لشروطها وأركانها، وذلك بأن يندم على ما فات من الذنوب، ويتركها في الحال، ويعزم على أن لا يعود إليها في المستقبل، ويستمر على ماهو عليه من المحافظة على الصلوات الخمس وتكون في جماعة, ويكثر من ذكر الله ويقبل على تلاوة القرآن فإن فعل هذا وعمل صالحاً وأناب إلى ربه فإنه سيشعر بالأمن والطمأنينة، فإن الله عز وجل يقول: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام:83} .
ففي الصحيحين عن أبي قتادة بن ربعي: أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب.
وحين يصلح الإنسان ما بينه وبين الله عز وجل فإنه لا يخاف من مجيء الموت، بل ربما يستبشر ويفرح إحساناً للظن بالله عز وجل أن ينقله إلى النعيم المقيم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6603، 29469، 21259، 97322.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1429(9/28)
يريد التخلص من إساءة الظن بالآخرين ولكنه لا يستطيع فما الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسيئ الظن بالناس كيفما كانوا وأحاول أن أتجنب ذلك لأنه حرام لكني لا أستطيع مهما حاولت, كما أنه تنتابني وسوسة طوال الوقت فما إن أرتاح من وسوسة حتى تنتابني أخرى فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يعينكَ على التخلص من سوء الظن أن تعلم أنه ينبغي لك أن تعامل الناس كما تُحب أن يعاملوك. قال صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
فإذا كنت تكره أن يسيء الناس بك الظن فلماذا تسيء أنت الظن بهم؟
ومما يُعينكَ علي ذلك أيضا أن تستحضر تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من سوء الظن, فقد قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذبُ الحديث.متفق عليه، فشيءٌ حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم هذا التحذير كيفَ يقعُ فيه العاقل الحريصُ على دينه؟، وقد نهى الله في كتابه عن الظن.
فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. {الحجرات: 12} .
وأما بالنسبة للوساوس التي تنتابك فعليكَ بالاستعانة بالله عز وجل، والإكثار من الدعاء بأن يُذهبها الله عنك، وجاهد نفسك في الإعراض عن هذه الوساوس واطرحها وراء ظهرك، وعليكَ بالعلم الشرعي فإن العلمَ عاصمٌ من الزلل، ولو عرضت نفسك على طبيبٍ مختصٍ بأمثال هذه الأمراض لكان خيراً إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(9/29)
وعد الله الصابرين بالثواب العظيم والأجر بغير حساب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحد الشباب المسلمين في السويد وأبلغ من العمر 14 سنة ولدي سؤال يراودني في كثير من الأحيان وهو، هل نؤجر على أن نصبر ولا نفعل ما يفعله الغربيون من الفواحش، على سبيل المثال: كلنا كشباب نريد ذلك ولكن هل أؤجر على أن أقنع نفسي؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الصبر ثلاثة أنواع، صبر على أقدار الله المؤلمة وصبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله أي صبر على البعد عنها، فمن ابتعد عن المعصية -مع قوة الداعي إليها- خوفاً من الله تعالى فقد صبر وله الأجر والمثوبة، لقوله الله تعالى: وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {هود:115} ، قال البيضاوي في تفسيره: واصبر على الطاعات وعن المعاصي ... انتهى.
وكذا قال الله تعالى: ... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10} ، قال السعدي في تفسيره: وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار ... انتهى.
فاصبر أخي السائل وجاهد نفسك على التحلي بالصبر وستجد العون من الله لأنه سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} ..
واعلم أن المعصية لذاتها مؤقتة ثم تزول ويعقبها الحسرة والألم، وغمسة واحدة في جهنم كفيلة بأن تنسي أنعم إنسان في الدنيا النعيم الذي عاشه فيها، كما أن غمسة واحدة في الجنة كفيلة بأن تنسي أتعس إنسان في الدنيا التعب الذي لقيه فيها، واعلم أنك في امتحان فأثبت حتى تنجح وعن قريب ستظهر النتيجة عندما تبلغ الروح الحلقوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(9/30)
كيف يصل إلى محبة الله وكيف يحس ويشعر بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سأتكلم بصراحة ... أنا أخاف من ربنا جداً جداً ولكن ليس لدي إحساس بحب ناحيته، عندما كلمة العذاب تذكر في القرآن أكثر من النعيم.. ولما أنا لا أعرف ربنا لماذا خلقني أساساً، وأتمنى ألا تقول إن ربنا أكرمك بنعم كثيرة، لأن هذا كله من الأساسيات التي كانت لا بد أن تبقى موجودة عموما في الحياة حتى تستمر، أنا أتكلم عموما..
مثل التلميذ الذي يخاف من أستاذه فيعمل الواجب ... لكن لا يوجد حب بينه وبين أستاذه إحساس أنها علاقة مصلحة ... يعني أنا أعبدك يا رب وتجازيني بالجنة.. ولو لم يحصل ذلك لا توجد جنة، يعني لا يوجد أي حب فى الموضوع، فأ رجو تصحيح فهمي لو كان خطأ وتوضيحه أكثر لو كان صحيحا، وأنا آسف إذا كانت لهجتي حادة ... أنا أمر بمرحلة صعبة جداً جداً من ناحية معتقداتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحبة الله تعالى فرع لمعرفته، فلا يمكن أن نحب الله عز وجل دون أن نعرفه، كما لا يمكن أن نعرفه معرفة حقة ثم لا نحبه، لذلك ينبغي أن تكون بداية السائل هي التعرف على الله تعالى، ولا سبيل إلى معرفته عز وجل أقصر ولا أيسر، ولا أنفع ولا أرفع، من التعرف عليه من خلال كلامه سبحانه، أعني القرآن العظيم، فمن تدبر كتاب الله، وتفهم ما فيه من أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى، وأفعاله المثلى -أحبه ولا شك-؛ فإن محبة الشيء إنما تكون لكماله في ذاته، وكماله في أفعاله، والله تعالى له الكمال المطلق في ذاته وأفعاله، فمن كمال ذاته كمال علمه وقدرته، وحكمته وعزته، وغناه وعظمته، إلى غير ذلك من صفات ذاته، ومن كمال أفعاله كمال عفوه ورحمته، وبره وإحسانه، وقهره وانتقامه، إلى غير ذلك من صفات أفعاله ... وفهم هذه المعاني يحتاج لمدارسة لأسماء الله وصفاته، وهذا من مفاتيح الإيمان الضرورية لمعرفة الله تعالى.
ومن تدبر آيات القرآن التي تتناول الحديث عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله كآية الكرسي وسورة الإخلاص مثلا، يجد نفسه محبا لله، ومنيبا إليه، ومعظما له، ثم التفكر بعد ذلك في مخلوقات الله تعالى، وما أبدعه في هذا الكون الفسيح، يثمر هو الآخر زيادة معرفة بالخلاق العليم سبحانه وتعالى، ولا يملك الناظر المتجرد لبديع صنع الله في كونه لا محبة الله وإجلاله والخشوع بين يديه، والإقبال بقلبه عليه ... ثم التفكر بعد ذلك في نعم الله الخاصة والعامة، والنظر لحال من حرم من بعضها، يزيد من محبة الله والاستحياء منه، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل: 18} ، وقال: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ {النحل: 53} .
ونعيذ السائل أن يكون له نصيب من قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ {النحل: 83} ، وعلى أية حال فمجال الكلام هنا لا يتسع لهذا الموضوع الكبير، ولذلك فإنا نحيل السائل على المصدر المعصوم، نحيله على كتاب الله ليتعرف عليه، فإنه إذا عرفه أحبه ولا ريب، وإذا وقف السائل على معاني القرآن وأمثالها واجتهد في تدبرها وتفهمها، أخذت بيده ـولا شك ـ إلى معرفة الله، وبالتالي إلى محبته تعالى، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا؛ ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا. فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن، وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن، ومن فاته الله فبأي شيء يفرح، قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا. فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقية الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة فيظهر سرورها في قلبه ونضرتها في وجهه فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة وسرورا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فهذا هو العلم الذي شمر إليه أولوا الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم. انتهى.
وقال أيضا: الراغبون ثلاثة أقسام: راغب في الله، وراغب فيما عند الله، وراغب عن الله، فالمحب راغب فيه، والعامل راغب فيما عنده، والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه. ومن كانت رغبته في الله كفاه الله كل مهم، وتولاه في جميع أموره، ودفع عنه مالا يستطيع دفعه عن نفسه. روضة المحبين.
وننبه السائل إلى أن الله تعالى مستحق للعبادة لذاته وكماله، وأما الجزاء بالجنة والنار فمن تمام ملكه وفضله وعدله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: معرفة الله تعالى ومحبته مقصودة لذاتها، وأن الله سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته، لا إله إلا هو. انتهى ...
ولك أن تراجع للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71891، 10800، 46678.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(9/31)
اصبري واحتسبي ولا تعجلي في الدعاء ولا تقنطي من رحمة الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كرهت حياتي، وسئمت الدنيا، مع أني كان الكل يشهد لي بالالتزام من عهد قريب، ولكن سرعان ما تعرضت لصدمات واحدة تلو الأخرى حتى أني لا أكاد أفيق من الأولى حتى تأتيني الثانية فالثالثة فالرابعة، فصرت أصلي الفروض فقط دون خشوع دون طمأنينة دون تحري الوقت السليم، وتأتيني الصدمة الجديدة، وأرى من حولي مشاكلهم تحل واحدة تلو الاخرى، وهم كانوا مثلي، فيوسوس لي الشيطان، هم عاصون وأنا أعصي وأتوب، هم أخطأوا وأنا أخطئ وأستغفر، فلماذا تحل مشاكلهم وتزداد مشاكلي أنا؟ بقي لي خمس سنوات أقول الفرج قريب ولم يأت الفرج! بقى لي خمس سنوات أقول الصبح آت ولم يأت بعد؟ بقى لي سنوات أقول النصر مع الصبر ولم أنصر بعد.. حتى يئست وتركت كل شيء، وتملك اليأس مني، وصار أملي الوحيد الموت، أعلم أنه ليس بالضرورة أن يكون بالموت راحة، فحسب عملي وآخرتي وسيئاتي وحسناتي، ولكن سئمت الكروب، سئمت العقاب، أعود وأقول ما أنا فيه عقاب وليس ابتلاء، لأني فترت عن الطاعات ولم أعد أتحرى العبادات كما كنت، ولكن من حولي مثلي كما يظهر لي فيحل علي العقاب وحدي؟ أعود وأقول حرام ان أتعدى حدودي وأتحدث في تقسيم الأرزاق؟ وعدل المولى جل وعلا، فهو خبير بعباده ويعلم الخير لكل منا، وقد أرى الخير لغيري وهو شر له، ولكني ما أطلب من الله شيئا عصيبا، وهو على كل شيء قدير، وهو الغني القدير، ويقول للأمر كن فيكون، فكم دعوته، وكم رجوته، طيلة خمس سنوات وأنا بعذابي، صدمة تلو الأخرى، تركت العبادات تركت الناس، تعبت، أعلم جيدا أني على خطأ، ولكني تعبت، أطلب منه العفة بزوج تقي نقي، صالح كريم، فيأتيني الخاطب تلو الآخر ليجرحني جرحا جديدا، أخواتي وقريباتي وصديقاتي يخالطون الرجال ويفعلون المعاصي أعلم قد يكونون تابوا وأسأل الله ذلك، ولكن أنا كنت في طاعة وأتقي الله، ولم أجد سوى الجراح.. تركت العبادات ليس اعتراضا على قضائه معاذ الله، ولكن يأسا من كل شيء.. . ولا إله إلا الله ... أسألكم الدعاء....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن الابتلاء للمؤمن هو علامة على محبة الله له, وتكفير لسيئات العبد حتى يوافي ربه بلا ذنب, كما أن إغداق النعم على العاصي قد يكون علامة على الاستدراج حتى يوافي ربه بكل ذنوبه فيأخذه بها, فقد روى الترمذي في سننه عن سعد رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة.. .
وعند ابن ماجة مرفوعا: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ...
وقد قال الله تعالى عن الفجار: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ. {المؤمنون: 55, 56} .
فاتقي الله تعالى واصبري ولا تضيعي أجرك فتندمي , وانظري إلى من هم أشد بلاء منك لتعرفي فضل الله عليك، ولا تيأسي من الفرج، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} .
وحالك هذا أيتها السائلة يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أو يضحك الرب عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرا. رواه أحمد والطيالسي وغيرهم.
والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير يائسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ومن مرض إلى عافية ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة, فاحذري كل الحذر من التسخط على أقدار الله تعالى واشكريه على نعمه عليك التي لو أردت أن تعديها لما استطعت، ولا تكوني كنودا تحصين المصائب وتنسين النعم، وعودي إلى ما كنت عليه من المحافظة على أداء الصلاة في وقتها مع الخشوع وحضور القلب, فالصلاة عمود الدين ولا تكوني طعما سائغا للشيطان, وانظري الفتوى رقم: 93791، والفتوى رقم: 101369 , وأخيرا نسأل الله أن يفرج كربك ويزيل غمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(9/32)
كيف يوصل مؤخر الصداق إلى مطلقته التي لا يعرف مكانها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طلقت زوجتي من 12 ولم أعطها مؤخر صداقها, والآن ندمت على هذه الفعلة فكيف أبرئ ذمتي؟ لأني لا أعلم مكانها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك إرجاع مؤخر الصداق إلى زوجتك أو إلى ورثتها إن كانت قد ماتت ما استطعت إلى ذلك سبيلا, فإن لم تكن تعلم مكانها فقد تعلم مكان من يستطيع أن يدلك عليها من قريب لها أو صديق أو جار ونحو ذلك, وعليك مع ذلك أن تستسمحها وتطلب منها العفو عما مضى من تعطيل حقها عنها, فإن بذلت وسعك وجهدك في البحث ولم تستطع الوصول إليها فلك أن تتصدق بهذا المال عن زوجتك، فإن علمت مكانها يوماً من الدهر فخيرها بين إمضاء الصدقة ولها أجر المتصدق أوأخذ مالها, فإن اختارت مالها فادفعه لها, وإن اختارت الصدقة وأمضتها فهي وما اختارت.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب زاد المعاد: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه ولا استوفى عوضه رده عليه. فإن تعذر رده عليه قضى به دينا يعلمه عليه, فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته, فإن تعذر ذلك تصدق به عنه, فإن اختار صاحب الحق ثوابه يوم القيامة كان له. وإن أبى إلا أن يأخذ من حسنات القابض استوفى منه نظير ماله وكان ثواب الصدقة للمتصدق بها كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم. انتهى كلامه.
وعليك مع ذلك أن تكثر من الاستغفار والندم على ما كان منك فإن رد الحق إلى أصحابه يسقط حق العبد, ويبقى حق الرب سبحانه فعليك بالتوبة وفعل الصالحات لعل الله أن يعفو عنك.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34977 , 54681 , 47599.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(9/33)
في المعاريض مندوحة عن الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب والحمد لله كافل ليتيمين وطالبين فقيرين، ما يواجهني هو أن هناك مراسلات من اللجنة الخيرية بخصوص اليتيم والطالب, فإن الأهل يستفسرون عما بداخل الظرف ولا أريد أن أخبرهم بالكفالات فما هي الطريقة التي لا أكذب عليهم بها وأيضا لا يعلمون بخصوص الكفالات؟
فلقد سألوني وقلت لهم يحتوي على كتاب عن إنجازاتهم وللتبرع لهم وكان هذا الكتاب أحد محتويات الظرف المرسل من اللجنة, وبما أنني طالب فأنا قد أمر بضائقة مالية فماذا لو لم أدفع كفالتهم لمدة شهر أو شهرين؟ فإنني أصغر شخص بين إخواني عمري 19 وأتمنى لو يكون لدي إخوان أصغر مني ... فإن هؤلاء اليتامى والطلاب أعتبرهم إخواني وأطفالي، أتمنى أن تجيبوا على الاستفسارين البسيطين بأسرع وقت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك على ما قمت به من كفالة ففي ذلك أجر ومثوبة عند الله تعالى، فنسأله تعالى أن يثيبك على ذلك أعظم الأجر والثواب، وبخصوص الحرص على كتمان تلك الكفالة مع تفادى الكذب عند ما تسأل عن شيء فى هذا المجال فبإمكانك استخدام التعريض كما حصل فى الجواب الذى ذكرت، فإنك لم تكذب عندما ذكرت أن الظرف المذكور يحتوي على كتاب متعلق بإنجازات اللجنة الخيرية والتبرع لها، وكان الكتاب المذكورمن ضمن محتويات ذلك الظرف، وراجع فى ذلك الفتوى رقم: 93348.
ثم إذا عجزت عن دفع تلك الكفالة شهرا أوشهرين لضائقة مالية فلاحرج عليك وتثاب على نيتك، فكفالة اليتيم غير واجبة لكنها مرغب فيها وثوابها عظيم، وراجع الفتوى رقم: 107869، والفتوى رقم: 3152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(9/34)
حكم الكذب لضرورة ماسة أو لمصلحة معتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي في التاسعة عشر من العمر إن شاء الله عندي عطلة من 2 من شهرأغسطس إلى 2 من سبتمبر, ورمضان الكريم يبدأ والله أعلم من 1سبتمبرإلى 1 أكتوبر, وأريد إن شاء الله أن أذهب إلى بلدي (المغرب) لقضاء رمضان الكريم هناك, ولكن الشركة التي أعمل فيها لن تقبل أن أذهب في شهر رمضان لكثرة العمل فيه, ولأنها تغلق أبوابها في شهر أغسطس إلى سبتمبر. وأنا لا أريد أن أقضي رمضان في هذا البلد (فرنسا) لكثرة المنكر فيه.هل يجوز لي الكذب عليهم لكي يتركوني لقضاء رمضان الكريم في بلدي (المغرب) .وما هي كفارة الكذب؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الكذب حرام لا يجوز إلا لضرورة ماسة أو مصلحة معتبرة لا ضرر فيه على أحد، لا يمكن الوصول إليها بغيره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يثبتك على الإيمان ويحفظك من كل مكروه..
ولتعلم أنه من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام وأنه ليس من صفات المسلم، ولا يجوز ارتكابه إلا في حالة الضرورة أو المصلحة المعتبرة التي لا يمكن الوصول إليها بأي وسيلة أخرى ولا يترتب عليها ضرر بالغير.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ع ليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله عز وجل صديقا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله عز وجل كذابا. رواه البخاري وغيره.
وروى الإمام مالك في الموطأ: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال لا. وانظر الفتوى: 38280.
وعلى ذلك؛ فلا يجوز لك الكذب في الحالة المذكورة ولا في غيرها إلا إذا كنت تخاف على نفسك مما أشرت إليه من كثرة المنكر.. فيمكنك اللجوء إلى التورية، ومعاريض الكلام دون أن تقع في الكذب، وإذا لم يمكن التخلص من الوقوع في المنكر أو عدم القيام بالفرض إلا بالكذب فإنه يجوز حينئذ للضرورة.
قال الإمام النووي في رياض الصالحين: فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.
وأما كفارة الكذب؛ فهي التوبة النصوح منه إلى الله تعالى والإقلاع عنه وتركه بالكلية وعقد العزم على ألا يعود إليه فيما بقي من عمره.
وما دامت عندك عطلة رسمية قبل رمضان فبإمكانك أن تأخذها وتتأخر فترة رمضان في البلد الذي ييسر لك أداء الفريضة ويعينك على الطاعة ويبعدك عن الفتن والمعاصي حتى تتجنب الذهاب في رمضان مباشرة.
وبإمكانك أن تعتذر عن التأخير وتتجب الكذب باستعمال التورية والمعاريض.
ثم إننا ننبهك إلى أن الأصل هو بعد المسلم عن السكن ببلاد الكفر إذا كان لا يأمن على دينه، فاحرص قدر المستطاع على البحث عن الشغل ببلد تأمن فيه على دينك، وتجد من يعينك على الاستقامة على الطاعة.
وسبق بيان التورية والمعاريض في الفتويين: 1126، 4512.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(9/35)
هل يمكن أن يتعرض المؤمن الحقيقي المخلص المتصل بالله لمصائب تذله في الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن أن يتعرض المؤمن الحقيقي المخلص المتصل بالله لمصائب تذله في الدنيا وتسود وجهه وتفضحه بحيث يشمئز ويسخر منه الناس، وهل يمكن أن تقع المؤمنة الحقيقية المخلصة ضحية الاغتصاب الجنسي، وأن يضطر المؤمن للتسول المذل وكيف يستقيم ذلك مع النصوص التي تشير بحفظ المؤمن ودفاع الله عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قد يتعرض المؤمنون المخلصون لصنوف من البلاء ... ولا يتعارض ذلك مع تكريم الله تعالى لهم لما فيه من رفع درجاتهم وتكفير سيئاتهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً ولا عقلاً ... أن يتعرض المؤمن للمصائب والبلايا والرزايا ... في هذه الحياة، فالدنيا بطبيعتها دار ابتلاء وامتحان، وهذا الابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر، كما قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35} ، ولله تعالى في ذلك حكم علمها من علمها وجهلها من جهلها، فهو سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.. وانظر المزيد من الفوائد والتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 25874، والفتوى رقم: 51946 وما أحيل عليه فيهما.
وقد ابتلي كثير من المؤمنين الأخيار في هذه الحياة بأنواع من البلايا وصنوف من الرزايا لا يصبر عليها إلا المخلصون الصادقون، وعلى رأس هؤلاء أنبياء الله وأعلام الهدى وأئمة الإسلام الكبار، ولكنهم صبروا فعوضهم الله تعالى الشرف والرفعة في هذه الدنيا والفوز بالنعيم المقيم الأبدي في دار كرامته في الآخرة، وقد جاء كثير من أخبار هؤلاء في نصوص الوحي من القرآن والسنة وكتب التاريخ، فمن أخبار الأولين ما جاء في صحيح مسلم من ضرب العبد الصالح جريج وهدم صومعته ورميه بالزنا، وكذلك الجارية الصالحة التي ضربوها واتهموها -كذباً- وقالوا لها زنيت وسرقت ... وكذلك ما وقع لبعض أئمة هذه الأمة الكبار أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.. مما هو معلوم.
فقد ذكر الذهبي في السير وغيره: أن الإمام مالكاً لما ضربه والي المدينة وحلقه حُمل على بعير أو على حمار ليطوف به في شوارع المدينة فقيل له، ناد على نفسك فقال: ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس الأصبحي أقول: طلاق المكره ليس بشيء، أو لا طلاق على مكره..
ولا يزال مثل هذا يقع ولن يزال، كما هي سنة الله التي لا تبديل لها، ففي هذا العصر اشتد البلاء على المسلمين وعلى دعاة الإسلام المخلصين بصفة خاصة، ولا تعارض بين ابتلاء الله لعباده المؤمنين في هذه الحياة وتكريمه لهم ودفاعه عنهم، فالبلاء يكون سبباً لتكفير السيئات ورفع الدرجات، وأهل الإيمان يظلون مرتاحين صابرين ويسعون في رفعه بالصبر والدعاء والاستقامة على الطاعة..
ولمزيد من التفصيل انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 94560، 31768، 69805 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1429(9/36)
أريد أن أتوب كيف أتوب وكيف أصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتوب أرجوكم أرجوكم أريد أن أعرف كيف أتوب؟ كيف أصلي؟ كيف أصوم؟ لا أجد أحدا يعلمني ديني!!! أريد أن أحفظ القرآن أريد أن أموت وربي راض عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأسأل الله لك الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.
أما عن التوبة فيلزمك أن تجتهد مع نفسك وتصدق الله تعالى في أربعة أفعال:
الكف عن فعل الذنوب والمعاصي التي تريد التوبة منها، والندم بصدق على ما مضى منها والعزم على عدم العودة لاقترافها، وإذا كان من هذه الذنوب أكل لحقوق أحد من الناس وجب رد هذه الحقوق كالأموال وغيرها التي أكلتها.
وننصحك باجتناب صحبة السوء التي كانت تعينك في المعصية، كما ننصحك بالاقتراب من صحبة خير تكثر من فعل الطاعات والتي أولها وأهمها المحافظة على الصلوات المكتوبات في المسجد مع الجماعة وحضور مجالس العلم وترقيق القلوب.
أما عن كيفية الصلاة فعليك مراجعة الفتوى رقم: 6188 , والفتوى رقم: 8249. وأما عن كيفية الصوم فهو أن تكف عن الطعام والشراب وشهوة الفرج من الفجر إلى المغرب مع العلم أن من تمام الصوم كف جميع الجوارح عن معاصي الله تعالى ليزيد الأجر ويقبل الصوم.
ويمكنك الاستعانة بشيخ في حفظ القرآن تحفظ منه ما تستطيع يوميا وتسمع للشيخ حتى يعلمك القراءة الصحيحة لكتاب الله تعالى. وليكن رجاؤك في الله دائما كبيرا واستعن بالله ولا تيأس، قال تعالى: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87} .
والقيام بفرائض الله تعالى واجتناب ما حرمه والإكثار بعد ذلك من النوافل هو السبيل لنيل محبة الله تعالى ورضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1429(9/37)
هل توجد أحاديث شريفة تحرم الحب
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أحاديث شريفة تحرم الحب ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن الحب أنواع كما فصلناه في الفتوى رقم: 5714، والفتوى رقم: 8663، ومنه الحب الواجب: كحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب أهل الإيمان، ومنه المباح: كحب الرجل أهل بيته، ومن النوع الذي لا يؤاخذ عليه وهو ما إذا قذف الله حب امرأة في قلب رجل فاتقى الله وغض بصره عنها أوتزوجها إذا تيسر له ذلك. ومنه ما هو محرم: كحب الكافرين وكحب الرجل المرأة الأجنبية عنه وهوما يعرف الآن بالعلاقة العاطفية بين الفتيان والفتيات، والأدلة على تحريم هذا النوع من الحب كثيرة من الكتاب والسنة منها قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30- 31} ، ووجه الدلالة أن الحب المشار إليه غالبا ما ينشأ عن عدم غض البصر وهو يؤدي أيضا إلى عدم حفظ الفرج والوقوع في الخلوة المحرمة ثم الوقوع في الفاحشة، ومن الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم، ووجه الدلالة أنه حذرنا من فتنة النساء. ولا شك أن حب النساء يعتبر من فتنتهن، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. رواه البخاري ومسلم.
فهذا يدل على أن الحب ضرر وكل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الفاحشة والدالة على سد الطريق الموصل إليها هي أدلة على تحريم هذا النوع من الحب لأنه طريق إلى الفاحشة وسبب لاتنشارها وشيوعها في المجتمع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1429(9/38)
الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة لمن يعفو ويصفح
[السُّؤَالُ]
ـ[هي من بدأت بالخلاف ودون سبب جرحتني بكلام لا أستطيع ذكره, قامت بسبي وشتمي أمام أهلي وأقاربي انهالت علي بكلام كان كالصاعقة علي لدرجة أنها طعنتني في شرفي وظلمتني، وفي اليوم الثاني أرسلت لي في الجوال كلاما يطعن في شرف أهلي من أبي وإخواني وأخواتي ولم أخبر أحدا, وكلت فيها أمري إلى الله ولم أفكر في الانتقام منها؛ لأني أثق في نفسي والجميع يعرف أخلاقي ويشهد بها ولم يصدقها أحد، بعد مرور أسبوعين من الخلاف أحسست بأني أريد سماحها والتصالح معها لأكسب الأجر الكبير عند الله واتباع قوله تعالى:" فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، أرسلت لها رسالة عبر الجوال أطلب منها السماح والصلح وأنا أثق أني لم أغلط عليها قط، كان ردها أنها لم تسامحني حتى أعتذر لها في بيتها أمام أهلها كان صعبا علي جدا طلبها لأنه صار العكس وافقت على طلبها رغم إحساسي بالذل والإهانة وجرح كرامتي ولم أفكر وقتها إلا بالأجر الكبير عند الله وكان ذلك يهون علي، ولكن لم أستطع نسيان كل ما فعلته معي, أفكر به دائما ومازال قلبي مجروحا ومازال قلبي زعلانا جدا منها, هي المفروض من تأتي وتطلب مني السماح ولكني فعلت العكس, وذلك يحسسني بالألم الكبير لدرجة أني لم أنس ما فعلته هي وأحس أني لا أريد محادثتها وتغيرت مشاعري ناحيتها ... فهل هذا الشيء يضيع علي الأجر؟ أم أنها ردة فعل طبيعية وستنتهي مع الأيام؟ ... أنا أخاف أن ما فعلته من أجل الله يضيع هباء منثورا وأكون خسرانة فأرجو مشورتي لأني أكاد أتقطع من الهم وأتأسف على الإطالة....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
جزاكِ الله خيرا على صبركِ على ما أصابكِ من أذى، واعلمي أن ما أتيت به من العفو والصفح والصلة هو من عزم الأمور، قال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {آل عمران:186} وهو الذي يوافق أخلاق الإسلام فالعفو من الأخلاق التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشُّورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ {النور:22} . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. فانظري كيف أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه.
والعفو والصّفح هما خلق النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون؟! إن من يغالِبهم حب الانتصار والانتقام أين هم من خلق سيد المرسلين؟! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف عليه السلام وقد آذاه إخوته وظلموه وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين لم يقابل السيئة بمثلها وإنما عفا عنهم وكان من أمره ما حكاه القرآن الكريم عنه قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
واعلمي أيتها السائلة أن القوة الحقيقية هي كبح جماح النفس عن الاسترسال في الغضب والانتقام، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
أما ما تجدينه في صدرك من ضيق بسبب ما حدث لك من إهانة فهذا- إن شاء الله -لا يذهب الأجر, فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
فعليك أن تستعيذي بالله من وساوس الشيطان ونزغاته فإن ما أتيت به من العفو والصفح قد ساء الشيطان وأغاظه وهو الآن يتحين الفرصة ليفسد عليك عملك وليخرجك من دائرة العفو والغفران إلى دائرة الكيد والانتقام، فاستعيذي بالله من كيده قال سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}
وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24753، 27841، 12380.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1429(9/39)
أحسن الظن بالله والتوبة النصوح مقبولة بإذن الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تبت إلى الله عزوجل والحمد لله وعرفت أن من شروط التوبة رد المظالم إلى أصحابها ففعلت ذلك والحمد لله رددت كل المظالم إلى أصحابها وأصلحت كل ما أفسدت وبقيت أناقش كثيرا وأراجع نفسي عدة أيام وعدة مرات وأفكر لأرى هل بالفعل أصلحت كل ما أفسدت فوجدت بعد تفكير ومراجعات عديدة أني بالفعل والحمد لله أصلحت كل ما أفسدت حقا ولكن مع كل ذلك فأنا أشعر بالتقصير وأخاف أن يكون إصلاحي لما كنت أفسدت غير كاف وأخاف من الله أن يعذبني بسبب ذنوب العباد, لأني مع أني أصلحت كل ما أفسدت فإني لا زلت أشعر بالتقصير وأخاف من الله أن يعذبني إذا كنت قصرت وأنا لا أدري ولا أشعر, وأخاف أن يحملني ربي ذنوب العباد خوفا شديدا وأخاف أيضا أن أكون قصرت مع أني راجعت نفسي كثيرا ووجدت أني أصلحت كل شيء كنت أفسدته لكن مع ذلك لا زلت خائفا من الله ولا زلت أشعر بالتقصير والذنب, حتى أني أقول ليتني أصبحت مثل يوم ولدتني أمي بريئا من الذنوب, والله أنا ندمت كثيرا وأنا خائف جدا من أن يحملني الله ذنوب الناس وأريد أن أتفرغ للعبادة والاستغفار؛ لكني أخاف من الله أن أكون قصرت وأن لا يتقبل الله مني إصلاحي لما أفسدت وأن يعذبني والعياذ بالله وأن لا يتقبل عملي وعبادتي بسبب ذنوب العباد وذنوبي والعياذ بالله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي الكريم: أن من تاب إلى الله توبة نصوحا وهي المستوفية لشروطها فإن الله تعالى يقبل توبته مهما عظمت ذنوبه، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53} .
وإن من أسمائه سبحانه وتعالى الغفور الرحيم، فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم بعباده.
قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82} .
وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.
وروى مسلم أيضا في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.
وقال تعالى في حديث قدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن أدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض الخطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال حديث غريب وصححه الألباني.
فالله سبحانه وتعالى كريم حليم يتجاوز عن المسيء مهما عظم ذنبه، والمسلم الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فهو يخاف من عذاب الله ولكن يرجو رحمته سبحانه، فكما قال الإمام أحمد: أيهما غلب على الآخر هلك العبد.
فعليك أخي الكريم أن تحسن الظن بالله عز وجل فإن من رحمته سبحانه وتعالى أن يبدل سيئات من تاب إليه إلى حسنات.
قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70} .
ومن عدله سبحانه أنه لا يأخذ شخصا بجريرة غيره. قال تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164} .
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2969، 9024، 3184.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(9/40)
اسلك منهج السلف عند الاختلاف واحذر من التعصب للأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نصيحة للخلاص مما أراه في بلادنا من دخول الحزبية في الدين والفتن التي طمت بين المشايخ وطلاب العلم الذين لم يكن همهم إلا معرفة رأي فلان في فلان، أنا والحمد لله أمسك لساني عن الحديث في أي من المشايخ، وأستمع إلى علماء الفريقين وأجد عند كل خيرا، ولكن عندما يتطرق المشايخ إلى الحديث عن بعض المشايخ الذين يرون أنهم على غير سبيلهم يضيق صدري من الشيخ، وقد أنقطع عن الحضور للدرس طويلا، فأنا ماذا أسمع وعلى من أتعلم، وهل يجوز الأخذ منهم جميعا، مع العلم بأن كل فريق يحذر من السماع للفريق الآخر، وكيف أعرف الحق؟ فعندما طالعت الكتب الكبيرة القديمة في الفقه مثلا أجد العلماء في غاية الأدب مع بعضهم، فعندما طالعت المبسوط وجدته يسرد الرأي للشافعي ويترحم عليه ولا يزيد عن قوله أما عندنا فكذا، فأشعر بمدى الشقة التي بين مشايخنا وبين هؤلاء القدامى ونحن جميعا نحب السلف ونتقرب إلى الله عز وجل بمنهج السلف، انصحوني لأنني متوقف عن التحصيل ولا أدري ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن هذا الأمر الذي ذكرته مما عمت به البلوى في بعض البلاد نظرا لشيوع التقصير في معرفة ما كان عليه السلف من الأدب والنصيحة والحرص على أخوة الدين مما أدى إلى كثرة الخلاف والفرقة بين الجماعات، وظهور التباغض بينهم والتدابر وجرح بعضهم بعضا وهذا كله خلاف ما عليه السلف من الصحابة والتابعين.
ولذلك فإننا ننصحك بعدة أمور:
1- طلب العلم النافع على أهله من العلماء المتمكنين الحريصين على تعليمه وبذله مع حرص على جمع الكلمة والبعد عن مواطن الفتنة.
2- وعليك ألا تخوض في أعراض إخوانك المؤمنين مقلدا في ذلك لجماعة أو طريقة شيخ بل عليك اتباع الأدب الذي كان عليه سلف الأمة.
3- كما أننا ننصحك بمطالعة فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث في المملكة السعودية، وفتاوى ابن باز في الجماعات وهي موجودة ضمن فتاواه، فقد وضحوا كثيرا من الخلاف ودعوا إلى لم الصف ونبذ الفرقة.
4- كما ننصح بالتعاون مع الجميع في الحق وترك ما نص العلماء على أنه باطل في أي جماعة كان.
وراجع الفتوى رقم: 4402.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(9/41)
التوبة من الحلف كاذبا والرشوة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتى أنني قمت قبل عامين تقريبا بالذهاب لاستخراج أوراق تخص الخدمة العسكرية, فعندنا في السودان لا يستطيع أحد استخراج شهادته الجامعية دون أن يكمل الفترة العسكرية, وأريد أن أكون معك صريحا فإنني لم أقم بعمل الخدمة العسكرية, وقمت برشوة أحد العاملين فقام بإدراج اسمى مع الأشخاص الذين أدوا الخدمة العسكرية ومر الأمر كما يجب, وفى الخطوة الأخيرة كان يجب استخراج البطاقة التي تبين أنني قمت بآداء الخدمة, وعندما دخلت إلى مكتب الرجل المسؤول عن ذلك أخذ يسألني أين تدربت وعلى ماذا تدربت فارتبكت, وقال لي: إنك لم تتدرب وأمرني أن أحلف على كتاب الله وكان بالقرب منه فوافقت مرغما, وطلب مني أن أذهب لأتوضأ فذهبت وحلفت على كتاب الله أنني أديت الخدمة العسكرية, فمرر لي ورقي وعندما راجعت نفسي وجدت أنني ارتكبت إثما كبيراً جداً وندمت ندما كبيراً وتمنيت من المولى عز وجل أن يغفر لي ذنبي، مع العلم بأنني أقوم بكل فروض الله وأصلي أوقاتي الخمسة فى المسجد، وتتابعت الأيام وعلمت أن غضب الله علي كان كبيراً فمنذ تلك الفترة وأنا أحاول الحصول على وظيفة فحاولت وحاولت كثيراً ولم أوفق, حتى أنني تقدمت إلى وظيفة, وبعد أنا عملت كل إجراءات التعيين لم أوفق في الأمر, وكان ذلك بصورة فردية حتى أن الأشخاص الذين كانوا معي سهل الله لهم, فهل يكون هذا عقاب الله لي على فعلتي؟ فأنا فعلت ذلك الأمر لاستخراج الشهادة الجامعية والهدف كان من الشهادة هو الحصول على عمل، فأرجو من فضليتكم أولا بالدعاء لي أن يغفر لنا ذبنا هذا وأن تسأل الله لي أن يوفقني أن أحصل على وظيفة فأنا أجلس لمدة عامين بدون عمل, وأعاني مشاكل نفسية واجتماعية بسب هذا الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
نسأل الله أن يتوب عليك وأن يوفقك لسلوك الطريق المستقيم، فاليمين التي حلفت عليها هي يمين كاذبة، وتسمى باليمين الغموس ولا كفارة فيها عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة سوى التوبة وتجب الكفارة عند الشافعية وابن حزم وهو رواية عن أحمد، فعليك أن تستغفر وتتوب إلى الله وتكثر من العمل الصالح لعل الله أن يتوب عليك. وإن أردت إخراج الكفارة عن يمينك من باب الاحتياط فلا بأس وهو عمل صالح لن يضيع.. ونلفت انتباهك إلى أن الرشوة حرام أيضاً بل ومن الكبائر لما في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.. وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وصححه الألباني.
وأما الرشوة التي يتوصل بها المرء إلى حقه أو لدفع ظلم أو ضرر فغير داخلة في هذا اللعن ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي، وقد سبق تفصيل ذلك في فتاوى أخرى ... وعليك التوبة إلى الله واللجوء إليه ولا تيأس من وصول الرزق إليك، فإن رزقك مكتوب قبل أن توجد، ولكن عليك السعي وبذل الأسباب المشروعة ومن أعظمها الندم على ما فات والتوبة وتقوى الله فيما سيأتي، فقد قال سبحانه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3} ، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا {الطلاق:5} ، ونسأل الله أن يوفقك للتوبة وعدم العود إلى مثل هذه الأفعال الموبقة، وانظر في كفارة اليمين الفتوى رقم: 26595، وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 29633، والفتوى رقم: 33977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(9/42)
كيفية سداد المبلغ المختلس وكيفية التوبة من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ خمس سنوات اختلست مبلغا من المال, وليس لدي الآن لكي أسدده، فهل يجوز لي الحصول على قرض من بنك إسلامي لسداد هذا المبلغ، وهل أسدد المبلغ المختلس بنفس القيمة أم بعوائده، وهل لي من توبة لو أعطيت المال لصاحبه وطلبت منه السماح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك التوبة من هذا الذنب ورد المبلغ الذي اختلسته بنفس قيمته، وفي وجوب رد عوائد استثمار المبلغ المختلس خلاف بين العلماء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 57000.
والتوبة النصوح هي المشتملة على الندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع عنها خوفاً من الله سبحانه وتعظيماً له، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، مع رد المظالم إن كان عند التائب مظالم للناس من دم أو مال أو عرض أو استحلالهم منها أي طلب المسامحة منهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.
فيجب عليك سداد المبلغ إن تمكنت من سداده ولو على أقساط، ويجوز لك إن وجدت من يقرضك أن تقترض قرضاً حسناً بدون فوائد ربوية لسداد هذا المبلغ، وإن حققت شروط التوبة فيرجى لك قبولها، والعبد إذا تاب فينبغي أن يكون حاله بين رجاء قبول التوبة ومخافة العقاب من الله تعالى، ولا مانع أن تكون هنالك أمارات على صدق توبة العبد، وقد سبق بيانها في الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(9/43)
هل تظل على اتصال بخالة خطيبها السابق للاستفادة منها في أمور دينها
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ سنة تعرفت على أخت فاضلة كانت سببا في توبتي وهدايتي والحمد لله, وهذه الأخت هي خالة الشاب الذي كنت على علاقة به, والحمد لله الآن انتهت علاقتي به, لكن في هذه السنة توطدت علاقتي بخالته وأصبحت مرتبطة بها لدرجة غير طبيعية أحبها كثيرا وهي أيضا ... فهل ممكن أن أظل على اتصال بها؟..صحيح هي تذكرني به لكن أنا لا أفكر مطلقا بالرجوع إليه ولا إلى العلاقات المحرمة ثم إنها متدينة وأستفيد منها الكثير في أمور ديني.
هل أنهي علاقتي بها مع أني في أمس الحاجة إلى نصائحها أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئا لك بالتوبة وإنهاء العلاقة مع هذا الأجنبي، وأما هذه الأخت التي تعرفت عليها وانتفعت بها فلا ننصحك بإنهاء العلاقة معها ما دام الأمر المتعلق بهذا الأجنبي لا يعدو مجرد تذكر له، وجاهدي نفسك في صرف ذهنك عنه دائما، واعمري وقتك بما ينفع ويسلي في تعلم علم نافع وعمل صالح أو ترفيه مباح.
وابحثي بالطرق المشروعة عن زوج صالح تستغنين به عن الأجانب.
وابحثي عن أخوات أخريات صالحات يساعدنك على الالتزام والاستقامة.
وإذا خشيت أن يستهويك الشيطان لإعادة العلاقة مع الأجنبي وكانت علاقتك بخالته سببا في ذلك فاحرصي على ترك اللقاء بها إذا كان يؤدي للاتصال بابن أختها، واستغني عن الاستفادة منها بالأخوات الأخريات.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 9360، 108364، 106614، 105449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(9/44)
حكم الكذب من أجل الوصول إلى الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[فما الحكم في الموقف التالي، رجل يريد عمل قضية لشخص أخذ منه مالا وقد حرر عليه شيكا، ومن ضمن الإجراءات أن يقوم بعمل محضر في المدينة التي تم فيها استلام الشيك، وهي غير التي يعيش فيها الدائن، ومن الصعوبة عليه أن يذهب إليها لعمل المحضر هناك، فهل إذا قدمه في مدينته وذكر أنه استلم الشيك فيها، هل يعتبر هذا شهادة زور أم تحايل للحصول على حقه، فهو إجراء شكلي فقط، وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذكر مدينة غير المدينة التي تم استلام الشيك فيها، ليس شهادة زور ولكنه كذب، والأصل في الكذب هو الحرمة لقوله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ. (آل عمران:61) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه مسلم.
ويستثنى من حرمته ما إذا اضطر الشخص إليه، ولم تمكنه التورية أو كان للتوصل إلى أمر محمود، أو كان لاستيفاء حق يتعذر استيفاؤه إلا بالطريقة التي ذكرت، فقد قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ. (سورة الأنعام:119) .
قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط كما في الإحياء أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا. فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك.اهـ.
وبناء على هذا فلا نرى حرجا في تحرير الشيكات على النحو المسؤول عنه، طالما أن ذكر المدينة تلك شرط في صحة المحضر وأن الذهاب إليها متعذر، فإن لم يكن الأمر كذلك فلا يجوز لك ذلك.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35822، 53250، 78239، 106235، 108079.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(9/45)
هل يدعي كاذبا بأنه لم يسبق له العمل في تلك الدولة ليحصل على العمل فيها مرة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت على عقد عمل في إحدى الدول الخليجية وحين إنهاء إجراءات السفر طلبت مني السفارة كتابة إقرار بأني لم يسبق لي العمل من قبل في تلك الدولة, فهل أقوم بكتابة هذا الإقرار مع العلم بأني عملت من قبل في هذا البلد، وكتابة هذا الإقرار لن تصيب أي أحد بأذى، وإن لم أحصل على هذه الوظيفة سيحصل عليها غير المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتابة مثل هذا الإقرار ـ والحال كما ذكر السائل ـ يعد كذبا؛ لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ِإنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا. رواه مسلم.
وقَالَتْ أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها: مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُحَدِّثُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِذْبَةِ فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً. رواه الترمذي وحسنه وأحمد وصححه الألباني.
فعليك أخي الكريم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ والنسائي وصححه الألباني.
ولكن إذا كان الكذب هنا يترتب عليه جلب مصلحة معتبرة, أو دفع مفسدة عن السائل أو غيره لحاجته مثلا للعمل مع عدم تضرر غيره به فلا يأثم.
وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحا، وواجب إذا كان المقصود واجبا ... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن.
وقال النووي في في الأذكار وفي رياض الصاحين: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.
وقال الألوسي نحو ذلك خلال كلامه على قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة: 10) .
وقد سبقهم إلى هذا الغزالي في بيان ما رخص فيه من الكذب.
والخلاصة أن كتابة مثل هذا الإقرار الكاذب حرام في الأصل، ولكن قد تتغير الفتوى باعتبار نوع الوظيفة وحساسيتها إذا حصَّلها غير المسلمين، ثم باعتبار أحوالك وظروفك الشخصية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(9/46)
حلول مقترحة لتعزيز الثقة بالنفس والبعد عن الخجل المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[مراسلكم شاب تجاوز الثلاثين من عمره، من أسرة ميسورة، ولله الحمد، تعرضت في حياتي الجامعية إلى عثرات كثيرة حتى تمكنت من الحصول على الشهادة الجامعية، وهذا مما أفقدني كثيرا من ثقتي بنفسي، فغلب علي الخجل وحب العزلة، ورافق ذلك ولله الحمد والمنة بداية طلبي للعلم الشرعي بشكل منهجي منذ نحو سبع سنوات, زادت فيها عزلتي نتيجة انشغالي بالطلب لدرجة أثرت على علاقاتي الأسرية، فلم أوفق في حياتي العملية بالشكل المرجو، مع كوني موفقا في حياتي العلمية بشكل ملحوظ، ولله الحمد، وانتبهت فجأة في الآونة الأخيرة إلى تقدم عمري، دون ارتباط، أو حتى محاولة للارتباط، وكلما فكرت جديا في ذلك، أثنتني عن ذلك أمور من أبرزها: ما يعتريني من خجل شديد يجعلني أتردد ألف مرة قبل الإقدام على خطوة كهذه، فضلا عن حبي العزلةَ، فلا أتخيل نفسي زوجا عليه من الواجبات الاجتماعية ما عليه. وقلة خبرتي في التعامل الآخرين نتيجة انشغالي بالطلب، فضلا عن طبيعتي التي جبلت عليها. ونظرة المجتمع إلى الشخص الذي لم يوفق في حياته العملية، مع استخفافهم بمن فرغ نفسه لتحصيل العلم الشرعي، فعندي ولله الحمد تكاليف الزواج، وما يفي بمتطلبات حياة كريمة، ولكني أخشى نظرة الآخرين لي، إن أقدمت على أمر كهذا، وأنا خلو من العمل، في بلد فرص العمل فيها بالنسبة لتخصصي نادرة. فما هي نصائحكم، بارك الله فيكم، في هذه المشكلة المعقدة؟
وقد قمت بتسجيل بياناتي في أحد المواقع الشرعية التي تعنى بتيسير الزواج، وجاءني رد من إحدى الأخوات، بالموافقة فقط دون حدوث أي اتصال بيننا فهذا مما لا تجيزه قوانين الموقع وإنما يتم إرسال الموافقة إلى إدراة الموقع لأخذ بيانات وليها تمهيدا لإتمام الزواج، ولكنه ما زادني إلا حيرة وترددا، فهل ترون الإقدام، بعد التوكل على الله، عز وجل، على إتمام هذا الأمر؟ خاصة أنها قد اطلعت من رسالتي على ظروفي العجيبة، وقبلت بها. أعتذر على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولاً ما تعرضت له في حياتك الجامعية ليس مبرراً لتفقد ثقتك بنفسك، فإنه ينبغي للمؤمن أن يخرج من كل حادثة بما يفيده في دينه ودنياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ صحيح مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له. صحيح مسلم.
ومن صفات المؤمن التفاؤل وهو شعور يمنح الإنسان طاقة نفسية تجعله قادراً على مواجهة الصعاب والتغلب على المشكلات وهو ينبع من حسن ظنه بالله تعالى وثقته به وتوكله عليه.
- أما ما يتعلق بالخجل فإن كان ذلك في الحدود المشروعة، فقد يكون من الحياء وهو من شعب الإيمان ومن أخلاق المؤمنين، فعن ابن عمر رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ. رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
أما إذا كان ذلك الخجل يؤدي إلى التقصير في الواجبات والوقوع في المحظورات فإنه مذموم، ويجب عليك أن تتخلص منه بالاستعانة بالله عز وجل والتعود على مخالطة الناس في المعروف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
- أما خلوك من عمل تتكسب منه، فإن كان ذلك تكاسلاً أو أنفة من العمل، فهو أمر مذموم، وينبغي أن تبحث عن عمل مباح لتتكسب منه، فعَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ. رواه البخاري.
- أما طلبك للعلم الشرعي فهو فضل من الله عز وجل عليك ونعمة عظيمة، فعليك أن تداوم على ذلك بشرط مراعاة الإخلاص لله تعالى في ذلك، وينبغي أن تعمل بما تعلم، وأن تحرص على نشر هذا العلم وتعليمه للناس على قدر ما تستطيع، وعندئذ فإن تفرغك لطلب العلم أمر محمود.
- وأما عزوفك عن الزواج مع القدرة عليه فهو أمر مخالف للسنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء. رواه ابن ماجة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقال ابن قدامة: النكاح من سنن المرسلين وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة.
فبادر إلى الزواج من ذات الدين التي تعينك على أمر دينك وأمر دنياك بعد أن تسأل عن دينها وخلقها وتتحرى في ذلك ما استطعت ثم تستخير الله وتتوكل عليه، واطرد عن نفسك وساوس الشيطان، ولا تتركه يخذلك ويوهن عزيمتك، واعلم أنك إن استعنت بربك كفاك كل ما تخشاه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطَّلاق:3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1429(9/47)
ضوابط الإنفاق من مال اليتيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم لولد وأربع بنات أصرف عليهم من راتب أبيهم رحمه الله وكذلك من راتبي في الأكل وشراء الملابس وكل شيء. فهل ما أقوم به صحيح أم حرام؟ أفيدوني ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على من ولي مال يتيم أن يحافظ عليه، وأن يعمل بما فيه مصلحته، ويحرم عليه أن يأكل منه، إلا إذا كان محتاجا، فقد أباح الله لولي اليتيم المحتاج أن يأكل منه بالمعروف، فقال عز وجل في ذلك: وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. {النساء: 6} .
أما أكل مال اليتيم بغير حاجة والأخذ منه بغير حق شرعي فكبيرة من الكبائر المهلكات، قال سبحانه: وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا {النساء:2} .
قال السعدي - رحمه الله - في تفسيره: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ أي مع أموالكم ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة التي هي قد استغنى بها الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله , فمن تجرأ على هذه الحالة فقد أتى حوبا كبيرا أي إثما عظيما ووزرا جسيما.
والذي ننبه عليه في هذا المقام أن مال اليتيم لا ينبغي التصرف فيه إلا على الوجه الذي يجلب له المنفعة عاجلا وآجلا.
قال سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً.
{الإسراء:34} .
قال القرطبي – رحمه الله-: (أي بما فيه صلاحه وتثميره) .
وما تفعلينه –أيتها السائلة من تصرفك في المال - فيما يحتاجه هؤلاء الأيتام من مأكل وملبس ومسكن ومصاريف دراسة وغير ذلك هو الصواب بإذن الله , بشرط أن يكون ذلك مع التوسط بلا إسراف يضرّ بهم، ولا تقتير يضيق عليهم فهذا الطريق الوسط الذي أرشد الله تعالى إليه رسوله صلى الله عليه وسلم , قال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا.
ومع ذلك فإنك لو استطعت أن تدخري لهم من هذا المال شيئا لينتفعوا به في المستقبل فهذا أمر طيب ولا شك.
وللأهمية يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37220 , 73718 , 32551 , 6474، 10970.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(9/48)
يحدث نفسه بالتوبة ولكنه لا يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي وأصوم وأمشي مع الصالحين لكن أعصي الله وأتفرج على الأفلام التي حرم الله ودائما أقول أتوب ولكن لا أتوب فهل لي من توبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فباب التوبة مفتوح، ورحمة الله واسعة، فإنه سبحانه يقبل توبة من تاب إليه وأناب، فعليك بالمبادرة إلى التوبة الخالصة المستوفية لشروطها، والتي ذكرناها في الفتوى رقم: 5450.
ونوصيك بالصدق في التوبة، فإنك إن صدقت الله صدقك، وعلى المسلم أن يحذر الوسائل التي قد تدعوه إلى العودة للذنب مرة أخرى، وإذا صدقت في توبتك كان ذلك عوناً لك في عدم العودة للذنب، ولكن لو قدر أن عدت إلى الذنب مرة أخرى فلا ينبغي أن يكون ذلك مانعاً لك من المبادرة إلى التوبة مرة أخرى، وانظر لذلك الفتوى رقم: 57184.
وننصحك بالاستمرار في صحبة الصالحين، فلن تجد منها إلا الخير بإذن الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 59669، وكن على حذر من مشاهدة الأفلام التي تنشر الرذيلة، فقد تكون عاقبة ذلك وخيمة، وللمزيد في ذلك انظر الفتوى رقم: 25078.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(9/49)
من وقع في خطأ وخشي علم أهله به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ارتكبت خطأ ليس فظيعا لكنه بالنسبة لي أمر خطير وأنا نادمة وخائفة بأن يصل إلى أهلى الموضوع، وكان السبب أنني تشاجرت أنا وبعض الشباب بالجامعة بسبب سمعتي فهل أحاسب وكيف أصحح خطئي، هل عملت الصواب أم الخطأ، أرجوكم ساعدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم ما نوع الشجار الذي حدث وما سببه؟ حتى نحكم على تصرفك هل هو صحيح أم خطأ؟.
ولكن على كل حال يجب على الفتاة أن تتجنب قدر استطاعتها الاحتكاك بالشباب، وأن تحافظ على سمعتها، وتنأى بنفسها عن مواطن الشبه والريبة حتى لا تقع فيها الألسن، وننصحك بالإكثار من الاستغفار وسؤال الله عز وجل أن يستر عليك، ونرى إن كنت تتوقعين علم الأهل بما حدث، أن تخبريهم وتبيني لهم حقيقة الأمر ودوافعه وأسبابه حتى لا يصلهم بطريقة غير صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1429(9/50)
ذكر المغني بما فيه من المنكر هل يعد غيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[قام أحد زملائي بإطلاعي على أحد المطربين المعروف عنهم التغنى بكلمات العشق والهوى والظهور فى الكليبات فى أوضاع مخجلة وهو يقرأ القرآن بصوته ولا أنكر له حسن الصوت لكنني وجدتني مندفعا بشكل تلقائي في رفض أن أستمع للقرآن من فم هذا المطرب، بل ونهرت صديقي على احتفاظه بهذه التلاوة لذلك المغني، والسؤال: ما هو التصرف الشرعي تجاه هذه التلاوة، وهل يجوز لي مهاجمة ذلك المطرب أما إن ذلك يعتبر من الغيبة، وهل يجوز لي نهي زميلي عن الاستماع لها، فأنا أخشى أن أكون قد اغتبت ذلك المطرب وأن أكون أثمت بطلبي من زميلي أن يمسح هذه التلاوة من جهازه؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب تغيير المنكر حسب الاستطاعة، وليس من الغيبة ذكر فسق المرء إذا كان مجاهراً به، وقراءة المغني للقرآن تعتبر أمراً حسناً إذا لم تكن بألحان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
للرد على هذا السؤال يجب ذكر ما يلي:
1- أن تحسين الصوت بالقرآن ممدوح، فقد ورد في الحديث الشريف: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. متفق عليه. بخلاف قراءة القرآن بالألحان فقد قال كثير من أهل العلم بتحريمها، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 37029.
2- أن الغناء إذا كان بآلة موسيقية فإنه حرام، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 50155، ويتأكد التحريم إذا اشتمل الغناء على كلمات العشق والهوى ونحوها.
3- أن من رأى منكراً وجب عليه إنكاره حسب طاقته.
4- أن ظهور المغني في الكليبات ونحوها يعد مجاهرة بالفسق، وبالتالي لا يكون ذكر صاحبه به من الغيبة، فقد ذكر العلماء رحمهم الله المواطن التي تجوز فيها الغيبة، وعدوا منها المجاهرة بالفسق، قال أحدهم:
القدح ليس بغيبة في ستّة * متظلّم ومعرِّفٍ ومحذّرِ
ولمُظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومَن * طلب المعونة في إزالة منكرِ
فالحاصل -إذاً- أن من واجبك الإنكار على ذلك المغني، وتغيير منكره حسب ما في وسعك، وأنه ليس من الغيبة ذكر ما هو فيه من المنكر طالما أنه مجاهر به، وأن قراءة هذا المغني للقرآن تعتبر أمراً حسناً إذا لم تكن بألحان، وفي الحالة المشروعة لا ينبغي أن تطلب من زميلك مسحها من جهازه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(9/51)
سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين من أفضل الطاعات
[السُّؤَالُ]
ـ[الموضوع باختصار.. كان لي زوجة والدي رحمها الله كنا من عائلة كبيرة لكن أبي كان مقاطعا لعائلته وكانت زوجة والدي رحمها الله تخرج إلى الأسواق وهو على غير عادة العائله عندنا فتملكني الوساوس إنها لو ماتت لن تقف لها عائلتنا لأنها تخرج عن إطار العائلة ففضلت ستراً عليها أمام أهلها أن لا أقيم لها عزاء حتى لا يكون المنظر مهينا أمام أهلها وماتت ويوم موتها فوجئت بأهلى جميعهم موجودين لكني كنت حسمت الأمر وفقا للوسواس اللعين بأن قلت أنها أوصت بذلك أن لا يتم عمل عزاء لها وفوجئت بأننى تسببت فى قطيعة صلة الرحم بيني وبينهم، إذ إنهم فهموا من ذلك أني أسير على وتيرة والدي مع أني قررت أني بعد الموقف سأصل رحمهم على الرغم من عدم وقوفهم معي ولأني لا يمكنني التبرير لأن ما دار كان وسواس بداخلي ولا أستطيع توضيح الأمر، لأن فيه شبه احتقار وفى نفس الأمر لا أريد أن أحمل ذنب قطع صلة رحم أمام الله، ف ما العمل
أنا الآن أشعر أني أسير وفق مخطط شيطاني كبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالتوبة إلى الله تعالى والاعتماد عليه وصلة الرحم فإن ذلك يذهب ما صدر منك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يحذر من الكذب ويجتنب سوء الظن ويبتعد عن الشك في الآخرين، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. رواه البخاري ومسلم.
وعليه أن يعود نفسه على سلامة الصدر وحسن الظن بالمسلمين فهذا من أفضل الطاعات وأعظم القربات، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أنس بن مالك قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه ... فلما صلى وأراد الرجوع إلى بيته طلب منه عبد الله بن عمرو أن يؤويه ثلاث ليال، وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم أكن بحاجة إلى المبيت معك ... ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.
ولهذا فإن بإمكانك أن تتدارك ما صدر منك من الكذب وسوء الظن بالتوبة إلى الله تعالى وتحسين العلاقة مع عائلتك، وتصل رحمهم وتقدم لهم ما استطعت من أعمال البر والخير، فإن البر يستعبد الحر والهدية تذهب وحر الصدر وقطيعة الرحم لا تجوز، وعليك بالإكثار من ذكر الله تعالى والاعتماد عليه وملازمة طاعته والإكثار من الاستعاذة به من شر الشيطان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1429(9/52)
التشاور في شؤون العمل الخير أمر حسن
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسجدنا أنا وبعض الإخوان نجلس بعد الصلاة الفجر ونتشاور وننظم برنامجا لليوم لتعليم وزيارات المسلمين وبعد ذلك بعض إخوان يبقون في المسجد يشتغلون بذكر لله وتلاوة القرآن منفرد حتى الشروق والآخرون يرجعون إلى بيوتهم. ماذا رأيكم في هذا؟
هل هذا شورى من السنة وما أدلتها وما فضائلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زيارة المسلم لأخيه المسلم وتذكيره وتعليمه لما يجهل من أمور دينه عمل خيري يثاب عليه ويتقرب به إلى الله تعالى، وهذا أمر معروف.
أما التشاور لمصلحة ذلك وتحقيقه وتنظيمه لضمان الاستفادة منه واستمراريته فلا حرج فيه، بل إنه يثاب عليه لأنه يعين على ذلك العمل الخيري ويثريه.
أما اعتقاد أنه أي التشاور المذكور مطلوب بذاته وأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه بهذا الاعتبار يدخل في البدعة. وتراجع الفتوى رقم: 54176.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1428(9/53)
إضفاء ألقاب المديح على مشاهير القراء الذين رحلوا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الألقاب الحميدة بعد وفاة الملقب، حيث إنني وأثناء تجوالي في الإنترنت شاهدت الكثير يطلقون ألقابا حميدة على مشاهير أموات المسلمين فمثلا، الراحل الشيخ عبد الباسط وجدت الكثير يطلقون علية لقب الحنجرة الذهبية ولقب آخر الذهب الخالص, والشيخ محمد الليثي مثلاً قيثارة السماء, وألقاب أخرى لمشاهير مسلمين ماتوا ولم يلقبوا أنفسهم بهذه الألقاب ولم يعرفوا هذه الألقاب في حياتهم لكي نعلم إن كانت سترضيهم أم لا، فما حكم الإسلام في هذا النوع من الألقاب؟ شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج في إطلاق مثل هذه الألقاب على هؤلاء القراء، لأنها من الألقاب التي يقصد بها الثناء، وتطلق على سبيل المدح، ولا إشكال في إطلاق لفظ القيثارة، وهي آلة عزف، على الصوت الندي، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود. لحسن صوته بالقرآن، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(9/54)
الجزاء على الأعمال والتوبة من الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال - أفعل ما شئت كما تدين تدان، كيف أخلص من الدين من فعل أو ذنب حتى لا اُدان به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه قد ورد بألفاظ مختلفة، منها: البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا ينام فكن كما شئت كما تدين تدان. وأخرجه أبو نعيم وابن عدي والديلمي عن ابن عمر، ورواه عبد الرزاق في الزهد عن أبي قلابة مرسلا وأحمد عن أبي الدرداء موقوفا بلفظ: البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان. وقد ضعفه الشيخ الألباني، وقال ابن حجر إن رجاله ثقات.
والقاعدة التي اشتمل عليها هذا الحديث، وهي أن الجزاء يكون من جنس العمل، هي قاعدة ثابته بنصوص من القرآن والسنة، كقوله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ {الصف:5} . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. الحديث رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة، ولكن الوعيد لا يلزم أن يقع، فإن الله تعالى قد يعفو ويصفح عمن فعل الفاحشة فلا يعاجله بالعقوبة، خاصة إذا كان قد تاب من فعل الفواحش واستقام أمره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1427(9/55)
الجمع بين الخوف والرجاء أدعى للاستزادة من الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أريدكم جزاكم الله خيرا أن تقيموني اعتمادا على الأفعال التالية التي أقوم بها يوميا، فهل أنا من المؤمنين فافرح أم غير ذلك فأحزن:
أنا فتاه مؤمنة إيمانا عميقا بالله واجهتني الكثير من المصاعب في الحياة فصبرت والحمد لله.
أصبت بمرض نفسي وهو الاكتئاب ولكني صبرت على هذا المرض وعلى الأدوية التي أتناولها للآن
مشكلتي هي أني لا أصحو لصلاة الفجر وهذا يعود ربما إلى نوع الدواء الذي أتناوله وهذا الدواء يساعد الجسم على الاسترخاء والنوم الكثير.
أصلي جميع الصلوات ولكن بدون خشوع.
أتصدق أحيانا، أخاف من ذكر البشر بالسوء، لا أحمل حقدا ولا بغيضة لأحد، أصبر على من يؤذيني، راتبي أعطيه لأهلي وأساعدهم كثيرا أحيانا أقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحيانا أشاهد أفلاما أجنبية وعربية وربما يكون فيها موسيقى أو أغاني أقرأ القرآن ولكن بدون تركيز أضيع كثيرا من الوقت في اللعب مع بنات أخي، أرجو إفادتي عن حالتي وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من حال نفسك، يدل معظمه على الخير، وفيه بعض الأمور التي تدل على الشر.
فكونك فتاة مؤمنة إيمانا عميقا بالله، وتصبرين على من يؤذيك، وقد أصبت بمرض نفسي ولكنك صبرت عليه وعلى الأدوية التي تتناولينها، وتتصدقين في بعض الأحيان، وتخافين من ذكر البشر بالسوء، ولا تحملين حقدا ولا بغيضة لأحد، وتعطين راتبك لأهلك وتساعدينهم كثيرا، وتقومين أحيانا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقرئين القرآن ... كلها أمور طيبة وأخلاق إسلامية فاضلة، تنبئ بأنك من أهل الإيمان.
وكونك لا تصحين لصلاة الفجر، وتصلين جميع الصلوات بدون خشوع، وتشاهدين في بعض الأحيان أفلاما أجنبية وعربية، وقد يكون فيها شيء من الموسيقى أو الأغاني، وتضيعين كثيرا من الوقت في اللعب ... هي أيضا من الأمور البغيضة عند الله. ولكنك معذورة فيما ذكرته من عدم الصحو لصلاة الفجر إن كان سببه هو نوع الدواء الذي قلت إنه يساعد الجسم على الاسترخاء والنوم الكثير.
وعلى أية حال، فإنا ننصحك بإصلاح ما ذكرته من أخطاء، وأن تبقي بين الخوف والرجاء، ليكون ذلك أدعى لأن تستمري في الزيادة من الخير وأعمال البر.
فقد ذكر الله تعالى في كتابه عن أنبيائه وأكرم أوليائه أنهم كانوا يعبدون الله تعالى ويطيعونه طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه، ذكر ذلك في أكثر من موضع. ومن ذلك قوله سبحانه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90] . وقوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. {السجدة: 16} .
وقال عن نبيه عليه الصلاة والسلام: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {الأنعام: 15} . وقال عن إبراهيم الخليل: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ {الشعراء: 85} . وقال عن أهل الإيمان: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج: 27] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1427(9/56)
الخجل المذموم والممدوح
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أني أعاني من كثرة الخجل، وعدم الثقة بالنفس، وليس عندي شخصية وأيضا علاقتي بأمي ليست جيدة، صحيح أني أحبها ولكن لا أدري أحيانا لا أحبها أشعر أنها لا تثق في، مع العلم بأنها وفرت لي كل الرعاية واعتنت بي جيداً، لكنني أحب والدي أكثر، أرجوكم ساعدوني في حل عقدتي هي الخجل حيث أخجل من البنات والشباب، مع العلم بأني اجتماعية كيف أتجاوز هذه المشكلة، لي صديقة تقول لي إني ليس عندي شخصية وكيف أنمي شخصيتي كيف يمكنني أن يكون لدي شخصية مثل صديقاتي، لا أثق بنفسي حيث إني إذا واجهت مشكلة من المستحيل أن أحلها بنفسي، أستعين بالصديق وأحيانا لا أقرر من تلقاء نفسي؟ ولكم مني جزيل الشكر، ويعطيكم العافية، شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخجل ليس مذموماً كله، بل منه ما هو ممدوح وخاصة بالنسبة للفتيات، ومنه ما هو مذموم كالذي يحمل الشخص على التفريط في الواجبات أو ارتكاب المحرمات فهذا النوع من الخجل ينبغي للإنسان أن يدفعه عن نفسه، ولدفع الخجل أسباب علاجية يعلمها المختصون بالصحة النفسية، وفي موقعنا (الشبكة الإسلامية) يوجد قسم (استشارات الشبكة) به كثير من النصائح النافعة في كيفية تقوية الشخصية وتقوية الثقة بالنفس، وتجدينها في الاستشارة رقم 2836 والاستشارات المحال عليها، وننصحك بالتواصل مع هذا القسم فإنهم أكثر اختصاصاً بحالتك.
ولكن ينبغي التنبه إلى أمر هو أن هناك فرقاً بين الخجل المذموم والحياء الممدوح شرعاً، فالحياء غير الخجل، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، ومع ذلك كان شديد الحياء، بل كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الحياء شعبة من الإيمان. رواه البخاري ومسلم، وقال أيضاً: الحياء خير كله. رواه مسلم، وانظري الفتوى رقم: 47561، والفتوى رقم: 16873.
هذا، وننبهك إلى أنه لا يجوز لك إنشاء علاقة مع الشباب الذكور، والواجب عليك أن تقصري علاقاتك على بنات جنسك فقط، فقد حرم الله إطلاق البصر بين الجنسين، وحرم المصافحة باليد بينهما، وحرم الاختلاط غير المنضبط، وحرم على المرأة الخضوع بالقول عند الكلام مع الرجال، وأوجب عليها الحجاب الشرعي، وألزمها القرار في البيت، كل ذلك صيانة للأعراض وحفظا للمجتمعات من الفساد.
واتقي الله واحذري ذنوبك، فقد تكون هي السبب فيما ابتلاك الله به وضعف شخصيتك.
هذا، ونوصيك بأن تبذلي الوسع في التقرب إلى والدتك وأن تتحببي إليها بقدر المستطاع، وإن كنت في البداية تشعرين بالتصنع والتكلف، فإن حق الأم عظيم وأكيد، ولأن الله هو الذي أعطاها هذا الحق، ومن أسباب التقرب إليها خدمتها ومساعدتها في جميع أعمالها المنزلية، والأدب عند الحديث معها والتواضع وخفض الجناح عند الحوار بينكما، وكذلك طاعتها فيما تأمرك به من المعروف وتقبيل يديها ورجليها، والنظر إليها نظر حب ورحمة وإشفاق، وكذلك إهداؤها شيئاً يفرح قلبها، وإن كان هين الثمن كوردة طيبة الرائحة ونحو ذلك.
واسألي الله كثيراً أن يقوي إيمانك وأن يقوي قلبك وشخصيتك، وأن يزيل عنك الخجل، وأن يعينك على بر والديك، وأن يرزقك الاستقامة على دينه. والتمسي في دعائك أوقات الإجابة، كثلث الليل الآخر وأثناء السجود، وعند الفطر في اليوم الذي تصومين فيه ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(9/57)
القول بأن فلانا أفضل من فلان.. بين الغيبة وعدمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما أقول صوت الشيخ الفلاني أحسن من صوت الشيخ الفلاني يكون ذلك من الغيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس هذا من الغيبة إن لم يرد به تنقيص للشيخ الثاني، فإن القول بأن شخصاً ما أفضل من شخص آخر في ميدان ما لا حرج فيه؛ ما لم يكن فيه تنقيص للشخص المفضول وإساءة إليه وحط من قدره.
ويدل لهذا ما في البخاري عن سهل قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1425(9/58)
تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها في بعض الأحوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مضاعفة للسيئات كما هو الحال في مضاعفة الحسنات في الأماكن المكرمة مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي والأوقات المكرمة مثل شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة.
قال تعالى: [وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ] (الأنعام: 160) .
لكن السيئة تعظم أحيانا بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل، فالسيئة أعظم تحريما عند الله في الأشهر الحرم، وفي عشر ذي الحجة لشرفها عند الله، والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان، قال ابن القيم رحمه الله: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها السيئة، لكن سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها وصغيرة وجزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه. اهـ.
والسيئة من بعض عباد الله أعظم، لشرف فاعلها، وقوة معرفته بالله وقربه منه سبحانه وتعالى، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والله أعلم.
وراجع الفتاوى: 12665، 14951.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1425(9/59)
من الوسائل المعينة على تحقيق التقوى
[السُّؤَالُ]
ـ[كلما التزمت بحدود الله وعباداته بعد عدة أيام أعود مرة أخرى لا أصلي كيف أحافظ علي الصلاة؟ وكيف أكون إنساناً تقياً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بينا عقوبة ترك الصلاة في الفتوى رقم: 6061.
وبينا الوسائل المعينة للمحافظة على الصلاة في الفتاوى التالية: 15037، 3830، 1195.
وبينا الوسائل المعينة على تحقيق التقوى والاستقامة وزيادة الإيمان في الفتاوى التالية: 6342، 11844، 10800.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1424(9/60)
وقوعك في المعصية أعظم من امتناعه عن خطبتك
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب ذي خلق ودين واتفقنا على الزواج وبعد فترة جاء ليخبرنى أن ظروفه المادية صعبة وأنه لا يريد أن يظلمني بربطه لي معه وعلينا إنهاء هذه العلاقة، والواقع أنني أحببت هذا الشاب حبا لا يمكن وصفه وتأزمت نفسيا بسبب ما حدث وطلبت منه الارتباط تحت أي ظروف رحمة بمشاعري وإسكاتا لكلام الناس الذين رأونا نجلس معا مرارا، قلت له إنني مستعدة لاحتمال ظروفه الصعبة وانتظاره إلى أن تتحسن ولكنه يرفض، أرجو معرفة رأي الدين فى تصرف هذا الشاب؟ وجزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي -وفقك الله- أنه لا يجوز للمسلمة أن تنشىء علاقة مع رجل أجنبي، لأن ذلك ذريعة للوقوع في ما حرم الله، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم:
22074، والفتوى رقم: 9431.
ومن ذلك تعلمين أنه تجب عليك التوبة من تلك العلاقة، قبل أن تسألي عن موقف الدين في تصرف هذا الشاب، لأن وقوعك في المعصية أشد من امتناعه عن خطبتك، ولمعرفة شروط التوبة راجعي الفتوى رقم: 5450، ولمعرفة ما يعين عليها راجعي الفتوى رقم:
28748.
وأما تصرف هذا الشاب، فإن كان ترك التقدم لخطبتك لأن ظروفه المادية لا تسمح فلا حرج عليه، ويجب عليه التوبة إلى الله من تلك العلاقة، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 9360.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(9/61)
غيبة تارك الصلاة - رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم غيبة شخص تارك للصلاة؟ مع العلم بأن تارك الصلاة قد يكفر والله أعلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الغيبة محرمة في الأصل بالكتاب والسنة والاجماع، وهي معدودة من الكبائر العظام، قال الله تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: والغيبة محرمة بالاجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا من رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة.، وللزيادة في الموضوع راجع الفتوى رقم:
6710، والفتوى رقم: 17373 ز
وعليه فلا يغتاب تارك الصلاة إلا لمصلحة، مثل نصحك من يريد أن يزوجه بالابتعاد عنه أو غير ذلك، وليكن ذلك بقصد النصح لا بقصد الهوى، وراجع في خطورة ترك الصلاة الفتوى رقم: 17277، 6061، 25458.
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى في جواب لسؤال عن حديث لا غيبة لفاسق قال: أما الحديث فليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه مأثور عن الحسن البصري أنه قال: أترغبون عن ذكر الفاسق اذكروه بما فيه يحذره الناس.، ثم قال بعد كلام في غيبة من تستشار في مناكحته: وإذا كان الرجل يترك الصلوات ويرتكب المنكرات وقد عاشره من يخاف أن يفسد دينه بين أمره له لتتقي معاشرته ...
وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساويه مظهراً للنصح وقصده في الباطن الغض من الشخص، فهذا من عمل الشيطان. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/62)
السبيل الأمثل لزوال الوحشة التي في الصدر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تبلغ من العمر 25 عاما من فترة وأنا قطعت الصلاة وأحسست أن قلبي أغلق فى وجه الصلاة وقراءة القرآن، بعد ذلك أحسست أني بدأت أغلط وخرجت مع شباب وقبلنى أحدهم، أنا الحمد لله بعدت عن هذا الموضوع لكن مازال قلبي مقفولاً وأخاف أن أصلي ولا أحس بالسعادة التي كنت أحسها وأنا أصلي أرجوكم أفيدوني أنا أتألم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمرء إذا كان عابداً لله تعالى، ثم انقطع عنه، بفعل بعض المعاصي أو ترك بعض الطاعات، حصلت له بسبب ذلك وحشة تملأ صدره، وتنغص عيشه، وهذا الذي يحصل له علامة على حياة قلبه، إذ القلب الحي حقاً هو الذي يتلذذ بالطاعة ويتألم للمعصية، أما القلب الميت فإنه لا يحس بذلك أبداً، وكما قالوا: ما لجرح بميت إيلام، وراجعي الفتوى رقم:
23497.
فالحمد لله على حياة قلبك، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك توبتك، وأن يمن عليك بالحياة السعيدة في ظل طاعته، واجتناب معصيته، ولتعلمي أن السبيل الأمثل لزوال الوحشة التي في صدرك، لا يتحقق لك إلا إذا أخذت بأسبابه، ومن أهم تلك الأسباب:
1- الإكثار من التوبة والاستغفار، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7007، 19812، 21798.
2- المحافظة على فعل الفرائض ثم النوافل، لعظم خطر ترك الصلاة والمداومة على ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 7152، والفتوى رقم: 6061.
3- صحبة الصالحات والمداومة على مجالستهن، فذلك من أعظم ما يعين على فعل الخيرات وترك المنكرات.
4- غض البصر والبعد عن مواطن الفتن، فإنه أتقى لله، وأنقى للقلب وراجعي الفتوى رقم: 21807.
وإننا لنوصي الأخت السائلة بقراءة كتاب (لا تحزن) لفضيلة الشيخ عائض القرني، ففيه إن شاء الله علاج وراحة للنفس، ونسأل الله لنا ولك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1424(9/63)
احفظ وقتك فيما ينفعك
[السُّؤَالُ]
ـ[بإمكاني استقبال قناة الرياضة المشفرة عبر برنامج بالكمبيوتر فجهاز الريسيفر لدي غير مجهز لاستقبال القنوات المشفرة هل يجوز لي ذلك؟ علماً بأنني أعني القناة الرياضية فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أهم ما يحرص عليه المسلم هو الوقت خشية أن يذهب سدى بلا نفع ديني أو دنيوي، ومن فرط في وقته فهوالخاسر، ففي الحديث الصحيح: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة الفراغ. رواه البخاري، قال العلماء: المغبون معناه: الخاسر مأخوذ من الغبن في البيع.
والإنسان مسؤول أمام الله عز وجل يوم القيامة عن عمره عموماً وعن شبابه خصوصاً، ففي الحديث: لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ما عمل فيه رواه البيهقي، وحسنه الألباني.
وإنما يسأل عن مرحلة الشباب بالخصوص لأنها مرحلة القوة على التلقي للعلوم النافعه والعمل الجاد المثمر.
فحرام أن تضيع هذه الفترة الذهبية في حياة الإنسان بين القنوات الفضائية الغثة التي تهدم ولا تبني وتفسد ولا تصلح، ولو أن شخصاً لا يتابع إلا القنوات الرياضية فهي ديدنه وشغله، فإنه مغبون في وقته وصحته، إذ يمضي عمره وهو يتابع الكرة بين أرجل اللاعبين، هذا إذا افترضنا أن كل ما في هذه القنوات الرياضية مباح شرعاً، كيف وفيها من الحرام ما لا يخفى، ألا تشاهد فيها لاعبات التنس ولاعبات السباحة وهن شبه عاريات، فكيف يجوز للمسلم النظر والتمتع بهذه المناظر المحرمة، فضلاً عن تشجيع هذا المنكر، فنصيحتنا للأخ الكريم أن يعرض عن اللغو، كما هو صفة المؤمنين: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55] .
وأن يحافظ على وقته حتى لا يذهب هدراً، وأن يتجه إلى ما ينفعه في دينه ودنياه، وفقنا الله وإياك إلى عمل الخير وخير العمل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1424(9/64)
هذه العلاقة محرمة ولو خلت مما ذكر
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة في عامها 37 مطلقة ولديها طفلان وتعرفت على شاب في 25 ونشأ حب كبير بينهما فاتفقا على الزواج رغم وجود بعض العوائق لأنه بكر والديه ويتمنيان أن يتزوج بابنة عمه واتفق مع هذه المرأة بأن تكون الزوجة الثانية أو أن يتزوجها مسياراً لكن السؤال وندعو الله الهداية للجميع أنهما يمارسان الجنس هاتفيا ما الحكم وما العمل؟ أرجو أن ترشدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه العلاقة محرمة ولو خلت مما ذكر من ممارسة الجنس عبر التليفون، فكيف مع فعل هذا الأمر الشائن الذي لا يليق بمسلم ولا مسلمة، وهو طريق للوقوع في الفاحشة.
فالواجب على هذه المرأة وهذا الرجل المبادرة إلى التوبة، وقطع هذه العلاقة المحرمة التي هي من طرق الشيطان وسبل الغواية.
وإذا كان الرجل صادقاً، فليتقدم إلى ولي المرأة لكي يتزوجها زواجاً شرعياً.
وراجع للأهمية الفتاوى التالية: 30046، 964، 1393، 3329، 8776، 12754.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(9/65)
باب التوبة مفتوح للعبد ما لم بغرغر
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص أحب فتاة وارتكبا الفاحشة مما نتج عنة طفل ولد الطفل بمعرفة دكتور في الشهر السابع دون علم أهلها والدتها فقط علمت وكانت معها وبعد الولادة أخذ الأب المولود ووضعه داخل بيت أحد الأثرياء بالحى وبعد أن أنهى الأب تعليمه الجامعي تزوج من الفتاة ورزقهم الله بولد آخر ويسأل هذا الأب ماذا يفعل لكي يكفر عن معصية الزنا وعن ما فعله في طفله الأول؟ علماً بأنه قد حكى لأهله عن هذه المشكلة قبل ولادة الطفل ولكن الأهل لم يقفوا بجانبه ومرض أبو الأب عندما سمع الحكاية فخاف صاحب المشكلة على أبيه وأقنعه أن الحكاية كذب ولمجرد الهذر.
أرجو من سيادتكم الإجابة حتى يرتاح ضمير الأب ولا يقابل الله بهذا الذنب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن باب التوبة مفتوح للعبد ما لم يغرغر كما في الحديث، بل إن من التوبة ما يصل بالمرء إلى أن تبدل سيئاته حسنات، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70] .
ثم إن عليك ستر نفسك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
كما عليك أن تستر المرأة فإن: من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة. رواه أحمد وابن ماجه والنسائي.
وعلى الأم أن لا تقطع الصلة بابنها هذا فإن الرحم مما: أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] .
أما أنت فليست أبوتك له شرعية ولا يجوز أن تتبناه ولا علاقة بينك وبينه البتة.
وفي ما يتعلق بأبيك وكيفية إقناعه بأن الحكاية كذب، فقد كان يمكنك أن تستعمل التورية، ففي الحديث: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البيهقي. وترجم البخاري فقال: باب المعاريض مندوحة عن الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1424(9/66)
لا يجوز ترك الواجب بحجة أن فلانا ترك واجبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة متدينة ولكن لي أختان لا تتحجبان ولا تصليان بانتظام وأحاول معهما ولكن دون فائدة وواحدة منهما تجيب، وحين أعرض عليها أحد أشرطة الدعاة أو درساً تقول لي إن الأرض الإسلامية مباحة وفيها حروب عدوانية لمذا وهم رجال لو ضرب الواحد منهم الحائط لكسره، وبدلاً من أن يذهب للجهاد وهو فرض يقوم بالحديث فهم لا يقنعهم لأنهم يتركون الأهم، وهذا منذ الحرب على افغانستان وفلسطين، وفشلت كل محاولاتي في إقناعهما بالحجاب مع العلم أنهما طيبتان، وهذا رد فعل على سلبية المشايخ وتحايلهم وكل ما أقول إننا نحن جزء من هذا الفشل العام في الإسلام بسبب الابتعاد عن الدين تقولان إن القدوة ضعيفة، أعينوني وأريد لهما جواباً شافياً أعانكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) ويقول تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال تعالى (ألا تزور وازرة وزر أخرى* وأن ليس للإنسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى) وقال تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة) فلا يجوز للمسلم ولا للمسلمة أن يتركا ما أوجب الله عليهما لأن فلاناً من الناس ترك واجبه، وكيف يقول عاقل إن فلاناً ارتكب ما يوجب سخط الله ولم يقم بواجبه، فأنا أرتكب ما يوجب سخط الله ولا أقوم بواجبي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا " رواه الترمذي وحسنه.
والحجاب الذي يقصد به ستر الرأس والنحر والساعدين والساقين واجب بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع أمة الإسلام ومن أنكر وجوب ذلك كفر وخرج من ملة الإسلام، ومن أقرت بوجوبه ثم تركته فهي عاصية تجب عليها التوبة، وأما تغطية الوجه والكفين ففيها خلاف، والراجح وجوب سترهما، وانظري الفتوى رقم 5224
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1424(9/67)
الغيرة منها المحمود ومنها المذموم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل لزوجي وغيرته الزائدة وخاصة أنا أعيش فى بلاد الكفر وحيث يوجدالنساء بدون حجاب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنصيحتنا لك ولزوجك أن تهاجرا من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وقد سبق بيان حكم الهجرة في الفتوى رقم: 12829.
وأما الغيرة من الزوجة على زوجها ومن الزوج على زوجته فمنها المحمود ومنها المذموم، وتفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية:
9044، 9390، 17659، 21303، 24118.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1424(9/68)
التوبة النصوح تجب ماقبلها ويقبلها الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت معاصي كثيرة زنيت - كذبت - سرقت، وعندما أكتشف زوجي وضعي اعترفت له وندمت على كل شيء عملته في حياتي وتبت إلى الله عز وجل وندمت على ما فعلت ندماً كبيراً وأصبحت أصلي ولا أترك فرضاً وأحياناً عندما أرى زوجي منزعجاً من الماضي الذي فعلته أفكر في الانتحار، لكوني لا أستحق الحياة ثم أقول هذا كفر، وطلبت من زوجي أن يتركني على أولادي ويفعل ما يريد، حتى قلت له تزوج مرة ثانية وسوف أخدمك أنت وهي، وأستحق كل شيء يفعله بي، وقمت بتقبيل رجله أكثر من مرة وفعلاً تركني معه، ولكنه يتذكر الماضي في بعض الأوقات، ولا أعرف كيف أرضيه هل من سبيل إلى نسيان الماضي هل من سبيل إلى إسعاد زوجي، مع العلم بأنه من أنبل الناس ومن أرقى الناس في التعامل، وهذا هو الذي يفطر قلبي أكثر، إذا كان هناك شيء تعرفونه مهما كان أرشدوني إليه؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الحال كما ذكرت، فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك، وأن يجنبك الشرور والفتن، وأن يجعل مستقبلك خيراً من ماضيك، ونقول: إن المرء إذا عصى الله تعالى ثم تاب، تاب الله عليه، فقد قال عز وجل عن نفسه: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3] .
وقال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:104] .
ولا بد من أن يثق العبد بذلك، فإن وعد الله لا يخلف، وحق الله تعالى في جانب العفو والصفح أرجح، وما دمت قد تركت ما ذكرت وندمت عليه وعزمت على عدم العودة إليه، فمغفرة الله لك مرجوة، وعفو الله عنك مأمول، ولا شيء عليك تجاه زوجك إن شاء الله ما دام قد سامحك ورضي عنك ولو عادت المشكلة إلى ذاكرته في وقت من الأوقات، لأن الطبع البشري لا يخلو من تذكر إساءة الآخرين، لاسيما إذا كانت الإساءة بالصورة المذكورة، لأن الطبع الحر والقلب المؤمن لا يرضى بها لنفسه ولا لغيره.
وعليك دائماً بتذكيره بآيات العفو والصفح في القرآن الكريم، كقوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22] .
وقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:13] ، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22413، 26714، 17335.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1424(9/69)
من تمام التوبة أن يستحل صاحب المظلمة منها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
لقد قمت بعمل حادث سير بسيط جداً مع سيارة أخرى ولا تتجاوز كلفة الإصلاح 100 ولكن عندما جاءت الشرطة للتحقيق أنكرت أنني الفاعل والآن سوف تنتهي القضية ضد مجهول وسوف يقوم التأمين بتصليح السيارة المتضررة ولكني متألم جداً من تأنيب الضمير لأنني كذبت وأنني أقف أصلي إلى الله تعالى وهو يعلم أنني كذبت فقمت بإرسال رسالة إلى الشرطة وقلت لهم إنني أريد أن أتحمل مسؤولية الحادث من ناحية التكاليف المادية ولكنني لم أقل إنني الفاعل واستغفرت ومازلت أستغفر فهل هذا العمل يخفف من الإثم الذي لحقني عندما أنكرت في البداية؟ علماً بأنني الآن أبكي وأنا أكتب السؤال من حيائي وخوفي من الله على ما عملت.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يغفر ذنبك، وقد أحسنت صنعاً بتحملك مسؤولية الحادث من الناحية المادية، ولا شك أن هذا يرفع عنك جانباً كبيراً من إثم عدم اعترافك بالحق الذي وجب عليك، ولكن إذا كان صاحب السيارة الأخرى قد لحقه ضرر معنوي أو مادي غير الأضرار التي أصابت سيارته والتي تحملت تكاليفها، فعليك بطلب عفوه أو تعويضه لتتم توبتك، فإن من شروط صحة التوبة إن كانت المعصية متعلقة بآدمي أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كان مظلمة استحله منها أو حقاً رده إليه.
ولمزيد من الفائدة ترجى مراجعة فتوى رقم: 5450، والفتوى رقم: 5646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(9/70)
ثابري على التوبة والبر والصلاة والدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[انا آنسة ارتكبت جميع المعاصي والكبائر ما عدا الشرك بالله وكنت ومازلت دائماً أشعر بالذنب أرسلت إلى مواقع كثيرة أطلب الفتوى ولم يجبني أحد ماذا أفعل لكي يتقبل الله توبتي الشعور بالذنب يقتلني ومن الكبائر التي اندم عليها حتى الموت هو الزنا فهل يجب علي أن أخضع للعملية لإصلاح ما فسد أم لا؟
أريد التوبة بشدة.. هل يتقبل الله صلاتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإني أدعوكِ إلى مطالعة الفتوى رقم: 17308 لتعرفي سعة رحمة الله ومغفرته، والفتوى رقم: 5091 لتعرفي شروط التوبة.
أما خضوعك للعملية التي أشرت إليها فلا يجوز أصلاً، لما فيه من التعرض للكشف عن العورة المغلظة، وإنما الذي يجب عليك هو إخلاص التوبة والصدق فيها، ومن فضل الله تعالى ومنِّه أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأما قبول صلاتك، فالله تبارك وتعالى وعد بالفلاح للمؤمنين الذين خشعوا في صلاتهم وتذللوا لله، يقول الله تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] .
فثابري على التوبة والصلاة والبر والدعاء، وابتعدي عن بيئات السوء تفوزي وتفلحي، يقول الله عز وجل: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1424(9/71)
لا بد من رد المظالم إلى أهلها أو تحصيل البراءة منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أرجوالتفصيل:الحمد لله الذي هداني أخيراً إلى طريقه القويم لقد كنت أسرق من أبي النقود لكي ألبّي هذه الشهوات التي كانت تأسر قلبي، وبعد توبتي سمعت من العلماء أنّ من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أصحابها (أبي) والذي يشغلني الآن كيف ذلك؟ فأنا طالب لا أملك النقود التي تمكنّني من إرجاع هذا الحق. ولست أدري ماذا أفعل فأنا لا أملك الشجاعة لكي أصارح أبي بفعلي الكبير خاصة وأنّه عكر المزاج. فهل يقبل الله توبتي إذا قررت عدم إخباره وقررت إرجاع النقود إليه عندما أكبر وأستطيع أن انفق على نفسي. وإذا توفيت قبل مقدرتي على ذلك فهل يغفر الله لي ذلك وكذلك الحال إذا مات أبي قبل إرجاع النقود إليه، أرجو الإفادة مع التوضيح الصريح]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن للتوبة شروطاً ثلاثة بالنسبة للمعاصي التي ليس فيها حقوق الآدميين، وهذه الشروط هي: الإقلاع عن المعصية حالاً، والندم على فعلها في الماضي، والعزم عزماً جازماً على أن لا يعود إلى مثلها أبداً، وإن كانت المعصية تتعلق بحق الغير، فإنه يشترط فيها رد المظالم إلى أهلها، أو تحصيل البراءة منهم، فالأحوط لك إذاً أن تصارح أباك بما صدر منك وتستغفره عازماً على أن لا تعود إلى مثل هذا الفعل.
وإن لم تكن قادراً على ذلك فاطلبه المغفرة في الجملة، واستغفر الله كثيراً، وواظب على فعل الخير مع العزم على رد الحقوق متى استطعت، وانظر الفتوى رقم:
21098
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1424(9/72)
أجدر الناس بترتيب وقته هوالشخص نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
بكل موضوعية واختصار أريد منكم تنظيم وقتي بحيث أستطيع أن أصلي جميع الصلوات في المسجد وأن أقوم الليل وأن أذاكر دروسي وأرجو أن يكون بالتفصيل الممل بحيث يكون النوم في الساعة كذا والقيام في الساعة كذا والقيلوله في الساعة كذا والمذاكرة في الساعة كذا، علماً بأني أذهب إلى التحفيظ ما بين المغرب والعشاء ... وعذرأً على الإطاله؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأجدر الناس بوضع نظام لترتيب وقته هو الشخص نفسه لأنه أدرى بنفسه نشاطاً وهمة وقوة وعكس ذلك، وكذا ارتباطاته ووضع بلده الذي يعيش فيه.
أما نحن فأقصى ما يمكننا قوله لك هو أن تؤدي الصلوات المفروضة في المسجد مع الجماعة، وتقوم الليل بقدر ما تستطيع إن شئت في أوله أو في وسطه أو في آخره وهو الأفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقر على ذلك وهو وقت تنزل الرب تبارك وتعالى وإجابته الدعاء.
وتستعين على قيام الليل بالقيلولة وتكون في وسط النهار بعد صلاة الظهر وقد أخرج سفيان بن عيينة في جامعه -قال ابن حجر وسنده صحيح- عن خوات بن جبير رضي الله عنه قال: نوم أول النهار خرق وأوسطه خلق وآخره حمق.، فقوله وأوسطه خلق أي خلق نبوي به أخذ الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
وبعد صلاة الفجر ينبغي أن تستغله في حفظ القرآن ومراجعته، ومذاكرة بعض العلوم الشرعية كالحديث والفقه ونحو ذلك، لأن هذا الوقت مبارك ويكون الذهن فيه خالياً عما يكدره مما يواجه الشخص في يومه.
ثم تذهب إلى المدرسة إن كنت لا تزال فيها أو إلى المشايخ وطلبة العلم للدراسة وتلقي العلم، وبعد المغرب في تحفيظ القرآن كما ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1424(9/73)
ماذا يفعل من لا يحب سماع صوت الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب وقريب من الله جداً لكن ما أحب أسمع صوت الأذان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك إيها الأخ بحاجة إلى الإقبال على الله تعالى بالبحث عما يجعل قلبك خاشعاً منيباً يطمئن إلى ذكر الله تعالى وسماعه، وذلك يكون بما يلي:
- بالتوبة الصادقة والإكثار من تلاوة القرآن وسماعه مرتلاً بقراءة خاشعة ثم تكثر من ذكر الله تعالى حتى يطمئن قلبك إليه، كما قال الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ، وحتى يكون صوت نداء الحق الذي يشتمل على شهادة التوحيد ألذ الأصوات إلى سمعك، فصوت نداء الحق هو أحسن الكلام ولذلك قال مجاهد وعكرمة في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّه [فصلت:33] ، أنها نزلت في المؤذنين.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي اتفق عليه البخاري ومسلم: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا.
فعليك يا أخي المسلم بالإقبال على ما يرضي الله تعالى، والمسارعة إلى إجابة داعي الله تعالى والإقبال على الصلاة بخشوع وتواضع لله تعالى، عسى الله تعالى أن يصلح قلبك وأن تكون قريباً من رحمة الله تعالى قرباً حقيقياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1424(9/74)
كيفية التخلص من الصحف المشتملة على ذكر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود من سيادتكم التكرم بتوضيح رأي الدين في ما هو الواجب نحو الصفحات الدينية بالصحف اليومية حيث إنني أشتري الصحف اليومية بصفة منتظمة وتجميع هذه الصحف وحرقها بالمنزل يسبب لي عنتا وللمحيطين بي.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الواجب عليك التخلص من هذه الصحف التي تشتمل على ذكر الله بتحريقها أو دفنها أو استخدام الآلة التي تتلفها مهما كلفك ذلك من مشقة، فإن تعظيم اسم الله واجب، وإهانته كفر، ومن إهانته وضع الصحائف التي تحمله في مكان القاذورات، ولا يتعذر عادة إعدام هذه الصحف.
فعليك أن تجتهد في ذلك، ولا تتهاون فيه إما بالتخلص منها بنفسك، وهذا هو الأولى والأضمن، وإما بوضعها في كيس مستقل وتسليمها لجهة تعدمها دون أن تخلطها بالقذر، أو تعرضها للامتهان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1424(9/75)
الواجب على المرء أن يستتر بستر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي سألتني هل سبق لك أن مارست الجنس في صغرك؟ قلت لها صراحة نعم لكن عندما كان عمري 13 سنة منذ ذلك التاريخ إلى الآن لم أقترف معصية والحمد لله، سؤالي: هل تجوز هذه الصراحة أم أكذب عليها لأن هناك ضرورة في السؤال؟ وهل هذه الصراحة تؤدي إلى الألفة أم إلى النقطة السوداء في القلب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المرء إذا وقع في معصية الله أن يستر نفسه بستر الله عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.
ولعموم الأدلة الآمرة بستر النفس والاحتراز من إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، وراجع في هذا الفتوى رقم: 22413، والفتوى رقم: 23758.
وليس من حق أحدٍ أن يُقرر أحداً بذنبه، ولو كان أحد الزوجين، ومن فعل ذلك كان متعدياً على حق من حقوق الله تعالى وحقوق خلقه، فكان الواجب على زوجتك أن تكف عن هذا السؤال، وكان من حقك ألا تجيب أو أن تُعرّض لها بكلام تقصد به شيئاً، وتفهم هي منه شيئاً آخر، فإن لم يمكنك دفعها إلا بالكذب فلا شيء عليك، ولتعلم أن ذكر مثل هذه الأمور للزوجة أو غيرها يعرضك في المستقبل إلى الحرج ويحمل من أخبرته على سوء الظن بك، وإن لم يظهر ذلك منه في الحال، وعلى كل، فالواجب على زوجتك التوبة مما صنعت، أما أنت فلا شيء عليك سوى التوبة مما اقترفت، سواء كان في الماضي أو في الحاضر، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الاستقامة في المستقبل، وأن يتوب عليك وييسر لك عيشاً سعيداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(9/76)
باب التوبة مفتوح على مصراعيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغفر الله لي بعدما لمست زوجتي قبل العقد، تصافحت معها ومارست معها الجنس دون الوصول إلى الحرام الأكبر يعني لم أجامعها بتاتاً، هل يغفر الله لي وهل هذا يشكل خطورة في المستقبل بالنسبة للزوجة؟ وهل يشكل كراهية؟ علما بأننا الآن عندنا عقد شرعي والحمد لله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] .
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم: 8] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
والأحاديث في الباب كثيرة وتشترط لقبول التوبة شروط هي: الاقلاع عن المعصية فوراً، والندم على فعلها في الماضي، والعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً، وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فيشترط فيها رد المظالم إلى أهلها أو تحصيل البراءة منهم.
وتلزم المبادرة بالتوبة لأن بابها يغلق عند طلوع الشمس من مغربها كما يغلق عند الغرغرة، يقول الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام:158] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وانظر الفتوى رقم:
3950.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1424(9/77)
العلاقة الآثمة مع المتزوجة من أخطر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم يا إخوتنا ولكم مني أعز كلام في خاطري لكن اليوم أفشيه لكم كإخوان أعطوا الكثير لنا.
أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة وأعمل بمركز.. تعرفت على إحدى العاملات وكانت أجملهن.. ومع مرور الأيام أصبحنا نتبادل كل المعارف بيننا حتى أصبحنا أحباباً لدرجة لا نستطيع فراق بعضنا بعد نهاية العمل..عشقتها وهي أيضا.. ومشكلتي الكبيرة أنها متزوجة ولها طفلان.. وصلت محبتنا إلى ما كنت أجهله.. حيث تعاملني كعاشق وحبيب وأكثر من زوجها إذ لا تبخل علي حتى وإن طلبت منها المستحيل.. حاولت الهروب منها لكن بلا جدوى.. ربما شفقة أو ربما أحبها كما هي تحبني.. وحتى الآن مضى عام ونصف ولم أستطع التخلص من أكبر مشكلة صادفتها.. غريزة نفسي فيها قوية.. ما العمل وكيف التصرف، ساعدوني.. وأطلب من الله أن يغفر لي ويهديني، أخوكم الضال يحتاج ولو لكلام قد يكون رحمة على نفسي وضميري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة الآثمة مع المتزوجة من أخطر الذنوب، ونسأل الله أن يرزقك توبة صادقة وخلاصاً مما ابتليت به، وإليك هذه الوصايا لعل الله ينفعك بها:
1- تب إلى الله توبة صادقة وأكثر من الاستغفار، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] .
2- استعن بالله تعالى واستعذ به مما أصابك، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.
3- أن تحرص على البعد عن هذه المرأة، فلا تنظر إليها، وتذكر دائماً قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] .
وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] .
ولا تدخل عليها في مكان هي فيه امتثالاً لحديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء.
ولا تخلوّنّ معها في بيت ولا في مكتب ولا في سيارة، لحديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة.، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فاحرص يا أخي على البعد عنها ولو أدى الأمر إلى انتقالك إلى مدينة أخرى، والتحول من عملك في هذا المركز إلى عمل في مؤسسة أخرى، وتذكر أن يوسف عليه السلام فضل السجن على القصر فدعا ربه وقال: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:33-34] .
وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
4- استحضر خطورة الزنا والفواحش، وما يترتب عليها من الأضرار في الدنيا والآخرة، ومن أخطرها مرض الإيدز الذي نراه الآن.
5- استشعر خطورة إفساد المرأة على زوجها، وتذكر الحديث: ليس منا من خبب امرأة على زوجها وعبداً على سيده. أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
6- بادر بالزواج بامرأة صالحة واستعفف بها عن الحرام، ففي الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث أيضاً: من رزقه الله امرأة صالحة فقد اعانه على شطر دينه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجنبيات، فقد بوب الإمام مسلم فقال: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
7- استر نفسك واكتم هذا عن الناس، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. اخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
8- أكثر من ذكر الله دائماً فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
9- حافظ على الصلوات المفروضة في جماعة، وأكثر من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] .
10- أكثر من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.
11- حاول أن تلازم البيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، واهجر مجالس السوء وأصحاب السوء، كما أوصى العالمُ قاتلَ المائة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
وراجع علاج العشق في الفتوى رقم:
9360.
وحاول أن تستسمح الزوج ولا تصرح له بالقضية، ففي صحيح البخاري: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1424(9/78)
الضحك مباح في الأصل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الاسلام من الضحك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الضحك مباح في الأصل، لكنه إذا تجاوز الحدّ المعتاد بلغ درجة الكراهة التنزيهية، ولذلك ذمه السلف ونهوا عنه وفي الحديث: ... ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وقال الحسن البصري رحمه الله: ضحك المؤمن غفلة من قلبه. رواه ابن أبي شيبة في المصنف، والمقصود هنا الضحك المكروه.
وروى الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته. وكذا رواه البيهقي في شعب الإيمان.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: والمذموم منه أن يستغرق ضحكاً. انتهى.
والمقصود بالضحك المذموم هو: ما صحبه صوت كالقهقهة، أما الضحك الذي يكون بصورة التبسم، فهذا محمود بل هو مأمور به في بعض المواطن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة. رواه الترمذي وقال حسن غريب، وصححه الألباني.
وفي مسند أحمد عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال: ما رأيت أحداً كان أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحسنه الأرناؤوط.
وفي سنن الترمذي عنه أيضاً قال: ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسماً. قال الترمذي صحيح غريب وصححه الألباني.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: والمحمود منه التبسم الذي ينكشف فيه السن، ولا يُسمع له صوت. انتهى.
ولمزيد من الفائدة والضوابط راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29530، 12643، 21226.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1424(9/79)
المسلم يرجو الله ويخشى عذابه ويحسن الظن به
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أعلم برضى الله عني؟ وكيف أعلم أنه غفر لي ذنبا ما؟ وكيف أعلم مكانتي عنده وبأي درجة من درجات الجنة والنار مكاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمسلم يعمل الصالحات، ويتقرب إلى الله تعالى بالكف عن المنهيات، كما أمره ربه، وهو في أثناء ذلك يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، ويحسن الظن بربه، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:218] . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون:60] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحداً الجنة عملُه".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني" رواه مسلم.
قال النووي: قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والاجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب، وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو، وهذا أصح.
فهذا حال المؤمن يسير إلى الله وهو بين الخوف والرجاء، ولا يقطع لنفسه ولا لمعيَّن بالجنة أو النار.
وروى البخاري بسنده من حديث أم العلاء قالت: "لما مات عثمان بن مظعون قلت: رحمك الله أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمن يكرمه الله، فقال: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير".
فنحن كما قال الطحاوي في عقيد ته المشهورة: نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1424(9/80)
بصدق العزيمة والاستعانة بالله يقلع المرء عن التدخين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الله علي والحمد لله بالحج هذا العام وأثناء الحج عاهدت الله بالامتناع النهائي عن التدخين حيث إنني مدخن وطوال وجودي بالأراضي المقدسة امتنعت عن التدخين ولكن بعد عودتي قاومت التدخين فترة ولكني لم أستطع المقاومة وعدت للأسف الشديد للتدخين مرة أخرى، وأنا الآن فى ضيق وخوف شديد من نقض هذا العهد، أفيدوني ماذا أفعل وهل هذا النقض سوف يؤدي إلى غضب الله علي وأكون ممن ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه؟ وجزاكم الله خيراً وأسألكم الدعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل حجك ويجعله مبروراً ويمنّ عليك بالتوبة النصوح، وننصحك بالاجتهاد وتقوية العزيمة والاستعانة بالله تعالى على ترك الدخان لا سيما وقد عاهدت الله تعالى على تركه، وراجع الفتوى رقم:
10145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(9/81)
لا يجوز الإقدام على الكذب إلا لضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الكذب على والدي حلال أم حرام إذا كان ذلك فيه مصلحة الشركة والعائلة؟ لأننا نحن أقصد أنا وإخوتي نحاول تطوير الشركة لكن أبي لا يريد فنلجأ إلى إخفاء بعض أموال الشركة عليه لكي نطور فيها شيئا آخر هو في آخر المطاف سوف يعلم عنه ويسر به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم الإقدام على الكذب إلا لضرورة لا يمكنه دفعها عنه، وذلك لأن الكذب مدعاة للفجور كما قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود.
وبنا على هذا فلا يجوز لكم الكذب على أبيكم لأنه لا توجد ضرورة تبيح ذلك لكن لا بأس بالتعريض والتورية، وانظر الفتوى رقم:
1824، والفتوى رقم: 1126.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(9/82)
يجب عليك التوبة قبل أن يفجأك الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أخت متزوجة ولدي طفلان أنا بنت لعائلة أمها شيعية وأخت لأخ شيعي متشددين، تركت مذهبهم وأصبحت سنية ولكني عاصية لربي مرات أصلي وصاحبة زنا وأتكلم بالهاتف مع الشباب ولدي مشاكل كثيره بالبيت زوجي لا يغارعلي وأعطاني حريتي ومرات يعلم بأنني أكلم شباباً بالهاتف، مللت حياتي وتعبت من الدنيا وهل تصدقون بأنني لا أحفظ من كتاب الله غير أربع سور قصيرة، الله المستعان وأخاف من ربي لكن نفسي عاصية، لا أعرف ماذا أفعل أرشدوني فأنا لا أعرف إيش أعمل أرشدوا أختكم لطريق الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي قلبك، ويشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ولتعلمي أنه يجب عليك التوبة فوراً مما تقعين فيه من الذنوب قبل أن يفجأك الموت وأنت على هذا الحال الذي لا يرضاه رب العالمين، ولا تتحقق توبتك إلا بالإقلاع عن الذنوب والندم على ما سبق منها، والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل وتعينك على ذلك أمور منها:
1- الابتعاد عن رفقاء السوء، لأن رفيق السوء كالجمل الأجرب الذي يخالط الأصحاء، فيعديهم جميعاً، فالعادة أن الأجرب يعدي السليم والصاحب ساحب كما يقولون.
2- البحث عن صحبة صالحة تعينك على الخير، وتحضك عليه، لأن العبد لا يحصل الخير إلا في مواطنه ومع أهله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالط. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
3- المداومة على حضور حلقات العلم والذكر وتلاوة القرآن، في المساجد والمؤسسات الخيرية، واستماع المحاضرات والأشرطة عن طريق الأجهزة المخصصة لذلك، وما أكثرها في هذه الأيام، فإذا امتلأ قلبك وعقلك بالعلم، وقعت خشية الله في قلبك، قال الله عز وجل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] .
ومن المعلوم أن أقصر الطرق إلى الله تعالى وأقربها هي العلم.
4- التخلص من كل وسائل الإعانة على المعصية، كالإنترنت والهاتف ونحوهما، فقد أمر الشرع بهجرة رفقاء السوء، وهذه الأشياء داخلة في رفقاء السوء إذا كانت تعين عليه، فتُهجر من باب أولى.
وراجعي لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21807، 19964، 23243.
وننبه السائلة هنا إلى أمرين مهمين:
الأول: أن النفس إذا تُركت وما تُريد، أهلكت صاحبها، وأردته في مهاوي الهلاك، قال الله عز وجل: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53] .
وقال عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8] .
ثم أمر بتهذيبها وترويضها على الخير فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] .
أي أفلح من زكاها بالطاعات، وخاب من دساها في جهنم بالذنوب والمهلكات، فلا بد لك من مجاهدة النفس بكثرة الفكر في مآل المعصية، وثواب الطاعة، فإن المعصية تذهب لذتها وتبقى تبعتها، والطاعة يذهب تعبها ويبقى ثوابها، وقد روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. انتهى، وراجعي الفتوى رقم:
18074.
الثاني: أن باب التوبة مفتوح، ولا يُغلق عن العبد إلا إذا غرغر غرغرة الموت، أو طلعت الشمس من مغربها، ورحمة الله تعالى أوسع من ذنوب العالمين، قال عز وجل: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156] .
وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] .
وراجعي لزاماً الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5450، 20064، 18039.
وأما زوجك الذي يرضى لك الفحش والفجور، فنذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد، ولتعرضي عليه الفتوى رقم:
23775.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1424(9/83)
من اسباب الهداية والاستقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أمابعد..
إلى شيخنا الفضيل أربد أن أبتعد عن المحرمات على أكمل وجه
1- مثل استماع الغناء.
2- المشاهدة للمسلسلات.
3- الابتعاد عن الكذب.
4- عدم الصلاة في وقتها.
5- عدم صلاة الفجر، وهي أهم صلاة.
6- السب أو الشتم، الرجاء الرد في أسرع وقت ممكن....؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فستجد في الفتوى رقم:
23678، والفتوى رقم: 27074، إحالة على فتاوى سابقة كثيرة فيها بيان أسباب الهداية والاستقامة وما يعين على ذلك، ولا شك أن الإنسان لا يقع في هذه الذنوب المذكورة في السؤال إلا بسبب ضعف الوازع الديني، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 4510، 4307، 1791، 18073، 10894.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1424(9/84)
التأدب مع العلماء خلق إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قول السادة العلماء فيمن يصنف العلماء والدعاة بالباطل ويقع فيهم بغير علم علما أنني أقصد من كان منهم من أهل السنة والجماعة كفضيلة الشيخ بكر أبو زيد وسفر الحوالي وصالح بن حميد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الجواب عن حكم التكلم في أهل العلم والخوض في أعراضهم في أجوبة سابقة برقم:
4402 ورقم: 11967 فلتراجع.
والعلماء والدعاة الذين وردت تسميتهم في السؤال لا نعلم عنهم إلا خيراً، وهم ممن اشتهروا بالدعوة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، ونشر العلم النافع بين الناس، فينبغي التأدب معهم، وإن خالفهم مخالف في رأي رأوه أو قول قالوه فليكن الرد للقول مع امتثال الأدب مع الشخص، فما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند الاختلاف يجب الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعيد فنؤكد أن الأسماء المذكورة في السؤال من خيرة من نعلم من أهل العلم في هذا الزمن؛ إن لم يكونوا على رأس قائمة الخيرين من أهل العلم والفضل، فلا أقل من أن يكونوا من جملتهم، ولا نزكي على الله أحدا، فينبغي لمن يشنع عليهم أن يتذكر قول القائل:
أقِلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(9/85)
بالغ الإسلام بالإحسان إلى المملوكين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم:
هل الإسلام يجيز الدخول على الأمة أو الجارية رغما عنها؟ وكيف تعامل المسلمون مع السبايا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم في جواب سابق بيان متى يصبح الإنسان مملوكاً فليراجع برقم: 6186.
والجارية إذا كانت ملك يمين، فالمالك يجوز له الدخول بها بدون عقد زواج، لأنها حلت له بملك اليمين لا بنكاح، ولا يعتبر رضاها، لأنها من جملة أملاكه.
وأما عن تعامل المسلمين مع السبايا، فقد أوصاهم الإسلام وبالغ في الوصية بالإحسان إلى المملوكين بشتى أنواع الإحسان، وأعلى ذلك الحث على إعتاقهم وتخليصهم من الرق، حتى جعل جزاء من أعتق عبداً أن يعتقه الله من النار، وأوصانا بأن نطعمهم مما نأكل، ونلبسهم مما نلبس، ولا نكلفهم من الأعمال ما لا يطيقون، وجعل كفارة من أساء إلى مملوكه فضربه ظلماً -جعل كفارة ذلك- أن يعتقه، كل ذلك صحت فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يبين لكل منصف عظمة هذا الدين، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وراجع الجواب رقم: 4492.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(9/86)
صرف الوقت في تجميع الذكريات من الفضول
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تجميع الذكريات من رسائل وهدايا؟
وجزاكم الله خيرا ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في تجميع الرسائل والهدايا ما لم يكن موضوعها محرماً، أو تضيع حقاً من الحقوق، أو تشغل عن واجب من الواجبات، لكن على المسلم أن يحفظ وقته ويصرفه بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ " رواه البخاري. وسيسأل المسلم عن ذلك الوقت كما قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ " رواه الترمذي عن ابن مسعود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. ولا ريب أن صرف الوقت في جمع الرسائل والهدايا من الفضول الذي لا فائدة منه، ولا طائل من ورائه فينبغي للمسلم الانصراف إلى ما هو أنفع له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1423(9/87)
الاستهزاءبالعلماء خدمة كبيرة لليهود والمنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا شيخ
ما حكم من قال إن العلماء يحبون ولا يسيرون على أقدامهم (قالها عن طريق الخطأ) عفوية فما حكم هذا القول مع أن بعض الناس قالوا له قم واغتسل فلربما كفرت بسسب استهزائك بالعلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.... أما بعد:
فعلماء الشريعة ورثة الأنبياء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد غيرهم، وإجلال العلماء وتوقيرهم هو إجلال لله سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط " أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
ولقد هدد النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد من لم يعرف للعلماء حقهم فقال: " ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه " رواه الحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني.
وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه أن الله يقول:
" من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ". والعلماء العاملون من أول من يدخل في هذا الحديث.
وبهذا يعلم أن الواجب تجاه العلماء هو محبتهم ومودتهم وإجلالهم دون غلو وإفراط. ومما لاشك فيه أن الاستهزاء بأهل العلم والصلاح خصلة من خصال الكافرين وصفة من صفات المنافقين في آيات عديدة في القرآن، فقال سبحانه: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) [البقرة: 212]
وقال عن المنافقين: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون) [البقرة:14] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ولقد حرص أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأذنابهم من منافقي هذا الزمان على تشويه سمعة العلماء وزعزعة مكانتهم في نفوس الأمة المسلمة، فمما جاء في البروتوكول السابع عشر من برتوكولات اليهود: " وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين (غير اليهود) في أعين الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا، وإن نفوذ رجال الدين علىالناس ليتضاءل يوماً بعد يوم " برتوكولات حكماء صهيون " صفحة 187 ترجمة محمد خليفة التونسي.
وبعد هذا كله نقول: إن الاستهزاء بالعلماء والصالحين على ضربين:
الأول: الاستهزاء بأشخاصهم، كمن يستهزئ بأوصافهم الخَلْقية أو الخُلقية وهذا محرم، لأن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم) [الحجرات:11] .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الكبر بطر الحق وغمط الناس " أي احتقارهم. رواه مسلم.
الثاني: الاستهزاء بالعلماء لأجل ما يحملونه من العلم الشرعي فهذا كفر - والعياذ بالله - لأنه استهزاء بدين الله، ومثل هذا الاستهزاء بالصالحين من أجل استقامتهم على الديانة.
والدليل على هذا هو أن الله عز وجل جعل الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله فقال سبحانه: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون *لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) [التوبة: 65،66] ، فقد ورد في سبب نزول هذه الآية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً - أي أوسع بطوناً - ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء - فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق، ولأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن ". أخرجه الطبري في تفسيره وذكره الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول.
ويقول العلامة ابن نجيم في كتابه الأشباه والنظائر " الاستهزاء بالعلم والعلماء كفر ".
وعلى الأخ السائل أن يعلم أن قائل هذه الكلمات إن كانت خرجت منه عن غير قصد أي سبقه إليها لسانه ولم يقصد بها المزح ولا السخرية، فإنه لا شيء عليه إن شاء الله، لأن الله يقول: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) [الأحزاب: 5] .
وأما إن كان قد قالها مازحاً ولم يقصد الاستهزاء بالعلم الذي يحمله أولئك العلماء فإن عليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه، فإنه قد ارتكب محرماً، وليس هذا كفراً، كما سبق بيانه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1423(9/88)
هل لقراءة سورة يس تأثير على السارق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 26 عاما، قد تورطت في سرقة مصاغ جدتي، وهى الآن تبحث عن السارق وأنا السارق، وهى قرأت في السارق عدة ياسين أي سورة ياسين. فماذا علي أن أفعل وأنا تبت والحمد الله، وأصلي الفرائض في وقتها وربنا أكرمني بعقد عمل في البلدان العربية، والحمد الله أرجو منك فضيلة الشيخ الإجابة على السؤال، وما قد تفعله في قراءة عدة ياسين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي وفقك إلى التوبة مما فعلت، ونسأله سبحانه أن يديم عليك نعمة الهداية ويزيدك هدى، ومن توبتك رد المسروق إلى صاحبه، فيجب عليك رد المصاغ إلى جدتك، ولو بطريق غير مباشر، ما دامت لم تبرئك منه. وانظر الفتوى رقم: 40782.
وبخصوص سورة يس فلا نعلم دليلا صحيحا على تأثيرها في السارق، وانظر الفتويين: 101045، 23230.
وإذا علم الله منك صدق توبتك، وتقبلها منك، ورضي عنك، فلن يضيرك شيء إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(9/89)
حكم وضع الطيب على الشعر والسبيلين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أستعمل مسكا للتطيب، فهل يجوز لي وضع المسك على الشعر والسبيلين، لإزالة الروائح الناتجة عن التعرق في هذه الأخيرة؟ وهل صحيح أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يضع العنبر علي شعره؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في استعمال المسك وغيره من أنواع الطيب، ويجوز لك وضعه على شعرك أو أي مكان من جسمك أو ثيابك، فإن من السنة استعمال المسك والطيب، وخاصة في الجمع والجماعات وغيرها، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويأمر باستعماله ويقول: حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة. رواه عبد الرزاق في مصنفه وغيره، وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح.
وروى ابن ماجه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن طهوره ولبس من أحسن ثيابه ومس ما كتب الله له من طيب أهله ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث متفق عليه.
وأما وضعه للعنبر على رأسه فلم نقف عليه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 70338، 26162، 72980.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1430(9/90)
الشاعر الذي يكتب في الفتن والكفريات هل يقرأ شعره الخالي من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شاعر معروف والكثير من شعره يدعو إلى الفتن والضلال، ويحتوي بعض هذا الشعر على كفر في كثير من أبياته، فهل يجوز لي قراءة شعر هذا الشاعر الذي يخلو من الفتن ومن الكفريات؟ أو لا يجوز؟ لأنني بهذا أكون أقرأ لشاعر كتب أوصافا كفرية في شعره.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما خلا من الفتن والضلال وغيرها من الكفريات من شعر هذا الرجل فيجوز لك الاطلاع عليه إذا كنت ممن عنده علم يستطيع أن يميز به بين الحق والباطل وبين الكفر وغيره، فما زال العلماء يستشهدون بأشعار الكثير من أهل الجاهلية، فضلاً عن أهل الفسق والمجون كأبي نواس ونحوه، ومع قولنا بالجواز إلا أننا ننبه السائلة إلى أنه يجب عليها أن تصون نفسها وأن تبعدها عن مواطن الفتن وعن القراءة لأهل الإلحاد والزندقة، وفي أشعار أهل الإيمان والسنة غناء، وننصح السائلة بالرجوع إلى كتاب مفيد جداً في هذا الباب وهو ـ الإنحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها دراسة نقدية شرعية ـ للدكتور: سعيد بن ناصر الغامدي.
وراجعي الفتوى رقم: 38467.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(9/91)
حكم التفكير في الوطء وتحدث المرأة عن ليلة الدخلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التفكير في الجنس حرام؟ وأيضا: هل التكلم عن موضوع الزواج وليلة الدخلة وغير ذلك من الأمور مع الزميلات في العمل حرام؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنسان لا يحاسب على مجرد حديث النفس، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه.
لكن ننبّهك إلى أنّ الاسترسال مع الخواطر باب إلى الفتنة والفساد، قال ابن القيم: قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال:
وهي شيئان: أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء، لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال. طريق الهجرتين.1ـ274.
وأمّا عن التحدّث مع الزميلات في أمور الزواج وليلة الدخلة دون حاجة معتبرة فنرى أنه قد يكون مدخلا من مداخل الشيطان، فينبغي الحذر من استدراج الشيطان والحرص على صرف الأوقات فيما ينفع ولا بأس في الحديث عما لا يستقبح الحديث عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1430(9/92)
موقف الفتى ممن يضايقه ويؤذيه
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري 13 سنة ويضايقني أحدهم ويضربني على رقبتي، فماذا أفعل معه؟ علما بأنني أفعل معه مثل ما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من علامات الاستقامة والصلاح.
أما عن هذا الشخص الذي يؤذيك فعليك أن تنصحه وتبين له أن أذية المسلم بغير حق حرام، ويمكنك أن تستعين ببعض العقلاء من أهلك أو غيرهم من ذوي الدين والمروءة ليناصحوه، فإن لم يرجع عن أذيتك وكان بإمكانك اجتناب مخالطته والإعراض عنه فذلك الذي ينبغي عليك نحوه، قال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199} .
أما إذا لم يكن بإمكانك اجتنابك مخالطته فلك أن ترفع أمره لمن له سلطان عليه ليردعه عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1430(9/93)
حكم مساعدة الزوج زوجته في غسل طفلتهما الرضيعة
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقت ببنت، فهل يجوز لي أن أساعد زوجتي في غسلها؟ مع العلم أنني لا أنظر إلى عورتها.
أفتوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج عليك في مساعدتك في تنظيف البنت ولا في مس أو نظر عورتها ما دامت رضيعة، وقد نص الفقهاء على أن الأجنبي يجوز له تغسيل الرضيعة كما هو مبسوط في كتب الفقهاء.
وقال ابن قدامة في المغني: الطفلة التي لا تصلح للنكاح لا بأس بالنظر إليها، قال أحمد في رجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجرة ويقبلها: فإن كان يجد شهوة فلا، وإن كان لغير شهوة فلا بأس. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1430(9/94)
كيفية التعامل مع الساب المسلم والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد حكم سب المسلم للمسلم، وأريد كيف يجب أن بتصرف من سبه شخص مسلم؟ فهل يسبه نفس المسبة عقابا له؟ أو يصمت عنه ويتجاهله؟.
وكيف يجب أن يتصرف من سبه شخص كافر؟ هل يحل له ضربه أو قتله؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسباب المسلم دون وجه حق من المحرمات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. متفق عليه.
ومن سبه مسلم فالأولى أن يعفو عنه ويصفح ابتغاء رضوان الله واقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، كما تواتر ذلك من خلقه الكريم، ويراجع فضل العفو والصفح في الفتوى رقم: 5338.
فإن لم تسمح نفس المظلوم بالعفو عن الساب فلا حرج أن يرد عليه السباب، وذلك بشروط منها:
1ـ أن يرد عليه بمثل ما سبه به دون زيادة.
2ـ أن لا يتعدى بالسب إلى بريء كأبي الساب مثلا.
3ـ أن لا يرد عليه بسباب محرم الجنس كالسب بالكفر ونحوه حتى وإن كان ابتدأه به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يعلن أباه، لأن أباه لم يظلمه. هـ.
أما عن رد المسلم لسباب الكافر، فإذا كان هذا الكافر معاهدا أو ذميا أو مستأمنا، فيجوز أن يرد عليه سبابه بلا تعد، كما سبق في حق المسلم، لأن التعدي على هؤلاء لا يجوز، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وتراجع للفائدة الفتوى رقم: 62602.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1430(9/95)
حكم محبة غير المسلم لا لدينه ولكن لتطوره ورقيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إخوتي أنا مستعجل جدا جزيتم خيرا: هنالك حديث معناه: من أحب قوما حشر معهم.
فمتى نقول بأن حبي وصل إلى هذه الدرجة؟.
وهل كل أنواع الحب تدخل في الحديث؟ أولا بد من التعلق الشديد؟.
لأنني صراحة أحب شعب اليابان كثيرا ومعجبة بتطورهم والرقي الذي وصلوا إليه.
ولا تنسوا فإن منهم مسلمين.
فهل حبي هذا يحشرني معهم أم لا؟ وهل لكم أن تعطوني قاعدة أعرف من خلالها متى يكون الحب المقصود في هذا الحديث أم لا؟ وما هورأيكم؟.
أرجوكم الرد في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحبة للكافر إذا لم تكن لدينه، بل لعلاقة بين المسلم وبين الكافر كعلاقة القرابة أو علاقة الزواج أو المعاملة أو لما يقدمه الكافر من علم ونفع للناس فهذه المحبة لا تحرم، ويدل لذلك جواز حب المسلم لقريبه أو زوجه الكافر، فقد قال الله تعالى في شأن حب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص: 56} .
أي من أحببته لقرابته على أحد التفسيرين للآية، وقال تعالى في حب الزوجة الشامل لحب الزوجة المؤمنة والكتابية: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً {الروم: 21} . وهذه المحبة الطبيعية الناشئة بسبب القرابة أو المعاملة يجب أن يصاحبها البغض لهم في الدين والبراء من شركهم، ولا غرابة في اجتماع البغض الرباني مع الحب الطبيعي، فإن المسلم قد يبغض المسلم لظلمه ويحبه لدينه، ويجب الجهاد لترغيب الشارع فيه ويكرهه لمشقته، كما قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216} .
ومن هذا محبة المسلم لزوجته الكتابية بسبب العلاقة الزوجية وبغضها بسبب كفرها، ومنه كراهة الدواء لمرارته وحبه لما فيه من منفعة الشفاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1430(9/96)
حكم مقاطعة الزوج من اتهم زوجته بالكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت زوجتي في إحضار بعض المال من الأقارب وعندما عادت قالت إن المحفظة فقدت منها، قلت: قدر الله وما شاء فعل ـ وبعد أيام جاءني شخص يدعي أن زوجتي هي من رمت المحفظة عمدا ويدعي أنها قد سرقتني وقال إن امرأة شاهدتها وهى ترمي المحفظة ولم يفصح عن اسم هذه المرأة فلم أصدقة وقاطعته، فما حكم هذا الشخص؟ وما حكم مقاطعته؟.
أرجو الإفادة. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أصبت إذ أحسنت الظنّ بزوجتك، فالأصل في المسلم السلامة ولا يجوز اتهام المسلم بسوء من غير بينة، أمّا عن هذا الشخص الذي زعم أنّ زوجتك كاذبة وأنّها من ألقت الحافظة بنفسها واستولت على المال، فقد أخطأ في اتهامه لها من غير بينة، ويجوز لك مقاطعته ثلاثة أيام، وأمّا فوق ثلاثة أيام فلا تجوز المقاطعة إلّا إذا كانت لمصلحة شرعية أو عند حصول ضرر بتركها، وانظر الفتوى رقم: 7119.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1430(9/97)
الوفاء بالأمور الإدارية التي تفرضها الدولة
[السُّؤَالُ]
ـ[مقيم بالسعودية ورغبت فى إصدار زيارة عائلية لزوجتي بغرض أداء فريضة الحج، ولكن وجدت فى تذييل الطلب المقدم إلى الجهة المعنية بأنني أتعهد وصاحب العمل ـ الموقع معي على الطلب ـ بأن الغرض من طلب الزيارة هو الزيارة العائلية وليس للحج أو العمرة، فهل أمضي فى الطلب وأتجاهل هذا التعهد ونحصل أنا وزوجتي على أجر كامل للحج ـ بإذن الله؟ أم أستمر فى الطلب وأتقيد بهذا التعهد؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسألة التنظيم لدخول بلد من البلدان تعتبر من مسائل تقييد المباح التي جوزها أهل العلم إذا كانت لمصلحة معتبرة عامة، وبناء عليه، فإن تعهدت بما ذكر، فالأصل هو وفاؤك بالعهد، لما في الحديث: المسلمون على شروطهم.. رواه أبو داود.
ولكن ما دام يمكنك أن تستقدم زوجتك لزيارة عائلية فوقع على هذا التعهد ثم حاول بعد الوصول أن تحصل على تصريح للحج، واستعن بالله وأكثر الدعاء أوقات الاستجابة، نرجو الله تعالى أن يسهل لك ولأهلك الحج، فإن منعكم النظام من ذلك فتعتبرحينئذ غير مستطيعة ولا يجب عليها الحج، ومن تمكن من الحج مخالفاً بذلك النظام المتبع وأدى الفريضة أداء كاملاً ولم يحصل بذلك ضرر لأحد نرجو له حصول الأجر كاملاً، فمخالفته النظام وإن لحقه بذلك وزر إلا أنه لا يعود على أجر حجه بالنقص، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 102899.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1430(9/98)
حكم كثرة الضحك والمزاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستهبال في كل وقت والضحك للترفيه فقط؟ لأننا نحس باكتئاب ـ ونحن بنات ـ مع أن الوالدة الموقرة دائما تنهانا، ولا تحب ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مطالب بأن يكون على قدر كبير من الحزم والجدية في حياته، لأن مثل هذا يدفعه إلى طلب معالي الأمور ويرفعه عن الاهتمام بدناياها، روى الطبراني عن الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها.
وما أسميته: بالاستهبال والضحك، إن كان المقصود به المزاح بما هو مباح فهو في الأصل لا بأس به، ولكنه إذا كثر فإنه يكره، وأما إذا تضمن أمرا محظورا كالسخرية من الآخرين ونحو ذلك، فإنه حينئذ يكون محرما، ثم إن الإكثار من الضحك ـ ولو فيما هو مباح ـ يؤدي إلى موت القلب، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد سبقت لنا فتاوى بهذا الخصوص، نرجو أن تراجعي منها الأرقام التالية: 41154، 47644، 30423.
وحاصل الأمر أن الترويح بما هو مباح جائز، ولكن ينبغي أن لا يكون هو الغالب على حياة المرء، وأما الإحساس بالاكتئاب فمن أهم أسبابه الغفلة عن الله والبعد عن ذكره، فنوصي بالاهتمام بالذكر ـ ولا سيما تلاوة كتاب الله ـ قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} .
وقال سبحانه عن عباده المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُو نَ {الأنفال:2} .
ونوصي أيضا بالحرص على ما يرضي الوالدة واجتناب ما تكره، ففي رضاها رضا الله، روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
والله أعلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1430(9/99)
حكم جلوس الرجل بجوار المرأة في المواصلات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مصري لست متزوجا. فهل الجلوس بجوار امرأة أو فتاة في وسيلة المواصلات العامة مع حدوث تلامس بين كتفي وكتفها ولكن بدون أي قصد منا، وعدم وجود كرسي بديل، وعدم قصد للشهوة أو اثارتها وعدم وجود مكان للوقوف لأنه أكثر زحاما ولا يمكن تغيير الوسيلة لأنها الوسيلة المناسبة للوصول لطريقي ومعيشتي المادية المتواضعة، كما أن الوسائل كلها مختلطة الجنسين في مصر. فهل ذلك يعتبر حرام شرعا علي أم أنه مباح للضرورة وعدم الاستغناء عنه بغيره؟ وهل الجلوس بجانب أنثى صغيرة لا تتجاوز عشر سنوات يعد حراما؟ وأرجو من سيادتكم أن تجيبوني مع التوضيح ولا تحيلوني إلى فتوى أو استشارة سابقة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للرجل سواء كان متزوجا أو غير متزوج أن يجلس بجوار أنثى أجنبية عنه بحيث يلامس بدنه بدنها فإن هذا من أسباب الفتنة وإثارة الشهوات وتحريك الغرائز، ولن يترك الشيطان فرصة كهذه تمر بسلام دون أن يلقي في قلوب أصحابها سوءا.
ولا يباح هذا الفعل بدعوى الضرورة، فليست هناك ضرورة لذلك فيمكن للرجل أن يقف بين الرجال وأن يتحمل مشقة الزحام حفاظا على دينه وأخلاقه.
أما عن الجلوس بجانب صبية صغيرة فينظر فيه، فإن كانت قد بلغت حد الاشتهاء فإن حكمها حكم الأنثى الكبيرة مهما كان سنها.
أما إن كانت لم تبلغ سن المراهقة ولم تصل إلى حد الاشتهاء فلا حرج في الجلوس بجانبها إن أمنت الفتنة بها، أما إذا لم تؤمن الفتنة وخاف الشخص من ثوران شهوته بذلك فلا يجوز له الجلوس حينئذ لأن اللمس بشهوة محرم قطعا حتى للطفل الرضيع.
والأولى معاملة الفتاة التي بلغت سن السابعة معاملة الكبيرة سدا للذرائع ودفعا للفتنة كما ذكره بعض أهل العلم.
جاء في الإنصاف: وقال في الفائق: ولا بأس بالنظر إلى طفلة غير صالحة للنكاح بغير شهوة، وهل هو محدود بدون السبع أو بدون ما تشتهي غالبا على وجهين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(9/100)
كيفية التعامل مع من يسب الله والدين
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني في الله: أريد أن أعرف، ما هو الأسلوب الذي أتبعه مع إنسان يسب الله والدين؟ أرجو المساعدة، وكيف أنصحه؟ وخاصة إذا كان هذا الإنسان في فترة المراهقة، وأنا أغضب عندما أراه يسب الله بكلمات غير لائقة، الرجاء المساعدة، لأنني لم أعد أحتمل سب الله والدين.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراهقة هي مقاربة الشخص للبلوغ ولما يصل إليه بعد، كما في الفتوى رقم: 39835، فإن كنت تقصد هذا المعنى، فنقول: يجب نصح هذا الصبي بالأسلوب الحسن، وتنبيه أهله إلى خطورة ذلك الأمر، فإن من شب على شيء شاب عليه، مع أهمية الأخذ في الاعتبار ما لهذه المرحلة العمرية من خصوصية في التعامل، وانظر الفتوى رقم: 67272.
أما إن كنت تقصد بكلمة المراهق، أنه في بداية فترة الشباب، فهذا إنسان بالغ مؤاخذ بما يقوله، وسب الله ودينه كفرأكبر مخرج من الملة، وإذا مات الساب دون أن يتوب من ذلك توبة صادقة، فهو خالد مخلد في جهنم لا يخرج منها أبدا، فيجب تذكيره بذلك، فإن أصر على سبه للدين فهو مرتد يعامل كغيره من المرتدين، كما في الفتوى رقم 124082.
ويجب إظهار كراهية ما هو عليه، ولا يجوز الانبساط معه ولا مجالسته حين تلفظه بسب الدين، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء: 140} .
اللهم إلا أن تكون مجالسته بقصد وعظه ونصحه بالتوبة مما هو عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(9/101)
حكم المرور فوق المصاحف للوصول للصف الأول بالمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العبور للصف الأول من فوق المصاحف الموجودة في المتكإ خلف ظهورالمصلين في بعض المساجد الجديدة؟.
أفيدوا أمة الإسلام بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين البعد عن تخطي المصاحف ما لم تكن هناك ضرورة بحيث لم يوجد طريق يمكن أن يمر بها دون المرور فوق المصحف، وذلك لأن عدم تخطيها من التعظيم لشعائر الله المأمور به شرعا، كما قال الله سبحانه وتعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32} .
وقال الله عز وجل: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ {الحج: 30} .
وفي الموسوعة الفقهية: أنه اتفق الفقهاء على أن من استخف بالقرآن، أو بالمصحف، أو بشيء منه أو حاول إهانته بفعل معين، كفر بهذا الفعل. اهـ.
فان لم يجد طريقا يمر بها فعسى أن لا يكون في ذلك إثم، لظننا بالحريص على الصف الأول أنه لا يقصد الامتهان للمصحف، ففي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج وهو شافعي: وقع السؤال في الدرس عما لو جعل المصحف في خرج أو غيره وركب عليه، هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أنه إن كان على وجه يعد إزراء به كأن وضعه تحته بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيا لأعلى الخرج مثلاً من غير حائل بين المصحف وبين الخرج وعد ذلك إزراء له ككون الفخذ صار موضوعاً عليه حرم، وإلا فلا فتنبه له فإنه يقع كثيراً. انتهى.
وفي غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحموي وهو حنفي: والجلوس على جوالق فيه مصحف إن قصد الحفظ لا يكره وإلا يكره. انتهى.
وفي موقع العلامة الشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله ـ أنه سأله سائل فقال: يعمد بعض المصلين إلى تخطي مجموعة المصاحف التي تكون بين الصفوف بأقدامهم، فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب ـ رحمه الله: لا يجوز ذلك إلا عند الضرورة، إذا كانت بين الصفوف أو خلف الصفوف، واحتاج إلى الدخول أو الخروج، واضطره الطريق إلى أن يتخطاها، ولم يكن تخطيها استهانة ولا تحقيرا، ولم يطأ عليها بقدمه، وإنما رفع قدميه فوقها، فالعادة أن ذلك يحصل ولا يدل على الامتهان، فإن وجد طريقا لا يكون فيه تخطيها عدل إليه. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(9/102)
طلب الدعاء من المشايخ في التلفاز هل يعد من التزكية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الأفاضل: كثيراً ما نشاهد بالتلفاز في معظم المحطات الدينية أن يقوم أشخاص بالاتصال بالشيخ الذي يقدم البرنامج أو الحلقة ويطلبون إليه وبإلحاح الدعاء لهم، ويعدهم هو بذلك، بل أحيانا ما يطلب منه المتصلون الدعاء بشيء معين لهم، ويطلبون منه مثلا الدعاء في الثلث الأخير من الليل، وهذا الشيخ يعدهم بذلك سؤالي هو: أليس ذلك من باب التزكية أن دعوة هذا الشيخ مستجابة؟ وهل يجوز لنا الطلب من مشائخنا-على فضلهم الكبير على الأمة بعلمهم- الدعاء لنا وما هي شروط ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم طلب الدعاء من الغير في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 18397، 119751، 122053 وبينا أنه جائز مع مراعاة ما يلي:
1- ألا يعتاد الإنسان ذلك ويتوانى في الدعاء لنفسه.
2- أن لا يخشى اغترار المطلوب منه، وإعجابه بنفسه.
3- أن يقصد بذلك نفع نفسه ونفع المطلوب منه، لأن الملائكة تؤمن على دعائه حين يدعو لأخيه بظهر الغيب.
أما قولك إن ذلك من باب التزكية على أن دعوة هذا الشيخ مستجابة، فنقول: مجرد طلب الدعاء منه لا يستلزم قطعية الاعتقاد بإجابة دعوته، والإنسان يطلب الدعاء ممن يرجو إجابة دعوته، والمحظور إنما هو القطع بالتزكية، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي بكرة قال: مدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك مراراً، إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه إن كان يعلم ذلك كذا وكذا.
قال النووي في شرحه: قوله: ولا أزكي على الله أحداً. أي لا أقطع على عاقبة أحد ولا ضميره، لأن ذلك مغيب عنا، ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك.
فينبغي لمن يطلبون الدعاء من المشايخ وغيرهم مراعاة هذه الضوابط، وأن يكون همهم متعلق بالله جل جلاله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1430(9/103)
نسيان الطالب ما ذاكره هل يسوغ له الغش في الامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في السنة الثالثة جامعي، والآن نحن في فترة الامتحانات للسداسي الثاني. اجتهدت كثيرا في المراجعة غير أنني عندما أدخل قاعة الامتحان أنسى كل شيء وكأني لم أراجع شيئا فتغلبني نفسي فأغش.سؤالي لفضيلتكم هل ما أقوم به يعتبر غشا محرما. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغش محرم كله لما ورد في الحديث الشريف: من غش فليس مني.. رواه مسلم. وسبق في الفتوى رقم: 2937، ورقم: 10150، بيان حرمة الغش في الاختبارات وغيرها. والنسيان ليس مبررا للغش، ولعل سببه توترك النفسي، فعليك أن تتذكر دائما أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واستعن بالله وتوكل عليه وفوض أمرك إليه حتى يهدي قلبك، وتطمئن نفسك، ويذهب عنها التوتر، وابتهل إلى الله بدعائه أن يذكرك ما تنساه. وإذا استصعب عليك أمر فقل كما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً. رواه ابن حبان وصححه عن أنس رضي الله عنه. وإن كان النسيان يعرض لك بصفة عامة في حياتك فلا بأس أن تعرض نفسك على الأطباء المختصين. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 70815، ورقم: 42901.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(9/104)
يعاني من كسل وخمول ورغبة في النوم أثناء العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من كسل وخمول ونوم زيادة من وقت دخولي العمل إلي أن أخرج من عملي، وبعد ذلك لا أشعر بشيء. لماذا الكسل والخمول والنوم الزيادة وقت العمل فقط هل يكون سحرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس من اختصاص الموقع معرفة كون الشخص مسحورا، ولكن المسلم تشرع له الرقية الشرعية سواء أكان مصابا أم لا. وننصحك بالتعوذ بالله من العجز والكسل، وأن تلتزم بالفرائض وتبتعد عن المعاصي، وتواظب على التعوذات والأذكار المأثورة عند المساء والصباح وعند الدخول والخروج والنوم ...
واحرص أثناء العمل على عدم إطالة الجلوس، فإذا جاء الكسل وأنت جالس فتحرك من مكان عملك، فإن كان يمكنك أن تقوم وتتوضأ وتصلى الضحى أو النافلة قبل الظهر فهو طيب لأن الصلاة فيها راحة وعون للمسلم على قضاء حاجاته، ويمكن استخدام المنبهات المباحة مثل الشاي، ولا بأس أن تستشير بعض المتخصصين في أمور الطب النفسي والجسمي لعلهم يفيدونك في الأمر.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 49676، 51414، 80694، 121151.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(9/105)
حكم مشاهدة المسلسلات المدبلجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مشاهدة المسلسلات المدبلجة..؟ وهل من شاهدها لا تقبل صلاته 40 يوما!!!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلسلات عموما سواء كانت مدبلجة أو غير مدبلجة لا تخلو من المنكرات كتبرج النساء والاختلاط المحرم والموسيقى، ومثل ذلك لا تجوز مشاهدتها لما فيه من المخالفة الشرعية، قد تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 112029.
وأما عدم قبول صلاة صاحبه فلم يرد فيه نص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(9/106)
حق المسلم على أخيه بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حقوق المسلم على أخيه المسلم بعد موته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حقوق المسلم على أخيه المسلم بعد موته احترامه، فإن للميت الحق في وجوب احترام جسمه وعرضه، ولا يجوز الاعتداء على شيء منه كما لا يجوز ذلك في حق الحي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كسر عظم الميت ككسره حيا. راه أبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
كما أن من حقه تغسيله وتجهيزه، والصلاة عليه، والدعاء له، ودفنه، واحترام قبره بعدم نبشه والجلوس عليه.
ومن حقوقه ستر معايبه الحسية والمعنوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(9/107)
موقف المسلمين من الحضارة الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الإسلام في مسألة العلم وغير المسلمين؟ إن كثيرا بل معظم علماء العصر من غير المسلمين، وهم أصحاب النظريات الحديثة التي لا بد للدارس المسلم الرجوع إليها واعتبارها مصدرا للبحث. هل هي فقط مسألة أن الكافر يتعلم ويبدع للدنيا والمسلم له الآخرة؟ فهناك حساسيات في الموضوع كأن يبدي الطالب إعجابا بالعالم وفكره وعلمه وآرائه، أو أن عالما لم يؤت حظا كثيرا، أو أن ليس كل عالم غير مسلم يعلم من أجل الدنيا. فهل نقول نأخذ العلم من المسلم والكافر أي لا علاقة للدين بالعلم، ونكون محايدين أم نكون متحيزين للعالم المسلم ولو كان خاطئا؟
ما هي النظرة الإسلامية الصحيحة للموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة من المسائل التي ضلت فيها أفهام وزلت فيها أقدام، وقد لخص العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله الموقف الصحيح من الحضارة الغربية وما عندهم من علوم، والنظرة الصحيحة لذلك في ضوء عقيدتنا وهويتنا وشريعتنا الإسلامية، فقال رحمه الله:
المسألة السادسة: اعلم أن الدليل التاريخي العظيم يوضح غاية الإيضاح موقف المسلمين الطبيعي من الحضارة الغربية. وبذلك الإيضاح التام يتميز النافع من الضار، والحسن من القبيح، والحق من الباطل. وذلك أن الاستقراء التام القطعي دل على أن الحضارة الغربية المذكورة تشتمل على نافع وضار:
أما النافع منها: فهو من الناحية المادية وتقدمها في جميع الميادين المادية أوضح من أن أبينه.
وما تضمنته من المنافع للإنسان أعظم مما كان يدخل تحت التصور، فقد خدمت الإنسان خدمات هائلة من حيث إنه جسد حيواني.
وأما الضار منها: فهو إهمالها بالكلية للناحية التي هي رأس كل خير، ولا خير البتة في الدنيا بدونها، وهي التربية الروحية للإنسان وتهذيب أخلاقه. وذلك لا يكون إلا بنور الوحي السَّماوي الذي يوضح للإنسان طريق السعادة، ويرسم له الخطط الحكمية في كل ميادين الحياة الدنيا والآخرة، ويجعله على صلة بربه في كل أوقاته.
فالحضارة الغربية غنية بأنواع المنافع من الناحية الأولى، مفلسة إفلاساً كلياً من الناحية الثانية.
ومعلوم أن طغيان المادة على الروح يهدد العالم أجمع بخطر داهمٍ، وهلاك مستأصل، كما هو مشاهد الآن. وحل مشكلته لا يمكن البتة إلا بالاستضاءة بنور الوحي السماوي الذي هو تشريع خالق السموات والأرض، لأن من أطغته المادة حتى تمرد على خالقه ورازقه لا يفلح أبداً.
والتقسيم الصحيح يحصر أوصاف المحل الذي هو الموقف من الحضارة الغربية في أربعة أقسام لا خامس لها، حصراً عقلياً لا شك فيه:
الأول: ترك الحضارة المذكورة نافعها وضارها.
الثاني: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثالث: أخذ ضارها وترك نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنرجع بالسبر الصحيح إلى هذه الأقسام الأربعة، فنجد ثلاثةً منها باطلة بلا شك، وواحداً صحيحاً بلا شك.
أما الثلاثة الباطلة: فالأول منها تركها كلها، ووجه بطلانه واضح، لأن عدم الاشتغال بالتقدم المادي يؤدي إلى الضعف الدائم، والتواكل والتكاسل، ويخالف الأمر السماوي في قوله: جل وعلا: وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ... {الأنفال: 60} .
لا يسلم الشرف الرفيع من الأَذى ... حتَّى يراق على جوانبهِ الدم.
القسم الثاني من الأقسام الباطلة: أخذها؛ لأن ما فيها من الانحطاط الخلقي وضياع الروحية والمثل العليا للإنسانية، أوضح من أن أبينه. ويكفي في ذلك ما فيها من التمرد على نظام السماء، وعدم طاعة خالق هذا الكون جل وعلا. ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {يونس:95} ، أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ {الشورى:21} .
والقسم الثَّالث من الأقسام الباطلة: هو أخذ الضار وترك النافع، ولا شك أن هذا لا يفعله من له أقل تمييز.
فتعينت صحة القسم الرابع بالتقسيم والسبر الصحيح، وهو أخذ النافع وترك الضار.
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد انتفع بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، مع أن ذلك خطة عسكرية كانت للفرس، أخبره بها سلمان فأخذ بها. ولم يمنعه من ذلك أن أصلها للكفار. وقد همّ صلى الله عليه وسلم بأن يمنع وطء النساء المراضع خوفاً على أولادهن، لأن العرب كانوا يظنون أن الغيلة - وهي وطء المرضع - تضعف ولدها وتضره، فأخبرته صلى الله عليه وسلم فارس والروم بأنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، فأخذ صلى الله عليه وسلم منهم تلك الخطة الطبية، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها من الكفار.
وقد انتفع صلى الله عليه وسلم بدلالة ابن الأُريقط الدؤلي له في سفر الهجرة على الطريق، مع أنه كافر.
فاتضح من هذا الدليل أن الموقف الطبيعي للإسلام والمسلمين من الحضارة الغربية ـ هو أن يجتهدوا في تحصيل ما أنتجته من النواحي المادية، ويحذروا مما جنته من التمرد على خالق الكون جل وعلا فتصلح لهم الدنيا والآخرة. والمؤسف أن أغلبهم يعكسون القضية، فيأخذون منها الانحطاط الخلقي، والانسلاخ من الدين، والتباعد من طاعة خالق الكون، ولا يحصلون على نتيجة مما فيها من النفع المادي. فخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأَقبح الكفر والإفلاس بالرجل.
وقد قدمنا طرفاً نافعاً في كون الدين لا ينافي التقدم المادي في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ {الإسراء:9} ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقد عرف في تاريخ النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ أنهم كانوا يسعون في التقدم في جميع الميادين مع المحافظة على طاعة خالق السموات والأرض جل وعلا. انتهى. من تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/504-507.
ولعل النظرة الإسلامية الصحيحة تجاه العلم والحضارة الغربية قد اتضحت للسائل، وسدد الله على طريق الهدى خطانا، وبصرنا بأمور ديننا ودنيانا، وأعاننا على همومنا، وحقق آمالنا، وهدانا جميعا إلى سواء السبيل، والله الموفق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1430(9/108)
هل يقر مرتكب الذنب بفعله إذا سئل
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: إذا فعل الإنسان ذنبا ما، وسأله أحد عن ما إذا كان فعل هذا الذنب أم لا فهل يكذب حتى لا يجهر بالسوء الذي اقترفه أم لا يكذب ويقول نعم فعلت كذا وكذا؟
فهل يعتبر في هذه الحالة الكذب حلالا حتى وإن حلف بالله حتي لا يجهر بالسوء الذي اقترفه في وقت ما كأن يكون قد زني مثلا ثم تاب إلي الله تعالي؟
أم لا يكذب ويقول نعم زنيت في اليوم كذا وفي الوقت كذا وزنيت بالتي اسمها كذا، أو يقول مثلا زنيت فقط منذ كذا ولكني تبت إلي الله؟ أم يقول لا والله ما زنيت أبدا حتى لا يجهر بالسوء الذي اقترفه، وإن حلف بالله كاذبا في هذه الحالة فهل عليه شيء أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفق كل مذنب للتوبة النصوح، ومن ألم بالذنب الذي سئل عنه، فيجب عليه التوبة النصوح وقد بينا شروطها ودلائل قبولها في الفتوى رقم: 29785 فراجعها.
ولا يقر المسؤول لمن سأله بارتكاب ذنب أو معصية، فإن ذلك من المجاهرة بالذنب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ.
وإذا سأله أحد فلا يقر له بالمعصية ولا يكذب، ولكن يستعمل المعاريض فيقول لهم مثلاً: نعوذ بالله من ذلك، أو من يستطيع أن يجترئ على الله ويفعل ذلك، أو نحو ذلك من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب.
ومن ارتكب ذنبا وحلف بأنه لم يفعله فهذه يمين غموس وهي من الكبائر، ويجب عليه التوبة من هذه الكبيرة، وقد سبق في الفتوى رقم: 7258 سر تسمية اليمين الغموس بذلك وبيان كيفية التوبة منها فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1430(9/109)
صبر الزوجة على زوجة أخي زوجها وإحسانها إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في أن زوجي له أخ يصغره، زوجته أشعر دائما منها ناحيتي بالغيرة، وأحيانا بالحقد وتعمد الإهمال، ربما لاختلاف مستوانا العلمي أو المادي، لا أدري مع أن الفارق ليس بكبير، وبرغم أني أعامل الناس بتواضع، ولا أحد يكرهني ولله الحمد، ولكن العلاقة فيما بيننا جافة تماما حتى إنها لم تحضر كتب كتابي أو أي فرد من عائلتها بحجة أنهم لديهم فرح آخر في مكان آخر، وكل المناسبات لا تهتم بالسؤال عني، ولو أرسلت لي رسالة تكون كل عام وأنتم بخير بالرغم من أني دائما أهنئها بكل المناسبات حتى البسيط منها، ولو كان نجاح إحدى أخواتها، ولا تعزيني في وفاة أقربائي، حتى إنها تحاول أن ترى ما عندي وتزيد عنه كلما استطاعت، وذلك حدث وقت شراء أثاث البيت حتى عندما سافر زوجي أو عندما أسافر، لا تتكلف حتى مشقة المجيئ للسلام علي، ودائما عندها حجة أمام الناس، فهي الملاك الذي لا يفوته فائتة، وتحاول التحدث معي في كل شيء أمام حماتي أو حمايا. المشكلة أنني أصبحت أشعر فيها بهذا الخبث، ولا أتقبل منها أي شيء حتى لو قالته أشعر أنه من وراء قلبها، والله اعلم، فأصبحت أكرهها ولا أطيق أن أسمع أي أخبار عنها، وأصبحت غير قادرة على معاملتها كالسابق، فأصبحت أنا الأخرى لا أسأل عنها ولا أجاملها عن قصد مني، وإن اضطررت لذلك فعلته على مضض، حتى زوجي يلومني على هذا الإحساس، ويقول لي إن ذلك سيفرق بينه وبين أخيه ودائما يطلب منى أن أكون أكرم، لكن بعد العديد من المواقف التي حدثت، وكلها تعنى الإهمال أو اللامبالاة فكيف لي أن أعاملها مثل السابق، فأصبحت بحكم سفري لا أحدثها في أي شيء إلا أمامهم. أما غير ذلك فلا، وعند مقابلتنا يكون الحديث حياديا جدا يخلو من الألفة المفترض تواجدها حتى أنه عندما حملت هي مع أني حامل بالفعل لم أسعد بذلك وألوم نفسي كثيرا على هذا الشعور، وعندما تحدثت إليها بعد هذا الخبر وجدتها تقول لي (أنتم السابقون ونحن اللاحقون) دائما حديثها فيه منافسة هكذا، وكأنها تلهث ورائي دائما، أعلم أنني أولى أن أسامحها لكن نفسي لا تستطيع فكيف أتعامل معها؟ وهل على ذنب لعدم فرحتي لأفراحها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب إحسان الظن بالمسلمين، وحمل ما يظهر من أقوالهم وأفعالهم على أحسن الوجوه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.. {الحجرات 12} .
والأصل أننا نأخذ الناس بظواهرهم، ونكل سرائرهم إلى الله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ. متفق عليه.
أمّا عن سؤالك، فما ذكرت عن هذه المرأة لا يظهر أنّ فيه إساءة إليك، وليس فيه ما يدعو للتباغض والتدابر، وما تجدينه في صدرك نحوها إنما هو من نزغات الشيطان، فاعلمي أن من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع العداوة بين المسلمين وحصول التدابر والتباغض بينهم، ولذلك أرشد القرآن العباد أن يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالاً للشيطان ليفسد بينهم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53}
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتباغض، فعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. رواه مسلم.
أمّا عن كونك لا تفرحين لفرحها، فليس عليك في ذلك ذنب، لكن من كمال الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه.
والذي ينبغي عليك أن تستعيذي بالله من نزغات الشيطان، وتحسني الظن بها وتعامليها بالمعروف، ومن أنفع ما يعينك على التخلص مّما تجدينه نحوها ألا تستسلمي لما يلقيه الشيطان في قلبك نحوها، وكلما وسوس لك الشيطان بسوء نحوها فقابلي ذلك بالدعاء لها بخير، فإن ذلك بإذن الله يردّ كيد الشيطان، كما أن عليك بمبادرتها بالكلام الطّيب ولو كان ذلك تكلفاً، قال الغزالي: بل المجاملة تكلّفا كانت أو طبعا تكسر سورة العداوة من الجانبين وتقلّل مرغوبها وتعوّد القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. اهـ من إحياء علوم الدين
كما ننبه إلى أن مقابلة السيئة بالحسنة مما يوجد المودة ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت: 34}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(9/110)
موقف المسلم ممن يتهمه بأنه حصل على درجته العلمية بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لو أن فلاناً من الناس حصل على درجة علمية أو شهادة من بلد غير البلد الذي هو مقيم فيه، وعند ما عاد حاملاً لتلك الشهادة بلغه أن أحدهم يروج بين الناس ويدعي عليه بأنه قد اشترى تلك الشهادة بالمال ولم يحصل عليها بجهده ودراسته. فما حكم هذا المدعي على حامل الشهادة، وهل يعتبر كلامه قذفاً أم افتراءا أم ماذا؟ وهل يحق للأخير أن يطالب هذا المدعي بتعويض أو هل يحق له أن يشتكيه للقاضي الشرعي ويطالب برد اعتبار وتعويض عما قاله بحقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن فعل ذلك بغير برهان وقع في إثم عظيم، لأنه من الوقيعة في أعراض الناس المحرمة ومن التقول عليهم بزور واتهامهم بالبهتان، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا. {الأحزاب:58} .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما هي الغيبة بقوله: ذكرك أخاك بما يكره، فقيل له: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
ولا شك أن الآية والحديث وما في معناهما كل ذلك يفيد النهي الشديد عن أذية المسلم وسبه.
فعلى من يفعل ذلك أن يتقي الله تعالى في عرض أخيه ولا يتهمه بما لا علم له به، ولا حرج في رفعه للقضاء لتأديبه وتعزيره عن الوقيعة في عرض أخيه، ولكن لا يجوز إلزامه بتعويض عما ألحقه من ضرر معنوي لأن التعويض في الفقه الإسلامي لا يكون إلا عن ضرر مالي واقع فعلاً، أو ما في حكمه، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 35535.
وليعلم السائل أن هذا الفعل لا يدخل في القذف بمعناه الاصطلاحي، ونصيحتنا للجميع هي الصلح دون اللجوء إلى المحاكم ونحوها دفعاً لما قد ينشأ في النفوس من البغضاء، ولما قد يورثه ذلك من الشحناء، والمسلمون إخوة ومن غفر لأخيه زلته غفر الله له زلته، وما ازداد عبد بعفو إلا عزا، والصبر على الأذى والعفو عن الإساءة من عزائم الأمور، لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى:40} . وقوله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا* إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا. {النساء:148-149} . وقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. {الشورى:41-42-43} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(9/111)
أهمية مطالعة الكتب التي تعنى بصحيح الترغيب والترهيب
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلتني رسالة في البريد الألكتروني وأريد التأكد من صحتها ومن فحواها أن سورة يس تمنع عطش يوم القيامة، والكافرون تمنع الكفر قبل الموت، والكوثر تمنع الخصومة، والفاتحة تمنع غضب الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على دليل يدل على ما ذكر في السؤال، ومن المعلوم أن مثل هذه الأمور لا تؤخذ إلا من نصوص الوحي، وقد ذكر بعض المفسرين حديث قل يا أيها الكافرون وفيه أن من قرأها برئ من الشرك كما في الحديث إذا أخذت مضجعك فقل يا أيها الكافرون فإنها براءة من الشرك. رواه أحمد وحسنه الألباني
وفي الحديث: اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك.رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وذكروا كذلك حديثا في فضل ياسين ومن ضمنه بعض ما ذكر في منعها العطش. ولكنه موضوع أيضا كما قال المناوي.
فعلى المسلم أن يطالع الكتب التي تعتني بالأحاديث الصحيحة في الترغيب والترهيب مثل رياض الصالحين، وصحيح الترغيب للمنذري بتحقيق الألباني. وفيما ثبت في السنة من الأحاديث غنية عما لم يثبت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(9/112)
استشهاد الإمام في دروسه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[1ـ يوجد عندنا إمام عند إعطاء الدروس يكثر من الأحاديث الموضوعة والضعيفة وتم مراجعته لكن لا يتعظ.
2. عند قراءة سورة التين في أخرها أليس الله بأحكم الحاكمين. يقول بصوت مسموع: بلى والله.
3. عند الإقامة يقول أقامها الله وأدامها.
هل هذه التصرفات فها شيء من الحرام أو البدع أجيبونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي هذا الإمام إلى فعل الصواب وأن يترك الأحاديث الموضوعة والضعيفة، ففي الأحاديث الصحيحة غنية عنها، وراجع الفتوى التالية وما أحيل عليه فيها: 75004 فقد ذكرنا فيها حكم رواية الضعيف والموضوع.
وأما قوله في نهاية سورة التين: بلى والله، فقد ورد نحو هذا في حديث عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ. الحديث رواه أبوداود والترمذي وغيرهما.
وقد اختلف العلماء في قبوله، فمنهم من ضعفه كالشيخ الألباني في: ضعيف سنن أبي داود، ومنهم من قبله كالحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار: هذا حديث حسن يتقوى بكثرة طرقه.
وقد عمل بمقتضى هذا الحديث واستحبه جمع من العلماء كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 76151، 8175، 71335.
وعليه فعمل إمامكم ليس ببدعة ولا محرم، وقد ذكر بعض أهل العلم ما يفيد بأن ذلك يكون سراً لا جهراً، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 76151.
وأما قوله عند الإقامة: أقامها الله وأدامها، فهو مروي أيضا في حديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمَّا أَنْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا. رواه أبوداود. وهو حديث ضعيف.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِي إِسْنَاده رَجُل مَجْهُول, وَشَهْر بْن حَوْشَبٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْر وَاحِد، وَوَثَّقَهُ الْإِمَام أَحْمَد وَيَحْيَى بْن مَعِين، وضعفه الألباني، فالصواب أنه يقول مثل ما يقول المؤذن لحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ... الحديث. رواه مسلم.
ومن قال مثل ما يقول إمامكم عند الإقامة فلا يقال عن فعله إنه بدعة أو محرم؛ لأن هذا قول لكثير من الفقهاء المعتبرين، وراجع الفتوى رقم: 33370.
ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لاتباع السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1430(9/113)
حكم مخالطة القريب المرتد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي خال ارتد عن الإسلام ويشرب الخمر. ما حكم التعامل معه؟ أهلي رفضوا العلاقة معه، ولكن أختي مصرة على التعامل معه، رغم عدم رضا أمي وإخوتي. ما هو الحل معها؟ للعلم أنها متخرجة من الجامعة يعني ليست قاصرة؟
وأمي قالت لها: إنها ستغضب عليها إذا لم تتركه، ولكنها لم تهتم ومازالت على علاقة معه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم بردة شخص ليس بالأمر الهين، فلا بد أولا من أن يكون الشخص قد فعل ما يوجب ردته، ولا بد ثانيا من إقامة الحجة عليه وتوفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، فإذا حكمنا بردة شخص فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا فحده القتل لردته، كما قال صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري.
ولا يجوز لأحد غير الحاكم أن يقيم عليه الحد مهما كان، وإن أصر على ردته فهو من أعداء الله تعالى الذين يجب أن يهجروا ويعادوا؛ إظهارا لبغضهم في الله، وإعلانا للنكير عليهم. فلا تجوز مصاحبتهم ولا موادتهم، كيف وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
وإن كان الفقهاء قد ذهبوا إلى مشروعية هجر المجاهرين بالمعاصي والمنكرات أو البدع والأهواء؛ لحق الله تعالى على سبيل الزجر والتأديب، كما في (الموسوعة الفقهية) فمن باب أولى هجر المرتد كلية عن الدين، لا سيما أن فتنته على من يخالطه غير مأمونة. وراجعي الفتويين رقم: 34761، 44579.
هذا، وينبغي أن يعلم أن الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي، ولذلك اتفق الفقهاء على أنه يجب على السلطان قتل المرتد وعدم إقراره على كفره، ولو بذل الجزية وأعلن خضوعه لسلطان المسلمين، ولا خلاص له من القتل إلا بالرجوع إلى الإسلام، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 40113.
فينبغي أن تعلم أختك هذا، وأن يُبين لها خطر مخالطة خالها المذكور، خاصة أنكم جميعا قد رفضتموه وقاطعتموه، مع تهديد والدتك لأختك بالغضب عليها إذا لم تتركه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(9/114)
شعر بالضيق حين علم أن الجنين في بطن امرأته أنثى
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي حامل، وقد علمت اليوم أنّ الجنين بنت، وبكلّ صراحة فقد تكدّرت بشكل مفرط فأنا عربيّ من تونس ولا أحبّ سوى الذٌكور، وأعلم أنّ هذا ممّا نهي عنه في الكتاب والسّنّة، وقد غالبت نفسي دون فائدة لانتزاع هذا الإحساس، فهل عليّ ذنب فيما أحسّ، علما بأنّي أعيش في كندا وتربية البنات صعبة هنا، ولا أستطيع بعثها إلى تونس لتتربّى خصوصا وأنّ الدولة تمنع الحجاب هناك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ينبغي أن نفرق بين مجرد ميل النفس لشيء ما، وبين ظهور أثر ذلك بالسلب قولا أو عملا، فمن جزع وتسخط وتبرم بقضاء الله فهذا الذي عليه العتب، وقد سبقت الإشارة إلى أن بغض البنات من أخلاق الجاهلية في الفتويين رقم: 52159، 62966.
وأما من وجد في نفسه ميلا لإنجاب الذكور ومحبة وشوقا لذلك، فإذا ولدت له بنت لم يجزع، ولم يظهر كراهة لذلك بقول أو فعل، فهذا لا لوم عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. وقال- أيضا- صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم. رواهما الشيخان. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 74846.
وبهذا يعلم السائل الكريم أن مجرد إحساسه بكراهة أن يكون حمل زوجته بنتاً لا حرج عليه فيه ما دام الأمر واقفاً عند هذا الحد ولم يترتب عليه أثر في السلوك، كإساءة معاملة البنت أو أمها أو التحدث إلى الناس في ذلك.
فما دمت تجاهد هذا الشعور ولا يترتب عليه محظور شرعي، فلا شيء عليك في ما تجده في نفسك، والأفضل من ذلك أن يسعى العبد لتحقيق الرضا ولا يكتفي بحصول الصبر، بمعنى أن لا يتمنى غير ما قضاه الله تعالى، بأن يعلم أن الله تعالى هو العليم حكيم، الرءوف الرحيم، الغني الكريم، فما دام هذا قضاءه فلا بد أن يكون خيرا، فاختيار الله تعالى لعبده خير من اختياره لنفسه، قال تعالى في الزوجات: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرا. ً {النساء:19} . وقال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {البقرة:216} .
ومهما ترسخ هذا الاعتقاد في القلب فسيثمر فيه من معاني الإيمان ما ينشرح به الصدر ويطمئن به القلب.
وينبغي للسائل الكريم أن يتذكر ما في عيالة البنات من الفضل، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين. وضم أصابعه. رواه مسلم والترمذي.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام الآتية: 68992، 49195، 75191.
وأما ما ذكره السائل الكريم في تعليل كراهية البنات بأن تربيتهن أمر مستصعب في البلد الذي يعيش فيه وهو كندا، وأن إرسالهن إلى بلده الأصلي أمر صعب فالدولة هناك تمنع الحجاب، فهذا لا ينبغي أن يتوقف عنده العاقل كثيراً، فالمرء مطالب بفعل ما هو في طاقته وليس مطالباً بفعل المزيد.
وعليك أن تعلم أن الإقامة في بلاد الغرب مظنة للفتنة وتضييع شعائر الدين، وفساد الذرية ذكوراً كانت أو إناثاً. واعلم أن أرض الله واسعة ودين المرء راس ماله.. وراجع في ذلك الفتويين: 3497، 2007.
وعلى أية حال فإنا نوصي السائل أن يتقي الله ما استطاع ويتذكر قوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا*ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.....ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا. التحريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1430(9/115)
هل يجب تتبع الصحف الملقاة المحتوية على ذكر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في مصر توجد عندنا مناطق شعبيه كثيرة، وهذه المناطق بها من الإهمال والقذارة مالا يعلمه إلا الله، ويكثر بها أوراق الجرائد الملقاة على الأرض مع ما قد يكون بها من أسماء الله. والسؤال:
إذا كنت أسوق سيارتي فهل يجب علي كلما رأيت ورقة جريدة ملقاة أن أوقف سيارتي وأتناول الورقة التي قد يكون بها اسم من أسماء الله، فكما تعلمون أن ورق الجرائد يغلب الظن أن بها أسماء الله؟ وما الحكم لو كنت راكبا لتاكسي أو ميكروباص فهل أيضا إذا رأيت ورقة في الشارع وأنا راكب هل يجب علي أن أنزل وأحضر تلك الورقة؟ الرجاء الاهتمام بهذا الأمر فهو متكرر معي. أم أن الذنب على من ألقاها؟ وكما تعلمون أن هذه الجرائد عندنا في مصر يمتهنها الكثير فالباعة يستخدمونها في لف بضائعهم أو غير ذلك والناس تلقيها مع الزبالة، مع العلم أنى لا أفعل أيا من ذلك وأحذر منه. فهل نحن المتدينين يجب علينا كلما رأينا ورقة أن نأخذها من الشارع؟
الرجاء الرد بتفصيل على جميع النقاط بارك الله فيكم، لأن هذا الموضوع يشغلني ويشغل الكثير من المتدينين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم إلقاء الأوراق والصحف والمجلات التي تحتوي على آيات قرآنية، أو أحاديث نبوية، أو على أسماء الله تعالى أو أسماء رسله أو ملائكته، ولا يجوز استعمالها بتغليف المأكولات أو غيرها أو فرشها للطعام ونحو ذلك من أنواع الامتهان، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 73022، 1064.
وينبغي أن تجعل في مكان يصونها عن الإهانة، أو يتخلص منها بدفنها في أماكن طاهرة ونظيفة، أو حرقها، أو بإعدامها بالماكينة العادمة المعروفة الآن، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 660، 30590.
ومن رأى مثل هذه الأوراق في الطريق وبها شيء معظم مما سبق، وجب عليه أن يأخذها ويصونها أو يتخلص منها بما سبق ذكره، ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ولا يجب عليه تتبع الأوراق للتأكد من عدم وجود اسم الله فيها، فيوقع نفسه في الحرج والمشقة البالغة، فإن هذا منفي عن الشريعة. كما قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. {المائدة: 6} . وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. {الحج: 78} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا. رواه البخاري.
ونظرا لما في هذا من الكلفة الشديدة والحرج الواضح، فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا حل لهذه المشكلة إلا بغض البصر، ونشر الوعي الإسلامي في المجتمع حتى يتعاون الجميع على احترام ما يجب احترامه، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين التاليتين: 50107، 68289.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1430(9/116)
نصائح لتخفيض حدة الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أخوض في طرح مشكلتي أحب أن أدعو الله العلي القدير أن يوفق كل من قام على هذا الموقع المبارك، وأن يغفر لهم، وأن ينفع بهم الإسلام والمسلمين. إخواني مشكلتي لست أنا الوحيد الذي أعاني منها. بل كثير من إخواني الشباب إ لا من رحم الله، ألا وهي الهوس الجنسي، إ ن هذا الذي أعاني منه قتل الكثير من طاقاتي وطموحاتي وأصبحت كارها الحياة بما تعنيه هذه الكلمة، بحثت بشتى الطرق عن حل لكن دون جدوى.. صوم أداء الصلاة في المسجد.. البعد عن رفقاء السوء.. ممارسة التمارين الرياضية الشاقة. لم يبق سوى العقاقير التي تخفض من حدة الشهوة.. والتي نهى عنها الإسلام وطبعا الزواج أحد الحلول. لكن ليس هناك استطاعة على الزواج وتحمل مسؤوليته لأنني مازلت طالبا في الجامعة المشكلة التي أريد لها الحل ليست الهوس الجنسي.. لأنني يائس عن حلها ولأن هذا مرض من الأمراض النفسية. التي شفاؤها بيد الله لكن المشكلة أنني ذاهب إلى بلاد غربية لإتمام دراستي الجامعية ومع هذا الذي أعاني منه أعتقد أنني لن أفلح بدراستي هناك لكن رغبة الوالد بأن أكمل الجامعة. تجعلني عازما على الذهاب إلى هناك سؤالي هو.. هل أعتبر آثما بذهابي إلى هذه البلاد.. برغم ما أعاني منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك أولا على إعجابك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يستخدمنا وإياك في طاعته. ولا شك أن ما ذكرت مما يتعلق بفتنة الشهوات ولا سيما شهوة الفرج فإنها من أعظم الابتلاء، وهذا الأمر وإن كان عظيما إلا أن الشفاء منه على من يسره الله عليه يسير، وإنك إن تصدق الله يصدقك. قال تعالى: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ {محمد:21}
فننصحك بأن تتوجه إلى الله بصدق أن يرزقك العفاف، وأن ييسر لك الزواج، ونرجو أن تتدبر معنا هذه القصة والتي حدثت لشاب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: إ ن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه فقال: ادنه فدنا منه قريبا قال فجلس قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال أفتحبه لابنتك؟ قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال أفتحبه لأختك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أفتحبه لعمتك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال أفتحبه لخالتك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
فتضرع إلى الله تعالى أن يقيك شر نفسك، وابذل الأسباب الممكنة ومن ذلك: أن تسعى في أمر الزواج قدر الإمكان ومحاولة تيسير أمره، فإن النكاح كلما كان أيسر مؤنة كان أكثر بركة، وإلى أن يتيسر لك الزواج فننصحك بمواصلة الصوم فهو وجاء كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ما ذكرت من الحرص على الطاعات ومرافقة الأخيار والبعد عن الأشرار، وممارسة التمارين الرياضية، واعلم أن من أعظم أسباب الوقاية اجتناب مثيرات الشهوة من النظر المحرم ونحو ذلك. وأما تخفيض الشهوة ببعض العقاقير فليس ممنوعا بإطلاق، فيجوز استخدام مثل هذه العقاقير – إن وجدت - إذا لم يترتب عليها ضرر، ويستشار في ذلك أهل الاختصاص.
وأما السفر إلى بلاد الكفر فقد نص أهل العلم على أن من يخشى على نفسه الفتنة لا يجوز له السفر إلى هنالك، ومن كان هذا حاله لا يجوز له طاعة والده في السفر للدراسة في تلك البلاد، فننصحك بمحاولة إقناع والدك ومداراته واستعمال المعاريض معه إن احتجت إلى ذلك. وراجع الفتويين التاليتين: 31862، 20969.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1430(9/117)
حكم الدخول على موقعي الفيس بوك واليوتيوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول واستعمال موقعي الفيس بوك ويوتيوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه المواقع فيها النافع والضار، والحسن والقبيح، والحلال والحرام، فحكمها بحسب الغرض من استعمالها وما تؤدي إليه. فمن استعملها فيما يحل ويجمل فلا حرج عليه، وقد يثاب، ومن استعملها فيما يكره أو يحرم فاستعماله لها يدور بين الكراهة والحرمة.
لكن ينبغي الانتباه إلى ضرورة سد الذرائع إلى المحرمات، فمن وجد أن استعماله لهذه المواقع يجره إلى الحرام فيجب عليه اجتنابها، والسلامة لا يعدلها شيء، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع. انظر للفائدة الفتويين: 62533، 51407.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(9/118)
موقف الصديقة من صديقتها إذا كانت تكذب وتغتاب
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة كنت أقول لها كل أسراري بما فيها مشاكلي مع أهل زوجي، كنت أقول لها ذلك من أجل أن أتأكد فيما إذا كان الحق معي أم معهم.
ووالله كنت أندم بعد ذلك وأدعو الله أن يبعد هذا الشيء عني لأنه من الغيبة، المهم بعد مدة اكتشفت أن صديقتي كانت تكذب علي في كثير من الأشياء، وتأكدت من ذلك، وأنا الآن نادمة أني أعطيتها أسراري ولا أعرف ماذا أفعل، لأني أصبحت أخشى أن تبوح بأسراري. فبماذا تنصحوني؟ وهل أقطع علاقتي بتلك الفتاة؟ مع العلم أني ولأكثر من مرة لاحظت أنها تظهر عيوب بعض الناس أمامي في أحاديثها العادية، أي لا أعرف إذا كانت تقصد الغيبة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الكذب محرّم وأنّه من أرذل الأخلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. متفق عليه.
كما أنّ الغيبة محرمّة، وقد صوّر الله فاعلها في صورة بشعة، قال تعالى:.. وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. {الحجرات: 12} .
وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة، ف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. صحيح مسلم.
أمّا عن سؤالك، فما تقوم به هذه المرأة من ذكر عيوب الناس هو من الغيبة المحرّمة إلاّ أن يكون لمصلحة شرعية وذلك في المواضع التي رخّص الشرع فيها، كالتظلّم، وطلب المشورة، مع الاقتصار على قدر الحاجة، وانظري هذه المواضع في الفتوى رقم: 6082.
واعلمي أنّه لا يجوز استماع الغيبة وإقرارها، وإنما يجب الإنكار على المغتاب، قال النووي في رياض الصالحين:
باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبةً مُحرَّمةً بِرَدِّها والإنكارِ عَلَى قائلها، فإنْ عجز أَوْ لَمْ يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه.
فعليك بنصح هذه المرأة وتحذيرها من عواقب الكذب والغيبة، فإن أصرّت على ذلك فلا خير لك في صحبتها. فعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ. رواه أبوداود وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1430(9/119)
قول الحق ابتغاء رضا الله ولو سخط الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: أننا في مكان العمل يكثر عندنا عدم الالتزام في العمل والغياب، وربما يغيب أحد الموظفين ويقول لك إذا سأل عني المدير أخبره بأنني جئت وخرجت، أو يقول لك قل له خرج وسوف يعود بعد قليل، إذا أخبرت المدير بالحقيقة ستضر صاحبك هذا، وسيتخذ فيه إجراء ما، وسيقول عنك الجميع إنك خائن أو ما شابه ذلك، وسيكرهك الجميع في العمل هذا هو طبع الناس هنا، وإلا كذبت على المدير وأمام الله. فأريد أن تنصحوني بالأفضل والحل في هذه المشكلة؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن نوصيك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصت به عائشة رضي الله عنها معاوية رضي الله عنه لما قال لها: اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه ولا تكثري علي. فكتب عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام عليك. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فرضا الله عز وجل هو المقدم وإن سخط من سخط، ففي النهاية سوف يرضون عمن سخطوا عنه، فعليك أن تتقي الله ولا تكذب لأجل أحد من زملائك، بل عليك نصحهم وبيان أن هذا من الإخلال بأمانة العمل ومن الغش، وفيه عدم الوفاء بما تعاقدوا عليه وألزموا أنفسهم به، وقد قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ. {المائدة:1} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح.
فأعلمهم أنك إذا سئلت فلن تقول إلا الحقيقة، وليرض من يرضى وليسخط من يسخط، فرضاً الناس غاية لا تدرك، وإذا حدث ضرر لأحد بسبب قولك الحق لمديرك فلست بملوم، فمن خان الأمانة وغش هو المتسبب في ضرر نفسه وليس أنت، وراجع في ضرورة التزام الموظف بما تعاقد عليه في عمله الفتويين رقم: 6326، 32305.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(9/120)
هل يحرم الشيء على المرء بمجرد قوله هذا حرام علي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعطيت أمي مبلغا من المال لأخي وأخبرته أنها لا تريد أن يرجعه، وأنه محرم عليها، علما أن المبلغ كبير.
وبعد سنة قدم أخي نفس المبلغ لأمي بصفة هدية لأن أمور أخي قد يسرها رب العالمين، علما أنه خلال السنة كان أخي يقدم لأمي مبالغ من المال بصفتها الأم وبوصفه الابن كما يفعل أفراد الأسرة كافة وكما هي العادة.
فهل هذا المبلغ يعتبر حراما على أمي وليس لها أن تتمتع به كونها حرمته على نفسها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد قول أمكم أن هذا المال محرم عليها بدون أن تحلف على ذلك لا يجعل هذا المال حراماً عليها.
قال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن:
قوله:- لم تحرم- إن كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم ولم يحلف، فليس ذلك بيمين عندنا في المعنى، ولا يحرم شيئا قول الرجل: هذا حرام علي، حاشا الزوجة. وقال أبو حنيفة: إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس، وكانت يمينا توجب الكفارة. وقال زفر: هو يمين في الكل، حتى في الحركة والسكون. وعول المخالف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم العسل، فلزمته الكفارة. وقد قال الله تعالى فيه: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. {التحريم: 2} . فسماه يمينا; وعول أيضا على أن معنى اليمين التحريم، فإذا وجد ملفوظا به تضمن معناه كالملك في البيع. ودليلنا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. {المائدة: 87} . وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. {يونس:59} . فذم الله المحرم للحلال، ولم يوجب عليه كفارة.
فلا حرج على والدتك أن تأخذ المال من أخيك ولو صرح أنه رد لما أعطته من مال، وأولى أن تقبل نفس المبلغ إذا أعطاه لها على سبيل الهدية.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 24416، 39376، 62942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1430(9/121)
خطورة الاختلاط في المدارس بين الصغار والكبار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي بنت في السنة السادسة ابتدائي وهي تدرس في مدرسة مختلطة، هل يجوز ذلك، وما قول العلماء في هذا، أرجو منكم رداً سريعا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدراسة في المدارس المختلطة لا تجوز إلا عند الحاجة الشديدة، فإذا كان بإمكانكم نقل ابنتكم إلى مدرسة للبنات لا اختلاط فيها، فلا يجوز لكم إبقاؤها في تلك المدرسة المختلطة، وأما إذا لم يكن إلا تلك المدارس المختلطة وكانت هناك حاجة إلى الدراسة فيجوز إبقاؤها فيها مع الحرص على تعليمها أمور دينها وتوجيهها إلى تجنب مخالطة الأولاد ومصاحبتهم وتعويدها على الاحتشام والحياء.. وانظري الفتوى رقم: 15892.
أما أقوال العلماء في ذلك فقد جاء في فتاوى الشيخ ابن باز: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع. وهذا الحديث الشريف يدل على ما ذكرناه من الخطر العظيم من اختلاط البنين والبنات في جميع المراحل.
وجاء فيها أيضاً: وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور. ..
وفي فتاوى الشيخ محمد صالح المنجد: الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات له مفاسده وآثاره السيئة، ولو كان بين الصغار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(9/122)
حكم مصاحبة أهل البدع ومؤاكلتهم ومشاربتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ عندي أصدقاء مبتدعة كثر ولكني أبيت عندهم في البيت (أي أنام عندهم) وآكل وأشرب عندهم وهم أيضا يأتون عندي في البيت فما حكم ذلك، علما بأنهم ليسوا سواء منهم متشدد ومنهم دون ذلك، وما حكم هذه الأعمال السابقة مع تارك الصلاة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حذر الشرع من مصاحبة أهل الشر، ومثل لذلك بمثل يوجب التنفير منهم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة.
فمصاحبة أهل البدع كمن يسب الصحابة أو مصاحبة أهل الفسق كتارك الصلاة شر وبلاء وسبيل لظلمة القلب وحصول الفتنة العمياء، ويعظم الأمر ويشتد الخطب بمساكنتهم ومؤاكلتهم ومشاربتهم، فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر، وليحرص على صحبة الأخيار الذين إذا نسي ذكروه وإذا ذكر أعانوه، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} .
وروى أبو داود والترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي.
وما مضى من مصاحبة هؤلاء فقد مضى وينبغي اجتنابهم في المستقبل، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 20995، والفتوى رقم: 56684.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1430(9/123)
ما يفعل المرء إذا كان ينتابه الضراط عند سماع الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[تنتابني حالة ضراط وكثرة التفوه عند سماع الأذان مع العلم أني محافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها وقراءة القرآن بعد صلاة الصبح وأذكار الصباح والمساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يبعدُ أن يكون ما تشعرين به نوعاً من مس الشيطان وتلبسه بكِ، فإن كثرة الضراط عند سماع الأذان من صفات الشيطان لعنه الله، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثوب أدبر، فإذا سكت أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر، حتى لا يدري كم صلى.
فعليكِ أن تكثري من الذكر وقراءة القرآن وتبالغي في ذلك، وتجتهدي في أنواع العبادات، واستعمال الرقى الشرعية. وانظري الفتوى رقم: 4310، مع الالتجاء إلى الله عز وجل ودعائه حتى يُذهب عنكِ ما تجدين.
وأما إن كان ما ذكرته لا يعدو أن يكون وهماً أو وسوسة أو أمراً عارضا حصل في بعض المرات اتفاقاً، فلا ينبغي أن تعولي عليه، بل عليكِ أن تقبلي على شأنك، وتجتهدي في عبادة ربك غير مكترثةٍ بهذا الأمر، إذ ربما يكونُ فتح بابه مجلبةً لشر عظيم، وموقعاً في الوسوسة التي هي من أعظم الأدواء التي تصيب العبد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1430(9/124)
هل يجب إذا اشترى المرء شيئا لنفسه أن يشتري مثله لأهله
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني جزاكم الله خيرا، أنا عاملة طول اليوم وأشتري للأكل مرة حبة موز أو جبن وكشري أو مشروب، لكن هذا في بعض الأحيان، هل أعتبر مذنبة أو مقصرة مع أهلي يعني أشتري لنفسي حبة موز وغيره ولا أشتري لهم، مع العلم أني أشتري لهم كذلك حسب استطاعتي لكن نفسي تؤنبني وأريد أن أرتاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم الإنسان إذا اشترى بماله شيئاً لنفسه، أن يشتري مثله لأهله، سواء كان المراد بالأهل الأولاد أو الوالدين والإخوة، وسواء كانوا أغنياء أو فقراء، وإنما يجب على من يجد فاضلاً عن حاجته أن ينفق على من تلزمه نفقتهم بالمعروف، وإذا لم يجد فاضلاً عن حاجته فلا تلزمه نفقة غيره، ففي حديث جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَىْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَىْءٌ فَلِذِى قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِى قَرَابَتِكَ شَىْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا. صحيح مسلم.
وعلى ذلك، فلا حرج عليك فيما تشترينه لنفسك دون أهلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1430(9/125)
العهد بعدم النظر لأجنبية في الشارع هل ينتقض بالنظر للتلفاز
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عاهد شخص أن لا يرى امرأة أجنبية في الشارع فهل يكون ناقضا للعهد إذا رآها على التلفاز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن تقييد الرؤية بالشارع تخرج غيرها من الأماكن.
وعلى ذلك؛ فإذا كان العهد مقيدا بالرؤية في الشارع فإنه لا ينتقض بالرؤية في غيره من الأماكن كالتلفاز أو البيت. هذا إذا لم تكن نيته عدم الرؤية مطلقا وجرى الشارع على لسانه؛ لأنه الغالب.
وعلى كل حال، فالنظر إلى الأجنبية لا يجوز في الشارع ولا في غيره، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بغض البصر ولم يقيد ذلك بالشارع ولا بغيره فقال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... {النور:30} . وسبق بيان حكم العهد ونقضه وما يجب فيه فانظره في الفتويين رقم: 7375، 29746.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(9/126)
منعه الحارس من دخول الحرم فدفعه بعنف ودخل
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في الحج في يوم الجمعة، وكان الحرم مملوءا، كان مكان في البدروم فارغا، وكان يوم حر، أردت الدخول منعني أحد الحراس، كانت مجموعة من الناس بجنبي دفعوا الحراس ودخلوا الحرم جاء في طريقي أحد الحراس فدفعته، ثم مشيت خطوات إلى داخل الحرم، ثم عدت قلت في نفسي كيف أدخل الحرم بعنف هذا لا يليق بالمسلم، بعد الصلاة استغفرت الله، وندمت لكن بقيت دائما أتحسر من هذا التصرف. هل تصرفي هذا يعتبر ذنبا كبيرا لأنه في الحرم الشريف؟ وهل الحارس يجوز له أن يمنعني من دخول الحرم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز للحراس منع الناس من دخول المسجد إلا إذا ترتب على دخولهم مفسدة ظاهرة، والذي نظنه بهؤلاء الحراس، أنهم إنما تصدوا لمنعكم لأجل المصلحة، وكان ينبغي لكم أن تحافظوا على النظام وألا تدافعوا الحراس، وأن تبحثوا عن مكان آخر سوى هذا.
وأما ما فعلته من دفع الحارس والدخول بعنف إلى المسجد، فلم يكن يليق بك وأنت في بيت الله وفي الشهر الحرام لما فيه من أذية المسلم الذي يظهر أنه كان يقوم بأداء واجبه، وقد بينّا أن المعاصي في البلد الحرام والشهر الحرام تزداد عقوبتها وتعظم تبعتها، وانظر الفتوى رقم: 98999، 6574.
أما وقد تبت واستغفرت وندمت على ما فرط منك، فنسأل الله أن يتوب عليك ويتجاوز عنك، والله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وفي سنن ابن ماجه بسند حسنه الألباني: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. ولأن معصيتك يتعلق بها حق آدمي، فالواجب عليك استحلاله إن أمكن، فإن لم يمكنك استحلاله فيكفيك إن شاء الله أن تستغفر له، وتدعو له بخير؛ لأن هذا هو ما تقدر عليه، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها. ونسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة صادقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(9/127)
حكم دخول المكاتب العامة بلا استئذان
[السُّؤَالُ]
ـ[الدخول للمكاتب العامة بدون استئذان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت المكاتب مفتوحة للمراجعين في المعاملات فلا حرج في الدخول بدون استئذان إن لم يعلم وجود مانع في ذلك، لأنها في هذا الحال تشبة المتاجر المفتوحة المعدة لدخول الزبناء فيها.
وأما إن كانت المكاتب مغلقة فيتعين الاستئذان، لأن الموظف الموجود بالمكتب قد يغلق عليه لاشتغاله بمهام في العمل، أو لوجود شخص معه تستدعي المعاملة أن ينفرد به أو غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1430(9/128)
الفرح المذموم والمحمود
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي إشكال في فهم الفرح المذموم والمحمود، هذه بعض الأمور التي لا أدري هل يجوز الفرح فيها أم لا؟ فأفيدونا بارك الله فيكم: الفرح عند الشفاء من المرض- الفرح لعطايا الله من رزق الأموال أو الأولاد- الفرح للنجاح في الدراسة أو التحصيل أو العمل- الفرح للترقية في العمل- الفرح لملاقاة الأحبة- الفرح بالسيارة الجديدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعم الدنيا وأنواع الرزق فيها والفرح بذلك، قد يحمد وقد يذم، وذلك بحسب سببه الحامل عليه، وعاقبته وما يؤول إليه، ومن الواضح أن محل حرمة الفرح بها ما إذا كان جارا إلى الخيلاء والفخر والتكبر ... أما الفرح بها ليستر بها عرضه ويصون بها ماء وجهه ووجه عياله من التطلع لما في أيدي الناس أو ليواسي منها المحتاج فهذا فرح محمود.. قال ابن جزي في التسهيل: الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وقيل: السرور بالدنيا، لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة، ويدل على هذا قوله: وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ. انتهى.
وقال الراغب في المفردات: الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموماً، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفي الوضع الذي يجب. انتهى. وقد سبق أن نبهنا أنه لا يدخل في هذا الفرح المذموم من آتاه الله مالاً وجاهاً ونحو ذلك، إذا لم يحمله ماله أو جاهه على الكبر والبطر والتعالي على الناس، وذلك في الفتوى رقم: 23821.
هذا وإن كان الفرح بالدنيا لا يذم إذا انضبط واعتدل، إلا أن الأكمل أن يتعلق القلب بالآخرة، ولا يكترث بأحوال الدنيا، كما قال تعالى: اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ {الرعد:26} ، وقال: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد:23} ، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الفرح إذا ورد مقيداً في خير فليس بمذموم ... وإذا ورد مقيداً في شر أو مطلقاً لحقه ذم، إذ ليس من أفعال الآخرة، بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على ذنبه وخوفه لربه. انتهى.
ولذلك لم يأمر الله تعالى بالفرح في كتابه إلا بأمور الدين والآخرة، فقال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58} ، قال ابن القيم في بدائع الفوائد: الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى، فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور.. ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة.. فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها.. وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين مطلق ومقيد، فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وقوله: إنه لفرح فخور. والمقيد نوعان أيضاً، مقيد بالدنيا ينسي صاحبه فضل الله ومنته، فهو مذموم، كقوله: إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. والثاني: مقيد بفضل الله وبرحمته، وهو نوعان أيضاً، فضل ورحمة بالسبب وفضل بالمسبب، فالأول كقوله: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. والثاني كقوله: فرحين بما آتاهم الله من فضله. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(9/129)
السبيل إلى تجنب الوقوع في اللغو والباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا أستطيع أن أشغل نفسي ولساني من اللغو وأنا في العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على الخير وحذرك من الوقوع في اللغو والباطل، فنسأل الله تعالى أن يوفقك إلى تحقيق ما تبتغي.
وأما السبيل إلى تحقيق ذلك فمن عدة وجوه ومنها ما يلي:
أولاً: استحضار عظمة الله تعالى وجلاله وكماله، والخوف من عقابه والطمع في ثوابه قال سبحانه: ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ. {الزمر:16} .
ثانياً: تذكر أن السلامة في حفظ اللسان وحفظ الجوارح عموماً عما لا يرضي الله تعالى، قال الله تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. {الفرقان:72} ، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.
ثالثاً: أن يشغل المسلم نفسه بذكر الله تعالى إذا كان ذلك لا يشغله عن القيام بعمله، فإن النفس إن لم تشغل بالطاعة شغلت صاحبها بالمعصية.
رابعاً: أن يستحضر المسلم أنه مطالب بإحسان العمل وأدائه على أكمل وجه، والانشغال بما لا علاقة له بالعمل -ولو كان مباحاً- يحول دون ذلك في الغالب، روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. وهو حديث حسن.
وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 119559، 60347، 65531.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(9/130)
موقف المسلم من القريب والجار والزميل الذين يؤذونه
[السُّؤَالُ]
ـ[تحجيم العلاقة مع القريب والجار والزميل المؤذي ... شيخنا الكريم، نرجو من الله أن تكون في أتم الصحة والعافية. أحمد الله تعالى أن هداني ورزقني الصبر على الناس ومقابلة الإساءة بالإحسان.. لكن يوجد نوع من الناس لا يرضيه شيء - وهو الشخص الحسود - فكلما أحس أننا نحاول التقرب منه وصلته تفنن في إيذائنا والحط من قيمتنا وقيمة أطفالنا لدرجة لا تحتمل!!! فجربت معهم طريقة أراحتني وقللت من إيذائهم بشكل ملحوظ وهي عدم الذهاب إليهم إلا في الواجب المحزن أو المفرح الظاهر، وسؤالي هو..: هل يجوز لي ذلك سواء مع القريب أو الجار أو الزميل، وإن كان لا يجوز، فماذا أفعل فهم ينشطون أكثر عندما يحسون بودنا لهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوصانا الله بالإحسان إلى الأقارب والجيران والزملاء، قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {النساء:36} ، وقد أمرنا الشرع بصلة الرحم حتى لمن يقطعنا أو يسيء إلينا، فعن أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم. تسفهم المل: تطعمهم الرماد الحار.
والشرع لم يجعل لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو أوقاتاً محددة، وإنما ذلك يرجع إلى العرف، ويختلف باختلاف أحوال الناس، وانظري لذلك الفتوى رقم: 11494.. وعلى ذلك فإذا كان يلحقك ضرر بزيارة بعض الأقارب فلا يلزمك زيارتهم، ويمكنك صلتهم بوسيلة أخرى كالاتصال بهم والسؤال عنهم أو تقليل الزيارات إلى الحد الذي يزول به الضرر.. وأما الجيران والزملاء فلا حرج عليك في تقليل زيارتهم، فإنه لا يلزمك زيارتهم لغير تعزية أو تهنئة، وإنما يلزمك كف الأذى عنهم. وانظري لذلك الفتوى رقم: 97784.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(9/131)
الرسائل التي فيها وعد بالخير لمن يكتبها وإيعاد بالشر لمن أغفلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أشكركم على جهدكم الرائع.
من فترة كثرت الرسائل التي تحس أن العقل لا يقبلها.
مثال: أن مريضة في ليلة القدر حلمت بالسيدة عائشة تسقيها ماء تشربه، ويوم قامت شفيت. هذا أصدقه، لكن يقولون قامت ووجدت بقربها قطعة قماش مكتوب فيها: لا إله إلا الله، أرسليها لخمسة عشر شخصا، أحسست بقليل من الشك، يعني ما الفرق بين أن ترسله ل50 أو 10.
لابد من 15، ويقولون في اليوم الذي ترسلها فيه تسمع خبرا سارا، أحسها لا يقبلها عقلي، ويقولون لك أنه يوجد تاجر أهملها خسر كل ماله في 12 يوما، وفيه عامل أرسلها في 12يوما ذهبت كل مصائبه، أنا في هذه الحالة ماذا أفعل؟ أحس أن إنسانا ما ألف القصة، أحسها شيئا لا يقبله العقل، وآخر شيء مكتوب: بذمتك إلى يوم القيامة، وإذا أرسلتها تسمع خبرا سارا الليلة، وإذا لم ترسلها تنقلب عليك حياتك. بالذات في هذا الوقت أكثروا من الرسايل التى فيها: بذمتك وقصص لا يقبلها العقل. ماذا أفعل؟ تعبت من هذه الرسايل هل أحاسب إذا تجاهلتها؟ هل لابد أن أرسلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياك بما فيه، وأن يوفقنا سبحانه لطاعته وخدمة دينه.
واعلمي أن الغالب في مثل هذه الرسائل أنها تقوم على خزعبلات وأشياء لا أساس لها من الصحة، فلا ينبغي للمسلم الالتفات إليها، ومن الخرص الكاذب والادعاء المقيت قول بعضهم إن من كتبها كذا مرة حصل له من السعد كذا ومن لم يكتبها حصل له من النحس كذا، فمثل هؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. {مريم:78} .
فننصحك وننصح جميع إخواننا المسلمين بعدم الالتفات إلى ما في هذه الرسائل، وننصح من ينشرها بأن يتقي الله تعالى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا ينشر مثل هذه الخرافات، ولا يفتري على الله الكذب فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. {النحل: 117،116}
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 72059.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1430(9/132)
تجاوز الله تعالى عن حديث النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[عند التحدث بشيء في السر ماذا يفعل الإنسان بكل فكرة تأتيه، كيف يعرف أهو ذنب أم لا، ثم إذا كان ذنبا ماذا يفعل، هل يجب أن يفكر كثيرا، هل يجب أن يفكر في كل هذا، هل الفكرة حرام أم حلال، في ماذا يفكر وفي ماذا لا يفكر، ماذا يفعل لكي يرتاح من الفكر الكثير، مثلا اغتبت أحدا في سري، ماذا أفعل كي أتجنب الحرام، وكل فكرة تأتيني هل أجلس أعالجها أهي حرام أم حلال، ماذا أفعل؟ وكيف أتجنب هذا من الأصل؟ كيف يطبق حديث ما معناه"إن الله تجاوز عن الأمة ما حدثت به نفوسها، كيف يعرف المسلم أنه لا يعمل حراما بشكل عام، هل التفكير يكون سببا في ضعف بنية الجسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يدور في صدر الإنسان مما لم يعمل أو يتكلم به مما تجاوز الله سبحانه عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي في (الأذكار) : الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. انتهى.
فما دام العبد لم يعزم على المعصية عزيمة يترتب على مثلها الفعل إلا أن يحول بينه وبينها مانع، فإنه لا يؤاخذ على ذلك، وقد سبق تفصيل هذه المسألة في الفتويين: 71816، 41232.
وأما في ماذا يفكر الإنسان، وفي ماذا لا يفكر؟ فينبغي أن يقصر تفكيره في ما ينفعه في أمر دينه أو دنياه، فإذا هجم عليه خاطر في أمر لا نفع فيه لم يسترسل معه، بل صرفه إلى ما ينفعه، وسبيل ذلك أن يشغل الإنسان نفسه ابتداء بما ينفعه؛ فإن النفس بطالة فإن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، ويستعين على ذلك بالله تعالى والإقبال على طاعته وكثرة ذكره والإلحاح في دعائه.
وأما مسألة ضعف بنية الجسم بسبب التفكير، فمن المعروف أن كثرة الهموم والاضطرابات النفسية تسبب كثيرا من المشاكل الصحية، ومن الأفضل أن تراسل قسم الاستشارات في الموقع لتزداد فائدة عن ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(9/133)
حكم الاستثناء في الوعد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزمني الوفاء بالوعد إذا عقبته بكلمة إن شاء الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الوفاء بالوعد مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولكن لا يأثم بشرط ألا يترتب عليه ضرر على الموعود له إلا من عذر.. وقد سبق تفصيل الكلام عن ذلك، وبيان حالات الوعد من حيث وجوب الوفاء وعدمه في الفتوى رقم: 17057، والفتوى رقم: 44575.
ولأجل مسؤولية الوعد - حتى على القول بعدم وجوب الوفاء به - يستحب لمن وعد أن يستثني، قال الغزالي في الإحياء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعداً قال: "عسى" وكان ابن مسعود لا يعد وعداً إلا ويقول إن شاء الله، وهو الأولى. انتهى. وحديث "عسى" قال عنه العراقي: لم أجد له أصلاً.
وهذا الاستثناء ينفع صاحبه وتخلو به ذمته إذا وقع قبل الفراغ من الوعد، بحيث يكون متصلاً بالكلام دون فصل بكلام أجنبي ولا سكوت يمكن الكلام فيه، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44168، 65900، 29383، 64013.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1430(9/134)
هل الأولى للزوجة أن تعتمر أم تقضي ديون زوجها أم تجهز بنتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لديها أرض قامت ببيعها من قبل، وأعطت المال لوالدي ليسدد به جزءا من ديونه، ثم قامت ببيع قطعة أخرى من أرضها التي ورثتها من أبيها، وهى تتساءل الآن؛ هل من الأولى أن تعطي المال الذى حصلت عليه من هذه الأرض لوالدى لكي يسدد به ديونه؟ أم تذهب به إلى عمرة؟ وهى ترغب في ذلك بشدة. أم تجهز به ابنتها المقبلة على الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت أمك لم تعتمر عمرة الإسلام فالواجب عليها المبادرة بأداء العمرة؛ لأن العمرة واجبة على الفور في أصح أقوال أهل العلم، وأداؤها للعمرة في هذه الحال مقدم على قضاء دين زوجها، إذ قضاء دينه لا يلزمها. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 102710.
وكذلك فإنها تقدم العمرة الواجبة على المساعدة في تجهيز ابنتها للزواج، فإن نفقة تجهيز ابنتها للزواج لا تلزمها، وإنما هي من واجبات الزوج، إلا إذا حصل تراض على أن أهل الفتاة يجهزونها من غير إلزام جاز ذلك، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 31057.
وأما إذا كانت الأم قد أدت عمرة الإسلام فإنها تنظر فيما فيه المصلحة فتفعله، ولو ساهمت في قضاء دين زوجها ولو على سبيل قرض يرده إليها بعد يساره، فتعتمر به حين يرده إليها، لكانت بذلك قد جمعت بين مصلحتين، مصلحة قضاء دين زوجها ودفع معرة الدين عنه، ومصلحة أداء العمرة حين يتيسر المال لزوجها، وإن تأخر أداؤها مدة من الزمن، وكذلك مساهمتها في تجهيز ابنتها إذا حضر كفؤها هو من الأمور الحسنة التي يرجى لها به المثوبة إن شاء الله.
وننبهك إلى أن أمك ليس لها أن تخرج إلى العمرة غير الواجبة بمفردها، بل لا يجوز لها أن تخرج إلا في صحبة زوج أو محرم لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة إلا مع ذي محرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(9/135)
تربية السمك في الصناديق السمكية إذا كان لا يتكاثر فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[نربى أسماكا بمياه بحر النيل وهى غير صالحة للشرب، وقال لنا أشخاص أن بها شبهة، لأن السمك عندما يربى بهذه الصناديق السمكية لا يتكاثر. فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون السمك عندما يربى بهذه الصناديق لا يتكاثر، لا يمنع من الجواز، ما دام ذلك في مياة طاهرة، ويوفر لها صاحبها ما تحتاجه من الغذاء الطاهر، ولا يضر غيره بذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 118880.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1430(9/136)
حكم أخذ كمية من التراب من مكان عام أو خاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في من يأخذ تراباً -كمية بسيطة كيس نايلون مثلاً مليء بالتراب- من مكان عام، أو من أرض زراعية لكي يستعملها في زراعة نباتات بسيطة يزين بها البيت كالزهور.
أفيدونا؟
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأخذ من المال سواء كان المال خاصاً أو عاماً حرام، فالمال الخاص لا يجوز الأخذ منه إلا بإذن صاحبه، وأما المال العام فلا يجوز الأخذ منه إلا لمن يستحق ذلك، أو لمن أذن له المسؤول المخول بالإذن بذلك، وهذه الكمية البسيطة من التراب الواجب أن يستأذن من أراد أخذها إذا كانت لها قيمة عرفاً، وذلك لعموم حرمة مال الغير قليلاً كان أو كثيراً، إلا أن تجري العادة بالمسامحة في مثل ذلك فإن للعادة والعرف اعتباراً في الشرع.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14984، 99479، 117429.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1430(9/137)
أيها أفضل الاشتغال بالنوافل أم الذكر أم التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أكثر أجرا وثوابا كثرة النوافل، أم كثرة قراءة القرآن الكريم،أو كثرة الأذكار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
جواب هذه المسألة ونحوها مبنى على أصلين:
الأصل الأول: أن جنس الصلاة أفضل من جنس تلاوة القرآن في غير الصلاة، وأن جنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الأذكار.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. ولهذا نص العلماء على أن افضل تطوع البدن الصلاة.
وقال عليه الصلاة والسلام: أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. رواه أحمد.
الأصل الثاني: أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره فاضلا وهو نوعان:
أحدهما: ما هو مشروع لجميع الناس
والثاني: ما يختلف باختلاف أحوال الناس
أما الأول فمثل أن يقترن بزمان أو بمكان أو عمل يكون أفضل، مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من أوقات النهى عن الصلاة؛ فان القراءة والذكر والدعاء أفضل في هذا الزمان، وكذلك الجنب الذكر في حقه أفضل، والمحدث القراءة والذكر في حقه أفضل، فإذا كره الأفضل في حال حصول مفسدة كان المفضول هناك أفضل بل هو المشروع.
والنوع الثاني: أن يكون العبد عاجزا عن العمل الأفضل إما عاجزا عن أصله، كمن لا يحفظ القرآن ولا يستطيع حفظه، أو عاجزا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال، فمن الناس من يجد في الذكر من اجتماع قلبه وقوة إيمانه واندفاع الوسواس عنه ومزيد السكينة والنور والهدى ما لا يجده في قراءة القرآن، بل إذا قرأ القرآن لا يفهمه أو لا يحضر قلبه فهمه ويلعب عليه الوسواس والفكر، كما أن من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القرآن وفهمه وتدبره ما لا يجتمع في الصلاة بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك وليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد، بل كل واحد يشرع له أن يفعل ما هو افضل له.
إذا عرف هذان الأصلان فيقال: الأذكار المشروعة في أوقات معينة: مثل ما يقال عند جواب المؤذن أفضل من القراءة في تلك الحال، وكذلك ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال عند الصباح والمساء وإتيان المضجع مقدم على غيره. وأما إذا قام من الليل فالقراءة له أفضل إن أطاقها وإلا فليعمل ما يطيق والصلاة أفضل منهما. وراجع للفائدة مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ففيه كلام نفيس. وراجع للفائدة أيضا الفتوى رقم: 113720، والفتوى رقم: 12178، والفتوى رقم: 31383.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1430(9/138)
كيفية التعامل مع أسرة يكثر فيها سب الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلة تحسب على الإسلام، يكثر فيها سب الله تعالى وفي الأماكن العامة وبأبشع الألفاظ، وخصوصا عند الأطفال، وآباؤهم يسبون الله تعالى، ويعرفون ما يقوم به الأطفال من هذا العمل الشنيع.
ما موقف الناس الذين يسمعون ذلك؟
وكيف نتعامل معهم، وما معنى إنكار المنكر في هذه الحالة؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يسب الله -سبحانه وتعالى- فإنه يكفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وانظر لذلك الفتوى رقم: 18080.
والواجب على المسلمين أن ينكروا على من فعل ذلك -بحسب استطاعتهم-، وانظر تفاصيل ذلك في الفتوى رقم: 68385.
وإذا لم يكن هناك حاكم شرعي يقوم بحق الله تعالى، ولم تكن إلا المحاكم المدنية فحاولوا أن تثبتوا جريمة هذه الأسرة في حق الله تعالى، وارفعوا دعوى ضدها إلى تلك المحاكم، فإن كثيراً من القوانين الوضعية تجرم سب الأديان والتعرض للمقدسات.
وإذا عجزتم عن الضرب على يد أفراد هذه الأسرة عن طريق القضاء، ولم يبق أمامكم إلا الإنكار باللسان والقلب، فاعلموا أنه يلزمكم عدم مشاركتهم في مجلس ينطقون فيه بالكفر، وانظر لوازم الإنكار بالقلب وذلك في الفتوى رقم: 1048.
وإن كان هؤلاء ينزجرون بمقاطعة أهل الفضل والصلاح لهم، فقاطعوهم واهجروهم، ولا تشاركوهم في أي عمل، واتركوا المجالس التي يتواجدون فيها، فضلاً عن التبسط في الحديث معهم وافعلوا ذلك غضباً لله جل وتعالى.
وأما الأطفال محل السؤال فإنهم قبل البلوغ لا يجري عليهم قلم التكليف، ومع ذلك فالواجب كفهم عن النطق بكلمة الكفر، وحجزهم ومنعهم من ممارسة الحرام، وعدم تمكينهم من ذلك، ورفع أمرهم إلى أوليائهم، وانظر علامات البلوغ في الفتوى رقم: 7762.
وعليكم أن تحفظوا أطفالكم عن مخالطة أولئك الأطفال الفاسدين، حتى لا يتأثروا بهم، فإن الصاحب ساحب، والطباع سراقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(9/139)
المفاضلة بين بني آدم والكلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد التأكد من صحة هذا الموضوع. يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: في الكلب عشر خصال محمودة ينبغي أن تكون في المؤمن،1-أنه لا يزال جائعا حتى يطعم وذلك من آداب الصالحين.2- لا يكون له موضع يعرف به وذلك من علامة المحبين. 3- لا ينام من الليل إلا قليلا وذلك من صفات المحسنين. 4-إذا مات لا يكون له ميراث وذلك من أخلاق الزاهدين. 5-أنه لا يترك صاحبه وإن جوعه وطرده وذلك من شيم المريدين. 6-أنه يرضى من الدنيا بأدنى مكان وذلك من إشارة المتواضعين. 7- أنه إذا غلب على مكانه تركه وانصرف إلى غيره وذلك من علامة المتواضعين. 8- أنه إذا ضرب وطرد ودعي أجاب ولم يحقد وذلك من أخلاق الخاشعين. 9 -أنه إذا حضر شيء للأكل قد ينظر من بعيد وذلك من أخلاق المساكين. 10-إذا رحل من مكانه لا يرحل معه شيء ولا له شيء يلتفت إليه وذلك من صفات المجردين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام المذكور لم نقف على صحة نسبته للحسن البصري رحمه الله، وقد ذكره التلمساني في ترجمة أبي عبد الله الراعي وهو شمس الدين محمد بن إسماعيل الأندلسي الغرناطي ولد بها سنة 782 تقريبا، فقال: ومن فوائد الراعي في باب العلم من شرحه على الألفية: في الكلب عشر خصال محمودة ينبغي أن تكون في كل فقير ... " ثم ذكر نحوا مما في السؤال ثم قال:" وقد نسبه للحسن البصري رحمه الله تعالى ورضي عنه بمنه" اهـ من "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب " للتلمساني.
وأما من حيث صحة الكلام في نفسه فبعض الخصال المذكورة مما حث على مثله الشرع وهو من جملة الآداب، كالصبر، والوفاء، والرضا بالقليل، وترك المزاحمة على الدنيا، وعدم الحقد.
وفي بعضها نظر، كمدح من لم يترك ميراثا وعده من الزاهدين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص لما أراد التصدق بماله كله: إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. رواه البخاري ومسلم.
وما ثبت من أقوال الصالحين فيعرض على الشرع فما وافق الكتاب والسنة قبل، وما خالفهما رُدّ. ومن أراد معرفة ما يحسن الاتصاف به من أخلاق فلينظر في الكتاب والسنة ففيهما الغنية والكفاية.
وفي الكلب خصال محمودة فعلا، وقد بالغ بعضهم في مدحه حتى ألف كتابا سماه: "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" وهو للأديب محمد بن خلف المرزباني، مع لفت النظر إلى أن الكلب وإن اتصف بصفات حسنة، فإنه لا يجوز تربيته أو اقتناؤه إلا في الحالات التي رخص فيها الشارع ككلب الصيد أو الماشية. ويرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 18892، ففيها تفصيل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(9/140)
المؤاخذة مرفوعة عن الناسي
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قادما لصلاة العصر في المسجد فلم أجد مكانا لأضع سيارتي فيه، فقمت بإغلاق طريق سيارتين وقلت أنطلق بها بسرعة فور انتهاء الصلاة، لكني نسيت الموضوع ولم أذكر ذلك إلا وقت الصلاة التالية، وأصبت بدهشة عندما وجدت أن السيارتين اللتين أغلقت عليهما الطريق قد خرجتا، فأدركت كم كانت العملية صعبة عليهم، سؤالي هو أني أصاب بالذعر عندما أفكر أن أصحاب السيارات التي أغلقت عليها سيحضرونني يوم القيامة ليقتصوا مني على ما سببت لهم من حرج لا أعلم درجته، والمشكلة أني لا أعرف أصحاب هذه السيارات لأعتذر لهم وأقدم لهم التعويض الذي يريدونه، فماذا أفعل لأكفر عما فعلت، دلوني آجركم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيظهر من السؤال أنك معذور لأنك لم تتعمد الإيذاء أو المضايقة، بل ما حدث كان سببه النسيان، والنسيان مما رفعت المؤاخذة به عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا. قال الله: قد فعلت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وعليه فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، ولا بأس بأن تدعو لصاحبي السيارتين بالخير، وإكثارك من الحسنات مطلوب على كل حال، وهو أشد طلباً لو شككت أنك أسأت لأحد فهذا مما يمحو الله به الإساءة كما قال سبحانه: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114} .
وقد تكلمنا عن حكم ما صدر من المكلف من أقوال وأفعال دون قصد في فتوى سابقة وهي تحت الرقم: 27509.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(9/141)
حكم وصف الإنسان نفسه بأنه عالم رباني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للعالم وصف نفسه بالعالم الرباني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العالم الرباني هو العالم العامل المعلم، فإن حرم خصلة منها لم يقل له رباني كما قال أهل التفسير عند قول الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ {عمران:79} . أي علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة الألف والنون للتفخيم.
وراجع في تعريف العالم الرباني فتوانا رقم: 45808.
ولو اتصف المسلم بصفات العالم الرباني فعلا فعليه أن يحمد الله تعالى على ذلك ويسأله العون على شكره.
ولا ينبغي له أن يزكي نفسه ويصفها بذلك لأن تزكية النفس منهي عنها شرعا ومذمومة طبعا فقد قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم:32} .
وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {النساء:49} .
قال القرطبي في تفسيره هذه الآية وقوله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل، فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه وإنما العبرة بتزكية الله له.
وكان السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم يبتعدون عن تزكية نفوسهم ويكرهون ذكر مآثرهم وهم الذين زكاهم الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: وقد كان الرجل منهم إذا زكي قال: اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وفي رواية غيره: كان أبو بكر إذا مدح قال اللهم أنت أعلم مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون.
ولذلك فالعالم الرباني لا يزكي نفسه ولا يغتر بتزكية غيره ومدح الناس له..
وعليه أن يقتدي بالسلف الصالح ويبتعد عن كل ما يجر إلى الغرور..
ومحل النهي عن تزكية النفس وذمه كما قال العلماء: إذا كان بقصد الفخر والتعالي على الناس أو ما أشبه ذلك، وأما إن كان لمقصود شرعي فلا حرج فيه.
انظر تفاصيل ذلك وأدلته في الفتوى رقم: 74140.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(9/142)
سأل زميله عن سؤال وأجاب الباقي بمجهوده فحصل على ممتاز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب ممتاز حصلت على تخصص ممتاز في الجامعة ما بين عدة طلاب ترشحوا له، وما يقلقني هو خطأ ارتكبته في الامتحان حيث استعصى علي الامتحان، لأنه لا يمكن حله إلا بعد حل السؤال الأول، وأنا لا أعرف حله، فسألت زميلي بجانبي فأخبرني عنه، وانطلاقا منه أنجزت الباقي بمجهودي، فهل النقاط المحصول عليها بمجهودي والمبنية على نتائج السؤال المغشوش والتخصص حلال أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن الغش في الاختبارات من الأمور المحرمة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2937، والفتوى رقم: 10150.
فمن فعل ذلك وجبت عليه التوبة، ولكن لا يلزمه إعادة الاختبار مرة أخرى، وما ترتب على نتيجة هذا الاختبار من حصول شهادة أو وظيفة، فالظاهر أن من أتقن ما يؤهله لهذه الشهادة وتلك الوظيفة من علم أو خبرة أو مهارة، أنه لا حرج عليه إن شاء الله، كما سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46318، 52777، 94865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1430(9/143)
ترك العمل في دكان أبي صديقه فقاطعه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مشكلة جديدة في مجال العمل، كنت أعمل محاسبا في إحدى المحلات الخاصة، وكان ابن صاحب المحل صديقي العزيز، وكنت أكن له فائق المحبة لدرجة كنت مستعدا أضحي بنفسي من أجله، وهو كان بالنسبة لي مثل الأخ وأكثر، وكان هو يدعي نفس الشعور، ولكني كنت أشعر به بأنه يكذب ويجاملني لمصلحة عملهم؛ لأني كنت عصب المحل، وعندما تركت العمل عندهم انقلبت الآية، فأصبح يكرهني مثل ما يكره كل عدو له بسبب أني فتحت محلا لوحدي، وبدأت أخبر بعض الزبائن الذين كنت أعرفهم، وأنا أعمل عندهم وأخبرهم بأني أصبحت لوحدي، هذا السبب بنظره عيب؟
السؤال: هل أنا أخطأت عندما اتصلت بالزبائن، وهل هذا مخالف للشرع الإسلامي؟
ما هو برأيكم ما يجب علي تصرفه مع صديقي؟
أعتذر عن الإطالة. ولكن السؤالين مرتبطان ببعضهما. أرجو الإجابة والنصح، ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمبالغة في الحب والبغض أمر غير محمود، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. رواه الترمذي وصححه الألباني.
أما عن سؤالك، فإن المنهي عنه شرعاً هو البيع على بيع المسلم والشراء على شرائه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. متفق عليه، قال النووي في شرح مسلم: فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع، وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك. وأما ما فعلته من إخبار الزبائن عن محلك الجديد، فليس فيه مخالفة شرعية، وليس من حق هذا الرجل أن يعترض على ذلك، وأن يعاديك من أجله.
والواجب عليك ألا تقاطعه أكثر من ثلاثة أيام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
وينبغي أن تبين له أنك لم تفعل شيئاً مخالفاً للشرع، ولم تقصد الإضرار به، ويمكنك أن تستعين ببعض أهل الدين والمروءة ليصلحوا بينكما.
وننصحك بأن تحذر من نزغات الشيطان، وألا تقابل الإساءة بمثلها، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(9/144)
أدب الأخ الكبير مع إخوته الصغار
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لكم هو في علاقتي بإخوتي فأنا شاب عمري 22 عاما وأنا أكبر إخوتي ولدي أخ أصغر عمره 15 عاما وهو لا يحترمني بتاتا ولا يعاملني على أني أخوه الكبير بل يتطاول علي أحيانا بالكلام البذيء الذي يجرحني وكذلك لو أني بدأت أستخدم يدي ابتدأ هو الآخر في استخدامها بعنف شديد وكلما أشكو لأبي منه فإن أبى لا يعطيني حقي وكذلك لا يعاقبه، إما أنه يوجه إليه بعض الكلام التافه مقارنة بما يفعله، ولقد احترت في معاملة أخي هذا فعاملته باللين فلم ينفع، أخذته صاحبا لي فلم ينفع، عاملته بالعنف فلم ينفع أيضا حتى أنه بسببه أبي غضب جدا مني وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث بل كل مرة يحدث خلاف أبي يغضب مني أنا لو أني عاقبته بما فعل ولو لم أعاقبه أبي لا يتكلم معه وكذلك بسببه لي أخت عمرها 19 عاما تطاولت علي هي الأخرى بسببه فضربتها وبعد أن حكيت لأبى أنهم تطاولوا علي لم يتكلم معهم ولم يحاول أن يقول لهم إن هذا غلط فأنا يا سيدي محتار الآن هل أتجنبهم تماما علما بأني حلفت أنهم ليسوا إخوتي فهل هذا يكون قطعا للرحم فأنا والله لا أجد أمامي سوى هذا الحل أو أني أتعامل معهم وبذلك تحدث الخلافات ويغضب مني أبي مرة أخرى وأخاف أن يكون هذا عقوقا للوالدين، فأنا يا سيدي أطلب منك التالي أن تساعدني في حل مشكلتي وأن ترشدني لى ماذا أفعل معهم، وكذلك يا سيدي ما حكم الشرع في ما حلفت عليه، وأني قلت إنهم ليسوا إخوتي علما أني قلتها وأنا أقصدها ولا زلت ناويا على فعلها أي ألا أعتبرهم إخوة لي، فساعدوني ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى أن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه، فالذي ننصحك به هو أن تُعامل إخوتكَ بلينٍ ورفق، وراجع الفتوى رقم: 75903.
واعلم أنك قد أخطأت بضربك لأختك لمجرد أنها تطاولت عليك، اللهم إلا إذا كنت تقصد بتطاولها أنها ضربتك، وعليكَ أن تحتملَ إساءتهم وجفوتهم فأنت الأكبر، والتبعة على الكبير أثقلُ منها على الصغير، وعليكَ أن تسعى إلى تقويمهم بلينٍ ورفق، وبالنصيحة الهادئة البعيدة عن الاستفزاز وإثارة كوامن النفس، وعليكَ أن تدفع سيئتهم بالحسنة، وثق أنك إن فعلت فسيزول ما بينكم من الشحناء، وتُبدل الضغينة بالتراحم والمحبة، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
وأما مُقاطعتك لهم وتركك تكليمهم واجتنابك لهم اجتناباً تاماً فلا ننصحك به البتة، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: إن كنت كما تقول فكأنما تسفّهم الملّ أي الرماد الحار أخرجه مسلم،
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
وإذا قاطعت إخوتك لأجل هذه الأمور التي ذكرتها، والتي يحصل مثلها في عامة البيوت فقد فاتك هذا الفضل العظيم، والأجر الجسيم.
وأما اليمين التي حلفت عليها، فإن كنت قصدت بها أنكَ تحلف على هجرهم وترك تكليمهم وهذا هو الظاهر، فإنها يمينٌ على معصية فلا يجوزُ الوفاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض وهذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
ولا يرخص في الهجر إلا لمصلحةٍ شرعية كما بين ذلك العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هجر المسلم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم، ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً أو ابن أخ أو عمّاً أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً. اللهم إلا إذا كان على معصية، وكان في هجره مصلحة، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به، لأن هذا من باب إزالة المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم حتى يوجد ما يقتضي الإباحة. انتهى.
وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 96826، والفتوى رقم: 27765.
وعلى هذا فيلزمك الحنث في هذه اليمين وأن تكفرَ عنها بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم تستطع فعليك صيام ثلاثة أيام كما أمر الله عز وجل.
وأما إن كنت قصدت بيمينك أنهم لا يفعلون معك الأفعال اللائقة بالإخوة فلا شيء عليكَ في هذا إن كان الأمر كما ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1430(9/145)
موقف الأخت إذا كان أخوها غير مؤتمن عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 17 سنة، عندما كنت طفلة اغتصبت كثيرا من قبل أخي الذي يكبرني سنا، والآن أحس بالخوف الشديد والتوتر كلما أراه، ولكن ينتابني شك في عدم عذريتي؟ أتمنى إفادتي كيف أستطيع أن أقضي على هذه الوساوس، وأن أباشر حياتي بشكل طبيعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أخوك قد فعل بك ما ذكرت بعد بلوغه فقد ارتكب وزرا عظيما، وأتى منكرا من الفعل لما في ذلك من تعدي حدود الله وانتهاك حرماته، ويلزمك اجتنابه كالأجنبي لأنه غير مؤتمن، وأنت لا تؤاخذين على ذلك ولو كنت مختارة لأنك إذ ذاك ما زلت صبية.
وأما الوساوس والهواجس التي تراودك فيمكن صرفها بالإعراض عنها، وذكر الله عز وجل عند حضورها؛ لأنها من الشيطان، وغشاء البكارة إن كان قد زال فلا تخبري أحدا بذلك، ولو سألك من ستتزوجين فأخبريه بأن غشاء البكارة يزول بأسباب كثيرة، ولا تذكري ما حصل، وإن كان أخوك لا يزال مصرا على تلك الأفعال القبيحة، فأخبري والديك ليردعاه ويمنعاه من تلك الأفعال.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 100461، والفتوى رقم: 115324.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1430(9/146)
حكم ربط الطفل بحبل بقصد الحفاظ عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن نربط الأطفال بحبل على شكل حزام ونمشي بهم، وهل هذا يعتبر تشبها بربط الكلاب لأن هناك ضرورة جدية وهي أن الطفل مشاغب جدا وقد يفلت من أيدي ويذهب للشارع، أما بالحبل فلا يستطيع أبدا، أفتونا جزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فربط الطفل بحبل للمصلحة التي ذكرتها السائلة لا حرج فيه، ولا سيما إذا تعين وسيلة لحفظه من المخاطر بشرط أن لا يتضرر به بدن الطفل، ولكن ينبغي أن يراعى في هذا الربط مع كونه لا يضر بالبدن أن لا يوقع في معنى مذموم كهذا الذي ذكرته السائلة من الشبه بالكلاب، فينبغي مراعاة مكان الربط للتخلص من هذا الشبه، فيربط من إحدى يديه مثلا، بدلا من جعله في عنقه أو على الهيئة التي ذكرته السائلة؛ ولا سيما والعنق أقرب لحصول الأذى للطفل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه متفق عليه. وراجعي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ذكرناه في الفتوى رقم: 29512.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح المختصر على بلوغ المرام: التشبه بالحيوان في كل شيء من الأمور المنهي عنها لأن الله تعالى فضل بني آدم على كثير ممن خلق، وكرم الله بني آدم فحملهم في البر والبحر فلا ينبغي للإنسان أن ينزل بنفسه حتى يكون كالحيوان. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1430(9/147)
تخيل المرء أن ما حدث له وقع في الماضي مع نفس الأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يحدث مع الإنسان موقفا يتهيأ له في ذاكرته أن هذا الموقف قد حصل معه في الماضي فعلاً مع نفس الأشخاص، ما تفسير هذا الأمر؟ ومدى علاقته بحديث الأرواح جنود مجندة. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون هذا الأمر من الإنسان مجرد تخيل لحدوثه مع نفس هؤلاء الأشخاص، ولا يكون قد حدث معهم فعلا في الماضي، وإن كان قد حدث فعلا في الماضي فلا يبعد أن يكون سببه شيئا من توافق الطباع بينهم، وتوافق الطباع واحد من المعاني التي فسر بها حديث: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. متفق عليه. ولمزيد الفائدة بخصوص معنى الحديث راجع الفتوى رقم: 99898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(9/148)
الأحكام الشرعية لا تؤخذ بالهوى ولا التشهي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الجماع في ظهر رمضان..
علمت أن بعض الشيوخ بتشددون في الكفارة ويرون أنها صيام شهرين متتابعين مع أن الواضح من الحديث النبوي الوحيد عن كفارة الجماع في رمضان اليسر والسهولة والليونة النبوية مع الصحابي من التنقل من عتق الرقبة إلى الصيام إلى الصدقة..
كما نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان دائما يختار الأمر الأسهل والأيسر عندما تكون مسألة شرعية..
فلماذا التشدد من بعض الشيوخ في وجوب الصيام لشهرين متتابعين وعدم الانتقال للصدقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرميك هؤلاء الشيوخ بالتشدد وقد أفتوك بما دل عليه النص غلط منك، ونحن نحذرك من الوقيعة في العلماء فإن لحومهم مسمومة، فليس كونهم أفتوا بفتوى تخالف هواك دليلا على كونهم متشددين، وإلا فمن الممكن أن يقال إنك أنت متساهل ومتهاون في أحكام الشرع، وليس المقام مقام سباب وشتائم، فالواجب أن يترفع المسلم عن مثل هذا وأن يكون مرد الأحكام الشرعية عنده إلى الدليل من الكتاب والسنة.
وقبل بيان حكم هذه المسألة ننبه على أن الاستدلال بأن الدين يسر وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختار الأيسر من الأمور، الاستدلال بذلك على اتباع الرخص والزلات وترك التمسك بما دلت عليه النصوص الواضحة من أعظم الغلط فإن الذي قال إن الدين يسر هو الذي أنزل عليه خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ، وهو الذي أمر بالبعض على سنته بالنواجذ، فلا يضرب ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به، بل الواجب العمل بكل النصوص والجمع بينها، وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم يسر كلها والله عز وجل ما جعل في الدين من حرج، والنبي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما وتمام الحديث يشهد بالقاعدة التي ذكرناها.. ما لم يكن إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس عنه. متفق عليه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن أن يختار الأيسر إذا كان خلاف الشرع الشريف، وهذه المسألة مما يشهد ليسر الشريعة فإن الله ما جعل علينا في الدين من حرج والعاجز عن الشيء يسقط عنه ما عجز عنه فإن كان له بدل انتقل إليه وإلا فهو معذور والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل المجامع من عتق الرقبة إلى صيام الشهرين إلا لما أخبر بعجزه عن عتق الرقبة فدل على أنه إن كان قادرا عليها لزمته ولم يجز له الصيام، ولم ينقله من الصيام إلى الصدقة والإطعام إلا حين أخبر بعجزه عن الصيام فلو أطعم مع القدرة لم يجزئه ذلك وكان فاعلا غير ما أمر به، فالواجب على من جامع في نهار رمضان هو ما دل عليه هذا الحديث المتفق على صحته وهو عتق الرقبة فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا فإن عجز فلا شيء عليه حتى يستطيع، وهذا كله من يسر الشريعة ورحمتها بالمكلفين.
والقول بأن كفارة الجماع على الترتيب المذكور هو قول الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وهو الصحيح أو الصواب، وذهب مالك إلى أنها على التخيير، وقوله رحمه الله مرجوح، أفتراك تصف كل هؤلاء الأئمة وأعلام الدين الذين قالوا بما قال به هؤلاء الشيوخ من وجوب الصيام وأن الإطعام لا ينفع مع القدرة على الصيام أفتراك تصفهم بالتشدد.
فعليك أخي أن تعرف لأهل العلم قدرهم، وأن تعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بالهوى ولا بالتشهي وإنما مردها إلى ما دلت عليه النصوص، وأن أحكام الشرع ليس فيها حرج ولا تضييق على المكلفين، وهذا معنى يسر الشريعة المطهرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1430(9/149)
حكم مجالسة من يحكم عقله ويساوي بين المؤمن والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشخص الذي يحكم عقله في كل شيء حتى في آيات القرآن، وعنده يتساوى الكافر مع المؤمن مع الفاجر والفاسق، فكل بشر، وله حق الحياة والتمتع بها دون الارتباط بالدين؟
وما حكم مجالسة هذا الشخص؟ والأكل معه حيث يربطنا سكن واحد تابع للشركة التي نعمل بها؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن تحكيم العقل في أحكام الشرع ليصحح منها ما ناسب صاحبه، ويبطل ما ليس كذلك زيغ وضلال، والدين إنما يؤخذ بالشرع لا بالعقل، ولا يمكن أبدا أن يقع تناقض بين الشرع والعقل السليم، فمثال العقل مع الشرع كمثال العين مع الشمس، فإذا فتحت العين وكانت سليمة رأت الشمس، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23028، 69219، 20458.
أما التسوية بين المسلم وغيره، فإن كان المقصود بها مجرد استحقاقه للحياة، فهذا لا بأس به، على أنه ليس الأمر كذلك في كل كافر، فالكافر المحارب غير معصوم الدم كما هو معلوم، وأما إن كان المقصود أنهم كلهم سواء في الحق والباطل، وأنه لا ينبغي أن تقوم الحياة على أساس ديني، فهذه هي العلمانية، وهي تعني اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وأن الدين يبقى بمعزل عن الدنيا وأمورها، وقد سبق أن بينا حكمها وخطرها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2453، 5490، 62210.
وأما مساكنة ومجالسة هذا الشخص، فإنه إن كان قد نُصح فلم ينتصح، وبُيِّن له الحق ولم يقبل، فلا تجوز مساكنته ولا مصاحبته إلا للضرورة. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57344، 51868، 65447، 32258، 73705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(9/150)
السكنى مع بنات فاسقات والأكل من طعامهن وقبول هبتهن
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن مع بنات وهؤلاء البنات هن بنات ليل ومن طيبتهن كن يدعونني إلى الطعام وآكل معهن بل تصدقوا علي ببعض الملابس والمكياج وقد قبلتها الآن أعاني من تأنيب الضمير من الأكل، أما الملابس والماكياج فلم أستعملهم لكن أحتفظ بهم فأجيبوني وادعوا لي بالاستغفار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين بقولك "بنات ليل" أنهن زانيات, فالزواني فاسقات خبيثات هكذا وصفهن الله في كتبه, فقال سبحانه: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ {النور: 26} .
يقول ابن القيم: فإن الزانية خبيثة كما تقدم بيانه. انتهى.
فلا يجوز لك بعد ذلك وصفهن بالطيبات، أما بخصوص سكنك معهن فهذا لا يجوز لأن الصاحب المخالط يتأثر ولا بد بأخلاق صاحبه, وكما قيل الصاحب ساحب , فلا تأمنين – حال سكنك - أن يفسدن عليك دينك وخلقك بسبب فسوقهن وعصيانهن, فينبغي هجرهن ومفارقتهن, فقد قال الله سبحانه: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {هود:113} .
قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإنَّ صُحبتهم كفر أو معصية، إذْ الصحبة لا تكون إلا عن مودة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وفي الصحيحين عنه أنه لما اجتاز بديار ثمود قال: {لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين؛ فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لئلا يصيبكم ما أصابهم} فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب. وهكذا السنة في مقارنة الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي لا ينبغي لأحد أن يقارنهم ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل وأقل ذلك أن يكون منكرا لظلمهم ماقتا لهم شانئا ما هم فيه بحسب الإمكان كما في الحديث: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. انتهى.
أما بخصوص كسب الزانية فإنه سحت محرم فإن كان ما أطعموك من طعام وما أعطوك من ملابس ونحوها من عين المال المحرم فلا يخلو الحال من أمرين: إما أن تكوني فقيرة محتاجة لهذا المال وهذا هو الظاهر من كلامك حيث ذكرت أن هذا كان على وجه الصدقة فعندها يجوز لك أخذه والانتفاع به, أما إذا كنت مستغنية وكان هذا على سبيل الهبة فإنه لا يجوز لك الانتفاع به أصلا, ولا يجوز كذلك رده لهن لأنه لا يحل لهن أيضا ولكن تصدقي به على أهل الفقر والحاجة, هذا بالنسبة للملابس ونحوها، أما بالنسبة للطعام الذي طعمتيه, فعليك ضمان قيمته وإخراجها للفقراء والمساكين.
فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج وكان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
جاء في فتح الباري: قال ابن التين انما استقاء أبو بكر تنزها لأن أمر الجاهلية وضع ولو كان في الإسلام لغرم مثل ما أكل أو قيمته ولم يكفه القيء كذا قال والذي يظهر أن أبا بكر انما قاء لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن، وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته والكاهن من يخبر بما سيكون عن غير دليل شرعي وكان ذلك قد كثر في الجاهلية خصوصا قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
أما إذا كانت هذه الهبة من مالهم المختلط حلاله بحرامه , ولم تكن من عين المال الحرام فإنه يجوز لك الانتفاع بها.
فقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل معه مال من حلال وحرام فهل يجوز لأحد أن يأكل من عيشه أم لا؟ فأجاب: إن عرف الحرام بعينه لم يأكل حتما وإن لم يعرف عينه لم يحرم الأكل منه , لكن إذا كثر الحرام كان متروكا ورعا. انتهى
وقد يترجح الأكل والأخذ في حال كون المال مختلطا إذا كنت تؤملين من ذلك مصلحة وذلك كتألفهن مثلا حتى تتمكنين من تذكيرهن بالله وتحريضهن على التوبة وترك المنكرات ونحو ذلك, أما إذا لم تكن هناك مصلحة فالظاهر أنه يترجح ترك هذه الهبات وردها ليس لكونها في ذاتها محرمة, بل لأن مثل هؤلاء يجب هجرهن ومقاطعتهن وإنكار أفعالهن كما سبق ولا شك أن الهدية لا تحقق هذا المقصود بل تحقق عكسه من التواد والتآلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1430(9/151)
أدب المرأة التي تأخر زواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هو أننى أبلغ من العمر 28 عاما ولم يتقدم أحد لخطبتي، كلما أعجب بى شخص وحاول الارتباط ويسأل عني وعن أخلاقي ويقتنع بى وقبل أن يأتى لمقابلة أبى تحدث له مشكلة في شغله أو في حياته ولم يتقدم أي شخص وهذا حدث مع خطاب كثيرين كثيرين. فسروا ذلك بوقف الحال، وأنا لا أدري لماذا يحدث لي ذلك الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يقر عينك بزوج صالح تسعدين معه في الدنيا والآخرة، أما عن سؤالك، فإن تأخر زواجك قدر من أقدار الله التي كتبها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والتي يجريها على عباده بحكمته البالغة ورحمته الواسعة، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا.
قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} .
قال ابن القيم: والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليا. انتهى.
وفي خصوص قول البعض لك إن ذلك قد يكون بسبب شيء كالسحر ونحوه، فلا نرى لك أن تنساقي وراء هذه المزاعم، إلا أن تظهر بعض الأمارات لذلك، وعلاجه حينئذ ميسور بإذن الله، بالرقى المشروعة وهي مبينة بالفتوى رقم: 2244.
وعلى كل حال فإن المحافظة على الأذكار النبوية والتوكل على الله حصن ودواء لتلك الأمور، وننبهك إلى أنك إن استقمت على طاعة الله وصبرت، فلن يضيعك الله أبداً، وأبشري بكل خير، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(9/152)
حكم التحذير ممن يكثر من الزواج والطلاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أوروبا ولي سؤال مهم جداً وأرجو الجواب قريبا.. السؤال: أنا شاب متزوج ولي أطفال وتزوجت مرات عديدة والآن أصدر شاب عني تحذير عام بإرسال رسائل الجوال عند الجميع تحذيراً عني وقال إني أتلاعب بالزواج مع أنه لم يأت عندي للاستفسار مني، إنما اكتفى بالتحذيرعبر ال أس أم أس، وعلماً بأني تزوجت 3 مرات بجميع الشروط الشرعية مع موفقة ولي أمر النساء وتزوجت من امرأة ثيب بدون موافقة ولي أمرها لأني أنا مع قول بأن الثيب تنكح نفسها وتقدمت عند أبيها ورفض مع أنه الأخت كانت خائفة من الزنا ووقعت في الزنا مع شاب آخر قبل أن أتقدم إليها وتزوجت بهذه الطريقة مرأة وحدة فقط والشباب حكموا بأني ألعب ... فهل هذا التحذير عند جميع الناس في محله وإن كان كذلك هل يصدر تحذير قبل أي نصيحة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج بلا ولي باطل عند جمهور العلماء، خلافاً للإمام أبي حنيفة رحمه الله.. ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب، ومذهب الجمهور هو الأصح لقوة أدلته، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 111441.
لكن إن كنت تزوجت بدون ولي وأشهدت على نكاح تلك المرأة لكونك تقلد مذهب أبي حنيفة القائل بصحة النكاح بدون ولي، فالنكاح صحيح ولكن الأحوط أن تجدد العقد على تلك المرأة مع وليها إذا كانت لا تزال معك.
أما عن سؤالك فإنك إذا كنت كثير الزواج والطلاق بدون مسوغ مقبول فذلك سلوك خاطئ ينبغي التحذير منه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 6875، كما أن تحذير هؤلاء منك جائز إذا كان بقصد دفع الضرر عن المسلمين واقتصر على قدر الحاجة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 116485.. ولكن كان الأولى أن ينصحوك قبل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1430(9/153)
علاج ميل الرجل إلى الرجال وفقدان الإحساس بالرجولة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ وعيت وأنا لم أعتبر نفسي رجلا، لدي إحساس أنني امرأة في جسد رجل أشتهي بعض الرجال وليس كلهم والحمد لله لم أفعل لواطا ولكن أمارس العادة السرية وأتخيل أن رجلا يطؤني، أنا أريد أن أعرف هل أنا رجل أم امرأة.... أرجوكم أفيدوني والحمد لله أنأ أصلي ولا أحد يعلم بهذا غيري إلا الله سبحانه وتعالى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي لك أن تتخلق بأخلاق الرجال وطبائعهم وسلوكهم، وتعمق في نفسك الشعور بحقيقة كونك رجلاً، ولا تسترسل مع الخواطر والهواجس المخالفة لذلك، ولتحذر أشد الحذر من التمادي مع تلك الهواجس، والتخلي عن مشاعر الرجولة والتشبه بالنساء، فإن ذلك من كبائر الذنوب.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. رواه البخاري في صحيحه. والمخنث هو المتخلق بخلق النساء.
كما أن هذا الأمر يجر إلى اللواط وهو من كبائر الذنوب ومن أفظع الفواحش، ومن انتكاس الفطرة، وفاعله يستحق العذاب والخزي في الدنيا والآخرة، وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 60129.
وإذا كان الله قد عصمك من الوقوع في تلك الفاحشة، فاحذر من استدراج الشيطان ومداخله، واعلم العادة السرية عادة خبيثة منكرة لها آثارها السيئة على فاعلها، في دينه ونفسيته وصحته، وقد سبق بيان حكمها في الفتوى رقم: 20819، كما سبق بيان كيفية التخلص منها في الفتوى رقم: 5524، والفتوى رقم: 7170.
ونوصيك بالبعد عن مخالطة أصحاب السوء، واختيار الرفقة الصالحة، التي تعينك على طاعة الله، وتربط قلبك بالمساجد، ومجالس العلم والذكر، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة كالصلاة والصوم وبر الوالدين وعليك بشغل أوقات فراغك بالأعمال النافعة، وممارسة الرياضة المفيدة، مع كثرة الدعاء والاستعانة بالله.
ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات النفسية بالموقع لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1430(9/154)
حكم ادعاء الوفاة لأجل تذكير الناس بالموت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إنشاء موضوع في منتدى باسم شخص ما وندعي أنه توفي أو أنه هو يدعي أنه توفي، ومن ثم في نفس الموضوع نكتشف بأنه لم يتوف وإنما كان قصده توعيتنا وتذكيرنا بالموت ويوم الحساب وأهواله؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فادعاء أن الشخص توفي وهو في الحقيقة لم يتوف يعتبر من الكذب، واختلاق القصص غير الحقيقية لأجل الموعظة وضرب الأمثال ونحو ذلك إذا كان القارئ لها يظنها حقيقة يعتبر من الكذب أيضاً.
وأما إذا كان لا يخفى كونها قصة خيالية غير حقيقية وأريد بها تذكير أو ضرب أمثال فنرجو أن لا يكون بذلك بأس، وتركها أولى كما بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13278، 95430، 109936، 95368.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(9/155)
كيفية التصرف مع ابن العم المصر على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ولد عمي يكبرني بسنتين، وعندما أقدم إليهم ويوجد لديهم الشبكة المحلية المجانية، وجوالي يدخل الإنترنت مجانا، فيأخذ الجوال ويرى ما هو قبيح. وكنت معه، ولكن الحمد لله أني تبت ولا أعرف هل علي ذنب لأنه يأخذه وبعد ما ينتهي منه يرده، وأنه كل ما يرى يراودني قلبي لأرى فأبتعد، إلى أن رأيت أمس بسببه واحدا. فما الحل معه؟ هل أتشاجر معه أم..... لا أعلم فأرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ينبغي لك السعي في هداية ابن عمك هذا أولاً، وإقناعه بضرورة الإقلاع عن جميع المعاصي والمحرمات، بما في ذلك مشاهدة هذه الصور القبيحة الفاجرة، وهذا انطلاقاً من واجب النصح لأهل الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وابذل له ما تستطيع من الوسائل في إقناعه، وأعطه أشرطة علمية ووعظية مفيدة مؤثرة، لعل الله يهديه على يديك، فيصيبك الثواب العظيم والأجر الكريم، ومع ذلك فإنه لا يجوز لك أن تعطيه جهازك الجوال إذا علمت أو غلب على ظنك أنه سيستعمله فيما لا يجوز ... فإن أصر على غيه بعد النصح والتذكير مراراً وتكراراً، فلا تزره واهجره في الله، فإن الشريعة قد أمرت بهجر أهل العصيان المصرين على بغيهم وعصيانهم، خصوصاً عند الخوف من تأثيرهم على دين الشخص أو خلقه قال سبحانه: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {هود:113} ، قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة. انتهى.
وفي صحيح مسلم أن قريباً لعبد الله بن مغفل خذف فنهاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين. قال: فعاد فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف، لا أكلمك أبداً. قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره. انتهى.
قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال ابن حجر في الفتح: ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على المبتدع ولا الفاسق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1430(9/156)
الحب الشديد للزوج وكيف يجعل في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحب الشديد للزوج لدرجة العشق هل هذا حرام وكيف أبدله بالحب لله لأني أحس أن كل دعائي لزوجي فكيف أتقرب إلى الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وجود المودة والألفة بين الزوجين أمر مطلوب شرعا وهو سبب لاستقرار الأسرة وعون لها على إقامة حدود الله، ومحبة الزوجة لزوجها أمر محمود ولا يحرم مهما زاد بشرط ألا يؤدي إلى محرم أو يمنع من واجب، ولمعرفة حكم العشق وأقسامه وعلاجه تراجع الفتوى رقم: 9360، لكن المبالغة في الحب والبغض عموما أمر غير محمود فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فلا شك أن القصد والاعتدال في الأمور مما يوافق الشرع ومن أسباب طمأنينة النفس.
أما كيف يتبدل ذلك الحب بحيث يكون لله فذلك بتقوية الإيمان بالله والحرص على أداء الفرائض والاجتهاد في النوافل، والتفكر في نعم الله والتعرف على صفاته وكثرة الذكر وقراءة القرآن مع التدبر ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(9/157)
قلت طاعاته فخرج ريح منتن من جسده فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شخص أصابه بلاء وهو أن سلطانه قبض، بمعنى أن نيته وتفكيره وعزيمته وتقواه ومراقبته لله ووجدانه وقوته الداخلية ذهبت ذهابا فعليا حقيقيا، وبعد فترة ظهر لجسده ريح منتن وهو حي، ولكن لا يدري ما سبب تلك الريح التي تصدر من جسده، وهو كان قبل ذلك على تقوى ودين نحسبه كذلك والله حسيبه، ولانزكي على الله أحدا. فأريد منك ياشيخ وفقك الله أن تنظر في هذه الحالة، وترينا ماسببها فيما غلب على ظنك، أومما تعلمه من علوم الشريعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا شيء في سبب هذا الأمر، وننصح هذا الشخص باستشعار مراقبة الله دائما، وبالتمسك بالدين والالتزام بالطاعات، والحفاظ على النظافة، واستعمال الطيب، فطاعة الله وتقواه سبب محقق لتحصيل جميع الطموحات فقد قال تعالى: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189} ، وقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(9/158)
حكم اقتداء الفتاة بأخرى لاجتهادها وذكائها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألكم هل يجوز اتخاذ شخص ما كقدوة، فهناك فتاة من سني شاركت في برنامج لله وكانت ذات شخصية قوية ومجتهدة جدا وذكية وفازت بالجائزة الكبرى وأنا كل ما أرى صورتها أحس برغبة في العمل والاجتهاد والتفوق مثلها فهل يجوز أن أكتب اسمها أو صورتها أو جملة في دفتري ... كي أتذكر دائما أن أجتهد مثلها للتذكير أنا فتاة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأقتداء والتأسي من أهم وسائل التربية والدعوة إلى الله وهو مشروع إذا كان بأهل الصلاح وكان الاتباع بإحسان فلا يحل أن يقتدي بغيره في أمر مخالف للشرع، كما أنه ينبغي أن يحذر من الإفراط والغلو في من يقتدي بهم، ولا شك أن الخير كل الخير في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمهات المؤمنين ونساء الصحابة ومن سار على نهجهم، وعليه فلا حرج عليك في الاقتداء بتلك الفتاة فيما لا يخالف الشرع، وأما عن الاحتفاظ بصورتك فذلك غير جائز، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 14721.
وننبه السائلة إلى أن هناك أمورا عديدة مشروعة تفيد وسائل التفوق وعلو الهمة وتجدينها في الفتوى رقم: 14877.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(9/159)
هل للمدرس أن يستفيد من خشب المدرسة بلا استئذان
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في المدرسة خشب للتدفئة، علما أنه لا يستعمل ويستفيد منه رئيس المؤسسة لمصالحه الشخصية، وعرض علي الاستفادة منه. فما حكم الشرع؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الخشب لا تجوز الاستفادة منه إلا لمن كان مشمولا بالإذن بالاستفادة منه من طرف الجهة التي تملكه أو المخولة بالإذن فيه؛ لأن الاستفادة منه دون هذا الإذن من أكل مال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ... {البقرة: 188} وهو كذلك من التخوض في مال الله بغير حق إن كان مملوكا للدولة، وقد جاء فيه الوعيد الشديد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة. رواه البخاري.
وبناء على هذا، فلا يجوز لمدير المؤسسة أن يستعمل الخشب المذكور في مصالحه الشخصية، ولا أن يعطيك منه إلا إذا شمله إذن الجهة المالكة أو المخولة بالإذن.
وللأهمية راجعي الفتويين: 77382، 96455.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(9/160)
هل يجامل الكافرة الراغبة في الزواج منه لتسلم ثم يتركها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أنني طالب في أمريكا، ولدي زميلة تجد نفسها متعلقة بي. كلمتها أني لا أقدر أن أقيم معها أي علاقة لأن هذا الشيء محرم، ولا أستطيع أن أتزوجها لأنها غير مسلمة ولا مسيحية ولا يهودية. لكنها قالت أنها ستسلم لكي تتزوجني. المشكلة أني لا أجد رغبة فيها ولا أميل إليها، فأخاف إن رددتها أن أكون صددت عن سبيل الله وعن دين الله. فما أدري كيف أتصرف؟
فكرت أني قد أستطيع أن أجاملها إلى أن تسلم، ومن ثم أخبرها أني لا أستطيع تزوجها، وقد ترى النور الذي في الإسلام.
وهذه الفتاة دائما تحدثني عن تكوين عائلتنا، وقد صارحتها أكثر من مرة أن زواجي منها غير ممكن.
فماذا ترون؟
أثابكم الله وجزاكم الله الجنة، ونصر إخواننا المستضعفين في بقاع الأرض.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في عدم إقامتك علاقة مع هذه الفتاة، فجزاك الله خيرا، ونوصيك بأن تكون منها على حذر على كل حال، فلا تكلمها إلا لحاجة، ومع مراعاة الضوابط الشرعية في عدم الخلوة ونحو ذلك.
وكما ذكرت فإنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج إلا من مسلمة أو كتابية عفيفة.
ولا يلزمك بأي حال الزواج من هذه الفتاة، ولا ندري ما تعني بقولك إنك تجاملها حتى تسلم، فإن كان المقصود أنك تكذب عليها أو تخدعها بإشعارك إياها أنها إذا اسلمت فستتزوجها فهذا لا يجوز، ولكن يمكنك أن تسلط عليها بعض المسلمات الصالحات ليرغبنها في الإسلام، ويبين لها أنه سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، ويمكن الاستعانة في هذا السبيل ببعض الفتاوى التي تبين أن الإسلام هو الدين الحق فراجع منها الفتويين رقم: 54065، 54711، فإن أسلمت وحسن إسلامها وأمكنك الزواج منها فافعل، وإن لم ترغب في الزواج منها فلا شيء عليك كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1430(9/161)
منعهم الإمام من حلقة القرآن لعدم استئذانهم منه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب أحببنا أن نحفظ كتاب الله لأنه إن ضيعنا حفظه الآن في هذا العمر فسوف نلقى صعوبة في حفظه إذا كبرنا في السن، لذلك أردنا أن نحفظ القرآن الكريم في بيت من بيوت الله بعد صلاة الفجر ولله الحمد بدأنا هذا العمل العظيم ولكن تفاجأنا أن إمام المسجد أتى إلى حلقة القرآن وطلب من الأخ الذي فرغ نفسه من أجل أن يعين إخوانه على حفظ كتاب الله جاء إليه وطلب منه أن يوقف الحلقة ومنعه من إقامة الحلقة بحجة أننا لم نستأذن منه. فسؤالي وفقكم الله هو هل عمل هذا الإمام شرعي؟ وهل الاستئذان يكون في بيوت الله من أجل تلاوة كتابه ومدارسته؟ أفيدونا بارك الله فيكم فإنه صارت بيوت الله وكأنها ملك خاص لبعض الناس وكأنها لم تبن من أجل عبادة الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ما يقوم به هؤلاء الشباب من تعليم كتاب الله تعالى وتعلمه هو من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ومن عبادة الله تعالى وعمارة المساجد التي من أجلها بنيت فينبغي أن يعانوا عليها ويشجعوا..
وكان ينبغي لهم أولا أن يستأذنوا المسؤول عن المسجد من إمام وغيره ما دام مكثهم فيه خارجا عن أوقات الصلاة وخاصة إذا كانت العادة جارية بإغلاق المسجد للمحافظة عليه وعلى أدواته.
وإذا كان الشباب محافظين على المسجد وملتزمين بأدابه، ولم يخش عليه أو على أدواته، فلا يحق للإمام ولا لغيره منع الناس منه وخاصة طلبة العلم، فقد كانت المساجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده مفتوحة لمصالح المسلمين عامة ومليئة بحلقات العلم.
فالمسجد ليس ملكا خاصا لأحد وبمجرد بنائه والإذن للناس بالصلاة فيه إذنا عاما يصبح وقفا لله تعالى، قال عز من قائل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا {الجن:18}
ولكن لا بد أن يكون للمسجد مسؤول عنه وقائم على مصالحة كبقية المؤسسات العامة ولهذا قلنا: ينبغي لكل من أراد أن يعمل دروسا أويقيم نشاطا دعويا.. أن يستأذن المسؤؤل.
وللمزيد انظر الفتويين رقم: 63687، 29365.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1430(9/162)
حلف كذبا حتى لا يضيع حق شركته
[السُّؤَالُ]
ـ[تمت معاملة مالية بين شركتي وبين أحد المتعاملين والذي كنت متأكداً أنه يحاول النصب على صاحب الشركة, حاولت نصيحة صاحب الشركة ولكنه لم يستمع لي نظراً لحداثة سني فى هذا الوقت وكونه مقتنعا بالتعامل مع هذا الشخص, والنتيجة كانت ضياع مبلغ كبير ولم نحصل فى المقابل إلا على شيك مسحوب على حساب بنكي مغلق مسبقاً, وبصفتي المسؤول المالي فقد قمت بفتح بلاغ بهذا الشيك في قسم الشرطة، الشرطة التابع له محل إقامة هذا الشخص، علماً بأنني كنت استلمت الشيك منه فى محل عملنا في مدينة أخرى, وتم القبض على هذا الشخص في قضية أخرى مشابهة ثم بدأت النيابة العامة التحقيق في دعوانا ونظراً لمكر هذا النصاب وسعة حيلته ومعرفته بثغرات القانون فقد حاول استغلال ثغرة من شأنها إضاعة حق الشركة أو على الأقل تأخير السداد عدة سنوات, وفى النيابة أثار هذه اللعبة وطلب شهادتي, وقبل أن أذهب استشرت أحد المحامين فأخبرني أنني إذا قلت الحقيقة فإن حق الشركة لدى هذا الشخص في حكم الضائع وطلب مني عدم قول الحقيقة إذا كنت أريد استرداد حقوق الشركة, ونظراً لعلمي بأنني سأقسم في النيابة فقد حاولت جاهداً لأجد مخرجا, وبالفعل هداني الله بأن توصلت إلى حل بأن أقوم بالتنازل عن هذه الدعوى مقابل الحصول من هذا الشخص على إيصال أمانة, وبالفعل عندما سألني رئيس النيابة رفضت الإجابة وقلت له لا داعي للشهادة فإنني قد جئت لأتنازل عن الدعوى مقابل ترتيب معين مع المتهم, وبالفعل قمت بعمل اتفاق مع المتهم على هذا الحل, ووافق فقمت بإرسال أوراق التنازل عن الدعوى إلى صاحب الشركة لتوقيعها ولكن مندوب الشركة تأخر في الرجوع لي, وفوجئت برئيس النيابة تنتابه العصبية ويسألني لماذا التأخير, فاستسمحته لبعض الوقت حتى يعود المندوب, ثم عاد لي أنا والمتهم بعد وقت قليل وقال لن نجلس طوال اليوم ننتظركم, وأخذني إلى مكتبه وأجبرني على القسم, ألححت عليه بأن ينتظر, واستسمحته وتذللت له ولكنه كان مصراً على أن ينهي الموضوع في الحال, أجبرني في النهاية على القسم ووجدت نفسي أمام خيارين إما أن أقول الحقيقة ويضيع الحق وإما أن أكذب ليثبت الحق, وبالرغم من أن رئيس النيابة يعرف الحقيقة بفراسته, وظهر من طريقتي أنني لا أريد أن أشهد وهو يعلم جيداً أن قول الحقيقة يضر صاحب الحق, إلا أنه أجبرني وبالفعل أقسمت اليمين وشهدت زوراً وقلت غير الحقيقة, وكانت النتيجة أن ثبت حق الشركة والحمد لله وردت حقوق الشركة والحمد لله, ولكني الآن وجدت نفسي أنني قد شهدت زوراً وحلفت يميناً غموساً, كان بقصد تثبيت الحق ولكنه غموس, فأرجو أن تفيدوني هل أنا مذنب وهل من كفارة, وادع لي الله أن يهديني؟ وجزاكم الله عني خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الواجب عليك أن تسعى في إثبات حقوق الشركة بدون الكذب أو اليمين الكاذبة، وكان يمكنك استخدام المعاريض أو التورية، أما الإقدام على الكذب الصريح والحلف على ذلك فهو جائز إذا تعين سبيلاً للحصول على الحق ولم يمكن استخدام المعاريض والتورية، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود.
قال الإمام النووي في رياض الصالحين: فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها والأحوط في هذا كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال. انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط كما في الإحياء أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً. فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك. انتهى.
فإن كان الوصول إلى الحق ممكناً بغير الكذب فقد أذنبت فيما فعلت وعليك المبادرة إلى التوبة والاستغفار، وإن كان ذلك متعيناً للوصول إلى الحق فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، ونسأل الله عز وجل أن يهديك ويصلح لك شأنك كله.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39152، 110625، 111035، 115358.
وراجع في بيان اليمين الغموس وحكم الكفارة فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7228، 7258، 34211، 50626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 محرم 1430(9/163)
هل يحضر عرس ابنة جاره ولو لم يدع
[السُّؤَالُ]
ـ[جاري أقام حفل زواج ابنته، فدعا الجيران ولم يدعني، فهل يجوز لي لهذا السبب أن لا أذهب إليه بمناسبة هذا الزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في أن لا تذهب إلى جارك في المناسبة المذكورة، ما لم يدعك لوليمة نكاح، وأما لو دعاك إلى الوليمة فإن الإجابة حينئذ تجب ما لم يشتمل العرس على محرم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 131.
هذا من حيث العموم، ولكن الشرع الحنيف قد أوصى بالجار وجعل له حقاً، وحض على الإحسان إليه، وحذر من الإساءة إليه، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. متفق عليه.
أما عن سؤالك.. فينبغي أن تلتمس العذر لجارك وتحسن الظن به، فلعله نسي دعوتك ولم يتعمد ذلك، وعلى فرض أنه تعمد ذلك، فينبغي ألا تقابل ذلك بمثله، وإنما ينبغي أن تقابل الإساءة بالإحسان، والخطأ بالعفو والصفح، فإن ذلك من حسن الخلق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حسن الخلق يثقل الموازين يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق. رواه الترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(9/164)
حكم التطوع لرعاية الأيتام والمعاقين وأبناء الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أتطوع وأصبح عضوا في جمعية تهتم بأطفال صغار هم أيتام ومعاقون وأبناء زنا وفيهم من تخلى عنه أهله لإعاقة به أو لوجودهم في السجن، هل أستطيع التطوع في الجمعية أم أكتفي بتقديم الإعانات من ثياب وحليب وحفاظات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على فعل الخير كله بأنواعه، لكل من يحتاجه، حتى مع الحيوان البهيم، فالقاعدة النبوية أن في كل ذات كبد رطبة أجرا. ولا يخرج عن هذه القاعدة أولاد الزنا وغيرهم ممن ذكر من المحتاجين للرعاية.
ففي صحيح مسلم في حديث الغامدية التي حملت من الزنا واعترفت وطلبت تطهيرها بإقامة الحد عليها، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترجع حتى تلد ثم ردها حتى تفطم وليدها، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فرجمت.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يضيع حق الرعاية لهذا الطفل، وإن كان ابن زنا، ولذلك أمر رجلا من المسلمين برعايته وكفالته.
وقد سبق بيان فضيلة كفالة الأولاد الذين يتخلى عنهم آباؤهم، في الفتويين: 75728، 22030. كما سبق بيان أن العمل الخيري والإغاثي يشمل كل ذي روح في الفتوى رقم: 96032.
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 53798، 44668، 68032.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1430(9/165)
هل يمرض الجسم بكثرة الكلام والنوم والأكل والجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[أربعة أشياء تُمرض الجسم: الكلام الكثير * النوم الكثير * والأكل الكثير *الجماع الكثير
هل هذا حديث؟ أم هناك حديث على أن الجماع الكثير يضر بالصحة؟ أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكلام المذكور لم نقف على نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما اطلعنا عليه من المراجع، وقد ذكره ابن القيم في زاد المعاد ولم ينسبه لأحد، ولذلك فهو ليس بحديث.
وقد فصل ابن القيم رحمه الله في هذه الأشياء الأربع وبين سبب إمراضها للجسم أو إضعافها له.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد معنى بعضها؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل. رواه أبو نعيم وغيره وهو حديث ضعيف.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرا يوم القيامة رواه ابن ماجه وضعفه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب بن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. رواه الترمذي وغيره وقال عنه حسن صحيح.
ولم نقف على حديث يفيد أن كثرة الجماع تضر بالصحة ولعلها من كلام أهل التجارب.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة حول هذا الموضوع في الفتاوى التالية أرقامها: 68071، 16248، 48493، 7372، 47229.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(9/166)
إخبار المرأة بأن شخصا ما يخدعها لينال منها
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من أخبر امرأة متزوجة بأن شخصا غير متزوج يحكي عنه بسوء ويخدعها حتى يزني معها بحجة أنه يحبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف السؤال غير واضح، فإن كان المقصود إخبار امرأة أن شخصا يخدعها حتى يزني بها فهذا له حالان، إما أن يكون المخبر كاذبا في ذلك أو صادقا؛ فإن كان كاذبا فما فعله إثم عظيم وجريمة منكرة، فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني. وردغة الخبال هي عصارة أهل النار، وهذا هو البهتان الذي جاء في الحديث، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته.
جاء في عون المعبود: (فقد بهته) بفتح الهاء المخففة وتشديد التاء على الخطاب أي قلت عليه البهتان وهو كذب عظيم يبهت فيه من يقال في حقه. انتهى.
أما إن كان صادقا في قوله بمعنى أن قوله لم يكن محض تخرص أو ظن، فهذا مأجور فيما فعل لأن نصيحة المسلمين واجبة، جاء في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
وهذا الموطن - موطن النصح - مستثنى من الغيبة المحرمة؛ لأن الأصل هو الستر على عيوب المسلمين وزلاتهم إلا في مواضع هذا أحدها، قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الأصل في الغيبة الحرمة؛ وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها. ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها قوله: الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية، أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سراً فيجوز إجماعاً بل يجب.
جاء في كتاب الأذكار للإمام النووي عند ذكره للمواضع التي تباح فيها الغيبة:..الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم. انتهى.
أما إذا كان مقصود السائل أن هناك شخصا يتحدث مع امرأة ويجاريها وهو بهذا يخدعها حتى يزني هو بها بحجة أنه يحبها، فهذا إنسان فاجر فاسق، وفعله هذا محرم لأنه يريد التوصل به إلى الزنا الذي هو من أكبر الكبائر، وما يتوصل به إلى الحرام فهو حرام؛ حيث إن الوسائل تأخذ حكم الغايات في الشريعة الإسلامية.
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها؛ كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرَّمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها انتهى
وقد بينا في الفتاوى رقم: 114945، 96395، 56149، قبح جريمة الزنا.
وللفائدة راجع الفتو يين رقم: 10849 , 96951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1430(9/167)
حكم عيادة المبتدع والأكل والشرب معه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التزاور مع طائفة من طوائف أهل البدع؟ وهل يجوز الأكل والشرب عندهم عند زيارتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في التزاور مع الكفار لمصلحة يريدها المسلم، ويدل لذلك تبويب المحدثين في كتبهم على عيادة الكفار.
فقد بوب البخاري في الأدب المفرد والبيهقي في سننهما على عيادة المشرك، وذكروا في ذلك حديث الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه من النار. ر واه البخاري في الأدب وصححه الألباني.
وأما الأكل والشرب معهم فلا حرج فيه إذا تؤكد من كون المأكول مباحا، فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن الأكل معهم فأفتى بأنه ليس حراما إذا دعت الحاجة أو المصلحة الشرعية، ومثل لذلك بالأكل مع الضيف ومن يدعى إلى الله تعالى، ويدل لجواز الأكل معهم ما رواه الإمام أحمد: أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1430(9/168)
إمام مسجدهم يرتكب بعض المخالفات ويتعامل معهم بفظاظة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش بدولة أوربية وقريب مني المسجد وإمام المسجد يطيل بالدرس قبل خطبة الجمعة ويؤخر الخطبة نصف ساعة وبعدها يخطب بنفس الدرس الذي سلف، ويلح علينا بحضور درس بعد كل صلاة ويسخر ممن لم يحضر الدرس، فمثلا كنت خارجا من المسجد بعد العشاء، فصاح بي عند الباب أمام الحضور هل تعرف دعاء التعزية فقلت له: الله أعلم علما بأنني أعرفه فضحك وقال: أرأيتم، فضحك الجميع، فكثير من الإخوان تركوا المسجد ويوجد مسجد آخر ولكنه بعيد قليلا فبماذا تنصحنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الإمام يرتكب مجموعة من المخالفات، فمنها عقده درساً عاماً قبل الجمعة، وقد بينا كراهة التحلق قبل الجمعة في الفتوى رقم: 11806، وفي فتاوى نور على الدرب للعلامة العثيمين رحمه الله: أما الدرس الخاص الذي يكون بين عالم وتلاميذه فهذا لا بأس به، إلا أنه نهي عن التحلق يوم الجمعة إذا كان في ذلك تضييق على من يأتون إلى الجمعة، وأما إذا كان عامّا مثل أن يكون الدرس في مكبر الصوت عاما على جميع الحاضرين فإن هذا منكر وبدعة. أما كونه منكرا فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أصحابه حين كانوا يصلون أوزاعا فيجهرون بالقراءة فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا بالقراءة؛ لأنه إذا رفع صوته شوش على الآخرين، فهذا وجه كونه منكرا. فإن هذا الذي يحدث الناس بمكبر الصوت يوم الجمعة يؤذي الناس لأن من الناس من يحب أن يقرأ القرآن، ومن الناس من يحب أن يتنفل بالصلاة، ومن الناس من يحب أن يفرغ نفسه للتسبيح والتهليل والتكبير، وليس كل الناس يرغبون أن يستمعوا إلى هذا المتحدث، فيكون في هذا إيذاء لهم. ومن أجل هذا أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أصحابه الذين يجهر بعضهم على بعض، وأما كونه بدعة، فلأن هذا لم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تبليغ الرسالة، ولم يحصل وذلك لأنه سوف يحصل للناس التذكير والموعظة في الخطبة المشروعة التي ستكون عند حضور الإمام.انتهى.
ومنها تأخيره خطبة الجمعة عن أول وقتها، وهذا خلاف السنة، فإن السنة فعل الجمعة في أول وقتها كما هو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها مداومته على الموعظة بعد الجمعة، وهذا مما لا ينبغي فإن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:10}
ومنها فعله للموعظة بعد كل صلاة، ولم يكن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم كما أخبر بذلك ابن مسعودٍ رضي الله عنه،
ومنها سخريته بمن لا يحضر الدرس، والسخرية بالمسلمين والاستهزاء بهم مما لا يليقُ بالعامة فضلاً عن أهل العلم، وهذا الدرس ليسَ بواجب حتى يُنكر على تاركه، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ {الحجرات:11} .
ومنها تنفيره الناس بهذه الطريقة الفظة التي يتعامل بها معهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق ونهى عن الغلظة والعنف، وقال له ربه عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ {آل عمران: 159} .
والذي نراه لكم أن تناصحوا هذا الإمام بلينٍ ورفق، فإننا نظنه يريد الخير، ولكن كم من مريدٍ للخير لا يبلغه، فبينوا له هذه الأخطاء التي يقع فيها بأسلوب حسن مع ذكر كلام أهل العلم، وما نراه إلا سيستجيبُ إن شاء الله، واجتهدوا في حضور ما استطعتم من دروسه إن كان فيها فائدةً لكم، ولا تصدنكم فظاظته عن الاستفادة منه، ولا تهجروا المسجد، بل احرصوا على عمارته مع الاجتهاد في نصيحة ذلك الإمام كما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1430(9/169)
أهمية التآلف ونبذ التعصب وترك الخلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[موضوعي عن قضية صوم رمضان وإثبات عيدي الفطر والأضحى. فأنا طالب أدرس بأستراليا، وللسنة الرابعة على التوالي والجالية الإسلامية بأستراليا مختلفة في إثبات دخول رمضان والعيدين، نحن الطلبة منقسمون في اتباع أي الجماعتين، فهناك جماعة يخرجون لترائي الهلال، وهناك من يتبعون أول بلد إسلامي يعلن الرؤية، وكلا الطائفتين ممن نحسبهم مجتهدون متبعون للحق. انقسام الطلبة لدينا هنا متعلق بجماعة المسجد الذي يصلون معه أو يطمئنون إليه، وبشكل دائم ينشأ بيننا جدال نحن الطلبة، فكل فريق يحاول أن يجبر مخالفيه بأن يتبعوهم، ويصل في بعض الأحيان إلى الخصام وتخطئة بعضنا للبعض، وأصبح من الجدال العقيم الخوض في هذا الموضوع، ففي السنة الأخيرة اجتهدت أنا لإغلاق هذا الموضوع ودرء فتنة الجدال التي تقود إلى زيادة الفرقة؛ بقولي: كلٌ على خيرٍ بإذن الله، فمن تبع هذه الجماعة أو تلك، فكل على خير بإذن الله، فلنتوقف عن الجدال في هذه المسألة ولنترك لكل مسلم يتبع الجماعة المجتهدة التي يطمئن إليها، ولننشغل بمزيد الطاعات والقربات عوضًا عن الإشارة بالخطأ وإثارة فتنة الخلاف.
سؤالي: هل تصرفي واجتهادي هذا المشار إليه في المقولة الأخيرة صحيح، أم يظهر أني أتيت بفتوى جديدة قائلًا على الله بغير علم؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثيراً ما نبهنا وننبه على أنه ينبغي للمسلمين وبخاصةٍ من لا يقيمون في ديار الإسلام أن يحرصوا على وحدة الصف، واجتماع الكلمة، وألا تكون هذه المسائل الخلافية التي هي محل نظرٍ واجتهاد مثاراً لإيقاع العداوة، وإنشاب الخصومات، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يختلفون في مسائل، ولا يُشنع بعضهم على بعض ولا يهجرُ بعضهم بعضا كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير موضعٍ من فتاواه المباركة.
وهؤلاء الأئمة الأربعة وأصحابهم تجمعُ بينهم الألفة والمحبة مع وجود الخلاف ونبذ التعصب المذموم، وثناء بعضهم على بعض أكثر من أن نحصره في هذه الفتوى المختصرة.
وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي رحمه الله: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون.
وقال أحمد بن حفص السعدي: سمعت أحمد بن حنبل الإمام يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً. انتهى.
فهذا هدي الأئمة الذي تلقوه من الصحابة رضي الله عنهم، فابن مسعودٍ يختلفُ مع عمر فيما يربو على مائة مسألة، ومع هذا يقول: لقد أحببت عمر، حتى لقد خفتُ الله عز وجل، ولو أني أعلمُ أن كلباً يحبه عمر لأحببته.
والمقلدون وغالبكم منهم في سعةٍ أن يأخذ كلُ واحدٍ منهم بقول من يثق به من العلماء، بشرط ألا ينكر على من يخالفه ما دام أن المسألة ليس فيها إجماع ولا نص قاطع، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا، كان في الأمر سعة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا قال المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يُتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه. انتهى.
فما فعلته بارك الله فيك هو عينُ الصواب، وقد بينا في فتاوى كثيرة سابقة أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وذكرنا ما نرجحه فيها، وانظر في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 114468، 6375، 29105، 77899، 100777.
ولكننا ننصحك بأن لا تقول في شرع الله ما لا تعلم حتى تسأل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(9/170)
اتهمت قريبتها بالسرقة فمرضت بعدها وماتت فهل هي مذنبة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: قديما أمي سرق منها ذهب وقالت إن زوجة عمي سرقته فحلفتها على المصحف وبعد أيام أو أشهر أنا كنت صغير جاءها سرطان الثدي والصرع فهل على أمي حرج؟ هل هي مذنبة أو كانت سببا في وفاتها أنا أريد جوابا أريد أن أنور أمي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المسلم براءة ذمته، فلا يجوز اتهامه بأمر معيب عن غير أمارات صحيحة، فإن كانت أمك قد وجهت هذا الاتهام لزوجة عمك لحصول تلك الأمارات فلا حرج عليها في ذلك، وإلا فإنها آثمة بذلك، فيجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تكثر من الدعاء والاستغفار لهذه المرأة.
ولا يلزم بمجرد هذا الاتهام أو استحلاف أمك لها أن تكون قد تسببت في وفاتها، إذ الأصل براءة الذمة ما لم يثبت خلاف ذلك، فهي بهذا تكون قد جنت على نفسها، ولم تجن أمك عليها، فلا يلحق أمك إثم من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1430(9/171)
أمة الإسلام هي أفضل الأمم وخيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أودّ معرفة حكم الشرع في قولة المتنبي:
نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم
فهل يجوز للمسلم أن يقول مثل هذا الكلام؟ لأنني شخصيا أرى أنه يخالف ما جاء في مدح هذه الأمة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت حاليا في موقف ضعف لا تحسد عليه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أمة الإسلام أفضل الأمم وخيرها، فقد تواترت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة. قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ {آل عمران:110}
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة..الحديث. متفق عليه.
ولكن ما ذكر في بيت المتنبي المشار إليه لا علاقة له بهذا الموضوع، فقد جاء هذا البيت ضمن قصيدة مطلعها:
من أية الطرق يأتي نحوك الكرم * أين المحاجم يا كافور والجلم.
والقصيدة يهجو بها كافورا أمير مصر في ذلك الوقت، ويحرض رعيته على الخروج عليه أو قتله.. ولذلك فهو يقول فيها:
ألا فتى يورد الهندي هامته * كيما تزول شكوك الناس والتهم
وعليه، فإن المتنبي لا يقصد أمة الإسلام المزكاة في نصوص الوحي.
ومع ذلك فإن المسلم لا يجوز له أن يكون شتاما ولا فاحشا.. فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. صححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(9/172)
حلفته أخته على كتمان سر ثم فشا فهل له أن يذكره
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت أختي التي تكبرني بائتماني على سر وجعلتني أحلف عدة مرات بعدم إفشائه لأحد، وبعد مرور الأيام فشا السر تلقائياً وصاحبة السر أصبحت تذكره بنفسها أمام العامة، فهل يجوز لي أن أحدث به العامة أيضاً بعد أن زال الكتمان من صاحبة السر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن من استكتم سراً لا يجوز له إفشاؤه، لكن إن كان الأمر على ما ذكر هنا من أن صاحبة السر قد أفشت هذا السر، وأصبحت تكلم به العامة فلم يعد حينئذ سراً، وعليه فلا حرج عليك في ذكره ولا تعتبر حانثاً بذلك، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى معلقاً على قول أبي بكر رضي الله عنه: فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه أن من حلف لا يفشي سر فلان فأفشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف، وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به فأظهر التعجب وقال ما ظننت أنه حدث بذلك غيري فإن هذا يحنث لأن تحليفه وقع على أن يكتم أنه حدثه وقد أفشاه. انتهى.
ومع ما ذكرنا من جواز ذكرك هذا الأمر، فالأولى عدم ذكره إن لم تكن ثمة مصلحة راجحة تترتب على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(9/173)
استعمال السواك بحضرة الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[رجوعاً إلى سؤالي برقم 2206252، أشكر لكم جداً التوعية وإنني والله ليس لي مما قلتم عن بغض للسنة أو كراهية بعضها، وإنما عكسا كان سؤالي تعظيما لسنة المصطفى، أردت فقط سؤال التالي: مكان السواك وكيفيته وقد علمت من أحاديث نبينا أن لا يتنخم أحدنا أثناء الصلاة أو في وجوه إخواننا، وربما كان رسول الله يستاك قبل الوضوء أو بعده يعني بمفرده، وفي بيته يعني عند زوجته، وعند الصلاة ربما كان القصد أثناء الخروج للصلاة، وقصدي من كل هذا أن لانستاك أثناء حديثنا مع بعضنا، أو أثناء الاقامة فالأسلوب هو الذي سألت والكيفية. آمل إفادتي أكثر وأن نعظم السنة بترشيدنا طريقتها؟ شاكراً لكم السماع والإصغاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك وفقك الله وزادك حرصاً على تعظيم السنة أنك تستنكر السواك بحضرة الناس وترى أن لو كان في الخلوة أو عند من لا يُحتشم منه كان أفضل، فاعلم بارك الله فيك أن ما ذكرته من النهي عن التنخم في الصلاة ليس بصحيح وإنما يُنهى عن البصاق في المسجد، وأما إن تنخم أثناء الصلاة في ثوبه أو في منديل فلا حرج كما دلت عليه السنة، وأما التنخم في وجوه الناس فإنه وإن لم يُنه عنه بخصوصه فالأدلة العامة المشتملة على النهي عن أذية المسلم تدلُ على منعه، ثم إن قياسك للسواك على التنخم قياس مردود فأين السواك الذي هو مطهرة للفم مرضاة للرب من التنخم المستقذر طبعاً.
واعلم أيضاً أن السواك بحضرة الناس غير ممنوع وليس فيه أدنى أذية لأحد، بل هو سنة سيد المرسلين كما دلت على ذلك نصوص كثيرة وهاك بعضها ...
قال البخاري في صحيحه باب السواك: وقال ابن عباس: بت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستن. وقوله (فاستن) أي استاك.
ثم ساق حديث أبي موسى ولفظه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول أع أع والسواك في فيه كأنه يتهوع.
وفي باب دفع السواك إلى الأكبر ساق البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر منهما.
قال الحافظ في شرحه: وقد رواه جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه بغير اختصار أخرجه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر. وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض.
ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر. قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. انتهى.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم تسوك بحضرة ابن عباس وأبي موسى ورجلين من أصحابه وجماعة من الصحابة فهل ينكر بعد هذا على من يتبع السنة ويتسوك في المسجد إذا حضرت الصلاة عملاً بحديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
نحن يا أخانا الفاضل لا نشك في حبك للسنة ولا في تعظيمك لها، بل نشيد بحرصك على التعلم وسؤال أهل العلم، ولكننا ننصحك بأن تجعل هواك تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأن تضبط حبك وبغضك، ورضاك وسخطك بميزان الشريعة المطهرة، وعليك أن تتفطن للشبهات التي يروجها أعداء الإسلام والسنة يريدون بها حرف الناس عن سنتهم والميل بها عن جادة الصواب.. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(9/174)
حكم قلع الأشجار التي تضيق الطريق وتضر بالناس
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد أرض للدولة أمام أحد البيوت وقام صاحب الدار بزراعتها أشجارا على حافة الطريق العام وهذه الأشجار تحجب الرؤيا عند الخروج من الفرع إلى الشارع الرئيسي بحيث لا نستطيع رؤية السيارات التي في الشارع العام وعدة مرات حدثت حوادث اصطدام سيارات، هل يجوز قلع الأشجار من قبلنا لأن صاحب الأشجار يرفض قلعها. أفتونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز غرس الأشجار على جانبي الطريق إذا أضرت بالمارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
وما كان من هذه الأشجار ضارا بالناس مضيقا للطريق فإنه يتعين على الحاكم ومن يقوم مقامه إزالته، ولك أن تراجع في ذلك فتوانا رقم: 96573.
فعليكم أن تنصحوا صاحب الأشجار بقلعها وتبينوا له الحكم الشرعي، فإن لم يستجب لكم فيمكنكم رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية أو المسؤولين لإجباره على قلعها أو تعيين من يقلعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1429(9/175)
الشجر المترتب على بقائه ضرر ويأبى صاحبه أن يزيله
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد أرض دولة أمام أحد البيوت وقام صاحب الدار بزراعة أشجار على حافة الطريق العام وهذه الأشجار الآن تحجب الرؤيا عن السيارات عند الخروج من الفرع إلى الشارع الرئيسي بحيث لا نستطيع رؤية السيارات في الشارع الرئيسي وعدة مرات حدثت حوادث اصطدام سيارات. هل يجوز قلع هذه الأشجار من قبلنا بعدا عن الضرر لأننا أعلمنا صاحب الأشجار وهو يرى ما يحدث ورفض قلعها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عن السؤال نود أولا أن نبين أن الأرض إذا كانت عمومية، فإنه ليس لأي أحد أن يستغلها على النحو المذكور، إلا بترخيص من السلطة الحاكمة. ومن استغلها دون ترخيص فإنه يعتبر متعديا، وبالتالي يكون ضامنا لما ينجم عن ذلك التعدي، وفيما يخص سؤالك فإنه لا يصح على أية حال إبقاء هذه الأشجار على هيئة يترتب عليها مثل هذا الضرر المذكور بحوادث السيارات ونحو ذلك، لما في ذلك من تعريض الأرواح للإزهاق، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء: 29} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقد صرح بعض أهل العلم وهم جمهور الشافعية والقاضي وأبو الخطاب من الحنابلة بأن الشجر المؤذي يقطع من الحرم. مع أن النهي أن يعضد شجره ثابت ومشهور. وقال الشوكاني: الشجر المؤذي لم يرد دليل يدل على الترخيص فيه، لكن إذا كان نابتا في الطريق مثلا على وجه لا يمكن المرور إلا بحصول ضرر منه فقواعد الشريعة تدل على جواز قطع ما كان ضارا. اهـ من السيل الجرار.
وعليه، فإن كان تهذيب هذه الأشجار بالأخذ منها يمنع ضررها، فيجب تهذيبها بأن يقطع منها ما يمنع ضررها. وإذا كان ضررها لا يزول إلا بقطع أصلها وجب فعل ذلك. فإن أبي صاحبها بعد نصحه وتذكيره ولم يأذن لكم بذلك، فارفعوا الأمر إلى الجهات المسؤولة عن أمن الطرق والسلامة في المرور، ولا تباشروا ذلك بأنفسكم منعا للفتنة وإشاعة الفوضى. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 63086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(9/176)
هل يستجيب المرء لنداء عقله أم قلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل يجب أن آخذ دائما بحوار العقل أي إذا كان من ناحية العقل أني لا أستطيع أن أفعل شيئا معينا ومن ناحية القلب يمكن أن أفعل هذا الشيء إذا كان العقل يقول شيئا والقلب يقول شيئا آخر فكيف أستطيع التمييز بين القلب والعقل ومن منهم على صواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن السائل يريد بالعقل التفكير المنطقي الذي يخضع لمعلومات الإنسان وتجاربه وخبرته وقدرته على التحليل والاستنباط، ويريد بالقلب مشاعره وأحاسيسه وما تميل إليه نفسه، فإن كان هذا هو مراده، فلا يمكن الحكم لأحد هذين الاتجاهين بالصواب أو الخطأ مطلقا، فكلاهما يحتمل الخطأ والصواب.. فقد يحكم العقل بشيء ويكون الصواب خلافه، كحكمه للكثرة والقوة بالغلبة على القلة والضعف، وهذا الحكم ليس كلياً؛ فقد قال الله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {البقرة:249} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم. رواه البخاري.
وقد يميل القلب إلى شيء ويكون الصواب خلافه، كما قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} ، وقال سبحانه: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء:19} .
ولذلك فمن أراد الصواب فعليه أن يضبط قواه الفكرية والنفسية ويربطهما بمصدر معصوم، وليس هذا إلا الوحي المنزل من لدن حكيم عليم، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فبقدر ارتباط الإنسان بهذا المصدر علما وعملا تكون إصابته للحق، وتمييزه بينه وبين الباطل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا* فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {النساء:174-175} ، وقال سبحانه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ٍ {المائدة:15-16} .
ولهذا حكم الله تعالى لمن يتبع كتابه وسنة رسوله بأنهم هم أولوا الألباب، فقال عز وجل: فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ {الزمر:17-18} ، قال السعدي: هذا جنس يشمل كل قول، فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام الله وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة: اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا.. وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من آثره علمنا أنه من أولي الألباب؟ قيل: نعم، أحسنه ما نص الله عليه: اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا.. الآية: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ لأحسن الأخلاق والأعمال {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ} أي: العقول الزاكية، ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذي يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل. اه من تفسير السعدي..
وقد سبقت عدة فتاوى تفيد السائل في هذا الموضوع، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13977، 23028، 16800، 61378.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1429(9/177)
حكم قضاء يوم العيد مع الأسرة في أحد الفنادق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أذهب مع زوجي وابنتي إلى أحد الفنادق لقضاء يوم من أيام العيد مع أبي وأمي وإخوتي وأولادهم ففي كل عيد أعتذر ولكني أريد أن تمرح ابنتي البالغة من العمر سنتان مع بنات خالاتها وفي مكان جميل علما بأننا نجلس في أماكن مفتوحة داخل الفندق للأكل ولعب الأطفال فقط.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت تلك الفنادق لا تشتمل على أمور محرمة، كشرب الخمر، والرقص، والقمار، ونحو ذلك، فلا حرج في دخولها، أما إذا كانت تشتمل على تلك المحرمات، فلا يجوز دخولها لمثل ذلك السبب، قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. {الفرقان:72} .
قال السعدي: أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر. انتهى.
ويمكنكم أن تذهبوا إلى غيرها من الأماكن التي ليس فيها هذه المنكرات، ونظن أن ذلك متيسر بفضل الله. ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1429(9/178)
تشاجر مع شخص فسب محارمه فكيف يرد عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشاجرة بيني ؤ بين شخص أشتغل معه فسب محارمي وأسيادي فهل من المفروض أن أكسر رأس هذا الشخص عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة ديوث. أي الذي لا يغار على عرضه، فما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن سب المسلم وشتمه وإهانته أمور كلها في غاية الحرمة والإثم، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. متفق عليه.
وقال كذلك: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على تعظيم المسلم وصون عرضه، وعليه فالواجب على هذا الرجل الذي سب محارمك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يستسمحك فيما قام به تجاهك، فإن تاب واعتذر، فاقبل عذره وسامحه، وإن أصر على فسقه وعدوانه، فإنك معه بالخيار بين أمور ثلاثة:
أولها وأفضلها: أن تصبر عليه وتعفو عنه وتقابل إساءته بالإحسان طلبا لعفو الله ومغفرته قال عز وجل: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22} .
وقال تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران: 134} .
وقال سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
ثانيها: أن تترك عقابه وتمسك عن العفو والصفح أيضا ليلقى ربه بجرمه وخطيئته فيحاسبه على ذلك.
ثالثها: أن تنتصر منه فلك أن تسبه هو إن كان قد سبك في ضمن سبابه، فتسبه حينئذ بمثل ما سبك به، ولكن لا يجوز لك أن تسب محارمه كما سب محارمك؛ لأنهم لم يظلموك فلا تحملهم وزر هذا الظالم؛ فقد قضى الله سبحانه فقال: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام: 164} ،.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى.
وأما أن تضرب هذا الشخص أو تشج رأسه كما تقول فهذا لا يجوز، بل إنك إن فعلت ذلك صرت معتديا، فقد سبق أن بينا لك أنه لا يجوز لك الانتصار منه إلا بمثل ما نال منك، واعلم أن عفوك عنه وتركك لأذاه ليس من الدياثة في شيء، فإن الديوث هو الذي لا يغار على عرضه بمعنى أنه يقر فيهم الخبث والفواحش ويخلي بينهم وبينها مع علمه بذلك لقلة غيرته وفساد قلبه وذهاب دينه والعياذ بالله، قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد وصححه الألباني.
وجاء في بعض روايات الحديث: قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5338، 38240، 62602، 97992.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1429(9/179)
وجوب مدافعة الخواطر والتسليم لأحكام الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعيش العذاب بعينه أنا سيدة متزوجة ولدي أطفال مشكلتي بل الكارثة هي أني أعترض على بعض الأشياء التي شرعها الله ودوما أقول لماذا كذا وكذا ولكن في نفسي مثل لماذا أعطى الله للرجل كل هذه الحقوق دون المرأة لماذا له التعدد وله التسلط والتحكم في كل تصرفات زوجته لماذا عليها العدة له ولا تعتد على أبيها وأمها اللذين لها أعظم فضل عليها منة ومع ذلك حقه أعظم أنا أفكر هكذا طويلا بل على الدوام وأصبحت حياتي كلها لماذا لم أقل لأحد هذا إلا في إحدى جلسات القران مع جيراني وعلى سبيل السؤال وليس الاعتراض حتى لا أشيع الفتنة بينهن.
الآن هل أنا أصبحت كافرة باعتراضي هذا أنا أصلي وأصوم ولا أؤذى جيراني وأحب الحق وأتوجع بداخلي وأحس أن الله لا يرضى عني حيث إنني كنت أيام رمضان أبكي وأتوسل لله أن يبعدني من هذا التفكير وكنت أبكي بشدة ولكن لم أشعر برضا ربى علي ودعوت الله أن يريني في منامي آية لرضاه عني ولكن رأيت حلما سيئا أنا في غاية الألم هل أنا كافرة أرجوكم أفيدوني وما علي عمله إن كنت والعياذ بالله هكذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا أن الله تعالى لا يؤاخذ الإنسان بمجرد الخواطر التي ترد على قلبه ما لم يترتب عليها قول أو عمل، روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاوز الله لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به.
وعلى هذا فإن كانت هذه الأمور مجرد خواطر تنتاب قلبك فإنها لا تضرك، ولكن يجب عليك مدافعتها لئلا تستقر في قلبك، فيترتب عليها ما لا تحمد عقباه، وننصحك بكثرة الدعاء وسؤال الله تعالى أن يصرف عنك هذه الخواطر، وإن كراهيتك لهذه الخواطر دليل بإذن الله تعالى على إيمانك كما بينا في الفتوى رقم: 12300، والفتوى رقم: 28751.
ويجب على المسلم والمسلمة التسليم لأحكام الشرع ولو لم تظهر له الحكمة منها، وأما السؤال استفهاما عن الحكمة ليزداد المسلم يقينا وطمأنينة فلا بأس بذلك.
وأما قوامة الرجل على المرأة فهي ليست قوامة تسلط بل جعلها الله تعالى لتنظيم شأن الأسرة المسلمة. ولمزيد الفائدة حول حكمة القوامة راجعي الفتويين: 16032، 18814.
ولا يصح ما ذكرت من كون الرجل له التحكم في كل تصرفات زوجته، بل إن طاعة المرأة زوجها لها حدود معينة، وقد سبق بيان ذلك بالفتويين: 101361، 64358، ولمعرفة حكمة تعدد الزوجات راجعي الفتوى رقم: 13276.
وأما بخصوص أمر العدة فلا شك في عظم حق الوالدين، ولكن من الأسباب الأساسية التي شرعت لأجلها عدة الوفاة التأكد من براءة الرحم، وهذا إنما يكون في إحداد المرأة على زوجها. قال ابن القيم في إعلام الموقعين وهو يبين الحكمة من جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا: وكانت أربعة أشهر وعشرا على وفق الحكمة والمصلحة إذ لا بد من مدة مضروبة لها، وأولى المدد بذلك المدة التي يعلم فيها بوجود الولد وعدمه فإنه يكون أربعين يوما نطفة ثم أربعين علقة، ثم أربعين مضغة، فهذه أربعة أشهر، ثم ينفخ فيه الروح في الطور الرابع، فقدر بعشرة أيام لتظهر حياته بالحركة إن كان ثم حمل.. اهـ وراجعي الفتوى رقم: 28431، ثم إن الشرع قد أباح للمرأة أن تحد على غير الزوج وحدد ذلك بثلاثة أيام، وقد بينا هذا بالفتوى رقم: 46104.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(9/180)
حكم الانتفاع بغصن شجرة عامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من مدينة أبوظبي.. خرجت ذات يوم بالسيارة إلى مدينة دبي، وفي الطريق توقفنا لأداء صلاة العصر،
كان هناك شجرة بها ورد، جزء من جذع الشجرة شبه مقطوع، أي لم يقطع بالكامل بعد، أخذت من هذا الجزء غصنا صغيرا، من باب الفضول كيفية زراعة هذه الشجرة، ومضى على ذلك سنتان تقريباً
هذا الغصن الآن أصبح شجرة ورد كبيرة، أوزع منها على جيراني وأصدقائي، منهم من يريد زرعها، سؤالي: هل علي شيء..! فكرت كثيراً في ذلك خاصه وأن الشجره تابعة لمسجد المحطة التي توقفنا فيها لأداء الصلاة.
ماذا علي أن أفعل هل في عملي هذا أي خطأ ... هل أعيد هذه الشجره إلى المسجد.. أم أخرج مالاً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج عليك فيما فعلت، ولا يلزمك إعادة هذه الشجرة إلى المسجد أو إخراج مال كفارة ونحو ذلك، فإن هذا الجذع كما ذكرت شبه مقطوع، إضافة إلى أن مثل هذه الشجرة على الحال المذكورة أقرب إلى الأملاك العامة التي يجوز الانتفاع منها بما لا يضر عادة كالمسواك ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1429(9/181)
حرمة ترك إنقاذ الغريق مع القدرة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يوشك على الغرق، ويقف على الشاطئ رجلان أحدهما يجيد السباحة، والآخر لا يجيد السباحة، ورفض الرجل الذي يجيد السباحة نجدة الغريق بالرغم من محاولات الرجل الآخر الذي لا يجيد السباحة حثه على نجدة الغريق.. ولكنه تقاعس عن نجدته حتى غرق الرجل..
فما حكم الشرع فيمن تقاعس عن نجدة الغريق حتى هلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنجدة الغريق واجبة على المستطيع القادر على الإنقاذ بلا خوف تلف على نفسه وله في ذلك الأجر العظيم لإحيائه ما أمر الله بإحيائه، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. {المائدة:32} .
قال الجصاص في تفسيرها: وعلى كل أحد أن ينجي غيره إذا خاف عليه التلف مثل أن يرى إنسانا قد قصده غيره بالقتل أو خاف عليه الغرق وهو يمكنه تخليصه.
وهذا كله مع المقدرة بلا خوف على النفس من التلف، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
قال في تصحيح الفروع: يلزمه الإنقاذ مع القدرة عليه. انتهى.
فمن قصر مع ذلك فهو آثم إذ إغاثة الملهوف واجبة في أمور أقل من النفس، أما ما تعلق بها فهو أوجب وأعظم عند الله، ولكن الأمر كله دائر مع القدرة كما قدمنا.
وقال الشوكاني في كتابه السيل الجرار: لا شك أن إنقاذ الغريق من أهم الواجبات على كل قادر على إنقاذه فإذا أخذ في إنقاذه فتعلق به حتى خشي على نفسه أن يغرق مثله فليس عليه في هذه الحالة وجوب لا شرعا ولا عقلا.
فإذا ينظر في تقاعس هذا عن نجدة الغريق فإن كان عن خوف تلف فلا شيء عليه، وإن كان عن تقصير فهو آثم، بل أوجب بعض أهل العلم عليه الضمان، وهو وإن كان جمهور أهل العلم قد رجحوا خلافه إلا أنه يدل على عظيم إثم من فرط مع قدرته على الإنقاذ.
وراجع فتوانا رقم: 51683، في ثواب من أنقذ غريقا، والفتوى رقم: 75950، في عون المحتاج للعون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(9/182)
تفضيل الرجال على النساء لا ينفي إكرامهن
[السُّؤَالُ]
ـ[إشارة إلى الفتوى رقم: 7260، والمتضمنة طاعة الزوج ويشار فيها أن الرجال أعظم من النساء وأرفع درجات عند الله من النساء حيث ذكر في حديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها كله.
وأيضا حدث أن رجل منع زوجته من مغادرة بيتها وحصل أن والدها قد مات فاستأذنت رسول الله في حضور الجنازة فقال لها: اتقى الله ولا تخالفي زوجك , فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قد غفرت لها بطاعة زوجها ... فإنه إذا يدل على شيء فإنه يدل على أن مكانة الرجل أعلى بكثير من النساء عند الله عزوجل ومن هذا أيضا أن الميراث لها نصف الرجل مع أنه هي التي صنعت أعظم الرجال والأنبياء والرسل فإننا لهذا لا يجب تكريم الأمهات لما صنعت لأنها اقل قدر منا نحن الرجال أرجو التعليق على هذا ومن المحتمل انني لم أفهم معنى الحديثين وما هو المغزى منه ولكم مني كل احترام وتقدير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك أولا على اهتمامك بما في موقعنا نفعك الله بما فيه. واعلم أن الحديثين المذكورين حديثان صحيحان وهما دالان على عظم حق الزوج على زوجته، وقد دل القرآن أيضا على تفضيل الرجل على المرأة لاعتبارات معينة وذلك في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}
وهذه الأفضلية إنما هي باعتبار الجنس، وأما من جهة الأفراد فقد يوجد في النساء من هي أفضل من بعض الرجال، كما أن القول بتفضيل الرجل على المرأة ليس فيه انتقاص لها بل للمرأة كمالها الخاص الذي يتناسب وصفاتها التي خلقها الله عليها.
ولا ندري من أين لك الفهم بأنه يلزم من هذا التفضيل أن لا يكون تكريم من الرجل للمرأة، فقد كرم الإسلام المرأة أما وزوجة وبنتا ثم إن لازم كلامك هذا أن تكون النساء أفضل من الأنبياء لأنهن ولدن هؤلاء الأنبياء، ولا شك أنك لا تقول بهذا ولكنه لازم قولك. وراجع الفتويين: 61435، 106951.ففيهما تفصيل لما أجملنا ذكره في هذا الجواب.
وننبه إلى أن المسلم إذا علم أن ما ورد بشأن هذا الموضوع أو غيره من تشريع رب العالمين الذي هو أعلم بخلقه فعليه أن يتلقى ذلك بالرضا والتسليم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(9/183)
ظلم المعلم لطلابه هل يستوجب دخوله النار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أردت أن أعرف إن كان العمل يدخل النار، معلمة قرت طالب قي المدرسة، والطالب من الطلاب الأوائل، فلما جاء المعلمة تنادي على الطلاب الأوائل نادت طالبتين والثالث كان طالباً لما جاء يخرج رجعته ونادت طالبة أخرى وأعطتها جائزة الطالب فجرحت مشاعر الطالب وبكى جداً ووعدت الطالب أن تعطيه 50 شيكل له الطالبة لم تكن مجتهدة أكثر منه وأجدر بالجائزة، والطالب اسمه أحمد كان في الصف الثاني والآن في الصف الثاني الإعدادي وما زال من الأوائل، والطالب أنا الذي كتب كل ما أذكر الموقف أحقد على المعلمة وقررت أن أدعو الله أن يقتص منها شر اقتصاص، السؤال هو: هل المعلمة تدخل النار إن لم يسامحها؟ وشكراً لكم وأدامكم الله للأمة الإسلامية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن منع الحق من صاحبه نوع من الظلم الذميم، وقد سبق لنا تعريف الظلم وبيان عقوبته في الفتوى رقم: 11885، ويشتد قبح هذا الظلم إن كان من كبير أو مسؤول، كرئيس العمل أو المعلم أو المعلمة، وقد سبق بيان ذلك أيضاً في الفتوى رقم: 48241.
ومع ذلك فليس لأحد أن يحكم بالنار على مسلم بعينه لمظلمة ظلمها، وإنما يوكل ذلك إلى الله تعالى، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 8735، وراجع للفائدة في الموضوع الفتوى رقم: 32531.
والمظلوم له مع ظالمه ثلاثة خيارات، الأول: أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين، ومعية الله وعونه، والثاني: الإمساك عن العفو والصفح ليلقى المذنب ربه بما اقترف من الإثم، والثالث: المقاصة ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز.
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب الذي سبق بيانه، وذلك في الفتوى رقم: 54580، والفتوى رقم: 5338، وقد سبق أيضاً بيان استحباب مقابلة الظلم بالصبر الجميل، والإساءة بالإحسان، وذلك في الفتوى رقم: 51467، والفتوى رقم: 75427.
ونذكر السائل الكريم بأن العفو أقرب للتقوى، وهو لا يختص بمن يستحق العفو كمن أقر بخطئه وتاب إلى الله منه، واعتذر لصاحب الحق واستعفاه، بل حتى الظالم الذي لم يكن منه شيء من ذلك يستحب العفو عنه، لا لكونه أهلاً لذلك، وإنما لينال المظلوم ثواب الله ورضاه، فهي في حقيقة الأمر معاملة مع الله تعالى، القائل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ {المؤمنون:96} ، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(9/184)
حكم الاستماع لشعر الغزل واستخدام لفظة زمليني
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي عندي سؤال: هل يجوز سماع شعر دثريني يا منيرة علما بأن بعض الناس قالوا لا يجوز لأنه استخدم كلمتي الرسول صلى الله عليه وسلم زمليني دثريني؟
وهذا هو الشعر: قصيدة ناصر الفراعنه: دثريني يامنيره زمليني يامنيره
يامنيره في فوادي فرخ عبدٍ طق زيره
من هنوفٍ صوبها راع الهوى يشعب بعيره
سيدة سادات قومٌ سادةٌ أبناء ساده
من بهاها يامنيره ويش أوصف ويش أخلي
في جبين الطهر منها بدر سبتين متجلي
هالةٍ دون المصلى أخلفت وجه المصلي
في محاجرها عقيد القوم يومي به جواده
الحجاج هلال ماهو في أهلتنا مقيّد
من يشوفه قبل لا يبدي هلال العيد عيّد
لا متى والموت حدر رموشها السود يتصيد
لا متى ذبح البشر عند العيون السود عاده
دوب يانع وردها في روض لبتها تفتق
في سحر منطوقها صرفٍ من الراح المعتق
وكن ظفايرها على الغره ليا قامت تنتق
خدم أسودٌ وقوفٌ حول بنت البيه غادهٌ
ياوجودي يالزباد الزبد يالبيض المقشر
يوم حازت من أمامي عمد وأحمر المؤشر
ما أنا إلا أخو عقمٍ بمولودٍ مبشر
من سروري يوم أعانق طيفها فوق الوساده
كن أصابعها من العناب أو بسلن عراقي
أو غلا أحشامٍ مجفف أو قناني خمر ساقي
وكن ترايبها صحاف الترك حمران الطواقي
في سنا نور رقبتها ذابت أكثر من قلاده
فتنةٍ من شافها في جو سابع عرش عرّش
كاد ناعم ثوبها في جسمها الغض يتحرّش
مرحبا يامرحبا يامرحبا بالطش والرش
بالحرير الحر والغرو الغرير الغر عاده
كل ما تكبر تزين وكل ما تقدم تجدد
كن نحرها من وراء بوابة الثوب يتهدد
حجم ناحل خصرها في ردفها لاجيت أحدد
حجم نقطة نون داخل نون ما تقبل زياده
بين خصرٍ إشتراكيٍ وردفٍ رأسمالي
ويل ويلي شيب عيني طر جيبي ويل حالي
كل غضٍ في نحرها شايفٍ نفسه معالي
والثنينين بصراحه يستحقون الإشاده
كن عايم صدرها في وقفته قرمٍ ينادي
في خضم المعركه هل من مبارز أو معادي
من غروره يعتبر كل ما نقوله فيه عادي
يا مصابيح الرواهب من بياضه في سواده
من مزاج الزنجبيله في شفاه السلسبيله
أورد الساعي كليبٌ حتفه نظم الجليله
جمرةٍ في روح تمره ضيعت أبو دليله
قايدٍ حاذاه قايد ريم وأنساه القياده
من ليونتها كأن ماله ولا عظمٍ جسدها
ومن نعومتها تخاف خدودها من لمس يدها
ومن كثر ما مشيها جذاب ما تمشي وحدها
ومن كثر ما جلدها صخيفٍ تحب اللبس ساده
ويش يسوى المسك وأبو المسك مع ريحة عرقها
يوم ذبت شالها وأهتز في الملعب حلقها
ما كأن الله مثل باقي مخاليقه خلقها
فتنةٍ كانت طقوس القصر تعبدها عباده]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زمليني ودثريني ليستا من أسماء ولا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست الألفاظ النبوية ممنوعة الاستخدام في الشعر.
وأما الشعر الغزلي فلا حرج في سماعه إن لم يكن مصحوبا بالموسيقى، ولم يكن الشاعر يتغزل فيه بامرأة معينة، إلا أن المسلم يتعين عليه أن يشغل وقته وطاقته فيما ينفع، وأما سماع مثل هذا الشعر فليس فيه فائدة لغوية، ولا يبعد أن يكون سماعه من سماع اللغو، والإعراض عن اللغو من سمات المؤمنين، كما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. {المؤمنون:3،2،1}
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 112519، 18243، 62306، 98513، 34947، 31012.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(9/185)
حكم الضرب بالحذاء على الوجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ضرب بالحذاء على وجهه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود هو السؤال عن حكم الضرب بالحذاء على الوجه، فالجواب أن الضرب على الوجه لا يجوز بحال من الأحوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إ ذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. رواه البخاري ومسلم. سواء كان ذلك بالحذاء أو بغيره.
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوى: 60934.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(9/186)
هل يجب الدعاء على المسلم الظالم
[السُّؤَالُ]
ـ[اختلفت مع أحد أصدقائي فى موضوع وأريد أن أسأل إن كان رأيي صحيحا أم لا حيث كان الموضوع حول الظالمين لنا بشكل عام وخاصة المسوؤلين حيث أقول إني لا أريد لهم الهداية من الله حتى يعذبهم، أما زميلي فيقول فلا حيث لا بد أن أطلب لهم الهداية طالما أنهم مسلمون ولكني احتججت عليه بقصة أحد الأنبياء الذي دعا على قومة وأعتقد أنه سيدنا نوح أو سيدنا موسى وتذكرت قصة لسيدنا محمد أريد أن أتأكد منها وهي أنه قال مرة لسيدنا عمر ابن الخطاب إنك شديد فى الحق مثل سيدنا نوح الذي دعا على قومة وإنك يا أبا بكر رفيق بقومك مثل سيدنا إبراهيم فأفيدوني في هذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستدلال على عدم إرادة الهداية لعصاة المسلمين بدعاء نوح وموسى عليهما السلام على قومهما هذا استدلال في غير محله، لأن قومهما كانوا كفاراً ولم يكونوا مسلمين، وكان دعاؤهما أيضاً بعد أن علما أنه لا خير يرجى فيهم، فقد أخبر الله نوحاً أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وكذا دعاء موسى على فرعون وقومه كان بعد أن علم أنهم هالكون لا خير فيهم، كما قال الله عن موسى أنه قال لفرعون: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا {الإسراء:102} ، قال القرطبي: الظن هنا بمعنى التحقيق، والثبور: الهلاك والخسران.. انتهى.
ولذا قال القرطبي أيضاً في تفسير سورة هود عند ذكر دعاء موسى على فرعون:.. وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم، فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن.. انتهى..
وفي المقابل أيضاً لا يجب على المسلم أن يدعو بالهداية للظالمين كما زعم صاحبك بقوله (لا بد أن أطلب لهم الهداية..) ، والذي جاءت به الشريعة هو استحباب الاستغفار للمسلمين والمسلمات والحرص على هداية الخلق، وقد كان من شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايتهم أنه يتحسر على عدم استجابتهم ويحزن عليهم، فقال الله له: فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ {فاطر:8} ، وقال له: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ {الكهف:6} أي قاتل نفسك.
كما جاءت الشريعة أيضاً بجواز دعاء المظلوم على ظالمه ولو كان الظالم مسلماً ولكن شريطة ألا يعتدي في دعائه، وانظر لذلك الفتوى رقم: 20322، والفتوى رقم: 46898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(9/187)
زيد في درجته بغير سعي منه فنجح وانتقل للسنة التالية
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم وجزاكم الله عنا كل خير.. أنا طالب جامعي سنة ثالثة بيولوجي الآن، أستفتيكم في مسألة حيرتني وأتعبتني كثيراً لأنها تتعلق بالبنيان الحرام أو الحلال وهي كالآتي: تفوقت في الدراسة منذ الصغر إلى حد هذه السنة أي السنة الثانية جامعة وهنا صادفتني ظروف جعلتني أدخل إلى الامتحان الاستدراكي وهنا حدث أن أستاذاً من الأساتذة أعطاني نقطة 16/20 نقطة المقياس الذي لم أحضر له جيداً أي أنني فوجئت بهذه النقطة وهي النقطة التي سمحت لي بالانتقال إلى السنة الموالية أي السنة الثالثة الآن الشيء الذي أعلمكم به هو أنني لم أسع إلى الأستاذة لكي أطلب منها إعطائي النقطة للانتقال بل إن الأهل هم الذين سعوا لذلك، وعلما بأنني استخرت الله عز وجل عدة مرات والدعاء ... الآن أتساءل وتحيرت كثيراً بشأن هذا الأمر هل هو حلال أم حرام، وكيف أتصرف وكيف أتدارك هذا الأمر أعيد السنة أو التغيير للفرع أم المواصلة، الح على الإجابة في الآن لأنني مضطرب ولكي أحسم الأمر ... "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" الرد لا بد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن رفع درجات الطلاب من غير استحقاق غش وخيانة للأمة، سواء كان ذلك عن طريق التوصيات والمجاملات أو الرشوة أو التزوير، وقد سبق بيان ذلك وما فيه من أضرار في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64130، 6254، 18507، 10150، 21320.
ولكن إن كان ذلك حصل دون سعي منك فالإثم على الساعي لا عليك، ويمكن أن يكون الحل بالنسبة لك أن تستغفر الله وتتوب إليه، وأن تجتهد في مذاكرة واستظهار المواد التي حصلت فيها على هذه الدرجات، بحيث تكون مستحقاً لها لو أعيد امتحانك، ولا تعيد العام الدراسي.. ونوصيك بالجد في الدراسة في باقي زمن دراستك بالكلية، وأن تحرص على استيعاب المقررات، وأن تكون أهلاً للشهادة التي ستحصل عليها.
وراجع للفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 49865، 97498، 23470، 33364.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1429(9/188)
حكم قراءة قصة طفلة تكتب رسائل إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة قصة طفلة تكتب رسائل إلى الله وخصوصاً أنها منتشرة في المنتديات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة تروى -فيما يبدو- على أنها واقعية أو حقيقية، وعليه فلا بأس بقراءتها وحكايتها للاعتبار، وقد سبق هذا المعنى في الفتوى رقم: 100608.
وكذلك الحال إن كانت غير حقيقية وبين من ذكرها ذلك، فإن الأعاجيب والفرائد من كل ما لا يتيقن كذبه يجوز قراءته وذكره بقصد الفرجة -يعني تسلية النفس وإزالة همها- وكذلك ما يتيقن عدم وجوده في الواقع لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم الفضائل كالشجاعة والكرم ونحو ذلك، سواء كان على ألسنة آدميين أو حيوانات، إذا كان لا يخفى ذلك على من يطالعه.
وإن كان الأولى أن يضن المسلم بوقته، ويتوجه بجهده إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، وأن يتجنب ما يعرف كذبه، ويتحرى الصدق ما أمكنه سماعه كما يتحراه مقالاً.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 113856.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1429(9/189)
موقف المسلم ممن يخوض في تكفير الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد سألتكم منذ شهور سؤالا عن طلقات رقم: 2164600
وقد رددتم ولكني اكتشفت قريبا أن هذا الرجل من التكفيريين وقد صرح لي أنه يكفر الحاكم والحكومة ومن والاهم وحتى عسكري المرور وأيضا فقد رأيته يضرب أمه وقد ضرب طليقته التي سألتكم عنها في الشارع وقطع إسدالها وكشف نقابها ولا زال لا يريد تركها وقال سأعلقك هكذا ولكن ما هو واجبنا كمسلمين مع أمثال هؤلاء ممن يدعون أنهم أفضل خلق الله وهم الفرقة الناجية ولا غيرهم وأعمالهم كما ترون أشر من الشر. ثم ماذا على أهل النساء الذين يتركونهن كأنهن جواري هل يشاركون في الإثم, وأسألكم بالله أن تتكلموا عن ذلك كله بالتفصيل في محاضرات وكتيبات وفي كل مجال يتسع لذلك، وجزاكم الله خيرا وخيرا.
إن هذا الرجل وجماعته كلهم وهم لا يتعدون المائة ذكر هم أكذب أهل الأرض فيمن رأيت نسأل الله العافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا خطورة التكفير والخوض فيه والحكم به على آحاد الناس وعامتهم وذلك في الفتاوى التالية: 721، 3869، 4132.
فمن وجد منه ذلك فهو على خطر عظيم، كما أن ضرب الوالدين من الكبائر العظيمة والموبقات الجسيمة، وكذلك ضرب الزوجة فيجب نصح من كان منه ذلك وتغيير منكره حسب المستطاع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه.
وعلى من يجد في نفسه الأهلية العلمية أن يتصدى لتلك الظاهرة المستشرية في كثير من شباب البلاد الإسلامية ويحاورهم بالتي هي أحسن ويبين لهم خطورة التكفير وإطلاق اللسان به، كما بينا في الفتاوى المحال إليها سابقا.
وأما مسألة إهانة الزوجات وجعلهن كالإماء فهو محرم شرعا والذي يتولى كبره هم الأزواج، وللزوجة أن تدفع عن نفسها الظلم إذ لا ضرر ولا ضرار، ولها التطليق بالضرر البين كما نص على ذلك أهل العلم.
قال الدردير في الشرح الكبير: ولها أي الزوجة التطليق بالضرر وهو مالا يجوز شرعا كالهجر بلا موجب شرعي وضربها وكذلك وسبها وسب أبيها نحو يا بنت الكلب.. يا بنت الكافر.. يا بنت الملعون كما يقع كثير من من رعاع الناس ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق.
ولا يجوز لأهلها إعانة زوجها على ظلمها وإهانتها لقول الله تعالى: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَاب {المائدة:2} .
وللمزيد انظر الفتاوى التالية أرقامها: 112795، 70483، 25101، 30672، 24369.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1429(9/190)
أدب الخلاف في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي آداب الاختلاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من آداب الاختلاف الذي سوغته الشريعة وقبلته الطبيعة احترام المخالف وحسن الظن به ومخاطبته بالألفاظ المحترمة والعبارات الطيبة؛ كما هو منهج السلف الصالح عند الاختلاف، فمما أثر عنهم في ذلك: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل مع أقوال بعضهم في الفتاوى: 4402، 56408، 113351، 49164. فنرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1429(9/191)
يحرص على المودة والإصلاح وصاحبه يأبى ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إني في مشكلة.. أعيش مع شخص مسلم في نفس السكن ونعمل في نفس العمل وكلنا مغتربون خارج البلد ولكن هو لا يسمع لي في العمل وحصلت خلافات في العمل كثيرا، ولكن هو متذمر فيها وإذا أنا أخطأت كأني أذنبت ذنبا عظيما وهو إذا أخطأ سامحته في حقي وأنا أعامله ولله الحمد كأخ لي في غربتي، ولكني أعاني منه من عدم الكلام أو السلام أو حتى أي شيء بيننا هو قطعه لمجرد أني أحصل على العمل وهو لا يبالي بخطئه تجاهي كي أتم الصلح حاولت كثير ولم أفلح ولكني أرى فيه التكبر علي وأري فيه أنه يشكوني دائما إلى مديري وأنا لم أشكه مرة واحدة، فأرجوكم أنا في معاناة نفسية كبيرة حيث إننا في نفس البيت ونفس العمل
أريد حلاً، أصالحه وهو لا يريد كما قال لي لا تجعل لسانك يخاطب لساني، أم أتركه وأعمل وأدع الأيام تصلحنا
حتى أننا في هذا الشهر الكريم رفض أن نتناول الإفطار معاً، فأرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: حق المسلم على المسلم ست: قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه البخاري ومسلم.
فمتى قام المسلم بهذه الحقوق تجاه أخ له في الإسلام فقد أدى حقه عليه، فإذا كنت أخي السائل تؤدي هذه الحقوق وتفعل هذه الأمور المذكورة فقد قمت بما عليك، وتكون بذلك واصلاً لأخيك غير هاجر له، ويقع اللوم والإثم عليه في حصول الهجر بينكما، وينبغي لك نصحه بحرمة هجر المسلم لأخيه المسلم، وتذكيره بما ورد من وعيد في هذا الأمر، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 23920.
كما ننصحك بمقابلة إساءته بالإحسان إليه وجهله بالحلم عليه، فبذلك تنقلب عداوته لك صداقة وبغضه محبة، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1429(9/192)
حكم تلبية دعوة البنك لوليمة إفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تلبية دعوة البنك لوليمة إفطار حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان البنك ربويا فإن الأكل عنده يدخل في حكم التعامل مع مختلط المال، وقد تقدم في الفتوى رقم: 6880، أقوال أهل العلم في ذلك ما بين محرم وكاره، ما لم تكن هذه الوليمة أعدت لترويج معاملة ربوية أو افتتاح فرع أو نحو ذلك من الأغرض المحرمة فيمنع إجابتها لما في الحضور من الإعانة على المنكر والتشجيع عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(9/193)
الابتعاد عن أصدقاء السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 16 سنة لدي صديق تعرفت عليه في السنة الماضية وقد كان يظهر لي طيبته وأخلاقه الحسنة ولكن لما مرت الشهور اتضح لي أنه من رفقاء السوء فابتعدت عنه وكان يطلب مني مبالغ مادية فكنت أعطيه لأني كنت أراه شخصا طيبا ولكن لما اكتشفت أنه سيء فأصبحت لا أعطيه وهو ألآن يلاحقني في بيتي لأعطيه النقود وشرحت له مرارا وتكرارا ولكنه لا يستجيب فماذا علي أن أفعل الطريقة الوحيد التي فكرت فيها للتخلص منه هي الضرب فهل أضربه؟
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالابتعاد عن أصحاب السوء نجاة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67} قال ابن كثير في تفسير الآية: أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل، فإنه دائم بدوامه. اهـ. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وصححه النووي. قال المناوي في فيض القدير: [خَلِيلِهِ] أي صاحبه ... أي فليتأمل أحدكم بعين بصيرته إلى امرئ يريد صداقته فمن رضي دينه وخلقه صادقه وإلا تجنبه. اهـ.
فابتعادك عن هذا الشخص لخوفك على دينك عمل حسن، إذا كنت حاولت نصحه فلم ينتصح، وأما مطاردته لك فلا تسوغ لك الاعتداء عليه بالضرب أو الشتم؛ قال تعالى: وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {البقرة:190} .
وكظم الغيظ والصبر من صفات المتقين، كما في قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134} . وهناك حلول أخرى للابتعاد عنه: كإخبار عائلتك بذلك وتدخلهم لمنعه من زيارتك أو الاتصال بك، ومحاولة اتصالكم بعائلته ومطالبتهم بزجره عنكم، ونحو ذلك من الحلول التي تضمن بها سلامتك من سوئه مع عدم الظلم والاعتداء، وهناك فتاوى تتعلق بهذا الموضوع هذه أرقامها: 19212، 54580، 74232، فراجعها للفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(9/194)
حكم إلقاء المصحف من اليد عند الغضب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة من كان غاضباً وألقى بالمصحف من يده من الغضب على شيء معين من أمور الدنيا وهل هو إثم لا يغتفر مع العلم أنني شعر بندم شديد على ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك بالمبادرة إلى التوبة النصوح والإكثار من النوافل وما استطعت من أعمال الخير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إلقاء المصحف بقصد الاستهانة به يعتبر ردة وكفرا مخرجا من الملة والعياذ بالله تعالى، وعليك أن تبادر إلى التوبة النصوح من هذا الفعل الشنيع وتكثر من النوافل وفعل الخير، وانظر الفتوى رقم: 64588.
وإذا لم يكن بقصد الإهانة فإنه لا يعد كفرا ولكنه أمر شنيع، وعلى أية حال فما دمت قد ندمت على ذلك وتبت منه إلى الله تعالى؛ فإننا نرجو أن يتقبل الله توبتك ويغفر ذنبك.. فهو القائل في محكم كتابه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجة وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم: كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة..
وقال صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه الإمام أحمد وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1429(9/195)
صلاة المظلوم ودعوته
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أصلي صلاة المظلوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أن هنالك صلاة تسمى صلاة المظلوم، والذي ورد به الشرع هو أن دعوة المظلوم مستجابة، وإذا أراد المظلوم أن يجعل بين يدي دعائه عملا صالحا يتوسل به إلى الله تعالى ليقبل دعاءه فهذا أمر حسن، وهو من التوسل المشروع، فيمكنه أن يصلي ركعتين مثلا قبل دعائه.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 63727، والفتوى رقم: 63727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1429(9/196)
الجمع بين بغض من يخالف السنة وحبه لدعوته إلى الخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أحدثكم من كل قلبي تجاه المسلمين خصوصا عندما أسمع داعية يتكلم على إحدى الفضائيات وهو لا يرخي لحيته فإن قلبي والله لا يرتاح لهذا الداعية مع أني أقول وأحدث نفسي قد يكون وليا من أولياء الله وأنا اسمع له ما يحدث غالبا لأذكر الله فهل يؤاخذني ربي على تأنيبه لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سألت عنه من مؤاخذة الله لك على ما ذكرت فنقول:
فجزاك الله خيرا على ما تجد في نفسك من حرقة على دينه والالتزام بما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة وأنت مأجور بإذن الله تعالى.
أما كون قلبك لا يرتاح لهذا الداعية لهذه الخصلة التي ذكرت وهي عدم إعفاء لحيته فهنا لا مؤاخذة عليك به عند الله لأن سببه أمر شرعي ولأنه أمر قلبي لا مدفع له.
وجمعك بين الاستماع لما يقول من خير وكراهتك لعدم إعفاء اللحية هو الحق إن شاء الله. ومذهب أهل السنة بغض ما في الشخص من مخالفة لما أمر الله ورسوله، وحبه من جهة أخرى هي لفعله ودعوته إلى ما يحب الله ورسوله، وهذا قرره شيخ الإسلام وغيره كثيرا..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1429(9/197)
يعمل ليلا وينام معظم النهار
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي أنا أشتغل بمقهى انترنيت ليلي وأسهر طول الليل وأنام بالنهار أوقات أنام للساعة 2 الظهر وأوقات أنام للساعة 6 المساء فهل هذا يجوز؟
ملاحظة: وقت أكون عندي دوام بالجامعة بالنهار داوم نظامي وما أنام لكن أسهر الليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان نومك لا يترتب عليه تضييع الصلوات المفروضة وإخراجها عن وقتها بحيث تستيقظ وتصلي الصلاة لوقتها، ثم تعود للنوم فإنه لا حرج عليك، وإن كنت تضيع الصلوات فتخلط الظهر مع العصر مثلا أو تصلي الفجر بعد وقتها فهذا لا يجوز، وتلزمك التوبة إلى الله تعالى. وانظر الفتوى رقم: 43595، حول ضوابط العمل في مقهى إنترنت. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 96356، والفتوى رقم: 26458.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1429(9/198)
حكم تركيب الأعور عينا من الزجاج
[السُّؤَالُ]
ـ[شيوخنا الأفاضل ... هل يجوز لأعور أن يركب عينا زجاجية لا يرى بها وإنما هي فقط من الزجاج الذي يوهم الناس أنها عين حقيقية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع شرعاً من تركيب العين للأعور من الزجاج أو غيره ولو كان قصده مجرد الظهور أمام الناس بمظهر الزينة ... أو ما أشبه ذلك، فقد روى الترمذي عن عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قال: أصيب أنفي يوم الكلاب فاتخذت أنفاً من ورق (فضة) فأنتن علي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفاً من ذهب. إلا إذا كان في ذلك تدليس أو غش أو ضرر على صاحبها، فإن الغش وما يترتب عليه الضرر من المحرمات كما هو معروف شرعاً،، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 99552، والفتوى رقم: 24388.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(9/199)
المودة والعلاقة بين المسلم والمرأة الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت لكم سؤالا لكنكم لم تجيبوا علي واكتفيتم بالقياس والمشابهة فأعطيتموني إجابة سابقة لحالات تظنونها مشابهة لهذه الحالة، قرأت الإجابة لكني أحسست أن هنالك اختلافا في سؤالي والبقية، هنالك أمور مختلفة؟ وشكراً.. ورقم السؤال هو 2199799.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتاوى التي أحلناك عليها واضحة في الدلالة على المقصود، ولا بأس أن نجمل لك هنا مضمون تلك الفتاوى وهو أنه لا يجوز أن تكون هنالك علاقة صداقة مودة بين مسلم وكافر من أي جنسية كان هذا الصديق، لأن الشرع قد نهى عن موادة الكافر، وإذا كانت هذه العلاقة مع فتاة فالأمر أشد إذ لا يجوز للمسلم إقامة علاقة مع امرأة أجنبية عنه ولو كانت مسلمة.
وما ذكرنا من المنع من إقامة علاقة صداقة ومودة مع الكافر لا يعني المنع من برهم والإحسان إليهم، ومن أعظم هذا الإحسان دعوتهم للدخول في الإسلام، ولكن ينبغي الحذر من أن يكون الحوار مع الفتيات عبر الغرف الخاصة، وأما من خلال المنتديات العامة التي يمكن أن يطلع جميع الناس على ما يكتب فيها فلا بأس، ونرجو أن تراجع مرة أخرى الفتاوى التي سبقت إحالتك عليها للاطلاع على الأدلة وهذه الفتاوى أرقامها هي: 20995، 29760، 56692.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1429(9/200)
رعاية أولاد الزوج والصبر عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة شابة متزوجة من رجل عنده خمسة أولاد والدتهم متوفاة الله يرحمها أحب الأولاد وأعتني بهم قدر استطاعتي ولكن هناك أمور تضيق علي أحيانا أنهم مهملون للنظافة وأنا كثيرا أحبها ولا أرتاح إذا كان بيتي ليس نظيفا وأنا حامل وأشعر بالتعب بالإضافة إلى أنني عصبية ربما كثيرا فلذلك أحيانا لا أملك أعصابي وأعصب عليهم وأتكلم عليهم مع العلم أنني حاولت كثيرا بالكلام أن أفهمهم طبيعتي والأمور التي يجب أن يبتعدوا عنها وحاولت بعدة طرق ولكن عبسا وهم ليسوا صغارا بل واعون وأكبرهم 16 سنة وأصغرهم 9 سنين دائما بيتي متسخ وغير مرتب وهذا الشيء يضايقني كثيرا كثيرا المهم أنا أخاف الله فيهم لأنني أحسبهم والله مثل أولادي إذا صح القول أو أخاف أن تدور الدنيا ويكون أولادي مكانهم فلا أريد أن أظلمهم وأنا لست صعبة ولكن هذا هو الأمر الوحيد الذي يضايقني أنا جيدة معهم بإذن الله مع العلم بأنني في بيت مستقل وهم في بيت مستقل ولكن دائما عندي لأننا بنفس البناية مع العلم أيضا أنني كنت أغضب على إخوتي لنفس السبب، فالسؤال هل يحاسبني الله على اللحظات التي أغضب بها عليهم للأسباب المذكورة وأتكلم بها عليهم أم أن الله يقدر لي هذا لأنهم لو كانوا أولادي أو إخوتي كان نفس الأمر، يعني أنا لست قاصدة إهانتهم والعياذ بالله وكيف التصرف أريد الجواب الشافي فأنا في حساب مع نفسي وخائفة كثيرا ...
وجزاكم الله عني كل الخير وشكرا لكم على هذا الموقع الأكثر من رائع ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على رعاية هؤلاء الأولاد ومحاسبتك نفسك على ما تخشين أن يكون تقصيرا منك في حقهم أو فعل أمر فيه معصية الله.
والذي يظهر لنا والله أعلم أنه إذا كان الأمر لم يتعد الغضب على تصرفاتهم فلا حرج عليك في ذلك، وعليك بالحذر من أن يؤدي بك ذلك إلى سبهم ونحو ذلك، وينبغي أن تجتهدي في الصبر عليهم ومحاولة توجيههم بالحسنى فإن هذا أدعى لإصلاحهم وأرجى لانتقاعهم بخلاف العصبية التي تؤدي في الغالب إلى عنادهم والحرص على تكرار ما يمنعون من فعله كما هو عادة الأطفال.
ويمكنك الاستعانة بوالدهم في توجيههم وينبغي أن يكون عونا لك في ذلك، ولا بأس بتهديدك لهم بإخبار والدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1429(9/201)
ما ينبغي أن يكون عليه حامل القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة تحفظ القرآن ولكن بعضا من تصرفاتها لا تطابق تصرفات حافظ القرآن وأنا أخاف أن أنتقدها أو أنصحها فأرجوكم المساعدة خاصة أن حفظة القرآن لهم تقدير خاص في قلبي ...
جزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحافظ القرآن رجلا كان أو امرأة هو أولى الناس بالاستقامة على أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه حتى يكون القرآن حجة له يوم القيامة، فيكون من أصحاب السعادة والنعيم الأخرويين، فإن اتبع هواه وخالف تعاليم القرآن صار القرآن حجة عليه وكان سببا في هلاكه في الآخرة والعياذ بالله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: والقرآن حجة لك أوعليك،
قال السيوطي في شرحه لسنن النسائي: والقرآن حجة لك أو عليك قال النووي أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك، وقال القرطبي يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تسأل منه عنه كمساءلة الملكين في القبر والمساءلة عند الميزان وفي عقاب الصراط وان لم يمتثل ذلك احتج به عليك ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي ينتهي إليه. انتهى.
وفي جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي: وقوله صلى الله عليه وسلم والقرآن حجة لك أو حجة عليك قال الله عز وجل وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا الإسراء، قال بعض السلف ما جالس أحد القرآن فقام عنه سالما بل إما أن يربح أو أن يخسر ثم تلا هذه الآية وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمثل القرآن يوم القيامة رجلا فيؤتى بالرجل قد حمله فخالف أمره فيتمثل له خصما فيقول يا رب حملته إياي فبئس حاملي تعدى حدودي وضيع فرائضي وركب معصيتي وترك طاعتي فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال شأنك به فيأخذه بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله فيمتثل خصما دونه فيقول يا رب حملته إياي فخير حامل حفظ حدودي وعمل بفرائضي واجتنب معصيتي واتبع طاعتي فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال شأنك به فيأخذه بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ويعقد عليه تاج الملك ويسقيه كأس الخمر. انتهى.
وتعظيم حملة القرآن واحترامهم لأجل حفظهم لكتاب الله تعالى أمر طيب وتعظيم لحرمات الله تعالى لكن ذلك لا يعني التغاضي عن أخطائهم والخجل من نصحهم، وعليه فلا تنتقدي زميلتك بل بدلا من ذلك احرصي على نصيحتها ولا تخجلي من ذلك، على أن تكون هذه النصيحة على انفراد وبرفق وحكمة وأسلوب مقبول مع الاستعانة في ذلك ببعض صديقاتها المستقيمات اللواتي يمكنهن التأثير عليها وأنت مأجورة على ذلك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1429(9/202)
حكم تقبيل الرجل زوجته واحتضانها في الأماكن العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقبيل الزوجة أو احتضانها في الأماكن العامة؟ حفظكم الله ورعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقبيل الرجل زوجته وضمه لها بحيث يراه الناس هذا الفعل مناف للحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان، كما أن هذا الفعل أيضاً هو من عادات الكفار ومن تشبه بهم من السفهاء، وهو أقرب شيء لصنيع البهائم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ... رواه البخاري وقوله.. فاصنع ما شئت.. وعيد، والمعنى اصنع ما شئت فإن الله يجازيك به، وتراجع الفتوى رقم: 65794.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1429(9/203)
اعتمار الأب بمال ابنته على أن يرده لاحقا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة متوفاة ولي بنت منها، وقد ورثث بنتي مبلغاً من المال من إرث زوجتي، وأود السفر للعمرة، فهل أستطيع أن آخذ من هذا المال معي للعمرة؟ علماً بأنني وليها شرعاً وأنني لو صرفت من هذا المال سأقوم بسداده عند عودتي..
وأيضا لي بعض من الذهب سأوصي إذا لم يكتب لي الله الحياة خلال سفري أن يسدد هذا المبلغ من الذهب الذي هو ملكي.
فهل هذا جائز؟ أرجو إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا مانع من أن تأخذ هذا المال ثم ترده إذا لم يكن في ذلك ما يتنافى مع المصلحة ولم تكن ابنتك في حاجة إليه في سفرك لأن للأب أن يتصرف في مال أولاده وينتفع به عند الحاجة إليه، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 31108، والفتوى رقم: 39820.
والله أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1429(9/204)
حكم قراءة الرسائل الخاصة بالغير وأهمية كتم أسراره
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت من خلال الكمبيوتر الشخصي لعمة أولادي (الذي أعطته لنا لاستخدامه) ومن خلال سجل رسائلها أنها كانت قد ارتكبت علاقة آثمة مع أحدهم وأن هناك من كان يهددها بفضح أمرها من خلال تصوير تم دون علمها، كما علمت أن أختها الكبرى علمت بهذا الأمر حينذاك ويتضح أنها كانت الطرف الذي كان يتصل بالشخص الذي كان يهدد أختها الصغرى، كما استنتجت أنه ربما يكون هذا الأمر هو السبب وراء فسخ خطبتها التي كانت قد عقدت بعد هذه الأحداث، ثم إحجامها عن القبول بمن يتقدمون لها فيما بعد، ما هو تصرفي حيال هذا الأمر، هل هو الكتمان التام، أم إخبار أخيها (زوجي) لإحكام قبضته عليها ومنعها من الخروج لساعات متأخرة أو السفر بدون محرم، أم أن أواجهها بما علمت، أم كيف يكون اختلاط أولادي بها، أنا أدعو الله أن يعفو عنها، ولكني أخاف أن يكون تصرف أولياء أمرها معها بتساهل يضرها ويجعلنى آثمة على الكتمان، مع أني أغلب الظن أن الله قد هداها لكن هناك ما لا يمكن إصلاحه، الأهم هل نساعد أمها فى إيجاد زوج لها أم أني أكون قد خدعت هذا الزوج، وهل الحل هو دعوتها لالتزامها وارتداء الحجاب واتباع الصراط المستقيم، دون أن أفضح أمرها أمام أبيها وأخويها الذكور، وإن لم تستجب للدعوة كما أني كنت دائما سلبية في خصوص أمر الدعوة هذا، وأشعر بالذنب لعدم دعوتها للطريق الصحيح قبل ذلك، فهل أنا مذنبة فى قراءتي لرسائلها، أرجو الرد فى أسرع وقت دون تأخير لأن هذا الموضوع يجعلني أبكي كثيراً من الصدمة!؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما كان لك قراءة رسائلها والتجسس على أسرارها، أما وقد فعلت فاستغفري الله عز وجل واكتمي ما رأيت فستر المؤمن واجب، كما أنما ذكرت ربما يكون قرائن وليس بينات قاطعة، ولو افترض أنه بينات قاطعة فقد ذكرت أنه يغلب على ظنك توبتها من تلك الأمور، لكن إن رأيت منها منكراً فعليك نصحها ووعظها لتكف عنه وتتوب منه كما لا حرج في تنبيه ولي أمرها لرعايتها وعدم الإذن لها فيما لا يجوز كسفرها دون محرم أو ترك الحبل لها على الغارب.
وينبغي لك دعوتها إلى الالتزام ومحاولة التأثير عليها وربطها بالصحبة الصالحة التي تعينها على الطاعة وتبعدها عن المعصية، ولا حرج في البحث لها عن زوج صالح يعفها عن الحرام ويرعاها، وليس في ذلك غش له ما لم تكذبي عليه، وأما أولادك فإن كان حالها قد صلح فلا حرج في مخالطتهم لها وإلا فلا تتركيهم يخالطونها، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51587، 65614، 16126، 60017.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/205)
حكم الشخير وهل ينجس الفم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الشخير حرام وينجس الفم أم أن هذا كلام فقط؟ أريد أدلة على ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المراد بالشخير ما يعتري بعض الناس أثناء النوم فالجواب أنه لا يتنجس به الفم ولا يوصف بالحرام لأن أفعال النائم خارجة عن التكليف، ولبيان الأدلة ومزيد التفصيل راجع الفتوى رقم: 38452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/206)
التعامل مع الصديق الذي تبين أنه فاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد أجنبي ولى صديق مسلم كنا نتزاور وكان واحدا من مجموعة من العائلات المسلمة في بلدنا , عرفنا عنه بعد عامين من بدء علاقتنا به وعن طريق زوجته أنه يشرب الخمر ويلعب القمار ويزنى من قبل أن نتعرف عليه بدون أن يعلم أحدنا أو يلحظ شيئا, فاختلفنا فيما بيننا فمنا من يحث على مداومة صداقته لعله يتوب ومن قال بمقاطعته لأن المرء على دين خليله ولأن الله قال عن الزناة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر , نرجو من فضلكم التوضيح كيف نتعامل مع هذا الشخص جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ينبغي لكم فعله مع الرجل المشار إليه بعد علمكم بحاله وتحققكم مما نسب إليه هو نصحه وتذكيره بالله تعالى وأليم عقابه على أن يكون النصح سرا وبالحكمة ومن غير تشهير وتعنيف، مع الاجتهاد بدعاء الله له بالهداية فإن انتهى ونفع فيه النصح فذاك، وإن لم ينته وعلمتم أن هجركم له يكون زاجرا ورادعا له عن اقتراف المعاصي فاهجروه فقد جاءت السنة بمشروعية هجر العصاة للمصلحة الشرعية كما بيناه في الفتوى رقم: 106008.
وإن علمتم أو غلب على ظنكم أن هجركم له لا يترتب عليه صلاحه فترك الهجر والاستمرار في النصح حينئذ خير وأجدى لعله أن يرتدع يوما ما ولكن مع مراعاة أن تكون خلطتكم به محدودة وبقدر ما تقدمون له النصح حتى لا يسري داؤه إليكم، وننبه إلى أهمية ستره وعدم فضحه بين الناس- إلا لمصلحة معتبرة شرعا- فإن من ستر مسلما ستره في الدنيا والآخرة.
وأما الآية التي أشرت إليها فليس هذا محل الاستشهاد بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(9/207)
ابتسم لقراءة الإمام آيات قصار فهل عليه شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أصلي العشاء وبعد انقضاء الصلاة جاء رجل أعرفه متأخرا عن الجماعة فأقام الصلاة وصلى بالناس المتأخرين، وفي الركعة الثانية قرأ بعد الفاتحة آيات قصار من آخر سورة الأعلى فأصابتني دهشة أو استغراب أو استخفاف في نفسي من هذا الرجل لقراءته هذا الجزء الصغير (أعلم أن القراءة بعد الفاتحة سنة) من أن يقرأ هذه الآيات القصار أي أريده أن يقرأ سورة كاملة ولو قصيرة وهذه هي مقدرته ونفس الشيء أحسسته من رجل كان يجلس أمامه نظر إليه نظرة غريبة اعتقد أنها لنفس السبب فابتسمت لهذا النظرة من الرجل وتوقعت أن ينظر إلي أو يبتسم لابتسامتي لأن هذا الرجل يقرأ هذه الآيات (ليس استهزاء بالآيات لأني أعلم أن الأستهزاء بالدين أو من آياته أو شرائعه كفر والعياذ بالله) ، ولكن الرجل مضى وخرج من المسجد ولم يلتفت إلي فحدثتني نفسي أن هذا استهزاء بالدين أو بآيات الله وأني كنت أنتظر من هذا الرجل أن يبتسم أو يضحك من الرجل المصلي لقراءته وعندما أحسست أن هذه الابتسامة من الممكن أن تكون استهزاء توقفت واستغفرت الله ولكن ليس في نيتي أن هذه الابتسامة استهزاء بالدين فقط استغرابا من الرجل يقرأ هذه الآيات القصار ومن أن هذا الاستغراب شعر به رجل غيري وانتظرت حتى فرغ من الصلاة وأعلمته أني ابتسمت لأنه تساهل أو قرأ هذه الآيات القصار (ليس استهزاء بهذه الآيات) ، فقال إنه جاء متأخرا ولا يريد أن يطول على الناس وطلبت منه أن يسامحني على هذه الابتسامة فضحك وقال إني مسامحك وأخشى أن تكون هذه الابتسامة استهزاء وأني قد كفرت والعياذ بالله وهل يترتب عليه شيء من جهة زوجتي وهذه الابتسامة ليست متعمدة بل كانت في غفلة مني وليست متعمدة وأني انتبهت سريعا ولم أستمر وتوقفت عن الابتسام عندما جاء في نفسي أنها من الممكن أن تكون سخرية واستهزاء بهذا الرجل المصلي وطلبت مسامحته وسامحني، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت لم تقصد بتبسمك الاستهزاء بالآيات التي تلاها الرجل المشار إليه فلا يدخل عملك هذا في حيز الكفر والاستهزاء بآيات الله، ولكن السخرية من قلة عمل الآخرين قد تدخل في السخرية التي نهى الله عنها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ {الحجرات:11} ، وقد يتقبل الله صلاة رجل قرأ فيها بآية قصيرة -لإخلاصه لله- ويرد صلاة رجل آخر قرأ بإحدى السور الطوال لعجبه بعمله أو مراءاته وتسميعه به، كما أن تخفيف الإمام الصلاة بالمأمومين سنة، وما دمت قد استسمحت الرجل واستغفرت الله فنرجو أن يغفر الله لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(9/208)
إخبار الغير بالخطيئة بقصد طلب النصح
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن المجاهرة بالذنب فقد أخطأت في حق زوجي وأنبني ضميري بشدة وأريد أن أتوقف عن ما أنا فيه من ذنب فاتصلت بصديقة لي أعلم أنها ستدلني على الصواب وحكيت لها , وبعد خفت أن أكون من الذين يفضحون أنفسهم بعد أن سترهم الله ولكن لم تكن في نيتي المجاهرة أو التباهي بالمعصية وإنما أردت أحدا لكي يردعني ويجعلني أعود إلى الطريق الصواب فهل أنا هكذا من المجاهرين بالذنب وهل إذا تبت إلى الله من ذنب المجاهرة يغفر لي؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لقد أخطأت السائلة بارتكابها ما يخالف شرع الله تعالى، وعليها أن تتوب من ذلك توبة خالصة مصحوبة بالندم والعزم على عدم العود لذلك الذنب، وإذا كان إخبارها صديقتها ليس على وجه المجاهرة، بل لغرض الاستفادة من نصحها وتوجيهها فلا بأس بذلك، فقد ذكر العلماء أن هذا ليس من المجاهرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد أخطأت السائلة بارتكابها ما يخالف شرع الله تعالى، وعليها أن تتوب من ذلك توبة خالصة مصحوبة بالندم والعزم على عدم العودة لذلك، والأصل أنه لا يجوز المجاهرة بالذنب لما في البخاري عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، ومن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، قد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
لكن إذا كان إخبارها صديقتها ليس على وجه المجاهرة، بل لغرض الاستفادة من نصحها وتوجيهها، فقد ذكر العلماء أن هذا ليس من المجاهرة.
قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجا منها أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها أو يدعو له أو نحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة.اهـ
وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء، بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه. انتهى.
وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 97046.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1429(9/209)
حكم الضحك المصحوب بنوع من الشخير
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان عندما يضحكني شيء أضحك ضحكة بها نوع من الشخير - (عفواً لقولي ذلك) -فما حكم ذلك في حال قصدي له وفي حال عدم قصدي له؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تجتهد في ضبط نفسك عند الضحك ما أمكنك حتى لا يحصل منك مثل هذا الصوت فإن ذلك من تمام الأدب والمروءة، كما أن من حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان جل ضحكه تبسما.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّم. رواه البخاري.
وقد قال تعالى في وصية لقمان عليه السلام لابنه: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان -19) .
ثم ما يحدث منك من الشخير بلا قصد فلست مؤاخذا به لأنه لا يدخل في نطاق التكليف، كما أننا لا نعلم نهيا عما يحصل منه بقصد ما لم يكن فيه إيذاء للغير أو يكن فيه تشبه بأصحاب الفجور، ولكن ينافي الأدب كما بينا. فالصواب تجنبه حال الاختيار.
وراجع الفتوى رقم: 38452.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1429(9/210)
أدب المسلم حين يقع في ضائقة أو شدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقبلة على عملية طفل أنابيب، وبصراحة خائفة جداًً، ونفسيتي تعبانة ولا يعلم أحد ما أشعر به في داخلي من نقص وضيق ونفسيتي تعبانة جداً، أرجوكم ساعدوني ودلوني على أدعية أدعوها وقت العملية وقبلها وبعدها ... لعل الله يستجيب دعائي وتنجح العملية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلمة إذا وقعت في ضائقة أو شدة أن تكثر من ذكر الله، وأن تستعين به على تفريج كربها وشدتها، واعلمي أن بقدر يقينك بالله وصدق توكلك عليه والإكثار من دعائه والتضرع إليه سيهون عليك أمرك ويجاب سؤلك وينجيك الله من كل كرب وهم.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}
ثم إن هناك أدعية تذهب الهم والغم، منها: ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله، الله ربي، لا أشرك به شيئا.
وعليك أيضا بدعاء ذي النون، فقد أنجاه الله بدعائه حين دعا به، وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد والترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23867، 21491، 5995، 70670، 70557، 53814، 2646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1429(9/211)
حكم قول البنت حسبي الله ونعم الوكيل حين تظلمها أمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أستفسر إذا كانت الأم ظالمة لابنتها فهل يجوز للابنة أن تدعو بحسبي الله ونعم الوكيل, حيث إن الله الحق يقول "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما" وهذا موجه لجميع الناس، كما أود أن توجهوا كلمة لهذه الأم لتتقي الله في ابنتها, فالابنة كثيرة التقرب لربها, وكثيرة البر بأمها إلا أنها بدأت تتعب نفسيا فالظالمة هي أمها ولا تستطيع ردعها، والظلم المقصود ظلم معنوي وليس ماديا، فنرجو سرعة الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذكر من الأذكار الواردة التي يشرع للمسلم أن يقولها لا سيما عند حصول المكروه أو الخوف، وعليه فلا بأس أن تقول الأخت عند ظلم أمها لها، ولكن لا تقله أمام أمها، بحيث تسمعها ولا تقله بقصد الدعاء عليها لأنه جرى الدعاء به في بعض أعراف الناس.. ونوجه كلمة لهذه الأم بأن تتقي الله تعالى وتكف عن ظلم ابنتها، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 94603، في عاقبة الظالمين وأجر من صبر على ظلم قريبه.
وننصح الأخت بالصبر واحتساب الأجر، وبالقيام بما يجب عليها من بر والدتها وطاعتها في المعروف، فإن حق الأم عظيم، ولا يتصور عادة منها الظلم المحض، فربما تكون هذه البنت واهمة ويخيل إليها ما سببه سوء فهم أو نحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(9/212)
حكم استقبال القبلة عند سماع الأذان والقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط عند سماعي للأذان أو القرآن الكريم أن أستقبل القبلة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعند سماع الأذان أو تلاوة لا يشترط استقبال القبلة، لكن قد ذهب بعض العلماء إلى استحباب استقبال القبلة عند العبادات إلا ما استثناه الشرع قالوا لأنها أشرف الجهات صرح بذلك النووي وابن مفلح وآخرون.
قال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات وهو يعدد سنن الوضوء: سنن الوضوء استقبال قبلة. قال في الفروع: وهو متجه في كل طاعة إلا بدليل. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(9/213)
حكم تغليف المصحف بورق رسمت فيه وردة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مصحف (تفسير الجلالين) تمزق غلافه الخارجي لأنه قديم جداً فقمت بطباعة صورة وردة مكتوب في أسفلها سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لأغلفه بها، ولكن أخي الأكبر رفض أن أضعها وقال إنه لا يجوز هذا مصحف وليس مجلة، وإن كانت نية الاهتمام بكتاب الله والاحتفاظ به، فهل أنا مخطئة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان تفسير الجلالين قد تمزق غلافه فلا مانع من تغليفه بشيء من أوراق طاهرة أو جلد طاهر كذلك، وما قمت به من تغليف المصحف بورق رسمت عليه وردة وكُتب عليها سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فإنه لا مانع منه شرعاً، لكن ينبغي الحذر من امتهان هذه الكلمات التي فيها ذكر الله تعالى، وراجعي الفتوى رقم: 60703، والفتوى رقم: 70954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/214)
هل يعطى المال للمتسول أم يطالب ببينة على فقره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعطاءالمال للمتسولين؟ هل يجب عليّ أن أعطيه مالاً إذا طلب مني وقال من أجل الله ومن مال الله وبحبك لله؟ البعض يقولون لا يجوز إعطاؤهم حتى لا نكون مشجعين لهم.
فهل هذا القول صحيح؟ وكيف نوفق بين هذا القول وبين قول الله / وأما السائل فلا تنهر/ وهل المطلوب من خطيب الجمعة أن يحذّر المصلين من إعطاء المال للمتسولين الجالسين على أبواب المساجد حتى لا يكونوا مشجعين لهم بإعطائهم؟ ثم إنه ليس كل المتسولين على درجة واحدة قد يكون الواحد عاجزاً عن العمل أو مريضاً فكيف نتعامل مع كل واحد منهم، وإذا لم نعرفهم تمام المعرفة هل نعطيهم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفقير والمسكين يصدقان في دعواهما الفقر والمسكنة، ولا يطالبان ببينه على ذلك ما لم يكذبهما ظاهرهما فلا يصدقان عند ذلك إلا ببينة، وإذا علم الشخص من حال السائل أو من قرينة قوية أنه غير محتاج إلى الصدقة فلا يعطيه لأنه غير مستحق في ظاهر الأمر، ونحن مطالبون بالتعامل مع الناس حسب ما يظهر لنا من حالهم. فإعطاء من لا يستحق مع العلم بحاله من إعانة له على ظلم نفسه أو ظلم الآخرين الذين هم أحق بهذه الصدقة وبما تقدم يعرف السائل جواب سؤاله عن كيفية التعامل مع المتسولين سواء من خطباء المساجد أو من غيرهم. وراجع فيمن يجوز له المسألة ومن لا يجوز له في الفتوى رقم: 60559. والفتوى رقم: 57511.
وفي كل الأحوال فإن صدقة التطوع مستحبة وليست فرضا، ولا تجب بقول السائل للمتصدق أعطني من أجل الله أو من مال الله ونحو هذه العبارات.
وأما قول الله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر {الضحى:10} فمعناه لا ترد على السائل بالإغلاظ في القول ولكن إما أن تبذل له اليسير أو ترده بالجميل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1429(9/215)
الأكل من أموال الإخوة اليتامى بالمعروف
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي رجل عن ثلاث بنات وستة أولاد, ابنتان واحدة متزوجة والأخرى مخطوبة بعقد (ما زالت في بيت أبيها) وأحد الأولاد متزوج وله دخل خاص ويسكن في الطابق الثاني لبيت أبيه ويعيش مع إخوانه والآخر بالغ. وحسب القانون فإن للأولاد دخل ما عدا المتزوجة والمخطوبة. ولكن المخطوبة هي التي تربيهم بمساعدة أمهم وتشرف عليهم، فما حكم ما يلي:
1-أن تأكل المخطوبة مع إخوانها الذين تربيهم وأخوها المتزوج كذلك كونه المشرف عليهم بعد أبيه.
2- كان المتزوج يدفع لأبيه 100 دينار شهريا كونه بنى له بيتا وزوجه على نفقته الخاصة فهل يدفع ما كان يدفع لأبيه وكيف يتم التصرف فيها.
3- كيفية التصرف بالدخل الشهري والديون التي للوالد والصرف على الأولاد لأن حاجاتهم متفاوتة, منهم من يدرس ومنهم من يحتاج إلى مصروف أكثر من أخيه ومنهم من يدرس في الجامعة وغير ذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المتوفى يرثه جميع أولاده الأحياء ذكورا أو إناثا متزوجين أو غير متزوجين لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}
وللأخ أو الأخت المربيين لليتامى أن يأكلا من أموالهم بالمعروف، فلا حرج عند زيارة الأخ الكبير لإخوته الصغار أن يشرب عندهم أو يأكل ما يقدم عادة للضيف كما يجوز كذلك للساكن معهم أن يأكل معهم، ويجوز أن يخلط طعام الكبير بطعام الصغير ويأكلوا معا في حدود ما يسمح به العرف في غير إسراف أو تعد، فقد قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:220}
وأما ما كان يدفعه الأخ لوالده فينبغي أن ينظر فيه فإن كان الوالد أقرضه ما يبني به ويتزوج فإن ما يرد له من القرض يعتبر تركة، وأما أن كان أعطاه الوالد ذلك من باب المساعدة له فليس عليه أن يدفع للأولاد شيئا إلا إذا تكرم عليهم أو كانوا محتاجين فيتعين عليه إنفاقهم إن كان غنيا.
وأما ديون الوالد التي يطالب بها الغرماء فهي من تركته التي تقسم بين ورثته، وأما الدخل الشهري فإن كان مما تعطيه له الدولة مما كان يقطع من راتبه سابقا فهو تركة أيضا، وإن كان مما يدفع للأولاد بعد موت الوالد فينظر في قانون الجهة التي تصرفه هل هو خاص بالأولاد القصر أم لا، وينبغي أن يقسم الدخل والتركة بما فيها هذه الديون بين الأبناء ويصرف على كل واحد منهم من ماله الخاص على قدر حاجته، فإن لم يف ماله بحاجياته نظر وليه في أمره.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10970، 34856، 49499، 94159.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1429(9/216)
حكم السفر على طيران يقدم الخمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص لبناني موجود في السعودية وهناك خيار من أن أنزل إلى لبنان على الطيران السعودي الذي يقرأ دعاء الركوب وتلاوة القرآن والأحاديث وعلى أن أنزل على الطيران الشرق الأوسط اللبناني الذي يوجد عليه خمرة والعياذ بالله. أفتوني أثابكم الله في هذا الأمر لأن الأصدقاء يقولون إنك إن لم تتناول هذه المنكرات لم يضرك شيء.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز شهود المنكر لمن يمكنه أن يتباعد عنه، ويتنافى ذلك مع إنكار المنكر الواجب على المسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحيث يمكنك السفر بغير شهود لهذا المنكر فانه لا يجوز لك السفر في هذه الطائرة التي تقدم فيها الخمور وتشهد فيها من كبائر الذنوب ما لا تشاهده في غيرها؛ لما رواه الإمام أحمد من حديث عمر مرفوعا: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر.صححه الألباني.
ولأن أدنى درجات إنكار المنكر والتي هي الإنكار بالقلب والتي لا يبقى بعدها مثقال ذرة من إيمان تتنافى مع شهوده مع إمكان القيام عنه. بل ربما كان ذلك علامة رضا الشاهد بالمنكر أو على أقل الأحوال عدم الغيرة على حرمات الله أن تنتهك.
وجاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم إذا مثلهم) قال: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، فكل من جلس في مجلس معصية وجب أن ينكر عليهم، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية (إنكم إذا مثلهم) أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا أجمعهم.. انتهى بحذف يسير.
ولا شك أن مقاطعة المسلمين مع كثرة عددهم لطيران هذه الشركات مما يكون له الأثر في تغيير المنكر، وحتى إن لم يحصل ذلك فمعذرة إلى ربنا ولعلهم يتقون.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(9/217)
كيفية التعامل مع من أساء إلى الدين أو إلى رسولنا الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تجب أن تكون معاملة المسلم لشخص سب أو أساء إلى الدين الحنيف وإلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, وخصوصا أن ذلك الشخص أساء لأنه لا يعرف أي شيء عن الإسلام سوى ما يراه عبر القنوات الفضائية وما يسمعه في الشارع وخصوصا أن بلاده بلاد كفر فهل تكون معاملة المسلم أن يبتعد عنه أو أن يحاول أن يصحح له وأن يقول له أن ما قاله غير صحيح وأنه فظيع وخطير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أنه يجب على المسلم أن يبغض هذا الفعل الذي وقع من هذا الشخص نعني سبه لدين الإسلام أو إساءته لخير الأنام.
وأما أسلوب التعامل معه فيختلف باختلاف الأحوال فيهجر من كان معاندا ويقع في هذا الأمر عن علم.
وأما من كان جاهلا مقلدا، ويرجى انتصاحه إذا نصح فالأولى الترفق به وتعليمه حقيقة دين الإسلام، وتعريفه بالرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من كريم الخصال.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتويين التاليتين: 42977، 104183.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(9/218)
إخبار أصحاب الطعام بوقوع فأر في القدر أثناء الطبيخ
[السُّؤَالُ]
ـ[أمراة تعمل طباخة في المناسبات الاجتماعية وفي إحدى المناسبات وأثناء قيامها بإلقاء نظرة إلى الطعام فوجئت بوجود فأر كبير (قنطشة) في القدر التي تطبخ فيه قامت بإخراج الفأر من القدر واستمرت في الطبخ وتوزيع الطعام على الحاضرين دون إعلامهم بالأمر.
الآن تشعر بالذنب لعدم إبلاغ أصحاب المناسبة بذلك. تسأل هل هي مذنبة أم لا؟ وهل عليها كفارة؟ أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الطعام إذا وقعت فيه فأرة وذلك بالفتوى رقم: 42728.
والأصل أن تخبر هذه المرأة أصحاب هذه المناسبة، ويكون هذا الإخبار واجبا في حال الحكم بنجاسة هذا الطعام. أما وقد حدث ما حدث فالواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، ولا تلزمها على ذلك كفارة مخصوصة. وعليها أن تتحرى الصدق والأمانة في مستقبل أيامها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(9/219)
الإعراض عن الصديقة المصرة على العناد وقول الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مؤسسة مرموقة ولدي العديد من الزملاء الذين أحترمهم جدا ولا يجمعني بهم سوى الأخوة في الله، ومن بعض زملائي فتاة من إحدى الدول العربية بدت لي في الأول طيبة جدا وحنونة وصادقة وكنت أحبها من قلبي لكنني انصدمت عندما اكتشفت حقيقتها فهي أولا إنسانة متشائمة جدا ولا تحب أحدا وكنت أقول في نفسي إن الكمال لله لكن مع مرور الوقت وفي حوارات دارت بيننا حول دين الله تعالى اكتشفت مدى خطورة أفكارها وافترائها على القرآن وعلى نبي الله محمد فقد قالت لي حرفيا إنها لا تثق في نبي جاء من صحراء لا حضارة لها؟ وقالت أيضا ما هو دور سيدنا أيوب عليه السلام لا يفترض ان يكون نبيا أصلا؟
ولماذا يضع الله حد الجلد للزاني وقطع اليد للسارق هذا جرم وافتراء برأيها؟ ولماذا قتل المسلمون ملايين البشر في الفتوحات الإسلامية وأجبروا الناس على دخول الإسلام بحد السيف وليس بالخيار؟
وأن عرب الجزيرة العربية هم من أطاحوا بالحضارات العريقة ولماذا لم يختر الله نبيا فرعونيا كون الفراعنة أذكى من بقية الخلق في ذلك الزمان؟ ولماذا ذكر الله المرأة المصرية على أنها صاحبة هوى (زوجة العزيز مع سيدنا يوسف) ؟؟ أما الطامة الكبرى فحين أخبرتني أن اخناتون هو سيدنا إبراهيم كونه وحد الديانات؟؟؟ وقد كنت دائما أدافع وأبرهن لها بالدلائل والإثباتات وأدعو لها بالهداية ولكن وكما يقال اذا خاطبكم الجاهلون قولوا سلاما.وقد زادت حدة الأمور بيننا حتى أصبحت تستهزئ بي وتنعتني بالمتطرفة خصوصا بعد أن أخبرتها أن اخناتون كافر ولم يعبد الله يوما بل عبد الشمس ووحد الآلهات العديدة في الشمس الالاه الواحد وأنه ما من نبي صنع لنفسه تمثالا أو نقش صورة على مر التاريخ والا أين صور موسى وهارون، حينها ساءت علاقتنا أكثر فأصبحت أتفاداها لأنها أصبحت تضايقني وتحسسني أنني متخلفة أو عديمة الإحساس وفي أحد الأيام لم أعد أحتمل فثرت بشدة وطلبت منها أن تكف عن استخفافها بالخلق ولا أنكر أنني جرحتها، لكنني أحتفظ بمعزة لها في قلبي خصوصا أنني كنت أحاول دائما أن أساعدها على الرجوع إلى الصواب، والآن أنا في حيرة من أمري لأنني أحس أنني لم أكن حكيمة بما فيه الكفاية لأوجهها إلى ما فيه الخير، وبالتالي أكسب فضلا عظيما من الله ومن جهة أخرى لا أريد أن أتحدث معها ثانية لأنها لا تحترم أحدا وتفتري حتى على ما أنزله الله؟؟؟
فما العمل يا ترى وهل أنا على صواب اذ قطعت علاقتي بها نهائيا، أفيدوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا في حرصك على الدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى الحق، وإن كانت هذه الفتاة على الحال الذي ذكرت فهذا الذي يصدر منها كفر بالله تعالى وتكذيب برسله وافتراء منها للكذب على الله تعالى، فلا يجوز لك أن تكوني على مودة معها على كل حال.
وأما دعوتها إلى الخير فيمكنك الاستمرار فيها بالحكمة والمواعظ الحسنة ما رجوت أن ينفعها ذلك.
وأما إن كانت تزداد بذلك كفرا وعنادا فلا حرج عليك في ترك نصحها والإعراض عنها، وقد يكون هذا هو الأولى في مثل هذه الحالة، بل قد يكون أردع لها عن هذا الباطل الذي هي فيه.
ولمزيد الفائدة يمكنك الاطلاع على الفتويين: 16759، 50919.
وننبه إلى أمرين:
الأول: أنه لا حرج في الإغلاظ في القول للمعاند، فقد تكون هذه هي الحكمة في حقه، وراجعي الفتوى رقم: 55729.
الثاني: أن الآية التي أشرت إليها بسؤالك هي قول الله تعالى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا {الفرقان:63}
فتبين لك أنها آية من القرآن وليست من كلام الناس وأنها بلفظ الغيبة وليست بلفظ الخطاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/220)
الموازنة بين طلب العلم والدراسة الجامعية والزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسأل عن كيفية الموازنة بين طلب العلم والدراسة في الجامعة والزواج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أولا: جزاك الله خيرا على هذه النية الحسنة والهمة الطيبة.
ثانيا: الموازنة بين طلب العلم والدراسة في الجامعة والزواج سهل لمن أراد ذلك. فلا تعارض بين هذه الأعمال بعضها ببعض، إذا نظم الوقت تنظيما جيدا دقيقا فستجد فراغا وسعة تستطيع فيه طلب العلم الشرعي، بحيث تعطي من وقتك جزءا لأعمالك بقدرها، فلزوجتك حق عليك، ولنفسك من الراحة، ولدراستك. وكل هذا يمكن ترتيبه والقيام به بلا تعذر وعسر. ونسأل الله لك التوفيق في ذلك.
كما أن من المساعد على طلب العلم الالتزام بحضور دروس العلماء وإلزام النفس كل هذا من غير إفراط ولا تفريط بين واجباتك المختلفة وفقك الله لما يحب ويرضى.
ومن المفيد أن ننصح بالزواج إن لم تكن قد تزوجت وعدم تأخيره بذريعة الدراسة إن تيسر لك ذلك، لأن إعفاف المرء نفسه في هذه الايام لازم لكثرة الفتن والاختلاط الذي عمت به البلوى.
وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 10426، 95060، 45696.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/221)
موقف الصديق من الصديق السارق
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أود أن أستفسر عن شيء أنا لدي صديقان أحبهما جدا وفي يوم ضاع شيء من صديقي وأنا لاحظت ذلك الشيء مع صديقي الآخر فقلت لنفسي ربما هي تابعة له ولكنها تابعة لصديقي الآخر فسكت وفي مره أخرى ضاع منه نفس الشيء ولكنه كان أحدث ورأيت ذلك الشيء مع صديقي الآخر ولكنه كان مغطيه بشيء وتلك المرة أنا متأكد100 من 100 فماذا أفعل ولكني لا أريد أن أخسر واحدا منهما فقولوا لي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الصواب هو الستر على السارق إن أمكن تخليص السرقة منه دون فضحه، وإن لم يمكن ذلك وجب تخليصها منه ولو بفضحه مالم يخش أن يترتب على ذلك منكر أكبر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الشرع الحنيف على الستر على الناس وعدم إفشاء القبيح من فعلهم، روى الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وعليه، فالصواب أن تنصح صديقك هذا برد المسروقات إلى صاحبها، ويمكنك أن تساعده في ردها بطريقة لا ينفضح معها أمره.
وإن لم يقبل ذلك فهدده بالإخبار عنه، وإن استمر في رفض ردها، فمن واجبك أن تخلصها منه بأية طريقة ممكنة ولو بالإبلاغ عنه، وإن لم تفعل كنت آثما بتفريطك في تخليص هذا المال، وكان عليك ضمان الشيء المسروق عند من يرون أن الترك فعل.
قال الخرشي: ... والمعنى أن من قدر على خلاص شيء مستهلك من نفس أو مال لغيره بيده كمن محارب أو سارق أو نحوهما أو شهادته ... وكتم الشهادة أو إعلام ربه بما يعلم من ذلك حتى تعذر الوصول إلى المال بكل وجه ضمن دية الحر وقيمة العبد. اهـ
وهذا كله فيما إذا لم تخش أن يترتب على الإبلاغ عنه والتهديد له بذلك منكر أكبر كأن يحاول قتل من اطلع على سرقته مثلا، فإن خشي أن يترتب على هذا منكر أكبر من السرقة وجب عدم الإبلاغ عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(9/222)
الحق لا يعرف بالرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعرف رئيس حزب إسلامي وله ماجيستير في الشريعة الإسلامية وحافظ لكتاب الله لكن مع الأسف فهو يكذب ويسرق ويأكل الربا والرشوة ويفعل كل ما حرم الله، وعندما أنصح أصدقاءه بأن يتقوا الله في صديقهم يقولون لي بأنه يعلم ما يفعل وأن لا أحد يعلم أكثر منه، وإن كان ما يفعله حراما ما كان ليفعله وبأن السياسة توجب هذا الأمر..
أنا اختلطت علي الأمور هل ما يقولونه صحيح؟.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا داعي للحيرة فإن الحق لا يعرف بالرجال مهما بلغ علمهم أو كانت منزلتهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لم يجعل لعباده أسوة غير نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ {الأحزاب:21}
فلا عصمة لأحد بعد الأنبياء وكل عالم أو قائد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم كما جاء عن الإمام مالك رحمه الله.
ولذلك فإن على المسلم أن يعرف الحق ويتبعه ولا يعرفه بعالم أو قائد، وقد جاء في الأثر عن علي رضي الله عنه: لا تعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله، وقال بعض العلماء: من عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال.
ولذلك فلا ينبغي أن تختلط عليك الأمور فلو رأيت عالما أو غيره يخالف الشرع فلا اعتبار لمخالفته ولا اتباع لقوله، وإنما الواجب رفض فعله ونبذ قوله واتباع شرع الله تعالى فالحق أحق أن يتبع.
كما أن عليك أن تنصحه وتنصح أتباعه إذا كانوا يقلدونه في مخالفته للشرع وتبين لهم هذه الحقائق فإن الدين النصيحة كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتويين: 25921، 103867، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(9/223)
السماحة في البيع وحرمة الاعتداء على حقوق الأقرباء
[السُّؤَالُ]
ـ[لوسمحتم أنا أجرت محلا عند رجل متدين جدا لا يترك الصلاة أبدا وسني مطلق لحيته ذو جلباب إسلامى ولكن جميع تعاملاته مع الناس ليس لها علاقة بالدين يعادي أقاربه ويعمل في مهنة بيع الموبيليات القديمة يأخذها بسعر بسيط جدا من أناس محتاجين ويبيعها بسعر عال، وعندما أتكلم معه في أمر ما إذا كان في صالحه يأتي بسند من السنة، أما إذا لم يكن ليس في صالحه نفس الأمر يأتي بالعكس، معظم الناس يكرهونه ويشك في جميع الناس عندما يمر عليه سائل ما لا يعطيه شيئا ويقول لي عليه أن يعمل وأنه ليس محتاجا ونصاب حيث إني لا أدع سائلا إلا وأعطيه وأقول له إنني أعطيه ليس لشخصه ولكن هذا من أجل الله، أنا لست مثله متعمقا في الدين ولكن أعامل الله في معظم تعاملاتي ذات مرة قلت له إنه يعمل مشروعا لأولاده، يقول لي أنا واهبهم للدين، أقول له وكيف سيأكلون يقول لي من إيجار المحل هذا أعطيه مثلا قطعة لبان يأكلها يقول الشيوخ لا يأكلون اللبان يعنى الخلاصة أنني أتعامل مع إنسان متناقض جدا جدا جدا له أخ توفي وقيل لي والله أعلم أنه أخذ حق أولاد أخيه المتوفى، وسؤالى وفقكم الله أنني دائما أدافع عن جميع مطلقي اللحية، ولكن أول مرة أتعامل بالقرب مع رجل كهذا، فهل هذا الذى يفعله صحيح من الدين أم أنه شاذ عن القاعدة لأن كل خوفي أن مثل هذا الرجل يجعل الناس يكرهون التعامل مع الآخرين الذين هم على حق لأنني غيور على ديني جدا وأعتبر مثل هؤلاء واجهة للإسلام، أفيدوني أفادكم الله. وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على غيرتك على الدين وحبك لنصوع أخلاق أصحاب المظهر الديني، ونفيدك أن السماحة في البيع والشراء مرغب فيها شرعا لحديث البخاري: رحم الله رجلا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى وإذا اقتضى.
ولكنه يجوز أن يبيع التاجر بضاعته بالربح ويشتري برخص لما في البخاري عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه.
وأما الاعتداء على حق أبناء الأخ فهو محرم لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}
وأما اللبان فيجوز أكله للشباب والشيوخ، وراجع في إعطاء السائل مهما كان شأنه الفتوى رقم: 57066.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1429(9/224)
الصداقة بين الشباب وتبادل العلم عن طريق النت
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرفت على شاب صالح عبر الانترنت وهو يسكن في اسرائيل من أصل فلسطيني وهو إنسان ذو دين يعني يعرف التجويد ويعرف الكثير في مسائل الدين رغم صغر سنه، فهو لديه 15 سنة وأنا 17 سنة وأردنا أن نكون أصدقاء وأن يعلمني التجويد، فما هو الحكم في هذا.. وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في الصداقة بين الشابين واتصالهما عن بعد ليتعلم أحدهما من الآخر أمور التجويد وغيرها من أمور الشرع بواسطة الانترنت.
وراجع الفتوى رقم: 31768.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1429(9/225)
الخروج من المنتدى الذي يدار بطريقة غير شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا داعية ومشرفة إسلامية في منتدى ما، وكنت أحفظ الأعضاء القرآن الكريم، حدثت مشكلة في المنتدى بين الإدارة والأعضاء لان إدارة المنتدى لا تقوم بالإجراء اللازم لمن يشتمون الدين، وتستغل هذا الشيء حتى يكثر الجدل لتفعيل المنتدى على حساب الدين، وغير ذلك اكتشفت جديدا أن أحد الإداريين يدخل بعضويات مختلفة ومتناقضة منها ليوقع الفتيات، وأيضا يكثر الجدل وعمل الفتنة بين الأعضاء، وبالتالي تزيد فعالية المنتدى.
فخرجت من المنتدى بعد تقديم النصيحة أكثر من مرة لأنني لم يعجبني الحال، وتوقفت عن تحفيظ القرآن للأعضاء، وحملتهم المسؤولية بذلك.
فهل ألام وأأثم على عدم استمراري في تحفيظ القرآن لهم، بالرغم أن هناك أعضاء سألوا عني في المنتدى، حتى يستمروا في الحفظ ولكنني لم أعد أثق هل هؤلاء الأعضاء هم أنفسهم الإدارة تدخل بعضويات أخرى أم لا، حتى أستمر في المنتدى؟ وما حكم اشتراكي في هذا المنتدى؟ وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من أفضل الأعمال الصالحة تعلم القرآن وتعليمه، ما لم يؤد ذلك إلى أمر يأباه الشرع. والمحادثة بين الرجال والنساء عبر الأنترنت مصيدة من مصائد الشيطان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أفضلية تعلم القرآن وتعليمه، ففي الحديث الشريف: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري. وروى مسلم بسنده عن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحب ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل".
لكن المحادثة بين الفتيان والفتيات عبر الإنترنت مصيدة من مصائد الشيطان، وما ذكرته من أن إدارة المنتدى لا تقوم بالإجراء اللازم لمن يشتمون الدين، وأنها تستغل ذلك لتكثير الجدل من أجل تفعيل المنتدى على حساب الدين ... وما اكتشفته من أن بعض الإداريين يدخل بمشاركات ليوقع الفتيات، وأنه يكثر الجدل والفتنة بين الأعضاء ... كلها أمور تفيد أن المنتدى يسلك طريقا غير صحيح، وبالتالي فلا يجوز لك الانتماء إليه وما قررته من الخروج عنه هو الصواب.
ولا لوم عليك فيما فعلت، ومن أرادت من البنات أن تستمر معك في حفظ القرآن فليكن ذلك بوسيلة أخرى وفي ظروف أخرى بعيدة عن ظروف هذا المنتدى والمنتديات المفيدة التي يقوم عليها أناس أخيار كثيرون. ولله وحده الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1429(9/226)
تلقيح البقرة بثور مال مالكه حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بقره لقحتها من ثور، مال أهل مالك الثور حرام، فهل يحرم ما في بطن هذه البقرة أم لا؟.
الرجاء الإجابة عن هذا السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحرم ما في بطن البقرة بسبب كون الثور الذي حملت منه مال مالكه حرام.
هذا الجواب على اعتبار ما فهمناه من السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(9/227)
طريق الوصول إلى الصاحب الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أشكو من عدم القدرة علي اختيار صديق من أصحابي فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ننصح السائل بتقوى الله والتحلي بالأخلاق الفاضلة وسيجد أمثاله من الصالحين دون مشقة أو عناء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصحبة الصالحة مطلوبة شرعا ومرغوبة طبعا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل رواه الإمام أحمد وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة. متفق عليه.
وقال بعضهم: واصحب من الإخوان كل مهتد إن القرين بالقرين يقتدي.
فالصاحب الصالح الناصح مكسب عظيم، ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا من تحلى بأخلاق الإسلام الفاضلة من النصح لصاحبه والستر لعيوبه وتذكيره إذا نسي وتعليمه إذا جهل وتصويبه إذا أخطأ، ولذلك فينبغي أن يكون اختيارك للأصدقاء على هذا الأساس.
وإذا تحلى المسلم بأخلاق الإسلام فإنه سيلتقي بأمثاله تلقائيا كما قيل: الطيور على أشكالها تقع، ولذلك فنحن ننصحك بتقوى الله تعالى والتخلق بأخلاق الإسلام وستجد من يبحث عنك من أمثالك.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 23215.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1429(9/228)
السهر لمشاهدة القنوات الفضائية الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[نبدأ بكل شيء بسم الله الرحمن الرحيم ونثتي على الأمي الهادي إلى طريق الحق الطفل اليتيم والشاب الحليم والشيخ القويم.. اللهم صلي على محمد عدد ما ذكر الذاكرون وعدد ما غفل عنه الغافلون.... وبعد
يبدأ الكلام أخي أطلت عليكم بالكلام ولكن أحبكم في الله أخوكم الصغير الخطاء فقط للسؤال يا إخواني في الله إذا أحد سهر إلى التلفاز (القنوات الدينية الموجودة أعطاها الله القدرة على استكمال مشوارها) مثل الناس والحكمة والرحمة ... إلخ إلى الساعة 2 أو 1 في منتصف الليل، فهل هذا يعتبر قيام الليل أو حتى قراءة دروس لأني طالب في السادس علمي في المرحلة (12) فهل ممكن الجواب أو الرد على إيميلي.. وجزاكم الله هذا الجزاء والعطاء، وأنا عبد لله كل مرة أتصل بكم ويردون الإخوان جزاهم الله خيراً أصحاب المنتدى ولكن لا أعلم أعتقد في غير إيميلي هذا لأن عندي إيميلات كثيرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
السهر على ما ذكر لا يعتبر من قيام الليل وإن كان من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها فاعلها إن أحسن القصد وأخلص النية لله تعالى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحبك الله الذي أحببتنا له.. ولا شك أن مشاهدة القنوات المذكورة فيه خير كثير وفوائد عظيمة.. وبإمكان السائل الكريم أن يشاهدها في أوقات فراغه وفي غير الأوقات المذكورة، مع أننا ننصح الطالب بالتركيز على دروسه ومراجعتها حتى يستوعبها ... فإذا بقي عنده وقت استعمله فيما يتصل بالبرنامج والمقرر الذي يدرسه أو التخصص الذي يريد حتى يتفوق في دراسته ويتقن عمله.. فهذا من الإحسان الذي أمر الله عز وجل به في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195} ، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء.. الحديث رواه مسلم وغيره.
ومشاهدة البرامج الدينية والسهر عليها ... لا يعتبر من باب قيام الليل ولكن يمكن أن يكون من باب طلب العلم وتعلمه إذا قصد المشاهد ذلك، وعلى العموم فإننا لا ننصح بالسهر إلى الأوقات المذكورة لما في ذلك من التسبب في ضياع صلاة الفجر مع الجماعة وتفويت الواجبات الدراسية والعملية والمصالح الأخرى، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15382، 36198، 24146.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1429(9/229)
السفر لطلب الرزق وصلة المرء إخوانه
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم أريد أن استفسر عن موضوع دائم التفكير فيه ولا ينفك يغيب عن ذهني طوال اليوم.. أنا شاب أبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاما سافرت إلى بلاد الحرمين للعمل وتركت في بلدي إخوة لي موحدين دائم التفكير بهم حتى لا يمر يومي دون أن أذكرهم هل طلبي للرزق وبعدي عنهم علما بأني أحمل شهادة وأستطيع العمل براتب مقبول ببلدي ولكن رغبتي بالزواج وارتفاع تكاليفه وبعض الظروف العائلية أجبرتني على السفر, أقول هل بسفري هذا أكون قد قدمت ضرورة النفس على ضرورة الدين والتي من المفروض أن تكون بالعكس أشير هنا بأني محتاج لهم دينيا ووحشه الغربة والتفكير المستمر لا تسمح لي بالعمل بشكل جيد وطبيعي وأحيانا حتى بشكل سيء وأين أنا من الآية الكريمة: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ باِلغَدَاةِ والعِشِيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ ولا تعدُ عيْناكَ عنهُمْ تُرِيدُ زينَةَ الحَياةِ الدنيا ولا تُطِعْ مَن أغفلنا قَلبَهُ عَن ذِكْرِنا واتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أمْرُهُ فُرُطاً. الكهف:28، أنصحونا بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج على المرء في السفر لطلب الرزق، والمقام في بلاد الحرمين أفضل من المقام في غيرها، إذا كان المرء مقيماً بمكة المكرمة أو المدينة المنورة، وعلى السائل أن لا يقطع الصلة بإخوته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في السفر الذي قلت إنك فعلته طلباً للرزق، فإن أهل العلم قد صرحوا بأن للابن السفر للحج والعمرة والتجارة ونحوها ... ولو كره بذلك أبواه، قال الإمام السرخسي الحنفي في شرح السير الكبير: وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد لتجارة أو حج أو عمرة فكره ذلك أبواه، وهو لا يخاف عليهما الضيعة فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة ... انتهى.
وقال النووي في المجموع: إذا أراد الولد السفر لطلب العلم فقد جزم المصنف في أول كتاب السير بأنه يجوز بغير إذن الأبوين، قال: وكذلك سفر التجارة لأن الغالب فيها السلامة. انتهى.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر: منها: تحريمه على الولد إلا بإذن أبويه، ويستثنى السفر لحج الفرض ولتعلم العلم والتجارة. انتهى ... فإذا جاز للابن السفر لمثل هذه الأغراض ولو كره ذلك الأبوان فإنه أحرى بالجواز إذا لم يكن فيه سوى أنه ابتعاد عن الإخوة.
أما عن الآية التي أوردتها في السؤال فإنها إذا لم تكن حجة لك في الترغيب في هذا السفر فإنها ليست حجة عليك، فبلاد الحرمين هي أفضل البلاد، والعبادة فيها أفضل من العبادة في غيرها، وفيها يتمكن المرء من أداء الحج والعمرة بشكل دائم إن أراد ذلك.. ونقصد ببلاد الحرمين مكة والمدينة، وعلى أية حال فإنا لا نرى أنك بهذا السفر قدمت ما لا يستحق التقديم، وعليك أن لا تقطع الصلة بإخوتك، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك للخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1429(9/230)
حكم هجر الإخوان بسبب معاصيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضحوا لي مفهوم الهجر والبغض فى الله حيث إن لي إخوة نهجرهم في الله لما يأتون به من أقوال وأفعال تغضب الله مثل: عقوق الأم، سب ولعن وقذف لأخواتهن البنات، ظلم للزوجات فى النفقة والمبيت، طمع في مال أخواتهن البنات وغير ذلك من الأفعال التى تغضب الله.. والسؤال: هل يجوز لنا أن نهجرهم فى الله لأننا لو تكلمنا معهم ونافقناهم لكان هذا إقرارا منا بأفعالهم وأقوالهم، فأرجو سرعة الرد للأهمية؟ وبارك الله فيكم وجزاكم ربي الفردوس الأعلى.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الهجر لله لا يكون إلا إذا كانت المصلحة راجحة فيه على المفسدة، والهجر للنفس لا يجوز أن يزيد على ثلاث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن إخوتك من عقوق الأم، وسب ولعن وقذف أخواتهن، وظلم الزوجات في النفقة والمبيت وغير ذلك مما بينته ... يعتبر بحق عملاً منافياً للدين، والواجب عليك هو نصحهم، وليكن ذلك بالحكمة وتنويع أساليب الدعوة لهم، فتارة ببيان الحكم الشرعي، وتارة بالموعظة، وتارة بتسميعهم الأشرطة وإهدائهم الكتيبات التي فيها ذكر لتلك المواضيع.
فإن أفاد هذا فاحمدي ربك على توفيقه، وإن لم يفد فلا بأس أن تكرري النصح ما دمت تطمعين في الإفادة وإلا جاز لك أن تهجريهم إذا رأيت في ذلك ردعاً لهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كانت المصلحة في ذلك (أي في هجر العاصي) راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين. انتهى.
فالهجر -إذاً- يختلف باختلاف الهاجر في قوته وضعفه وباختلاف المهجورين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، والمقصود منه زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله.. واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن الهجر الشرعي هو من الأعمال التي أمر الله ورسوله بها، والطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة مره فتكون خالصة لله صواباً، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا.
والهجر لحظ الإنسان لا يجوز أن يكون أكثر من ثلاث كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً. ونسأل الله أن يعينك على إصلاح حال إخوتك، ولتجعلي نصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدى بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1429(9/231)
أخلص في عمله فلم يقابل إحسانه بالإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[توظفت في شركة وبدأت العمل خالصا" لوجه الله ولكن مالك العمل أحضر موظفا آخر بنفس اختصاصي وأجبرني على تعليمه العمل وطرقه في الشركة وهذا اخذ مني وقتا وجهدا كبيرا. وبعد أن أتقن العمل وتأكد المدير انه أصبح جيدا" بدأ الموظف بمضايقتي وسانده المدير ولا يوجد سبب" لذلك وأحسست أنني أصبحت مهملا".هل يجوز هذا؟ لقد عملت بإخلاص ولوجه الله. هل هذا هو الجزاء؟
كيف أعمل وأنا كل يوم أحس بأن المدير لم يعد يحترمني ولم يعد كما كان عندما أرادني أن أعلم الموظف الجديد حيث كان يدعو لي كلما رآني وكلما تأكد من تعليم الموظف المذكور. أحسست بالألم الشديد وأحس أنني كنت مخدوعا. أسألك بالله أن تجيبني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا على إخلاصك في عملك وابتغائك وجه الله، وأما عن ماذا تفعل؟ فننصحك أولا أن تصارح مديرك بالذي تجده في نفسك فلعله وهم أو لعل هناك سببا من الأسباب من تقصير منك ونحوه وأنت لا تشعر ولعله يوجد سوء تفاهم وخطأ في تقدير المدير لأمر ما يتعلق بك أو غير ذلك من الاحتمالات والمهم أن لا تتخذ موقفا ولو بالظن إلا بعد التأكد مما تشعر به ثم معرفة سببه ثم يكون الحل بناء على ذلك.
ومع ذلك فعليك بإتقان عملك ودوام الإخلاص لله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. أخرجه أبو يعلى والطبراني، وعليك بإحسان المعاملة مع زميلك، واعلم أنه ليس جزاء الإحسان إلا الإحسان وأن الله وعد المؤمن العامل للصالحات بأن يجعل له محبة في قلوب الخلق فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّ ا {مريم:96}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(9/232)
حكم قتل النمل والصراصير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قتل النمل والصراصير بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن قتل النمل جاء ذلك في عدة أحاديث منها مارواه الطبراني في الكبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع"
وأما الصراصير فلم يرد نهي عن قتلها، ولكن لاينبغي قتلها إلا إذا كانت مؤذية، فإذا كانت مؤذية فلا حرج في قتلها، وكذلك النمل إذا كان يؤذي جاز قتله.
وسبق بيان ذلك في الفتاوى: 9806، 2568، 34031
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1429(9/233)
تجنب الصديقة المصرة على العلاقة بأجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه ابلغ من العمر 26 سنه ولي صديقة في نفس عمرى وبمحض الصدفة عرفت أنها على علاقة بشاب عن طريق التليفون وكنت أعتقد أن هذه العلاقة مجرد حوار ووعد بالزواج فقط فنصحتها بالابتعاد عنه لان هذه العلاقة طالت بدون أي مؤشر أن بنيته الزواج منها وبعد فتره اكتشفت أن حوار التليفون هذا ليس مجرد حوار عادى وإنما كلام لا يرضى الله تعالى
كانت لنا صديقه اكبر منى تعرف علاقتها بهذا الشاب وأنا اعرف أنها تقدرها وتحترم رأيها فخشيت مواجهتها وحكيت لصديقتي الأخرى ما حدث حتى تنصحها دون أن تعرف أني عرفت ما دار بينها وبين هذا الشاب
ولكن قبل أن تتحدث معها عرفت عن هذا الشاب انه كان يكذب عليها في كل تفاصيل حياته وانه حتى لا يملك عمل حتى الآن فقطعت علاقتها به
ومنذ فترة حوالي أربعة أشهر تعرفت هي على شاب آخر وأيضا وعدها بالزواج ويحدثها يوميا في التليفون وحاولت نصيحتها أكثر من مره ولكنها أهانتني واعتبرت أن كلامي بدافع الغيرة منها لأنها محط اهتمام الشباب
فابتعدت عنها تماما لم يعد بيننا سوى السلام عليكم
السؤال الآن
هل أنا مذنبة عندما حكيت لصديقتي حتى تنصحها؟
وهل أنا مذنبة في حاله الابتعاد عنها وعدم تكرار النصيحة؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما ينبغي التنبيه عليه أولا أن مثل هذه العلاقات العاطفية سبب في كثير من البلاء وانتشار الشر والفساد، فالواجب على المسلمين رجالا ونساء شبانا وفتيات الحذر من هذه العلاقات ليكون المجتمع المسلم مجتمع طهر وعفاف.
وإن كان إخبارك صديقتك بأمر هذه الفتاة من باب المصلحة لكونها تحترمها ويرجى أن تسمع نصحها فلا حرج عليك فيما فعلت، ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 60492، ولا إثم عليك في اجتنابها وعدم تكرارك النصح لها مع عدم فائدته بل الأولى الحذر من مصاحبة مثل هذه الفتاة لئلا تؤثر عليك في خلقك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وانظري الفتوى رقم: 34422.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(9/234)
حكم قبول الدعوة المشتملة على معازف وغناء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذهاب إلى المناسبات العامة المختلطة مع زوجي هل هذا فيه حرمة إذا كانت المناسبات فيها معازف وغناء، هل هذا يوجب الاعتذار عن الدعوة أم القبول بها، علما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يرد دعوة تأتيه، فأقيدونا أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا يجوز قبول الدعوة إلى مناسبة محرمة، أو مشتملة على محرم لا يقدر المدعو على تغييره، ومن ذلك الحفلات التي بها معازف وغناء واختلاط ونحو ذلك، ولا تجوز طاعة الزوج في ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال ابن قدامة في المغني "فصل": إذا دعي إلى وليمة، فيها معصية، كالخمر، والزمر، والعود ونحوه، وأمكنه الإنكار، وإزالة المنكر، لزمه الحضور والإنكار، لأنه يؤدي فرضين، إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. وإن لم يقدر على الإنكار، لم يحضر. وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر، أزاله، فإن لم يقدر انصرف ... والأصل في هذا ما روى سفينة: أن رجلاً أضافه علي، فصنع له طعاماً، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل معناه؟ فدعوه، فجاء. فوضع يده على عضادتي الباب، فرأى قراماً في ناحية البيت، فرجع فقالت فاطمة لعلي: الحقه، فقل له: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقاً. حديث حسن. وروى أبو حفص بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها خمر ... ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه، من غير حاجة إلى ذلك، فمنع منه، كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر، حيث يباح له المقام، فإن تلك الحال حاجة، لما في الخروج من المنزل من الضرر. انتهى.
فعلم من هذا النقل أن وجود المنكرات في الحفلات عذر يمنع من حضورها وتلبية الدعوة إليها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول إلى مكان الدعوة المشتمل على منكر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(9/235)
التفكير في الانتحار بسبب مشاكل الأبوين
[السُّؤَالُ]
ـ[سئمت الحياة وكل يوم أتمنى الموت وأشعر برغبة قوية في الموت أكثر من اليوم الذي مضى وهذا كله بسبب المشاكل التي تزيد كل يوم بين أبي وأمي حتى إني فكرت في الانتحار أكثر من مرة لكني لم أجرؤ لأني أعرف أنه حرام، فأرجو منكم الرد؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانتحار من عظائم الذنوب وكبائرها التي هي سبب في دخول نار جهنم، كما قال الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا {النساء:29-30} ، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10397، 5012، 22853.
وقد بينا في هذه الفتاوى أنه لا يجوز الإقدام عليه في ظل أي ظرف من الظروف بما في ذلك ما ذكرته من الفشل، وكثرة الابتلاء بالأمراض وغير ذلك، وإن التفكير في الانتحار بقصد التخلص من مشاكل الحياة وابتلاءاتها هو تفكير من لا يؤمن بالله تعالى، ولا يؤمن بقضائه وقدره سبحانه ولا يرضى بذلك، ولا يصدق بلقائه وجزائه.
أما من كان مؤمناً بالله تعالى مؤمناً بقضائه وقدره ولقائه موقناً بوعده ووعيده، فلا شك أنه سيصبر على قدر الله، ويسلم، ويحمد الله تعالى في السراء والضراء، ويتعبد في كل حالة بما يناسبها من شكر على ما أعطي، وصبر على ما ابتلي به مع العلم أنه لا مفر من الله إلا إليه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(9/236)
سؤال الناس بغير حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشخص الذي يكذب ويدعي المرض لكي يحصل على مساعدات مالية من أصدقائه
وما حكم من كان يسرق وهو بسن المراهقة والآن تاب الله عليه ويريد أن يعرف ماذا يفعل ولكن بدون حرج؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
تحرم المسألة بلا حاجة وأشد من ذلك الكذب رجاء الحصول على المال ومن فعل ذلك فالواجب عليه التوبة إلى الله ورد ما أخذ من مال إلى أصحابه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع حرام مطلقا، وإذا ترتب عليه أخذ مال الغير بغير حق كان أبلغ في التحريم، وفي الحديث: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم. رواه مسلم، وفيه أيضا: من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر.
قال النووي: وهذا فيمن يسأل لغير الضرورة سؤالا منهيا عنه، وقوله تكثرا أي استكثارا منها من غير ضرورة ولا حاجة.
والحاصل أنه يحرم أخذ أموال الناس بالكذب والاحتيال ومن فعل ذلك فالواجب عليه التوبة إلى الله عز وجل ورد ما أخذ إلى أصحابه، والشق الثاني من السؤال راجع في جوابه الفتوى رقم: 101358.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(9/237)
علاج الخوف الذي يطرأ عند الامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أواجه مشكلة كبيرة في دراستي أدرس وأحفظ وأتوكل على الله وأدرس بشكل غير طبيعي وما أحصل على علامات وأظل خائفة من نظام الجامعة ولا أدري ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
لعل ما يحصل لك من رهبة الاختبار، فهوني عليك الأمر، وأحسني التدبير، واستعيني بالصلاة والدعاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمدي الله تعالى أن وفقك للجد في الدراسة، وحافظي على القيام بالطاعات والتعاويذ المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحاولي ضبط نفسك أثناء الاختبار، فلعلك ممن تأتيهم الرهبة فيرتبكون وقت الاختبار، فحاولي قراءة السؤال الأول بتأن وتفهميه جيدا، ثم أجيبي عليه، واستعيني بالله وسليه باسمه الأعظم أن يوفقك في الجواب، ثم اتركي فراغا، واقرئي السؤال بتأن وأجيبي عليه مع الاستعانة بالدعاء، ثم أكثري من الدعاء بعد ذلك. وسلي الله أن يزرقك علامات مرتفعة ولا تخافي من نظام الجامعة، فإن من حافظ على الطاعات والأذكار المأثورة كفاه الله كل شيء.
ففي حديث السنن: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا تكفيك من كل شيء.
وفي الحديث: من صلى الصبح فهو في ذمة الله. رواه مسلم
وفي الحديث: يا ابن آدم صل لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. وراه أحمد.
وفي الحديث: من قال حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة. رواه ابن السني وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(9/238)
حكم سفر الرجل وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ... ما حكم سفر الرجل لوحده لمنطقة تبعد فوق 100 كم، فالكثير يقولون إنه لا يدخل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسافر شيطان. لأن في الشارع معه أناسا كثيرين.. وأنا لم أقتنع بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع من سفر الرجل وحده على الطريق المعبدة المسلوكة إذا كانت آمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل وحده فمن ذلك ما رواه البخاري مرفوعاً: ... لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده. وما رواه مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب.
ومحل الكراهة أو النهي -كما قال أهل العلم- إذا كان السفر ليلاً أو كان مظنة لحدوث مكروه. أما إذا كان السفر في طريق آمن ومسلوك فلا حرج في سفر الواحد فيه؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد علق ابن أبي شيبة في مصنفه على الحديث المذكور بقوله: قال مجاهد قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية وحده، وبعث عبد الله وخبابا سرية، ولكن قال عمر كونوا في أسفاركم ثلاثة، فإن مات واحد وليه اثنان الواحد شيطان والاثنان شيطانان.
وعلق عليه الألباني بقوله: ولعل الحديث أراد السفر في الصحاري والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحداً من الناس فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(9/239)
حكم مشاهدة صور التزاوج بين الحيوانات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مشاهدة العلاقات الجنسية بين الحيوانات في الأفلام الوثائقية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا مانع من مشاهدة تلك الحيوانات وهي على الحالة التي أشرت إليها لأنه لم يرد في الشرع ما يمنع من النظر إليها أصلا والقاعدة الأصولية تقول: إن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الدليل على منعها.
وهذا مالم يحصل فيما نعلم، إلا أنه ينبغي للإنسان أن ينأى بنفسه عن هذا النوع من الأمور لما فيه من الإخلال بالمروءة بما لا فائدة فيه.
ثم إن الجواز مقيد إذا أمنت الفتنة في ذلك، وإلا حرم قال في الإنصاف – وهو من الفقه الحنبلي – نقلا عن ابن عقيل: يحرم النظر مع شهوة وسحاق وإلى دابة يشتهيها ويعف عنه وكذا الخلوة، قال في الفروع وهو ظاهر كلام غيره. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1429(9/240)
زيارة من كان مسجونا ثم خرج من السجن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز زيارة من خرج من السجن مع العلم أنه دخل إلى السجن بسبب القتل العمد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقاتل النفس كغيره من أصحاب المعاصي، فإن كان خرج تائبا مؤديا لما عليه من الحقوق فزيارته أمر حسن وإلا فينظر في زيارته إلى المصلحة الشرعية، فإن كان في زيارته مصلحة شرعية كنصحه وتذكيره بالتوبة إلى الله تعالى وكان يرجى منه الاستجابة للنصح فلا حرج في زيارته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم.
وإن علم أو غلب على الظن أن المصلحة الشرعية تكون في هجره وعدم زيارته بحيث لو هجره الناس ربما رجع عن غيه وشره فينبغي عدم زيارته، وليعلم أن هجر أصحاب المعاصي ليس مقصودا بذاته إنما المقصود صلاح أحوال العباد، فإذا كان الهجر سببا في كف العاصي وصلاح حاله كان الهجر حسنا بل قد يكون واجبا في بعض الأحوال، وإذا كانت المخالطة سببا في حصول تلك المصالح كانت المخالطة أولى من الهجر. وانظر الفتوى رقم: 28560.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1429(9/241)
سكن الأخ مع شقيقته التي تعمل عرافة
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي عرافة وتعيش معنا في البيت وتقوم بأعمال الشعوذة في المنزل فهل يجوز العيش معها وأنا لا أستطيع الخروج منه فأنا لا زلت أدرس ما العمل؟ ... ]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب نصح العراف، ولا تجوز مخالطته ومساكنته إلا للضرورة التي تقدر بقدرها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.
فإذا كان هذا في من يسأل العراف أو يأتيه.. فما بالك بالعراف نفسه؟
فالواجب عليك أن تنصح أختك بترك هذا المنكر العظيم، وتبين لها بالأدلة الشرعية المذكورة وغيرها حرمة العرافة والكهانة والشعوذة..وأنه لا يجوز للمسلم تعاطي شيئا من هذه الأمور، ويمكن أن تستعين عليها بأهلك وبعض الخيرين ممن تثق فيهم.
فإذا استجابت لك وسمعت نصحك فإنك تنال بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " ولا مفهوم لرجل هنا عن امرأة؛ فالمقصود أي شخص.
وإذا لم تستجب لك وأنت لا تستطيع الخروج عنها فعليك أن تتجنبها، وإذا وجدت فرصة مناسبة فأعد لها النصح.
ولتعلم أن هجران الفاسق ومخالطته خاضعان للمصلحة الشرعية؛ فمخالطته مطلوبة حيث ترجى منها مصلحة أو تدرأ بها مفسدة مع أمن المرء أن يتأثر به، ومقاطعته وهجرانه كذلك.
وللمزيد انظر الفتويين: 95409، 51384، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1429(9/242)
مخالطة الناس والتعرف على ما عندهم من خير وشر
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الناس أنه يجب على الرجل الواعي أن يخالط جميع أنواع البشر خبيثهم وطيبهم ... وأن نسمع منهم قصصهم وفجراتهم حتى نتعلم.. كيف يفكر الأشرار والخبثاء، فنصير أكثر نضجاً ووعياً بالحياة، بدل أن نكون منغلقين على الطيبين، وقصص الصالحين فلا ندرك كيف نتعامل مع الماكرين والخبثاء إذا حاولوا المكر بنا، فما رأيكم في هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ينبغي للمسلم المؤهل أن يخالط أنواع الناس ويتعرف على ما عندهم من خير وشر ... ويسخر خبرته لخدمة دينه وأمته والبشرية كلها فهذا منهج الإسلام الصحيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الناس ليسوا في ذلك سواء، فمن كان قوي العقيدة راسخ الإيمان له من الثقافة والعلم ما يرد به الشبهات والقوة الشخصية ما يدفع به الهوى والشهوات ... فلا شك أن الأفضل له مخالطة أنواع الناس والاطلاع على أحوالهم وواقعهم، ومعرفة كل ما عندهم من خير وشر ... فهذا مظهر من مظاهر القوة التي يحبها الله ورسوله، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ... وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلعين على أحوال زمانهم يعلمون الخير فيتبعونه والشر فيجتنبونه.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وكما يذم الناس أرباب الحيل فهم يذمون أيضاً العاجز الذي لا حيلة عنده لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكر مخادع والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيها وظاهرها، فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله بأنواع الحيل، ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها، وهذه كانت حال سادات الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا أبر الناس قلوباً وأعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع وأتقى الله من أن يرتكبوا منها شيئاً أو يدخلوه في الدين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لست بخب ولا يخدعني الخب، وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكان هو يسأله عن الشر، والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه بل الذي يعرفه ولا يريده بل يريد الخير والبر والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمى الحرب خدعة.. ومن الأمثال السائرة: وبضدها تتبين الأشياء. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 41538 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1429(9/243)
الصبر على أذى أهل الزوج ومقابلة إساءتهم بالإحسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أم زوجي وأخته تثيران الكثير من المشاكل لي ولزوجي لدرجة ممارسة السحر والشعوذة والتحريض الكاذب ومؤامرات خبيثة لتطليقي من زوجي وتشتيت أطفالي أيضا حدث أن تعرض اثنان من أطفالي بنت وولد للاعتداء الجنسي من قبل ابن عم أطفالي وهو شخص بالغ وذلك كان بسبب تشجيع والدة زوجي له وإنكارها لجرائمه في حق الطفولة وقمت بالشكوى على المجرم الذي اعترف بجرائم الاعتداء والأمر بيد القضاء حاليا لكن أم زوجي قامت بتحريض المجرم على الشكوى ضدنا بالكذب وأخت زوجي تحرضه ضدي هاتفيا أو حين تجده أيضا والدته حاولت ضربي مرتين لأنني بلغت الشرطة لأدافع عن أطفالي خاصة إن طفلي عمره 7 سنوات تعرض للاعتداء 10 مرات ورغم ذلك فإن أم زوجي تكذب أطفالي وتكذبني وتعاديني..الله ينصرنا وينصر جميع أطفال المسلمين الذين اعتدى عليهم ذلك المجرم ودمر حياتهم رغم علم أم زوجي وتساهلها معه..الآن ماذا أفعل؟ فهي أم زوجي لكنها تريد التفريق بيني وبين ابنها؟ لقد استقللنا في منزل خاص لكنها لازالت تقوم بالاتصال به وتحرضه كما تتحدث عني بالسوء مع الآخرين وتشوه صورتي أمام الناس هي وابنتها وأولادها الآخرون..كيف يعاملها زوجي؟ بالنسبة لي قطعت علاقتي بها نهائيا وكان آخر شيء قلته لها حسبي الله ونعم الوكيل..لكن زوجي يخاف غضب الأم ويراعيها كثيرا خاصة أنها كثيرا ما تهدده بغضبها وتبرئها منه إن لم يتنازل عن القضية.. وهو يرفض التنازل عن حق أطفاله.. وطلب منها عدم الغضب إلا أنها تحاول دائما تخريب علاقتي بزوجي وفي آخر زيارة لنا للملحق الذي كنت أسكن فيه مع زوجي في بيتهم الكبير ذهبت لأحضر أغراضي فتفاجأت بوجود سحر مثبت داخل قاع إحدى الأواني التي تخصني والتي كانت في مطبخهم ولم يسقط إلا حين غسلته بالماء المغلي مرتين من إناء القهوة (الدلة) .
.سؤالي كيف يتعامل زوجي مع أمه؟ وكيف نتقي شرهم وسحرهم وشر أخت زوجي والآخرين أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب على زوجك بر أمه والإحسان إليها وإن أساءت، وله نصحها بالحسنى إن رأى منها منكرا تجاهك أو تجاه غيرك، كما ينبغي لك أنت إكرامها أيضا والصبر على أذاها وأذى جميع أهل زوجك والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من ذلك إكراما لزوجك وحفاظا على أسرتك، ولا يجوز لك اتهامهم بالسحر إلا عن بينة ويقين، ويمكن الاعتصام من شر السحر واتقاؤه بالمداومة على تلاوة سورة البقرة وأذكار الصباح والمساء لدى المشايخ الموثوق من علمهم وورعهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما زوجك فيجب عليه بر أمه والإحسان إليها وصلتها. وهو ما ينبغي لك معها أنت أيضا، فدفع السيئة بالإحسان مما يذهب العداوة والبغضاء. قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. {فصلت34}
ولأن إكرام أهل الزوج من إكرام الزوج وحسن عشرته.
فأحسني إليهم وإن أساءوا، واصبري على أذاهم إكراما لزوجك وصيانة لعرضك وحفظا لأطفالك، ولعل الله يغير بذلك حالهم فتتبدل إساءتهم حسنا وبغضهم حبا.
وأما تنازل زوجك عن القضية فلا يجب عليه، ولا ينبغي له لما فيه من دفع شر ذلك المعتدي، ومنعه من تكرار فعله حفاظا على أولئك الأبناء إن كان لايزال على فعله المشين، وإن كان تاب أو أمكن الصلح ومنع وكف شره دون المحاكم فالأولى إجابة الوالدة إلى ما طلبت وحل المشكلة داخل محيط العائلة. وأما السحر فلا يجوز اتهام المسلم به دون بينه ويقين، وإن ثبت فعلهم إياه فيمكن علاجه.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية: 100898، 27667، 35242، 75294، 94011.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1429(9/244)
قريبتها سرقت ذهبها فماذا تفعل حيالها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تقول لي حكم الدين فيمن سرق ذهبا لي كان في حجرتي من حوالي سنة وأنا أعرف من سرقه وهي من لحمي ودمي ولم أستطع أن أسترجعه ودعوت عليها بأني لن أسامحها حياتي كلها ليس حبا في مال الدنيا ولكن سرقة وغدر ولم أعد أطيق للآن حتى أن تحاول التقرب مني لأني أعلم أنها تريد مصلحة أو أن تؤذيني والحقيقة أني كلما تذكرته اشمئززت منها جداً، لأنها غدرت بي في حياتي كثيراً وكل مرة أسامحها حتى صدمتني بسرقتي فيما قيمته ثمانية آلاف دولار وأكثر قليلا.. فما حكم سارق أهله.. وقد تركتها لله وحده ومبتعدة عنها جدا ً.... بارك الله فيكم وفي هذا الموقع الخير.. فأفيدوني أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السرقة من أقبح الأعمال المحرمة ومن الكبائر العظيمة، لا سيما إذا كانت من قريب أو صديق فيجتمع فيها إثم السرقة وقطيعة الرحم أو خيانة الصديق، وفي الحديث: كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب. رواه أبو داود.
فهذا في الحديث المجرد فكيف إذا صار ذلك سرقة وكذباً، وعليه فلا حرج على السائلة أن تشتكي هذه المرأة إن كانت على يقين أنها هي السارقة أو كان عندها قرائن قوية بذلك، ولها أن تهجرها أيضاً لهذا السبب الشرعي، وراجعي في حكم هجر الفاسق الفتوى رقم: 24833. وإذا رأت المصلحة في نصحها ووعظها دون هجر فهذا أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(9/245)
حكم استخدام الطعام في البشرة وغسله بالحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن استخدام بعض من الطعام للبشرة أو للجسم وتغسل داخل الحمام ((وانتو بكرمه)) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل وجوب احترام الطعام الصالح للانتفاع، وألا يستخدم في ظاهر الجسم إلا عند الضرورة الملجئة أو الحاجة التي في معناها أو تقاربها، وحيث جاز استعماله واستعمل أو فسد بنفسه ولم يعد صالحا للاستعمال في إطعام البشر والحيوان فلا مانع من التخلص منه بغسله في الحمام أو رميه خارجه، وانظري الفتوى رقم: 22033.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1429(9/246)
حكم عدم مصاحبة الجار اتقاء لأذاه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيمة في ألمانيا انتقلت منذ أشهر إلى مدينة أخرى تعرفت على أخت فلسطينية وأخرى سورية وعرفت منهما أن جارتي أقرب بيت مسلم من بيتي, أنها تفتن بين الأخوات ونصحنني بالابتعاد عنها وأنه إن عرفتها ستسبب لي المشاكل الكثيرة حتى بيني وبين زوجي. وتأكدت من كلام الأختين من ناس آخرين نصحوني كذلك؟
والحقيقة أنني خفت كثيرا من مخالطتها أو حتى معرفتها وقررت الهروب منها؛ حتى وإن التقيتها في الشارع
لكن ضميري يؤنبني بما أن ديننا يوصينا بالجار وبما أنها لم تضرني بعد, فبما تنصحونني، وهل أنا آثمة في تصرفي هذا وتهربي من المرأة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج في عدم مصاحبة الجار ومخالطته إن كان يخشى من أذاه، ولا ينافي ذلك صلته والإحسان إليه، ونصيحته بترك المنكر، وأمره بالمعروف، وذلك ما ننصح السائلة الكريمة به إن تحققت مما أشيع عن جارتها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في تحرزك من تلك المرأة التي أشيع عنها السعي بالإفساد بين المسلم وأخيه المسلم وعدم مصاحبتها والجلوس إليها اتقاء لشرها، ولا ينافي ذلك إكرام الجار والإحسان إليه وصلته بما أمكن وعدم الاعتداء عليه بالقول أو الفعل وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والنصيحة له.
فالإحسان شيء والمخالطة والمصاحبة شيء آخر، ونصيحتنا لك إن تحققت مما قيل عن جارتك أن تجتنبي مخالطتها. وتؤدي إليها حقها في الصلة والنصيحة والإحسان.
وللمزيد انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 67621، 32391، 71781.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(9/247)
تفشي أسرارها الخاصة وتبحث عن علاج
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني أصبحت لا أتحكم في نفسي بحيث أنني أحكي كثيرا في عملي وحتى عن حياتي الشخصية كما أنني لا أكتم الأسرار كيف أعالج نفسي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي عرض ذلك على الجهات المختصة بمعالجة الأمراض النفسية ونحوها، كما يمكن التواصل مع قسم الاستشارات بهذا الموقع..
لكن ننبه إلى أن إفشاء الأسرار وتحدث المرء بما ستره الله عليه من المعاصي والسيئات لا يجوز لما بينا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7634، 58545، 14725، 29617.
وللفائدة ننصح بمراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 71936، 56174، 75821.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(9/248)
حكم زيارة رجل قريب لساحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زيارة بيت أبي الساحر أو أخيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج إن شاء الله تعالى في زيارة أبي الساحر أو أخيه أو أي من أقاربه، إن لم يوجد ما يمنع من زيارته شرعاً، وأما مجرد كونه قريباً للساحر فليس بمانع شرعاً من زيارته، بل وتجوز زيارة الساحر نفسه إذا كانت هنالك مصلحة شرعية كنصحة وتوجيهه إلى الحق ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(9/249)
موقف المسلم من العاملين للإسلام في ضوء الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بداية جزاكم الله خيراً عما تقدمونه في هذا الموقع المتميز، سؤالي باختصار أحسن الله إليكم: هل يجوز امتحان الناس في عقائدهم ليس من خلال سؤالهم عن مسائل في العقيدة كسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية، وإنما باستفسار الناس عن قولهم في أشخاص معاصرين، فيعقد الولاء والبراء على حسب الإجابة، وهل هناك أحد من المعاصرين يمكن اعتباره كالإمام أحمد أو مالك رحمهما الله تعالى، حين كان يُعرف المتبِع من المبتدِع بحسب مقولته فيهما لما انتشرت البدع، أفيدونا بارك الله فيكم بما أمكن من التفصيل، بذكر أقوال أهل العلم من السلف وكذلك من أجمع على إمامتهم من المتأخرين كالشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله، والشيخ الفوزان وآل الشيخ حفظهما الله وغيرهما من أهل العلم، فقد وصلت فتنة الجرح والتجريح إلينا في تونس، والكل يعلم ما تعانيه الدعوة إلى الكتاب والسنة هنا من المضايقات، فجاءت هذه الفتنة، ولا يخفى عليكم من يدعمها ويباركها دون غيرها من الدعوات، ونخشى أن تفضي إلى تفرق شمل الإخوة وهدم ما حققته الدعوة الرصينة الهادئة خلال كل السنوات الأخيرة؟ بارك الله فيكم ونفع بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان المسلم يحب العاملين للإسلام باعتبارهم إخوة له في الله، يتعاونون على إقامة الدين، ويكره أخطاءهم ولا يقلدهم ولا يتعصب لهم، ويوالي ويحب في الله ابتغاء وجه الله ويبغض فيه، ففي حديث الصحيحين: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. وفي حديث أبي داود: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله عز وجل. رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن كان قائما بواجب الايمان كان أخا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه، وإن لم يجر بينهما عقد خاص فإن الله ورسوله قد عقدا الأخوة بينهما بقوله: إنما المؤمنون إخوة. وقال النبى صلى الله عليه وسلم (وددت أنى قد رأيت إخواني) ومن لم يكن خارجا عن حقوق الإيمان وجب أن يعامل بموجب ذلك فيحمد على حسناته ويوالى عليها، وينهي عن سيئاته ويجانب عليها بحسب الإمكان، وقد قال النبي (انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قلت: يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه.
والواجب على كل مسلم أن يكون حبه وبغضه وموالاته ومعاداته تابعا لأمر الله ورسوله، فيحب ما أحبه الله ورسوله ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالى من يوالى الله ورسوله ويعادى من يعادى الله ورسوله، ومن كان فيه ما يوالى عليه من حسنات وما يعادى عليه من سيئات عومل بموجب ذلك كفساق أهل الملة إذ هم مستحقون للثواب والعقاب والموالاة والمعاداة والحب والبغض بحسب ما فيهم من البر والفجور فإن (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. انتهى.
وأما التفريق بين الأمة باعتبار الولاء في المنهج، وترك الاستفادة ممن لا يوافق العامل في منهجه الخاص واعتباره ضالا فلا يليق بالمسلمين في هذا العصر، ولا يشرع الامتحان به نظرا لحاجة الإسلام لمن يخدمه فيما كان صوابا ولما يسببه التنازع من الفشل، بل إنما يشرع التناصح بالحكمة بين العاملين والتحذير من الأخطاء الموجودة عند بعضهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فصل وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله مثل أن يقال للرجل أنت شكيلي أو قرفندي فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلي ولا قرفندي، والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول لا أنا شكيلي ولا قرفندي بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله وقد روينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: أنت على ملة علي أو ملة عثمان فقال لست على ملة علي ولا على ملة عثمان بل أنا على ملة رسول الله. وكذلك كان كل من السلف يقولون كل هذه الأهواء في النار، ويقول أحدهم ما أبالي أي النعمتين أعظم على أن هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء، والله تعالى قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، بل الأسماء التي يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، أو إلى شيخ كالقادري والعدوي ونحوهم ... فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها، ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان، وأولياء الله -الذين هم أولياؤه- هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ... وقد جعل الله فيها -أي في نصوص الكتاب والسنة- عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقال: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ.
فكيف يجوز لأمة محمد بعد هذا أن تفترق وتختلف، حتى يوالي طائفة ويعادي طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى، وقد برأ الله نبيه ممن كان هكذا، فهذا فعل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا جماعة المسلمين، واستحلوا دماء من خالفهم.
وأما أهل السنة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله، وأقل ما في ذلك أن يفضل الرجل من يوافقه على هواه، وإن كان غيره أتقى لله منه، وإنما الواجب أن يقدم من قدمه الله ورسوله، ويؤخر من أخره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله، وأن يكون المسلمون يدا واحدة. انتهى من مجموع الفتاوى ج 3/415-420
هذا ونوصيك بوصية عامة جامعة، كان السلف يوصون بها دائماً، وهي (أن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله) ، ذكر ذلك كثير من العلماء، منهم ابن مفلح في الآداب الشرعية نقلا عن ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم، الذي رواه بدوره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ننصح كل العاملين للإسلام بدراسة الشرع دراسة مرتبطة بالدليل، وسؤال العلماء عما أشكل عليهم مما اختلف فيه، وملازمة قيام الليل، والدعاء في استفتاح القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به دائماً، كما في حديث عائشة: أنه كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أخرجه مسلم.
وأما إهمال كتاب ما أو مؤلف ما وترك الاستفادة منه لمجرد وجود أخطاء فإنه لا ينبغي، فقد أبى الله العصمة إلا لكتابه كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: فلو تركت كتب أهل العلم لخطأ فيها لما بقي كتاب من كتبهم يؤخذ منه العلم، فيحرم الناس بذلك من الخير الكثي ر. فكل هؤلاء العاملين بشر يصيب ويخطئ، والعبرة في وزن الرجال بالغالب لا بالزلات والهفوات المحدودة المحصورة، وإذا انتهجنا التفتيش عن زلات العلماء وأخطائهم فلن يسلم لنا أحد، فما من عالم إلا وله زلات، ولو أخذنا بكل جرح يقال في الأعلام لضاع منا خير كثير، فالخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم لا يسوغ لنا أن تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما نترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيرا في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينه.
وقد دأب العلماء قديما عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالجرح والتعديل كما عمل ابن أبي حات م، وسمى بعضهم كتبه بالميزان كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان.
وعندما يتم تطبيق هذه الموازنة على هؤلاء العاملين للإسلام، ويتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لهم وحشدها إلى جانب خطئهم فإنه ستنغمر أخطاؤهم في بحار حسناتهم، وهذا هو الذي سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع حاطب رضي الله عنه، حيث قال صلى الله عليه وسلم لعمر عندما استأذن في قتل حاطب: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة-أو: غفرت لكم.
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه لا يحمل أدنى خبث ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عليه وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ماله من المشهد العظيم فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ماله من الحسنات ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال ما ضر عثمان ما عمل بعدها، وقال لطلحة لما تطاطأ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة أوجب طلحة، وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ألقاها على الأرض حتى تكسرت، ولطم عين ملك الموت ففقأها، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم، وقال شاب بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله وكل هذا لم ينقص من قدره شيئا عند ربه وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره والأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهه ولا تخفض منزلته وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال آخر: فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا ... فأفعاله اللاتي سررن كثير.... اهـ
وقال الذهبي في السير: ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه. وقال أيضا في ترجمة الحافظ شيخ الإسلام أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني مصنف كتاب الترغيب والترهيب نقلا عن تلميذه ابي موسى المديني أنه قال: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ولا يطعن عليه بذلك؛ بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.
قال أبو موسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.. انتهى.
ومن الأمثلة على حرص من تقدم من أهل العلم على الاستفادة من الحق الموجود عند العامل للإسلام وعدم تركه لأخطائه ما هو معروف إلى الآن من الاستفادة من الشاطبية في القراءات مع أن مؤلفها كان أشعريا وأعظم منه الاستفادة من تفسير الكشاف مع أن مؤلفه معتزلي والاستفادة من المحلى لابن حزم مع ما عند مؤلفه من الأخطاء في باب الصفات الإلهية، كما ننبه على أن هناك ضوابط يجب مراعاتها عند إصدار الأحكام كالتبديع وغيره، وهذه الضوابط تتمثل فيما يلي:
أولاً: أن الأصل سلامة المسلم، وبقاؤه على عدالته، حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في إصدار الأحكام.
الثاني: دلالة الكتاب والسنة على أن هذا القول أو هذا الفعل موجب لهذا الحكم.
ثالثاً: أن تتحقق في القائل المعين أو الفاعل المعين شروط، وهي: العلم والاختيار وعدم التأويل، وبالتالي تنتفي عنه موانع الجهل والإكراه والتأويل حتى يحكم عليه بالتكفير أو التبديع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته.. كما قررته في غير هذا الموضع وقررته أيضاً في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يُستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع، هذا في عذاب الآخرة، فإن المستحق للوعيد من عذاب الله ولعنته وغضبه في الدار الآخرة خالد في النار أو غير خالد، وأسماء هذا الضرب من الكفر والفسق يدخل في هذه القاعدة، سواء كان بسبب بدعة اعتقادية أو عبادية أو بسبب فجور في الدنيا وهو الفسق بالأعمال.
فأما حكم الدنيا فكذلك أيضاً، فإن جهاد الكفار يجب أن يكون مسبوقاً بدعوتهم، إذ لا عذاب إلا على من بلغته الرسالة، وكذلك عقوبة الفساق لا تثبت إلا بعد قيام الحجة. انتهى من مجموع الفتاوى 10/372.
ثم ان على المسلم أن يتجنب أهل البدع الدعاة للبدع والزيغ والأهواء وأن يحذر منهم لئلا تتخطفه أهواؤهم، وفي صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. فلا يجوز للمرء أن يقلد في دينه المبتدعة وأهل الأهواء، ففي سنن الدارمي عن أسماء بن عبيد قال: دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر: نحدثك بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا، لتقومان عني أو لأقومن، قال: فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر: وما كان عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى؟ قال: إني خشيت أن يقرآ علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبك.
وأما كلام اصحاب الفضيلة الذين ذكرت فيمكنك البحث عنه بالرجوع الى مواقعهم لعلك تجد كلاما لهم في هذه الأمور، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18788، 24283، 6507، 24845، 32852، 36991، 64315، 65075، 52433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1429(9/250)
مسائل حول معاملة من زنى ثم تاب
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وأنت وجميع القائمين على موقع الفتاوى بألف خير للعام الهجري الجديد أسأل الله تعالى، لكم المزيد من التوفيق في الرد على أسئلة السائلين وعدم التهاون في الردود وعندي ملاحظة ربما لا تقبلونها وتعتبرونها من التعصب عندما أقرأ بعض الفتاوي والجواب للأسف أرى أنكم تتهاونون في الجواب وتميلون إلى التسامح والعفو والتجاوز عن أخطاء المخطئين مثلا فيمن يرتكبون جريمة الزنا صحيح أن ديننا دين حنيف يدعو إلى العفو والتسامح ولكن ليس مع كل جريمة مثلا فيمن تزني زوجته مع غيره وتقولون له سامحها واعف عنها لا تطلقها وأمسكها بالتي هي أحسن بل هي في نظري تستاهل الشنق وليس فقط الطلاق بل واجب الطلاق في حقها فما رأيكم في إفتائي، وأنا لست مفتية ولا عالمة في الدين ولكن أتمنى أن أكون كذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على الاتصال بنا، وعلى حرصك على سلامة المجتمع وطهارته من الفساد الأخلاقي، ونرحب بالملاحظات التي توجه لنا دائماً، ونفيدك بأن فتاوانا وتوجيهاتنا نصدرها انطلاقاً من كوننا دعاة مرشدين إلى الخير والصلاح والتوبة لا من حيث إننا أصحاب سلطة تعاقب المجرم، وبما أن أغلب من يستفتينا أشخاص من طبقات المجتمع ليست لهم سلطة فإنا نعطيهم التوجيه المناسب لهم وهو السعي في إصلاح أسرهم بما يستطيعون من تربيتهم العقدية والتعبدية وحضهم على استشعار المراقبة إلى غير ذلك مما يساعد المخطئ على الإنابة إلى الله والاستقامة على طاعته، ولا نرشد الشخص العادي لتطبيق حد الجلد ولا حد الرجم على الزاني البكر أو المحصن لأن الحدود لا يقيمها إلا السلطان أو نائبه، ولو أقامها غيرهما ربما تنشأ بسبب ذلك مشاكل أعظم ضرراً مما حصل سابقاً.
ثم إن المتأمل لهدي النبي صلى الله عليه وسلم مع العصاة يلاحظ أنه كان يتلطف بالتائب ويخبر بتوبة الله عليه لو أقيم عليه الحد، ويشتد في أسلوبه على من يخشى منه حصول الخطأ كأنه يريد بذلك الزجر للناس وقمعهم عن الوقوع في الذنوب، ومن أمثلة ذلك ما حصل في شأن ماعز فإنه لما زنى بعد إحصانه تألم من ذنبه وسعى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يطهره، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، ثم تثبت منه هل وقع فيما يوجب الحد، ثم أقام عليه الحد، ثم خاطب الناس خطاباً شديداً في هذا الشأن وهددهم فخطبهم فقال كما في صحيح مسلم: أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس على أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به.
وأما ماعز فقد سألهم الاستغفار له وأخبرهم بتوبة الله عليه، ونحن كذلك نبشر من استفتانا وأخبر أنه وقع في الفاحشة نبشره بفتح باب التوبة ونعطيه الوسائل المساعدة على التوبة والتخلص من هذا الذنب الشنيع ونذكر له الوعيد الشديد المترتب عليه، كما في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72497، 96257، 30425، 30215.
ولو أخبرنا رجل أن زوجته فعلت ذلك فلا نأمره بقتلها لأن قتلها ليس من صلاحيته، وإنما هو من صلاحية السلطان، ونطالب بالستر لأن تستر المسلم على نفسه أفضل من إخبار السلطان بذنبه ليقيم الحد عليه، وأما الزوج فإن كان علم أنها تائبة فنفضل له إمساكها وسترها، وأما إن كانت مصرة على المعاصي فنحذره من الدياثة والسكوت على ذلك، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93207، 94291، 36189، 25475، 79325.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(9/251)
من العادات السيئة صباح ليلة الدخلة
[السُّؤَالُ]
ـ[باختصار سؤالي هو أني مقبلة على الزواج بإذن الرحمن ونحن قبائل الصحراء عندنا عادة وهي أنه في صباح ليلة الدخله تقوم العروس بوضع القماش الذي عليه دم البكارة على وجهها ويراه كل من يدخل يسلم عليها وغالبيتهم نساء، فهل يجوز شرعا هذا مع أني نفسيا لا أرتاح ولكن عائلتي يريدون ذلك لوقف القيل والقال، أنا لا يهمني ذلك فقط هل هذا حرام، وما فتواكم وآسفه للإطالة وأتمنى أنكم تفيدوني لكي أستطيع منعها سواء معي أو مع من يريد رضوان الله؟ وجزاكم ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه عادة سيئة، لا يقرها الإسلام الذي يأمر بالطهارة، ويربي على الحياء، وينهى عن إفشاء ما يجري بين الزوجين من أمور الاستمتاع، فيجب ترك هذه العادة وغيرها من العادات الجاهلية، وانظري للمزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 102898. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
هذا، ولا تغفلي عن أن تغيير عادات الناس يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتأني، فاستعيني بالله تعالى أولاً وبيني لأهلك حكم هذه المسألة برفق وحكمة، واستعيني بعقلاء قومك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(9/252)
التوفيق بين العلم والعمل والقيام بحق الزوج وتربية الولاد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا سيدة متزوجة عمري 26 عاما عندي طفلان جهاد وهدى وخريجة كلية الهندسة المدنية ... مشكلتي أنني طموحة لدرجة كبيرة ... أسعى لأن يكون طفلاي (الصغيرين سنتين وسنة) كصلاح الدين وفاطمة الزهراء وهذا يأخذ وقتا.. أسعى لإرضاء زوجي قدر المستطاع وأحب حفظ القرآن ودراسة الشريعة والاطلاع على أساليب الاعتناء وتغذية الأطفال ... ودرست الهندسة لمحبتي بموادها هي تتفلت مني شيئا فشيئا لأنني منذ تخرجت من 3 سنوات وأنا مشغولة بواجباتي عنها ... لا أريد أن يضيع هذا العلم الذي تعلمته هباء ... ومسؤولية الأطفال والزوج والبيت كبيرة، فأرجو أن تفيدوني باستشارتكم فقد قررت أن أسجل بنقابة المهندسين وأعمل بالمشاريع بالمنزل فهل قراري سليم، أم أتفرغ لأسرتي لتحقيق طموحي الكبير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبارك الله فيك وزادك همة وطموحاً إلى الخير، ونسأل الله عز وجل أن يوفقك لتحقيق هذه الأمور التي تطمحين إلى تحقيقها، ومما ينبغي عليك مراعاته في هذا السبيل أن تقدمي الأهم على المهم والواجب على المستحب وتوازني بين المصالح والمفاسد.
فحقوق الزوج والأبناء مقدمة على تعلم العلم الكفائي، وهذا مقدم على العمل الدنيوي وهكذا، وفي كل خير والجمع بين هذه الأمور هو الأفضل إذا أمكن، فاستعيني بالله عز وجل على ذلك، وإليك بعض النصائح المفيدة في هذا المجال، نقول إن مما يعينك -بعد توفيق الله عز وجل- على التوفيق بين العمل والقيام بحق الزوج وبين تربية الأولاد التربية السليمة ما يلي:
1- اللجوء إلى الله والاستعانة به.
2- صدق النية في خدمة الزوج والولد، وإخلاص النية في العمل.
3- تنظيم الوقت والاستفادة من كل لحظة.
4- ترتيب الأمور حسب أهميتها.
5- قيام الزوج بدوره في المساعدة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشارك أهله العمل والمهام رغم مسؤولياته العظيمة.
6- وضع أهداف قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى..
7- على الإنسان أن يؤدي ما عليه، فإن الله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإلا ما آتاها.
ولا تنسي أن ذكر الله عز وجل يعين على القيام بالأعمال ويمنح الإنسان قوىً معنوية تنسيه التعب، فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم نصح الزهراء وزوجها رضي الله عنهما عندما شكت من صعوبة خدمة زوجها وعيالها بأن: ي سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وأن يحمدا ثلاثاً وثلاثين وأن يكبرا أربعاً وثلاثين، ثم قال لهما: فذالكما خير لكما من خادم.
ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يحقق أمانيك في الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(9/253)
حكم التذكير بالذكر أو الدعاء أو التلاوة على الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم كتابة في موضوع على الانترنت ذكر أو دعاء أو تذكير بقراءة الكهف يوم الجمعة أو أذكار الصباح والمساء عند وقتها ليأتي الشخص الذي يدخل الموضوع بعد هذا الأول الذي كتب هذا الذكر فيقول ما أوصى به الأول ويكتب هو الآخر واجبا جديدا لمن يأتي بعده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففضل ذكر الله تعالى على أي وجه كان معلوم؛ لقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبحوه بكرة وأصيلا. {الأحزاب: 41ـ42} . وقوله تعالى: والذاكرين الله كثيرا والذاكرات. {الأحزاب: 35} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لايزال لسانك رطبا بذكر الله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
كما أن الدعاء عبادة جليلة مأمور بها. قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60] . وروى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء هو العبادة".
وأما عن سورة الكهف فقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".
وفي رواية عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت، كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه ... ".
فإذا تقرر هذا، فإن كتابة ذكر أو دعاء أو تذكير بقراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو أذكار الصباح والمساء عند وقتها على الأنترنت، ليأتي الشخص الذي يدخل بعد هذا الأول فيقول ما أوصى به الأول، ويكتب هو الآخر واجبا جديدا لمن يأتي بعده ...
أقول: إن مثل هذا الفعل يعتبر من الدلالة على الخير، وفيه من الأجر ما لا يخفى. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الدال على الخير كفاعله " رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم.
وعليه، فهو فعل محمود ما لم يُخرَج به عن نطاق الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(9/254)
بين المجاملة والنفاق
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا لما يسألني أحد هل هذا الثوب مثلا جميل أو هل أنا أعز صديقة لك أرد بنعم حتى ولو لم يكن ذلك صحيحا أو لم يعجبني الثوب حتى لا أجرحها، فهل يعد هذا نفاقا أو كذبا خصوصا أن لدي صديقة سريعة الغضب وتتأذي إن قلت لها لا، أو أفضل فتاة عليك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سئل عن أمر وأراد أن لا يجرح السائل فأجابه بخلاف ما يعتقده، فإن هذا لا يسمى نفاقاً، بل هو مجاملة، والمجاملة مباحة، ولكن يجب تجنب الكذب فيها، وإذا لم يمكن تجنب الكذب في المجاملة، فعلى المرء أن يلجأ إلى التورية، بأن يطلق لفظاً ظاهراً في معنى ويريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ لكنه خلاف ظاهره، فمثلاً لو سألتك صديقتك عما إذا كان ثوبها جميلاً، فمن الممكن أن تقولي لها نعم، وتكون نيتك أنه جميل من حيث إنه ساتر لما تحته مما يقبح انكشافه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1428(9/255)
ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الأصدقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إن علاقتي مع أحسن صديق تكون في توتر مستمر، ولا أعرف سبب هذا التوتر، حيث أفكر في ترك هذه العلاقة، لهذا أطلب حلا لهذا؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصداقة هي عطف متبادل بين شخصين، حيث يريد كل منهما الخير للآخر مع العلم بتلك المشاعر المتبادلة فيما بينهما، والصديق هو من يعيش معك والذي يتحد وإياك في الأذواق، والذي تسره مسراتك وتحزنه أحزانك، والصداقة هي إحدى الحاجات الضرورية للحياة، لأنه لا أحد يقدر أن يعيش بلا أصدقاء مهما توفرت له الخيرات، فالأصدقاء هم الملاذ الذي يلجأ إليه المرء وقت الشدة والضيق.
والعلاقة بين الأصدقاء ينبغي أن تبنى على أسس متينة من الود والتفاهم وبذل النصيحة وتبادل الرأي والمشورة وإحسان الظن والتغافل عن الزلات، وإذا بنيت عليها فلا ينبغي أن تتوتر أو تنقطع بلا سبب أو لأتفه الأسباب، واعلم أنه من طلب صاحباً بلا عيب فيه، خرج من الدنيا بلا صاحب، وقد قال قائل:
فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه.
فننصحك -إذا- بالاحتفاظ بالعلاقة مع صديقك إذا كانت صداقتكما مبنية على معنى الصداقة الصحيح والتغاضي عن بعض زلاته لقدم المحبة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1428(9/256)
واجب المسلم حيال الواقع الذي تحياه الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
وضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. والله لقد ضاقت وإن اتسعت.. السؤال: كيف نعيش في ظل الواقع الأليم والمر للأمة وحتى للمجتمعات اليوم، أبحث عن خطة شرعية للحياة أخرج بها من الدنيا سليما وأدخل بها الجنة معافى، ما هي شروط الحياة الطيبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج عن الأمة ويصلح أحوالها ونفيدك أن الحل الوحيد هو أن ترجع الأمة إلى ربها وتنيب إليه إنابة صادقة وتواظب على الطاعات والتعاويذ المأثورة، وأن يبذل كل المستطيعين طاقتهم في تغيير حال الأمة فيقوم بما يستطيع من تعليم للجاهل ونصح للغافل وأمر وإرشاد للمقصر ونهي لمرتكب الآثام.
فإذا تعلمنا دين الله فامتثلنا أوامره واجتنبنا نواهيه وكنا مخلصين في ذلك متبعين للهدي النبوي فإن الله سيحقق لنا وعوده الصادقة فيحيينا في الدنيا حياة طيبة ويدخلنا في الآخرة الجنة.
وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63373، 32949، 93473، 31768، 62938، 3093، 41347، 67754، 18595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(9/257)
فقد حنان والديه فتعلق برجل لكنه أعرض عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال: أنا إنسان بدون والد، وأحب رجلا كثيرا عندي فيه حنان الوالدين، ولكن هو تغير علي كثيرا، أنا أسير في حالة صعبة، مصيري أصبح صعبا، فأرجو منكم الجواب؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تعني بسؤالك أنك فقدت حنان والديك، فتعلق قلبك بهذا الرجل الذي تركك وأعرض عنك، فإن كان هذا هو المقصود فالذي نوصيك به أن تعرض عن التفكير في أمر هذا الرجل، فليس هو الوحيد في هذه الحياة، وليس هو بالخالد، فهنالك غيره من الرجال الذين تستطيع أن تتخذهم أصدقاء، ولك من العقل ما تستطيع أن تتخير به من هو أنفع لك منهم في دينك ودنياك، واعلم أنه ما من صداقة إلا وقد تتعرض لما قد يقطعها، فلو علق المرء أمره بشخص واحد لقضى حياته كلها في حسرات.
ونرجو أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 22754، ففيها بعض السبل لكسب محبة الناس، ونضيف هنا أن من ضمن هذه الأسباب حرص المرء على ما يرضي الرب ففيه كسب لقلوب الخلق، ومصداق ذلك الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1428(9/258)
عدم حمل البطاقة ورخصة القيادة هل ينافي التوكل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم أحمل في جيبي عندما أخرج من المنزل بطاقتي المدنية ورخصة السواقة وذلك لأني لا أحب حملهما، فهل يعتبر هذا من التواكل وعدم التوكل على الله عز وجل، أفتونا مأجورين إن شاء الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتخاذ المسلم الأسباب المشروعة المتاحة لا ينافي التوكل لأن التوكل هو عمل السبب مع اعتقاد أن التأثير والنجاح من الله، فعلى المسلم أن يتخذ التدابير والأسباب المشروعة ليسلم من المخاطر المحتملة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أعرف الناس بربه وأشدهم توكلاً عليه ومع ذلك ظاهر في الحرب بين درعين.
وخطط لهجرته تخطيطاً محكماً فاتخذ رفيقاً صالحاً وخرج إليه وقت القيلولة حيث لا يتحرك أحد من أهل مكة بسبب الحر، وأبقى علياً لينام في بيته، وخرج باتجاه الجنوب ومشى عن طريق الساحل تجنباً للقاء من يطلبه من قريش واتخذ دليلاً في الطريق خبيراً بها، وقد استشاره أحد أصحابه في عقل ناقته أو التوكل فأرشده للجمع بينهما، فقال له: اعقلها وتوكل، كما في حديث الترمذي.
وبناء عليه فإن حملك بطاقاتك مع اعتقاد أن الحفظ والسلامة من الله هو المتعين عليك، وتركه غير مشروع إن كان حمل البطاقة لا زماً في قوانين البلد الذي تعيش به.
وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44824، 23867، 18784، 53203، 22328، 20441، 68867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو القعدة 1428(9/259)
حكم ذكر موتى المسلمين بالسوء
[السُّؤَالُ]
ـ[ (اذكروا محاسن موتاكم) ، هل هذه حكمة أم من السنة أم ماذا، حيث إن والدتي دائماً تذكر والدي ـ رحمه الله ـ بالسوء وتقول إن هذه كانت أخلاقه وإننا لو تكلمنا عن أنه كان كذا وكذا فذلك ليس حراما لأنه كان يفعل الحرام، فهل يحق للزوجة أن تفعل ذلك أم لكم رأي آخر؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حديث: اذكروا محاسن موتاكم، حديث رواه الترمذي وفي سنده عمران المكي وقال فيه الترمذي. سمعت محمداً- يعني البخاري- يقول عمران بن أنس منكر الحديث، وقد ضعفه الألباني.
ولكن من توفي على الإسلام إنما يشرع في حقه الترحم عليه والاستغفار، وعدم ذكر أخطائه فإنه أفضى إلى ما قدم، ولا ندري لعل الله تجاوز عن سيئاته، ففي حديث البخاري: لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا. ويضاف لهذا أن الكلام بالسوء على الأموات يؤذي الأحياء، وأذاهم منهي عنه، ولذا جاء في الحديث: لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا به الأحياء. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فعلى الأم أن تترحم على زوجها، وإن كان لها عليه حق فننصحكم بترضيتها واستسماحها، وإن كان الحق مادياً فننصحكم بتسديده لها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1428(9/260)
ابتداء الكلام بالحمدلة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يبدأ الشيوخ رجال الدين كلامهم ب: " الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.."؟ وهل يجوز للمسلم العادي أن يفعل ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبدء الخطب وغيرها من الكلام بالحمد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هو السنة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا: كل كلام لا يبدأ بالحمد لله فهو أجذم أي مقطوع البركة. رواه أبو داود.
وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الحاجة: - وهي الخطبة التي كان يقولها بين يدي كلامه في خطبه ومواعظه، وعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي حاجاتهم، كالخطبة والعقود ونحو ذلك- كان يقول في بدئها: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
وقد جاءت على ألفاظ متنوعة مشتركة ومختلفة في بعضها، لكن يجمعها البدء بالحمد والشهادة.
وورد الترغيب في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة ولفظه: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا. ومنها حديث أبي بردة الذي أخرجه النسائي ولفظه: من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا قلبه، صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات.
وعليه، فليس مستغربا بعد كل هذا أن يبدأ الشيوخ وغيرهم كلامهم ب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
وللمسلم العادي أن يفعل ذلك وهو مأجور عليه إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1428(9/261)
تشك في كون أختها على علاقة برجل أجنبي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لي أخت تصغرني عمراً وأشعر كأنها تتحدث إلى شاب وأنا لست متأكدة تماما، ولكنني حزينة جداً لأجلها حاولت أن أحدثها، ولكنها تنكر وهذا الشيء واضح في تصرفاتها، أحبها أن تكون متزنة ورزينة أخاف عليها كثيراً هي عنيدة ومن النوعية الغيورة، تحب أن تلفت الانتباه لنفسها إذا تحدثت إليها تظن بأنني أكرهها وهي عندها هذه الفكرة، ودائما تخبرني أن والداي يحباني ولا يحبانها، ولكن هذا غير صحيح إلا أنها لا ترى سوى ما تحب أن تراه، ودائما تدافع عن نفسها بالصراخ والبكاء وتتمارض ولا نعرف كيف نتعامل معها؟
فأرجوكم انصحوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت غير ميتقنة مما ذكرت وليست عندك قرينة تدل عليه فلا يجوز لك أن تظني بأختك هذا الظن السيئ، لكن ينبغي لك نصحها نصيحة عامة وبيان حرمة إقامة المرأة علاقة مع أجنبي عنها ولو كان ذلك بغرض الزواج، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 31921، والفتوى رقم: 61242.
واذكري لها خطورة مثل تلك العلاقات وعاقبتها في الغالب، وحاولي ربطها بصحبة صالحة تدلها على الخير وترشدها إلى الطريق المستقيم، كل ذلك بحكمة ورفق ولين، وأرها من نفسك قدوة صالحة في الخير والالتزام وبر الوالدين وغير ذلك من الأعمال الحسنة.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35221، 77948، 3128، 3716.
ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بهذا الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1428(9/262)
زميلات العمل يعادينها لتدينها والتزامها بحجابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظفة في إحدى الوزارات، ملتزمة دينيا ومنقبة، وجميع من حولي من الموظفات ليبراليات يعادون المتدينات عداءا بالغا، ويريدون إخراجي من الوظيفة، في البداية كان العداء علنيا على الدين، وعندما تعاطف معي البعض أصبحوا يشوهون صورتي وأخلاقي في نظر الجميع ويفترون علي الأقاويل حتى لا يكون أحد بصفي!
فماذا أصنع معهم؟ وكيف أتعامل معهم؟ وهل تنصحوني أن أدخل معهم في مناظرة؟ وما الكتب التي تنصحوني بها؟ وهل ترون ترك الوظيفة أفضل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثبتك ويعينك ويوفقك لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والذي ننصحك به أن تقابلي إساءة هؤلاء الموظفات بالإحسان والحلم وسعة الصدر ودعوتهن إلى الله، ولتكن هذه الآية أمامك وهي قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35} .
فمن قابل السيئة بالإحسان يوشك أن يصير العدو له صديقاً، والمبغض له محباً.
وفي المسند والسنن عن أبي كبشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.
فإن صلح حال هؤلاء الموظفات فالحمد لله، وإن لم يصلح فلا مانع من مواجهتهن وشكواهن لدى المسؤولين ليأخذوا على أيديهن.
وأما مناظرتهن فلا ننصح بها إلا إذا كنت متمكنة من الموضوع الذي سوف تتم فيه المناظرة.
ومن الكتب التي تعينك في هذا الصدد كتاب عودة الحجاب (ثلاثة أجزاء) للشيخ: محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب حراسة الفضيلة للشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد، وكتاب واقعنا المعاصر: للأستاذ محمد قطب.
وبالنسبة للبقاء في هذه الوظيفة، فإذا توفرت فيها الضوابط الشرعية لعمل المرأة وكنت محتاجة للعمل للنفقة على نفسك أو على من تعولين أو كان العمل نفسه يحتاج فيه المجتمع إلى مثلك فلا حرج في البقاء فيها.
وأما إذا لم تتوفر فيها الضوابط الشرعية وكنت غير مضطرة للبقاء في العمل فلا يجوز لك البقاء فيها.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 8360، 20388، 8386.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(9/263)
التعوذ عند سماع نهيق الحمار
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن الحيوانات ترى الملائكة والشياطين, فمثلا يصيح الديك إذا رأى ملكا وينهق الحمار إذا رأى شيطانا، يوميا والحمد لله نصلي أنا وزميلي الفجر في الجامع وعند مرورنا بإحدى الساحات يوجد حمار مربوط فيها, في معظم الأحيان ينهق الحمار كلما رآنا ونحن بدورنا نستعيذ كما جاء في الحديث، فما تفسيركم لهذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصحيح أن الديكة ترى الملائكة والحمير ترى الشياطين، فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً.
وكونك وزميلك في معظم الأحيان إذا مررتما بإحدى الساحات، يقوم حمار مربوط فيها بنهيق ... فإنه أمر ليس بغريب، وتفسيره كما ورد في الحديث أنه رأى شيطانا.
وقد يكون الشيطان الذي رآه هو القرين الملازم لكل منكما، وقد يكون رأى شيطاناً آخر.
،وعلى أية حال فإنكما قد أحسنتما بالاستعاذة كلما سمعتما نهيق الحمار، فذلك هو الهدي الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1428(9/264)
السعي في الإصلاح بين المتخاصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلتان بينهما صلة قرابة قوية (أبناء خالات) علي خصام دام أكثر من عام على الرغم من محاولات الجمع بينهما من قبل الأهل إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل بسبب تمسك كل طرف بموقفه علما بأن أحد الأطراف أبدى استعداده لتقديم الاعتذار في بادئ الأمر إلا أن الطرف الآخر تمسك بأن يكون الاعتذار داخل منزله بحجة أنه أسيء إليه في منزله الأمر الذي أدى إلى تمسك الشخص الذي كان ينوي تقديم الاعتذار بأن يكون في مكان محايد علما بأن طرفا الخصام زوج كل من الأختين وقد تمسك أبناء كل أب بموقف أبيهم وبالتالي مقاطعة خالتهم وأبناء خالتهم فما هو رأي الدين في ذلك، وماهي نصيحتكم لحل هذه المشكلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الخلاف شر ولاسيما بين ذوي الرحم لما في ذلك من القطيعة، فنوصي بالاستمرار في مساعي الإصلاح وتذكير هؤلاء بأهمية الإصلاح، وأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام وأنه ينبغي قبول الاعتذار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخلاف شر ويكون أمره أعظم وإثمه أشد إذا كان بين ذوي الرحم بسبب ما يترتب على ذلك من قطيعة الرحم، ولا يخفى ما جاء فيها من الوعيد الشديد.
وإن من أعظم القربات السعي في الإصلاح بين المتخاصمين والصبر في هذا السبيل فذلك أعظم للأجر، فالذي نوصي به مواصلة مساعي الإصلاح والاستعانة فيه بأولي العلم والفضل ليذكروا هؤلاء المتخاصمين بما بينهم من وشيجة القربى، وأن خيرهما من يبدأ بالسلام، وأن الإصلاح لا يتم إلا مع شيء من التنازل وعدم الإصرار على ما قد يكون معوقا من مثل هذه الأمور المذكورة كاشتراط المجيء إلى البيت ونحو ذلك.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55500، 58532، 68519.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(9/265)
المجنون الذي يخشى ضرره على المحارم وغيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[لي شقيق مجنون يصعب علاجه ونحن في العراق لانمتلك استقرارا ويصعب إيداعه في مصح مجانين وهو يمتاز بفسق أخلاقي نخشاه على الجيران والمحارم هل يجوز شرعا قتله وإلا ما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقتل النفس عمدا عدوانا من أعظم الذنوب وأشنعها عند الله تعالى، كما جاء في نصوص الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {النساء:93} . وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال المؤمن معنقا -ومعنى معنقا: خفيف الظهر سريع السير- صالحا ما لم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلح" أي أعيا وانقطع.
وقتل النفس لا يباح إلا بإحدى ثلاث، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.
ثم على تقدير استحقاق المرء للقتل، فإن إقامة ذلك عليه ليس من حق أي أحد إلا السلطان أو نائبه كالقاضي، وهذا ما نص عليه أهل العلم.
فإذا تقرر هذا لديك فاعلم أن شقيقك هذا هو ممن رفع عنهم القلم ما بقي مصابا بالجنون. فقد ثبت في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل ".
وعليه، فلا يجوز أن تفكروا في قتله، وإنما الواجب أن تودعوه إحدى مستشفيات الأمراض العقلية، وإن لم يمكن ذلك سلمتموه للسلطات لتودعه في السجن، على أن تتفقدوا أحواله من حين لآخر. وإذا لم يمكن شيء من جميع هذا فيمكنكم أن تقيدوه وتبقوه معكم حتى يقضي الله في أمره.
وينبغي أن لا تتركوا الدعاء له بالشفاء، وأن تعرضوه على من يستعمل الرقى الشرعية إن وجدتم لذلك سبيلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/266)
المواقع المغرضة التي تطعن في الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد موقع يسب القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام، فهل من المفروض الرد على اتهاماتهم الباطلة عن تناقض القرآن، أم يجب عدم الاهتمام بهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على من يستطيع ردع هؤلاء أن يردعهم نظرا لما في ذلك من الانتصار لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه ولكتابه، ولما فيه من النصيحة له ولكتابه ولرسوله.
ويتعين على العامة البعد عن الاطلاع على مثل هذه المواقع والتفرج عليها لئلا تنطلي عليهم الشبه فتزيغ قلوبهم.
ويتعين عليهم أن يشغلوا أوقاتهم بما يفيد من تعلم نصوص الوحي وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وسير السلف.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 3058، 71157، 71673، 78756، 99228، 80250، 75780، 75466، 56402، 6069.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1428(9/267)
أدب المرأة عند الخصومة مع زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات تتابع بانتظام أحد برامج وصفات إعداد الطعام والزوج يعترض على شخصية مقدم البرنامج وليس البرنامج في حد ذاته فيقول أنا لا أعرف سبب إقبال الناس على متابعة هذا الرجل، وترد الأخت أنه برنامج وصفات طعام يستضيف طهاة مهرة، حتى جاء يوم قام الزوج بإغلاق التلفاز بأرقام سرية وتجنب الزوجة فى كل تعاملاته فيأخذ الأولاد لتناول الطعام في المطاعم العامة بدون زوجته وبدون إخبارها أصلا، وبالتالى قامت الزوجة بنفس التصرف وتجنبته في كل تعاملاتها ولم تقم بإعداد الطعام، تدخل أحد الإخوة الأفاضل وأصلح بينهم وهدأت النفوس والأسرة كلها تتابع البرنامج بلا مشاكل، والسؤال: على الرغم من عدم شعور الزوج بالخطأ في حق أهل بيته لأنه كان سببا في مشكلة بدون داع، فان الزوجة تشعر بأنها تحمل ذنبا لأنها عاملت زوجها بنفس تصرفه وتجنبته فهل عليها ذنب، وما كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما حدث بين الأخت وبين زوجها أمر طبيعي يقع مثله بين كل زوجين غالباً، ولا يوصف فعل كل منهما بأنه ذنب أو إثم أو نحو ذلك إذا لم يصل إلى درجة التفريط في حق واجب، وإنما يقع الذنب والإثم من تفريط أحدهما في حق الآخر، وترك ما يجب عليه نحوه، فإذا كان قد ترتب عن اجتناب الزوجة لزوجها منعه من حقه في الفراش مثلاً أو الخروج من بيته بلا إذنه أو مخالفة له فيما تجب طاعته فيه، فتكون في هذه الحالة قد ارتكبت إثماً، ويكفيها أن تتوب إلى الله عز وجل وتحسن عشرة زوجها.
والزوج أيضاً إذا لم يترتب على تصرفه ترك واجب عليه للمرأة فلا يكون آثماً، وحيث قلنا بأن ما حصل ليس ذنباً إذا لم يكن فيه ترك لواجب، فإن شأن المرأة الصالحة أن لا تكتفي بفعل ما يجب فقط وإنما تسعى أن تكون من خيرة النساء، ولذلك جاء في وصف خير النساء اللاتي يدخلن الجنة، بأن الواحدة منهن ودود عئود تعود إلى إرضاء زوجها في حال حصلت بينها وبينه أي خصومة، ففي الحديث: ألا أخبركم بخير نسائكم من أهل الجنة! الودود الولود العئود لزوجها التي إذا ظلمت قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضا حتى ترضى. رواه الدارقطني والطبراني وحسنه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(9/268)
أدب التعامل مع المنافقين والكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف كانت معاملة النبي لكل من الصحابة والمنافقين والكفار أكان يبتسم في وجه الكل ويرفق بهم جميعا أم فقط بالمؤمنين، وكيف يستطيع الطالب المسلم في الجامعة أن يتعامل مع صنوف الناس المختلفة لأنه يضطر أحيانا للتكلم مع غير المسلمين أو مع المنافقين فكيف يوفق بين هذا كله على ضوء ما جاء في السنة وكتاب الله؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخالق الناس بالأخلاق الفاضلة، ويعاملهم بما يناسب حسب المقام، وإن اقتضى المقام الشدة والإغلاظ مع الكفار والمنافقين اشتد عليهم وأغلظ عليهم، ويشرع للطالب ملاطفة أصحابه سواء كانوا منافقين أو كفاراً بالقول اللين والمعاملة الحسنة مع التزامه بالحب في الله والبغض فيه والولاء لأوليائه والبراء من غيرهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسن الأخلاق مع الناس وقد أثنى الله عليه بعظيم الخلق فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم:4} ، وفي حديث الموطأ: إ ن الله بعثنى لأتمم حسن الأخلاق.
وكان يبتسم في وجوه الناس ويخالقهم بالتي هي أحسن ويحض على ذلك، فقال لمعاذ: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي. وكان لا يمنعه من المخالقة الحسنة ولين القول للناس كونهم غير مرضيين أخلاقيا أو دينيا، فقد ذكرت أم المؤمنين عائشة: أنه استاذن عليه رجل فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول، فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه. متفق عليه. وقد ذكر أصحاب السير في أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يطوي بشره عن أحد.
وقد ذكر العيني في شرح البخاري عند شرح قول أبي الدرداء: "إ نا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم" ذكر أنه تشرع المداراة وهي لين الكلمة وترك الأغلاظ لهم في القول وهي من أخلاق المؤمنين.
والمداهنة محرمة والفرق بينهما أن المداهنة هي أن يلقى الفاسق المعلن بفسقه فيؤالفه ولا ينكر عليه ولو بقلبه ... والمداراة هي الرفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي واللطف به حتى يرده عما هو عليه.
هذا، وليعلم أن الكفار عند وقت جهادهم وقتالهم يتعين الإغلاظ عليهم والشدة، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة:123} ، ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {التوبة:73} ، وكان صلى الله عليه وسلم يشتد عليهم عند الحاجة عملاً بما شرع له في ذلك، كقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ {الزمر:64} ، ومن ذلك قول الرسول لقريش: إنما جئتكم بالذبح. وقول أبي بكر لعروة بن مسعود: ام صص بظر اللات. رواهما أحمد وحسنهما الأرناؤوط.
وأما إن لم يكونوا مقاتلين بأن كانوا معاهدين فيشرع البر والإحسان إليهم، لقول الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8} ، ومن البر طلاقة الوجه ولين الكلام، كما روى البيهقي وابن أبي الدنيا عن ابن عمر أنه قال: البر شيء هين وجه طليق وكلام لين.
ويشرع للطالب أن يعاشر جميع الطلاب معاشرة حسنة ويتكلم معهم، ولكنه يتعين عليه أن يجعل عاطفته ربانية فيحب لله ويبغض لله، فلا يحب الفجار بقلبه، لقول الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة:22} ، ولا يلزم من بغضه لهم أن لا يكلمهم أو يكلح في وجوههم، بل يتعين عليه السعي في هدايتهم ودعوتهم بالتي هي أحسن وعدم الرضى بفجورهم، وينبغي أن يخاطبهم بالقول اللين الحسن ويحسن معاملتهم، عملاً بقوله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، وبقوله: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44} ، وقوله: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ {النحل:125} ، وبقوله: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {العنكبوت:46} ، وبقوله: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8} ، وقد عد أهل العلم طلاقة الوجه عند اللقاء من آداب الصحبة والمعاشرة وبوبوا لها في كتب السنة، وراجع في مصادقة الكفار والتعامل معهم الفتاوى ذات الأرقام التالية: 94121، 77010، 23135، 47321، 37526، 19652.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1428(9/269)
التحذير من الشركات ذات المعاملات المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التشهير بالشركات المحرمة وكذلك بالشركات ذات المعاملات السيئة أو التي يحصل منها سوء معاملة أو يكون منتج من منتجاتها سيئا وربما يكون هناك غيره أفضل منه أو أنه حالة نادرة، وما حكم تقديم النصح في شركة دون أخرى والتحذير من الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث عن الشركات كالحديث عن الأشخاص لا يجوز إلا بحق وإنصاف، فما كان من هذه الشركات محرماً كالبنوك الربوية وشركات التأمين التجاري ونحو ذلك، فإن مقتضى النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو التحذير من التعامل معها، وبيان الحكم الشرعي في ذلك، وأيضاً نصيحة القائمين على هذه الشركات بالتوبة إلى الله عز وجل وترك هذه المعاملات المحرمة.
وأما الشركات التي تمارس عملاً مباحاً فهذه لا يجوز التحذير منها، وإذا كان يوجد فيها ما يعاب فيذكر بخصوصه إن اقتضت المصلحة ذكره، فإذا استشارك أحد في شراء منتج أو سلعة ما وأنت تعرف أفضل منها أو تعلم بها عيباً فالأمانة أن تبين له أنه يوجد أفضل منها، وأن بذلك المنتج عيباً مؤثراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(9/270)
ترك المسجد للإبلاغ عن عطب بالمكيف هل ينافي الأدب
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى المسجد لصلاة التراويح فإذا المكان به ماء وكان عطبا في المكيف فخرجت أبحث عن من يقوم على خدمة المسجد وكلمت أحد الخارجين حتى يبلغه ثم عدت للصلاة ثم خرجت دون أن أكلم أحداً ثم أحضرت مناشف كي لا يتسرب الماء فشعرت بندم شديد لأني لم أتأدب بآداب المسجد ولم ألزم الهدوء لدرجة أني أفكر في عدم الذهاب إلى المسجد لأني لست أهلا لذلك، فما هو حكمي وكيف يرضى الله عني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولاً نرحب بالأخت السائلة في موقعنا، ونسأل الله أن يوفقها لما يحبه ويرضاه، ولتعلم أنه لا حرج عليها فيما فعلت، وأن خروجها لإبلاغ المسؤول عن المسجد بالعطب الموجود في التكييف ومحاولتها إيقاف تسرب الماء كل هذا لا ينافي الأدب مع بيوت الله تعالى، بل نرجو لها الأجر في ذلك، وهي بحرصها هذا على بيوت الله أهل لأن تكون من روادها وعمارها، ولذا فإننا نوصيها بالمحافظة على الصلاة والحجاب الشرعي وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والبعد عن كل ما يخالف الشرع المطهر، فإنها بذلك تنال رضى الله تعالى، وانظري لذلك الفتوى رقم: 3741 حول آداب المسجد، والفتوى رقم: 25970 حول شروط خروج المرأة إلى المسجد وغيره، والفتوى رقم: 19184 حول حجاب المرأة الشرعي تعريفه وشروطه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(9/271)
حكم السفر إلى مثلث برمودا والثروات التي يعثر عليها في البراري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى مثلث برمودا وما الحكم في الأماكن التي يقال إن فيها كنزا وهناك ثعبان أو غيره يحميها وهل يجوز الذهاب إليها لأخذ هذا الكنز، وما الحكم في الثروات التي يجدها الإنسان في البراري أو البحار أو غيرها من ذهب وغيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعلوم أن مثلث برمودا هو مكان على البحر الأطلسي، شكل ظاهرة غريبة حيرت العلماء والباحثين، والطريق إليه محفوف بالمخاطر، وفيه إلقاء للنفس في التهلكة، والله عز وجل يقول: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة:195} ، وعليه فلا يجوز السفر إليه لأي غرض كان.
وأما الثروات التي يجدها الإنسان في البراري أو غيرها من ذهب وغيره فإنها إذا وجد دليل على حداثتها فإنها تعتبر لقطة، وعلى واجدها أن ينشدها، أي: يعرفها لمدة سنة، فإن وجد صاحبها دفعها له، وإلا فهي له هو يفعل بها ما شاء، ثم إن جاء صاحبها يوماً من الدهر دفعت إليه، وأما إن كانت قديمة لا يغلب على الظن أنها لأحد معروف من أهل العصر فهي ركاز لواجدها بدون تعريف، ولكن عليه أن يخرج منها الخمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وفي الركاز الخمس. متفق عليه.
هذا كله على تقدير أن الثروات المسؤول عنها ليست معادن، وأما إن كانت معادن فإن استغلالها يتوقف على إذن إمام المسلمين.
قال خليل المالكي في شأن المعدن: وحكمه للإمام. قال الشيخ عليش في منح الجليل: التصرف في المعدن من حيث هو لا بقيد كونه عيناً للإمام الأعظم أونائبه يقطعه لمن شاء أو يجعله لمصالح المسلمين ... سداً لباب الهرج، لأن المعادن قد يجدها شرار الناس، فإن تركت لهم تحاسدوا وتقاتلوا عليها وسفك بعضهم دماء بعض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/272)
العادات والتقاليد التي تخالف الشريعة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في ترك العادات والتقاليد والأعراف والعمل بالشريعة الإسلامية وهل ينصح المسلم المسلمين بذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ترك العادات والتقاليد والأعراف التي تخالف الشريعة الإسلامية دون العادات التي لا تخالفها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن تكون العادات والتقاليد والأعراف ... تابعة للشريعة الإسلامية وموافقة لها، أما إذا كانت غير موافقة لها فيجب تركها والتخلي عنها، وإحلال الشريعة محلها، لأن ديننا الإسلامي دين عظيم شامل كامل يلبي جميع متطلبات الحياة ويحل جميع المشكلات، فإذا خالفته التقاليد والأعراف وجب تركها ورميها كما قال القائل:
والعرف إن خالف أمر الباري * وجب أن ينبذ في البرار....
أما إذا كانت العادات والأعراف ... (وهي ما اعتاده الناس وتعارفوا عليه) لا تخالف الشريعة فإن الإسلام اعتبرها ومن قواعده الفقهية المتفق عليها (العادة محكمة) ، والأصل في هذه القاعدة قول الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {الأعراف:199} ، وقوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف. والحديث في الصحيحين، ولذا فإن على المسلم أن ينصح إخوانه بالتخلي عن العادات التي تخالف الشرع، هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 30195، والفتوى رقم 14805.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/273)
معيشة الغني والفقير وتجنب الإسراف
[السُّؤَالُ]
ـ[طبقات المجتمع ثلاث فقراء وهي الدنيا ومساكين وهي الوسطى وأغنياء وهي العليا فما الواجب على من كان من الطبقة العليا هل يعيش في أماكن طبقة غير طبقته وإن كان يعيش مع طبقة غير طبقته هل يلبس مثل ما يلبسون وغيره مما هو خاص بهذه الطبقة أو أنه يعيش بينهم ويلبس كما يشاء ويفعل ما يشاء مما هو من معيشة الأغنياء ولله الحمد على نعمته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن كل طبقة يجعل الله فيها أحداً من خلقه سواء كانت هي العليا أو الدنيا أو وسطى بين ذلك إنما هي للابتلاء والاختبار، وعلى المرء أن يتقي الله كيفما كان حاله من فقر أو غنى، يقول أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. وقال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان: يستعيذ من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى.
وعليه فالواجب على من كان في الطبقة العليا هو أن يؤدي الحقوق الواجبة على تلك الطبقة، من إخراج زكاة وحج، وتيسير على المعسرين ومواساتهم، ويستحب له إنفاق فضول ماله في وجوه البر والخير الكثيرة، وفيما يخص الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها في الإنفاق سواء كان مع مثله أو مع من دونه فهي حالة الاعتدال والوسطية، وقد أوضح الله تعالى في كتابه الكريم ذلك، فقال مادحاً عباده المؤمنين واصفاً لهم: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان:67} .
قال ابن كثير رحمه الله: أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلاً خياراً وخير الأمور أوسطها.
والإسراف كما قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتأنق في المأكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
فلا يجوز للمرء أن يسرف أينما كان محل عيشه وكيفما كان غناه، بل يحسن بالغني أن يتقلل من فضول الملبس والمسكن والمطعم وغير ذلك تواضعاً لله تعالى أينما كان سواء كان مع الأغنياء أم الفقراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/274)
ما يفعل إذا رأى ما يعجبه من حي أو ميت
[السُّؤَالُ]
ـ[قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، السؤال ماذا لو رأى أبناء شخص ما ولم ير أحد والديهم أو ولي أمرهم لمن يدعو بالبركة وماذا لو أعجبه شيء لشخص ميت كصورته مثلا ً أو أحد ممتلكاته فلمن يدعو بالبركة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
التبريك والدعاء يكونان للشيء المعجب به ولا يلزم حضوره أو إسماعه..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث الذي أشرت إليه حديث صحيح ولفظه: إذا رأى أحدكم في نفسه أو ماله أو أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق. رواه النسائي وغيره وصححه الألباني.
والدعاء يكون للشخص أو للشيء الذي أعجب به الرائي ولا يشترط لذلك حضوره أمامه أو سماعه منه.. ولذلك فإذا رأى أبناء شخص فليبارك عليهم ويدعو لهم ولا يحتاج الأمر إلى ولي أمر ... وكذلك إذا رأى شيئاً من ماله أو مال غيره، وكذلك الأمر بالنسبة للميت والأنسب هنا أن يدعو له بالرحمة لاحتياجه إليها ولتعذر إصابته بالعين.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 58591، والفتوى رقم: 33932.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/275)
حكم استعمال ملك الغير دون الرجوع إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في استعمال الأشياء التي يغلب على الظن موافقة أصحابها باستخدامها كلبس الأحذية واستخدام الأقلام وغيرها وكذلك الأكل من الطعام وشرب الشراب دون الرجوع إلى أصحابها وماذا لو قال أصحابها نبيح لمن أراد الاستفاده منها أن يستخدمها وماذا لو كانت من مال حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون {النور:61} .
فهذه الآية فيها دلالة على أن للرجل أن يأكل من مال قريبه أو وكيله أو صديقه ما يعلم أن نفسه طيبة له به.
فالمسألة راجعة إلى إذن صاحب المال، وإذنه إما أن يكون صريحاً كما جاء في السؤال بأن يقول أبحت لمن أراد استخدام أشيائي ما يريد، أو يكون إذناً معروفاً باطراد العرف والعادة فيكون معروفاً من عادة هذا الرجل أو عرفه أنه لا يمانع من استعمال الغير لأدواته، يقول ابن قدامة: الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي. انتهى.
أما مسألة استخدام هذه الأدوات إذا كانت من مال حرام فينظر إن كانت هي نفسها عين الحرام كأن تكون مسروقة أو مغصوبة فهذه لا يحل استخدامها، والواجب ردها إلى أصحابها، أما إن كان الشخص اشتراها بمال حرام ففي هذه الصورة تفصيل يراجع في الفتوى رقم: 7707.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(9/276)
العرس الإسلامي وحكم المغالاة في المهور
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الشيخ أختي خُطبت وقد قرب موعد زواجها وأنا أسمع أبي يقول بما أنهم قادرون مادياً فسوف يطلب مهرا كبيرا ليغطي كسوتها وذهبها وأيضاً مصاريف العرس كونهم من الإمارات ونحن اقتصادنا في اليمن متدهور، فهل ذلك خطأ ولا يجوز ولن يبارك لأختي في عرسها وزوجها وأود أن أسأل ماهي صفة العرس الإسلامي ففي عاداتتا نقوم بالاحتفال 3 أيام وكل يوم له تكاليفه ومصاريفه ففي البارحة حسبت تكلفة العرس المتوسط وصلت حتى 20000 دولار أمريكي بالكسوة والذهب وأيام العرس فأفتوني في صحة ما نقوم به في اليمن وما يثقل الكاهل وإذا لم نفعل فسوف تنالنا سخرية المجتمع ويؤثر على مظهر أختي أمام أهل زوجها فماذا نفعل أثابكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 3074 أن المغالاة في المهور معارض لهدي الإسلام، وأن البركة تكون في يسر المهر وقلته، فينبغي لوالدك أن يحرص على ما يكون فيه البركة لابنته، ولا ينظر إلى متاع الدنيا الزائل، هذا هو الأكمل والأفضل، لكن لا يكون قد ارتكب خطأ أو إثماً إذا ما طلب لابنته مهراً يغطي -كما قلت- كسوتها وذهبها ومصاريف العرس.
ولمعرفة صفة العرس الإسلامي انظري الفتوى رقم: 22389، ومنها تعلمين أن المقصود بالعرس هو إشهار النكاح فرقاً بينه وبين السفاح الذي لا يكون إلا سراً، وليس في الشرع تحديد لعدد الأيام، وإنما ذلك من التقاليد والعادات، فإذا ترتب عليها إثقال لكاهل الزوجين فينبغي الاقتصار على الحد الأدنى مما يحصل به المقصود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(9/277)
العلاقة بين الزوجة وأخت الزوج إذا كانت بدون رغبة أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[يسعدنا أن تفتونا في الموقف أدناه: أنا سيدة متزوجة وزوجي لديه أخ متزوج أيضا والمشكلة أنني وزوجة أخي زوجي على غير العادة أصدقاء ونتعامل كإخوة حيث إنني ليس لدي أخت ولا هي، المشكلة أننا نتحدث في الهاتف دون معرفة أزواجنا لأن أم زوجي لا تحب أن نتحادث سويا ولا تفضل أن نكون أصدقاء هي لم تصرح بذلك أمامنا، ولكن كل الشواهد والمواقف تؤكد ذلك بالإضافه إلى أن زوجي وأخاه لا يرفضان لها كلمة، ولكننا نحب أن نطمئن على بعض وعلى أحوالنا فهل يعتبر ذلك حراما، مع ملاحظة أن أزواجنا لم يمنعونا من التحدث مع بعض باللفظ، ولكن البعد عن المشاكل أفضل بعدم علمهم, مع ملاحظة أنني لا أكذب على زوجي ولكنني لا أطرح ذلك الموضوع أمامه اجتنابا للشك وهل موقف تلك الأم صحيح من البداية بتفريق أبنائها عن بعضهم مع العلم أنني وزوجة أخي زوجي لدينا أبناء نحب أن يتربوا سويا ليكونوا أسرة واحدة، ولكنها تحاول بكل قوة أن لا تجمعنا سويا عندها حتى في رمضان والأعياد بمعنى أن كل أسرة تزورها في موعد مختلف عن الأسرة الأخرى بالإضافه إلى افتعال أي مشاكل من العدم على الرغم أنني وسلفتي نحاول أن نكسبها ونعاملها بالحسنى، ولكن دون فائدة فهي يوم لنا وأيام علينا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليكما في علاقتكما واتصالكما ببعض ما دام ذلك في حدود الشرع وضوابطه سيما إذا كانت علاقتكما وحبكما في الله ولتقوية الأواصر بين زوجيكما كما ذكرت، بشرط أن تكون تكاليف الاتصال من مالكما، أما إن كانت على الأزواج فليس لكما أن تستعملا الهاتف إلا بإذنهما أو فيما جرت العادة بالسماح لمثكلما به، ولكن ينبغي الحرص على عدم إعلام أم زوجيكما بذلك قطعاً لأسباب الشحناء، ولأن إكرامها والسعي في مرضاتها من إكرام الزوج وحسن عشرته كما بينا في الفتوى رقم: 27019، والفتوى رقم: 28543.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/278)
تحقيق المقال في الإكثار من الأكل آخر شعبان
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الكرام هناك عادة في آخر شعبان يقوم بها البعض وهي الأكل تحت مسمى يا نفس ما تشتهي
فهل هذه العادة جائزة أرجو منكم الإجابة.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم لهذه العادة أصلا في الكتاب والسنة، بل جاءت السنة باستحباب الإكثار من الصيام في شعبان، وجاء النهي عن الصيام بعد نصفه أو قبل رمضان بيوم أو يومين لمن لم يكن له عادة حتى لا يصل الناس شعبان برمضان لا لأجل يا نفس ما تشتهي.
والعادة المشار إليها تدل على هلع وحرص أصحابها على شهواتهم وحزنهم على فقدها في نهار رمضان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/279)
عبارات التسخط من المريض هل يحاسب عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت أمي مريضة بالسرطان وكانت في آخر أيامها تتألم بشدة حتى إنها كانت تقول بعض الكلمات التي أخشى أن تحاسب عليها مثل: يا رب بقى فين الرحمة وما إلى ذلك فهل تحاسب على ذلك؟ وهل في مقدوري فعل شيء من أجلها ككفارة مثلا إن كانت توجد، وأيضا لظروفها الصحية لا تصلي لأنها كانت غير قادرة على النظافة التي تتطلبها الصلاة فهي كانت لا تقوى على القيام من مكانها وكانت لا تنام أبدا إلا وهي منكبة على وجهها وهي جالسة، وأسألكم الدعاء لها بالرحمة والمغفرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لوالدتك، ثم إذا كانت الألفاظ الدالة على التسخط والضجر تصدر منها وهي فاقدة للعقل بسبب شدة المرض فلا حرج عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق، قال أبو بكر في حديثه: وعن المبتلى حتى يبرأ. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألبانى.
وإن كانت تلك العبارة المشتملة على شكوى وضجر وتسخط على قدر الله قد صدرت منها وهي تتمتع بعقلها فهذا حرام ولكنها قد أفضت إلى ما قدمت فنسأل الله أن يغفر لها، ولا توجد كفارة معينة لمثل هذا الأمر، لكن الميت يصل إليه ثواب الصدقة والدعاء، واختلف أهل العلم في وصول ما سوى ذلك، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 69795.
وبخصوص الصلاة فلا تسقط عنها ما دامت تتمتع بعقلها فإن عجزت عن تطهير ثيابها وبدنها فليقم غيرها بمساعدتها في ذلك، وإن ثبت عجزها عن الوضوء انتقلت للتيمم، وإن عجزت عن الصلاة قائمة صلت قاعدة فإن عجزت صلت مضطجعة، وإن لم تقدر إلا على الإشارة بطرف الأصبع أو العين وجب عليها ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 57599.
وليست هناك كفارة معينة لتركها للصلاة ولا يشرع قضاؤها عنها، بل أكثري من الاستغفار لها والصدقة عنها وراجعي الفتوى رقم: 24558.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(9/280)
الأصل الإباحة حتى يثبت موجب التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[عند تصفحي الإنترنت وفي موقع منتدى منزلة المرأة في الإسلام وفي باب المنتدى الصحي أدهشني موضوع يقول دهون الخنزير في بيوتنا ويتضمن الموضوع على وجود دهن الخنزير في كل من معجون الحلاقة ومعجون الأسنان ورقائق الذرة وبعض أنواع البسكويت ويوجد كذلك في كل منتج يوجد من ضمن مكوناته الحرف (إ) والأعداد المشفرة مثال ذلك (122إ) وأشار التقرير على أن الحرف والكلمة المشفرة تدل على وجود دهن الخنزير في المنتج بحيث لا يعرفها المسلمون وعند مطابقة تلك الأرقام والحروف المشفرة على الأغذية التي نستهلكها يوميا وجد بها تلك الأرقام فأفيدوني أفادكم الله حتى لا نقع في المحظور؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخنزير نجس ويحرم استعماله تحريماً قطعياً، دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وهذا التحريم شامل لجميع أجزاء الخنزير من لحم وشحم ودهن وغيرها، وعليه فنقول: إذا ثبت وجود دهن الخنزير في معجون الحلاقة أو معجون الأسنان أو رقائق الذرة أو بعض من أنواع البسكويت أو غير ذلك ... فإن استعمال أي شيء من ذلك يصبح حراماً.
ولكن لا بد في إطلاق التحريم من التحقق من الأمر أو غلبة الظن به، ولا يمكن الاعتماد فيه على مجرد الشائعات التي يتناقلها الناس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع. رواه مسلم.
وإذا لم يثبت شيء من ذلك أو يغلب على الظن، فالقاعدة المقررة هي أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت موجب التحريم، لكن الأولى للمسلم أن يجتنب كل ما يشك في حليته، ليكون قلبه مطمئناً، فقد روى الترمذي في سننه عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/281)
حكم نسبة التقصير إلى النفس والشفاء إلى الدواء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقول مثلاً: أنا لم أستيقظ لصلاة الفجر بسبب كثرة ذنوبي أو أن نقول: هذا الدواء يشفي ويعالج هذا المرض وهذا هو العلاج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة للفقرة الأولى لا مانع من أن ينسب المسلم تقصيره في الطاعة لكثرة ذنوبه، إذ ما من أحد منا إلا وتقع منه الخطايا، والخطايا سبب للتكاسل عن الطاعة كما ذكر أهل العلم، لكن هذا ليس عذراً، فعلى المسلم أن يتوب إلى الله تعالى ويجتهد في أسباب المحافظة على الصلاة في الوقت وفي الجماعة لا سيما صلاة الفجر.
أما بالنسبة للفقرة الثانية فإنه لا مانع من هذا الكلام إذا كان المتكلم يقصد أن الدواء سبب للشفاء، لكن العبارة الصحيحة هي أن يسند الشفاء إلى الله تعالى كأن يقول شفاني الله بسبب هذا الدواء، أو هذا الدواء يشفي بإذن الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/282)
مباشرة الرجل الرجل بغير قصد السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله كل خير وجعله في ميزان حسناتكم ... لقد قمت بالنوم بين أحضان أحد أصدقائي، وقد حدث ذلك مصادفة نتيجة لقوة وشدة العاطفة بيني وبينه آنذاك ولكني لا أعتاد على فعل هذا مع أحد ولا حتى معه أبداً وأشهد الله بأني لم يخطر بعقلي وبالي ولو للحظة واحدة مجرد التفكير في أي إنحراف أو شذوذ جنسي وقيامي بذلك كان نتيجة شدة الحب وقوة العاطفة آنذاك بيني وبينه كصديق وأخ لي، فهل هذا يعتبر إثما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد النهي عن أن يباشر الرجل الرجل يعني: في الاضطجاع، يضطجع ويأخذ بجنبه رجل، ويمس اللحم اللحم، بحيث يفضي إلى الرجل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد. يعني: ما بينهما شيء يمس اللحم اللحم، ويضطجعان في النوم، هذا منهي عنه، لأنه يؤدي إلى الشر والفساد والفتنة.
وفي شرح النووي على مسلم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد وكذلك في المرأة مع المرأة فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان. وهذا متفق عليه. اهـ وإذا وجد بينهما حائل، ولم يكونا متجردين من ثيابهما وأمنا الفتنة فقيل إن ذلك يكره ولا يحرم.
وعليه، فهذا النوم الذي قلت إنه كان بين أحضان أحد أصدقائك يعتبر مكروهاً إذا كان بينكما حائل، ولم تكونا متجردين من ثيابكما، وأمنتما الفتنة، والأحوط اجتناب مثله، وعلى أية حال فنرجو ألا يكون فيه إثم لما ذكرت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(9/283)
هل يذكر الله إذا رأى ما يعجبه من كافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إذا رأيت شيئاً أعجبني من كافر أن أقول له في نفسي اللهم بارك له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكافر المسالم معاهداً كان أو ذمياً محترم الدم والمال والعرض، ولا تجوز أذيته أو الاعتداء عليه أو الضرر به بغير حق شرعي، فقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. وفي رواية: من آذى ذمياً فأنا خصمه. فهذه النصوص تدل على أن الكافر المسالم لا تجوز أذيته بالعين ولا بغيرها، فإذا رأى المسلم ما يعجبه من أخيه المسلم أو من الكافر المسالم فليقل ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار التي ينبغي أن نقولها في مثل هذه الحالة لئلا نوذي بالعين من لا يستحق الأذية، فمن ذلك قول الله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا {الكهف:39} ، وما رواه أبو يعلى في مسنده والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة من أهل ومال وولد فيقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى آفة دون الموت. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل أكثر في الفتوى رقم: 33932.
وهذا -كما قلنا- لئلا يضر غيره من إنسان محترم أو حيوان بعينه، فإن العين حق والكافر الذمي أو المعاهد يدخل في ذلك لأنه محترم الدم والمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(9/284)
الموقف ممن يحذر من البدعة وهو واقع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الموقف من أناس يحذرون من بدع واقعين فيها ولا يقلعون عنها؟ وجزاكم الله خيراًُ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من يحذر من البدع أو المعاصي يجب أن يكون أبعد الناس عنها وإلا كان معرضاً نفسه لمقت الله تعالى وعقابة، فقد قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:2-3} ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه.
ولذلك فينبغي أن يكون الموقف من هؤلاء هو نصحهم وإرشادهم والشفقة عليهم ... وترغيبهم في اتباع السنة وتحذيرهم من البدع والضلال، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. فقال له أصحابه لمن؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وقال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً! قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه. وفي رواية: إن كان ظالماً فلينهه فإنه نصره. رواه البخاري وغيره. فإذا لم تفد فيهم النصيحة فعلى المسلم أن يبتعد عنهم ويحذر منهم من يخشى عليه من الوقوع في بدعتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1428(9/285)
نبذ الأصهار الخلافات والحرص على العلاقة الجيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقطن معي أخت زوجي حيث ترعى ابني طوال فترة غيابنا في العمل لمدة سبع ساعات في الأسبوع لست مقصرة معها في أي شيء لكنها تتدخل كثيراً في علاقاتي بأخيها فلا تكلمي أخي بهذه الطريقة وعندما تأتي أمي لزيارتي تسرد عليها إن وقعت أي مشكلة بيني وبين أخيها أمي تقول كلاما وهي تقول كلامي وأنا لا أحب كثرة القيل والقال ومرة نفد صبري وقلت لها عندما سنزور العائلة لن ترجعي معي ألفت منها مشكلة وقالت لأمي إنها تطردني وأنا عملت فيها خيراً وكبرت المشكلة وحللت بها بمشقة الأنفس مع كوني أصبر عليها كثيراًَ، أخيراً اضطررت إلى إدخاله الروضة لكونها تضربه في غيابنا وأخبرتها أن الولد سيبقى طول النهار حاولت أن أخبرها أن الإنسان المسلم هو الذي يمضي وقته في تلاوة القرآن وفي عمل شيء صالح لا فقط التفرج على التلفزيون وهي دائما عبوس وتشكو فضقت ذرعا بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن ما ذكرته عن أخت زوجك من التدخل في علاقاتك بأخيها، ومن الحديث بكل ما يقع بينك وبين زوجك، ومن كثرة القيل والقال عندها ... إلى غير ذلك مما ذكرته من أمرها، يعتبر أخطاء لا ينبغي أن تكون، ولكن مقابلة هذه الأخطاء منك ينبغي أن تكون برفق وأدب، لا أن يكون فيها تهديد بالطرد من البيت أو قسوة في الكلام، فقد قال الله تعالى: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً {البقرة:83} ، وقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا {الإسراء:53} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. رواه البخاري.
فنرجو أن تستفيد كل منكما من هذه النصائح، وأن تقوي العلاقة بينكما في المستقبل، بما جعله الله من الرحم والمصاهرة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(9/286)
الضم والعناق وتبادل الحب بين المراة ومثلها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في الجامعة قدمت إلي صديقتي تشكو من أنها تعاني من مشكلة العادة السرية والسحاق فبادرت في مساعدتها في التخلص من هذه السلوكيات المحرمة وإبعادها عن الفتاة التي تمارس معها السحاق، بعد أن قمت بهدايتها إلى التمسك بصلاتها شعرت بأنها تعلقت بي كثيرا وبدأت تضمني وتقبلني كلما رأتني وأنا أعلم أن نيتها صافية ونيتي كذلك (أني أعاملها كأختي وأظن أن القبلات والعناق بين الأخوات جائز) ، وهي تقول أنا كنت أمارس السحاق لأن عندي نقص في الحنان فكنت أحاول أن أضمها وأنسيها الأفكار الشاذة وأعلمها أن الحنان يأتي بدون شذوذ وجنس، ولكي أقنعها بأن لمسة الحنان والحب في الله تختلف عن حب الشهوة والاستمتاع المحرم، مشكلتي أنني لا أشعر إذا نزل مني سوائل أثر القبلات والعناق وأنني في بعض المرات أكون صائمة في رمضان، فهل ما ينزل علي مفطر للصيام وأضيف أني كنت أؤمها في الصلاة من باب التشجيع على أداء الصلاة في وقتها ولكي أشعرها بأن الصلاة ليست بالشيء الثقيل، وأكرهها في التكاسل عنها، والله أعلم بنيتي،
فأفيدوني فيما إذا كان صيامي وصلاتي صحيحين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 8424، والفتوى رقم: 94602 حكم تبادل المحبة بين المرأة ومثلها، وبناء عليه فننصحك بالابتعاد عما يحصل بينك وبين تلك المرأة من معانقة وضم وقبلة، وقد يوسوس لكما الشيطان أن ذلك يحصل بنية صافية بينكما والواقع عكس ذلك بدليل ما كانت عليه تلك المرأة من ممارسة سابقة، وشعورك أنت بشهوة ونزول بعض الإفرازات، فبادري بالإقلاع عن تلك الأمور واقتصري على ما ينفع تلك المرأة في تثبيت توبتها واستقامتها على دينها، وإذا حصلت المعانقة ونحوها بينكما أثناء الصيام ولم تتحققي من نزول إفرازات فصومك صحيح، وإن نزلت وكانت منياً فصومك باطل وعليك قضاء ذلك اليوم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 54284.
وإن كان الخارج مذياً فلا قضاء عليك عند جمهور أهل العلم، كما في الفتوى رقم: 93422.
والفرق بين المذي والمني بالنسبة للمرأة تقدم بيانه في الفتوى رقم: 34363، وإمامة المرأة لمثلها صحيحة مجزئة، كما في الفتوى رقم: 5796، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 26241، والفتوى رقم: 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1428(9/287)
الابتلاء بالمشاكل الزوجية وسوء الأحوال المادية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 31 سنة تزوجت من فترة ثلاث سنوات ورزقني الله بمولودة غالية ولكن أحوالي المادية والنفسية تتدهور منذ أن تزوجت وبخاصة بعد أن جاءتني المولودة علما أنني وزوجتي قد بدأنا حياتنا على عهد طاعة الله ونيتنا إنشاء أسرة مسلمة ولكن المشاكل الزوجية بيننا لا تنتهي وكانت سيئة جدا وخاصة في البداية.
المهم أنني أشك بأن أحدا ما قد صنع لي سحراً ما أو ما شابه لأنني محتار جدا بالذي يحصل معي فأنا عندما كنت عازبا كانت أموري أفضل بكثير ولله الحمد.
أرجو أن تنصحني هل ألجأ إلى أحد من أهل العلم أم أنها وساوس من الشيطان أتمنى أن أجد تفسيرا لما حدث ويحدث معي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك وأن يزيل عنك الغم والكرب، وأن يصلح أمرك ويحسن حالتك المادية والنفسية.
واعلم أن ما أنتم فيه من المشاكل الزوجية التي قلت إنها لا تنتهي، قد يكون مرده إلى أن أيا منكما لم يدرس نفسية الآخر ويتعرف على النقاط التي تثير قلقه واهتمامه. وتلك مسألة يمكن حلها بسهولة، بأن تغتنما فرص التوجه والتراضي والتآلف بينكما، ويتجنب كل منكما ما عرف أن فيه إثارة للآخر.
كما أن سوء الأحوال المادية قد يكون سببه سوء التسيير، أو الإسراف في النفقات التي لا تدعو إليها الحاجة أو غير ذلك ...
وقد يرجع كل ذلك إلى الإصابة بشيء من العين أو السحر، وحينئذ فليطلب له العلاج بالأسباب المشروعة والتي من أعظمها الابتعاد عن المعاصي والذنوب، والاجتهاد في طاعة الله تعالى.
والواجب هنا الحذر من إتيان أهل الدجل من السحرة والمشعوذين، وتراجع الفتوى رقم: 5856، للمزيد من الفائدة.
ينبغي أن لا يغيب عنك أن ما يصيب المؤمن من البلاء يكون مصحوبا بالجزاء العظيم والأجر الجزيل إذا سلم لله تعالى بما قضى. ففي الحديث الشريف: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له. رواه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يصب منه. رواه البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(9/288)
الامتناع عن إجابة الدعوات حزنا على وفاة الأم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفيت أمي قبل 7 شهور وتحدث عدة مناسبات عند أقاربنا كالأعراس والخطوبات, ونحن لا نستطيع أنا وأخواتي وإخواني وأبي أن نذهب إليها وذلك بسبب حزننا على والدتنا, ليس حدادا وإنما حزنا عليها لأننا نحبها كثيراً, فهل يدخل ذلك في باب الحرام، أكرر وأعيد أننا لا نستطيع أن نذهب وذلك برادع من الداخل وليس حداداًَ؟ شكراً لكم.. وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال في غير حق الزوجة على زوجها، وأما هي فأربعة أشهر وعشر، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك وهو ثلاثة أيام، تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطراً من الحزن. وما زاد عن الثلاث فمفسدته راجحة، بخلاف مفسدة الثلاث فإنها مرجوحة، مغمورة بمصلحتها. انتهى.
وفي الصحيحين من حديث زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً.
وأما مجرد الحزن في مثل هذا الظرف فهو أمر فطري، ولذلك لا يؤاخذ عليه لأنه أمر خارج عن إرادة المصاب، وكذلك البكاء من غير نياحة، ما لم يصحبه فعل أو قول محرم، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئراً لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله، فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. هذه رواية البخاري، قال النووي رحمه الله تعالى: فيه جواز البكاء على المريض والحزن، وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. انتهى.
فمجرد حزنكم لا إثم فيه ولكن لا يجوز لكم أن تمتنعوا لأجله إذا دعيتم إلى وليمة العرس لوجوب تلبية دعوتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها. رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد. وفي لفظ للبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله.... وأما غيرها من الدعوات فيستحب إجابة دعوتها ولا ينبغي أن يكون الحزن حائلاً دون تحصيل ثواب هذه الأعمال، وفي الحديث الصحيح أيضاً: حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد لله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه مسلم.
كما تنبغي مخالطة الناس وحضور مجالسهم لتحصل السلوى عن المصاب، وحزنكم عليها لا ينفعها، ولذا ينبغي أن تفعلوا ما ينفعكم وينفعها هي مما ذكرناه في الفتوى رقم: 44878.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(9/289)
حكم عدم إخبار الأم بوفاة أختها خوفا من تضررها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال في قضية مهمة, توفيت خالتي منذ أسبوعين رحمها الله, لكننا لم نخبر والدتي وذلك بسبب مرضها المزمن عندها السكري والضغط الدموي والكولسترول فلو أخبرناها ربما تتوفى من الصدمة أو تصاب بإعاقة دائمة مثلما أخبرنا الطبيب, فهل نخبرها أم نمتنع عن ذلك، وإن أخبرناها وماتت فهل علينا وزر، فأفيدونا؟ جزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان من المحقق أو المظنون أن أمك إذا علمت بوفاة أختها فلربما تتوفى من الصدمة أو تصاب بإعاقة دائمة، كما قلت إن الطبيب قد أخبركم بذلك، فإنه يحرم عليكم أن تخبروها، لأن القاعدة الفقهية هي أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما يؤدي إلى الحرام يكون حراماً مثله، وتسبب الإنسان في قتل غيره أو إلحاق الضرر به من أكبر المحرمات، قال الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93} ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وحسنه السيوطي وصححه الألباني.
فابتعدوا كل البعد عن أي أمر يمكن أن تعلم منه أمك بوفاة أختها، وإذا سألت عنها فيمكنكم أن تخبروها بسلامتها، وتقصدون بذلك سلامتها من أتعاب الدنيا أو نحو ذلك من المعاني التي يمكن أن تحمل عليها تلك الكلمة، لأن في المعاريض مندوحة عن الكذب كما هو معلوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(9/290)
التعامل مع من يتهكم بالدعاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فيمن لا يعترف ويتهكم على البعض من خيرة العلماء والدعاة امثال الشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبو إسحاق الحوينى والشيخ محمد حسان والشيخ محمود المصري. علما بأنه يعترض ويتهكم عليهم بغير علم مطلقا.
وكثيرا ما حاولت تعليمه وإرشاده الى الصواب ولكنه دائما ما يدعى المعرفة. وهو يعتبرهم من المتشددين. ولا تزيده المناقشة معه إلا كبرا وتمسكا بالرأي (الذي هو ليس برأي) ولكن فقط اعتراضات كعادته وحقيقة يؤذيني كثيرا سماع هذه الأقاويل من هذا الشخص على هؤلاء الأفاضل.
ولذا أخذت قرارا بعدم اختلاق أو الاستجابة لأي حوار منه يخص الدين أو الدنيا.
وماذا يجب علي فعله إذا تكررت هذه التهكمات منه مرة أخرى على العلماء. علما بأنه لا يستطيع المواصلة فى أي حوار إلا بالغلط وارتفاع الصوت والتمسك بالرأي وقد يؤدي إلى سوء العلاقة بيني وبينه (علما بأن هذا أيضا قد يؤدي إلى بعض المشاكل المؤقتة مع زوجته (حيث إنه تربطني بها صلة قرابة)
فهل علي إثم إذا تركته يتهكم على هؤلاء الأفاضل أو غيرهم حتى يهديه الله من فضله أو يكف عنا وعن العلماء أذاه.
وجزاكم الله خيرا عنا وعن أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم ما ابتلي به بعض الشباب في هذا الزمان التطاول على الدعاة والعلماء، ولا شك أن هذا الأمر خطير، وسبق أن ذكرنا نصيحة الشيخ ابن باز للشباب بهذا الخصوص فراجعها بالفتوى رقم: 18788.
فإن ثبت ما ذكرت عن هذا الشخص من التهكم من هؤلاء الدعاة فهو مسيء، وعليك أن تستمر في نصحه إن رجوت أن ينفعه النصح، فإن لم ترج من ذلك نفعا أو خشيت أن يزداد في غيه فالأولى السكوت وعدم مناقشة هذا الأمر معه، ولا يلحقك حينئذ إثم إذا تكرر منه هذا الفعل ولم تنكر عليه بلسانك، ولكن الواجب عليك مفارقة مجلسه في هذه الحالة؛ لأن أدنى درجات إنكار المنكر الإنكار بالقلب وهو يقتضي مفارقة مكان المنكر.
وههنا أمر وهو أن الهجر قد يجدي نفعا فإن غلب على ظنك أن ينفعه الهجر ويزجره عن مثل هذه التصرفات فيمكنك هجره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(9/291)
ما يفعل المسلم عند الكرب والشدائد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر34 غير متزوج خرجت من الثانية من الجامعة علوم بسبب مشكل مع حنجرتي عانيت منه 12 سنة وكل أصحابي الذين كنت أعرفهم تخرجوا، وأنا الآن أعاني من البطالة مما سبب لي حزنا، قرأت في كتاب الفرج بعد الشدة انه إذا قرأت سورة الشمس 7 مرات وسورة الليل 7مرات فإنك ترى الحل خلال 7 أيام مع عدم النوم بجانب امرأة وقد فعلتها لكن نمت بجانب الوالدة لأني خفت، فأرجو أن تشرحوا لي من يأتي بالحل وهل فيه خطورة كأن يمرض الإنسان او يصاب بمكروه وهل يرى حلا مرضيا وهل من طريقة أخرى يرى فيها الحل في المنام مع النوم بجانب الوالدة يمكن فعلها كلما دعت الضرورة دون الإصابة بمكروه؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا ينبغي الاعتماد على كتاب "الفرج بعد الشدة"؛ لأنه كتاب أراد به صاحبه -كما هو ظاهر من العنوان- أن يخفف عن المكروب وينفس عن المحزون الذي وقع في ورطة، فذكر جملة من القصص والوقائع من مختلف العصور ما صح منها وما لم يصح. وهو معدود في كتب الأدب وكتب التسلية والهزليات.
وما قلت إنك فعلته من قراءة سورة الشمس 7 مرات وسورة الليل 7 مرات إلى آخر ما بينته، فإنه لم يثبت به دليل شرعي. وإذا كان كذلك فإن فعله يعتبر بدعة إضافية لا تجوز. فلا تعد إلى هذا الفعل، وانأ بنفسك عن مثله في المستقبل.
ثم اعلم أن للكرب والشدائد التي تنزل بالمسلم أدعية وأذكارا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تستطيع الرجوع إليها في كتاب الأذكار للإمام النووي.
واعلم كذلك أن الله عز وجل وعد المؤمنين الذين أصابهم غم وهمٌّ أنهم إذا قالوا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، نجاهم مما هم فيه من غم وهم، وذلك حين ذكر سبحانه قصة يونس عليه السلام الذي التقمه الحوت إذ قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ {الأنبياء:87-88} . يعني ننجي المؤمنين الذين قالوا كما قال يونس وهو في بطن الحوت.
فتوجه إلى الله بالدعاء وبالأعمال الصالحة، وقو ثقتك به تجده خير مسؤول، وهو وحده الذي عنده الفرج من كل الأمور، وهو الذي يأتي بالحل.
وأما مثل هذه الخرافات فلا ينبغي للعاقل أن يشغل نفسه بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(9/292)
أيهما يقدم حضور الوليمة أم الدرس العلمي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ دعيت من طرف شخص لوليمة الزواج وفي نفس وقت الوليمة هناك درس بالمسجد وأحب أن أحضره للاستماع إليه، فمن أقدم يا شيخ إجابة الدعوة أم الحضور إلى الدرس العلمي؟ وبارك الله فيكم وفي علمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإجابة دعوة الوليمة واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها. رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد. وفي لفظ للبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: ومن لم يأت الدعوة فقد عص الله ورسوله ...
وحضور الدرس في المسجد وإن كان فيه خير كثير وأجر عظيم فإنه إن لم يتعين وسيلة إلى تعلم فرض عيني فسيبقى أمراً مستحباً، وليس واجباً، فإن استطعت أن تجمع بين إجابة الدعوة وحضور الدرس بعد ذلك فهذا أحسن، وإن لم تتمكن فأجب الدعوة لأنها واجبة، والواجب مقدم على المستحب وانظر للفائدة الفتوى رقم: 39752.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(9/293)
كيف يضبط الفتى شهوته الجامحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مراهق في الرابعة عشر من عمري، كيف أشبع رغبتي الجنسية، أفيدوني أرجوكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك بالزواج فإنه الطريق الشرعي لما تريد، فإن لم تستطع فعليك بالصوم، فإنه يضعف الشهوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.
ونوصيك يا أخي أن تجتنب الأسباب المهيجة للشهوة، من النظر المحرم إلى الصور، والأفلام الهابطة أو الخليعة، ومما يهيج الشهوة أيضاً الاستماع إلى الأغاني، واشغل وقتك بالعمل النافع، لا تدع للشيطان وقتاً يشغلك فيه بالمعاصي، أكثر من تلاوة القرآن، ومطالعة سير الصالحين، فإن ذلك مما يرفع الهمة، ويقوي العزيمة، ونوصيك أيضاً أن تجالس الصالحين، وأن تخالطهم، وأن تجتنب مجالسة الذين يبعدونك عن الله تعالى، إذا فعلت ما سبق فنحن إن شاء الله تعالى على ثقة أن الله تعالى سيوفقك للخير، وسيسهل لك أمورك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(9/294)
الهرب من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أترك البيت وأهرب إن كانت حياتي جحيما لا تطاق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكننا أن نرشدك إلى البقاء أو الهرب حتى نعرف ما الذي جعلك تصف بقاءك في البيت بما ذكرت.
وعموماً نقول إن كان والداك أو أحدهما على قيد الحياة فاستمرارك في العيش معهما، ورعاية مصالحهما، أفضل إلا إذا خشيت على دينك لفساد الأسرة مثلاً فلك في هذه الحالة أن تخرج من البيت فراراً بدينك، وانظر الفتوى رقم: 68215.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(9/295)
الموازنة بين القيام بحقوق الله والنفس والأهل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ترك أولاده بداعي الخروج والدعوة حيث إن أقل مدة يترك فيها أولاده وزوجه ثلاثة أيام مع العلم -ما هي الأعباء التي تعانيها الأم من ذلك وما يترتب عليه من متابعة أولاده.
كما أود السؤال في نفس السياق من حيث إن هذا الشخص لم يسجل أولاده ولا بناته في مدارس معتمدة مما يترتب عليهم مستقبلا ما يلي:
1- عدم اختلاط الأولاد أو البنات مع أقرانهم مما يحدث لديهم فراغا.
2- عندما يكبر هذا الصغير كيف ستكون معاملته لوالديه الذين حرماه من الدراسة التي يمكن من خلالها أن يصبح مهندسا أو طبيبا أو صيدلانيا أو حتى مهنيا ... الخ.
3- عندما يكبر هذا الصغير كيف سيتعامل مع الجو المحيط له والتعرف على طباع الناس المختلفة ليتسنى له معرفة نوعيات الناس.
4- في نفس السياق " ما هو صحة قول إن كل شيء ممنوع مرغوب" وهل هذا ينطبق على هذه الحالة بحيث إن هذا الابن الذي كان محروما من مخالطة أقرانة سيضطر عندما يكبر إلى التعرف على كل شيء كان ممنوعا عنه إما بالمعرفة أو بفعله.
والله أعلم بما سيكون عليه هؤلاء الأبناء
ولكن ألا توافقني الرأي على أن هذا الأمر من الممكن أن يحدث في غياب الأب وعدم رعايته لأولاده.
وأرجو أن توضحوا لي ما هو موقف قريب هذا الشخص لتنبيهه إذا كان تصرفه خطأ وما هي الطريقة لذلك.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى سابقة أهمية الموازنة بين القيام بحقوق الله وحق النفس والأهل، ومسؤولية الأب تجاه ولده ورعايتهم ووقايتهم من النار، ووجوب بر الوالدين مهما كان حال الولدين، وفضل إعانة المرأة زوجها على القيام بأمر دينه. فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 23908، 76972، 34846، 28275، 65931، 43604، 67063، 52011، 73825، 68992، 53161، 37729، 58162، 16429، 73465، 70105.
وأما مقولة كل ممنوع مرغوب: فلا نعلم ما يدل على صحتها، ولا يسوغ أن يبني عليها شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1428(9/296)
ما يلزم من وعد بعدم أخذ أرباح ثم عاد فأخذها
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتركت مع أحد في شراء منزل بالأقساط.. لم نكمل الأقساط لظروف.. تدهور وضع شريكي المالي وأُدخل السجن.. تدخل عمي ليشتري منا المنزل لإنقاذ شريكي من السجن.. قلت لهم إن تمت عملية الشراء لن أطالب بربح من أجل المساهمة في إنقاذ شريكي.. لم تتم العملية إلا بعد فترة.. خلال تلك الفترة ساءت العلاقة بيني وبين شريكي وساء وضعي المادي نسبياً.. عندما قسم المبلغ بيننا أعطوني حصتي كاملة بما فيها الأرباح.. لم أقل لهم إنني وعدت مسبقاً بعدم أخذ الأرباح.. وربما من قسموها لم يعلموا بتصريحي أو لم يأخذوه مأخذ الجد.. هل علي ذنب في تغيير رأيي وأخذي لنصيبي في الأرباح، وهل يتوجب علي ردها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يوحي به قولك (إن تمت عملية الشراء فلن أطالب بربح من أجل المساهمة في إنقاذ شريكي) ، وكذا بقية معطيات السؤال الأخرى، هو أنك تعد بذلك، لا أنك تلتزم به، وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن الوفاء بالوعد مستحب لا واجب، وأن من ترك الوفاء به فلا إثم عليه، لكن يكون قد ارتكب مكروهاً كراهة تنزيهية.
وبناء عليه فالأحسن لك والأفضل عند الله هو أن تفي بما وعدت به، وأن لا يحملنك الشيطان على تفويت هذا الأجر الكثير بسبب ما حصل بينك وبين شريكك من سوء العلاقة، ولكنك إذا لم ترد الوفاء به فلا إثم عليك فيما أخذته من الأرباح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1428(9/297)
الدخول على البريد الخاص لموظف يشك أنه يسرق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل فى مكتب للشحن وهناك ناس تقوم بعمل شغل لحسابها من خارج المكتب وفلوس تؤخذ من المكتب بدون معرفة صاحب العمل، فأنا طُلب مني الدخول على إيميل الشخص الذي يشك فى أنه يساعد فى القيام بهذه العمليات، فهل هذا حلال طالما أن هدفه إصلاح وضع خاطىء، أم لا، وأنا أريد معرفة رأي الدين فى ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هناك قرائن قوية وأمارات ظاهرة على أن هذا الشخص الذي يشك فيه هو من يساعد في القيام بتلك العمليات، ولا يمكن معرفة المتورط فيها وإيقافها إلا بالدخول على الإيميل الخاص به، فلا حرج في ذلك، وراجعي للتفصيل الفتوى رقم: 15454، والفتوى رقم: 18121، والفتوى رقم: 30115، والفتوى رقم: 32685.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(9/298)
الموقف ممن غصب حق غيره من الورثة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في الذي يغتصب أكبر قدر من الورث ووضع يده بالقوة عليه ثم يكتبه لبناته وللأسف الشديد غصب علي أن أكون شاهدا وإلا حرمني وأنا أخوه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرأينا أن يُذَكّر الغاصب بالله تعالى وبأليم عقابه، وأنه يجب عليه أن يرد الإرث إلى مستحقيه، فإن استجاب فبها ونعمت، وإن أصر على الغصب فليرفع أمره إلى المحاكم الشرعية لتتولى ردعه ونزع حق الغير منه، ولا يجوز لك أن تشهد على تمليك الغاصب المال المغصوب لبناته أو غيرهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإني لا أشهد على جور. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 21337، والفتوى رقم: 72854.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(9/299)
السكن مع كافر يقيم معبدا في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني طالب أدرس بالهند وأعيش مع رجل غير مسلم في نفس البيت ويوجد في البيت معبد في حجرة منفصلة مخصصة لتعبده هل يجوز أن أبقى في البيت أم لا مع العلم أنني مقتدر أن أؤجر سكنا آخر؟
أفيدوني وفقكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب أن السكن مع هذا الكافر قد لا يخلو من محاذير شرعية، فلذلك ينبغي أن تبحث عن مكان آخر للسكن فيه، خاصة وقد ذكرت قدرتك على تحصيل هذا السكن. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 10327، 21686.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(9/300)
إضفاء ألقاب المديح على مشاهير القراء الذين رحلوا
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الألقاب الحميدة بعد وفاة الملقب، حيث إنني وأثناء تجوالي في الإنترنت شاهدت الكثير يطلقون ألقابا حميدة على مشاهير أموات المسلمين فمثلا، الراحل الشيخ عبد الباسط وجدت الكثير يطلقون علية لقب الحنجرة الذهبية ولقب آخر الذهب الخالص, والشيخ محمد الليثي مثلاً قيثارة السماء, وألقاب أخرى لمشاهير مسلمين ماتوا ولم يلقبوا أنفسهم بهذه الألقاب ولم يعرفوا هذه الألقاب في حياتهم لكي نعلم إن كانت سترضيهم أم لا، فما حكم الإسلام في هذا النوع من الألقاب؟ شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج في إطلاق مثل هذه الألقاب على هؤلاء القراء، لأنها من الألقاب التي يقصد بها الثناء، وتطلق على سبيل المدح، ولا إشكال في إطلاق لفظ القيثارة، وهي آلة عزف، على الصوت الندي، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود. لحسن صوته بالقرآن، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(9/301)
من كرم الخلق التغاضي عن هفوات الأصدقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أخاف الله ولذا أريد فتواكم......
أنا أعمل في المجال الطبي وكنت أستعد لدخول لجنة للترقي أنا واثنتان من زميلاتي (صديقاتي) ... وكنا نحن الثلاثة متعاونات في كل شيء ويشير بعض على بعض في كل صغيرة وكبيرة في الخطوات المفروض اتخاذها استعدادا لدخول لجنة الترقي ... وفجأة وبدون أن نعلم إذا بواحدة منا تنفصل عنا وتكمل طريقها وتسبقنا في الإجراءات بدون أن تخبرنا بل تحجب المعلومات عنا..... وكنا "قدرا" نعرف كل خطواتها أولا بأول....... وفعلا سبقتنا وتقدمت علينا...... وليس هذا هو مربط الفرس ولكننا شعرنا بنوع من الغدر والخيانة منها تجاهنا.... وكل من عرف من زملائنا ما فعلته معنا أشار علينا بقطع صلتنا بها تماما ولا نتكلم معها أبدا وخاصة أنها قلبت الحق باطلا عندما واجهناها (بشهادة الشهود) ..... وإلا كنا كمن يفرط في كرامته وحقه.... حيث إنها لم تأخذ في اعتبارها أي حق من حقوق الصداقة التي كانت بيننا.... وهى تعمل معنا في نفس المكان بل في نفس الحجرة ... وحالي مع الله " أن هذا أمر دنيوي ولكني عندما كنت أمر بأمر مثل ذلك أحتسبه عند الله وأكتمه في نفسي وأتعامل مع من آذاني بما يرضى الله ورسوله وأحتمله وحدي..... أما هذه المرة حدث الموقف على رؤوس الأشهاد وإذا تسامحت مع هذه الزميلة سأكون أنا مناط العتاب واللوم لتفريطي في حقي.... بل سأنزل من نظر كثير من زملائنا الملتزم منهم وغير الملتزم................... كيف أتصرف وخاصة أن غضبى أنا الشخصي من هذه الزميلة ليس شديدا ويمكن أن في لحظة للتصافي بيننا إذا حدث ذلك........... لأن هذه كلها أمور دنيا والرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لأمر في الدنيا ولكن كان يغضب وهو سيدنا وحبيبنا وقدوتنا.
أعتذر عن الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم يحسن به أن يكون حريصا على التعاون مع إخوانه في تحقيق مصالحهم، وأن يحب لهم الخير كما يحبه لنفسه، وأن يؤثرهم على نفسه إن أمكنه ذلك، وأن يتعامل معهم على أنهم جسد واحد.
ففي الحديث: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. متفق عليه.
وفي الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه.
وأما إذا حصل من هذه الزميلة عمل مساع خاصة بنفسها لتحقيق ترقيها فننصحكن بالصبر وبالاستعانة بالله تعالى أن يعطيكن تحقيق طموحاتكن، وأن يهبكن أفضل فهو المجيب الدعاء الواسع العطاء، وقابلن تصرف الزميلة بالإحسان والتغاضي عن هفواتها، وحاولن بذل الوسع في استدراك ما فاتكن، وأكثرن من الدعاء المأثور الذي رواه الترمذي: اللهم مارزقتني مما أحب فاجعله قوة فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب.
وأما عتاب الناس لكن على الصبر وعدم المشادة مع الزميلة فلا يلتفت إليه، ولاسيما إذا كانت الصديقة لم تعتد على حق لغيرها، وإنما سعت هي مساعي وحدها لتحقيق مصلحتها. وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 64724، 74817، 63172، 35462، 49966.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1428(9/302)
التحدث بالنعمة على سبيل الشكر وترك ذلك خشية الحسد
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الحمد لله الذي لا إله إلا هو وبعد: شيخ-حفظك الله- إني أحبك في الله وأسأل الله رب العرش أن يظللنا بظلة عرشه يوم لا ظل إلا ظله لهذه المحبة.س: إذا أحسست بألم شديد ثم دعوت بدعوة التي من السنة (بسم الله ثلاث مرات إلخ) وبإذن الله سبحانه وتعالى ذهب الألم كله حين لفظت اللفظة الأخيرة.هل أذكر هذه القصة لكل المسلمين لقوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث, أو هل أتبع نفس الطريق, على حسب ما علمته, للرؤيا الصالحة وأنه لا أحدث بها إلا لمن أثق أنه ليس عنده حسد. أنا كنت مرارا أدعو الله أن يجعلني من الموقنين وهو ربنا لا إله إلا هو. أيضا هل يجوز الدعاء لطلب شيء خارق للعادة مثل الرجل يريد الكفاية بأقل من النوم والأكل والشراب لكي لا تشغله هذه الأمور كثيرا؟ أريد أن يباركني الله في جميع أعمالي
وفقكم الله للحق إنه على ذلك لقدير وصلى الله على نبينا محمد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يبارك فيك، ويحبك كما أحببتنا فيه، وقول الله تبارك وتعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى:11} ، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء. فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره.
قال ابن العربي: إذا أصبت خيرا أو علمت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعا: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ...
فهذا هو الأصل أن يتحدث المسلم بنعم الله تعالى عليه إلا إذا كان يخشى حسدا أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعا للضرر.
قال العلماء: والأصل في ذلك قول الله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف:5} . وإن كان الأصل إظهارها والتحدث بها كما أمر الله تعالى.
وأما دعاء الرجل بأن تحصل له الكفاية بالقليل من النوم والأكل والشراب لكي لا تشغله هذه الأمور كثيرا ... فالظاهر أنه لا حرج فيه؛ لأن الدعاء مأمور به على كل وجه ما لم يكن بإثم أو قطيعة رحم. فقد قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60} . وقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ. {الأعراف:55} . وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] .
وفي الحديث الشريف: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع. رواه أبو يعلى. وفي الحديث أيضا: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
ولكن لتعلم أن النوم والأكل والشرب إذا لم يكن فيها اعتداء، وأخذ المرء منه ما قدر له بنية أداء الواجب والتقوي على العبادة كانت في حقه عبادة.
وراجع الفتوى رقم: 4476، والفتوى رقم: 24782.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1428(9/303)
الأدب مع الله واجب متحتم على المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا ليس سؤالا ولكنه أمر مهم جدا جدا وخطير
أن أرسلت سؤالا أتسخط فيه من حالتي وأتذمر فيه من الله وفيه ألفاظ لا تليق بالجلالة عموما هو سؤال قليل الأدب مع الله.
اعلموا يا إخواني أني لست دائما هكذا ولست راضيا عما فعلت ولو عاودت الكرة ما فعلتها ولكني كنت أمر بظروف صعبة جدا فوق طاقة الاحتمال ولا زلت وكثيرا ما أكتب إليكم لأنها طريقتي الوحيدة للتنفيس فأنا أبحث بيأس عن أي أمل كما يقول المثل الغريق يتعلق بقشة فأنا فعلا غريق وأملي كبير أن يكون الله متفهما
أنا لا أرتاح وأنا أعلم أن ثمة أثرا لما فعلته لذا أطلب منكم أن تمحو هذا السؤال من موقعكم كأنه لم يكن فهذا مهم جدا لي ولن أرتاح قبل ذلك
يا ترى هل تفعلون؟
إن لم تفعلوا لا أملك إلا الشكوى لله ولا حول ولا قوة إلا بالله
وهذا رقم الفتوى 73815
وهذا هو السؤال:
هذا الرب الذي تتكلمون عنه كلكم لا أعرفه ولم أر منه شيئاً غير الاحتقار والإهمال، أعيش حياة الكلاب منذ 31 سنة، رماني وسط حمقى جاهلين عفنين وأعطاني حياة كلها ألم ودموع واعتداءات حطمني مدى الحياة ولم يعطني لا حياة عائلية طبيعية ولا شخصاً يشفق علي ويساعدني ويعلمني ولا صحة أعول عليها ولا مالاً أستعين به، كنت أظن كالأحمق أن الصبر إذا انتهى ولم يعد أحد يحتمل يأتي الفرج فإذا بي لا أجد إلا الألم رداً على دعائي، كلما ذكرته أو حاولت قراءة القرآن أو الصلاة يشتد بي الألم فأتوقف عندي منذ أكثر من 25 سنة مرض أليم لا أعرف حتى الآن ما هو أهذا هو الإسلام أهذا هو ربكم، لم أكن يوماً لا منافقاً ولا فاجراً ولا زانياً ولا سارقاً ولا كذاباً ولا شريراً، أكره الظلم والفجور وأهله، أما اليوم صرت أقرف من ذكر كلمة الإسلام، منذ سنوات وأنا أحاول تفادي الوقوع في هذا الكلام حتى نفد صبري ولم يساعدني، يراني أقترب شيئاً فشيئاً من الكفر ولا يساعدني حتى وقعت فيه ولم أر منه غير الإهمال، ماذا فعلت أنا لأحد، لم أفعل الكبائر، وكل ما فعلت أنا فيه معذور، نفد صبري وعشت عيشة الكلاب ولم يساعدني أحد في شيء وإنما الكثير دائماً موجودون ليقرفوني في عيشتي أهذا هو ربكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقر بأن في السؤال الذي أرسلته ألفاظا لا تليق بجلال الله وعظمته، وأنه سؤال قليل الأدب مع الله ...
وقلت إنك لست دائما هكذا، ولست راضيا عما فعلت، وأنك لو عاودت الكرة ما فعلتها ...
نقول لك: إذا كنت قد أقررت بجميع هذا فاعلم أن قولك: أملي كبير أن يكون الله متفهما ... هو قول غير أديب مع الله أيضا، ولا يليق.
وأما طلبك منا أن نمحو هذا السؤال من موقعنا فجوابه أن السؤال إذا طرحه صاحبه لم يعد ملكا له، وإنما الحق فيه لجميع من يدخلون هذا الموقع.
ومع هذا، فإننا نحترم رأيك فيه ونستأذنك في أن نتركه فترة من الزمن بحيث يطلع عليه أكبر قدر ممن هم في مثل حالك فيأخذون منه ما يدفع ما ذكروا من شبهات وإذا كنت تصر على حذفه فإننا سنلبي لك هذا الطلب ونسأل الله أن يهدي قلبك ويصرف عنك السوء إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(9/304)
حكم الانتعال قائما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك من حديث نبوي ما يحرم انتعال الحذاء واقفا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائما. رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني.
وهذا النهي محمول على الإرشاد أو الكراهة وليس على التحريم، ومحله إذا كان لبس النعل قائما يشق أو يؤدي إلى السقوط ويختلف ذلك باختلاف الناس وباختلاف النعل نفسه.
ففي عون المعبود شرح سنن أبي داود قال الخطابي: إنما نهى عن لبس النعل قائما لأن لبسهما قاعدا أسهل.اهـ
ويؤيده ما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: انتعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا وشرب قائما وقاعدا، وانفتل عن يمينه وشماله.
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن عليا رضي الله عنه انتعل قائما.
وعلى هذا، فالنهي الوارد في الأحاديث المذكورة ليس للتحريم وإنما هو للإرشاد.
وللفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 44603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(9/305)
تمني فعل الخير ولو كان فاعله كافرا
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسلم سمع برجل نصراني عنده مال كثير فقال لو أن هذا المال معي لأنفقته على الإسلام والمسلمين، فهل يؤجر على نيته؟
أذا سمع المسلم بأناس مسلمين يفعلون الخير وتمنى أن يكون معهم أو يشاركهم في فعل الخير هل يكون له مثل أجرهم بسبب النية الصادقة؟
رجل ذو عبادة كثيرة ولكن عنده بدعة معلومة لدى علماء الأمة، فهل تؤثر على عبادته؟
وهل تكون البدع واحدة عند الله أم يوجد بدع أهون من بدع أخرى وبدعة اخطر من أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما سؤالك عن رجل مسلم سمع برجل نصرانى عنده مال كثير فقال: لو أن هذا المال معى لأنفقته على الإسلام والمسلمين، وسؤالك عن المسلم إذا سمع بأناس يفعلون الخير وتمنى أن يكون معهم أو يشاركهم في فعل الخير، فإن هذين إذا علم الله فيهما صدق النية، فإنه يثيبهما على ذلك. فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر؛ رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء ... الحديث.
وفيما إذا كانت البدع كلها في مستوى واحد أو أنها متفاوتة، فجوابه أن البدع منها ما يصل بصاحبه إلى الكفر، والعياذ بالله. وليس من شك في أن الكفر أعظم عند الله من جميع المعاصي.
وفيما إذا كانت البدعة تؤثر على عبادة صاحب العبادة الكثيرة، فالجواب أن البدعة إذا كانت تصل بصاحبها إلى الكفر، فإن أي عبادة يفعلها لا تنفعه؛ لأن الكفر لا يغفر. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. [النساء: 48] .
وإذا كانت دون الكفر، ولم يتب منها صاحبها قبل الموت، فإنه يبقى في مشيئة الله، يمكن أن تغفر له بدعته، ويمكن أن لا تغفر له.
وعلى أية حال، فإذا لم تكن تلك البدعة مكفرة ولم تكن مصاحبة بجميع عبادته فإنه منتفع بما سلم من عباداته واستوفى شروط الصحة والقبول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1428(9/306)
حكم استعمال فرشاة الأسنان المشتملة على الفضة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال فرشاة أسنان تحتوي على الفضة حيث يقولون إن فيها فائدة للأسنان؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هناك حاجة لاستعمال الفرشاة المذكورة مثل العلاج بها فلا بأس باستعمالها لذلك، ولا سيما إذا كان ما تحتوي عليه من الفضة يسيراً، قال ابن قدامة في المغني: وتباح الفضة في الإناء وما أشبهها، للحاجة، ونعني بالحاجة أنه ينتفع بها في ذلك، وإن قام غيرها مقامها. وفي صحيح البخاري عن أنس: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. وقال القاضي: يباح اليسير، وإن لم يكن لحاجة، وإنما كره أحمد الحلقة في الإناء، لأنها تستعمل. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ويباح الاكتحال بميل الذهب والفضة، لأنها حاجة، ويباحان لها، قاله أبو المعالي. انتهى.
وأما إذا لم تدع إلى استعمالها حاجة فلا يجوز استعمالها إن كانت فضة خالصه، أما إذا كانت مطلية بها، فينبغي تجنبها خروجاً من الخلاف في جواز استعمال المطلي بأحد النقدين أوالمخلوط بهما، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 72200، إلا إذا دعت الحاجة إلى استعمالها كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1428(9/307)
القصد في الإنفاق في المأكل والمشرب والملبس
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وجزاكم الله عنا خيرا كثيرا على هذه الفتاوى القيمة. أما سؤالي فهو كالتالي؛ أنا فتاة متزوجة وأستعد الآن لنحتفل أنا وزوجي بليلة الدخلة، ولكنني اشتريت فستانا غالي الثمن والآن أعاتب نفسي على ذلك. فأرجو منكم أن تفيدوني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أنه ينبغي للمسلم سلوك سبيل القصد في إنفاقه في المأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك من أمور حياته عملا بالمنهج الرباني الوارد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا] {الفرقان:67} وقد يختلف تحديد القصد من شخص لآخر حسب غناه وفقره، ويختلف تبعا لذلك ما إذا كان مسرفا أم لا، فإن كنت ميسورة الحال فنرجو أن لا يعد ذلك منك إسرافا، ففي مثل هذه الحالة ينبغي للمرأة أن تتجمل فيها بما أمكن. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 1945.
وننبه إلى الحذر مما قد يقع من بعض النساء من الظهور أمام الرجال الأجانب بفستان الزفاف والذي لا يراعى فيه الستر والحشمة في الغالب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1428(9/308)
إسداء النصيحة للصديق المدخن والدراسة في الجامعة المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم لدي صديق مدخن ولا يحافظ على الصلاة في الوقت ووجدت في موقع إحدى الجامعات في مكة (العربية السعودية) أن الطالب الأجنبي يمكنه تقديم ملف ترشيح للدراسة في إحدى التخصصات الذي يشبه تخصص صديقي، ولكني متردد في إخباره بذلك أم لا، فتارة أقول إن هذا في مصلحته عساه يصلح أمره، وتارة أقول إني بهذا أساعده على تلويث هواء مكة، وربما اقتدى به آخرون هناك.
أرشدوني من فضلكم، (ومعذرة عن كثرة أسئلتي) ؟
ملاحظة:
أخوكم يدرس في جامعة مختلطة، وحاولت مراراً الدراسة في بلاد لا اختلاط في جامعتها مثل العربية السعودية ولكنهم يرفضون قبول ترشيحي في تخصصي (الطب) ، بينما المعاهد الخصوصية تفرض رسوما ولا تعطي منحا ولا سكنا فأفيدوني إن أمكن عبر بريدي الالكتروني وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أولاً أن تنصح صديقك هذا بالمحافظة على الصلاة في وقتها، والابتعاد عن التدخين لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم.
فإن تبين لك عدم إفادة النصح فيه فالواجب أن تهجره تأديباً له، فإن لم يفد ذلك فلا خير لك في صحبته، بل عليك أن تبتعد عن صحبته ومجالسته لما يترتب على ذلك من مخاطر وأضرار.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنه ينبغي مراعاة ما يغلب على الظن مما سيكون عليه حاله إذا التحق بتلك الجامعة. فإن ترجح عندك أنه سيرعوي ويثوب إلى رشده ويتأثر بما سيكون عليه الحال في تلك البلاد المقدسة فإن إخباره بالأمر يكون ـ حينئذ ـ من باب دعوته ونصحه. وإن غلب على ظنك الجانب الآخر فلا داعي إلى إخباره، لما قد يجلب لذلك البلد من الضرر.
وفي موضوع الجامعة المختلطة، فإذا كنت مضطرا إلى الدراسة فيها فالواجب أن تتقي الله تعالى وتحافظ على دينك بغض البصر والبعد عن مواطن الفتنة قدر استطاعتك، وأن تتخذ لك رفقة صالحة خيرة تجتمع بهم وتتعاون معهم على الخير، وإذا استطعت أن تتزوج وأنت ما زلت طالباً كان ذلك من أحسن ما تصون به نفسك، وعليك أن تكثر من ذكر الله تعالى، وسؤاله التثبيت، وصرف قلبك إلى طاعته. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1428(9/309)
ما يفعل المسلم عند الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله تعالى كل خير.. سؤالي هو: الملائكة تصافح المؤمن كما أظن، فهل إذا شعر الإنسان أن أحدا قبله عند وقت الأذان ليصحو فما تفسير ذلك؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا ما يمكن الجزم به في تفسير هذا الأمر، إلا أنا ننصح بالحفاظ على طاعة الله في كل حال والاعتناء بالأذكار المقيدة والمطلقة، والقيام عند وقت الآذان بترديد قول المؤذن، والدعاء أثناء الأذان وبعده، لأن هذين الوقتين من أوقات استجابة الدعاء، ففي الحديث: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وفي الحديث: إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء. رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الألباني.
بقي أن ننبه إلى أن كون الملائكة تصافح المؤمن أمر يحتاج إلى دليل من الوحي، ولا نعلم دليلا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1428(9/310)
حق الصحبة وزواج الصاحب من أخت صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لدي صديق مقرب لي جدا ولكن لديه أخت أصغر مني بسنة واحدة وأنا لا أدري كيف أصبحت أحبها وأظن أنها تحبني وأنا الآن مقاطع هذا ولكن لم أتكلم مع أخته أي كلمة:
1-ماذا أفعل مع صديقي؟
2- ماذا أفعل مع أخته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك تجاه صاحبك أن ترعى حق صحبته، فتكون عونا له على فعل الخير وترك الشر، تذكره بالله إذا نسي، وتعلمه إذا جهل، ومما يجب عليك تجاهه أن تحفظ حرمته وتصون عرضه.
وأما أخته فهي أجنبية عنك فلا يجوز لك الخلوة بها ولا الحديث معها، وإن رغبت في نكاحها وكانت صالحة فتوجه إلى ولي أمرها واطلبها زوجة، وإن كان لك نصيب فيها فسيتم الأمر إن شاء الله، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1428(9/311)
أمور تساعد على تخفيف غلواء الشهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 32 سنة ولم أتزوج بعد ... في الفترة القريبة الماضية بدأت أشعر بأن الغرائز تتحرك كثيراً بداخلي خصوصاً في فترة الدورة الشهرية وفي هذه الفترة لا أستطيع الصلاة ولا قراءة القرآن وهذا يتعبني كثيراً وفي كثيراً من الأحيان لا أستطيع كبح نفسي ولا أعرف ماذا أفعل؟
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بالأمور التالية:
1ـ الاعتدال في الأكل والشرب، وتجنب المأكولات المنشطة حتى لا تثور الشهوة، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أوصى بالصيام في الحديث الصحيح؛ لأن قلة الطعام تكبح جماح الشهوة.
2ـ البعد عن كل ما يهيج الشهوة كالاستماع إلى الأغاني الماجنة والنظر إلى الصور الخليعة.
3ـ صحبة الخيرات الصالحات.
4ـ الانشغال بالعبادة الممكنة لك في حال الحيض كالذكر والدعاء وقراءة كتب العلم النافعة والعمل المشروع، وعدم الاسترسال مع الأفكار الداعية إلى الجنس.
5ـ عدم الرفاهية بالملابس الناعمة والروائح الخاصة التي تفنن فيها من يهمهم إثارة الغرائز وتهييجها.
6ـ عدم النوم في فراش وثير.
7ـ حفظ البصر والبعد عن الاجتماعات المختلطة التي تظهر فيها المفاتن ولا تراعي الحدود.
8ـ الدعاء بصدق وإخلاص في أن يمن الله عليك بالعفة والتغلب على الشهوة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(9/312)
حكم التعامل مع من ولد لأبوين مسلمين ويقول إنه ملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في إنسان قال إنه ملحد من أب وأم مسلمين حتى قال على سبيل الفذلكة وهل يكلمه المسلم ويتعامل معه ويناقشه في أمور الدنيا والسياسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الإنسان على خطر عظيم، وحكمه أنه كافر إن كان انشرح صدره للكفر، ويتعين السعي في هدايته وإقناعه بضرورة التمسك بالإسلام وخطورة الإلحاد، وأما الكلام معه والتعامل معه في حدود الشرع فهو جائز لأن الكافر الأصلي يجوز الكلام والتعامل معه في حدود الشرع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1428(9/313)
هل يدعو المظلوم على ظالمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صيدلانية لي صيدلية ساعدت أحد الأطباء لفتح عيادة للعمل معا ولكنه جلب أخاه الصيدلي وفتح صيدلية وبدأ عملي يقل يوما بعد يوم وأنا أراقب عملهم لأنهم أمامي وأحيانا أقول كلمات غير لائقة في نفسي كان أقول الله يقطع رزقكم كما قطعتم رزقي كما طعنتموني من الخلف أرجو نصيحتي لأنني أتعذب وأحيانا أفكر في الانتقام وأنا أصلي ومحجبة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148}
قال أهل التفسير: لا يجوز لأحد أن يدعو على أحد إلا أن يكون مظلوما.. فإن الله تعالى رخص له أن يدعو على من ظلمه بقدر مظلمته، وإن صبر وعفا فهو خير له كما في قول الله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {الشُّورى:41-43}
ولذلك؛ فإذا كان هذا الطبيب وأعوانه قد ظلموك بالفعل وأنت لم تبيني كيفية ذلك فإنه يجوز لك الدعاء عليهم بقدر ظلمهم، كما يحق لك أن ترفعي عليهم دعوى إذا كان لك حق - يقتضي ذلك- عند القاضي حتى يأخذ لك بحقك. ولو فرضنا أنهم ظلموك فالاولى أن تصبري وتصرفي دعاءك فيما ينفعك، وأن يرزقك الله خيرا مما عندهم.
فالرزق بيد الله تعالى، ولا يستطيع أحد أن يقطعه، وعلى المسلم أن يتقي الله تعالى، ويجمل في الطلب، ويتخذ الأسباب المشروعة للحصول على رزقه، ولينظر إلى من دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه، فهو أجدر ألا يزدري نعمة الله عليه، وتحمدي الله على نعمة المحافظة على الصلاة والحجاب ولا ريب أن التزام المسلم بدينه وإقامته للصلاة يمنعه من ظلم الآخرين والمكر بهم.
فقد قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت: 45}
نسأل الله لنا ولك التوفيق وصلاح الحال.
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتاوى: 20322، 21067، 5557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1427(9/314)
دفاع المرء عن نفسه ورد مقالة السوء عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر ثلاثين سنة، تقدم لخطبتي منذ ثلاث سنوات شاب من العائلة يصلي وافقت عليه ووافقت عليه العائلة، واستمرت خطبتنا مدة ستة أشهر انتهت بفسخ الخطوبة من طرفي، لقد كنت في فترة خطوبتي غير متحجبة وقد من الله علي في تلك الفترة وهداني ففكرت بالحجاب لكن كان هذا الشاب رافضا لارتدائي الحجاب فهو يريدني أن أتزين وأتبرج فرأيت أن زواجي منه سيخسرني لذة القرب من الله وتطبيق شرعه، فكانت ردة فعله أنه قولني كلاما لم أقله ولم تشأ العائلة البعيدة أن تطلعني عليه، لقد نشره عليهم، وهذا الكلام الذي قولني إياه هو كلام سيء وغير صحيح لم أتفوه به.
باختصار لقد أساء إلي وظلمني وأثر في معنويا، ... ومرت السنوات وقد فكر في التقدم لخطبتي ابن خالتي وقد فاتح خالتي في موضوع التقدم لخطبتي (هويتيم الأم) ، لكن بقيت تلك الأقاويل الزائفة ترن في أذنه فكان شديد التردد، هولا يعلم بأني على علم بمشروع خطبته لي وقالت لي خالتي إنه قال لها أنه خائف من أنه بعد الزواج يرى مني ما لا يرضيه فيضطر لتحملي نظرا لصلة الدم التي بيننا، هذا من ناحية ومن ناحية أخري هو يظن أنني صعبة المعاشرة لكن أنا بفضل الله والحمد لله لست سيئة وأعلم جيدا حق الزوج وطاعته وكنت أحلم بالاستقرار وإسعاده لكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقد خطب ابن خالتي فتاة أخرى غير متحجبة وقد أثر ذلك في نفسي كثيرا.
أنا حزينة لعدم زواجي به لكن المهم في كل هذا أنني لم أستطع نسيان الخطبة الأولى الفاشلة ولا فشل الخطبة قبل وقوعها وسبب كل ذلك الأقاويل التي قولني إياها الخاطب السابق، أنا لا أسامحه ولن أسامحه بسبب هذا الضرر الكبير والعميق في نفسي وكلما تذكرت دعوت عليه.
ابن خالتي لا يعلم أنني أعلم بمشرع خطبته لي فهل أعلمه أنني على علم وأنه كان مخطئا في حقي وأنني لست كما يظن وأدافع عن نفسي؟
وهل أجتمع بالعائلة لأدافع عن نفسي أمامهم وأعلمهم بأن هذه الأقاويل افتراء وبهتان أم أصبر وأحتسب أجري عند الله وأتركهم ليظنوا بي سوءا؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما قام به هذا الشاب لا شك أنه ظلم وقد حرم الله الظلم وتوعد الظالمين، فتأكدي من أن الله لن يضيع حقك، فدعوة المظلوم مُستجابة، ولقد وعد الله بنصر صاحبها، حيث قال في الحديث القدسي: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. متفق عليه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.
ولا حرج عليك في أن تذبي عن عرضك وتدافعي عن نفسك وتبعدي قالة السوء وظن السوء عن نفسك، سواء أمام أهلك أو ابن خالتك من غير ريبة، بل هذا هو الواجب، فقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان معتكفاً في المسجد، فجاءته زوجته صفية –رضي الله عنها– وجلست تحادثه ساعة، فلما أرادت الانصراف، وذلك في ظلمة الليل، قام النبي صلى الله عليه وسلم ليوصلها إلى البيت، فرآه اثنان من الأنصار رضي الله عنهم، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المرأة، انقلبا راجعين، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما -يعني تمهلا - إنها صفية أي إن المرأة التي معي في الظلام هي أم المؤمنين صفية، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم.
فهذا الحديث يبين كيف ينبغي للمسلم أن يحفظ نفسه ويدفع عنها التهمة، فإن النبي –صلى الله عليه سلم– قد بين للصاحبيين –رضي الله عنهما– أن هذه المرأة التي يقف ويسير معها هي زوجته؛ وذلك لئلا يخطر في بالهما سوء، مع أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معصوم من ذلك، ثم بين صلوات الله وسلامه عليه أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.
فعليك بالاستعانة بالله والتوكل عليه، ودعائه تبارك وتعالى أن ينشر عنك ما هو خير، وأن يسترك مما هو شر وسوء، وكذلك حاولي أن تكوني واضحةً في عامة أفعالك وأقوالك، وتجنبي الغموض الذي يوقع في الريبة والشك.
ولا حرج في ذكر محاسن النفس للحاجة قال النووي رحمه الله في الأذكار: اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربان: مذموم ومحبوب، فالمذمومُ أن يذكرَه للافتخار وإظهار الارتفاع والتميّز على الأقران وشبه ذلك، والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحة دينية وذلك بأن يكون آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر أو ناصحاً أو مشيراً بمصلحة أو معلماً أو مؤدباً أو واعظاً أو مذكِّراً أو مُصلحاً بين اثنين أو يَدفعُ عن نفسه شرّاً أو نحو ذلك فيذكر محاسنَه ناوياً بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره.. وقد جاء في هذا لهذا المعنى ما لا يحصى من النصوص كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم " أنا النَّبِي لا كَذِبْ " " أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم " " أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ " (أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ " " إني أبِيتُ عنْدَ ربي " وأشباهه كثيرة، وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ذو الحجة 1427(9/315)
حكم ترك المسائل المختلف عليها تجنبا للفتنة والاختلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مطوية حول جزئيات الصلاة مدعمة بالصور وأنوي نشرها ابتغاء الأجر والإفادة لكني ترددت قليلا واختلفت مع بعض الإخوة لأنها تشتمل على بعض التفاصيل التي تخالف المذهب عندنا وأخاف إحداث فتنة وبالتحديد خلافنا كان حول القبض بعد الرفع من الركوع والتي ورد في المطوية أنه هو السنة فأنا أعلم أن قول الجمهور هو مخالف لهذا حتى أن الألباني قال عنه إنه بدعة واتفقنا على استشارتكم أولا فما رأيكم هل ننشر المطوية كما هي أم ندخل عليها بعض التحويرات طبعا دون المساس بما هو ثابت في السنة وذلك لاتقاء ما يمكن أن تثيره من فتنة خاصة عند بعض المتعصبين للمذهب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بتعديل المطوية وإزالة ما هو محل خلاف بين العلماء ولا يدعمه دليل قوي واضح، وخاصة إذا كان بنشرها فيها قد يؤدي إلى إحداث بلبلة وجدل، وكان نشرها بعد التعديل سيؤدي إلى تصحيح أخطاء الناس في الصلاة، ولا شك أن مسألة القبض بعد الركوع محل خلاف والأمر فيها واسع، ولا ينبغي أن تكون هذه المسألة حاجزا يمنع نشر ما في المطوية من خير. ونسأل الله تعالى أن يثيبكم خيرا جزاء الخير الذي تقدمونه للناس ونحثكم على الاستمرار في نشر السنة، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 39522، حول ترك سنة من أجل تأليف قلوب الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1427(9/316)
غير المحتاج لا ينبغي عليه أن يضيق على الأشد حاجة منه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي وأنا متزوجة ولدى زوجي شقة تمليك أن أقدم في إسكان مبارك القومي تأمينا لي أم ذلك سوف يكون على حساب شباب أكثر احتياجا مني لتلك الشقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عرفناه عن ما يعرف بمشروع مبارك القومي للإسكان أن الهدف منه هو توفير نصف مليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل والشباب المحتاجين للسكن.
وبما أن الأحق بالاستفادة من هذه الشقق هو الأكثر احتياجا، فالذي نراه –والله أعلم- هو أنك لست محتاجة إليها، لما ذكرته من حالك، وبالتالي فينبغي أن لا تزاحمي من هو أشد احتياجا منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1427(9/317)
آداب معاملة الخادمة الكافرة وما تبديه المسلمة أمامها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي آداب معاملة الخدم وبالأخص إن كانت الخادمة أجنبية ومسيحية أمها مسلمة وأبوها مسيحي ونرجو إسلامها؟ وهل على والدتي التي تبلغ من العمر 72 الحجاب أمامها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم أمك لبس الحجاب "تغطية الوجه والكفين" أمام هذه الخادمة سواء كانت مسلمة أم كافرة، ولكن يختلف الأمر فيما يجوز لها أن تبديه أمام المسلمة عما يجوز لها أن تبديه أمام الكافرة. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 31009، وذكرنا بهذه الفتوى أن الراجح أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تبدي عند الكافرة ما يظهر عند المهنة غالبا كالوجه والرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين، وإذا كان هذا في حق المسلمة ولو كانت شابة فأولى إن كانت عجوزا.
وأما ما يجب التزامه تجاه الخادمة من آداب فهي نفس الآداب التي يجب أن يلتزم بها كل مسلم مع كل من يتعامل معه، وإن كان المتعامل معها رجلا غير محرم لها فيجب عليه أن يعاملها معاملة الأجنبية من عدم جواز النظر إليها أو الخلوة بها ونحو ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 63342، وينبغي الإحسان إلى الخدم عموما كما بينا في الفتوى رقم: 54727، وتراجع في ضوابط استقدام الخادمات الفتوى رقم: 18210.
وننبه هنا إلى أمرين:
الأمر الأول: أن الخادمة إن كانت دون سن البلوغ فيحكم بإسلامها تبعا لأمها، لأن الولد إذا كان صغيرا فإنه يتبع لخير أبويه دينا.
الأمر الثاني: أن زواج المسلمة من الكافر لا يجوز ولو كتابيا، فإن كان زواج هذه المسلمة من هذا الكافر لا يزال قائما فيجب فسخه ولا يجوز لها تمكينه من نفسها، وتراجع الفتوى رقم: 56460.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1427(9/318)
كيفية التعامل مع الخنثى المشكل
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألك يا شيخ هل يجوز لي أن أرافق فتاة تدعي أنها ولد وهي جارتي وقد قالت لبعض شباب حينا أن لها فرج الذكر والأنثى معا والغريب أنه لا يظهر عليها أنها فتاة حيث من رآها لأول مرة ظن أنها ولد كما أنها ترتدي ملابس الرجال وقصت شعرها كما أنها تصلي في المسجد وفي الجناح الخاص بالرجال وقد سمت نفسها أيضا بأحمد واسمها الحقيقي رقية وتهجر من يناديها برقية لكن أمها تناديها ب رقية ودائما تصاحب الشباب وتسهر معهم إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال ما ذكر من أن لهذا الشخص آلة الذكر وآلة الأنثى ولم تغلب فيه إحدى الصفات على الأخرى فهو خنثى مشكل، وقد ذكر أهل العلم أنه يعامل بالأحوط فيعامل في حق الرجال على أنه امرأة ويعامل في حق النساء على أنه رجل كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 28578، وعليه فلا تجوز لك مرافقته أو تمكينه من مخالطة هؤلاء الشباب على وجه تخشى معه الفتنة، وينبغي أن ينصح بمراجعة ذوي الخبرة والثقات من الأطباء ليصفوا له العلاج المناسب ليتبين أمره، وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 68540، والفتوى رقم: 46857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1427(9/319)
حكم إرسال الرسائل الوعظية للقريبات الأجنبيات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إرسال رسائل التذكرة بالله والوعظ إلى أقاربي من النساء أمثال ابنة خالتي وابنة عمتي وابنة عمي وخالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل جواز الخطاب بين الرجال والنساء الأجانب عند الحاجة بشرط عدم الخلوة وأمن الفتنة وعدم الخضوع بالقول، فقد قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً {الأحزاب: 32}
وعلى ذلك، فلا مانع من إرسال الرسائل إذا كان ذلك لحاجة أو نصيحة أو تعليم جاهل أو تنبيه غافل.
وإن كان الأولى ترك ذلك سدا للذريعة حتى لا يجر إلى غيره مما يمنع شرعا، وخاصة إذا كانت الرسائل الإلكترونية أولا يطلع عليها غيرهما أو مما يمكن أن تحصل عليه المرأة عن طريق محارمها أو بالطرق العادية، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ولذلك فإننا لا ننصحك بإرسال الرسائل الخاصة إلى قريباتك الأجنبيات ولو كانت تحمل النصائح والمواعظـ،
ويمكنك أن ترسل لهن الكتب والأشرطة الدينية فهذا أبعد عن الشبه ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 11723.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1427(9/320)
هل يصام أويصلى أو يتلى القرآن عن الحي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ شاب مريض ومنعه الأطباء من الصيام وأنا أعلم أن كفارته إطعام ثلاثين صائما ولكني أريد أن أصوم ثلاثين يوما بدلا منه مع إطعام الصائمين حتى يأخذ ثوابهم فهل يجوز أن أؤدي فروضا عن شخص حي وهل يجوز أن أؤدي الصلاة بدلا عنه أو عن ميت حتى لا يحاسب به، وإذا كان لا ينتظم في الصلاة استهتارا مع علمه بخطئه فما كفارته وما هي الأعمال التي يمكن أن أقوم بها حتى يأخذ ثوابها بدلا مني، فهل يجوز مثلا قراءة القرءان بدلا عنه، وهل يعاقب والدي بذنبه برغم من أنه لا يستطيع ضربه نظرا لحالته الصحية أو تعنيفه كما أمرنا الأطباء لمرضه الشديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان أخوك عاجزا عن الصيام عجزا مؤقتا فله الفطر حتى يستطيع القضاء، وإن كان عجزه مستمرا لا يرجى زواله فله الفطر وعليه الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام الصيام، وهذه الفدية قدرها 750 غراما تقريبا وتكون من غالب طعام أهل البلد وتصرف للفقراء والمساكين، ولا يجزئ أن تصومي نيابة عنه وراجعي الفتوى رقم: 45744، كما لا يجزئ ولا يصح أن تؤدي الصلاة نيابة عنه، بل ينبغي لك مساعدة أبيه في نصحه وتذكيره بخطورة ترك الصلاة أو التهاون بها، ولا يلزم الأب ضربه، ولا إثم عليه إذا قام بما يستطيع من النصح والتوجيه، ولا يجزئ النيابة عنه في تلاوة القرآن، لكن إذا أهديت له الثواب بعد التلاوة حصل له الأجر عند بعض أهل العلم، وكذلك إذا أهديت له ثواب الصدقة أو الصلاة أو الصوم، وراجعي الفتوى رقم: 27664، والفتوى رقم: 52840، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 42099.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(9/321)
التعاون الأسري في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون التعاون الأسري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الإسلام على التعاون على كل ما فيه خير للدنيا والأخرى، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2} ، وقال عليه الصلاة والسلام: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. رواه مسلم.
والآيات والأحاديث في الحث على التعاون كثيرة، والتعاون يكون بكل شيء ما لم يكن محرماً، ما دام فيه نفع للمعان في الدين أو الدنيا، ونكتفي بما كتب في هذا الموضوع في قسم تزكية وأخلاق بموقعنا بعنوان التعاون شعار المؤمنين على هذا الرابط http://www.islamweb.net/ver2/archive/readART.php?lang=A&id=85235
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(9/322)
تمني المرء أن يكون الإمام الشافعي أو ابن تيمية أباه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يأثم من تحدثه نفسه أحياناً بتمنيه أن يكون الإمام الشافعي أو شيخ الإسلام ابن تيمية أباه وذلك حباً فيهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يرضى بما قدر الله له، ويرتفع بنفسه إلى اكتساب المجد وتحصيل العلم والاقتداء في ذلك بالأنبياء والصحابة والأئمة الكبار، ولا يشغل نفسه بتمني المستحيل عقلاً أو شرعاً، ولا يخفى ما في ذلك من الاعتراض على القدر المحتوم.
وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوف الليلة على سبعين امرأة كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله.... الحديث، قال بعض السلف: نبه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض.
ثم إن مجرد الانتساب إلى أب عالم أو صالح ... لا يضمن للمنتسب إليه العلم ولا الصلاح.. فكم رأى الناس من أبناء الأئمة والعلماء والأعلام ... الذين انحرفوا ولم يسلكوا طريق آبائهم، فهذا نوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل يقول الله له في شأن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ {هود:46} ، ولذلك فنحن ننصح من يتمنى البنوة لهؤلاء الأعلام أن يبتعد عن هذا النوع من التفكير، وأن يشغل نفسه بما ينفعه في دينه ودنياه، ويجعل هؤلاء وأمثالهم قدوة له ونصب عينيه، وقبلهما يجعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قدوته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1427(9/323)
ترتيب الأولويات وإعطاء كل ذي حق حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي وظيفة في القطاع الخاص والحمد لله فيها دوامان من8 صباح إلى12مساء ومن4 إلى 8.5 مساء، ومشكلتي هي الوقت حيث إن قمت بحق شيء قصرت في شيء آخر لأني لا أملك من الوقت سوى 3أو4 ساعات إذا استبعدت السهر حيث لدي الكثير لأعمله في هذا الوقت (منها أغراض للبيت وأعمال أخرى مثل حلاقة أو تصليح سيارة أو شيء للمنزل) ، مثلا إن أعطيت وقتي لزوجتي وأهلي طار الوقت وجاء موعد النوم الساعة 12/1صباحاً وإن فعلت ذلك سأتعب نفسيا لأنه سيصبح وقتي في الدوام والباقي نوم وجزء بسيط من وقتي للأعمال الأخرى وصحبة أهلي فلا آخذ كفايتي في التمتع مع أهلي وفي الترفيه عن نفسي وممارسة هواياتي ولن أتمكن من ممارسة الرياضة التي بدورها تعطي الصحة والنشاط بحول الله وقوتة، وإن عالجت ذلك بالسهر حيث لا أنام ألا الساعة 2أو 2.30 لأعوض قصرت في حق ربي أي صلاة الفجر لا أستطيع أن أصليها في جماعة أو حتى في وقتها، وإذا صبرت إلى الفجر قصرت في حق جسدي حيث إنني أصحو وأنا لم آخذ كفايتي من النوم فيؤلمني رأسي ويقل إنجازي في العمل، فأجد صديقا لي في العمل يفعل مثل الحل رقم2 ويصلي الفجر في الدوام أي الساعة 8، فهل يجوز ذلك مع أن ضميري غير مرتاح لو فعلت هذا، ملاحظة: أنا أريد أن أحقق أهدافا كثيرة في حياتي مثل حفظ القرآن والقيام بأعمال الخير وممارسة الرياضة وقراءة الكتب الدينية والعلمية.... إلخ، لكن وظيفتي تجبرني بأن لا أقوم إلا للوظيفة أو التقصير في أحد جوانب الحياة فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن العمل نعمة من نعم الله تعالى وأن العبد مأمور بالتسبب لكسب رزقه والاستغناء عن الناس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري وغيره. وروى الطبراني في الأوسط مرفوعاً: من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفوراً له. وقبل ذلك وبعده يجب على المسلم أن يحافظ على عبادته وطاعته التي من أجلها خلق، وخاصة الفرائض التي من آكدها الصلاة على وقتها، فهذه الفرائض هي رأس مال المسلم الذي يجب الحفاظ عليه مهما كانت الشواغل، وبخصوص دوامك فإنه عادي وكثير من الناس يمارسون العمل بهذا النحو وينظمون أوقاتهم ويستفيدون منها ويعطون كل ذي حق حقه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حافظت على الفريضة بالنوم مبكراً ونظمت وقتك بترتيب الأولويات وإعطاء كل ذي حق حقه فإنك ترتاح نفسياً وتصل إلى الأهداف التي تريد الوصول إليها.
وأما ما يفعله صديقك فإنه لا يجوز، وعليك أن تنصحه بتقوى الله تعالى وأداء الصلاة في وقتها، والذي يستحق الاهتمام وتخصيص وقت مما ذكرت بعد الصلاة هو الأهل والأولاد، والراحة، فينبغي أن توزع الوقت على الأمور المهمة ولا بد من ذلك حتى لا يضيع وقتك في الأمور الهامشية، وأما ما عدا هذه الأمور العارضة التي ربما لا تأتي إلا بعد مدة طويلة، فتترك لها أيام العطل أو يقتطع لها وقت يسير، وننصحك بقراءة كتاب (حتى لا تكون كلاً) للدكتور عوض القرني، وبقراءة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13561، 26274، 1492. ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1427(9/324)
قضاء حوائج الناس من أعظم أعمال البر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم عليّ بزوجة صالحة وصحة بدن وعافية ورزقني وأعطاني ما لا أحصي وأعدّ ما حييت، فله الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه وحتى أفقه كيفية شكر نعمه سبحانه، وددت أن أستوضح أمرا في هذا المعنى، لقد أنعم الله عليّ بسيارة متوسطة الجودة والتقنية في الوقت الذي حرم من هذه النعمة كثيرا من أقربائي وأهلي وبعض أصدقائي مما أثقل كاهلي بطلباتهم الضرورية ـ كحالات المرض والضرورات المستعجلة ـ وطلبات الزيارات الأهلية العادية التي يمكن القيام بها باستعمال المواصلات العامة أو سيارات الأجرة، وحتى أني أعيرها لمن يطلبها في الحالات التي يصعب عليّ تقديم الخدمة بنفسي كأن أكون مشغولا بأمر آخر أو إذا رأيت أنه من باب الحياء ألاّ أكون معهم إذا كان المعنيّ صديقا مع أهله وبناته.
لم أكن أجد في نفسي أيّ اعتراض على هذه الخدمات أيّا كان طالبها حتى أنّي أبادر بالخدمة لمن أرى أن حياءه منعه من طلبها بنية إدخال السرور إلى قلبه وأن يكون الله في حاجتي ما دمت في حاجة أخي، ولكن ومع مرور الوقت وتزايد أعباء الصيانة ومصاريف الوقود بدأت أجد في نفسي تراجعا في تقديم بعض الخدمات التي لا أرى فيها ضرورة قصوى ولكن باستعمال الحيلة والكذب أحيانا استحياء من ردّ الطالب وقد أكلّف نفسي انشغالا لست بحاجة إليه تفاديا لرفض صريح على الطلب وما زاد الطين بلّة هو أنّي وبعد أن تزوّجت، أصبحت في شجار ونزاع دائمين مع زوجتي حول هذا الأمر لأنها ترفض تماما تعاملي هذا وتعتبر السيّارة ملكا خاصا بالأسرة ولا يحق لأيّ كان استعمالها بحجة أن المواصلات العامة موجودة وأنّي أنا من عوّدهم (على هذا النوع من الترف) وأصبحوا متواكلين ولا يكلّفون أنفسهم بعض مشقات الحياة ... إنّي في صراع نفسي دائم، أأواصل فيما أنا عليه ولا أبالي بالتكاليف وبرفض زوجتي مما قد ينبت بعض الكره والحقد بيننا لأنها تعتبر أني أتوّدد إلى الآخرين ولا أبالي بها وبرأيها أم أواجه الآخرين بالرفض وأخسر مودتهم حتى لو كانوا من أقرب الناس إليّ أم أن هناك أمرا وسطا أربح فيه ماء وجهي وكل الأطراف وقبل ذلك كلّه الأجر ورضا الله تعالى؟
أشكر لكم صبركم على إطالتي ولم يبق لي إلا انتظار نصائحكم وتوجيهاتكم وسأكون أكثر سعادة لو تذكرتموني وزوجتي بدعاء الصلاح والبركة لبعضنا البعض وأن يجعلنا في خدمة دينه والمسلمين، وجزاكم الله عنا وعن كافة المسلمين خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي تقوم به من مساعدة الناس يعتبر من أعظم أعمال البر، ومن أفضل أعمال الخير، وقد ورد الترغيب في السعي في قضاء حوائج الناس، ففي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وعليه، فإذا كنت تستطيع مواصلة ما كنت تمارسه من الخير، وليس عليك في ذلك مشقة تتجاوز حدود طاقتك، فإن من شكر ما ذكرته من نعم الله عليك أن تستمر على ما أنت فيه، وتحاول إرضاء زوجتك وإقناعها بفوائد هذا الأمر في الدنيا والآخرة.
وإن كنت تجد في طلبات الناس حرجا زائدا على قدر تحملك، فلا بأس عليك في أن تعتذر لمن ليس مضطرا إلى سيارتك؛ فإنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ونسأل الله أن يعينك على نفع الناس، ويبارك لك في أهلك، ويجعلنا وإياك في خدمة دينه والمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1427(9/325)
غسل الملابس يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم اله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا وحبيبنا محمد عليه أزكى الصلاة وأفضل السلام
أما بعد فاني أود سؤال فضيلتكم جزاكم الله عني وعن جميع السائلين حسن الثواب وخير الجزاء
هل غسل الملابس يوم الجمعة حرام أو هذه بدعة؟
أفيدوني جزاكم عن كل سائل أضعافا مضاعفة من الحسنات وجعلها لكم من موجبات دخول الجنة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشارع أمر بالغسل يوم الجمعة وأكده، ليكون المسلمون في اجتماعهم على أحسن حال من النظافة والتطهير، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " رواه البخاري ومسلم. والمراد بالوجوب تأكيد استحبابه.
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وإذا كان جميع ما ذكر يتعلق بغسل البدن، فإن تنظيف الملابس مطلوب أيضا، لأن الأكمل للمصلي أن يأتي الصلاة على أحسن هيئاته، وفي أجمل ملابسه، لقول الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] .
ومن ذلك يتبين لك أن غسل الملابس يوم الجمعة بعيد من أن يكون حراما أو بدعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1427(9/326)
حكم البحث في أمور المعاشرة والنكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[لإعجابي بموقعكم المتميز فتحت الفتاوى التي تتكلم عن المعاشرة وعن النكاح وعن الصوم وعن كل شيء ولكن لا أعرف هل يجوز لغير متزوج أن يفتح الأسئلة والفتاوى التي عن المتعة والاستمتاع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث عن الأمور التي تتكلم عن المعاشرة وعن النكاح مما يثير الشهوة ويدعو للوقوع في المحرم، وخاصة لغير المتزوجين، تعتبر مفاسده أكثر من فوائده. وقد ذكر أهل العلم أنه مما ينم عن قلة الحياء، ويتنافى مع علو الهمة وشرف النفس، ولذلك كان بعض السلف يقول لأصحابه: جنبوا مجالسنا هذه ذكر البطون والفروج، خاصة إن كان ذلك وصفا لما يحدث بين الأزواج.
وعليه، فلا نرى إباحة ما لا تدعو الحاجة إلى تصفحه من تصفح الفتاوى التي تتكلم عن المعاشرة وعن النكاح إذا كان في الإمكان أن توجد فيها إثارة للشهوة الجنسية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(9/327)
حكم تخيل ممارسة الجنس من العزب والمتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الخيال الجنسي للمتزوج ولغير المتزوج؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يتخيله الإنسان أو يحدث به نفسه لا يترتب عليه حكم ما دام ذلك مجرد حديث نفس أو خيال لم يستقر في النفس ويطمئن إليه القلب.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
وينبغي للمسلم أن يرتفع بنفسه عن الاسترسال في هذا النوع من التفكير، وينشغل بما ينفعه في دينه ودنياه، ويبتعد عن كل ما يؤدي إلى ذلك أو يسببه من الفراغ ومشاهدة ما يثير الغريزة حتى لا يستهويه الشيطان أو يجره إلى ما لا تحمد عقباه وخاصة إذا كان غير متزوج.
والاسترسال في تخيل الحرام والتفكير فيه عن عمد وسيلة إلى الحرام لا تجوز، لأن وسيلة الشيء كهو كما قال أهل العلم فوسيلة الحرام حرام كما أن وسيلة الحلال حلال.
وللمزيد من التفصيل وأقوال أهل العلم نرجو أن تطلع على الفتويين: 47520، 28477، وما أحيل عليه فيهما.
وأما تخيل أحد الزوجين من يحرم عليه عند المعاشرة فذهب جمهور أهل العلم أنه حرام.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 15558، نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(9/328)
الالتزام بفحص النظر قبل الحصول على رخصة السياقة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أردت تقديم مطلب رخصة سياقة ومن جملة الوثائق المطلوبة شهادة طبية، لكن المعمول به أن الشهادة تعمر من قبل طبيب يتعامل معهم من غير فحص فعلي، لكني أصررت على الفحص وفيه يتم التأكد من سلامة البصر والسمع وضغط الدم، مشكلتي أني أرتدي نظارة طبية 0.75 وأحسست منذ زمن بأن نظري نقص وعند الفحص سألني الطبيب عن بصري فقلت جيد وحصلت على الشهادة ومن طبيعتي أني كثير الوسوسة ومنذ أخذت الشهادة وأنا أشعر أني غششت حتى أن الفكرة لا تفارق ذهني وأصابني تعب نفسي الشيء الذي سارعت بفعله هو السعي لتغيير النظارة بما يناسب النقصان لكي يصبح بصري في حالة جيدة وهذا بعد تقديم الشهادة فهل هذا كاف، مبعث خوفي أن ينجر عن هذا حرمة الرخصة فما قولكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قوانين المرور وغيرها من القوانين التي تنظم حياة الناس وتحقق مصالحهم وليس فيها ما ينافي الشرع تعد من المصالح المرسلة التي يجب الالتزام بها إذا قررها أهل الاختصاص وأولياء الأمور، ولذلك فما فعلته من الإصرار على الفحص حتى تتأكد من أهليتك واستحقاقك للرخصة هو المطلوب شرعاً، وبذلك برئت ذمتك وتجنبت ما يقع فيه الآخرون من الغش.... فلا داعي للوسواس أو القلق ما دمت قد عملت الفحص وحصلت على الرخصة بصورة شرعية، لأن نقص النظر تعوضه النظارات حتى يكون عادياً، وعليك أن تغير النظارات عند الطبيب المختص كلماً أحسست بنقص في النظر، ولذلك فلا نرى مانعاً شرعياً من حيازة الرخصة المذكورة واستخدامها، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 70201.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(9/329)
تسجيل الطالب حضوره لدى محاضر مع كونه قد حضر لدى آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بالسنة النهائية بالكلية , نظام الكلية يأخذ في الاعتبار الحضور والغياب في المحاضرات و" السكاشن" على حد سواء على عكس معظم الكليات الأخرى, والدفعة مقسمة إلى مجموعات على أساس الترتيب الأبجدي, وكل مجموعة لها المحاضرون الخاصون بها, ويؤخذ الحضور والغياب مع هؤلاء المحاضرين , وبطبيعة الحال فإن الكلية لا تكترث كثيراً برأي الطلبة في المحاضر وهل يفهم منه الطلبة أم لا. المهم أن هذا الموضوع يكون سبباً في أنه قد يحضر بعض الطلبة لمحاضر المجموعة الأخرى الأفضل وتطلب من أحد الزملاء أن يكتب أسماءهم في كشف الحضور وذلك لكي يوفروا وقتهم ومجهودهم وفي نفس الوقت يحضرون عند المحاضر الأفضل.
أريد أن أفعل ذلك , ولم يسبق لي أن فعلته وذلك لاعتقادي بأنه قد يعتبر شهادة زور , ولكنني الآن في هذا العام كل المحاضرين الخاصين بمجموعتنا سيئون فلا أحد يفهم منهم , فإذا كان هؤلاء المحاضرون أنفسم يسمحون بأن يكتب الطالب الغائب اسمه في كشف الحضور فهل في هذا إثم؟
مع العلم أن هذا سيوفر لي الكثير من الوقت والجهد وخصوصاً لشهر رمضان المبارك وبعده مباشرة امتحانات.
أرجو سرعة الرد وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال، وذلك في الفتوى رقم: 77575
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(9/330)
اتخاذ حاملة مفاتيح على شكل آلة معازف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حمل حاملة مفاتيح على شكل أحد المعازف حتى ولو كانت لا تصدر صوتاً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحمل ما ذكرت لم نقف على كلام لأهل العلم فيه، والورع والاحتياط في الدين الابتعاد عن اتخاذ حاملة المفاتيح تلك لما قد يترتب على ذلك من إعجاب حاملها بتلك المعصية والترويج لها، مع سهولة تحاشي ذلك باتخاذ وسيلة أخرى لحمل المفاتيح خالية من ترويج المنكر، وقد نص كثير من أهل العلم على حرمة التشبه بالفساق في هيئتهم التي يعصون الله عز وجل بها فيخشى أن يكون هذا منه، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 6110.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1427(9/331)
هل يخبر المريض بمرضه إذا خيف عليه زيادة المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا
قرأت في باب الفتوى الطبية. سائلة تسأل عن إخبار زوجها المصاب بالسرطان في الكبد وقالت إنها تخشى أن تخبره عن حالته فيزداد سوءا. وأفتاها الموقع بإشراف د عبد الله الفقيه أنه لا يجوز إخباره حتى لا تزداد حالته, وأحب أن أناقش هذا الموضوع وأطرح بعض النقاط بحكم تخصصي:
1-ليس شرطا أنه إذا أخبر أن تسوء حالته.
2-قد يكون من حقه الشرعي أن يعلم بحالته حتى يوصي وحتى يتقرب إلى الله أكثر إذا علم بقرب أجله وقد يكون عليه ديون أو حقوق يؤديها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على ملاحظته واهتمامه وقراءته لما ينشر من فتاوى على الموقع، ونسأل الله تعالى أن يزيده علما وحرصا.
وبخصوص عدم جواز إخبار المريض بمرضه فإنه يشترط لذلك أن يكون فيه ضرر عليه كزيادة مرضه والتأثير عليه نفسيا.
وهذا ما ذكرناه في الفتوى المشار إليها.
وإذا علم من أهل الاختصاص أو من يعرفون المريض أن ذلك لا يؤثر عليه فلا مانع من إخباره.
وأما ما يرجى من وصيته وتقربه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة فيمكن تحقيقه بغير إخباره بالمرض الذي يترتب عليه ضرره، فيمكن أن ينبه بل يحث على كتابة وصيته وعلى فضل التقرب إلى الله بأعمال الخير والمسارعة في ذلك، وبوجوب قضاء الديون وأداء الحقوق إلى أهلها والترهيب من ترك ذلك، وهذه الأمور كلها مطلوبة أصلا من الشخص الذي هو في كمال صحته وعافيته فضلا عمن به أدنى مرض.
ولذلك فلا شك أن ما أشرت إليه فيه مصالح لا يخفى نفعها للمريض ولمن حوله، ولكن تحقيقها ممكن بغير ضرر عليه، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة كما هو معلوم عند أهل العلم عند التعارض، ولا تعارض بين ما ذكره السائل وما ذكرناه في الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1427(9/332)
أحوال هجر الأخ الذي زنى بامرأة أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد , فقد كلفني شخص ما بأن أسأل السؤال التالي: له أخ زنى بامرأة أخيه, وهو وإخوته لا يتكلمون مع أخيهم بعد الحادثة: أولا ما الحكم الشرعي في ذلك.
ثانيا: فهل عدم كلامهم مع أخيهم حرام أم حلال , خصوصا بأنهم كرهوا فعلته فقاطعوه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على أخيهم أن يتوب إلى الله تعالى مما وقع فيه، فإن الزنا من أقبح الذنوب وأكبر الكبائر، ولمعرفة عقوبة الزاني في الدارين انظر الفتوى رقم: 23258، والفتوى رقم: 26237.
وأما عن هجره، فإن الهجر شرع لمقصد شرعي وهو أن ينزجر المهجور عن الذنب، فإذا كان الهجر لا يحقق هذا المقصد، بل البعد عنه يزيده تمادياً في الذنوب فإن القرب منه ونصحه ووعظه أولى وأحسن، وكذا إن تاب مما وقع فيه فلا يجوز هجره، فإن الهجر ليتوب ويقلع وقد فعل، وانظر الفتوى رقم: 30690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(9/333)
قطع الشجرة التي لا تثمر وتتساقط أوراقها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا شجرة تين في البيت وهي كبيرة في عمرها وتسقط أوراقا كثيرة ولا تنتج ثماراً إلا القيل، فنريد قطعها، ولكن يقولون إن الشجرة بولد، فهل هذا صحيح، وهل يحق لنا قطعها، فأرجو الإجابة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج عليكم في قطع هذه الشجرة، وأما ما يقولون عن الشجرة فهو باطل لا أصل له، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 63086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(9/334)
مخالطة الناس والحرص على التأثير فيهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في بيئة الاختلاط فيها شيء مسموح ومستحب بين المعارف، وأكثرية أهلنا على جهل بالدين الإسلامي من الأحكام والمستحبات والواجبات متمسكين بالعادات والتقاليد القديمة من أفعال وأقوال أجدادهم الذين كانوا يتوسلون بقبور الصالحين والجن والمشعوذين الدجالين، والآن بعون الله تعالى عرفت الحق من 10 سنوات وبعده تزوجت لكن المشكلة الآن في أهلي وأهل زوجتي.. يقولون بأننا متكبرون وغيره من الكلام والبهتان ومن الإشاعات الكاذبة والسبب في ذلك أننا رافضون لأفكارهم وتصرفاتهم وحتى إذا خالطناهم فمخالطتهم هذه تؤثر على تربية أولادنا في المستقبل ولهذا لا نزورهم إلا في بعض المناسبات أو في الأسواق وغيره وهم أصلاً لا يعاملوننا معاملة حسنة لأننا عكسهم وهم لا يريدون هذا ... وزوجتي لا تزور أمها قلت لها لا يجوز هذا فقالت لا أستطيع لأن لديهم إختلاطا وإذا لم اختلط بأبناء خالاتي فيغضبون مني ولا يكلمونني جيداً، للعلم أن أم زوجتي هندية ولها ثقافتها الهندية وتريدنا أن نفعل ما تحبه هي وأهلها ونحن رافضون لذلك، فهل المقاطعة أحسن أم نفعل ما يريدونا أن نفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأمر يدور على شيئين فقط إما اعتزالهم أو مخالطتهم مع حصول شيء من الضرر في الدين بهذه المخالطة، فلا تجوز مخالطتهم، ولكن ما المانع من أن يكون هناك سبيل ثالث وهو مخالطتهم وتأليف قلوبهم والحرص على التأثير عليهم، وتعليم جاهلهم مع الصبر على أذاهم. فكم رأينا ممن فعل ذلك وكانت له العاقبة الحسنى بنصر دعوته واتباع الناس له على المنهج الصحيح. وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 8580.
وعليه فإن أمكن تهوين الأمر وعدم تهويله وفعل ما تتحقق به المصلحة الشرعية فهو أمر حسن. وتراجع الفتوى رقم: 5640.
ولا ندري ما تقصد بالثقافة الهندية، ولكن المرجع في الحكم على الأشياء هو الشرع، فإن وافقته جاز الأخذ بها، وإن خالفته وجب ردها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1427(9/335)
تأديب الأطفال المسجونين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل هل حلال ضرب الأطفال المنحرفين والمودعين بسجن الأطفال إذا تشاجروا أو سبوا الدين أوذا الجلالة ... وهل هنالك طريقة مثلى لردعهم، علما أني أستعمل معهم النصيحة والموعظة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأطفال يتعين السعي في إصلاحهم وتهذيب أخلاقهم وسلوكهم وإبعادهم عن السلوك المنحرف، ويتم ذلك بتعليمهم الشرع وترغيبهم في الالتزام بمحاسن الأخلاق وتخويفهم من الوقوع في الردة بسبهم الدين وسبهم الله.
ويشرع ضربهم بقصد التأديب إن لم ينفع النصح والرفق والملاطفة.
ولكن لا بد من البعد عن ضرب الوجه وعن الضرب المبرح وأن لا يزاد على عشرة أسواط.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 14123، 18842، 29612، 39948، 52188، 70105، 24777، 59463. ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1427(9/336)
مخالطة العصاة والملحدين في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم مخالطة العصاة والملحدين في العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يخالط الملحدين والعصاة أو يصاحبهم لغير ضرورة، فخطر هؤلاء على الدين وعلى الدنيا معروف، وعلى المسلم أن يبتعد عن مخالط هذا النوع من الناس فإن الطباع تسرق من الطباع و" المرء على دين خليله ". كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وغيره.
وللمزيد عن هذا الموضوع نرجو أن تطلع على الفتاوى: 20995، 21766، 68016، 49072، وإذا كانت المخالطة لمجرد التعامل معهم في الأعمال المعتادة أو دعت الضرورة لذلك فإن ذلك لا مانع منه إذا قدرت الضرورة بقدرها. وننبه السائل الكريم إلى أن وصف شخص أو أشخاص بأعيانهم بالإلحاد وهم ينسبون للإسلام لا ينبغي لما يترتب من التكفير للمعين قبل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع وإقامة الحجة عليهم، فلا يجوز وصف المسلم بالكفر أو الإلحاد إلا بعد هذه الأمور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1427(9/337)
حكم الاضطجاع على البطن من غير النائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستلقاء على البطن عند القراءة أو الكتابة أو أي شيء آخر أم أن هذا منهي عنه فقط في حالة "النوم"..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاضطجاع على البطن مكروه كما ذكر أهل العلم حملا لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في الحديث على الكراهة ولم يذكروا فرقا بين من أراد النوم وبين من لم يرده، ولتنظري الفتوى رقم: 5439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(9/338)
التخلص من رفقاء السوء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة من رجل متدين والحمد لله، ولكن من شهرين تعرف على جيران وأخذوه إلى سهرات مياعة يتحدثون عن النساء والمزح ونكت ولم يعد يصلي الصبح، انصحوني ماذا أفعل؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمشكلة زوجك تكمن في الرفقة السيئة التي تعرف عليها مؤخراً، فهم الذين أثروا فيه، فإن تأثير الرفيق على رفيقه أمر أثبته الشرع وحكم به الواقع، ولهذا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للصاحب الصالح والصاحب السيء، فقال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، ومن يصاحب. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
فإذا أقلع زوجك عن صحبتهم، واستبدلهم بجلساء صالحين، ورفقة طيبة، عاد إلى ما كان عليه إن شاء الله تعالى، وأما إذا استمر على مصاحبتهم فإنه سيخسر دينه ودنياه ويعض يديه ندما يوم لا ينفع الندم: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا {الفرقان:27-28-29} .
ولذا فعلى زوجك أن يتخلص من هذه الصحبة، وهناك خطوات معينة على تجنب رفاق السوء، فتراجع في ذلك الفتوى رقم: 9163، ونسأل الله أن يلهم زوجك رشده ويقيه شر هذه الصحبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1427(9/339)
تقبيل المرأة يد امرأة أخرى متدينة صالحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة لدي إنسانة قريبة مني كثيرا، وأعاملها كأمي وهي أيضا تعاملني كابنتها ولديها أولاد في سني وأكبر مني، فهي إنسانة مسلمة وملتزمة جدا، فسؤالي هل يجوز أن أٌقبل يديها؟ أم هذا حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقبيل يد من عرف بالعلم والصلاح والدين، جائز أو مستحب، قال ابن حجر في فتح الباري: ... قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره، بل يستحب. اهـ
وعليه فلا حرج من تقبيل يد هذه المرأة الصالحة المتدينة، على جهة التكريم والاحترام.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1427(9/340)
حكم المرء على غيره أنه يستحق القتل
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء سماع الإنسان لنشرة الأخبار قد ترد أخبار يبدي فيها رأيه فيقول مثلا إن هؤلاء الجماعة يستحقون القتل وغير ذلك....
فهل هذا الكلام محاسب عليه يوم القيامة؟ وهل الإنسان محاسب يوم القيامة على ما ترد في نفسه من خواطر وتأملات وأفكار دون أن ينطق بها أو يفعلها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في النصوص أن الإنسان لا يعمل عملا أو يتلفظ بكلمة إلا لديه ملائكة يرقبون ذلك. قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {الانفطار: 10- 12) وقال جل من قائل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق: 18) وقد قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. رواه مسلم.
قال الإمام النووي: فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا وهو الذي ظهرت له مصلحة، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم. اهـ.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري. فهذا يدل على مؤاخذة العبد بما يقوله ويفعله من الآثام ومحاسبته عليه، ومن ذلك حكمه على الناس باستحقاق القتل إن لم يكونوا استحقوه شرعا. وراجع في مسألة الخواطر الفتوى رقم: 71816.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1427(9/341)
كتابة الفتاة خواطرها عن فارس أحلامها ونشرها في المنتديات
[السُّؤَالُ]
ـ[فقط أود أن أستفسر هل يجوز للفتيات كتابة خواطر عما يجول في الصدور بخصوص من تتخيله فارس أحلامها ويكون الكلام فيها عفيفا جدا وبعيدا عن الكلمات المبتذلة والتي تخدش الحياء ونشرها في المنتديات؟
كذلك بالنسبة لتصميم البطاقات فهل يجوز تصميم بطاقات تحمل كلمات حب بريئة وليست مبتذلة ونشرها أيضا في المنتديات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الفتاة المسلمة أن ترتفع بنفسها عن سفاسف الأمور والأفكار التافهة التي لا تزيد ثقافتها ولا تنمي عقلها ولا تنفعها في دين ولا دنيا.
وعليها أن تهتم بمعالي الأمور, وتستغل وقتها وتستخدم مواهبها الأدبية وغيرها في خدمة دينها وتطوير مجتمعها وفيما ينفعها في دنياها وآخرتها, وتبذل في سبيل ذلك ما استطاعت من الجهود. فذلك شرف الدنيا وفوز الآخرة.
فإن كانت صاحبة موهبة في مجال الكتابة والإنشاء وتدبيج المقالات الأدبية فليكن ذلك في الدعوة إلى الله تعالى, وتبيين محاسن الإسلام والذب عنه, ولا بأس أن تكتب في مجال الطبيعة وجمالها وبديع صنع الله تعالى فيها أو في غير ذلك من المجالات الواسعة.
أما التغزل بالرجال والتعبير عن الخواطر التي ربما يكون أكثرها من إيحاءات الشيطان وأوليائه ونشر ذلك ليطلع عليه الفتيان والفتيات فإنه مدعاة للفساد وخطوة من خطوات الشيطان يجب الكف عنها سدا للذريعة الفساد.
وأما كتابة عبارات الحب على البطاقات فإن كانت عامة أو تدعو إلى عموم المحبة والتسامح والتعاون والأخوة بين الناس فلا نرى مانعا من ذلك.
وأما إن كانت لشخص معين لا تجوز محبته فإنها لا تجوز كتابتها لما في ذلك من نشر الحرام والتعاون عليه، وكذلك إن كانت عبارات عشق وغرام فالأولى اجتنابها.
وللمزيد عن كتابة القصص الخيالية وكلمات الحب نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها: 13278، 26533، 1109، 63344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1427(9/342)
ترك حضور العرس حزنا على موت القريب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو: توفي خالي هذه الأيام رحمة الله عليه وأمي حزينة لفراقه وتقول إنها لن تحضر مراسم زواج ابنة عمي الذي سيتم إن شاء الله بعد 10 أيام، ومن العادة التي تجري في مجتمعنا أنه من العيب أن تحضر الزفاف إلا بعد مرور 40 يوماً وفي بعض الأحيان حتى أكثر، فهل إن لم تحضر تأثم لاتباعها هذه البدعة التي تفشت في مجتمعنا أم أنها تتبعها من باب العرف المتعارف عليه، مع أنها إن حضرت لن تسلم من ألسنة الناس فما الذي تفعله، مع العلم بأن أمي وعمي أولاد عم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لامرأة أن تحد على ميت أكثر من ثلاث ليال، فيما عدا الزوج، فإنها تعتد لوفاته أربعة أشهر وعشراً، لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً. متفق عليه.
كما أن إظهار الحزن على الميت أكثر من ثلاثة أيام لا ينبغي، قال في عون المعبود شرح سنن أبي دواد:.... وفيه دلالة على أن البكاء والتحزن على الميت من غير ندبة ونياحة جائز ثلاثة أيام. انتهى.
وعليه، فامتناع أمك عن حضور مراسيم زواج ابنة عمك، إن كان الحامل لها عليه هو الإحداد على أخيها أو إظهار الحزن بموته فإن ذلك لا ينبغي، وليكن إظهار الرضا والتسليم بما قدر الله تعالى وقضى طلباً لنيل رضا الله، ليكن ذلك أولى عندها من البحث عن السلامة من ألسنة الناس، ففي سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/343)
هل يؤاخذ إذا سب أحدا في نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سب أي شخص في نفسي دون أن أفصح ذلك أمامه حيث يحدث ذلك معي أحيانا عندما يستفزني شخص ما فأكظم غيظي ولكن قد أسبه في سر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يعرض عن الجاهلين ولا يستجيب لاستفزاز السفهاء، وإذا عرض له شيء من ذلك فينبغي أن يكظم غيظه ويعفو عن من ظلمه.. فهذا من أخلاق الإسلام التي أرشد الله عز وجل إليها عباده المؤمنين في آيات كثيرة من محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه وتعالى: خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ. {الأعراف:199}
وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ. {آل عمران:133-134}
وقال تعالى وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {الشُّورى:43}
ومع ذلك فمن حق المسلم أن يرد على من سبه ويقتص ممن اعتدى عليه كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِ يلٍ {الشُّورى:40-41}
وأما ما يقوله الشخص في خاصة نفسه فهذا لا حكم له ولا اعتبار شرعا ما لم يتكلم به أو يعمل.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 2093، 6220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1427(9/344)
هل من الحياء عدم مجالسة أبي الزوجة على مائدة الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الجنوب المغربي. ولدينا بعض العادات التي نتشبث بها. وأريد منكم جزاكم الله خيرا تبيان رأي الشرع فيها. فمثلا عندما يتزوج الشخص فانه لا يجالس أبا زوجته على مائدة الطعام. حتى لو حل ضيفا عليهم كنوع من الاحترام. فعندما يأتي أبو الزوجة يستقبل من طرف الزوج ويجلسان معا ويتحدثان إلى حين وقت الأكل فإنه ينصرف عنه ولا يأكل معه. فهل هذا يدخل في معنى الحياء؟ علما أننا نعده كذلك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعريف الحياء قد ذكره الحافظ ابن حجر بقوله: قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحيي فاسقا، وقلما يكون الشجاع مستحيا. انتهى.
وقد ثبت الترغيب في الحياء بالمعنى المذكور، ففي صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان.
وفي سنن الترمذي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما كان الحياء في شيء إلا زانه.
وعدم مجالسة أبي الزوجة على مائدة الطعام لا يدخل في هذا التعريف، فهو -إذا- ليس من الحياء. ومع ذلك فلا نرى به بأسا إذا لم يترتب عليه محذور شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/345)
حكم مشاهدة الأفلام الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم مشاهدة أفلام الجنس.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجو للمسلم مشاهدة الأفلام الجنسية، ويجب عليه أن يبتعد عنها وعما يدعو إليها أو يقرب منها.
فقد قال الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور: 30-31}
ومشاهدة هذه الأفلام تؤدي إلى قساوة القلب والغفلة عن الله تعالى وعن ذكره، ومن ثم يأتي ارتكاب الفواحش العظمى، لذلك فحكمها الحرمة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 3605، فنرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1427(9/346)
إمساك الرجل يد امرأته في المكان العام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يمسك المرء زوجته من يدها في مكان عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أنه لا حرج على الرجل في إمساك يد زوجته في أي مكان، ولكن ليس من الآداب المستحسنة ولا من الأخلاق الفاضلة أن يمسك الرجل يد زوجته بقصد المتعة مثلاً في مكان عام بل ولا في مكان خاص يوجد فيه غيرهما، كما أنه لا ينبغي أيضاً أن يمسك الرجل يد زوجته في مكان عام إذا كان هناك من لا يعرف أنهما زوجان لما قد يكون في ذلك من الريبة التي تحمل من لا يعلم بحقيقة الحال على سوء الظن بهما.
فالمسلم مأمور بأن يبعد نفسه عن مواطن الريبة ويجنبها أماكن التهمة، ففي الحديث الصحيح: أن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو معتكف ثم قام يقلبها أي يردها إلى بيته، فمر بهما رجلان فأسرعا، فقال صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي إلى ... آخر الحديث، والشاهد فيه هو التبري من التهمة ومما يثير الظن السيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رجب 1427(9/347)
السعي في إصلاح ذات البين
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله الذي أعطي كل صاحب حاجة وأنزل من السماء ماء ثجاجا والصلاة والسلام علي النبي الهادي ومعجزة البر الهادي، وبعد:
كنت بحمد لله متزوجا من ابنة عمتي من بعد خطوبة امتدت قرابة اسبعة أعوام.الحمد لله كانت فترة الخطوبة هادئة سلسة لا يشوبها شائب، وبعد الزواج بستة أشهر فقط وقع الطلاق من دون أن تكون هنالك أسباب لذلك والحمد لله، القضية هي الحساسيات التي نشبت في الأسرة وانقسام الأسرة إلى فريقين فريق معي وفريق معها،
أنا أشعر أني المسؤول الوحيد عن هذا الوضع ولا أريد سوى الإصلاح ما استطعت علما بأن التي كانت زوجتي قد تزوجت. لكني أريد فقط أن تعود المياه الي مجاريها وأن تعود الأسرة كما كانت، اهدوني هداكم الله، هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إصلاح ذات البين من أجل الطاعات وأعظم القربات قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114} ، لا سيما في نطاق العائلة الواحدة، المرتبطة برباط الرحم، التي حذر الله سبحانه من قطعها، وإفساد ما بينها، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}
فينبغي أن تسعى للإصلاح بين أهلك، وعائلتك، بأن تقول الخير وتنمي مشاعر الود بين المتخاصمين منهم، وإذا قال أحدهم كلمة إيجابية تنقلها للآخر، وتزيد عليها من الكلمات الطيبة والتذكير بالله، والرغبة فيما أعده للعافين عن الناس، وليكن ذلك على انفراد وبأسلوب طيب، وليس من المصلحة الجمع بين المتخاصمين إلا بعد أن تغرس مشاعر الخير في نفوس الجميع، وبعد أن تهدأ النفوس حتى لا تتجدد البغضاء والشحناء، مع الانتباه لصفات كل واحد منهم، فإذا كان أحدهم سريع الغضب فالصواب أن يكون اللقاء به ودياً دون تعرض لأسباب الخصام، ويفضل أن يكون فيه تذكير بالله، والذكرى تنفع المؤمنين.
وفقك الله في مسعاك، وأصلح الله بك حال أسرتك، وجمع قلوبكم على الخير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1427(9/348)
حب الأصدقاء بين الاستحباب والإباحة والمنع
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديقة تكبرني بـ 5 أو 6 سنوات متزوجة وعندها طفلان تخاف الله وملتزمة من الناحية الدينية، انقطعنا عن بعض ولم أرها ألا منذ يومين فكان اللقاء حاراً جاءت وعانقتني ووو ... وأنا اكتفيت بالمصافحه لأنني خجولة جداً لدرجة أنني لا أنظر إلى الشخص الذي أتكلم معه المشكلة أني تضايقت قليلا لبعض الحركات التي صدرت منها أنا لا أعرف ما في قلبها تقول إنها تحبني كثيراً، ولكني لا أعرف طبيعة هذا الحب فمرة أحس أنه في الله ومرة لا بسبب بعض الحركات، مثلا: والله أني أخجل من قولها، ولكني سأقول لأنني أريد حلا.. أنها مثلا تضع رأسها على كتفي مثلا وتستند إليه وحاولت أن تقبلني كما يقبلون الأطفال (على الوجة) ، وأنا منعتها لم أستطع الخجل من ذلك.. وأيضا مثلا تمسك بيدي وهكذا ... فلا أعرف الآن ماذا أفعل علما بأنها ملتزمة ومحترمة وتنصحني بالنقاب.. إلخ) ، ولكن تضايقت قليلا من ما فعلت حتى أنها قالت لي أنا لا أقصد شيئا (لا تفهميني غلط) ... هل ما قامت به دليل على حب في غير الله ... أفيدوني؟ جزاكم الله ألف خير على هذه الخدمة الرائعة والموقع المميز.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يمكننا الجزم بشيء في تفسير هذا التصرف الذي عملته صديقتك، إلا أنا ننبه إلى أن الأصل حسن الظن بالمسلمة الملتزمة ولا سيما إذا كانت متزوجة وتخاف الله كما ذكرت، إذ المظنون بمن كان كذلك أن يكون بعيداً عن الشذوذ الجنسي.
وننبه كذلك إلى أن الحب في الله مشروع ومرغب فيه، والحب الطبيعي الذي يحصل بين الأقارب والأصدقاء مباح، وأما الحب الشهواني فهو محرم شرعاً، ما لم يكن بين زوجة وزوجها أو سيد وأمته بشرط أن تكون غير متزوجة ولا محرماً له، ويجب البعد عن الانسياق مع صاحب الحب الشهواني المحرم إذا لوحظ منه حب للتمتع بمن يحبه، أو يمارس معه الشذوذ، ولا يسوغ الخجل والحياء من نهيه عن المنكر، لأن الله تعالى نهى عن التعاون على الإثم والعدوان، وحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بين الناس والتواصي بالحق والصبر، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38471، 71712، 16342.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1427(9/349)
دفع البلاء بقراءة سورة الإنعام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن قراءة سورة الأنعام تدفع البلاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نطلع على حديث يدل على أن قراءة سورة الأنعام خاصة تدفع البلاء، ولكن لا مانع من ذلك، فإن هذا القرآن رحمة للمؤمنين، ثم إن البلاء يدفع بالدعاء والصدقة والاستغفار والتوبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة. انتهى.
وقد لجأ أيوب عليه السلام في بلواه وضره إلى الله سبحانه وتعالى فكشف ذلك عنه، قال الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء:43-84} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(9/350)
أمور تفعلها من تأخر زواجها
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل: أنا امرأة عمري 35 سنة وغير متزوجة ومتوسطة الجمال ومحجبة وأحمل شهادة جامعية عليا، أعاني من رغبتي الشديدة في تكوين أسرة وأن يكون لي زوج وأبناء، علماً بأنني أعاني من هذه الحالة منذ كان عمري 15 سنة، أعيش مع والدي وهما على خلاف دائم ومشاحنات، كما أنهما مقاطعان لأهلهما، فأنا لا أعرف أعماما ولا أخوالا، ولا نتحدث مع الجيران، أسمع كلمة عانس دائماً، وقد كان هناك فرص للتعارف أثناء العمل ضمن حدود الأدب والأخلاق، ألا أنه لم يتقدم لي أحد منذ 12 عاما، ولا أدري لماذا لم يحدث نصيب، وأصبت باكتئاب مزمن وأنا أتعالج منه منذ سنتين، ورغم أنني تحسنت قليلاً إلا أن الدواء لم يعد مفيدا وأنا أقرب للانتكاس، أرجو أن لا تحيلوني إلى فتوى سابقة، فأنا لا أعرف أحداً لأخاطبه فأعرض نفسي للزواج عليه، علماً بأنني أعمل بوظيفة محترمة وراتبي ولله الحمد مرتفع، لقد ذهبت لطبيب يعالج بالرقية وقد ساعدني في علاج الاكتئاب، وأنا مداومة على قراءة الرقية وعلاج الاكتئاب منذ سنتين، أرجوكم وجهوني فالطريق مسدودة، علماً بأنني أداوم على الصلاة والقيام والزكاة والصدقة، أنا لا أعلم هل أصعب شيء في الدنيا هو الزواج، أرجوكم أدعو لي لعل الله يستجيب؟ ونأسف على الإطالة، وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الفتاة إذا وصلت إلى هذا السن ينتابها شعور بالخوف من الحرمان من الزواج، ومن شبح العنوسة، غير أن الواجب على الفتاة المسلمة أن لا تستسلم لهذا الشعور، وأن لا تسلم نفسها للعزلة والاكتئاب، وينبغي لها أن تقتدي بمن نجحن في اجتياز هذه الأزمة، وخرجن من هذه العقدة، وذلك عن طريق الانغماس في الأعمال الخيرية، والسعي لتحقيق رسالة في الحياة، وقد أجرت إحدى الباحثات دراسة عن هذا الموضوع، ذكرت فيها نماذج من أولئك الفتيات اللاتي تجاوزن هذا الشعور، وتغلبن على هذا الخوف، وفككن هذه العقدة، وذلك بانغماسهن في الأعمال المفيدة، والأنشطة الخيرية، وشغل أوقاتهن بحفظ القرآن وغيره من الطاعات، ومنهن من شغلت نفسها برعاية والديها، وقد نبغ بعضن، وصرن من الداعيات إلى الله، نتيجة لاستغلال الوقت، لا سيما مع فراغهن من مشاغل الزوج والأولاد، ثم تذكر الباحثة دواء قرآنياً لهذه المشكلة، وهو قوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} ، ويتمثل العلاج في النقاط التالية:
- سؤال الله من فضله مع الإلحاح في الدعاء.
- الاستعفاف وموجباته من صيام أو اجتهاد في الطاعة أو متابعة مجالس علم أو حفظ القرآن.
- أثبتت الآية أن الزواج رزق من الله عز وجل ويجب الاطمئنان إلى أن الرزق يسعى وراء صاحبه ولن تموت نفس إلا بعد استحقاقه، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
كما أن على الفتاة التي فاتها الزواج أن تجد لنفسها السلوى عن ابتلائها لمن هو دونها، وأشد مصيبة منها، وما أكثر أهل المصائب والابتلاءات، نسأل الله السلامة، وفي الحديث كما في السنن والمسند: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.
وتضيف: على الفتاة التي تأخر سن زواجها أن تعلم أنها فتاة طبيعية ويجب أن تحيا حياة طبيعية حتى وإن فاتها قطار الزواج، فعليها أن تستثمر وقتها وتحاول أن تخرج نفسها من إطار العزلة والاكتئاب، وذلك بأن تشترك في النوادي الاجتماعية والجمعيات الخدمية والأهلية التي تحتاج لجهود الشباب كمراكز رعاية المعاقين أو ملاجئ الأيتام ... فينبغي أن تنضم لمثل هذه الأنشطة لتخرج طاقتها ولا تترك نفسها لفكرة العنوسة التي ترتبط بالانعزال والاكتئاب، ويجب ألا تيأس الفتاة فالزواج قد يأتي في أي عمر والحياة لا تنتهي بالزواج، لأن الزواج ليس نهاية المطاف، وفي الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
فالحديث الشريف وجه الشاب أو الشابة هنا إلى أن يحصنا أنفسهما ويعصما أنفسهما إن لم يتيسر لهما الزواج وليس أبلغ من العصمة والإعفاف من شغل الفراغ فيما ينفع ويفيد، لأن الأبحاث والدراسات أكدت أن وقت الفراغ من الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بالاكتئاب، نسأل الله تعالى أن يعافي الأخت من الاكتئاب، وأن ييسر لها زوجاً صالحاً تقر به عينها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1427(9/351)
التغرب عن الأهل والأوطان ومساعدة المحتاجين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج ومغترب بدولة عربية وأخاف من الفتنة ولكني أساعد إخوتي لأن الكبير والحمدلله ميسور الحال ببلدي فهل أترك الغربة وأعود إلى زوجتي وابني الصغير لأعيش الحياة الزوجية أم أحسن الحالة الاجتماعية ماديا، محتار أفتوني بالحلال والصحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن مساعدة المحتاجين فيها خير كثير وأجر عظيم لا سيما إذا كانوا من الإخوة وذوي الرحم، ولكن لا يحق للزوج أن يغيب عن زوجته أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها ورضاها، وذلك لما قرره عمر رضي الله عنه بعد ما سأل ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها، فقالت ستة أشهر أو أربعة أشهر. والأثر رواه مالك في الموطأ وغيره، ولذلك لا ينبغي لك أن تتأخر عن زوجتك أكثر من هذه المدة، وإذا استطعت أن تقيم معها في بلدك أو تستقدمها إلى محل إقامتك لتعيش معك فلا شك أن ذلك أفضل لما يترتب عليه من المصالح التي لا تخفى على عاقل، لا سيما تربية الأولاد وتنشئتهم على الطريق المستقيم، ولذلك لا ننصحك بالابتعاد عن أهلك وكثرة الغربة عنهم لمجرد تحسين الوضع المادي، وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 25289، 65981، 10254، 63387، 18561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1427(9/352)
مبيت الرجل وحده والذكر المأثورعند الاستمتاع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبيت الأعزب بمنزله قبل الزواج مع العلم بأنهم نصحوه بعدم فعل ذلك بمفرده؟ وما هو الدعاء الذي يسبق الجماع؟
بارك الله لي ولكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 45555، والفتاوى المحال عليها فيها بيان حكم مبيت الرجل وحده فلتراجعها، ولبيان الذكر الوارد قبل الجماع طالع الفتوى رقم: 3954.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(9/353)
حكم الذهاب إلى مكان مباح فيه بعض المنكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[.يا فضيلة الشيخ أنا سبق أن أرسلت لكم الفتوى رقم:74183 ولكن قلبي لا يزال غير مطمئن (1) فأنتم أقررتم رأي ابن تيمية في قوله: إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه لا يجوز. ثم تقولون: (ومع ذلك فكون الطائرة تمارس فيها بعض المنكرات فإن ذلك لا يحرم ركوبها لغرض مباح, وإنما يلزم المرء اتجاه من يمارس المنكرات في الطائرة إنكار ذلك المنكر بما يناسبه ويتماشى مع قدرته في تغييره حسبما جاء في الحديث السالف ((اي حديث: من رأى منكم منكرا ... )) , مع وجوب غض البصر والابتعاد عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.) عفوا يا مشايخ ولكن حتى لو التزمت بهذه الضوابط وأنا في الطائرة أو المطار, ألا ينطبق علي وصف"شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه"فهذا الذي أتعب قلبي ولم يرحني في الفتوى السابقة, فأرجو بيان ذلك وتفصيله. (2) كذلك في موقعكم وجدت عبارتين أشكلتا علي وجعلتني أتردد في قضية ركوب الطائرة والمطار الذين فيهما منكرات وهما:*حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله.* فهذه العبارة ألا تناقض حكم جواز ركوب الطائرة والمطار الذين فيهما منكرات لغير ضرورة ولا حاجة وإنما لغرض مباح وهو السياحة لبلد إسلامي. العبارة الأخرى* قلتم: نص أهل العلم على أن سفر المرء إلى مكان يرى فيه المنكر ولا يقدر على تغييره أو يخاف من الوقوع فيه محرم إلا لضرورة ملجئة. * أقول: لماذا لا يجوز السفر لمكان فيه منكرات لا يستطيع تغييرها, أليس إذا لم يستطع سقط التكليف عنه مع آمن الفتنة؟ (3) أحد مشائخ السعودية عندما اتصلت عليه وضع ضابطا وهو:_المكان الذي أقيم لأجل المنكر لا يجوز الحضور إليه مثل صالة أوبرا تقام فيها أغاني محرمة أو الشواطئ التي فيها منكرات._المكان مباح وحصل فيه منكر لا يجب أن تفارق المجلس وإنما تنكر ولا يلزمك أن تفارق المكان وإن لم يتوقف عن المنكر أو أردت أن تذهب لمتحف للاستفادة منه وفيه تبرج مثلا فيجوز للمصلحة مع غض البصر. ما رأيكم يا شيخ بهذا التقسيم وألا يعارض العبارات السابقة وعبارة ابن تيمية. (4) وأحد المشائخ عندما سألته عن قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) وذكرت له إحدى العبارات السابقة أو قول ابن تيمية أو كلاهما _الحقيقة نسيت_قال معنى الشهود المنهي عنه هو أنك تقصد المنكر إما لو شهدت المنكر وأنت لم تقصده فلا بأس عليك ثم ضرب أمثلة أظنه قال مثل لو أنك كنت ماشيا في الشارع ومررت على منكر أو المطار الذي فيه منكرات وأنت نزلت فيه فهل صحيح أن هذا تفسير الآية وتفسير العبارات السابقة (5) وأخيرا ما الحكم إذا سافرت لأحد الدول الاسلامية ثم ذهبت لمطعم وكانت التي تقدم الطعام امرأة متبرجة فهل يجوز الذهاب لهذا المطعم والأكل داخله مع غض البصر, وكذلك هل يجوز مثلا الذهاب لمكان استئجار ألعاب ترفيهية مباحة إن كانت التي تؤجر ذلك فتاة متبرجة مع غض البصر حيث حسب فهمي لتقسيم الشيخ الذي سألته في الفقرة الثالثة أن هذا المكان لم يقم لأجل المنكر. وفي الختام أرجو أن تتحملوا أسئلتي الطويلة والتفصيلية، وأشكركم على تحملنا وصبركم علينا, وأرجو منكم فضلا لا أمرا أن تفصلوا في الأجوبة حتى لا تدعو مجالا للشيطان أو لشخصيتي الوسواسية في التخبط في سؤال المشايخ لأن أحيانا تكون فقرة في السؤال لم يجب عنها ثم أضطر أني أسال شيخا عنها ثم يأتيني بحكم آخر بعد أن أفصل له بالسؤال حتى يفهمه ثم أقع بالتضارب والصراع النفسي، أنا في الحقيقة ما أدري هل هذه الدقة ورع أم وسوسة أم تشدد. وأنا لا يعني هذا أني أريد منكم أن تشددوا علي وإنما أريد منكم حكم الله والتوضيح وأنتم إن شاء الله أهل لذلك؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن المسلم ينبغي أن لا يستسلم للوساوس والتخبط في أسئلة المشايخ، والتضارب والصراع النفسي. فهون على نفسك ولا تتعبها بما لست مكلفا به.
واعلم أنه لا تعارض بين ما ذكره شيخ الإسلام من أن شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه، وبين إباحة ركوب الطائرة لغرض مباح، إذ ليس معنى ركوب الطائرة الإذن في شهود المنكرات. فمن ركب الطائرة والتزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام، لا يقال إنه شهد المنكرات.
كما قولنا: إن حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله. وقولنا: وقد نص أهل العلم على أن سفر المرء إلى مكان يرى فيه المنكر ولا يقدر على تغييره أو يخاف من الوقوع فيه محرم إلا لضرورة ملجئة، ليس في شيء منها ما يتنافى وركوب الطائرة لغرض مباح لمن التزم بغض بصره وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى الحرام.
واعلم أن حضور المنكر في الساحات أو الحانات أو غير ذلك من الأماكن التي يمكن للمرء أن ينصرف عنها ليس مثل حضوره في الطائرة، لأن أقصى ما يمكن فعله في الطائرة هو غض البصر. وأما الأماكن المذكورة فيمكن للمرء الذهاب إلى أماكن غيرها، ولا نرى أن ما قاله الشيخ الذي نسبته إلى السعودية يتعارض مع ما ذكر أيضا.
وتفسير قول الله تعالى: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72} قال فيه ابن كثير: أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال مروا كراماً. وهذا كما رأيت ليس بعيدا مما قاله لك الشيخ الذي سألته عن هذه الآية.
وإذا سافرت إلى إحدى الدول ثم ذهبت إلى مطعم وكانت التي تقدم الطعام امرأة متبرجة فلا مانع لك من الأكل داخله مع غض البصر, مع أنك لو اخترت مطعما لا توجد فيه امرأة متبرجة كان ذلك أحسن، وما قلناه في المطعم نقول مثله في الذهاب إلى مكان استئجار ألعاب ترفيهية مباحة، ونرجو بهذا أن نكون قد أجبنا على طلبك، ونطلب منك نحن بدورنا أيضا وننصحك بأن لا تدع مجالا للشيطان إلى شخصيتك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(9/354)
مفاضلة صاحب المدرسة بين المدرسين ماديا ومعنويا
[السُّؤَالُ]
ـ[مدير مدرسة عنده موظفون كثر والمدرسة إسلامية وهو صاحبها، يعامل بعض الموظفين بطريقة مختلفة عن معاملة الآخرين حسبما يراه هو مناسبا، لا شيء يحكمه إن على الصعيد المادي أو المعنوي، هل هذا الموضوع يعتبر عادلا بين الجميع، مع العلم أن بعض الموظفين يحمل هم الدعوة بعكس الآخرين،
كما أنه يعتبر أنه حر في أن يعطي الموظف مالا دونما عمل يقوم به، وبالمقابل يجبر آخر على أداء عمله بنفس الراتب؟
أفيدونا بارككم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك مدير مدرسة عنده موظفون كثر والمدرسة إسلامية وهو صاحبها، يفيد بأن المدرسة خصوصية وأنها ملك لمديرها. فإذا كان هذا هو ما تقصده في سؤالك، فإن تصرف المالك في ملكه لا يسمى ظلما. فمن حق مالك أية مؤسسة أن يختار العمال ويحدد الأجور والمكافآت ويوزع المهام حسب رغبته.
وإن كنت تعني أنها مؤسسة عمومية، وقولك: "وهو صاحبها" إنما تقصد به أنه هو المسؤول عن إدارتها وتسييرها، فالواجب عليه حينئذ –وقد استرعاه الله هذه الرعية- أن يتقي الله في رعيته، بإقامة العدل والقسط وتحري الحقائق حتى يصل فيها إلى الغاية القصوى، وذلك لإيصال كل حق إلى صاحبه.
والعمل بخلاف هذا مهلكة لصاحبه ووبال عليه في الدنيا والآخرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري وغيره.
وفي الصحيحين أيضا: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ... الحديث.
وما ذكرته عنه من المحاباة لبعض الموظفين دون بعض، من غير مرجح لما يفعل، ظلم بين وجور ظاهر يجب عليه أن يتوب إلى الله منه قبل أن يفجأه الموت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1427(9/355)
حكم عدم تلبية الامر المباح الذي يريده المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنة عمي توفيت قبل شهرين بسبب مرض السرطان، وكانت حالتها سيئة، والسؤال هو: أنها كانت تطلب من أهلها أن يحنوها ولم يفعلوا، فهل عليهم شيء، وأيضاً سقوها مشروبا غازيا زاد من سوء حالتها، وماذا عن البكاء عليها، فأرجو الإفادة أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يرحم ابنة عمك وجميع موتى المسلمين، وبخصوص عدم تلبية أهلها لطلبها بالحناء أو غير ذلك من الأمور المباحة فإنه لا يترتب عليهم فيه إثم ما دام ليس فيه العلاج لها والأخذ بالأسباب لدوائها أو التخفيف من مرضها وآلامها.... وكذلك الأمر بالنسبة لسقيها المشروب المذكور وغيره من الأغذية المباحة لا إثم عليهم فيه ما لم يقصد به ضرر لها، كما هو ظاهر، وكما يفعله كل الناس مع مرضاهم في كل زمان وكل مكان.
قال الحافظ في الفتح عند قول عائشة رضي الله عنها: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه. تعني الذي توفي فيه، فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لد ... قال الحافظ: والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا فكان ذلك تأديباً لا قصاصاً ولا انتقاماً ... لأنه قد نهاهم قبل ذلك أن يلدوه.
وأما البكاء على الميت فإنه يجوز إذا كان بدمع العين وحزن القلب فقط، وأما النوح والصراخ والندب ... فإنه من الكبائر، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 25255، والفتوى رقم: 52003.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1427(9/356)
كيف تعامل المرأة والدي زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أعامل أبا زوجي وأمه، هل أعاملهم مثل معاملتي لأمي وأبي أم ماذا، وفي حالة أنه شديد إلى حد متوسط، وبما أني أقيم معهم في منزل واحد، أريد الإجابة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للوالدين المكانة العالية، والرتبة السامية، فهما أحق من بذل له المعروف، ولين له في القول، وخفض له الجناح، ولكل مسلم من ذلك نصيب، وقد تفضل الله على بعض خلقه، بحسن الخلق، ولين الجانب، والذلة للمؤمنين، حتى تجده في تعامله مع المسلمين، ومن هم في سن والديه، كتعامله مع والديه، وهذا مأجور مثاب، فإن المعروف والإحسان، مطلوب لكل أحد، وليس لأعلاه حد، فإذا عاملت الأخت والدي زوجها كمعاملة والديها، فهذا خير وفضل وتثاب على ذلك، ولكن لا يجب عليها، ويزيد ثوابها إذا أحسنت إليهما بنية إرضاء الزوج، وإحسان عشرته، ونسأل الله أن يوفق الأخت لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1427(9/357)
المقصود بعبارة (ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك..)
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الإمام الشافعي رحمه الله (ثلاثاً إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك المرأة والخادم والنبطي) نريد معنى هذا الكلام أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه العبارة قد ذكرها الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء ونسبها للشافع ي رحمه الله وقال: أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك وفظاظتك برفقك. وليس المقصود عدم الإكرام جملة ولا الإهانة جملة؛ لأن ذلك يخالف أدب الإسلام وأمره بإكرام النساء والخدم وغيرهم ممن تحت اليد، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 69186، والفتوى رقم: 54727.
وإنما المقصود العدل في ذلك قال الغزالي: وعلى الجملة فبالعدل قامت السماوات والأرض, فكل ما جاوز حده انعكس على ضده, فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك.
وقديما قيل: لا تكن رطباً فتعصر, ولا تكن صلباً فتكسر. وهذا هو ما يمكن حمل تلك العبارة عليه إن صحت نسبتها إلى الشافعي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(9/358)
وقوف المرأة على قارعة الطريق لغير حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمرأة الوقوف على قارعة الطريق لغير حاجة ملحة؟ وبارك الله فيكم وسدد على طريق الحق خطانا وخطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل نهى المرأة عن التبرج وأمرها بالقرار في بيتها وعدم الخروج إلا لحاجة ... فقال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب:33} .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطرقات، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا شك أن النهي يتناول القيام أيضاً وهو في حق النساء آكد لأنهن مأمورات بالقرار في بيوتهن وعدم الخروج منها لغير حاجة، وبناء على ما تقدم فإن المرأة منهية عن الوقوف في الطريق لغير حاجة، ويجب عليها العودة إلى بيتها عندما تقضي حاجتها، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 60966، 48556، 66898.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1427(9/359)
أوقات الاستئذان وحكمه مع وجود الأبواب والستر
[السُّؤَالُ]
ـ[في آية الاستئذان رقم 58 في سورة النور.. هل الاستئذان يقتصر فقط على هذه الأوقات الثلاثة حتى في عصرنا هذا مع وجود الأبواب والفصل بين الغرف.. بحيث لو دخل الطفل غرفة أبويه فجأة في غير هذه الأوقات وكانوا في وضع محرج، فهل لا إلزام عليه بالاستئذان، وهل الآية تشمل الجواري والعبيد الذكور في عدم الاستئذان في غير هذه الأوقات، وما معنى (فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) في الآية التالية 59؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا تفسير آية الاستئذان في الفتوى رقم: 11327 وبينا حكم الاستئذان فيها.
وأما سؤالك هل يقتصر الاستئذان على تلك الأوقات الثلاثة، فالجواب عنه أن استئذان غير من ذكروا في الآية من المماليك والصبيان عام في جميع الأوقات فلا يدخلون بغير استئذان، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النور:27} ، وأما الصبيان والمماليك ذكوراً وإناثاً صغاراً أو كباراً فليس عليهم الاستئذان إلا في تلك الأوقات الثلاثة التي هي مظنة كشف العورات.. دفعاً للحرج لكثرة طوافهم، كما قال الله تعالى: طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {النور:58} ، قال الطبري: حكم ما ملكت إيماننا من ذلك حكم واحد سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم من أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث. لكن إن جرت العادة بكشف العورات في البيوت بعد العصر مثلاً فيصير ذلك وقت عورة فلا يلجون دون استئذان لأن الله سبحانه وتعالى نص على علة المنع من الولوج وهي كشف العورة، وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفي قوله (ثلاث عورات لكم) نص على علة إيجاب الاستئذان فيها. فأيما وقت صار عورة لدى الناس ولو خارج تلك الأوقات الثلاثة فإنه يشرع فيه الاستئذان ويلزم به المماليك والصبيان ستراً للعورات وتحقيقاً للمعنى الذي شرع في الآيات.
وأما تفسير قوله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {النور:59} ، فقد قال الطبري: وإذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربائكم (الحلم) يعني الاحتلام ... {فليستأذنوا} أي: فلا يدخلوا عليكم في وقت من الأوقات إلا بإذن لا في أوقات العورات الثلاث ولا في غيرها وقوله (كما استأذن الذين من قبلهم) أي: كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقربائه الأحرار وخص الله تعالى في هذه الآية الأطفال بالذكر دون ذكر ما ملكت الأيمان لأن حكم ما ملكت أيماننا من ذلك حكم واحد سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم من أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث التي ذكرها الله في الآية التي قبل. انتهى منه مختصراً.
وخلاصة القول أن الصبيان والمماليك إنما يؤمرون بالاستئذان في أوقات انكشاف العورات عادة, فإن بلغ الأطفال الحلم أمروا بالاستئذان كغيرهم من البالغين الأحرار، وقد زعم قوم أن حكم الآية منسوخ لوجود الحواجز التي تمنع النظر من الغرف والستر، قال البغوي: واختلف العلماء في حكم هذه الآية: فقال قوم: منسوخ قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يكن للقوم ستور ولا حجاب فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم ما لا يحبون فأمروا بالإستئذان، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان. وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة ... قال سعيد بن جبير: إن ناسا يقولون نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس.
وهذا القول هو الراجح لأن الأبواب والستر لا تمنع انكشاف العورة إذا فتحت فيستأذن لفتح الأبواب الموصدة وكشف الستر المرخاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/360)
دخول أم الزوج حمام زوجة ابنها بغير استئذان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسألكم، هل يجوز لأم زوجي (عمتي) أن تدخل حمام غرفتي بدون أن تستأذنني وقت وجودي في الغرفة حيث إن حمام غرفتي يقابل باب غرفتي، أرجو منكم إفادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يقع خلاف في مثل هذه الأمور سيما بين الأقارب والأصهار وذوي الرحم، ولكن نقول هنا إذا كان الحمام خاصاً بك غير مشترك لمن بالبيت, أو كان داخله يطلع على بعض عوراتك أو ما تكرهين الاطلاع عليه, أو كان العرف يقتضي ألا يدخل إلا بإذن منك، فليس لأم زوجك أو غيرها أن يدخله حتى يستأذن منك، فلهذا شرع الإستئذان حفظاً للعورات واحتراماً للخصوصيات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النور:27} .
وينبغي أن تبيني لها ذلك بما لا يجرح المشاعر ويؤدي إلى التنافر إن كان دخولها إياه يؤذيك أو يضرك, أو تكلمي زوجك ليبين لها بأسلوب هين لين حفاظاً على الألفة والمودة، وإن لم يكن في دخولها إياه ضرر عليك أو حرج بك فالتغاضي أحسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/361)
حرق الكتاب الذي جمع بين السحر والآيات القرآنية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عثرت على كتاب اسمه تسخير الجان بعون الله فيه عزائم وطلاسم فتبين لي أنه كتاب سحر.
كيف أتخلص منه علما أن فيه آيات قرآنية.
هل أحرقه كله؟ أو ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكتب التي تشتمل على ماهو معظم شرعا كالبسملة أو أسماء الله تعالى أو بعض الآي القرآنية وتخلط مع ذلك ما هو محرم شرعا كالطلاسم وأعمال المشعوذين تحرق حتى لا يراها العامة لأنه يخاف عليهم أن يعتقدوا صحة ما سطر فيها مما هو ضلال، فيتعين أن تحرق قياسا على ما حرقه الصحابة رضي الله عنهم من صحائف المصحف التي كان فيها اختلاف اللفظ ونقص آي منه ... والأصل في التحريق ما ثبت في البخاري أن عثمان رضي الله عنه بعد كتابته للمصحف أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال ابن بطال رحمه الله: في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/362)
الأمور الغريبة في بيت يشك أنه مبني على مقبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
نحن نعيش في بيت على مقربة من أرض مسكونة وتحدث في بيتنا أشياء غريبة أحيانا وعندما سألت عن موقع البيت قديما قالوا لي مبني هذا البيت على مقبرة رومانية فماذا نفعل وخصوصا بأن حياتنا مليئة بالمشاكل وغير موفقين بأي شيء أبدا أبدا؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نوصيكم بالالتزام بطاعة الله والبعد عن المعاصي والحفاظ على الأذكار المأثورة مقيدة ومطلقة، واحرصوا على قراءة سورة البقرة في بيتكم، وأكثروا سؤال الله أن يعينكم ويصرف عنكم شر كل ذي شر، ولا تتأثروا بما يقال عن المقابر القديمة فإنه لا اعتبار في مسألة المقابر على ما لم يتحقق منه، وقل أن تخلو أرض من قبور قديمة كما قال المعري:
خفف الوطء ما أظن أديم * الأرض إلا من هذه الأجساد.
وأما إذا تحققتم من وجود المقابر أو حصلت غلبة الظن فعليكم بالبعد عن السكن فوقها إذا كانت عظامها لا تزال موجودة لأن القبر حبس على صاحبه لا يجلس عليه ولا يمشى عليه، ولكن احتمال وجود عظام لمقبرة رومانية قد يكون تاريخها قبل فتح المسلمين لبلاد الشام أمر مستبعد جدا.
وراجعوا الفتاوى التالية أرقامها: 46935، 1447، 58076، 65687، 72511، 24671.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(9/363)
هجر المسلم فوق ثلاث
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يقول الشرع لزوج بين زوجته وأخواته قطيعة دائمة وامتنعن من المصالحة معها رغم طلبها لهن. ومع ذلك يشتري ملابس أولاده من أخته رغما عن الزوجة بحجة أنها أرخص. حتى ملابس العيد يمتنع من إعطائها نقودا لاختيار ملابس أولادها فهل عليه إثم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هجر المسلم لا يجوز فوق ثلاث لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
فلا يحل لأخوات زوجك الاستمرار على هجرك وينبغي نصحهن وبيان حرمة ما يفعلن، أما بالنسبة لك فإذا أنهيت الهجر والقطيعة من جانبك فلا إثم عليك ويقع الإثم عليهن، وليس على الزوج حرج في شراء ملابس أولاده من أخته، بل إذا كان هناك مصلحة شرعية كأن يكون فيه نوع من الصلة فيستحب ذلك ويؤجر عليه إن شاء الله.
وبما أن الزوج هو المسؤول عن ملابس أولاده وهو الذي يدفع ثمنها فالاختيار له ولاسيما إن كان في اختياره مصلحة الرخص العائدة عليه بالفائدة مع مصلحة صلة الرحم التي هي أهم وآكد، ومع ذلك فإنا ننصحه بالرفق بزوجته وبمعالجة هذا الموضوع بحكمة، وأن لا يكون هذا الموضوع مع بساطته سببا للخلاف بينه وبين زوجته، كما ننصحها هي أن تعين الزوج على صلة رحمه وأن تحثه على الإحسان إلى أخواته، ولها مثل أجره فإن الدال على الخير كفاعله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1427(9/364)
المعروف يرد بمثله أو أحسن منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ولدي زميلاتي في العمل وأنا أخاف الله في علاقتي مع الناس جميعا لدرجة أنني أحاسب نفسي كثيرا جدا إذا صدر مني أمر ما وأزعج أحدا، وإحدى الزميلات في العمل لديها بعض الصفات أو الطباع غير الحميدة ولا أدري إن كان هذا طبعا لها أم ماذا، إنها لا تتلفظ كثيرا (نادرا) بالشكر والامتنان إن قدمت لها شيئا أو إن كان هنا ما يستوجب عليها مباركته ورغم ذلك أنا أعاملها بما يرضي الله وبما أوصانا به الرسول من الأخلاق الحميدة، بالرغم من أنها تصلي ومتحجبة وهي ليست سيئة إن شاء الله. ولي غيرها من الزميلات اللاتي يقدمن لي الشكر والامتنان والدعاء على أي شيء أقدمه لهم، والله يعلم أنني إن قدمت شيئا فلا أبتغي به سوى مرضاة الله عني وعن حياتي، ولكن بطبع الإنسان يرغب بسماع الكلمة الطيبة، سؤالي هنا أفكر دائماً هل أنا مقصرة تجاهها أم هناك بنفسها شيء تجاهي أم هي هواجس فقط وعلي التخلص منها أم هي حساسية مفرطة مني؟؟ أو هل علي أن أصارحها عن تصرفاتها تلك؟؟ وما هي العلاقة التي تتوجب أن تكون مع الصحبة؟؟ وهل علي أن أتعامل مع الكل على حد سواء؟! أم يجب أن يكون هناك تفضيل وتمييز بين الآخرين حسب نفسياتهم وأخلاقهم وكرمهم الديني؟
وأرجو توضيح المعاني التالية حول: الاعتدال في المحبة، والاقتصاد في المديح، والإنصاف في المعاملة، والتوسط في المعاشرة، والالتزام بالشرع في المخالطة. أرجو منكم إفادتي وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن يرد المسلم المعروف بالمعروف كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أحمد وأبو داود.
فهذه الأخلاق وأمثالها هي ما ينبغي أن يتعامل به المسلم مع إخوانه، ولعل هذه الأخت التي لا تقابل ما يقدم إليها من الإحسان بالشكر والدعاء..... لعل ذلك عائد إلى طبيعتها، فمن الناس من يكون قليل الكلام بطبيعته،
وما دامت صديقتك متحجبة ومقيمة للصلاة فينبغي أن تظني بها أحسن الظن وتلتمسي لها أحسن المخارج.
ويمكن أن تتهمي نفسك بأنك مقصرة معها أو مع غيرها أو في أمر من الأمور، فالإنسان محل نقصان وعيوبه غائبة عنه، ولا مانع من مصارحتها بهدوء ومودة، فلعل عندها عذرا فيما تفعل، والأصل أن يعامل المسلم إخوانه جميعا على حد السواء وأن يكافئ من يستحق ويرد المعروف بمثله أو أحسن منه على من أسدى إليه معروفا.
وأما التوسط والاعتدال في الأمور التي ذكرت وفي غيرها بل وفي الحياة كلها حتى في العبادة فهذا هو منهج الإسلام وميزة هذه الأمة كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً {البقرة: 143}
وعن الاعتدال في المحبة يقول صلى الله عليه وسلم: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما م ا. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وقد وردت نصوص كثيرة من الوحي تدل على هذا المعنى لا يتسع المقام لذكرها نرجو أن تطلعي عليها في محلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1427(9/365)
حكم ضيافة ابن السبيل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ضيافة ابن السبيل واجبة شرعا؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا معنى ابن السبيل في الفتوى رقم: 37440، وأما حكم ضيافته إذا نزل ضيفا فهي واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قري ضيفه قيل وما قري الضيف؟ قال ثلاثة فما كان بعد فهو صدقة. رواه أبو يعلى، وقال الشيخ حسين أسد إسناده صحيح، وقد بينا المدة التي تجب فيها ضيافته وكلام أهل العلم في ذلك في الفتوى رقم: 35629.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الثاني 1427(9/366)
تحرك الشهوة عند سماع القصص المثيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أقرأ أو أسمع عن قصص الاغتصاب أو غيره تتحرك الشهوة عندي، فهل هذا طبيعي، مع أني أشعر أيضاً بالأسف للضحية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن المسلم لا يجوز له أن يقرأ القصص الإباحية لما تحويه من فسق ومنكر وتصوير للفاحشة وتخيل لها، كما لا يجوز له أيضاً الاستماع إليها، لأن المسلم يجب عليه كف بصره وسمعه عن كل منكر وفحش، وانظر الفتوى رقم: 13726.
وأما تحرك الشهوة عند ذكر الأمور التي تجلبها في العادة فهو أمر غريزي، ولا مؤاخذة على المرء فيه إذا لم يتعمد القراءة أو المشاهدة لما يجلبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1427(9/367)
لا مؤاخذة على المرأة إن هي احتلمت
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل كل شيء أشكركم جزيل الشكر على الإصغاء والمساعدة.. وجزاكم الله كل خير، سؤالي محرج بعض الشيء أنا فتاة أبلغ من العمر 31 عاماً أصلي وأداوم على كل عبادة الله أصوم أتصدق حيث إنني في بعض الأحيان أتأثر وأحتلم في بعض الأحيان أتأثر جنسيا، مع العلم بأنني لا أشاهد التلفاز أبداً أبداً، وإذا شاهدت أشاهد على قناة اقرا والمجد والحقيقة مثلا في العمل عندما أرى شخصين فتى وفتاة يحكمني وسواس، فأنا والله قلقة جداً من هذا الموضوع فما هو الحل، في بعض الأحيان أكون في الليل فينتابني هذا الوسواس فأخرج المصحف وأظل أقرأ وأقرأ بدون جدوى أرجوكم ساعدوني وانصحوني وادعو لي في صلاتكم، فأنا قلقة جداً، أنا والله إنسانة جد متدينة ومتحجبة ويحدث لي أمر كهذا لماذا حتى أنني أدعو في الصلاة، أن يرزقني ربي بزوج صالح لأتخلص من هذا الوسواس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاحتلام أمر طبيعي وقد يقع بسبب الشيطان، وقد يقع بسبب قوة المحتلم وغزارة المني عنده، كما ذكر ابن القيم والنووي رحمهما الله تعالى، وليعلم أن الاحتلام لا إثم فيه، ولذلك لا يؤثر على الصوم ولا على الحج، بل قد يكون رحمة من الله بالشخص لتخف حدة شهوته فلا يقارف الحرام ولا يتطلع إليه، فالاحتلام إذن لا يؤاخذ عليه الشخص، لأنه شيء خارج عن إرادته واختياره، والمرأة تحتلم مثل الرجل، لما رواه البخاري عن أم سلمة: أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء. فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبم يشبه الولد. وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدت المرأة في المنام ما يجد الرجل فلتغتسل.
هذا وليعلم أنه لا ينبغي التسبب فيه بالتفكر في أمور الجنس قبل النوم، ويتأكد منع ذلك في التفكير في الأجانب وأعمال الفجار فهو محرم، لأنه قد يسبب الفتنة، فعليك أن تصرفي تفكيرك عن هذه الأمور، وعليك بأذكار النوم ومنها آية الكرسي فمن قرأها عند النوم لم يقربه شيطان، كما في صحيح البخاري.
هذا وننصحك بدعاء الله أن يرزقك زوجاً مرضياً وبالمحافظة على الحجاب الشرعي والعفة والبعد عن الاختلاط، وغض البصر لقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله. رواه البخاري من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
كما ننصحك بالسعي في طلب أبيك أو ولي أمرك أن يعرضك على أحد الشباب المستقيمين من أقربائك أو غيرهم إن تيسر ذلك ويزوجك به، ولا يمنعنك من ذلك كونه فقيراً فعسى أن يغنيه الله بسبب الزواج، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32} ، وقال صلى الله عليه وسلم: من أعطى لله, ومنع لله, وأحب لله, وأبغض لله, وأنكح لله, فقد استكمل إيمانه. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد والترمذي، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
وعليك بالحرص على تخفيف المهر فهو من يمن المرأة كما في الحديث: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها, وتيسير صداقها, وتيسير رحمها. رواه أحمد من حديث عائشة.
ومما يدل لمشروعية عرض المرأة على من يتزوجها ما أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها.
وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ {القصص:27} ، وكذلك الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلى شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لا يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت, إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو تركها لقبلتها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وفيه -أي الحديث- عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه، لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه، ولو كان متزوجاً، لأن أبا بكر كان حينئذ متزوجاً. انتهى.
وراجعي في أسباب استجابة الدعاء، وفي عرض الرجل بنته على أهل الصلاح الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1390، 2150، 2395، 23599، 13770، 7087.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1427(9/368)